الكتاب: المسودة في أصول الفقه المؤلف: آل تيمية [بدأ بتصنيفها الجدّ: مجد الدين عبد السلام بن تيمية (ت: 652هـ)، وأضاف إليها الأب،: عبد الحليم بن تيمية (ت: 682هـ)، ثم أكملها الابن الحفيد: أحمد بن تيمية (728هـ)] المحقق: محمد محيي الدين عبد الحميد الناشر: دار الكتاب العربي عدد الأجزاء: 1   [ترقيم الكتاب موافق للمطبوع وهو مذيل بالحواشي] ---------- المسودة في أصول الفقه مجد الدين بن تيمية الكتاب: المسودة في أصول الفقه المؤلف: آل تيمية [بدأ بتصنيفها الجدّ: مجد الدين عبد السلام بن تيمية (ت: 652هـ)، وأضاف إليها الأب،: عبد الحليم بن تيمية (ت: 682هـ)، ثم أكملها الابن الحفيد: أحمد بن تيمية (728هـ)] المحقق: محمد محيي الدين عبد الحميد الناشر: دار الكتاب العربي عدد الأجزاء: 1   [ترقيم الكتاب موافق للمطبوع وهو مذيل بالحواشي] مسائل الأوامر: إذا وردت صيغة أفعل من الأعلى ... مسائل الأوامر* مسألة: إذا وردت صيغة "أفعل" من الأعلى إلى من هو دونه متجردة عن القرائن فهي أمر وقالت المعتزلة1 لا يكون أمرا إلا بإرادته الفعل2 وقالت الأشعرية ليست3 للأمر صيغة وصيغة أفعل لا تدل عليه إلا بقرينة وإنما الأمر معنى قائم بالنفس4. وقال ابن برهان إرادة المتكلم بالصيغة لا خلاف في اعتبارها حتى لو صدرت من مجنون أو نائم أو [ساه] 5 لم يكن أمرا [وأما إرادة كونها أمرا] 6 فاعتبره المتكلمون من أصحابنا ليصرف [اللفظ بها] عنها من جهة الأعذار والإنذار والتعجيز والتكوين [أو يعبر بها] عن المعنى القائم بالنفس. قال وقال الفقهاء من أصحابنا لا يشترط ذلك بل اللفظ بإطلاقه وتجرده عن القرائن يصرف إلى الأمر ولا يصرف إلى غيره إلا بقرينة "ز هـ"   * انظر المباحث الأمر في الإحكام لسيف الدين الآمدي "2/188 - 274" طبع دار المعارف في سنة "1332 هـ 1914م" وفي فواتح الرحموت بشرح الثبوت "1/367 - 395" بولاق سنة "1322هـ" وفي إرشاد الفحول للشوكاني "86 - 102" طبع السعادة "1327هـ" وفي التقرير والتحبير لابن أمير حاج "1/303 - 329" بولاق في سنة "1316هـ" وفي نهاية السول للاسنوي بهامشه "1/247 - 277" وفي شروح جمع الجوامع انظر حاشية البتاني "283 202" طبع بولاق 1285هـ" والآيات البينات لابن قاسم العبادي "2/203 - 237" بولاق سنة 1289هـ" وفي المستصفى للغزالي "2/1 - 24" بولاق وفي شروح مختصر المنتهى لابن الحاجب "2/77 - 95" بولاق "1317هـ" وفي روضة الناظر وجنة المناظر لابن قدامة المقدسي الحنبلي "2/62 - 111" طبع السلفية في سنة "1342هـ. 1 في ا "وقال المعتزلة". 2 في ا "بإرادة الفعل". 3 في ا "ليس للأمر". 4 في ا "قائم في النفس". 5 في مكان هذه الكلمة بياض في ا. 6 سقطت هذه الجملة من ب وحدها وأحسبه سبق نظر من الناسخ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 4 فصل: الأمر بالأمر بالشيء ليس آمرا به مع عدم الدليل عليه ذكره الرازي والمقدسي. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 5 مسألة: الأصل في الأمر الوجوب نص عليه في مواضع وبه قال عامة المالكية وجمهور الفقهاء والشافعي وغيره وقالت المعتزلة وبعض الشافعية: الأصل فيه الندب وقال أكثر الأشعرية وشيخهم هو على الوقف بينهما إذا ثبت الاستدعاء وقال قوم الأصل في صيغة الأمر مجردة الإباحة وقد نقل الميمون عن أحمد أنه قال: الأمر أسهل من النهي ونقل عنه علي بن سعيد ما أمر به النبي صلى الله عليه وسلم عندي [أسهل مما] 1 نهي عنه فيحتمل أنه أراد أنه على الندب [وهو بعيد لمخالفته] منصوص الكثيرة ويحتمل وهو الأظهر أنه قصد أنه [أسهل] بمعنى أن جماعة من الفقهاء قالوا بالتفرقة بأن الأمر للندب والنهي للتحريم والنهي على الدوام والأمر لا يقتضي [التكرار وزعم] أبو الخطاب أن هذا يدل على [أن] إطلاق الأمر يقتضي الندب قال والد شيخنا: وقد ذكر أصحابنا رواية الميمون وعلي بن سعيد [عن الإمام أحمد رحمه الله] بأن الأمر أسهل من النهي فهل يجوز جعلها رواية [عنه ينبني] ذلك على أصلين من أصول المذهب على ما هو مقرر في موضعه أحدهما أن الإمام إذا سئل عن مسألة فأجاب فيها بحظر أو إباحة ثم سئل عن غيرها فقال ذلك أسهل وذلك أشد أو قال: كذا أسهل من كذا فهل يقتضي ذلك المساواة بينهما في الحكم أم الاختلاف اختلف في ذلك الأصحاب فذهب أبو بكر غلام الخلال إلى المساواة [بينهما] في الحكم وقال أبو عبد الله بن حامد يقتضي ذلك الاختلاف [لا المساواة] الأصل الثاني إذا رويت عنه رواية تخالف أكثر منصوص فهل يجوز جعلها مذهبا له [أم لا] ؟ فذكر أبو بكر2 الخلال وصاحبه عبد [العزيز إلى] أنها ليست   1 كل ما بين المعقوفين – إلا ما ننوه به – زيادة عن ب ومكان أكثر بياض أو تحريق في أوراق ا. 2 في ب "فذهب أبو بكر الخلال". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 5 مذهبا [له] 1 وذهب ابن حامد إلى أنه لا يطلق ذلك وإن كان دليلها أقوى قدمت. فتحرر من ذلك أن لأصحابنا في إثباتها رواية أعني رواية الميمون وعلى ابن سعيد في الأمر طريقين [فطريقة أبي بكر نفيها في الأصلين وهو الأولى2] في مسألة الأمر [خصوصها3] لضعف دليلها ومخالفتها لأكثر العلماء وأكثر منصوص وطريقة ابن حامد إثباتها4 في الأصلين وهو حسن والله أعلم. وذهب أبو الحسين البصري وجماعة [من] المعتزلة إلى أنها للوجوب كقولنا قال ابن برهان: هو قول الفقهاء قاطبة.   1 هذه الكلمة وحدها ساقطة من ب. 2 تقرأ في ب "وهو الأول". 3 هذه الكلمة في ب وحدها. 4 في ب "في إثباتها في الأصلين" وواضح أن كلمة "في" الأولى لا حاجة بالكلام إليها وهي ساقطة من ا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 6 مسألة: لفظ الأمر إذا أريد به الندب فهو حقيقة فيه على ظاهر كلامه واختار أكثر أصحابنا القاضي وابن عقيل وهو نص الشافعي حكاه أبو الطيب وقال هو الصحيح من مذهبه وقالت الحنفية الكري والرازي هو مجاز واختاره عبد الرحمن الحلواني من أصحابنا وعن الشافعي كالمذهبين "ز" وللمالكية وجهان والثاني اختيار أبي الطيب لما أفرد المسألة وحكاه أبو الطيب في أوائل كتابه عن نص الشافعي أنه مأمور به بخلاف قوله: لما أفرده مسألة واختاره ابن عقيل وقال هو قول أكثر أهل العلم [من] الأصوليين والفقهاء. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 6 مسألة: وإن أريد به الإباحة فعندي أنه مجاز وهو قول الحنفية والمقدسي واختيار1 ابن عقيل وقال هو قول أكثر أهل العلم من الأصوليين وذكر أبو الخطاب أن هذه المسألة من فوائد الأمر هل هو حقيقة في الندب فيجيء   1 في ب "واختار ابن عقيل". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 6 فيها1 الوجهان لنا وقال القاضي [يكون حقيقة] أيضا وحكي عن الشافعية كالمذهبين وهو مقتضى كلام القاضي في مسألة الأمر بعد الحظر وحكي ابن عقيل أن الإباحة أمر وأن المباح مأمور به عن البلخي وأصحابه والأول أصح وهو للمقدسي في أوائله في [قسمة] المباح. فصل: التحقيق في مسألة أمر الندب مع قولنا إن الأمر المطلق يفيد الإيجاب أن يقال الأمر المطلق لا يكون إلا إيجابا وأما المندوب إليه فهو مأمور به أمرا مقيدا لا مطلقا فيدخل في مطلق الأمر لا في الأمر المطلق يبقى أن يقال فهل يكون حقيقة أو مجازا فهذا بحث [اصطلاحي] . وقد أجاب عنه أبو محمد البغدادي بأنه مشكك كالوجود والبياض. وأجاب القاضي بأن الندب يقتضي الوجوب فهو كدلالة العلم على بعضه2 وهو عنده ليس مجازا3 وإنما المجاز دلالته على غيره. قال شيخنا رضي الله عنه قلت: الندب الذي [هو الطلب] غير الجازم [جزء من] الطلب [الجازم] فتكون [فيه الأقوال الثلاثة التي هي في العام] يفرق في الثالثة بين القرينة4 اللفظية المتصلة كقولك من فعل فقد [أحسن] وبين غيرها فصل: ذكر القاضي وغيره في ضمن المسألة أن المندوب5 طاعة فوجب أن يكون   1 في ب "فيه وجهان لنا". 2 قرئت في ا "كدلالة المتكلم على نفسه" والعلم المركب كعبد الله يدل جزؤه على معنى ليس هو جزء معنى العلم المقصود بعد علميته. 3 في ب "ليس بمجاز". 4 في ب "بين القرينتين ..... إلخ". 5 في ب "بأن المندوب .... إلخ". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 7 مأمورا به كالواجب وسائر كلامه في المسألة يقتضي أن كل مندوب إليه فهو مأمور به حقيقة وهذا قول أبي محمد وهو غير قولنا المأمور به ندبا مأمور به حقيقة فإن هذا [أخص من] 1 الأول وكلام [الإمام] أحمد في إطلاق الأمر على [ما أمر] به النبي صلى الله عليه وسلم أمر ندب دليل على أنه ليس كل ما بعد قربة فقد أمر به حقيقة وهذا أصح فيصير في المسألتين ثلاثة أقوال وقد ذكر القاضي أيضا في موضع [آخر] أن المرغب فيه لا يكون مأمورا به وإن كان طاعة فصار أيضا في المرغب فيه من غير أمر هل يسمى طاعة وأمرا حقيقة ثلاثة أقوال الثالث أنه طاعة وليس بمأمور به. فصل: قال القاضي كون الفعل حسنا ومرادا على الوجوب ما لم يدل دليل على التخيير وفي النوافل والمباحات قد ذكر الدليل فلهذا لم يقتض الوجوب قال: وجواب آخر أنا لا نسلم أن الأمر يدل على حسن المأمور به وإنما يدل على طلب الفعل واستدعائه من الوجه الذي بينا وذلك يقتضي الوجوب وهذا هو [الجواب] 2 المعول عليه. قال شيخنا قلت: فيه فائدتان إحداهما نفي الأول والثانية قوله: "يدل على الطلب والاستدعاء" فجعله مدلول الأمر لا غير [الأمر] 3 "زد". فصل: قال الرازي ليس من شرط الوجوب تحقق العقاب على الترك هذا هو المختار وهو قول القاضي أبي بكر خلافا للمعتزلة4.   1 في ا "وقال هذا خلاف الأول". 2 هذه الكلمة ساقطة من ب. 3 هذه الكلمة في ب وحدها. 4 في ا "خلافا للغزالي". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 8 مسألة: في أن للأمر صيغة [حقق الجويني] صحة هذه العبارة على كلا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 8 المذهبين مذهب [مثبتي] كلام [النفس] ومذهب نفاته فقولنا صيغة الأمر عند من أثبته فمعناه أن لهذا المعنى صيغة عبارة تشعر به وأما من نفاه فقولهم صيغة الأمر كقولك1 ذات الشيء ونفسه وآيات القرآن وأن الأشعرية القائلين بالوقف اختلفوا في تنزيل مذهبه فمنهم من قال: الصيغة مشتركة وضعا ومنهم من قال: المعنى بالوقف أنا لا ندري على أي وضع جرى قول القائل "افعل" في اللسان فهو إذا مشكوك فيه "ز" ومنع ابن عقيل أن يقال للأمر والنهي صيغة أو أن يقال هي دالة عليه بل الصيغة نفسها هي الأمر والنهي2 والشيء لا يدل على نفسه قال: وإنما يصح هذا على قول المعتزلة الذين يقولون الأمر والنهي والإرادة والكراهة والأشاعرة الذين يقولون هما معنى قائم في النفس والصيغة دالة على ذلك المعنى وحكاه عنه وأما أصحابنا فإني تأملت المذهب فإذا به يحكم بأن الصيغتين أمر ونهي قال: فقول شيخنا الصيغة دالة بنفسها على الأمر والنهي اتباع لقول المتكلمين وإلا فليس لنا أمر ونهي غير الصيغة بل ذلك قول وصيغة والشيء لا يدل على نفسه [قال شيخنا أبو العباس حفيد المصنف] قلت: قول القاضي وموافقيه صحيح من وجهين أحدهما أن الأمر مجموع اللفظ والمعنى فاللفظ دال على التركيب وليس هو عين المدلول3 الثاني أن اللفظ دال على صيغته التي هي الأمر به كما يقال يدل [على] كونه أمرا ولم يقل على الأمر فصل: حقق ابن عقيل صيغة الأمر على مذهب أهل السنة ومذهب الأشعرية في   1 في ب "مثل قولك". 2 في ا "بل الصيغة نفسها من الأمر والنهي" تحريف. 3 في ا "وليس هو غير المدلول". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 9 أول كتابه في الحدود وفي مسائل الخلاف وقال الفخر إسماعيل في حد الأمر انه خطاب أصلي يستدعي به الأعلى من الأدنى فعلا وذكر لاشتراط الأصالة فوائد فلينظر. وحاصل قول ابن عقيل أن نفس الإيجاب الذي هو استدعاء الأعلى من الأدنى على وجه الحتم والتضييق لا يقبل التزايد والتفاضل كسائغ وجائز ولازم وقولنا في الخبر صادق وكاذب وفي الصفات عالم فإن ذلك كله لما انتظم حد واحد وكان حقيقة واحدة فلا يقال أعلم وأصدق وأكذب وكما لا يمكن أن تكون معرفة المعلوم على ما هو به أمرا يتزايد كذلك الاستدعاء ونسلم اختلافه بحسب الثواب والعقاب لتعدد المحل كاختلاف العلم بالنسبة إلى المعلومات وسلم له العماد أن الصدق على الشيء الواحد أو الكذب لا يتفاوت ومنعه في العلم والمعرفة بناء على مسألة الإيمان وذكر في حجة المخالفة صحة التفاضل بقولهم أحب وأحسن وأبغض وأقبح وأنه لا خلاف أنه يحسن أن يقال الظلم صفة أقبح الزيادة1 وادعى أيضا أن حقيقة الطهارة والسكون وكون الشيء سنة2 لا تقبل الزيادة بخلاف [الحموضة] والحلاوة وأما التزايد بحسب المفعول أو الأمر وهو التعلق [فلا خلاف فيه] وقد يسلم قولهم أصدق [باعتبار خبرين] وكثرة الصدق [وقلته] ويسلم أيضا أوجب بمعنى زيادة الثواب والعقاب وهو يمنع التفاضل في نفس الصفة المتعلقة وتسمية التعلق وهذا ضعيف والصواب أن جميع الصفات المشروطة بالحياة تقبل التزايد وكذلك غير المشروطة بالحياة تقبل التزايد ولنا في المعرفة الحاصلة في القلب في الإيمان هل تقبل الزيادة والنقص روايتان والصحيح [في] مذهبنا ومذهب جمهور أهل السنة إمكان الزيادة في جميع هذا الباب وذلك أمر يجده الإنسان من نفسه عند التأمل.   1 في ا "أقبح الوفادة" وكلتا الكلمتين لا يستدعيهما الكلام. 2 في ا "وكون الشيء سيئة" تحريف. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 10 فصل: ولا بد في أصل الصيغة المطلقة من اقترانها بما يفهم منه [المأمور] 1 أن مطلقها ليس بحاك عن غيره ولا هو2 كالنائم ونحوه فصل: ذكر القاضي في كتاب الروايتين والوجهين خلافا في الوقف في الظواهر [في المذهب] 3 فقال هل للأمر صيغة له مبينه في اللغة تدل بمجردها على كونه أمرا إذا تعرت4 عن القرائن أم لا نقل عبد الله عنه في الآية إذا جاءت عامة مثل: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} 5 وأن قوما قالوا: يتوقف فيها فقال أحمد قال الله تعالى: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ} 6 فكنا نقف لا نورث حتى ينزل أن لا يرث قاتل ولا مشرك ونقل صالح أيضا في كتاب طاعة الرسول قال: وقال: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} 5 فالظاهر يدل على أن من وقع عليه اسم سارق وإن قل وجب عليه القطع حتى بين النبي صلى الله عليه وسلم القطع في ربع دينار وثمن المجن فقد صرح بالأخذ بمجرد اللفظ ومنع من الوقف فيه وهذا يدل على أن له صيغة تدل بمجردها7 على كونه أمرا وقال في رواية أبي عبد الرحيم الجوزجاني من تأول القرآن على ظاهره بلا أدلة من الرسول ولا أحد من الصحابة فهو تأويل أهل البدع لأن الآية قد تكون عامة قصدت لشيء بعينه ورسول الله   1 هذه الكلمة ليست في افيقرأ فيها "يفهم" بالبناء للمجهول. 2 في ا "ولا هاذى كالنائم" تحريف. 3 هذه الكلمة ساقطة من ب. 4 في ب "إذا تفرد عن القرائن". 5 من الآية 38 من سورة المائدة. 6 من الآية11 من سورة النساء. 7 في ا "على أن الصيغة تدل مجردها – إلخ" واتفقتا فيما يلي على ما أثبتناه موافقا لما في ب والمعنى المراد واضح. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 11 صلى الله عليه وسلم هو المعبر عن كتاب الله تعالى [وقال] فقد منع من الأخذ بظاهر الآية حتى يقترن ببيان الرسول فظاهر هذا أنه لا صيغة له تدل بمجردها على كونه أمرا بل هو على الوقف حتى يدل الدليل على المراد بها من وجوب أو ندب والمذهب هو الأول وأن له صيغة تدل بمجردها على كونه أمرا ولا يجب الوقف وقد صرح به في مواضع كثيرة من كلامه في مسائل الفروع. قلت قال الشيخ: أولا نصوص أحمد إنما هي في العموم لا في الأمر لكن القاضي اعتبر جنس الظواهر من الأمر والعموم وغيرهما وهو اعتبار جيد من هذا الوجه فيبقى أنه قد حكى عن أحمد رواية بمنع التمسك بالظواهر المجردة [كما حكى عنه رواية بالقياس بمنع التمسك بالمعاني المجردة] وقد جمعهما في قوله: ينبغي للمتكلم [في أمر] 1 الفقه أن يجتنب2 هذين الأصلين المجمل والقياس ومن أصحابنا من يدفع هاتين الروايتين ويفسرهما بما يوافق سائر كلامه فيكون مقصوده أحد شيئين إما منع التمسك بالظواهر3 حتى تطلب المفسرات لها من السنة والإجماع كما هو إحدى الروايتين المعروفتين وأما منع إلا كتفاء بها وحدها4 مع معارضة السنة5 [والإجماع كما هو طريقة كثير من أهل الكلام والرأي أنهم يدفعون السنة والأثر] بمخالفة ظاهر القرآن ولهذا صنف رسالته المشهورة في الرد على من اتبع الظاهر وإن خالف السنة والأثر وهذا المعنى لا ريب أنه أراده فإنه كثير في كلامه وقد قصد إليه بوضع كتاب والمعنى الذي قبله قريب من كلامه فيحكى6 حينئذ في اتباع الظواهر ثلاث روايات إحداهن اتباعها [مطلقا] 7   1 في اهنا "بالمعاني المجردة" وسقط منها ما بين المعقوفين والظاهر أن ذلك وقع عن انتقال نظر الناسخ. 2 كلمة "أمر" ساقطة من ب. 3 في ا "أن يحقق هذين الأصلين ..... إلخ". 4 في ب "بهما وحدهما". 5 في ب "مع مخلفة السنة والأثر" سقط منها ما بين المعقوفين. 6 في ا "فحكي". 7 كلمة "مطلقا" من ا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 12 ابتداء إلا أن يعلم ما يخالفها ويبين المراد بها والثاني لا تتبع حتى يعلم ما يفسرها وهو الوقف المطلق ولا أبعد أنه قول طائفة من المحدثين كما في القياس وكذلك حكى أبو حاتم في اللامع أن أكثر ظواهر القرآن تدل على الأشياء بأنفسها [ومن الناس] من قال: كل شيء منه محتاج إلى تفسير الرسول والأئمة1 التي أخذت عن الرسول والثالث وهو الأشبه بأصوله وعليه [أكثر أجوبته] أنه يتوقف فيها إلى أن يبحث عن المعارض فإذا لم يوجد المعارض عمل بها وهذا هو الصواب إن شاء الله كما اختاره أبو الخطاب2. ثم إن هنا لطيفة وهي أن أحمد لم يقف لأجل الشك في اللغة كما هو مذهب الواقفة في الأمر والعموم وقد سلم الظهور في اللغة ولكن هل يجوز العمل بالظن المستفاد من الظواهر الأقيسة هذا مورد كلامه فتدبره ففرق بين وقف لتكافؤ الاحتمالات عنده وإن سلم ظهور بعضها في اللغة لكن لأن التفسير والبيان قد جاء كثيرا بخلاف الظهور اللغوي إما لوضع شرعي أو عرفي أو لقرائن متصلة أو منفصلة فصاحب هذه الرواية يقف وقفا شرعيا والمحكى خلافهم في الأصول يقفون وقفا لغويا. ثم قال:   1 موضع هذه الألفاظ خروق في ا. 2 من هنا ساقط من اوسنبين آخره عند نهاية السقط. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 13 مسألة: إذا ثبت أن له صيغة مبنية له تدل بمجردها على كونه أمرا فهل يدل إطلاقها على الوجوب أم لا نقل عنه أبو الحارث إذا ثبت الخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم وجب العمل به فظاهر هذا أنه يقتضي الوجوب. قلت يقتضي وجوب العمل به على ما اقتضاه من إيجاب أو استحباب أو تحريم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 13 قال: وكذلك نقل صالح عنه فيمن صلى خلف الصف وحده قال: أمر النبي صلى الله عليه وسلم رجلا صلى خلف الصف أن يعيد الصلاة وكذلك نقل عنه إبراهيم بن الحارث إذا أخرج القيمة في الزكاة أخشى إلا يجزئه لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بكذا ونقل صالح في كتاب طاعة الرسول في قوله: {وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ} 1 بالظاهر يدل على أنه إذا ابتاع شيئا أشهد عليه فلما تبايع الناس وتركوا الإشهاد استقر حكم الآية على ذلك ونقل الميمون عنه وقد سئل عن قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم وما نهيتكم عنه فانتهوا" فقال الأمر أسهل من النهي وكذلك نقل علي بن سعيد قال: ما أمر به النبي صلى الله عليه وسلم فهو عندي أسهل مما نهي عنه فقال فقد غلظ في النهي وسهل في الأمر وظاهر هذا يمنع من الوجوب وأنه على الندب. قلت بل يقتضي أن الأمر بالشيء ليس نهيا عن ضده وذكر القاضي النهي محل وفاق في المذهب في اقتضائه التحريم. فصل: وذكر القاضي أن الكتابة والإشارة لا تسمى أمرا يعنى حقيقة ذكره محل وفاق وقد ذكر في موضع آخر أن الكتابة عندنا كلام حقيقة وأظنه في مسألة الطلاق بالكتابة. فصل: وذكر القاضي هل يجيء الاستفهام عن الأمر المجرد هل هو واجب أو مستحب فيه منع وتسليم.   1 من الآية "282" من سورة البقرة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 14 فصل: ذكر القاضي من ألفاظ أحمد التي أخذ منها أن الأمر عنده على الوجوب قال في رواية أبي الحارث: إذا ثبت الخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم وجب العمل به. قلت دلالة هذا ضعيفة. وقال في رواية مهنا وذكر له قول مالك في الكلب يلغ في الإناء لا بأس به فقال ما أقبح هذا من قوله: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يغسل سؤر الكلب سبع مرات" ونقل صالح عنه فيمن صلى خلف الصف وحده أن يعيد الصلاة أمر النبي صلى الله عليه وسلم رجلا صلى خلف الصف وحده أن يعيد الصلاة وهذا كثير في كلامه وقال في كتاب طاعة الرسول: {وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ} فالظاهر يدل على أنه إذا ابتاع شيئا أشهد فلما تأول قوم من العلماء: {فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضاً} 1 استقر حكم الآية على ذلك. قلت: هذه الرواية نص في أن ظاهر افعل هو الأمر. وقال مسألة الأمر إذا لم يرد به الإيجاب وإنما أريد به الندب فهو حقيقة في الندب كما هو حقيقة في الإيجاب نص عليه أحمد في رواية ابن إبراهيم فقال آمين أمر من النبي صلى الله عليه وسلم: "فإذا أمن القارئ فأمنوا" فهو أمر من النبي صلى الله عليه وسلم وكذلك نقل الميمون عنه إذا زنت الأمة الرابعة قال: عليه أن يبيعها وإلا كان تاركا لأمر النبي صلى الله عليه وسلم وكذلك نقل حنبل عنه يقاد إلى المذبح قودا رفيقا وتورى السكين ولا تظهر عند الذبح أمر بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم. قلت أما رواية الميمون فدلالتها] 2 على أن الأمر عنده للوجوب أظهر فإن فتياه تدل على أنه أوجب البيع لأجل الأمر.   1 من الآية "283" من سورة البقرة 2 إلى هنا ينتهي السقط الذي نبهنا على أوله في ص "13". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 15 مسألة: وإذا صرف الأمر عن الوجوب جاز أن يحتج به على الندب أو الإباحة وبه قال بعض الحنفية وبعض الشافعية "ز" ومنهم الرازي وبعضهم قال: لا يحتج به كذا حكاه القاضي وكذلك اختاره ابن برهان ولفظه الأمر إذا دل على وجوب فعل ثم نسخ وجوبه لا يبقى دليلا على الجواز بل يرجع إلى ما كان عليه خلافا للحنفية وكذلك [اختاره] أبو الطيب الطبري ولفظه إذا صرف الأمر عن الوجوب لم يجز أن يحتج به على الجواز قال: لأن اللفظ موضوع لإفادة الوجوب دون الجواز وإنما الجواز تبع للوجوب إذ لا يجوز أن يكون واجبا ولا يجوز فعله فإذا سقط الوجوب يسقط التابع له1 "ز" وهذا الذي ذكره أبو محمد التميمي من أصحابنا "ز د" وذكر أبو الخطاب [أن] هذه المسألة من فوائد الأمر هل هو حقيقة في الندب فيجيء فيها الوجهان "ح" وكذلك ذكر القاضي في مسألة الأمر بعد الحظر.   1 في ب "سقط التابع له". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 16 مسألة: الفعل لا يسمى أمرا حقيقة بل مجازا في قول إمامنا وأصحابه والجمهور "ح" وأكثر المالكية وقال بعض متأخري الشافعية يسمى أمرا حقيقة "د" وذهب أبو الحسين البصري والقاضي أبو يعلى في الكفاية إلى أن1 لفظ الأمر مشترك بين القول وبين البيان والطريقة وما أشبه ذلك وهذا هو الصحيح لمن أنصف "د" ونصره ابن برهان وأبو الطيب وهو مذهب بعض المالكية أعنى أن الفعل يسمى أمرا حقيقة.   1في ا "لفظة افعل مشتركة .... إلخ" وفي ب "في الكافية" تحريف. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 16 مسألة صيغة الأمر بعد الحظر لا تفيد إلا مجرد الإباحة عند أصحابنا "د" وهو قول مالك وأصحابه "هـ" وهو ظاهر قول الشافعي وبعض الحنفية وحكاه ابن برهان وقال أكثر الفقهاء حكمها حكم ورودها ابتداء "ز" وحكي عن بعض أصحابنا وللشافعية فيه وجهان والثاني اختيار أبي الطيب وذكر أن القول الجزء: 1 ¦ الصفحة: 16 بالإباحة1 ظاهر المذهب قال: وإليه ذهب أكثر من تكلم في أصول الفقه قلت واختار الجويني في لفظ الأمر بعد الحظر أنه على الوقف بين الإباحة والوجوب مع كونه أبطل الوقف في لفظه ابتداء من غير سابقة حظر وحكي عن أبي إسحاق الاسفرائينى أن النهي بعد الأمر على الحظر بالإجماع ثم قالت ولست أرى مسلما له أما أنا فأسحب ذيل الوقف عليه وما أرى المخالفين في الأمر بعد الحظر يسلمون ذلك قلت ولقد أصاب في ذلك فإن القاضي أبا يعلى ذكر فيها وجهين وكذلك المقدسي "ح" أحدهما التنزيه والآخر التحريم واختار ابن عقيل قولا ثالثا غيرهما وذكر بعض أصحابنا في مسألتي الأمر بعد الحظر والنهي بعد الأمر ثلاثة أوجه أحدها حملهما على موجبهما ابتداء من الإيجاب والتحريم والثاني حملهما على الإباحة والثالث حمل الأمر على إباحة الفعل والنهي على إباحة الترك فصل: قال القاضي صيغة الأمر إذا وردت بعد الحظر اقتضت الإباحة وإطلاق محظور ولا يكون أمرا وهذا من القاضي يقتضي أن المباح ليس مأمورا به لأن حقيقة الأمر لو وجدت بعد الحظر كانت على بابها وقد نص أحمد في رواية صالح وعبد الله في قوله تعالى: {وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا} 2 {فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ} 3 فقال أكثر من سمعنا إن شاء فعل وإن شاء لم يفعل كأنهم ذهبوا إلى أنه ليس بواجب وليس هما على ظاهرهما قلت هذا اللفظ يقتضي أن ظاهرهما الوجوب وأنه من المواضع المعدولة عن الظاهر لدليل ولذلك ذكره في الرد على المتمسك بالظاهر معرضا عما يفسره وقد مثل القاضي في هذه المسألة بقوله: {فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُوا} 4 وليس من هذا لكن   1 من هنا تنفرد النسخة النجدية وينتهي انفرادها في ص "24" الآتية. 2 من الآية "2" من سورة المائدة. 3 من الآية "10" من سورة الجمعة. 4 من الآية "53" من سورة الأحزاب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 17 من أمثلتها التي ذكرها المزني قوله: {فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْساً فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَرِيئاً} 1 وقوله: {فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ} 2. والتحقيق أن يقال صيغة أفعل بعد الحظر لرفع ذلك الحظر وإعادة حال الفعل إلى ما كان قبل الحظر فإن كان مباحا كان مباحا وإن كان واجبا أو مستحبا كان كذلك وعلى هذا يخرج قوله: {فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ} 3 فإن الصيغة رفعت الحظر وأعادته إلى ما كان أولا وقد كان واجبا وقد قرر المزني هذا المعنى.   1 من الآية "4" من سورة النساء. 2 من الآية "4" من سورة المائدة. 3 من الآية "5" من سورة التوبة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 18 مسألة: صيغة الأمر بعد الحظر تنقسم إلى حظر من جهة لمخاطب بصيغة افعل ... مسألة1: صيغة الأمر بعد الحظر تنقسم إلى حظر من جهة المخاطب بصيغة افعل فيكون قوله: افعل إذنا ورفعا لذلك الحظر والى حظر ثابت من جهة غيره فلا يكون أباحة بل أمرا مبتدأ ذكره القاضي في ضمن المسألة وكذلك ابن عقيل وفي كلام القاضي ما يقتضي التسوية وينبني على ذلك أن رفع الأول نسخ دون الثاني وهذا كما قسمت الوجوب إلى معنيين كما يجيء. فصل: ولو نهاه عن شيء فاستأذن العبد في فعله فقال "افعل" فقال القاضي هذا لا يقتضي الوجوب بلا خلاف وذكر بعد هذا إذا استأذنه في فعل شيء فقال "افعل" حمل على الإباحة بالاستئذان والإذن جميعا جعله محل وفاق. فصل: الأمر بعد الحظر قسمان لأن الحظر إما أن يكون نهيا من الأمر أو يكون محظورا يعنى نهيا من [غير] الآمر2 فذكر من جملة الصور التي تفيد في العرف   1 في النجدية "مسألة" وفوقها "فصل". 2 كلمة "غير" ليست في الأصل ولا بد منها لتحقيق القسمين وليتطابق مع تقرير المثال الذي ذكره ولولا ذكر هذه الكلمة لكان القسم الثاني هو الأول بعينه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 18 الإذن ما يشمل القسمين وهو ما إذا قال "لا تدخل بستان فلان ولا تحضر دعوته ولا تغسل ثيابك" ثم قال له بعد ذلك: ادخل واحضر واغسل ثيابك قال: وكذلك قول الرجل لضيفه كل ولمن دخل داره ادخل فقيل له غير هذا إلا ترى أنه يقول لعبده لا تقتل زيدا فيكون حظرا فإذا قال: اقتله بعد هذا كان حظرا على الوجوب1 قال: لأن الأصل حظر قتل زيد فقوله لا تقتل زيدا توكيد للحظر المتقدم لا لأنه مستفاد به حظر وفي مسألتنا وقع النهي ثم رفع النهي فيجب أن يعود إلى ما كان إليه2. قلت وهذا تصريح بأن الخلاف إنما هو في حظر أفاده النهي لا في حظر غيره وأن ذلك النهي ... 3 فصار قولان. ثم حظر النهي منه ما يكون مغي كقوله تعالى: {وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ} 4 ومنه ما يكون في معنى المغي كالنهي عن الصيد والانتشار5 ومنه ما يكون نسخا كالحديث ونازع القاضي في قوله: {فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ} 6 فقال لا نسلم أن وجوب قتل المشركين استفيد بهذه الآية بل بقوله تعالى: {قَاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ} 7 ونحوها مما لم يتقدمه حظر. قلت وهذا ضعيف بل الأمر بعد الحظر يرفع الحظر ويكون كما قبل الحظر والأمر في هذه الآية كذلك وقد قرر القاضي أن الأمر بعد الحظر بمنزلة الغاية فيفيد   1 في أصل النجدية "لكان أمرا على الوجوب" وفي هامشها "حطرا" ومعها علامة التصحيح وهي التي توافق تقريره بعد. 2 لعله لو قال "يعود لما كان عليه" كان أدق. 3 كذا وسقط خبر إن. 4 من الآية "222" من سورة البقرة. 5 أما النهي عن الصيد فيشير به إلى قوله تعالى: {لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ} إلى قوله جل وجلاله: {وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا} وأما الانتشار فيشير به إلى قوله تباركت كلماته: {لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَى طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ وَلَكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُوا} . 6 من الآية "5" من سورة التوبة. 7 من الآية "29" من سورة التوبة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 19 زوال الحكم عند انقضائها وهذا يؤيد ما ذكرته واحتج بقوله: {وَلا تَحْلِقُوا رُؤُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ} 1 ولا حجة فيه. فصل: فإذا كان بعد الحظر أمر صريح بلفظه كما لو قال: أمرتكم بالصيد إذا حللتم فحكي المقدسي عن قوم أنه يقتضي الوجوب بخلاف صيغة أفعل بعد ما صدر الكلام في المسألة السابقة بكلام مطلق يقتضي التسوية بينهما عنده وعندي أن هذا التفضيل هو كل المذهب وكلام القاضي وغيره يدل عليه فإنه سرح بأن هذا ليس بأمر إنما صيغته صيغة الأمر وإنما هو إطلاق فظاهر كلام ابن عقيل في الأدلة يعطي أنه إذا جاء خطاب بلفظ الأمر أو الوجوب اقتضى الوجوب وإن جاء بصيغة الأمر فإنه لا يكون أمرا بل مجرد إذن وهذا لا يتأتى في لفظ الأمر.   1 من الآية "196" من سورة البقرة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 20 مسألة: الأمر المطلق يقتضي التكرار والدوام حسب الطاقة عند أكثر أصحابنا وبعض الشافعية وهو أبو إسحاق الاسفرائينى والجويني وقال أكثر الفقهاء والمتكلمين لا يقتضيه ولم يذكر القاضي عن أحمد إلا كلامه في الوجوب كما يأتي بل يكون ممتثلا بالمرة واختاره أبو الخطاب والمقدسي وهو الذي ذكره أبو محمد المقدسي وقالت الأشعرية هو على الوقف وقال بعض الحنفية وبعض الشافعية إن كان معلقا بشرط يتكرر اقتضى التكرار وإلا فلا وهو أصح عندي وقال القاضي في المقدمة التي في أصول الفقه في آخر المجرد وإذا ورد الأمر مقيدا بوقت اقتضى التكرار وإن ورد مطلقا ففال شيخنا يقتضي التكرار وقال غيره لاقتضى التكرار وحكي ابن برهان أن بالقول بالتكرار قال أصحاب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 20 أبي حنفية والمتكلمون: ونصر الجويني القول بالوقف فيما زاد على المرة الواحدة وقال لست أنفيه ولا أثبته مع كوني أبطل قول الوقف في مسألة الوجوب والندب ويحقق ذلك عندي أنه يرجع إلى قول من قال: لا يقتضى التكرار. قال القاضي في كتاب اختلاف الروايتين والوجهين مسألة الأمر إذا ورد مطلقا من غير تقييد بوقت هل يقتضى التكرار أم لا قال شيخنا أبو عبد الله: يقتضى التكرار كما لو ورد مقيدا بوقت وقد نص أحمد في رواية صالح في إيجاب طاعة الرسول على الأمر المقيد بوقت أنه يقتضى التكرار فقال: {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا} فالظاهر يدل على أنه إذا قام إلى الصلاة فعليه ما وصف فلما كان يوم الفتح صلى النبي صلى الله عليه وسلم بوضوء واحد قال: وعندي أنه لا يقتضى التكرار وقد قال في رواية صالح ويعقوب بن بختان: إذا أذن له سيده بتزوج قال: واحدة وإن أراد أن يتزوج الأخرى استأذنه وقال أيضا إذا خير زوجته لم يجز لها أن تطلق نفسها إلا طلقة واحدة وسلم أن قوله: [كل] أمر بالأكل مرتين. قلت المذهب في قوله: "طلقي نفسك" مع الإطلاق هل تملك به الثلاث وهي مكتوبة في موضعها لكن طلقي وتزوجي واختاري كل هذا ليس بأمر وإنما هو إذن وإباحة فإن كانت صيغة أفعل إذا أريد بها الإباحة كقوله: {كُلُوا وَاشْرَبُوا} تختلف في إفادتها التكرار كما في ما أريد بها الأمر فما هو ببعيد ومسألة طلقي نفسك كأن قد كثر منها في1 العدة والتزم "طلقي نفسك بألف" وقوله لوكيله طلق فلانة فقال والجواب أن مهنا نقل عن أحمد إذا قال: طلقي نفسك فقالت طلقت نفسي ثلاثا هي ثلاث فظاهر هذا أنه اعتبر عموم اللفظ ثم ضرب على هذا واعتذر بأن هذا ثبت بالشرع والخلاف في موجب اللغة وأما ما ذكروه من نص أحمد في المعلق بشرط فيحتمل أن يكون التكرار حصل من صيغة إذا فإن أصحابنا وإن فرقوا بينها وبين   1 في هذه العبارة قلق لا يظهر لنا وجه استقامتها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 21 متى فجعلوا في متى وجهين بخلاف إذا ففي الفرق نظر ويحتمل أنه من عموم لفظ الصلاة كأنه قال: إذا قمتم إلى أي فرد من أفراد الصلاة فاغسلوا وكذلك يحتمل أن يقال هذا في قوله: {لِدُلُوكِ الشَّمْسِ} أي عند كل فرد من أفراد دلوك الشمس وهذا الباب متعلق بأدوات الشروط في الإيقاعات كالطلاق ونحوه وللأوامر والوعد والوعيد وقد أفرط القاضي حتى منع حسن الاستفهام عن التكرار ثم سلم وأجازه في الوجوب وهذا بارد مخالف للحديث الصحيح وأما في مسألة الفور فقال إذا كان الأمر ممن لا يضع الشيء في غير موضعه لم يحسن منه الاستفهام فلم يتردد وسلم أن اليمين لا فور فيها لأنها غير موجبه وأما الندب فقال لا يمتنع أن يقول يجب على الفور وقال لا يمتنع أن يقول يختص بالمكان الذي أمر بالفعل فيه لأنه على الفور. وذكر أبو محمد التميمي مسائل الأوامر عن أحمد أن الأمر عنده للوجوب وهو عنده على الفور وكان يذهب إلى أنه لا يقتضى التكرار إلا بقرينة ومتى تكرر الأمر فهو توكيد المأمور وإذا ورد بعد تقدم نهي دل على الإباحة ومتى خير المأمور بين أشياء ليفعلها فالواجب واحد لا بعينه ومتى قام الدليل على أنه لم يرد به الوجوب لم يدل على الجواز والمندوب إليه داخل تحت الأمر والأمر بالشيء نهي عن ضده ولا تدخل الأمة في الأمر المطلق ويدخل العبيد عنده في الأمر المطلق ولا تدخل النساء في خطاب الذكور والزيادة على المأمور به ليس بواجب ولا يقع الأمر من الأمر على وجه مكروه وكان يقول إن النهي بدل على فساد المنهي عنه وله عنده صيغة وإذا ورد الأمر وفيه استثناء من غير جنسه لم يكن استثناء صحيحا عنده قال: وقد اختلف في جميع ذلك أصحابه وذكر السرخسي أن الصحيح من قول علمائهم أن صيغة الأمر لا توجب التكرار ولا تحتمله ولكن الأمر بالفعل يقتضى أدنى ما يكون من جنسه على احتمال الكل إلا بدليل وقال بعضهم هذا إذا لم يكن معلقا بشرط ولا مقيدا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 22 بوصف فإن كان فمقتضاه التكرار بتكرار ما قيد به قال: وعلى قول الشافعي مطلقة لا يوجب التكرار ولكنه يحتمله والعدد أيضا إذا اقترن به دليل وقال بعضهم مطلقة يوجب التكرار إلا أن يقوم دليل يمنع منه ويحكى هذا عن المزني. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 23 مسألة: واختلف من قال: الأمر لا يقتضى التكرار إذا تكرر لفظه كقوله "صل" و "صم" فالذي نقله ابن برهان القول بالتكرار وهو قول الفقهاء قاطبة قال: وصار بعض المعتزلة إلى أنه لا يقتضى التكرار وأما نقل القاضي وغيره فإنه قال في ذلك: قالت الحنفية يكون أمرا ثانيا ويحكى عن أبي حنيفة أيضا إلا أن يكون فيه قرينة توجب تعريف الأول كقوله: "صل ركعتين صل الصلاة" واختلف الشافعية فمنهم من قال بذلك وأنه يكون أمرا ثانيا إلا أن تمنع منه العادة مثل قوله: صل ركعتين صل الصلاة وهو قول عبد الجبار بن أحمد وكقوله: "اسقني ماء اسقني ماء" واختاره أبو إسحاق الفيروز أبادى ومنهم من جعله تأكيدا كي لا يجعله أمرا بالشك وهذا اختيار القاضي في الكفاية بعد أن ذكر تقسيمات كثيرة واختاره أبو بكر الصيرفي وأبو الخطاب والمقدسي ومنهم من قال بالوقف وهو قول البصري قال ابن عقيل: وهو قول الأشعري فيما حكاه بعض الفقهاء عنهم والأول عندي أشبه بمذهبنا وهو قول القاضي في كتاب الروايتين مع اختياره فيه أن الواحد لا يقتضى التكرار لو قدرنا موافقتهم على الأصل المتقدم لأنا نقول فيمن قال لزوجته: "أنت طالق أنت طالق" أو قال: "اخرجي اخرجي" يريد الطلاق ولم ينو عددا ولا تأكيدا انه يلزمه طلقتان [ح] وهذا هو الذي ذكره القاضي في مقدمة المجرد مع ذكره للخلاف في الواحد فقال وإذا تكرر الأمر بالشيء اقتضى ذلك وجوب تكرار المأمور به إلا أن يكون ما يدل على أن المراد بالثاني التأكيد وحكي ابن عقيل عن ابن الباقلاني أنه على التكرار وليس على الوقف بخلاف قوله في الأمر والعموم لأن الأصل أن كل لفظة لها معنى تدل عليه وهذا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 23 يختل بالوقف هنا دون الوقف في الأمر والعموم وهذا بخلاف المذكور في الأمر المتكرر إذا كان الثاني معادا من غير عطف وكان المأمور به يقبل الزيادة حيث لم يقتض الأمر التكرار إما على الإطلاق أو مع دلالة كقوله: "صل مرة". فأما إن كان الثاني معطوفا على الأول بغير تعريف كقوله: صل ركعتين وصل ركعتين وقوله اسقني ماء واسقني ماء فإنه يفيد التكرار فإن كان المعطوف معرفا مثل: صل ركعتين وصل الصلاة فإنه يحمل على الصلاة الأولى لأجل التعريف قاله القاضي وأظن أبا الحسين البصري وقيل يحمل على صلاة أخرى وقيل بالوقف. فان كان مما لا يصح التزايد فيه حسا كالقتل أو حكما كالعتق لم يتكرر سواء كان بعطف أو بغير عطف ثم لا يخلو أما أن يكونا عامين أو خاصين أو أحدهما عاما والآخر خاصا وسواء تقدم العام أو تأخر. فصل: وهل يقتضى وجوب التكرار اعتقاد الوجوب وعزم الامتثال قال القاضي: ملزما لمخالفيه أنه يجب وحكي عن الجرجاني الحنفي أنه لا يجب وإنما يجب البقاء على حكم الاعتقاد من غير فسخ له كالنية في العبادات أو كاعتقاد ما يجب اعتقاده وهذا أصح. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 24 مسألة1: إذا لم يرد بالأمر التكرار إما لدليل وإما بإطلاقه عند من يقول بذلك فهو على الفور عند أصحابنا وهو ظاهر كلامه [ح] ولم يذكر القاضي عن أحمد هذا وبه قالت الحنفية [ح] وكذلك المالكية وحكاه الحلواني وبعض الشافعية وقالت المعتزلة وأكثر الشافعية هو على التراخي والفورية معزية2 إلى أبي حنيفة   1 من هنا اتفقت النسختان بعد الافتراق الذي نبهنا إليه في ص "17". 2 كذا والعربية تقتضي أن يقال "معزوة" بالواو مشددة اسم مفعول فعله "عزاه يعزوه" أي نسبه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 24 ومتبعيه والتراخي للشافعي قالهما الجويني [ح] وقال القاضي وقد أومأ أحمد إليه في رواية الأثرم وذكرها [ر] ونقل الأثرم عن أحمد وقد سئل عن قضاء رمضان يفرق قال: نعم إنما قال الله: {فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} 1 فظاهر هذا أنه على التراخي وحكي ابن برهان الفورية عن المعتزلة أيضا والقاضي أبي حامد المروزي من أصحابه وحكي التراخي عن أبي علي الجبائى وأبى هاشم من المعتزلة وحكاها أبو الطيب عن ثلاثة من أصحابه أبي بكر الصيرفي وأبى بكر الدقاق والقاضي أبي حامد وحكاه أيضا عن أبي الحسن الأشعري نفسه وحكي مذهب الوقف عن قوم من المتكلمين وقال أكثر الأشعرية هو على الوقف هكذا حكاه جماعة وعندي أن مذهب الوقف والتراخي شيء واحد [ر] وقال السرخسي الذي يصح عندي من مذهب علمائنا أنه على التراخي فلا يثبت وجوب الأداء على الفور بمطلق الأمر نص عليه في الجامع قال فيمن نذر أن يعتكف شهرا: له أن يعتكف أي شهر شاء وكذلك لو نذر أن يصوم شهرا والوفاء بالنذور2 واجب بمطلق الأمر وفي كتاب الصوم أشار في قضاء رمضان إلى أنه يقضى متى شاء وفي الزكاة وصدقة الفطر والعشر المذهب معلوم أنه لا يصير مفرطا بتأخير الأداء وكان الكرخى3 يطلق الأمر بوجوب الأداء على الفور وهو الظاهر من مذهب الشافعي فقد ذكر في كتابه أنا استدللنا بتأخير النبي صلى الله عليه وسلم الحج [مع4] الإمكان على أن وقته [موسع4] فهذا منه إشارة إلى أن موجب مطلق5 الأمر الفور وبعض أصحاب الشافعي قال: هو موقوف على البيان وذكر أنه إذا لم يؤد حتى مات يكون مفوتا مفرطا آثما بالإجماع قال: ومن أصحابنا من جعل   1 من الآية "184" من سورة البقرة 2 في ا "والوفاء بالنذر" على الإفراد. 3 في ب "وقال الكرخي مطلق الأمر – إلخ" وأثبتنا ما في ا. 4 مكان هذه الكلمة مقطوع في ب. 5 هذه الكلمة ساقطة من ا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 25 هذا الفصل على الخلاف بين أصحابنا في الحج هل هو على الفور أو على التراخي [قال وعندي أن هذا غلط لأن الحج موقت بأشهره فأبو يوسف يقول تتعين السنة الأولى ومحمد لا تتعين] وعن أبي حنيفة [روايتان واختار الفور] 1 كمذهبنا من الشافعية أبو بكر الصيرفي والقاضي وأبو حامد واختار ابن الباقلاني أنه على التراخي وكذلك حكاه [ابن عقيل رواية] عن أحمد وممن اختاره من الشافعية أبو على بن أبي هريرة وأبو على الطبري وأبو بكر الدقاق وفي كتاب أبي الطيب أبو بكر القفال بدل الدقاق وقد ذكرنا فيما تقدم أن مذهب الوقف كالتراخي بناء على تقدير الإجماع [على جواز الفورية] وقد ذكر أبو الطيب ما يدل عليه وحكي موافقة طائفة أخرى أنهم يقفون على ذلك وأنكره عليهم وحكي عن طائفة آخرين أنهم [يقفون فلا يجزمون بجواز الفعل على الفور و] لا يجزمون بجواز تأخيره فعلى هذا يتحقق الوقف مذهبا فصل: إذا أريد بالأمر الندب فإنه يقتضى الفور إلى فعل المندوب كالأمر بالواجب ذكره القاضي ملتزما له على قوله: انه أمر حقيقة بما يقتضى أن الحنفية لا يقولون بالفورية.   1 ما بين هذين المعقوفين لا يقرأ في ب وذكر أبي يوسف ومحمد في هذا الموضع محل نظر عندي. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 26 مسألة: إذا ثبت أنه على الفور فلم يفعله المكلف في أول أوقات الإمكان لم يسقط عنه في قولنا وقول الجمهور [ح] وأكثر المالكية واختلف الحنفية فقال الرازي كقولنا وقال غيره منهم يسقط كالموت1 عندهم هذا قول الكرخى وغيره [ح] وأبو الفرج المالكي وقد ذكر الجويني ما يقتضى أن الأول كالإجماع فقال أجمع المسلمون أن كل مأمور به بأمر مطلق إذا أخره ثم أقامه فهو [مؤد لا قاض] وهذا ظاهر كلام المقدسي.   1 في ا "كالوقت عندهم". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 26 [ح] مسألة: الأمر المؤقت لا يسقط بذهاب وقته بل يجب القضاء به عند القاضي [به] والمقدسي [ح, ر] والحلواني من أصحابنا وبعض الشافعية وقال أكثر الفقهاء والمتكلمين يسقط ولا يجب القضاء إلا بأمر جديد وهو أقوى عندي وكذلك اختاره ابن عقيل وأبو الخطاب [ونصره] وحكي الأول ابن برهان عن بعض الحنفية [والمعتزلة] . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 27 مسألة: الأمر يقتضى الإجزاء بفعل المأمور به وذكر القاضي وأبو الطيب أن ذلك قول جماعة الفقهاء وأكثر المتكلمين من الأشعرية وغيرهم وقالت طوائف من المعتزلة يقف الإجزاء على دليل آخر [ح] وهذا قول [ابن] الباقلاني فإنه قال: هو [مجزى] [بمعنى أنه أدى ما أمر به لا1] بمعنى أنه لا يلزمه القضاء ولا الإتمام2 وقال ابن برهان هو قول عبد الجبار بن أحمد وذكر أن الأول مذهب الفقهاء قال أبو الخطاب: هو قول عبد الجبار وطائفة من المعتزلة وزيف الجويني ذلك تزييفا بليغا وقال لست أرى هذه المسألة خلافية ولا المعترض فيها بإشكال الفقه معدودا خلافه [ر] وذكر الرازي لتفسير الإجزاء [وجهين] 3.   1 هذه الجملة ساقطة من اوالكلمة قبلها ساقطةمن ب. 2 في ا "لا يلزمه القضاء والإتمام" وما أثبتناه موافقا لما في ب أدق. 3 لم تذكر الوجهين إحدى النسخ ولعلهما ما يؤخذ ن كلام الباقلاني أحدهما: أن معناه أن المكلف أدى ما أمر به والثاني: معناه أنه لا يلزمه القضاء ولا الإتمام. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 27 مسألة إذا ورد الأمر الموجب بأشياء على جهة التخيير كخصال الكفارة فالواجب منها واحد لا بعينه وبه قال جماعة الفقهاء والشاعرية وقال المعتزلة الجميع واجب بصفة التخيير وكان الكرخى الحنفي [مرة ينصر هذا ومرة ينصر هذا كقولنا ثم هذا الاختلاف قد قيل [هو] في مجرد عبارة وقيل بل [هو] في المعنى وحكي ابن برهان والجوبني أن وجوب الكل قول الجزء: 1 ¦ الصفحة: 27 بعض المعتزلة وهو أبو هاشم قال ابن برهان: [وقال بعض الناس1] الواجب ما علم الله [أنه يخرجه] [ح, ر] وربما أشار القاضي إليه وهو ضعيف وصرح الجويني بأن أبا هاشم صرح بأنه لو ترك الكل لم يأثم إثم من ترك واحد2 ولو أتى بالكل لم يثب ثواب من فعل واحدا فصل:3 قال ابن برهان عندي إذا فعل الجميع أثيب ثواب الواجب على أعلاها. [قلت وفي تصور إخراج] الكل دفعة [واحدة نظر ومع التفريق يعتبر السابق] قال: وإن منع الكل أثم إثم ترك أدناها [ح, ر] قال أبو الطيب والقاضي محققا لذلك: يأثم بمقدار عقاب أدناها لا أنه4 نفس عقاب أدناها   1 لا توجد هذه العبارة في ا. 2 في ا "إثم من ترك واجبا" وكذلك في قسيمه "لم يثبت ثواب من فعل واجبا". 3 كلمة "فصل" لا توجد في ب ولعله هو الصواب لأن ما بعده من تمام ما قبله. 4 في ب "لأنه نفس – إلخ" خطأ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 28 مسألة العبادة إذا علق وجوبها بوقت [موسع] كالصلاة فإن وجوبها [يتعلق] بجميع الوقت وجوبا موسعا عند أصحابنا والشافعية ومحمد بن شجاع وأبى على وأبى هاشم وقال [أبو الطيب1] هو مذهب الشافعي وأصحابه وهل يشترط لجواز التأخير عن أول الوقت العزم فيه وجهان للشافعية أحدهما يشترط كقول أصحابنا وأبى نصر المالكي على أصول أصحابه واختاره أبو الطيب وابن الباقلاني والثاني لا يجب العزم وهو أصح عندي وبه قال أبو علي وأبو هاشم واختاره أبو الخطاب والجويني وأنكره2 إنكارا شديدا [د] واختاره الرازي وذكر أنه قول أبي الحسين البصري وأن الأول قول أكثر المتقدمين3 وتكلم الجويني على حقيقة هذه المسألة بكلام يميل إلى التحقيق في مسألة الفور [ح, ر] ومال الشيخ   1 ساقط من ا. 2 هكذا وأرجح أن الأصل "والجويني أنكره". 3 في ا "أكثر المتكلمين". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 28 يعنى الموفق إلى اختيار القاضي في الكفاية عدم اشتراط العزم وقال الحنفية بل يتعلق بآخر الوقت واختلفوا فيما إذا فعله في أوله فقال بعضهم تكون موقوفة مراعاة على سلامته آخر من موانع الوجوب1 وقال الكرخى الوجوب يتعلق بآخر الوقت أو بالدخول في الصلاة قبله وعلى قول جميعهم متى لم يفعل وطرأ في آخر الوقت ما يمنع الوجوب فلا وجوب بحال وقال بعض المتكلمين الوجوب متعلق بجزء من الوقت غير معين كما يتعلق في الكفارات ابتداء بواحد غير معين الوجوب فيها ويتأدى الوجوب فيهما بالمعين وهذا أصح وأشبه بأصولنا في الكفارات فيجب أن يحمل مراد أصحابنا عليه ويكون الخلل في العبادة2 وقد صرح القاضي وابن عقيل وغيرهما بالفرق وأسند ذلك إلى ظاهر القرآن وفرق من جهة المعنى وقال قوم أول الوقت هو وقت الوجوب وجوبا موسعا وإنما ضرب آخره للقضاء.   1 في ا "سلامته لآخر الوقت مع موانع الوجوب". 2 هكذا وأرجح أن الأصل "ويكون الخلاف في العبارة". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 29 مسألة: يستقر الوجوب عندنا في العبادة الموسعة بمجرد دخول الوقت في أصح الروايتين أو الوجهين وبه قال سائر الفقهاء وقال الشافعي: لا يستقر إلا بإمكان الأداء كالرواية الأخرى وقال أبو حنيفة نحو ذلك. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 29 مسألة: صوم رمضان لازم للمريض والمسافر والحائض في الحال وما يفعلونه فيما بعد يقع قضاء عن وجوب سابق نص عليه واختاره أصحابنا قال ابن برهان: هو قول الفقهاء قاطبة وقالت الحنفية لا يلزمهم في الحال وإنما يجب إذا زال العذر حكاه القاضي وكذلك حكاه ابن عقيل عن الحنفية وذكر ابن عقيل في الجزء الثاني ما يقتضى أن الحائض ونحوها لم يجب عليها إلا القضاء وقسم التكليف إلى ثلاثة أقسام بكلام قريب قسم وجوبه بمعنى أنه يسقط القضاء كالجمعة على المريض وقسم وجوبه بمعنى أنه يوجب القضاء كالصوم على الحائض والقسم الثالث له بدل يفعل وقال الحلواني عن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 29 الأشعري: أن المسافر عليه صوم أحد شهرين لا بعينه شهر الأداء أو شهر القضاء كإحدى خصال الكفارة وكذلك ابن عقيل حكاه وحكي ابن برهان قول أهل العراق انه لا يجب القضاء على المريض ويلزم المسافر صوم أحد شهرين وسيأتي بعضها فيما بعد العمومات. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 30 مسألة: لا فرق بين فرض العين وفرض الكفاية ابتداء وهو للمقدسي في مسائل الأوامر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 30 [ح] مسألة: الأمر لجماعة يقتضى وجوبه على كل واحد منهم ولا يسقط الواجب عمن لم يفعل بمن فعل إلا أن يدل دليل كفرض الكفاية. فصل: في كيفية الأمر بفروض الكفايات وذلك أن الأمر يتناول جماعة لا على وجه الجمع كالأمر بالجهاد والصلاة على الميت ونحو ذلك الكل مخاطبون لا على طريق1 الجمع فإذا حصل ذلك بالغير لم يلزم الباقين والفرض في ذلك موقوف على غالب الظن فإذا غلب على الظن جماعة أن غيرها يقوم بذلك سقط عنها وإن غلب على ظنها أن غيرها لا يقوم به وجب عليها وإن غلب على ظن كل طائفة أن غيرها لا يقوم به وجب على كل واحد منها القيام به وقال أحمد رضى الله عنه في رواية حنبل الغزو واجب على الناس كلهم فإذا غزا بعضهم أجزأ عنهم فقد نص على أن المخاطبة بالغزو واجب على الناس وإنما يسقط عن بقيتهم في الثاني هذا لفظ الكفاية للقاضي أبي يعلى نقلته نقل المسطرة وكذا ذكره صاحب المغنى قريبا من هذا   1 في ا "لا على وجه الجمع". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 30 [ر, ح] فصل: فروض الكفاية إذا قام بها رجل يسقط الفرض عن الباقين وإذا فعل الكل ذلك الفرض كان كله فرضا ذكره ابن عقيل محل وفاق لكن لعله إذا فعلوه جميعا1 فإنه لا خلاف فيه وفي فعل البعض بعد البعض وجهان وفرق بينه وبين تطويل الواجب بأن الفرض يتناول أهل القرية كلهم2 وذكر أن المسافر يسقط فرضه بركعتين ولو صلاها أربعا فإنه يكون الكل واجبا.   1 يريد إذا فعلوه مجتمعين بدليل مقابله. 2 في ا "أهل القرية جميعهم". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 31 مسألة : إذا أمر الله نبيه بشيء أو شرع له شيئا فأمته أسوته في ذلك ما لم يقم دليل التخصيص وكذلك الخطاب إذا توجه من الله تعالى إلى الصحابة رضى الله عنهم دخل فيه النبي صلى الله عليه وسلم وكذلك حكمه على الواحد من الصحابة حكم على الأمة نص عليه في مواضع واختاره أكثر أصحابنا وبه قالت المالكية والشافعية والحنفية هذا مقتضى نقل أصحابنا لهذه المذاهب في مسألة أفعاله هل تدل على الوجوب على أمته أو الندب صرح بذلك ابن عقيل وغيره وكذلك ذكره أبو الطيب إذا عرف الفعل وكذلك ذكر ابن برهان مذهب المتكلمين من أصحاب أبي الحسن قال: لا يختلف مذهب أصحابنا فيه وقالت المعتزلة أنهم كلهم لا يخاطبون بذلك وكذلك حكى الجويني عن أبي حنيفة وأصحابه أن الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم خطاب لأمته قال ابن برهان: هو قول الفقهاء واختار الجويني الوقف في القول دون الفعل وقد ذكرناه في الأفعال وجعل الحكم على واحد من أصحابه حكما على الأمة وألحقه بفعل الرسول صلى الله عليه وسلم دون الخطاب له وهذا تفصيل عجيب وقالت الأشعرية وبعض الشافعية وأبو الحسن التميمي وأبو الخطاب من أصحابنا لا يثبت الحكم في غير المعين إلا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 31 بدليل وكذلك حكم فعله عليه السلام إذا عرف وجهه هل يتعدى إلى أمته على هذا الخلاف قد صرح الجويني أن الواقفة في الفعل وافقوا على أن خطابه للواحد من أمته وتقريره له يكون خطابا وتقريرا للامه صرح بذلك في آخر مسائل الأفعال فحينئذ يصير كلام التميمي محررا [ح, هـ] وظاهر كلام أصحابنا الثاني وغيره يقتضى خلاف التميمي في المسألتين وأبو الخطاب ذكر أن حكم الواحد من أمته حكم الباقين وجعل ذلك محل وفاق كما قال الجويني: بخلاف حكمه مع أمته وسنذكر حكمه والخلاف في أصله وكيفيته1 وحكي ابن عقيل اختيار أبي الحسن أن فعله يحمل على الندب في حقه وحق أمته إلى أن يقوم دليل بخلافه وهذا يخالف ما حكيناه عنه أولا.   1 في ا "وسنذكر حكمه في الخلاف فيه أصله وكيفيته" وما أثبتناه موافقا لما في ب أدق وأسلم من الاستغلاق والاضطراب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 32 مسألة: هل يدخل الأمر والمخاطب تحت الخطاب في مثل قول القائل لمأموره: "من دخل هذه الدار فأعطه درهما" فلو دخل هذا القائل فهل يعطى بحكم هذا اللفظ إذا لم يمنع منه قرينه يخرج على مذهبين للأصوليين أحدهما يدخل اختاره الجويني وهو أقيس بكلام أصحابنا1 [ح, ر] وقال القاضي في مختصر له في أصول الفقه الأمر لا يدخل تحت أمره لأن الأمر يجب أن يكون فوق المأمور فأما النبي صلى الله عليه وسلم فيما يبلغ عن الله تعالى فهو وغيره فيه سواء إلا ما خصه الدليل وأما ما أمر به من ذات نفسه فلا يدخل فيه إلا أن يقره الله عليه فحينئذ يدخل فيه لأن الأصل أن المخاطب لا يدخل تحت خطابه إلا بدليل ولهذا إذا قال: "أنا ضارب من في البيت" لا تدخل نفسه فيه [ر, و] وصرح القاضي به في الكفاية فقال والأمر يدخل تحت الأمر خلافا لأكثر الفقهاء والمتكلمين في قولهم لا يدخل وذكر أن قول أكثر الفقهاء والمتكلمين أن الأمر لا يدخل تحت الأمر [ح] ثم انه [في بحث] المسألة بين أن صورة المسألة إذا أمر النبي   1 في ا "وهو الأقيس بمذهب أصحابنا". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 32 صلى الله عليه وسلم [أمته بشيء وعلله] بأنه ليس يأمر نفسه وإنما هو مبلغ أمر الله قال: وعلى أنه غير ممتنع أن يقول لنفسه افعلي ويريد منه الفعل وقد ذكر عن [المخالف] أنه لا يجوز أن يأمر نفسه بلفظ يخصه فلا يجوز أن يكون آمرا بلفظ [يعمه وغيره فأجاب بهذا] فصارت المسألة ثلاثة أقسام أحدها أن يأمر نفسه بلفظ خاص الثاني أن يأمر نفسه وغيره الثالث إذا أمرهم مبلغا عن غيره [ر, و] وظاهر قول الحلواني أن هذه المسألة من جملة صورها ما إذا أمر النبي صلى الله عليه وسلم أمته بشيء فهل يدخل أم لا؟ [ح] وقال أبو محمد التميمي لا يدخل الأمر تحت الأمر المطلق إلا بدليل وهذه متصلة بأمر النبي صلى الله عليه وسلم لأمته هل يدخل فيه فإن لها "مأخذين" أحدهما أن أمره من الله تعالى فيكون هو مبلغا لأمر الله1 والثاني بتقدير أن يكون هو الأمر فهل يدخل الأمر تحت أمر نفسه أكثر كلام القاضي أنه لا يدخل وفيه وجه آخر أنه يدخل وقال القاضي في [مقدمة2] المجرد وإذا أمر الرسول بأمر فإنه يدخل هو صلى الله عليه وسلم في حكم ذلك3 الأمر إلا أن يكون في مقتضى اللفظ ما يمنع دخوله فيه4.   1 في ا "فيكون هو المبلغ لأمر الله". 2 كلمة "مقدمة" ليست في ا. 3 في ب "فحكم ذلك الأمر" تحريف وأثبتنا ما في ا. 4 في هامش اهنا "بلغ مقابلة على أصله". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 33 مسألة يدخل الرسول في خطاب القرآن كقوله: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ} و {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} وهذا قول عامة الأصوليين قال الجويني: وذهبت شرذمة لا يؤبه لهم1 إلى أنه غير داخل لأن له خصائص قال الجويني: وهذا هذيان لأن خصائصه في بعض القضايا لا يوجب خروجه من الخطابات الكلية وما من صنف من الناس إلا وقد اختصوا بخصائص عن غيرهم كالمسافرين   1 في ا "لا يؤبه إليهم" وما أثبتناه موافق لما في ب وللاستعمال الشائع في لسان العرب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 33 والمرضى ثم لم يمنع ذلك من دخولهم في العام قال: وذهب بعض أهل الفقه منهم أبو بكر الصيرفي والحليمي إلى أنه [إن صدر] الخطاب العام [بأمر] الرسول [بتبليغه] كقوله قل يا أيها الناس لم يدخل فيهم وإلا دخل [ثم ضعف] ذلك [وزيفه] . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 34 مسألة: إذا أمر النبي صلى الله عليه وسلم أمته بشيء دخل في حكمه عند أصحابنا وهو ظاهر كلام أحمد لأنه في مواضع كثيرة عارض نهيه وأمره بفعله وتكلم على ذلك وبهذا قال بعض الشافعية1 خلافا لأكثر الفقهاء والمتكلمين: لا يدخل في حكمه والأول قول عبد الجبار بن أحمد وجماعة من المعتزلة والثاني اختيار أبي الطيب2 من الشافعية كأكثرهم واختاره أبو الخطاب وقال بأن كلام أحمد إنما يدل على معارضة فعله لقوله3 حيث إن فعله يتعدى إلى أمته [أما] العكس فلا. وصورة المسألة أن يقول افعلوا كذا أو يقول إن الله يأمركم بكذا فأما إن قال: "إن الله يأمر بكذا" أو يأمرنا بكذا فإنه يدخل فيه بلا خلاف نعلمه.   1 في ا "وبهذا قال الشافعي". 2 في ا "اختيار أبو الطيب – إلخ" وصحيح العربية يأباه. 3 في ا "معارضة قوله لفعله" وكلاهما صحيح. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 34 مسألة: [العبيد] يدخلون في مطلق الخطاب نص عليه وبه قال جماعة من الشافعية واختاره أبو بكر [بن] الباقلاني وأبو عبد الله الجرجاني الحنفي خلافا لبعض أصحابنا [ح] وأكثر المالكية وقال بعض الشافعية [ح] والمالكية لا يدخلون [ح] حكاه القاضي وحكي أبو سفيان وأبو الطيب أيضا والحلواني أيضا عن الرازي أن ما تعلق بحقوق الآدميين لم يدخلوا فيه قال: ولهذا لم يجز أصحابنا شهادة العبيد والأول اختيار الجويني وضعف الثاني جدا في كتاب العموم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 34 مسألة: السكران مخاطب هذا مذهب الفقهاء قاطبة قاله ابن برهان قال خلافا للمتكلمين من أصحابنا والمعتزلة واختاره الجويني وقال خلافا لطوائف من الفقهاء والمقدسي مثله وابن عقيل. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 35 مسألة: المكره مكلف في قول أصحابنا والشافعية قال ابن برهان: وحكي عن أبي حنيفة والمعتزلة أنه غير مكلف فيما أكره عليه قال الجويني: ذهبت المعتزلة إلى أنه لا يجوز تكليفه بالعبادة لأن من أصلهم وجوب إثابة المكلف والمحمول على الشيء1 لا يثاب عليه قال: وقد ألزمهم القاضي الإكراه على [القتل] وهو هفوة عظيمة لأنهم لا يمنعون النهي عن الشيء مع الإكراه وإنما الذي منعوه الاضطرار إلى فعل شيء مع الأمر به.   1 المحمول على الشيء أي الذي حمله غيره وأكرمه على أن يأتيه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 35 مسألة: الصبي والمجنون ليسا بمكلفين في قول الجمهور واختار قوم تكليفهما. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 35 مسألة: الناسي في حالة2 نسيانه غير مكلف واختاره الجويني والمقدسي ومن الناس من قال: هو مكلف ورده3 ابن عقيل وبين أنه نزاع في العبارة4 والمعنى متفق عليه من مسائل التكليف.   1 في ا "الناسي حال النسيانه". 2 في ا "وزيفه ابن عقيل". 3 في ب "نزاع في عبارة". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 35 مسألة: الأمر المحمول على الندب والنهي للكراهية عدهما ابن الباقلاني من التكليف وخالفه الجويني لوجود التخيير فيهما ثم قال: والأمر في ذلك قريب يؤول إلى مناقشة عبارة والأول قول أصحابنا ذكره صاحب المغنى في فصل شروط التكليف وابن عقيل في الجزء الثالث وفصل الرازي ذلك. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 35 مسألة: الشرع يجمع الوجوب والندب والحظر والكراهة فأما الإباحة فليست من أحكام التكليف قاله الجويني وكلام ابن عقيل يقتضى ذلك حيث قال: التكليف إلزام العبد ما عليه فيه التكليف بالفعل أو الاجتناب بالترك قال الجويني: قال الأستاذ: هي من التكليف وهي هفوة ظاهرة ثم فسر قوله بأنه يجب اعتقاد الإباحة والذي ذكره رد الكلام إلى التكليف الواجب وهو معدود من التكليف وقال صاحب المغنى أقسام أحكام التكليف خمسة واجب ومندوب ومباح ومكروه ومحظور والتحقيق في ذلك عندي أن المباح من أقسام [أحكام1] التكليف بمعنى أنه يختص بالمكلفين أي أن الإباحة2 والتخيير لا يكون إلا لمن يصح إلزامه بالفعل أو الترك فأما الناسي والنائم والمجنون فلا إباحة في حقهم كما لا حظر ولا إيجاب فهذا معنى جعلها في أحكام التكليف لا بمعنى أن المباح مكلف به.   1 هذه الكلمة ساقطة من ب وما يأتي في كلامه يدل على ضرورة إثباتها كما في ا. 2 في ب "أي لأن الإباحة". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 36 مسألة: الإباحة حكم شرعي قال الجويني: هي معدودة من الشرع على تأويل أن الخبر ورد بها وذكر [عن] المعتزلة أن الإباحة ليست من الشرع وفصل الرازي ذلك وذكر صاحب المغنى فيما لم يرد فيه دليل سمعي احتمالين أحدهما أنه1 لا حكم له بل نفي الحرج فيه على ما كان قبل السمع والثاني أن الإباحة فيه حكم شرعي بناء على دعوى أنه قد دلت عمومات [سمعية] على أن ما لم يرد فيه حظر2 ولا إلزام فهو مباح [ر] والتحقيق أن الإباحة "تفسر بشيئين" أحدهما الإذن بالفعل3 فهي شرعية محضة إلا عند من يقول العقل يبيح فقد   1 في ا "أحدهما أن لا حكم له". 2 في ا "على أنه لم يرد – إلخ" وما أثبتناه موافقا لما في ب أوضح وأدق. 3 في ب "أحدهما الإدراك في الفعل" وهو خطأ ظاهر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 36 تكون عقلية أيضا والثاني عدم العقوبة فهذا العفو يكون عقليا وقد يسمى شرعيا بمعنى التقرير وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم القسمين بقوله: "الحلال ما أحل الله في كتابه والحرام ما حرم الله في كتابه وما سكت عنه فهو مما عفا عنه". فصل: النائم والناسي غير مكلفين وذكر الآية: {لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى} 1 وأجاب عنه وكذلك ذكره ابن عقيل وهو قول أكثر المتكلمين [قال شيخنا] 2 وكذلك المغمى عليه والذي عليه أكثر الفقهاء أنهم مكلفون وهو ظاهر كلام أحمد قال: وقد سئل عن المجنون يفيق يقضى ما فاته من الصوم فقال المجنون غير المغمى عليه فقيل له لأن المجنون رفع عنه القلم قال: نعم قال القاضي: فأسقط القضاء عن المجنون وجعل العلة فيه رفع القلم فاقتضى أنه غير مرفوع عن المغمى عليه وهذا أشبه بأصلنا حيث أوجبنا الصوم على الحائض مع استحالة الفعل منها [بمعنى ثبوت] الوجوب في الذمة. فصل: فأما السكران فقد نص أحمد أن القلم يجرى عليه وكذلك الشافعي وهو قلم الإثم ليس مثل المغمى عليه والنائم فإن قلم الإثم مرفوع عنهما إجماعا وقال ابن عقيل وأكثر المتكلمين هو غير مكلف وينبغي أن يخرج في لحوق المآثم3 له روايتان4.   1 من الآية "43" من سورة النساء. 2 ساقطة من ب. 3 في ب "التأثيم". 4 في ب "له بأفعاله روايتان". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 37 فصل: إذا كان المأمور به بعضه واجبا وبعضه مستحبا كقوله: {وَافْعَلُوا الْخَيْرَ} 1 وقوله: "دع ما يريبك إلى ما لا يريبك" ونحو ذلك وهو كثير في الكتاب والسنة فقد قال بعضهم: إن حمل الأمر على الوجوب خرجت منه المستحبات وإن حمل على الندب خرجت منه الواجبات مع أنه تحكم وإن حمل عليهما لزم حمل اللفظ على حقيقته [ومجازه أو على حقيقتيه2] قال ابن عبد السلام في قواعده: والحمل على الوجوب مع التزام التخصيص أولى لأن الغالب على صيغة الأمر الإيجاب والغالب على العموم التخصيص فإن حمله على الغالب أولى. [قلت3] الصواب أن يقال الأمر عام في كل ما تناوله لقيام المقتضى للعموم ثم لك مسلكان: أحدهما: أن تقول هو دال على القدر المشترك بين الوجوب والاستحباب وما امتاز به بعضها من الإذن في الترك والمنع منه مستفاد من دليل منفصل وهذا وإن كان فيه تجوز عند من يقول مطلق الأمر إيجاب فالمحافظة عليه أولى من تخصيصه بالأمور الواجبة فقط لأن ذلك يسقط فائدة هذا الخطاب فانا لا نحمله إلا على ما علمنا [وجوده من غيره وما علمنا وجوده من غيره غنينا فيه] عن هذا الخطاب ولا يبقى للمخاطبة بمثل هذا فائدة ولان معه قرينة [تنفي] عنه الوجوب وهو دخول ما علمنا عدم وجوبه وليس معه قرينه تنفي عنه العموم وحمل كلام الله وكلام رسوله على ما يحصل بيانه بنفسه أولى من حمله على ما لا يعلم بيانه إلا بأدلة   1 من الآية "77" من سورة الحج. 2 إن قلنا إن الأمر حقيقة في الوجوب مجاز في الندب كان حمله عليهما في هذه الصورة حملا للفظ على حقيقته ومجازه وإن قلنا إن الأمر حقيقة في الوجوب وفي الندب جميعا كان حملا للفظ المشترك على حقيقتيه. 3 ساقطة من ب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 38 كثيرة سبق حصرها [ولأنا لا نسلم] أن التخصيص في الأوامر1 أكثر من صرفها عن الوجوب وفي هذا المنع نظر ولان في مثل هذا يكون الخارج اللفظ العام أقل من الداخل فيه لكثرة مسمى الخير وكثرة الريب2 وحمل العام على مثل هذا ممتنع أو بعيد المسلك الثاني وهو الأظهر [إن] شاء الله أن تقول هذا الأمر [إن] أريد به الوجوب في الواجبات والاستحباب: "في المستحبات" لأن المقتضى لعمومه مطلقا ووجوبه في الواجبات قائم ولا مانع من هذا المقتضى فيعمل عمله وإخراج بعض المأمورات منه أو إخراجه عن الوجوب مع ثبوت الوجوب إخراج للمقتضى عن عمله. وما ذكره من كونه جمعا بين حقيقة ومجاز أو حقيقتين فعنه جوابان: أحدهما أن هذا لا يضر فإن هذا جائز وغايته أنه نوع من المجاز والمصير إليه أولى لأن التخصيص والندب مجازان أيضا لكن لا دليل على ثبوتهما لأن الدليل المنفصل إنما أوجب إخراج بعض المأمور به أن يكون واجبا فيجب العمل به هنا وما زاد [على ذلك] لا وجه لصرف الكلام [فيه] عن ظاهره فالمجاز الذي تبقى معه3 دلالة اللفظ أوفر يكون الحمل عليه أولى. ولا بد من تحرير هذا المقام أذلة أن يقول هذا مشترك. الجواب الثاني وهو أجود إن شاء الله أن هذا ليس من باب استعمال اللفظ في مفهوميه4 بل هو من باب تخصيص العام وذلك أن الأمر المتناول أفعالا هو عام بالنسبة إلى تلك الأفعال فإخراج بعضها عن أن يكون واجبا   1 في ا "الأمر" وضمير "صرفها" يدل على أن أصل العبارة كما أثبتنا موافقا لما في ب. 2 في ا "وكثرة المراتب" خطأ وهو يشير إلى الحديث الذي أثره في مطلع المسألة وهو "دع ما يريبك". 3 في ا "مع دلالة اللفظ". 4 في ب "في مفهومه" بالإفراد وخطؤه ظاهر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 39 تخصيص لدلالة الوجوب بل هو أقوى من تخصيص العام لأن التخصيص إخراج بعض الأفراد عن دخولها في اللفظ مطلقا وهذا إخراج للبعض من دخوله في دلالة اللفظ فإن الأمر يدل على الطلب وعلى المنع من الترك ويدل على شمول هذين المعنيين لجميع الأفعال المأمور بها فثبوت المعنيين في جميع الأفعال وثبوت أحدهما في الباقي إخراج لبعض الأفعال من أحد معني اللفظ وهذا أجود من إخراجه من جميع المعنى وقد يقال إن الأمر المتناول لأفعال بمنزلة أمور متعددة فيجوز أن يراد ببعضها ما لا يراد بالآخر والأول أجود فإن هذا مبنى على أن اللفظ المجموع ليس كاللفظ المفرد في [إرادة] مجموع [موارده و] معانيه والأول يجعل اللفظ قد أريد به معنى واحد في جميع موارده وأريد به في البعض قدر زائد على المعنى المشترك وذلك القدر الزائد هو من مدلول اللفظ وهذا نوع تخصيص وحاصله يرجع إلى أن صرف الأمر عن الإيجاب إلى الاستحباب نوع تخصيص وإذا كان لا بد من تخصيص صيغة الأمر أو تخصيص صيغة المأمور به [بأن يحمل لفظ الأمر على بعض معناه في جميع المأمور أو يحمل] على جميع معناه في بعض المأمور فالقسم الثالث وهو إخراج بعض معناه عن بعض المأمور أولى من هذين الوجهين لما فيه من قلة التخصيص ولما في ذينك من كثرته ويشبه هذا قول من يقول إن اللفظ العام حقيقة باعتبار ما دخل فيه مجاز باعتبار ما خرج منه والذي أبوه في حمل اللفظ1 على معنييه أن يحمله على جميع مفهوميه الحقيقي والمجازى أو الحقيقيين وليس الأمر هنا كذلك فإنه يحمل على حقيقته في بعض المواضع وعلى مجازه في بعضها وهذا أقل محذورا من إخراج ذلك البعض المجازى بالكلية والله أعلم بالصواب   1 في ا "من حمل اللفظ – إلخ". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 40 فصل: في الأقسام التي وردت بصيغة الأمر وليس المراد بها الأمر. وهي خمسة عشر قسما ذكرها الرازي في الأوامر: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 41 مسألة: في استقرار الوجوب إما أن تكون العبادة مؤقتة أولا فإن لم تكن [مؤقتة] 1 ففي استقراره بمجرد وقوعه روايتان كالحج وهذا بناء على أن الأمر يقتضى الفورية وإن كانت مؤقتة استقر الوجوب بمجرد دخول الوقت في المشهور من المذهب وفيه خلاف وإن ترددت العبادة بين التوقيت وعدمه كالزكاة انبنى2 على هذا ونعنى بالاستقرار وجوب القضاء إذ الفعل أداء غير ممكن ولا مأثوم على تركه3.   1 ساقطة من ب. 2 في "ابتنى". 3 لعل الأصل "ولا مأثم على تركه". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 41 مسألة: الأمر لا بد أن يكون أعلى مرتبة من المأمور من حيث هو آمر وإلا كان سؤالا وتضرعا ويسمى أمرا مجازا هذا قول أصحابنا والجمهور وقال بعض الأشعرية لا تشترط الرتبة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 41 مسألة: ليس من شرط الوجوب تحقق العقاب على الترك وهو قولنا وقول القاضي أبي بكر بن الباقلاني1.   1 هذه المسألة برمتها ساقطة من ا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 41 مسألة: الأمر الذي أريد به جواز التراخي بدليل أو بمقتضاه عند من يراه إذا مات المأمور بعد تمكنه منه وقبل الفعل لم يكن عاصيا عند الأكثرين وقال قوم يموت عاصيا واختاره الجويني في مسألة الفور والتراخي وحكي أن الأول مذهب الشافعي والمحققين من أصحابه في الصلاة كقولنا وهو للمقدسي في أوائله وهذا إنما يصح إذا جوزنا أن يكون الواجب متراخيا وكلام أكثر أصحابنا يقتضى أن هذا لا يجوز بحال والقاضي في الكفاية قد جوزه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 41 فصل: قال القاضي إطلاق القواعد يقتضى الوجوب لفعل ما يوعد عليه فإن عدلنا عنه في موضع فلدليل وكلام ابن عقيل في العمدة يوافق ذلك أجاب بهذا لما استدل على وجوب [الإجابة إلى1] الوليمة بقوله: "من لم يجب فقد عصى الله ورسوله" قال: وهذا يدل على الوجوب لأنه توعد عليه بالمعصية فقيل له لا يمتنع أن يتوعد عليه على طريق الاستحباب كما قال: "من سمع النداء فخرج من المسجد قبل أن يصلى فقد عصى أبا القاسم" وقال: "ليس منا من لم يوقر كبيرنا ويرحم صغيرنا" فأجاب بما تقدم وقد ذكر مثل ذلك في قوله: {وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ} 2. قلت هذا ضعيف بل الوعيد نص في الوجوب لا يقبل التأويل فإن خاصة الواجب ما توعد بالعقاب على تركه ويمتنع وجود خاصة الشيء بدون ثبوته إلا في كلام مجاز. فصل: صيغة الوجوب ينبغي أن تكون نصا في معنى الوجوب وذهبت طائفة من أصحابنا وغيرهم إلى أنها تحتمل توكيد الاستحباب كما في قوله: "حقك على واجب" وذكر هذا التأويل في "غسل الجمعة واجب على كل محتلم". فصل: فأما لفظ الفرض فقد قيل انه يقبل التأويل بمعنى التقدير واختلفت الرواية عن أحمد في صدقة الفطر هل تسمى فرضا على الروايتين ومن قال: ليست بفرض تأول قول ابن عمر فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم صدقة الفطر   1 زيادة لا بد منها ليستقيم الكلام. 2 من الآية "7" من سورة الماعون. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 42 بمعنى قدر والأظهر أنها نص وقولهم فرض القاضي النفقة وفرض الصداق لا يخرج عن معنى الوجوب وإن انضم إليه التقدير وقال القاضي في اختلاف الروايتين في البحث مع الواقف وما قالوه من أن هذه اللفظة ترد مشتركة في الوجوب والندب وغيره فهذا لا يمنع من أن الصيغة كأسماء الحقائق كالأسد والحمار فإنها حقيقة في البهائم ويراد بها الرجل بقرينة ومع هذا فلا يمتنع أن يكون إطلاقها لحقيقة البهيمية ويبطل بقوله فرضت وأوجبت وألزمت فإن هذا يرد والمراد به الوجوب ويرد والمراد به الندب كقوله غسل الجمعة واجب على كل محتلم ومعناه وجوب اختيار وكذلك فرضت يحتمل الوجوب ويحتمل التقدير كذلك ألفاظ الوعيد ترد والمراد بها الوجوب والمندوب1 قال الله تعالى: {فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ، الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ سَاهُونَ، الَّذِينَ هُمْ يُرَاؤُونَ، وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ} وذلك مندوب إليه ومع هذا اطلاقة يقتضى الوجوب وكذلك ذكر في العمدة وزاد عليه قوله: وما حقها قال: اطراق فحلها ومنحه لبنها يوم وردها قال: فتوعد [على] 2 هذا وهو مندوب إليه ومع هذا اطلاقة يقتضى الوجوب. فصل: قال القاضي العبادة كل ما كان طاعة لله أو قربة إليه أو امتثالا لأمره ولا فرق بين أن يكون فعلا أو تركا فالفعل كالوضوء والغسل والزكاة وقضاء الدين والترك كترك الزنا وترك أكل المحرم وشربه وترك الربا وزالت النجاسة فأما الترك فلا يفتقر إلى النية بمنزلة رد المغصوب وإطلاق المحرم الصيد وغسل الطيب عن بدنه وثوبه لأن ذلك كله طريقه الترك فيخالف الوضوء لأنه فعل مجرد ليس فيه ترك وقال أصحاب أبي حنيفة الوضوء ليس بعبادة من شرطها النية   1 دقة المقابلة تقتضي أي يقال "الوجوب والندب". 2 زيادة لا بد منها ليستقيم الكلام. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 43 وأفسده وقال سقوط النية في صحة الفعل المأمور به لا يدل على أنه ليس بعبادة كما لا يدل على أنه ليس بطاعة [وقربة] . فصل: قال القاضي في الحدود وكذلك ذكر في مسألة المأمور به أمر [ندب] أن كل طاعة فهو مأمور به الطاعة موافقة الأمر والمعصية مخالفة الأمر وقال على ظهر المجرد1 حد الأمر ما كان المأمور بفعله ممتثلا وليس حده ما كان طاعة لأن الفعل يكون طاعة بالترغيب في الفعل [وان لم يأمر به] كقوله: "من صلى غفرت له ومن صام فقد أطاعني" ولا يكون ذلك أمرا.   1 في ب "على ظهر الجزء" تحريف وعادة الشيخ أي يقول "في مقدمة المجرد". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 44 مسألة: التفاضل في العقاب والثواب لايعطي التفاضل ... مسألة قال ابن عقيل: التفاضل في العقاب والثواب لا يعطي التفاضل في حقيقة الإيجاب الذي هو الاستدعاء لأنه إذا لم [يفسخ] في الإخلال بواحد منهما فلا يعاقب على الإخلال بواحد منهما وكان سبحانه لو رفع العقاب رأسا والثواب لما ارتفع صحة قوله: أوجبت وحتمت وصح أن يقوم بنفسه حقيقة معقولة وهذا قول ابن الباقلاني في أن الإيجاب لا يستلزم العقاب وقال أبو المعالي والغزالي لا يعقل الوجوب إلا مع استحقاق العقاب على الترك. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 44 مسألة الأمر يتناول المعدوم بشرط أن يوجد وبه قالت الشافعية والأشعرية خلافا للحنفية والمعتزلة لا يتناو [له] وإنما يثبت الحكم فيه إذا وجد بالقياس وقالت طائفة [إن كان] هناك موجود يتناوله الخطاب دخل فيه المعدوم تبعا وإلا فلا حكاه أبو الخطاب وقال بعضهم يتناول المعدوم ويكون إعلاما لا إلزاما [وزيف] ابن برهان من قال من أصحابه وغيرهم بشرط الوجود الجزء: 1 ¦ الصفحة: 44 وترجم المسألة بأن المعدوم مأمور ومنهي وزيف الجويني ذلك وقال بل حقيقة المسألة أن المعدوم هل يتصور آمرا ولا مأمور وهو مشكل قال ابن الباقلاني في مسألة أمر: المعدوم دليلنا إجماع الأمة على أن الله سبحانه أمر أمة محمد صلى الله عليه وسلم بهذه العبادات ودخل فيها من كان موجودا في تلك الحال ومن كان غير موجود في تلك الحال فإن من وجد بعدهم ما أمروا بأمر آخر بل هم مأمورون بالأمر الذي أمر به النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه وهذا مقتضى ما نقله الأشعرية1 مصارعة للمعتزلة. فصل: أمر الصبي بشرط البلوغ وأمر المجنون بشرط الإفاقة بمنزلة أمر المعدوم بشرط الوجود ذكره ابن عقيل ملتزما له وقال إن دعوى الإجماع على خلافه باطلة وعلى قياس هذا جميع شروط الخطاب وموانعه من النوم والسكر والإغماء والغيبة وقد ذكر الغيبة في أثناء المسألة مستشهدا بها وقال أيضا ما الذي ينكر من صرف الخطاب إلى من المعلوم أنه يبلغ ويعقل وتتكامل شروط التكليف فيه وذكر في أثناء المسألة أن تعلق المدح والذم به كتعلق الأمر والنهي ومنع قولهم لا يصح أن يكون الأمر معدوما بأنه يصح أن يكون معدوما حين تعلق أمره بالمأمور مع كونه آمرا حقيقة مستندا إلى وجوده لكن ابتداء لا بد فيه من وجود الأمر كما أن انتهاءه إلى المأمور لا بد فيه من وجود المأمور فالانتهاء في هذا كالابتداء في ذلك.   1 في ا "ما نقله متأخرو مصارعة المعتزلة" وما أثبتناه موافق لما في ب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 45 مسألة: يدخل النساء في خطاب الذكور الذي هو نحو المؤمنين والقائمين وافعلوا ولا تفعلوا ونحوه عند أصحابنا والحنفية فيما ذكره البستي قال القاضي: ذكره شيخنا وأومأ إليه أحمد وهو ظاهر كلامه وبهذا قال ابن داوود وبعض الحنفية والكرامية فيما حكاه الحلواني الجزء: 1 ¦ الصفحة: 45 وقالت الشافعية والأشعرية وأكثر الحنفية لا يدخلون وهذا الذي ذكره التميمي وحكي أبو الطيب مثل مذهبنا عن بعض أصحابهم وعن أبي بكر بن داود وأصحاب أبي حنيفة واختاره أبو الخطاب كمذهب المخالفين وقال هو الأقوى عندي لكن ننصر قول شيخنا رياضة وذكر الأدلة ونصر الجويني الثاني كمذهب أصحابه وضعف الأول جدا وقال الحلواني عن أحمد ما يقتضى أنه لا يدخل النساء في خطاب الرجال لأنه قال في قول النبي صلى الله عليه وسلم: "لا يحل لواهب أن يرجع في هبته إلا فيما أعطاه الوالد لولده" أن الوالدة لا تملك الرجوع في الهبة. فصل: فان جاء المذكر بلفظ الواحد مثل قوله: إذا جاء مسلم فأعطه درهما فذكر الحلواني وغيره في المسألة في هذه الصورة احتمالين ولفظه واحتجوا بأنه لفظ موضوع للذكور فلا يدخل فيه الإناث كلفظ الواحد وقال في الجواب يحتمل إلا نسلم [الحكم في الأصل وإن سلمناه ثم فرق] . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 46 مسألة: يدخل الكفار في مطلق الخطاب بلفظ الناس ويا أولى الألباب ونحوه في أصح الروايتين وبها قال الشافعي وأكثر الشافعية [ر] وبعض المالكية والرازي والكرخى وجماعة من الحنفية والمتكلمون من المعتزلة والأشعرية والرواية الأخرى عن أحمد لا يدخلون في الأوامر بالفروع وإنما يتناولهم خطاب الإيمان والنواهي [ر] وهو الذي ذكره القاضي في مقدمة المجرد فقال الكفار مخاطبون بالإيمان وأما العبادات من الصوم والصلاة والزكاة فقال شيخنا إنهم مخاطبون1 بذلك وقال أحمد في رواية عبد الله معنى قوله: {لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ} 2 يعنى من الموحدين وذكر بعض أصحابنا فيها ثلاث   1 في ب "إنهم غير مخاطبين بذلك". 2 من الآية "43" من سورة المدثر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 46 روايات كالمذاهب الثلاثة الثالثة لا يخاطبون بشيء وبها قال الجرجاني الحنفي [ح, ر] وبعض المالكية وبعض الشافعية واختاره الشيخ أبو حامد [منهم] وقال بعض الحنفية لا يخاطبون بالفروع على الإطلاق وفصل الجويني في ذلك تفصيلا محققا [ح, ز] 1 [وقال والد شيخنا] 2 وذكر الرازي فائدة هذه المسألة فصل: خطاب الله لأهل الكتاب وبني إسرائيل في القرآن على وجهين: أحدهما خطاب على لسان محمد صلى الله عليه وسلم تسليما مثل قوله في سورة البقرة: {يَا بَنِي إِسْرائيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ} 3 إلى قطعة من السورة وكذلك في آل عمران والنساء: {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ} 4 {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ آمِنُوا بِمَا نَزَّلْنَا} 5 ونحو ذلك فهذا حكم سائر الناس فيه حكم بنى إسرائيل وأهل الكتاب [إن شركوهم] في المعنى دخلوا وإلا لم يدخلوا لأن بنى إسرائيل وأهل الكتاب صنف من المأمورين بالقرآن بمنزلة خطابه لأهل أحد وعتابه لهم في قوله: {إِذْ هَمَّتْ طَائِفَتَانِ مِنْكُمْ أَنْ تَفْشَلا} 6 إلى أواخر السورة أو خطابه لأهل بدر بقوله: {فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلالاً طَيِّباً} 7 وبمنزلة قوله: {قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ} 8 ونحو ذلك فإن الخطاب المواجه به صنف من الأمة المدعوة أو شخص يشمل سائر المدعوين وهذا نظير خطابه لواحد من الأمة [المدعوة] فإنه [يثبت الحكم]   1 في اهنا زيادة نصها "وذكر بعض أصحابنا فيها ثلاث روايات الثالثة لا يخاطبون بشيء" وقد تقدمت هذه العبارة في النسخة قبل أسطر قليلة لذلك لم نر إلحاقها بالأصل في هذا الموضع أيضا. 2 هذه الجملة في اوحدها. 3 من الآية "40" من سورة البقرة. 4 من الآية "171" من سورة النساء. 5 من الآية "47" من سورة النساء. 6 من الآية "122" من سورة آل عمران. 7 من الآية "69" من سورة الأنفال. 8 من الآية "38" من سورة لأنفال. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 47 في حق مثله إذ الأمر تارة يتوجه إلى الأمة المدعوة وتارة [يتوجه] إلى الأمة المجيبة ثم الشمول هنا هل هو بطريق العادة العرفية أو الاعتبار العقلي فيه الخلاف المعروف وسره أن المخاطب قصد بنفس ذلك الخطاب الخاص في اللغة العموم أو لم يقصد به إلا الخاص لكن قصد العموم من غير هذا الخطاب وعلى هذا يبنى1 استدلال عامة الأمة على حكمنا بمثل قوله: {أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ} 2 فإن هذه الضمائر جميعها مع بنى إسرائيل. فأما خطابه لهم على لسان موسى وغيره من الأنبياء عليهم السلام فهي مسألة شرع من قبلنا والحكم هنا لا يثبت بطريق العموم الخطابي قطعا لكن يثبت بطريق الاعتبار العقلي عند الجمهور كما دل عليه قوله: {لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ} 3 وقوله: {فَجَعَلْنَاهَا نَكَالاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهَا وَمَا خَلْفَهَا} 4 وقوله: {فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ} 5 ونحو ذلك وهذا ينتفع به ويحتاج في أكثر المواضع إلى أصل آخر يعم هذا وغيره وهو أن الحمد والذم إذا كان على جنس فعل قد علق به ثواب أو عقاب فإنه يحصل للمكلف من ذلك الجنس بقدر نصيبه منه فإن قام به البعض استوجب بعض الثواب إذا لم يكن فعل البعض شرطا في فعل البعض كصوم طرفي النهار مثلا والغالب في الذم عدم الارتباط وفي الحمد قد يقع الارتباط فإن استحقاق الذم على المعصية ليس مشروطا في الغالب بمعصية أخرى بخلاف فإن استحقاق الثواب على الطاعة فإذا ذموا على جنس فعل ذم قليله وكثيره ثم ذلك الجنس قد يشمله اللفظ وهو ظاهر كقوله: {وَلا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ} 6 {أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ} 7 وقد لا يشمله اللفظ   1 في ا "ينبني". 2 من الآية "44" من سورة البقرة. 3 من الآية "111" من سورة يوسف. 4 من الآية "66" من سورة البقرة. 5 من الآية "2" من سورة الحشر. 6 من الآية "42" من سورة البقرة. 7 من الآية "44" من سورة البقرة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 48 إلا بطريق العبرة كما في قوله: {قَالُوا نُؤْمِنُ بِمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا وَيَكْفُرُونَ بِمَا وَرَاءَهُ} 1 ونحو ذلك وقد يكون الشمول هنا بالعموم العرفي كما في قوله: "قنطار" و"دينار" و "أف" ونحو ذلك فالحاصل أن العموم يكون للأشخاص تارة وللأعمال تارة أخرى وفي كلا الموضعين يعم بالوضع اللغوي أو بالعادة العرفية أو بالعبرة العقلية فصار لغة2 وعر فا وعقلا ويترتب على عموم الفعل أنه عموم مطلق أو مشروط بالاقتران وإذا كان مطلقا فحيث وجد بعض الفعل المشمول [تبعه] الحكم3.   1 من الآية "91" من سورة البقرة. 2 في ا "فصار لغة عرفا وعقلا" بدون واو قبل عرفا وقد يكون لها وجه. 3 في ب "تبعه حكمه". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 49 مسألة: الأمر بالشيء نهي عن ضده من طريق المعنى دون اللفظ في قول أصحابنا وأصحاب أبي حنيفة والشافعي والكعبي [ح] ومالك وقالت الأشعرية هو نهي عنه من جهة اللفظ بناء على أصلهم أن الأمر والنهي لا صيغة لهما وقال سائر المعتزلة وبعض الشافعية لا يكون نهيا عن ضده لا لفظا ولا معنى قال القاضي: بناء على أصلهم يعنى المعتزلة في اعتبار إرادة الناهي وذلك غير معلوم عندهم وأما قول بعض الشافعية فحكاه ابن عقيل وقال ابن برهان هو بناء على مسألة لا يتم الواجب إلا به [ح] وقال القاضي في مسألة الوجوب الأمر إذا كان مضيقا كان نهيا عن ضده والذي اختاره الجويني أن الأمر بالشيء لا يكون نهيا عن ضده لا لفظا ولا معنى وزيف قول أصحابه1 بأن عين الأمر2 بالشيء نهي عن ضده قال: لأن المعنى القائم بالنفس المعبر عنه بأفعال مغاير للمعنى القائم بالنفس المعبر عنه بلا تفعل قال: ومن أنكر هذا فقد باهت وسقطت مكالمته وحكي عن ابن الباقلاني والمعتزلة [نحو قولنا] وأن الأمر بالشيء نهي عن ضده تضمنا بعد ما وجه قول أصحابنا بأنهم قدروا عين الأمر نهيا وأنهم زعموا أن   1في ب "وزيف قول أصحابنا". 2 في ب "بأن غير الأمر – إلخ" تحريف. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 49 اتصافه بكونه أمرا نهيا كالكون الواحد المتصف بكونه قريبا من شخص بعيدا من غيره [ح] فصل: فأما أمر الندب فهل يكون نهيا عن ضده على طريق الندب فيه قولان والإثبات قول ابن الباقلاني والنفي قول الأشعري مع موافقته في أمر الإيجاب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 50 مسألة الفرض والواجب سواء [ح] وهو الذي ذكره في مقدمة المجرد وبه قالت الشافعية وعنه الفرض آكد [و] ونصرها الحلواني وبه قالت الحنفية وهو على قولهم وروايتنا هذه ما ثبت بدليل مقطوع به وقيل هو ما لا يسقط في عمد ولا سهو وحكي ابن عقيل رواية ثالثة أن الفرض ما لزم بالقرآن والواجب ما كان1 بالسنة [ح] وهذه هي ظاهر كلام أحمد في أكثر نصوصه وقد حكاها ابن شاقلا2 وهذا القول في الجملة اختيار القاضي وغيره قال القاضي في مقدمة المجرد: الفرض والواجب سواء لا يختلفان في الحكم ولا في المعنى وهما اسم لما يلزم فعله ويعاقب على تركه واختلفت الرواية [عنه] في أوامر الرسول هل تسمى فرضا أم لا فقال في رواية الأثرم لا أقول فرضا [إلا] ما كان في كتاب الله وسماه في موضع آخر فرضا وقال في كتاب اختلاف الروايتين [في الفرض والواجب] 3 هل ذلك عبارة عن شيء واحد أم لا فقال في رواية ابن داوود وابن إبراهيم4 المضمضة والاستنشاق لا تسمى فرضا ولا يسمى فرضا إلا ما كان في كتاب الله وكذلك نقل المروذي عنه وقد سئل عن صدقة الفطر أفرض هي قال: ما أجترئ أن أقول إنها فرض قال: فقد منع من الاسم   1 في ا "والواجب ما لزم بالسنة". 2 ابن شاقلا: أبو إسحاق إبراهيم بن أحمد البغدادي البرار شيخ الحنابلة في وقته كان صاحب حلقة للفتيا في جامع المنصور وتوفي كهلا في رجب من سنة "369". 3 هذه العبارة ساقطة من ا. 4 في ا "أبي داود وإبراهيم". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 50 مع قوله بوجوبها وكذلك نقل الميمون وقد سئل هل يقال بر الوالدين فرض قال: لا ولكن أقول واجب ما لم يكن معصية قال القاضي: فظاهر هذا الفرق بين الفرض والواجب وأن الفرض عبارة عن الواجب الذي هو [في] أعلى المنازل وهو معرفة الله تعالى والفرائض التي تثبت بالاستفاضة والنقل المتواتر والواجب الذي ليس بفرض عبارة عما كان في [أدنى منازله] وهو ما ثبت من جهة الاجتهاد وساغ الاجتهاد في تركه مثل المضمضة والاستنشاق وصدقة الفطر أو يثبت من المكلف على نفسه من غير إيجاب الله مثل النذور وما يوجبه على نفسه بالدخول فيه وقد نقل عبد الله [عنه] وأبو الحارث عنه كل ما في الصلاة فرض فظاهر هذا أن التسبيح في الركوع والسجود والتكبير غير تكبيرة الإحرام وقول سمع الله لمن حمده والتشهد الأول ونحو ذلك مما هو واجب وثبت من طريق يسوغ فيه الاجتهاد أنه يسمى فرضا فعلى هذا الفرض والواجب سواء والأول اختيار ابن شاقلا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 51 مسألة: الأمر لا يتناول المكروه في قول أصحابنا والشافعية والجرجاني الحنفي وقال الرازي يتناوله وذلك كاستدلالهم على صحة طواف المحدث بمطلق قوله: {وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ} 1 وكالاستدلال على أن الترتيب لا يجب بآية الوضوء إذا قدرنا أنه لا دلالة فيها على الترتيب ونحو ذلك. فصل: رفع إجزاء الفعل كقوله: "لا تجزيء صلاة رجل لا يقيم فيها صلبه ولا تجزيء صلاة لا يقرأ فيها بأم الكتاب" مقتضى كلام أصحابنا أنه نص في عدم الامتثال فلا يسوغ صرفه2 إلى عدم إجزاء الندب وينبغي أن يقيد   1 من الآية "29" من سورة الحج. 2 في ا "فلا يجوز صرفه – إلخ". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 51 ذلك بما إذا لم يعلم أن الأمر استحباب فإنه قد جاء في حديث محمد بن كعب موصولا وموقوفا على ابن عباس: "أيما صبى حج به أهله ثم مات قبل أن يبلغ فقد أجزأ عنه" " [وأيما عبد حج] به أهله ثم مات قبل أن يعتق فقد أجزأ عنه". [ح] فصل: نفي قبول الفعل كقوله: "لا يقبل الله صلاة بغير طهور ولا صدقة من غلول" ولا يقبل الله صلاة حائض إلا [بخمار] و "من أتى عرافا فصدقه بما يقول لم تقبل له صلاة أربعين يوما" و "من شرب الخمر لم تقبل له صلاة أربعين يوما" "وأيما عبد أبق من موإليه لم تقبل له صلاة" قال ابن عقيل في مسألة النهي: يقتضى الفساد الرد ضد القبول فالصحيح من العبادات لا يكون إلا مقبولا ولا يكون مردودا إلا ويكون باطلا قال: وإنما يلزم ذلك من يقول الصلاة في الدار المغصوبة والسترة المغصوبة صحيحة غير مقبولة وعندنا لا يعتد بعبادة يعتريها أو [يعترى] شرائطها نهي الشرع ثم قال: على أن الرد يكون بمعنى الإبطال وحكي عن قوم أنهم يقولون الرد ضد القبول والعمل على الوجه المنهي عنه لا ثواب فيه لكنه صحيح بمعنى أنه يسقط الفرض ولا ثواب إن كان عبادة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 52 مسألة:1 يجوز أن يأمر [الله] المكلف بما يعلم أن المكلف لا يمكن منه ويحال بينه وبينه مع شرط بلوغه حالة التمكن ذكره القاضي وأبو الخطاب قال - يعنى القاضي2 -: بناء على أصلنا في تكليف مالا يطاق وتكليف الكافر العبادات وهو قول الأشعري ومن وافقه من الشافعية وأبى   1 في ا "فصل" بدل مسألة. 2 هذه العناية ساقطة من ا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 52 بكر الرازي والجرجاني [ومنعت] المعتزلة من ذلك قال أبو الخطاب: وقالت طائفة: يتناول الأمر من هذه صفته بشرط زوال المنع. [ز] والتحقيق أن هذه المسألة من جنس مسألة [نسخ] الشيء قبل وقت وجوبه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 53 [ز] مسألة أمر الله عبده بما يعلم أنه يمتنع منه صورتها أن يقول له إذا جاء الزوال فصل وهو يعلم أنه يموت قبل الزوال فعندنا هذا أمر صحيح لأن من أصلنا أن فائدة الأمر [تنشأ] من نفس الأمر لا من الفعل المأمور به فيحصل اعتقاد الوجوب والعزم على الطاعة ويكون سببه الامتحان والابتلاء وهو أحد ركني الشرائع والركن الآخر تضمن الأفعال المصالح وينبغي على مساق هذا أن نجوزه وإن علم المأمور أنه يموت قبل الوقت كما يجوز توبة المجبوب من الزنا والاقطع من السرقة ويكون فائدته العزم على الطاعة بتقدير القدرة والخلاف في الجميع مع البهشمية1 وليست هذه المسألة مبنية على تكليف خلاف المعلوم ولا على تكليف المعجوز عنه وإن كان لها به ضرب من التعلق لكن تشبه النسخ قبل التمكن لأن ذلك رفع للحكم بخطاب وهذا رفع للحكم بتعجيز وقد نبه ابن عقيل على ذلك وينبني على أنه قد يأمر بما يريد وكذلك القاضي نبه في الكفاية على الفرق بين هذا وتكليف ما يعجز عنه العبد مثل الطيران والمشي على الماء وقلب العصا حية.   1 البهشمية: نسبة إلى أبي هاشم بطريق النحت وذلك أن تأخذ أربعة أحرف من المركب أي أربعة شئت وترتبها على حسب ترتيبها في المركب بحيث لا تؤخر متقدما ولا تقدم متأخرا وتبنيها على وزن جعفر ثم تنسب إليها وقد قالوا في النسبة إلى عبد شمس وعبد القيس: عبشمي وعبقسي وأبو هاشم رأس من رءوس المعتزلة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 53 مسألة: اجمع الفقهاء والمتكلمون على أن المأمور يعلم أنه مأمور قال ابن برهان: [وصار] أبو هاشم إلى أنه لا يعلم ذلك حتى يمضى زمان الإمكان الجزء: 1 ¦ الصفحة: 53 هذا قوله وقول أكثر المعتزلة قال: لأن شرط الأمر [المكنة] والاستطاعة ولا نعلم دوام قدرته حتى يفرغ من المأمور به واختاره الجويني وزيف مذهب أصحابه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 54 مسألة يجوز أن يأمر الله المكلف بما يعلم الله منه أنه لا يفعله نص عليه [ر] في أمره ونهيه خلافا للمعتزلة [ح] واستدل عليه ابن عقيل بالإجماع على علمه بامتناع إبليس قبل أمره وذكر أن المسلمين أجمعوا على ذلك [وهم لا يخالفون في هذه المسألة] 1 وقد أنكر ابن عقيل وغيره هذه المسألة على هذا الوجه. والتحقيق أن الخلاف فيها مع غلاة القدرية من المعتزلة وغيرهم وهم الذين يقولون لم يعلم أفعال العباد حتى عملوها مثل معبد [الجهني] وعمرو بن عبيد وهم كفار.   1 هذه الجملة ساقطة من ب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 54 مسألة يجوز أن يرد الأمر معلقا باختيار المأمور 1 ذكره القاضي وابن عقيل ولفظه يجوز أن يرد الأمر من الله [معلقا] على اختيار المكلف وينزل مفوضا إلى اختياره بناء على أن المندوب مأمور به مع كونه مخيرا بين فعله وتركه [وبناء على أن المندوب مأمور به] 2 قال خلافا للمعتزلة: وهذه تشبه أن يقال للمجتهد احكم بما [شئت] وبحث أصحابنا في المسألة يدل على أنهم أرادوا أمر الإيجاب فلا يصح البناء على مسألة المندوب مأمور به بل حرف المسألة شيآن أحدهما جواز عدم التكليف والثاني جواز تكليف ما يشاء [العبد] ويختاره فهي مسألتان في المعنى جمعهما ابن عقيل وفي أثناء المسألة قد ذكر ابن عقيل ما يدل [على] أنهم يمنعون من أن يأمر المكلف بما يشاء وأن يأمره بما يراه بعقله بخلاف ما يراه من الأدلة السمعية فيكون الخلاف معهم في أن يأمره بما يعتقده   1 في ا "باختيار المكلف". 2 هذه الجملة مكررة في عامة النسخ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 54 أو بما يريده وأصحابنا جوزوا القسمين وهذه المسألة إن قيل فيها بالجواز العقلي فقريب وأما الوقوع ففيها نوع مخالفة لمسألة كل مجتهد مصيب مع إمكان الجمع. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 55 مسألة: يجوز أن يرد الأمر والنهي دائما إلى غير غاية فيقول صلوا ما بقيتم أبدا وصوموا رمضان ما حييتم أبدا فيقتضى الدوام مع بقاء التكليف وبهذا قال الفقهاء والأشاعرة1 من الأصوليين حكاه ابن عقيل في أواخر كتابه ومنعت المعتزلة منه وقالوا متى ورد اللفظ بذلك لم يقتض الدوام وإنما هو حث على التمسك بالفعل [ح] وحرف المسألة أنهم لا يمنعون الدوام في الدنيا وإنما يمنعون الدوام مطلقا ويقولون لا بد من دار ثواب غير دار التكليف وجوبا على الله فيكون قوله: "أبدا" مجازا وموجب قولهم أن الملائكة غير مكلفين وقد استدل ابن عقيل باستعباد الملائكة وإبليس.   1 في ا "والأشعرية". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 55 مسألة قال ابن عقيل: يصح أن يقارن الأمر الفعل حال وجوده ووقوعه من المكلف وليس من شرط صحة الأمر تقدمه على الفعل قال: وبهذا قال كافة سلف الأمة وعامة الفقهاء وذهبت المعتزلة إلى إحالة ذلك ذكرها في آخر الأوامر [ح] لفظ ابن عقيل يصح أن يقارن الأمر الفعل وجوده ووقوعه من المكلف وليس من شرط صحة الأمر تقدمه على الفعل وإذا تقدم على الفعل كان أمرا عندنا على الحقيقة أيضا وإن كان في طيه1 إيذان وإعلام على بينا في أمر المعدوم وبهذا قال كافة سلف هذه الأمة وعامة الفقهاء وذهبت المعتزلة بأسرها إلى إحالة مقارنة الأمر وجود الفعل وأنه لا بد من تقدمه ثم اختلفوا فيما يتقدم [به] 2 هل هو بوقت أو بأوقات كثيرة على مذهبين فالأكثرون جوزوا تقدمه بأوقات كثيرة وبعضهم جوز تقدمه بوقت واحد وبعضهم علق تقديمه بأوقات على المصلحة وعلى بعضهم جواز تقدمه بأوقات أن يكون في تلك الأوقات كلها تتكامل شروط التكليف من العمل والصحة والسلامة   1 في ا "في ظنه". 2 كلمة "به" ساقطة من ا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 55 وبناه ابن عقيل على أنه مقدور عندنا في حال وجوده لأن الاستطاعة مع الفعل فكما صح تناول القدرة له صح تناول الأمر له حتى أن بعض من قال بقولنا زعم أن الأمر لا يكون حقيقة إلا إذا قارن وجود الفعل ومتى تقدم كان إيذانا [وإعلاما وعندنا يكون بالتقدم إيذانا] 1 وأمرا حقيقة قال: وإذا أردنا كشف ذلك أخرجناه إلى النطق ومعلوم أن الشارع في الفعل مع شروع الأمر في الأمر إذا تقدمه الإعلام بأنه سيأمره صح ذلك فليس في وقوع الفعل المأمور به مع الأمر إحالة وهذا الكلام يخالف قوله: وقول غيره لا يصح الأمر بالموجود إلا أن يجمع بينهما بأن الممنوع إذا ابتداء الأمر حال الوجود والمسوغ إذا تقدم الأمر أو الإعلام ثم أنشيء2 أمر آخر أو لم ينشأ مع الأمر الأول وقد صرح ابن عقيل بأن الأمر الواحد له حالان وأن هنا أمرين ويجمع بينهما بأن الممنوع الأمر الثاني والمسوغ الأمر المحدث فإن بحث ابن عقيل يدل عليه ومما يبين لك أن المسألتين واحدة أن ابن عقيل قال: إن بعض من وافقنا على المقارنة منع التقدم وقد عرف أن الذي منع التقدم هم الذين خالفوه في صحة الأمر بالموجود وبناء المعتزلة ذلك على أنه ليس بمقدور في حال وجوده فلا يكون مأمورا به لامتناع الأمر بما لا يطاق والجواب عنه ظاهر وبنوه على أنه لو كان مقدورا حال حدوثه لكان مقدورا حال بقائه لكونه موجودا في الحالين وأجاب ابن عقيل بأنه حال حدوثه مفعول متعلق بفاعل وحال بقائه غير مفعول ولا متعلق بفاعل قال: وكما يصح عندنا وعندهم تعلق الإرادة بالفعل في حال حدوثه وإن كان موجودا فيها ولم يصح تعلقها به حال بقائه فبطل أن يكون حال الحدوث كحال البقاء وهذا كلام ضعيف بل هو مقدور ومراد في الحالين. وبنوه أيضا على أن مقارنته له تبطل فائدته من الدلالة والترغيب والحث فان   1 ما بين هذين المعقوفين ساقط من ا. 2 في ا "ثم استثنى أمرا آخر". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 56 الحث على الواقع الموجود محال فأجاب بأن الأمر أمران وللأمر الواحد حالان فإذا تقدم كان حثا وترغيبا ودلالة وحال يخرج عن ذلك وهو حال المقارنة وكذلك الأمر المقارن للفعل يخالف الأمر المتقدم للفعل وفائدته أنه إذا كان هو المؤثر في كونه قربه حسنا وجبت مقارنته له كما يجب ذلك في الإرادة المؤثرة لأن المتقدم على الشيء لا يؤثر في حكم له في حال وجوده. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 57 مسألة لا يصح الأمر بالموجود عند أصحابنا ذكره القاضي وابن عقيل والجمهور وأجازه بعض المتكلمين [ح] وهذا القول أجود والله أعلم. وهذه تشبه إرادة الموجود ومحبة الموجود وتشبه مسألة افتقار الموجود إلى المؤثر وأن عليه الافتقار الإمكان أو الحدوث. قال ابن عقيل هذا ينبني على أصل قد بان بهذا الفصل أن أصحابنا ذهبوا إليه ودانوا به وهو أن الأمر بالمستحيل لا يجوز خلافا للأشعرية. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 57 مسألة: يصح أن يتقدم الأمر على الفعل بمدة طويلة وقصيرة ... مسألة يصح أن يتقدم الأمر على الفعل [ح] بمدة طويلة وقصيرة على قول عامة الأصحاب كالمسألة بعدها ومنع منه المخالف في التي قبلها وقال إذا تقدم لم يكن أمرا بل هو إعلام ثم قال القاضي في الكفاية: إنما يصح تقدمه زمنا يمكن معه الاستدلال به على الوجوب أو الترغيب فإن تقدم زيادة على ذلك لغرض جاز وإن كان لغير غرض فقد قيل لا يجوز وهذا كلام أبي الحسين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 57 مسألة: يجوز إذا أمر الله عبده بعباده في وقت مستقبل أن يعلمه بذلك فبل مجىء الوقت ... مسألة: يجوز إذا أمر الله1 عبده بعبادة في وقت مستقبل أن يعلمه بذلك قبل مجيء الوقت وقالت المعتزلة لا يجوز أن يعلمه بذلك [ح] وبناها ابن عقيل على التي قبلها وينبغي أن يكون الخلاف مع بعضهم لأن مأخذ هذه المسألة لا يقتضيه أصول جميعهم وهم فرقة كثيرة الاختلاف وأصحابنا [ينصبون الخلاف] 2 مع مطلق الجنس لا مع عموم الجنس.   1 في ا "يجوز أن يأمر الله – إلخ" وما أثبتناه عن ب أدق. 2 هذه الجملة ساقطة من ا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 57 مسألة: يجوز أن يقال إن بعض الواجبات أوجب من بعض [ر] وذكره جماعة من أصحابنا منهم الحلواني [والقاضي وغيره] 1 وبهذا قالت الحنفية وأبو بكر ابن الباقلاني [ح] وذكر ابن عقيل أن شيخه بنى ذلك على ما نصره من أن الفرض أعلى من الواجب قال: وقد نصرت أنا أن الفرض والواجب سواء ومنع بعض المتكلمين من ذلك قال: واختاره ابن عقيل وبسط القول فيه [ح] قال الحلواني والقاضي: وفائدة هذا أن أحدهما يثاب عليه أكثر من الآخر وأن أحدهما طريقه مقطوع به والآخر غالب ظن وحكي ابن عقيل الأول عن الحنفية والثاني جعله ظاهر مذهب أصحاب الشافعي حيث قالوا: إن الفرض والواجب سواء.   1 هذه العبارة ليست في ب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 58 مسألة: إذا طول الواجب الذي لا حد له كالطمأنينة والقيام ونحوهما فالزيادة على قدر الإجزاء نقل ذكره ابن عقيل وأبو الخطاب والقاضي أبو يعلى في العدة [ح] وفي الخلاف في مسألة مسح الرأس وبه قال الجرجاني وأبو بكر بن الباقلاني وأكثر الحنفية والشافعية وقال أبو الحسن الكرخى يقع الجميع واجبا واختاره بعض أصحابنا وزعم القاضي أنه ظاهر كلام أحمد وأخذه من نصوصه على أن الإمام إذا أطال الركوع فأدركه فيه مسبوق أدرك الركعة قال: ولو لم يكن الكل واجبا لما صح ذلك لأنه يكون اقتداء مفترض بمتنفل وهذا ليس بمأخذ صحيح لأن الكل قد اتفقوا على هذا الحكم مع خلفهم في المسألة وفي مسألة اقتداء المفترض بالمتنفل نعم يصح أن يجعل هذا دليلا في المسألة وللمخالف أن يجيب عنه بما هو مذكور فيها ولذلك ذكر ابن عقيل فساد هذا المأخذ واعتذر عن نص الإمام أحمد بكلام آخر ذكره وكذلك أبو الخطاب غلط شيخه في ذلك [ح] قال ابن عقيل: نص أحمد لا يدل عندي على هذا بل يجوز أن يعطى أحد أمرين إما جواز ائتمام المفترض بالمتنفل ويحتمل أن يجرى مجرى الواجب في باب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 58 الاتباع خاصة إذ الاتباع قد يسقط الواجب كما في المسبوق ومصلى الجمعة من امرأة وعبد ومسافر وقد يوجب ما ليس بواجب كالمسافر المؤتم بمقيم وقياس الزيادة المنفصلة وهو فعل المثل على الزيادة المنفصلة فالأول أجمع عليه الفقهاء والمتكلمون كذا قال ابن برهان: ولم يحك الخلاف إلا عن الكرخى وحكي المقدسي عن القاضي اختيار الوجوب [ح] وكذلك حكاه عنه الحلواني ثم أيده في كتاب العمدة أعني القول الثاني قال الحلواني في مسألة الواجب: الذي لا حد له إذا طوله وقال بعض أصحابنا يكون واجبا وهو اختيار القاضي أبي يعلى وكذلك حكاه المقدسي عن القاضي وكذا ذكره القاضي في العمدة أنه يكون الجميع1 واجبا وكذلك حكى القاضي عن بعض الشافعية أن جميع الركوع فرض وأن طوله وأن جميع القراءة فرض وإن قرأ القرآن في صلاته وذكر الحلواني في دليل المخالف ما أخذه القاضي من كلام أحمد.   1 في ا "أنه يكون الكل واجبا". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 59 مسألة: إذا ورد الأمر بهيأة أو صفة لفعل ودل الدليل ... مسألة إذا ورد الأمر بهيأة أو صفة ودل الدليل1 على أنها مستحبة جاز التمسك به على وجوب أصل الفعل لتضمنه الأمر به لأن مقتضاه وجوبها فإذا خولف في الصريح بقى المتضمن على أصل الاقتضاء ذكره أصحابنا ونص عليه أحمد حيث تمسك على وجوب الاستنشاق بالأمر بالمبالغة وقالت الحنفية فيما حكاه الجرجاني لا يبقى دليلا على وجوب الأصل. "ح" وحقيقة المسألة أن مخالفة الظاهر في لفظ الخطاب لا يقتضى مخالفة الظاهر في فحواه وهو يشبه نسخ اللفظ هل يكون نسخا للفحوى وهكذا يجيء في جميع دلالات الالتزام وقول المخالف [متوجه] وسرها أنه هل هو بمنزلة أمرين أو أمر بفعلين أو أمر بفعل واحد ولوازمه [جاءت] ضرورة وهو يستمد من الأمر بالشيء نهي عن أضداده.   1 في ا "دل الدليل" بلا واو. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 59 [زو] مسألة العبادة الموسعة كالصوم والصلاة لا يصير نقلها بعد التلبس به واجبا وبه قال الشافعي: وقال أبو حنيفة يلزم بالشروع. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 60 مسألة: إذا عبر عن العبادة بمشروع فيها دل ذلك على وجوبه مثل تسمية الصلاة قرآنا بقوله: {وَقُرْآنَ الْفَجْرِ} 1 وتسبيحا بقوله: {وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ} 2 وكالتعبير عن الإحرام والنسك بأخذ الشعر بقوله: {مُحَلِّقِينَ رُؤُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ} 3 ذكره القاضي وابن عقيل ولم يحك خلافا.   1 من الآية "78" من سورة الاسراء. 2 من الآية "39" من سورة قّ. 3 من الآية "27" من سورة الفتح. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 60 مسألة: مالا يتم الواجب إلابه ... مسألة: ما يتم الواجب إلا به ويدخل في قدرة المكلف فهو واجب وبه قالت الشافعية ذكره ابن الخطيب1 خلافا لمن منع من ذلك وقال ليس بواجب وهم أكثر المعتزلة وفرق ابن برهان بين ما كان شرطا شرعيا كالطهارة للصلاة والستارة ونحوهما فجعله مأمورا به وبين ما يقع ضرورة الإتيان بالمأمور كغسل جزء من الرأس وإمساك جزء من الليل فلم يجعله واجبا ولا مأمورا به وكذلك ذكر الجويني نحو ذلك وأشار إلى أنه في معنى كون الأمر بالشيء هل يكون نهيا عن ضده [ح] وحقق ابن عقيل ذلك تحقيقا حسنا. فصل: مالا يتم الواجب إلا به للناس في ضبطه طريقان: أحدهما: وهو طريق الغزالي وأبي محمد وغيرهما أنه ينقسم إلى غير مقدور للعبد كالقدرة والأعضاء وفعل غيره كالإمام والعدد في الجمعة فلا يكون واجبا والى ما يكون مقدورا له كالطهارة وقطع المسافة إلى الجمعة والمشاعر فيكون واجبا وهذا ضعيف في القسم الأول إذ لا واجب هناك وفي الثاني باكتساب المال في الحج والكفارات ونحو ذلك   1 في ب "ابن الخطاب" وربما كان محرفا عن "أبو الخطاب". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 60 الطريق الثاني: أن مالا يتم الوجوب إلا به فليس بواجب كالقسم الأول وكالمال في الحج والكفارات ومالا يتم الواجب إلا به فهو واجب مطلقا وهذه طريقة الأكثرين من أصحابنا وغيرهم وهي الأصح. وهذه الأمور الملازمة للواجب أقسام لأنه إما أن يجب وجودها قبله كالمشي إلى الجمعة أو بعده كإمساك جزء من الليل في الصوم أو مقارنا له كالاستقبال والطهارة أو يمكن في الثلاثة كغسل بعض الرأس في الوجه أو يكون مبهما كصلاة أربع صلوات إذا نسى صلاة من يوم لا يعلم عينها. ثم الذي يجب أن يقال في هذه المسألة أن الواجب له معنيان أحدهما الطلب الجازم والثاني المعاقبة والذم على الترك والوجوب عند الجمهور من أصحابنا وغيرهم يتصور بمجرد القسم الأول فيكون وجوب هذه اللوازم من باب الأول لا الثاني إذ لا يعاقب المكلف على ترك هذه اللوازم بدليل أن من بعدت داره عن المسجد أو مكة لا تزيد عقوبته على عقوبة من قربت داره وإن كان ثوابه على الفعل أكثر1 إلا أن يقال قد تكون عقوبة من كثرت واجباته أقل من عقوبة من قلت: وعلى هذا فقول من قال: "يجب التوصل إلى الواجب بما ليس بواجب" صحيح ليس كما أنكره أبو محمد متابعة للغزالي وغيره وكذلك [مسألة] 2 ما لا يتم اجتناب المحرم إلا باجتنابه سواء وقد يقال أيضا هذه اللوازم3 تجب وجوبا عقليا لا وجوبا طلبيا ولا عقابيا فإن هذا نوع ثالث كما يجب لمن أراد الأكل تحريك4 فمه أو لمن أراد الكلام تحريك آلاته فهذا وجوب عادى لا شرعي وهذا الوجوب لا ينكره عاقل كما أن الوجوب العقابي لا بقوله   1 في ب "وإن كان ثوابه أكثر على الفعل". 2 هذه الكلمة ساقطة من ا. 3 في ا "وقد يقال أيضا لهذه اللوازم". 4 في ب "لمن أراد تحريك الأكل فمه" سهو. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 61 فقيه يبقى الوجوب الطلبى وهو محل النزاع وفيه نظر ويشبه أن يقول هو مطلوب بالقصد الثاني لا الأول. ومما يوضح1 الفرق بين الوجوب الطلبي والعقابي أن من قال: يجب بالعقل توحيد الله وشكره ويحرم به الكفر والزنا والظلم والكذب لا يلزمه أن يقول يعاقب عليه في الآخرة للنصوص السمعية وإن كان تاركا للواجب وفاعلا للمحرم والخلاف في المسألة مشهور مع الجويني وغيره2. فصل: فأما إذا كان الافتقار إلى التمام للجهل3 كما لو أشتبه الواجب بغيره كالناسي لصلاة لا يعلم عينها أو المحرم بغيره كمن اشتبهت عليه أخته بأجنبية فعلى قول أبي محمد وغيره الجميع محرم وواجب وعلى القول الآخر أحدهما هو الواجب في الحقيقة والآخر يثبت فيه أحد نوعى الوجوب وهو الوجوب ظاهرا لا باطنا وهذا هو التحقيق فبتقسيم أنواع الوجوب والحرمة يظهر الحكم في هذه المسائل وكذلك بتقسيم الوجوب يظهر الحكم في مسألة المخير والموسع والزيادة المحدودة والمطلقة ومن أخذ الوجوب نوعا واحدا اضطربت عليه هذه المسائل.   1 في ب "ومما يصح الفرق" تحريف. 2 في هامش اهنا "بلغ مقابلة على الأصل". 3 في ب "للجميل" وهو تحريف. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 62 مسألة الأمر بالصفة في الفعل يشبهها جميع لوازم المأمور به المتقدمة عليه أو المتعقبة له أو المقارنة له فإنه إذا نسخ الأمر1 بالملزوم أو تبين أنه ليس بواجب فإنه يستدل به على اللوازم2 فأصحابنا جعلوا اللوازم بمنزلة3 الإجزاء وصرحوا بأنه يصير   1 في ب "إذا صح الأمر بالملزوم – إلخ" تحريف. 2 في ا "يستدل به على اللوازم بمنزلة اللوازم" ولعل أصله - إن صح – "على اللوازم وما بمنزلة اللوازم". 3كلمة "بمنزلة" ساقطة من ا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 62 بمنزلة ألفاظ العموم إذا خص منها صورة وأن الكلام في قوة أمرين وأن اللازم يكون مأمورا به أمرا مطلقا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 63 مسألة الأمر لا يقف على المصلحة خلافا للمعتزلة [ر] بل يجوز أن يأمر بما لا مصلحة للمأمور فيه ولكن التكليف منه إنما وقع على وجه المصلحة بناء على أنه قد يأمر بما لا يريد كونه وأنه لا يجب عليه رعاية الصلاح ولا الأصلح وأنه سبحانه لا يقبح منه شيء بل يفعل ما شاء هذا كلام القاضي. ولهذه المسألة مأخذان أحدهما أن فائدة الأمر قد [تنشأ] من نفس التكليف لا من الفعل المكلف به وهذا أصل ممهد لأصحابنا في غاية الحسن وأصول المعتزلة تقتضى خلافه والثاني أنه لا يجب عليه شيء عندنا لكن لم يقع من الشرائع إلا ما تضمن المصلحة وهم يقولون بالوجوب عليه. قال ابن عقيل الأمر من جهة الله تعالى لا يقف على مصلحة المأمور [ويجوز أن] يأمره بما يعلم أنه لا يعود بصلاح حاله [عندنا] هذا ينبني على أصول لنا في أصول الديانات وبهذا قال الفقهاء أجمع خلافا للمعتزلة ومن وافقهم في تلك الأصول في قولهم: لا يأمر إلا بما فيه المصلحة والأمر عندهم يقتضي الإرادة ولا يريد الله عندهم بعباده إلا ما فيه1 الأصلح لهم دينا ودنيا2 واحتج ابن عقيل بأمر إبليس وفرعون ونحوهما. قلت ما أمر الله إبليس إلا بما فيه المصلحة لكن لم يكن نفس أمره له مصلحة فهنا ثلاثة أشياء3 أحدها أن يكون نفس الأمر [فيه] 4 مصلحة للمأمور المعين أو لجملة5 المأمورين الثاني أن يكون نفس امتثال المأمور به مصلحة للمأمور أو لجميع المأمورين وكلام ابن عقيل يعم القسمين تسوية بين القول والفعل إذ مصدرهما محض المشيئة وتفطن ابن العماد للفرق فقال التحقيق أن الأمر يتناول   1 في ب "إلا بما فيه الأصلح – إلخ". 2 في ا "دينا وأخرى ودنيا". 3 في ب "ثلاثة أسباب". 4 كلمة "فيه" ساقطة من ب. 5 في ب "أم الجملة المأمورين". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 63 المصالح والأصلح [في نفسها نعم يقف حصول المصلحة على امتثال المكلف فعدم الامتثال لا يدل على أن الأمر لم يتناول الأصلح] 1 قال: ولا يحتاج أن نرتكب [الأشنع] 2 ونقول إن أمر الله تعالى لا يطلب له فائدة بل لا يخلو عن فائدة وهنا أقسام أحدها أن يأمر بما هو فساد في الدنيا ويعاقبه على الترك ولا يثيبه على الفعل فهذا لم يقع الثاني أن يثيبه عل الامتثال فهذا ممكن الثالث أن يأمره بما فيه صلاح في الدنيا ويثيب في الآخرة أو لا يثيب الرابع أن يأمره بما عرى عن المصلحة والمفسدة الخامس أن تكون مصلحته في الدنيا لغير المأمور به والحق أن نفس الأمر لا بد أن يكون مصلحة للعموم كالفعل وأما المأمور به فيكون مصلحة للعموم وقد يكون مصلحة للخصوص هذه المسألة أعنى مسألة وقوف الأمر على المصلحة لها أقسام وهي ذات شعب وذلك أن عندنا للأمر بالشيء لمصلحة ثلاث جهات أحدها نفس الأمر بقيد الاعتقاد والعزم وثانيهما الفعل من حيث هو مأمور به تعبدا وابتلاء وامتحانا وثالثها نفس الفعل بما اشتمل عليه من المصلحة والمعتزلة تنكر القسمين الأولين فعلى هذا يجوز أن يأمر بفعل لا مصلحة فيه بل في الأمر والتكليف به الثاني أنه يجوز أن يأمر العبد بما لا مصلحة فيه على تقدير المخالفة فتكون المصلحة في الفعل لو وقع لا مصلحة للعبد في نفس تكليفه كأمر الكفار بالإيمان وهذا مما لا يختلف أهل الشرائع فيه الثالث أنه يجوز أن يأمر بما لا مصلحة فيه على تقدير الموافقة بمعنى أن العبد لو فعل المأمور به لم تكن له فيه مصلحة فهذا جائز لله لأنه يفعل ما يشاء ويحكم بما يريد خلافا للمعتزلة هو غير جائز له لكن هل يجوز أن يقع منه الصحيح أنه لا يقع منه كتعذيب الطائع وإفناء الجنة بل قد اشتملت الأفعال الصحيحة المشروعة على مصالح فضلا منه وإحسانا وهذا قول عامة السلف وعليه انبنت مذاهب الفقهاء وحملة الشريعة والذي عليه   1 ما بين هذين المعقوفين ساقطة من ا. 2 في ب "يرتكب" "ويقول" وكلمة "الأشنع" ساقطة منها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 64 أكثر الأشعرية أو كثير منهم جواز خلو المشروعات عن المصالح وربما صغى إلى ذلك جماعة من متأخري أصحابنا والتزموه في محاجاتهم كما أن هؤلاء قد لا يجعلون في نفس الفعل من حيث هو مصلحة ولا مفسدة إلا من حيث تعلق الأمر به وهؤلاء ناقضوا المعتزلة مناقضة بعيدة ودين الله بين الغالي فيه وآلجافي عنه فافهم الفرق بين هذه المقالات وأصولها وفروعها تتبين الصواب من الخطأ والله الهادي والقاضي أقصد من ابن عقيل فإن لفظه ليشير إليه كما كتبته عنه وكذلك قال في المسألة النسخ: الناس في التكليف على قولين منهم من قال: لله أن يكلف عباده ما شاء أن يكلفهم لمصلحة ولغير مصلحة ثم الحق1 ولكن لا يختلف أن التكليف إنما وقع منه على وجه المصلحة كما أن ما يفعله فينا إنما يفعله للمصلحة ومنهم من قال: حسن التكليف لما فيه من مصالحهم.   1 لم يأت بالخبر عن "الحق" وليس في النسختين علامة سقط. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 65 مسألة: ما لا يتم جتناب المحرم إلا باجتنابه ... مسألة ما لا يتم اجتناب المحرم إلا باجتنابه فمحرم أيضا كمن اشتبهت أخته بأجنبية خلافا لبعضهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 65 مسألة: في احكام الشرع ... مسألة اتفق الفقهاء والمتكلمون على أن أحكام الشرع1 تنقسم إلى واجب ومندوب ومحرم ومكروه ومباح إلا الكعبي فإنه قال: لا مباح في الشريعة وقوى ابن برهان مذهبه بناء على تقدير صحة قول من قال: إن النهي عن الشيء ذي الأضداد أمر بواحد منها ورد الجويني عليه برد هذا الأصل وهذا لا إشكال فيه ولكن [يتوجه] عندي رد قوله مع تقدير صحة ذلك الأصل وهو أن هذا [إنما هو] 2 فيما [أضداده محصورة] [فقط] 2 فليتحقق ذلك وذكر ابن عقيل هذه المسألة في أواخر مسائل النسخ [قال الشيخ مجد الدين لله در] الواضح لابن عقيل من كتاب ما أغزر فوائده وأكثر فرائده وأزكى مسائلة وأزيد فضائله   1 تقدم مبحث هل المباح من أنواع الحكم الشرعي. 2 ساقط من ا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 65 من نقل مذهب وتحرير حقيقة مسألة وتحقيق ذلك1.   1 سقط من النسختينم وراء ذلك وكتب في ا "بياض في الأصل". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 66 مسائل الأفعال مسألة: قال أبو الخطاب: نقول إننا متعبدون بإتباع رسول الله صلى الله عليه وسلم والتأسي به في أفعاله والتأسي أن نفعل صورة الذي فعل على الوجه الذي فعل لأجل أنه فعل فإن علمنا وجوبه عليه وجب علينا وإن علمناه نفلا له فهو نفل لنا وإن علمناه مباحا له فكذلك لنا هذا معنى كلامه. ثم قال خلافا لأبي علي بن خلاد في قوله: ما تعبدنا بالتأسي به إلا في العبادات دون غيرها من المباحات1 والعقود والأكل والشرب وغير ذلك. [زو] وقال القاضي في الكفاية2. فصل: وأما تعبد الإنسان بأفعال النبي صلى الله عليه وسلم المباحات كالأكل والشرب والقيام والقعود فإنما تعبده في العبادات خلافا للمعتزلة في قولهم هو متعبد بجميع ذلك وهذا موافقة لابن خلاد. ثم إن أبا الخطاب احتج بآيات وظواهر وبأن الأمة أجمعت على الرجوع إلى أفعاله وعضد ذلك بأشياء واحتج3 للخصم بأنه يجوز أن يكون مصلحة له دوننا وقال مجيبا قلنا يجوز أن يكون مصلحة لنا أيضا وقد أمرنا بإتباعه   1في ا "من المناكحات". 2 سقط من النسختين مقول القاضي وليس في واحدة منهما علامة سقط ولعل مقوله هو الفصل الذي يلي هذا الكلام. 3 كلمة "واحتج" ساقطة من ا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 66 فوجب ذلك لأن الظاهر أن المصلحة في الفعل تعمه وايانا إلا أن يرد دليل يخصص. قلت هذا الذي ذكره صحيح وهو المذهب لكنه يناقض ما اختاره قبل هذا في كتابه وخالف فيه شيخه والجمهور والعجب أنه احتج هناك لمن خالفه بأكثر مما احتج به هاهنا وأبطله هناك ثم عاد هنا فاعتمد عليه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 67 مسألة: إذا فعل شيئا ولم يعلم على أي وجه فعله ... مسألة قال: بعد هذا فإن فعل شيئا ولم يعلم على أي وجه فعله فقد خرجه شيخنا على روايتين وذكر روايتي الوجوب والندب ثم قال: وقد روى عن أحمد ما يدل على الوقف حتى يعلم على أي وجه فعل من وجوب أو ندب أو أباحة فقال في رواية إسحاق بن إبراهيم الأمر من النبي صلى الله عليه وسلم سوى الفعل لأنه يفعل الشيء على جهة الفضل وقد يفعل الشيء وهو خاص له وإذا أمر بالشيء فهو للمسلمين قال: وهذا يدل على أنه جعل أمر الفعل مترددا بين الفضل وبين كونه خاصا له وما هذا سبيله يجب التوقف حتى يعلم على أي وجه فعله. قلت وليس الأمر كما قال: بل إن حملنا هذا على ظاهره اقتضى الوقف في تعديته إلى أمته وإن عرفنا وجهه في حقه لأنه علل باحتمال اختصاصه به فتكون هذه الرواية موافقة لمن قال: إن ما شرع في حقه لا يلزم مثله في أمته إلا بدليل ومن العجب أنه حكى أنه قول التميمي لأنه قال: انتهي إلى من قول أبي عبد الله أن أفعال رسول الله صلى الله عليه وسلم ليست على الإيجاب إلا أن يدل دليل فيكون الفعل للدليل الذي [ساقه قال: فجعل فعله موقوفا على الدليل الذي ساقه] 1 وحكاه عن أحمد قال أبو الخطاب: وهو الأقوى عندي ثم دل على ذلك بأنه يجوز أن يقع فعله واجبا وندبا ومباحا وخصوصا له دون أمته فلم يجز اعتقاد أحدها وإليه أشار أحمد ثم ذكر هو والقاضي أن أبا الحسن احتج   1 ما بين المعقوفين ساقط من ب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 67 بشيئين أحدهما أن فعله قد يكون مصلحة له دون أمته فلا يجوز لهم الإقدام عليه إلا بأمره والثاني أنه قد يقع منه الصغائر وهذا كله تخليط عجيب لأن من يعلل بهذا لا يصلح أن يكون معلولة إلا الوقف في تعديه حكمه إلى أمته وأن ما شرع له وإن عرف وجهه بصريح قول أو غيره إلا بدليل وهذا قول شاذ قد نقضه أبو الخطاب بمسائل كثيرة وذكر فيها ما يبطل ما احتج به هاهنا منها أول مسألة في التأسي كما سبق ومنها أنه قد ذكر مسألة تعارض فعله وقوله ونسخ فعله وقوله وتخصيص العموم بفعله فليت شعري [هذا كله] كيف يصح ممن يقول بأن احتمال اختصاصه به يمنع من تعديته إلى غيره نعم الذي [يحسن] بالعكس وهو أن الفعل إذا قلنا انه يتعدى حكمه إلى أمته ولا يلتفت إلى احتمال كونه خاصة أو معصية إلا بدليل فهل يحمل على الإباحة أو الندب أو الوجوب أو يتوقف في تعيين أحدهما أم لا هذا يجرى1 فيه الخلاف ويكون قد حصل الإجماع من هؤلاء أنه لا حرج على فاعله وأنه مأذون فيه ومتى حمل على أحد هذه الوجوه عند من يراها أو بدليل فهل يعارض قوله: أو ينسخه أو يخص عمومه هذا كله يجيء فيه الاختلاف وسنذكره والذي يقوى عندي حمل كلام أحمد في الفرق بين قول وفعله بكونه يحتمل التخصيص ويحتمل الندب في مسألتين إحداهما أن فعله لا يعارض قوله: بل يحمل على أنه خاص له جمعا بينهما الثانية أن أمره على الوجوب وفعله لا يفيد الوجوب [وإن كان قربة] بل يحمل على الندب إن كان قربة لأنه المتيقن أو الإباحة [إن لم يكن قربة] 2 لأنه قد ذكر في مواضع كثيرة كلاما يدل على نحو ذلك ويمكن أيضا أن يعتذر للتميمي بأنه ذكر احتمال الصغائر لقطع المغالاة بالقول بالوجوب [زو] للقاضي أبي يعلى في الكفاية قبل النسخ كلام كثير في التأسي وبسط القول فيه وفي وجوهه وفي أفعال النبي صلى الله عليه وسلم وأحكامها وكلامه كثير جدا   1 في ا "هذا يحسن فيه الخلاف". 2 ساقط من ا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 68 مسألة: قال ابو الخطاب في نسخ القول ... مسألة: قال أبو الخطاب في فسخ القول بالفعل: وعكسه كلاما كثيرا ذكرناه في النسخ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 69 مسألة: فإذا عارض فعله قوله ولم يعلم التاريخ مذكورة بعد. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 69 مسألة: يخص عموم القول1 بفعله ذكره أبو الخطاب [رو] وهو قول الشافعي وقال الكري لا يخصص به وتوقف [فيه] عبد الجبار بن أحمد هذا نقل الرازي. فصل: ذكر فيه أبو الخطاب الطريق إلى معرفة وجه فعله عليه [الصلاة و] السلام من وجوه [زو] وذكرها الرازي أيضا.   1 في ا "يخص عموم القول فعله". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 69 مسألة:1 اختلف من قال بالتأسي إذا نقل عن الرسول فعلان مختلفان [مؤرخان] فصار كثير من العلماء إلى العمل بآخرهما كالقولين وجعله ناسخا بما يقتضيه [لو انفرد] وجعل الأول منسوخا به قال الجويني: وللشافعي صغو2 إلى ذلك وأشار إلى أنه قدم حديث خوات على حديث ابن عمر في الخوف لذلك وأنه على هذا [متى لم يعلم التاريخ تعارضا وعدل إلى القياس وغيره من الترجيحات قال: وذهب القاضي يعنى ابن الباقلاني إلى أن تعدد الفعل مع التقديم والتأخير يفيد جواز الأمرين إذا لم يكن في أحدهما [ما يقتضى] 3 حظرا ورجح الجويني ذلك وهو ظاهر كلام إمامنا في مسائل كثيرة نعم يكون آخر الفعل أولى في الفضيلة والاختيار وعلى هذا يحمل قولهم كنا نأخذ بالأحدث فالأحدث من فعل   1 في ا "فصل" بدل "مسألة" في هذا الموضع. 2 صغو إلى ذلك: أي ميل. 3 كلمة "ما يقتضي" ساقطة من أصل ب وتقرأ في ا "ما يتضمن" أيضا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 69 رسول الله صلى الله عليه وسلم ولهذا جاء ذلك عن ابن عباس في الصوم في السفر مع أنه قد صح عنه التخيير بين الأمرين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 70 مسألة: إذا رأى النبي صلى الله عليه وسلم رجلا يفعل فعلا أو يقول قولا فقرره ولم ينكره عليه كان ذلك شرعا 1 منه في رفع الحرج فيما رآه هذا قول جمهور الأصوليين كذا قاله الجويني وذكر أن الواقفة المترددين في أفعال رسول الله صلى الله عليه وسلم بين كونها من خصائصه أو يشاركه غيره قالوا: هاهنا إن تقريره للواحد كخطابه له وأنهما جميعا تقرير وخطاب للامه ثم قال: لا بد من تفصيل وهو أنه لا يبعد أن يرى الرسول صلى الله عليه وسلم آبيا عنه إما منافقا أو كافرا يمتنع من القبول منه فلا يتعرض له لعلمه بأنه لو أمره أو نهاه ما قبل ذلك منه بل أباه.   1 في ب "كان ذلك مسوغا منه – إلخ". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 70 مسألة: احتج الشافعي وأحمد في القيافة بقصة محرز [المدلجى] وضعفه ابن الباقلاني والجويني. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 70 مسألة: الفعل في حال حدوثه مأمور به قال ابن برهان: هذا مذهبنا خلافا للمعتزلة ليس مأمورا به قال: والخلاف لفظي وبسط الكلام في ذلك وكذلك بسط الجويني قوله في ذلك وفيه إنكار على الفريقين خصوصا أصحابه بكلام محقق. [ز] قال شيخنا بعد: خلافا للمعتزلة ليس مأمورا به وهذا مقتضى قول ابن عقيل في مسألة الأمر بالموجود فإنه التزم أن المؤمن ليس مأمورا بالإيمان عند وجوده وأنه لا يصح منه فعل ما هو موجود كالقيام لا يصح أن يفعله القائم لاستغنائه بوجوده عن موجد والمؤمن لا يفعل الإيمان إلا في مستقبل الحال وهذا خلاف المذهب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 70 مسألة: التأسي بأفعاله عليه الصلاة والسلام لا يقتضيه العقل لم يذكر ابن برهان فيه خلافا [زو] وذكره القاضي في الكفاية والعدة وذكره الحلواني وقال خلافا لبعض الناس في قولهم وجوبها من جهة العقل وكذلك حكى ابن عقيل عن بعض الأصوليين ورد عليه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 71 مسألة: فأما شرعنا ففعله حجة فيما ظهر وجهه إن كان واجبا وجب علينا وإن كان مندوبا ندب لنا وإن كان مباحا أبيح لنا وهو قول الجمهور قال ابن برهان: هو قول الفقهاء قاطبة قال: وأما أصحابنا المتكلمون فتوقفوا في ذلك. قلت وقد حكينا هذا فيما مضى عن الأشعرية وبعض الشافعية والتميمي صاحبنا. قال ابن برهان وأما الحنفية فانقسموا في ذلك قسمين كالمذهبين. والظاهر أنه يريد المتكلمين منهم وإلا تناقض [قوله] . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 71 مسألة فعل النبي صلى الله عليه وسلم يفيد الإباحة إذا لم يكن فيه معنى القربة في قول الجمهور وذهب أهل الوقف في التي قبلها إليه ها هنا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 71 مسألة: فإن كان جهة القربة ... مسألة فإن كان على جهة القربة ولم يكن بيانا لمجمل أو امتثالا لأمر بل ابتداء ففيه روايتان فيما ذكره القاضي إحداهما أنه على الندب إلا أن يدل دليل على غيره نقلها إسحاق بن إبراهيم والأثرم وجماعة عنه بألفاظ صريحة واختارها أبو الحسن التميمي [ح] ولفخر إسماعيل والقاضي في مقدمة المجرد وبها قالت الحنفية فيما حكاه أبو سفيان السرخسي وأهل الظاهر وأبو بكر الصيرفي والقفال والثانية أنها على الوجوب وبها قال أبو علي بن خيران وابن أبي هريرة والاصطخرى وابن سريج وطوائف من المعتزلة حكى ذلك الجويني وبها قالت المالكية واختارها القاضي [ح] والحلواني وأخذها من قوله الجزء: 1 ¦ الصفحة: 71 في رواية حرب يمسح رأسه كله لأن النبي صلى الله عليه وسلم مسح على الرأس كله [ح] قال في مقدمة المجرد: هو قول جماعة من أصحابنا وحكاه في القولين عن ابن حامد وقطع بذلك ابن أبي موسى في الإرشاد من غير خلاف ومن قوله في رواية الأثرم إذا رمى الجمار فبدأ بالثالثة ثم الثانية ثم الأولى لم يصح قد فعل النبي صلى الله عليه وسلم الرمي وبين فيه سنته وفي رواية الجماعة المغمى عليه يقضى لأن النبي صلى الله عليه وسلم أغمى عليه فقضى وفي هذا كله نظر لأن فعله للمسح وقع بيانا لقوله: {وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ} 1 ورميه وقع بيانا لقوله: "خذوا عنى مناسككم" وليس النزاع في مثل ذلك وأما حديث الإغماء فإنه لما علم منه الراوي أنه قضى لزم الوجوب لا من مجرد الفعل بل من كونه قضى إذ لو حمل على الندب لخرج عن كونه قضاء وقال قوم لا يدل على شيء لأن الصغائر والسهو والنسيان يجوز على الأنبياء قال القاضي: وذهبت المعتزلة والأشعرية إلى أن ذلك على الوقف فلا يحمل على وجوب ولا ندب إلا بدليل والقول بالوقف اختيار ابن برهان وأبى الطيب الطبري وحكاه عن أبي بكر الدقاق وأبى القاسم بن قال: والبربجى من أصحابنا أعنى حكى عنهم القول بالوقف واختار الجويني مذهب الندب إلا في شيء من أفعاله وهو ما تعلق بفعل ظهرت فيه خصائصه فإنه وافق فيه الواقفة [ز, و] وذكر عن أحمد ما يقتضى الوقف وأخذه من كذا وذهب الجويني إلى أن من أفعاله صلى الله عليه وسلم ما يستبان بها رفع الحرج عن الأمة في ذلك الفعل وزعم أنه قد علم ذلك من حال الصحابة قطعا وأما إذا خوطب بخطاب خاص له بلفظه فإنه وقف في تعدية حكمه إلى أمته حتى يدل عليه دليل وقد سبقت ثم إن كان في فعله قصد القربة فاختار مذهب من حمله على الاستحباب دون الوجوب وقال في كلام الشافعي ما يدل على ذلك وحكاه عن طوائف من المعتزلة وذكر مذهب الواقفية وذكر كلاما يقتضى أن معناه أنهم لا يعدون حكمه إلى   1 من الآية "6" من سورة المائدة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 72 الأمة بوجوب ولا ندب ولا غيرهما إلا بدليل إذ الفعل لا صيغة له وجائز أن يكون من خواصه. فصل: فأما ما لم يظهر فيه معنى القربة فيستبان فيه ارتفاع الحرج عن الأمة لا غير وهذا قول الجمهور واختاره الجويني والمحققون من القائلين بالوجوب أو الندب في التي قبلها وغلا قوم ممن قال بالوجوب هناك فذهب إليه هنا أيضا وعزاه بعض النقلة إلى ابن سريج قال الجويني: وهذا زلل وقدر الرجل أجل من هذا وذهب جماعة ممن قال بالندب في التي قبلها إلى الندب هنا احتياطا بصفة التوسط وأما الواقفية فعلى قاعدتهم في الوقف وإنما أعدنا هذه المسألة تحريرا للقول فيها. فصل: وفائدة ذلك إنما تظهر في حق أمته إذا قلنا إنهم أسوته فأما على قول من قال: لا يشاركونه إلا بدليل فتقف الفائدة على خاصته والأول قول الجمهور. [زو] فصل: في معرفة فعله صلى الله عليه وسلم على أي وجه فعله من واجب وندب وإباحة ذكر وجوه كل واحد من هذه الرازي في المحصول قبل النسخ وذكر ذلك أبو الخطاب والقاضي في الكفاية وبسط القول فيه. "ز" الوقف في أفعاله له معنيان أحدهما الوقف في تعديه حكمه إلى الأمة وثبوت التأسي وإن عرفت جهة فعله والثاني الوقف في تعيين جهة فعله من وجوب أو استحباب وإن كان التأسي ثابتا والوقف قول أبي الخطاب وذكره عن أحمد وفي الحقيقة هو بالتفسير الثاني يؤول إلى مذهب الندب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 73 فصل: إذا ثبت أن أفعاله على الوجوب فإن وجوبها من جهة السمع خلافا لمن قال: يجب بالعقل هذا كلام القاضي وهذا أخص من التأسي. فصل: في دلالة أفعال الرسول صلى الله عليه وسلم على الأفضلية. وهي مسألة كثيرة المنفعة وذلك في صفات العبادات وفي مقاديرها وفي العادات وكذلك دلالة تقريره وهي حال أصحابه على عهده وترك فعله وفعلهم وكذلك في الأخلاق والأحوال. فصل: قال القاضي: النبي صلى الله عليه وسلم لا يفعل المكروه ليبين به الجواز لأنه لا يحصل فيه التأسي لأن الفعل يدل على الجواز قال: فإذا فعله استدل به على جوازه وانتفت الكراهية وذكر عن الحنفية أنهم حملوا وضوءه بسؤر الهرة على بيان الجواز مع الكراهة. فصل: في دلالة أفعاله العادية على الاستحباب أصلا وصفة كالطعام والشراب واللباس والركوب والمراكب والملابس والنكاح والسكنى والمسكن والنوم والفراش والمشي والكلام. واعلم أن مسألة الأفعال لها ثلاثة أصول: احدها: أن حكم أمته كحكمه في الوجوب والتحريم وتوابعهما إلا أن يدل دليل يخالف ذلك وهذا لا يختص بالأفعال بل يدخل فيه ما عرف حكمه في حقه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 74 بخطاب من الله أو1 من جهته ولهذا ذكرت هذه المسألة في الاوامر أعنى مسألة الخطاب وقد ذكر عن التميمي وأبى الخطاب التوقف في ذلك [وأخذ] من كلام أحمد ما يشبه رواية والصواب عنه العكس وعلى هذا فالفعل إذا كان تفسيرا لمجمل شملنا واياه أو امتثالا لامر شملنا واياه لم يحتج الى هذا الأصل وقد يكون هذا من طريق الأولى بأن يعلم سبب التحريم في حقه وهو في حقنا أشد أو سبب2 الاباحة أو الوجوب. الأصل الثاني أن نفس فعله يدل على حكمه صلى الله عليه وسلم إما حكم معين أو حكم مطلق وأدنى الدرجات الاباحة وعلى تعليل التميمي بتجويز الصغائر يتوقف في دلالته في حقه على حكمه وقد اختلف أصحابنا في مذهب أحمد هل يؤخذ3 فعله على وجهين ومثل هذا تعليله بتجويز النسيان والسهو لكن هذا4 مأخذ ردىء فإنه لا يقر على ذلك والكلام في فعل لم يظهر عليه عتاب فمتى ثبت أن الفعل يدل على حكم كذا وثبت [أنا مساوون] له في الحكم ثبت الحكم في حقنا. [الأصل الثالث أن الفعل هل يقتضى حكما في حقنا] 5 من الوجوب مثلا وإن لم يكن واجبا عليه كما يجب على المأموم متابعة الامام فيما لا يجب على الامام وعلى الجيش متابعة الامام فيما لا يجب على الامام وعلى الحجيج موافقة الامام في المقام بالمعرف الى افاضة الامام هذا ممكن أيضا بل من الممكن أن يكون [سبب] الوجوب في حقه معدوما في حقنا ويجب علينا لاجل المتابعة ونحوها كما يجب علينا   1 حرف "أو" ساقط من. 2 في ب "أو ثبت الإباحة" تصحيف. 3 في ب "هل يؤجد من فعله". 4 كلمة "هذا" ساقطة من ا. 5 ما بين المعقوفين ساقطة من ب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 75 الرمل والاضطباع مع عدم السبب الموجب له في حق الأولين أو سبب الاستحباب منتفيا في حقنا وقد نبه القرآن على هذا بقوله: {مَا كَانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُمْ مِنَ الْأَعْرَابِ أَنْ يَتَخَلَّفُوا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ وَلا يَرْغَبُوا بِأَنْفُسِهِمْ عَنْ نَفْسِهِ} 1 فصار واجبا عليهم لموافقته ولو لم يكن قد تعين الغزو في ذلك الوقت الى غير ذلك الوجه وهذا الذي ذكرناه في المتابعة قد يقال في كل فعل صدر منه اتفاقا لا قصدا كما كان ابن عمر يفعل في المشى في طريق مكة وكما في تفضيل اخراج التمر وهذا في الاقتداء نظير الامتثال في الأمر فالفائدة قد تكون في نفس تقيدنا بهديه وبأمره وفي نفس الفعل المفعول المأمور به والمقتدى به فهذا أحرى في الاقتداء ينبغى أن تتفطن له فإنه لطيف وطريقة أحمد تقتضيه وهذا في الطرف الآخر من المنافاة لقول من قال المأمور به قد [يرتفع به لارتفاع] علته من غير نسخ فإن أحمد تسرى لأجل المتابعة [واختفي ثلاثا لاجل المتابعة] وقال ما بلغني حديث إلا عملت به حتى أعطى الحجام دينارا وكان يتحرى الموافقة في جميع الأفعال النبوية2. فصل: احتج القائل بأن فعله لا يدل على وجوبه علينا بأن المتبوع أوكد حالا من المتبع فإذا كان ظاهر فعله لا ينبىء عن وجوبه عليه فلان لا يدل على وجوبه علينا أولى فقال القاضي هذا يبطل على أصل المخالف بالأمر فانهم يجعلونه دالا على الوجوب في حق غيره ولا يدل على وجوبه عليه لأن الأمر لا يدخل تحت الأمر عندهم قال: وعلى أنا نقول ان ظاهر أفعاله تدل على الوجوب في حقه كما تدل على ذلك في حق غيره كما قلنا في أوامره هي لازمه له وهو داخل   1 من الآية "120" من سورة التوبة. 2 كتب بعد هذا الكلام في ا "بياض". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 76 تحتها كالمأموم1 سواء ولا فرق بينهما وهذا قياس المذهب. فصل: وليس تركه موجبا علينا ترك ما تركه استدل به المخالف وسلمه القاضي له من غير خلاف ذكره يعتضد بالأمر فإن ترك الأمر لا يوجب ترك ما ترك الأمر به وأمره يوجب امتثال ما أمر به.   1 في ب "كالمأمور". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 77 مسألة: الانبياء معصومون عن كبائر الاثم والفواحش شرعا بالاجماع وأما عقلا فقد ذكر الجوبني أن الذي ذهب إليه طبقات الخلق وجماهير أئمتنا استحالة وقوعها عقلا واختار هو وابن الباقلانى أنها ممتنعة لاجماع حملة الشريعة فأما إذا رددنا الى العقل فليس فيه ما يحيلها نعم لو كان فيما ذكره النبي صلى الله عليه وسلم أنه منزه عن الفواحش لاستحالت منه باعتبار قيام دليل لمعجزة على صدقه فيما يخبر به وهذا لا يختص بذلك بل هو في كل خبر يصدر منه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 77 مسألة: الصغائر لاتوجب الفسق ولا تخرج عن العدالة ... مسألة: فأما الصغائر التي لا توجب الفسق ولا تخرج عن العدالة فجائزة عليهم عقلا عند الجمهور. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 77 مسألة: الانبياء معصومون من الكبائر باجماع الامة إلا قوما لا يعتد بخلافهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 77 مسألة: فأما الصغائر فلا نص لاحمد عليه وبه قال1.   1 سقط من النسختين م وراء ذلك وكتب في ابجوار كلمة "قال" كذا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 77 مسألة: فأما وقوعها سمعا فهو قولنا وقال أكثر الأشعرية لا يقع وتأولوا النصوص فيه تأويلات متخبطة1 قال الجوبني: والذي عليه [المحصلون]   1 في ا "تأويلات مختبطة". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 77 أنه ليس في الشرع قاطع في ذلك نفيا واثباتا والظواهر مشعرة بوقوعها منهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 78 مسألة: فأما جواز النسيان عليهم فيما لا يتعلق بالتكاليف فلا نزاع فيه وكذلك لا نزاع في استحالته منهم إذا أخبروا بأنه لا يقع منهم لقيام معجز صدقهم فأما ما يتعلق بالتكاليف ولم يناقض المعجزة وقوعه فجائز عقلا قال الجوبني: والظواهر دالة على وقوعه ثم حكى أن بعض من لا يجيزها جاحد الحقائق قال إنهم لا يقرون على النسيان بل ينبهون عليه عن قرب قال الجوبني: وهذا لا تحصيل له فليس يمتنع أن يقروا عليه زمنا طويلا لكن لا ينقرض زمانهم وهم مستمرون عليه قال: وهذا متلقى1 من الاجماع لا من مسالك العقول. [ح] فصل: يجوز النسيان على الرسول صلى الله عليه وسلم في أحكام الشرع عند جمهور العلماء كما في حديث ذى اليدين وغيره وكما دل عليه القرآن واتفقوا على أنه لا يقر عليه بل يعلمه الله به ثم قال الأكثرون شرطه تنبيهه صلى الله عليه وسلم على الفور متصلا بالحادثة ولا يقع فيه تأخير وجوزت طائفة تأخيره مدة حياته واختاره أبو المعالى ومنعت طائفة السهو عليه في الأفعال البلاغية والعبادات كما أجمعوا على منعه والستحالته عليه في الاقوال البلاغية وإليه مال أبواسحاق الاسفرائنى قال القاضي: عياض واختلفوا في جواز السهو عليه صلى الله عليه وسلم فيما لا يتعلق بالبلاغ وبيان الشرع من أفعاله وعادته وأذكار2 قلبه فجوزه الجمهور وأما السهو في الاقوال البلاغية فأجمعوا على منعه كما أجمعوا على امتناع تعمده وأما السهو في الاقوال الدنيوية وفيما ليس سبيله البلاغ من الكلام الذي لا يتعلق   1 في ا "وهذا ملتقى" وأحسبه سهوا من الناسخ. 2 في ا "وإن كان قلبه" وكتب عليها "كذا" وما أثبتناه موافقا لما في ب وهو صحيح. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 78 بالأحكام ولا أخبار القيامة وما يتعلق بها ولا يضاف إلى وحى فجوزه قوم عليهم قال عياض والحق ترجيح قول من منع ذلك على الأنبياء في كل خبر من الاخبار كما لا يجوز عليهم خلف في خبر لا عمدا ولا سهوا لا في صحة ولا في مرض ولا [في موطن] رضا ولا غضب وأما جواز السهو في الاعتقادات في أمور الدنيا فغير ممتنع. قلت سيأتى ما يتعلق بهذه المسألة في اجتهاده صلى الله عليه ودعوى الإجماع في الأقوال البلاغية لا تصح وإنما المجمع عليه عدم الإقرار فقط وقوله لم أنس ولم تقصر1 وقوله في حديث إليهودية إنما تفتن يهود ثم بعد أيام أخبر أنه أوحى إليه أنهم يفتنون يدل على عدم ما [رجحه] عياض. ومن مسائل التكليف مسألة في تكليف المستحيل وما لا يطاق. فصل: مسألة تكليف ما لا يطاق على خمسة أقسام الممتنع في نفسه كالجمع بين الضدين والممتنع في العادة كصعود السماء وعلى ما تعلق به العلم والخبر والمشيئة بأنه لا يكون وعلى جميع أفعال العباد لأنها مخلوقة لله وموقوفة على مشيئته وعلى ما يتعسر فعله لا يتعذر. فالأولان ممتنعان سمعا بالاتفاق وإنما الخلاف في الجواز العقلى على ثلاثة أقوال والثلاثة الباقية واقعة جائزة بلا شك لكن هل يطلق على خلاف المعلوم أو وقفه أنه لا يطاق فيه ثلاثة أقوال أحدها يطلق عليهما والثاني لا يطلق عليهما والثالث الفرق فالخلاف عند التحقيق يرجع الى الجواز العقلى أو الى الاسم اللغوى وأما الشرع فلا خلاف فيه البتة ومن هنا ظهر التخليط.   1 في حديث ذي اليدين قال ذو اليدين "أقصرت الصلاة أم نسيت يا رسول الله". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 79 مسألة: قال المقدسي: والمقتضي بالتكليف فعل كالصلاة وكف كالصوم وترك كالزنا وقيل لا يقتضى الكف إلا أن يتناول التلبس بضد من الاضداد1 فيثاب عليه لا على الترك "ح" وهذا قول الاشعرى وهو قول القدرية وابن أبي الفرج المقدسى وغيرهم قالوا في مسألة الإيمان: الترك في الحقيقة فعل لأنه ضد الحال التي هو عليها وقيل ان قصد [المكلف] 2 الكف مع التمكن من الفعل أثيب3 والا فلا ثواب ولا عقاب. [ح] فصل: قال ابن عقيل يجوز تأبيد التكليف إلى غير غاية عند الفقهاء والأشعرية وقالت المعتزلة لا يجوز ذلك لوجوب الجزاء عندهم. فصل: أحكام [خطاب] 4 الوضع والاخبار. وهو قسمان أحدهما ما يظهر به الحكم كالسبب والعلة والشرط والثاني في الصحة والبطلان.   1 في ب "بضد من أضداد". 2 هذهالكلمة ساقطة من ب. 3 في ب "أثبت" تحريف. 4 ساقطة من ا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 80 مسألة: والفاسد1 والباطل بمعنى عندنا وأثبت أبو حنيفة قسمات بين الصحيح والباطل سماه الفاسد وأنه ما كان مشروعا بأصله دون وصفه.   1 في ب "والفساد والباطل" و"سماه الفساد". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 80 مسألة: مسائل النواهي صيغة لاتفعل ... مسائل النواهي مسألة صيغة لا تفعل من الأعلى للأدنى إذا تجردت عن قرينة فهي نهي واعتبرت المعتزلة ارادة [الترك] وقال الأشعرية لا صيغة له بل هو معنى قائم في النفس كما قالوا في الأمر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 80 مسألة: النهي يقتضى الترك على الفور والدوام وبه قال الجماعة: وقال أبو بكر بن الباقلانى [زو] والرازى صاحب المحصول لا يقتضى فورا ولا مداومة كالأمر عندهم حكاه القاضي وابن عقيل وغيرهم والأول اختيار الجوبني مع الجماعة وعلل بأن النهي كالنكرة في سياق العموم تعم والأمر كالنكرة في سياق الإثبات. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 81 مسألة: الأصل في النهي التحريم وبه قال الشافعي وأصحابه: وقالت الأشعرية بالوقف1 وحكى أبو الخطاب عن قوم القول بالتنزيه ولم يسمهم وبالغ الشافعى في انكار ذلك ذكره الجوبني في مسألة مفردة في التأويلات واختار الجوبني الجزم2 بالمنع كما اختار في الأمر الجزم بالفعل ورد مذهب الوقف وصرح بلفظ التحريم في مكان آخر. [ح] فصل: إذا قال: "لاتفعل هذا مرة" فقال القاضي يقتضى الكف مرة فإذا ترك مرة سقط النهي وقال غيره [يقتضى التكرار] 3.   1 في ا "بالوقف". 2 في اوب جميعا "الحرم" بدون نقط وصوابه ما ذكرنا. 3 ما بين المعقوفين ساقط من ب هنا وجاء به بعد. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 81 مسألة إذا تعلق النهي بأشياء بجهة التخيير كقوله لا تكلم زيدا أو بكرا فهو منع من أحدهما لا بعينه عند أصحابنا والشافعية وهو ظاهر كلام أحمد وقول الفقهاء والمتكلمين قاله ابن برهان وقالت المعتزلة وأبو عبد الله الجرجانى يقتضى المنع من كلامهما جميعا وهذا كقولهم في الخصال انها واجبة لكنهم هناك لم يوجبوا الجميع وها [هناك] 1 أوجبوا اجتناب الكل. مسألة النهي عن الشيء أمر بضده إن كان واحدا وإن تعددت فهو أمر بأحدها من حيث المعنى وبه قال أكثر الشافعية: وقال أبو عبد الله الجرجانى   1هذه الكلمة ساقطة من ا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 81 مسألة النهي عن الشيء أمر بضده إن كان واحدا وإن تعددت فهو أمر بأحدها من حيث المعنى وبه قال أكثر الشافعية: وقال أبو عبد الله الجرجانى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 81 لا يكون أمرا بشيء من ذلك كقول أكثر المعتزلة1 وقال بعضهم إن كان له ضد واحد كان أمرا به وإن كان له أضداد لم يكن أمر بشيء منها وذكر [2أنه مذهب أبي حنيفة وعن الشافعية كالمذاهب الثلاثة وكذلك ذكر] 2 الجوبني ما يدل عل قول فرقة بالتفصيل وشنع تشنيعا عظيما على من قال: النهي عن الشيء ذى الأضداد أمر بأحد أضداده وقال هذا يؤول إلى موافقة الكعبى ومع ذلك فاختياره أنه لا يكون أمرا بالضد وإن اتحد ثم اختاره في مسألة الأمر.   1 في ب "كقول عباس عن أكثر المعتزلة". 2 ما بين المعقوفين ساقط من ا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 82 مسألة: اطلاق النهي يقتضى الفساد نص عليه في مواضع تمسك فيها بالنهي المطلق على الفساد قال القاضي: وهو قول جماعة الفقهاء خلافا للمعتزلة والأشعرية في قولهم لا يقتضى الفساد وهو اختيار أبي بكر القفال وأبى الحسن الكرخى حكاه القاضي وأبو الخطاب وحكى ابن عقيل كمذهبنا عن الجمهور من أصحاب مالك والشافعى وأبى حنيفة منهم الكرخى وعيسى ابن أبان وجميع أهل الظاهر وقوم من المتكلمين وقال ابن برهان اقتضاؤه لفساد قول عامة أصحابنا وبعض الحنفية وقال القفال والكرخى وأبو هاشم [والجبائى] 1 وأبو عبد الله البصرى لا يقتضى الفساد وقال أبو الحسين البصرى يقتضى الفساد في العبادات دون العقود وأما أبو الطيب فحكى أن اقتضاء الفساد قول أكثر أصحابهم وأكثر الحنفية وقول داود قال: ومن أصحابنا من قال: لا يقتضيه وبه قال القفال والمتكلمون وبعض الحنفية قال المقدسي وحكى عن طائفة منهم أبو حنيفة أنه يقتضى الصح [ح] وكذلك حكى ابن نصر المالكى اقتضاء الفساد عن أكثر الفقهاء وحكى ابن عقيل أنه لا يقتضى الفساد عن المعتزلة وأكثر المتكلمين من الأشاعرة [وغيرهم] 1 قال: ثم اختلف يعنى الجمهور في فساده من أى جهة   1 مكان هذه الكلمة في ب غير ظاهر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 82 فقال بعضهم من جهة اللغة واللسان وقال بعضهم من جهة الشرع دون موجب اللغة قال الخطابي: ظاهر النهي يوجب فساد المنهي عنه إلا أن تقوم دلائل1 على خلافه وهذا هو مذهب العلماء في قديم الدهر وحديثه ذكره في الاعلام في النهي عن بيع الكلب.   1 في ا "إلا أن تقوم دلالة". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 83 مسألة: فإن تعلق النهي بمعنى في غير المنهي عنه دل أيضا على الفساد كالبيع [بعد النداء] 1 والصلاة في البقعة المغصوبة عند أصحابنا وداود وبعض أهل الظاهر2 خلافا لاكثر الفقهاء والمتكلمين في قولهم لا يفيد الفساد ووافقنا أبو هاشم وأتباعه قال الجوبني: وعزى هذا إلى طوائف من الفقهاء وقيل أنه رواية عن [مالك1 واختار] صحة الصلاة في الدار المغصوبة بكلام يقتضى أن البيع لا يصح وقت النداء لكون الشارع3 لم يرد عنه نهي عن الكون في البقعة الغصب متعلقا بمقصود الصلاة فلو صح نهي مقصود عن الصلاة فيها ولا يصح كما لا تصح صلاة [المحدث] 1 فهذا من كلامه يقتضى فساد البيع وقت النداء لو ورد النهي عنه مقصودا والله أعلم.   1 مكان هذه الكلمة غير ظاهر في ب. 2 في ا "وبعض الظاهرية". 3 في ب "لكون الشرع". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 83 مسألة النهي إذا عاد إلى وصف في المنهي عنه كنهي عن الصلاة مع الحدث أو الحيض قال المقدسي: فأبو حنيفة يسمى [المأتى] 1 به فاسدا غير باطل وعندنا أنه كالمنهي عنه [لعينه] 2 قال: هو قول الشافعى يريد أن الفاسد والباطل بمعنى [واحد] 3.   1 مكان هذه الكلمة غير ظاهر في ب. 2 مكان هذه الكلمة غير ظاهر في ب. 3 هذه الكلمة من ب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 83 مسألة صيغة النهي بعد سابقة الوجوب إذا قلنا ان صيغة الأمر بعد الحظر للاباحة فيه وجهان أحدهما أنه يفيد التنزيه دون التحريم والثاني يفيد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 83 التحريم [ح] واختاره الحلوانى ذكرهما القاضي وقال الجوبني هي1 على الوقف وغلط من ادعى في هذه المسألة اجماعا "ز" وقال ابن عقيل لا يقتضى التحريم [ولا التنزيه بل يقتضى الإسقاط لما أوجبه الأمر وغلط من قال يقتضي التنزيه فضلا عن التحريم] 2 فصارت على ثلاثة أوجه.   1 في ا "هما على الوقف" وما أثبتناه موافقا لما في ب أحسن لأن المرجع هو صيغة النهي. 2 ما بين المعقوفين ساقط من ا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 84 مسألة السجود بين يدى الصنم مع قصد التقرب إلى الله محرم على مذاهب علماء الشريعة ونقل عن أبي هاشم أنه لا يرى تحريم السجود ويقول إنما المحرم القصد قال الجوبني: وهذا لم أطلع عليه من مصنفاته مع طول بحثى عنها والذي ذكر له من نقل مذهبه أن السجود لا تختلف صفته وإنما المحظورالقصد قال: وهذا يوجب أن لا يقع السجود طاعة بحال ومساق ذلك يخرج الأفعال الظاهرة عن كونها قربات وهو خروج عن دين الأمة1 ثم لا يمتنع أن يكون الفعل مأمورا به مع قصد منهيا عنه مع قصد [وهذا زبدة] كلامه. [ز] فصل: إذا قام دليل على أن النهي [ليس] للفساد لم يكن مجازا لأنه لم ينقل عن جميع موجبه وإنما انتقل عن بعض موجبه فصار كالعموم الذي إذا2 خرج بعضه بقي حقيقة فيما بقى قاله ابن عقيل قال: وكذا إذا قامت الدلالة على نقله عن التحريم فإنه يبقى [نهيا] حقيقي على التنزيه كما إذا قامت دلالة الأمر على أن الأمر ليس على الوجوب قلت الأول مبنى على أن الفساد مدلول عليه بلفظ النهي [وإلا] فإن كان معلوما بالعقل أو بالشريعة3 لم يكن [انتفاؤه] مجازا ولا إخراج بعض مدلول   1 في ا "عن دين الإسلام". 2 كلمة "إذا" ساقط من اوثبوتها أدق". 3 في ا "بالفعل أو الشرع" وما أثبتناه موافقا لما في ب هو الصحيح. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 84 اللفظ وهكذا كل دلالة لزومية فإن ما يخلفها هل يجعل اللفظ مجازا وهل يكون بمنزلة التخصيص. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 85 مسألة: إذا تاب الغاصب وهو في وسط دار مغصوبة فخرج منها تائبا لم يكن عاصيا بحركات خروجه ومشيه فيها اختاره ابن عقيل وهو قول جماعة الشافعية والأشعرية وقال قوم من المعتزلة وغيرهم من المتكلمين لا تصح [توبته] حتى يفارقها وهو عاص [بمشيه] في خروجه. وذكر ابن برهان أن المذهب الأول مما أجمع عليه كافة الفقهاء والمتكلمين وحكى المذهب الثاني عن أبي شمر المرجئ وذكر الجويني أنه قول أبي هاشم وأنه قد عظم النكير عليه من جهة أن هذا الشخص لم يأل جهدا في الإمتثال وإذا كانت حركاته امتثالا استحال جعلها عليه عدوانا ويفارق هذا الصلاة في الدار الغصب لأن العدوان ثم غير مختص بالصلاة وحكمها فانفصلت الصلاة عن مقتضى النهي عن الغصب والأمر ها هنا بالخروج نحن مدفوعون إليه مباين للعدوان مناقض لاستصحاب حكم العدوان عليه وهذايلزم أبا هاشم حدا لأنه جعل كون الغاصب في الدار يمنع كونها طاعة في جهة الصلاة ورأى تقدير الجهتين تناقضا فكيف يحكم للخارج الممتثل باستمرار حكم العدوان عليه واختار الجوبني بعد كلام قرره أن هذا الفعل طاعة من وجه ومعصية من وجه كما في مسألة الصلاة في المغصوبة فهو طاعة من حيث الخروج وأخذه في ترك الغصب حسب الإمكان ومعصية من حيث انه كون في ملك الغير مستندا إلى فعل متعد فيه. قال الجويني ومما أخرجوه على ذلك ما لو أولج في آخر جزء من الليل عالما بأنه لا يتصور منه النزع إلا في جزء من النهار وفرضنا تصور ذلك وفعل ذلك فسد صومه بالنزع لأنه تسبب إلى المخالطة مع مقارنة الفجر بخلاف من ظن بقاء الليل فإنه في فسحه ثم طلع الفجر فبادر النزع فإنه معذور. قلت وأحسن من هذا تمثيلا مسألة فيها عن أحمد روايتان منصوصتان وهو الجزء: 1 ¦ الصفحة: 85 من قال لزوجته: إذا وطئتك فأنت طالق ثلاثا إذا وطئتك فأنت على كظهر أمي فهل يحل له الإقدام على الوطء فيه روايتان فإذا قلنا يحل له فيجب على قياسها أن يكون الخارج في مسألة الغصب ممتثلا من كل وجه وإن قلنا لا يحل توجه لنا كقول أبي هاشم والجويني والله أعلم. ويشبه ذلك ما لو توسط جمعا من الجرحى متعمدا وجثم على صدر واحد منهم وعلم أنه إن بقى مكانه أهلك من تحته وإن انتقل عنه لم يجد موضع قدم إلا بدن آخر يهلك بانتقاله إليه فقول أبي هاشم فيها كما سبق في التي قبلها وقال الجويني المقطوع به عندي سقوط التكليف عن هذا مع استمرار سخط الله عليه وغضبه أما سقوط التكليف فلأنه يستحيل تكليفه ما لا يطيقه ووجه دوام العصيان عليه تسببه إلى ما لا مخلص1 له منه حتى لو فرضنا حصوله كذلك في وسطهم بغير تعد منه بأن ألقاه غيره فلا تكليف ولا عصيان [ح] وذكر ابن عقيل نحوا من هذا في مسألة ما إذا وطىء فطلع عليه الفجر فقال إن وقع على الجرحى بغير اختياره لزمه المكث ولا يضمن ما تلف بسقوطه وإن تلف شيء باستمرار مكثه أو بانتقاله لزمه ضمانه واختار ابن عقيل في مسألة التائب العاجز عن مفارقة المعصية في الحال أو العاجز عن إزالة أثرها مثل متوسط المكان المغصوب ومتوسط الجرحى أنه تصح توبته ولا تقف صحتها على مفارقة ذلك المكان ولا مشيه وسعيه في عرصة الدار الغصب خارجا عصيان بل هو مع العزم والندم تارك مقلع. ومن ذلك إذا طيب بدنه متعمدا ثم تاب وجعل يغسل الطيب بيده قاصدا لإزالته أو غصب عينا من الأعيان ثم ندم وشرع في حملها [على2 رأسه] إلى صاحبها أو جعل يرسل الصيد الذي صاده في الإحرام والحرم من الإشراك3   1 في ب "ما لا محيص له – إلخ". 2 ساقط من ا. 3 الأشراك: جمع شرك. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 86 والرامي بالسهم إذا خرج السهم عن محل مقدرته1 فندم وإذا جرح ثم تاب والجرح [مازال إلى السراية] 2 فعنده في جميع هذه المواضع الإثم ارتفع بالتوبة والضمان باق وعند المخالف هو عاص إلى أن ينقضي3 أثر المعصية بخلاف ما لو كان ابتداء الفعل غير محرم مثل أن يستعير دارا فتنتقل إلى غير المعير فيخرج منها أو [يجنب] 2 في المسجد فيخرج منه أو طلع عليه الفجر وهو مخالط لأهله فنزع فإن هذا غير آثم بالاتفاق وقال ابن عقيل في مسألة الجرحى لا يجوز أن ينتقل إلى آخر قولا واحدا لأنه لا يحصل مبتدأ بالجناية كما لو سقط من غير اختياره فحصل سقوطه على واحد لم يجز له عندنا جميعا أن ينتقل فيقف متندما متمنيا أن يخلق الله له جناحين يطير بهما أو يدلى إليه حبل يتشبث4 به فإذا علم الله ذلك منه كان ذلك غاية جهده وصار بعد جهده كحجر أوقعه الله على ذلك الجريح كما قال الفقهاء في النار الملقاة في السفينة: إنه إن غلب على ظنه أن النجاة في البقاء أو في الفاء نفسه وجب ذلك وإن غلب على ظنه أن النجاة فيهما خير وإن غلب على ظنه أن الهلاك فيهما وقف ولم يعن على قتل نفسه. ومن جملة صور المسألة توبة الداعي إلى البدع إذا لم يتب من أصله ولأصحابنا فيها وجهان وربما قيل روايتان ونظير هذه المسألة توبة المبتدع الداعي إلى بدعته وفيها روايتان أصحهما الجواز والأخرى اختيار ابن شاقلا لإضلال غيره وكذلك توبة القاتل قد تشبه هذه وفيها روايتان. وأما أبو الخطاب فقال لا نسلم أن حركات الغاصب للخروج طاعة ولا مأمور بها وإنما هي معصية إلا انه يفعلها لدفع أكثر المعصيتين بأقلهما لأن دوامه في   1 في ا "محل قدرته". 2 مكان هذه العبارة غير ظاهر في ب. 3 في ا "يقتضي" وليس بشيء. 4 في ا "ينشب به" وكلتا العبارتين صحيحة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 87 الدار معصية تطول وخروجه معصية قليلة ولهذا لو قصد إنسانا مؤمنا ليقتله ظلما فهرب منه فاختبأ فجاء إلى من قد رآه فقال رأيت الذي فر منى كان له أن يقول لم أره ليدفع أعظم المعصيتين بأقلهما. والتحقيق أن هذه الأفعال يتعلق بها حق الله وحق الآدمي فأما حق الله فيزول بمجرد الندم وأما حقوق العباد فلا تسقط إلا بعد أدائها إليهم وعجزه عن إيفائها حين التوبة لا يسقطها بل له أن يأخذ من حسنات هذا الظالم في الآخرة إلى حين زوال الظلم وأثره كما له أن يضمنه ذلك في الدنيا إذ لو كان عليه ديون من ظلم عجز عن وفائها أو قتل نفوسا لم يستحل أربابها ولا يعرفهم وكلام ابن عقيل يقتضى ذلك فإنه شبهه بمن تاب من قتل أو إتلاف أموال محترمة مع بقاء أثر ذلك القتل والإتلاف لكنه ادعى أن توبته في هذه المواضع تمحو جميع ذلك وهذا لإطلاق إن لم يقيد وإلا فليس بجيد ثم ذكر أن الإثم واللائمة والمعتبة تزول عنه من جهة الله وجهة المالك ولا يبقى إلا حق الضمان للمالك1. قلت هذا ليس بصحيح بدليل أن الجارح لو تاب بعد الجرح لم يسقط عنه القود وكذلك الذي أوقع نفسه على نيام فمات أحدهم بمكثه عليه فإنه يجب عليه القود ولو كان كالمخطئ لم يجب عليه إلا الدية وكذلك التائب بعد وجوب القود لا يسقط عنه ولو كان مخطئا من الإبتداء لما وجب عليه إلا الدية فقد فرقت الشريعة بين من كان معذورا في ابتداء الفعل وبين التائب في أثناء الفعل وأثره فهذا القول الثالث هو الوسط لمن يتأمل وهكذا هو القول فيمن أضل غيره معتقدا أنه مضل وأما من كان لا يرى أنه مضل فهو كالكافر إذا قتل مسلما أو دعا إلى الكفر ثم تاب فإن جميع معاصيه اندرجت في ضمن اعتقاده وأظن هذا قول الجويني.   1 بهامش اهنا "بلغ مقابلة على أصله". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 88 مسألة: مسائل العموم للعموم صيغة تفيده بمطلقها ... مسائل العموم مسألة للعموم صيغة تفيده بمطلقها كلفظ الجمع مثل المسلمين والناس وكمن لمن يعقل و [ما] فيما لا يعقل وغير ذلك وبهذا قال جماعة الفقهاء أبو حنيفة ومالك والشافعي وداود [ح] وعامة المتكلمين وقال أبو الحسن الأشعري [ح] وأصحابه لا صيغة بل توقف الألفاظ الصالحة له حتى يدل دليل على إرادة العموم أو الخصوص وقال محمد بن شجاع البلخى وأبو هاشم وجماعة من المعتزلة يحمل لفظ الجمع على الثلاثة ويوقف فيما زاد وقال قوم تحمل الأوامر والنواهي على العموم وتوقف الأخبار قال ابن برهان: وقالت المرجئة لا صيغة للعموم قال: ونقل عن أبي الحسن وأصحابه لا صيغة له وافترقوا فمنهم من قال: اللفظ مشترك بين العموم والخصوص كسائر الأسماء المعينة ومنهم من قال: اللفظ مبهم لا يدل على شيء إلا بقرينة والجويني نقل نحوه [ز] وكذلك نقل السمنانى أن منهم من يقول الثلاثة مرادة وما زاد موقوف ومنهم من يقف الجميع قال أبو محمد التميمي: وكان أحمد يقول إن النهي يدل على فساد المنهي عنه وله عنده صيغة وإذا ورد الأمر وفيه استثناء من غير جنسه لم يكن استثناء صحيحا عنده وقد اختلف في جميع ذلك أصحابه قال أبو محمد التميمي: وكان [من] 1 مذهب أحمد بن حنبل صحة القول بالعموم وأن له صيغة تدل على استغراق الجنس وبعض أصحابه [كان] 2 يمنع منه قال القاضي: للعموم صيغة موضوعة له في اللغة إذا وردت متجردة عن القرائن دلت على استغراق الجنس نص على هذا في رواية ابنه عبد الله وقد سأله عن الآية إذا جاءت عامة مثل قوله تعالى: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} 3 وأخبره أن قوما يقولون لو لم يجيء فيها خبر عن النبي صلى الله   1 كلمة "من" ساقطة من ا. 2 ساقطة من اأيضا. 3 من الآية "38" من سورة المائدة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 89 عليه وسلم توقفنا عندها فلم نقطع حتى يبين الله لنا فيها أو يخبر الرسول فقال قال الله تعالى: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ} 1 فكنا نقف عند الولد لا نورثه حتى ينزل الله2 إن القاتل لا يرث ولا عبد ولا مشرك وقال في كتاب طاعة الرسول قوله: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} فالظاهر يدل على أنه من وقع عليه اسم سارق وإن قل فقد وجب عليه القطع ولما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا قطع في ثمر ولا كثر" دل ذلك على أنها ليست على ظاهرها وأنه على بعض السراق دون بعض واحتجاجه في المسائل بالعموم كثير وقال أبو بكر عبد العزيز في مجموع له قد أبان أبو عبد الله أحمد عموم الخطاب فلا يخصه إلا بدليل وذكر كلاما كثيرا. فصل: لفظ العموم والخصوص جاء في قول النبي صلى الله عليه وسلم لعلي: "عم فإن فضل العموم على الخصوص كفضل السماء على الأرض" وقوله: "فعليك بخويصة نفسك وإياك وعوامهم" وقوله: "إن الناس إذا رأوا المنكر فلم يغيروه أوشك أن يعمهم الله بعذاب من عنده" 3 وقول أبي هريرة4 فعم وخص وجاء لفظ الخصوص في القرآن ولم يجيء لفظ العموم وتكلم بهما في الأدلة الأئمة كالشافعي وأحمد.   1 من الآية "11" من سورة النساء. 2 في ا "حتى يبين الله". 3 في ب "بعذاب منه". 4 في امكان أبي هرية كلمة لم أستطع قراءتها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 90 مسألة: يصح ادعاء العموم في المضمرات والمعاني كقوله: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ} 1 ومعلوم أنه لم يرد نفس العين بل الفعل فيحمل على كل فعل من بيع   1 من الآية "3" من سورة المائدة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 90 وأكل وغيرهما وكذلك: "رفع عن أمتي الخطأ والنسيان" ونحوه هذا [ح] قول كثير من الشافعية منهم صاحب اللمع في كتابه وهو ظاهر كلام إمامنا وقول أصحابنا القاضي وغيره وإليه ذهب بعض الشافعية وقال أكثر الحنفية وبعض الشافعية لا يثبت العموم في ذلك بل هو مجمل واختاره القاضي في أوائل العدة وآخر العمدة وزعم أن أحمد قد أو ما إليه وذكر عنه كلاما لا يدل عندي على ما قال: بل على خلافه [ز] واختار القاضي في الكفاية الأول قال القاضي: يصح ادعاء العموم في المضمرات والمعاني أما المضمرات نحو قوله: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ} 1 {وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ} 2 ومعلوم أنه لم يرد نفس العين لأنها فعل الله وإنما أراد أفعالنا فيها فيعم تحريمها بالأكل والبيع وكذلك قوله: "لا أحل المسجد لجنب" ليس المراد عين المسجد وإنما المراد به أفعالنا فهو عام في الدخول واللبث وكذلك قوله: "رفع عن أمتي الخطأ والنسيان" لا يمكن رفعه لأنه قد تقضى والمراد به حكمه فهو عام في المآثم والحكم وكذلك قوله: "لا نكاح إلا بولي وشاهدين" عام في الصحة والكمال وقد قال أحمد في رواية صالح في الرجل يحدث نفسه: بما إن سكت عنه خاف أن يكون قد أشرك وذهب دينه فقال يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم: "إن الله تجاوز لأمتي عما حدثت به أنفسها ما لم تعمل أو تتكلم" فاستعمل هذا في رفع المأثم3 وقد استعمله في رفع الحكم في رواية قال: وذهب الأكثر من أصحاب أبي حنيفة و [أصحاب] 4 الشافعي إلى أنه لا يعتبر العموم في ذلك قال: ودليلنا قوله: رفع فقد علم أنه ما أراد به نفس الفعل لأنه لا يمكن رفعه بعد وقوعه وكذلك قوله: "لا نكاح إلا بولي" لا يمكن رفعه بعد وقوعه وإنما أراد ما تعلق بذلك الفعل والعقد فصار اللفظ محمولا على   1 من الآية "3" من سورة المائدة. 2 من الآية "96" من سورةالمائدة. 3 في ا "رفع الإثم". 4 ساقط من ا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 91 ذلك بنفسه لا بدليل وقد حصل تقديره كأنه قال: رفع عن أمتي ما تعلق بالخطأ والنسيان فيعم المآثم والحكم و "لا نكاح إلا بولي" يعم الكمال والصحة وكذلك: {لَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ} 1 قد علمنا انه لم يرد تبيين اللفظ بل أراد ذلك وما هو أعلى منه فصار كأنه قال: لا يقر بهما وكان قد كتب أولا أما المضمرات نحو قوله: "رفع عن أمتي الخطأ والنسيان" وأما المعاني نحو قوله: أينقص الرطب إذا يبس اللفظ في الرطب والتعليل يعم فيستعمل عمومه في الرطب وغيره وقد أومأ أحمد إلى هذا في رواية الميمونى ومنع من بيع رطب2 بيابس من جنسه واحتج في ذلك بالحديث فجعل تعليله عاما [في المعاني] 3 وقال أيضا نحو قوله تعالى: {لَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ} هو خاص في التأفيف من جهة اللفظ وهو عام في المعنى في الضرب وغيره وكذلك قوله تعالى: {لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ} 4 هو خاص في اللفظ للنبي صلى الله عليه وسلم وهو عام في جميع الناس وقد أومأ أحمد إلى هذا لأنه احتج على رهن المصحف من الذمي بنهي النبي صلى الله عليه وسلم أن يسافر بالقرآن إلى أرض العدو واحتج على إبطال شفعة الذمي على المسلم بقول النبي صلى الله عليه وسلم: "اضطروهم إلى أضيق الطرق" فدل على أن اللفظ حقيقة عنده في غير ما هو موضوع له وقال في رواية صالح إلى آخره وأظنه قد كان كتب أولا أنه يدعى العموم في المضمرات دون المعاني وكلامه الذي استقر عليه إنما ذكر فيه عموم المضمرات وسكت عن عموم المعاني وكان قد قال: إن قوله: {لَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ} و {لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ} ونحوه ليس بعام على سبيل الحقيقة وإنما استعمل في تلك الأشياء على طريق التنبيه لا العموم. قال القاضي واحتج المخالف أن اللفظ اقتضى تحريم العين نفسها فإذا حمل   1 من الآية "23" من سورة الاسراء. 2 في ا "بيع الرطب بيابس ... إلخ". 3 كلمة "في المعاني" ساقطة من ا. 4 من الآية "65" من سورة الزمر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 92 على الفعل يجب أن يصير مجازا كقوله: {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ} 1 قال: والجواب أن هذا وإن لم يتناول ذلك نطقا فهو المراد من غير دليل ويفارق هذا: {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ} ونحوه لانا لم نعلم أن المراد به أهلها باللفظ لكن بدليل لأنه لا يستحيل جواب حيطانها في قدرة الله فاحتاج إلى دليل يعرف به أنه أراد أهلها. قال شيخنا: قلت: مضمون هذا أن القرينة العقلية إذا عرف المراد بها لم يكن اللفظ مجازا بل حقيقة فكل ما حمل اللفظ عليه بنفس اللفظ مع العقل فهو حقيقة [2أو أنه يحتمل أن يكون هذا حقيقة عرفية لكن كلامه اقتضى أن ما فهم من اللفظ من غير دليل منفصل فهو حقيقة2] وإن لم يكن مدلولا عليه بالوضع وستأتي حكايته عن أبي الحسن التميمي أن وصف الأعيان بالحل والحظر [توسع3 واستعارة كما قال البصري: والصحيح في هذا الباب خلاف القولين أن الأعيان توصف بالحل والحظر3] حقيقة لغوية كما توصف بالطهارة والنجاسة والطيب والخبث ولا حاجة إلى تكليف لا يقبله عقل ولا لغة ولا شرع وحينئذ فيكون العموم في لفظ التحريم وفرق بين عموم الكل لأجزائه وعموم الجميع لأفراده ويختلف عموم لفظ التحريم وخصوصه بالاستعمال. قلت فقد جعل المضمرات ما يضمر من الألفاظ وجعل المعاني العموم المعنوي من جهة التنبيه أو التعليل أو النظير فهو عموم فيما يعنيه المتكلم سواء كان فيما يعنيه بلفظه الخاص في الأصل أو كان فيما يعنيه بمعنى لفظه وهو العلة والجامع المشترك لكن عليه استدراكات. أحدها أنه جعل منه قوله: "لا نكاح إلا بولي" وليس كذلك عندنا بل حقيقة النكاح منفية لأن المسمى [هنا] شرعي ليس هو حسيا مثل الخطأ   1 من الآية "82" من سورة يوسف. 2 ما بين المعقوفين ساقط من ا. 3 ما بين هذين المعقوفين ساقط من ب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 93 والنسيان فإن الخطأ والنسيان وجدا حقيقة بخلاف النكاح فإنه لم يوجد وإنما وجد نكاح فاسد وذلك لا يدخل في الاسم المطلق وهكذا: "لا صلاة إلا بأم الكتاب" و "لا صيام لمن لم يبيت الصيام من الليل" ونحو ذلك. الثاني استشهاده بأن أحمد احتج بقوله: "تجاوز لأمتي عما حدثت به أنفسها" قد يقال ليس من هذا الباب فإن الرفع غير التجاوز فإن الخطأ نفسه لم يرتفع وقد يقال تجاوز عن نفس الخطأ وهو مثل قوله: {وَنَتَجَاوَزُ عَنْ سَيِّئَاتِهِمْ} 1 وذلك أن الرفع يقتضى العدم والتجاوز لا يقتضى العدم بل لا يكون التجاوز إلا عن موجود. ثم ذكر القاضي مسألة أخرى فقال لفظ التحريم إذا تعلق بما لا يصلح تحريمه فإنه يكون عموما في الأفعال في العين المحرمة إلا ما خصه الدليل نحو قوله: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ} 2 و {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ} 3 قال: وحكى عن البصري الملقب بجعل4 أن هذا اللفظ يكون مجازا ولا يدل على تحريم العين نفسها لأن العين فعل الله لا يتوجه التحريم إليها وإنما أراد تحريم أفعالنا فيها فصار اللفظ محمولا على ذلك بنفسه لا بدليل وكل ما حمل اللفظ عليه بنفسه كان حقيقة لا مجازا كقوله: "لا صلاة إلا بطهور" حقيقة هذا رفع الفعل فلما استحال رفعه بعد وقوعه كان معناه حقيقة في رفع حكمه وكذلك ها هنا لأن من أراد أن يحرم على عبده أو ولده شيئا فإنه يقول حرمت عليك كذا فيفهم منه تحريم تصرفه فيه بنفس اللفظ فثبت أن اللفظ نفسه دل على ذلك فكان حقيقة [وقال1 أكثر الحنفية وبعض الشافعية لا يثبت العموم في ذلك بل هو مجمل واختاره القاضي في أوائل العدة وآخر العمدة وزعم أن أحمد قد أومأ إليه وذكر عنه كلاما ما يدل   1 من الآية "16" من سورة الاحقاف. 2 من الآية "3" من سورة المائدة. 3 من الآية "23" من سورة النساء. 4 هو أبو عبد الله الحسين بن علي بن إبراهيم "فهرست ابن النديم "261 مصر". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 94 على ما قال: بل على خلافه واختار القاضي في الكتاب الأولى] 1. وذكر ابن برهان أن مذهبهم أن هذا ليس بمجمل ثم منهم من جعله عاما في كل فعل ومنهم من قال: يصرف إطلاقه على كل عين إلى المقصود اللائق بها وذكر أبو الطيب لهم فيه وجهين أحدهما الإجمال والثاني العموم قال: وبه قال قوم من الحنفية. فصل: قال القاضي فيجب أن يقولوا إن التخصيص يدخل على المضمرات والمعاني بل هكذا نقول. [وز] فصل: إذا قلنا أنه يصح ادعاء العموم في المضمرات كقوله: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ} 2 فظاهر كلام أصحابنا لا بل صريحه أنه يحرم فيها كل شيء كالأكل والبيع وما أشبههما وقال المقدسي قوله: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ} ليس بمجمل وإنما المراد به الأكل دون اللمس والنظر لظهوره من جهة العرف في تحريم الأكل وقد ذكر نحو هذا عن أبي الخطاب والحلواني قال: هي ظاهرة في تحريم التصرف واستدل على أن المراد جميع أنواع التصرف فيها بأدلة ذكرها وكذلك قال ابن عقيل: تحرم جميع الأفعال فيها وقد ذكر أنه قول الجبائي وابنه وعبد الجبار قال: ويحتمل عندي فذكره نقلت من مسائل صالح ابن الإمام أحمد في كلام طويل في دباغ [جلود] 3 الميتة قال صالح: قال [أبي] : إن الله قد حرم الميتة   1 ما بين المعقوفين ساقط من ب وهذه العبارة تعد مكررة مع ما سبق في ص "91". 2 من الآية "3" من سورة المائدة. 3 هذه الكلمة ساقطة من ا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 95 فالجلد هو من الميتة قلت: فظاهر هذه الآية لا بل صريحها أن هذه الآية عامة في كل نوع من الانتفاع [1إلا أن أبا الخطاب والمقدسي قالا ليست بعامة في كل نوع من الانتفاع] 1 بل يحمل في الميتة على الأكل وها هنا احتج بها أحمد في تحريم الانتفاع بالجلد ثم تبين لي أنه ليس في هذا ما يقتضى عموم الأفعال لأن الجلد من جملة الميتة نفسها فلما حرم الميتة اقتضى على ما قال أبو الخطاب: تحريم الفعل المقصود من كل جزء منها والمقصود من الجلد الانتفاع لا الأكل فيحرم نظرا إلى كونه من الميتة لا إلى عموم الفعل وهذا ظاهر إن شاء الله. وذكر ابن نصر المالكي2 في الملخص أنه ليس بمجمل وأنه يحمل على المعتاد من التصرف والمقصود من تلك العين في عادة أهل اللغة وعرفهم وما يسبق إلى الفهم3 عند سماعه من ذلك. [ز] وذكر ابن عقيل العموم وأنه يحرم جميع أفعالنا فيها وذكر القاضي في مسألة الدباغ أنه عام في اللحم والجلد قبل الدبغ وبعده وذكر في مسألة ما لا نفس له سائلة لما احتج عليه بالآية وقيل له التحريم يقتضى التحريم في جميع الوجوه وذلك يقتضي التنجيس قال: التحريم هنا خاص في الأكل بدليل السياق وقوله: {إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ} . [ز و] فصل: ذكر عبد الوهاب بن نصر المالكي آيات اعتقدوا أنها عامة وهي مجملة عنده ويقتضى مذهبنا عموم بعضها فلتنظر حرر القاضي أبو يعلى في الكناية ألفاظ الجموع تحريرا حسنا محققا.   1 هذه العبارة ساقطة من ب. 2 في ا "أبو نصر المالكي" تحصحيف. 3 في ب "إلى الوهم". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 96 [ز] فصل: وذكر المخالف في مسألة العموم أن استعماله في البعض أكثر ولم يمنعه القاضي وكذلك ذكر في حجة أقل الجمع أن استعمال لفظ العموم في الخصوص هو الغالب وأجاب بأن هذا الغالب لا يختص بثلاثة [ز و] فصل: قوله: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ} 1 مجمل قال المقدسي: ليس بمجمل وإنما المراد به الأكل دون اللمس والنظر قال: لظهوره من جهة العرف في تحريم الأكل. [ز] فصل: مقتضى كلام القاضي أن العموم من عوارض الألفاظ والمعاني فإنه قال: المخالف العموم مأخوذ من الخصوص ومنه قولهم مطر عام فأجاب بأن العموم مأخوذ من قولهم عممت الشيء أعمه عموما وعمهم العدل2 والرخص والغلاء وقوله بأنه يصح ادعاء العموم في المعاني والمضمرات يؤيد ذلك وإن كان المعنيان جنسين فلأصحابنا في ذلك ثلاثة أوجه أحدها أنه من عوارض الألفاظ فقط كقول أبي الخطاب والثاني أنه من عوارض اللفظ والمعنى الذهني كقول أبي محمد والغزالي والثالث أنه من عوارضهما مطلقا وهو قول القاضي وأبى محمد وهو أصح أما في الذوات والصفات الشخصية المتعدية المشروطة بالحياة كالعلم والقدرة3 والرضا والغضب والحب والبغض فظاهر لا يقبل خلافا وكذلك في الشخص العام كقوله لعلي: "عم" وأما في المعاني الخارجة التي هي الأنواع ذاتا وصفات فلان القدر المشترك هو مسمى اللفظ وهو عام لأن المطلق   1 من الآية "3" من سورة المائدة. 2 في ب "وعمهم العذاب" وكلتاهما تقال. 3 في ا "بالحياة والقدرة والرضا – إلخ". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 97 لا بشرط التقييد موجود في الخارج وفي الذهن وأما المطلق بشرط عدم التقييد فلا وجود له لا في الخارج ولا في الذهن وبشرط عدم التقييد الخارجي وجوده في الذهن وفرق بين اعتبار الذهن للمطلق وبين تقييده فيه فالكليات المطلقة العامة كلها موجودة في الخارج لكن وجودها فيه مشروط بالتقييد والتخصيص ومسمى اللفظ [فيه] يستوي فيه المقيد وعدم المقيد لأن مسماه لا يشترط فيه قيد ليس هو الذي لا قيد فيه. فصل: الأمر المطلق هل يكون أمرا بمفرداته أو يكون عاما فيها ثلاثة أقوال: أحدها: العموم قال القاضي: محتجا على جواز القضاء في المسجد دليلنا قوله: {وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ} 1 ولم يفرق بين أن يحكم في المسجد وغيره فإن قيل هذا أمر بالحكم وليس فيه ما يدل على المكان. قيل هو أمر بالحكم لكن متى أتى بالمأمور أجزأ ولا يأتي إلا مقرونا ببعض المفردات وهذا أصح. الثالث:2 أنه ليس مأمورا بها ولا مأذونا فيها. وسر المسألة أن التعيين هل هو من باب عدم المنهي عنه فيكون في عموم الأمكنة والأزمان إلا ما خصه الدليل القول الثاني أن المفردات ليس مأمورا بها ولا مأذونا فيها استصحابا أو هو من باب المأذون فيه التزاما فيه قولان وقد ذكرنا مثل هذا في الواجب المخير لكن هناك البحث هل التعيين مأمور به أو المأمور به هو المشترك وهنا هل المميز مأذون فيه أو غير ممنوع منه ثم فرق بين أفراد الفعل وبين لوازم الفعل من المكان والزمان والأحوال فالصواب أن مثل هذا لم يتعرض له الأمر لا بإذن ولا بمنع.   1 من الآية "49" من سورة المائدة. 2 هكذا في النسختين بتقديم الثالث على الثاني ولم يظهر لنا وجه ذلك. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 98 فصل: في العموم التبعى وهو ما يدخل في اللفظ ضمنا وتبعا لغيره وإن لم يدخل فيه ابتداء سواء كان دخوله فيه مع مطلق الاسم أو لخصوص التركيب وسواء في ذلك عموم الأجزاء وعموم الأفراد فالأول كدخول المؤنث في لفظ المذكر على قول أصحابنا وكدخول إبليس في الملائكة على قول وكدخول الأحلاف والموالى والنزلاء وابن الأخت في ألفاظ القبائل وكدخول الغلمان في مسمى الجنس ودخول النساء في القوم وهذا قد يدخل فيما ينقله العرف من الخاص إلى العام كلفظ الرقبة والثاني كدخول اللباس والنعل والبناء والغراس في لفظ العبد والفرس والأرض لاقترانه بالمبيع ونحوه وهو من باب ما يدخل في مطلق اللفظ وعلى هذا يخرج ما يدخل في لفظ الموصى والواقف وغيرهما وهو باب نافع. فصل: فيما يشمله اللفظ في حال دون حال أما في النفي دون الإثبات كالعقد الخالي عن وطء يدخل في مسمى قوله: {وَلا تَنْكِحُوا} ولا يدخل في مسمى قوله: {حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ} والإيمان عندنا على هذا في ظاهر المذهب وعلى هذا قولهم المطلق من الأسماء يتناول الكامل من المسميات إنما هو فيما يقصد إثباته كالماء والرقبة لا فيما يقصد نفيه وعلى هذا لفظ الدرهم والدينار في مطلق البيع مخصوص بما قيده عرف المعاملة وهو باب نافع في لفظ الشارع والمعامل. وأصل هذا أن اللفظ الواحد تختلف دلالته بحسب التركيب في النفي والإثبات وهو حقيقة في الجميع إذا كان جنس التركيب موضوعا لتقدم استعمال غيره وأما إذا لم يكن نفسه موضوعا كقوله: "رأيت أسدا يكتب" فهنا إنما يفهم بقرينة عقلية وهو العلم بأن البهيمة لا تكتب فتدبر هذا فإنه نافع جدا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 99 1ثم وضع التركيب قد يكون لغويا وقد يكون عرفيا وهو كثير غالب والعرف يختلف فتختلف دلالة التركيب والجميع حقائق إذا تكرر استعمال ذلك الجنس. فصل: في الفرق بين مطلق اللفظ من المعاني وهو المعنى المطلق عن القيود التي يوجبها اللفظ في حال دون حال وبين اللفظ المطلق فإن الفرق في الإطلاق والتقييد والعموم والخصوص بين اللفظ وبين معاني اللفظ عام المنفعة. فصل: قال ابن عقيل للعموم صيغة تدل بمجردها على أن مراد الناطق بها شمول الجنس والصفة مما أدخل عليه والصفة من تلك الصيغ وإنما تنكرت ما سلكه الفقهاء من قولهم للعموم صيغة لما قدمت في الأمر والنهي وأن من قال: بأن الكلام هو عين الحروف المؤلفة لا يحسن به أن يقول إن للعموم صيغة لأن الصيغة هي العموم فكأنه يقول للعموم عموم. فصل: حررته في تفسير2 صيغ العموم الألفاظ معارف ونكرات فالمعارف سبعة فكل اسم معرفة ذي أفراد يفيد العموم فأما ما ليس بذي أفراد كالعلم الشخصي فإنما يفيد عموم الكل لأجزائه فيندرج فيه العلم الجنسي والإشارة إلى عدد والمضمرات الجامعة والموصولات والمعرفات باللام والإضافة من الجموع وأسماء الجموع والأجناس المفردة وغير المفردة والمنادى المقصود والنكرة فكل لفظ نكرة في النفي والنهي والاستفهام فانه   1 من هنا إلى آخر الفصل التالي سيكرر في ص "111" و "112". 2 في ا "تقسيم صيغ العموم" وهي أدق. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 100 يفيد العموم سواء كان اسما أو فعلا وأما في الشرط فهل يفيده لفظ أو بطريق التعليل فيه نظر. فالمعرفة إنما تعم ما أوجبه التعريف فتعم ما أشار إليه أو عاد الضمير عليه أو قامت به الصلة أو ناداه المنادى فعلى هذا إذا قال الله: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ} أو {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} فإنما يعم من ثبت أن الله يخاطبه والصبيان والمجانين لم يخاطبوا فلا يشملهم اللفظ وقد ذكر أصحابنا وغيرهم أن اللفظ عام وإنما خرج منه بتخصيص العقل فأما قوله: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ} 1 فالضمير لا يدل على جنس وإنما يدل بلفظه على المخاطب فلا ينبغي أن يختلف فيه.   1 من الآية "23" من سورة النساء. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 101 مسألة من أعلى صيغ العموم الأسماء التي تقع أدوات في الشرط وهي تنقسم إلى ظرف زمان وظرف مكان واسم مبهم يختص بمن يعقل واسم يختص بمن لا يعقل فكل اسم وقع شرطا عم مقتضاه فإذا قلت: "من أتاني أكرمته" عم كل آت من العقلاء وإذا قلت: "متى جئت أكرمتك" عم كل زمان وإذا قلت: "حيثما أتيتني أكرمتك" عم كل مكان وما يقع منكرا في سياق النفي فهو كذلك يتعين القطع بوضع العرب إياه للعموم. قال الجويني لا شك أن ذلك كله لاقتضاء العموم ودليلنا عليه كدليلنا على تسمية العرب جارحة مخصوصة رأسا. قلت وهذا القسم لا يختلف فيه أحد أثبت العموم ومنه حرف كل. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 101 مسألة أفردها أبو الخطاب وغيره قالوا قوله: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} 1 عام وليس بمجمل نص عليه [زو] وبه قال مالك وأصحابه: قال أبو الخطاب والقاضي خلافا لأصحاب2 أبي حنيفة أنه مجمل وحكاه القاضي   1 من الآية "38" من سورة المائدة. 2 في ا "خلافا لأبي حنيفة". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 101 عن عيسى بن أبان وهذا الكلام لا معنى له لأن المخالف في ذلك إن كان ممن ينكر العموم في المفرد المعرف أو يقول بأن العام المخصص مجمل وهو عيسى بن أبان ومن تبعه فقد سبق القول في ذلك ولا فائدة في أفراد هذه الآية وإن لم يكن المخالف من هؤلاء فما أدرى1 ما هذا. وقد حكى أبو الخطاب في مسألة العام إذا دخله التخصيص عن أبي عبد الله البصري أنه قال: إن كان التخصيص منع من تعلق الحكم بالاسم العام وأوجب تعلقه بشرط لا ينبئ عنه الظاهر لم يجز2 التعلق به مثل آية السرقة وقد دل دليل على اعتبار الحرز والنصاب فيه وإن كان التخصيص3 لا يمنع من تعلق الحكم بالاسم العام جاز التعلق به مثل قوله: {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ} 4 فإن المنع من قبل من أعطى الجزية لا يمنع من تعلق القتل بالشرك في حق من لم يعط [الجزية] . قلت وهذا حاصله يرجع إلى الفرق بين الشرط والمانع فيكون مذهبا آخر في التخصيص فيه تفصيل فلا معنى لذكر خصوص الآية.   1 في ا "فلا أدري ما هذا". 2 في ا "ولم يجز التعليق به" ولا شك أن الواو مقحمة لكون هذه الجملة هي جواب الشرط" بدليل عبارته في القسم الثاني. 3 في ا "وإن كان المخصص لا يمنع ..... إلخ". 4 من الآية "5" من سورة التوبة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 102 مسألة إذا قال الراوي: قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم باليمين والشاهد في المال أو حكم بالرد بالعيب أو أوجب الكفارة على من جامع في نهار رمضان [هل يكون ذلك عاما بمنزلة قوله: "من جامع في رمضان فعليه الكفارة"] 1 ويحكم في الأموال بالشاهد واليمين ونحو ذلك أو ينزل ذلك على أنه قضية في عين قال أصحابنا: هو للعموم وقال قوم لا عموم له.   1 ما بين المعقوفتين ساقط من اوواضح أن الكلام لا يستغني عنه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 102 فصل: قال الجويني نقل أصحاب المقالات عن أبي حنيفة أنه عمم أصولا لا يصير إلى تعميمها الأستاذ في الأصول فضلا عمن يتشوف إلى التحقيق فقال إذا روى الراوي عن الرسول أنه قضى "بكذا" اقتضى عموم القضاء في غير المحل المنقول مثل ما روى أنه قضى بالكفارة على من جامع في رمضان فزعم أبو حنيفة أن هذا يعم كل إفطار وقال الجويني فإن كان هذا متلقي1 من اللفظ ومقتضى مساق الكلام فهو خرق بين وإن قاله قياسا فمسلك القياس غير مردود في الجملة. قلت وأنا أقطع بأن هذا غلط على أبي حنيفة وغيره بهذا التمثيل والتفسير وإنما أراد به المسألة المتقدمة.   1 في ا "إن كان هذا بليغا – إلخ" تحريف. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 103 مسألة والنكرة في سياق النفي تفيد العموم ظاهرا إذا لم يكن فيها حرف من قال: سيبويه يحسن أن يقول ما رأيت رجلا بل رجالا فإن دخل عليها حرف من أفادته قطعا ولم تحتمل التأويل فيقول ما رأيت من رجل وما جاءني من أحد وشبه ذلك وقال بعض المتأخرين لا تفيد العموم بدون حرف من والأول أصح. فصل: وقولنا: "النكرة في سياق الإثبات لا تعم" هذا فيما إذا لم تكن في سياق الشرط كقولك رأيت رجلا وأعتق رقبة فإن كانت في سياقه كقولك من يأتيني [بأسير] فله دينار فهذا يعم كل [أسير] وكذلك ما أشبهه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 103 مسألة: وقوله صلى الله عليه وسلم (رفع عن امتي الخطأ والنسيان) ... مسألة وقوله: "رفع عن أمتي الخطأ والنسيان" عام في رفع حكمه1   1 في ا "في رفع الحكم". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 103 اختاره أبو الخطاب [ز] وبه قال أكثر المالكية وأكثر الشافعية فيما حكاه ابن نصر وقيل هو مجمل وقيل المراد به نفي المؤاخذة بالإثم. فصل: قوله: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ} 1 من أنكر صيغ العموم وقف فيها وأنكر الجويني إطلاقه بكلام بسطه ومع ذلك فهو ممن أثبته وغلا فيه حتى قال: الذي صح عندي من مذهب الشافعي أنا لو قطعنا بانتفاء القرائن المخصصة لكانت الصيغة نصا في الاستغراق وحكى أن من الموافقين للواقفية البرغوث وابن الرواندى وكلاهما من المعتزلة وحكى أن2 مذهب طائفة يقال لهم أصحاب الخصوص أن صيغ الجمع نصوص في أقل الجمع مجملة في الزيادة وأن مذهب جمهور الفقهاء أنها نصوص في أقل الجمع لا تقبل تأويلا ظاهرة في ما عداه تقبل التأويل [بدليل] 3.   1 من الآية "3" من سورة المائدة. 2 في ا "وحكى عن طائفة يقال لهم .... إلخ". 3 هذه الكلمة من ا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 104 مسألة اللفظ الموضوع للاستغراق بالجنس الذي واحده [بالهاء] كالتمر والتمرة والشجر والشجرة ونحوهما هما للاستغراق عند أكثر المعممين ومحققيهم واختاره الجوبني وأنكر بعض أصحاب العموم ذلك وزعموا أنه ليس بجمع بدليل قوله: {مِنَ الشَّجَرِ1 الْأَخْضَرِ} 2 [ولأنه يجمع فيقال تمور وأشجار] 2 ولا هو في معنى أدوات الشرط وزيف الجوبني مذهبه ببيان كونه جمعا وأن الجموع قد تجمع.   1من الآية "80" من سورة يّس. 2 ما بين هذين المعقوفين ساقط من اويدل لثبوته في الأصل ما ذكره عن الجويني من الرد. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 104 مسألة [من] الشرطية تتناول الذكور والاناث هذا قول المحققين الجزء: 1 ¦ الصفحة: 104 من أهل اللسان والاصول والفقه وذهب شرذمة من الحنفية إلى أنه يختص بالذكور وذكره في مسألة المرتدة قال الجوبني: هو قول بعض الأغبياء الذين لم يعلموا من حقائق اللسان والاصول شيئا وأشنع القول في ذلك. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 105 [1 مسألة: الاسم المفرد إذا دخله التعريف كالزانى والسارق فهو للعموم ما لم يكن هناك قرينة عهد نص عليه في مواضع وبهذا قال أبو عبد الله الجرجاني: وحكاه عن أصحابه واختلفت الشافعية فعندهم المشهور كقولنا واختاره ابن برهان وأبو الطيب أعنى الأشهر ومنهم من قال: لا يفيد العموم وهو قول أبي علي الجبائي وكذلك قول أبي هاشم الجبائي [ز] هو المخالف دون أبيه [ز] حكاه ابن برهان وحكى أبو الخطاب عن أبي هاشم العكس] 1.   1 هذه المسألة ساقطة من ب في هذا الموضع وذكرت بعد مسألة ابن برهان الآية في أو ص "106". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 105 مسألة: في اعادة الكلام محررا في الاسم المفرد المعرف بالالف واللام إذا سبق تنكير وظهر ترتب التعريف عليه فهو غير محمول على العموم اتفاقا وإن لم يسبق تنكير ينعطف عليه فهو للجنس ومنه قوله: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ} 1 و {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي} 2 وإن جرى الكلام ولم يدر أنه خرج تعريفا لمنكر سابق أو اشعار بجنس فهو للجنس عند معظم المعممين قال الجوبني: والذي أراه أنه مجمل فإنه حيث يعم لا يعم لصيغة اللفظ بل سبب عمومه وتناوله للجنس حالة مقترنة معه مشعرة3 بالجنس فإذا ورد اللفظ وليس جمعا ولا موضوعا للابهام المقتضى للاستغراق كأدوات الشرط فالأمر منه متلقى في الخصوص والعموم من حيث القرينة فإذا لم نردها4 تعين التوقف وبسط القول في ذلك.   1 من الآية "38" من سورة المائدة. 2 من الآية "2" من سورة النور. 3 في ب "مبتعدة" تحريف. 4 في ا "فإذا لم ندرها". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 105 مسألة: أفردها ابن برهان بعد الكلام في أصل العموم [زو] حرر المقدسى ألفاظ الجموع [وقسمها ألفاظ الجموع] 1 إذا كانت معرفة فهي للعموم في قول عامة من أثبت العموم خلافا لابي هاشم ووافقنا أبو علي والده.   1 ما بين المعقوفين ساقط من ا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 106 مسألة: ألفاظ الجموع المنكرة كمسلمين ومشركين لا يفيد العموم وإنما يحمل على أقل الجمع الثلاثة [ح] في احدى الروايتين والاخرى يحمل على العموم ذكرها القاضي في الكفاية والحلوانى وهذا ظاهر كلام أحمد وبه قال أكثر الشافعية ومنهم من قال: [لا] يفيد العموم وحكى ذلك عن الجبائي وحكاه ابن برهان عن بعض المعتزلة ولا أحسب الحكاية عن الجبائي إلا وهما [ح] هذا قول أبي علي والمخالف في الأولى ابنه لا هو قال القاضي: [وقد] أشار إليه أحمد في رواية صالح وقد سأله عن لبس الحرير للصغار فقال لا إنما هو للاناث يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم في الحرير والذهب: "هذان حرام على ذكور أمتى [حلال على اناثها] " 1 قال القاضي: فقد حمل قوله: "ذكور أمتي" على العموم في الصغار والكبار وإن كانا جميعا ليس فيهما ألف ولا لام. قلت هذا غلط عظيم منه على الإمام لأن قوله: "ذكور أمتى" معرف بالاضافة وهو2 كالمعرف بالالف واللام ومسألة الخلاف في المنكر.   1 ساقط من ا. 2 في ا "فهو" بفاء العطف المشعر بالسببية. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 106 مسألة نفي المساواة بين الشيئين تفيده عاما في كل شيء [يختلفان1 فيه] [بحيث] لا يتساويان في شيء وبه قالت الشافعية [ح] ومنه قوله: {هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ} 2 قال القاضي: يوجب المنع من التسوية بينهما في   1 ساقط من ب. 2 من الآية "9" من سورة الزمر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 106 جميع الحالات والمخالف يسوى بينهما في ولاية القضاء والحكم وقالت1 الحنفية لا يفيد العموم بل يكفي [نفي] 2 المساواة في شيء واحد. فصل: وقوله: "لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب" و "لا صيام لمن لم يبيت الصيام من الليل" وبابه يقتضى نفي الصحة نص عليه واختاره أبو الطيب وأكثر الشافعية وقال بعض الشافعية والحنفية هو مجمل واختاره البصرى من الحنفية وذكر ابن برهان [أن] الأول هو المذهب عندهم خلافا لابي هاشم وأبي علي الجبائي وابن الباقلانى ذكره في أول كتاب المجمل. فصل: وقوله: "إنما الأعمال بالنية" 3 من هذا القبيل يقتضى نفي الصحة والإجزاء هذا مذهب أصحابنا "ح" والمالكية وأصح وجهي الشافعية واختاره أبو الطيب وقد احتج الشافعي وأحمد بذلك في مواضع والثاني عندهم أنه مجمل لأنه لا بد فيه من [إضمار] صحة أو كمال. فصل: وقوله: "لا صيام لمن لم يبيت الصيام من الليل" ونحوه حرر الجوبني فيه المذاهب منهم من رآه ظاهرا ومنهم من جعله مجملا فمن جعله مجملا انقسموا إلى مذهبين أحدهما أنه يقتضى نفي العمل حسا وهو موجود حقيقة واقتضى ذلك أن يتوقف عنه حتى يعلم المراد منه والثاني أن المفهوم منه الشرعي لكنه متردد   1 في ا "فقالت الحنفية". 2 كلمة "نفى" ساقطة من ا. 3 في ا "بالنيات" والرواية واردة باللفظين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 107 بين نفي الإجزاء ونفي الكمال وهذا مذهب ابن الباقلاني وأما الذين جعلوه ظاهرا فلهم ثلاثة أقوال1 منهم من قال: اللفظ عام يتناول نفي الوجود2 ونفي الحكم لكن خص منه الوجود بقضية دليل العقل فيبقى3 نفي الحكم على العموم قال الجويبني: هذا قول جمهور الفقهاء والثاني أنه منصرف إلى الشرعى لكنه عام في نفي الصحة والكمال والثالث أنه ظاهر في نفي الصحة وأما [في] نفي الكمال فتأويل ومجاز يحتاج إلى دليل واختار الجوبني هذا وزيف ما عداه لأن النفي الحسى يعلم ابتداء قطعا أن الرسول لم يرده ثم لا هو مبعوث لبيان الحسيات فعلم أنه أراد نفي الشرعى وفي حمله على نفي الكمال اثبات للصحة وهو مخالف للظاهر ثم التعميم أو الاجمال إنما يحسن [أن4] لو أمكن نفي كل واحد من الأجزاء والكمال منفردا وهذا محال. فصل: قول النبي صلى الله عليه وسلم: "لا صلاة إلا بطهور" يقتضى نفي أصل الصلاة واجزائها لا نفي الفضيلة والكمال. فصل: قوله: "لا وصية لوارث" استدل به أصحابنا مثل القاضي وأبى الخطاب وغيرهم من المالكية والشافعية بعمومه في جميع الوصايا في مسألة الوصية للقاتل وفي الموصين في مسألة وصية المميز وفيه نظر.   1 في ب "ثلاثة مذاهب". 2 في ا "يتناول لفظ الوجود ونفي الحكم" تحريف في الأول. 3 في ب "فينبغي" تحريف. 4 هذا الحرف ساقط من اولا تقتضيه ضرورة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 108 مسألة قال الشافعي: ترك الاستفصال من الرسول في حكايات الاحوال مع الاحتمال ينزل1 منزلة العموم في المقال.   1 في ا "منزل" وكلاهما صحيح. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 108 قلت وهذا ظاهر كلام أحمد رحمه الله لأنه احتج في مواضع كثيرة بمثل ذلك وكذلك أصحابنا وأمثلة ذلك كثيرة. وقال الجوبني لا يفيد العموم لاحتمال أن الرسول عرف حاله فترك جوابه على ما عرف ولم ير أن يبين المأخذ والعلة خصوصا لرجل حديث عهد بالاسلام1 وعلى هذا تجرى معظم الفتاوى من المفتين نعم2 لو تحقق استبهام الحال على الرسول وصح ذلك مع أنه أرسل جوابه فهذا يقتضى العموم لا محالة. قلت وهذا الذي ذكره إنما يمنع قوة العموم فأما ظهوره فلا لأن الأصل عدم المعرفة لما لم يذكر.   1 في ا "خصوصا حديث لرجل عهد بالإسلام" بتقديم لفظ حديث وهو سهو من الناسخ. 2 في ا "لم" مكان "لو" خطأ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 109 مسألة يجب العمل بالعموم واعتقاده في الحال في احدى الروايتين اختارها أبو بكر عبد العزيز والقاضي [ح] وابن عقيل وبها قال أبو بكر الصيرفي من الشافعية وأبو سفيان من الحنفية: والثانية لا يجب اعتقاده ولا العمل به في الحال حتى يبحث وينظر هل هناك دليل مخصص فإذا بحث ونظر فلم يجده تعين العمل به حينئذ وبهذا قال ابن سريج: وأكثر الشافعية1 أبو الطيب وغيره وقال أبو عبد الله الجرجانى متى سمعه السامع من النبي صلى الله عليه وسلم على طريق تعليق2 الحكم وجب اعتقاد عمومه في الحال وإن سمعه من غيره لزم التثبت وطلب ما يقتضى التخصيص كما سبق واختار أبو الخطاب الرواية الثانية "ح" والحلوانى والمقدسىكالأولى واحتج عليهم [ح] هو وابن عقيل بأسماء الحقائق والأمر والنهي وكذلك القاضي احتج عليهم بأسماء الحقائق3 وذكر عنهم فيها تسليما ومنعا واحتج   1 في ا "وأبو الطيب" بواو العطف وما أثبتناه موافقا لما في ب أدق. 2 في ب "على طريف تعليم الحكم". 3 في ا "منا زيادة "والأمر والنهي" واغلب الظن أنها إقحام من الناسخ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 109 ابن عقيل بالأمر للوجوب وأما نحن على الرواية الأخرى فيجب أن يكون قولنا في جميع الظواهر كالعموم وكلام أحمد إنما هو في مطلق الظاهر من غير فرق بين العموم وغيره وكذلك قال أبو الخطاب: واحتج بأن كل لفظ وضع لشيء متى وجد وجب اعتقاد ذلك الشيء كالأسماء والأمر والنهي وغير ذلك قال والجواب أن جميع ذلك كمسألتنا لا نعتقد موجبه حتى نبحث فلا نجد ما يصرفنا عن حقيقتها وكذلك [الأمر] لا نحمله على الوجوب إلا إذا تجرد عن قرينة وكذلك النهي وهذا هو المنصوص عن أحمد في كلامه على تفسير السنة والآثار لظاهر1 القرآن وإن سلمناه2 في أسماء الحقائق فقط فالفرق أن أسماء الحقائق لا تستعمل في غيرها إلا مجازا والعموم حقيقة في الخصوص والاستغراق وسلم أبو الخطاب أن العموم في الأزمان يخالف3 العموم [في] الأعيان فيجب حمله على عموم الأزمان وإن جاز أن يكون منسوخا في بعضها اذ النسخ لا يرد إلا بعد ورود الصيغة فلا يجب التوقف لاجله كما لا يتوقف فيمن ثبتت4 عدالته حتى يرد عليه الفسق. قلت فيه نظر بعد النبي صلى الله عليه وسلم فإن معرفة الناسخ والمنسوخ متقدمة على الفتوى قلت: ألفاظ أحمد كالصريحة بالرواية التي نصرها أبو الخطاب لكن إنما هو فيمن لم يسمعه من النبي صلى الله عليه وسلم. قال القاضي إذا ورد لفظ العموم الدال بمجرده على استغراق الجنس فهل يجب العمل بموجبه واعتقاد عمومه في الحال قبل البحث عن دليل يخصه وفيه روايتان   1 في ا "على ظاهر القرآن". 2 في ب "وإن سلمنا أسماء – إلخ". 3 في ب "مخالف". 4 في ا "فيمن تثبت عدالته". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 110 أحداهما: يجب العمل بموجبه في الحال وهذا ظاهر كلام أحمد في رواية عبد الله لما سأله عن الآية إذا كانت عامة وساق لفظ الرواية كما كتبته عند مسألة العموم. قال وظاهر هذا الحكم به في الحال من غير توقف. قلت إنما رد على من يقف إذا لم يرد مخصص ليس فيه عدم البحث عن المخصص وهو قول أبي بكر في التنبيه. قال وإذا ورد الخطاب من الله أو من الرسول بحكم عام أو خاص حكم بوروده على عمومه حتى ترد الدلالة على تخصيصه أو تخصيص بعضه. قال وفيه رواية أخرى لا يحمل على العموم في الحال حتى تتطلب دليل التخصيص فإن وجد حمل اللفظ على الخصوص وإن لم يوجد حمل حينئذ على العموم. قال وهذا ظاهر كلام أحمد في رواية صالح وأبي الحارث1 وغيره قال في رواية صالح إذا كان للآية ظاهر ينظر [ما] عملت السنة فهو دليل على ظاهرها ومنه قوله تعالى: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُم} 2 فلو كانت على ظاهرها لزم من قال بالظاهر أن يورث كل من وقع عليه اسم ولد وإن كان قاتلا ويهوديا. قلت وهذا عام في الظواهر كلها من العموم والمطلق والأمر والنهي والحقائق وهو نص. [1قال وأما إذا لم يكن نفسه موضوعا كقوله: "رأيت أسدا يكتب" فهنا إنما يفهم بقرينة عقلية وهو العلم بأن البهيمة لا تكتب فتدبر هذا فإنه نافع] . [ثم3 وضع التركيب قد يكون لغويا وقد يكون عرفيا وهو كثير غالب   1 في ا "وابن الحارث". 2 من الآية "11" من ْسورة النساء. 3 من هنا إلى آخر الفصل مكرر مع ما سبق في آخر ص "99" وأول ص "100" ولكنه مذكور في النسختين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 111 والعرف يختلف فتختلف دلالة التركيب والجميع حقائق إذا تكرر استعمال ذلك الجنس] . فصل: [1في الفرق بين مطلق اللفظ من المعانى وهو المعنى المطلق عن القيود التي يوجبها اللفظ في حال دون حال وبين اللفظ المطلق فإن الفرق في الاطلاق والتقييد والعموم والخصوص بين اللفظ وبين معانى اللفظ عام المنفعة] 1. وقال فيما كتب به إلى [ابن] 2 عبد الرحيم الجوزجانى فأما من تأوله على ظاهره يعنى القرآن بلا دلالة من رسول الله ولا أحد من أصحابه فهو تأويل أهل البدع لأن الآية قد تكون خاصة ويكون حكمها عاما أو يكون ظاهرها على العموم وإنما قصدت لشيء بعينه ورسول الله صلى الله عليه وسلم [هو] المعبر عن كتاب الله وما أراد وأصحابه أعلم بذلك منا لمشاهدتهم الأمر وما أريد بذلك. قال القاضي وظاهر هذا أنه لا يجب اعتقاده ولا العمل به في الحال حتى يبحث وينظر هل هناك دليل يخصص. قلت الأدلة كالاحكام3 فكما اشترط في الأحكام معرفة السنة والاجماع والاختلاف في معرفة الكتاب فكذلك دلالة الأدلة يشترط فيها معرفة السنة مع الاجماع والاختلاف فإن السنة والآثار كما يبينان الحكم يبينان دلالة القرآن. وكان القاضي قد نصر مثل قول أبي الخطاب ثم نصر الرواية الأخرى وعمدته أن الأصل عدم القرينة ولكن النفي لا يحكم به قبل البحث.   1 ما بين هذين المعقوفين ساقط من ب وكتب في ابعد كلمة "عام المنفعة" إلى هنا مما يدل على أن الناسخ استلحقه فيها عن نسخة أخرى ومع هذا هو مكرر مع ما تقدم في ص "100". 2 كلمة "ابن" ساقطة من اوكذلك كلما تكرر هذا العلم. 3 في ا "الأدلة على الأحكام" والكلام يقتضي ما ذكرناه موافقا لما في ب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 112 فصل: عدم المخصص هل هو شرط في العموم أو المخصص من باب المعارض فيه قولان كما في تخصيص العلة لكن كثير ممن يخصص الألفاظ لا يخصص العلل والقاضي تارة يطرد القول في الجميع فإنه لما قال له المخالف: "اللفظ أريد به العموم تارة والخصوص [تارة] أخرى" أجاب بأن اللفظ لم يرد قط إلا وهو دال على العموم وإنما يدل على الخصوص بقرينة. قلت بعض المتكلمين قد يجرده عن قرينة ويكون بعض الأفراد غير مراد له. وقال المخالف أيضا لو كان موضوعا للعموم لما جاز أن يوجد إلا وهو دال عليه كما لا يجوز أن يوجد الفعل إلا وهو دال على فاعل فأجاب بأن اللفظ الدال على العموم هو المجرد عن قرينة ولا يوجد هذا اللفظ إلا وهو دال على العموم وإنما يدل على الخصوص بقرينة تنضم إليه. قلت هذا تصريح بطرد الأدلة كطرد العلل. فصل: ذكر القاضي في مسألة عموم الجمع المعرف أن التعريف يوجب انصراف الاسم إلى ما الإنسان به أعرف فإن كان هناك معهود [هو به] 1 أعرف فينصرف التعريف إليه ولا يكون مجازا والا انصرف إلى الجنس لأنه به أعرف من ابقاء صيغة قال وإذا كانت لتعريف العهد عمت جعله محل وفاق استدل به على من نازع في العموم إذا كانت لتعريف الجنس وأبو الخطاب كذلك وهو لابى الحسين.   1 ما بين هذين المعقوفين ساقط من ا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 113 فصل:1 في نفي العام إذا قال: "لا أكرم من دخل دارى" أو "لا ألبس الثياب" فهم منه العموم في النفي ولو قال: "لا أكرم كل عاقل دخل دارى" لم يلزم أن لا يكرم كل واحد منهم بل يجوز أن يكرم البعض دون البعض هذا كلام القاضي وأبي الحسين أيضا [فيما أظن وغيرهما فجعلوا بعض ألفاظ العموم يكون نفيها عاما وبعضها يكون نفيها نفيا للعموم لا عموما للنفي وفرق بين عموم النفي وبين نفي العموم] . فصل: قال الشيخ2: هذا الفصل عظيم الفائدة خصوصا في الإيمان وكلام الخلق المتكلم من الخلق باللفظ العام إما أن يقصد العموم أو الخصوص أو يذهل وإذا لم يقصد العموم3 فإما أن يقصد ذلك الفرد المعين [أو يذهل وإذا قصد العموم فإما] 4 أن يقصده باعتبار صفة شاملة هي الموجبة للحكم أو باعتبار الشمول للاسم وعلى هذا فمن وجد فيه ما قد يكون مانعا من الحكم أو وجد من يشمله الاسم دون المعنى اللازم للاسم غالبا فهذا لم يقصد المتكلم دخوله عينا ولا نوعا مع شمول اللفظ وهذا ينبني على الفرق بين ما يوجب الخصوص والعموم وما يبين الخصوص والعموم فالأول هو قصد المتكلم وإرادته والثاني الدلالة وقد تكلموا كلهم القاضي في الكفاية وغيره على الفرق بين ما يصير العام خاصا وبين ما يجعل العام في نفسه خاصا فيقال في الموجب أن الموجب للعموم قصد المتكلم فيكفي في الخصوص عدم قصد العموم أو يقال الموجب للخصوص هو قصد   1 هذا الفصل ساقط برمته من أصل اوألحقه ناسخها بهامش النسخة وما بين المعقوفين في آخره ساقط من ب. 2 كلمة "قال الشيخ" لا توجد في ا. 3 في ب "وإذا قصد العموم" خطأ. 4 ما بين هذين المعقوفين ساقط من ب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 114 الخصوص وكلام القاضي يقتضى أن اللفظ في نفسه لا يتصف بعموم ولا خصوص إلا بقصد المتكلم وإرادته وهذا جيد فيفرق بين إرادة عدم الصورة المخصوصة أو عدم إرادة الصورة المخصوصة فإن الفرق بينهما واقع فالأول لا ريب فيه والثاني وهو1 عدم إرادة تلك الصورة لا بد أن يعنى بها عدم إرادة معنى عام يدخل فيه وإلا فعدم إرادتها عينا لا يؤثر بالضرورة2. فصل: قول الصاحب كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعل هل يفيد التكرار فيه قولان ذكرهما القاضي في الكفاية في الأفعال وقال في التعليق في قول بلال كان يمسح على [المرفقين] والخمار كان إخبار عن دوام الفعل والنبي صلى الله عليه وسلم لا يداوم على ما لا يجوز وهذا يمنع تأويله على أنه كان هناك عذر لأن كان للدوام ولم ينقل أنه دام به عذر منعه من المسح وقال أيضا في حديث عبد الله بن زيد في صفة مسح الرأس هذا إخبار عن دوام فعله لأنه سئل كيف كان يتوضأ وإنما يداوم على الواجب وكذلك قال في الروايتين والوجهين في مسألة3 وكذلك ذكر أبو الخطاب في قول أبي موسى كان إذا حضر أحد الخصمين ولم يحضر الآخر قضى عليه انه إخبار عن دوام الفعل فصارت الأقوال ثلاثة مطلق الفعل والعموم والتكرار.   1 في ا "والثاني عدم إرادة تلك الصورة ولا بد – إلخ". 2 في ا "لا يؤثر بالصورة" تصحيف. 3 لم تعين مسألة بعينها إحدى النسختين وفي ابياض يتسع لكلمة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 115 مسألة1: اللفظ العام إذا دخله التخصيص قال ابن برهان أنقسم فيه أصحابنا فمنهم من قال يكون مجازا وهو الصحيح واختاره الجويني ومنهم من   1 في ا "فصل" في موضع "مسألة". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 115 قال يكون حقيقة وقال أبو الحسن الكرخى إن [1كان التخصيص بدليل متصل كالاستثناء والشرط والصفة لم يكن مجازا وإن] 1 كان التخصيص بدليل منفصل فهو مجاز قال وقال عبد الجبار بن أحمد عكس ذلك ومعنى كونه مجازا معنى في الاقتصار به على البعض الباقي لا في تناوله له وذكر القاضي أن كونه مجازا قول المعتزلة والأشعرية [ح] ونصر أبو الخطاب أن العام إذا دخله التخصيص يصير مجازا خلاف ما أختاره شيخه مع أنه نصر المنصوص في أنه [يكون] 2 حجة.   1 ما بين هذين المعقوفين ساقط من ا. 2 كلمة "يكون" ساقطة من ا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 116 مسألة: العموم إذا دخله التخصيص بشيء فهو حجة فيما عداه نص عليه في مواضع وبه قالت الشافعية واختاره الجويني وحكى عن المعتزلة والأشعرية أنه يصير مجازا ولا يحتج به وإليه ذهب عيسى بن أبان وأبو ثور وكذلك ذكر أن بعض أصحابنا اختار أن العام بعد خصوصه لا يبقى1 حجة وحكى عن أبي الحسن الكرخى كقولنا إن كان المخصص متصلا كالاستثناء والشرط وكقول الآخرين إن كان منفصلا وقال أبو بكر الرازي إن كان الباقي جمعا ولم يذكر ابن برهان مخالفا فيها سوى عيسى بن أبان ولم يتعرض لكونه مجازا وذكر غيره أبا ثور معه وهذا أصح أعنى أن المخالف في كونه حجة هذان دون الجمهور ولا أحسب ما حكى عن الكرخى إلا غلطا وكذلك ذكر الاستثناء في هذه المسألة فإننا لا نعلم خلافا بين مثبتي العموم في أن الاستثناء يجعل الباقي وهو المستثنى منه مجملا بل يؤكد عمومه نعم الخلاف في كونه مجازا ربما أمكن وهو بعيد لأنه يلزم منه أن كل استثناء مجاز ويحتمل أن الكرخى وابن أبان أرادا بالمنفصل المقارن كقولنا اقتلوا الكفار ولا تقتلوا الذمي.   1في ا "لا يكون حجة". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 116 مسألة يجوز تخصيص العام إلى أن يبقى واحد عند أصحابنا قال الحلواني الجزء: 1 ¦ الصفحة: 116 وهو قول الجماعة ومنع منه أبو بكر القفال وأبو بكر الرازي وقالا لا يجوز النقصان من أقل الجمع إلا بما يجوز به النسخ وهو أصح عندي وذكر الجويني أن ما اخترناه قول الأكثرين فقال ذهب جمهور الفقهاء إلى أن صيغ الجمع نصوص في الأقل لا تقبل التأويل ظاهرة فيما عداه تقبل التأويل ثم ذكر بعد ذلك مسألة في أن جمع السلامة جمع قلة عند سيبويه وتكلم في أثنائه على تعريف الجموع وتنكيرها ثم عاد في مسألة أقل الجمع وفي أثنائها اختار جواز تخصيص عموما أسماء الجموع إلى الإثنين وإلى الواحد أيضا إذا قويت دلالة المخصص فيشترط للمخصص إلى الإثنين قوة فوق قوة المخصص إلى الثلاثة والمخصص إلى الواحد ينبغي أن يكون أقوى منهما. [ح] كلام الشيخ في تصدير مسألة حد نهاية التخصيص ليس على عمومه1 وإنما الخلاف في الألفاظ المعرفة بالألف واللام وذكر القاضي أبو يعلى في الكفاية أنه لا يجوز تخصيص جميع ألفاظ العموم إلا أن يبقى كثرة وإن لم يقدر إلا أن تستعمل في الواحد على سبيل التعظيم. قلت وهذا الذي ذكره هو اختيار أبي الحسين البصري وصاحب المحصول وهو الصحيح لمن عرفه وتدبره وحكى ابن برهن عن القفال كالأول قال وهو المذهب المنصور قال وقال أكثر المعتزلة لا يجوز تخصيصه إلى واحد بل لا بد من أن يبقى كثرة ولكن لا يحدها وإنما تعرف بقرائن واختاره الغزالي والرازي2.   1 في ا "ليس له عموم". 2 في ا "واختار الغزالي كالرازي". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 117 فصل: ذكر المخالف في مسألة العموم أن استعماله في البعض أكثر ولم يمنعه القاضي وكذلك ذكر في حجة أهل [أقل] الجمع أن استعمال لفظ العموم في الخصوص هو الغالب وأجاب بأن هذا الغالب لا يختص بثلاثة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 118 مسألة1: يجوز تخصيص العموم بقضايا الأعيان ويحتمل أن يمنع منه إذا منعنا من تخصيص العموم بفعل رسول الله والخطاب له بلفظ يخصه وكلام أحمد يحتمله في الحرير للحكة2.   1 هذه المسألة متأخرة عن التي بعدها في ب. 2 في ب"للحكمة" تصحيف والحكمة الجرب وانظر ص "130" الآتية. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 118 مسألة: قال الجويني في ضمن ذكر وجوه المحملات ... مسألة: قال الجويني: في ضمن ذكر [وجوه] 1 المجملات فقال ومن وجوه الإجمال أن يرد لفظة موضوعه في اللسان ولكن يعلم العقل تنافي2 جريانها على حكم العموم بمقتضى اللفظ على الإجمال إلى أن ينهي العاقل نظره [العقلي] 3 وعندي أن هذا فيه نظر.   1 هذهالكلمة ساقطة من ا. 2 في ا "بعلم العقل ما في جريانها". 3 ما بين هذين المعقوفين ساقط من ا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 118 مسألة: يجوز تخصيص العموم بدليل العقل نص عليه وهو قول أكثر أهل العلم وقال قوم لا يجوز ذلك وهم من المتكلمين قال الجويني: أبي بعض الناس تسمية ذلك تخصيصا وهي مسألة قليلة الفائدة ولست أراها خلافية وأشار إلى أنه نزاع في عبارة وأنهم جعلوا ذلك بيانا ويقال لهم بل التخصيصات بيان. قلت الذين يجعلون العقل مخصصا فإنه والله أعلم لأن العقل مثل المخصصات [اللفظية] المتصلة وهذا نظير ما ذكره القاضي وغيره من أصحاب الشافعي وأحمد لما قيل لهم لا يجوز تأخير بيان النسخ [إلا أن يقرن ببيان النسخ] 1   1ما بين هذين المعقوفين ساقط من ا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 118 فيقول صلوا إلى بيت المقدس ما لم أنسخه عنكم فقال القاضي وغيره هذا خطأ لأن هذا مقرون بكل خطاب وإن لم ينطق به المخاطب لأن الدليل قد دل على جواز النسخ فصار ذلك مقدرا في خطاب صاحب الشريعة ومقرونا به وإن لم يذكره فوجب أن يكونا سواء فيجب أن يجرى هذا في بيان العموم. قلت فقد جعلوا التقييد المعلوم بالعقل كالتقييد اللفظي وذلك يمنع كون اللفظ دالا على غير المقيد. مسألة: يجوز تخصيص عموم القرآن بخبر الواحد نص عليه في مواضع وبه قالت الشافعية "ز" والمالكية واختلف القائلون بجوازه في وروده ونحن قائلون بوقوعه وقال بعض المتكلمين لا يجوز وكذلك قال أبو الخطاب في مسألة الدباغ: لا يجوز تخصيص القرآن بخبر الواحد على وجه لنا وقال الحنفية إن كان قد دخله التخصيص بمسألة اجماعية جاز تخصيصه بخبر الواحد وإلا فلا "ح" وحكاه ابن عقيل عن عيسى بن أبان أن [ما خص] 1 بدليل جاز تخصيصه بخبر الواحد وإلا فلا وكذلك حكاه القاضي عن أبي حنيفة واختار الجويني كقولنا وحكى عن ابن الباقلاني تعارضهما والتوقف في قدر التعارض "ح" وحكى ابن نصر المالكي كقولنا عن كثير من الحنفية. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 119 مسألة: يجوز تخصيص عموم القرآن بخبر الواحد نص عليه في مواضع وبه قالت الشافعية "ز" والمالكية واختلف القائلون بجوازه في وروده ونحن قائلون بوقوعه وقال بعض المتكلمين لا يجوز وكذلك قال أبو الخطاب في مسألة الدباغ: لا يجوز تخصيص القرآن بخبر الواحد على وجه لنا وقال الحنفية إن كان قد دخله التخصيص بمسألة اجماعية جاز تخصيصه بخبر الواحد وإلا فلا "ح" وحكاه ابن عقيل عن عيسى بن أبان أن [ما خص] 1 بدليل جاز تخصيصه بخبر الواحد وإلا فلا وكذلك حكاه القاضي عن أبي حنيفة واختار الجويني كقولنا وحكى عن ابن الباقلاني تعارضهما والتوقف في قدر التعارض "ح" وحكى ابن نصر المالكي كقولنا عن كثير من الحنفية.   1 ما بين هذين المعقوفين ساقط من ا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 119 مسألة: يجوز تخصيص العمومات في الكتاب والسنة ... مسألة1: يجوز تخصيص العمومات "ح" في الكتاب والسنة بالقياس في أحد الوجهين وقال القاضي في الكفاية وفي أواخر العدة فيه روايتان اختاره أبو بكر عبد العزيز والقاضي وابن عقيل وأبو الخطاب "ح" والحلواني وقاله أكثر المالكية فيما حكاه ابن نصر منهم وأكثر الشافعية قال أبو الخطاب: وبه قال الشافعي وأبو الحسن الكرخى وذكر أبو الخطاب في ضمن مسألة [العلة]   1 بهامش اهنا "بلغ مقابلة على أصله". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 119 القاصرة أنه لا فرق بين خبر الواحد والقياس فإن خبر الواحد إذا عارض القرآن سقط إلا أن يكون القرآن عاما والخبر خاصا فيخصصه ومثله القياس يخصص عموم القرآن على ظاهر قول أكثر أصحابنا ومن منع منهم منع أن يخصص بالخبر والقياس وهذا غريب والثاني لا يجوز اختاره أبو إسحاق بن شاقلا وأبو الحسن الجزري من أصحابنا والجبائى وبعض الشافعية ونقل عن أحمد ما يدل على مثل المذهبين وقال أكثر الحنفية إن كان قد خص بمسألة اجماعية جاز بذلك وإلا فلا والأول اختيار أبي الطيب من الشافعية وكذلك الوجهان لهم في صرف الظاهر من غير العموم إلى احتمال مرجوح بالقياس واختار ابن الباقلاني الوقف ووافقه الجويني هنا بخلاف التي قبلها "ح" وكذلك سائر الظواهر قال القاضي: في آخر العدة وإن كان النطق عاما أو ظاهرا فقد حكينا اختلاف الروايتين واختلاف الفقهاء منهم من قال يترك بالقياس له ومنهم من قال يخص العام به ويصرف الظاهر عن ظاهره قال القاضي: في اختلاف الروايتين والوجهين ذهب شيخنا وجماعة من أصحابنا إلى أنه لا يجوز تخصيص عموم الكتاب والسنة بالقياس وحكى عن أبي الحسن الجندي جوازه وهو قول أبي بكر وكلام ابن شاقلا يقتضى أنه يجيزه في القياس على الصورة المخصوصة كما في [الإيماء] وقال القاضي في كلام أحمد قد عارض الظاهر بالقياس وهذا عموم. قال القاضي في مسألة تخصيص العموم بالقياس وقد أومأ أحمد إلى الوجهين فقال في رواية الحسن بن ثواب حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يرده إلا مثله فظاهر هذا أنه لا يخص الظاهر ونقل عنه في مواضع1 كلام يدل على جواز التخصيص فقال في رواية أبي بكر بن محمد2 إذا قذفها بعد الثلاث وله منها ولد يريد نفيه [يلاعن] فقيل له أليس يقول الله: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ   1 في ا "في موضع" بالإفراد. 2 في ب "بكر بن محمد". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 120 أَزْوَاجَهُمْ} 1 وهذه ليست زوجة فاحتج بأن الرجل يطلق ثلاثا وهو مريض [فترثه] لأنه فار من الميراث2 وهذا فار من الولد قال فقد عارض الظاهر بضرب من القياس. قلت لم يخص العموم3 وإنما عارض [ظاهر] 4 المفهوم لأن تخصيص الحكم بالأزواج ينفيه عمن سواهم والقياسات غالبها يعارض المفهوم وحقيقة قياس أبي عبد الله أن [المبتوتة] ليست زوجة وقد جعل حكمها كالزوجة وهذه أيضا ليست بزوجة ويجعل [حكمها] كالزوجة لأجل الحاجة وكلاهما مطلقة وذاك فار من الإرث جعلت مطلقته كزوجة فقطع فراره وهذا فار من الولد تجعل مطلقته كزوجته فيحقق فراره ولان [اللعان] عقوبة الفار من الولد كالإرث. ثم قال وكذلك نقل الأثرم عنه في المرأة تبقى بغير محرم فقيل له النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "لا تسافر امرأة إلا مع ذي محرم" فقال هذا أمر5 قد لزمها يسافر بها وهم يقولون لو وجب عليها حق عند القاضي على أيام رفعت ولو أصابت حدا6 في البادية جيء بها حتى يقام عليها. قلت إنما خص هذا العموم بقوله: "البكر بالبكر جلد مائة وتغريب عام" لكن هذا أيضا فيه عموم فعضد أحد العمومين بالقياس على صورة التخصيص وهذا مجمع عليه. قال وكذلك نقل عنه أبو داود في رجل قال لامرأته أنت طالق ونوى ثلاثا فقال هي واحدة فقيل له إسحاق يقول هي ثلاث ويأخذ بالحديث: "الأعمال بالنيات" فقال ليس هذا من ذاك أرأيت لو نوى أن يطلق امرأته ولم يلفظ بلفظ يكون طلاقا.   1 من الآية "6" من سورة النور. 2 في ا "لأنه فر من الميراث". 3 في ا "لم يحصل العموم" وظاهر أن ما أثبتناه موافقا لما في ب هو الصحيح. 4 كلمة "ظاهر" ساقطة من ا. 5 بهامش اهنا "لعله حد". 6 في ا "ولو أصابت ضرا" تصحيف. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 121 قلت ليس هذا تخصيص عموم إنما هو بيان عدم العموم لأن قوله: "الأعمال بالنيات" لا بد فيه من عمل ونية والنية المجردة لا تدخل فيه فكذلك قوله: أنت طالق إذا نوى ثلاثا يكون نية محضة كالنية المجردة لأنه لم يتكلم بما يدل على العدد فهذا قصده. قال وكذلك نقل الميموني في الرجل يزوج ابنته وهي كبيرة أحب إلى أن يستأمرها فإن زوجها من غير أن يستأمرها جاز النكاح وهذا للأب خاصة لأن يده مبسوطة في المال فإن زوجها من غير أن يستأمرها فلم ير أن النكاح مردود. قلت كأن القاضي عنى أنه خص به قوله: "لا تنكح البكر حتى تستأذن". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 122 مسألة: يجوز تخصيص عموم السنة بخاص الكتاب وبه قال جماعة الفقهاء والمتكلمين وخرج ابن حامد وجها بالمنع وإليه ذهب بعض الشافعية قال ابن برهان هو قول بعض المتكلمين "ح" ولفظ الحلواني وقال بعض أصحابنا لا يجوز ذلك. قال القاضي ف كتاب الروايتين والوجهين هل يجوز تخصيص عام السنة بخاص القرآن أم لا ذكر شيخنا أبو عبد الله روايتين إحداهما لا يجوز قال لأن أحمد قال في رواية أبي عبد الرحيم الجوزجانى قد تكون الآية عامة ورسول الله صلى الله عليه وسلم المعبر عن كتاب الله وما أراد وكذلك قال في رواية حنبل السنة مفسرة للقرآن وكذلك قال في كتاب طاعة الرسول إن الله جعل رسوله الدال على ما أراد من ظاهره وباطنه وخاصه وعامه وناسخه ومنسوخه وكذلك نقل محمد ابن أشرس إذا كان الحديث صحيحا معه ظاهر القرآن وحديثان مجردان في ضد ذلك فالحديثان أحب إلى إذا صحا فظاهر هذا كله أن السنة تفسر القرآن وتخصه والثانية يجوز تخصيص عام السنة بالقرآن نقل ذلك1 قال القاضي: وهو أصح عندي.   1 لم يذكر هنا الناقل في إحدى النسختين وكتب في ابجواز "نقل ذلك" كذا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 122 قلت الأول هو مقتضى قول مكحول ويحيى بن أبي بكير أن السنة تقضى على الكتاب والكتاب لا يقضى على السنة وأحمد تورع عن هذا الإطلاق ووافق على المعنى فقال لا أجترئ أن أقول هذا ولكن أقول السنة تفسر الكتاب وتبينه وتدل عليه وتعبر عنه ولم يذكر العكس أن الكتاب يفسر السنة وكذلك اختلفت المذاهب1 وكلام أحمد في نسخ السنة بالكتاب على ما سيأتي وكلام هؤلاء السلف يقتضي منع نسخها به ومنع تخصيصها به لأن لفظ القضاء يشمل ذلك وهو الأغلب على كلام الشافعي. فصل: لا يخص العموم بالبقاء على [حكم] 2 الأصل الذي هو الاستصحاب ذكره أبو الخطاب محل وفاق.   1 في ب "اختلف المذهب". 2 كلمة "حكم" ساقطة من ا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 123 مسألة لا يجوز تخصيص العموم بالعادات عندنا قال أبو الخطاب خلافا لبعضهم: ولم يسمه [د] وأظنه أبا حنيفة وهذا فيه تفصيل فإن العادات في الفعل مثل أن يكون عادة الناس شرب بعض الدماء ثم تحرم الدماء بكلام يعمها فهذا الذي لا يجوز تخصيص العموم به وهو الذي أراده أبو الخطاب وأما إن كانت العادة في استعمال العموم مثل أن يحرم أكل الدواب والدواب في اللغة اسم لكل ما دب ويكون عادة الناس تخصيص الدواب بالخيل مثلا فانا نحمل الدواب على الخيل وليس هذا بتخصيص على الحقيقة وإنما هو تخصيص بالنسبة إلى اللغة هذا كله معنى كلام القاضي في الكفاية ومعناه غير معنى كلامه في الكتب الفقهية والتي في الأصول أنها لا تخرج من العام. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 123 [قلت1 وهو مذهب مالك قال القرافي وعندنا العوائد مخصصة للعموم وقال كلاما حاصله يفرق بين العرف القولى فيؤثر والعرف الفعلى فلا يؤثر وفيه نظر] 1. وقد رأيت بحوث القاضي في الفقه في مسألة الوصية لاقاربه وبعض مسائل الإيمان ذكر فيها أن اللفظ العام يخص بعادة المتكلم وغيره في الفعل لا في الخطاب وكلام أحمد يدل عليه فيمن أوصى لقرابته2 فإنه قال أشهر الروايتين أنه ينصرف إلى من كان يصله في حياته وهذا تخصيص للعموم بالعرف الفعلى دون القولى لكن هذا إنما نص عليه إذا علم أن العموم ليس مرادا فيبقى الكلام في حد التخصيص إذا لم يقم دليل على حد المخصوص وجوز أن يكون هذا من العرف القولى بناء على أنه عرف خاص لهإذا الموصى إذا ذكر اسم القرابة في معرض الاعطاء وهذا يبنى على أصل وهو أن العرف في اللغة ينقسم إلى عام وخاص وكل منهما ينقسم إلى عرف مطلق للاسم وعرف مقيد له مثل إن الفقهاء إذا قالوا: "الولد" في باب الفرائض عنوا به الولد وولد الابن وإذا قالوه في باب النكاح عنوا به كل من ولده وكذلك المفرد والمركب للنحاة في عدة مواضع وكذلك لفظ "المحلل" للفقهاء في باب النكاح وباب السبق فيكون تخصيص الاسم العام بالعرف تارة من جهة المتكلم وتارة من جهة المتكلم فيه ومن مسألة تخصيص العموم بالعادات الفعلية3: "لا أكلت الرؤس"4 وعكسها تعميم الخاص بالعادة الفعلية أو اللفظية كما في قوله: "قدم الطعام إلى هؤلاء" وبحث أبي الخطاب يدل على أنه فهم أنا نخرج من العموم ما اقتضته العادة وإنما الخلاف   1 ما بين هذين المعقوفين ساقط من اوالقرافي المذكور في هذه الزيادة هو أحمد بن إدريس صاحب الذخيرة والفروق وشارح التنقيح توفي في سنة "684" من الهجرة. 2 في ا "لأقاربه". 3 في ا "العقلية" وهو ظاهر الخطأ. 4 في ا "لا أكلت الورس" تصحيف. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 124 أنا نقصر العموم على العادةكما في لفظ [الدابة] وهذا كقولنا يخصص بسببه أو يخصص1 أول العموم بآخره فقولنا: "مخصصات العموم كذا" يحتمل معنيين. فصل: تخصيص العموم بالعادة بمعنى قصره على العمل المعتاد كثير المنفعة وكذا قصره على الأعيان التي كان الفعل2 معتادا فيها زمن التكلم3 ومن هذا قصر أحمد لنهيه صلى الله عليه وسلم عن البول في الماء الدائم على ما سوى المصانع المحدثة بعده وكذلك قصر النهي عن المخابرة وكراء الأرض والمزارعة على ما كانوا يفعلونه وكذلك قد يقال مثله في بيع الثمار وهذا يشبه من وجه القصر على السبب لكن هذا وجه ولاصحابنا فيما إذا حلف لا يأكل رأسا أو بيضا أو لحما فأكل ما لا يؤكل في العادة كاللحم المحرم وبيض السمك وجهان ولنص أحمد في الماء الدائم نظائر كثيرة فإن التعميم لفظا فرع التعميم تصورا وإذا كان الموجود هو نوعا من الفعل فقد لا يتصور المتكلم من الفعل إلا هو.   1 في ا "يخصص بسببه .... أو العموم بآخره". 2 في ا "التي كان العقل" تصحيف. 3 في ب "معتادا فيها من المتكلم" خطأ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 125 مسألة إذا قلنا إن فعل النبي صلى الله عليه وسلم شرع لامته على الصحيح فإنه يخصص بخاص 1 عموم قوله: جاء ذلك عن أحمد في مواضع وهو قول المالكية والشافعية والحنفية فيما ذكره القاضي قال إلا الكرخى وقال عبد الجبار بن أحمد بالوقف والتعارض وكذلك حكاه ابن عقيل عن بعض الشافعية كقول الكرخى واختاره ابن برهان ونصره واختاره أبو الخطاب مثل قول   1 في ب "بخاصة عموم قوله". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 125 شيخه وذكر الحجج المعروفة في المسألة وأجاب عن شبهة الخصم لما أدعى احتمال اختصاصه بالفعل بأنه خلاف الظاهر وأن الأصل أنه وأمته سواء في الأحكام ذكر هذا في موضعين في باب العموم والتخصيص وفي كتاب الأفعال وهذا شيء عجيب مناقض لاختياره من قبل أن أفعاله وما خوطب به واحد معين لا يتعدى إلا بدليل وقد سبق فصل: يجوز تخصيص العموم بإقرار النبي صلى الله عليه وسلم أو سكوته عن الفعل. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 126 مسألة: قال ابن عقيل: إذا تعارض القول والفعل فالقول أولى ... مسألة قال ابن عقيل إذا تعارض القول والفعل منه في البيان فالقول أولى وهو أحد الوجهين للشافعية والثاني لهم الفعل أولى وقال بعض الأصوليين هما سواء ثم اختار ابن عقيل في أثناء المسألة تفصيلا واختار أبو الطيب تقديم القول ومثله بنكاح المحرم ولم يذكر خلافا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 126 مسألة يجوز تخصيص العام بدليل الإجماع وقال بعضهم لا يجوز حكاه أبو الخطاب ولا أعلم له وجها ولا أدرى ما هو [ح] وما اختلف فيه من الإجماع فينظر. فصل: هل يجوز تخصيص الإجماع بخبر الواحد ذكر أبو محمد أنه لا يجوز في حجة المخالف في مسألة تعارض العام والخاص ولم يمنعه وهذا قوى على قول من يمنع تخصيص السنة بالكتاب وأما على قول من يجوز تخصيص السنة بالكتاب فكذلك هذا لكن هل الإجماع والخبر متكافئان1 بخلاف الكتاب والسنة فإنه في حكم الواحد.   1 في ب "متكلمان" وكذا في أصل اوكتب "متكافئان" بهامشها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 126 مسألة1: يجوز تخصيص العموم بمفهوم المخالفة ذكره القاضي وابن عقيل والمقدسي وبنوه على كونه حجة ولم يذكروا في ذلك خلافا وذكره القاضي [أيضا] في موضع آخر2 وهو منصوص أحمد في مواضع وكذلك ذكره أبو الطيب من غير خلاف [ح] وزعم بعض أصحابنا أن أكثرهم لا يخصون العموم به وهو خطأ وذكره أبو الخطاب وقال خلافا لبعضهم ثم بناه على كونه حجة وقد ذكر في موضع آخر تقديم العموم على المفهوم في مسألة العام والخاص قاله القاضي وقاله جمهور الفقهاء في مسألة التيمم وهذا الثاني قول القاضي [في الكفاية] في مسألة المطلق والمقيد وهو قول ابن حزم والمالكية فيما ذكروه في مسألة الماء والتيمم.   1 في ا "فصل" مكان "مسألة". 2 في ا "في موضع آخر". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 127 مسألة: إذا قلنا قول الصحابي حجة جاز تخصيص العام به نص عليه وبه قالت الحنفية وللشافعية في ذلك وجهان إذا قالوا بقوله القديم في أنه حجة واختيار أبي الخطاب كالقاضي إلا أنه أنكر دلالة كلام أحمد عليه وترجمها ابن برهان فقال لا يجوز تخصيص الخبر بمذهب الراوي خلافا لأصحاب أبي حنيفة ولفظ القاضي في مقدمة المجرد إذا روى الراوي خبرا عاما ثم صرفه إلى الخصوص أو صرفه عن وجوبه إلى ندب أو تحريم أو كراهة خص به عموم الخبر وترك ظاهره بقول الراوي. قلت إن كان الصاحب سمع العام وخالفه قوى تخصيص العموم بقوله أما إذا لم يسمع فقد يقال هو لو سمع العموم لترك مذهبه لجواز أن يكون مستنده استصحابا أو دليلا العام أقوى منه وقد يقال لو سمعه لما ترك مذهبه لأن عنده دليلا خاصا مقدما عليه وكلامه في الروضة يقتضى أنه لا يترك مذهبه للعموم وهو مستدرك. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 127 مسألة: فإن قلنا: "قوله ليس بحجة" أو كانت المسألة خلافا في الصحابة لم يخص به العموم بل يكون حجة عليه ويتخرج أن يرجع إلى قوله إذا كان هو راوي الخبر ويجعل ذلك منه تفسيرا وبيانا بناء على إحدى الروايتين فيما إذا روى لفظا وعمل بخلاف صريحه أو ظاهره اللهم إلا أن يقال بأن هذه الرواية لا تتجه إلا على مذهب من يجعل قوله حجة فيبطل التخريج1. وأعلم أنه قد يتضح من كلام القاضي واختياره أن قول الصحابي حجة يترك به2 ظاهر العموم فيخص به إذا قلنا هو حجة وانه إذا خالف مقتضى اللفظ الظاهر 3 [غير العام عمل بالظاهر] 3 دون قوله وما ذلك إلا لضعف ظهور العموم.   1 في ا "فيبطل الترجيح" وليس كما ينبغي. 2 في ا "يترك له". 3 ما بين هذين المعقوفين ساقط من اولا يتم الكلام بدونه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 128 مسألة: فإن خالف الصحابي صريح لفظ النبي صلى الله عليه وسلم ففيه روايتان إحداهما يعلم بالخبر اختارها القاضي وبها قال الكرخى فيما رواه عنه عمر الرازي1 والشافعية والثانية يعمل بقوله لأننا نعلم بذلك نسخ الخبر وبها قال أبو بكر الرازي وحكاه عن الكرخى2 وكذلك حكاه أبو الطيب عن الحنفية وجعل هو والقاضي مسألة الصريح والظاهر والمحتمل [كضرب] من ألتأويل وأخذ أبو الخطاب مثلهما. مسألة: في تفسير الراوي للخبر أو مخالفته لظاهره نقل الأصحاب فيه مختل3 متناقض وقد حررته بعد تحقيق المسطورات إلى أربع مسائل. الأولى: مسألة تفسير الصحابي للفظ الذي رواه عن النبي صلى الله عليه وسلم بما يوافق   1في ا "غير الرازي". 2 في ا "وحكاه عنه الكرخي". 3 في ا "محتمل متناقض". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 128 مسألة: في تفسير الراوي للخبر أو مخالفته لظاهره نقل الأصحاب فيه مختل1 متناقض وقد حررته بعد تحقيق المسطورات إلى أربع مسائل. الأولى: مسألة تفسير الصحابي للفظ الذي رواه عن النبي صلى الله عليه وسلم بما يوافق   1 في ا "محتمل متناقض". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 128 ظاهره قيل بحيث يكون ذلك تأكيدا له ومانعا من صرفه عن ظاهره وتأويله بدليل صارف هذا مذهبنا ومذهب الشافعية "ز" والمالكية وحكى أبو سفيان عن أبي حنيفة1 أنه قال إذا كان الخبر محتملا للتأويل لم يلتفت إلى عمل الصحابي كما روى ابن عمر حديث تفرق المتبايعين واحتمل التفرق بالقول وبالفعل ثم حمله ابن عمر على الفعل فلا يعمل على تأويله وهذا كلام بظاهره يقتضى أنه لا يرجع تفسيره بحال وهذه المسألة عندي فرع على قولنا إن قول الصحابي ليس بحجة أو كان ذلك في مسألة: فيها خلاف بين الصحابة.   1 في ب "عن الكرخي". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 129 مسألة: فإن كان مجملا مفتقرا إلى التفسير عمل بتفسير الراوي له كخبر عمر في "هاء وهاء" ونحوه وهو مذهب الشافعي وعلى قول الرازي الذي قدمناه لا يقبل. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 129 مسألة: فإن فسره أو عمل بخلاف ظاهره فهو قسمان أحدهما أن يكون الظاهر عموما فيخصه وقد سبقت والثاني سائر الظواهر فذكر القاضي روايتين إحداهما يعمل بظاهر الخبر وهو مذهب الكرخى الحنفي واختار القاضي هذه الرواية سواء قلنا إن قوله حجة أو لم نقل وهذا مذهب الشافعي والرواية الأخرى يرجع إلى قول الصحابي لأن الظاهر أنه فهم منه الاحتمال البعيد وهو ظاهر ما نقله أبو الطيب1 عن الحنفية وحكى ابن نصر في عدول الراوي من الصحابة عن الظاهر وتفسيره للمجمل خمسة أقوال أحدها يرجع إليه عن بعض أصحابه والثاني لا يرجع إليه والثالث الفرق بين الظاهر والمجمل عن الشافعي والرابع عن الأبهرى أنه إن كان مما قد يعلم بشواهد الحال التي يختص بها رجع إليه وإلا فلا والخامس أنه لا يرجع إليه إلا أن يكون مما لا يعلم بشواهد الحال فأما إذا كان له طريقان فلا.   1 في ا "أبو الخطاب". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 129 مسألة1: يجوز تخصيص عموم قضايا الأعيان ويحتمل إن يمنع منه إذا منعنا من تخصيص العموم بفعل رسول الله صلى الله عليه وسلم والخطاب له بلفظ يخصه وكلام أحمد يحتمله في الحرير للحكة1.   1 الظاهر أن هذه المسألة مكررة ويفرق بأن السابقة "في ص "118" جعلت قضايا الأعيان مخصصة للعموم وهذه تجعل قضايا الأعيان هي المخصوصة وإن كانت الألفاظ تكاد تكون واحدة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 130 مسألة: يدخل التخصيص الإخبار كالأوامر نص عليه وهو قول الجمهور ومنع منه بعضهم وهو مذهب الشافعية وبعض الأصوليين وذكرها ابن برهان في النسخ بما يرجع حاصله إلى التخصيص وحكى فيه [أن] المخالف أبو هاشم وأبو على الجبائيان. [ر] فصل: يجوز دخول التخصيص في كلام الله خبرا كان أو أمرا وبه قال الجمهور وقال قوم لا يجوز [تخصيص] 1 الخبر بخلاف الأمر.   1 كلمة "تخصيص" ساقطة من ب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 130 مسألة: إذا ورد لفظ عام على سبب خاص لم يقصر على السبب بل يعمل بعمومه نص عليه "ز" وهو مذهب أبي حنيفة وبه قالت الحنفية والأشعرية وأكثر الشافعية وقالت المالكية يقصر على السبب وحكى ذلك عن المزني وأبى بكر الدقاق وكذلك حكاه ابن برهان وأبو الخطاب عن مالك وأبى ثور وأبى بكر القفال وأبى بكر الدقاق من أصحابنا وكذلك حكاه أبو الطيب عن مالك والمزني والدقاق وقال الجويني هو الذي صح عندنا من مذهب الشافعي ثم نصر الأول وحكى ابن نصر الأول قول إسماعيل بن إسحاق وأكثر أصحابهم أعنى كمذهبنا ونصر قصره على سببه والثاني قول أبي الفرج منهم [ز] وإذا ورد لفظ عام على سبب خاص ذكر القاضي في الكفاية فيه تفصيلا وعن أحمد ما يدل على أن اللفظ العام الوارد على سبب لا يؤخذ بعمومه لكن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 130 يقصر على السبب وذلك من لفظين أحدهما فيعلم الخلال وهو صريح في ذلك فإن محتجا احتج عنده على مسألة بقوله: {وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ} 1 فأجاب بأن هذا إنما ورد في الربا يعنى وليس هذا مما دخل تحت الآية واللفظ الثاني هو في مسألة حد الإكراه من عمد الأدلة لابن عقيل وقد نبه ابن عقيل على هذا والرواية لفظها في العلم للخلال وهي صريحة جدا. فصل: مما يجب العناية به الفرق بين العموم في جنس السبب وحكمه والعموم في لفظ آخر غير السبب فإن العموم في مثل هذا ضعيف كقوله: "فيما سقت السماء العشر" فإن المقصود بيان المقدار لا بيان المحل. فصل: سبب الخطاب إما سؤال سائل أو غيره وغير السؤال إما أمر حادث أو أمر باق وكلاهما يكون عينا وصفة وعملا فينتفع بالسبب في معرفة جنس الحكم تارة وفي صفته أخرى وفي محله أخرى ومن لم يحط علما بأسباب الكتاب والسنة وإلا عظم خطؤه كما قد وقع لكثير من المتفقهين والأصوليين والمفسرين والصوفية ولهذا كان من أصلنا الرجوع إلى سبب اليمين وما هيجها قبل الرجوع إلى الوضع فجهات معرفة مراد المتكلم ثلاثة في كلام الشارع وكلام العباد من حالف2 وغيره أحدها العلم بقصده من دليل منفصل كتفسير السنة للكتاب وتخصيص العموم وقول الحالف أردت كذا والثاني سبب الكلام وحال المتكلم والثالث وضع اللفظ مفرده ومركبه ويدخل فيه القرائن اللفظية ثم السبب سواء كان سؤالا أو غيره إما أن يكون عينا أو نوعا فأما إن كان عينا.   1 من الآية "280" من سورة البقرة. 2 في ا "من خالق" تصحيف. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 131 فلا يقصر على العين بالاتفاق وإنما الخلاف هل يقصر على نوع العين والسؤال سبب متصل بالخطاب وغير السؤال منفصل عنه وإذا كان السائل للرسول فأجابه فهو أظهر اتصالا من أن يستفتوه فينزل القرآن فلك أن تسمى السؤال1 السبب المتصل وغيره كالمنفصل وتسمية السبب العلمي وغيره السبب الكوني لأن2 السائل غرضه المعرفة وفي معنى السؤال أن تحكى له حكاية فيفتى فيها أو يختصم إليه خصمان فيقص أحدهما كلاما فيحكم عقيبه لأن الحاكى والخصم في معنى طالب الحكم فالعبارة الجامعة أن يقال السبب إما طلبي أو غير طلبي ثم دخول السبب في الحكم عموما مثل آية القراءة3 وقوله: "الولد للفراش" وقوله: "من شرط شرطا ليس في كتاب الله" ولعان بنى العجلان وآية الزنا والخمر وقوله: "أد الأمانة" وقوله: "إن الله لم يجعل شفاء أمتي" إلى غير ذلك قال فالسبب تارة يوجب العموم قصدا مع ثبوته لفظا وتارة يوجب العموم اسما وحكما كما في الخمر وتارة يثبت الاسم فقط كما في قوله: {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ} 4 وهذه الثلاثة وهي إثبات الاسم أو الحكم أو هما جميعا قد تكون في العموم وقد تكون في الأمر وقد تكون في توابعهما.   1 في ا "فلك أن تسمى الرسول السبب المنفصل". 2 في ا "إلا أن السائل – إلخ". 3 في ب "مثل آية القرآن". 4 من الآية "31" من سورة التوبة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 132 مسألة: هل يقصر العموم على مقصوده أو يحمل على عموم لفظه ذكر القاضي عبد الوهاب فيه خلافا بين أصحابه وغيرهم ونصر قصره. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 132 مسألة: إذا اثبت أنه يؤخذ بعموم اللفظ ... مسألة: إذا ثبت أنه يؤخذ1 بعموم اللفظ ولا يقصر على خصوص السبب فإنه لا يجوز إخراج السبب بدليل تخصيص فتكون دلالته عليه قطعا   1 في ب "أنه يوجد بعموم اللفظ" تصحيف. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 132 وعلى ما سواه ظاهرا ظهورا دون ظهور العموم المبتدأ بحيث إن1 المخصص له لا يشترط له من القوة ما يشترط لمخصص العموم المبتدأ وهذا قول أصحابنا والشافعية ونقل ناقلون عن أبي حنيفة أنه يجوز إخراج سبب اللفظ بدليل التخصيص قال الجويني: وإنما أدعى النقلة ذلك عليه من خبرين أحدهما حديث العجلاني في اللعان فإنه لاعن امرأته ونفي ولدها وهي حامل فانتفي فمنع أبو حنيفة نفي الحمل باللعان ولم يرد في اللعان سوى قصة العجلانى والثاني حديث عبد بن زمعة ثم قال ولا يجوز أن ينسب إلى متعاقل تجويز إخراج السبب تخصيصا ويحمل ما نقل على أن الحديثين لم يبلغاه بكمالهما فقد كان ضعيف القيام بالأحاديث. [ز] قلت: ولهذا قطع أحمد بدخول النبيذ في آية الخمر والاستماع إلى الإمام في قوله: {فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا} 2 وقطع بأنه "إما أن يقضى أو يربى" من الربا وهذا كثير في كلامه.   1 في ا "بحيث إن ظهور المخصص" وكلمة ظهور لا معنى لها هنا. 2 من الآية "204" من سورة الأعراف. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 133 مسألة: إذا اتصل الذم أو المدح باللفظ العام لم يكن مغيرا لعمومه وبه قالت الشافعية ونقل عن بعض الشافعية وأبى الحسن الكرخى وبعض الحنفية وبعض المالكية أنه يكون مغيرا لعمومه فصل:1 فان عارضه عموم خال من ذلك قدم عليه لأنه متفق عليه وذلك كقوله: {وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ} 2 مع قوله: {أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ} 3 فالأولى سبقت   1 في هامش اهنا "بلغ مقابلة على أصله". 2 من الآية "23" من سورة النساء. 3 من الآية "6" من سورة المؤمنون. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 133 لبيان الحكم فقدمت على ما سيقت للمدح وكذلك قوله: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ} 1 إذا قدرنا دخول الشعر تقدم على قوله: {وَمِنْ أَصْوَافِهَا} 2 كذلك.   1 من الآية "3" من سورة المائدة. 2 من الآية "80" من سورة النحل. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 134 مسألة: إذا تعارض العام والخاص المخالف له قد الخاص وخصص به العام سواء علم أسبقهما أو جهل التاريخ عند أصحابنا وهو ظاهر كلامه في مواضع وهذا مذهب الشافعي وأصحابه [ز] والمالكية إذا جهل التاريخ وإن كان الخاص الآخر فقال ابن نصر يبنى على المسألة تأخير البيان وقالت الحنفية فيما ذكره أبو عبد الله الجرجاني إن علم التاريخ فالثاني ناسخ فإن كان هو العام فقد نسخ الخاص وإن كان الخاص فقد نسخ العام [ز] وهذا هو قول المعتزلة أيضا فيما حكاه القاضي في الكفاية1 وهو رواية عن أحمد نقل الحلواني أن قول المعتزلة وبعض الحنفية أن الثاني ناسخ مع علم التاريخ فأما مع الجهل فيقدم الخاص وعن أحمد رواية تدل على مثل ذلك ذكرها أبو الخطاب والمقدسي وقال أبو الحسن الكرخى وعيسى ابن أبان والبصري هما متعارضان إذا جهل التاريخ ويعدل2 إلى دليل آخر وكذلك نقل أبو الطيب أن القائلين بالنسخ مع العلم اختلفوا مع الجهل على مذهبين أحدهما التعارض والثاني تقديم الخاص كقولنا وإن لم يعلم التاريخ فذكره عيسى بن أبان على أربعة أقسام أحدها أن يكون الناس قد عملوا بهما3 فيقدم الخاص مثل نهيه عن بيع ما ليس عنده وكونه رخص في السلم الثاني أن يكون أحدهما متفقا على استعماله دون الآخر مثل قوله: "فيما سقت السماء العشر" وقوله: "ليس في الخضروات4   1في ا "في النهاية". 2 في ب "ويعوز". 3 في ب "قد علموا بها" تصحيف. 4 في ب "ليس في الخضر". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 134 صدقة" فالمتفق عليه أولى والثالث أن يكون أحدهما قد عمل به السواد الأعظم دون الآخر فكذلك والرابع إذا فقد ذلك كله فإنهما يتعارضان ويعدل إلى مرجح آخر. "زو" قال عبد الله بن أحمد سمعت أبي يقول أذهب إلى الحديثين جميعا ولا أرد أحدهما بالآخر ولهذا مثال منه قوله لحكيم بن حزام: "لا تبع ما ليس عندك" ثم أجاز السلم والسلم ما ليس في ملكه وإنما هو الصفة وهذا عندي مثل الأول ومنه الشاة المصراة1 إذا اشتراها الرجل فحلبها إن شاء ردها ورد صاع تمر وقوله الخراج بالضمان فكان ينبغي أن يكون اللبن للمشترى لأنه ضامن بمنزلة العبد إذا استغله فأصاب عيبا رده وكان له عليه بضمانه "يؤخذ بهذا وهذا وشبهه" حتى تأتى دلالة بأن الخبر قبل الخبر فيكون الأخير أولى أن يؤخذ به مثل ما قال ابن شهاب الزهري يؤخذ بالأخير فالأخير من أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا آخر كلام أحمد وهذا كله كلامه. قال [كاتبه] 2 فظاهر هذه الرواية أن الخبرين إذا كان أحدهما خاصا والآخر عاما قدم الخاص وخص به العام مع جهل التاريخ [فإن علم التاريخ] 3 فالثاني منهما مقدم سواء كان الخاص أو العام فتصير المسألة مع علم التاريخ إذا كان العام هو الثاني على روايتين نقلت هذه الرواية من أول باب في السلم4 من جامع أبي بكر الخلال رحمه الله قال ثم إني رأيت أبا الخطاب قد قال [وقد روى عن] عبد الله بن أحمد ما يدل على مثل هذا وذكر آخر [هذه] 5 الرواية   1 في ب "الشاة المشتراه" تصحيف. 2 كلمة "كاتبه" لا توجد في ا. 3 هذه الجملة ساقطة من اوالمقام يقتضيها البتة وهي ثابتة في ب. 4 في ب "باب في المسألة" تحريف. 5 كلمة "هذه" ساقطة من ا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 135 قال: إلا أن شيخنا تأوله على الخبرين إذا كانا خاصين يكون الأخير إلى قال وفيه نظر. قال الشيخ:1 وتأويل القاضي فاسد يرده أول الرواية وتمثيله بخبر حكيم مع السلم فإن خبر حكيم عام في جميع البيوع والسلم خاص وخبر المصراة خاص والخراج بالضمان عام في كل ضمان2. "ز" وعلى هذه الرواية قال الشيخ أبو محمد إذا جهل التاريخ تعارضا والمنصوص أن3 مع الجهل بالتاريخ يعمل بالخاص ومع العلم يقدم المتأخر وهذا أقوى فصار في المسألة4 ثلاثة أقوال. وحكى [القاضي] 5 عن [أبي بكر ابن الباقلاني6 و] أبى بكر الدقاق من الشافعية القول بالتعارض إذا جهل التاريخ ولم يفصلا وهذا يدل على أن مذهبه العمل بالثاني إذا علم التاريخ [ز] وهو رواية أحمد وهكذا7 يتخرج عندي على قول من لم يجز تأخير البيان عن وقت الخطاب إلى وقت الحاجة من أصحابنا وهكذا قال أبو الطيب [من أصحابنا] إشارة إلى ذلك فقال وبنوا ذلك أن العموم عن وقت الخطاب غير جائز [ز] وهكذا ذكره ابن نصر المالكي فقال من منع من تأخير البيان حمله على النسخ ومن أجازه أوجب البيان وقال القاضي في الكفاية وهذا مبنى على أن تأخير البيان عن وقت الخطاب   1 في ب "قال كاتبه". 2 في ا "عام في كل خراج". 3 في ب "أنه مع الجهل – إلخ". 4 في ب "فصار في المذهب". 5 كلمة "القاضي" ساقطة من ب. 6 ما بين هذين المعقوفين ساقطة من ا. 7 كذا في النسختين وأظن أصل العبارة "وهذا بتخرج – إلخ" بدون كاف. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 136 غير1 جائز يقدم الخاص على العام مع فقد التاريخ فإن قلنا بأن العام المتأخر ينسخ فإن حكم الخاص قد علم ثبوته والعام لم يعلم ثبوته في مسألة الخاص لجواز اتصالهما أو لجواز تقدم العام أو لجواز تأخره مع بيان التخصيص مقارنا فإن كان لعام متقدما متجردا فهو منسوخ عندهم على هذا القول وإن كان مقترنا متقدما أو متأخرا أو متصلا فليس بمنسوخ ويجب أن ينظر في هذا الباب وفي العامين والعام من وجه إلى قوة دلالة العام فإنه إذا كان أحدهما أقل أفرادا ظهر إرادة الآخر إذ منه مالا يظهر في الكثير وكذلك إذا كان معه عموم معنوي أو كان أحدهما مؤكدا والآخر مجردا أو مقيدا.   1 كلمة "غير" ساقطة من ب وحدها والمعنى لا يتم بدونها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 137 مسألة: هذا الكلام في الخاص والعام إذا جهل التاريخ أو علم المتقدم أو المتأخر فأما إن كانا مقترنين بأن قال في كلام متواصل اقتلوا الكفار ولا تقتلوا اليهود أو يقول زكوا البقر ولا تزكوا العوامل فها هنا الخاص مقدم على العام ومخصص به قاله عامة الفقهاء والمتكلمين وحكى عن بعضهم تعارض الخاص وما قابله من العام ولا يخصص به ذكره أبو الخطاب. [ز] فصل: بناء العام على الخاص والمطلق على المقيد إذا كان الخاص والمقيد أسبق على ظاهر المذهب إنما يكون إذا لم تقم قرينة تبين إرادة العموم والإطلاق فإنه حينئذ يكون الخاص والمقيد مبينين1 للعام والمطلق ولأنه لم يرد به العموم فأما إذا دل دليل على إرادة العموم لم يجز التخصيص وتعين نسخ الخاص بالعام ومثاله أن حديث ابن عمر في قول النبي صلى الله عليه وسلم: "فمن لم يجد نعلين فليلبس الخفين وليقطعهما أسفل من الكعبين" كان بالمدينة وهو مقيد وحديث   1في ا "مبنيين" تحريف. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 137 ابن عباس ليس فيه ذكر القطع وهو كان بعرفات وقد قال أصحابنا حديث ابن عمر منسوخ بحديث ابن عباس 1 [وإن كان مطلقا لأن النبي صلى الله عليه وسلم أطلق لبس الخف في حديث ابن عباس] 1 ولم يذكر القطع مع أنه لو كان واجبا لوجب ذكره لأنه حين الحاجة إلى بيان الحكم إذ كان الناس بعرفات فلما أطلق والحالة هذه علمنا أنه أراد جواز اللبس مطلقا فنسخنا حينئذ المقيد بالمطلق والله أعلم.   1 ما بين هذين المعقوفين ساقط من اوحدها ومن الواضح حاجة الكلام إليه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 138 مسألة: إذا كان في الآية عمومان فخص أحدهما بحكم أو صفة أو استثناء لم يلزم منه تخصيص الآخر ذكره أصحابنا ولم يسموا مخالفا وقال القاضي في الكفاية يكون تخصيصا وقال هو ظاهر كلام أحمد قال وقد حكينا في مسائل الخلاف خلاف هذا ومثله بقوله: {إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ} 1 وقوله: {لا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْراً} 2 وقوله: {وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ} 3 وعندي أن الآيتين الأوليين4 ليستا من هذا الباب وقد ذكر أبو الخطاب مسألة فيها خلاف من ذلك. [ز] ذكر القاضي [في الكفاية] 5 في العمومين إذا خصص أحدهما بعد أن فصله وقسمه بكلام حسن أنه يخصص الآخر وذكر أنه ظاهر كلام أحمد وبين ذلك وأحسبه كما ذكر أبو الخطاب وهو قول بعض الحنفية قال أحمد في رواية أبي طالب يأخذون بأول الآية ويدعون آخرها وقال في آية النجوى كلامه المعروف.   1 من الآية "237" من سورة البقرة. 2 من الآية "1" من سورة الطلاق. 3 من الآية "228" من سورة البقرة. 4 في ا "الآولتين" وهي قليلة الاستعمال جدا. 5 ما بين هذين المعقوفين ساقط من اوحدها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 138 مسألة: قال ابن برهان اللفظ العام إذا وصف بعض مسمياته ... مسألة: تشبه ذلك قال ابن برهان اللفظ العام إذا وصف بعض مسمياته لا يكون ذلك تخصيصا [له] 1 وصورة ذلك قوله تعالى: {وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ} 2 فهو عام في كل زوجة ثم قال: {إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ} فهو خاص في البالغات وكذلك ذكره أبو الخطاب كابن برهان قال وبه قال شيخنا وعبد الجبار بن أحمد والشافعية قال وعن أحمد ما يدل على أن أول الآية يخص بآخرها وأشار إلى ذلك وقال أبو الحسين البصري بالوقف في ذلك.   1 كلمة "له" ليست في ا. 2 من الآية "237" من سورة البقرة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 139 مسألة: إذا وجد خبران كل واحد منهما عام من وجه وخاص من وجه تعارضا وعدل إلى ترجيح أو دليل آخر وبهذا قالت الشافعية وذلك مثل قوله: "لا صلاة بعد العصر حتى تغرب الشمس" وقوله: "من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها" فإن من ذكر فائتة في أوقات النهي يتناولها النص الأول من حيث الوقت بخصوصه ومن حيث كونها فائتة بعمومه والثاني يتناولها من حيث الوقت بعمومه ومن جهة كونها فائتة بخصوصه وحكى أصحابنا عن الحنفية أنه يقدم الخبر الذي فيه ذكر الوقت لأنه المقصود المتنازع فيه وخالفهم الأولون في ذلك وعندي أن هذا ليس باختلاف في هذه المسألة الأصولية وإنما هو اختلاف في ترجيح خاص في مثال خاص منها وليس ذلك بأكثر من سائر ما يذكر في هذه الصورة الفروعية من فقه الأحاديث والمأخذ وكذلك سائر الترجيحات الفقهية في النصوص المتعارضة ولهذا ذهبنا [نحن] 1 إلى تقديم النص الذي فيه ذكر الفائتة لكن بأدلة وترجيحات أخر وقالت المعتزلة إن كانا معلومين أو مظنونين عمل   1 كلمة "نحن" ساقطة من ا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 139 بالمتأخر إن علم وإن لم يعلم وكانا مظنونين رجح أحدهما وإن كان أحدهما معلوما عمل به1.   1 ذكر في هامش اهنا "بلغ مقابلة على أصله". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 140 مسألة: القرآن بين الشيئين [في اللفظ] 1 لا يقتضى التسوية بينهما في حكم غير المذكور وبه قالت الشافعية وقال أبو يوسف والمزني يقتضى التسوية ومثاله قوله: "لا يبولن أحدكم في الماء الدائم ولا يغتسل فيه من جنابة".   1كلمة "في اللفظ" لا توجد في ا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 140 مسألة: لا يلزم من إضمار شيء في المعطوف أن يضمر في المعطوف عليه ذكره أبو الخطاب وبه قالت الشافعية خلافا للحنفية ومثله أبو الخطاب بقوله: "لا يقتل مؤمن بكافر ولا ذو عهد في عهده" وهذا على تقدير أن يسلم لهم أن التقدير ولا يقتل ذو عهد في عهده بكافر [ز] وهذا الثاني قول القاضي في الكفاية قال وقد حكينا في مسائل الخلاف خلاف هذا وجعل هذه المسألة مثل مسألة تخصيص العموم في الحكم 1 [الثاني هل يقتضى تخصيصه في الحكم] 1 الأول ومقتضى بحث أبي الخطاب أن المعطوف 2 [إن قيد بقيد غير قيد المعطوف] 2 عليه لم يضمر فيه وإن أطلق أضمر فيه.   1ما بين المعقوفين ساقط من اوحدها. 2 ما بين المعقوفين ساقط من اوحدها ولا يتم الكلام بدونه وأثبتناه عن ب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 140 مسألة: قال أبو الطيب اختلف أصحابنا في الاستدلال بالقرائن فأجازه بعضهم وهو مذهب المزني واحتج من أجازه بأن ابن عباس احتج على وجوب العمرة بأنها قرينة الحج1 في كتاب الله قال وقال أكثر أصحابنا لا حجة فيه لأن جمع الشارع بينهما في حكم لا يوجب الجمع بينهما في غيره وأما   1 في ا "بأنها القرينة للحج – إلخ" الجزء: 1 ¦ الصفحة: 140 ابن عباس فاحتج بكونها قرينته في الأمر بها في القرآن وذكر القاضي أبو يعلى هذه المسألة بهذه الترجمة واختار جواز الأخذ بالقرائن فقال الاستدلال بالقرائن يجوز وهو أن يذكر الله أشياء في لفظ ويعطف بعضها على بعض ومثله بقوله: {أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ} 1 فلما عطف اللمس على الغائط دل على أنه موجب للوضوء قال وقد خصص أحمد اللفظ بالقرينة فقال في قوله: {مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ} 2 المراد العلم لأنه افتتحها بذكر العلم ومن هذه الرواية أخذ أبو الخطاب الرواية التي3 قبلها وقال في قوله: {وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ} إذا نظر إلى آخر الآية ثم ذكر مذهب الشافعية كما قدمناه وكذلك قال الحلواني الاستدلال بالقرائن صحيح وما ذكر فيه نظر فإن هذه المسألة في التحقيق هي المسألة السابقة والمذهب فيها كما قدمناه وقد ذكر معناه القاضي في التعليق في مواضع وغيره وأن الأصل أن لا يشرك المعطوف والمعطوف عليه إلا في المذكور فإن اشتركا فلدليل خارج لا أنه من نفس العطف وقد صرح هو وغيره أن الآية إذا كان فيها عمومان لم يلزم من تخصيص أحدهما أن يخص [الآخر] 4 نعم متى ذكر الإنسان من سياق الكلام أو من جهة أخرى ما يوجب التشريك قبل ذلك منه غير أن ذلك يتعلق الكلام فيه بخصوص كل صورة.   1 من الآية "43" من سورة النساء. 2 من الآية "7" من سورة المجادلة. 3 في ب "في التي قبلها". 4 كلمة "الآخر" ساقطة من ا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 141 مسألة: إذا تعارض1 خبران عامان وأمكن الجمع بينهما بوجه وجب المصير إليه في قول أصحابنا وأصحاب الشافعي وقال داود وابن الباقلاني يسقطان بالتعارض ولا يجمع بينهما.   1 في ا "إذا ورد خبران عامان". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 141 مسألة: إذا تعارض عمومان وأمكن الجمع بينهما بأن كان أحدهما أعم من الآخر أو قابلا للتأويل دون الآخر جمع بينهما بذلك وإن تساويا وتناقضا كما لو قال: "من بدل دينه فاقتلوه" "ومن بدل دينه فلا تقتلوه" تعارضا وطلب مرجح أو دليل من غيرهما قاله المقدسي قال وقال قوم لا يجوز تعارض عمومين خاليين من الترجيح [ز] وقال القاضي في الكفاية في آخر النسخ إذا تعارض عمومان من كل وجه مثل أن يكون أحدهما ينفي الحكم عن كل ما يثبت الآخر فإن علم تقدم أحدهما نسخ المتأخر المتقدم وإن لم يعلم تقدم أحدهما وجب تقديم أحدهما على الآخر بوجه من وجوه الترجيح فيما يرجع إلى إسناده أو إلى متنه أو إلى غيرهما خلافا للمعتزلة في قولهم يرجع إلى غيرهما قال ولا فرق بين أن يكونا معلومين أو أحدهما معلوما والآخر مظنونا وقالت المعتزلة يجب العمل بالمعلوم. قلت وهذا الذي جعله قول المعتزلة هو الصواب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 142 مسألة: إذا كان نصان أحدهما عام والآخر خاص لا يخالفه فلا تعارض بينهما إذا لم يكن للخاص مفهوم يخالفه مثل قصة المجامع في رمضان مع قوله: "من أفطر في رمضان فعليه ما على المظاهر" إن صح الخبر ومثل حديث شاة ميمونة مع قوله: "أيما إهاب دبغ فقد طهر" ونحو ذلك فالخاص في ذلك بعض1 العام وهما متوافقان فيه وبقية العام على مقتضاه إذ لا معارض له وهذا القسم لا خلاف فيه وقد ذكر ابن برهان وأبو الخطاب فيه خلافا عن أبي ثور ولا أظنه إلا خطأ وذكره أبو الطيب ولم يذكر فيه خلافا ومثله بالدباغ وبقوله: "لا تبيعوا الطعام بالطعام2 إلا مثلا بمثل" مع قوله: "البر بالبر   1 في ا "بعد العام" تصحيف يدل عليه تمام الكلام. 2 كلمة "بالطعام" ساقطة من ب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 142 مثلا بمثل" على قول من لا يجعل مفهوم1 اللقب دليل الخطاب. قلت ولعل من وهم هذا مستنده وذلك أن أبا ثور ممن يقول بمفهوم اللقب فقال في هذا المثال ونحوه بناء على أصله ولعله قد جاء في حديث: "جلد الشاة يطهر بالدباغ" ونحوه فاشتبه عليهم بالقضية بالعين. [ز] عبارة أبي الخطاب إذا علق العموم حكما على أشياء2 وورد لفظ يفيد تعليق الحكم على بعضها لم يجب انتفاء الحكم عما عدا ذلك البعض وحكى عن أبي ثور أنه أوجب ذلك لأنه قال في قوله صلى الله عليه وسلم في شاة ميمونة: "دباغها طهورها" 3 يخص عموم قوله: "أيما إهاب دبغ فقد طهر" واحتج بأن تعلقه بالظاهر يدل على أن ما عداه بخلافه وأجاب عنه أبو الخطاب بأن دليل الخطاب ليس بحجة في أحد الوجهين وإن قلنا هو حجة فصريح العموم أولى منه فهذه المسألة إن حملت على عمومها ناقض قوله: إن دليل الخطاب يخص العموم وإن حملت على ما إذا ذكر البعض بالاسم اللقب لم يتناقض ويكون حاصلها أن الاسم اللقب وإن قلنا إن له مفهوما عند الإطلاق فإنه لا يخص العموم لقوة دلالة العموم عليه ولهذا ذكر الخلاف مع أبي ثور وحده فعلى هذا يكون في المسألتين ثلاثة أوجه4. فصل: فان كان للخاص مفهوم يخالفه مثل خبر القلتين5 وسائمة الغنم بالنسبة إلى قوله: "الماء لا ينجسه شيء" وقوله: "في أربعين شاة شاة" ونحو ذلك فهذا هو مسألة تخصيص العموم بالمفهوم وقد سبقت ومتى رأيت المفهوم قد ترك في موضع   1 في أصل ا "الاسم اللقب" وكتب بهامشها "لعله مفهوم". 2 في ا "على شيء" وبقية الكلام يدل على صحة ما أثبتناه موافقا لما في ب. 3 في ا "دباغه طهوره" بتذكير الضمير على أنهما عائدان على الجلد. 4 كتب بهامش اهنا "بلغ مقابلة على أصله". 5 مكان كلمة "القلتين" في ب بياض. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 143 وعمل بالعموم فإن ذلك بدليل آخر "ز" وذكر القاضي أن الصورة المسكوت عنها تخص من اللفظ العام إلا أن تكون أولى بالحكم من المنطوق فيكون التنبيه أولى من الدليل وكذا إن كان القياس يقتضى استواء الصورتين فيكون القياس أولى من المفهوم ومثل ذلك بنهيه عن بيع الطعام مع نهيه عن بيع ما لم يقبض وقوله في اختلاف البيعين1 والسلعة قائمة ويجب أن يخرج من تقديم القياس على المفهوم وجهان كما فيتخصيص العموم بالقياس بل أولى لأنهم قدموا المفهوم على العموم فلان يقدموه على القياس الذي هو دون العموم2 على أحد الوجهين أولى ويتوجه قول أبي الخطاب في تقديم العموم على المفهوم لأن دلالته مجمع عليها كما يقدم التنبيه على الدليل لإجماعهم عليه وقد صرح القاضي بأن تقديم القياس على المفهوم مأخوذ من تقديم القياس على العموم وكذلك ذكر أصحابنا وأبو الطيب ولم يذكروا خلافا إلا أبا الخطاب فإنه نقل كابن برهان في ذلك [كان كتب لا يحمل عليه إلا أن مقتضى ذلك دليل آخر من قياس ونحوه ثم ضرب عليه] ومن العجب أنه احتج للخصم فقال فإن قيل تعليقه الطهارة بتلك الشاة يدل على أن ما عداها بخلافها ثم قال الجواب أن دليل الخطاب ليس بحجة في وجه وفي وجه هو حجة لكن صريح العموم أولى منه وهذا يناقض قوله مع الجماعة أن المفهوم يخص به العموم ثم أي مفهوم في هذا المثال وكذلك ذكر بعض أصحابنا أن العام إذا خص بعض مفرداته فهل يخص العموم بمفهوم تخصيص الحكم بهذا المفرد اختلف أصحابنا في ذلك [3الأكثر أنه لا يخص ويكون تخصيص المفرد لتأكيد الحكم فيه] 3 ونحوه وهذا النقل ليس بسديد4.   1 في ا "اختلاف المتبايعين" واللفظتان واردتان في الحديث. 2 في ا "الذي هو دونه" والضمير يعود إلى العموم فالمعنى واحد. 3 ما بين المعقوفين ساقطة من اوحدها. 4 في ب "وهذا الفعل ليس بجديد" تحريف. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 144 مسألة: حمل المطلق على المقيد إذا اختلف السبب واتحد جنس الواجب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 144 كتقييد الرقبة بالإيمان في كفارة القتل وإطلاقها في غيرها ونحو ذلك ذكر القاضي فيه روايتين إحداهما يحمل عليه من طريق اللغة وبهذا قالت المالكية وبعض الشافعية والثانية لا يحمل عليه وبهذا قالت الحنفية وأكثر الشافعية [1واختارها أبو إسحاق بن شاقلا وهو أصح عندي] 1 [ز] واختارها [أبو الخطاب و] الجوبني والحلواني وحكى ابن نصر المالكي في الملخص أن الثاني قول أصحابهم فأما حمله عليه قياسا بعلة جامعة فجائز عندنا وعند المالكية والشافعية وذكر أبو الخطاب فيه الرواية الأخرى في التي قبلها وليس في كلام أحمد الذي ذكره دليل عليها نعم هي [مخرجة] على تخصيص العموم بالقياس ولنا رواية بمنعه لأن المطلق هنا كالعام [ز] حمل المطلق على المقيد إذا اتحد الجنس واختلف السبب ذكر ابن نصر المالكي أن مذهب أصحابه والحنفية وبعض الشافعية أنه لا يحمل عليه وأن حمله عليه لغة قول جمهور الشافعية قال وقد روى عن مالك ما يحتمل أن يكون أراد أن المطلق يتقيد بنفس المقيد ويحتمل أن يرد إليه قياسا [1وذكر أن الصحيح عند أصحابه أنه يحمل عليه قياسا] 1 وقالت الحنفية لا يجوز لأن ذلك زيادة على النص وهو نسخ لا يجوز بالقياس واختار الجويني الوقف في مسألة [القياس] .   1 ما بين المعقوفين ساقط من اوهو ثابت في ب د. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 145 مسألة: فإن كان هناك نصان مقيدان في جنس واحد والسبب مختلف وهناك نص ثالث مطلق من الجنس فلا خلاف أنه لا يلحق بواحد منهما لغة وذلك كقضاء رمضان ورد1 مطلقا وصرح في صوم2 الظهار بالتتابع3 وفي   1 في قوله سبحانه: {فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} لم تقيد الأيام بالتتابع ولا بكونها من فور انتهاء رمضان ولا غيرهما. 2 في د وحدها "في صورة الظهار". 3 في قوله تعالى: {فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ} . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 145 صوم المتعة1 بالتفريق وأما إلحاقه بأحدهما قياسا إذا وجدت علة تقتضى2 الإلحاق فإنه على الخلاف المذكور في التي قبلها. فصل: فان كان المطلق والمقيد مع اتحاد السبب والحكم في شيء واحد كما لو قال إذا حنثتم فعليكم عتق رقبة وقال في موضع آخر إذا حنثتم فعليكم عتق رقبة مؤمنة فهذا لا خلاف فيه3 وأنه يحمل المطلق على المقيد اللهم إلا أن يكون المقيد آحاد والمطلق تواترا فينبني4 على مسألة الزيادة [على النص] 5 هل هي نسخ وعلى النسخ للتواتر بالآحاد والمنع قول الحنفية وجميع ما ذكرنا هو في المقيد نطقا كما مثلنا6 به آنفا فأما إن كانت دلالة القيد من حيث المفهوم دون اللفظ فكذلك أيضا على أصلنا وأصل من يرى دليل الخطاب ويقدم خاصه على العموم فأما من لا يرى دليل الخطاب أولا يخصص العموم به فيعمل بمقتضى الإطلاق فتدبر ما ذكرناه فإنه يغلط فيه الناس كثيرا وقد حرره7 أبو الخطاب [تحريرا جيدا بنحو ما ذكرناه إلا أن ما ذكرنا أتم ومثل أبو الخطاب] 8 هذا بما لو قال: "إذا حنثتم فلا تكفروا بالعتق" وقال في موضع آخر إذا حنثتم فلا تكفروا بعتق كافر [ز] وهذا الذي ذكره أبو الخطاب ذكره القاضي في الكفاية لكنه اختار منع التقييد فيما دلالة قيده [من] جهة المفهوم وهو فيما أظن قول أبي الحسين فقال القاضي إذا اتفق الحكم والسبب فإن كانا أمرين مثل إذا حنثتم فأعتقوا   1 في قوله تباركت كلمته: {فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ} . 2 في د وحدها "تقتضي الإطلاق" تحريف. 3 في د وحدها "فهذا الاختلاف فيه" خطأ. 4 في ا "فيبني". 5 كلمة "على النص" ساقطة من ب. 6 في ا "كما مثل به". 7 في ا "وقد جرده" تصحيف. 8 ما بين المعقوفين ساقط من اوحدها وهو ثابت في ب د. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 146 رقبة" وقال في موضع آخر إذا حنثتم فأعتقوا رقبة مؤمنة وجب تقييده وإن كانا نهيين نحو قوله: "إذا حنثتم فلا تكفروا بالعتق" وقال في موضع آخر: "إذا حنثتم فلا تكفروا بعتق رقبة مؤمنة" وجب إجراء المطلق على إطلاقه في المنع من العتق أصلا على التأبيد ولا يخصه النهي المقيد بالإيمان لأنه بعض ما دخل تحته. قلت وإذا كانا إباحتين فهما في معنى النهيين وكذلك إذا كانا كراهتين [1وإن كانا ندبين ففيه نظر] 1 وإن كانا خبرين عن حكم شرعي فينظر في ذلك الحكم. وقد ذكر الطرطوشي أن2 أصحابه اختلفوا في حمل المطلق على المقيد مع اتحاد السبب والحكم كإطلاق المسح في قوله: "يمسح المسافر ثلاثة أيام" وتقييده في قوله: "إذا تطهر فلبس" وذكر ذلك أيضا في مسألة التيمم إلى الكوع وفي معنى ذلك ما ذكره أصحابنا وغيرهم في قوله: "في الإبل السائمة" مع قوله: "فإذا بلغت خمسا ففيها شاة" وكذلك قوله: "عمن تمونون" مع قوله: "على كل صغير3 وكبير ذكر وأنثى حر وعبد من المسلمين" قرروا حمل المطلق على المقيد. فصل: في حد المطلق [والد شيخنا] وذكر صاحب جنة الناظر أنه اللفظ الواحد الدال على واحد لا بعينه باعتبار معنى شامل لمسمياته كدينار ودرهم ومثاله فيما يقع به الاستدلال النكرة في سياق الإثبات وفي معرض الأمر والمصدر. [شيخنا] فصل: من أمثلة المطلق والمقيد الأمر بالغسل بالماء في حديث أسماء وأبي ثعلبة في الثياب والأواني والأمر بالتسبيع في خبر الولوغ فإنه نظير العتق سواء وهنا   1 ساقط من د وحدها. 2 في ا "بأن أصحابه". 3 في د "عن كل صغير". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 147 احتمالات أحدها أنه ترك التقييد فدل بالمفهوم على نفيه الثاني أنه يدل [بالاستصحاب الثالث أنه يدل] 1 بالإمساك فإن ترك الإيجاب والتحريم مع الحاجة إلى بيانه أو مع المقتضى له يدل على [انتفائه فإذا استفتى فلم يوجب ولم يحظر دل على] العدم فإذا قيد آخر وحمل هذا على2 هذا بالقياس كان ابتداء إيجاب أو تحريم بقياس وفي التخصيص يكون بيان عدم الإرادة فالتقييد3 في الحقيقة زيادة حكم والتخصيص نقص وليس بين المطلق والمقيد تعارض كما بين الخاص والعام ومن قال التقييد تخصيص فإنه نظر إلى الظاهر فإن كان المقيد بعد المطلق كان ابتداء حكم رفع ما سكت عنه أولا ولم يكن هناك تعارض بين خطابين وإنما هو تعارض بين خطاب وإمساك عن خطاب4 وهذا وإن سمى نسخا فيجوز بخبر الواحد فإنه من النسخ العام لا الخاص وإن كان المتقدم يبقى إمساكه عن الوجوب ثانيا هل يرفع الوجوب المتقدم في المنصوص وقياسه كما قيل في خبر ما عز أو يرفعه في القياس فقط أولا يرفعه في واحد منهما وإن جهل التاريخ فحمل المقيد على المتأخر يقتضى زيادة حكم بلا تعارض وحمله على المتقدم يقتضى النسخ أو5 التعارض فيكون أولى كما قررته لبعض الحاضرين في مسألة [العدد في] 6 غسل النجاسة وأما زيادة الجلد على الرجم فإذا قدر أن ترك ذكرها يقتضى عدم الوجوب بقى الجواز على أحد القولين كما قلناه في صلاة الصحيح7 خلف القاعد فيجوز أن يقال إن هذا إلى الإمام إن رأى زاده وإن رأى تركه وفي الجملة فسكوت النصوص في الدلالة على عدم الإيجاب واسع وكذلك الاستحباب.   1 ما بين المعقوفين ساقط من اوهو ثابت في ب د. 2 في ب د "وحمل هذا عليه". 3 في ا "بالتقييد" تصحيف. 4 في ا "إمساك عن هذا". 5 في ا "يقضي النسخ والتعارض". 6 ساقط من د. 7 في د "الصبح" تحريف. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 148 فصل: [شيخنا] ذكر القاضي وغيره أن الحنفية احتجوا بقوله تعالى: {وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ} 1 ولم يفرقوا بين الماء وغيره وهو على عمومه وأجاب بأجوبة منها أن الآية عامة وخبرنا خاص والخاص يقضى على العام. وكذلك احتجوا بقوله: "إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم فليغسله سبعا" ولم يفرق بين الماء وغيره فهو على العموم فأجاب بأنه قد روى في بعض الأخبار: "فليغسله سبعا بالماء" والمقيد يقضى على المطلق. واحتجوا في مسألة النبيذ بقوله: {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ} 2 وهو عام فيما يغسل به فوجب حمله على الماء والنبيذ وأجاب بأجوبة منها أن المراد الماء لقوله في آخر الآية: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً} 2 ولان الماء مراد بالإجماع وإذا دخل فيه الماء لم يجز أن يدخل فيه النبيذ لأنه لا يساوى الماء بالإجماع. قال شيخنا3 وهذا كله إدخال للمطلق في العام وهو جائز باعتبار ولكن ليعلم أن اللفظ لم يشمل ما هو خارج عن الحقيقة من القيود وإنما القيود مسكوت عنها نعم هذا يشتمل من الزيادة على النص هل هي نسخ أم لا ومنه قولنا الأمر بالماهية الكلية لا يقتضى الأمر بشيء من قيودها واحتجاجات الحنفية وأصولهم تقتضى أن المطلق نوع من العام في غير موضع.   1 من الآية "4" من سورة المدثر. 2 من الآية "6" من سورة المائدة. 3 في اد "قلت" مكان قوله "قال شيخنا". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 149 مسألة: أقل الجمع المطلق فيما له تثنية ثلاثة نص عليه في مواضع وبه قالت الحنفية فيما ذكره البستي منهم والقاضي ومالك وأكثر الشافعية وزعم ابن برهان أنه قول الفقهاء قاطبة وأكثر المتكلمين وحكى عن أصحاب مالك أقله اثنان1 وبه قال علي بن عيسى النحوي وابن داود وفي كتاب ابن برهان داود   1 في د "أوله اثنان". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 149 وأبو بكر [بن] 1 الباقلاني وبعض الشافعية ووجدت في مذهب أبي حنيفة ما يدل عليه وقد ذكره الجويني في هذه المسألة فغلط فيها بأشياء منها أنه ادعى أنها تخص أهل العموم ثم زعم أن مالها إلى جواز تخصيص [أسماء الجموع إلى الإثنين ثم اختار جوازه وجواز التخصيص] إلى الواحد إذ قوى دليله ثم أنه ذكر أولا أن قول ابن عباس فيها إن أقله ثلاثة أخذا من مذهبه فإنه كان يرى أن يقف الثلاثة خلف الإمام والاثنان صفا معه وهذا معروف عن ابن مسعود وأين كان عن قول ابن عباس في مسألة الإخوة من الأم الذي هو أشهر من "قفا نبك" فإن كان هذا قد سقط من كتابه فما باله خصص المسألة بالمعممين وقوله تعالى: {فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ} 2 لا عموم فيه ولا تختص هذه المسألة بأهل العموم بل الصحيح عندهم أن الجموع [المنكرة] 3 لا تعم ثم ما باله استبعد في آخر المسألة قول من قال إن من فوائد هذه المسألة أن من أوصى بدراهم أو عبيد أو نذر عتق رقاب وما أشبه ذلك فإنه يحمل على الإثنين عند القائل انه جمع وعلى الثلاثة عند الآخرين وهذا هو معنى الخلاف الذي جرى بين ابن عباس4 وعثمان والصحابة في قوله فإن كان له إخوة ولقد قال منكرا لذلك وما أرى الفقهاء5 يسمحون بهذا ولا أرى النزاع في أقل الجمع إلا ما ذكرته. قلت وأنا لا أدرى معنى قوله: إن الفقهاء لا يسمحون بهذا فإنه إن استبعد حمل لفظ الإقرار والنذر6 ونحوهما على الثلاثة فهو مذهب الشافعي والجمهور وإن   1 ما بين المعقوفين ساقط من ا. 2 من الآية "11" من سورة النساء. 3 هذه الكلمة ساقطة من ب. 4 في ب "جرى من ابن عباس – إلخ". 5 في ب "وما إلى الفقهاء" تحريف. 6 في ب "الإقرار والعدد". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 150 استبعد حمله على الاثنين وأن يكون به مذهب فقد وجدناه في مذهب أبي حنيفة وأصحابه في مواضع والذي ذكرته المالكية في كتبهم أن قول مالك أن أقل الجمع ثلاثة وهو الذي ينصرونه وقول عبد الملك بن الماجشون [أن أقله اثنان] 1. فصل: [شيخنا] قال المخالف لفظ الجمع موضوع لثلاثة فصاعدا فإخراج اللفظ عن الثلاثة إخراج عن موضوعه وترك لحقيقته2 وهذا لا يجوز إلا بما يجوز به النسخ فقال القاضي والجواب أنه يجوز عندنا ترك حقيقة اللفظ وصرفه إلى المجاز والاتساع بما يجوز التخصيص [به3 ولا يكون بمنزلة النسخ وإنما يكون بمنزلة التخصيص] ولهذا نقول في قوله: {لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى} 4 أن المراد به موضع5 الصلاة ونحمله عليه بضرب من الاستدلال. قال شيخنا قلت: هو وأبو الخطاب وغيرهما يجعلون التخصيص أولى من المجاز وهذا لأن التخصيص6 ترك بعض اللفظ بخلاف التجوز فإنه عدول عن جميع مسماه ولهذا نصر القاضي أن التخصيص لا يجعله مجازا وأيضا فظاهر اللفظ قد يكون حقيقة وقد يكون مجازا وأما على قول من يجعل ظهوره بالقرائن المتصلة7 فذاك أوسع والله سبحانه وتعالى أعلم.   1 في فرع ب لم يستطع الناسخ قراءة الكلمة فترك مكانها بياضا وكتب بهامش ا "عبد الملك هذا هو ابن عبد العزيز بن عبد الله بن الماجشون" اهـ وما بين المعقوفين في د وحدها. 2 في ا "وترك الحقيقة". 3 ما بين هذين المعقوفين ساقط من اوحدها. 4 من الآية "43" من سورة النساء. 5 في ا"موضوع الصلاة". 6 في ا "لأن المخصص ..... بخلاف المتجوز". 7 في ب د "بالقرائن المنفصلة". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 151 مسائل الاستثناء مسألة: لا يصح الاستثناء إلا متصلا بالمستثنى منه اتصال العادة نص عليه وهو قول [جماعة] 1 الفقهاء والمتكلمين قال القاضي: نقل أبو النضر وأبو طالب عن أحمد ما يدل على أنه لا يصح إذا فصل وهو اختيار الجويني2 لأنه قال: إذا لم يكن بين اليمين والاستثناء فصل وهو الصحيح وذكر أول المسألة أن الاستثناء إنما يصح إذا اتصل بالكلام فأما لو انقطع فإنه لا يعمل وقد ذكر الخرقي في كتاب الإقرار [فقال:] ومن أقر بعشرة دراهم وسكت سكوتا يمكنه الكلام فيه ثم قال: [زيوفا] أو [صغارا] أو إلى شهر كانت عنده وافية [جيادا حالة] قال: وقد اختلف الرواية عنه في الاستثناء في اليمين فقال في رواية أبي طالب إذا حلف وسكت قليلا ثم قال: إن شاء الله فله استثناؤه لأنه يكفر وكذلك نقل المروذي عنه إذا كان بالقرب ولم يختلط كلامه بغيره قال القاضي: وظاهره جواز الفصل بالزمن [اليسير] ما دام في المجلس وحكاه الحلواني عن عطاء والحسن وكذلك حكاه ابن عقيل عن الحسن وابن برهان عن عطاء وحكى عن ابن عباس جواز الاستثناء المنقطع على الإطلاق3 وبه قال طاوس: وحكوا عن ابن عباس رواية أخرى صحته قبل سنة وبعدها لا يصح. قال شيخنا رضى الله عنه4: هاتان الروايتان عن أحمد يجب إجراؤهما في جميع صلات الكلام المغيرة له من التخصيصات والقييدات كالشرط والاستثناء والصفات والأبدال والأحوال ونحو ذلك والأحكام تدل على ذلك فإن الفاتحة لو سكت في [أثنائها] سكوتا [يسيرا] لم يخل المتابعة الواجبة ولو طال أو فصل   1 كلمة "جماعة" ساقطة من ب د. 2 في د وحدها "الخرقي". 3 في ا "على الطلاق" تصحيف. 4 في امكان هذه العبارة "قلت". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 152 بأجنبي أخل مع أن بعضها صفات وبعضها بدل بخلاف كلمات الأذان فإنها جمل مستقلة فهذا فيما إذا كان المتبوع مستقلا والتابع غير مستقل فأما إن كانا مستقلين [كالتخصيصات المنفصلة جاز انفصالها لكن في قبوله في الحكم تفصيل وإن كانا غير مستقلين] 1 كالشرط والجزاء والمبتدأ والخبر فقال القاضي في المسألة فلأن2 الشرط والجزاء متى تفرقا بقدر المجلس لم يصح كذلك الاستثناء فإن قيل المجلس يجرى مجرى حال العقد بدليل قبض رأس مال السلم وثمن الصرف قيل اعتبار هذا بالشرط والجزاء أشبه لما ذكرنا. قلت أحمد لم يعتبر مجلس الأبدان المعتبر في الأفعال فإن هذا قد يطول يوما وأكثر وأقل وإنما قال: إذا سكت قليلا وقال إذا كان بالقرب ولم يختلط كلامه بغيره فاعتبار الزمان القريب وعدم الأجنبي نظير ما اعتبروه في فصل الفاتحة وهو شبيه بمجلس العقود من الإيجاب3 والقبول أو أقصر من ذلك لأن ارتباط كلام المتكلم الواحد بعضه ببعض إن لم تكن موالاته أشد من موالاة كلام المتكلمين لم يكن دونه وحينئذ فيقال في المفردين كالمبتدأ والخبر والشرط والجزاء يجوز فصل أحدهما عن الآخر بالزمن اليسير وذلك أن الاتصال والموالاة في الأقوال لا يخل بها الفصل اليسير كالاتصال والموالاة في الأفعال إذ المتقارب متواصل وقد يكون فصل الكلام أبين وأحسن من سرده وفي الباب قوله: "إلا الأذخر" وحديث سليمان لما قال: "لأطوفن" وقوله صلى الله عليه وسلم "إلا سهيل بن بيضاء". وهذا إذا لم ينو السكوت ظاهرا كما أنه في الكتاب كذلك بدليل قصة الحديبية وقول النبي صلى الله عليه وسلم: "إنا لم نقض الكتاب بعد" فإنه دليل على أنه لا يلزم قبل فراغ الكتاب.   1 ما بين المعقوفين ساقط من اوحدها. 2 في اد "ولأن". 3 في ا "في الإيجاب والقبول". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 153 فصل: [شيخنا] قال القاضي: الاستثناء [كلام ذو] صيغ محصورة يدل على أن المذكور فيه لم يرد بالقول الأول ولا يلزم عليه القول المتصل بلفظ العموم نحو قولهم رأيت المؤمنين وما رأيت زيدا ولم أر عمرا أو خالدا لقولنا كلام ذو صيغ محصورة وحروف الاستثناء محصورة وليس الواو منها قلت هذا [هو] الاستثناء في اصطلاح النحاة وأما الاستثناء في عرف الفقهاء فهذا منها ولهذا لو قال له [هذه] الدار ولى منها هذا البيت كان هذا استثناء عندهم فالاستثناء [قد] يكون بمفرد وهو الاستثناء الخاص وقد يكون بما هو أعم من ذلك كالجملة وهو العام كما أن الإشتراط1 بالمشيئة هو استثناء في كلام النبي صل الله عليه وسلم والصحابة والفقهاء وليس استثناء في العرف النحوي. فصل: [شيخنا] يجوز تقديم الاستثناء على المستثنى منه. فصل: [شيخنا] يجوز الاستثناء من الاستثناء.   1 في ب د "كما أن الاستثناء بالمشيئة" تحريف والاشتراط بالمشيئة أن يقول المتكلم "إن شاء الله". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 154 مسألة: لا يجوز أن يستثنى الأكثر من [عدد مسمى] عند أصحابنا ذكره المالكية والرقى وأبو بكر ونص عليه أحمد في الطلاق1 وذكره طائفة من المالكية وأكثر النحاة وحكى ذلك عن ابن درستويه النحوي ونصره ابن الباقلانى في كتاب التقريب في أصول الفقه وحكى غير واحد من   1 في ا "في الإطلاق" تصحيف. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 154 الأدباء أنه قول الخليل وسيبويه والنضر بن شميل وجماهير البصريين من أهل العربية قال في شرح الجزولية: قال بعضهم مذهب البصريين أنه لا بد أن يكون المستثنى أقل وقال الكوفيون وبعض البصريين يجوز النصف وأكثر الكوفيين يجيزون الأكثر ونقل المازري عن عبد الملك بن الماجشون المالكي وذهب أكثر الفقهاء والمتكلمين إلى جوازه ولا خلاف في جوازه إذا كانت الكثرة من دليل خارج لا من اللفظ وحكى أبو الطيب عن إمامنا أحمد وابن درستويه النحوي أنه لا يصح استثناء النصف ولا أكثر منه وقالت جماعة من الأدباء لا يصح استثناء عقد من العقود بل بعض عقد. [شيخنا] فصل: قوله: {إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ} 1 وقوله: {إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ} 2 أجاب لقاضى عنه بجوابين أحدهما أنه استثناء من جميع الجنس فيجوز أن يقال فيه انه يجوز إخراج الأكثر من الأقل وأما استثناء الأكثر من الأعداد المحصورة فلا والفرق ورود اللغة في أحدهما دون الآخر ولان حمل جميع الجنس على العموم إنما هو من طريق الظاهر لا من جهة القطع على جميع الجنس بخلاف الأعداد فإن جميعها منطوق به فصار صريحا الجواب الثاني أنه "استثناء" منقطع أي لكن من اتبعك كقوله: {إِلَّا خَطَأً} 3 وكقوله: {فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلَّا رَبَّ الْعَالَمِينَ} 4. قلت هذا التنظير5 ليس بمستقيم.   1 من الآية "42" من سورة الحجر. 2 من الآية "40" من سورة الحجر. 3 من الآية "92" من سورة النساء. 4 من الآية "77" من سورة الشعراء. 5 في ا "هذا النظر" وفي ب "هذا النظير" وصوابهما ما أثبتناه أي أن تشبيه القاضي الآيتين اللتين يجيب عنهما بهاتين الآيتين ليس مستقيما. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 155 مسألة1: لا يصح الاستثناء من غير الجنس نص عليه [قال القاضي: وقد ذكر أصحابنا هذا في الإقرار] وأجازته الحنفية والمالكية وحكاه أبو الخطاب عن مالك و [حكاه] المقدسي عنه وعن أبي حنيفة واختاره ابن الباقلاني وقوم من المتكلمين وعن الشافعية كالمذهبين قال ابن برهان: عدم صحته قول عامة أصحابنا والفقهاء قاطبة وهو المنصور وقال بعض أصحابنا يصح وقال الحنفية يصح في المكيل منه والموزون خاصة ونص أبو الطيب كابن برهان.   1 هذه المسألة مقدمة في ب د عن الفصل الذي يجيب فيه القاضي عن آيتي حديث إبليس. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 156 مسألة: الاستثناء إذا تعقب جملا وعطف بعضها عل بعض وصلح1 عوده إلى كل واحدة منها [لو انفرد] فإنه يعود إلى جميعها إلا أن يرد دليل بخلافه عنده [أكثر] أصحابنا والشافعية والمالكية قال أحمد في رواية ابن منصور: قول النبي صلى الله عليه وسلم: "لا يؤمن الرجل في سلطانه2 ولا يجلس على تكرمته إلا بإذنه" قال: أرجو أن يكون الاستثناء على كله وقالت الحنفية وجماعة من المعتزلة يعود إلى الأقرب لا غير وهو الأقوى ولفظ الجمل يراد به ما فيه شمول لا يراد به الجمل النحوية فإن القاضي وغيره ذكر الأعداد من صورها وسوى بين قوله: "رجل ورجل" وبين قوله: "رجلين" وقد ذكر أصحابنا في الاستثناء في الإقرار إذا تعقب جملتين هل يعود إليهما أو إلى الثانية على وجهين كما لو عطف على المستثنى فهل يصير المعطوف والمعطوف عليه كجملة أو هما جملتان على وجهين وقالت الأشعرية بالوقف وعندي أن حاصل قولهم يرجع إلى قول الحنفية وقد ذكر ابن برهان في التفصيل مذهبين آخرين. [4والد شيخنا وفصل القاضي في الكفاية فيه تفصيلا مال إليه فلينظر هناك] 3 وهو قول أبي الحسين وحاصله أنه يفرق بين الجملتين من جنس ومن جنسين.   1 في ب "لا يصلح" وهو خطأ لا يلائم الحكم الذي ذكره. 2 في ب د "في أهله" والوارد في الحديث هو ما أثبتناه موافقا لما في ا. 3 ساقط من د. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 156 [شيخنا] فصل: فأما الشرط المتعقب جملا فقد سلم الحنفية أنه يعود إلى جميعها وكذلك ذكر أبو محمد في الروضة أن الشرط والصفة سلم أكثر المخالفين أنهما يعودان إلى الجميع ونقض عليهم بذلك وكذلك القاضي وذكر أن الشرط كقوله: "نساؤه طوالق وعبيده أحرار وماله صدقة إن شاء زيد" أو "إن دخلت الدار" يعود إلى الجميع وكذلك الاستثناء بمشيئة الله عند الحنفية فأما الصفات وعطف البيان والتوكيد والبدل ونحو ذلك من الأسماء المخصصة فينبغي أن تكون بمنزلة الاستثناء وأما الجار والمجرور مثل أن يقول: "على أنه" أو بشرط أنه ونحو ذلك فينبغي أن يتعلق بالجميع قولا واحدا لأن هذه الأشياء متعلقة بالكلام لا بالاسم فهي بمنزلة الشرط اللفظى فإذا قال: "أكرم بنى تميم وبنى أسد وغطفان المجاهدين" أمكن أن يكون "المجاهدين" تماما لغطفان فقط فإذا قال: بشرط أن يكونوا مؤمنين 1 [أو "على أن يكونوا مؤمنين"] 1 فإن هذا متعلق بالاكرام وهو2 متناول للجميع تناولا واحدا بمنزلة قوله: "إن كانوا مؤمنين" فيجب أن يفرق ين ما يكون متعلقا بالاسم وما يكون متعلقا بالكلام وهذا فرق 3 [بين] محقق [يجب اعتباره] 3. [شيخنا] فصل: كثير من الناس يدخل في هذه المسألة الاستثناء المتعقب اسما فيريدون بقولهم: "يعقب جملة"4 الجملة التي تقبل الاستثناء لا يريدون بها الجملة5 من الكلام   1 ما بين المعقوفين ساقط من اوحدها. 2 في ب "وهذا متناول – إلخ". 3 ساقط من اد وهو مذكور في ب مكا أثبتناه. 4 في ب د "يعقب جملا". 5 في ب "لا يريدون بهذا الجملة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 157 وهذا موضع يحتاج إلى الفرق فإنه فرق بين أن يقال: "أكرم هؤلاء وهؤلاء إلا الفساق" أو يقال: "أكرم هؤلاء وأكرم هؤلاء إلا الفساق" [شيخنا] فصل: موجب ما ذكره أصحابنا1 وغيرهم أنه لا فرق بين العطف بالواو أو بالفاء أو بثم على عموم كلامهم وقد ذكروا في قوله2: "أنت طالق ثم طالق ان دخلت الدار" وجهين وذكر أبو المعالى الجوبني فرقا بين الحرف المرتب وغيره في الاستثناء والصفة في [شروط] 3 الوقف وهو يفيد جدا. قال القاضي في مقدمة المجرد والاستثناء إذا تعقب جملا وصلح أن يعود إلى كل واحدة منها لو انفرد فإنه يعود إلى جميعها فيرفعه وكذلك الشرط والمشيئة مثل آية القذف نص عليه أحمد في طاعة الرسول. قال شيخنا أبو العباس: الوجه المذكور في الإقرار والطلاق فيما إذا قال: أنت طالق اثنتين وواحدة إلا واحدة هل نعيدة إلى الجملة الأخيرة فيبطل أو إلى الجميع فيصح فيه وجهان فيخرج مثلهما هنا إلا أن يقال هناك لا يصح عوده إلى الأخيرة لأن الاستثناء يرفع جميع الأخيرة 4 [ومثل هذا لا يكون عربيا فقد أتى باستثناء لا يصح عوده إلى الأخيرة] 4 والقاضي قيد المسألة بأن يكون الاستثناء يصح عوده إلى كل واحدة منها لو انفرد وذكر في حجتها5 أن الجمل المعطوف بعضها على بعض بمنزلة الجملة الواحدة لأنه لا فرق بين أن يقول رأيت رجلا ورجلا وبين أن يقول: "رأيت رجلين" قال: وهذا صحيح عل مذهب أحمد لقوله في غير المدخول بها إنه إذا قال: أنت طالق وطالق وطالق وقع ثلاثا كالجملة   1 في ا "الأصحاب". 2 في ا "في قولهم". 3 كلمة "شروط" ساقطة من اوحدها. 4 ما بين المعقوفين ساقط من اوحدها وتمام الكلام يحتاج إليه. 5 في د "ضمنها". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 158 الواحدة قال: وعلى هذا الأصل إذا قال: أنت طالق وطالق وطالق إلا طلقة يقع عليها طلقتان لأنه يكون قد استثنى واحدة من ثلاث. قال شيخنا في هذه المواضع: لا يصح عود الاستثناء إلى كل جملة بل هنا لم يتعقب الاستثناء جملا بحال فليست هذه المسألة محل النزاع وإنما تقرير كلامه أن الآحاد المتعاقبة بمنزلة الشيء الواحد فكذلك الجمل فهنا ثلاثة أقسام عطف الأسماء الواحدة بعضها على بعض [وعطف الأسماء الشاملة بعضها على بعض] 1 وعطف الكلام المركب بعضه على بعض ومنع القاضي أن العموم يحصل إلا بوقوع السلب2 على الكلام من غير استثناء وهذا جيد وكذلك جميع المتصل المخصص فإنه مانع لا رافع لكن غايته مذهب الواقفة. [شيخنا] فصل: لا يصح الاستثناء3 من النكرات كما يصح من المعارف ذكره ابن عقيل محل وفاق محتجا به على أن الاستثناء يخرج ما دخل لا ما صح دخوله والقاضي ذكر في مسألة الاستثناء من غير الجنس أن الاستثناء إخراج بعض ما يجب دخوله في اللفظ وفي مسألة العموم أيضا قرر ذلك ورد على من قال: هو إخراج ما يصلح دخوله في اللفظ ثم في مسألة الجمع المنكر احتج المخالف بأنه لما صح دخول الاستثناء عليه فيخرج بعضه ثبت أنه من ألفاظ العموم كالجمع المعرف فأجاب القاضي بأن الاستثناء يخرج البعض من البعض [4ويخرج البعض من كل فخرج البعض من] 4 الذي هو أقل الجمع. قال شيخنا: وهذا نقض ما قدمه.   1 ما بين المعقوفين ساقط من افصار الثلاثة اثنين وهو ثابت كما أثبتناه في ب. 2 في ا "إلا بوقوع الثلاث على الكلام". 3 في ب "يصح الاستثناء" خطأ تدركه بالتدبر في معنى النكرة. 4 ما بين المعقوفين ساقط من اوأثبتناه عن ب د. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 159 فصل: الاستثناء من النفي إثبات ومن الإثبات نفي عندنا وعند الجمهور وقالت الحنفية ليس كذلك وقيل هو من الإثبات نفي وأما من النفي فليس بإثبات. قال شيخنا1 ينبغي أن يفرق بين قولنا ما رأيت أحدا إلا زيدا وبين قولنا ما جاء القوم إلا زيد وقولنا ماله عندي عشرة إلا واحد فإنه قد قيل إنه في مثل هذا يكون مقرا بواحد وهذا عندي ليس بجيد وإنما مقصودة أنه ليس له عندي تسعة وذلك أنه لو قصد2 الإثبات لكان قوله: ماله عندي إلا واحد هو كلام العرب بخلاف الاستثناء من الصيغ العامة فيفرق بين العدد والعموم. "شيخنا" فصل: قوله: "لا صلاة إلا بطهور" و "لا نكاح إلى بولي" ونحو ذلك لا يفيد ثبوت الصلاة والنكاح عند وجود الطهور والولي هذا هو المعروف عند الجماعة واحتج القاضي في مسألة أن النكاح لا يفسد بفساد المهر بقوله صلى الله عليه وسلم: "لا نكاح إلى بولي وشاهدي عدل" قال: فاقتضى الظاهر أنه إذا حضره الولي والشهود أنه صحيح ولم يفرق بين أن يكون فيه مهر فاسد أو صحيح وهذه دلالة ضعيفة لكن قد يظن أن هذا يعكر عل قولنا إن الاستثناء من النفي إثبات وليس كذلك. [شيخنا] فصل: الاستثناء يخرج من الكلام ما لولا هو لوجب دخوله لغة قاله أصحابنا والأكثرون وقال قوم يخرج ما لولا هو لجاز دخوله.   1 في ب "قلت". 2 في فروع ب "لرفضه" مكان "لو قصد" تصحيف. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 160 مسائل البيان والمجمل والمحكم والمتشابه والحقيقة والمجاز ونحو ذلك مسألة: في المحكم والمتشابه وللنحويين كلام كثير في أشياء عدة من ذلك يجعل كتاب التأويل مع ذلك وفيه كلام كثير محقق للجويني. والد شيخينا1 وللمقدسي كلام في التأويل في القسم الثاني من الأسماء واللغات قال شيخنا1 قال القاضي:   1 هذه الكلمة ساقطة من ا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 161 مسألة: في المحكم والمتشابه ظاهر كلام حمد أن المحكم ما استقل بنفسه ولم يحتج إلى بيان والمتشابه ما احتاج إلى بيان لأنه قد قال في كتاب السنة: بيان ما ضلت فيه الزنادقة من المتشابه من القرآن ثم ذكر آيات1 تحتاج إلى بيان وقال في رواية ابن إبراهيم المحكم الذي ليس فيه اختلاف [وهو المستقل بنفسه] 2 والمتشابه الذي يكون في [موضع كذا] وفي موضع كذا قال: ومعناه 3 [ما ذكرنا لان قوله المحكم الذي ليس فيه اختلاف هو المستقل بنفسه وقوله المتشابه الذي يكون في موضع كذا وفي موضع كذا معناه] 3 الذي يحتاج إلى بيان فتارة يبين بكذا وتارة يبين بكذا لحصور الاختلاف في تأويله قال: وذلك نحو قوله: {يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ} 4 لأن القرء من الأسماء المشتركة تارة يعبر به عن الحيض وتارة عن الطهر ونحو قوله: {وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ} 5 وهذا قول عامة الفقهاء وكان قد كتب في   1في ا "ثم ذكر بابا – إلخ" وما أثبتناه موافقا لما في ب هو الصواب. 2 ما بين المعقوفين ساقط من ب د. 3 ما بين المعقوفين ساقط من اوثبوته موافقة لما في ب أوضح للكلام. 4 من الآية "228" من سورة البقرة. 5 من الآية "141" من سورة الأنعام. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 161 العتق ولهم عن هذا عبارات منهم من يقول المحكم ما خلص لفظه عن الإشكال وعرى [معناه] عن الاشتباه1 والمتشابه ما لم يخلص لفظه عن الإشكال ولا عرى معناه عن الاشتباه ومنهم من قال: المحكم ما تأويله تنزيله ولفظه دليله والمعنى متقارب2 وقال قوم المحكم هو الأمر والنهي والحلال والحرام والوعد والوعيد والمتشابه ما كان من ذكر القصص والأمثال لأن المحكم ما استفيد الحكم منه والمتشابه مالا يفيد حكما. قلت لكن يفيد الدليل. ومنهم من قال: المحكم ما وصلت حروفه والمتشابه ما فصلت حروفه وتفصيلها أن ينطق بكل حرف كالكلمة كما في أوائل السور لأن المحكم ما عرف معناه والمشابه مالا يعقل معناه ومنهم من قال: المحكم الناسخ والمتشابه المنسوخ فإن المنسوخ لا يستفاد منه حكم. قال شيخنا3 قلت: لفظ النسخ فيه إجمال كأنهم أرادوا قوله: {فَيَنْسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آيَاتِهِ} 4 ولكن القرآن كله محكم بهذا المعنى لقوله: {أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ} 5 وقال أبو الحسين عن أصحابه أن المحكم يستعمل على وجهين أحدهما أنه محكم الصيغة والفصاحة والآخر أنه لا يحتمل تأويلين متشابهين والمتشابه [أيضا] يستعمل على وجهين أحدهما أنه متشابه في الحكم والآخر يحتمل تأويلين مختلفين متشابهين احتمالا شديدا. قال شيخنا أبو العباس3 قلت: التشابه الذي هو الاختلاف يعود إلى اللفظ تارة كالمشترك مثلا وإلى المعنى أخرى بأن يكون قد أثبت تارة ونفي أخرى كما في قوله: {هَذَا يَوْمُ لا يَنْطِقُونَ} 6 مع قوله: {وَلا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثاً} 7   1 في ب "عن الاستثناء: تحريف بدليل ما ذكر في مقابله. 2 في د "متفاوت". 3 هذه الكلمة ساقطة من ا. 4 من الآية "52" من سورة الحج. 5 من الآية "1" من سورة هود. 6 من الآية "35" من سورة المرسلات. 7 من الآية "42" من سورة النساء. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 162 ونحو ذلك من المتشابه الذي تكلم عليه [ابن عباس] في مسائل نافع بن الأزرق وتكلم عليه أحمد وغيره فالأول كالوقف لعدم الدليل بمنزلة من ليس له ذكر ولا قيل والثاني كالوقف لتعارض الدليلين بمنزلة الخنثى الذي له فرجان وما كان لعدم الدليل فتارة لأن اللفظ يراد به هذا تارة وهذا تارة كالمشترك وتارة لأن اللفظ لا دلالة له على القدر المميز بحال كالمتواطئ في مثل قوله: {وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ} 1 وقوله: {فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ} 2 ونحو ذلك من المجملات ففي الأول دل اللفظ على أحدهما لا بعينه وفي الثاني دل على المشترك بينهما من غير دلالة على أحدهما بحال وفي كلام أحمد ومن قبله على التشابه ببيان معناه أو إزالة التعارض والاختلاف عنه ما يدل على أن التأويل الذي اختص الله به غير بيان المعنى الذي أفهمه خلقه فما كان مشتبها لتنافي الخطابين أو الدليلين في الظاهر فلا بد من التوفيق بينهما كما فعل أحمد وغيره وما كان مشتبها لعدم الدلالة على التعيين فقد نعلم التعيين أيضا لأنه مراد بالخطاب وما أريد بالخطاب يجوز فهمه وما كان مشتبها لعدم الدلالة3 على القدر المميز كما في صفات الله تعالى فهنا دال القدر المميز ما دل الخطاب عليه وهو تأويل الخطاب لأن تأويل الخطاب لا يجب أن يكون مدلولا عليه به ولا مفهوما منه إذ هو الحقيقة الخارجة ومتى دل عليها ببعض أحوالها لا يجب أن يكون قد بين جميع أحوالها فذاك هو التأويل الذي لا يعلمه إلا الله ومنه أيضا مواقيت الوعيد فإن الخطاب لم يبينها ولا يفهم منه وهو من التأويل الذي انفرد الله بعلمه فتدبر هذا فإنه نافع جدا في هذه المجازات فكل ما دل عليه الخطاب يفهم في الجملة ولا يجب أن يكون المفهوم من الخطاب هو تأويله وما لم يدل عليه قد لا يفهم ولا يعلم وإن كان تأويلا له وفرق بين أن يدل على معين   1 من الآية "141" من سورة الأنعام. 2 من الآية "196" من سورة البقرة. 3 في ا "لعدم الدليل على التعيين". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 163 ثم يبينه وبين أن لا يدل على خصوصه بحال مع أن المشترك والمتواطئ متقاربان في هذا الموضع وعلى هذا سبب نزول الآية في تأويل النصارى صيغ الجمع على أن الآلهة ثلاثة فهو تأويل في أسماء الله المضمرات وهو نظير مذهب المشبهة كما أن رد المشركين لاسم الرحمن الحاد في أسمائه الظاهرة نظير مذهب الجهمية المعطلة وتأويل اليهود في حروف المعجم أنها دلالة على مقادير أزمنة الحوادث من حيث أن اللفظ فيه اشتراك ولم يبين أحد معانيه والتأويل المذموم لا يعدو ما فعله هؤلاء في الإيمان بالله واليوم الآخر بخلاف التأويل العملي وبخلاف البيان الذي يفسر المراد بالخطاب من غير تعيين تأويله. وتحرير هذا ببيان أن لفظ التأويل في الكتاب والسنة غير التأويل في ألفاظ المتأخرين وأن بينهما عموما وخصوصا إذ ذاك التأويل هو مالا يدل عليه اللفظ وهذا التأويل هو ما يدل اللفظ على خلافة والتأويل عند الأولين غير مدلول اللفظ والعين لا تعلم بنفس الخطاب وقد كتبت هذا في غير هذا الموضع1.   1 في د ذكر هنا كلام أبي بكر عبد العزيز الوارد في ص "175" موافقة لما في ب ا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 164 مسألة: يجوز أن يشتمل القرآن على مالا يفهم معناه ... مسألة: يحوز أن يشتمل القرآن على مالا يفهم معناه عندنا وكذلك قال ابن برهان: يجوز عندنا وقال قوم لا يجوز ذلك ثم بحث أصحابنا يقتضى أنه يفهم على سبيل الجملة لا على سبيل التفصيل ووافقنا أبو الطيب الطبري وحكاه عن أبي بكر الصيرفي وكلهم تمسك بالآية قال الجويني: كل ما ثبت التكليف في العلم به يستحيل استمار الإجمال [فيه] وأما غيره فلا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 164 مسألة1 في القرآن مجاز نص عليه بما خرجه في متشابه القرآن في قوله: {إِنَّا} و {نَعْلَمُ} و {مُنْتَقِمُونَ} هذا من مجاز اللغة يقول الرجل إنا سنجرى عليك رزقك إنا سنفعل بك خيرا قال شيخنا: قد يكون مقصوده الجزء: 1 ¦ الصفحة: 164 يجوز في اللغة وبه قالت الجماعة ومنع منه بعض أصحابنا وبعض أهل الظاهر وبعض الشيعة [والحاكى لهذا الوجه عن بعض أصحابنا أبو الحسن التميمي قال ابن برهان: وقول الإمامية من الشيعة وأهل الظاهر] 1. والد شيخنا وحكى القاضي عن أبي الفضل ابن أبي الحسن التميمي أنه قال في كتابه في أصول الفقه والقرآن: ليس فيه مجاز عند أصحابنا وأنه ذكر عن الخرزى وابن حامد [ما يؤيد ذلك وكذلك ابن حامد قال في أصول الدين: ليس في القرآن مجاز] . شيخنا وقال ابن أبي موسى والمكنى2 مثل قوله: {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ} 3 يريد أهلها: {وَكَمْ قَصَمْنَا مِنْ قَرْيَةٍ} 4 أي أهلها قال: ومن أصحابنا من منع أن يكون في القرآن مكنى وحمل كل لفظ وارد في القرآن على الحقيقة والأول أمكن لأن قوله تعالى: {وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى رَبِّهِمْ قَالَ أَلَيْسَ هَذَا بِالْحَقِّ قَالُوا بَلَى وَرَبِّنَا قَالَ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ} 5 يقتضى ظاهر هذا أن يكون الخطاب من الله للكفار حقيقة قال: ولا أعلم خلافا بين أصحابنا أن الله لا يكلم الكفار ولا يحاسبهم فعلم بذلك أن المراد بالآية غير ظاهرها. قلت الحجة ضعيفة فإن القاضي حكى الخلاف بين أصحابنا في محاسبة الكفار والمحاسبة نوعان قال القاضي: رأيت في كتاب أصول الدين من كتب أبي الفضل التميمي قال: والقرآن ليس فيه مجاز عند أصحابنا واستدل بأن المجاز لا حقيقة له ثم قال: فأما قوله: {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ ..... وَالْعِيرَ} فيجوز أن تكلم الجمادات الأنبياء   1 ما بين هذين المعقوفين ليس في د. 2 يريد بالمكنى المضمر المقدر. 3 من الآية "82" من سورة يوسف. 4 من الآية "11" من سورة الانبياء. 5 من الآية "30" من سورة الأنعام. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 165 ثم قال: وسمعت الخرزى رحمة الله عليه وقد قيل له قوله: {وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ} 1 أوجب العجل قال: بل العجل نفسه مثل القرية والعير سواء قال القاضي: وذكر أبو بكر في تفسيره اختلاف الناس في قوله: {وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ} فذكر ما ذكره أحمد عن قتادة حب العجل وعن السدي نفس العجل قال أبو بكر: وأولى التأويلين قول من قال: وأشربوا في قلوبهم حب العجل لان الماء لا يقال أشرب في قلبه وإنما يقال ذلك في حب الشيء كما قال: {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيهَا وَالْعِيرَ الَّتِي أَقْبَلْنَا فِيهَا} قال: فقد صرح أبو بكر بأن هناك مضمرا محذوفا.   1 من الآية "93" من سورة البقرة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 166 مسألة: يجوز أن يتناول اللفظ الواحد الحقيقة والمجاز جميعا ذكره القاضي وابن عقيل ومثلاه بقوله: {وَلا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ} 1هو حقيقة في الوطء مجاز في العقد فيحمل عليهما ونحو ذلك ولم يذكر مخالفا وكذلك ذكر الحلواني وحكاه عن الشافعية وأبى على الجبائي قال خلافا لأصحاب أبي حنيفة وأبى هاشم: لا يجوز ذلك وكذلك ذكر ابن عقيل في موضع آخر مسألة المشترك صريحا وحكى الخلاف كما نقل الحلواني وهذا قول أبي عبد الله البصري وذكر القاضي في ضمن كلامه ما يدل على أن المشترك على هذا الخلاف وكذلك حكى الجويني في اللفظ المشترك مذهبين أحدهما ذهب إليه ذاهبون من أصحاب العموم إلى أنه يحمل على جميع معانيه ما لم يمنع منه مانع سواء كان حقيقة في الكل أو حقيقة في البعض مجازا في البعض قال: وهذا اختيار الشافعي والمذهب الثاني أنه لا يجوز حمله على الكل واختاره ابن الباقلاني وأعظم الإنكار على من زعم أنه حقيقة في الجميع لأن اللفظة إنما تكون حقيقة إذا انطبقت على ما وضعت له في الأصل وإنما تصير مجازا إذا تجوز بها عن مقتضى الوضع فيصير ذلك جمعا بين النقيضين واختار الجويني أنه لا يحمل ذلك على الكل بإطلاقه ولا يفيد العموم   1من الآية "22" من سورة النساء. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 166 لأنه صالح لإفادة معان على البدل ولم يوضع وضعا مشعرا بالاحتواء فأما إرادة الجميع بقرينة فجائز وسواء كان فيها حقيقة أوفي أحدها وهذا هو الصحيح لأنه يحسن التصريح به وذكر القاضي في ضمن مسألة ما يحكم به من جهة القياس على أصل منصوص عليه المراد بالقياس في حجة المخالف أنه لا يجوز أن يراد بالعبارة الواحدة معنيان مختلفان1 في حال واحدة فلم يمنع ذلك لكن قال: إن المعنيين إذا كانا مختلفين جعلنا النص كأن الله تكلم به في وقتين ثم ضرب على "تكلم" وكتب: "أمر به في وقتين" وأراد به أحد المعنيين في وقت والمعنى الآخر في الوقت الآخر وكذلك وجدت قول الحنفية في كتبهم كما حكينا عنهم في المجاز والمشترك وبالجواز كذلك قال عبد الجبار: والمنع فيهما قال أبو الخطاب: وحكى الجواز عن شيخه وعن الشافعية2 كالمذهبين وذكر القاضي في أوائل العدة أنه قد قيل انه لا يجوز حمل اللفظ الواحد على حقيقتين مختلفتين ولا على الحقيقة والمجاز ونصر ذلك واستدل بإجماع الصحابة على اختلافهم في لفظ القرء وأنهم أجمعوا على الفرض3 المولى وله موليان من فوق ومن أسفل ولم يذكر في هذا الموضع خلاف هذا القول. قال الطرطوشى في أية الملامسة قولكم لا يجوز حمله على الحقيقة والمجاز فاللفظ هنا حقيقة فيهما فلا نسلم ما قالوه وإنما هو عام يتناول الجميع كالحدث يتناول إطلاقه جميع الأحداث وهو حقيقة في الجماع وما دونه وكاللون والعين حقيقة في جميع الألوان الأبيض والأسود وغيرهما وكذلك العين حقيقة في عين الرجل وعين الشمس وكذلك كل لفظ احتمل الطلاق وغير الطلاق كان حقيقة في الطلاق والأصل في هذا أن اللفظ المحتمل لشيئين فصاعدا هو حقيقة في محتملاته وإنما المجاز ما تجوز به عن موضوعه واستعمل في غير ما وضع له.   1 في د "معنيين مختلفين" خطأ في العربية. 2 في د "الشافعي". 3 هكذا في النسخ الثلاث ولعله قد سقطت كلمة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 167 فرع [والد شيخنا] اختلف القائلون بالمنع من استعمال المشترك المفرد في مفهوماته على الجميع فيما إذا كان بلفظ الجمع سواء كان في جانب النفي أو الإثبات هل يجوز على مذهبين فإن كان بلفظ الواحد المفرد منكرا في جانب النفي كقوله: "لا تعتدي بقرء" فقال أبو الخطاب هو كالمشترك في الإثبات ومنعه قال: والذي يظهر لي أنها كالتي قبلها إذ قوله: لا تعتدي بالإقراء هو محل الخلاف [شيخنا] فصل: استدل القاضي على أن اللفظ الواحد يجوز أن يكون متناولا لموضع الحقيقة والمجاز بقوله: {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ} 1 متناول للرقبة الحقيقية ولغيرها من الأعضاء على طريق المجاز وكذلك قوله: "اشتريت كذا وكذا رأسا من الغنم" متناول للرأس الذي هو العضو المخصوص ولسائر الأعضاء. قال شيخنا قلت: هذا نقل اللفظ من الخصوص إلى العموم وهو من باب الحقيقة العرفية لأن الرأس أدخل في اللفظ من سائر الأعضاء بهذا الوضع لكن اجتمع فيه الوصفان فهو مدلول عليه بهما جميعا فليس هذا من موارد النزاع لكن تقرير كلامه أنه إذا صار يعم موضع الحقيقة وغيره حقيقة فلان يكون ذلك مجازا أولى لكن يقال لفظه في صدر المسألة يجوز أن يكون اللفظ الواحد متناولا لموضع الحقيقة والمجاز فيكون حقيقة من وجه مجازا من وجه آخر وعلى هذا التقرير يكون مجازا فيقال هذا في تعميم الخاص نظير البحث في تخصيص العام إلا أنه هناك نقصت الدلالة وهنا زيدت فكما أنه هناك يقال هو حقيقة في دلالته على الباقي مجازا أو لا حقيقة ولا مجاز في عدم دلالته على الخارج يقال هنا هو حقيقة في دلالته على مسماه الأول مجاز في الزيادة على ذلك واستدل أيضا بقولهم عدل العمرين عند من يقول هما أبو بكر وعمر2 والمنصوص عن أحمد   1 من الآية "92" من سورة النساء. 2 من الناس من ذهب إلى أنهما عمر بن الخطاب وعمر بن عبد العزيز. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 168 خلافه قال: هو حقيقة في أحدهما مجاز في الآخر وكذلك قولهم مالنا طعام إلا الأسودان التمر والماء قاله القاضي فصل: "في وجوه المجاز" منها: أن يستعمل اللفظ في غير ما هو موضوع له نحو الحمار أطلقوه على البليد واسم الأسد أطلق على الرجل الشجاع. ومنها: المستعمل في موضعه وغير موضوعة كقوله: {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ} 1 يتناول الرقبة وجميع الأعضاء. وكذلك إطلاق الشيء على ضده كإطلاقهم السليم على اللديغ والمفازة على المهلكة. ومنها: الحذف كقوله: {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ} 2 {وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ} 3. ومنها: الصلة كقوله: {فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ} 4 يعنى بما كسبتم. ومنها: أن يطلق اسم المصدر على المفعول كضرب فلان وخلق الله وعلى الفاعل كرجل عدل. ومنها: إطلاق اسم المفعول كقوله: {عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ} 5 أي مرضية وعلى المصدر كقولك: "تخشى اللائمة" يعنى اللوم. ومنها: إطلاق اسم المدلول على الدليل يقال سمعت علم فلان أي عبارته عن علمه الدال عليه. ومنها: أن يطلق اسم المسبب على السبب كإطلاقهم اسم الرحمة على المطر قال: فهذه جملة وجوه للمجاز.   1 من الآية "92" من سورة النساء. 2 من الآية "82" من سورة يوسف. 3 من الآية "93" من سورة البقرة. 4 من الآية "30" من سورة الشورى. 5 من الآية "21" من سورة الحاقة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 169 قال شيخنا رضى الله عنه قلت: جماعها إما زيادة وإما نقص وإما نقل والنقل إما إلى النظير وإما إلى الضد وإما إلى الأصل وإما إلى الفرع وقد دخل في الأصل السبب والفاعل وفي الفرع الدليل والمفعول والمصدر بالنسبة إلى الفاعل. فصل: لما قال المخالف: المجاز كذب لأنه يتناول الشيء على خلاف الوضع قال القاضي: هذا خرق للإجماع لأنهم استحسنوا التكلم بالمجاز مع استقباحهم الكذب قال: وعلى أن الكذب يتناول الشيء على غير طريق لمطابقة والمجاز قد يطابق الخبر من طريق العرف وإن كان لا يطابق من طريق اللغة. قال شيخنا قلت: هذا المجاز هو الحقيقة العرفية فليس هو المجاز المطلق وقال القاضي أيضا. فصل: يصح الاحتجاج بالمجاز والدلالة عليه أن المجاز يفيد معنى من طريق الوضع [كما أن الحقيقة تفيد معنى من طريق الوضع] إلا ترى إلى قوله: {أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ} 1 يفيد المعنى وإن كان مجازا لأن الغائظ هو الموضع المطمئن من الأرض استعمل في الخارج قال: وكذلك قوله تعالى: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ، لَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} 2 ومعلوم أنه أراد غير الوجوه ناظرة لأن الوجوه لا تنظر وإنما الأعين وقد احتج الإمام أحمد بهذه الآية في وجود النظر3 يوم القيامة في رواية المروذى والفضل بن زياد وأبى الحارث. وأيضا فإن المجاز قد يكون أسبق إلى القلب كقول الرجل لصاحبه [تعال] أبلغ من قوله: يمنة ويسرة وكذلك قوله: "لزيد على درهم" مجاز وهو أسبق   1 من الآية "43" من سورة النساء. 2 من الآيتان "22" "23" من سورة القيامة. 3 في ب د "وجوب النظر". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 170 إلى النفس من قوله: يلزمني لزيد كذا درهم وإذا كان يقع بالمجاز أكثر مما يقع بالحقيقة صح الاحتجاج به. قال شيخنا قلت: كلامه كأنه يشتمل على أن المجاز يصير حقيقة عرفية أو أنه يكون هو الظاهر لما اقترن به فيكون هو الظاهر إما لاستعمال غالب وإما لاقتران مرجح فإما مجردا وإما مقرونا وقد يكون أدل على المقصود من لفظ الحقيقة وقوله أسبق إلى القلب يراد به أن معنى لفظ المجاز أسبق من معنى حقيقة لفظ المجاز وأن ذلك المعنى أسبق من حقيقة ذلك المعنى فإن معنا حقيقتين حقيقة بآراء لفظ المجاز وحقيقة بإزاء معناه تلك عدل عن معناها وهذه عدل عن لفظها فالمتكلم بالمجاز لا بد أن يعدل عن معنى حقيقة وعن لفظ حقيقة أخرى إلى لفظ المجاز ومعناه. [والد شيخنا] فصل: الذين جوزوا استعمال اللفظ المفرد في مفهوميه سواء كانا حقيقيتين أو أحدهما حقيقة والآخر مجازا اختلفوا فيه إذا تجرد عن القرائن المعينة له في أحد المفهومين هل يجب حمله عليهما أو يكون مجملا فيرجع إلى مخصص من خارج ونقل عن الشافعي وابن الباقلاني أنهما قالا بالأول وصرح القاضي وابن عقيل بالثاني وهذا مراد القاضي فيما ذكره في أول العدة والأول في غاية البعد. وقال القاضي في آخر الكفاية إن كان بلفظ المفرد فكذلك وإن كان بلفظ الجمع فكالمنقول عن الشافعي إن لم يتنافيا وإن تنافيا فكالثاني. [شيخنا] فصل: ذكر القاضي من بيان الجملة قوله: {لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ} 1   1 من الآية "7" من سورة النساء. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 171 قال ثم بينه بقوله: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ} 1 وبحديث الجدة وبالإجماع على أن للجدتين السدس وللجد من الأب السدس. "شيخنا" فصل: إذا قال: لا تعط زيدا حبة فهذا عند ابن عقيل وغيره في اقتضائه النهي عن إعطاء قيراط من باب فحوى الكلام وذكر عمن قال: هذا من باب اللفظ وخالفه بأن للدينار والقيراط اسما يخصه ويخرجه عن دخوله في لفظ الحبة فيقول القائل لم آخذ حبة لكن دينارا وما سلمت عل زيد لكن على أهل القرية وإن كان فيهم زيد فللتخصيص حكم غير التعميم والشمول. قال شيخنا حاصله أنه يقصد نفي الواحد من الجنس لا نفي الجنس بخلاف ما صار يفهم منه كما قيل مثل هذا في قوله: ما رأيت رجلا بل رجالا وهذا قريب لأن دلالة الفحوى قطعية بالعرف ثم التزم أنه إذا ادعى عليه دينارا فقال لا يستحق على حبة لم يكن جوابا قائما مقام قوله: لا يستحق على ما ادعاه ولا شيئا منه واعتذر بأن هذا لم يكن لأنه ليس بمستفاد من طريق فحوى اللفظ لا المعنى لكن لأنه ليس بنص ولا يكتفي في دفع الدعوى إلا بالنص دون الظاهر ولهذا لا يقبل في يمين المدعى والله إني لصادق فيما ادعيته عليه ولا يكتفي في يمين المنكر والله انه لكاذب فيما ادعاه على كل ذلك طلبا للنص الصريح دون الظاهر. قال شيخنا: والصواب أن هذا نكرة فيعم جميع الحبان كسائر النكرات ولكن اقتضاؤه لما لم يندرج في لفظ حبة من باب الفحوى إلا أن يقال مثل هذه الكلمة قد صارت بحكم العرف حقيقة في العموم فيكون هذا أيضا من باب الحقيقة العرفية لا من باب الفحوى فهذا الباب يجب أن يميز فيه ما عم بطريق الوضع اللغوي وما عم بطريق الوضع العرفي وما عم بطريق الفحوى   1 من الآية "11" من سورة النساء. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 172 الخطابي وما عم بطريق المعنى القياسي. وذكر ابن عقيل من هذا إذا قال: لا تقل عير بعد زيد ولا تمكن القرناء من غنمك من نطح الجماء من غنمه قال: إذا قال: هذا علم ببادرة هذا اللفظ أنه قصد حسم موارد الأذى. قال شيخنا: هذا نوع خامس قد يكون المنطوق غير مقصود وإنما المقصود المسكوت من غير أن يكون قد صار دلالة عرفية وإنما هو من باب اللحن. ويظهر الفرق بين العموم العرفي والفحوى أنا في الفحوى نقول فهم المنطوق ثم المسكوت إذ اللازم تابع وفي العموم نقول فهم الجميع من اللفظ كأفراد العام فعلى هذا يكون من باب نقل الخاص إلى العام وعلى الأول يكون من باب استعمال الخاص وإرادة العام ولنا في قوله: يدك طالق وجهان بخلاف الرقبة فإنه لا تردد فيها للنقل. فصل: يجوز الاحتجاج بالمجاز ذكره القاضي وابن عقيل وابن الزاغوني ولم يذكروا فيه خلافا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 173 مسألة: لا يقاس على المجاز قاله ابن عقيل [وتكلم عليه1] ولم يذكر فيه مخالفا وكذلك ذكره ابن الزغوني وحكى الخلاف فيه عن بعض الأصحاب بناء على أن اللغة تثبت قياسا. قال القاضي في مسألة ثبوت الأسماء بالقياس وأيضا فإن أهل اللغة قد استعملوا القياس في الأسماء عند وجود معنى المسمى2 في غيره وأجروا على الشيء اسم الشيء إذا وجد بعض معناه فيه فسموا الرجل البليد حمارا لوجود البلادة فيه وسموا الرجل الشجاع سبعا لوجود الشدة فيه ونظائر ذلك كثيرة وعلى ذلك قول عمر الخمر ما خامر العقل وقول ابن عباس كل مسكر مخمر خمر قيل له هذه   1 زيادة في ب وحدها. 2 في د "عند وجود ذلك المعنى المسمى". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 173 التسمية منهم مجاز فقال قد ثبت عنهم أنهم فعلوا ذلك فلا يضر أن يكون أحد الاسمين مجازا والآخر حقيقة على أنهم سموا الأبله حمارا حجازا لوجود بعض معانية فلما لم يوجد كل معاينة كان مجازا وأما النبيذ فيوجد فيه معاني الخمر كلها وكذلك اللواط والنباش. قال شيخنا: هذا تصريح بأن الأسماء تثبت بالقياس حقائقها ومجازاتها لكن فيه قياس المجاز بالحقيقة فأما قياس المجاز بالمجاز فمقتضى كلامه أنه إن وجد فيه معاني المجاز المقاس عليها1 كلها جاز كما أن الحقيقة إذا وجد فيه معنى الحقيقة كلها جاز. وقال القاضي قد قيل في المجاز لا يقاس عليه ووجهه ولم يذكر غيره. وقال أبو بكر الطرطوشى أجمع العلماء على أن المجاز لا يقاس عليه في موضع القياس ذكره في مسألة الترتيب في خلافه.   1 في ب "عليه". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 174 مسألة: ليس في القرآن شيء بغير العربية ذكره أبو بكر والقاضي وأبو الخطاب وابن عقيل وابن الزاغوني لكن سلم المعرب في بحث المسألة وأما القاضي فقال في المشكاة والإستبرق والقسطاس هي أسماء عربية يجهلها بعض العرب ويعرفها البعض وبه قال عامة الفقهاء والمتكلمين وروى عن ابن عباس وعكرمة أن فيه كلمات بغير العربية وكذلك ذكر ابن برهان ونصره وقال إن القول الأول معروف عن الشافعي نفسه1.   1 إلى هنا ينتهي الساقط من االذي نبهنا عليه في ص "164". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 174 مسألة: لا يجوز تفسير القرآن بمجرد الرأي والاجتهاد من غير أصل ذكره القاضي واستدل بقوله تعالى: {وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ} 1 وبقوله: {لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} 2 قال: فأضاف البيان إليه وبالأحاديث على وجه يناقض ما ذكره في الاجتهاد في الأحكام.   1 من الآية "169" من سورة البقرة. 2 من الآية "44" من سورة النحل. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 174 قال الميموني سمعت أبا عبد الله أحمد يقول ثلاث ليس لهن أصول المغازي والملاحم والتفسير. قلت معناه أن الغالب أنه ليس لها إسناد صحيح متصل. قال1 أبو بكر عبد العزيز فيما حكاه القاضي في مسألة المنع من تفسيره بالرأي والاجتهاد قال أبو بكر: منه مالا يعلم تأويله إلا الله الواحد القهار وذلك مثل الخبر عن آجال حادثة وأوقات آتية كوقت قيام الساعة والنفخ في الصور ونزول عيسى ابن مريم وما أشبه ذلك لقوله: {لا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلَّا هُوَ ثَقُلَتْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} 2 ومنه ما يعلم تأويله كل ذي علم باللسان الذي نزل به القرآن وذلك بإبانة غرائبه ومعرفة المسميات بأسمائها اللازمة غير المشترك فيها والموصوفات بصافاتها3 الخاصة دون ما سواها فإن ذلك لا يجهله أحد منهم وذلك كسامع منهم سمع تاليا يتلو: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ، أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لا يَشْعُرُونَ} 4 لم يجهل أن معنى الإفساد هو ما ينبغي تركه مما هو مضرة وأن الإصلاح ما ينبغي فعله مما فعله منفعة5 وإن جهل المعاني التي جعلها الله إفسادا والمعاني التي جعلها الله إصلاحا.   1 هذا الكرم ورد في د عند الكلام على التأويل الواقع في ص "164" ونبهنا على ذلك هناك. 2 من الآية "187" من سورة الأعراف. 3 هذه الكلمة ساقطة من ا. 4 من سورة البقرة من الآيتين "11" "12". 5 في ا "لما فعله مصلحة" وهي أقرب إلى عبارات أهل هذا الفن. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 175 مسألة: تعلم التفسير ... مسألة: فأما تعلم التفسير ونقله عمن قوله حجه ففيه ثواب وأجر كتعلم الأحكام من الحلال والحرام وقد فسر أحمد آيات كثيرة رواها عنه المروذى في سورة متفرقة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 175 مسألة: يجوز تفسيره بمقتضى اللغة ذكره أحمد في مواضع قال القاضي: ونقل الفضل بن زياد عنه - وقد سئل عن القرآن يتمثل له الرجل بشيء من الشعر - الجزء: 1 ¦ الصفحة: 175 فقال ما يعجبني قال: هو وأبو الخطاب وظاهر هذا يقتضى المنع وعندي أن هذا لا يقتضيه بل يفيد1 الكراهة أو يحمل على من يصرف الآية عن ظاهرها إلى معان صالحة محتملة يدل عليها القليل من كلام العرب ولا يوجد غالبا إلا في الشعر ونحوه ويكون المتبادر خلافها وحكى الحلواني القول بالمنع وجها لأصحابنا. والد شيخنا2 وذكر القاضي أبو3 الحسين في التمام4 في كتاب الصلاة في ذلك روايتين وقال أصحهما أنه لا يجوز.   1 كلمة "يفيد" ساقطة من ا. 2 لا توجد هذه الجملة في ا. 3 في ا "القاضي وأبو الحسين" والسياق يقتضي أنهما واحد والمراد به أبو يعلى الفراء. 4 في ا "الإتمام". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 176 مسألة: يرجع إلى تفسير الصحابي للقرآن ذكره القاضي وأبو الخطاب والد شيخنا ونص عليه أحمد فيما كتبه إلى أبي عبد الرحيم الجوزجانى1 وأما في الخبر فقال إذا قال: هذا الخبر منسوخ وجب قبول قوله ولو فسره بتفسير وجب الرجوع إلى تفسيره وقال أبو الخطاب يتخرج أن لا يرجع إليه إذا قلنا ليس قوله2 بحجة. قال والد شيخنا قال القاضي: أبو الحسين هو مبنى على الروايتين في قول الصحابي هل هو حجة أم لا؟   1 في ب د "الجرجاني" تصحيف. 2 كلمة "قوله" هذه ساقطة من اوفي د تأخير قول أبي الخطاب عن قول أبي الحسين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 176 مسألة: وفي تفسير التابعي 1 إذا لم يخالفه غيره روايتان ذكرهما ابن   1 العبارة في اهكذا "في تفسير التابعي كلام في قول التابعي في التفسير وغيره إذا لم يخالف غيره" وما أثبتناه أوفق لأن هذه الزيادة ستذكر في آخر هذه المسألة من كلام الإمام أحمد رضي الله عنه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 176 عقيل احدهما يرج إليه وتأولها القاضي على إجماعهم ورد ابن عقيل تأويله والثانية لا يرجع إليه اختارها ابن عقيل وكلام أحمد [في قول التابعي] عام في التفسير وغيره. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 177 مسألة: الأمر بالصلاة والزكاة والحج ونحو ذلك مجمل هذا ظاهر كلام أحمد بل نصه ذكره ابن عقيل والقاضي أيضا في أول العدة. [والد شيخنا] 1 وآخر العمدة والحلواني في الرابع. شيخنا وذكر القاضي في مسألة الأمر بعد الحظر [ومسألة تأخير البيان] 2 إنما يحمل على عرف الشرع [كأبي الخطاب] 1. وبه قالت الحنفية [ذكره البستي منهم] 1 وبه قال بعض الشافعية وقال بعض الشافعية: يتناول ما يفهم منه في اللغة إلى أن يوجد البيان الشرعي 1 [وقال ابن عقيل وكذا ينبغي أن يكون أصل من قال: إن الأسماء غير منقولة بل مشتركة بينهما] 1 واختاره ابن برهان والأول مذهب الشافعي ذكره أبو الطيب في: {وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ} 3 وحكى لهم الوجهين في الكل وقال أبو الخطاب ويقوى عندي أن تقدم الحقيقة الشرعية لأن الآية غير مجملة4 بل تحمل على الصلاة الشرعية بناء على أن هذه الأسماء منقولة من اللغة إلى الشرع وأنها في الشرع حقيقة لهذه الأفعال المخصوصة فينصرف أمر الشرع إليها. قال والد شيخنا والمقدسي اختار مثل أبي الخطاب. شيخنا قلت: وهذا ليس بصحيح لأنه قبل أن يعرف الحقيقة الشرعية أو الزيادات الشرعية كيف يصرف الكلام إليها وبعد ما عرفت ذلك صار ذلك   1 ساقط من اد. 2 ساقط من ب. 3 من الآية "43" من سورة البقرة ووردت هذه الجملة في كثير من الآيات. 4 في ا "غير محتملة" تصحيف. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 177 بيانا فما أخرجه عن كونه مجملا في نفسه أو غير مفهوم منه المراد الشرعي والصحيح أنه إذا كان ذلك بعد ما تقررت الزيادة الشرعية [1أو المغيرة أنه ينصرف إليها لكونه هو أصل الوضع مع الزيادة فصرفه إلى زيادة أخرى يخالف الأصل.   1 ما بين هذين المعقوفين ساقط من ا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 178 مسألة: قوله تعالى: {وامسحوا برؤوسكم} ... مسألة: قوله: {وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ} 1 غير مجمل خلافا للحنفية.   1 من الآية "6" من سورة المائدة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 178 مسألة: قوله: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا} 1 مجمل عند القاضي وبعض الشافعية [قال والد شيخنا والحلواني] وقال بعض الشافعية ليس بمجمل بل يعم كل بيع إلا ما خصه دليل وكذا ذكر القاضي في أوائل العدة في حدود البيان2 وعزى هذا الاختلاف إلى الشافعي قاله الجويني وابن برهان ونصر العموم وكذلك أبو إسحاق صاحب اللمع وهو اختيار أبي الخطاب والفخر إسماعيل وقال الجويني كل بيع لا مفاضلة فيه فهو مستفاد من الآية بلا إجمال وكل صفقة فيها زيادة فالأمر فيها مجمل وكلام القاضي يوافق هذا فإنه قال: لما قالوا وهم أهل اللسان: إنما البيع مثل الربا افتقر إلى قرينة تفسره وتميز بينه وبين الربا.   1 من الآية "275" من سورة البقرة وهذه الآية وآية مسح الرأس ساقطة من افاختلطت المسألتان فيها. 2 في ا "في حدود السارق" خطأ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 178 مسألة: تأخير البيان عن وقت الخطاب إلى وقت الحاجة فيه روايتان إحداهما الجواز وهذا ظاهر كلامه في رواية صالح وعبد الله وأكثر أصحابه ولا فرق بين البيان المجمل [أو العموم] 1 وغيره مما أريد به خلاف ظاهره واختاره بعض المالكية والحلواني وأبو الخطاب وابن حامد [2قال شيخنا: ذكر   1 هذه الكلمة ساقطة من ا. 2 من هنا يتأخر في اعن سرد القائلين وهو ساقط من د برمته. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 178 القاضي في كتاب القولين أن قول ابن حامد في تأخير البيان ظاهر كلام أحمد في رواية أبي عبد الرحيم الجوزجانى ومن تأول القرآن على ظاهره من غير دلالة من الرسول ولا أحد من الصحابة فهو تأويل أهل البدع لأن الآية تكون عامة قصدت لشيء بعينه ورسول الله صلى الله عليه وسلم المعبر عنها قال: فظاهر هذا منه وقف الحكم بها على بيان النبي صلى الله عليه وسلم] 1 والقاضي وهو قول الأشعرية2 وأكثر الشافعية منهم ابن سريج والقفال والاصطخري وابن أبي هريرة والطبري وأبو الطيب وأبو علي بن خيران ولم يفصلوا وهو قول الاشعرى أبي الحسن نفسه غير أن العام عنده من قبيل المجمل لكونه لا صيغة له وأبو سليمان الذي سماه أبو الطيب لا أدرى أهو الصيرفي أو غيره والرواية الأخرى لا يجوز حكى ذلك أبو الحسن التميمي عن أحمد وهو للمقدسي في كتاب المجمل واختاره أبو الحسن التميمي والمقدسي وأبو بكر عبد العزيز وأكثر المعتزلة وداود وابنه في أهل الظاهر وبعض المالكية وبعض الشافعية منهم أبو إسحاق المروزي وأبو بكر الصيرفي وكثير من الحنفية وقال بعض الحنفية وعبد الجبار بن أحمد وبعض الشافعية يجوز تأخير بيان المجمل فأما العموم وما يراد به خلاف ظاهره فلا وهذا التفصيل وهو جواز تأخير بيان المجمل دون العموم ذكره أبو الطيب عن أبي الحسن الكرخى وعن القاضي ابن حامد3 المروزي قال: وهو قول أبي بكر من أصحابنا وقال بعض الشافعية بالعكس وهذا العكس قول أبي الحسين البصري وقال قوم من المتكلمين يجوز ذلك في الإخبار دون الأمر والنهي وقال قوم عكس ذلك.   1 إلى هنا وعبارة الإمام الجوزجاني نقلها الشيخ في كتاب الإيمان ص "334 ط دمشق. 2 في ا "الأشعري" وبهذا يتكرر مع قوله الآتي "وهو قول الأشعري أبي الحسن نفسه" لذلك اخترنا ما في ب. 3 في د "أبي حامد". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 179 مسألة: لا يجوز للنبي صلى الله عليه وسلم تأخير التبليغ ذكره أبو الخطاب وقالت المالكية فيما ذكره ابن نصر وأكثر المعتزلة والجويني يجوز إلى الوقت الذي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 179 يحتاج فيه المكلف إلى العبادة 1 [واختاره الجويني ذكره في ضمن مسألة تأخير البيان] .   1 هذه العبارة لا توجد في ا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 180 [والد شيخنا] 1 مسألة هل يجوز للنبي صلى الله عليه وسلم تأخير التبليغ فيؤخر أداء العبادة إلى الوقت الذي يحتاج المكلف أن يعرفها اختلف أصحابنا في ذلك عل وجهين أحدهما يجوز له ذلك ذكره القاضي في العدة في ضمن مسألة تأخير البيان عن وقت الخطاب وفي الكفاية مسألة مفردة وبه قالت المالكية فيما ذكره ابن نصر والمعتزلة والثاني لا يجوز تأخير التبليغ اختاره أبو الخطاب والظاهر2 أن هذه المسألة لا تعلق لها بمسألة تأخير البيان عن وقت الخطاب لأن أبا الخطاب والقاضي شيخه اختارا شيخه في تأخير البيان جوازه ثم إن أبا الخطاب قال في تأخير التبليغ بالمنع ولم يحك لنا خلافا والقاضي قال بالجواز ولم يذكر خلافا والمعتزلة قالوا: لا يجوز تأخير البيان ويجوز تأخير التبليغ بعكس مقاله3 أبي الخطاب والمالكية قالوا بجواز تأخير التبليغ ولم يذكروا لهم خلافا مع خلافهم في تأخير البيان كالقاضي. قال شيخنا: اختلف قول القاضي كسائر العلماء في قوله: {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} 4 فلما احتج بها الشافعي على أن الله جعل السنة بيانا للقرآن فلا يجوز أن يكون القرآن بيانا للسنة قال القاضي: المراد به التبليغ ويبين صحة ذلك أنه يجوز تخصيص السنة بالقرآن وكذلك يجوز تفسير مجمل السنه به واحتج على تأخير البيان بقوله: {ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ} 5 فقيل له معناه ثم إن علينا إظهاره وإعلانه لأنه اشترط ذلك في جميع القرآن فقال حقيقة البيان هو إظهار الشيء من الخفاء إلى حالة التجلي والإظهار وهذا إنما يكون فيما   1 هذه العبارة لا توجد في ا. 2 قبل هذا الكلام في ب "قال والد شيخنا". 3 في ا "بعكس ما قاله". 4 من الآية "44" من سورة النحل. 5 من الآية "19" من سورة القيامة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 180 يفتقر إلى البيان فأما ما هو مبين فلا يوجد فيه وقوله انه اشترط ذلك في جميع القرآن فلا يمتنع أن يكون المراد بعضه كما قال: {لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} 1 والمراد بعضه. قال شيخنا قلت: هذا ضعيف بخلاف تفسير ابن عباس ولا دلالة في الآية على محل النزاع. فصل: [شيخنا] قولهم تأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز ونقل الإجماع على ذلك ينبغي أن يفهم على وجهه فإن الحاجة قد تدعوا إلى بيان الواجبات والمحرمات من العقائد والإعمال لكن قد يحصل التأخير2 للحاجة أيضا إما من جهة المبلغ أو المبلغ أما المبلغ فإنه لا يمكنه أن يخاطب الناس جميعا ابتداء ولا يخاطبهم بجميع الواجبات جملة بل يبلغ بحسب الطاقة والإمكان وأما المبلغ فلا يمكنه سمع الخطاب وفهمه جميعا بل على سبيل التدريج وقد يقوم السبب الموجب لأمرين من اعتقادين أو عملين أو غير ذلك لكن يضيق الوقت عن بيانهما أو القيام بهما فيؤخر أحدهما للحاجة أيضا ولا يمنع ذلك أن الحاجة داعية إلى بيان الآخر نعم هذه الحاجة لا يجب أن تستلزم حصول العقاب على الترك ففي الحقيقة يقال ما جاز تأخيره لم يجب فعله على الفور3 لكن هذا لا يمنع قيام الحاجة التي هي سبب الوجوب لكن يمنع حصول الوجوب لوجود المزاحم الموجب للعجز ويصير كالدين على معسر أو [كالجمعة] على المعذور. وأيضا فإنما يجب البيان على الوجه الذي يحصل المقصود فإذا كان في الإمهال   1 من الآية "44" من سورة النحل. 2 وقع في ا "لكن يحصل التأخير إلى بيان الواجبات والمحرمات من العقائد والأعمال لكن يحصل التأخير للحاجة" ويترجح عندي أي الناسخ قد أعاد بعد لكن الأولى ما قبلها. 3 في د "لم يجب تعلمه على الفور". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 181 والاستثناء من مصلحة البيان ما ليس في المبادرة كان ذلك هو البيان المأمور به وكان هو الواجب أو هو المستحب مثل تأخير البيان للأعرابي المسيء في صلاته إلى ثالث مرة. وأيضا فإنما يجب التعجيل إذا خيف الفوت1 بأن يترك الواجب المؤقت حتى يخرج وقته ونحو ذلك.   1 في ا "إذا خيف الوقت" وفي ب "إذا خيف العدد" وكلاهما تحريف ما أثبتناه وهو كذلك في د. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 182 مسألة: نبينا محمد صلى الله عليه وسلم لم يكن على دين قومه نص عليه بل كان متعبدا بما صح عنده من شريعة إبراهيم ذكره ابن عقيل وقال وبه قال أصحاب الشافعي: وقال قوم بالوقف وأنه يجوز ذلك ويجوز أنه لم يكن متعبدا بشيء أصلا ورأينا اختاره الجويني [وابن الباقلاني] وأبو الخطاب وبه قال الحنفية فيما حكاه السرخسي: أنه لم يكن متعبدا بشيء من الشرائع وإنما صار بعد البعثة شرع من قبله شرعا له. قال شيخنا1 قلت: وهذا مأخذ جيد قال الجويني: وذهب قوم إلى أنه كان على شريعة نوح وفرقة إلى أنه كان على شريعة عيسى لأنها آخر الشرائع [وقال ابن الباقلاني لم يكن على شرع أصلا وقطع بذلك] 1 وقالت المعتزلة كان متعبدا بشريعة العقل بفعل محاسنة واجتناب قبائحه [قال شيخنا] 1 وقال القاضي وغيره كان متعبدا بشرع من قبله مطلقا وحكاه عن أصحاب الشافعي قال القاضي: والحلواني مسألة ونبينا كان قبل أن يبعث متعبدا بإتباع شريعة من قبله على كلتا الروايتين [1ذكر ابن عقيل في الجزء التاسع والعاشر أحكاما كثيرة من أحكام النسخ وشروطه وما ظن منها وليس كذلك ولعله ذكر أحكام النسخ كلها وفروعا كثيرة] 1 وكان القاضي أولا قد فرع ذلك على الروايتين فإن قلنا لم   1 هذه العبارة ساقطة من اوتعلقها بالموضوع يحتاج لنظر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 182 يكن متعبدا به بعد المبعث فكذلك قبله وإن قلنا كان متعبدا به بعده فقبله أولى ثم ضرب على ذلك وذكر أنه كان متعبدا به على الروايتين جميعا. قلت أما على قولنا باستصحاب الشرع الأول فيستقيم على إحدى الروايتين لكن يقال لم يثبت عنده وقال قوم بالوقف وأنه يجوز ذلك ويجوز أنه لم يكن متعبدا أصلا اختاره الجويني وأبو الخطاب اختار في نبينا هل كان متعبدا بشرع من قبله الوقف كقول الجويني وحكاه عن بعض المعتزلة منهم أبو هاشم بن الجبائي وقالت الحنفية فيما حكاه السرخسي انه لم يكن متعبدا بشيء من الشرائع وإنما صار بعد البعثة شرع من قبله شرعا له قال شيخنا: قلت: هذا مأخذ ثم ضرب على ذلك وذكر أنه متعبد به على الروايتين جميعا قال شيخنا: أما على قولنا باستصحاب الشرع الأول فيستقيم على احدى الروايتين لكن يقال لم يثبت عنده] 1. وقد أفرد القاضي فصلا في أنه يجوز أن يكون النبى الثاني متعبدا بما تعبد به النبي الأول والعقل لا يمنع من ذلك فقيل له فما الفائدة في بعثه واظهار الاعلام على يده إذا لم يأت بشريعة مبتدأة فأجاب بأنه إنما حسن اظهار الاعلام على يديه لأنه لا بد أن يأتى بما لا يعرف إلا من جهته إما أن يكون ما يأتي به شريعة مبتدأة أو يكون ذلك مما كان الأول متعبدا به إلا أنه قد درس وصار بحيث لا يعرف إلا من جهة النبي الثاني. قال شيخنا قلت: وهذا فيه نظر فإنه يجوز عندنا اظهار الكرامات للاولياء فكيف للنبي المتبع وتكون فائدته التقوية كأنبياء بنى اسرائيل. ثم قال: مسألة إذا ثبت جواز ذلك فهل كان نبينا متعبدا بشريعة من كان قبله أم لا فيه روايتان أحداهما أن كل ما لم يثبت نسخه من شرائع من كان قبل نبينا فقد صار شريعة لنبينا ويلزمه أحكامه من حيث انه قد صار شريعة له   1 هذه الزيادة كلها عن د وحدها وفيها تكرار. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 183 لا من حيث كان شريعة لمن كان قبله وإنما يثبت كونه شرعا لهم مقطوعا عليه إما بكتاب أو بخبر من جهة الصادق أو بنقل متواتر فأما الرجوع إليهم وإلى كتبهم فلا وقد أوما أحمد إلى هذا فقال في رواية صالح فيمن حلف بنحر ولده عليه كبش يذبحه ويتصدق بلحمه قال الله تعالى: {وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ} 1 قال: فقد أوجب أحمد الكبش في ذلك واحتج بالآية عليه وهي شريعة ابراهيم وقال أيضا في رواية أبي الحارث2 والاثرم وحنبل والفضل بن زياد وعبد الصمد وقد سئل عن القرعة فقال في كتاب الله في موضعين3 قال الله: {فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ} 4 وقال: {إِذْ يُلْقُونَ أَقْلامَهُمْ} 5 فقد احتج بالآيتين في اثبات القرعة وهي شريعة يونس ومريم وقال أيضا "في رواية أبي طالب وصالح قوله تعالى] 6: {وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ} 7 فلما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يقتل مؤمن بكافر" دل على أن الآية ليست [في النفس] 6 على ظاهرها وكأنها أنزلت في بنى اسرائيل بقوله: {وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا} قال: فقد بين أن الآية على ظاهرها شرع لنا حتى ورد البيان من النبي صلى الله عليه وسلم فعلم أنها خاصة فيهم وكذلك نقل أبو الحارث عنه: "لا يقتل مؤمن بكافر" قيل له أليس قد قال الله تعالى: {النَّفْسَ بِالنَّفْسِ} قال: ليس هذا موضعه على بن أبي طالب يحكى ما في الصحيفة: "لا يقتل مؤمن بكافر" وعن عثمان ومعاوية: "لم يقتلوا المؤمن بكافر" 8 قال: وهذا أيضا يدل على أن الآية على ظاهرها في المسلمين ومن قبلهم9 ولكن عارضها بحديث الصحيفة ولو لم يكن كذلك لما عارضها   1 من الآية "107" من سورة الصافات. 2 في ا "الحارث" هنا واتفقنا على "أبي الحارث" فيما بعد. 3 في ب "في كتاب معين" تصحيف. 4 من الآية "141" من سورة الصافات. 5 من الآية "44" من سورة آل عمران. 6 ما بين المعقوفين ساقط من اوحدها وأثبتناه عن ب د. 7 من الآية "45" من سورة المائدة. 8 في اد "مؤمنا بكافر" بالتنكير في الكلمتين. 9 في ا "ومن قتلهم". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 184 ولقال ذلك خاص لمن قبلنا وبهذه الرواية قال أبو الحسن التميمي في جملة مسائل خرجها في الاصول وفيه رواية أخرى أنه لم يكن متعبدا بشىء من الشرائع إلا ما دل الدليل على ثبوته في شرعه فيكون شرعا له مبتدأ أومأ إليه في رواية أبي طالب في موضع آخر فقال: {النَّفْسَ بِالنَّفْسِ} 1 كتبت على إليهود قال: {وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا} 1 أى في التوراة ولنا: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثَى بِالْأُنْثَى} 2. قال شيخنا3 قلت: فقد ذكر القاضي أنه إنما تلزمنا أحكامه من حيث صارت4 شريعة لنبينا لا من حيث كانت شريعة لم كان قبله فيكون اتباعه لامر الله لنا على لسان محمد صلى الله عليه وسلم بذلك وهو الذي حكاه عن الحنفية ولهذا قالوا: لم يكن قبل البعث متعبدا به وعلى ما ذكره أبو محمد البغدادي في جدله وذكره القاضي في أثناء المسألة كما ذكره أبو محمد وهو أن الحكم إذا ثبت في الشرع لم يجز تركه حتى يرد دليل نسخة وليس في نفس بعثة النبي ما يوجب نسخ الاحكام التي قبله فإن النسخ إنما يكون عند [التنافي] ولأنه شرع مطلق فوجب أن يدخل فيه كل مكلف إذا لم ينسخ كشرع نبينا ولان نبينا كان قبل بعثته متعبدا فدل على أنه كان مأمورا بشرع من قبله. قال شيخنا قلت: هذا الطريقة فيها نظر وقد تأول القاضي5 قوله: وكل نبى مبعوث إلى قومه6 المتبوع وغيره تبع له والذي ذكره أبومحمد أنه ثابت   1 من الآية "45" من سورة المائدة. 2 من الآية "178" من سورة البقرة. 3 هذه الجملة ساقطة من ا. 4 في ا "من حيث صار شريعة لمن كان قبله" خطأ صوبه ما أثبتناه موافقا لما في ب. 5 في ب "وقد تناول القاضي – إلخ" تحريف. 6 في أ "يبعث إلى أمته" وبعد ذلك في النسختين بياض يتسع لكلمة واحدة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 185 في حقنا استصحاب الحال لأنه شرع شرعه الله ولم ينسخه وعلى هذا يكون ثبوته في حقنا إما لشمول الحكم لفظا واما بالعقل1 بناء على أن الأصل تساوى الاحكام وهو الاعتبار2 الذي ذكره الله في قصصهم فصار لها ثلاثة مآخذ إما الكتاب والسنة والاجماع وما الكتاب الأول واما العقل والاعتبار فيكون من باب الخاص لفظا العام حكما والمسألة مبنية على أنه لو لم يبعث الينا محمد صلى الله عليه وسلم هل كان يجوز أو يجب التعبد بتلك الشرائع وهي تشبه حاله قبل البعثة. قال شيخنا3 قول القاضي من دليل مقطوع عليه قد أعاده في المسألة وقال انه متى لم يقطع على ذلك ونعلمه من جهة يقع العلم بها لم يجب اتباعه والصحيح أنه يثبت بأخبار4 الآحاد عن نبينا صلى الله عليه وسلم وأما الرجوع إلى ملة أهل الكتاب ففيه الكلام.   1 في ا "بالعقل" بدون "وإما". 2 في ا "وهو اختيار" تحريف. 3 في ا "قلت". 4 في ب "ثبت" على صيغة الماضي. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 186 مسألة1: التأسي بأفعال النبي صلى الله عليه وسلم لا يقتضيه العقل 2 لم يذكر ابن برهان فيه خلافا. والد شيخنا وذكره القاضي في الكفاية والعدة وذكره الحلواني وقال خلافا لبعض الناس في قولهم وجوبها من جهة العقل. شيخنا وكذلك حكى ابن عقيل عن بعض الاصوليين ورد عليه.   1 من هنا إلى ما سننبه إليه في ص "193" ساقط من اوحدها. 2 في ب "لا يقتضيه العمل" تحريف. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 186 مسألة: فأما شرعا ففعله حجة فيما ظهر وجهه إن كان واجبا وجب علينا وإن كان ندبا ندب لنا وإن كان مباحا أبيح لنا وهو قول الجمهور قال الجزء: 1 ¦ الصفحة: 186 ابن برهان هو قول الفقهاء قاطبة قال: وأما أصحابنا المتكلمون فتوقفوا في ذلك1. قلت وقد حكينا هذا فيما مضى عن الأشعرية وبعض الشافعية والتميمي صاحبنا قال ابن برهان: وأما الحنفية فانقسموا في ذلك قسمين كالمذهبين والظاهر أنه يريد المتكلمين منهم والا تناقض قوله.   1 في د "فوافقوا في ذلك" تحريف. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 187 مسألة: فعل النبى صلى الله عليه وسلم يفيد الاباحة إذا لم يكن فيه معنى القربة فإن كان على جهة القربة ولم يكن بيانا لمجمل أو امتثالا لامر بل ابتداء ففيه روايتان فيما ذكر القاضي احداهما أنه على الندب إلا أن يدل دليل على غيره نقلها اسحاق بن ابراهيم والاثرم وجماعة عنه بألفاظ صريحة واختارها أبو الحسن التميمي والفخر اسماعيل والقاضي في مقدمة المجرد وبها قالت الحنفية فيما حكاه أبوسفيان السرخسى وأهل الظاهر وأبو بكر الصيرفي والقفال والثانية أنها على الوجوب وبها قال أبو علي بن خيران وابن أبي هريرة والاصطخري وابن سريج وطوائف من المعتزلة: حكى ذلك الجوبني وبها قال المالكية واختارها الحلواني والقاضي في مقدمة المجرد وهو قول جماعة من أصحابنا وحكاه في القولين عن ابن حامد وقطع بذلك ابن أبي موسى في الارشاد من غير خلاف وأخذها من قوله في رواية حرب يمسح رأسه كله لأن النبي صلى الله عليه وسلم مسح على الرأس كله ومن قوله في رواية إذا رمى الجمار فبدأ بالثالثة ثم الثانية ثم الأولى لم يصح قد فعل النبي صلى الله عليه وسلم الرمى وبين فيه سنته وفي رواية الجماعة: "المغمى عليه يقضى لأن النبي صلى الله عليه وسلم أغمى عليه فقضى" وفي هذا كله نظر لأن فعله للمسح وقع بيانا لقوله: {وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ} 1 ورميه بيانا لقوله: "خذوا عنى مناسككم" وليس النزاع فيمثل ذلك وأما أحاديث الاغماء فإنه لما علم منه الراوى أنه قضى لزم الوجوب لا من مجرد الفعل بل من كونه قضاء   1 من الآية "6" من سورة المائدة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 187 إذ لو حمل على الندب لخرج على كونه قضاء وقال قوم لا يدل على شيء لأن الصغائر والسهو والنسيان تجوز على الانبياء قال القاضي: وذهبت المعتزلة والأشعرية إلى أن ذلك على الوقف فلا يحمل على وجوب ولا ندب إلا بدليل والقول بالوقف اختيار ابن برهان وأبى الطيب الطبرى وحكاه عن أبي بكر الدقاق وأبى القاسم بن كج قال واليرنجي من أصحابنا أعنى حكى عنهم القول بالوقف واختار الجوبني مذهب الندب إلا في زمن أفعاله وهو ما تعلق بقيل ظهرت فيه خصائصه وكأنه وافق فيه الواقفية. والد شيخنا وذكر أن عن أحمد ما يقتضى الوقف وأخذه من1 وذهب الجوبني إلى أن أفعاله عليه السلام يتأسى بها فيستبان بها رفع الحرج عن الأمة من ذلك الفعل وزعم أنه قد علم ذلك من حال الصحابة قطعا وأما إذا خوطب بخطاب خاص له بلفظه فإنه وقف في تعدية حكمه إلى أمته حتى يدل عليه دليل وقد سبقت. ثم إن كان في فعله قصد القربة فاختار مذهب من حمله على الاستحباب دون الوجوب وقال في كلام الشافعى ما يدل على ذلك وحكاه عن طوائف من المعتزلة وذكر مذهب الواقفية وذكر كلاما يقتضى أن معناه أنهم لا يعدون حكمه إلى لامة بوجوب ولا ندب ولا غيرهما إلا بدليل إذ الفعل لا صيغة له وجائز أن يكون من خواصه. قال المصنف. فصل: وفائدة ذلك إنما تظهر في حق أمته إذا قلنا إنهم أسوته فأما على قول من قال: لا يشاركونه إلا بدليل فتقف الفائدة على خاصته والأول قول الجمهور.   1 لم تذكر إحدى النسخ المسألة المأخوذة منها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 188 [شيخنا] فصل: وإذا ثبت أن أفعاله على الوجوب فإن وجوبها من جهة السمع خلافا لمن قال: تجب بالعقل هذا كلام القاضي وهذا أخص من التأسى. فصل: فأما ما لم يظهر فيه معنى القربة فيستبان فيه ارتفاع الحرج عن الأمة لا غير وهذا قول الجمهور واختاره الجوبني والمحققون من القائلين بالوجوب أو الندب في التي قبلها وغالى قوم ممن قال بالوجوب هناك فذهب [إليه] هنا أيضا وعزاه بعض النقلة إلى ابن سريج قال الجوبني: وهذا زلل وقدر الرجل أجل من هذا وذهب جماعة ممن قال بالندب في التي قبلها إلى الندب هنا احتياطا بصفة التوسط وأما الواقفية فعلى قاعدتهم من الوقف وإنما أعدنا هذه المسألة تحريرا للقول فيها. قال شيخنا: الوقف في أفعاله له معنيان أحدهما الوقف في تعدية حكمه إلى الأمة وثبوت التأسى وإن عرفت جهة فعله والثاني الوقف في تعيين جهة فعله من وجوب أو استحباب وإن كان التأسى ثابتا والوقف قول أبي الخطاب وذكره عن أحمد وفي الحقيقة هو بالتفسير الثاني يؤول إلى مذهب الندب. [والد شيخنا] فصل: في معرفة فعله صلى الله عليه وسلم على أي وجه فعله من واجب وندب واباحة ذكر وجوه كل واحد من هذه الرازى في المحصول قبل النسخ وذكر ذلك أبو الخطاب والقاضي في الكفاية وبسط القول فيه. [شيخنا] فصل: قال القاضي: النبي صلى الله عليه وسلم لا يفعل المكروه ليبين الجواز لأنه يحصل فيه التأسى لأن الفعل يدل على الجواز فإذا فعله استدل به على جوازه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 189 وانتفت الكراهية وذكر عن الحنفية أنهم يحملون توضؤه بسؤر الهر على بيان الجواز مع الكراهية. [شيخنا] فصل: يحوز النسيان على رسول الله صلى الله عليه وسلم في أحكام الشرع عند جمهور العلماء كما في حديث ذي اليدين وغيره وكما دل عليه القرآن واتفقوا على أنه لا يقر عليه بل يعلمه الله به ثم قال الأكثرون: شرطة تنبيهه1 صلى الله عليه وسلم على الفور متصلا بالحادثة ولا يقع فيه تأخير وجوزت طائفة تأخيره مدة حياته واختاره أبو المعالي ومنعت طائفة السهو عليه في الأفعال البلاغية والعبادات كما أجمعوا على منعه واستحالته عليه في الاقوال البلاغية وإليه مال أبو اسحاق الاسفرائيني قال القاضي: عياض واختلفوا في جواز السهو عليه صلى الله عليه وسلم فيما لا يتعلق بالبلاغ وبيان الشرع من أفعاله وعاداته وأذكار قلبه فجوزه الجمهور وأما السهو في الاقوال البلاغية فأجمعوا على منعه كما أجمعوا على امتناع تعمده وأما السهو في الاقوال الدنيوية وفيما ليس سبيله البلاغ من الكلام الذي لا يتعلق بالاحكام ولا أخبار القيامة وما يتعلق بها ولا يضاف إلى وحى فجوزه قوم قال عياض والحق ترجيح قول من منع ذلك على الانبياء في كل خبر من الاخبار كما لا يجوز عليه خلف في خبر لا عمدا ولا سهوا لا في صحة ولا في مرض ولا رضا ولا غضب وأما جواز السهو في الاعتقادات في أمور الدنيا فغير ممتنع. قال شيخنا: سيأتي ما يتعلق بهذه في مسألة اجتهاده صلى الله عليه وسلم ودعوى الاجماع في الأقوال البلاغية لا يصح وإنما المجمع عليه عدم الإقرار فقط وقوله لم أنس ولم تقصر وقوله في حديث إليهودية إنما تفتن إليهود ثم بعد أيام أوحى إليه أنه يفتنون2 يدل على عدم ما رجحه عياض.   1 في د "شرطه تبيينه". 2 لعل أصله "أنهم يفتنون". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 190 [شيخنا] فصل: في دلالة أفعال الرسول صلى الله عليه وسلم على الأفضلية وهي مسألة كثيرة المنفعة وذلك في صفات العبادات وفي مقاديرها وفي العادات وكذلك دلالة تقريره وهي حال أصحابه على عهده وترك فعله وفعلهم وكذلك في الاخلاق والاحوال. [شيخنا] فصل: في دلالة أفعاله العادية على الاستحباب أصلا وصفة كالطعام والشراب واللباس والركوب والمراكب والملابس والنكاح والسكنى والمسكن والنوم والفراش والمشي والكلام. واعلم أن مسألة الأفعال لها ثلاثة أصول. أحدها أن حكم أمته كحكمه في الوجوب والتحريم وتوابعهما إلا أن يدل دليل يخالف ذلك وهذا لا يختص بالأفعال بل يدخل فيه ما عرف حكمه في حقه بخطاب من الله أو من جهته ولهذا ذكرت هذه في الأوامر أعنى مسألة الخطاب وقد ذكر عن التميمي وأبى الخطاب التوقف في ذلك وأخذا من كلام أحمد ما يشبه رواية والصواب عنه العكس وعلى هذا فالفعل إذا كان تفسيرا لمجمل شملنا وإياه وامتثالا لأمر شملنا وإياه لم يحتج إلى هذا الأصل وقد يكون هذا من طريق الأولى بأن يعلم سبب التحريم في حقه وهو في حقنا أشد وسبب الإباحة أو الوجوب. الأصل الثاني أن نفس فعله يدل على حكمه صلى الله عليه وسلم إما حكم معين أو حكم مطلق وأدنى الدرجات الإباحة وعلى تعليل التميمي لتجويز الصغائر يتوقف في دلالته في حقه على حكمه وقد اختلف أصحابنا في مذهب أحمد هل يؤخذ من فعله على وجهين ومثل هذا تعليله بتجويز النسيان والسهو لكن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 191 هذا مأخذ رديء فإنه لا يقر على ذلك والكلام في فعل لم يظهر عليه عتاب فمتى ثبت أن الفعل يدل على حكم كذا وثبت أنا مساوون له في الحكم ثبت الحكم في حقنا. الأصل الثالث أن الفعل هل يقتضى حكما في حقنا من الوجوب مثلا وإن لم يكن واجبا عليه كما يجب على المأموم متابعة الإمام فيما لا يجب على الإمام وعلى الجيش متابعة الإمام فيما لا يجب على الإمام وعلى الحجيج موافقة الإمام في المقام بالمعرف إلى إفاضة الإمام هذا ممكن أيضا بل من الممكن أن يكون سبب الوجوب في حقه معدوما في حقنا ويجب علينا لأجل المتابعة ونحوها كما يجب علينا الرمل والاضطباع مع عدم السبب الموجب له في حق الأولين أو سبب الاستحباب منتفيا في حقنا وقد نبه القرآن على هذا بقوله: {مَا كَانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُمْ مِنَ الْأَعْرَابِ أَنْ يَتَخَلَّفُوا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ وَلا يَرْغَبُوا بِأَنْفُسِهِمْ عَنْ نَفْسِهِ} 1 فصار واجبا عليهم لموافقته ولو لم يكن قد تعين الغزو2 في ذلك الوقت إلى ذلك الوجه وهذا الذي ذكرناه في المتابعة قد يقال في كل فعل صدر منه اتفاقا لا قصدا كما كان ابن عمر يفعل في المشي في طريق مكة وكما في تفصيل إخراج التمر وهذا في الاقتداء نظير الامتثال في الأمر فالفائدة قد تكون في نفس تهدينا بهديه وبأمره وفي نفس الفعل المفعول المأمور به والمقتدى به فيه فهذا أحرى في الاقتداء ينبغي أن يتفطن له فإنه لطيف وطريقة أحمد تقتضيه وهذا في الطرف الآخر من المنافاة لقول من قال: إن المأمور به قد يرتفع لارتفاع علته من غير نسخ فإن أحمد تسرى لأجل المتابعة واختفي ثلاثا لأجل المتابعة وقال ما بلغني حديث إلا عملت به حتى أعطى الحجام دينارا وكان يتحرى الموافقة لجميع الأفعال النبوية.   1 من الآية "120" من سورة التوبة. 2 في د "العرف". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 192 [شيخنا] فصل: احتج القائل بأن فعله لا يدل عل وجوبه علينا بأن المتبوع أوكد حالا من المتبع فإذا كان ظاهر فعله لا ينبئ عن وجوبه عليه فلان لا يدل على وجوبه علينا أولى فقال القاضي هذا يبطل على أصل المخالف بالأمر فإنهم يجعلونه دالا على الوجوب في حق غيره ولا يدل عل وجوبه عليه لأن الأمر لا يدخل تحت الأمر عندهم قال: وعلى أنا نقول إن ظاهر أفعاله تدل على الوجوب في حقه كما يدل على ذلك في حق غيره كما قلنا في أوامره هي لازمه له وهو داخل تحتها كالمأمور سواء ولا فرق بينهما وهذا قياس المذهب. [شيخنا] فصل: وليس تركه موجبا علينا ترك ما تركه استدل به المخالف وسلمه القاضي له من غير خلاف ذكره ونقضه بالأمر فإن ترك الأمر لا يوجب ترك ما ترك الأمر به وأمره يوجب امتثال ما أمر به1.   1 إلى هنا ينتهي السقط من نسخة الذي نبهنا إليه في ص "186". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 193 مسألة1: شرع من قبلنا شرع لنا ما لم يرد شرعنا بنسخه في أصح الروايتين وبها قال الشافعي وأكثر أصحابه: واختاره القاضي والحلواني وأبو الحسن التميمي وبها قالت الحنفية والمالكية وابن عقيل والمقدسي والثانية لا يكون شرعا لنا إلا بدليل واختارها أبو الخطاب وبه قالت المعتزلة والأشعرية وعن الشافعية كالمذهبين واختار الأول أبو زيد فيما كان مذكورا في القرآن. ثم القائلون بكونه شرعا لنا منهم من خصه بملة إبراهيم وهو قول بعض الشافعية ومنهم من خص ذلك بشريعة موسى ومنهم من خصه بعيسى لأن شرعه آخر الشرائع قبله وعندنا أنه لا يختص بذلك بل كان متعبدا بكل ما ثبت   1 وقعت هذه المسألة في ب متأخرة عن الفصل الذي يليها وقبل مسائل النسخ مباشرة وفي د "فصل شيخنا" بدل مسألة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 193 شرعا لأي نبي كان إلى أن يعلم نسخه وهذا مذهب المالكية وعلى كلا المذهبين فلا شك في جواز ذلك عقلا إلا عند طائفة من المعتزلة. فصل: متعلق بشرع من قبلنا وهو ما خاطب الله به أهل الكتاب على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم كقوله: {يَا بَنِي إِسْرائيلَ} 1 في سورة البقرة إلى قوله: {أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ} 2 وقوله: {وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ} 3 واستدلال عموم الأمة بمثل هذه الآيات في الأحكام دليل على تناول حكمها لسائر الأمة وهذا يليق أن يذكر عند مسألة إذا أمر الله نبيه بشيء أو شرع له شيئا فإن مشاركة بعض أمته بعضا في الأحكام كتابيهم وأميهم أقوى من مشاركتهم له لكن هل يدخل بقية الأمة من [حيث هم] أهل كتاب أيضا كقوله: {ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ} 4 أو يدخل علماؤهم وإن دخلوا فهل يدخلون بالعموم اللفظي أو المعنوي هذا يحتاج إلى بسط.. [والدلالة على تناول خطابهم لنا قوله عقيب قصة بني النضير: {فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ} 5] . [6قال شيخنا قلت: أما قولنا باستصحاب الشرع الأول فيستقيم على إحدى الروايتين لكن يقال لم يثبت عنده] 6.   1 من الآية "40" من سورة البقرة ومن كثيرمن الآيات. 2 من الآية "44" من سورة البقرة. 3 من الآية "45" من سورة البقرة. 4 من الآية "32" من سورة فاطر. 5 من الآية "2" من سورة الحشر. 6 ما بين هذين المعقوفين ساقط منا وما قبله ساقط من ب في كل واحدة أحد هذين الكلامين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 194 مسائل النسخ: النسخ جائز عقلاً وواقع شرعاً في قول الكافة ... مسائل النسخ مسألة: النسخ جائز عقلا وواقع شرعا في قول الكافة وحكى عن أبي مسلم يحيى بن عمر بن يحيى الأصبهاني أنه كان يمنع من وقوعه شرعا ويجيزه عقلا وهو قول طائفة من اليهود وقالت طائفة منهم لا يجوز عقلا ولا شرعا وأجازه طائفة منهم عقلا وشرعا لكنهم لا يؤمنون بنبينا ولا يقرون بمعجزاته ولا بشريعته. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 195 مسألة: في حد النسخ قال القاضي: هو عبارة عن إخراج ما لم يرد باللفظ العام في الأزمان مع تراخيه عنه وقال قوم من المتكلمين هو إخراج ما أريد باللفظ قال: وهذا غلط لأنه يفضى إلى البداء. وقال شيخنا1 قلت: هذا من القاضي مخالف لما قاله في النسخ قبل الوقت فإنه ضعف قول من جعله أمرا بمقدمات الفعل أو أمرا مقيدا وهنا أجاب بما ضعفه هناك2. فصل: في حقيقة النسخ والناسخ والمنسوخ عنه لابن عقيل فيه كلام مبسوط.   1 هذه الجملة ساقط من ا. 2 في ا "وهنا اختار لما ضعفه" وما أثبته موافقا لما في ب أدق. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 195 مسألة: يجوز نسخ العبادة وإن قيد الأمر بها أولا بلفظ التأبيد هذا قول أكثر أهل العلم خلافا لمن قال: لا يجوز. قال القاضي يجوز تأبيد العبادة بأن ينقطع الوحي أو يضطر إلى قصد الرسول فيه كما اضطررنا إلى قصده في تأبيد شريعته وأنه لا نبي بعده. قال شيخنا قلت: فلم يجعل له دليلا لفظيا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 195 مسألة: لا يدخل النسخ الخبر في قول أكثر الفقهاء والأصوليين وقال قوم يجوز ذلك وقال ابن الباقلاني لا يجوز ذلك في خبر الله وخبر رسوله فأما ما أمرنا بالإخبار به. فيجوز نسخه بالنهي عن الإخبار به. قال ابن عقيل هذا إنما1 يعطى إجازة النسخ في الحكم وهو الأمر والنهي. وقسم ابن برهان الكلام في ذلك [والد شيخنا] 2 وقسم ابن عقيل في ذلك تقاسيم وتكلم القاضي في الكفاية في نسخ الأخبار بكلام كثير جدا وفصل تفاصيل كثيرة وفرع تفاريع كثيرة وضابط القاضي في نسخ الخبر أنه كان مما لا يجوز أن يقع إلا على وجه واحد كصفات الله وخبر ما كان وما سيكون لم يجز نسخه وإن كان [مما] يصح تغيره وتحوله كالإخبار عن زيد بأنه مؤمن وكافر وعن الصلاة بأنها واجبة جاز نسخه وهذا قول جيد لكن ما يقبل التحول والتغيير هل يجوز نسخه قبل وقته على وجهين وعليهما يخرج نسخ المحاسبة بما في النفوس في قوله: {وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَو تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ} 3 فإن جماعة من أصحابنا4 وغيرهم أنكروا جواز نسخ هذا والصحيح جوازه. [قال شيخنا] قال القاضي: في العدة [في الخبر5 هل يصح نسخه أم لا فـ]ـإن كان خبرا لا يصح أن يقع إلا على الوجه المخبر به فلا يصح نسخه كالخبر عن الله تعالى بأنه واحد [ذو صفات] والخبر بموسى وعيسى وغيرهما من الأنبياء أنهم كانوا أنبياء موجودين والخبر بخروج الدجال في آخر الزمان ونحو ذلك فهذا لا يصح نسخة لأنه يفضى إلى الكذب.   1 في ب "وهو إنما – إلخ". 2 هذه الجملة ساقطة من ا. 3 من الآية "284" من سورة البقرة. 4 في ا "من الناس أصحابنا وغيرهم". 5 في ا "في خبر الواحد" وما بين المعقوفين ساقط من د برمته. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 196 [قال شيخنا] قلت: إلا أن النسخ اللغوي كما في قوله تعالى: {فَيَنْسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ} 1 على قول من قال: إنه ألقى في التلاوة: "تلك الغرانيق العلى وإن شفاعتهن لترتجى"2 وإن كان مما يصح أن يتغير ويقع عل غير الوجه المخبر عنه فإنه يصح نسخه كالخبر عن زيد بأنه مؤمن أو كافر أو عدل أو فاسق فهذا يجوز نسخه فإذا أخبر عن زيد بأنه مؤمن جاز أن يقول بعد ذلك هو كافر وكذلك يجوز أن يقول الصلاة على المكلف في المستقبل ثم يقول بعده ليس على المكلف فعل صلاة لأنه يجوز أن تتغير صفته من حال إلى حال قال رضى الله عنه: وعلى هذا يخرج نسخ قوله: {يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ} كما قد جاء عن الصحابة والتابعين خلافا لمن أنكره من أصحابنا وغيرهم كابن الجوزي فضابط القاضي أن الخبر إن قبل التغيير جاز النسخ وإلا فلا وعلى هذا فيجوز نسخ الوعد والوعيد قبل الفعل كقوله: "من بنى هذا الحائط فله درهم" ثم رفع ذلك والفقهاء يفرقون بين التعليق وبين التخيير. [شيخنا] فصل: [يتعلق بما يجوز نسخه قد ذكر ابن عقيل وغيره ما كتبه الجد وقال القاضي في مسألة النسخ] واحتج بأنه لو جاز ورود النسخ في الشرائع لجاز مثله في اعتقاد التوحيد وقال القاضي والجواب أن الفعل الشرعي يجوز أن يكون مصلحة في وقت ولا يكون مصلحة في وقت آخر مع بقاء التكليف ويكون مصلحة لزيد ولا يكون مصلحة لعمرو وأما فعل التوحيد فلا يخرج عن أن تكون المصلحة فيه لجميع المكلفين وفي جميع الأوقات يبين صحة هذا أنه يجوز أن يجمع بين الأمر [بالفعل] الشرعي   1 من الآية "52" من سورة الحج. 2 لم يذكر خبر "إن" ولفظ "إن" ساقط من ب ولعله الصواب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 197 وبين النهي عن مثله بأن يقول صلوا هذه السنة ولا تصلوا بعدها ولا يجوز أن يجمع بين إيجاب اعتقاد التوحيد وبين النهي عن مثله في المستقبل. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 198 مسألة: يجوز نسخ التلاوة مع بقاء الحكم عندنا وعند الشافعية وقال قوم لا يجوز ذلك وحكاه ابن برهان عن المعتزلة وقد نصر مثل الأول وفي هذه المسألة نظر لأن دليل المخالف فيها ظاهر وعلى الأول هل يجوز مسها للمحدث ذكر ابن عقيل فيه احتمالين. قلت الصحيح الجواز. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 198 مسألة: يجوز نسخ الحكم مع بقاء التلاوة وهذا بالإجماع من الصحابة والتابعين ومن بعدهم فإنهم ما زالوا يذكرون دخول النسخ على آيات القرآن وقال بعضهم لا يجوز ذكره أبو الخطاب. فصل: في شروط النسخ وفي الفرق بينه وبين التخصيص. لابن عقيل فيه فصل في آخر كتابه وفي النسخ أيضا وللجوينى والمقدسي. فصل:1 يجوز نسخ الشيء إلى بدل وغير بدل وقال بعضهم لا يجوز وحكاه أبو الخطاب والبدل على أربعة أضرب وقال بعض الأصوليين لا يجوز نسخ العبادة إلى غير بدل بناء على أن النسخ يجمع معنى الرفع والنقل وكذلك حكاه الجويني عن جماعة المعتزلة أنه لا يجوز نسخ الحكم إلى غير بدل. [شيخنا] فصل: كثير المنفعة متعلق بالنسخ والعموم وغيرهما   1 هذا الفصل ساقط بمرة من ب وقد وقع في د قبل مسألة جواز نسخ جميع العبادات. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 198 وهو أن [الحكم] العام أو المطلق هل يجوز تعليله بما يوجب تخصيصه أو تقييده سواء كان ثابتا بخطاب أو بفعل هذا فيه أقسام. القسم الأول: ما كان عاما [للمكلفين] فيدعى تخصيصه بنفي التعليل فمنه ما علم قطعا بالاضطرار عمومه فمخصصه [كافر] كمدعى تخصيص تحريم الخمر بمن قد سبقه أو بغير الذين آمنوا وعملوا الصالحات وسقوط الصلاة عمن دام حضور قلبه إلى غير ذلك من دعوى اختصاص بعض المنتسبين إلى العلم أو إلى العبادة بسقوط واجب أو حل محرم كما قد وقع لطوائف من المتكلمين والمتعبدين وهذا كفر ومنه ما ليس كذلك لكن هو مثله. القسم الثاني: ما كان عاما في الأزمنة لفظا أو حكما فيدعى اختصاصه بزمانه فقط قال شيخنا: وقد كتبته في غير هذا الموضع. القسم الثالث: أن يدعى اختصاصه بحال من الأحوال الموجودة في زمان الشرع مما قد يجوز عودها. القسم الرابع: أن يدعى اختصاصه بمكان [الشارع] كدعوى اختصاص فرضه للأصناف الخمسة في صدقة الفطر بالمدينة لكونها قوتهم الغالب وكذلك في الدية والمصراة وغير ذلك وهذا من جنس الذي قبله فإنه لا يوجب انقطاع الحكم بل اختصاصه بحال دون حال. القسم الخامس: الأفعال التي فعلها في العبادات والعادات إذا ادعى اختصاصها بزمان أو مكان أو حال. فهذه أصول عظيمة مبناها على أصلين أحدهما صحة ذلك التعليل وأن الشارع إنما شرع لأجله فقط الأصل الثاني ثبوت الحكم مع عدم تلك العلة لعلة أخرى إذ أكثر ما في هذا دعوى ارتفاع الحكم بما يعتقد أن لا علة غيره وقد أجاب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 199 أصحابنا بمثل هذا في مسألة التحليل1 قائسين على الرمل والاضطباع وزعم من خالفهم أن الأصل المقرر زوال الحكم لزوال علته وإنما خولف في الرمل والاضطباع لدليل وحديث ابن عمر في الرمل والاضطباع يخالف هذا وإنما يزول الحكم بزوال علته في محاله وموارده وأما زوال نفس الحكم الذي هو النسخ فلا يزول إلا بالشرع وفرق بين ارتفاع المحل المحكوم فيه [مع بقاء الحكم وبين زوال نفس الحكم ومن سلك هذا المسلك أزال ما شرعه الله برأيه وأثبت ما لم يشرعه الله برأيه] 2 وهذا هو تبديل الشرائع.   1 وقع هكذا في النسختين وكتب بهامش ا "لعله التعليل" وأظنه الصواب. 2 ساقط من د. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 200 مسألة: يجوز نسخ جميع العبادات والتكاليف سوى معرفة الله تعالى على أصل أصحابنا وسائر أهل الحديث خلافا للقدرية في قولهم العبادات مصالح ولا يجوز أن ترفع المصالح عندهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 200 مسألة: لا يشترط1 للنسخ أن يتقدمه إشعار المكلف بوقوعه وقالت المعتزلة لا يجوز النسخ إلا أن يقترن بالمنسوخ دلالة أو قرينة تشعر المكلف بالنسخ في الجملة حكاه ابن عقيل وحكاه ابن برهان وأبو الخطاب عن أبي الحسين البصري وجعله كتأخير بيان العموم على أصله.   1في ا "يشترط النسخ" بحذف حرف النفي مع التصحيف. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 200 مسألة: يجوز أن يسمع الله المكلف الخطاب العام المخصوص وإن لم يسمعه الخاص وبه قال عامة العلماء وقال أبو الخطاب وقال أبو الهذيل والجبائي لا يجوز ذلك لكنهما وافقا فيما يخص بأدلة العقل [وإن لم يعلم أن أدلة العقل لا تدل على تخصيصه] 1 نقله أبو الخطاب.   1 في ا "إذا دل العقل ما يدل على تخصيصه والجملة كلها ساقطة من د. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 200 مسألة: يجوز نسخ الشيء1 المكلف به بمثله وأخف منه وأثقل   1 مكان كلمة "الشيء" بياض في أصل اوكتب بهامشها "لعله الخفيف" وما أثبتناه عن ب أحسن. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 200 وهو قول الجماعة خلافا لبعض الشافعية واختلف فيه أهل الظاهر فقال أبو بكر ابن داود وطائفة منهم لا يجوز نسخ الأخف بالأثقل وحكاه ابن عقيل وجها للشافعية وقالت طائفة كقولنا وقال قوم يجوز ذلك شرعا لا عقلا وعكسه قوم فقالوا يجوز عقلا لكن منع السمع منه وحكى ابن برهان عن المعتزلة القول بالمنع من ذلك مطلقا. [شيخنا] فصل: لما قال المخالف: "القرآن كله متساو في الخير فقوله: {نَأْتِ بِخَيْرٍ1 مِنْهَا} يدل على أنه لا ينسخ بالأثقل" فقال ومعلوم أنه لم يرد بقوله: {بِخَيْرٍ مِنْهَا} فضيلة الناسخ على المنسوخ لأن القرآن كله متساو في الفضيلة فعلم أنه أراد الأخف فلم يمنع القاضي ذلك بل قال: الخير ما كان أنفع إما بزيادة الثواب مع المشقة وإما بكثرة انتفاع المغير به فإنه سبب لزيادة الثواب فالأنفع هو ما كان أكثر ثوابا وكثرة الثواب بأحد السببين ثم في مسألة نسخ القرآن بالسنة لما قال المخالف: التلاوة لا يكون بعضها خيرا من بعض وإنما يكون ذلك في النفع قال القاضي: ولا يصح هذا القول لأنه قد يكون بعضها خيرا من بعض على معنى أنها أكثر ثوابا مثل سورة طه ويس وما أشبه ذلك وقد يكون في بعضها من الإعجاز في اللفظ والنظم أكثر مما في البعض وكانت العرب تعجب من بعض القرآن ولا تعجب من بعض. قال شيخنا2 قلت: بقى القول الثالث وهو الحق التفاضل الحقيقي كما نطقت به النصوص [الصحيحة الصريحة] .   1 من الآية "106" من سورة البقرة. 2 هذه الجملة ليست في ا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 201 مسألة: لا يجوز نسخ القرآن بالسنة شرعا ً ... رواية الفضل بن زياد [وأبى الحارث] 1 وأبى داود وبه قال الشافعي وأكثر أصحابه2 منهم أبو الطيب وغيره وقال أبو الطيب وقال ابن سريج يجوز نسخه بالسنة المتواترة لكنه لم يوجد واختاره أبو الخطاب وقال أكثر الفقهاء [المتكلمين] يجوز ذلك وقد وجد وقال أبو حنيفة فيما ذكره القاضي وابن نصر يجوز بالسنة المتواترة واختاره أبو الخطاب وحكاه رواية لنا وحكى ذلك عن مالك والمتكلمين من المعتزلة والأشعرية وهذا اختيار ابن برهان وزعم أنه كالإجماع من الفقهاء والمتكلمين قال: وشذت طائفة من أصحابه فقالوا لا يجوز نسخه بالسنة المتواترة وعزوه إلى الشافعي وصحح ابن عقيل نسخه بالمتواتر واختلف فيه أهل الظاهر وفيه رواية أخرى أنه يجوز نسخ القرآن بالسنة وإن كانت آحادا ذكرها ابن عقيل وقطع به في مسألة تخصيص القرآن بخبر الواحد وهو قول بعض أهل الظاهر قاله3 أبو الخطاب. والد شيخنا4 مذهب المالكية في نسخ القرآن أنه لا يجوز عندهم بأخبار الآحاد وهل يجوز بأخبار التواتر على وجهين لهم والذي نصره ابن نصر الجواز وهو اختيار أبي الفرج. شيخنا4 قال ابن أبي موسى: والسنة لا تنسخ القرآن عندنا ولكنها تخص وتبين وقد روى عنه رواية [أخرى] أن القرآن ينسخ بالمتواتر من السنة. قال شيخنا4 حكى محمد بن بركات النحوي في كتاب الناسخ والمنسوخ أن بعضهم جوز نسخ القرآن بالإجماع وبعضهم جوزه بالقياس قال: وهذا يجوز   1 كلمة "وأبي الحارث" ساقطة من ا. 2 في ا "وكثير من أصحابنا". 3 في ا "قال". 4 هذه الجملة ساقطة من ا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 202 أن يكون مناقضا1 قال: واختلف في نسخ الإجماع بالإجماع والقياس بالقياس والمشهور عن مالك وأصحابه نسخ القرآن بالإجماع ومنع نسخ الإجماع بالإجماع والقياس بالقياس فقال وهذا ذكره البغداديون المالكيون في أصولهم. قلت وقد رأيت من قد حكى عن بعضهم أن بعض حروف القرآن السبعة نسخت بالإجماع وهذا الذي حكاه عن المالكية قد يدل عليه ما في مذهبه من تقديم الإجماع على الأخبار [وقد استعظم هذا المصنف هذا القول وتعجب منه] ولعل من قال: هذا من الأئمة أراد دلالة الإجماع على الناسخ. قلت من فسر النسخ بأنه تقييد مطلق أو تخصيص عام لم يبعد على قوله أن يكون الإجماع مقيدا أو مخصصا لنص وأن يكون إجماع ثان يقيد ويخصص إجماعا أول كما قالوا: إذا اختلفوا على قولين فإنه تسويغ للأخذ بكل منهما فإذا أجمع على أحدهما ارتفع ذلك الشرط. [شيخنا] فصل: اختلف من قال بجواز نسخ القرآن بالسنة هل وجد ذلك [أم لا] فقال بعضهم وجد ذلك وقال بعضهم لم يوجد قال أبو الخطاب: وهو الأقوى عندي وحكى ابن عقيل في الفتوى2 عمن قال: إن خبر الواحد والقياس يجوز أن ينسخ حكم القرآن وقرر حنبلي ذلك أظنه نفسه وقال خرج من هذا أن ورود حكم القرآن لا يقطع بثبوته مع ورود خبر الواحد والقياس بما يخالف ذلك الحكم ويصير كأن صاحب الشرع يقول اقطعوا بحكم كلامي ما لم يرد خبر واحد أو شهادة اثنين أو قياس يضاد حكم كلامي ومع وروده فلا تقطعوا بحكم كلامي هذا هو   1 في ا "منافقا" تحريف عجيب. 2 في اد "في الفنون". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 203 التحقيق وبناه على أن الحكم بهما قطعي لا ظني وذكر ابن الباقلاني فيما ذكر أبو حاتم في اللامع أنه لا يجوز نسخ القرآن بالسنة قال: ولا يجوز نسخه بأخبار الآحاد وأما أخبار الآحاد التي قامت الحجة على ثبوتها وأخبار التواتر التي توجب العلم فقد اختلف الناس فيها فقال جمهور المتكلمين وأصحاب مالك وأبى حنيفة انه يجوز وحكى عن أبي يوسف أنه قال: لا يجوز إلا بأخبار متواترة واختلف هؤلاء فقال بعضهم وجد في الشرع وقال آخرون يجوز وما وجد ومنع منه الشافعي وجمهور أصحابه ثم منهم من منع منه عقلا قال: منع القدرية1 في الأصلح ومنهم من اقتصر على منع السمع. قال شيخنا قلت: وهذا يقتضى أن من أصله أن بعض أخبار الآحاد تجرى مجرى التواتر وأظن الأشعري قد حكى في مقالاته أن مذهب أهل السنة والحديث أنه لا ينسخ بالسنة وقال إليه أذهب. [شيخنا] فصل:2 فأما نسخ القرآن بالسنة المتواترة فيجوز عقلا قاله القاضي وبعض الشافعية3 خلافا لبعضهم. [شيخنا] فصل: ذكر القاضي في ضمن مسألة نسخ القرآن بالسنة أن الخلاف في نسخ تلاوته بأن يقول النبي لا تقرؤوا هذه الآية فتصير [تلاوتها] 2 منسوخة بالسنة وفي نسخ حكمه مع بقاء تلاوته وأن المجيز يجيزهما جميعا وجعل نسخ التلاوة أعظم من نسخ الحكم فإنه منعهما جميعا.   1 في اب "نفع القدرية" تحريف. 2 ساقط من اد وهو متكرر مع الفصل قبله. 3 في ا "وبعض المالكية". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 204 قال شيخنا قلت: إذا قال الرسول هذه الآية قد رفعها الله فهو تبليغ منه لارتفاعها كإخباره بنزولها فلا ينبغي أن يمنع من هذا وأن منع من نسخ الحكم فيكون الأمر على ضد ما يتوهم فيما ذكره القاضي وقال القاضي وأبو الخطاب في مسألة قراءة الفاتحة من الانتصار والثابت باليقين كان يحتمل الرفع بخبر الواحد في زمن الرسول صلى الله عليه وسلم لأن الموجب للخير لا يوجب البقاء وإنما البقاء لعدم دلالة الرفع والثابت لعدم الأدلة يرتفع بأدنى دليل إلا ترى أن القبلة كانت ثابتة إلى بيت المقدس ثم أن واحدا أخبر أهل قباء بالنقل إلى الكعبة فاستداروا وأقرهم الرسول وذكر القاضي في ضمن مسألة النسخ أن نسخ القرآن بخبر الواحد والقياس يجوز عقلا وإنما منعناه شرعا وعد نسخ تقدم الصدقة بين يدي النجوى نسخ وجوبه إلى إباحة الفعل والترك وجعل المنسوخ إلى الندب قسما آخر كالمصابرة فإنه يجب مصابرة الاثنين ويستحب مصابرة أكثر من ذلك1 وجعل من المحظور إلى مباح زيارة القبور ونسخها بالإباحة بعد الحظر ولم يذكر إلا نسخ الوجوب إلى وجوب أو ندب أو إباحة ونسخ الحظر إلى إباحة فلم يذكر نسخ إباحة.   1 في ا "فإنه يجب مصابرة أكثر من ذلك" فتغير الحكم وهو تحريف وسقاط من الناسخ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 205 مسألة: لا يجوز البداء على الله تعالى في قول الكافة ويحكى عن زرارة ابن أعين والروافض جوازه وكذبوا على الله تعالى الله عن قولهم علوا كبيرا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 205 مسألة: يجوز نسخ السنة بالقرآن وبه قالت الحنفية والشافعي فيه قولان ذكرهما القاضي وابن عقيل وأبو الطيب ويتخرج لنا المنع إذا منعنا من تخصيصها به والأول قول عامة الفقهاء من المالكية والشافعية والمتكلمين والمعتزلة قال ابن برهان: وشذت طائفة من أصحابنا فمنعوا من ذلك وعزوه إلى الشافعي قال الجزء: 1 ¦ الصفحة: 205 القاضي في مقدمة المجرد ولا يجوز نسخ الكتاب بالسنة نص عليه وأما نسخ السنة بالكتاب فكلامه محتمل [فيه] 1 ففي موضع ما يقتضى أن لا تنسخ السنة إلا بسنة مثلها وفي موضع يجوز ذلك وقال في العدة أومأ إليه أحمد فقال عبد الله سألت [أبي عن رجل أسير أخذ] منه الكفار عهد الله وميثاقه أن يرجع إليهم فقال فيه اختلاف قلت: لأبي حديث أبي جندل قال: ذاك صالح على أن يردوا من جاءهم مسلما فرد النبي صلى الله عليه وسلم الرجال ومنع النساء ونزلت فيهم: {فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ} 2 وقال القاضي وظاهر هذا أنه أثبت نسخ القصة بقرآن. قال شيخنا قلت: الذي منع نسخ السنة بقرآن يقول إذا نزل القرآن فلا بد أن يسن النبي صلى الله عليه وسلم سنة تنسخ السنة الأولى وهذا حاصل وأما بدون ذلك فلم يقع.   1 كلمة "فيه" ساقطة من ا. 2 من الآية "10" من سورة الممتحنة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 206 مسألة: لا يجوز نسخ السنة المتواترة بالآحاد ذكره القاضي وأبو الطيب مستشهدين به ولم يذكرا فيه خلافا3 وقال ابن برهان اجمع عليه الفقهاء والمتكلمون وقال الجويني أجمع عليه العلماء وذكر القاضي النسخ بخبر الواحد في ضمن مسألة التخصيص به وقيل يجوز في زمن النبي صلى الله عليه وسلم خاصة وذكر ابن عقيل عن أحمد رواية أخرى بجواز النسخ4 بأخبار الآحاد احتجاجا بقصة أهل قباء [وبه قال بعض أهل الظاهر] 5. قلت ويحتمله عندي قول الشافعي فإنه احتج على خبر الواحد بقصة قباء. قلت ومن حجة النسخ بخبر الواحد حديث أنس في الخمر إذا أراقها وكسر   1 في ا "اختلافا". 2 في اد "بجواز نسخ القرآن". 3 في ا "بقصة أهل الظاهر" وفي ب "نقضه أهل الظاهر". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 206 الدنان وذكر الباجي أن من الناس من منع من نسخ المتواتر بخبر الواحد عقلا ومنهم من جوزه عقلا وقال لم يرد به الشرع ومنهم من قال: ورد به الشرع في زمن الرسول قال: وهو الصحيح وقال لا يجوز ذلك بعد الرسول بالإجماع1 على ذلك من جهة فرق بينهما.   1 في ا "للإجماع على ذلك". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 207 مسألة: يجوز نسخ العبادة وغيرها وإن اتصل ذلك بلفظ التأبيد 1 وقال قوم لا يجوز والحالة هذه.   1 في ا "وإ، اتصل بذلك لفظ التأبيد". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 207 مسألة: يجوز النسخ قبل وقت الفعل عند ابن حامد والقاضي وهو ظاهر كلامه وقول الأشعرية وأكثر الشافعية ومنع منه أبو الحسن التميمي والحنفية وأكثر المعتزلة وبعض الشافعية وهو الصيرفي ونقل عن أبي الحسن التميمي أيضا الجواز كالأولين واختار ابن برهان المنع وحكى عن الحنفية كالمذهبين واختار أبو الخطاب الأول وأما النسخ قبل الفعل وبعد دخول الوقت فلا خلاف فيه قاله القاضي ومن النسخ قبل الفعل حديث الاسراء وقوله صلى الله عليه وسلم: "إن أدركتم فلانا فحرقوه" ثم قال: "لا تحرقوه ولكن عذبوه" وقوله اكسروها فقالوا نكسرها أو [نغسلها] لعله ما في حديث خيبر1 وأمره لأبى بكر بتبليغ براءة ثم نسخ ذلك لعلي وهذا أشبه بأوامره صلى الله عليه وسلم فإنه يقارب عزل الوكيل2 فإن الوكيل مأمور.   1 في أصل ا "حديث جبريل" وكتب بهامشها "لعله خير". 2 في ا "عزل الموكل". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 207 مسألة: الزيادة على النص ليست نسخا عند أصحابنا والمالكية والشافعية1 والجبائي وابنه أبي هاشم وقالت الحنفية منهم الكرخي وأبو عبد الله البصري   1 في ا "والشافعي". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 207 وغيرهما هي نسخ وقالت الأشعرية وابن نصر المالكي والباجي متابعة منهم لابن الباقلاني إن غيرت حكم المزيد عليه كجعل الصلاة ذات الركعتين أربعا فهو نسخ وإن لم تغيره كزيادة عدد الجلد وإضافة الرجم إلى الجلد فليس بنسخ ولم يحك أبو الطيب هذا القول إلا عن أبي بكر الأشعري يعنى ابن الباقلاني وحكى ابن برهان هذا عن عبد الجبار بن أحمد وحكى مذهبا آخر. قال شيخنا1 قلت: التحقيق في مسألة الزيادة على النص زيادة إيجاب أو تحريم أو إباحة أن الزيادة ليست نسخا إذا رفعت موجب الاستصحاب أو المفهوم الذي لم يثبت حكمه إلا بمعنى النسخ العام الذي يدخل فيه التخصيص ومخالفة الاستصحاب ونحوهما وذلك يجوز بخبر الواحد والقياس وأما إن رفعت موجب الخطاب فهو نسخ [بمعنى] النسخ المشهور في عرف المتأخرين إن كان ذلك الموجب قد ثبت أنه مراد [بالخطاب وأما إذا لم يثبت أنه مراد إما مع] 2 تأخر المفسر عند من يجوز تأخره أو مع جواز تأخره عند من يوجب الاقتران فإنه كتخصيص العموم مثال الأول ضم النفي إلى الجلد ونحو ذلك فإنه إنما رفع الاستصحاب والمفهوم ولم يرفع موجب الخطاب المنطوق فالزيادة على النص بمنزلة تخصيص العموم وتقييد المطلق ومثال الثاني لو أوجب النفي في حد القاذف وكذا التفسيق ورد الشهادة متعلقا بالجلد كما يقوله الحنفية فإن بعد هذا لو أوجب النفي وجعل التفسيق ورد الشهادة متعلقا بهما فقد قال الغزالي وأبو محمد: انه لا يكون نسخا لأن ذلك تابع للجلد لا مقصود فأشبه نسخ عدة الحول إلى أربعة أشهر وعشر فإن ذلك نسخ لوجوب العدة لا لتحريم نكاح الأزواج وهكذا قال: والصواب أن نسخ العدة لكلا الحكمين نسخ لا يجاب الزيادة3 ولتحريم نكاح الأزواج   1 هذه الجملة ليست في ا. 2 ما بين المعقوفين ساقط من ا. 3 في ا "نسخ الإيجاب والزيادة". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 208 فهو نسخ لبعض موجب الخطاب الذي أريد وإبقاء لبعضه وهو كتخصيص العموم الذي استقر وأبد1 كآية اللعان ونحوها وكذلك على هذا إذا كانت الزيادة شرطا في صحة المزيد بحيث يكون وجود المزيد كعدمه بدون الزيادة كزيادة ركعتين في صلاة الحضر وزيادة الأركان والشروط في العبادات فإن من قال: هذا نسخ قال: لأن الخطاب الأول اقتضى الصحة والأجزاء مع الوجوب وقد ارتفع بالزيادة الصحة والأجزاء وقد أجاب أبو محمد عن هذا بأن النسخ رفع جميع موجب الخطاب لا رفع بعضه إذ رفع بعضه كتخصيص العموم وترك المفهوم وبأنه لو كان نسخا فإنما يكون [2إذا استقر وثبت ومن المحتمل أن دليل الزيادة كان] مقارنا والتحقيق أن الكلام في مقامين أحدهما أن الصحة والأجزاء من مدلول الخطاب فقط أم من مدلول العقل والثاني أنه إذا كان من مدلول الخطاب فرفع بعضه هو كتخصيص العموم3 يفرق فيه بين ما ثبت أنه مراد وما لم يثبت أنه مراد فإن مسألة الزيادة على النص إذا رفعت بعض موجب الخطاب [هي] بمنزلة تخصيص العموم فالزيادة على الخطاب بالتقييد كالنقص منه بالتخصيص وهذه المسألة هي بعينها مسألة تقييد المطلق فإن ذلك زيادة في اللفظ ونقص في المعنى كالزيادة في الحد فإنها نقص في المحدود والتخصيص زيادة خطاب تنقص الخطاب الأول فنقول أما المقام الأول فإن الصحة حصول المقصود والأجزاء حصول الامتثال وهذا يستفاد من معرفة المقصود والأمر وهو إنما يعلم بالعقل مع الاستصحاب فإنه لا بد أن يقال لم يؤمر إلا بهذا وقد امتثل وليس المقصود إلا هذا وقد حصل فالعلم بالمثبت من جهة الخطاب وبالمنفي من جهة الاستصحاب والمفهوم فإذا أوجب زيادة رفعت موجب الاستصحاب والمفهوم وإذا جعلها   1 في ب "وأريد" تحريف. 2 ما بين المعقوفين ساقط من ا. 3 في ا "فرفع بعضه تخصيص يفرق – إلخ". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 209 شرطا رفعت الحكم المركب من السمع والعقل فلم ترفع حكما سمعيا بل إنما رفعت ما ثبت بالاستصحاب والمفهوم فإنه بهما تثبت الصحة والأجزاء لا بنفس الخطاب فلا يكون رفعه نسخا هذا هو الجواب المحقق دون ما ذكره أبو محمد. المقام الثاني أنه لو رفع بعض موجب الخطاب فإن ثبت أنه مراد كما لو ثبت أن الأمر للوجوب ثم نسخ إلى الندب أو للعموم ثم خصص أو لمطلق المعنى ثم قيد فهذا نسخ وإن لم يثبت أنه مراد لم يكن نسخا وتراخى المخصص والمقيد لا يوجب أن يكون مرادا في ظاهر المذهب وفي الرواية الأخرى يوجب أن يكون مرادا فإذا قيل استقرار العموم والمفهوم إن عنى به انفصال الصارف1 ففيه الروايتان وإن عنى به استقرار حكمه فهذا لا ينبغي أن يكون فيه خلاف مع أن كلام أبي محمد يقتضي خلاف ذلك. فقد تحرر أن الزيادة تارة ترفع موجب الاستصحاب وتارة ترفع موجب المفهوم وتارة ترفع موجب الإطلاق والعموم وفي هذين الموضعين تارة يكون قد ثبت أن المتكلم أراد مقتضى المفهوم أو الإطلاق والعموم وتارة لم يثبت أنه أراده فمتى لم يثبت أنه أراده فهو كتخصيص العموم وأما إن ثبت أنه أراده فهو بمنزلة الاستصحاب الذي قرره السمع رفعه يكون نسخا لكن ذلك لا لأنه مجرد زيادة على النص لكن لمعنى آخر فالصواب ما أطلقه الأصحاب من أن الزيادة على النص ليست نسخا بحال والقول فيها كالقول في تخصيص العموم وتقييد المطلق سواء وأيضا فالزيادة تارة تكون في الحكم فقط وتارة في الفعل فالأول مثل أنه أباح الجهاد أولا ثم أوجبه أو يندب إلى الشيء ثم يوجبه فهنا زاد الحكم من غير أن يرفع الحكم الأول وإنما رفع موجب الاستصحاب والمفهوم إلا أن يكون الخطاب الأول قد نفي الوجوب.   1 في ا "انفصال الصادق" تصحيف. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 210 ثم الخطاب إذا دل على عدم الإيجاب وعدم التحريم فهو مثل النصوص الواردة في الخمر قبل التحريم هل هو نسخ فيه خلاف قال أبو محمد: هو نسخ والأشبه أنه ليس بنسخ لأنه لم ينف الحرج ولم يؤذن في الفعل وإذا سكت عن التحريم أقروا على الفعل إلى حين النسخ والإقرار المستقر حجة وأما غير المستقر فبمنزلة الاستصحاب المرفوع فلو فعل المسلمون شيئا مدة1 فلم ينهوا عنه ثم نهوا عنه لم يكن هذا نسخا وإن كان الإقرار [على الشيء] حجة شرعية لأن الإقرار إنما يكون حجة إذا لم ينهوا عنه بحال فمتى نهو عنه [فيما بعد زال] شرط كونه حجة وقد يقال هو نسخ2. [شيخنا] فصل:3 قال القاضي واحتج بأنكم قد جعلتم الزيادة على النص نسخا لدليل الخطاب يجب أن يكون نسخا للمزيد عليه وبيانه أنه إذا أمر الله أن يجلد الزاني مائة واستقر ذلك ثم زاد بعد ذلك عليها زيادة كان ذلك نسخا لدليل الخطاب لأن قوله: اجلدوا مائة دليله لا تجلدوا أكثر منها وهذا كما قالت الصحابة والتابعون إن قول النبي صلى الله عليه وسلم: "الماء من الماء" منسوخ وإنما المنسوخ حكم دليل الخطاب منه دون حكم النطق فقال القاضي والجواب أن الفرق بينهما ظاهر وذلك أن المزيد عليه لم يتغير حكمه وهو بعد الزيادة كهو قبلها وليس كذلك دليل الخطاب فإنه قد زال لأن تقديره لا تزيدوا على المائة وقد أوجب الزيادة عليها فصار المنع من الزيادة منسوخا قال: وربما قال قائل: إن ذلك ليس بنسخ وإنما هو جار مجرى التخصيص للعموم قال   1 في ب "فإذا فعل المسلمون شيئا من هذا – إلخ". 2 في ب "وقد يقال نهوا فنسخ" تصحيف. 3 بهامش اهنا "بلغ مقابلة على أصله". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 211 لأن دليل الخطاب من القرآن والسنة المتواترة يجوز تركه بالقياس وبخبر الواحد قال القاضي: والصحيح أنه نسخ لأن العموم إذا استقر [بتأخير بيان التخصيص] 1 كان ما يرد بعده مما يوجب تركه2 نسخا وكذلك [دليل الخطاب إذا استقر كان ما يرد بعده مما يوجب تركه نسخا] 3 وكذلك ذكر أبو محمد أنه لو ثبت حكم المفهوم واستقر بتراخي البيان يكون نسخا. قال شيخنا4 قلت: هذا ينبني على جواز تأخير البيان إن لم نجوزه فالتراخي يقتضي الاستقرار وإن جوزناه فالتراخي لا يقتضي الاستقرار. فصل: في تمام مسألة الزيادة حكى أبو الخطاب عن عبد الجبار بن أحمد كما ذكرنا وحكى مذهبا رابعا عن أبي الحسين البصري أن الزيادة إن أزالت حكما ثبت بالعقل كإيجاب التغريب لم يكن نسخا وإن أزالت حكما ثبت بالشرع فهو نسخ وذكر أبو حاتم في اللامع أن بعض أصحاب الشافعي قال: إن أسقطت دليل الخطاب كانت نسخا وإن بقى موجب النص كما في قوله: "الماء من الماء" مع قوله: "إذا قعد بين شعبها الأربع فقد وجب الغسل" وإلا فلا وذكر عن بعض الحنفية أنه قال: إن منعت إجزاء المزيد عليه وحده كانت نسخا وإلا فلا.   1 ما بين المعقوفين ساقط من ب. 2 في ا "ما يرد بعده من التخصيص نسخا". 3 ما بين المعقوفين ساقط من ب أيضا. 4 هذه الحملة ساقطة من ا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 212 مسألة: نسخ بعض العبادة أو شرطها لا يكون نسخا لجميعها خلافا لبعض الشافعية والحنفية [والأول قول أكثر الشافعية والكرخي والبصري الحنفيين الجزء: 1 ¦ الصفحة: 212 ذكره القاضي محتجا1 به على المخالف والثاني حكاه ابن برهان عن الحنفية وأبو الخطاب عن عبد الجبار] . فصل: والخلاف فيما إذا نسخ جزء العبادة أو شرطها المتصل كالتوجه فأما [المنفصل] كالوضؤ فلا يكون نسخا لها إجماعا. [شيخنا] فصل: إذا نسخ الأصل تبعت فروعه مثله القاضي بمسألتين إحداهما نسخ التوضؤ بالنبيذ النىء يتبعه المطبوخ خلافا للحنفية والثانية أن صوم عاشورا كان واجبا عندهم وقد أجزأ بنية من النهار فكذلك كل صوم معين مستحق ثم نسخ وجوبه وبقى حكمه في غيره والأولى صحيحة وفيها نظر أيضا فإن المنسوخ عندهم تجويز شربه فتتبعه الطهورية فإنها نفس المسألة وأما المسألة الثانية ففيها نظر والصحيح فيها أن ذلك لا يوجب نسخ ذلك الحكم وأصحابنا كثير ما يسلكون هذه الطريقة إلى استدلالهم2 وذلك بأن المنسوخ هو وجوب صوم يوم عاشورا فسقط أجزاؤه بنية من النهار لعدم المحل فأما كون الواجب يجزيء بنية من النهار فلم يتعرض لنسخه وهذا مثل احتجاجهم في القرعة بقصة يونس وهي في الذم ومما يشبه نسخ بعض الأصل قرعة يونس على إلقاء نفسه في اليم فإن الاقتراع على مثل هذا لا يجوز في شرعنا لأن المذنب نفسه لو عرفناه لم نلقه3 فهل يكون   1 في ب "يحتج به". 2 ا "في استدلالهم". 3 في ا "لم نقل له" وفي ب "لم نبقه" وكلاهما تحريف ما أثبتناه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 213 نسخ القرعة في هذا الأصل نسخا لجنس القرعة [1أصحابنا قد احتجوا بهذه الآية على القرعة] 1 وأقرب منه قرعة زكرياء فإنهم اقترعوا على الحضانة وهو جائز لكن المقترعون كانوا رجالا أجانب فاقترعوا لأنهم قد كان في شرعهم له ولاية حضانة المحررة فارتفاع الحكم في عين الأصل2 لا يكون رفعا له في مثل ذلك الأصل إذا وجد ومثل ذلك نهيه لمعاذ عن الجمع بين الائتمام وإمامة قومه إذا كان للتطويل عليهم هل يكون نسخا3 لما دل الجمع عليه من ائتمام المفترض بالمتنفل قال القاضي: في مسألة نسخ الأصل نسخ لرفعه احتج المخالف بأنه لو نسخ ذلك لكان نسخا بالقياس على موضع النص وهذا لا يجوز بالإجماع فقال والجواب أنه ليس بنسخ بالقياس وإنما زال الموجب فزال ما تعلق به كما إذا زالت العلة زال الحكم المتعلق بها قال: وإنما النسخ بالقياس أن ينسخ حكم الفرع بعد استقراره بالقياس على أصل شرع بعد استقراره وهذا لا يجوز بالإجماع فأما إزالته بنسخ أصله فليس بنسخ بالقياس. قال شيخنا قلت: بل هو في المعنى نسخ بالقياس كما هو إثبات بالقياس لأن الحكم الثابت في الأصل أثبت في الفرع قياسا ثم إذا ثبت التحريم في الأصل ثبت في الفرع قياس إلا أن يقول القاضي أنا أزيل حكم الأصل عن الفرع ولا أثبت ضده فلا يمشى هذا لأن الفرع كان قد ثبت فيه حكم الأصل فلا بد من مزيل إما خطاب وإما حكم والخطاب لم يتناوله فثبت أنه نسخ لحكم الأصل وهذا جائز ولهذا قال: لما ذكر المسألة مفردة وأما القياس فلا ينسخ لأنه مستنبط من أصل فلا يصح نسخه مع بقاء الأصل المستنبط منه والأصل باق فكان القياس باقيا ببقائه   1 ما بين المعقوفين ساقط من ا. 2 في ب "في غير الأصل". 3 في ا "هل يكون ناسخا". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 214 وإذا لم يصح نسخه لم ينسخ به أيضا لأنه إنما يصح ما لم يعارضه أصل فإن عارضه أصل سقط في نفسه فبطل أن ينسخ الأصل به. قال شيخنا1 قلت: ولم يتعرض لنسخه مع أصله بفرع الأصل الناسخ لأصله وهي المسألة المتقدمة. قلت ومع هذا فلا يمتنع أن ينسخ الفرع دون أصله لكن هذا إنما يكون في زمان النسخ وكذلك لا يمتنع أن ينسخ غيره في صورتين أحداهما أن تكون موافقته لأصله أقوى من الأصل المنسوخ بأن يكون قطعيا ونحو ذلك والثاني أن ينسخ هو وأصله فرعا آخر وأصله فأما نسخه بعد الرسول فلا يمكن ونسخ أصل منصوص بقياس أضعف منه فلا يمكن هذا تحرير المسألة وتلخص لأصحابنا فيها أقوال ثم بعد الجواز ما الواقع هذا بحث آخر وقال ابن عقيل في أواخر كتابه يجوز نسخ القياس في عصر النبي صلى الله عليه وسلم لأن طريق النسخ حاصل وهو الوحي فإذا قال: حرمت المفاضلة في البر لأنه مطعوم كان ذلك نصا منه على الحكم وعلى علته وقد اختلف الناس هل نصه على العلة إذن منه في القياس أم لا على مذهبين فإن كان هذا إذنا أو أذن في القياس نصا فقاسوا الأرز على البر فعاد وقال بعد ذلك بيعوا الأرز بالأرز متفاضلا فقال قوم يكون تخصيصا للعلة بالطعم في البر خاصة. قال شيخنا قلت: هو أشبه بكلام أحمد وكلامه في مسألة الاستحسان يدل عليه وقال قوم يكون نسخا للقياس والذي لا خلاف فيه أن يصرح فيقول لا تقيسوا الأرز على البر في تحريم التفاضل2 فهذا غير ممتنع بل الممتنع نسخ   1 هذه الجملة ساقطة من ا. 2 في ا "تحريم المفاضلة". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 215 قياس استنباطه بعد وفاته صلى الله عليه وسلم فإنه لا وحى ينزل بعد عصره فإن عثر على نص يخالف حكم القياس كان القياس باطلا1.   1 في د "كان القياس رفعا لكنه لا يكون نسخا نبين أن القياس كان باطلا". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 216 مسألة: نسخ القياس والنسخ به مسألة عظيمة والحنفية وغيرهم يقعون فيها كثيرا فإنهم يعارضون بين قياس أحد النصين والنص الآخر ويجعلونه ناسخا أو منسوخا وأحمد يخالفهم في ذلك والنكتة أنه هل يجوز أن يكون بين لفرع والأصل فرق يصح معه الفرق في الحكم فإن لم يصح فرق وإلا ثبت النسخ إلا أن يقال بالتعبد1.   1 في ا "إلا أن يقال بالبعد". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 216 مسألة: قال أبو الخطاب في نسخ: [ما ثبت] 1 بالقياس إن كان ثبوته بعلة منصوص عليها أو منبه عليها مثل أن ينص على تحريم البر لعلة الكيل ويتعبد بالقياس عليه ثم ينص بعده على إباحته في الأرز ويمنع من قياس البر عليه كان نسخا فأما ما ثبت بقياس مستنبط فلا يصح نسخه ومتى وجدنا نصا بخلافه وجب المصير إليه وتبينا به فساد القياس هذا معنى كلامه وعندي في تقييده أولا نظر [وقال المقدسي ما يثبت بالقياس إن كان منصوصا على علته فهو كالنص ينسخ وينسخ به وإن لم يكن منصوصا على علته لم ينسخ ولم ينسخ به] 2. وشذت طائفة فأجازته والذي ذكره القاضي أن القياس لا ينسخ ولا ينسخ به1 وقال الجوبني إذا ورد نص واستنبط منه قياس ثم نسخ النص تبعه القياس المستنبط وقال أبو حنيفة لا يبطل القياس ثم قال الجوبني: وعندي   1 مكان هذه الكلمة بياض في ا. 2 ما بين هذين المعقوفين ثابت في أصل ب وساقط من أصل اوألحقه الناسخ بهامشها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 216 أن المعنى المستنبط من الأصل إذا نسخ بقى معنى الأصل له فإن صح استدلال نظرنا فيه وإن لم يصح أبطلناه. وقال شيخنا: مسألة النسخ بالقياس لها صور: أحدها أن ينسخ حكم الأصل فيتبعه الفروع أولا أو يفصل بين العلة المنصوصة وغيرها. الثانية أن يكون حكم الأصل ثابتا ويجيء نص في الفرع يخالف موجب القياس فهل يكون ذلك نسخا لذلك الحكم الثابت بالقياس طريقة القاضي أن هذا لا يقع لأنه يقول ما دام حكم الأصل باقيا وجب بقاء حكم الفرع ولا يزول الفرع إلا بزوال أصله وقال غيره بل وجود النص يبين أن القياس فاسد لأن جواز استعماله موقوف على فقد النص فتكون العلة مخصوصة وقال أبو الخطاب وغيره إن كانت علة الأصل منصوصة كان نسخا. الثالثة أن يرد نص ثم يجيء بعد نص حكم فرعه يخالف الأول فهل ينسخ الأول بهذا القياس [1قال القاضي وابن عقيل وغيرهما لا ينسخ به] 1 بل يكون فاسدا وفي ضمن تعليله النص على العلة المنصوصة وقيل ينسخ بالقياس المنصوص على علته فالخلاف في العلة المنصوصة عند القاضي وابن عقيل لا ينسخ ولا ينسخ به وعند أبي2 الخطاب ينسخ ولا ينسخ به وهل يشترط في النسخ به أن يمنع من القياس على الناسخ عند أبي الخطاب يشترط وعند صاحب المغنى ينسخ وينسخ. قال شيخنا: هذا الذي فهمته من النقل فليراجع وتعليل القاضي وغيره في مسألة نسخ المفهوم وغيرها يقتضى إجراءه مجرى المنصوص على علته كما قال صاحب   1 ما بين المعقوفين ساقط من اوحدها ويدل لصحته ذكر القبل الثاني. 2 في ب "وعند أبي الخطاب تشترط" وعند صاحب المغني بنسخ وينسخ به" بإسقاط كلام كثير. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 217 المغنى: وتحقيق الأمر في نسخ القياس أنه إن استقر حكم ثم جاء بعده نص يعارضه كان نسخا للقياس فقط [1سواء كانت العلة منصوصة أو مستنبطة وإن لم يستقر حكمها كان مجيء النص دليلا على فساد القياس] 1 وهكذا القول في نسخ العموم والمفهوم وكل دليل ظني بقطعي أو بظني أرجح منه فإنه عند التعارض إما أن يرفع الحكم أو دلالة الدليل عليه فالأول هو النسخ الخاص والثاني من باب فوات الشرط أو وجود المانع ونسخ القياس المنصوص على علته يبنى على تخصيص العلة إن جوزنا تخصيصها فهي كنسخ اللفظ العام فيكون نسخ الفرع تخصيصا وإن لم نجوز تخصيصها فهو نسخ والذي ذكره أصحابنا والشافعية والمالكية عن الحنفية أنهم احتجوا بحديث الوضوء بالنبيذ فقيل لهم ذلك كان نيئا2 وعندكم لا يجوز الوضوء بالنىء فقالوا إذا ثبت الوضوء بالنىء في ذلك الوقت ثبت الوضوء بالمطبوخ لأن أحدا لا يفرق بينهما في ذلك الوقت ثم نسخ النىء وبقى المطبوخ فقال أصحابنا وموافقوهم3 إذا كان ثبوته بثبوته كان زواله بزواله. قال شيخنا قلت: الذي ذكره الحنفية جيد لو فرض أنه لم يحرم من الأنبذة إلا النىء وذلك لأنه على هذا التقرير جاز التوضؤ بهما إذ ذاك ثم صار الأصل حراما دون الفرع فالمعنى الناسخ اختص به الأصل دون الفرع وكذلك قولهم في مسألة التبييت في صوم عاشورا فإنه إذا ثبت أن صوما واجبا يجزيء بغير تبييت كان حكم سائر الصوم الواجب كذلك ثم نسخ الحكم في الأصل [4وإنما هو لزوال وجوبه والتحقيق أن هذا ليس من باب نسخ الحكم في الأصل] 4 وإنما هو من باب نسخ الأصل نفسه فإن الشارع تارة ينسخ الحكم مع بقاء الأصل   1 ما بين هذين المعقوفين ساقط من اد. 2 في ب "كان ماء" تصحيف. 3 في ا "ومن وافقهم". 4 ما بين المعقوفين ساقط من اوحدها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 218 فهنا لا يقع ريب أن الفرع يتبعه وتارة يرفع الأصل فلا يلزم رفع الحكم بتقدير وجود الأصل والمسألة محتملة إذ لقائل أن يقول لو بقى الأصل فقد كان يبقى حكمه وقد لا يبقى ومن هذا الباب حديث معاذ إذا قيل إن النبي صلى الله عليه وسلم نهاه عن الإمامة بهم. [شيخنا] فصل:1 بيان الغاية المجهولة مثل التي في قوله: {حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلاً} 2 نسخ عند القاضي وغيره وقال الناسخ قوله: {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي} 3 الآية قال: لأن هذه الغاية مشروطة في كل حكم [مطلق لأن غاية كل حكم] 4 إلى موت المكلف أو إلى النسخ وكذلك ذكر في نسخا الأخف بالأثقل إن حد الزنا5 في أول الإسلام كان الحبس ثم نسخ وجعل حد البكر الجلد والتغريب والثيب الجلد والرجم وكذلك قال القاضي: لما احتج اليهود بما حكوه عن موسى أنه قال: شريعتي مؤبدة ما دامت السموات والأرض فأجاب بالتكذيب وبجواب آخر وهو أنه لو ثبت لكان معناه إلا أن يدعو صادق إلى تركها وهو من ظهرت المعجزة على يده وثبتت نبوته بمثل ما ثبتت به نبوة موسى والخبر يجوز تخصيصه كما يجوز تخصيص الأمر والنهي. قال شيخنا رضى الله عنه قلت: وعلى هذا يستقيم أن شريعتنا ناسخة وهذا6 قول أبي الحسين وغيره ثم ذكر القاضي [في مسألة نسخ القرآن بالسنة] أن   1 بهامش اهنا "بلغ مقابلة على أصله". 2 من الآية "15" من سورة النساء. 3 من الآية "2" من سورة النور. 4 ما بين هذين المعقوفين ساقط من اوحدها ولم يؤد جديدا. 5 في ا "إن حد الزنى". 6 في ا "وهو قول – إلخ". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 219 الحبس من الآية لم ينسخ لا النسخ أن يرد لفظ عام يتوهم دوامه ثم يرد ما يرفع بعضه والآية لم ترد بالحبس على التأبيد وإنما وردت به إلى غاية هو أن يجعل الله لهن سبيلا فأثبت الغاية فوجب الحد بعد الغاية بالخبر ذكر ذلك في جواب من زعم أن بعض القرآن نسخ بالسنة كآية الوصية بقوله: "لا وصية لوارث" وآية حد الزنا من الحبس والأذى بقوله: "خذوا عنى" وقوله: {وَلا تُقَاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} 1 بقتل ابن خطل2 فقال القاضي الوصية منسوخة بآية المواريث وأجاب عن حد الزنا بما تقدم ذكره قال: وقد قيل انه في البكر منسوخ بقوله: {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي} 3 وفي الثيب بآية الرجم التي نسخ رسمها وبقى حكمها وقوله: {وَلا تُقَاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} منسوخ بقوله: {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ} 4.   1 من الآية "191" من سورة البقرة. 2 في ب "ابن حنظل" تحريف. 3 من الآية "2" من سورة النور.. 4 من الآية "5" من سورة التوبة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 220 مسألة: إذا نص على حكم عين من الأعيان لمعنى وقسنا عليه كل موضع وجدت فيه العلة ثم نسخ حكم الأصل تبعته الفروع عند أصحابنا والشافعية خلافا للحنفية والعلة المستنبطة والمومأ إليها سواء على ظاهر كلامهم لأنهم ذكروا من الأمثلة وضوء النبيذ وتعليله بأنه ثمرة طيبة وماء طهور وكونه ورد في النبيذ النىء وقد أجمعنا على زوال الحكم فيه فيزول في المطبوخ المتنازع فيه خلافا للحنفية فهذا نسخ لنفس الأصل لا لحكمه فالمسألة ذات صورتين نسخ حكم الأصل وهنا يظهر أن تتبعه الفروع المستتبعة والثاني نسخ نفس الأصل الذي هو حكم هل يكون نسخا وذكر أبو الخطاب في آخر مسألة القياس في هذه المسألة احتمالين وعندي إن كانت العلة منصوصا عليها لم تتبعه الفروع إلا أن يعلل نسخه بعلة فيثبت النسخ حيث وجدت العلة ولأبي الخطاب كلام في نسخ ما يثبت بالقياس بعلة منصوصة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 220 مسألة: فأما مفهوم الموافقة إذا نسخ نطقه فلا ينسخ مفهومه كنسخ تحريم التأفيف لا يلزم منه نسخ الضرب العنيف لأن التأذي به أعظم ولا يلزم من إباحة يسير1 الضرب إباحة كثيره ذكره ابن عقيل في أواخر كتاب الواضح [والد شيخنا] 2 [وفي القياس أيضا منه بكلام يقارب ذلك وذكره أبو محمد البغدادي] وبه قالت الحنفية خلافا لبعض القائلين بأنه قياس [جلي] 3 حكاه ابن عقيل وكذلك قول المقدسي [وذكر4 ابن عقيل في جوابه على العدة وفي مواضع أخرى كالأول] وذكر القاضي في بعض المواضع أن نسخ النص أو مخالفته لا يرفع دلالة التنبيه ذكره في النهي عن الشهادة على نكاح المحرم والتفضيل بين الأولاد قال: وهذا مختلف فيه فهو تنبيه على المتفق عليه ثم قام الدليل على جواز المختلف فيه وهذا نظير استدلال الحنفية5 [في شهادة أهل الذمة وصرح بأبلغ من هذا في مسألة القياس لما احتج المخالف بأنه لو كان القياس صحيحا لم يخل المنصوص عليه إذا نسخ وقد قيس عليه فروع أن يثبت الحكم في فروع حكمه أو ينسخ الحكم فيها بنسخ حكم الأصل فإن قلتم يصير منسوخا كان ذلك مبطلا لمذهبكم في أن نسخ بعض ما تناوله النص لا يوجب نسخ جميعه وإن قلتم إن الحكم في فروعه يكون باقيا كان فيه تبقية الحكم في الفروع مع نسخ حكم الأصل فقال والجواب أنه لا يمتنع عندنا أن يبقى الحكم في الفروع مع نسخ الحكم في الأصل كما أن نسخ الحكم في الأصل لا يوجب ارتفاع ما حكم في الحوادث بموجب النص قبل ورود النسخ وهذا خلاف ما ذكره في المسألة المفردة   1 في ا "إباحة رسم الضرب". 2 هذه الكلمة ساقطة من ا. 3 هذه الكلمة ساقطة من ب د. 4 ما بين هذين المعقوفين ساقط من اد. 5 من هنا إلى أثناء المسألة التالية ساقطة من اوحدها وقد أشر الناسخ بعلامة استلحاق ولكنه لم يكتب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 221 مسألة: مفهوم الموافقة وهو التنبيه ينسخ وينسخ به مثل أن ينهي عن التأفيف للوالد ثم يبيح1 ضربه فإنه يكون نسخا للتأفيف وكذلك لو أباح التضحية بالعمياء ثم نهي عن العوراء كان نسخا لإباحة العمياء ونحو ذلك وبهذا قالت الحنفية] 2 وأبو القاسم الإنماطي من الشافعية وكذلك ابن برهان ولم يذكر فيه خلافا وذكر أبو الخطاب أنه قول أكثر العلماء وقال بعض الشافعية لا ينسخ ولا ينسخ به لكونه قياس عندهم فيما ذكره أبو الخطاب وكذلك القاضي ولفظه خلافا لأصحاب الشافعي وحكى الخلاف في النسخ به خاصة.   1 في د وحدها "ثم ينسخ" وهو خلاف وضع المسألة والمثال الثاني يوضع صحة ما أثبتناه. 2 من أثناء المسألة السابقة إلى هنا ساقط من ا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 222 مسألة: مفهوم المخالفة إذا استقر حكمه وتقرر فإنه يجوز أن ينسخه غيره كما قال به الصحابة في: "الماء من الماء" انه منسوخ فأما إذا لم يستقر حكمه وقد وجدنا منطوقا بخلافه قدم المنطوق عليه وعلمنا أنه غير مراد1. ولفظ القاضي دليل الخطاب وما في معناه من التنبيه نحو قوله: {فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ} 2 ينسخ وينسخ به وهو قول المتكلمين خلافا لأصحاب الشافعي فيما حكاه الاسفرائينى. [شيخنا] فصل: إذا نسخ النطق فقال أبو محمد ينسخ أيضا ما ثبت بعلة النص أو بمفهومه أو بدليله خلافا لبعض الحنفية. قال شيخنا قلت: قد خالفه ابن عقيل وغيره في انتساخ المفهوم الذي هو الفحوى وكذلك خالفه الجد في العلة المنصوصة وأما دليل الخطاب فهو كمفهوم الموافقة وأولى ففي هذه المسائل وجهان وجماع هذا أن معقول الأصل الذي هو القياس والتنبيه والدليل إما أن تنسخ مفردة أو تنسخ مع أصلها وعلى التقديرين فالناسخ لها إما نص أو هي فيجيء اثنا عشر قسما أو أربعة وعشرون.   1 في د وحدها "وعلمنا أنه مراد". 2 من الآية "23" من سورة الاسراء. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 222 مسألة: يجوز النسخ في السماء إذا كان هناك مكلف مثل أن يكون قد أسرى ببعض الأنبياء كنبينا عليه الصلاة والسلام ولا يكون ذلك بداء ذكره ابن عقيل خلافا للمعتزلة ومن منع كون الاسراء يقظة في جحدهم لوقوع ذلك ومنهم من منعه عقلا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 223 مسألة: إذا كان الناسخ مع جبريل فلا حكم له قبل أن يصل إلى الرسول فإذا وصل إليه فهل يثبت في حق من لم يبلغه قال أصحابنا: لا يثبت وهو ظاهر كلامه ومذهب الحنفية وللشافعية وجهان وحكى ابن برهان أن مذهب أصحابه يثبت حكمه ونصره واختاره أبو الطيب مع حكايته الوجهين وقال أبو الخطاب يتوجه على المذهب أن يكون نسخا بناء على عزل الوكيل قبل العلم والقاضي وابن عقيل وغيرهما جعلوا هذا وجها واحدا وفرقوا بينه وبين الوكيل بفروق جيدة وقال ابن الباقلاني وصاحبه ابن حاتم وهذا لفظه عندنا يجوز أن يقال قد نسخ عنه الأمر وإذا بلغه لزمه المصير إلى موجب الناسخ لا بالأمر المتقدم بل باعتقاد له آخر ولو كان كل شيء آخر فبلغه أنه أمر ثم نسخ عنه وجب أن يصير إلى موجب الناسخ وقال جمهور الفقهاء والمتكلمين مثل هذا لا يكون نسخا وأما إذا لم يبلغه الناسخ فلا يلزمه حكم الناسخ كما [لو] لم يبلغه حكم المنسوخ. [شيخنا] فصل: كلام القاضي يقتضى أن هذا لا يختص بمسألة النسخ بل يشمل الحكم المبتدأ فإنه قال: إذا كان الناسخ مع جبريل ولم يصل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فإنه ليس بنسخ وإن وصل إلى النبي فهل يكون نسخا ظاهر كلام أصحابنا أنه ليس بنسخ إلا عمن بلغه ذلك وعلم لأنه أخذ بقصة أهل قباء واحتج بها على إثبات خبر الواحد في رواية أبي الحارث والفضل بن زيادة ثم قال في الدليل: ولان الخطاب لا يتوجه إلى من لا علم له به كما لا يخاطب النائم والمجنون لعدم علمهما الجزء: 1 ¦ الصفحة: 223 وتمييزهما ولأنه لا خلاف أنه مأمور بالأمر الأول ومتى تركه مع جهله بالناسخ كان عاصيا فدل على أن الخطاب باق عليه قال: واحتج المخالف بأنه لا يمتنع أن يسقط حكم الخطاب بما لم يعلم كالموكل إذا عزل وكيله وانعزل قبل العلم فلا يصح بيعه فأجاب بأن في تلك المسألة روايتين إحداهما لا ينعزل ويحكم بصحة بيعه وكذلك لو مات الموكل فباع صح بيعه وعلى هذا قال أصحابنا: إذا حلف على زوجته فقال إن خرجت بغير إذني فأنت طالق فأذن لها وهي لا تعلم وخرجت وقع الطلاق ولم يكن لذلك الإذن حكم وفيه رواية أخرى ينعزل الوكيل وإن لم يعلم فعلى هذا الفرق بينهما أن أوامر الله ونواهيه مقرونة بالثواب والعقاب فاعتبر فيها العلم بالمأمور به والمنهي عنه وليس كذلك الإذن في التصرف والرجوع فيه فإنه لا يتعلق به ثواب ولا عقاب وقد ذكرت هذه المسألة في موضع آخر وبينت أن فيها ثلاثة أقوال لنا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 224 مسألة: الإجماع لا ينسخه شيء لأنه إنما ينعقد بعد انقضاء زمن الوحي والنسخ حينئذ محال فأما النسخ به فجائز لكن لا بنفسه بل بمستنده فإذا رأينا نصا صحيحا والإجماع بخلافه استدللنا بذلك على نسخه وأن أهل الإجماع اطلعوا على ناسخ وإلا لما خالفوه وكلام الشافعي في الرسالة يقتضى أن السنة لا يثبت نسخها إلا بسنة ولا ينعقد الإجماع على أنها منسوخة إلا مع ظهور الناسخ قال: فإن قال قائل فيحتمل أن يكون له سنة مأثورة وقد نسخت ولا تؤثر له السنة التي نسختها فلا يحتمل هذا وكيف يحتمل أن يؤثر ما وضع فرضه ويترك ما يلزم فرضه ولو جاز هذا خرجت عامة السنن من أيدي الناس بأن يقولوا لعلها منسوخة ولم ينسخ فرض أبدا إلا أثبت مكانه فرض قال: فإن قال قائل: فهل تنسخ السنة بالقرآن قيل لو نسخت بالقرآن كانت للنبي صلى الله عليه وسلم فيه سنة تبين أن سنته الأولى منسوخة بسنته الأخرى حتى تقوم الحجة على الناس بأن الشيء ينسخ بمثله. قال شيخنا: وقد كتبت ما يتعلق بمسألة النسخ بالإجماع قبل هذا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 224 مسألة: ولا يجوز النسخ بالقياس قاله القاضي وأبو الخطاب وغيرهما وهو قول ابن الباقلاني وأصحابه وجعل المانع السمع لا العقل وحكى عن أصحاب الشافعي أنهم اختلفوا في نسخ النص بقياس المعنى والعلة وكان ابن سريج يجيز نسخ القرآن بقياس مستخرج من قرآن وسنة وقال الإنماطي يجوز نسخ النص بقياس مستخرج من قرآن "وحكى عن ابن سريج جواز نسخ القرآن والسنة بقياس مستخرج من السنة" وكلهم على أنه لا يجوز النسخ بقياس الشبه1 واختيار الباجى أن القياس المنصوص على علته كالنص ينسخ به كقول الإنماطي وحكى عن طائفة أنه يجوز النسخ بكل ما يجوز به التخصيص وقال اتفق أكثر العلماء من الفقهاء وأصحاب الأصول أنه لا يجوز النسخ بالقياس ومثله ابن عقيل بأن ينص على إباحة التفاضل في الأرز [بالأرز] فإنه لا ينسخ بالمستنبط من نهيه عن بيع الأعيان الستة أو عن بيع الطعام مثلا بمثل ونحو ذلك وقال بعض الشافعية يجوز النسخ بالقياس وكذلك حكاه ابن برهان عن أصحابه وكذلك صدر ابن عقيل كلامه بذلك في المسألة بعدها واختار ابن برهان2 أنه يجوز في زمن النبي صلى الله عليه وسلم: "أن ينسخ ما ثبت بالقياس بالنص أو بقياس علة يومأ إليها وبسط القول في ذلك" وهذا قول ابن عقيل وحكى عن عبد الجبار بن أحمد أنه أجاز نسخ القياس وحكى عنه قول آخر بالمنع. [شيخنا] فصل: يتعلق بمسألة النسخ بالقياس قاعدة أحمد التي ذكرها في كلامه [ودلت عليها تصرفاته] أنه إذا تعارض حديثان في قضيتين متشابهتين داخلتين تحت جنس واحد لم يدفع أحد النصين   1 في اب "قياس السنة" تحريف. 2 في ا "وأجاز ابن برهان". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 225 بقياس النصر الآخر بل يستعمل كل واحد من النصين في موضعه ويجعل النوعين حكمين مختلفين والمسكوت عنه يلحقه بأحدهما مثل ما عمل في السجود قبل السلام وبعده ومثل ما عمل في صلاة الفذ1 خلف الصف رجلا كان أو امرأة ومثل ما عمل فيمن باع عبدا وله مال مع حديث القلادة الخيبرية وفي مسألة مد عجوة ومثل ما عمل في حديث هند خذي ما يكفيك وولدك مع قوله: أد الأمانة إلى من أئتمنك وهذا على ثلاثة أقسام. أحدها: أن يظهر بين النوعين المنصوصين فرق فهذا ظاهر. والثاني: أن يعلم انتفاء الفرق فهذا ظاهر أيضا وأحمد وغيره يقولون بالتعارض مثل أن يكون2 أحمد النصين في حق زيد والآخر في حق عمرو ونحو ذلك. والثالث: أن تكون التسوية ممكنة والفرق ممكنا فهنا هو مضطرب الفقهاء فمن غلب على رأيه التسوية قال بالتعارض والنسخ مثلا ومن جوز أن يكون هناك فرق لم يقدم على رفع أحد النصين بقياس النص الآخر [وقد يعم كلام أحمد هذا القسم فينظر] 3 ويقول هذا من جنس خبر الواحد المخالف لقياس الأصول وأهل الرأي كثيرا ما يعارضون النصوص الخاصة بقياس نصوص أخرى أو بعمومها وفي كلام أحمد إنكار على من [كان] يفعل ذلك. [شيخنا] فصل: في النسخ بالعموم والقياس الحنفية يقولون بهذا كثيرا وأصحابنا والشافعية وغيرهم يدفعونه كثيرا   1 في ب "الفرد" ومعنى اللفظين واحد. 2 في ا "مثل أن تكون إحدى القصتين – إلخ". 3 ما بين المعقوفين ساقط من ا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 226 والحاجة إلى معرفته ماسة فإنه كثيرا ما وقعت أحكام الأفعال في وقت لم يكن نظائر تلك الأفعال [محرمة ثم حرمت تلك الأفعال] 1 بلفظ يخصها أو بلفظ يعمها والفعل الآخر فالواجب فيه أن ينظر فإن كان ذلك العموم مما قد عرف دخول تلك الصورة فيه كان نسخا وكذلك إذا لم يكن بين الصورتين فرق [وهذا مثل ما] 2 نقل عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يعامل المشركين والمنافقين من العفو والصفح قبل نزول براءة وكانت المساجد ينتابها المشركون قبل نزول براءة وكان المسلمون يلون أقاربهم المشركين في الغسل وغيره كولاية على أباه قبل أن يقطع الله الموالاة بينهم وبالجملة متى كان الحكم الأول قد عرفت علته وزالت بمجيء النص الناسخ أو كان معنى النص الناسخ متناولا لتلك الصورة فلا ريب في النسخ وتختلف آراء المجتهدين في بعض هذه التفاصيل وهذه القاعدة يحتاج إليها في الفقه كثيرا. [شيخنا] فصل: ما حكم به الشرع مطلقا أو في أعيان [معينة] فهل يجوز تعليله بعلة مختصة بذلك الوقت بحيث يزول الحكم زوالا مطلقا قد ذهب الحنفية والمالكية إلى جواز ذلك ذكروه في مسألة التحليل وذكره المالكية في حكمه بتضعيف الغرم على سارق الثمر المعلق والضالة المكتومة ومانع الزكاة وتحريق متاع الغال وهو يشبه قول من يقول إن حكم المؤلفة قد انقطع. قال شيخنا3 وهذا عندي اصطلاح للدين4 ونسخ للشريعة بالرأي وقاله إلى انحلال من بعد الرسول عن شرعه بالرأي [فإنه5 لا معنى للنسخ إلا اختصاص   1 ما بين المعقوفين ساقط من ا. 2 في ا "كان ناسخا". 3 هذه الجملة ساقطة من ا. 4 في ا "اصطلام الأمر الدين". 5 ما بين المعقوفين ساقط من ا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 227 كل زمان بشريعة فإذا جوز هذا بالرأي] 1 نسخ بالرأي وأما أصحابنا وأصحاب الشافعي فيمنعون ذلك ولا يرفعون الحكم المشروع بخطاب إلا بخطاب ثم منهم من يقول قد تزول العلة ويبقى الحكم كالرمل والاضطباع ومنهم من يقول النطق حكم مطلق وإن كان سببه خاصا فقد ثبتت العلة بها مطلقا وهذان جوابان لا يحتاج إليهما واستمساك الصحابة بنهيه عن الادخار في العام القابل يبطل هذه الطريقة وهذا أصل عظيم وهذا أقسام أحدها أن يكون الحكم ثبت بخطاب مطلق الثاني أن يثبت في أعيان الثالث أن لا يكون خطابا وإنما يكون فعلا أو إقرارا وينبغي أن يذكر هذا في مسألة النسخ بالقياس ويسمى النسخ بالتعليل فإنه تعليل للحكم بعلة توجب رفعه وتسقط حكم الخطاب. [شيخنا] فصل:2 فان كان الحكم مطلقا فهل يجوز تعليله بعلة قد زالت لكن إذا عادت يعود فهذا أحق3 من الأول وفيه نظر وعكسه أن ينسخ الحكم بخطاب فيعلل الناسخ بعلة مختصة بذلك الزمان بحيث إذا زالت العلة زال النسخ والفقهاء يقعون في هذا كثيرا وهو أيضا خطاب مطلق أو معين أو فعل أو إقرار فأما الفعل والإقرار فيقع هذا فيه كثيرا إذ لا عموم له وكذلك يقع في القضية التي في عين كثيرا لكن وقوعه في الخطاب العام فيه نظر.   1 ما بين المعقوفين ساقط من ا. 2 بهامش اهنا "بلغ مقابلة على أصله". 3 في ا "أخف من الأول". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 228 مسألة: يجوز نسخ القول بأفعال النبي صلى الله عليه وسلم هذا ظاهر كلامه واختيار القاضي وقال أبو الحسن التميمي لا يجوز مع كونه أجاز1 تخصيص العموم بها كذا حكاه عنه القاضي في موضع وذكر أنه ذكر ما وقع2 له عنه   1 في ب "اختار". 2 في ب "فيما وقع". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 228 والمشهور عنه الذي قدمناه أن فعله لا يثبت في حق غيره فعلى هذا لا يخص به العموم أيضا وقال ابن عقيل لا يجوز النسخ بها وإن جعلناها دالة على الوجوب لأن دلالتها دون دلالة [صريح] 1 القول والشيء إنما ينسخ بمثله أو بأقوى منه فأما بدونه فلا وقد ذكر ابن عقيل في ضمن مسألة تخصيص العموم بفعله احتمالا كاختيار شيخه وحكى أنه مذهب بعض العلماء من الشافعية وأما أبو الخطاب فاختار الأول [وأن الفعل والقول ينسخ المتأخر منهم الأول] فقال إذا تعارضا من كل وجه وعلمنا تقدم القول عليه مثل أن ينهي2 عن التوجه إلى بيت المقدس وثبت3 دخوله فيه ثم رأيناه [4يصلى إليه كان فعله ناسخا لقوله عنا وعنه وإن تقدم الفعل مثل أن رأيناه] 4 يصلى إلى بيت المقدس وثبت أن حكم غيره حكمه ثم قال: الصلاة إلى بيت المقدس غير جائزة كان ذلك نسخا للفعل عنا وعنه وهذا مغالاة من أبي الخطاب تخالف مغالاته فيه بالعكس على ماسبق ثم انه حكى عن الشافعية في ذلك تقديم الفعل وأن بعض المتكلمين قال: هما سواء والصحيح ما قاله ابن عقيل من العمل بالقول في أصل المسألة فأما المثال الثاني الذي ضربه أبو الخطاب ففيه تفضيل. فصل: ولا يجوز النسخ5 إلا مع التعارض فأما مع امكان الجمع فلا وقول من قال: نسخ صوم يوم عاشوراء برمضان أو نسخت الزكاة كل صدقة سواها فليس يصح لو حمل على ظاهره لأن الجمع بينهما لا منافاة فيه وإنما وافق نسخ عاشوراء.   1 هذه الكلمة ساقطة من اوهي في ب د. 2 في ب "مثل أن نهى". 3 في ب "وتيقنا دخوله". 4 ما بين المعقوفين ساقط من اوحدها والصواب ثبوته لأن المؤلف يذكر فيما يلي أن في كلام أبي الخطاب مثالين. 5 في ا "ولا يتحقق النسخ – إلخ". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 229 فرض رمضان ونسخ سائر الصدقات فرض الزكاة فحصل النسخ معه لا به. والد شيخنا1 هذا قول القاضي ويشبه هذا في الأحكام ما إذا أوصى لرجل بشيء ثم أوصى بشيء آخر فإن الايصاء الثاني لا يتضمن رجوعه عن الأول وكذا إن أوصى به لآخر تحاصا وهذه أبعد وكذا الأوصياء وغير ذلك وهذا أظهر من أن يدل عليه. شيخنا وآية الوصية منسوخة بالمواريث عند ابن أبي موسى. [شيخنا] فصل: [قال ابن عقيل] 1 قال الحنبلي: والنسخ لا يحصل تاريخه بالدليل العقلي ولا مجال للعقل2 في علم التقديم والتأخير ولا يحصل إلا من طريق الخبر.   1 هذه الكلمة ساقطة من ا. 2 في ا "بدليل فعلى ولا مجال للفعل – إلخ" تحريف ما أثبتناه موافقا لما في ب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 230 مسألة: إذا قال الصحابي: هذه الآية منسوخة فانا لا نصير إلى قوله حتى يخبر بماذا نسخت قال القاضي: أومأ إليه أحمد وبه قالت الحنفية والشافعية وفيه رواية أخرى يقبل قوله ذكرها ابن عقيل وغيره وهكذا كان القاضي قد قال: أولا وعندي أنه إن كان هناك نص آخر يخالفها فإنه يقبل قوله في ذلك لأن الظاهر أن ذلك النص هو الناسخ ويكون حاصل قول الصحابي الإعلام بالتقدم والتأخر وقوله يقبل في ذلك. والد شيخنا1 وذكر أبو الخطاب أنه يقبل في الخبر ولم يفصل كالرواية التي حكاها ابن عقيل ولم يذكر لنا خلافا. شيخنا وذكر الباجي في هذه المسألة ثلاثة أقوال أحدها أنه لا يقبل   1هذه الكلمة ساقطة من ا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 230 بحال حتى يبين الناسخ ليعلم أنه ناسخ لأن هذا كفتياه وهو قول ابن الباقلاني والسمنابى واختاره الباجي والثاني أنه إن ذكر الناسخ لم يقع به نسخ وإن لم يذكره وقع والثالث يقع به النسخ بكل حال. فصل: إذا أخبر الصحابي أن هذه الآية نزلت بعد هذه قبل منه ذكره القاضي من غير خلاف. [شيخنا] فصل: قال القاضي فأما خبر الواحد إذا أخبر به صحابي وزعم أنه منسوخ فإنه على قول من يجوز للراوي نقل معنى الأخبار يجب أن يثبت به النسخ لأن ظاهر كلامه أنه معنى كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم في النسخ لامتناع أن يحمل قوله على غير حقيقته وأما على قول من يعتبر اللفظ فلا ينسخ به لجواز أن يكون ما سمعه ظن أنه ناسخ ولو أظهره لم يكن ناسخا عندنا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 231 مسألة: إذا قال الراوي: كان كذا ونسخ فقال ابن برهان قبل قوله في الإثبات دون النسخ عندنا وقال أصحاب أبي حنيفة قبل قوله في النسخ قلت: وهذا قياس مذهبنا وكذلك ذكر أبو الطيب في مسألة قول الراوي نهينا عن كذا أو أمرنا بكذا مستشهدا محتجا بأنه لو قال: رخص لنا في كذا ونسخ عنا كذا كان بمنزلة قوله: رخص لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونسخ عنا رسول الله وكذلك قال أبو الخطاب: إذا قال الصحابي: هذا الخبر منسوخ وجب قبول قوله وقد ذكرها القاضي في أثناء التي قبلها فقال فأما خبر الواحد إذا أخبر به صحابي وزعم أنه منسوخ فإن على قول من يجوز للراوي نقل معنى الأخبار يجب أن يثبت به النسخ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 231 قال شيخنا: ويجب الفرق بين أن يقول كان كذا ونسخ وبين أن يقول لخبر معلوم بنقل غيره هذا منسوخ فإن هذا بمنزلة قوله عن الآية هي منسوخة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 232 كتاب الأخبار مسألة: الخبر ينقسم إلى صدق وكذب فالصدق ما تعلق بالمخبر على ما هو به والكذب ما تعلق بالمخبر على ضد ما هو به وقال الجاحظ بقسم ثالث ليس بصدق ولا كذب وهو ما تعلق بالمخبر على ضد ما هو به اعتقادا بلا علم فحذف قيد العلم في القسمين الأولين. قال القاضي للخبر1 صيغة تدل بمجردها على كونه2 خبرا كالأمر ولا يفتقر إلى قرينة يكون بها خبرا وقالت المعتزلة لا صيغة له وإنما يدل اللفظ عليه بقرينة وهو قصد المخبر إلى الإخبار به كقولهم في الأمر وقالت الأشعرية الخبر نوع من الكلام وهو معنى قائم في النفس يعبر عنه بعبارة تدل تلك العبارة على الخبر لا بنفسها كما قالوا في الأمر والنهي. [قال3 شيخنا وفي قوله للخبر صيغة مناقشة لابن عقيل حيث يقول للأمر والنهي والعموم صيغة] وقول القاضي أجود لأن الأمر والخبر والعموم هو اللفظ والمعنى جميعا ليس هو اللفظ فقط فتقديره لهذا المركب خبر يدل بنفسه على المركب بخلاف ما إذا قيل الأمر هو الصيغة فقط فإن الدليل يبقى هو المدلول عليه ومن قال: هو المدلول أيضا لم يصب ومن الناس من لا يحكى إلا القولين المتطرفين دون الوسط.   1 في ا "في الخبر صيغة – إلخ". 2 في ا "كونها خبرا". 3 ما بين المعقوفين ساقط من اوحدها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 232 [والد شيخنا] فصل: ومن الإخبار ما يعلم صدقه ومنها ما يعلم كذبه ومنها مالا يعلم صدقه ولا كذبه ثم ينقسم أقساما. فصل: إذا قال الرجل: كل أخباري كذب فقيل هذا مما يعلم كذبه قطعا لأن هذا الخبر مع إخبار السالفة لا يمكن صدقهما وقال بعض أصحابنا قوله: يتناول ما سوى هذا الخبر إذ الخبر لا يكون بعض المخبر قال: وقد نص أحمد على مثل ذلك1.   1 في ا "على قريب من مثل هذا". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 233 مسألة: اختلف الناس في الكذب هل قبحه لنفسه أو بحسب المكان فقال الأكثرون منهم ابن عقيل قبحه بحسب مكانه ولهذا حسن عند العلماء حيث أجازه الشرع [وذهبت1 شرذمة إلى أن قبحه لنفسه وعند هؤلاء هو قبيح حيث أجازه الشرع أيضا] 1 قالوا: لكنه دفع به ما أقبح منه ويعد ابن عقيل هذا وعلى المذهبين مهما أمكن جعل المعاريض مكانه حرم قال شيخنا: وهذه مسألة تبنى على القول بالقبح العقلي فمن نفاه وقال لا حكم إلا لله جعله بحسب موضعه ومن أثبته وجعل الأحكام لذوات المحل قبحه لذاته.   1 ما بين المعقوفين ساقط من ا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 233 مسألة: الخبر المتواتر يفيد العلم القطعي وهو قول كافة أهل العلم وحكى عن قوم من الأوائل قيل هم السمنية وقيل هم البراهمة أنه لا يقع العلم به وإنما يقع العلم بالمحسوسات والمشاهدات وحكى عن السمنية أنهم جمعوا إلى المحسوسات العلم بالتواتر وأبوا ما عداهما ذكره الجوبني في أوائل كتابه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 233 مسألة: [1لا يشترط للتواتر أن يجمع الناس كلهم على التصديق به   1 هذه المسألة ساقطة برمتها من ا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 233 خلافا لليهود في قولهم من شرطه أن لا يكون في الناس من يكذب به1 وقال طوائف من الفقهاء يشترط أن يكون عدد لا تحويهم بلد ولا يحصيهم عدد] .   1 في د "في قولهم" لا بد من ذلك". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 234 مسألة: لا يشترط أن يكونوا مسلمين وقال قوم يشترط وهم بعض الشافعية وقال بعضهم إن لم يطل الزمان لم يعتبر وإن طال اعتبر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 234 مسألة: ولا يشترط أن يكونوا أهل ذل1 ومسكنة أو أن يكون فيهم منهم وقال اليهود يشترط ويكفي أن يكون فيهم منهم ولو واحد.   1 في ا "أهل ذلة". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 234 مسألة: والعلم الحاصل بالتواتر ضروري لا مكتسب وهو قول أكثر أهل العلم من الفقهاء والمتكلمين. والد شيخنا وحكى القاضي أبو يعلى في الكفاية عن البلخي أنه مكتسب أعنى العلم الحاصل بالتواتر واختاره القاضي ونصره وكذلك نصره أبو الخطاب في التمهيد والذي ذكره في العدة وابن عقيل وسائر الأصحاب أنه ضروري فصارت المسألة على وجهين وقال البلخى وهو أبو القاسم المعروف بالكعبي وغيره من المعتزلة يقع اكتسابا لا ضرورة وحكاه ابن برهان عن الكعبى وحده وقال في الأول اتفق عليه الفقهاء والمتكلمون قاطبة وحكى أبو الطيب مثل الكعبي عن بعض أصحابه قال: وإليه ذهب أبو بكر الدقاق وحكاه أبو الخطاب [عن أبي الحسين البصري ونصره أبو الخطاب] 1 واختاره فصار في المسألة وجهان ورجحه الجوبني بشرط ذكره. فصل: من شرط حصول العلم بالتواتر أن يكون مستنده ضروريا من سماع أو مشاهدة   1 ما بين المعقوفين ساقط من ا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 234 فأما ما مستنده تصديق فلا كأخبار الجم الغفير عن قدم العالم1 ونحوه وكذلك قال الجويني: وابن برهان والمقدسي. [والد شيخنا] فصل: وقد يكون التواتر من جهة المعنى مثاله أن يروى واحد أن حاتما وهب لرجل مائة من الإبل وأخبر آخر أنه وهب خمسين من العبيد وأخبر آخر أنه وهب عشرة دنانير ولا يزال يروى كل واحد من الأخبار شيئا فهذه الإخبار تدل على سخاء حاتم. فصل: [والد شيخنا] ومن شرط حصول العلم بالتواتر أن يستوي منه الطرفان والوسط في عدد يقع العلم بخبره.   1 في د "عن حدوث العالم" ولكل منهما وجه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 235 مسألة: وخبر التواتر لا يولد العلم فينا وإنما يقع عنده بفعل الله وهو بمنزلة إجراء العادة بخلق الولد من المنى وهو قادر على خلقه بدون ذلك خلافا لمن قال بالتولد. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 235 مسألة: لا يجوز على الجماعة العظيمة كتمان ما يحتاج إلى نقله ومعرفته وهو قول جماعة من العلماء وزعمت الإمامية أنه جائز وعلى ذلك بنوا كلامهم في ترك نقل النص في على. قال والد شيخنا وبسط القول معهم في ذلك الرازي في المحصول. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 235 مسألة: ولا يعتبر في التواتر عدد محصور بل يعتبر ما يفيد العلم على حسب العادة في سكون النفس إليهم وعدم تأتى التواطؤ على الكذب منهم إما لفرط كثرتهم وإما لصلاحهم ودينهم ونحو ذلك. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 235 قال القاضي وأبو الطيب لكن يجب أن يكونوا أكثر من أربعة وكذلك قال ابن الباقلاني: وقال الجبائي يعتبر عدد يزيد على شهود الزنا وقال بعضهم اثنا عشر بعدد النقباء وقال بعض الأصوليين يعتبر العدد سبعين بعدد المختارين من قوم موسى وقال بعضهم ثلاثمائة ونيف بعدد أهل بدر وقال قوم عشرة لأن التسعة آخر عقود الآحاد وقال قوم كأهل بيعة الرضوان ألف وسبعمائة وقال قوم أربعون لأنه الذي تنعقد به الجمعة وقال ابن برهان والإجماع منعقد على أن الأربعة ليس من العدد المتواتر وحكى أبو الخطاب والقاضي قولا عن قوم بحصوله بقول اثنين وعن قوم بالأربعة وعن قوم بخمسة فصاعدا وقال قوم من الفقهاء يشترط أن يكونوا عددا لا يحويهم بلد ولا يحصيهم عدد وقرر الجويني مذهب النظام وتأوله1. [شيخنا] فصل:2 قال القاضي أبو يعلى متابعة لأبي الطيب وقاله قبلهما ابن الباقلاني متابعة للجبائي يجب أن يكونوا أكثر من أربعة لأن خبر الأربعة لو جاز أن يكون موجبا للعلم لوجب أن يكون خبر كل أربعة موجبا لذلك ولو كان هكذا لوجب إذا شهد أربعة على رجل بالزنا أن يعلم الحاكم صدقهم ضرورة ويكون ما ورد به الشرع من السؤال عن عدالتهم باطلا. قال شيخنا رضى الله عنه قلت: وقد ألحق القاضي لا يتأتى منهم التواطؤ على الكذب إما لكثرتهم أو لدينهم وصلاحهم وقال في مسألة خبر الواحد لا يفيد العلم لو كان موجبا للعلم لأوجبه على أي صفة وجد من المسلم والكافر والعدل والفاسق والحر والعبد والصغير والكبير كما أن الخبر المتواتر لما أوجب العلم لم   1 في د تقديم بعض الأقوال عن بعض لكن المآل واحد والعبارات متفقة أو متقاربة. 2 كتب بهامش اهنا "بلغ مقابلة على أصله". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 236 يختلف باختلاف صفات المخبرين بل استوى في ذلك الكفار والمسلمون والصغار والكبار والعدول والفساق. قال شيخنا قلت: هذا الكلام مع أنه في غاية السقوط مناقض لقوله إما لكثرتهم وإما لدينهم وصلاحهم وهذا الثاني أصح ثم انه كما تقدم فرق في وجوب العمل أو في غلبة الظن بين مخبر ومخبر فكذلك في العلم والعلم بتأثير الصفات ضروري وجحوده عناد وهذا الحق1 يمنع أن يستوي الأربعة2 ثم هذا باطل من وجوه أحدها أن العشرة وأكثر منها لو شهدوا بالزنا لوجب عليه أن يسأل فلا اختصاص بالأربعة الثاني أنه لو علم أنه زنا اضطرارا بالمشاهدة لم يرجمه إلا بالثقات فكذلك إذا أخبره من يعلم صدقه اضطرارا لأن القاضي إنما يقضى بأمر مضبوط نعم لو شهد بالأمر عدد يفيد خبرهم العلم لكل أحد فهذا فيه نظر لكنه لا يكاد يقع لإمكان التواطؤ وأما الشاهد نفسه يجوز أن يستند إلى التواتر وكذلك الحاكم فيما يحكم فيه بعلمه كعدالة الشهود وفسقهم فمناط الشهادة علم الشاهد بأي طريق حصل ومناط الحكم طريق ظاهرة مضبوطة وإن لم تفد العلم لأجل العدل بين الناس.   1 في ا "وهذا الأحق". 2 في اد "الأربعاء". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 237 مسألة: يجوز التعبد بأخبار الآحاد عقلا في قول الجمهور ومنع منه قوم قال ابن عقيل: وأظنه قول الجبائي وقال ابن برهان صار إليه طائفة من المتكلمين وقال أبو الخطاب العقل يقتضى وجوب قبول خبر الواحد. والد شيخنا وكذلك القاضي في الكفاية قصر أن العقل دل على وجوب قبوله والأكثرون قالوا: لا يجب التعبد بخبر الواحد عقلا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 237 [شيخنا] فصل: قال ابن عقيل المحققون من العلماء يمنعون رد الإخبار بالاستدلال ومثله برد خبر القهقهة استدلالا بفضل الصحابة المانع من الضحك وكذلك لو شهدت بينة عادلة على معروف بالخير بإتلاف أو غصب لم ترد شهادتهم بالاستبعاد ومثله برد عائشة قول ابن عباس في حديث الرؤية بقولها لقد قف شعري قال: فردت خبره بالاستدلال فلم يعول أهل التحقيق على ردها ومثله أيضا بقوله لأزيدن على السبعين حيث قيل له هذا يفيد الصحة فقال هذا رد للأخبار بالاستدلال ولا يجوز ذلك لأن السند يأتي بالعجائب وهي من أكثر الدلائل لإثبات الأحكام. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 238 مسألة: يجوز العمل1 بخبر الواحد الذي فيه الصفات المعتبرة شرعا نص عليه وهو قول عامة الفقهاء وجمهور المتكلمين وقال قوم من أهل البدعة من الروافض ومن المعتزلة ذكره الجويني لا يجوز العمل به وقال القاشاني وأبو بكر بن داود والرافضة لا يجوز العمل به شرعا وإن كان يجوز [ورود] 2 التعبد به وقال الجبائي لا يقبل في الشرعيات أقل من اثنين وحكى ابن برهان كقول القاشاني عن النهرواني وإبراهيم بن إسماعيل بن علية والشيعة وأفرد الكلام مع الجبائي في مسألة وكذلك أفرد أبو الخطاب وابن عقيل والجوب واختلف نفاة العمل بخبر الواحد شرعا هل يجوز التعبد به عقلا على مذهبين ومن أجازه عقلا اختلفوا هل ورد فى الشرع بما يمنع العمل به أو لم يرد فيه ما يوجب العمل به على مذهبين حكى الكل الجوينى.   1 في ب "يجب العمل – إلخ". 2 كلمة "ورود" ساقطة من ا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 238 مسألة يقبل خبر الواحد فيما تعم به البلوى وبه قال عامة الفقهاء والمتكلمين قاله ابن برهان خلافا للحنفية وقال ابن برهان خلافا لبعض الحنفية وقال أبو الخطاب أكثر الحنفية وعزاه الجوينى الى أبى حنفية ورد عليه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 238 [شيخنا] فصل: قال أبو الخطاب الحكم بخبر الواحد عن الرسول لمن يمكنه1 سؤاله مثل الحكم باجتهاده واختياره أنه لا يجوز والذي ذكره بقية أصحابنا القاضي وابن عقيل جواز العمل بخبر الواحد لمن أمكنه سؤاله أو أمكنه الرجوع إلى التواتر محتجين به في المسألة بمقتضى أنه إجماع وهذا مثل قول بعض أصحابنا أنه لا يعمل بقول المؤذن مع إمكان العلم بالوقت وهذا القول خلاف مذهب أحمد وسائر العلماء المعتبرين وخلاف ما شهدت به النصوص وذكر في مسألة منع التقليد أن المتمكن من العلم لا يجوز له العدول إلى الظن وجعله محل وفاق واحتج به في المسألة.   1 في ا "ولم يمكنه سؤاله" تحريف. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 239 مسألة: يقبل خبر الواحد فيما يعم فرضه1خلافا للحنفية ذكره القاضي.   1فرضه: أي افتراضه وتقديره يعنى إذا أخبر بما يكثر عند السامع تقدير حصوله. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 239 مسألة: يقبل خبر الواحد في إثبات الحدود نص عليه وبه قالت الشافعية وحكاه أبو سفيان عن أبي يوسف واختاره أبو بكر الرازي وحكي عن الكرخي أنه لا يقبل. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 239 مسألة: خبر الواحد مقدم على القياس نص عليه وهو قول الشافعي وأصحابه وقالت الحنفية متى خالف الأصول أو معنى الأصول لم يقبل [1ويقبل قياس إذا خالف الأصول] 1 وحكي عن مالك تقديم القياس الواضح عليه وحكاه أبو الطيب عن أبي بكر الأبهرى من المالكية. والد شيخنا وقال البستى من الحنفية تقدم رواية الفقيه على القياس فأما غير الفقيه فيقدم القياس عليه.   1ما بين المعقوفين وقع في ابعد كلمة "نص عليه" والسياق يقتضي أن مكانه هنا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 239 مسألة: خبر الواحد يوجب العمل وغلبة الظن دون القطع في قول الجمهور وارتضى الجويني من العبارة أن يقال لا يفيد [العلم] ولكن يجب العمل عنده لا به بل بالأدلة القطعية على وجوب العمل بمقتضاه ثم قال هذه مناقشة في اللفظ ونقل عن أحمد ما يدل على أنه يفيد القطع إذا صح واختاره جماعة من أصحابنا. قال والد شيخنا ونصره القاضي في الكفاية وقال شيخنا وهو الذي ذكره ابن أبي موسى في الإرشاد وتأول القاضي كلامه على أن القطع قد يحصل استدلالا بأمور انضمت إليه من تلقى الأمة له بالقبول أو دعوى المخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه سمعه منه في حضرته فيسكت ولا ينكر عليه أو دعواه على جماعة حاضرين السماع معه فلا ينكرونه ونحو ذلك وحصر ذلك بأقسام أربعة هو وأبو الطيب جميعا ومن أطلق القول بأنه يفيد العلم فسره بعضهم بأنه العلم الظاهر دون المقطوع به وسلم القاضي العلم الظاهر وقال النظام إبراهيم خبر الواحد يجوز أن يفيد العلم الضروري إذا قارنته أمارة وكذلك قال بعض أهل الحديث منه ما يوجب العلم كرواية مالك عن نافع عن ابن عمر وما أشبهه وأثبت أبو إسحاق الاسفرائيني فيما ذكره الجويني قسما بين المتواتر والآحاد سماه المستفيض وزعم أنه يفيد العلم نظرا والمتواتر يفيد العلم ضرورة وأنكر عليه الجويني ذلك وحكي عن الأستاذ أبي بكر أن الخبر الذي تلقته الأمة بالقبول محكوم بصدقه وأنه في بعض مصنفاته. وقال إن اتفقوا على العمل به لم يحكم بصدقه لجواز العمل بالظاهر وإن قبلوه [1قولا وقطعا حكم به وقال ابن الباقلانى لا يحكم بصدقه وإن تلقوه بالقبول   1 ما بين هذين المعقوفين ساقط من اوهو ثابت في ب د. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 240 قولا وقطعا] 1 لأن تصحيح الأئمة للخبر يجرى على حكم الظاهر فقيل له لو رفعوا هذا الظن وباحوا بالصدق ماذا تقول؟ فقال مجيبا لا يتصور ذلك. [والد شيخنا والقطع بصحة الخبر الذي تلقته الأمة بالقبول أو عملت بموجبه لأجله قول عامة الفقهاء من المالكية ذكره عبد الوهاب والحنفية فيما أظن والشافعية والحنبلية] واختلف هؤلاء في إجماعهم على العمل به هل يدل على علمهم بصحته قبل العمل به على قولين أحدهما يشترط والثاني لا يشترط وعلى الأول لا يجوز انعقاد الإجماع عن خبر الواحد وإن عمل به الجمهور وقال عيسى بن أبان ذلك يدل على قيام الحجة به وصحته وخالفه الأكثرون بناء على الاعتداد بخلاف الواحد والإثنين [وذكره أبو الحسن البستى من الحنفية في كتاب اللباب فقال وتقدم رواية الفقيه على القياس ولا يجوز ذلك لغير الفقيه بل يقدم القياس على روايته] وفى كتاب اللامع لابن حاتم صاحب ابن الباقلاني قال عيسى ابن أبان ان كان راوي الخبر متيقظا ترك القياس لأجله وإن لم يكن كذلك وجب الاجتهاد في الترجيح ومن الناس من قال القياس أولى بالمصير إليه واليه صار جماعة من أصحاب مالك وأما الشافعي وأكثر أصحابه فيترك عندهم الخبر للقياس الجلي ويترك الخفي للخبر قال وكل هذه الأقوال عندنا باطلة. قال الأثرم في كتاب معاني الحديث الذي يذهب إليه أحمد بن حنبل أنه إذا طعنت في الحيضة الثالثة فقد بريء منها وبرئت منه وقال إذا جاء الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم بإسناد صحيح فيه حكم أو فرض عملت بالحكم والفرض ودنت الله تعالى به ولا أشهد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ذلك قال شيخنا نقلته من خط القاضي على ظهر المجلد الثاني من العدة وذكر أنه نقله من كتاب بخط أبي حفص العكبري رواية أبي حفص عمر بن زيد2 وقال أيضا قال أحمد   1 ما بين المعقوفين ساقط من ا. 2 في د "عمر بن بدر". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 241 ابن حنبل إذا وضع العشاء وأقيمت الصلاة ولم يصب منه فليأكل وإن كان قد تناول وأقيمت الصلاة فليقوموا فليصلوا وفيه أيضا في حديث ابن عباس كان الطلاق على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبى بكر وصدرا من خلافة عمر طلاق الثلاث واحدة فقال أبو عبد الله أدفع هذا الحديث بأنه قد روى عن ابن عباس خلافه من عشرة وجوه أنه كان يرى طلاق الثلاث ثلاثا. قال شيخنا قلت: أبو عبد الله يشهد للعشرة بالجنة والخبر خبر واحد وبنى ذلك على أن الشهادة والخبر واحد ولفظ القاضي في العدة خبر الواحد لا يوجب العلم الضروري وقد رأيت في كتاب معاني الحديث للأثرم بخط أبي حفص العكبري وساق الرواية كما تقدم قال فقد صرح القول بأنه لا يقطع به ورأيت في كتاب الرسالة لابى العباس أحمد بن جعفر الفارسي فقال ولا نشهد على أحد من أهل القبلة أنه في النار لذنب عمله ولا لكبيرة أتاها إلا أن يكون ذلك في حديث كما جاء نصدقه ونعلم أنه كما جاء ولا ننص الشهادة ولا نشهد على أحد أنه في الجنة لصالح عمله ولا لخير أتاه إلا أن يكون ذلك في حديث كما جاء [بصدقه] 1 على ما روى ولا ننص قال القاضي قوله ولا ننص الشهادة معناه عندى والله أعلم لا نقطع على ذلك. قال شيخنا قلت: لفظ ننص هو المشهور ومعناه لا نشهد على المعين وإلا فقد قال نعلم أنه كما جاء وهذا يقتضى أنه يفيد العلم وأيضا فإن من أصله أن يشهد للعشرة بالجنة للخبر الوارد وهو خبر واحد وقال أشهد وأعلم واحد وهذا دليل على أنه يشهد بموجب خبر الواحد وقد خالفه ابن المدينى وغيره. قال القاضي وقد نقل أبوبكر المروذى قال قلت: لأبي عبد الله هاهنا إنسان يقول ان الخبر يوجب عملا ولا يوجب علما فعابه وقال ما أدري   1 ساقط من ب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 242 ما1 هذا قال وظاهر هذا أنه سوى فيه بين العمل والعلم. قال شيخنا قلت: قد يكون من هذا قوله ذو اليدين أخبر بخلاف نفسه ونحن ليس عندنا علم برده وإنما هو علم يأتينا به. قال القاضي وقال في رواية حنبل في أحاديث الرؤية نؤمن بها ونعلم أنها حق نقطع على العلم بها قال وذهب إلى ظاهر هذا الكلام جماعة من أصحابنا وقالوا خبر الواحد ان كان شرعيا أوجب العلم قال وهذا عندى محمول على وجه صحيح من كلام أحمد وأنه يوجب العلم من طريق الاستدلال لا من جهة الضرورة والاستدلال يوجب العلم من أربعة أوجه أحدها أن تتلقاه الأمة بالقبول فيدل ذلك على أنه حق لأن الأمة لا تجتمع على الخطأ ولان قبول الأمة له يدل على أن الحجة قد قامت عندهم بصحته لأن العادة أن خبر الواحد الذي لم تقم الحجة به لا تجتمع الأمة على قبوله وإنما يقبله قوم ويرده قوم والثاني خبر النبي صلى الله عليه وسلم وهو واحد فنقطع بصدقه لأن الدليل قد دل على عصمته وصدق لهجته الثالث أن يخبر الواحد ويدعى على النبي صلى الله عليه وسلم أنه سمعه منه فلا ينكره فيدل على أنه حق لأن النبي صلى الله عليه وسلم لا يقر على الكذب الرابع أن يخبر الواحد ويدعى على عدد كثير أنهم سمعوه معه فلا ينكر منهم أحد فيدل على أنه صدق لأنه لو كان كذبا لم تتفق دواعيهم على السكوت عن تكذيبه والعلم الواقع عن ذلك كله مكتسب لأنه واقع عن نظر واستدلال وقال إبراهيم النظام خبر الواحد يجوز أن يوجب العلم الضرورى إذا قارنته أمارة. قال شيخنا قلت: حصره لاخبار الآحاد الموجبة للعلم في أربعة أقسام ليس بجامع لأن مما يوجب العلم أيضا ما تلقاه الرسول صلى الله عليه وسلم بالقبول كإخباره عن   1 في ا "لا أدري ما هذا". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 243 تميم الداري ما أخبر به ومنه اخبار شخصين عن قضية يعلم أنهما لم يتواطآ عليها ويتعذر في العادة الاتفاق على الكذب فيها أو الخطأ ومنه غير ذلك. ثم أفرد ابن برهان فصلين في آخر كتاب الأخبار أحدهما فيما إذا أجمع الناس على العمل بخبر الواحد هل يصير كالمتواتر واختار أنه لا يصير والثاني إذا ادعى الواحد على جماعة بحضرتهم صدقه فسكتوا فقال قوم يصير كالمتواتر واختار هو أن ذلك لا يتصور لأن الدواعى في مثل ذلك لا تنفك عن تصديق أو تكذيب ولو من البعض. [شيخنا] فصل: يتعلق بمسألة خبر الواحد المقبول في الشرع. هل يفيد العلم فإن أحدا من العقلاء لم يقل ان خبر كل واحد يفيد العلم وبحث كثير من الناس إنما هو في رد هذا القول. قال ابن عبد البر اختلف أصحابنا وغيرهم في خبر الواحد العدل هل يوجب العلم والعمل جميعا أم يوجب العمل دون العلم قال والذي عليه أكثر أهل الحذق منهم أنه يوجب العمل دون العلم وهو قول الشافعي وجمهور أهل الفقه والنظر ولا يوجب العلم عندهم إلا ما شهد به الله وقطع [العذر لمجيئه مجيئا] 1 لا اختلاف فيه قال وقال قوم كثير من أهل الأثر وبعض أهل النظر انه يوجب العلم والعمل جميعا منهم الحسين الكرابيسي [وغيره وذكر ابن خواز منداد أن هذا القول يخرج على مذهب مالك] . قلت وحكاه الباجي عن داود بن خواز منداد2 وهو اختيار ابن حزم قال ابن عبد البر الذي نقول به أنه يوجب العمل دون العلم كشهادة الشاهدين والأربعة   1 مكان هذه الكلمة بياض في اب. 2 كتبت في د "خويز منداد". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 244 سواء قال وعلى ذلك أكثر أهل الفقه والنظر [والأثر] 1 قال وكلهم يروى خبر الواحد [العدل] في الإعتقادات ويعادى ويوالى عليها ويجعلها شرعا وحكما ودينا في معتقده على ذلك جماعة أهل السنة ولهم في الأحكام ما ذكرنا. قلت هذا الإجماع الذي ذكره في خبر الواحد العدل في الإعتقادات يؤيد قول من يقول انه يوجب العلم وإلا فما لا يفيد علما ولا عملا كيف يجعل شرعا ودينا يوالى عليه ويعادى. وقد اختلف العلماء في تكفير من يجحد ما ثبت بخبر الواحد العدل وذكر ابن حامد في أصوله عن أصحابنا في ذلك وجهين والتكفير منقول عن إسحاق بن راهويه. قلت الفرق بين الشاهد الذي يشهد بقضية معينة وبين المخبر عن الرسول بشرع يجب على جميع الأمة العمل بين هذا لو قدر أنه كذب على الرسول ولم يظهر ما يدل على كذبه للزم من ذلك اضلال الخلق والكلام إنما هو في الخبر الذي يجب قبوله شرعا وما يجب قبوله شرعا لا يكون باطلا في نفس الأمر يبقى الكلام في كون المخبر المعين هل يجب قبول قوله وذاك بحث آخر وهكذا يجب أن يقال في القياس والعموم أن كل دليل يجب اتباعه شرعا لا يكون إلا حقا ويكون مدلوله ثابتا في نفس الأمر والله تعالى لم يأمرنا باتباع ما ليس بحق والمجتهد عليه أن يعمل بأقوى الدليلين وهذا عمل بالعلم فإن رجحان الدليل مما يمكن العمل به ولا يجوز أن يتكافأ دليل الحق والباطل فأما إذا اعتقد ماليس براجح راجحا فهذا خطأ منه وبهذا يتبين أن الفقه الذي أمر الله به من باب العلم لا من باب الظن وإن الدليل ينقسم إلى ما يستلزم مدلوله والى ما يجوز تخلف مدلوله عنه لمعارض راجح كما أن العلة تنقسم إلى موجبة ومقتضية فأما تقسيم الادلة إلى قطعي وظني فليس هو تقسيما باعتبار صفتها في أنفسسها بل باعتبار   1 زيادة عن د. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 245 اعتقاد المعتقدين فيها وهذا1 مما يختلف باختلاف المستدلين فقد يكون قطعيا عند هذا ما ليس قطعيا عند هذا وبالعكس وأما كون الدليل مستلزما لمدلوله أو مرجحا لمدلوله فهو صفة له في نفسه مثل كون العلة قد تكون تامة موجبة للمعلول وقد تكون مقتضية يتخلف2 عنها المعلول لفوات شرط أو وجود مانع فخبر العدل مرجح لمخبره ليس هو مستلزما لمخبره وكذلك الغيم الرطب في الشتاء وأمثال ذلك فالحاكم عليه أن يحكم بما ظهر من الحجج وقد يكون أحد الخصمين ألحن بحجته من خصمه فاذا قضى له بشىء فلا يأخذه فانما يقطع له قطعة من النار ثبت ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم و {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا} 3 وكذلك العالم عليه أن يتبع ما ظهر من أدلة الشرع ويتبع أقوى الادلة وهذا كله يمكن أن يعلمه فيكون عاملا بعلمه ويمكن أن يعجز عن العلم فيتبع ما يظنه وحينئذ فعمله بما يمكن أن يعلمه عمل بعلم وخطأ المجتهد تارة يكون لعدوله عن أرجح الأدلة كعدوله في غير ذلك عن الدليل المستلزم لمدلوله إلى ماليس كذلك وقد يكون عملا بأرجحها لكن اختلف عليه فهذا يقع في الحكم والحاكم معذور بأن لا ينصب له دليل على صدق الصادق فى نفس الأمر وأما الاحكام العامة الكلية فهل يجوز أن لا ينصب الله عليها دليلا بل يكون الذي جعله راجحا من الادلة ليس مدلوله ثابتا في نفس الأمر ولم يقم دليل على أنه مرجوح هذا موضع تنازع الناس فيه فيدخل في هذا الواحد العدل الذي أوجب الله على المسلمين العمل به هل يجوز أن يكون في نفس الأمر كاذبا أو مخطئا ولا ينصب الله دليلا يوجب العدول عن العمل به فهذا ومن قال أنه يوجب العلم يقول لا يجوز ذلك بل متى ثبتت الشروط الموجبة للعمل به وجب ثبوت مخبره في نفس الأمر وعلى هذا تنازعوا في كفر   1 في ا "وهومما يختلف". 2 في ب "يختلف" تصحيف. 3 من الآية "286" من سورة البقرة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 246 تاركه لكونه عندهم من الحجج العلمية كما تكلموا في كفر جاحد الإجماع لكن الإجماع لما اعتقدوا أنه لا يكون خطأ فى نفس الأمر كان تكفير مخالفه أقوى من تكفير مخالف الخبر الصحيح فهم يقولون امكان كذبه أو خطئه ليس مثل امكان خطأ أهل الإجماع ولهذا كان الصواب أن من رد الخبر الصحيح كما كانت ترده الصحابة اعتقادا لغلط الناقل أو كذبه لاعتقاد الراد أن الدليل قد دل على أن الرسول لا يقول هذا فإن هذا لا يكفر ولا يفسق وإن لم يكن اعتقاده مطابقا فقد رد غير واحد من الصحابة غير واحد من الأخبار التي هى صحيحة عند أهل الحديث. ومما يحقق أن خبر الواحد الواجب قبوله يوجب العلم قيام الحجة القوية على جواز نسخ المقطوع به كما في رجوع أهل قباء عن القبلة التي كانوا يعلمونها ضرورة من دين الرسول بخبر واحد1 وكذلك في اراقة الخمر وغير كذلك وإذا قيل الخبر هناك أفادهم العلم بقرائن اختفت به قيل فقد سلمتم المسألة فإن النزاع ليس في مجرد خبر الواحد بل في أنه [قد] 2 يفيد العلم والباجي مع تغليظه على من أعدى حصول العلم به جوز النسخ به في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال القاضي في مقدمة المجرد خبر الواحد يوجب العلم إذا صح سنده ولم تختلف الرواية به وتلقته الأمة بالقبول وأصحابنا يطلقون القول فيه وأنه يوجب العلم وإن لم تتلقه3 بالقبول والمذهب على ما حكيت لا غير. وقال القاضي في ضمن مسألة انعقاد الإجماع على القياس إنما لم يفسق مخالفه إذا لم يتأيد بالاجماع عليه فأما إذا تأيد بالاجماع عليه قوى بالمصير إليه فيفسق جاحده   1 في ا "بخبر الواحد". 2 حرف "قد" ساقط من ا. 3 في ا "وإن لم تتلقاه" وليس على مستقيم العربية. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 247 وهذا كما قلنا في خبر الواحد من جحده لا يفسق ومع هذا إذا انعقد الإجماع عليه فسق جاحد وهكذا من منع صيغة العموم لا يفسق فإذا انعقد الإجماع عليه فسق مانعه ومخالفه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 248 مسألة1 قال ابن الباقلاني إذ لم نجد مقطوعا به في العمل بخبر الواحد قطع برده وإن لم يظهر نص قاطع في الرد لأن العمل بخبر الواحد مستنده الإجماع القطعي فإذا لم يوجد القطع أدى إلى العمل بالخبر بدون قاطع وهذا محال. وقال الجوينى لا يقطع برده بل يجرى2 فيه كل مجتهد على موجب اجتهاده وهذا أصح. [شيخنا] فصل: مذهب أصحابنا أن أخبار الآحاد المتلقاة بالقبول تصلح لإثبات أصول الديانات قال القاضي في مقدمة المجرد وخر الواحد يوجب العلم إذا صح ولم تختلف الرواية فيه وتلقته الأمة بالقبول وأصحابنا يطلقون القول به وأنه يوجب العلم وإن لم تتلقه بالقبول والمذهب على ما حكيت لا غير. [شيخنا] فصل: قال ابن عقيل أخبار الآحاد إذا جاءت بما ظاهره التشبيه وللتأويل فيها مجال لكن يبعد عن اللغة حتى يكون كأنه لغز3 هل يجب ردها رأسا أم يجب قبولها ويكلف العلماء تأويلها اختلف الأصوليون في ذلك على ثلاثة مذاهب فقوم قالوا بظاهرها وضعفه بأن ظاهرها يعطى الأعضاء والانتقالات وحمل الأعراض   1 في هامش اهنا "بلغ مقابلة على أصله". 2 في ا "بل يجري فيه كل مجتهد – إلخ". 3 قد تقرأ "لغو". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 248 والمذهب الثاني رد الأخبار صفحا واتهموا رواتها اما بالوضع أو بعدم الضبط والمذهب الثالث قال يجب قبولها حيث تلقاها أصحاب الحديث بالقبول ويجب تأويلنا لبعضها على ما يدفعها عن ظاهرها وإن كان من بعيد اللغة ونادرها قال وهذا هو اعتقادنا قال ولا يختلف العلماء أنه إذا كان طريق ذلك قطعيا كآى القرآن وأخبار التواتر أنه لا يرد بل يبقى على مذهبين اما التأويل أو الحمل على الظاهر. قال شيخنا قلت: هذا خلاف ما قرره في انتصاره لاصحاب الحديث وإن كان كلامه في هذا الباب كثير الاختلاف وخلاف ما عليه عامة أهل السنة المتقدمين من السلف وناقشه ابن غنيمة1 فقال قد فرض الكلام في الأخبار التي ظاهرها التشبيه وحملها على الظاهر يوجب التشبيه فلم يبق إلا التأويل أو حملها على ما جاءت لا على الظاهر ومن متأخري أصحابنا وغيرهم كابن الجوزى من يجوز التأويل ولا يوجبه فهذا قول آخر والمقالات فيها تبلغ سبعة أو أزيد. فصل: في شرائط الراوي فيه كلام المعتزلة فيمن قاتل عليا من الصحابة وغير ذلك وللجوينى فصل في ذكر تعديل الصحابة والرد على من طعن في أحد منهم. فصل ينبغي أن يذكر فيه انقسام التواتر إلى خاص وعام أعنى بالنسبة إلى السامعين للخبر وبه يتحقق أن كثيرا من الأخبار متواترة عند أهل الحديث دون من لا يعرفه   1 في د "ابن عيينة". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 249 مسألة: الخبر المرسل حجة نص عليه في مواضع وبه قال مالك وأبو حنيفة حكاه عنه أبو الطيب والقاضى في أول مسألة الرضاع في تعليقه والكرخى الحنفي والمعتزلة وذكر أصحابنا رواية أخرى أنه ليس بحجة وهو قول الشافعي وأخذها القاضي من كون أحمد سئل عن حديث فقال ليس بصحيح وعلل بأنه مرسل وهذا لا يخرجه عن كونه حجة فإن أهل الحديث لا يطلقون عليه الصحة وإن احتجوا به وأخذه أيضا من رواية إسحاق بن إبراهيم وقد سئل عن حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسل برجال ثبت أحب اليك أو حديث عن الصحابة متصل برجال ثبت فقال عن الصحابة أحب إلى وهذا عندى يدل على خلاف ما قال القاضي لأن الترجيح بينهما عند التعارض دليل الأكتفاء بكل واحد منهما عند الانفراد وقد ذكر القاضي في أثناء المسألة عن الشافعي قبول المرسل في أربعة مواضع بشروط ذكرها. والد شيخنا وأخذ ابن عقيل هذه الرواية أعنى عدم قبوله من روايات ذكرها هى أدل مما ذكره القاضي عن الشافعي1. وقال شيخنا ذكر القاضي عن الشافعي أنه قال ان كان الظاهر من حال المرسل الثقة من التابعين أن ما يرسله مسند عند غيره قبل منه وقال أيضا المرسل مقبول ممن وجد لاكثر مراسيله أصول في المسانيد وقال المرسل يقبل2 إذا عمل به بعض الصحابة وقال مرة المرسل يعمل به إذا أفتى به عوام العلماء وقال مراسيل ابن المسيب مقبولة لأنه وجد مراسيله مسانيد فقيل ان الشافعي أراد به قوته من الترجيح لا اثبات حكم3 به وقيل ان الترجيح لا يجوز بما لا يثبت به حكم ذكره القاضي.   1 كلمة "عن الشافعي" ساقطة منا د. 2 كلمة "يقبل" ليست في اوهي ثابتة في ب والكلام دال عليها. 3 في اد "لا إثبات الحكم به". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 250 قال شيخنا وليس بجيد وذكر الباجي أن المرسل عندهم إنما يكون حجة إذا كان عادته أنه لا يرسل إلا عن ثقة لأنه قال وربما كان المنقطع أقوى اسنادا من المتصل ولم يفرق. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 251 مسألة: إذا أسند الراوى مرة وأرسل أخرى أو وقف مرة ووصل مرة قبل المسند والمتصل وبه قالت الشافعية خلافا لبعض أهل الحديث. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 251 مسألة: ومرسل أهل عصرنا وغيره سواء عند أصحابنا قال ابن عقيل وهو ظاهر كلام أحمد وبه قال الكرخي والجرجاني وقال أبو سفيان مذهب أصحابنا أنه يقبل مرسل الصحابة والتابعين وتابعي التابعين يشير إلى القرون الثلاثة المثنى عليهم وقال عيسى بن أبان من أرسل من أهل عصرنا حديثا وهو من الائمة الذين يحمل عنهم العلم قبل مرسله ومن حمل عنه الناس المسندون المرسل وقف مرسله وقبل مرسل القرون الثلاثة مطلقا. فصل: قال شيخنا قلت: ما ذكره القاضي وابن عقيل أن مرسل أهل عصرنا مقبول كغيره ليس مذهب أحمد فانا نجزم أنه لم يكن يحتج بمراسيل محدثى وقته وعلمائهم بل يطالبهم بالاسناد نعم المجتهدون في الحديث الذين يعرفون صحيحه وضعيفه إذا قال أحدهم ثبت هذا أو صح هذا أو قال أحدهم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا واحتج بذلك فهذا نعم كتعليق1 البخاري المجزوم به وبحث القاضي يدل على أنه أراد بالمرسل من أهل عصرنا ما أرسله عن واحد فهذا قريب بخلاف ما أرسله عن النبي صلى الله عليه وسلم فإن سقوط واحد أو اثنين2   1 في ا "مثل تعليق". 2 في ب "أو إثباته" مكان "أو اثنين". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 251 أليس كسقوط عشرة وحجته لا تتناول إلا ماسقط منه واحد فانه قال المرسل إذا كان ثقة فظاهره أن الذي أرسل عنه عدل وهذا المعنى موجود في أهل الإعصار. فصل: قال أحمد مرسلات سعيد بن المسيب أصح المرسلات ومرسلات إبراهيم لا بأس بها وليس في المرسلات أضعف من مراسيل الحسن وعطاء بن أبي رباح فانهما يأخذان عن كل أحد وذكر كلاما كثيرا في ذلك من كلام أحمد. فصل:1 قال الشافعي في باب بيع اللحم بالحيوان ارسال سعيد بن المسيب عندنا حسن واختلف أصحابه [في ذلك] فمنهم من قال مرسل سعيد وغيره سواء لا يحتج به [وإنما نرجح به] ويقع الترجيح بالمرسل وإن كان لا يجوز أن يحتج به استقلالا ومنهم من قال هو حجة قال أبو الطيب وعليه يدل كلام الشافعي لأنه رواه واحتج به في بيع اللحم بالحيوان وجعله أصلا ولم يذكر غيره ومن قال بهذا قال تتبعت مراسيله فوجدتها [صحيحة] مسانيد. فصل: وذكر أبو الطيب في الترجيح أنا نرجح احدى العلتين على الأخرى لموافقتها لحديث مرسل أو قول صحابي مع كونهما ليسا بحجة عنده ولم يذكر فيه خلافا.   1 هذا الفصل مذكور في اقبل الفصل الذي ذكر قبله وقد اتفقت ب د على الترتيب الذي اتبعناه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 252 مسألة: وإذا كان في الاسناد رجل مجهول الحال فهو على الخلاف الجزء: 1 ¦ الصفحة: 252 المذكور في المرسل كذا ذكره القاضي وابن عقيل في ضمن مسألة الارسال وذكرا في موضع آخر المسألة مستقلة أنه لا يقبل خبر مستور الحال وذكر القاضي أنه ظاهر كلام أحمد وذكر الخلال في الفتن من العلل مهنا قلت: لاحمد حدثنا سعيد بن سليمان ثنا أبوعقيل يحيى بن المتوكل عن عمربن هارون الأنصاري [عن أبيه] 1 عن أبي هريرة رضى الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أشراط الساعة سوء الجوار وقطيعة الأرحام وإن يعطل السير عن الجهاد وإن تختل الدنيا بالدين" فقال ليس بصحيح قلت: لم قال من عمر ابن هارون قلت: لا يعرف قال القاضي هذا الرواية تدل على أن رواية العدل عن غيره ليس بتعديل وتدل على أن الجهالة بعين الراوى تمنع من صحة الحديث مهنا سألت أحمد عن حاتم بن زيد2 الهمذاني ثقة هو قال [كان يزيد بن هارون يحدث عنه قلت: ثقة هو] 3 قال لا أدري وكرهه قال وهذه الرواية تمنع أيضا أن تكون رواية العدل تعديلا وقال أبو حنيفة يقبل خبره إذا عرف اسلامه وعدم القبول مذهب الشافعي وذكر المقدسي في قبول رواية مجهول العدالة4 روايتين [إحداهما لا تقبل والثانية يقبل مجهول العدالة خاصة دون بقية الشروط وكذلك ذكرها أبوالخطاب كشيخه واختار الجوينى الوقف فيه بتفسير ذكره] 5. والد شيخنا وذكر القاضي في الكفاية أنه تقبل رواية من عرف اسلامه وجهلت عدالته في الزمن الذي لم تكثر فيه الجنايات فأما مع كثرة الجنايات فلا بد من معرفة العدالة6.   1 كلمة "عن أبيه" ساقطة من ا. 2 في د "حابم بن يزيد الهمداني" ولم أقف على ما يرجح إحداهما. 3 ما بين المعقوفين ساقط من اوهو ثابت في ب د. 4 في ب "مجهول الحال". 5 ساقط من د. 6 في د "تقبل في زمن تكثر فيه الجنايات دون غيره". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 253 شيخنا وقال القاضي في ضمن مسألة ما لا نفس له سائلة لما احتج بحديث سلمان فطعن فيه المخالف بأن بقية ضعيف فقال القاضي قولك ضعيف لا يوجب رد الخبر لانك لم تبين [عن] وجه ضعفه [فقال المخالف فيجب أن تتوقفوا عنه حتى يتبين سبب ضعفه] 1 كالبينة إذا طعن فيها المشهود عليه وجب على الحاكم أن يتوقف عن الحكم حتى يبين وجه الطعن فقال القاضي حكم الخبر أوسع من الشهادة إلا ترى أنه يسمع ممن ظاهره العدالة ولا تسمع الشهادة ممن ظاهره العدالة والد شيخنا الفرق بين رد رواية المستور2 وقبول الحديث إذا كان في اسناده مستور على طريقة القاضي وغيره ثابت وليس تناقضا لأنه يقول إذا روى العدل عمن لا نعرفه نحن كان هو الذي شافهنا بالرواية فانه ليس [هنا] ما يوجب عدالته كالشاهد المستور عند القاضي [هذا معنى كلام القاضي وغيره] وهو مبني على أن الرواية تعديل [وقد صرح بذلك في ضمن مسألة المرسل] والصحيح في هذه المسألة الذي يوجبه كلام الإمام أن من عرف من حاله الأخذ3 عن الثقات كمالك وعبد الرحمن [بن مهدي] كان تعديلا4 دون غيره ويمكن تثبيت رواية المستور في وسط الاسناد على هذا القول بأنه إذا سمى المحدث فقد أزال العذر بخلاف ما إذا قال رجل من بنى فلان فانه لولا اعتقاده عدالته كانت روايته ضياعا. [شيخنا] ثم رأيت القاضي قد صرح بهذا الفرق في مسألة المستور وأما في مقدمة المجرد فقال الخبر المرسل أن يروى عن رجل ولا يذكر اسمه   1 ساقط من اوهو ثابت في ب د. 2 في ا "مستور الحال". 3 في ا "من عرف حاله بالأخذ عن الثقات". 4 في ب "كان ثقة". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 254 أو عمن لم يلقه ثم قال ولا يقبل خبر من لم تعرف عدالته وإن عرف مجرد اسلامه على نصوص أحمد فلأن يعرف1 فيجعل ذلك حجة في رد حديثه فالأول فيمن لم يعرف اسمه وهنا قد عرف. [شيخنا] فصل2: قد ذكر القاضي أن من صور المرسل أن يروى عن مجهول لم يعرف عينه كقوله: "رجل من بنى فلان" فاحتج مخالفه بأن الجهل بعين الراوى أكبر من الجهل بصفته لأن من جهلت عينه جهلت عينه وصفته ثم ثبت أنه لو كان معروف العين مجهول الصفة مثل أن يقول أخبرني به فلان ولا أعرف أثقة هو أم غير ثقة لم يقبل خبره فبأن لا يقبل خبره إذا لم يذكره أصلا أولى فقال القاضي والجواب أنا لا نسلم أن صفته مجهولة لأن رواية العدل عن رجل تعديل له لا يجوز في حقه أن يروى عن فاسق وقد قيل إذا كان فلان معروفا بالاسلام فانه يقبل خبره لأن ظاهر أمره العدالة وترك مواقعة المحظور وجواز أن يكون فعل ما يوجب جرحا في شهادته غير معلوم فلم يكن في معرفة عدالته أكثر من عدم العلم بجرحه فإن قيل فيجب أن تقبل شهادته وإن لم يبحث عن عدالته للمعنى الذي ذكرته قيل تقبل شهادته في احدى الروايتين فعلى هذا لا فرق ولا نقبلها في الأخرى احتياطا للشهادة [كما احتطنا لها] من الوجوه التي ذكرناها. قال شيخنا قلت: فقد ذكر أنه تقبل رواية المستور وإن لم تقبل شهادته وجعل المجهول العين أجود إذ الرواية عنه تعديل بخلاف المعين الذي صرح بعدم العلم بعدالته فيكون المرسل طبقات أحدها أن يجزم بأن النبي صلى الله عليه وسلم قاله الثاني أن يقول حدثنى رجل أو فلان ألا ترى أن شهود   1 في د "فلأن لا يعرف – إلخ". 2 هذا الفصل في ايقع عقب مسألة "الخبر المرسل حجة" الواردة في ص "250". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 255 الفرع لو شهدوا بما سمعوه من شهود الأصل جاز وكانت شهادة استفاضة ومتى قالوا أشهدنا فلان أو شاهد فلان فلا بد من البحث عن الأصول الثالث أن يقول ولا أعلم حاله وأما إذا قال حدثني الثقة ففى كونه مرسلا وجهان أصحهما أنه ليس بمرسل ولو قال حدثنى فلان وهو ثقة لم يكن مرسلا بالاتفاق ثم ذكر القاضي مسألة مستقلة أنه لا يقبل خبر من لم تعرف عدالته وإن عرف إسلامه وقد قال أحمد في رواية الفضل بن زياد وقد سأله عن ابن حميد يروى عن مشايخ لانعرفهم وأهل البلد يثنون عليهم فقال إذا أثنوا عليهم قبل ذلك منهم هم أعرف بهم قال وظاهر هذا أنه لا يقبل خبره إذا لم تعرف عدالته لأنه اعتبر تعديل أهل البلد لهم. قال شيخنا قلت: هذا في كلام حمد كثير جدا قال وحكى عن أبي حنيفة أنه يقبل خبر من لم تعرف عدالته إذا عرف اسلامه واحتج القاضي بأن كل خبر لم يقبل من فاسق كان من شروطه معرفة عدالة المخبر كالشهادة قال ولا يلزم عليه الخبر المرسل لأن رواية العدل عنه تعديل قال وخبر الأعرابي الشاهد بالهلال يحتمل أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم عرف من حال الشاهد أنه عدل ثقة فلذلك حكم بشهادته قال وليس من شرطه معرفة العدالة الباطنة لأن اعتبارها يشق ويفارق الشهادة لأن اعتبارها لا يشق لأن لها معتبرا وهو الحاكم والاعتبار إليه وليس كل من سمع الحديث حاكما. قال شيخنا فقد رتبهم أربع مراتب مسلم وعدل الظاهر وباطن وفاسق وكأنه يعنى بالعدالة الباطنة ما يثبت عنه الحاكم وبالظاهرة ما ثبت عند الناس بلا حاكم1 واعتبار هذا في شهادة النكاح قول حسن.   1 في "تزكية الناس بلا حاكم". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 256 مسألة1 إذا قال العدل حدثنى الثقة أو من لا أتهمه أو رجل   1 بهامش اهنا "بلغ مقابلة على أصله". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 256 عدل ونحو ذلك فانه يقبل وإن رددنا المرسل والمجهول لأن ذلك تعديل صريح عندنا وذهب أبو الطيب إلى أنه لا يقبل فانه قال في ضمن مسألة المرسل ان قال قائل قد قال الشافعي أخبرنى الثقة وأخبرنى من لا أتهم ولا يكفى عندكم أن يكون ثقة عنده1 قال فالجواب أنه ذكره لبيان مذهبه وما وجب عليه بما صح عنده من الخبر ولم يذكره احتجاجا على غيره. وهذا والله أعلم لا يبنى على التعديل المطلق لأنه قد صرح في موضع آخر بأنه يقبل لكن يحتمل أن تكون علته كونه تعديل واحد فإن لهم فيه وجهين ويحتمل أن لا تكون العلة ذلك بل ترك تسمية المروى عنه لأنه إذا سمى وعدل أمكن استعلام جرحه ان كان فيه جرح فإذا لم يعرف فيه جرح مع التصريح بالتعديل قوى أمره بخلاف من لم يسم وهذا أشبه بكلامه وتعليله فعلى هذا لو قال الراوى أخبرنا رجل ثقة أو من لم نتهمه2 لم يقبل أيضا وقد صرح القاضي والجوينى وأبو الخطاب بهذه الصورة فجعلوها من صور المرسل3 وحكوا فيها مع غيرها الروايتين والمذاهب واختار الجوينى أن يعمل بالمرسل إذا قال أخبرنى الثقة أو من لا أتهم أوقال الإمام الراوي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا كان ممن يوثق بتعديله وتركه فيما عدا ذلك وحكى عن الشافعي كلاما كثيرا مفرقا يشير إلى ذلك.   1 كلمة "ثقة عنده" ساقطة منا. 2 في ا "من لا أتهمه". 3 في ب د "من صور المراسيل". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 257 مسألة: وعدالة الراوي معتبرة قال الجوينى والحنفية وإن قبلوا شهادة الفاسق لم يجسروا أن يبوحوا بقبول روايته فإن قال به قائل فهو مسبوق بالاجماع وقال مسلم في صحيحه خبر الفاسق غير مقبول عند أهل العلم كما أن شهادته مردودة عند جميعهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 257 مسألة: فأما خبر الصبى المميز فقد اختلف فيه الأصوليون وتردد فيه الفقهاء والجمهور على أنه مردود وذكره القاضي ولم يذكر فيه خلافا وقد يتخرج فيه روايتان كشهادته وولايته واختاره الجوينى وغالى فيه بأن قطع بالرد ومال ابن الباقلانى إلى الحاق هذه [المسألة] 1 بالمظنونات وهذا ظاهر رأى الفقهاء كذا قال الجوينى. [والد شيخنا] فصل: فإن تحمل صغيرا وروى كبيرا أو تحمل كافرا أو فاسقا وروى مسلما عدلا قبلت روايته. قال والد شيخنا1 ويغلب على ظني أن فيه خلافا في مذهبنا2. قال شيخنا وكذلك هو ذكره ابن الباقلاني وذكر القاضي أنه إذا تحمل وهو مميز ورواه بعد البلوغ جاز لاجماع السلف على عملهم بخبر ابن عباس وابن الزبير والنعمان بن بشير وغيرهم من أحداث الصحابة وقياسا على الشهادة قال أحمد في رواية أبي الحارث والمروذي وحنبل يصح سماع الصغير إذا عقل وضبط وذكر القاضي حديث محمود بن الربيع في المجة3 قال وهذا يدل على أن ابن خمس يعقل فيصح سماعه.   1 هذه الكلمة ساقطة من ا. 2 في د "خلافا لغيرنا". 3 في اب "في المحبة". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 258 مسألة: المحدود في القذف ان كان بلفظ الشهادة فلا يرد خبره لأن نقص العدد لبس من فعله ولان ذلك يسوغ فيه الاجتهاد ولذلك روى الناس عن أبي بكرة وإن كان بغير لفظ الشهادة لم يقبل حتى يتوب وذكر ذلك القاضي وأبو الخطاب والمقدسي وابن عقيل وذكر عن أحمد ما يدل عليه. [والد شيخنا] فصل: ولا يشترط في الرواية الذكورية بل تقبل رواية النساء ولا الحرية الجزء: 1 ¦ الصفحة: 258 ولا البصر قال أحمد في رواية عبد الله في سماع الضرير إذا كان يحفظ من المحدث فلا بأس وإذا لم يكن يحفظ فلا وقال الأمر بهذه المثابة إلا ما حفظ من الحديث. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 259 مسألة: ولا تختلف الرواية في قبول مرسل الصحابة ورواية المجهول منهم وهو قول الجمهور وذكره أبوالطيب ولم يحك خلافا لهم وقال بعض الشافعية لا يقبل وإن قبلنا مرسل سعيد بن المسيب لأن ذلك قد علم كونه مسندا بالتتبع كما قال الشافعي وكل معنى منع من قبول مرسل التابعين فهو موجود في الصحابة وقد ثبت أن الصحابي أو التابعى1 لو قال أخبرني بعض أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال كذا كان بمنزلة المسند كذلك إذا قال التابعى قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يجب أن يكون مثله وقد قال الأثرم قيل لابى عبد الله إذا قال رجل من التابعين حدثنى رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فالحديث صحيح قال نعم وقال أيضا لو قال نفسان من التابعين أشهدنا نفسان من الصحابة على شهادتهما لم تجز حتى يعيناهما وفى الخبر يجوز عند الجميع. قال شيخنا قلت: كأن مرسل الصاحب عنده ما أرسله الصاحب أو روى عن صاحب مجهول كما أن مرسل التابعين عنده يشمل ما أرسل التابع وروى عن تابعي2 مجهول قال فإن قيل الصحابي معلوم العدالة بأن الله عدله وزكاه وأخبر عن ايمانه ورضى عنه وأرضاه وجعل الجنة مأواه قيل قد شهد النبي صلى الله عليه وسلم للتابعين كما شهد للصحابة فقال: "خير القرون قرني الذين بعثت فيهم ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم" وليس من شرط قبول الخبر أن يكون ممن يقطع على عدالته وإنما نعتبر عدالته في في الظاهر وهذا المعنى موجود في التابعين ومن بعدهم فيجب أن يتساووا في النقل3.   1 في ب "أو التابعين". 2 في ب "عن تابع". 3 في ب "أن يتساووا في الكل". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 259 مسألة: إذا قال الصحابي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم حمل على أنه سمعه منه ما لم يقم دليل على واسطة عند أصحابنا والشافعى ذكره أبو الخطاب وقال ابن الباقلاني لا يحكم بذلك إلا بدليل واختاره أبو الخطاب ونصره وقال هو قول الأشعرية1 وهو للمقدسي في أول الأصل الثاني. [شيخنا] فصل: زعم القاضي الصيمري الحنفى أن الصحابي إذا قال هذا كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو مرسل حتى يقول حدثنى بمافيه لأن قوله هذا كتاب رسول الله يحتمل هذا كتابه دفعه إلى وقال اعمل بما فيه أو أده2 عني وهذا مرسل لا يختلف أهل الأصول في ذلك فهو مثل المحدث إذا دفع الكتاب إلى غيره وقال أروه فانه يكون مناولة أو يكون اجازة لا سماعا ذكره في كتاب الصدقة لابى بكر رضى الله عنه. قال شيخنا قلت: هذا خطأ من وجوه أحدها أنه جعل المناولة من قسم المرسل وليس كذلك فانه متصل الثاني أنه جعل كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وحده ليس بخطاب [لمن دفعه إليه] وهذا يبطل كتبه كلها والاجماع بخلاف هذا الثالث أن مرسل الصحابة حجة.   1 في ا "الأشعري". 2 في اد "أواروه عني". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 260 مسألة: المسند بلفظ [العنعنة] إذا لم يتحقق فيه ارسال صحيح محتج به نص عليه وبه قالت الشافعية وعامة المحدثين1وقال بعضهم ليس بصحيح لامكان الارسال فيه من بعض أهل الحديث.   1 في ب "وعامة المجتهدين". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 260 لفظ القاضي فإن روى حديثا عن معين1 فقال حدثني فلان عن فلان حمل على أنه سمع [ذلك] 2 منه من غير واسطة ويكون خبرا متصلا وقد قال أحمد في رواية أبي الحارث3 وعبد الله ما رواه الأعمش عن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم فهو ثابت وما رواه الزهرى عن سالم عن أبيه وداود4 عن الشعبي عن علقمة عن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم ثابت. قال شيخنا قلت: نص أحمد إنما هو في أسانيد مخصوصة ولم يفرق القاضي بين من عرف بالارسال أو لم يعرف وبين أن يعلم امكان اللقاء أو لايعلم وفى المسألة خلاف. قلت هذا إذا كان المعنعن ليس بمدلس فإن كان مدلسا فقد توقف فيه أحمد قال أبو داود سمعت أحمد سئل عن الرجل يعرف بالتدليس في الحديث يحتج فيما لم يقل فيه حدثنى أو سمعت قال لا أدري والكلام في المدلس في ثلاثة أشياء في فعله وفى الرواية عنه وفى رواية مالم يرتفع فيه التدليس [وقد كتبته قبل] . قلت وقد اختلف أصحابنا في قوله هل يحمل على السماع فاذا كانت من المدلس كانت أشد.   1 في ا "عن غيره". 2 كلمة "ذلك" ساقطة من ا. 3 في ا "رواية ابن الحارث". 4 في ا "عن أبيه عن داود" وما أثبتناه موافقا لما في ب د. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 261 مسألة: محدث كذب في حديث واحد ثم تاب ... مسألة: نقل أبو عبد الرحمن [عبيد الله] بن أحمد الحلبى قال وسألت أحمد بن حنبل عن محدث كذب في حديث واحد ثم تاب ورجع فقال تقبل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 261 توبته فيما بينه وبين الله ولا يكتب عنه حديث أبدا رواه واختاره القاضي وقال سألت أبا بكر الشامي عنه فقال لا يقبل خبره فيما رد ويقبل في غيره اعتبارا بالشهادة قال وسألت قاضي القضاة الدامغاني [عن ذلك] فقال يقبل حديثه المردود وغيره بخلاف شهادته إذا ردت [ثم تاب] لم تقبل تلك خاصة قال لأن هناك حكما من الحاكم بردها فلا ينقض ورد الخبر ممن روى له ليس بحكم وهذا يتوجه لو رددنا الحديث لفسقه بل ينبغي أن يكون هو المذهب فأما إذا علمنا كذبه فيه فأين هذا من الشهادة فنظيره أن يتوب من شهادة زور ويقر فيها بالتزوير. فصل: قال أحمد1 في رواية عبد الله بن أحمد الحراني في محدث كذب في حديث واحد ثم [إنه] تاب ورجع قال توبته فيما بينه وبين الله ولا يكتب عنه حديث أبدا1.   1 هذا الكلام مكرر بحروفه مع ما في صدر المسألة السابقة ولكنه ثابت في حميع النسخ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 262 مسألة: ومن ثبت كذبه ردت روايته هذا مذهب الشافعي وقد روى عن أحمد أن الكذبة الواحدة لا ترد بها الشهادة فالرواية بالأولى1. والد شيخنا وذكر القاضي أبو الحسين في الكذبة الواحدة [هل يخرج بها عن العدالة] 1روايتين وذكر ابن عقيل الروايتين في الرواية واختار عدم القبول.   1 في ا "فالرواية أولى". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 262 مسألة: ولا يقبل حديث المبتدع الداعية إلى بدعته ذكر القاضي وحكى عن أحمد فيه ألفاظا وقال أبو الحسين1 يقبل إذا عرف منهم تجنب الكذب وعن الشافعي نحوه وقد بسط ابن برهان القول فيه وكذلك أبو الخطاب ذكر فصولا في ذلك جيدة.   1 في ب "ابن الحسين" وفي د "ابن الحسن". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 262 مسألة: الفاسق ببدعته إذا لم يكن داعية فيه روايتان ذكرهما أبوالخطاب إحداهما لا يقبل خبره وبها قال [ابن نصر المالكي] 1 وقوم والثانية تقبل وبه قال قوم وقال أحمد بن سهل سمعت أحمد في وصية وصاهم واياكم أن تكتبوا عن أحد من أصحاب [الأهواء] قليلا ولا كثيرا عليكم بأصحاب الآثار والسنن وسئل عن [المرجىء] نسمع منه الحديث قال نعم إلا أن يكون داعية مثل سلم بن سالم رواه عنه محمد بن القاسم واختار الثانية أبوالخطاب والد شيخنا هذه المسألة والتى قبلها2 فيمن لا يرى الكذب فأما من مذهبه جواز الكذب [كبعض الرافضة] فانه لا يقبل خبره بلا خلاف.   1 ما بين المعقوفين ساقط من ب. 2 في ب "والتي بعدها". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 263 مسألة: فإن كانت [البدعة توجب] كفره فقال القاضي وعبد الجبار ابن أحمد لا يقبل خبره وأومأ إليه أحمد في رواية الأثرم والد شيخنا وبه قال مالك والمقدسي وقال أبو الحسين البصري يقبل خبره إذا لم يخرج عن أهل القبلة وكن متحرجا وهو ظاهر ما رواه أبو داود قاله أبو الخطاب. والد شيخنا وقال القاضي في الكفاية فأما الفسق في الإعتقاد إذا كان صاحبه متحرجا في أفعاله فانه يمنع من قبول الحديث ونصره فصار في الجميع روايتان. 1فصل: في الداعية لا يقبل حديثه2 لم يذكر أبو الخطاب فيه خلافا وبه قال مالك والذي ذكره القاضي أنه لا تقبل شهادة الداعية [إلي بدعته] فقط.   1 من هنا إلى قول المؤلف "فصل القاضي فأما الأسباب الموهمة" الآتي في ص "267" ساقط من ب وأثبتناه عن اد. 2في د "لا يقبل خبره". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 263 [شيخنا] فصل ذكر القاض ى أنه لا تقبل رواية المبتدع الداعى إلى بدعته قال لأنه إذا دعا لا يؤمن أن يضع لما يدعو إليه حديثا يوافقه وكذلك أبو الخطاب لم يذكر في الداعي خلافا وذكر في غيره ثلاث روايات. قلت التعليل بخوف الكذب ضعيف لأن ذلك قد يخاف على الدعاة إلى مسائل الخلاف الفروعية وعلى غير الدعاة وإنما الداعي يستحق الهجران فلا يشيخ في العلم وكلام أحمد يفرق بين أنواع البدع ويفرق بين الحاجة إلى الرواية عنهم وعدمها كما يفرق بين الداعى والساكت مع أن نهيه لا يقتضى كون روايتهم ليست بحجة لما ذكرته من أن العلة الهجران ولهذا نهى عن السماع من جماعة في زمنه ممن أجاب في المحنة وأجمع المسلمون على الاحتجاج بهم وهو في نفسه قد روى عن بعضهم لأنه كان قد سمع منهم قبل الابتداع ولم يطعن في صدقهم وأمانتهم ولا أنكر الاحتجاج بروايتهم وكذلك الخلال ترك الرواية عن أقوام لنهى المروذى وروى عنهم بعد موته وذلك أن العلة استحقاق الهجر عند التارك واستحقاق الهجر يختلف باختلاف الاحوال والاشخاص كما ترك النبي صلى الله عليه وسلم على من أمر أصحابه بالصلاة عليه وكذلك لما قدم عليه أبو سفيان بن الحارث وابن أبي أمية أعرض عنهما ولم يأمر بقية أصحابه بالاعراض عنهما بل كانوا يكلمونهما والثلاثة الذين خلفوا لما أمر المسلمين بهجرهم لم يأمرهم بفراق أزواجهم إلا بعد ذلك وهذا باب واسع ولهذا ذكر القاضي أن الشروط في قبول الخبر خمسة العقل والعدالة والبلوغ والضبط وإن لا يكون داعيا إلى بدعة فجعل الدعاء إلى البدعة قسما ليس بداخل في مطلق العدالة. قال أحمد في رواية الأثرم وقد ذكر له أن فلانا أمرنا بالكتب عن سعيد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 264 العوفي1 فاستعظم ذلك وقال ذلك جهمى ذلك أمتحن فأجاب قبل أن يكون تهديد2 فنهى نهيا مطلقا وعلل بالتجهم. وقال في رواية أبي داود3: احتملوا من المرجئة الحديث ويكتب عن القدرى إذا لم يكن داعية. فعمم في المرجىء وقيد في القدري وهذا يخالف قول من قال الداعى مطلقا لا يروى عنه وقال المروذى كان أبو عبد الله يحدث عن المرجىء إذا لم يكن داعيا وهذا ان كان رواية أخرى في المرجىء وإلا فهو اخبار عن حاله نفسه وليس كل من لم يأخذ عنه هو نهى غيره عنه ولا منع كون روايته حجة وما علمت لاحمد كلاما بالنهى عن جميع أنواع المبتدعه حتى المرجئه إذا لم يكونوا دعاة كما يقتضيه تعميم أبي الخطاب كما أنه في الجهمى لم أقف له بعد على تقييد بالداعية. [شيخنا] فصل: فأما من فعل محرما بتأويل فلا ترد روايته في ظاهر المذهب قال أبو حاتم حادثت حمد بن حنبل فيمن شرب النبيذ من محدثي أهل الكوفة وسميت له عددا منهم فقال هذه زلات [لهم] لا نسقط بزلاتهم عدالتهم. [والد شيخنا] فصل: فى قول أحمد: "لا يروى عن أهل الرأى" تكلم عليه ابن عقيل بكلام كثير قال في رواية عبد الله أصحاب الرأى لا يروى عنهم الحديث قال القاضي وهذا محمول على أهل الرأى من المتكلمين كالقدرية ونحوهم. قلت ليس كذلك بل نصوصه في ذلك كثيرة وهو ما ذكرته في المبتدع   1 في د "سعيد العوفي". 2 في د "ترهيب". 3 في د "رواية داود". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 265 أنه نوع من الهجرة فانه قد صرح بتوثيق بعض من ترك الرواية عنه كأبي يوسف ونحوه ولذلك لم يرو لهم في الامهات كالصحيحين. [شيخنا] فصل: قال الشيخ الإمام أبو الوفاء ابن عقيل ومنع يعنى الإمام أحمد من رواية الحديث1 عمن يعامل ويبيع بالعينة وهو محمول على النسيئة التي هى ربا وكل بيع فيه ربا2 قال في رواية سندى الخواتيمي لا يعجبنى أن يكتب الحديث عن معين قال في الواضح يعنى يبيع هذه العينة وقال في رواية حبيش وسلمة بن شبيب لا نكتب عن هؤلاء الذين يأخذون الدراهم على الحديث ويحدثون ولا كرامة قال القاضي هذا على طريق الورع لأن بيع العينة وأخذ الاجرة على رواية الحديث مما يسوغ فيه الاجتهاد وما ساغ فيه الاجتهاد لم يفسق فاعله. [والد شيخنا] فصل: اذا كان في الحديث رجلان أحدهما قوى والآخر ضعيف لم يجز أن يحدث عن القوى ويترك الضعيف نص عليه في رواية حرب [الكرماني] .   1 في ا "سماع الحديث" وكتب بهامشها بخط الناسخ نفسه "رواية الحديث" ثم أتبعه بعلامة الصحة. 2 هذه قراءتي لهذه الكلمة وأرجو أن تكون صوابا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 266 مسألة: إذا كان الرواى يتساهل في أحاديث الناس ويكذب فيها ويتحرز في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم لم تقبل روايته نص عليه في رواية سندى الخواتيمى وغيره وأنكر على من قبل روايته انكارا شديدا وبهذا قال مالك خلافا لبعضهم1.   1 إلى هنا ينتهي السقط الذي نبهنا عليه في ص "263" السابقة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 266 [شيخنا] فصل: قال القاضي فأما الاسباب الموهمة التي لا يرد لأجلها خبر الواحد فمنها أن أن تلحقه غفلة في وقت فإن خبره لا يرد لأن أحدا لا ينفك عن أن تلحقه غفلة في وقت بل إن روى خبرا في حال غفلته لم يثبت خبره. قال عبد الله قلت: لابى إن بشر بن عمر1 زعم أنه سأل مالكا عن صالح مولى التوأمة فقال ليس بثقة قال أبي مالك أدرك صالحا وقد اختلط وهو كبير ما أعلم به بأسا من سمع منه قديما وقد روى عنه أكابر أهل المدينة. ومنها أن يضطرب بعض حديثه فلا يرد حديثه لأن كل أحد لا يقدر على ضبط ما سمعه كله. ومنها أن يفرد بنقل حديث واحد لا يروى غيره فلا يرد حديثه لجواز أن ينفرد به من كل أحد حديث له حادث2 فسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم فأجابه عنها. ومنها أن لا تعرف له مجالسة مع النبي صلى الله عليه وسلم لأنه قد يجالسه فلا يرف ذلك منه وقد يأخذ الحديث عنه من غير مجالسة. [ومنها3 أن يروى حديثا قد فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم بخلافه4] . ومنها أن يروى حديثا يخالفه فيه أكثر الصحابه. ومنها أني يكون معروفا باللقب وقد اختلف في اسمه. ومنها أن ينسى بعض حديثه فذكر فعاد إليه فلا يرد حديثه لذلك بل ان روى حديثا لا أصل له وقال نقلته على بصيرة منى بذلك فهو مردود الحديث   1 في د "بسر بن عمر" بسين مهملة تصحيف. 2 في ا "كل واحد". 3 في ا "له حادثة". 4 ما بين هذين المعقوفين ساقط من اوهو ثابت في ب د. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 267 فإن قال سهوت أو أخطأت قبل خبره وقد نص أحمد على هذا في رواية حرب في الرجل إذا سها في الاسناد فأخطأ فيه ولا يتعمد ذلك أرجوا إلا يكون به بأس. [شيخنا] فصل1: ذكر القاضي أن الخبر يرد من جهة المخبر بخمسة2 أشياء اما أن يخالف موجبات العقول واما أن يخالف الكتاب والسنة المتواترة واما أن يخالف الإجماع فقد يكون دليلا على نسخه قال الرابع أن يروى ما يجب على الكافة علمه مثل أن يروى أن النبي صلى الله عليه وسلم عهد إلى أبي بكر أو إلى عمر أو إلى عثمان أو على فاذا انفرد الواحد بنقل مثل هذا كان مردودا. قال فإن قيل أليس ما تعم به البلوى يفتقر إليه كل واحد ويثبت بخبر الواحد. قيل كل واحد مفتقر إلى العمل لا إلى علمه فلهذا يثبت بخبر الواحد وليس كذلك ثبوت الخلافة والعهد إلى واحد لأن على كل واحد أن يعرفه ويعلمه قطعا فلهذا لم يثبت بخبر الواحد. قلت هذا فيه نظر فانه يجوز أن ينقل لهم الواحد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه عهد إلى فلان فيجب عليهم العمل به ولا يقف على القطع باحد الطرفين إلا إذا نصب أدلته ويجوز أن لا ينصب دليلا على القطع وإن أريد أنه اليوم علمته فلا نسلم أن الله أوجب القطع باحد الطرفين وهذا باب ينبغى تأمله فإن من المتكلمين من رد أخبار الآحاد في غير العمليات وليس هو مذهب أهل السنة والجماعة. قال الخامس أن ينفرد بما جرت العادة بنقله بالتواتر.   1 سقط هذا الفصل برمته من ب. 2 في اب "بخمس" والعربية تقتضي أن يقال "بخمسة أشياء" وكذلك هو في د. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 268 [شيخنا] فصل: في الجندي قال في رواية المروذى وقد سأله يكتب عن الرجل إذا كان جنديا فقال أما نحن فلا نكتب عنهم وكذلك قال في رواية إبراهيم بن الحارث إذا كان الرجل في الجند لم أكتب عنه قال القاضي وهذا محمول على طريق الورع لأن الجندي لا يتجنب1 المحرمات في الغالب. قال شيخنا قلت: خص نفسه بالامتناع لأنه مظنة الظلم والاعتداء ولهذا كره لبس السواد لما فيه من التشبه بهم ويدل عليه قوله خذ العطاء ما كان عطاء فاذا كان عوضا عن دين أحدكم فلا يأخذه والملوك المتأخرون إنما يرزقون على طاعتهم وإن كانت معصية لا على طاعة الله ورسوله.   1 في ب "لأن الجندي لا يتخذ المحرمات" تصحيف. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 269 مسألة: يقبل التعديل المطلق وبه قال الشافعي وقال ابن الباقلاني لا يقبل إلا مفسرا بخلاف قوله في الجرح وذهب قوم إلى اعتبار التفسير فيه وفى الجرح. [شيخنا] فصل: فإن عمل العدل بخبر غيره كان تعديلا له كالوعد له بقوله ذكره القاضي في ضمن مسألة من غير خلاف أى في مسألة العدل عن غيره وكذلك ذكره الباجي. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 269 مسألة: لا يقبل الجرح إلا مفسرا مبين السبب وبه قال الشافعي وعنه أنه يقبل كالتعديل وذهب إليه جماعة وقال ابن الباقلاني يقبل الجرح المطلق ولا يقبل التعديل المطلق فصارت المذاهب في المسألتين1 أربعة وقال الجوينى   1 في ا "في المسألة". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 269 هذا يختلف بالمعدل والجارح فإن كان اماما في ذلك من أهل ناعته قبل [منه] 1 اطلاقه وإلا فلا وكذلك قال المقدسي في الجرح. ز قال القاضي ولا يقبل الجرح إلا مفسرا وليس في قول أصحاب الحديث [فلان ضعيف] وفلان ليس بشىء مما يوجب [جرحه و] رد خبره قال وهذا ظاهر كلام أحمد في رواية المروذى لأنه قال له إن يحيى بن معين سألته عن الصائم [يحتجم] فقال لا شىء عليه ليس يثبت فيها خبر فقال أبو عبد الله هذا كلام مجازفة قال فلم يقبل مجرد الجرح من يحيى. قال شيخنا قلت: لأن أحمد قد علم ثبوت عدة أخبار فيها فكيف يقبل نفى ما أثبته ولهذا لما أطلق يحيى الكلام نسبه إلى المجازفة قال [وكذلك نقل مهنا عنه قلت: لاحمد حديث خديجة كان أبوها يرغب أن يزوجه فقال أحمد الحديث معروف سمعته من غير واحد قلت: ان الناس ينكرون هذا قال ليس هو بمنكر قال [2فلم يقبل مجرد انكارهم. قال شيخنا قلت: لأنه قد علم خلاف ذلك والطعن في حديث قد علم ثبوته لا يقبل] 2. قال ونقل عنه المروذى ما يدل على أنه يقبل فقال قرىء على أبي عبد الله حديث عائشة كانت تلبى: "لبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك لبيك ان الحمد والنعمة لك" فقال أبو عبد الله كان فيه والملك لا شريك لك فتركته لأن الناس خالفوه وقوله تركته معناه ترك روايته لأجل ترك الناس له وإن لم تظهر العلة. قال شيخنا قلت: قد ذكر الخلال3 تضعيف المشايخ لعاصم بن عبيد الله   1 هذا الحرف ليس في اد. 2 في مكان ما بين المعقوفين في احملة ناقصة وهي "وقد علم بكونه لا يقبل". 3 في ب "قد ذكر في الخلاف" تصحيف. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 270 وهو ظاهر في أن الجرح المطلق يقبل وهو مكتوب في المسودات وهذا إنما يقتضى أن الزيادة التي تركها الجمهور لا تقبل. قال شيخنا قلت: هذا الباب يفرق فيه بين جرح الرجل وتزكيته وبين جرح الحديث وتثبيته ويفرق فيه بين الائمة الذين هم في الحديث بمنزلة القضاة في الشهود وبين من هو شاهد محض فإن جرح المحدث يكون بزيادة علم وأما جرح الحديث فتارة يكون للاطلاع له على علة وتارة لعدم علمه بالطريق الأخرى أو بحال المحدث به. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 271 مسألة: يقبل جرح الواحد وتعديله عندنا وبه قال المحققون ذكره الجوينى وقدنص عليه في التعديل لأن العدد ليس بشرط في قبول الخبر هاهنا بخلاف الشهادة وهذا أحد الوجهين للشافعية والآخر لا يقبل الجرح إلا من اثنين كما في الشهادة حكاها1 أبو الطيب وحكى الثاني الجوينى عن بعض المحدثين] . قال القاضي فإن صرح عدلان بما يوجب الجرح ثبت الجرح وإن صرح أحدهما بما يوجب الجرح ثبت أيضا وهذا قياس قوله في التعديل أنه يثبت بقول الواحد فإن العدد ليس بشرط في قبول الخبر فلم يكن شرطا في جرح الراوى بخلاف الشهادة فأما تعديل الواحد فيقبل كما يقبل جرحه قال في رواية الأثرم إذا روى الحديث عبد الرحمن بن مهدى عن رجل فهو حجة قال وهذا يدل على أن رواية العدل عن غيره تعديل [له] 2 ويدل أيضا على أن تعديل الواحد مقبول وكذلك نقل أبو زرعة قال سمعت أحمد بن حنبل يقول مالك بن أنس إذا روى عن رجل لا يعرف فهو حجة قال [وقد] نقل مهنا عنه ما يدل على أن رواية العدل لا تكون تعديلا ويجب السؤال عنه فقال سألت أحمد   1 في ب "حكاهما". 2 كلمة "له" ليست في ا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 271 عن رباح بن عبيد الله بن عاصم بن عمر1 بن الخطاب فقال هكذا روى عنه عبد الرزاق قلت: كيف هو قال ضعيف قال وظاهر هذا أنه لم يجعل رواية العدل [عن غيره] تعديلا [له] . قال شيخنا قلت: مذهبه التفضيل بين بعض الأشخاص وبعض وقوله في صالح مولى التوأمة يقتضى أن الكثرة معتبرة ونقل إسماعيل بن سعيد قلت: لأحمد تعديل الرجل والواحد إذا كان مشهورا بالصلاح قال يقبل ذلك قال القاضي وظاهر هذا أن تعديل الواحد للشاهد مقبول.   1 في ا "بن عاصم عن عمر بن الخطاب". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 272 مسألة: فإن عمل الرواى بما رواه واحتج [به] وأسند عمله1 إليه فهل يكون تعديلا [لمن رواه عنه] قال قائلون يكون تعديلا وقال قائلون لا يكون تعديلا [لمن روى عنه] وقال الجوينى والمقدسى يكون تعديلا إلا فيما العمل به من مسالك الاحتياط وعندى أنه يفصل بين أن يكون الراوى ممن يرى قبول مستور الحال أو لا يراه أو يجهل مذهبه فيه.   1 في ب "وأسند علمه". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 272 مسألة: إذا تعارض الجرح والتعديل قدم الجرح وإن كثر المعدلون وقيل يقدم قول المعدلين إذا كثروا وعندي أن هذا لا وجه له مع بيان السبب فأما إذا كان جرحا مطلقا وقبلناه فإن تعديل الأكثرين أولى منه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 272 مسألة: إذا قال بعض أهل الحديث لم يصح هذا الحديث أو لم يثبت ونحوه لم يمنع ذلك قبوله عند الشافعية خلافا للحنفية وعندنا هو على الروايتين في الجرح المطلق. [شيخنا] فصل: خبر الواحد إذا طعن فيه السلف لم يجز الاحتجاج به عند الحنفية وقد روى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 272 ما يشبه قولهم عن علقمة في انكاره على الشعبي حديث فاطمة لما طعن فيه عمر وغيره1.   1 في د "وعن غيره أيضا". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 273 مسألة1 قال أحمد في رواية الأثرم إذا روى الحديث عبد الرحمن بن مهدي عن رجل فهو حجة. وقال في رواية أبي زرعة مالك بن أنس ان روى عن رجل لا يعرف فهو حجة قال القاضي فهذا يدل على أن رواية العدل عن غيره تعديل له. قلت وبهذا قالت الحنفية. وحكى عن أحمد كلاما ذكر أنه يدل على انها لاتكون تعديلا له وبه قال أصحاب الشافعي وكذلك حكى القاضي وأبو الخطاب المسألة على روايتين وكذلك القاضي في العمدة وفصل الجوينى ان كان من عادته الرواية عن العدل والضعيف فليس تعديلا له وإن أشكل الأمر لم يحكم بأنه تعديل والمقدسي مثله. فصل: ذكر القاضي كلام أحمد في الحديث الضعيف والأخذ به2 ونقل الأثرم قال رأيت أبا عبد الله ان كان الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم في اسناده شىء يأخذ به إذا لم يجيء خلافه أثبت منه مثل حديث عمرو بن شعيب وإبراهيم الهجرى وربما أخذ بالمرسل إذا لم يجىء خلافه وتكلم عليه ابن عقيل وقال النوفلى سمعت أحمد يقول إذا روينا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحلال والحرام والسنن والأحكام شددنا في الاسانيد وإذا روينا عن النبي صلى الله عليه وسلم في فضائل الأعمال وما لا يرفع حكما فلا نصعب قال القاضي قد أطلق أحمد القول بالأخذ بالحديث الضعيف فقال مهنا قال أحمد الناس كلهم أكفاء إلا الحائك والحجام والكساح فقيل له تأخذ بحديث كل الناس أكفاء   1 هذه المسألة من د وهي مكررة بألفاظها ولكنها ثابتة هنا أيضا في اب. 2 في د "كلام أحمد في الأخذ بالحديث الضعيف". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 273 إلا حائكا أو حجاما وأنت تضعفه فقال إنما تضعف اسناده ولكن العمل عليه وكذلك قال في رواية ابن مشيش وقد سأله عمن تحل له الصدقة والى أى شيء تذهب في هذا فقال إلى حديث حكيم بن جبير فقلت وحكيم بن جبير ثبت عندك [في الحديث] قال ليس هو عندى ثبتا في الحديث وكذلك قال مهنا سألت أحمد عن حديث معمر عن الزهرى عن سالم عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم أن غيلان أسلم وعنده عشر نسوة قال ليس بصحيح والعمل عليه كان عبد الرزاق يقول معمر عن الزهرى مرسلا قال القاضي معنى قول أحمد هو ضعيف على طريقة أصحاب الحديث لأنهم1 يضعفون بما لا يوجب التضعيف2 عند الفقهاء كالارسال والتدليس والتفرد بزيادة في حديث لم يروها الجماعة وهذا موجود في كتبهم تفرد به فلان وحده فقوله هو ضعيف على هذا الوجه وقوله والعمل عليه معناه على طريقة الفقهاء قال وقد ذكر أحمد جماعة ممن يروى عنه مع ضعفه فقال في رواية إسحاق بن إبراهيم قد يحتاج أن يحدث الرجل عن الضعيف مثل عمرو3 بن مرزوق وعمرو3 بن حكام ومحمد بن معاوية وعلى بن الجعد وإسحاق ابن أبي إسرائيل ولا يعجبني أن يحدث عن بعضهم وقال في رواية ابن القاسم في ابن لهيعة ما كان حديثه بذاك وما أكتب حديثه إلا للاعتبار والاستدلال أنا قد أكتب حديث الرجل كأني استدل به مع حديث غيره يشده لا أنه حجة إذا انفرد وقال في رواية المروذى كنت لا أكتب حديثه يعنى جابرا الجعفي ثم كتبته أعتبر به وقال له مهنا لم تكتب عن أبي بكر بن أبي مريم وهو ضعيف قال أعرفه قال القاضي والوجه في الرواية عن الضعيف أن فيه فائدة وهو أن يكون الحديث قد روى من طريق صحيح فتكون رواية الضعيف ترجيحا4 أو ينفرد الضعيف بالرواية   1 كلمة "لأنهم" ساقطة من ب. 2 في ب د "بما لا يوجب تضعيف – إلخ". 3 في ب "عمر" في الإثنين وانظر ص "280" الآتية. 4 في ا "مرجحا". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 274 فيعلم ضعفه لأنه لم يرو إلا من طريقه فلا يقبل. قال شيخنا قلت: قوله كانى أستدل به مع حديث غيره لا أنه حجة إذا انفرد يفيد شيئين أحدهما أنه جزء حجة لا حجة فإذا انضم إليه الحديث1 الآخر صار حجة وإن لم يكن واحد منهما حجة فضعيفان قد يقومان مقام قوي2 الثاني أنه لا يحتج مثل هذا منفردا وهذا يقتضى أنه لا يحتج بالضعيف المنفرد فاما أن يرد به نفى الاحتجاج مطلقا أو إذا لم يوجد أثبت منه قال عبد الله بن أحمد قلت: لابي ما تقول في حديث ربعى ابن حراش قال الذي يرويه عبد العزيز بن أبي راود3 قلت: نعم قال لا الأحاديث بخلافه وقد رواه الحفاظ عن ربعى عن رجل لم يسموه قال قلت: فقد ذكرته في المسند قال قصدت في المسند المشهور وتركت الناس تحت ستر الله ولو أردت أن أفصل ما صح عندى لم أرو من هذا المسند إلا الشىء بعد الشىء ولكنك يا بني تعرف طريقتي في الحديث لست أخالف ما ضعف من الحديث إذا لم يكن في الباب شىء يدفعه [ذكره القاضي في مسألة الوضوء بالنبيذ] . قال شيخنا قلت: مراده بالحديث الذي رواه ربعى عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قال قدم أعرابيان فهذا أو حديث لا تقدموا الشهر أو غيرهما. قال شيخنا قلت: وعلى هذه الطريقة التي ذكرها أحمد بنى عليه أبو داود كتاب السنن لمن تأمله ولعله أخذ ذلك عن أحمد فقد بين أن مثل عبد العزيز بن أبي راود3 ومثل الذي فيه رجل لم يسم يعمل به إذا لم يخالفه ما هو أثبت منه. وقال أحمد في رواية أبي طالب ليس في السدر حديث صحيح وما يعجبني   1 في ا "الخبر الآخر". 2 في ب د "فضعيفان قد يقويان". 3 في د "عبد العزيز بن أبي داود" تصحيف. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 275 قطعه لأنه على حال قد جاء فيه كراهة قال الأثرم سمعت أبا عبد الله يقول إذا كان في المسألة عن النبي صلى الله عليه وسلم حديث لم نأخذ فيها بقول أحد من الصحابة ولا من بعدهم خلافه وإذا كان في المسألة عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قول مختلف نختار من أقاويلهم ولم نخرج عن أقاويلهم إلى قول من بعدهم وإذا لم يكن فيها عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن الصحابة قول نختار من أقوال التابعين1 وربما كان الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم في اسناده شىء فنأخذ به إذا لم يجىء خلافه أثبت منه وربما أخذنا بالحديث المرسل إذا لم يجىء خلافه أثبت منه2.   1 في ا "من أقوال الناس". 2 في د وحدها هنا إعادة رواية منها بشأن حديث غيلان. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 276 مسألة: التدليس لا ترد به الرواية وهو أن يوهم أنه سمع من انسان عاصره ولم يسمع منه وإنما سمع عن رجل عنه فيقول قال فلان وروى فلان نص أحمد على ذلك قال القاضي وذهب قوم من أصحاب الحديث إلى أنه لا يقبل خبره قال هو غلط لأن ما قاله صدق فلا وجه للقدح1 به وقال أبو الطيب لا يقبل خبر المدلس حتى يقول سمعت من فلان أو حدثنى فلان فأما إذا قال عن فلان أو أخبرنى فلان لم يقبل لأنه يقول أخبرنى فلان وإن لم يسمع منه بأن يكون ذلك بكتابه بكتابة أو رسالة وما أشبهه وقال أبو داود سمعت أحمد سئل عن الرجل يعرف بالتدليس في الحديث يحتج بما لم يقل فيه حدثنى أو سمعت قال لا أدري. فصل: شيخنا قال القاضي فأما التدليس فانه يكره ولكن لا يمنع من قبول الخبر وصورته أن ينقل عمن لم يسمع منه [لكنه2 سمع عن رجل عنه فأتى   1 في ا "للقدح فيه". 2 ما بين المعقوفين ساقط من ب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 276 بلفظ] 1 يوهم أنه قد سمع منه [مثل أن يكون قد عاصر الزهرى ولم يسمع منه لكن سمع عن رجل عنه فأتى بلفظ يوهم أنه قد سمعه من الزهرى بلا واسطة] 2 فيقول روى الزهرى أوقال الزهرى أو عن الزهرى فكل من سمع هذا يذهب إلى أنه سمع من الزهرى بلا واسطة وكذلك إذا سمع الخبر من رجل معروف بعلامة مشهورة فعدل عنها إلى غيرها من أسمائه مثل أن كان مشهورا بكنينته فروى عنه باسمه أو كان مشهورا باسمه فروى عنه بكنيته حتى لا يعرف من الرجل فكل هذا مكروه نص عليه في رواية حرب فقال أكره التدليس وأقل شىء فيه أنه يتزين للناس أو يتزيد شك حرب وكذلك نقل عنه المروذى لا يعجبنى التدليس هو من الزينة وكذلك نقل مهنا عنه التدليس عيب3. قال شيخنا قلت: هذه الكراهة4 تنزيه أو تحريم يخرج على القولين في معاريض من ليس بظالم ولا مظلوم والاشبه أنه محرم فإن تدليس الرواية والحديث أعظم من تدليس المبيع لكن من فعله متأول فيه فلم يفسق. قال القاضي إذا ثبت أنه مكروه فانه لا يمنع من قبول الخبر5 نص عليه في رواية مهنا وقيل له كان شعبة يقول التدليس كذب فقال أحمد لا قد دلس قوم ونحن نروى عنهم وذهب قوم من أهل الحديث إلى أنه لا يقبل خبره لأنه روى عمن لم يسمع منه [قال القاضي] 6 وهذا غلط لأنه ماكذب فيما نقل بل كان ما قاله صدقا في الباطن إلا أنه أوهم في خبره ومن أوهم في خبره لم يرد خبره بذلك كمن قيل له حججت فقال لا مرة ولا مرتين يوهم أنه حج أكثر وحقيقته أنه ما حج أصلا. قال شيخنا قلت: لكن ما هو صادق في الحقيقة العرفية ولا مبين لما ينبغي بيانه.   1 ما بين المعقوفين إلى هنا ساقط من ب. 2 ما بين هذين المعقوفين ساقط من اوقد اضطرب الناسخ في النقل عن أصله وهو كما أثبتناه عن د. 3 كلمة "عيب" ساقطة من ا. 4 في ب د "هل الكراهة – إلخ". 5 في ا "من قبول الحديث". 6 هذه الجملة ساقطة من ا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 277 فصل: [للقاضى وأبى الطيب في صفة الراوى وذكر أبا بكرة ومن جلد معه ونحو ذلك] 1.   1 ما بين هذين المعقوفين ساقط من ا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 278 مسألة: ومن كثر منه التدليس عن الضعفاء لم تقبل عنعننه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 278 مسألة: إذا روى العدل عن العدل خبرا ثم نسيه المروى عنه فأنكره لم يقدح ذلك فيه في احدى الروايتين قال الأثرم قلت: لابى عبد الله يضعف الحديث عندك أن يحدث الرجل النفر بالحديث عن الرجل فيسأل عنه فينكره أو لا يعرفه فقال لا ما يضعف عندى بها [ولفظه في العدة فينكره ولا يعرفه فقال لا ما يضعف عندى بهذا] 1 فقلت مثل حديث الولى ومثل حديث اليمين مع الشاهد فقال قد كان معمر يروى عن أبيه عن ثقة عن عبيد الله بن عمر لفظ القاضي إذا روى العدل عن العدل خبرا ثم نسى المروى عنه الخبر فأنكر لم يجب إطراح الخبر ووجب العمل به في إحدى الروايتين وفيه رواية أخرى يرد الخبر ولا يجوز العمل به وقد نص على الروايتين في انكار الزهري روايته حديث عائشة في الولى فقال في رواية الأثرم وذكره وكذلك نقل الميمونى عنه لما ذكر له حديث الزهرى وما قاله فقال كان ابن عيينه يحدث بأشياء ثم قال ليس من حديثى ولا أعرفه قد يحدث الرجل ثم ينسى وكذلك نقل عنه أبو طالب يجوز أن يكون الزهرى حدث به ثم نسيه فقد نص على قبوله ونقل عنه خلاف هذا فقال أبو الحارث قلت: لابي عبد الله حديث عائشة أيما امرأة تزوجت بغير ولى فقال لا أحسبه صحيحا لأن إسماعيل قال قال ابن جريج لقيت الزهرى فسألته عنه فقال لا اعرفه وكذلك نقل حرب عنه أنه سئل عن حديث الولى فقال لا يصح لأن الزهرى سئل عنه فأنكره.   1 ما بين هذين المعقوفين ساقط من ا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 278 قال شيخنا قلت: وضع المسألة يقتضى أنه لا يشمل إذا جحد المروى عنه وعموم كلامه يقتضى العموم لهذه الصورة لأن الانكار يشمل القسمين وقول ابن عيينة ليس من حديثى نفى وعلله القاضي بأن المروى عنه غير عالم ببطلان روايته والراوى عنه ثقة فالمروى عنه كسائر الناس. قال شيخنا قلت: وهذا القيد قد اعتبره اصحابنا فيما إذا سبح به انسان ويعتبر أيضا في الحاكم وبهذه الرواية1 قال الشافعي وأصحابه قال المصنف والثانية يقدح فلا يعمل به وبه قالت الحنفية وقال ابن الباقلاني إن أنكره بأن قال لا أعرفه أو لا أذكره لم يقدح وإن قال غلط على أو كذب على قدح وحمل اطلاق الشافعي على هذا التقييد وذكر الجوينى في موضع آخر أن القاضي ابن الباقلاني ادعى على الشافعي أنه قال ترد الرواية في هذه الحالة يعنى إذا كذبه أو نسبه إلى الغلط وقال الجوينى فيما إذا قطع بكذبه وغلطه يتعارضان ويوقف [الأمر] 2 على مرجح كالخبرين المتعارضين وقال ويحتج به الجمهور إذا كان انكر الشيخ لشك أو نسيان أو قال لا أحفظه ولا أذكر أنى حدثتك به وخالفهم الكرخي فأما إذا أنكره انكارا جازما قاطعا بتكذيب الراوى عنه وأه لم يحدثه به قط فلا يجوز الاحتجاج به عند جميعهم لتعارضهما والاصل هو الشيخ3 ولا يقدح ذلك في بقية أحاديث الراوى.   1 في اب "وبالرواية الأولى". 2 ساقط من ب. 3 في ب "لتعارض الأصل هو الشيخ" خطأ صوابه ما أثبتناه موافقا لما في ا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 279 مسألة: إذا وجد سماعه في كتاب محققا لذلك ولم يذكر السماع جاز له روايته قول امامنا وأومأ إليه في مواضع والشافعى وأبى يوسف ومحمد وقال أبو حنيفة لا يجوز حتى يذكر [سماعه] قال أحمد في رواية مهنا إذا كان الجزء: 1 ¦ الصفحة: 279 يحفظ شيئا وفى الكتاب شىء فالكتاب أحب إلى قال القاضي فقد اعتبر ما في الكتاب وإن كان حفظ1 غيره وكذلك قال في رواية الحسين بن حسان في الرجل يكون له السماع من الرجل2 فلا بأس أن يأخذه منه بعد سنين إذا عرف الخط وكذلك نقله الحسن بن محمد بن الحارث قال سئل أبو عبد الله عن الشهادة على الخط3 إذا عرف خطه قال لا يشهد قلت: إلا ما يحفظ قال نعم إلا أيكون منسوخا عنده موضوعا في حرزه فكأنه إذا كان مكتوبا عنده في حرز شهد وإن لم يحفظ إذا كان في حرزه قم قال وكتاب العلم أيسر يعنى يشهد عليه قلت: له إذا أعار كتاب العلم قال لا بد أن يفعل4 ذلك إذا أعاره من يثق به قلت: فاذا كان ليس يثق به فقال كل ذلك أرجوا إلا يحدث في إلا أنه يرجوا أن يحدث فيه قال الزيادة فىالحديث ليس تكاد تخفى وكأنه رأى5 ذلك أوسع مع الشهادة6. ونقل الحسن بن على بن الحسن الاسكافى قال سألت أبا عبد الله عن معنى الغيبة فقال إذا لم ترد7 عيب الرجل قلت: فالرجل يقول فلان لم يسمع وفلان يخطىء قال لوترك الناس هذا لم يعرف الصحيح من غيره. إسحاق بن إبراهيم قلت: له الضعفاء قال قد يحتاج الرجل يحدث عن الضعفاء مثل عمرو بن مرزوق وعمرو بن حكام8 [ومحمد بن معاوية وعلى بن الجعد وإسحاق بن أبي اسرائيل قال أبوعبد الله لا يعجبنى أن يحدث عن بعضهم مثل محمد بن معاوية] 9 قال ان يحيى بن يحيى كان نافرا منه.   1 في ب "وإن كان حفظه غيره". 2 في ب "مع الرجل". 3 في ب "الشهادة عن الخطأ ... خطأه". 4 تقرأ في ا "يدين أن يفعل ذلك". 5 في ا "يرى". 6 في ا "أومنع من الشهادة" تصحيف. 7 في ب "إذا عرف عيب الرجل". 8 في ب "بن حاكم" وانظر ص "274". 9 ما بين هذين المعقوفين ساقط من ا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 280 استدل القاضي في مسألة الرواية على خطه بأن الأخبار أمرها مبنى على حسن الظن والمسامحة ومراعاة الظاهر من غير تحرج إلا ترى أنه لا يشترط فيها العدالة في الباطن ويقبل فيها قول العبيد والنساء وحديث العنعنة والظاهر من حال السماع الموجود الصحة فجاز العمل عليه واحتج برجوع الصحابة رضى الله عنهم إلى كتب النبي صلى الله عليه وسلم والعمل عليها فانه من أدل الدليل على الرجوع إلى الخط والكتاب. قال شيخنا قلت: هذا رجوع إلى خط غيره والعمدة فيه خبر الحامل1 واحتج برواية الضرير والسماع من وراء حجاب فانه سلمها في الرواية من منعها في الشهادة.   1 في ا "العامل". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 281 مسألة: يجوز رواية الحديث بالمعنى الذي لا لبس فيه لمن هو من أهل المعرفة نص عليه وقال ما زال الحفاظ يحدثون بالمعنى وهو مذهب الشافعي وحكى عن ابن سيرين وجماعة من السلف أنه يجب نقل اللفظ1 واختاره أبو بكر الرازى [فيما حكاه عنه أبو سفيان السرخسي] وعن الشافعية وجهان كالمذهبين وحكى الخطابى القول الثانى عن ابن عمر والقاسم بن محمد ورجاء بن حيوة ومالك وابن علية وعبد الوارث ويزيد بن زريع قال وكان يذهب هذا المذهب أحمد بن يحيى ثعلب ويقول ما من لفظ من الالفاظ المتواطئة والمترادفة في كلام العرب إلا وبينها وبين صاحبتها فرق وإن لطفت ودقت كقولك بلى ونعم وأقبل وتعال. قال القاضي والمستحب رواية الحديث بألفاظه فإن نقله على المعنى وأبدل اللفظ بغيره بما يقوم مقامه من غير شبهة ولا لبس على سامعه2 جاز إذا كان   1 كلمة "اللفظ" ساقطة من ا. 2 في ب "على ما سمعه" وأثبتنا ما في ا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 281 عارفا بالمعنى كالحسن ونحوه مثل أن يقول [بدل قوله] 1: "صبوا على بوله ذنوبا" من ماء أريقوا على بوله دلوا من ماء وقد نص أحمد على هذا في رواية حرب والميمونى والفضل بن زياد وأبى الحارث ومهنا كل روى عنه تجويز الرواية على المعنى [وقال مازال الحفاظ يحدثون على المعنى] 2 واستدل القاضي بأن المقصود حكمها3 دون لفظها فاذا أتى بمعناها جاز لأنه أتى بالمقصود وصار ذلك بمنزلة الشهادة على الإقرار لما كان القصد المعنى جاز الإخلال باللفظ فلو سمع اقرار رجل بالفارسية جاز له أن ينقل اقراره إلى الحاكم بالعربية وكذلك المترجم بغير المعنى قال وأيضا لما جاز نقل الحديث من غير النبي صلى الله عليه وسلم بلفظ آخر كذلك في الرواية عن النبي صلى الله عليه وسلم إلا ترى أنهم اتفقوا على منع الرواية على وجه لا يأمن المخبر أن يكون كاذبا فيه. فرع ذكر القاضي في لفظ النبوة والرسالة عن عمر بن بدر المغازلى أنه يجوز نقله عن أحمد وأجاب عن حديث البراء بن عازب في ذكر المنام4. [شيخنا] فصل: اذا سمع من الراوى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم [أو قال رسول الله صلى الله عليه وسلم] 5 أو "عن رسول الله" أو سمعت رسول الله جاز أيبدل مكان الرسول النبي [نص عليه فيما رواه عمر المغازلي وكذا مكان النبي رسول الله] 6 وقال صالح قلت: لأبى [عبد الله] 7 يكون في الحديث قال   1 ساقط من ب. 2 هذه الزيادة هنا عن ب وحدها وقد تقدمت في ص "281" ص "11". 3 في ب "حملها" تصحيف. 4 في ب "ذكر الكلام". 5 ما بين المعقوفين ساقط من ب. 6 ساقط من ا. 7 ليست في ب ولا د. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 282 رسول الله صلى الله عليه وسلم فيجعله الإنسان قال النبي صلى الله عليه وسم قال أرجو إلا يكون به بأس. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 283 مسألة: إذا قرىء على المحدث فأقر به أو قرأ هو عليه قال قرىء على فلان أو قرأت على فلان ولا يجوز أن يقول سمعت ولا أملى على وجاز أن يقول القارىء والسامع حدثنى فلان وأخبرنى فلان في احدى الروايتين نقلها إسحاق بن إبراهيم واختارها أبو بكر والقاضى وبها قالت الشافعية [والحنفية ونصرها القاضي وهى معنى قول الخلال وذكر عبد العزيز بن على أنه] قال قراءتك على العالم وقراءة العالم عليك سواء والاخرى أنه لا يجوز ذلك بل يقول قرأت على فلان أو قرىء عليه وأنا أسمع 1 [نقلها حنبل وبه قال قوم منهم يحيى بن معين وغيره] 1 ونقل عنه ابن منيع2 فيما يقرؤه على الناس ويقرأ عليه فقال إذا قرىء عليك فقل حدثنا وإذا قرىء عليه فقل حدثنا فلان قراءة عليه قال القاضي فظاهره يقتضى جواز حدثنا فيما قرىء عليه بالشرط الذي ذكره وقال أبو داود سألت أحمد فقلت كأن أخبرنا أسهل من حدثنا فقال نعم حدثنا شديد وكذلك قوله في رواية حرب حدثنا وأخبرنا واحد إذا كان سماعا من الشيخ وقال سلمة بن شبيب سمعت أحمد يقول غير مرة حدثنا وأخبرنا واحد.   1 ما بين هذين المعقوفين ساقط من ا. 2 في ا "ونقل عنه منيع". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 283 مسألة: وإذا قال الراوى [أخبرنا فلان] فهل يجوز للمستمع أن يقول إذا روى عنه قال حدثنا موضع أخبرنا فيه روايتان احداهما المنع نقلها حنبل والثانية الجواز اختارها الخلال وأخذها القاضي من قوله في رواية عبد الجبار بن أحمد 1 حدثنا وأخبرنا [وأنبأنا] 2 واحد [وقد نقل هذا عنه سلمة بن شبيب أيضا.   1 في اهنا "أحمد بن عبد الجبار" صوابه ما أثبتناه موافقا لما في د وهذا العلم يتكرر كثيرا جدا وانظر ص "284" هـ 4. 2 ساقط من ب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 283 مسألة: وإذا قرىء على المحدث] 1 وهو يسمع فسكت فالظاهر أنه اقرار قاله القاضي أبو يعلى وأبو الطيب قالا والاحوط أن يستنطقه الاقرار به وقيد هذه المسألة القاضي في كتاب القولين بما إذا لم يقربا الشيخ لفظا فقال مسألة إذا قرىء عليه وهو ساكت يسمع ولم يقل له هو كما قرأت عليك فيقول نعم أو يقول له ابتداء أقرأ عليك فيقول اقرأ فاذا لم يقل له شيئا من هذا فهل يجوز أن يقول حدثنى فلان أو أخبرني على روايتين أحداهما لا يجوز لأنه ما حدثه ولا أخبره بل يسوغ له إذا كان ثقة أن يعمل بما قرأ عليه ويرويه فيقول قرأت على فلان فلم ينكره لأن سكوته على ذلك رضا به وقد نص على هذا في رواية حنبل وقيل له سأل ابن عون2 الحسن فقال أقرأ عليك فأقول حدثنا الحسن قال نعم قال حنبل سألت أحمد عن ذلك فقال لأن ولكن يقول قرأت والرواية الثانية يجوز أن يقول حدثنى وأخبرني لا سكوته مع سماع القراءة عليه رضا بما قرأه وامضاء له فجاز أن يقول حدثنى وأخبرنى كما لو قال له اروه عنى ولانه لما حصل سكوته دلالة على جواز الرواية جاز أن يجعله في جواز ذلك في مسألتنا وقد نص على هذا في رواية إسحاق بن إبراهيم وقد سأله وهو يقرأ عليه شيئا من الأحاديث أقول حدثنى أحمد فقال إن قال فما أرى به بأسا ولكن يقول قرأت عليه أحب إلى لمن يريد الصدق قال فقد نص على جوازه واختار أن يقول قرأت عليه ليحكى الحال فإذا قال له هو كما قرأت عليك فقال نعم فهل يقول أخبرنا وحدثنا [3أم يجوز أن يقول أخبرنا3 فقط] على روايتين إحداهما يجوز أن يقول أخبرنا ودحثنا لا فرق بينهما نص عليه فيما حدثنا به الخلال4 أن عبد الجبار   1 ساقط من ب. 2 في ا "وقد سأل عون الحسن". 3 ساقط من ا. 4 في ا "سمعت أحمد بن عبد الجبار" وانظر ص "283" هـ 3. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 284 ابن أحمد قال سمعت أحمد بن حنبل يقول أخبرنا وحدثنا واحد ونقل حنبل إذا قال الشيخ حدثنا قلت: حدثنا يقتفى لفظ الشيخ إنما هو دين ولا يقول لاخبرنا حدثنا ولا لحدثنا أخبرنا على لفظ الشيخ قال أبو بكر الخلال قد سهل أبو عبد الله في هذا المعنى على جواز رواية الحديث على المعني قال والأول أشبه فإن كان في سماعه عن فلان فهل يجوز أن يقال قال فلان أم لا نقل الحسن بن محمد بن الحارث السجستاني عن أحمد إذا كان عن فلان في الكتاب قال فلا يغيره قال الخلال هذا وهم من الحسن بن محمد لأن هذا عند أحمد شديد وقد ذكره في كتاب العلل وانكاره على أهل المدينة. قال شيخنا قلت: فعلى هذه الطريقة فما أقر به يقول أخبرني قولا واحدا وفى حدثني روايتان وفيما لم يقر به لفظا بل حالا هل يقول أخبرنى وحدثنى على روايتين وعلى الأولى في جوازهما جميعا روايتان في المسألتين صرح بهما في العدة فقال ولا فرق بين أن يقول هو كما قرأته عليك فيقر به وبين أن يقول أرويه عنك فيقول له أروه عنى وأنه على الخلاف الذي حكينا ولفظ أحمد الذي في العدة هو الذي فىكتاب الروايتين وهو رواية إسحاق ورواية حنبل وإنما هما لفظ [حدثني وأما لفظ] 1 أخبرنى فقد يؤخذ من قوله ولكن يقول قرأت ولم يقل تقول أخبرني وكذلك2 قوله في رواية سلمة بن شبيب حدثنا وأخبرنا واحد قاله غير مرة فيقتضى استواءهما في المنع والاذن ثم قال في العدة إذا قرىء عليه وهو ساكت لم يقر به فظاهر أنه اقرار. قال شيخنا وهنا طريقة ثالثة أن يكون في المسألة3 ثلاث روايات الثالثة   1 ساقط من ا. 2 في ا "وبدل قوله". 3 في ب د "في المسألتين". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 285 الفرق بين أخبرنا وحدثنا فانه في رواية أبي داود قد جعل التحديث أسهل من الأخبار وكذلك قوله حدثنا وأخبرنا واحد فيما كان سماعا من الشيخ يقتضى الفرق بينهما فيما لم يكن سماعا. ويتلخص في المسألتين مع اللفظين عدة أقوال جوازهما فيهما ومنعهما فيهما الثالث جواز الأخبار دون التحديث فيهما والرابع جوازهما فيما أقر به لفظا دون ما أقر به حالا الخامس جواز الأخبار فيما أقر به دون التحديث فيما لم يقر به1.   1 بهامش اهنا "بلغ مقابلة على أصله". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 286 مسألة: تجوز الرواية إذا قرأ على المحدث أو قرىء عليه وهو يسمع ويسمى العرض نص عليه في غير موضع وبه قال الجمهور والحسن وشعبة وأهل المدينة مالك وغيره وكرهه طائفة منهم ابن عيينة. [شيخنا] فصل: الكلام في العرض على مراتب. احداها هل يجوز تجوز الرواية والعمل به أم لا فيه خلاف قديم عن بعض العراقيين ومذهب أهل الحجاز وأهل الحديث كأحمد وغيره جوازه كعرض الحكام والشاهد على المقر. الثانية أنه قد يكون بصيغة الاستفهام وقد يكون بصيغة الخبر وهو الغالب وكلاهما جائز في الشهادة والرواية. الثالثة أنه قد يتكلم بالجواب بالموافقة كقوله نعم وهو ظاهر وقد يقول أرويه عنك فيقول نعم فهذا اذن والاول خبر قال القاضي إذا ثبت في أحد الموضعين أنه خبر وليس بأمر ثبت في الآخر لأن أحمد ما فرق بينهما1. الرابعة السكوت قال القاضي فإن قرىء عليه وهو ساكت لم يقر به   1 في د "لأن أحدا ما فرق بينهما". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 286 فالظاهر أنه اقرار لأن سكوته مع سماع القراءة عليه رضاء منه بما قرأه وامضاء له فجاز أن يقول أخبرنى وحدثنى كما لو أقر به والاحوط أن يقول له هو كما قرأته أو قرىء عليك فاذا قال نعم حدث به عنه. قال شيخنا قلت: الجواب بنعم عندنا صريح ولهذا ينعقد به النكاح فصح أن يقول حدثنى وأما على وجه لنا أنه كناية كقول الشافعي فقد يتوجه المنع من قول حدثنى وأخبرني. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 287 مسألة: وما سمع من لفظ الشيخ جاز أن يقول فيه حدثنا وأخبرنا نص عليه في رواية حرب ونص على أن شيخه إذا قال أخبرنا فله أن يقول حدثنا إذا كان قد سمعه من شيخ الشيخ كعبد الرزاق فإن أحمد قال حدثنا عبد الرزاق قال حدثنا معمر فقيل له ان عبد الرزاق كان لا يقول حدثنا فقال حدثنا وأخبرنا واحد إذا كان سماعا من الشيخ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 287 مسألة: تجوز الرواية بالاجازة والمناولة والمكاتبة نص عليه وبه قال الزهرى ومعمر وشعيب بن أبي حمزة في مناولة المعين والشافعية وهذا أصح عند من يريد الرواية به وذكره أصحابنا في المعين والمطلق وقال أبو حنيفة وأبو يوسف فيما حكاه أبوسفيان1 عنهما لا يجوز بحال وقال الأوزاعى في العرض يقول قرأت وقرىء وفى المناولة يدين به ولا يحدث به وقال أبو بكر الرازي إذا قال له قد أجزت لك أن تروى عنى هذا الكتاب وقد علما ما فيه جاز ويقول في ذلك حدثني وأخبرني كما لو كتب كتابا بحضرة شهود يرون ذلك ثم قال اشهدوا على بما فيه جاز التحمل وإن لم يعلما ما فيه أو أجاز له كل ما يصح عنده من حديثه لم يصح ذلك وإن كتب إليه بشىء فعلم المكتوب إليه أن هذا كتاب فلان جاز أن يقول أخبرني ولايجوز أن يقول حدثني   1 في ا "فيما حكاه ابن سيرين عنهما". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 287 [1قال أبو اليمان أجازنى أحمد ابن حنبل فقال كيف تحدث عن شعيب فقلت بعضها قراءة وبعضها أخبرنا وبعضها مناولة فقال قل في كل أخبرنا] 1 والمنصوص عن أحمد إنما هو في مناولة ما عرفه المحدث وفى كتابه لا نفس الحديث قال المروذى قال أبوعبد الله إذا أعطيتك كتابي وقلت لك أروه عنى وهو من حديثى فما تبالى سمعته أو لم تسمعه فأعطانا المسند ولأبي طالب مناولة وقال عبد الرحمن المتطبب لاحمد آخذ هذين2 الكتابين فقال ضعهما فعارض بهما حرفا حرفا فلما جاء3 دفعهما إليه فقال قد أجزت لك هذه وكتب إليه أبو مسهر وأبو توبة بأحاديث حدث بها وقال أبو بكر الصيرفى فيما إذا ناوله كتابا وقال حدثنى بجميع ما في هذا الكتاب فلان فأروه عنى جاز له أن يرويه ولا يقول حدثنا [ولا أخبرنا ولا سمعت فإن قال أخبرنا] 1 إجازة جاز ذكره أبو الطيب. [شيخنا] فصل إذا روى بالاجازة جاز أن يقول أجاز لى أو حدثنى أو أخبرني اجازة ولا يجوز أن يقول حدثني أو أخبرني مطلقا ذكره ابن عقيل. فصل ويقول في الاجازة حدثني أو أخبرني اجازة فإن لم يقل اجازة لم يجز وجوزه قدم قال شيخنا قلت: كان يفعله أبو نعيم الأصفهاني.   1 ما بين هذين المعقوفين ساقط من ب وحدها. 2 في د "أجز هذين الكتابين" ولا يتسق مع الجواب. 3 في ا "فلما جاز" تصحيف. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 288 [شيخنا] فصل: فى رواية صالح قلت: الشيخ يدغم الحرف يعرف أنه كذا وكذا ولا يفهم عنه ترى أن يروى ذلك عنه قال ارجو أن لا يضيق هذا قلت: الكتاب قد طال على الإنسان عهده لا يعرف بعض حروفه فيخبره به بعض أصحابه ما ترى في ذلك قال ان كان يعلم أنه كما في الكتاب فليس به بأس. أبو داود سأل رجل أحمد بن حنبل فقال أجد في كتابى جريج وأنا أعلم أنه عن ابن جريج فقال أصلحه وأروه على الصحه. عبد الله بن أحمد كان أبي إذا تم1 الحديث وكان بجانبه من يبصر النحو يقول له كذا فيصلحه أو نحو هذا من الكلام. [شيخنا] فصل: اذا لم يحفظ ما قرأه المحدث أو قرىء عليه فينبغى أن يكون ناظرا في كتاب فيه ما يقرأه المحدث من حفظه أو من كتاب ليضبط ما قرأه المحدث نص عليه في مواضع وإن كان المحدث يقرأ في كتاب فيجوز أن يرفع بصره وإذا حدث من حفظه فهو أبعد من ضبطهم2 [إذا لم يحفظوه] 3 ولم يكتبوه. [شيخنا] فصل: يجوز أن يعارض الكتاب الذي سمعه بنسخة أخرى مع غيره نص عله وبه قال الجمهور وقالت طائفة لا يعارضه إلا مع نفسه ينظر في الأصل مرة وفى النسخة مرى أخرى.   1 في اد "قرأ الحديث". 2 في ب "عن ضبطهم". 3 ساقط من ا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 289 [شيخنا] فصل: في سماع الصبى قال عبد الله سألت أبي متى يجوز سماع الصبى في الحديث قال إذا عقل وضبط قلت: فانه بلغنى عن رجل فسميته أنه قال لا يجوز1 سماعه حتى يكون له خمس عشرة سنة لأن النبي صلى الله عليه وسم رد البراء وابن عمر واستصغرهما يوم بدر فأنكر قوله وقال بئس القول هذا يجوز سماعه إذا عقل فكيف يصنع بسفيان بن عيينه ووكيع2 وذكر ايضا قوما وسألت [أبي مرة] ما يقول في سماع الضرير قال إذا كان يحفظ الحديث فلا بأس وإذا لم يكون يحفظ فلا وقال قد كان أبو معاوية الضرير إذا حدثنا بشيء يرى أنه لم يحفظه3 يقول في كتابنا أو في كتابى عن أبي إسحاق الشيباني ولا يقول حدثنا ولا سمعت قلت: لابى والاصم قال هو كذلك بهذه المنزلة إلا ما حفظ من المحدث يعنى والله أعلم أنه لا بد من سماعه ولا يكتفى بوجوده فى كتابه. وزعم قوم أنه يجب أن يكون وقت التحمل بالغا. [شيخنا] فصل: من المحدثين من لا يكون حجة لو انفرد فاذا وافقه مثله صار حجة وكذلك الحديث يروى من وجهين فيصير بذلك حجة وهذا باب واسع يجب اعتباره قال أحمد بن القاسم سألت أبا عبد الله عن حديث ابن لهيعة فقال ما كان حديثه بذاك وما اكتب حديثه إلا للاعتبار والاستدلال قال أنا قد أكتب   1 في ا "كان لا يجوز سماعه". 2 في ا "وابن وكيع". 3 في ا "الذي يرى أنه – إلخ" وفي د "نسمى الذي نرى". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 290 حديث الرجل على هذا المعنى كأنى أستدل به مع حديث غيره يشده لا أنه حجة إذا انفرد قلت: فإذا الرجل على هذا ليس حديثه بحجة في شىء قال إذا أنفرد بالحديث فنعم ولكن إذا كان حديث عنه وعن غيره كان في هذا تقوية. وقال حنبل سمعت أبا عبد الله يقول ما حديث ابن لهيعة بحجة إلا أنى كنت كثيرا ما أكتب حديث الرجل لا أعرفه ويقوى بعضه بعضا. وسأله المروذى عن جابر الجعفي فقال قد كنت لا أكتب حديثه ثم كتبته أعتبر به. وقال له مهنا لم تكتب حديث ابن أبي مريم وهو ضعيف قال أعرفه وقال سمعته يقول لرجل عنده في حديث رجل متروك قال له الرجل قد رميت بحديثه ما أدرى أين هو قال له أبو عبد الله ولم كيف لم تدعها حتى تنظر فيها وتعتبر بها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 291 مسألة: الاجازة المطلقة لكل أحد صحيحة كقوله أجزت وذلك لكل من أراده ونحوه ذكره القاضي وحكى عن أبي بكر عبد العزيز أنه وجدت عنده اجازة كذلك بخط أبي حفص البرمكى أو بخط والده أحمد بن إبراهيم البرمكى ولفظها على كتاب الرد على من انتحل غير مذهب أصحاب الحديث اجازة الشيخ لجميع مسموعاته مع جميع ما خرج عنه لمن أراده. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 291 مسألة: إذا سمع صحابى من صحابى خبرا لزمه العمل به ولا يلزم المروى له إذا لقى النبي صلى الله عليه وسلم بعد ذلك [أن يسأله عنه وقال بعض الناس يلزمه وقد تقدم إذا حدثه بحضرة النبى صلى الله عليه وسلم] 1 والخلاف فيها.   1 ما بين هذين المعقوفين ساقط من اوواضح أن الكلام محتاج إليه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 291 بين1 أبي الخطاب وشيخه.   1 في ب "عن أبي الخطاب". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 292 مسألة: قال أحمد في رواية عبدوس من صحب النبي صلى الله عليه وسلم سنة أو شهرا أو يوما أو ساعة أو رآه مؤمنا به فهو من أصحابه له من الصحبة على قدر ما صحبه وإليه ذهب أصحابنا ونقل أبو سفيان السرخسى عن بعض شيوخه أن اسم الصحابي إنما يطلق على من رآه واختص به اختصاص الصاحب بالمصحوب سواء روى عنه الحديث أو لم يرو عنه [أخذ عنه] العلم أو لم يأخذ فاعتبر تطاول الصحبة في العادة قال أبو الخطاب وقال أبو عثمان عمرو بن بحر1 إنما يسمى بذلك من طالت صحبته له واختلاطه به وأخذ عنه العلم وقال ابن الباقلاني وصاحبه الصحابي عندنا اسم واقع على من صحب النبي صلى الله عليه وسلم وجالسه واختص به لا على من كان في عهده وإن لقيه مرات كثيرة هذا مقتضى اللغة وموجبها وحقيقتها. فصل: [والذي عليه سلف الأمة وجمهور الخلف أن الصحابة رضى الله عنهم كلهم عدول بتعديل الله تعالى لهم] 2.   1 في ا "عمرو بن صخر" تصحيف. 2 ساقط من د. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 292 مسألة: إذا أخبر صحابى عن آخر بأنه صحابى قبل ذلك وثبتت صحبته عندنا وحكى أبو سفيان [السرخسي1] عن بعض شيوخه أنه لا يثبت2 بقول لواحد وإنما يثبت بما يوجب العلم ضرورة أو إكتسابا3 ولو أخبر عن نفسه بأنه صحابى قبل باتفاق منا ومن هذا القائل قاله القاضى.   1 ناقص من ب وحدها. 2 في ا "أنه لا يقبل – إلخ. 3 في ا "أو انتسابا" تحريف. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 292 مسألة: فإن أخبر الثقة عن نفسه بالصحبة قبل أيضا وحكى عن بعض الناس أنه لا يقبل وإنما قبل خبر غيره بذلك لعدم التهمة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 293 مسألة: الرواية على النفي كقول الصحابي ما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا ولا صنع كذا هل يقبل قال قوم يقبل قال ابن برهان وقال قوم وهم أصحاب أبي حنيفة لا يقبل كما لا تقبل الشهادة على النفى واختار ابن برهان تفصيلا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 293 مسألة: إذا قال الصحابي أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بكذا أو نهانا أو رخص لنا في كذا أو حرم أو أمر أو نهى أو فرض أو أوجب أو حرم أو أباح عمل به نص عليه وهو قول عامة أهل العلم [1وحكى القاضي أبوالحسن الخرزى أن مذهب داود لا يثبت بذلك ولا يعمل به1] وحكى عن ابن بيان القصار2 خلاف هذا وكان على مذهب داود وأنكر ذلك وقال يجوز3 الاحتجاج به وقال ابن عقيل لا خلاف أنه لو قال قائل أرخص أو رخص في كذا لرجع إلى النبي صلى الله عليه وسلم كذلك إذا قيل أمرنا ونهينا4 لكن هذا في المسألة بعد هذه قال القاضي أبو الطيب الشافعي سمعت ذلك منهما وحكى أن مذهب قوم من المتكلمين لا يحتج بذلك كرواية الخرزى [عن داود5] [6وحكى أبو الطيب المسألة في موضع ثان وذكر رواية الخرزي عند داود6] وترجمها بما إذا قال أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم   1 ما بين هذين المعقوفين ساقط من ا. 2 في ب "عن ابن أبان القصار". 3 في ب "وقال لا يجوز". 4 في ا "أمرنا أو نهينا". 5 ساقط من ب ووجوده في ايؤيد ثبوت مابين المعقوفين برقم "1". 6 ما بين هذين المعقوفين ساقط من ا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 293 واحتج في أثنائها بأنه إذا قال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم حمل على التحريم فكذلك يحمل أمرنا على الوجوب وهذا يدل على مساعدتهم في النهى واستدل ابن عقيل بأنهم لما رووا أنه رجم ماعزا لما زنى وقطع سارق رداء صفوان وسها فسجد كان ذلك كقوله رجمت ماعزا لما زنى وسجدت حين سهوت1.   1 في ا "حين سهوتي". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 294 مسألة: إذا قال الصحابي من السنة كذاوكذا اقتصى سنة النبي صلى الله عليه وسلم عند أصحابنا وعامة الشافعية وجماعة من الحننفية منهم أبو عبد الله البصرى وقال أبو بكر الرازى والكرخي والصيرفي لا يقتضى ذلك واختاره الجويني. قال القاضي إذا قال الصحابي من السنة كذا كقول علي من السنة أن لايقتل حر بعبد اقتصى سنة النبي صلى الله عليه وسلم وكذلك إذا قال التابعى من السنة كذا كان منزلة المرسل فيكون حجة على الصحيح من الروايتين كما قال سعيد بن المسيب من السنة إذا أعسر الرجل بنفقة امرأته أن يفرق بينهما الحاكم [1وكذا إذا قال الصحابي أمرنا بكذا ونهينا عن كذا فإنه يرجع إلى أمر النبي صلى الله عليه وسلم ونهيه1] وكذلك إذا قال رخص لنا في كذا وقد نقل أبو النضر العجلى عن أحمد في جراحات النساء مثل جراحات الرجال حتى تبلغ الثلث فاذا زاد فهو على النصف من جراحات الرجال قال وهو قول زيد بن ثابت وقول علي كله على النصف قيل له كيف لم تذهب إلى قول علي قال لأن هذا يعنى قول زيد ليس بقياس قال قال سعيد بن المسيب هو السنة. قال القاضي وهذا يقتصى أن قول التابعى من السنة أنها سنة النبي   1 ما بين هذين المعقوفين ساقط من ا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 294 صلى الله عليه وسلم لأنه قدم قول زيد على قول علي لأنه وافق قول سعيد إنما هى السنة وبين أنه ليس بقياس قال وقد رأيت هذا لبعض أصحابنا ويغلب على ظني أنه أبو حفص البرمكي ذكره في مسائل البرزاطي لما روى الحديث عن ابن عمر أنه قال مضت السنة أن ما أدركت الصفقة حبا مجموعا فهو من مال المبتاع فقال بعد هذا صار هذا الحديث مرفوعا بقوله مضت السنة ويدخل في المسند حرر ابنه عبد الله أن هذا القائل هو ابن بطة. قال شيخنا رضى الله عنه قلت: ويغلب على ظني أن هذا الضرب لم يذكره أحمد في الحديث المسند فلا يكون عنده مرفوعا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 295 مسألة: فإن قال التابعى ذلك فكذلك إلا أنه يكون بمنزلة المرسل وقد أومأ أحمد إلى ذلك والد شيخنا قال المقدسي وقول التابعى والصحابي في ذلك سواء إلا أن الاحتمال في قول الصحابي أظهر [وذكر قول التابعى في هذه وفى التي بعدها] 1 قال أبو الخطاب في ذلك وجهان بناء على المرسل. قال شيخنا رضى الله عنه الخلاف في أمرنا ونهينا إنما يتوجه عند الاطلاق وأا عند الاقتران بأن الأمر كان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أو زمنه فلا يتوجه كقول أنس في الأذان أمر بلال أن يشفع الأذان ويوتر الإقامة في السياق المعروف وكقول عائشة كنا نحيض على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فنؤمر بقضاء الصوم ولا نؤمر بقضاء الصلاة وقول زيد بن أرقم كان الرجل منا يحدث أخاه وهو في الصلاة حتى نزل قوله: {وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} 2 فأمرنا بالسكوت ونهينا عن الكلام وقول سهل بن سعد كان الناس يؤمرون أن   1 ساقط من د. 2 من الآية "238" من سورة البقرة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 295 يضعوا أيمانهم على شمائلهم وقول أنس في الصف بين السوارى1 كنا نطرد عن هذا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا ذكر الغزالى وأبو محمد قوله وقت لنا.   1 السواري: جمع سارية وهي العمود. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 296 مسألة: فإن قال الصحابي أمرنا بكذا أو نهينا عن كذا أو رخص لنا في كذا انصرف ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم عندنا1 [وبهذا] 2 قال أكثر الحنفية [والشافعية] خلافا للرازى والصيرفى والكرخي وكذلك الجوينى في أمرنا ونهينا ولم يذكر رخص لنا وقال ابن الباقلاني وصاحبه في أمرنا ونهينا وأهل لنا وحرم علينا وكانوا يفعلون كذا ليس بحجة [عنده] واختار أبوالطيب الأول وقال هو الظاهر من المذهب ولم يذكر في رخص لنا خلافا بل جعلها أصلا واحتج بها في المسألتين وكذلك ابن عقيل مثله قال ابن عقيل إذا قال الصحابي أمرنا بكذا أو من السنة كذا أونهينا عن كذا فهو راجع إلى النبي صلى الله عليه وسلم وأمره ونهيه وسنته وإن قال التابعى ذلك فهو كالمرسل فهو حجة في احدى الروايتين عن أحمد واختلف أصحاب أبي حنيفة [فحكى أبوسفيان3 عن أبي بكر الرازى أنه لا يرحج إلى أمره ونهيه وسنته فلا يحتج به وحكى غيره من أصحابه مثل قولنا وقول أكثر الشافعية خلافا للصيرفي] .   1 كلمة "عندنا" في ب وحدها. 2 كلمة "وبهذا" عن اوحدها. 3 في ب "فحكى أبو يوسف" ولا يستقيم وما بين المعقوفين كله ساقط من د. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 296 مسألة: إذا قال الصحابي أو التابعى كانوا يفعلون كذا حمل ذلك على [فعل] الجماعة التي هى الأمة دون الواحد منهم ذكره أصحابنا القاضي وأبو الخطاب جعلوه إجماعا وهو قول الحنيفة وقال قوم من أصحاب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 296 الشافعي لا يحمل على ذلك ولا يكون حجة [1وإنما ذكره أبو محمد عن أبي الخطاب في قول الصاحب ولم يذكر التابع وهو وجه ثان] فإن التابع قد يعنى من أدركه كقول إبراهيم كانوا يفعلون يريد أصحاب عبد الله وقد احتج أحمد بقول ابن عمر كنا نقول على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أبو بكر ثم عمر ثم عثمان لكن يقال احتجاجه به لما فيه من بلاغ النبي صلى الله عليه وسلم أو لكون قول الصحابه حجة.   1 ما بين هذين المعقوفين وقع في ب متأخرا عن قوله "يريد أصحاب عبد الله" وذلك خطأ لأن ما بعده على ما ورد في اتعليل له. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 297 مسألة: إذا قال الصحابي كنا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم نفعل كذا وكذا ... مسألة: إذا قال الصحابي كنا عل عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم نفعل كذا وكذا [فإن كان من الامور الظاهرة التي] 1 مثلها يشيع ويذيع ولا يخفى مثلها على رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو حجة مقبولة وإلا فلا وهذا قول الشافعي وقالت الحنفية ليس بحجة إذا لم ينقل بأن النبي صلى الله عليه سلم بلغه ذلك فأقر عليه وذكر أبو الخطاب أنه حجة مطلقا وكذلك أبو محمد ولم يفصلا قال أبو الطيب وهو ظاهر مذهب الشافعي [وذكر1 له كلاما يدل عليه وذكره أبوالخطاب عن الشافعي] وعن عبد الجبار وأبى عبد الله البصرى وحكاه في المسألتين جميعا في كل الصور. قال والد شيخنا وذكر القاضي في الكفاية في ذلك احتمالين ولم يفصل أحدهما يحمل على أنه كان يظهر للنبي صلى الله عليه وسلم فلا ينكره والثاني لا يجب حمله على أن ذلك علم به النبي صلى الله عليه وسلم فأقرهم عليه22. [شيخنا] فصل: قول الصحابي كنا نفعل كذا على عهد النبي3 صلى الله عليه وسلم يحتج به   2 ما بين المعقوفين ساقط من ا. 3 بهامش اهنا "بلغ مقابلة على أصله". 4 في ب "على عهد رسول الله". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 297 من وجهين من جهة أن فعلهم حجة كقولهم ومن جهة اقرار رسول الله صلى الله عليه وسلم فالأول كقول أبي سعيد1 كنا نعزل والقرآن والقرآن ينزل فلو كان شيئا ينهى عنه لنهانا عنه القرآن فهذا لا يحتاج إلى أن يبلغ النبي صلى الله عليه وسلم لكن هذا المأخذ قد ذكره أبو سعيد1 ولم أر الأصوليين تعرضوا2 له وأما الثاثي فيحتاج إلى بلوغ النبي صلى الله عليه وسلم وفيه الاقوال الثلاثة أحدها قول أبي الخطاب وأبى محمد أنه حجة مطلقا لأن ذكره ذلك في معرض الحجة يدل على أنه أراد ما علمه النبي صلى الله عليه وسلم فسكت عنه ليكون دليلا والثاني ليس بحجة كالوجه الذي ذكره القاضي وهو قول الحنفية وأما إذا كانت العادة تقتضي أنه بلغه فذاك دليل على البلاغ وأصل هذا أن الأصل قول الله تعالى وفعله وتركه القول وتركه الفعل وقول رسول الله صل الله عليه وسلم وفعله وتركه القول وتركه العمل وإن كانت قد جرت عادة عامة الأصوليين أنهم لا يذكرون من جهة الله إلا قوله الذي هو كتابه ومن جهة رسول الله صلى الله عليه وسلم قد يقولون بما يقول أصحابنا قوله وفعله وإقراره وقد يقولون وامساكه وهذا أجود فإن إقراره ترك النهى فانه يدل على العفو عن التحريم وأما الإمساك فانه يعم ترك الأمر أيضا الذي يفيد العفو عن الإيجاب كترك الأمر بصدقة خضروات المدينة فإن ترك الأمر مع الحاجة إلى البيان يدل عل عدم الإيجاب كترك النهى وأما ترك الفعل فانه يدل على عدم الاستحباب وعدم الإيجاب كثيرا فإن ترك الفعل مع قيام المقتضى له يدل على عدم كونه مشروعا كترك النهى مع الحاجة إلى البيان وأما فعل الله كعذابه للمنذرين3 فانه دليل على تحريم ما فعلوه وجوب ما أمروا به وكمااستدل أصحابنا وغيرهم من السلف بفعل الله تعالى ورجم قوم لوط على رجمهم4 وأما ترك القول فكما يستدل بعدم   1 في "كقوله جابر". 2 في ا "ولم أر للأصوليين تعرضا له". 3 في ا "فلعذابه المنذرين" وفي د "فكعذابه". 4 أطبقت النسخ كلها على هذا وربما كان أصله "بفعل الله تعالى رجم قوم لوط على جرمهم". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 298 أمره على عدم الايجاب وبعدم نهيه على عدم التحريم كقوله1 وما سكت عنه فهو مما عفا عنه وهو الدليل الثاني للاستدلال [على عدم الحكم] 2 بعدم الدليل وكما استدل أبو سعيد بعد النهى عن الفعل على عدم تحريمه وأما ترك الفعل فكانجائه للمؤمنين دون المنذرين. [شيخنا] فصل: قول الصاحب نزلت هذه الآية في كذا هل هو من باب الرواية أو الاجتهاد طريقة البخارى [في صحيحة] 3 تقتضي أنه من باب المرفوع وأحمد في المسند لم يذكر مثل هذا.   1 في ب "فقوله" وفي ا "لقوله" وكلاهما تحريف ما أثبتناه موافقا لما في د. 2 قوله "على عدم الحكم" متأخر في ب وقوله "بعدم الدليل" ساقط من اوجمعنا بينهما لأن المعنى عليه. 3 ساقط من ا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 299 مسألة: إذا انفرد العدل عن سائر الثقات بزيادة لا تنافى [المزيد عليه] قبلت نص عليه وهو قول جماعة الفقهاء والمتكلمين وقول الشافعي وقال جماعة من أهل الحديث لا تقبل وعن المالكية وجهان وعن أحمد [قول] كقولهم فيما إذا خالف ظاهر المزيد عليه وعنه ترد مطلقا إذا تركها الجمهور وكذل حكى ابن برهان هذا المذهب الثاني عن أبي حنيفة [وحكاه الجوينى عن أبي حنيفة] 1 [ولفظ ترجمته إذا روى طائفة من الاثبات قصة وانفرد واحد منهم بزيادة فيها] . قال شيخنا قلت: لعل مأخذه أن الزيادة تخالف المزيد عليه لانها تقيده والتقييد نسخ عنده وذكر أبو الخطاب2 قبولها إذا تعدد المجلس وإن اتحد   1 ساقط من ا. 2 في ا "ذكرها أبو الخطاب فتأولها إذا تعدد المجلس" تحريف. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 299 وكان الذي ترك الزيادة جماعة لا يجوز عليهم الوهم سقطت وإن كان ناقل الزيادة جماعة كثيرة قبلت. قلت ان كان راوي الزيادة واحدا وراوى النقصان واحدا قدم أشهرهما وأوثقهما في الحفظ والضبط [والقاضى ذكر قبول الزيادة وإن اتحد المجلس وكان الزائد واحدا على الجماعة قبلت] 1 وإن استويا في ذلك فذكر شيخنا روايتين وأنكر أبو الخطاب رواية الرد وقال إنما قال ذلك أحمد فيما إذا خالف الواحد الجماعة قال وقال أبو الحسين البصري ان غيرت الزيادة اعراب الكلام ومعناه تعارضنا مثل أن يروى أحدهما في صدقة الفطر صاع من بر ويروى الآخر نصف صاع من بر وإن غيرت المعنى دون العراب كقول الآخر صاع من بر بين اثنين قبلت الزيادة. قال شيخنا قال القاضي إذا روى جماعة من الثقات حديثا وانفرد أحدهم بزيادة لا تخالف المزيد عليه مثل أن ينقلوا2 أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل البيت وانفرد أحدهم بقوله دخل وصلى تثبت تلك الزيادة بقوله كالمنفرد بحديث عنهم وهكذا لو أرسلوه كلهم ورفعه واحد منهم إلى النبي صلى الله عليه وسلم ثبت عنه مسندا بروايته وهكذا لو وقفوه كلهم على صحابى ورفعه واحد إلى النبي صلى الله عليه وسلم ثبت هذا المرفوع ولم يرد قال وقد نص أحمد على الأخذ بالزائد في مواضع فقال أحمد بن القاسم سألت أبا عبد الله عن مسألة في فوات الحج فقال فيها روايتان احداهما فيها زيادة دم قال أبو عبد الله والزائدة أولى أن يؤخذ به3 قال وهذا مذهبنا في الاحايث إذا كانت الزيادة في أحدهما أخذنا بالزيادة [وهذا النص يدخل في الأخبار وفى المطلق والمقيد] قال ونقل الميموني عنه أنه قال نقل أن النبي   1 ما بين هذين المعقوفين ساقط من ب. 2 في ب "مثل أن يقولوا". 3 في ب "أولى أن يؤخذ منه". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 300 صلى الله عليه وسلم دخل الكعبة ولم يصل ونقل أنه صلى [فهذا يشهد أنه صلى] 1 وابن عمر يقول لم يقنت في الفجر وغيره يقول قنت فهذه شهادة عليه بأنه قد قنت وحديث أنس بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يخضب وقوم يقولون قد خضب فالذى شهد على الشيء فهو أوكد وذهب جماعة إلى أن ما انفرد به الواحد كان مردودا وقد روى عن أحمد نحو هذا في رواية الأثرم وإبراهيم بن الحارث والمروذى إذا تبايعا فخير احدهما صاحبه بعد البيع هل يجب البيع فقال هكذا في حديث عبد الله بن عمر قيل له تذهب إليه قال لا أنا أذهب إلى الاحاديث النافية الخيار لهما ما لم يتفرقا ليس فيها شىء من هذا. قال القاضي فقد صرح في رواية2 ابن عمر بزيادتها لأن الجماعة ما نقلوها وإنما تفرد بها ابن عمر وقد قال في رواية أبي غالب3 كان الحجاج بن أرطاة من الحفاظ قيل له هوعند الناس ليس بذاك قال لأن في حديثه زيادة على حديث الناس [4لا يكاد يوجد له حديث إلا فيه زيادة. قال شيخنا قلت: أخرج منه تركه للزيادة في حديث عائشة والملك لا شريك لك قال لأن الناس] 4 خالفوه قال المروذى قرىء على أبي عبد الله حديث عائشة كانت تلبى لبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك لبيك ان الحمد والنعمة لك فقال أبو عبد الله كان فيه والملك لا شريك لك فتركته لأن الناس خالفوه.   1 ساقط من ا. 2 في ب "فقد طرح رواية ابن عمر" تحريف. 3 في ا "ابن غالب". 4 ما بين هذين المعقوفين ساقط من ا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 301 [شيخنا] فصل: هذه المسألة ذات شعب واشتباه بغيرها وذلك أن الكلام في ثبوتها أو ردها غير اتباعها عملا فانه قد يروى حديثان منفصلان في قصة وفى أحدهما زيادة فهنا لا ريب في قبولها إذا رواها ثقة كما لو روى حديثا مفردا متضمنا حكما آخر [لكن] 1 قد يوجب ذلك تقييد الرواية الأخرى أو تخصيصها فتبقى من باب الخطأ بين المطلق والمقيد وهنا قد خالفت [إطلاق] الرواية الأخرى كما في حديث ابن عمر في البيعين فكلام أحمد في رواية ابن القاسم [إشارة إلى هذا القسم] 2 وكذلك في حديث ابن عمر لكن إذا كان راوى المطلق [عددا] 3 وراوى المقيد واحدا وهو تقييد4 يرفع موجب ذلك الخبر صار كالنسخ عنده وتعارضا فلا يرفع الأقوى الأضعف ولهذا يتوقف في النسخ بمثل هذه الرواية عنه في التفريق5 وكنسخ القيام للجنازة ونحو ذلك فإن نسخ خبر العدل بالواحد يتوقف6 فيه وأما الخبر الواحد فاما أن ترد إحدى الروايتين عن المنشىء للكلام أو عن المخبر به فأما الأول فهي المسألة المذكوره هنا وهى زيادة أحد الصاحبين مالم يروه الآخر وهى ترجع إلى القسم الأول إن تعدد المجلس وأما إن اتحد ولم يعلم واحد منهما فهى هى وأما إن كانت الزيادة عن المخبر فهنا الزيادة في حديث واحد قطعا لأن تعدد مجالس الأخبار لا يوجب تعدد المخبر عنه لكن قد يرويه المحدث بكماله وقد يختصره فسبب قبول الزيادة إما تعدد المتكلم وإما حفظ الزائد دون غيره وإما أن يكون تركهم لروايتها لا لعدم علمهم بها بل للاختصار وترك روايتها يبتنى على   1 كلمة "لكن" غير موجود في ا. 2 ما بين المعقوفين غير موجود في اوحدها. 3 كلمة "عددا" ليست في اولا في د. 4 في ب "وهو مقيد". 5 في ا "في الطريق". 6 في ا "فيوقف فيه" تحريف. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 302 جواز نقل بعض الحديث دون بعض إن كان الترك موهما ولهذا قرنوا إحدى المسألتين بالأخرى وأيضا فزيادة بعض الرواة بعض الحديث يستمد1 من قاعدة وهى أن التفرد2 بالرواية قد يقدح تارة ولا يقدح أخرى فاذا كان المقتضى للإشتراك قائما ولم يقع قدح3 وإلا فلا ومنه رواية [ما] تعم به البلوى وغير ذلك وذلك لانها إذا كانت ثابتة فالمحدث إما أن يكون قد ذكرها للبقية أو لم يذكرها وإذا ذكرها فاما أنهم لم يسمعوها أو سمعوها وما حفظوها أو حفظوها وما حدثوا بها ليس هنا سبب رابع فإن كان المقتضى لذكرها وسمعها وحفظها والتحديث بها موجودا صارت مثل المثبت والنافي سواء وأما الاختلاف في الإسناد والارسال والرفع والوقف ففيه تفصيل أيضا وكلام أحمد4 وغيره في هذه الابواب مبني5 على التفصيل وأهل الحديث أعلم من غيرهم. [شيخنا] فصل: ذكر القاضي في ضمن المسألة أن المنفرد بزيادة لا تخالف المزيد كالمنفرد بحديث فأورد عليه ترك أحمد لزيادة ابن أبي عروبة الاستسعاء قال في رواية الميموني حديث أبي هريرة في الاستسعاء يرويه ابن أبي عروبة وأما شعبة وهمام [وهشام] 6 الدستوائى فلم يذكروه فلا أذهب إلى الاستسعاء فقال القاضي هذا باب آخر وهو أن هذه الزيادة تخالف المزيد عليه فيكون كأنه [تفرد] 7 بضد ما نقلته.   1 في ب "يشهد" تحريف. 2 في ا "أن المنفرد". 3 حذف جواب "إذا" وكأنه قال: إذا كان كذا قبلت وإلا فلا. 4 في ا "وكلامه وغيره". 5 في ا "يبتي على التفصيل". 6 كلمة "وهشام" ساقطة من اوصارت العبارة "وهمام الدستوائي" وهو خطأ فإن الدستوائي هو هشام بن أبي عبد الله وترجمته في تهذيب التهذيب "11/43". 7 كلمة "تفرد" ساقطة من ب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 303 الجماعة فيقدم ما كثرت روايته على ما قلت: وكذلك فيما نقل عن النبي صلى الله عليه وسلم في زكاة الفطر نصف صاع من بر وروى صاع من بر فهذه الزيادة تخالف المزيد عليه فيقدم أحدهما بكثرة الرواة. [شيخنا] فصل: ذكر القاضي في ضمن المسألة أن الزيادة في الشهادة مقبولة جعله محل وفاق وقاس عليه فلو شهد ألف على اقراره [بألف وشهد شاهدان على اقراره1] بألفين تثبت الزيادة بقولهما وإن كانا قد انفرد عن الجماعة وذكر أن المقومين إذا اختلفوا في القيمة تعارضت شهاداتهم في الزيادة فلم تقبل جعله محل وفاق لأن أحدهم ينفيها والزيادة في الخبر لا ينفيها الآخر.   1 ما بين هذين المعقوفين ساقط من ا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 304 مسألة: يجوز لمن سمع حديثا يشتمل على أشياء أن ينقل البعض إذا لم يتعلق بعضه بعض نص عليه في مواضع وفعله في مواضع ومنع من ذلك جماعة ممن أوجب نقل الحديث باللفظ دون المعنى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 304 مسألة: فإن كان ترك بعضه يتضمن ترك بيان في1 أوله ويوهم منه شيئا يزول بذكر الزيادة لم يجز حذفها مثل ما ذكره الشافعي فقال نقل بعض النقلة عن ابن مسعود أنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم بحجرين وروثة يستنجى بها فرمى الروثة وقال: "إنها ركس" وروى بعض الرواة انه رمى الروثة ثم قال: "ابغ لنا حجرا ثالثا" والسكوت عن ذكر الثالث ليس يخل بذكرى رمى الروثة وبيان أنها ركس ولكن يوهم النقل لذلك جواز الاستجمار بحجرين قال الشافعي فلا يجوز الاقتصار في2 مثل هذا على بعض الحديث وتحمل رواية   1كلمة "في" ثابتة في ب وحدها. 2 في ا "على مثل هذا على بعض الحديث". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 304 المقتصر على أنه لم تبلغه الزيادة وقال الجوينى إن قصد الراوى بذلك اثبات منع استعمال الروثة ونقل ما يدل على ذلك من رمى الرسول الروثة وحكمه بأنها ركس فهو سائغ غير بعيد وإن لم يعلق روايته بذلك بل افتتحها غير معلقة بغرض معين لم يسغ الاقتصار على ذلك لأنه يوهم جواز الأكتفاء بحجرين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 305 مسألة: إذا روى رجل خبرا عن شيخ مشهورا لم يعرف بصحبته ولم تشتهر الرواية عنه واجتمع أصحاب الشيخ المعرفون على جهالته بينهم وأنه ليس منهم هل بمنع ذلك قبول خبره قالت الشافعية يمنع وقالت الحنفية لا يمنع ونصره ابن برهان والاول ظاهر كلام أحمد في مواضع وأكثر المحدثين والثاني يدل عليه كلام أحمد في اعتذاره لجابر الجعفي في قصة هشام ابن عروة مع زوجته. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 305 مسأئل الترجيح مسألة: يرجح أحد الخبرين على الآخر بكثرة الرواة نص عليه وبه قال مالك فيما ذكره ابن برهان والشافعى ذكره أبو الطيب والشافعية والجرجانيو أبو سفيان السرخسى الحنفيان وحكى أبو سفيان عن الكرخي أنه لا يجح بذلك [1وقال الجوينى إن صرحوا بنفى ما نقله الواحد عند إمكان اطلاعهم على نفيه فهذا يعارض قول المثبت] 1 وذكر القاضي تقديم رواية الأتقن2 الأعلم بما يقتضى أنها محل وفاق.   1 وقع ما بين هذين المعقوفين في اآخر المسألة بعد كلام القاضي. 2 في ب "الأبين" تحريف. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 305 مسألة: فإن كان الاقل أوثق من الأكثرين مع اشتراكهما في أصل1 العدالة فالاوثق أولى قاله ابن برهان وهو قياس مذهبنا قال ومن الناس من قال يقدم الأكثر رواة وهو فاسد.   1 في ب "في نقل العدالة" تحريف. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 305 [شيخنا] فصل: لا يجوز أن يوجد في الشرع خبران متعارضان من جميع الوجوه وليست مع أحدهما ترجيح يقدم به ذكره أبو بكر الخلال وهذا قول القاضى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 306 مسألة: ويرجح أحد الراويين بكونه مباشرا لما رواه وذلك مثل رواية أبي رافع في حديث ميمونة يقدم على رواية ابن عباس. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 306 مسألة: والد شيخنا إذا كان أحد الراويين صاحب القصة قدم على من لم يكن صاحب القصة كحديث ميمونة وخالف الجرجانى الحنفى في ذلك فانه قال قد يكون غير الملابس أعرف بحال رسول الله صلى الله عليه وسلم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 306 [1 مسألة: ويرجح أحد الخبرين بكون موضع روايته أقرب إلى الرسول صلى الله عليه وسلم 1] قاله القاضي وابن عقيل ومثله برواية ابن عمر في افراد الحج وكذا أبوالخطاب.   1 سقط ما بين المعقوفين من ب فاختلطت المسألتان. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 306 مسألة: والد شيخنا فإن كانت رواية أحدهما قد اختلفت والاخرى ما اختلفت فالتى لم تختلف مقدمة ومن الناس من قال ما اتفقا فيه متساويان فيما اتفقا فيه هذ نقل ابن عقيل والقاضي ذكرها بعبارة أخرى [وقال إسماعيل الرواية المتسقة الخالية عن الاختلاف والاضطراب مقدمة على المختلفة المضطربة] 1. [والد شيخنا] فصل ذكر ابن عقيل الترجيح في المتن من وجوه عديدة.   1 ما بين هذين المعقوفين ساقط من د. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 306 مسألة: والد شيخنا فإن كانت ألفاظ أحد الجبرين مختلفة والآخر الفاظه غير مختلفة فذكر ابن عقيل احتمالين أحدهما أن غير المختلف مرجح والثاني أنهما سواء وذكر إسماعيل أن المتن الوارد بألفاظ مختلفة مع اتحاد المعنى يقدم على المتحد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 306 لفظا قال وقد يعارض ذلك بأن الإتحاد دليل1 على الإتفاق.   1 في ا "دل على الإتفاق". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 307 مسألة: والد شيخنا فإن اقترن بأحد الخبرين تفسير الراوى بفعله أو قوله كان مرجحا على مال يقترن به تفسيره ذكره ابن عقيل ومثله بحديث الخيار وحديث الغيم. [والد شيخنا] فصل ومما يرجح به في الاسناد أن يكون أحد الراويين كبيرا والآخر صغيرا فتقدم رواية الكبير ذكره ابن عقيل في أوائل السفر الثاني من الأصل. [والد شيخنا] فصل وهل تقدم رواية ثأكابر الصحابه على غير الأكابر ذكر فيه الفخر إسماعيل في جدله روايتين فإن قلنا بالترجيح قدمت رواية الخلفاء الاربعة على غيرهم وأعنى بالاكابر رؤساء الصحابة لا الأكابر بالسن1. فصل: ويقدم أحد الروايين بكونه أعلم2 ذكره ابن عقيل والقاضى في الكفاية وغيرهما وقالت الحنفية فيما ذكره البستى3 تقدم رواية الفقيه على غير الفقيه. [والد شيخنا] فصل4: ويقدم أحدهما بكونه أضبط.   1 في ب "لا العجائز بالسن". 2 في ب بياض في مكان هاتين الكلمتين. 3 في ب "فيما ذكره بالسن" ولم يذكرفيها ما بعده إلى آخر المسألة. 4 سقط هذا الفصل من ا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 307 [والد شيخنا] فصل: ويقدم أحد الراويين لكونه أكثر صحبة للمروى عنه ذكر ابن عقيل [في أوائل الثاني من الأصل] وأبو الخطاب. [والد شيخنا] فصل: قال القاضي وابن عقيل إن كان أحدهما أحسن سياقا للحديث فيقدم لحسن عنايته. [والد شيخنا] فصل: ويقدم أحد الراويين بكونه أورع وأشد احتياطا في الحديث1 ذكره أبو الوفاء وأبو الخطاب والمقدسي. [والد شيخنا] فصل: ويقدم أحد الراويين بكونه من رواة أهل الحرمين ذكره ابن عقيل وهذا إنما أراد به والله أعلم من كانت مدة مقامه في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم بالموضع الذي كان فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم سواء انتقل بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم إلى غير الحرمين أولا. [والد شيخنا] فصل: ولا أثر للترجيح بالذكورية والحرية2 خلافا لبعضهم في قولهم يرجح بالحرية والذكورية وهذا ليس بشىء. [شيخنا] فصل: يقدم حديث من لم يضطرب لفظه [على من أضطرب لفظه] 3 قاله القاضى.   1 في ب "للحديث". 2 في ا "ولا يقدم في الترجيح بالذكورية". 3 ساقط من اولا يفسد المعنى بسقوطه وهذه العبارة كلها ساقطة من د وهي مكررة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 308 [شيخنا] مسألة: يجوز ترجيح أحد الدليلين الظنيين على الآخر عند عامة العلماء واختلف النقل فيه عن البصرى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 309 [شيخنا] مسألة: لا ترجيح في المذاهب [الخالية] 1 عن دليل وحكى عبد الجبار بن أحمد عن أصحابه جواز ذلك.   1 سقطت هذه الكلمة من ا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 309 مسألة1 فأما ترجيح أحد الدليلين على الآخر بقلة احتماله للخطأ وكثرة احتمال الآخر فنفاه القاضي وفرق بين ما يوجب صحة الشىء وبيانه فإنه يقوى بكثرة ووجوه الاثبات ككثرة الرواة2 في الخبر وكثرة الأشتباه في القياس وبين ما يوجب فساد الشىء فإنه لا يعتبر [فيه] 3 بالقلة والكثرة كما لو كان الراوى مغفلا فإن ذلك يمنع قبول خبره ولا يختلف بوجود الفسق معها وعدمه. قال شيخنا رضى الله عنه قلت: هذا ضعيف ولو صح لكان الفرق بين ما يوجب الفساد وبين ما يحتمل الفساد ظاهرا ومسألته من القسم الثاني.   1 هنا في د كلمة "فصل" مكان "مسألة". 2 في ب "لكثرة رواة" والسياق يدل على صحة ما أثبتناه موافقا لما في ب. 3 كلمة "فيه" ساقطة منا ولعل سقوطها خير من إثباتها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 309 مسألة1 تقدم رواية من سمع من غير حجاب على من سمع من حجاب كتقديم رواية القاسم وعروة عن عائشة على رواية الاسود وغيره وأما الرواية سماعا فهل تقدم على الرواية عن كتاب قال الجرجاني الحنفى تقدم [وهو أقوى عندي] 2 واختار ابن عقيل وقال القاضي هما سواء قال ابن عقيل هو ظاهر كلام أحمد واحتج بأن أحمد عارض أخبار الدباغ بخبر ابن عكيم وهو عن كتاب وليس الأمر كما قال بل أحمد عمل بحديث ابن عكيم لما فيه من التاريخ والتنبيه على النسخ فزالت بذلك المعارضة والكلام فيما إذا تحققت.   1 في هامش اهنا "بلغ مقابلة على أصله". 2 ما بين هذين المعقوفين ساقط من ب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 309 مسألة: المسند أولى من المرسل في قول امامنا وأصحابه وقال الجرجاني الحنفى المرسل أولى لأن من أرسله قد قطع على رسول الله صلى الله عليه وسلم به والمسند جعل العهدة على غيره وقد قال أحمد في رواية الميموني ربما كان المرسل أقوى اسنادا وقد يكون الاسناد متصلا وهو ضعيف ويكون المنقطع أقوى إسنادا منه. قال المصنف1 قلت: وهذا لا يمنع التقديم لكونه مسندا على كونه مرسلا وإنما يقتضى أن الترجيح بذلك قد يعارضه رجحان2 آخر يكون الحكم له وسواء في ذلك مرسل الصحابة وغيرهم لجواز أن يكون المجهول غير حافظ وإن كان عدلا ذكره ابن المنى.   1 جملة "قال المصنف" ليست في ا. 2 في د "رجحانات أخر ..... الحكم لها". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 310 مسألة: [شيخنا] إذا تعارض خبر مرسل عن النبي صلى الله لعيه وسلم وحديث عن الصحابة أو التابعين فالذى عن الصحابة أولى من المرسل نصل عليه ولفظه قال إسحاق بن ابراهيمقلت لابي عبد الله حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسل برجال ثبت أحب اليك أو حديث عن الصحابة أو التابعين متصل برجال ثبت قال أبو عبد الله عن الصحابة أعجب إلي. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 310 مسألة: [والد شيخنا] فإن كان أحد الخبرين قد اختلف فى رفعه أو وصله والآخر متفق عليه فيهما فالمتفق عليه أولى . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 310 مسألة: الخبر المتلقى بالقبول مقدم على ما دخله النكير 1 ذكره إسماعيل.   1 في ب "دخله الكثير" تصحيف. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 310 مسألة: [شيخنا] في تقديم رواية المثبت على النافي نص عليه أحمد قال إسماعيل إذا كان النفى مستندا إلى علم بالعدم بأن كانت جهات الاثبات معلومة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 310 لا إلى عدم علم بأن النفى والاثبات في [جهة] 1 هذه الصورة يتقابلان من غير ترجيح.   1 كلمة "جهة" ساقطة من ا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 311 مسألة: إذا اعتضد2 أحد الخبرين بعموم كتاب أو سنة أو قياس شرعى أو معنى عقلى قدم على ما خلا عن ذلك ذكره إسماعيل.   1 في ب "اعتمد". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 311 مسألة: رواية من تقدم إسلامه ومن تأخر سواء قاله القاضي وغيره وقال بعض الشافعية تقدم رواية المتأخر إسلامه قال شيخنا ذكر ابن عقيل ما يشبه هذا لينظر في أوائل الثاني بالاصل له وقال أبو الخطاب تقدم رواية من قد تقدمت1 هجرته وكثرت صحبته وكذا قال ابن عقيل تقدم من كثرت صحبته وقد تقدم [وقال إسماعيل لا تقدم رواية من تقدم اسلامه على من تأخر إسلامه] . [والد شيخنا] فصل: وتقدم رواية أحد الراويين بكونه أقرب إلى النبي صلى الله عليه وسلم2] .   1 في ب "من ثبتت هجرته". 2 ساقط من د وهو مكرر وانظر ص "306". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 311 مسألة: اذاتعارض لفظ لقرآن ولفظ السنة وأمكن بناء كل واحد منهما على الآخر ومثاله أن يبيح خنزير الماء لقوله هو الحل ميتته فتعارض بقوله: {أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ} 1 فظاهر كلام أحمد تقديم ظاهر السنة لانها تفسير للقرآن كذا قال القاضي قال ويحتمل أن يقدم لفظ القرآن لأنه مقطوع بسنده وللشافعية وجهان ذكرهما أبو الطيب.   1 من الآية "145" من سورة الأنعام. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 311 مسألة: فإن تعارض خبران مع أحدهما ظاهر القرآن ومع الآخر خبر آخر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 311 قدم الخبران نص عليه قال في رواية محمد بن أشرس وسئل عن الحديث إذا كان صحيح الاسناد ومعه ظاهر القرآن وجاء حديثان صحيحان خلافه أيهما أحب اليك فقال الحديثان أحب إلى إذا صحا قال القاضي وهذا مبنى على التي قبلها وإذا قلنا يقدم لفظ القرآن هناك فكذلك الخبر الذي هو معه [ظاهر القرآن ههنا] 1 والقاضى فرضها فيما إذا عضد [لفظ] أحد الخبرين خبر آخر فلذلك ردها والنص المذكور في خبرين مطلقين والظاهر أنهما الصريحان وذكر إسماعيل فيما إذا اعتضد أحدهما بالقرآن والآخر بالسنة فأيهما يقدم على روايتين.   1 "ظاهر القرآن" ساقط من ب د وكلمة "ههنا" ساقطة من اوثابتة في د. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 312 مسألة: يرجح الحاظر على المبيح عندنا نص عليه وبه قال الكرخي والرازى من الحنفية وابن برهان من الشافعية وقال عيسى بن أبان وأبو هاشم لا يرجح بذلك وعن الشافعية كالمذهبين وذكر يوسف بن الجوزى هل يقدم أحد النصين على الآخر بموافقة دليل الحظر أو موافقة دليل الاباحة بذلك على ثلاثة أوجه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 312 مسألة: فإن كان أحدهما يوجب حدا والآخر يسقطه لم يرجح المسقط عند اصحابنا وبعض الشافعية وعبد الجبار بن أحمد وقال بعض الشافعية يرجح لأنه شبهة ذكر الوجهين لهم أبوالطيب والقاضى وغيره وذكر في ذلك أبو الخطاب احتمالا مثله بالسقوط ومال إليه وحكى الحلواني عن شيخه الشريف أن المسقط للحد أولى ونصره الحلواني وقال القاضي في الكفاية المثبت أولى وبعد قول من قال المسقط أولى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 312 مسألة: العام المتفق على استعماله يخصص بالخاص المختلف فيه وبه قالت الشافعية وقالت الحنفية العام المتفق عليه أولى وقد سبق شىء من ذلك في ضمن مسألة العام والخاص. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 312 [والد شيخنا] فصل: فان كان أحد الخبرين يجرى على عمومه لم يخص فانه يرجح1 على غيره مما دخله التخصيص. [والد شيخنا] فصل: [فإن كان أحدهما واردا على سبب والآخر لم يرد على سبب فانه يقدم على ما لم يرد على سبب ذكره ابن عقيل وغيره] 2.   1 في ا "فإنه ترجيح". 2 ساقط من د. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 313 مسألة: ولا يرجح أحد الخبرين على الآخر بعمل أهل المدينة ولا بعمل أهل الكوفة وقالت الشافعية فيما ذكره القاضي يرجح بعمل أهل المدينة وكذلك ذكره ابن برهان وأبو الطيب واختاره أبوالخطاب لأن الرسول صلى الله عليه وسلم مات بينهم فالظاهر أنه الناسخ لأن المسألة فى عمل القرون المثنى عليهم وهذا ظاهر كلام أحمد فانه قال في رواية ابن القاسم إذا روى أهل المدينة حديثا ثم عملوا به فهو أصح ما يكون ذكره القاضي في تعليقه في مسألة المعتقة تحت حر وكذلك كلامه في ترجيح النهى عن نكاح المحرم بعمل أهل المدينة ومثل ذلك أكثر من أن يحصى في كلامه وكذلك تفضيله لعلماء المدينة على الكوفيين ودلالته في الفتوى إلى خلق1 المدنيين وقوله انهم أعلم بالسنة وانه لا يرد عليهم بخلاف العراقيين ومثل هذا كثر وقد ذكر الخلال في العلم منه طرفا وقالت الحنفية فيما ذكره الجرجاني يرجح بعمل أهل الكوفة إلى زمن أبي حنيفة قبل ظهور البدع لأن أمراء بنى مروان غلبوا على المدينة والكوفة وكان فيهم تغيير لشيء من الشريعة وكذلك اختار أبو الخطاب.   1 في ب "إلى خلقة" تحريف. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 313 فصل: واذا كان أحدهما يوافق النفى الأصلى والآخر ناقل عنه [قدم1] دفعا لاحتمال النسخ مرتين ذكره أبو الخطاب وهو قول عبد الجبار بن أحمد وقيل هما سواء وهو قول القاضي في الكافية وأبى الحسين البصري قال ابن الجوزى وإذا كان النص موافقا للنفى الأصلي فهل يستحق الترجيح بذلك فيه وجهان وكذا الخلاف في العلتين.   1 كلمة "قدم" ساقطة من ب وهي ضرورية لتمام الكلام. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 314 مسألة: فإن كان أحدهما يتضمن الحرية والآخر الرق فقال أبو الخطاب قال عبد الجبار بن أحمد هما سيان2 قال وقال غيره يقدم خبر الحرية لأنه لا يعترضها من الاسباب المسقطة ما يعترض الرق ولا يثبت إذا ثبت كما يبطل الرق إذا ثبت فتأكدت فقدمت.   1 في ب "هما شيآن" تحريف. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 314 مسألة: يرجح أحد الخبرين على الآخر بعمل الخلفاء [الراشدين1] الأربعة عند أصحابنا وذكر الفخر إسماعيل في ذلك روايتين ثم انى رأيت عن أحمد ما يدل على أنه لا يرجح أحد الخبرين بعمل الخلفاء ونص أحمد على الأول بروايات صريحة وفسرهن بعده بأبى بكر وعمر قال أيوب السخياني إذا بلغك اختلاف عن النبي صلى الله عليه وسلم فوجدت في ذلك [الاختلاف2] أبا بكر وعمر فشد يدك به فانه الحق وهو السنة.   1 كلمة "الراشدين" ساقطة من ب والكلام مفهوم بدونها. 2 كلمة "الاختلاف" ساقطة من ا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 314 كتاب الإجماع مسألة: الإجماع متصور وهو حجة قاطعة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 315 مسألة: ولا يجوز أن تجمع الأمة على الخطأ نص عليه وهو قول جماعة الفقهاء والمتكلمين وحكى عن إبراهيم النظام وطائفة من المرجئة وبعض المتكلمين أنه ليس بحجة وأنه يجوز اجتماع الكل على الخطأ وقالت الرافضة ليس الإجماع بحجة وإنما قول الإمام وحده حجة والمشهور عن النظام انكار تصوره والاول حكاه القاضيان أبو يعلى وأبو الطيب وأول من استدل بالآية الشافعي رضى الله عنه. قال القاضي الإجماع حجة مقطوع عليها1 يجب المصير اليها وتحرم مخالفته ولا يجوز أن تجمع الأمة على الخطأ وقد نص أحمد على هذا في رواية عبد الله وأبى الحارث في الصحابة إذا اختلفوا لم يخرج عن أقاويلهم أرأيت إن أجمعوا له أن يخرج من أقاويلهم هذا قول خبيث قول أهل البدع لا ينبغي لاحد أن يخرج من أقاويل الصحابة إذا اختلفوا. قال شيخنا رضى الله عنه قلت: قال في رواية عبد الله الحجة على من زعم أنه إذا كان أمرا مجمعا عليه ثم افترقوا إنا نقف على ما أجمعوا عليه إلى آخره وهى مكتوبه في مسألة انقراض العصر قال وقد أطلق2 القول في رواية عبد الله فقال من أدعى الإجماع فهو كاذب لعل الناس قد اختلفوا وهذه دعوى بشر المريسى والأصم ولكن يقول لا نعلم الناس اختلفوا إذا لم يبلغه وكذلك نقل المروذى عنه أنه قال كيف يجوز للرجل أن يقول أجمعوا إذا سمعتهم يقولون أجمعوا فاتهمهم3 لو قال إني لم أعلم مخالفا كان ذلك ونقل أبو طالب   1 في د "الإجماع حجة قطعية – إلخ". 2 في ب "علق القول" تحريف. 3 في ا "فإنهم" مكان "فاتهمهم" تحريف. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 315 عنه أنه قال هذا كذب ما أعلمه أن الناس مجمعون ولكن يقول لا أعلم فيه اختلافا فهو أحسن من قوله إجماع الناس وكذلك نقل أبو الحارث لا ينبغي لاحد أن يدعى الإجماع لعل لناس اختلفوا. قال القاضي فظاهر هذا الكلام أنه قد منع صحة الإجماع وليس هذا على ظاهره وإنما قال هذا عن طريق الورع لجواز أن يكون هناك خلاف لم يبلغه أو قال هذا في حق من ليس له معرفة بخلاف السلف لأنه قد أطلق القول بصحة الإجماع في رواية عبد الله وأبى الحارث وادعى الإجماع في رواية الحسن ابن ثواب فقال أذهب في التكبير من غداة يوم عرفة إلى آخر أيام التشريق فقيل له إلى أى شيء تذهب فقال بالإجماع عمر وعلي وعبد الله بن مسعود وعبد الله بن عباس. قال شيخنا قلت: الذي أنكره أحمد دعوى إجماع المخالفين بعد الصحابة أو بعدهم وبعد التابعين أو بعد القرون الثلاثة المحمودة ولا يكاد يوجد في كلامه احتجاج باجماع بعد عصر التابعين أو بعد القرون الثلاثة مع أن صغار التابعين أدركوا القرن الثالث وكلامه في إجماع كل عصر إنما هو في التابعين ثم هذا منه نهى عن دعوى الإجماع العام النطقى وهو كالاجماع السكوتى أو إجماع الجمهور من غير علم بالمخالف فانه قال في القراءة خلف الإمام ادعى الإجماع في نزول الآية وفى عدم الوجوب في صلاة الجهر وإنما فقهاء المتكلمين كالمريسي والاصم يدعون الإجماع ولا يعرفون إلا قول أبي حنيفة ومالك ونحوهما ولا يعلمون أقوال الصحابة والتابعين وقد ادعى الإجماع في مسائل الفقه غير واحد من مالك ومحمد ابن الحسن والشافعى وأبي عبيد في مسائل وفيها خلاف لم يطلعوه وقد جاء الإعتماد على الكتاب والسنة والإجماع في كلام عمر بن الخطاب وعبد الل بن مسعود وغيرهما حيث يقول كل منهما اقض بما في كتاب الله فإن لم يكن فبما في سنة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 316 رسول الله فإن لم يكن فبما أجمع عليه الصالحون وفى لفظ بما قضى به الصالحون وفى لفظ بما أجمع عليه الناس لكن يقتضى تأخير هذا عن الأصلين وما ذاك إلا لأن هؤلاء لا يخلفون الأصلين [شيخنا] فصل: دلالة كون الإجماع حجة هو الشرع وقيل العقل أيضا 1 [نثبته حجة اما بالسمع واما بالعقل والسمع اما بالكتاب واما بالسنة وتثبت السنة بالتواتر المعنوي وبأن العادة والدين يمنع من تصديق ما لم يثبت ومن معارضة القواطع ماليس بقاطع والعقل أما العادة الطبيعية واما دين السلف الشرعى المانع من القطع بما ليس بحق] 1.   1 ما بين هذين المعقوفين ساقط من ب د هنا ووقع فيها قبل "مسألة الإجماع من الأمم الماضية" في ص "320" الآتية وإثباته هنا موافقة لما في اأفضل. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 317 مسألة: الإجماع فيما يتعلق بالرأى وتدبير الحروب 1 هل هو حجة يحرم2 خلافها على قولين.   1 في ب "ويثير الحروب" تحريف. 2 في ب "محرم خلافها". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 317 مسألة: إجماع [أهل] 1 كل عصر حجة نص عليه وهو قول جماعة الفقهاء والمتكلمين وقال داود وابنه أبو بكر وأصحابه من أهل الظاهر إجماع التابعين ومن بعدهم ليس بحجة وقيل إن أحمد أومأ إليه قال ابن عقيل وعن أحمد نحوه وصرف شيخنا كلام أحمد على ظاهره يعنى إلى موافقة داود قال القاضي إجماع أهل كل عصر حجة ولا يجوز اجتماعهم على الخطأ وهذا ظاهر كلام أحمد في رواية المروذى وقد وصف أخذ العلم فقال ينظر ما كان عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن لم يكن فعن أصحابه فإن لم يكن فعن التابعين   1 كلمة "أهل" ساقطة من ا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 317 قال وقد علق القول في رواية أبي داود فقال الاتباع أن يتبع الرجل ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن أصحابه وهو بعد في التابعين مخير قال وهذا محمول من كلامه على آحاد التابعين لا على جماعتهم وقد بين هذا في رواية المروذى فقال إذا جاء الشىء عن الرجل من التابعين لا يوجد فيه شىء عن النبي صلى الله عليه وسلم لا يلزم الأخذ به روى الخطيب عن علي بن الحسن1 بن شقيق قال سمعت عبد الله بن المبارك يقول إجماع الناس على شىء أوفق2 في نفسى من سفيان عن منصور عن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله [بن مسعود رضى الله عنه] 3 وعن يونس بن عبد الأعلى قال قال لي محمد بن ادريس الشافعي الأصل قرآن أو سنة فإن لم يكن فقياس عليهما وإذا اتصل الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وصح الإسناد عنه فهو سنة والاجماع أكثر من الخبر المفرد والحديث على4 ظاهره وإذا احتمل المعانى فما أشبه منها ظاهره أولاها به وإذا تكافأت الاحاديث فأصحها إسنادا أولاها وليس المنقطع بشىء ما عدا منقطع ابن المسيب ولا يقاس أصل على أصل5 ولا يقال لاصل لم ولا كيف وإنما يقال للفرع لم فاذا صح قياسه على الأصل صح وقامت به الحجة. [شيخنا] فصل: قال المخالف هذه أخبار آحاد6 فلا يجوز الاحتجاج بها في مثل هذه المسألة فقال القاضي هذه مسألة شرعية طريقها مثل مسائل الفروع ليس للمخالف فيها   1 في ا "عن أبي الحسن بن شقيق" تحريف ولعلي بن الحسن بن شقيق ترجمة في تهذيب التهذيب "7/298" وكنيته أبو عبد الرحمن. 2 في ا "أوثق في نفسي". 3 ساقط من ا. 4 في ا "عن ظاهره". 5 مكان هذه الكلمة بياض في أصل ا. 6 سقطت هذه الكلمة من أصل اوكتبت بهامشها وبجوارها علامة الصحة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 318 طريق يمكنه أن يقول انه يوجب القطع وجواب آخر وهو أنه تواتر في المعنى من وجهين أحدهما أن الالفاظ الكثيرة إذا وردت من طرق مختلفة ورواه شتى لم يجز أن يكون جميعها كذبا ولم يكن بد أن يكون بعضها صحيحا كما لو أخبرنا الجمع الكثير بإسلامهم وجب أن يكون فيهم صادق ولهذا أثبتنا كثيرا من معجزات النبي صلى الله عليه وسلم وأثبتنا وجوب العمل بخبر الواحد بما روى عن الصحابة من العمل به في قضايا مختلفة والثاني أن هذا الخبر تلقته1 الأمة بالقبول ولم ينقل عن أحد2 أنه رده ولهذا نقول إن قول النبي صلى الله عليه وسلم: "إنا معاشر3 الانبياء لا نورث ما تركنا صدقة" لما اتفقوا على العمل به دل على أنه صحيح عندهم. [قال شيخنا رضى الله عنه] قلت: وثم طريق ثالث وهو ثبوت القدر المشترك من المعنى وهذا غير القطع بصحة واحد من الالفاظ قال في أدلة المسألة وأيضا فلا خلاف أن نصب الزكاة والمقادير الواجبة فيها وأركان الصلاة4 مقطوع بها ومعلوم أنه ما ثبت بها خبر متواتر وإنما نقل فيها أخبار آحاد ابن عمر وأنس وغيرهما عدد معروف فلما اتفقوا عليها وقطعوا على ثبوتها علمنا أن قبولها5 قطعى من حيث الإجماع لا من حيث أخبار الآحاد بل من ناحية أن الأمة تلقتها بالقبول فصارت الأخبار فيها كالمتواتر. واستدل ابن عقيل بأن تأخر نص عن نص يثبت6 بخبر الواحد فيترتب عليه   1 في ا "نقلته" تحريف. 2 في ا "عن أحمد". 3 المحفوظ "نحن معاشر الأنبياء ... إلخ". 4 في ب "وإن كانت الصلاة" تحريف. 5 في ا "علمنا أن ثبوتها قطعا". 6 في ا "ثبت بخبر الواحد" على صيغة الماضي. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 319 النسخ وإن كان انسخ لا يثبت بخبر الواحد1.   1 انظر ص "117" السابقة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 320 مسألة: الإجماع من الامم الماضية لا يحتج به عندى وتوقف فيه ابن الباقلاني والجوينى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 320 مسألة1 إذا اجتمع أهل العصر على حكم فنشأ قوم مجتهدون قبل انقراضهم فخالفوهم وقلنا انقراض العصر شرط فهل يرتفع الإجماع على مذهبين وإن قلنا لا يعتبر الانقراض فلا.   1 هذه المسألة ساقطة من ب هنا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 320 مسألة: انقراض العصر ... مسألة: يعتبر انقراض العصر عند القاضي والمقدسي والحلواني وابن عقيل وذكر القاضي أنه ظاهر كلام أحمد وذكر ابن برهان أنه مذهبهم. [قال شيخنا] قلت: سر المسألة أن المدرك لا يعتبر وفاقه بل يعتبر عدم خلافه إذا قلنا به وذهب المتكلمون من المعتزلة والاشعرية وأصحاب أبى حنيفة فيما ذكره أبو سفيان إلى أنه لا يعتبر وعن الشافعية كالمذهبين ولهم وجه ثالث إن كان الإجماع مطلقا لم يعتبر وإن كان بشرط وهو إن قالوا هذا قولنا ويجوز أن يكون الحق في غيره فاذا وضح صرنا إليه اعتبر انقراض العصر واختار الجوينى إن أسندوه إلى الظن لم يكن اجماعا حتى يمضى زمان طويل حتى لو ماتوا عقيبه لم يستقر ولو مضت مدة طويلة قبل موتهم استقر فلم يعتبر انقراض العصر في ذلك بل مضى زمن طويل وتكلم في ضبطه بكلام كثير والمذهب الثاني اختيار أبوالطيب وذكر أنه قول أكثر أصحابه وهو اختيار عبد الوهاب المالكي وهو اختيار أبي الخطاب وقال هو قول عامة العلماء وذكر أن أحمد1 أومأ إليه أيضا وحكى ابن عقيل قولا آخر بأنه إن كان قولا من الجميع لم يعتبر   1 في ا "وذكر عن أحمد أنه أومأ". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 320 فيه انقراض العصر وإن كان قولا من البعض وسكوتا من الباقين اشترط انقراض العصر والذين اعتبروا انقراض العصر منهم من اعتبر موت جميع الصحابة ومنهم من اعتبر موت1 الأكثر ومنهم من اعتبر موت علمائهم. قال شيخنا قال القاضي في مقدمة المجرد انقراض العصر معتبر في صحة الإجماع واستقراره فاذا أجمعت2 الصحابة على حكم من الأحكام ثم رجع بعضهم أو جميعهم انحل الإجماع وإن أدرك بعض التابعين عصرهم وهو من أهل الإجماع اعتد بخلافه وقد قد أحمد قول سعيد بن المسيب على قول ابن عباس في أن العبد لا ينظر إلى شعر مولاته وقول سعيد أيضا في أن خراج العبد3 مقدر من قيمته كالحر خلافا لابن عباس ثم قال بعد هذا فيها وإذا أدرك التابعى زمان الصحابة وهو من أهل الاجتهاد لم يعتبر قوله في اجماعهم ولم يعتد بخلافه لهم وقد قال أحمد فيمن حكم4 بقول التابعين وترك قول الصحابة نقض حكمه. [شيخنا] فصل: احتج من قال: "لا يشترط انقراض العصر" بأن التابعين احتجوا باجماع الصحابة [5في عصر الصحابة فروى عن الحسن البصرى أنه احتج باجماع الصحابة] 5 وأنس بن مالك حى فلو كان انقراض العصر شرطا لما احتج بذلك قبل انقراضه6. فقال القاضي والجواب أنا لا نعرف هذا عن التابعين وما حكوه عن الحسن فيحتاج إلى7 أن ينقل لفظه حتى ينظر كيف وقع ذلك منه.   1 في ب "اعبر بموت" وترك الباء فيما بعده. 2 في ا "فإذا اجتمعت الصحابة". 3 في ا "جراح العبد" تحريف. 4 في ب "يمكن حكم" تحريف. 5 ما بين المعقوفين عن د ووضوح الكلام يقتضيه. 6 في ا "قبل انقراض العصر". 7 في ب "فيختار أن ينقل". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 321 قال وعلى أنه لو كان منقولا لم يكن فيه حجة لأن من الناس من قال قول الصحابي وحده حجة وهو الصحيح من الروايتين لنا وإذا كان كذلك احتمل أن يكون الحسن احتج بقول الواحد منهم لا بإجماعهم.. قال شيخنا قلت: هذا جواب ضعيف فانا إذا اشترطنا انقراض العصر فىالمجمعين فلا أن نشترطه في الواحد أولى فإن قوله بعد رجوعه عنه لا يكون حجة وفاقا وإذا كان الاحتجاج بهذا الواحد فىحياته مع أن رجوعه يبطل اتباعة فلان يحتج بقول الجماعة في حياتهم أولى وإنما المتوجه أن يحتج بقولهم في حياتهم وإن كان انقراض العصر شرطا لأن الآية التي احتجوا بها في قوله تعالى: {وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ} 1 ذم الله تعالى [بها] من خالفهم في حياتهم قبل انقراضهم وكذلك شهادتهم على الناس قبلها النبي صلى الله عليه وسلم في حياة الشهيد2 وأيضا فلانهم إذا اتفقوا وجب عليهم جميعا اتباع اتفاقهم إلى حين يحدث خلاف بينهم وهذا كما يجب علينا طاعة الرسول فيما يأمر به وإن جاز تبدله3 بنسخ أو تغيير من الله تعالى وذلك لأن الأصل عدم رجوعهم وبقاء أقوالهم4 ثم إذا رجعوا فأكثر ما في الباب أنهم اتفقوا على خطأ لم يقروا عليه وهذا جائز عند هذا القائل وإنما هم معصومون عن دوام الخطأ وهذا قريب إذا لم يطل الزمان بحيث يتبعهم الناس على ذلك الخطأ على وجه لا يمكن ازالته فأما مع ذلك فلا يجوز كما لا يجوز في الرسالة وكذا قال القاضي قول النبي قد جعلناه حجة لنا وبينا أنه يعتبر في ذلك انقراضه لأنه قد يرجع عنه ويتركه على أن قوله لا يقف العمل به على انقراضه لأنه بالنسخ لا يتبين الخطأ بل يرجع عما كان عليه مع كونه كان   1 من الآية "115" من سورة النساء. 2 في ب "خلوة الشهداء" تحريف. 3 في ا "تبديله". 4 في ب "وفق أقوالهم". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 322 صوابا في ذلك الوقت وليس كذلك رجوع المجمعين لأنه عن خطأ تبين لهم. [شيخنا] فصل: فان كان الذين صاروا مجتهدين موجودين في حال إجماع الأولين فلا أثر لذلك إذ وجودهم غير مجتهدين بمنزلة عدمهم أو وجودهم كفارا أو صبيانا وإن صاروا مجتهدين قبل انقراض عصر الأولين لكن لم يخالفوهم حتى انقرض عصرهم فهذا الخلاف مسبوق بالاجماع المتقدم لأن المجتهد اللاحق لا يعتبر انقراض عصره في صحة الإجماع الأول بلا تردد1 إذا وافق أو سكت أما إذا وافق فلا ريب إذ لو اعتبر ذلك لما استمر إجماع وأما إذا سكت فكذلك أيضا إذا منعناه أن يخالف وإن سوغ له أن يخالف ولم يخالف فالاجماع قد تم بشروطه2 فإن المجمعين انقرض عصرهم من غير خلاف. والضابط أن اللاحق اما أن يتأهل قبل الانقراض أو بعده وعلى الأول فاما أن يوافق أو يخالف أو يسكت. قال شيخنا قلت: سر المسألة3 أن المدرك لا يعتبر وفاقه بل يعتبر عدم خلافه إذا قلنا به قال القاضي انقراض العصر معتبر في صحة الإجماع واستقراره فاذا أجمعت الصحابة على حكم من الاحكام ثم رجع بعضهم أو جميعهم انحل الإجماع وإن أدرك بعض التابعين عصرهم وهو من أهل الاجتهاد اعتد بخلافه إذا قلنا انه يعتد بخلافه معهم وهذا ظاهر كلام أحمد في رواية عبد الله قال الحجة على من زعم أنه إذا كان أمرا مجمعا عليه ثم افترقوا أنا نقف على ما أجمعوا عليه حتى يكون إجماعا أن أم الولد كان حكمها حكم الأمة بإجماع ثم أعتقهن   1 في ا "بلا بوارد". 2 في ا "بشروطه". 3 في د "قال شيخنا: سر المسألة كما تقدم – إلخ". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 323 عمر وخالفه علي بعد موته فرأى أن تسترق فكان الإجماع في الأصل أنها أمة وحد الخمر ضرب أبو بكر أربعين ثم ضرب عمر ثمانين وضرب على في خلافة عثمان أربعين وقال ضرب أبو بكر أربعين وكملها عمر ثمانين1 وكل سنة فالحجة عليه في الإجماع في الضرب أربعين ثم عمر خالفه فزاد أربعين ثم ضرب علي أربعين قال وظاهر هذا اعتبار انقراض العصر لأنه اعتد بخلاف علي بعد عمر في أم الولد وكذا اعتد بخلاف عمر بعد أبي بكر في حد الخمر.   1 في ا "وكملها عمر ثمانين". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 324 مسألة: إذا أجمعوا على شيء ثم ظهر لاحدهم دليل بخلاف قوله1 رجع إليه إذا اعتبرنا انقضاء العصر صرح به ابن برهان وأبو الطيب وغيرهما2.   1 في ا "يخالف قوله". 2 وقعت هنا في ب د المسألة "إذا أجمع أهل العصلا على حكم فنشأ قوم مجتهدون – إلخ" والتي نبهنا إليها في ص "320" السابقة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 324 مسألة: إذا اختلف الصحابة على قولين ثم أجمعوا على أحدهما صح وارتفع الخلاف وإن لم يعتبر انقراض العصر في قول الأكثرين وذكره القاضي محل وفاق في المسألتين قبل وبعد وقال ابن الباقلاني وعبد الوهاب لا يكون اجماعا بل اختلافهم أولا إجماع على تسويغ الخلاف وقال الجوينى إن قرب عهد المختلفين ثم اتفقوا على قول فهو إجماع وإن تمادى الخلاف في زمان طويل ثم اتفقوا فليس بإجماع. [شيخنا] فصل: وان مات أحد الفريقين بحيث يكون الباقي كل الفريق الآخر أو بعضهم فقد اختلف فيه من قال إجماع التابعين على أحد القولين يرفع الخلاف على قولين أحدهما وهو الذي ذكره القاضي محل وفاق واستدل به عليهم أنه لا يرفع الخلاف المتقدم وإن كان هؤلاء لو أجمعوا قطعوا الخلاف الحادث. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 324 مسألة: إذا اختلف الصحابة على قولين ثم أجمع التابعون على أحدهما لم يرتفع الخلاف عندنا قال ابن عقيل نص عليه وهو ظاهر كلامه وبه قال أبو الحسن الأشعري وابن الباقلاني وأبو بكر الابهرى قال ابن برهان هو المذهب عندنا وحكاه [أبو الطيب] 1 عن أبي علي الطبري وابن أبي هريرة وأبى بكرالصيرفي وأبى حامد المروذى واختاره الجوينى وقالت المعتزلة وبعض المالكية والأشعري نفسه فيما حكاه ابن الباقلاني والحنفية فيما حكاه أبو سفيان والقفال وأبو علي بن خيران وأبو الطيب الطبري والحارث المحاسبي وأكثر الحنفية فيما ذكره أبو الطيب يرتفع الخلاف وهذا الثاني اختيار أبي الخطاب فصارت المسألة على وجهين وإنما قالوا هذا إذا كان إجماعهم على أحد القولين بعد انقراض2 أهل القول الآخر وعن الشافعية كالمذهبين ومن الناس من ذهب إلى احالة ذلك وأنه لا يتفق3 للتابعين إجماع على أحد قولي الصحابة. قال القاضي إذا اختلف الصحابة على قولين ثم أجمع التابعون على أحدهما لم يرتفع الخلاف وجاز الرجوع إلى القول الآخر والاخذ به وهو ظاهر كلام أحمد في رواية يوسف بن موسى قال ما اختلف فيه علي وزيد ينظر أشبهه بالكتاب والسنة. شيخنا وكذلك نقل المروذي عنه إذا اختلفت الصحابة ينظر إلى أقرب القولين إلى الكتاب والسنة وكذلك نقل أبو الحارث ينظر إلى أقرب الامور وأشبهها بالكتاب والسنة.   1 ساقط من ا. 2 كلمة "انقرض" ساقطة من ا. 3 في ا "ولأنه يتفق للتابعين – إلخ" ولا يستقيم مع السياق. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 325 قال وظاهر1 هذا أنه رجع في ذلك إلى موافقة الدليل ولم يرجع إلى إجماع التابعين على أحد القولين. [شيخنا] فصل: قال القاضي في مسألة إجماع التابعين على أحد قولى الصحابة لا يرفع الخلاف بل يجوز الرجوع إلى القول الآخر والآخذ به لما رواه [الآجرى] في [كتابه] عن ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أصحابي مثل النجوم فأيهم أخذتم بقوله اهتديتم" فقيل له كيف تحتجون بهذا الحديث وقد قال إسمعيل بن سعيد سألت أحمد عمن احتج بقول النبي صلى الله عليه وسلم: "أصحابي بمنزلة النجوم فبأيهم اقتديتم اهتديتم" فقال لا يصح هذا الحديث قيل له قد احتج أحمد به واعتمد عليه في فضائل الصحابة فقال أبو بكر الخلال في كتاب السنة أنبأ عبيد2 الله ابن حنبل بن إسحاق بن حنبل حدثني أبي سمعت أبا عبد الله يقول الغلو في ذكر أصحاب محمد لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "الله الله في أصحابي لا تتخذوهم غرضا" وقال: "إنما هم بمنزلة النجوم بمن اقتديتم منهم اهتديتم" قال فقد احتج بهذا اللفظ فدل على صحته عنده3.   1 في ا "فظاهر" بالفاء. 2 في اب "عبد الله". 3 بهامش اهنا "بلغ مقابلة على أصله". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 326 مسألة: إذا اختلفت الصحابة على قولين لم يجز لمن بعدهم احداث قول ثالث يخرج عن أقاويلهم نص عليه وهو قول الجماعة وأجازه بعص الناس قال ابن عقيل هو قول بعض الرافضة وبعض الحنفية وقال ابن برهان هو قول أصحاب أبي حنيفة وأهل الظاهر وقال أبو الطيب هو قول بعض المتكلمين ورأيت بعض الحنفية يختاره وينصره وقال الجوينى هو قول شرذمة من طوائف الأصوليين. [صرح4 أبو الطيب بذكر هذه المسألة وذكر التي قبلها كما ذكرناه مسألتين] 1.   1هذا الكلام ساقط من ا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 326 مسألة: فإن اختلف الصحابة في مسألتين على قولين أحدهما بالاثبات فيهما والآخر بالنفى فيهما جاز لمن بعدهم القول بالتفرقة وإن يقول في كل مسألة بقول طائفة منهم في قول أكثر العلماء وحكى ابن برهان لاصحابه في ذلك وجهين أحدهما كما قدمنا اختاره القاضي وحكى أبو الخطاب عن أحمد ما يدل عليه في التي قبلها والثاني أنه لا يجوز اختاره أبو الخطاب وزعم أنه ظاهر كلام أحمد في رواية الأثرم وأبي الحارث وأشار إلى عموم كلامه1 في التي قبلها وذكر أنه متى صرحوا بالتسوية لم تجز التفرقة ولم يذكر خلافا ولنا وجه ثالث بالتفرقة اختاره المقدسي وقال قوم منهم المقدسي والحلواني إن صرحوا بالتسوية بينهما لم تجز التفرقة وإلا جازت قال أبو الطيب وهو قول أكثرهم وقد ذكر أصحابنا في بسط كلامهم في التي قبلها ما يقتضي أن هذه من جملتها2 حيث ذكروا في حجة المخالف تفرقة مسروق بين زوج وأبوين وبين امرأ وأبوين3 وقد أجاب ابن برهان بما يوافق ما قلنا وأنه ليس النزاع في ذلك. [والد شيخنا] وذكر القاضي أبو يعلى في الكفاية أنهم إن صرحوا بالتسوية لم يجز احداث قول ثالث بالتفرقة وإن لم يصرحوا فوجهان. قال شيخنا4 أبو العباس والظاهر أن هذا فيما إذا كان بين المسألتين نوع من الشبه مثل قولهم في زوج وأبوين وزوجة وأبوين وأما إذا لم يكن بينهما نوع من الشبه مثل أن يوجب أحدهم النية في الوضوء ولا يجيز بيع الأعيان الغائبة من غير صفة [ولا يوجب الآخر النية في الوضوء ويجوز بيع الأعيان الغائبة من غير صفة] 5 فينبغي أن يكون القول يجواز التفرقة اجماعا هاهنا فيوجب الثالث   1 في ا "إلى عموم نصه". 2 في ا "من جملها". 3 هما المسألتان الغروان في الميراث. 4 في ب "قال والد شيخنا" وما أثبتناه موافق لما في اوهو الصواب لأن كلام الوالد قد تقدم. 5 ما بين المعقوفين ساقط من ا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 327 النية في الوضوء ولا يجوز بيع الغائب أو بالعكس ومثل القاضي هذه المسألة بأن يوجب بعض [الأمة] 1 النية في الوضوء ولا يجعل الصوم من شرط الإعتكاف ولا يوجب الباقون النية في الوضوء ويجعلون الصوم من شرط الإعتكاف. [قال والد2 شيخنا] وهذا ينافى ما ذكرناه وهو بعيد جدا ويمكن أن يقال بينهما نوع من الشبه قال ثم انى رأيت أبا الخطاب قد أشار إلى نحو ما ذكرناه فذكر أن الصحابة إذا اختلفوا فىمسألتين على قولين فإن صرحوا بالتسوية لم يجز احداث قول ثالث وإن لم يصرحوا بالتسوية نظرت فإن كان طريق الحكم فيهما مختلفا ثم مثل بالنية في الوضوء والصوم في الإعتكاف وذكر أن القول بالتفرقة في مثل هذه الصورة يجوز ولم يذكر خلافا قال ولانه لو لزم ذلك للزم من وافق أحمد فى مسألة أن يوافقه في جميع مذهبه والامة مجمعة على خلاف ذلك ثم ذكر فيما إذا كان طريق الحكم فيهما واحدا ومثل بزوج وأبوين وزوجة وأبوين كما ذكرنا وهذا يخالف قول شيخه ويوافق ما قلنا. [قال شيخنا3] وهذا التفصيل قول عبد الوهاب المالكي وقد ذكر القاضي في خلافه في ضمن مسألة قراءة الجنب بعض آية أن الصحابة لما اختلفت في هذه المسألة على قولين المنع مطلقا والجواز مطلقا منعنا في آية موافقة لمن منع منهم وجوزنا في بعض آية موافقة لمن جوز ولم نخرج عن أقاويلهم.   1 كلمة "الأمة" وحدها ساقطة من ا. 2 هذه الجملة ساقطة من ا. 3 هذه الجملة ساقطة من ا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 328 مسألة: إذا انعقد الإجماع عن اجتهاد لم يجز مخالفته وحكى عن الحاكم صاحب المختصر من الحنفية أنه يجوز مخالفته. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 328 مسألة: إذا انعقد الإجماع بناء على دليل عرف فلمن بعدهم أن يستدل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 328 بغيره في قول الجمهور خلافا لمن منع ذلك وإن عللوا الحكم الشرعى بعلة وقلنا يجوز تعليل الحكم بعلتين فهل يجوز تعليله بغير تلك العلة على قولين وقد ذكر القاضي أبو يعلى في ضمن مسألة قول الصاحب قال فإن قيل فيجب إذا استدلت الصحابة على حكم بدلالة أن لا يستدل عليه بدلالة أخرى [1قيل إن اتفقوا أن لا دليل لله تعالى غيره لم يجز أن يستدل عليه بدلالة أخرى] 1 وإن لم يتفقوا عليه جاز ومن الناس من قال لا يجوز أن يستدل عليه بدلالة أخرى لأن دليل الصحابة مقطوع به فمن طلب دليلا آخر عليه فهو كمن طلب المقايسة في مسائل الإجماع واختار الآحاد فيما هو مقطوع به [2من المقعول قال وهذا غير ممتنع على وجه من الترجيح من غير أن يقصد إلى بيان الحكم به2] بعد ثبوته فإن قيل فما تقولون إذا ثبت [هذا] الحكم بعلة فهل يجوز للصحابة تعليلة بعلة أخرى قيل يجوز ذلك لأنه يجوز تعليل الأصل بعلتين كما يستدل على شيء بدليلين وهذا في العلتين إذا كان موجبهما واحدا فأما إذا تنافيا فلا يجوز ذلك ومن الناس من منع ذلك لأن تعليله بأخرى يبطل فائدة تعليق الحكم بالأولى فلا يجوز كما لا يجوز3 ذلك في العقليات.   1 ما بين المعقوفين عن د وحدها ولا يتم الكلام بدونه. 2 هذا الكلام من ا. 3 في نسخة بهامش د "كما يجوز إلخ". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 329 مسألة: إذا تأول أهل الإجماع الآية بتأويل ونصوا على فساد ما عداه لم يجز احداث تأويل سواه وإن لم ينصوا على ذلك فقال بعضهم يجوز احداث تأويل ثان إذا لم يكون فيه ابطال الأول وقال بعضهم لا يجوز ذلك كما لا يجوز احداث مذهب ثالث وهذا هو الذي عليه الجمهور ولا يحتمل مذهبنا غيره. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 329 مسألة: مخالفة الواحد والاثنين معتد بها في أصح الروايتن وبها قال الجماعة والاخرى لا يعتد بها. [لفظ القاضي يخالف الواحد1 ولا يمنع انعقاد الإجماع] 2 وبها قال ابن جرير   1 في ا "بخلاف الواحد ولا يمنع" ولعل أصلها "خلاف الواحد لا يمنع". 2 ساقط من د. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 329 الطبري وأبو بكر الرازي حكاه عنه أبوسفيان وبعض المالكية وقال الجرجاني إن سوغت الجماعة للواحد في ذلك الاجتهاد كخلاف ابن عباس في العول اعتد به وإن انكرت الجماعة على الواحد لم يعتد بخلافه كما أنكرت عليه في الصرف والمتعة وقال أبو حسين1 الخياط مثل ابن جرير والرازي2 قاله أبو الخطاب ووقفوا3 في مخالفة الثلاثة ومن المتكلمين من قال لا يعتد إلا بمخالفة عدد يبلغ عدد التواتر ومنهم من لا يعتد به في الأصول واعتد به في الفروع4.   1 في د "وقال أبو الحسن الحناط". 2 في ب "مثل ابن جريج والراوي" خطأ. 3 في ب د "ووافقوا في مخالفة الثلاثة". 4 في د "من يعتد به في الفروع دون الأصول". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 330 مسألة: يجوز أن ينقص عدد المجمعين عن عدد التواتر عندنا وبه قال أكثر الفقهاء [والمتكلمين منهم الجويني] وقالت طوائف من المتكلمين لا يجوز. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 330 مسألة: وإذا وقع ذلك كان اجماعا محتجا به في قول أكثر الفقهاء والمتكلمين وقالت طوائف من المتكلمين لا يكون اجماعا ولا حجة اختاره الجويني. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 330 مسألة: يجوز أن ينعقد الإجماع عن اجتهاد خلافا لابن جرير ونفاة القياس وابن جرير هو أبو جعفر محمد بن جرير بن يزيد الطبرى قال عبد الوهاب أما ما كان طريقة النقل فلا خلاف عندنا أنه حجة سواء كان على فعل أو ترك أو تقرير وأما ما كان طريقه الاجتهاد فقيل ليس بحجة ولا مرجح [وقيل هو مرجح1] وقيل هو إجماع وإن لم يحرم خلافه2 كالذى طريقه النقل.   1 ساقط من ا. 2 في ا "وإن لم يجزم بخلافه". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 330 مسألة: قال ابن برهان وأبو الخطاب لا يكون الإجماع عندنا حجة إلا إذا استند إلى دليل وأجاز بعض المتكلمين أن يوفق الله عز وجل الأمة للحق ويجريه على ألسنتهم بلا دليل. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 330 1 [شيخنا] فصل: فى الإجماع المركب مثل حلى الصبى وعدم العشر في خضروات الارض الخراجية ونحو ذلك. لا يعتد في الإجماع بقول العامة وبه قالت الشافعية والجمهور وقال قوم من المتكلمين يعتد به واليه ذهب أبو بكر بن الطيب الأشعري   1 هذا الفصل متقدم في اعن المسألة التي قبلها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 331 مسألة: من أحكم أكثر أدوات الاجتهاد ولم يبق له إلا خصلة أو خصلتان اتفق الفقهاء والمتكلمون على أنه لا يعتد بخلافه خلافا لابي بكر بن الباقلاني [هذا نقل ابن عقيل] . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 331 مسألة: من ينتسب الى علم الحديث وحده أو علم الكلام في الأصول وليس من أهل الفقه والاجتهاد فيه لا يعتد بخلافه [فيه] 1 وبه قال معظم الأصوليين وقد قال أحمد في رواية أبي الحارث لا يجوز الاختيار إلا لرجل عالم بالكتاب والسنة [ممن إذا ورد عليه أمر نظر الامور وشبهها بالكتاب والسنة] وقال قوم من المتكلمين يعتد بكل منتسب إلى العلم والذي حكاه الجوينى عن ابن الباقلاني أن الأصولي الماهر المتصرف في الفقه يعتد بخلافه وهو قول عبد الوهاب المالكي ولم يذكر في العامي ومن شدا طرفا يسيرا خلافا.   1 كلمة "فيه" هذه ساقطة من ا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 331 مسألة: ولا يعتد بخلاف الفاسق وبه قال الجرجاني والرازي وأكثر الشافعية وقال أبو سفيان الحنفى وبعض المتكلمين يعتد به واختاره الجوينى وأبوالخطاب كالجوينى وكذلك الاسفرائينى وقال بعض الشافعية يسأل فإن ذكر مستندا صالحا اعتد به وإلا فلا بخلاف العدل فانه يعتد بخلافه من غير أن يسأل. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 331 مسألة: إجماع أهل المدينة ليس بحجة وحكى عن مالك أنه قال إذا أجمع أهل المدينة على شيء صار اجماعا مقطوعا عليه وإن خالفهم فيه غيرهم وقال الجزء: 1 ¦ الصفحة: 331 قوم من أصحابه إنما أراد اجماعهم فيما طريقه النقل وهذا فرار من المسألة فأما ما ليس طريقه النقل فلهم فيه خلاف كذا ذكره ابن نصر1 في مقدمته وقال آخرون أراد ترجيح اجتهادهم على اجتهاد غيرهم وقال آخرون أراد اجماعهم في زمن الصحابة والتابعين ومن يليهم. [قال2 عبد الوهاب أما ما كان طريقه النقل فلا لاف عندنا أنه حجة سواء كان على فعل أو ترك أو تقرير وأما ما كان طريقه الاجتهاد فقيل ليس بحجة ولا مرجحا وقيل مرجح وقيل هو إجماع وإن لم يحرم خلافه كالذى طريقه النقل2 اهـ] . أما إجماع المتقدمين من أهل المدينة فقد نقل عن غير واحد أنه حجة فروى عن زيد أنه قال إذا رأيت أهل المدينة أجمعوا على شيء فأعلم أنه سنة وقال يونس بن عبد الأعلى قال لى محمد بن ادريس إذا وجدت متقدمي أهل المدينة [على شيء] فلا يدخل قلبك شك أنه الحق وكل ما جاءك من غير ذلك فلا تلتفت إليه ولا تعبأ به فقد وقعت في البحار3 ووقعت في اللجج وفى لفظ إذا رأيت أوائل أهل المدينة على شيء فلا تشك فيه أنه الحق والله اني لك ناصح والله اني لك ناصح وإذا رأيت قول سعيد ابن المسيب في حكم وسنة فلا تعدل عنه إلى غيره وقال مالك قدم علينا ابن شهاب قدمة فقلت له طلبت العلم حتى إذا كنت وعاء من أوعيته تركت المدينة [ونزلت] كذا فقال كنت أسكن المدينة والناس ناس فلما تغير الناس تركتهم رواه عبد الرزاق قال ابن عقيل في كتاب النظريات الكبار في مسألة استثناء الأصع المعلومة   1 في ا "ابن منصور". 2 ما بين هذين المعقوفين ساقط من ب د وهو مكرر مع ما تقدم في ص "330". 3 في ب "في الشجار" تحريف. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 332 من الصبرة لما أحتج لمالك بأنه عمل أهل المدينة أجمعوا على ذلك عملا به وهم أعرف بسيرة النبي صلى الله عليه وسلم وهم نقلة مكان قبره وعين منبره ومقدار صاعه فكانت الثقة بهم كالثقة باجماع المجتهدين وتواتر الرواية من المحدثين قال والجواب لمن ينصر الأولى أنه ليس بحجة عنده ثم قال وعندى أن اجماعهم حجة فيما طريقه النقل وإنما لا يكون حجة في باب الاجتهاد لأن معنا مثل ما معهم من الرأى وليس لنا مثل ما معهم من الرواية ولا سيما نقلهم فيما تعم به بلواهم وهم أهل نخيل وثمار فنقلهم مقدم على كل نقل لا سيما في هذا الباب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 333 مسألة: إجماع أهل البيت لا يكون حجة على غيرهم خلافا للشيعة وقد ذكر القاضي في المعتمد هو وطائفة من العلماء أن العترة لا تجتمع على خطأ كما في حديث الترمذى. فهذه ثلاث إجماعات العترة والخلفاء وأهل المدينة1 ويقرن بها أهل السنة [فإن أهل السنة] 1 لا يجمعون على ضلالة كاجماع أهل بيته ومدينته وخلفائه.   1 في ت "أهل البيت" في الموضعين وهو خطأ صوابه أثبتناه موافقا لما في ب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 333 مسألة: إذا أدرك التابعي عصر الصحابة لم يعتد بخلافه في احدى الروايتين اختارها الخلال والقاضي في العدة والحلواني وبها قال جماعة من الشافعية واسماعيل بن علية والثانية يعتد بها اختارها ابن عقيل وأبو الخطاب والمقدسي وبها قال المتكلمون وأكثر الفقهاء من المالكية والحنفية والشافعية إلا أن الحنفية والمالكية إنما يعتدون بخلافه إذا كان من أهل الاجتهاد عند الحادثة وكذلك ذكره المقدسي والشافعية يعتدون به ما لم ينقض عصر الصحابة وهذا بناء على انقراض العصر وكذلك ذكره القاضي في مسألة انقراض العصر وذكر أنه لا يعتد بمن عاصر من عاصرهم بل إذا انقرضت الصحابة وبقى ذلك التابعى فحدث تابعى آخر وصار من أهل الاجتهاد لم يسغ له الخلاف. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 333 مسألة: إذا اتفق أهل الإجماع على عمل ولم يصدر منهم فيه قول ... مسألة: إذا اتفق أهل الإجماع على عمل [إن تصور ذلك] 1 ولم يصدر منهم فيه قول فقال قوم [من الأصوليين] فعلهم كفعل الرسول وقد سبقت المذاهب فيه وتعلقوا بأن العصمة باقية2 لهم كثبوتها لهم واختاره الجوينى خلافا لابن الباقلاني والاول قول الجمهور حتى أنهم يحيلون وقوع الخطأ منهم في الفعل إذا لم يشترطوا انقراض العصر.   1 ما بين المعقوفين ساقط من ا. 2 في ا "ثابتة لهم كثبوتها لهم" وليس بذلك. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 334 مسألة: واجماعهم في تكليف أو حكم شرعى على الترك دليل على عدم الوجوب 1 [وكذلك لا يجوز مخالفته حتى انقراض العصر هكذا قيده القاضي قال في المجرد هو حجة ودليل مقطوع عليه يجب اتباعه وتحرم مخالفته وهو إجماع] 1. [شيخنا] فصل: إذا قلنا هو حجة فهل يجوز أن يجمع التابعون على خلافه قال عبد الوهاب المالكي يجوز ويتبين [بذلك] 2 أنه كان هنا لو قول صحابي آخر بخلافه3 كما يجوز انعقاد الإجماع على مخالفة خبر ويدل الإجماع على أنه منسوح بخبر أو بآية أو أن المراد خلاف ظاهره وحينئذ فيجب العمل بالاجماع وظاهر كلام أحمد أن ذلك يجوز أو أنه لو وقع لم يمنع4 كون قول الصحابي حجة وهذا مبنى على أن إجماع التابعين على أحد قولى الصحابة لا يوجب أن يكون هو الصواب لانهم بعض من تكلم في تلك المسألة من الأمة.   1 ساقط من د. 2 كلمة "بذلك" ساقطة من ا. 3 في ا "يخالفه". 4 في ب "لم يمنع كون الصحابي حجة". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 334 مسألة: إذا قال بعض الصحابة قولا وانتشر فى الباقين وسكتوا ولم يظهر خلافه فهو إجماع يجب العمل به عندنا قال شيخنا إذا سكتوا عن مخالفته حتى انقرض العصر هكذا قيده القاضي قال في المجرد هو حجة ودليل مقطوع عليه يجب اتباعه وتحرم مخالفته وهو إجماع قال القاضي حسين في تعليقه إذا قال الصحابي قولا ولم ينتشر فيما بينهم فإن كان معه1 قياس خفى فيقدم ذلك على القياس الجلى قولا واحدا وكذلك إذا كان معه خبرمرسل مجرد فإن كان متجردا عن القياس فهل يقدم القياس الجلى على ذلك فيه قولان الجديد يقدم القياس وإن انتشر بين الصحابة من طريق الفتيا2 كان حجة مقطوعا بها وهل يسمى اجماعا فيه وجهان أحدهما يكون اجماعا ويشترط انقراض العصر على ذلك وجها واحدا وإن كان على طريق القضاء قيل هو حجة قولا واحدا وقيل فيه قولان [قال المصنف3] وهو قول المالكية وأكثر الحنفية فيما ذكره أبوسفيان والجرجاني وأكثر الشافعية وكذلك الكرخي الحنفي وأبوالطيب الطبري وقال بعض الحنفية يكون حجة ولا يكون اجماعا وكذلك قال بعض الشافعية يكون حجة ولا يكون اجماعا لأن الشافعي قال لا ينسب إلى ساكت قول هذا قول أبي بكر الصيرفي وقال هذا هو الأشبه بمذهب الشافعي بل هو مذهبه وقال داود وبعض المتكلمين منهم ابن الباقلاني والجوينى ليس بحجة ولا إجماع وحكى عن قوم من المعتزلة والاشعرية وسماهم أبو الخطاب فقال واختلف فيه من قال كل مجتهد مصيب فقال الجبائي كقولنا وقال ابن برهان يكون حجة ولا يكون اجماعا وقال أبو عبد الله البصري كقول داود وابن الباقلاني.   1 في ا "معهم". 2 في ب "من طريق القضاء" والصواب ما أثبتناه عن ا. 3 ساقط من ا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 335 فصل: سواء كان القول فتيا أو حكما في قولنا وقول عامة الشافعية أبي الطيب وغيره وقال ابن أبي هريرة إن كان حكما لم يكن حجة وإن كان فتيا فهو حجة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 336 مسألة: إذا قال الصحابي قولا ولم ينقل عن صحابي خلافه وهو مما يجرى بمثله القياس والاجتهاد فهو حجة نص عليه أحمد في مواضع [وقدمه على القياس1] واختاره أبو بكر في التنبيه. [قال شيخنا1] قال أبو داود قال أحمد بن حنبل ما أحببت في مسألة إلا بحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا وجدت في ذلك السبيل إليه أو عن الصحابة أو عن التابعين فاذا وجدت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم أعدل إلى غيره فاذا لم أجد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فعن الخلفاء الاربعة الراشدين المهديين فاذا لم أجد عن الخلفاء فعن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الأكابر فالاكابر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فاذا لم أجد فعن التابعين وعن تابعى التابعين وما بلغنى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حديث بعمل له ثواب إلا عملت به رجاء ذلك الثواب ولو مرة واحدة. وقال الشافعي في الرسالة العتيقة بعد أن ذكر فصلا في اتباع الصحابة للسنة ومن أدركنا ممن يرضى أو حكى لنا عنه ببلدنا صاروا فيما لم يعلموا لرسول الله صلى الله عليه وسلم فيه سنة إلى قولهم إن أجمعوا وقول بعضهم إن تفرقوا بهذا نقول ولم نخرج من أقاويلهم وإن قال واحد منهم ولم يخالفه غيره أخذنا بقوله فانهم فوقنا2 في كل علم واجتهاد وورع وعدل3 وأمر استدرك4 به علم   1 ساقط من ا. 2 في ا "إذ بهم فوقنا". 3 في اد "وعقل". 4 في ا "استدل به". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 336 أو استنبط به قياس وآراؤهم لنا أحمد وأولى بنا من اتباعنا لانفسنا. [وروى الربيع عنه قال المحدثات من الامور ضربان أحدهما ما حدث يخالف كتابا أو سنة أو أثرا أو اجماعا فهذه البدعة الضلالة1] . وروى الربيع عنه قال لا يكون لك أن تقيس إلا عن أصل أو قياس على أصل والاصل كتاب أو سنة أو قول بعض أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم أو إجماع الناس. وقال في رواية يونس لا يقال للاصل لم ولا كيف؟ [قال المصنف] 2 واليه ذهب من الحنفية محمد بن الحسن والبرذعي والرازي والجرجاني وبه قال مالك وإسحاق والسافعى في القديم وفى الجديد أيضا والجبائي وقال في الجديد ليس بحجة3 وهو قول الكرخي الحنفى وأكثر الشافعية أبي الطيب وغيره وعامة المتكلمين من المعتزلة والاشعرية كرواية أخرى عن أحمداختارها ابن عقيل [وأبو الخطاب والفخر إسماعيل] 2 وحكى ابن برهان عن أبي حنيفة نفسه أنه قال ما نقل الينا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فمقبول وما نقل عن الصحابة فهم رجال ونحن رجال والاول هوالمعروف عن أبي حنيفة وحكاه الشافعي عن شيوخه وأهل بلده قال أبو يوسف سمعت أبا حنيفة يقول إذا جاء الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم عن الثقات أخذنا به فاذا جاء عن الصحابة لم نخرج عن أقاويلهم فإذا جاء عن التابعين زاحمناهم وقال يحيى بن الضريس شهدت سفيان الثوري وأتاه رجل له مقدار في العلم والعبادة فقال له يا أبا عبد الله ما تنقم على أبي حنيفة قال وماله قال سمعته يقول قولا فيه انصاف وحجة اني آخذ بكتاب الله إذا وجدته فإن لم أجده منه أخذت بسنة رسول الله   1 هذا الكلام ساقط من اد. 2 ساقط من ا. 3 هذا مع ما قبله يفيد أن له في الجديد قولين أو أن النقل عنه قد اختلف. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 337 صلى الله عليه وسلم والآثار الصحاح عنه التي فشت في أيدي الثقات عن الثقات فاذا لم أجد في كتاب الله ولا في سنة رسول الله أخذت بقول أصحابه من شئت وأدع قول من شئت ثم لا أخرج عن قولهم إلى قول غيرهم فاذا انتهى الأمر إلى إبراهيم والشعبى والحسن وابن سيرين وسعيد بن المسيب وعدد رجالا قد اجتهدوا فلى أن اجتهد كما اجتهدوا رواها القاضي أبو عبد الله الصيمري في مناقبه وروى أيضا عن الحسن بن صالح قال كان أبو حنيفة شديد الفحص عن الناسخ من الحديث والمنسوخ فيعمل بالحديث إذا ثبت عنده عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن اصحابه وكان عارفا بحديث أهل الكوفة وفقه أهل الكوفة شديد الاتباع لما كان عليه الناس ببلده قال وكان يقول إن لكتاب الله ناسخا ومنسوخا وكان حافظا لفعل رسول الله صلى الله عليه وسلم الأخير الذي قبض عليه مما وصل إلى أهل بلده [واختار أبو الخطاب الثانية كابن عقيل والفخر إسماعيل مثلهما] . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 338 مسألة: إن قلنا هو حجة فليس باجماع في قول الكافة وقال بعضهم هو إجماع لئلا يخلوا العصر عن قائم لله بحق1.   1 في د "عن قائم بالحق". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 338 مسألة: فاذا قال الصحابي قولا لا يهتدى إليه قياس فانه يجب العمل به ويجعل في حكم التوقيف المرفوع بحيث يعمل به وإن خالفه قول صحابي آخر نص عليه في مواضع وبه قالت الحنفية وقالت الشافعية لا بحمل على التوقيف بل حكمه حكم مجتهد فيه1 واختاره أبو الخطاب مع حكايته [فيه] وجهين وابن عقيل وحكى الأول عن شيخه فقط ومثله بقول عمر في عين الدابة2 وفى حمل العاقلة دية قاتل نفسه وقول ابن عباس فيمن نذر ذبح ولده وادعى ابن عقيل أن الظاهر عدم التوقيف معه. [قال شيخنا3] وقد يقال الأمر محتمل [قال شيخنا3] ولم يذكر   1 في د "حكم مجتهداته". وستتكرر هذه الكلمة. 2 في ا "في غير الرواية" ولا يحضرني الآن ما يشير إليه. 3ساقط من ا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 338 القاضي في هذه المسألة نصا عن أحمد ولا ذكر إلا مثلها1 ولفظه قد تقدم.   1 في ا "ولا ذكر إلا أمثلة". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 339 [والد شيخنا] مسألة: فإن قال التابعي قولا لا يهتدى إليه القياس فهل يكون حكمه في ذلك حكم الصحابي بأن يجعل في حكم التوقيف على القول به أم يجعل كمجتهداته. قال الشيخ مجد الدين رحمه الله في منتهى الغاية في مسألة من قام من نوم الليل فغمس يده في اناء قبل أن يغسلها في ضمن كلامه وزوال طهوريته قول الحسن البصري رضى الله عنه وهو مخالف للقياس والتابعي إذا قال مثل ذلك كان حجة لأن الظاهر أنه قاله توقيفا عن الصحابة أو عن نص ثبت عنده. [قلت وظاهر كلام أصحابنا أنه لا اعتبار بذلك بل يجعل كمجتهداته] 1 قال والد شيخنا ذكره ابن عقيل في ضمن المسألة محل وفاق استدل به وكذلك ذكر أنه يقدم الخبر المرفوع عليه وجعله محل وفاق1] . [قال والد شيخنا1] قال أبو داود سمعت أبا عبد الله يسأل إذا جاء الشيء عن الرجل من التابعين لا يوجد فيه عن النبي صلى الله عليه وسلم يلزم الرجل أن يأخذ به قال لا وله مثل هذا الكلام كثير في روايات كثيرة ولم يفرق بين ما يخالف القياس وما لم يخالفه2. [شيخنا] فصل: قال القاضي وإذا اختلف التابعون في الحادثة جاز لغيرهم الدخول معهم في الاجتهاد إذا كانوا من أهل الاجتهاد وذكر شيخنا رواية أخرى أنهم لا يدخلون معهم [في الاجتهاد] ويسقط قولهم معهم.   1 ساقط من ا. 2بهامش اهنا "بلغ مقابلة على أصله". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 339 [والد شيخنا] مسألة: إجماع الخلفاء الاربعة على حكم ليس باجماع وبه قال أكثر الفقهاء وفيه رواية أخرى أنه إجماع وبه قال أبو حازم الحنفي هذا نقل الحلواني ثم قال بعدها إذا ثبت أنه لا يكون اجماعا فانه لا يكون حجة مع مخالفة بعض الصحابة وفيه رواية أخرى أنه يكون حجة مقدما على قول الباقين من الصحابة فصار في المسألة على نقله ثلاث روايات رواية بأنه إجماع ورواية بأنه حجة لا إجماع ورواية لا إجماع ولا حجة وهذا كله مع مخالفة بعض الصحابة لهم وكذا حكى ابن عقيل رواية بأنه إجماع ولفظ ابن عقيل في المسألة والرواية الثانية لا يعتد بخلاف من خالفهم ويجعل قولهم كالاجماع. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 340 مسألة: قول الخلفاء الاربعة لا يقدم على قول غيرهم من الصحابة في احدى الروايتين وبها قال الجرجاني والاخرى يقدم وبها قال القاضي أبو حازم الحنفى وحكم بذلك في زمن المعتضد بتوريث ذوى الارحام ولم يعتد بخلاف زيد بن ثابت وقبل المعتضد ذلك ورد الاموال التي كانت في بيت المال بسبب ذلك إلى ذوى الارحام وكتب بذلك إلى الآفاق. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 340 مسألة: لا يقدم قول الواحد من الخلفاء الاربعة على غيرهم في أصح الروايتين وبها قالت الجماعة وفيه رواية أخرى يقدم واختارها أبو حفص البرمكي وبعض الشافعية واختار الأول أبو الخطاب وزعم أن المسألة رواية واحدة وكذلك ابن عقيل صدر المسألة بأن قال لا يختلف قول أصحابنا بأن الواحد من الخلفاء يسوغ خلافه ولا يمنع بقية الصحابة من خلافه ثم قال وقد أومأ صاحبنا إلى أنه لا يجوز خلافه وذكر قوله في الحيضة الثالثة أنه أحق بها ما لم تغتسل وقوله في أموال أهل الذمة وليس كذلك وإنما الرواية الواحدة أنه لا يقدم قول الخليفة الأول على الثاني1 فإنه هو الذي حكى لأحمد   1 في د وحدها "لا يقدم قول الواحد من الخلفاء على غيره" وهو الموافق لوضع المسألة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 340 وأنكره وكأن القاضي قد جعلها رواية واحدة أخذا من هذا ثم رجع عن ذلك فإن الرواية الثانية أصرح وقال أشعث سمعت الشعبي يقول إذا اختلف الناس في شيء فانظر كيف صنع عمر فإن عمر لم يكن يصنع شيئا حتى يشاور وقال صالح بن حى قال الشعبي من سره أن يأخذ بالوثيقة من القضاء فليأخذ بقضاء عمر فانه كان يستشير قال أشعث فذكرت ذلك لابن سيرين فقال إذا رأيت الرجل يخبرك أنه أعلم من عمر فأحذره1.   1 تقرأ في ب "فاجلده" تحريف. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 341 مسألة: إذا عقد بعض الخلفاء الاربعة عقدا لم يجز لمن بعده من الخلفاء فسخه ولا نقضه نحو ما عقد عمر من صلح بنى تغلب ومن خراج السواد والجزية وما جرى مجراه. وقال ابن عقيل يجوز [القول بأن لمن بعده من الخلفاء أن] يغيره1 [ويعمل فيه بإجتهاده] لأن المصالح تختلف باختلاف الازمنة هذا معنى كلامه بعد أن حكى الأول عن أصحابنا وقرره. [قال شيخنا] قلت: هذا مثل تغيير ما ضر به من الجزية والخراج وفيه خلاف مشهور في المذهب.   1 في ا "يعتبره" تحريف. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 341 مسألة1 إذا اختلف الصحابة على قولين ولم ينكر بعضهم على بعض لم يجز للمجتهدين غيرهم الأخذ بأحدهما من غير دليل وبه قالت المالكية والشافعية وطوائف من المتكلمين مثل ابن الباقلاني واختاره2 أبو سفيان السرخسي وحكاه عن بعض شيوخه وقال بعض المتكلمين إن [كان3] هذا القول   1 في د قدم هنا مسألة من خالف الإجماع الواردة في ص "344". 2 في اد "وأحازه أبو سفيان السرخسي". 3 سقطت كلمة "كان" من ا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 341 جاريا في الصحابة قبل وقوع الفرقة1 بينهم وافتراق الدار بينهم جاز الأخذ به وإلا فلا وسلموا أنه مع الانكار لا يجوز اتباع أحدهما بغير دليل وهذا هو الذي حكاه ابن عقيل عن بعض أصحاب السرخسي وحكى هذا عن الجبائي وابنه وحكى عن الجبائي نحو الأول وهو قول الليث2 وحكى [هو] عن محمد بن الحسن نفسه [وهؤلاء3] لا يخيرون المجتهد بين أن يقلد أحدهم ابتداء وبين أن يجتهد4 كما يخيرونه في الأخبار والاقيسة إذا اعتدلت عنده وقولهم على ذلك [مبني على] تساوى الامارات أو على أن كل مجتهد مصيب ومع هذا فلا يجعلون هذا مثل تقليد العامي. [شيخنا] فصل: قال القاضي إذا اختلف الصحابة على قولين وكان أحدهما فتيا والآخر حكما فقد قيل الحكم أولى لأن الحكم لازم فهو أولى وقيل الفتيا أولى لأن وقت الفتيا أوسع من وقت الحكم ولانه يمكن منازعته. قلت هذا ترجيح بين قولين فأما التقليد فلا. [شيخنا] فصل: اذا اختلف الصحابة بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم وكان أحدهما أقرب من رسول الله صلى الله عليه وسلم أو أميرا له على سرية أو قاضيا له أو رسولا له لم يوجب ذل رجحان قوله ذكره ابن عقيل محل وفاق استدل به.   1 في ا "وقوع الفتنة". 2 مكان هذه الكلمة في اكلمة لم تستقم لي وهي في د كما أثبتها. 3 هذه الكلمة ساقطة من ا. 4 في ابياض يتسع لكلمة واحدة ولعلها "الآخر". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 342 المالكية قال عبد الوهاب هو قول أكثر الشافعية ومن أصحابنا القاضي إسماعيل وأبو بكر الابهرى وغيرهما وأكثر الشافعية منهم ابن سريج وأبو بكر القفال وأبو الطيب الطبرى وهو قول أكثر المحققين من الفقهاء والمتكلمين فيما حكاه أبو الخطاب وابن عقيل خلافا لبعص الشافعية وهو أبوبكر الصيرفى وداود وأصحابه وأبى إسحاق بن شاقلا من أصحابنا في قولهم هو حجة وكذلك كان ابن حامد يحتج به كتابه وكلامه وحكاه أبو الخطاب عن أبي ثور والمزني وداود والصيرفي. قال القاضي ذكر شيخنا أبو عبد الله في كتابه أنه باطل وكان يحتج به في المسأئل وكلام أبي الخطاب في المسألة يقتضي أن القول في جميع الادلة كذلك أنه لا يجوز استصحاب حكم الدليل في الحال الثانية إلا أن يكون الدليل متناولا لها وكذلك الحلواني قال نحو قوله وقال ورأى من قول الرسول أن يرد اللفظ خاصا في موضع ولا يجب1 استصحابه في الموضع الذي لم يتناوله2.   1 في ما عدا د "ولا يجب". 2 في ا "الذي يتناوله" بدون حرف النفي. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 343 مسألة1 استصحاب حال الإجماع ليس بحجة وهو قول الحنفية وبعض   1 في هامش اهنا "بلغ مقابلة على أصله". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 242 مسألة: الشيء المجمع عليه إذا تغيرت حاله جاز تركه بدلالة غير الإجماع وهوقول أصحاب أبي حنيفة خلافا لما حكى عن بعض أصحاب الشافعي أن ما ثبت بالاجماع لا يجوز تركه إلا باجماع مثله ومثله بمسألة المتيمم إذا رأى الماء في الصلاة هذا نقل القاضي وهذه مسألة استصحاب حال الإجماع لكن المذكور هنا جواز تركه بغير الإجماع وهو بين لا شك فيه وهو والله أعلم يعني1 قول أبي عبد الله فيما حكوه في مسألة انقراض العصر أنه قال الحجة على من زعم أنه إذا كان أمر مجمعا عليه ثم افترقوا أنا نقف على ما أجمعوا عليه حتى يكون اجماعا مثل قصة أم الولد والخمر والمذكور هناك منع استصحاب الحال بالكلية والصحيح جواز استصحاب الحال ولا يكون الحال المستصحب إجماعا بل يجوز تركه بجميع الأدلة   1 في ب "معنى قول أبي عبد الله .... إلخ". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 343 كاستصحاب حال [البراءة] الأصلية وأفرد ابن عقيل هذه المسألة في آخر مسائل الإجماع بعبارة أخرى فقال يجوز ترك ما ثبت وجوبه بالإجماع إذا تغيرت حاله مثل الإجماع على جواز الصلاة بالتيمم فإذا وجد الماء في أثنائها جاز الخروج منها بل وجب وبه قالت الحنفية وقال بعض الشافعية لا ينتقل عن الإجماع إلا باجماع مثله وهذا الذي ذكره يقتضي جواز مخالفته بدليل شرعى غير الإجماع ويبطل قول من زعم أن الاستصحاب تمسك بالاجماع ولا يقتضى استصحاب حال الإجماع كما في مدلول النص فالأقوال في المسألة [ثلاثة وهذا مسألة استصحاب1 حال الإجماع لكن المذكور هنا جواز تركه بغير الإجماع2] .   1 في ب "ولا يقتضي منع استصحاب حال الإجماع". 2 هذا الكلام ساقط من ا "ومعناه مستفاد مما سبق. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 344 مسألة1 من خالف حكما مجمعا عليه فهل يكفر بذلك قال ابن حامد وغيره انه يكفر وطرد ذلك أن يكفر من جوز كون الإجماع 2 يقع خطأ وذكر كثير من الطوائف من أصحابنا وغيرهم منهم القاضي في ضمن مسألة انعقاد الإجماع عن قياس أنه يضلل ويفسق وهو مقتضى قول كل من قال إن الإجماع حجة قاطعة وهم جماهير الخلائق وقال بعض المتكلمين انه حجة ظنية فعلى هذا لا يكفر ولا يفسق.   1 وقعت هذه المسألة في د قبل المسألة التي نبهنا عندها في ص "341". 2 في ا "أن الإجماع". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 344 مسألة: يجوز اثبات الإجماع بخبر الواحد قال ابن عقيل وهو قول أكثر الفقهاء ذكرها في أواخر كتابه قال أبو سفيان وهو مذهب شيوخنا قال وقال بعض شيوخنا لا يجوز. قال شيخنا تكلم على ذلك1 ابن عقيل بكلام ذكره فقال هذا   1 في ا "في ذلك". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 344 [على] ما يقع لى خلاف في عبارة وتحتها1 اتفاق فإن خبر الواحد لا يعطي علما ولكن يفيد ظنا ونحن إذا قلنا انه يثبت به الإجماع لسنا قاطعين بالاجماع ولا بحصوله بخبر الواحد بل هو بمنزلة ثبوت قول النبي صلى الله عليه وسلم والمنازع قال الإجماع دليل قطعي وخبر الواحد دليل ظنى فلا يثبت قطعيا.   1 في ا "أو بحثها". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 345 مسألة: في الحادثة إذا حدثت بحضرة النبي صلى الله عليه وسلم فلم يحكم فيها بشيء جاز لنا أن نحكم في نظيرها خلافا لبعض المتكلمين في قوله لا يجوز وقال ابن عقيل إن كان له صلى الله عليه وسلم حكم في نظيرها يصح استخراجه من معنى نطقه جاز فأما إذا لم يكن [ذلك] 1 في قوة ألفاظ النصوص فلا وجه لرجوعنا إلى طلب الحكم مع امساكه عنه إذ لا وجه لامساكه عن الحكم في وقت الحاجة لانا أجمعنا على وجوب البيان في وقت الحاجة وكلام القاضي مبنى على أنه قد يكلنا إلى النظر والبحث. لما ذكر ابن عقيل دليل القاضي أنه يجوز ترك النص والتفويض إلى الاجتهاد قال فقولوا يجوز اجتهادكم في عين الحادثة التي أمسك عنها فلما لم يوجب ذلك جواز الإجتهاد في عين الحادثة2 التي أمسك عنها فكذلك في نظيرتها على أنه مستلزم لتأخير البيان عن وقت الحاجة وهو غير جائز ثم قال إما أن يكون عالما بحكمها أو غير عالم فإن كان عالما امتنع ترك البيان والتبليغ وإن لم يكن عالما به فلا نشك أن الأصلح3 ترك بيانه إذ لو أراد الله بيانه لما طواه عن نبيه وأوقع الأمة عليه من غير طريقه وبيانه وأورد سؤالا بجواز أن يقع لبعض الأمة ما لا يقع للنبي صلى الله عليه وسلم في حياته فأجاب بأن ذلك إحالة على بعض النصوص أو   1 كلمة "ذلك" ساقطة من ا. 2 في ب "في غير الحادثة". 3 في ا "فلا نشك أنها لا يصلح ترك بيانه". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 345 معانيها وإنما منعنا من أن يكون لله حكم في حادثة ثم انه يعزب عن رسوله ويتبين لمن بعده أو يظهر له الحكم فيتخلف عن بيانه1 قال ومعلوم أن المجتهد لا بد له من أصل يستمد منه اجتهاده وهوما في الكتاب والسنة فإن كان موجودا فلا يجوز للنبي صلى الله عليه وسلم تركه ولا يجوز عزوبه2 عنه وإن لم يكن له أصل فهو حكم الواقع وذلك ليس بطريق ولا وجه للاجتهاد في نظير ما سكت النبي صلى الله عليه وسلم عنه.   1 في ب "فيخالف عن بيانه". 2 عن ا "ولا يجوز عزوبه عنه". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 346 مسائل المفهوم وأقسامه مسألة: فحوى الخطاب حجة ويسمى التنبيه والأولى وهو أن يكون معنى حكم المنطوق في جانب المسكوت عنه لفظا أولى وأظهر ظهورا جليا يفهم من سياقه الكلام للعالم والعامي كقولهم فلان ما يخون في [فلس] ولا يظلم مثقال ذرة وكقوله تعالى: {فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ} 1 ونحوه وهذا قول جماعة أهل العلم إلا ما شذ من بعض أهل الظاهر فحكى أبو القاسم الخرزى عن داود أنه ليس بحجة وحكى ابن برهان عن داود كقولنا وغالى قوم وهم جماعة من المتكلمين وأهل الظاهر وبه قال أبو الخطاب فقالوا هو مستفاد من اللفظ لغة وقال أكثر الشافعية هو مع كونه حجة قياس واضح أو قياس جلى وحكاه ابن برهان عن الشافعي [نفسه] 2 وذكر في ضمن كلام له قبل ذلك أنه قياس في أقصى غايات الوضوح والجلاء بل في درجة القطع بحيث لا يجوز أن يرد الشرع بخلافة والمسألة في كتاب القياس وكذلك حكى أبو الطيب   1 من الآية "23" من سورة الاسراء وكان في الأصول الثلاثة "ولا تقل" والتلاوة كما أثبتنا. 2 كلمة "نفسه" ساقطة من ا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 346 الطبري عن الشافعي أنه سماه القياس الجلى وأنه قال ينتقض حكم الحاكم إذا خالفه [قال أبو الطيب وأما نقض حكم الحاكم إذا خالفه1] لأنه في معنى النص لزوال الاحتمال عنه وعلل بأنه لا يجوز أن يرد الشرع بخلافه ثم قال أبو الطيب وفى التنبيه ما هو دون هذا ومثله بما ذكرته في موضع آخر من مسألة السلم ونحوه وقال هذا لا ينقض حكم الحاكم لمخالفته لأنه يعارضه قوله. [شيخنا] فصل: في فحوى الخطاب منه ما يكون2 المتكلم قصد التنبيه بالادنى على الأعلى كآية البر فهذا معلوم أنه [قصد المتكلم بهذا الخطاب وليس قياسا وجعله قياسا3] غلط فإنه هو المراد بهذا الخطاب. ومنه ما لم يكن قصد المتكلم إلا القسم الادنى لكن يعلم أنه يثبت مثل ذلك الحكم في الأعلى وهذا ينقسم إلى مقطوع ومظنون ومثالهما ما احتج به أحمد رضي الله عنه وقد سئل عن رهن المصحف عند أهل الذمة فقال لا نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن يسافر بالقرآن إلى أرض العدو مخافة أن يناله العدو فهذا قاطع لأنه إذا نهى عما قد يكون وسيلة إلى نيلهم اياه فهو عن انالتهم اياه أنهى وأنهى واحتج على أن لا شفعة لذمى بقوله: "إذا لقيتموهم في طريق فألجئوهم إلى أضيقه" فاذا كان ليس لهم في الطريق حق فالشفعة أحرى أن لا يكون لهم فيها حق وهذا مظنون.   1 ما بين المعقوفين ساقط من ا. 2 في ب "ومثل ما يكون المتكلم .... إلخ". 3 هذا الكلام ساقط من ب ولا يظهر الكلام بدونه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 347 فصل1: وممن قال التنبيه قياس أبو الحسن الخرزي2 والحلواني وأبو الخطاب وأبو محمد البغدادي وزعم أنه ليس فيه شيء قطعي في جدله وكذلك أبن أبي موسى في الارشاد قال القياس قياسان جلى وخفى فالجلى هو مالا تجاذب فيه قال الله: {فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا} 3 وقال: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ، وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ} 4 ونهى عن الثوب المصبوغ بالورس للمحرم فكان المسك أشد نهيا والخفي ما تجاذبه الأصول كالجناية على العبد [لكنها منازعة لفظية لأنهما قالا وسائر أصحابنا ينسخ وينسخ به وقال معظم الأصوليين إنما يبطل الأولوية] . فصل: وقد يستفاد التنبيه من الفعل كما يستفاد من القول ومثله ابن عقيل بقوله تعالى: {وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ} 5 فنبه بأداء القنطار على أداء ما دونه6 ومثله هو بالبصاق في المسجد والى القبلة على البول وأحسن من هذا ما أشار إليه أحمد واستدل به من أنه صلى الله عليه وسلم جمع بين الصلاتين بالمدينة من غير خوف ولا مطر فانه يفيد الجمع للسفر والخوف والمطر.   1 في د قدم على هذا الفصل مسألة حكاية تصنيف القاضي في دليل الخطاب ص "352". 2 في ا "الجزري" تصحيف. 3 من الآية "23" من سورة الاسراء. 4 من الآية "7 8" من سورة الزلزلة. 5 من الآية "75" من سورة آل عمران. 6 في ا "بأداء قنطار على ما دونه". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 348 [والد شيخنا] مسألة: تنبيه محقق لا تظهر لنا فائدة الاختلاف في المفهوم إذا كان المنطوق اثباتا إلا على وجه ضعيف لنا ولغيرنا أعنى بأمر يرجع الجزء: 1 ¦ الصفحة: 348 إلى الحكم من حيث هو حكم إلا في تخصيص العموم وفيه خلاف بيانه أن الحكم إذا علق بغاية أو صفة أو شرط وكان إثباتا فإن القائلين بالمفهوم يكون ما بعد المعلق مخالفا لما قبله والذي قبله اثبات فيلزم كون ما بعده نفيا وهذا موافق للقائلين بامتناع المفهوم لانهم قالوا ما بعد الغاية نستفيد حكمه بالنفى الأصلى [الذي لزم] باستصحاب الحال. قلت فيحصل1 الوفاق وتظهر فائدة ما قيدته وهى أربعة قيود الأول [شرط2] كونه اثباتا فانه لو كان نفيا لكان ما بعد المعلق به عند القائلين بالمفهوم اثباتا [وهذا ضد مقتضى3 الأصل وهنا يظهر الخلاف وهذا لا يكون إلا إذا كان المنطوق حظرا وهو معنى قولي إثباتا] القيد الثاني قولنا إلا على وجه ضعيف4 لنا ولغيرنا وذلك لأن لنا في الأعيان المسكوت عنها على التعيين شرعا وجهين أولهما الاباحة بكل حال للادلة الشرعية على ذلك أعنى بالعموم وثانيهما بقاؤها على ما قبل الشرع وفيه وجه ثالت بالحظر وهذا في غاية الضعف القيد الثالث بأمر يرجع إلى الحكم من حيث هو حكم وذلك لأن افادته عند الأولين بطريق لمفهوم وعند الآخرين بطريق الاستصحاب فلا فائدة في الخلاف هنا بأمر يرجع إلى كون هذا مباحا بل إلى طريق معرفة كونه مباحا فيعم القيد الرابع استثناؤنا تخصيص العموم وذلك لأن ما بعد الغاية إذا كان قد دل دليل بطريق العموم أنه محرم ودل دليل بطريق المفهوم على تخصيص هذا العموم5 فإن الأولين عندهم في هذا خلاف فأما الآخرون فلا تخصيص عندهم به لكون ما ليس بدليل لا يعارض دليلا فليحقق ذلك وما يتفرع عليه إن شاء الله تعالى.   1 قي ا "فحصل الوفاق وظهر ... إلخ" بصيغة الماضي. 2 كلمة "شرط" ساقطة من ا. 3 في ب "وهذا جيد مقتضى الأصل" تحريف. 4 في ب "إلا على وجه يعرف لنا" وهو تحريف فوق أنه خلاف ما تقدم. 5 في ب "تخصيص هذا المفهوم" انتقال نظر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 349 فصل: قال القاضي مفهوم الخطاب1 هو التنبيه [بالمنطوق به] على حكم المسكوت عنه كقوله تعالى: {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ} 2 ومعناه أفعال الحج في أشهر وقوله: {فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ} 3 وتقديره في آخر أيام الحج4 وقوله: {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ بِهِ أَذىً مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ} 5 ومعناه فحلق ففدية وكقوله تعالى: {فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ} 6 ويسمى هذا القسم فحوى الخطاب7 ويسمى أيضا لحن القول [لأن8 لحن القول ما فهم منه بضرب من الفطنة وأما دليل الخطاب فهو دليله المعروف قال وقيل لحن القول8] ما دل عليه وحذف9 استغناء عنه بدليل الكلام عليه كقوله: {اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْحَجَرَ} 10 و {اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى} 11. قلت فقد جعل المفهوم اسم جنس لدلالة الاقتضاء ومفهوم الموافقة وسببه أنه في كلا الموضعين دل المنطوق على المسكوت [لكن12 في الأول دل اللفظ المنطوق على المسكوت وفى الثاني دل معنى اللفظ المنطوق على المسكوت ومعنى المنطوق قد يكون شرطا للمسكوت12] وقد يكون مضافا إليه وحكى في اللحن   1 في ب "عموم الخطاب ... إلخ". 2 من الآية "197" من سورة البقرة. 3 من الآية "196" من سورة البقرة. 4 في ب د "في إحرام الحج". 5 من الآية "196" من سورة البقرة 6 من الآية "23" من سورة الاسراء. 7 في ا "فحوى الخطاب والقول ..... لحن الخطاب والقول". 8 ما بين هذين المعقوفين ساقط من ا. 9 في ب "لو حدث". 10 من الآية "60" من سورة البقرة. 11 من الآية "43" من سورة طه. 12 ما بين هذين المعقوفين ساقط من ا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 350 هل هو مفهوم الموافقة أو الاقتضاء قولين لكن المحذوف تارة يصح به اللفظ وهو المذكور أولا وتارة يدل عليه المذكور وهو الثاني1.   1 في هامش اهنا "بلغ مقابلة على أصله. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 351 مسألة: دليل الخطاب حجة فاذا علق الشارع الحكم بصفة أو غاية أو شرط1 دل على انعكاسه في جانب المسكوت إلا أن يدل دليل على التسوية هذا منصوص امامنا قال ابن عقيل هو أشد2 الناس قولا به وذكر ابن عقيل أنا نقول ذلك في الخبر وفى الاسماء والحكم كالاستثناء والتخصيص فهذا هو المذهب ثم فرق بين الأمر والخبر قال ورأيت من استبعد ممانعة الخبر في بعض المجالس وحكى القاضي القول بمفهوم الصفة عن مالك وداود وأكثر الشافعية وحكى عن بعضهم القول بمفهوم الاسم قال ابن فورك وهو الصحيح وحكى المنع عن الحنفية والاشعرية وابن داود وأبى الحسن التميمي وإن الحنفية اختلفوا في مفهوم الشرط وذكر ابن عقيل في ضمن المسألة أن الاسماء والاشارات والصفات في الأخبار والاحكام إذا نيط بها مدح أو تعظيم أو خبر يقتضي فضيلة كان مقتضيا للمخالفة واحتج بمسألة: "ما أنا بزان ولا أمي بزانية" وقول أكثر أصحابه والشافعى وأكثر أصحابه منهم أبو الطيب وحكى أن هذا قول الشافعي ومالك وأحمد وداود وأبى عبيد وكذلك حكاه المقدسي عن مالك وأكثر المتكلمين وقال مالك وكثير من أصحابه وأصحاب أبي حنيفة وجماعة من الشافعية ابن سريج والقفال وأبو حامد والقاضي حسين وأبو الحسن التميمي من أصحابنا وداود وأبو الحسن الأشعري وابن الباقلاني وأكثر المعتزلة ليس بحجة ولا دلالة له على المسكوت بنفى ولا إثبات. قال في الانتصار في مسألة الولى هو احدى الروايتين ووافقنا بعض الحنفية   1 في ب "الحكم به تنبيه أو غاية أو شرط". 2 في ب "لهو أشد". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 351 في مفهوم الشرط والغاية وذكر ابن نصر المالكي أن أبا الفرج منهم قال قال بالمفهوم قال وهو ظاهر قول مالك قال وكان ابن منتاب لا يقول بدليل الخطاب على ما حكاه أبو الحسن عنه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 352 فصل: مسألة1 دليل الخطاب أفردها القاضي أبو يعلى في جزء مفرد صنفه فيها وهى في المجلدة الضخمة التي عندنا بخطه وبسط القول فيها وذكر [فيها] مسائل كثيرة وتفاريع وغير ذلك فلتنقل إن شاء الله تلك المسائل وقد اختار فيها اختيارات مليحة وحكى فيها عن أبي عمرو2 وأبي عبيد أشياء تدل على مفهوم الاسم واللقب فلتنظر.   1 في د قدمت هذه المسألة على الفصل الذي نبهنا عنده في ص "348". 2 في ب "عن أبي عمر" تصحيف. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 352 مسألة: تخصيص العدد بالذكر يفيد نفى الحكم عن غيره كمفهوم الصفة كذلك قال أبو الطيب وغيره لكن قال أبو الطيب هو قسم من أقسام الصفة لأن قدر الشيء صفته وقال ابن برهان مذهبنا لا يفيد ذلك وجعله كمفهوم اللقب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 352 مسألة: فأما الاسم اللقب غير المشتق فلا مفهوم له عند الأكثرين 1 واختاره المقدسي قال أبو الطيب هو المذهب المشهور عندى [وعند أكثر أصحابنا له مفهوم ويحتج به وعن الشافعية وجهان] وجعل أبو محمد مفهوم الاسم سواء كان مشتقا كالطعام أو غير مشتق فتصير في الاسم المشتق اللازم هل هو من مفهوم الصفة أو اللقب على وجهين وعندى فيه تفصيل أشار إليه أبو الطيب في موضع آخر وهو أنه لا يكون حجة إلا أن يكون قد خصه بعد سابق2 يعم   1 في ا "عندي" بدل "عند الأكثرين". 2 في ا "بعد سابقة ما يعم له ولغيره" والعبارة – على هذا الوجه – قلقة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 352 له ولغيره مثاله قوله: "وترابها طهورا" بعد قوله: "جعلت لى الأرض مسجدا" وكذلك على هذا لو قال: "عليكم في الإبل الزكاة" لم يكن له مفهوم لأنه لا يوجب1 تخصيص عام قد ذكر ويمكن أن غيرها لم يخطر بباله ولو قيل لرسول الله هل في بهيمة الأنعام الزكاة فقال: "في الإبل الزكاة" لكان له مفهوم لما ذكرنا وأكثر مفهومات مفهومات اللقب التي جاءت عن أحمد لا تخرج عما ذكرته لمن تدبرها وكذلك لم يسبق إلى الفهم [مفهوم] 2 في حديث الأعيان الستة فلو قدرنا أن رجلا قال لرسول الله أنبيع الطعام بالطعام متفاضلا فقال: "لا تبيعوا البر بالبر متفاضلا" الموصوف فيه مع الصفة والثاني ما اقتصر فيه عليها فصار الاسم [الخاص] 2 في سياق العام قويا به كما قوى الموصوف الصفة ترجيحا. [شيخنا] فصل: الصفة قسمان [عارضة] 3 كالغنى والثيوبة4 والامتلاء وهو الذي جعله أبو محمد مفهوم الصفة ولازمة كالطعام وفيها خلاف. [شيخنا] فصل: قال القاضي أفعال النبي صلى الله عليه وسلم لها دليل وأخذه من قول أحمد لا يصلى على القبر بعد شهر لحديث أم سعد ووافقه ابن عقيل في الأخذ وخالفه في الحكم والصحيح ضعف الأخذ والحكم. وقال ابن عقيل ذكر أصحابنا عن أحمد أنه جعل للفعل دليلا وأخذه من مسألة الصلاة على القبر وأحال هو ذلك وجوز أن يكون المستند استصحاب الحال وبسط القول وسلم الدلالة إذا كثر الفعل وأكثر الكلام.   1 في ا "لأنه يوجب" وليس بذلك. 2 هذه الكلمة ساقطة من ا. 3 كلمة "عارضة" ساقطة من ب وذكر اللازمة بعد يدل على حاجة الكلام إليها. 4 في ب "والشوكة" مكان "والثيوبة" تحريف. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 353 مسألة: حرف إنما هل يفيد الحصر1 نطقا أم لا قال القاضي وابن عقيل والحلواني لا يفيده وإنما يفيد النفي بطريق المفهوم قال ابن عقيل هى للاثبات والنفي مأخوذ من قبل الدليل لا الصيغة وقاسه على قوله: "الولاء لمن أعتق" أو "إنما الولاء لمن أعتق" وكذلك قال كثير من المتكلمين أنه لا يفيد إلا2 الاثبات بيانه أنه لو دل لدل بكونه مفهوما وهم لا يرون المفهوم وقال الجرجاني الحنفى وأبو حامد من الشافعية يفيد النفى نطقا وعملا به مع انكارهما للمفهوم وكذا ذكره الإمام فخر الدين بن المنا في مسألة النية من تعليقه وذكر القاضي في موضع آخر3 وأبو الطيب أن: "إنما" يفيد الحصر يثبت المذكور وينفى ماعداه وأطلقا القول بذلك وصرح القاضي فيها باحتمالين في العمدة والثاني اختيار المقدسي وجعله كالاستثناء سواء.   1 في ب "الخطر" تحريف. 2في ا "لا يفيد الإثبات" وهو خطأ واضح. 3 في ا "مواضع أخر". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 354 مسألة: في قوله: "لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب" ولا عالم إلا زيدا و "لا اله إلا الله" فهذا يفيد النفى والاثبات بلفظه ذكره ابن عقيل أيضا وأنكره غلاة منكرى المفهوم وألحقوه به وفصل الأكثرون بين صيغة الشرط وغيرها وحكى عن أبي حنيفة أن الاستثناء من النفى اثبات بخلاف العكس فجعل الشيخ أبو محمد قوله: "لا صلاة إلا بطهور" إنما يفيد لفظه الانتفاء عند الانتفاء وأما الثبوت عند الثبوت فهو على قاعدة المفهوم بخلاف لا عالم إلا زيدا وجعله المثبت من قاعدة المفهوم ليس بجيد. [شيخنا] فصل: حكى الأخفش أن قول القائل: "ما جاءني غير زيد" لا يدل على مجىء زيد بل يدل على نفى مجىء غيره ذكره ابن عقيل في حجة التاركين للمفهوم وقال الجزء: 1 ¦ الصفحة: 354 قول الأخفش لا يقابل قول أبي عبيد لأن الأخفش نحوى ولم يكن من المبرزين في اللغة. قلت إن جعلت غير استثناء فهو كقوله إلا زيد وإن جعلت صفة هو كقوله مخالف لزيد أو ضد لزيد. فصل: فى تحقيق الفرق بين المفهوم المختلف فيه وبين المقيد المجمع على العمل به اعتبارا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 355 مسألة: الواو لا تقتضى الترتيب عند أصحابنا وأصحاب أبي حنيفة والمالكية وأكثر النحاة واختار ثعلب وأبوعمر الزاهد غلام ثعلب انها تقتضيه وللشافعية وجهان كالقولين وأكثرهم كالأول وقال الحلوانى من أصحابنا في كتاب الهداية له انها تقتضي الترتيب ونصره ولم يحك عن أصحابنا خلافا إلا أنه قال لكن أصولهم أنها تقتضي الجمع قال فانهم قالوا فيمن قال لغير مدخول بها أنت طالق وطالق تكون طلقتين1 ولو كانت للترتيب لم يقع2 إلا واحدة وذهب أبوبكر بن جعفر منا إلى تفصيل فقال إن كان صحة كل واحد من المعطوف والمعطوف عليه شرطا في صحة الآخر أفادت الترتيب كآية الوضوء وكقوله: {ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا} 3 وإلا لم تفده فانه كثير الكلام في ذلك وقد ذكر لذلك أمثلة كثيرة وبينه بيانا جيدا في الوضوء من التنبيه عند ذكره الترتيب فيه. وذكر أبو بكر الطرطوشي4 فيها ثلاثة أقوال أحدها أنها للجمع والترتيب والثاني للترتيب والثالث لا تقتضي واحدا منهما.   1 في هامش اهنا "بلغ مقابلة على أصله. 2 في ا "لم يقطع" تحريف. 3 من الآية "77" من سورة الحج. 4 في ا "الطرطوشي" وفي ب "الطرطوسي". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 355 قلت كأن القائل الأول فهم من قولنا يقتضى الجمع جمع الزمان الذي هو ضد الترتيب. [شيخنا] فصل: "ثم" للترتيب مع المهلة والتراخي ذكره ابن عقيل وكثيرون وذكر ابن عقيل أن استدلال أصحابنا على أن الامساك لا يكون عودا في آية الظهار. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 356 مسألة: الباء للالصاق ولا تدل على التبعيض [بحال وقالت الشافعية في أحد الوجهين تفيد التبعيض وهو قول الحنفية] 1 إذا دخلت على فعل متعد يتعدى بدونها2 قال الجوينى هذا خلف من الكلام وقد اشتد نكير ابن جنى في كتاب [سر الصناعة] على من قال ذلك ذكره القاضيان والذي أختاره [الرازى3] افادتها التبعيض] . فصل: [فى ذكر عدة من الحروف ذكرها ابن برهان في اللغات قبل مسألة الواو وفى الثاني وفى أوائل المسائل الخلافيات ذكر بعضها والرازي في الباب الثامن من اللغات وأبو الخطاب في أوائله في باب مفرد والقاضي في أوائل الكفاية] .   1 ما بين المعقوفين ساقط من ا. 2 في أصل ا "يدفعها" وكتب في هامشها "لعله يرفعها" وكلاهما خطأ. 3 كلمة "الرازي" لا توجد في ا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 356 مسألة: إلى لانتهاء الغاية ولا تدخل الغاية وإن كانت محصورة فيما قبلها إلا بدليل كقوله: "لي الخيار إلى الليل أو الغد" وكذلك قوله: {إِلَى الْمَرَافِقِ} 1 إنما دخلت المرافق فيه بدليل آخر وهذا مذهب الشافعي ولنا رواية أخرى تدل على أن الغاية المحصورة تدخل وهو قول بعض الحنفية وقيل إن كانت الغاية من جنس المحدود دخلت فيه وإلا فلا مثال الأول آية   1 من الآية "6" من سورة المائدة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 356 المرافق فإنها من اليد ومثال الثاني: {إِلَى اللَّيْلِ} 1 وإلى الغد وهذا القول اختيار أبي بكر عبد العزيز ذكره في وضوء التنبيه وكذلك قال القاضي في ضمن مسألة ادخال المرافق في الوضوء قال قال أهل اللغة انها إذا دخلت على جنس واحد فانها تكون لاسقاط ما عداها كقوله جبت البلاد2 حتى الكوفة وأكلت السمكة حتى رأسها وكآية الوضوء وإذا دخلت على جنسين لم يجب ذلك فيها كقوله: {ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ} 1.   1 من الآية "187" من سورة البقرة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 357 ذكر مسائل المفهوم مفصلة مسألة: الحكم إذا علق بشرط دل على انتفائه فيما عداه إلا أن يدل دليل على تعلقه بشرط آخر يقوم مقامه في تعلق الحكم به فاذا انتفى الشرطان انتفى الحكم ولو قدرنا أنه دل دليل على ثبوت الحكم بكل حال علمنا أنه ليس بشرط وإن اللفظ تجوز به وبهذا قال جل الشافعية وأكثر المتكلمين والكرخي وهو نص الشافعي وقال أبو عبد الله البصرى وعبد الجبار ابن أحمد لا يدل على أن ما عدا الشرط بخلافه هذا نقل أبي الخطاب [وتحريره] 1 وقال الجوينى وغلا غالون برد مفهوم الشرط طردا لمذهبهم ولم يسمهم والأول اختيار الرازي وذكر أن الثاني2 قول ابن الباقلاني وأكثر المعتزلة قال ابن عقيل وأما أصحاب أبي حنيفة فقالوا المفهوم ليس بحجة ثم اختلفوا إذا علق الحكم بشرط فقال الجرجاني لا يدل على أن ما عداه بخلافه وقال قوم يدل على أن ما عداه بخلافه وقال قوم منهم إن علق بغاية دل على أن ما عدا الغاية بخلاف ما قبلها.   1هذه الكلمة ساقطة من ا. 2 في ا "وذكر أنه قول ابن الباقلاني – إلخ" فتختلف نسبة الأقوال. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 357 [شيخنا] فصل1: اذا علق الحكم على صفة في جنس كقوله: "في سائمة الغنم الزكاة" دل على نفيه عما عداها في ذلك الجنس دون بقية الحيوان في قول بعض أصحابنا وبه قال بعض الشافعية قال القاضي في مقدمة المجرد وقوله في سائمة الغنم الزكاة يقتضي سقوط الزكاة عن معلوفة [الغنم فحسب ولا يقتضي سقوط الزكاة عن معلوفة] 2 الحيوان كله وفيه وجه آخر قال القاضي وهو ظاهر كلام أحمد أنه يدل على نفيه عما عدا السائمة في سائر الحيوان وهو قول بعض الشافعية هذا نقل الحلواني وحكى القاضي عن القائلين بمفهوم الاسم العلم هذين القولين وقولا ثالثا نفيها أعنى الزكاة عن سائر الأشياء غير المذكورة قال ابن عقيل كذلك نقول لو لم يرد نطق يخص الابل والبقر فبعد النص صار يعم سقوط الزكاة في غير السائمة من كل نوع ومعنى القول الثاني أنها تجب في سائمة الأزواج الثمانية دون معلوفتها وكذلك القاضي ذكرها في العدة على قولين وردد الكلام في القول الثالث.   1 في هامش اهنا "بلغ مقابلة على أصله". 2 ما بين المعقوفين ساقط من ب انتقال نظر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 358 مسألة: في مفهوم الغاية إذا علق الحكم بغاية وحد منع بظاهرهما ثبوت الحكم بعدهما ذكره أبو الخطاب واستدل1 عليه ولم يذكر مخالفا لكنه ذكر خلافا2 وجوابه وأنكره بعض منكرى المفهوم.   1 في ب "ودل عليه". 2 في ب "لكنه ذكر دخلا وجوابه". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 358 مسألة: الحكم إذا علق بعدد دل على أن ما عداه بخلافه وبه قال مالك والشافعى فيما ذكره الجوينى وداود وبعض الشافعية وقالت الحنفية الجزء: 1 ¦ الصفحة: 358 والمعتزلة والاشعرية وجل الشافعية وابن داود لا يدل على أن ما عداه بخلافه] 1 هذا نقل أبي الخطاب والمقدسي وقال القاضي في الجزء الذي صنفه فأما ما علق على عين أو اسم أو عدد فتعليقه باسم نحو قوله: "في الغنم الزكاة" هل يكون دلالة على أن البقر لا زكاة فيها وتعليقة بالعدد نحو قوله: "في أربعين شاة شاة" هل يكون دلالة على أن ما دونها لا زكاة فيها وتعليقه بالعين نحو قوله في الغنم زكاة هل يكون دلالة على أن البقر لا زكاة فيها فهو على خلاف بين القائلين بدليل الخطاب قال وعندى أنه لا يدل على المخالفة. قلت وظاهر كلام القاضي في الادلة يدل على قوله بجميع أقسام المفهوم من اللقب وغيره ثم أنه في دليل الخصم احتج له بمفهوم العدد والاسم العلم وذكر في الجواب أن القائلين بمفهوم الصفة اختلفوا في هذا فمنهم من قال بالمفهوم في الجميع ومنهم من ألحق بالصفة ونفى مفهوم اللقب. [والد شيخنا] فصل: دليل الخطاب معتبر2 إذا كان المنطوق اسم جنس كقوله: "مطل الغنى ظلم" "وتربتها طهور ا" {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً} 3 وهنا يتوجه قول أصحابنا بمفهوم اللقب فأما إن كان اسم عين مثل قولنا جاء زيد الطويل أو جاء عمرو فكلام القاضي يقتضي التسوية بين جميع المواضع ويقع [لى4] الفرق فإن الأعراض تتعلق بالاعيان على وجه يستوى جميعها فيه ومثل هذا لا يكاد يقع في الخطاب الشرعى لأنه إنما يجىء عاما لا مشخصا.   1 ما بين المعقوفين ساقط من ا. 2 في ا "يعتبر". 3 من الآية "43" من سورة النساء. 4 كلمة "لي" ساقطة من ا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 359 مسألة: فإن علقه على اسم ليس بصفة دل على أن ماعداه بخلافه نص عليه وبه قال [1أكثر المتكلمين والاشعري في نقل الرازي وبعض الشافعية وهوأبوبكر الدقاق وغيره ذكره الجوينى والفخر الرازى وبه قال مالك وداود وقال أكثر الفقهاء والمتكلمين لا يدل هذا نقل أبي الخطاب وهو نص الشافعي ذكره الجوينى والثاني قول القاضي أبي يعلى ذكره في الجزء الذي صنفه.   1 ما بين المعقوفين ساقط من ا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 360 مسألة: فإن علق بصفة دل على أن ما عداها بخلافه نص عليه وبه قال الشافعي وأكثر أصحابه وحكاه القاضي في جزئه عن أبي عمرو بن العلاء وثعلب وأبى عبيد قال وحكى يعنى أبا عبيد عن العرب القول به وقال أصحاب أبي حنيفة وأكثر المتكلمين والأشعري في نقل الرازي وابن الباقلاني وأبو الحسن التميمي صاحبنا لا يدل على ذلك وحكى القاضي كالاول أعنى منصوص أحمد عن داود وأبى ثور وأبى الفرج المالكي [وكالثاني1] عن محمد بن داود والقاشاني وقال الجوينى إن كانت الصفة مناسبة للحكم دل على أن ما عداها بخلافه كقوله: "لي الواجد ظلم" و "في سائمة الغنم الزكاة" وإن لم تكن مناسبة للحكم لم يدل على ذلك كمفهوم اللقب وما ليس بمشتق والذي اختاره من أنواع المكان مفهوم الشرط والغاية والصفة المناسبة دون ما سوى ذلك وجعل العدد من قسم الصفات وظاهر كلام القاضي يعطي أن اختياره كالجوينى ولهذه المسألة صورتان إحداهما أن يذكر مع الصفة الموصوف العام كقوله في سائمة الغنم أو في الغنم السائمة الزكاة وكقوله من باع نخلا مؤبرا الحديث والصورة الثانية أن تفرد الصفة بالذكر كقوله الثيب أحق   1هذه الكلمة ساقطة من ا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 360 فصل: مسألة: إذا كان المنطوق خارجا على الأعم الأغلب فلا مفهوم له في جانب المسكوت هذا نص الشافعي ومذهبنا ذكره فخر الدين صاحب المنى في مسألة القتتين من طريقته1 وقال الجوينى بل له مفهوم في المواضع التي قال فيها. بالمفهوم ترجيحا لما أشعر به [اللفظ] على القرينة العرفية ولكن يظهر أن ذلك من مسالك التأويل فيخفف2 على المتأول ما يبذله من الدليل العاضد3. فصل: واعلم أن دلالة المفهوم في كونها ظاهرة كدلالة العموم في أنه يجوز تركها بما يجوز به ترك العموم [لكنه] 4 إذا ترك كله كان بمنزلة التخصيص أيضا لا بمنزلة تعليل العموم لأن اللفظ قد أفاد حكمه في منطوقه ومفهومه فصار المفهوم بعض ما أفاده الكلام فصار كبعض العموم ومثله ابن عقيل بترك العموم والظواهر وقال جمهور العلماء بسقوطه5 بمعنى الخطاب إلا ما شذ من المذاهب يعني بمعنى القياس المنبه على علته. فصل: 6 [قال ابن عقيل ذكر أصحابنا عن أحمد أنه جعل الفعل دليلا وأخذه من مسألة الصلاة على القبر وأحال هو ذلك وجوز7 أن يكون المستند استصحاب الحال وبسط القول وسلم الدلالة إذا تكرر الفعل والترك بكلام] 6.   1 في ب "من طريق". 2 في ا "فتحقق". 3 في ب "من الدليل الفاصل". 4 هذه الكلمة ساقطة من ب. 5 في ب "بسقطونه". 6 ساقط من د هنا". 7 في ب "وحول" تحريف. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 362 مسألة: وقوله: "تحريمها التكبير وتحليلها التسليم" يقتضى الحصر وليس من قبيل المفهوم المسكوت عنه عند المحققين وجعله قوم من أصحاب أبي حنيفة من قبيل المسكوت عنه ولم يروه حجة في الحصر وكذلك قوله: "الشفعة فيما لم يقسم" و "الأعمال بالنية" ونحو ذلك ووجه القول بالحصر1 دلالة التعريف بالألف واللام على الجنس وقد سبق وقد اختار الجوينى2 ذلك لكنه جعله قسمين أحدهما ما فيه الألف واللام وعلله بما ذكرنا والثاني المضاف كقوله تحريمها وصديقى زيد وتكلف له بمسلكين3 أحدهما نقلي والآخر معنوي وغفل عن كون التعريف بالاضافة كهو بالالف واللام.   1 في ب "بالحظر" تحريف. 2 في ا "وقد أحاز الجويني". 3 في ا "بمسألتين" تحريف. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 363 مسألة: ويلتحق1 بهذا القسم عندى قوله الماء من الماء وكذلك ذكر أبو محمد هذا في باب [المنطوق دون] المفهوم وقد ذكره ابن عقيل حجة له في مسألة المفهوم وبين أن دلالته2 على أن لا غسل من غير الماء من باب دليل الخطاب لا من باب نطقه وإن الصحابة إنما احتجوا بدليله. فصل: قال القاضي فإن علق بصفة غير مقصودة مثل قوله: {لَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً وَمَتِّعُوهُنَّ} 3 فلا دلالة لأن الصفة لم تذكر لتعليق الحكم بها وإنما قصد بها رفع الجناح عمن طلق قبل   1 في ا "ويلحق". 2 في ا "وبين أن الأدلة على أن لا غسل – إلخ". 3 من الآية "236" من سورة البقرة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 363 المسيس وايجاب المتعة على وجه التبع فصار كأنه مذكور ابتداء من غير تعليق على صفة [وقد صدر المسألة إذا علق حكم بصفة قصد بذكرها تعليق الحكم بها أو عدد اقتضى ذلك تعلق الحكم بالصفة1] . فصل: قلت إذا كان المفهوم في كلام المحدث مثل قول جابر قضى بالشفعة فيما لم يقسم وقول ابن مسعود رخص لنا في اللهو عند العرس فهذا إن كان المحكى قول رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي له مفهوم حجة وإلا فليس بحجة مثل أن يكون قد وجد من النبي صلى الله عليه وسلم قضاء في عقار مشاع أو استفتى في لهو العرس فأذن فيه. [والد شيخنا] فصل: اذا خص أحد النوعين بالذكر فقد يفهم تخصيصه بالحكم من وجوه أحدها من نفس التخصيص وهى الطريقة المشهورة والثاني من تعلق الحكم بالمعنى المفهوم من الأسم وكونه علة له أو سببا اما مناسبا أو غير مناسب على وجهين فينتفى الحكم المذكور في المسكوت عنه لانتفاء العلة والثالث أن يكون ذلك الحكم متضمنا مدحا أو ذما أو خارجا مخرج وجه من الوجوه التي لا تصلح للقسم المسكوت عنه كقوله: {كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ} 2 دل على أن الحجاب عذاب فمن لا يعذب لا يحجب ولو كان الجميع محجوبين لم يكن عذابا الرابع أن يكون الحال أو اللفظ يوجب عموم المذكور لو كان الحكم عاما فتخصيص البعض بالذكر مع قيام المقتضى للبعض الآخر دليل على انتفاء الحكم فيه كقوله: {وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا} 3 وقوله   1 ساقط من د. 2 من الآية "15" من سورة المطففين. 3 من الآية "70" من سورة الاسراء. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 364 {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ} إلى قوله: {وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ} 1 وله وجوه أخرى كما أن له وجها تبين أن التخصيص بالذكر لم يكن لتخصيصه بالحكم بل لاسباب أخر فإن هذا الفصل كثير التفرع والاشعاب ومأخذ التعليل طريقة الجوينى ومأخذ التخصيص بعد التعميم طريقة الكيا فإن ذكر الخاص مع العام يمنع من العموم لا ترك للعموم كما إذا ألحق العام بشرط أو استثناء أو صفة أو بدل أو غاية فهى مسألة2 الاستثناء بل الصفة المخصوصة3 جزء من سبب دخول المذكور ومانع من دخول غيره والشيء الواحد يكون سببا لشيء ومانعا لغيره. فصل: الغاية ليس لها مفهوم موافقة قال ابن عقيل لا يحسن أن يصرح بأن ما بعد الغاية بمنزلة ما قبلها مثل أن يقول: "اضربه حتى يتوب وبعد التوبة"4.   1 من الآية "18" من سورة الحج. 2 في ب "فهي متصلة الاستثناء" تحريف. 3 في ب "بل الصفة المخصصة". 4 بهامش اهنا "بلغ مقابلة على أصله". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 365 كتاب القياس مسألة: القياس العقلي حجة يجب العمل به ويجب النظر والاستدلال به بعد ورود الشرع ولا يجوز التقليد فيه وقد نقل عن أحمد الاحتجاج بدلائل العقول وبهذا قال جماعة الفقهاء والمتكلمين من أهل الاثبات وذهبت المعتزلة إلى وجوب النظر والاستدلال بالعقل قبل الشرع ولما ورد1 به كان تأكيدا وذهب قوم من أهل الحديث وأهل الظاهر فيما ذكره ابن عقيل إلى أن حجج المعقول باطلة والنظر فيها حرام والتقليد واجب2.   1 في ا "وما ورد به كان تأكيدا". 2 في ب "والتقليد الواجب". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 365 فصل: قال قوم القياس إنما يجوز ويثبت في الاحكام دون الحقائق ذكروا هذا في قولهم1 في اثبات حياة الشعر انه جز من الحيوان2 متصل به اتصال خلقته فلم يفارق الحيوان في نجاسته بالموت كالاعضاء قالوا والدليل على أنه تحله الحياة أنه ينمى بالحياة وينقطع نماؤه بالموت قالوا وهذا من باب الاستدلال على الحياة بخصائها لا من باب اثبات الحياة بالقياس لأن القياس إنما يجوز في الاحكام لا في اثبات الحقائق كما يستدل بالحركة الاختيارية3 على الحياة. قلت هذا الكلام لا طائل تحته بل القياس قياس التأصيل والتعليل [والتمثيل يجرى في كل شىء] 4 وعمدة الطب ومبناه على القياس وإنما هو لاثبات صفات الأجسام5 وكذلك عامة أمور الناس في عرفهم مبناها على القياس في الأعيان والصفات والافعال ومتى ثبت أن الأمر الفلاني معلل بكذا ثبت وجوده حيث وجدت العلة سواء كان عينا أو صفة أو حكما أو فعلا وكذلك إذا ثبت أن لا فارق بين هذين إلا كذا ولا تأثير له في الأمر الفلاني ثم هو منقسم إلى مقطوع ومظنون كالقياس في الأحكام ثم أى فرق بين القياس في خلق الله أو في أمر الله نعم قد يمنع من القياس الظنى حيث لا يحتاج إليه في الحقائق أما مع الحاجة إليه وقولهم استدلال على الحياة بخصيصتها هو عين القياس فإن العلم بكون النماء والحركة الاختيارية مختصا بالحياة أى مستلزما لها إما أن يكون بتعليل أو باطراد العادة وهو عين القياس فإن القياس يستدل به على الحكم في الفرع   1 في ا "عن قوم" ولعل أصله "عند قوم – إلخ". 2 في ا "جزء من الشعر" خطأ. 3 في ا "الاحتضارية" تحريف. 4 ساقط من ا. 5 في ب "لإثبات الأحكام" خطأ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 366 بخصيصته التي هى العلة أو دليلها وهو القدر المشترك بين الفرع والاصل بنفي كون ذلك الوصف حصل1 إما بتعليل أو بتمثيل أو غير ذلك ومن العمل في القياس قول النبي صلى الله عليه وسلم للذى أراد الانتفاء من ولده لمخالفة لونه لعلة نزعه عرق وهذا قياس لجواز مخالفة لون الولد للوالد في أحد نوعى الحيوان على النوع الأخر وقياس في [الطبيعات لأن الأصل] 2 ليس فيه نسب3 حتى يقال قياس في اثبات النسب.   1 في ب "كون ذلك الوصف خصيصة". 2 ساقط من ا. 3 في ا "ليس فيه السبب" تحريف. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 367 مسألة: القياس الشرعى يجوز التعبد به1 وإثبات الاحكام به عقلا وشرعا نص عليه صريحا في مواضع عدة وهو قول أكثر الفقهاء والمتكلمين وقال قوم لا يجوز ذلك منهم داود الأصفهاني والنهراوني والمعرى والقاشاني والامامية والزيدية من الشيعة ثم اختلفوا فمنهم من قال لم يقم دليل من الشرع بجواز ذلك ومنهم من قال بل قام دليل المنع منه وقد قال أحمد في رواية الميموني يجتنب المتكم في الفقه هذين الأصلين المجمل والقياس وهذا محمول: "وقد حمله القاضي وابن عقيل" على القياس في معارضة السنة وقد صرح بذلك في رواية أبي الحارث فقال ما تصنع بالرأى والقياس وفي الحديث ما يغنيك عنه وقال في رواية الميموني سألت الشافعي عن القياس فقال عند الضرورة وأعجبه ذلك وذهب قوم من المعتزلة البغداديين إلى جواز التعبد به شرعا لا عقلا هكذا في كتب أصحابنا وكان صوابه أنه لا يمتنع شرعا والذي حكاه ابن عقيل عن منكري القياس من المعتزلة البغداديين مثل النظام والجعفرين2   1 في ب "التقيد به" تصحيف. 2 في ب "والجعفرين صوبه ابن مبشر والإسكافي" ولا نرى لهذه الزيادة محلا هنا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 367 والإسكافي والشيعة قالوا أنه محال من جهة العقل وردوا التعبد بالقياس في الأحكام وقد ورد الشرع بحظره ومنعه وذهب داود وابنه ومن صار إلى قولهما أنه قد كان جائزا من جهة العقل ورود التعبد به لكن لم يرد بذلك شرع وإنما ورد بحظره ومنعه 1 [مثل أبي يحيى الاسكافي وجعفر ابن مبشر وجعفر بن حرب والنظام وحكاه القاضي والحلواني وكذلك حكى أبو الخطاب عن هؤلاء إلا النظام على ماسيأتي وذهبت الزيدية إلى المنع منه عقلا وشرعا وكذلك صرح به أبو الخطاب عن النظام وداود وأهل الظاهر كالقاشاني والمعري والنهرواني وغيرهما قال وقد أومأ إليه أحمد فقال يجتنب المتكلم في الفقه هذين الأصلين المجمل والقياس وقد تأوله شيخنا على استعمال القياس مع وجود السنة والظاهر خلافه] وحكى ابن عقيل عن المحيلين له عقلا وشرعا في وجه الاحالة العقلية تعذر معرفة الاحكام من جهته لانها مبنية على المصالح التي لا يعلمها إلا الله والعلل الشرعية فاسدة يستحيل أن تكون علما وقيل لأنه يؤدى إلى تضاد الاحكام وهو ممتنع وقيل لأنه اقتصار على أدنى البيانين مع القدرة على أعلاهما وهو النص. وترتيب هذه الاقوال أنه اما أن لا يكون دليلا ولا أمارة على حكم الله وهو وإن دل [فيدل2 دلالة متعارضة لمشابهة الحادث لأصلين على السواء أو أنه وإن دل] 2 فلا معارض3 مقاوم فهو بيان ضعيف مع القدرة على البيان القوى. قلت المانعون سمعا اما أن يقولوا نصوص الكتاب والسنة قد نفت وأثبتت فلا أثر للقياس كما يقوله ابن حزم وغيره أو يقولوا بل حرمت القول بالقياس أو يقولوا بقول المعصوم وادعى ابن عقيل التواتر المعنوي عن الصحابة في مسألة القياس فهى قطعية قال على أن أصول الفقه لا تطلب لها القطعيات4   1 ما بين هذين المعقوفين ساقط من د ونرى أن أكثره مكرر مع ما سبق. 2 ما بين هذين المعقوفين ساقط من ا. 3 في ا "فلا يعارض مقام". 4 في ا "لا نطلب لها القياس". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 368 لأنها إلى الأحكام اقرب وعن أصول الدين أبعد ولهذا لا نفسق المخالف فيها ولا نبدعه. [شيخنا] فصل1: اتباع القياس وجب بالشرع عند القائلين به وهل يجب بالعقل قال أبو الخطاب ثبت بالعقل أيضا وبالنقل. قال ابن عقيل واختلف المحيلون لورود التعبد به من جهة العقل في وجه احالة ذلك وعلته فقال بعضهم إنما استحال ذلك لأنه لا يمكن معرفة الاحكام من جهته لأنها مبنية على المصالح التي لا تدرك به ولا بأمارة مؤدية2 إلى غلبة الظن وقال بعضهم لأن في القول به ما يقتضى وجوب الحكم بالمضاد3 الممتنع وقال بعضهم لأنه اقتصار على أدنى البيانين مع القدرة على أعلاهما وهو النص وذلك محال في صفته وحكمته. قلت الأولون تارة يقولون لا يفيد غلبة الظن وتارة يقولون غلبة الظن لا تعرف الحكم. فصل: في حد القياس الشرعى زيف الفخر إسماعيل حد ابن الباقلاني الذي يقول فيه حمل معلوم على معلوم.   1 هذا الفصل والذي بعده ساقط من د هنا. 2 في ب "بأمارة تؤديه". 3 في ا "بالمتضاد الممتنع". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 369 فصل: هل يجوز الحكم بالقياس قبل الطلب التام للنصوص [1هذه المسألة لها ثلاث صور أحداها الحكم به قبل طلبه من النصوص المعروفة1] وهذا لا يجوز بلا تردد الثانية الحكم به قبل طلب نصوص لا يعرفها مع رجاء الوجود لو طلبها فهذه طريقة الحنفية يقتضي جوازه ومذهب الشافعي وأحمد وفقهاء الحديث أمه لا يجوز ولهذا جعلوا القياس بمنزلة التيمم وهم لا يجيزون التيمم إلا إذا غلب على الظن عدم الماء [فكذا النص] وهو معنى قول أحمد ما تصنع بالقياس وفى الحديث ما يغنيك عنه وهذه المسألة هى الام في الفرق بين أهل الحديث وأهل الرأى لكن يتفاوت أهل الحديث في طلب النصوص وطلب الحكم منها وهذه المسألة تشبه جواز الاجتهاد بحضور النبي صلى الله عليه وسلم وفيها لاصحابنا وجهان مع أن قول الحنفية هناك انه لا يجوز لكن قد يقولون وجود النبي صلى الله عليه وسلم بمنزلة وجود النص الثالثة إذا أيس2 من الظفر بنص بحيث يغلب على ظنه عدمه فهنا يجوز بلا تردد. [شيخنا] فصل: قال أبو الخطاب القياس مأمور به بمعنى أن الله بعثنا عليه بالادلة وبمعنى أنه مأمور به بصيغة أفعل وهو دين أيضا وقال أبو الهذيل العلاف لا يطلق عليه اسم الدين. [شيخنا] فصل: ذكر ابن عقيل هل الأصل في القياس الشرعى النص أو حكم النص وأيهما يقع الإستناد3 إليه اختلف أهل الأصول في ذلك فقال قوم الأصل النص   1 ما بين هذين المعقوفين ساقط من اوواضح أن الكلام لا يتم - بل لا يظهر – بدونه. 2 في ب "إذا أنس" تحريف. 3 في د "الإسناد إليه". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 370 والنطق وقال قوم الحكم قال ابن عقيل والذي أختاره أن الاقرب هو المستند والاصل هو حكم النص وعلته. قلت الأصل في القياس يقع على النص وعلى الحكم وعلى العلة وعلى المحل والمحل قد يكون العقل وقد يكون العين. [شيخنا] فصل: قال أبو الخطاب من نزلت به حادثة وكان فيها قاضيا أو مفتيا أو مجتهدا لنفسه وضاق عليه الوقت وجب عليه أن يقيس وينظر وإذا لم يضق عليه الوقت استحب له ذلك والواجب والمستحب من الدين. قلت هذه مسألة كبيرة وقد نص أحمد على وجوبه على الإمام والحاكم وهى متعلقة بالإجتهاد في المسائل قبل1 حدوثها وفيه عن الصحابة آثار معروفة. [شيخنا] فصل: الكلام في القياس في صحته ودلالته ثم في وجوب أتباعه واعتقاد مدلوله فإن الكلام في كون الشىء يفيد الإعتقاد علما أو ظنا غير الكلام في الاستدلال به واعتقاد موجبه ثم اما أن يقال كلاهما ثبت بالشرع فقط أو بالعقل أيضا أو أحدهما بأحدهما فالاول قول ابن عقيل إن صحته ووجوب العمل به إنما ثبت بالشرع فقط وهذا قول المعممة في التصويب2 إذ ليس للادلة عندهم صفة تدل بها في الظنيات والثاني وهو أن يقال كلاهما ثبت بالعقل فهذا قد يقوله من يقول بالإجاب العقلي وأما الثالث وهو أن صحته ودلالته قد تعلم بالعقل ثم تعلم بالسمع أو ما ظهر به وجب اتباعه فهذا أشبه بقول أكثر أصحابنا الذين يجعلون   1 في د "قبل وقوعها" والعبارتان بمعنى واحد. 2 أي الذين يقولون: كل مجتهد مصيب بعد أن يجهد جهده ويبذل وسعه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 371 المصيب واحدا ولا ايجاب إلا بالشرع فانا نعلم بعقولنا أن النظر في علة الأصل وما دل عليها يغلب على الظن أن الفرع عند الشارع بمنزلتها بعل بعض الأحيان يكون الظني اضطراريا [كما يكون العلم اضطراريا] ثم نعلم بالسمع أن مثل هذا يعتقد به الحكم كما أن ظهور صدق العدل المخبر والشاهدين يعلم بالعقل ثم كون هذا التصديق موجبا للعمل يعلم بالسمع فإن العقل قد يعرف الادلة ويعلم بالنظر فيها حصول اعتقاده كما قيل في معرفة الله تعالى ثم وجوب النظر والاعتقاد سمعي ثم قد يقال هنا قد دلت الادلة الشرعية العامة أن ما ظهر من أحكام الله ورسوله وجب اتباعه عموما فانه إذا استفدنا بالنظر فيها اعتقادا قويا أن هذا حكم الله من غير معارض مقاوم فقد علم بالادلة السمعية وجوب اتباع مثل ذلك وعلى هذا فالقول في القياس الشرعى كالقول في القياس العقلى وحصول الإعتقاد به لا يتوقف على ما يدل من جهة الشرع على صحة القياس وأما وجوب النظر فيه أو الإعتقاد به فبالشرع وعلى قول ابن عقيل فالعلل الشرعية أمارات مجعولة1 لمن يقيس الحكم لصفة هو عليها وقد صرح بذلك في غير موضع وأما على القول الأول2 فانها لصفات هى عليها. قال القاضي في كتاب القولين القياس الشرعي قد نص أحمد في مواضع على أنه حجة تعلق الاحكام عليه فقال في رواية محمد بن الحكم لا يستغنى أحد عن القياس وعلى الإمام والحاكم يرد عليه الأمر أن يجمع له الناس ويقيس [وكذلك3 نقل الحسين بن حسان القياس هو أن يقيس3] على أصل إذا كان مثله في كل أحواله وكذلك نقل أحمد بن القاسم لا يجوز بيع الحديد والرصاص متفاضلا قياسا على الذهب والفضة قال وحكى شيخنا أبو عبد الله أن   1 في ا "محفوظة" وليس بذلك. 2 في ب "القول الأخير" ولعل أصله "الآخر" بفتح الخاء. 3 ما بين هذين المعقوفين ساقط من ا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 372 من أصحابنا من قال ليس بحجة قال لأن أحمد قال في رواية الميموني يجتنب المتكلم في الفقه هاتين الخصلتين المجمل والقياس وكذلك نقل أبو الحارث عنه وقد ذكر أهل الرأى وردهم للحديث فقال ما تصنع بالرأى والقياس وفى الأثر ما يغنيك عنه وهذا لا يدل على أنه ليس بحجة وإنما يدل على أنه لا يجوز استعماله مع النص ولا يعارض الأخبار إذا كانت خاصة أو منصوصة وليس هذا بمذهب فيشتغل بتوجيهه1. قلت بل هو مذهب من يقدم خبر الواحد على القياس فهذا القاضي جعل في اتباع الظواهر من غير اتباع دلالته روايتين ولم يجعل في القياس خلافا وابن حامد وأبو الخطاب وغيرهما بالعكس فيصير في الظواهر والمعاني أربعة أقوال. فصل: في معنى الفرع والاصل والعلة. فصل: الحكم الثابت في الفرع تارة يكون مثل حكم الأصل مطلقا فهذا ظاهر وتارة يثبت جنس حكم الأصل لا نوعه الخاص وتارة نوع الحكم لكن ثبوتا مطلقا لا عاما كالصلاة الثابت وجوب ذكر ما والمقصود إنما يتم بوجوب عين التسمية وأما الثاني والثالث فهو التعليل لجنس الحكم أو لجوازه الذي يقال فيه لا ينتقض بأعيان المسائل فهذه الاقيسة يستعملها القاضي وغيره ومن الناس من يمنعها ومن الناس من أثبت القياس لاثبات مطلق الحكم أو جوازه ومنع القياس الأول الذي اشتركا فيه في جنس الحكم وهو قول ابن الباقلاني وفى   1 في ا "فيعمل بموجبه". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 373 الروضة أن هذا القول أو الذي قبله وكذلك ذكر القاضي في الأصول المبطلة للقياس أن لا يتعدى حكم الأصل إلى الفرع ومثله بقول الحنفية: "يضم الذهب إلى الورق لانهما قيم المتلفات فوجب ضم أحدهما إلى الآخر كالصحاح والمكسرة والضم في الأصل بالاجزاء وفى الفرع بالقيمة عندهم ولا يجوز أن تثبت في الفرع غير حكم الأصل لأن علة الأصل تتعدى إلى الفرع فيتعدى بها الحكم المتعلق بها ثم لما نصر [جواز] قلب التسوية لقوله فوجب أن يستوى حكم الابتياع والاقرار كالمختار قال فعلى هذا يجوز قياس أصحاب أبي حنيف لانهما مالان من جنس الاثمان فوجب ضم أحدهما إلى الآخر كالصحاح والمكسرة ومن قال لا يصح هذا القلب لا يجيز هذا القياس لانهما ختلفان فصار له قولان والجواز قول الحنفية فيهما والمنع ذكره عن بعض أصحاب الشافعى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 374 مسألة: يجوز أن تثبت الاحكام كلها بتنصيص من الشارع ذكر هـ أبو الخطاب وابن عقيل وغيرهما وكان بعض الناس لا يجوزه ولا يجوز أن تثبت جميعها بالقياس لأنه لا بد له من أصل منصوص عليه في الجملة سواء قلنا إن الاحكام لا تعلم إلا بالشرع أو جوزنا1 معرفتها بالعقل فانه لا يجوز التعبد بالقياس في جميع الشرعيات2.   1 في ب "أو جواز" تحريف. 2 في هامش اهنا "بلغ مقابلة على أصله". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 374 مسألة: ذكر القاضي في قياس علة الشبه وهو عنده القياس الخفي والواضح ما وجد معنى الأصل في الفرع بكماله كالارز على البر على روايتين احداهما صحته وأنه قول الشافعية ونقلوه عنه والثانية فساده والقياس ما وجد في الفرع أوصاف الأصل بكماله أما إذا وجد بعضها في الفرع لم يكن قياسا وأنه قول الحنفية ومثله بأن يتجاذب الحادثة أصلان لكل واحد منهما أوصاف الجزء: 1 ¦ الصفحة: 374 خمسة والحادث لا يجمع الخمسة بل بعضها فيلحق بأكثرهما شبها وبسط القول في ذلك وفى مثل ذلك نص الشافعي وقال أبو إسحاق المروذي في قياس الشبه ليس بحجة كالحنفية واختاره ابن الباقلاني وأفرد الجويني فصلا ببيان صورته ثم فصلا في كونه حجة وحكى المقدسي للشافعى قولين ولنا الروايتين وزعم أن اختيار القاضي أنه لا يصح. [شيخنا] فصل: قال القاضي المتردد بين الأصلين يجب الحاقه بأحد الأصلين وهو أشبههما به وأقربهما إليه والحاق الوارث بالاقرار أشبه لأنه لا يشترط1 فيه العدالة ولا يشترط له لفظ الشهادة ولا مجلس الحكم قاله جوابا للحنفية لما قالوا انه يشبه الشهادة من حيث حمل النسب على الاب ويشبه الاقرار من حيث ثبتت المشاركة فيما في يده فأعطيناه حكم الأصلين فاشترطنا فيه العدد كالشهادة ولم نشترط فيه الحرية كالاقرار. قلت هذه طريقة الشبهين يعتبرها الحنفية وينكرها كثر من الشافعية وأصحابنا كما ذكرت عن القاضي وكذلك ابن ابنه ثم إن القاضي سلك طريقة الشبهين كما حكى عن الحنفية ف تعليل احدى الروايتين في أنه إذا أقر ابنان بنسب أو دين لم يعتبر لفظ الشهادة ولا العدالة. [شيخنا] فصل: قلت من قال قياس علة الشبه كما فسره القاضي حجة فلا كلام لكن يرد عليه التسوية بين الشيئين في الحكم مع العلم بافتراقها2 في بعض   1 في ا "يشترط فيه العدالة" وليس بشيء. 2 في ا "باقترانهما" تصحيف. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 375 الصفات1 المؤثرة وإنما فعلوه لضرورة الحاق الفرع بأحد الأصلين فألحقوه بالاشبه به كما تفعل القافة بالولد2 ومن قال ليس بحجة فقد يحكم فيه بحكم ثالث مأخوذ من الأصلين وهو طريقة الشبهين فيعطيه بعض حكم هذا وبعض حكم هذا كما فعله أحمد في ملك العبد وكذلك مالك وهذا كثير ى مذهب مالك وأحمد مثل تعلق الزكاة بالعين أو بالذمة والوقف هل هو ملك لله تعالى أو للموقوف عليه ونحو ذلك وطريقة الشبهين ينكرها كثير من أصحاب الشافعي3 وأحمد وهو مقتضى قول من يقول بغلبة الإشتباه ويعتبر للحادثة أصلا معينا ومن لم يقل به فقد يقول بها والاشبه أنه إن أمكن استعمال الشبهين وإلا ألحق بأشبههما [به] فإن القائلين بالاشبه كالقاضي سلموا أن العلة لم توجد4 في الفرع وأنه حكم بغير قياس بل بأنه أشبه بهذا الأصل من سائر الأصول كما أن في طريقه الشبهين ليس أحدهما هو الأصل. فصل: وقياس المعنى أولى من قياس الشبه.   1 في ا "بعض القضيات" تحريف. 2 في ب "العامة بالولد". 3 في ا "أكثر أصحاب الشافعي". 4 في ا "وأن العلة توجد في الفرع" خطأ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 376 مسألة: العلة التي يشهد لها أصول متعددة أولى من ذات الأصل الواحد خلافا لبعض الشافعية ومثله القاضي بالمبتوتة بدون الثلاث إذا تزوجت من أصابها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 376 مسألة: والعلة التي أصلها من جنس الفرع أولى من التي أصلها من غير جنسه كالحاق بيع الغائب بالسلم من غير صفة وبقوله له بعتك عبدا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 376 أولى من قياسه على النكاح وبهذا قال الكرخي وأكثر الشافعية خلافا لمن منع من ذلك. فصل: والعلة التي عضدها قول صحابي أو خبر مرسل أولى من المخالفة لها ذكره أبو الطيب مع كون المرسل وقول الصحابي ليسا بحجة عنده ومثله أبو الخطاب بقول الصحابي وكذلك ابن عقيل1.   1 في هامش اهنا "بلغ مقابلة على أصله". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 377 مسألة: قال ابن برهان لا يجوز القياس والإلحاق إلا بعلة مناسبة أو شبه يغلب على الظن عند أصحابنا وأكثر الحنفية وقالت1 طائفة من الحنفية لا يعتبر ذلك ويكفى الالحاق بالوصف المطلق العام وكذلك ذكر المسألة أبو الخطاب صاحبنا والقاضي وهو منصوص أحمد ولفظه في المجرد ولا يجوز رد الفرع إلى أصل حتى تجمعهما علة معينة تقتضي الحاقه فأما أن يعتبر ضرب من التنبيه فلا وقد قال أحمد إنما يقاس الشيء على السىء إذا كان مثله في كل أحواله فأما إذا أشبهه في حال وخالفه في حال فليس مثله.   1 في ا "وغلت طائفة من الحنفية فقالت". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 377 مسألة: فإن كانت احدى العلتين أو أحد الخبرين يوجب العتق والآخر يقتضي الرق فهما سواء قاله أبو الخطاب وحكاه عن أصحاب الشافعي قال ويحتمل أن تقدم التي تقتضى الرق وبه قال1 بعض المتكلمين تقدم علة العتق وقال القاضي في الكفاية المثبت للحرية أولى.   1 في ابياض بعد كلمة "قال" ثم قال "وقال بعض المتكلمين". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 377 مسألة: فإن كانت احداهما تقتضي سقوط الحد والاخرى تقتضي وجوبه فذكر أبو الخطاب فيها [ثلاث] 1 احتمالات أحدها هما سواء وبه قال   1 كلمة "ثلاث" ساقطة من ب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 377 الحلواني وبعض الشافعية والثاني المسقط أولى وبه قال أبو عبد الله البصرى والثالث المثبت للحد أولى وبه قال عبد الجبار بن أحمد قال القاضي في الكفاية وهذا أشبه بأصلنا واستدل عليه من كلام أحمد. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 378 مسألة: فإن كانت احداهما حاظرة والاخرى مبيحة فذكر أبوالخطاب احتمالين1 أحدهما الحاظرة أولى وبه قال القاضي والكرخي والثاني هما سواء وعن الشافعية كالوجهين.   1 في ا "قولين". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 378 [شيخنا] مسألة: العلة المناسبة مقدمة على غير المناسبة والمطردة مقدمة على المخصوصة إذا قبلت وكذلك تقدم المنعكسة على غير المنعكسة1 هذا كلام إسماعيل ابن المنى.   1 في ا "المعتكسه" تحريف. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 378 [شيخنا] مسألة: إذا قبلت القاصرة فهل هى أولى من المتعدية أو بالعكس أو هما سواء على ثلاثة أقوال والتسوية اختيار إسماعيل ومن قال بالثاني وهو قول القاضي وأبى الخطاب قال إن الأكثر فروعا أولى وعلى ذلك ينبنى ترجيح ما قل أوصافها مع أن ذات الوصف قد تكون أكثر فروعا وقد ذكر الفخر إسماعيل الرجحان1 في الأقيسة من وجوه كثيرة فلتنظر وكذلك ذكرها ابن عقيل في موضعين.   1 في ا "الترجيحات في الأقيسة". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 378 [شيخنا] مسألة: إذا كانت احدى العلتين أكثر أوصافا فالقليلة الأوصاف أولى وقال بعض الشافعية واسماعيل هما سواء هذا نقل الحلواني وأبى الخطاب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 378 مسألة: إذا كانت احدى العلتين منتزعة من أصلين والاخرى منتزعة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 378 من أصل واحد فالمنتزعة من أصلين اولى وقال الشافعية هما سواء هذا نقل الحلواني والمنى وأبى الخطاب والقاضي وسيأتي. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 379 [شيخنا] مسألة: إذا كانت احداهما حسية والاخرى حكمية أو احداهما اثباتا والاخرى نفيا فلا ترجيح بذلك وقال بعض الجدليين ترجح المثبتة الحسية وقال القاضي وغيره الثابتة أولى وقال أبو الخطاب وغيره الحكمية أولى وقال1 المثبتة أولى ولم يذكر فيه خلافا.   1 لم يذكر القائل في إحدى النسختين وكتب بجوار "قل" في ا "كذا". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 379 أكثر من كون فروعها أكثر وهذا لا يوجب ترجيحا كالعمومين واحتج عليهم بأنهم لم يقدموا المتعدية على القاصرة وهذا بظاهره يناقض ما قدمناه عنه والذي حكاه هنا عن بعض الشافعية هو اختيار ابن رضي الله عنهم كرم الله وجهه الله تبارك وتعالى الله سبحانه صلوات الله عليهم صلى الله عليه وسلم:برهان ذكره في الترجيح ولم يذكر فيه خلافا وذكر فيه ايضا تقديم المتعدية على القاصرة ولم يذكر فيه خلافا وكذلك ذكر أبو الخطاب تقديم المتعدية على القاصرة. فصل: فى تقديم أعم العلتين على أخصهما. حرره أبوالطيب أجود مما تقدم وأبو الخطاب مثله سواء والقاضي أيضا ذكره [في] سؤال المعارضة فذكر أن المستدل متى عورضت في الأصل علته المتعدية بعلة قاصرة أو بعلة متعدية إلى بعض ما تتعدى إليه علة المستدل فقط كمن علل بالطعم فعورض بعلة القوت فعلة المستدل حينئذ أقوى لأنه يقول لا تعارض بينهما لجواز تعليل الحكم بعلتين وأبو محمد والغزالي وغيرهما يخالفون في ذلك إذا كانت العلة مستنبطة وهو سؤال الفرق فإن فقدت احداهما وهى التي وقعت المعارضة بها كفى وجود الأخرى في الفرع وأما إن تعدت كل واحدة منهما إلى ما لم تتعد إليه الأخرى كالكيل مع الطعم فيتحقق التعارض واحتاج المستدل إلى افساد علة المعارض أو ترجيح علته عليها والوجه الثاني لبعض الشافعية في ترجيح علة الطعم على الكيل كما مثل القاضي1 ثم عاد أبو الخطاب وذكر في موضع آخر أن الأشبه عنده أنه لا يترجح بكثرة الفروع مع ذكره الخلاف وذكر الآخر احتمالا وعلى هذا ذكر في ترجيح المتعدية على القاصرة منعا ثم سلم وفرق وهو اختيار أبي الخطاب وحكى عن الحنفية عدم التقديم بذلك كقول شيخه.   1 في ب "كما شئل القاضي" تحريف. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 380 مسألة: إذا كانت أحدى العلتين وصفا ذاتيا والاخرى حكميا فالوصف أولى عند القاضي وقال أبو الخطاب الحكمية أولى وعن الأصوليين كالوجهين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 379 مسألة: إذا تقابلت علتان في أصل واحد مختلفتان في عدد الأوصاف فأقلهما في عدد الأوصاف أولى قاله القاضي وأبو الخطاب قال لوجهين أحدهما أنها تكون أكثر فروعا وفائدة والثاني أن الاجتهاد فيها يسهل ويقرب والتى كثرت أوصافها يصعب الاجتهاد فيها ويبعد. قلت ويقرب هذا قوله في موضع آخر بتقديم المتعدية على القاصرة. وذكر أبو الخطاب أن بعض الشافعية قال هما سواء وقال القاضي في الكفاية1 ترجح احدى العلتين بأن تكون فروعها أكثر من فروع الأخرى. فصل: قال القاضي في موضع2 آخر إذا كانت احدى العلتين أعم من الأخرى لم تكن بذلك أولى وحكى عن بعض الشافعية أنها أولى ولهذا قالوا علة الطعم أولى لانها أعم من الكيل واحتج القاضي بأنه ليس في كون احداهما أعم   1 في ا "وقال القاضي في موضع آخر". 2 في ا "مواضع أخر". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 379 مسألة: إذا كانت احدى العلتين أكثر فروعا من الأخرى فيحتمل أن تقدم قاله أبو الخطاب لكثرة فوائدها وهذا اختيار القاضي في الكافية وقال بعضهم1 لا يرجح بذلك قال أبوالخطاب وهو الأشبه عندى واختاره القاضي في العدة وذكر في القاصرة مع المتعدية على هذا الاختيار وجهين أحدهما أنهما سواء والثاني تقديم المتعدية للخلاف2 في صحة القاصرة بخلاف ما نحن فيه3 وهذا اختيار ابن عقيل أعنى تقديم المتعدية.   1 كلمة "بعضهم" ساقطة من ا. 2 في ب "للخلف". 3 في ب "بخلاف ما أخذ فيه" تحريف. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 381 مسألة: وإن كانتا من أصلين فأكثرهما أوصافا أولى إذا كانت أوصاف كل واحدة منهما موجودة في الفرع لقوة شبهه بالاكثر قال1 وفارق قياس علة الشبه في رواية لأن أوصاف الأصل هناك لم توجد بكمالها [في الفرع] 2 وقال ابن برهان تقدم العلة ذات الوصف الواحد على ذات الأوصاف ولم يفصل وضرب له مثالا بالعلتين من أصلين وكذلك أبو الخطاب أطلق ولم يفصل ثم ذكرها في موضع آخر ومثلها بعلتين من أصلين وقال يحتمل أن تكون قليلة الأوصاف أولى وهو قول أكثر الشافعية ويحتمل أن يكون الكثيرة أولى قال وعندى هما سواء وبه قال أصحاب أبي حنيفة وبعض الشافعية. [والد شيخنا] فصل: اذا كانت احدى العلتين لا نظير لها في الأصول والاخرى لها نظير فالتي لها نظير أولى. [والد شيخنا] فصل: ومما ترجح به احدى العلتين أن لا يخص أصلها الذي انتزعت منه ذكره   1 في ب هنا زيادة "نفى أبو الخطاب". 2 ساقط من ا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 381 ابن عقيل وأبو الخطاب قال وذلك مثل التعليل بالطعم على التعليل بالكيل عند من يجوز التفاضل في القليل1. [والد شيخنا] فصل: ومن ذلك أن يكون حكم احدى العلتين موجودا معها وحكم الأخرى يوجد قبلها فتكون المصاحبة أولى قال الشيخ مثاله قول أصحابنا في المبتوتة انها أجنبية فأشبهت المنقضية العدة فهى راجحة على قولهم معتدة عن طلاق أشبهت الرجعية فالاولى أولى لأن الحكم يوجد بوجودها هذا قول أصحابنا وفى هذا الترجيح نظر. فصل: ومما يرجح به احدى العلتين أن تستوى في معلولاتها. [شيخنا] فصل: ومنها أن تكون احداهما موجودة في الحال وصفة الأخرى مما يجوز وجوده في الثاني كقولنا في رهن المشاع عين يصح بيعها هو راجح على قولهم قارن العقد معنى يوجب استحقاق رفع يده في الثاني. [شيخنا] فصل: وترجح احدى العلتين بكون أصلها [أقوى مثل أن يكون أصلها مجمعا عليه والأخرى أصلها2] مختلف فيه. [والد شيخنا] فصل: ونرجح إحدى العلتين بكونها مفسرة والأخرى مجمله كقولنا في الأكل   1 في اب "في التعليل". 2 ما بين المعقوفين ساقط من اومن الواضح أن الكلام في حاجة إليه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 382 في الصوم انه افطار بغير جماع وقول الحنفية أفطر بأعلى ما في الباب من جنسه [أو أفطر بممتنع جنسه] . فصل: وكذلك إن كان مع احدى العلتين زيادة بأن تكون إحداهما فيها احتياط للغرض أو تكون إحداهما ناقلة عن العادة والأخرى مبقية على حكم العادة فالناقلة أولى لأن معها زيادة حكم. فصل: قال أبو الخطاب وغيره لايصح الترجيح بين العلتين إلا أن تكون كل واحدة منهما طريقا للحكم لو انفردت لأنه لا يصج ترجيح طريق على ما ليس بطريق قلت: قد يقع الترجيح إذا أمكن كونه طريقا قبل ثبوت كونه طريقا أما مع العلم بفساده فلا. فصل: ترجح احداهما بموافقة ظاهر الكتاب وقد مثله أبو الخطاب بقوله: {وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} 1 في مسألة: عقل العبد وليس بجيد أو يوافق سنة. فصل: وترجح بموافقة قول صحابي أو بكون دليل أصل أحداهما أقوى من دليل أصل الأخرى بأن يكون قطعيا والآخر ظنيا أو نصا والآخر عموما أو مفهوما أو تنبيها هذا قول أبي الخطاب وتقديم النص على التنبيه ليس بجيد بل التنبيه اما مثله أو أقوى منه.   1 من الآية "164" من سورة الأنعام ومن آيات أخر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 383 فصل1: ومنها أن يكون أحد القياسين قد نص على القياس على أصله كقياس الحج على الدين في أنه لا يسقط بالموت راجح على قياسه على الصوم والصلاة. [شيخنا] فصل: ومنها أن تكون إحداهما ناقلة عن الأصل أو فيها احتياط والاخرى مبقية فالأولى أولى قاله أبو الخطاب وقاسه على الخبرين وبأن فيه زيادة حكم واحتياط وافادة حكم شرعى وقال بعضهم هما سواء وهذا كقياسين تعارضا في إيجاب الوضوء من الملامسة. فصل2: ومنها أن تكون احداهما توجب والأخرى تندب أو تكون احداهما تندب والأخرى تبيح فتكون أولى لأن الإيجاب فيه الندب وزيادة والندب فيه الإباحة وزيادة هذا قول أبي الخطاب. فصل: المطردة المنعكسة أولى من غير المنعكسة كقولنا في تزويج العصبة للصغيرة من لا يملك التصرف في مالها بنفسه لا يملك التصرف في بضعها كالاجنبي أولى من قولهم: "من أهل ميراثها فيزوجها كالأب" فانه غير منعكس فإن الحاكم يزوج ثم قال يعنى أبا الخطاب بعد ذلك ومنها أن يكون الأخذ بها يستوعب معلولها كقياسنا في جريان القصاص بين الرجل والمرأة في الاطراف بأن من أجرى القصاص بينهما في النفس أجراه بينهما في الاطراف كالحرين أولى من قياسهم بأنهما يختلفان في بدل النفس فلا يجرى القصاص بينهما في الاطراف كالمسلم   1 بهامش اهنا "بلغ مقابلة على أصله". 2 هذا الفصل ساقط من اهنا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 384 مع المستأمن فانه لا تأثير لقولهم فإن العبدين وإن تساويا في القيمة لا يجرى القصاص بينهما. قلت هذا هو الترجيح بالانعكاس. [شيخنا] فصل: ومن الترجيحات أن يكون وصف أحداهما اسما ووصف الأخرى صفة فالصفة أولى لانها مجمع عليها هذا قول أبي الخطاب. فصل: ومنها أن تكون احدى العلتين ترد الفرع إلى ما هو من جنسه كدين1 كفارة إلى كفارة هو أولى من كفارة إلى زكاة وبه قال الكرخي وأكثر الشافعية وابن عقيل والحلواني وغيرهم في غير موضع ومنع بعضهم ذلك. فصل: قد أطلق غير واحد من أصحابنا القاضي وأبو الخطاب وابن عقيل والحلواني وغيرهم في غير موضع أن علل الشرع إنما هى أمارات وعلامات نصبها الله أدلة على الأحكام فهى تجرى مجرى الاسماء وهذا الكلام ليس بصحيح على الإطلاق والكلام في حقيقة العلل2 الشرعية فيه طول ذكر ابن عقيل وغيره أنها وإن كانت أمارات فانها موجبة لمصالح ودافعة لمفاسد ليست من جنس الأمارات الساذجة العاطلة عن الإيجاب.   1 في د "كمدمن كفارة". 2 في ا "حقيقة الأمور الشرعية". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 385 مسألة: الحكم المتعدى إلى الفرع يعلة منصوص عليها في الأصل مزاد بالنص الجزء: 1 ¦ الصفحة: 385 مراد بالنص ولفظ أبي الخطاب كل مقيس على الأصل المنصوص بعلته المنصوصة فهو مراد بالنص قال أبو الخطاب خلافا لبعضهم وذكرها أبو الخطاب بعد مسألة كون التعليل اذنا في القياس وهى عندى مبنية على تلك المسألة وكلامه يقتصى أنها مستقلة وذكر القاضي ما هو أعم من ذلك فقال جميع ما يحكم به من جهة القياس على أصل منصوص عليه فهو مراد بالنص الذي أوجب الحكم في الأصل خلافا لبعض المتكلمين وكلام أبي الخطاب يقتضي الفرق لأنه قال إذا قاس على علة مجتهد فيها كان فرعها مرادا بالإجتهاد فاذا قاس على علة منصوصة يجب أن يكون فرعها مرادا بالنص. [شيخنا] فصل: العلة المنصوصة تارة تكون عامة لمورد النص وغيره وتارة تكون خاصة وقد ذكر ابن عقيل أمثلة العامة التي توجب الحكم في غير المحل المنصوص قبل الأمر بالقياس أن يقول حرمت السكر لحلاوته فانه مثل أن يقول حرمته لأنه حلو وهذا فيه نظر فإن هذا مثل قوله حرمته للحلاوة التي فيه وهذا اللفظ يظهر فيه التعليل بالحلاوة المخصوصة لا بمطلق الحلاوة بخلاف قوله لأنه حلو أو لأنه من الحلو. [شيخنا] فصل: والعلة المستنبطة لا بد من دليل يدل على صحتها وذلك الدليل هو كونها مؤثرة في الحكم وسلامتها على الأصول من نقض أو معارضة ويجوز أن يجعل وصف العلة الدال على الحكم وصفا نافيا ويجوز أن يجعل وصفا مثبتا سواء في ذلك الأوصاف الذاتية والحكمية كما في قوله انها ليست بنجس تعليلا لطهارة الماء. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 386 مسألة: في تنقيح المناط . وهو أن ينص الشارع على الحكم عقيب أوصاف يعرف1 فيها ما يصلح للتعليل وما لايصلح فينقح المجتهد الصالح ويلغى ما سواه وهذا قياس عند أصحابنا وقد أقر به كثير من منكرى القياس وأجراه أبو حنيفة في الكفارات مع منعه القياس فيها.   1 في اد "أوضاف جرت فيها – إلخ". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 387 مسألة: ذهب قوم إلى أنه يشترط تقدم الأصل على الفرع في الثبوت وأحسبهم الحنفية والصحيح أن ذلك شرط قياس العلة دون قياس الدلالة قاله المقدسي وغيره من أصحابنا وعند أبي الخطاب وابن عقيل هذا من الاسئلة الفاسدة وهو تأخر شرع حكم الأصل عن حكم الفرع. مسألة: في كون الفحوى قياسا سبقت في المفهوم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 387 مسألة: في نوع ثالث وهو أن يكون المسكوت عنه في معنى المنصوص عليه من غير نظر ولا اعتبار وإن لم تظهر مناسبة كقوله من أعتق شركا له في عبد في الحاق الأمة بالعبد وكقوله لا يبولن أحدكم في الماء الدائم ثم يغتسل فيه في الحاق البراز في كوز وصبه فيه فاختلفوا في تسميته قياسا على مذهبين ذكرهما الجوينى وقال انه على نحو الاختلاف في العلة المنصوص عليها وذكر أبو الخطاب في مسألة التنبيه من صور القياس نهيه عن التضحية بالعوراء وقوله لا يقضى القاضي بين اثنين وهو غضبان وقوله في الفأرة تموت في السمن الحديث وكذلك قوله: {فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ} 1 إنه لا يجوز المنع من مثل هذ القياس مع ايضاح علته وإن نهى عن القياس الشرعى وهذا يقتضي انه مع تسميته قياسا فانه مستفاد من دلالة اللفظ حتى مع النهى عن القياس فصارت المذاهب ثلاثة.   1 من الآية "25" من سورة النساء. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 387 مسألة: أفردها الجوينى فقال ذهب النهرواني والقاشاني إلى أن المقبول من أنواع النظر في مسالك الظنون ضربان أحدهما ما دل كلام الشرع على التعليل كترتيب الحكم على اسم مشتق من معنى كآية الربا والسرقة ويلتحق به قول الراوى زنى ماعز فرجم وكذلك فحوى الخطاب والثاني الحاق ما في معنى قول المنصوص عليه [به1] مما يعلم ابتداء من غير حاجة إلى نظر واعتبار كقوله لا يبولن أحدكم في الماء الدائم ثم يتوضأ منه يلحق به إذا بال في كوز ثم صبه فيه ووافقهما أبو هاشم وزاد قسما ثالثا وهو إذا ثبت أن المكلف مأمور بطلب شيء واعتاص2 عليه يقينا فنعلم أنه مأمور بالاجتهاد وطلب الامتثال3 ومثله بطلب القبلة عند الإشتباه والمثل في جزاء الصيد ثم أخذ الجوينى في الرد عليهم في الحصر. فصل: ثم ذكر بعدها في فصل مفرد أن الضرب الثاني المذكور لم ينكره إلا حشوية لا يبالى بهم داود وأصحابه وإن ابن الباقلاني قال لا ينخرق الإجماع بخروج هؤلاء منه وليسوا معدودين من علماء الشريعة ثم ذكر مسألة: بأن هذا القسم ملحق بالمنصوص عليه من حيث المعنى واختلاف4 الأصوليين في تسميته قياسا وذكر أن هذه مسألة لفظية ورجح تسميته قياسا.   1 كلمة "به" ساقطة من اوهي متعلقة بقوله "إلحاق". 2 في ب "واعتاض – إلخ" بضاد معجمة – تحريف. 3 تقرأ في ا "طلب الإمساك" ولعل صوابه "وطلب الأمثال". 4 في ب "واختلف الأصوليين" تحريف وخطأ عربية. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 388 مسألة: قال الجوينى قال القاضي أبو بكر ليس في الاقيسة المظنونة تقديم ولا تأخير وإنما الظنون على حسب الاتفاقيات قال وهذا بناء على أصله في أنه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 388 ليس في مجال الظنون مطلوب هو مشوف الطالبين فقال به بناء على ذلك1 إذا لم يكون مطلوب فلا طريق على التعيين وإنما المظنون على حسب الوفاق قال وهذه هفوة عظيمة ثم شنع تشنيعا عظيما عليه2. فصل: تنقسم العلل العقلية والشرعية إلى ما تؤثر في معلولها والى ما يؤثر فيها معلولها مثال الأول وجود علة الأصل في الفرع فذلك مؤثر في نقل حكمه أيضا ومثال الثاني الطرد والعكس لوصف في الأصل فذلك مؤثر في كونه علة حكم الأصل.   1 في ا "بانيا على ذلك". 2 في هامش اهنا "بلغ مقابلة على أصله". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 389 مسألة: قال القاضي لا يجوز رد الفرع إلى الأصل حتى تجمعهما علة معينة تقتضي الحاقه به وهذا منصوص أحمد وكذلك قال أبو الخطاب لا بد في القياس من علة مؤثرة قال وقال بعض الحنفية لا يعتبر في ذلك علة معينة ويجزىء الاقتصار على ضرب من الشبه1.   1 في ب "ضرب من السنة" تحريف. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 389 مسألة: التنبيه ليس بقياس بل هو من قبيل النصوص 1 نص عليه في مواضع وبه قالت الحنفية والمالكية والقاضي ذكر التنبيه والعلة المنصوصة وما كان في معنى الأصل كالسمن2 مع الزيت مسألة واحدة والخلاف مع الشافعية والخرزي وهو قول أبي الخطاب والقاضي في الكفاية في ضمن المسألة التي بعدها وقال أكثر الشافعية هو قياس واضح وحكى ذلك عن أبي الحسن الخرزي من أصحابنا وقد حكيناه متقدما عن الشافعي وبينا أنه جعله كالنص في أكثر أحكامه.   1 في ا "المنصوص". 2 في ب "كالشمس" تحريف عجيب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 389 مسألة: إذا علل الشارع في صورة بعلة توجد في غيرها فالحكم ثابت في الكل بجهة النص لا بالقياس وهذا قول الشافعي حتى أن ذلك ينسخ وينسخ به وقد ذكر القاضي في المجرد فيها1 احتمالين ولفظ أبي الخطاب النص على علة الحكم يكفي في التعبيد بالقياس وبهذا قال أكثر الجماعة وأكثر منكرى القياس فمن منكريه النظام والقاشاني والنهرواني ومن مثبتيه الرازى والكرخي وأكثر الشافعية وقال البصرى وجعفر بن حرب والمقدسي وأبو سفيان الحنفى وبعض شيوخه وجماعة من الشافعية منهم أبو حامد الاسفرائني بأنه قياس لا يجوز العمل به في غير الصورة المعللة2 وسواء ورد ذلك قبل التعبد بالقياس أو بعده أو فرضنا أن الشرع لم يرد بالتعبد بالقياس [جعلا تعليله اذنا في القياس لا بعد ورود التعبد بالقياس3] وكذلك ذكر القاضي المسألة بعد المسألة الأولى وذكر أبوالخطاب في ضمن مسألة تخصيص العلة أن العلة المنصوصة4 إذا لم يرد التعبد بالقياس صحيحة وإن لم تتعد إلى سائر الفروع وهذا مخالف لما ذكره هو وغيره من أن النص على العلة يوجب التعبد بالقياس وإن حكم الفرع مراد بالنص ولو لم يرد الأمر بالتعبد بالقياس لاقتصرنا عليه كما لو قال أعتق غانما لسواده. قلت خالف المشهور عند الأصحاب وقد ذكر في بحث المسألة وفى النسخ ما يناقض هذا وذكرها ابن عقيل في أواخر كتابه وقال هو عندنا ليس بقياس وكذلك ذكر جعفر بن حرب وابن مبشر من نفاة القياس وقالوا هو قياس فلا يحتج به على أصله وهذا قول أبي محمد5 المقدسي ولم يذكره غيره وكذلك   1 كلمة "فيها" ساقطة من ا. 2 في ا "في غير الضرورة المعللة". 3 ساقط من ب. 4 في ا "المنصوص عليها" وكلتا العبارتين تقال. 5 في ب "ابن محمد المقدسي" وفي د "أبي محمد والمقدسي". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 390 جعفر بن مبشر مثله وجماعة من أهل الظاهر وقد ذكر ابن عقيل هذا المسألة في موضع آخر في أواخر كتابه بعبارة أخرى فقال الإستدلال ليس بقياس1 عندنا وهو مذهب جماعة من الفقهاء وقال قوم من الفقهاء وأهل الجدل2 هو قياس ومثل ذلك بما توجد فيه العلة المنصوصة وذكر عبد الوهاب وبعض أصحابنا أنه قول الجمهور ونصروه وحكى ابن برهان عن أبي عبد الله البصرى إن كان التعليل لحكم تحريم كان اذنا في القياس وإن كان الحكم إباحة أو ايجاب لم يكن اذنا في القياس. قلت الفرق بين التحريم والايجاب في العلة المنصوصة قياس مذهبنا في الايمان وغيرها لأن المفاسد يجب تركها كلها بخلاف المصالح فانما يجب تحصيل ما يحتاج إليه فإذا أوجب تحصيل مصلحة لم يجب تحصيل كل ما كان مثلها للاستغناء عنه بالاول ولهذا نقول بالعموم في باب الايمان إذا كان المحلوف عليه تركا بخلاف ما إذا كان المحلوف عليه فعلا وقد ذكر أبو الخطاب صورة المسألة إذا قال أوجبت أكل السكر كل يوم لأنه حلو فانه يجب أكل كل حلو من العسل وغيره وهذا بعيد3 فإن استيعاب أنواع الحلو4 كاستيعاب أقدار السكر بل الذي يقال إن صح انه يجب كل يوم أكل شيء من الحلو كائنا ما كان وفيه نظر لأنه يبطل ايجاب السكر وأما أبومحمد فإنه قال النظام العلة المنصوص عليها توجب [الإلحاق] بطريق اللفظ والعموم لا بطريق القياس.   1 في ا "عنده". 2 في ا "وأهل الحديث". 3 في ب "وهذا يفيد" تحريف. 4 في ا "أنواع الخلاوة". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 391 [قلت لفظ الشيخ أبي محمد في الروضة فصل قال النظام العلة المنصوص عليها توجب الالحاق بطريق اللفظ والعموم لا بطريق القياس إذ لو فرق في اللغة بين قوله حرمت الخمر لشدتها وبين كل مشتد خمر وهذا خطأ إذ لا يتناول قوله حرمت الخمر لشدتها من حيث الوضع إلا تحريمها خاصة ولو لم يرد التعبد بالقياس لاقتصرنا عليه كما لو قال أعتقت غانما لسواده وكيف يصح هذا والله تعالى أن ينصب شدة الخمر خاصة ويكون فائدة التعليل زوال التحريم عند زوال الشدة ونتيجة ما ذكر نفاة القياس قال وهذا خطأ] 1 ثم ذكر أبوالخطاب في ضمن الفصل الذي بعده وهو كون فرع الأصل المنصوص على علته مرادا بالنص قال فإن قيل فمتى أراد الله من المكلف حكم الفرع ونص عليه قبل عند نصب الدلالة على القياس مع نصه على علة الحكم في الأصل ووجودها في الفرع قال ويحتمل أن نقول أراد النص على الأصل وعلته فقط وقد بينا أن ذلك كاف في التعبد بالقياس. قلت ذكر هذين الوجهين عجيب مع قولنا إن النص على العلة نص على فروعها وقد سمى ابن عقيل العلة المنصوصة كقوله انها من االطوانين عليكم والطوافات استدلالا وجعله عندنا وعند جماعة من الفقهاء ليس بقياس وعند آخرين هوقياس وقال ابن حمدان هذا الطواف [يشمل] 2 كل طائف فغنينا بالعموم من صاحب الشرع عن أن يعلق الحكم على قياس مستنبط والحاق الفأرة بالهرة الحاق الفروع بالاصول إذا كان العموم منتظما3 لهما فكانا أصلين في المعنى وصار كالأجناس الستة. قلت هذا في العلة المفمرة مستقيم وأما في العلة المجملة مثل قول الأعرابي   1 ما بين هذين المعقوفين كله زيادة في ب. 2 زيادة من عندنا لينتظم الكلام. 3 في ا "مستنبطا لها". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 392 وقعت على أهلي في رمضان فقال أعتق رقبة وإن بريرة أعتقتها عائشة فخيرها رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحو ذلك من المواضع التي علم أن ذلك السبب علة في الحكم ولم يتبين1 في العلة أهى عموم الافطار أم خصوص الوقاع وأنه عموم العتق أم خصوص العتق تحت عبد فقد سماه الحنفيون استدلالا وأخرجوه من القياس وأقر به أكثر منكرى القياس وأصحابنا وأصحاب الشافعي ألزموهم تسميته قياسا في مسألة جريان القياس2 في الكفارات وأظن هذا القسم هو الذي سماه أبوالخطاب [هنا] استدلالا وجعله نوعا من هذا الاستدلال فإن الحكم إذا ثبت بتأثير نوع من الأوصاف فيه نظرنا هل المؤثر فيه خصوص وصفه أو عموم وصفه فإن كان عموم وصفه كان من هذا الباب وإن كان قد أثر وصفا في نوع من الحكم وظهر أن تاثيره إنما هو في جنس ذلك الحكم لا في خصوصه صار استدلالا أيضا.   1 في ا "ولم يبين". 2 في ا "مسألة خبر القياس في الكفارات" وليس بذلك. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 393 مسألة: يصح جعل1 الاسم علة [مستتنبطة] وإن كان علما نص عليه وهو قول الحنفية فيما ذكره الجرجاني والشافعية فيما ذكره الاسفرايينى وذكر أبوالخطاب أن العلة قد تكون صفة ذاتية وصفة شرعية وقد تكون اسما ولم يذكر الخلاف2 إلا في الاسماء وقال قوم لا يجوز ذلك في اللقب وقال أبو الخطاب وحكى عن بعضهم أنه لا يجوز ذلك في الاسم سواء كان علما أو مشتقا وذكر القاضي أنه حكى عن قوم أنه لا يجوز مطلقا وذكر ابن برهان الجواز عندهم قال وقال أبو حنيفة لا يجوز واتفقوا على جواز كونه علة   1 في ب "لا يصح جعل – إلخ" ولا يتسق مع ما بعده. 2 كلمة "إلا" ساقطة من ا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 393 منصوصا عليها ذكره أبوالخطاب وغيره [واختاره القاضي يعقوب] 1.   1 بهامش اهنا "بلغ مقابلة على أصله". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 394 مسألة: يجوز اثبات الاسماء بالقياس عند أكثر أصحابنا وأكثر الشافعية قاله القاضي وابن برهان وقالت الحنفية وأكثر المتكلمين لا يجوز منهم الجوينى وجماعة من الشافعية وأبو الطيب ونصره وهذا اختيار أبي الخطاب أعنى منع القياس في اللغة وذكر أبو الخطاب في ضمن مسألة اثبات الاسماء قياسا أنه لا خلاف أن الاسماء والألقاب لا يجوز اثباتها بالقياس ثم ذكر أن الفريقين قالوا إن الالقاب لم توضع على المعنى وإنما وضعت اصطلاحا بخلاف الاسماء المشتقة فانها وضعت علىالمعنى وهذا يقتضي الفرق بين الالقاب العلمية والجنسية ثم ذكر في أثناء الكلام ما يدل على أن ألقاب الاجناس كأعلامها وكذلك أيضا قد استثنى الاستعارة المجازية مثل تسمية البليد حمارا والشجاع أسدا والسخى2 بحرا وقال بعضهم وأطنه قول ابن الباقلاني لا يجوز التوصل بالعلل إلى اثبات الاسماء فأما التعبد بوضع اسم لشيء من جهة التعليل فصحيح مثل أن يرد السمع بوضع بعض الاسماء لشيء بعلة ويعلق الحكم عليه لأجل تلك العلة ثم ينظر3 في حال غيره فإن وجد ذلك المعنى فيه أجرى الاسم عليه وعلق الحكم به4.   1 بهامش اهنا "بلغ مقابلة على أصله". 2 في ب "والشيخ بحرا". 3 في ب "ثم النظر في حال غيره". 4 كلمة "به" ساقطة من ب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 394 مسألة: يجوز القياس على أصل ثبت بالقياس ولا يشترط كونه مجمعا عليه وبهذا قالت الشافعية والرازي والجرجاني وكذلك ذكر القاضي في ضمن مسألة القياس أنه يجوز في الشرعيات أن يكون الشيء أصلا لغيره في حكم وفرعا لغيره في حكم آخر فأما في حكم واحد فلا يتصور وقال قوم لا يجوز الجزء: 1 ¦ الصفحة: 394 إلا على أصل ثبت حكمه بدليل مقطوع به من نص أو إجماع وهذا قول القاضي في مقدمة المجرد وذكر عن أحمد ما يدل عليه قال القاضي في المقدمه التي ذكرها في الأصول في آخر المجرد ولا يجوز رد الفرع إلى الأصل إلا أن يثبت الحكم في الأصل بديل مقطوع عليه من كتاب أو سنة أو إجماع هذا ظاهر كلام أحمد في رواية مهنا وقد سئل [هل] 1 يقيس الرجل بالرأى فقال: لا هو أن يسمع الرجل الحديث فيقيس عليه قال وقد لايمتنع أن يقال2 إذا ثبت الحكم في الأصل لمعنى انه يرد ما شركه في ذلك المعنى من الفروع3 إليه ثم قال وإذا ثبت الحكم في أصل من الأصول بكتاب أو سنة واستنبط منه معنى قيس به فرع من الفروع4 جاز أن يستنبط من الفرع علة لا توجد في الأصل ويقاس عليه فرع آخر بتلك العلة لأن الفرع قد ساوى الأصل في ثبوت حكم الوفاقية وجواز استنباط5 المعنى الذي ذكرناه منه فيصح قياس أحدهما على الآخر وإن اختلفا في كيفية ذلك المعنى الذي ذكرناه. فتحرر لاصحابنا في القياس على ما لا نص فيه ولا إجماع بل ثبت بالقياس أقوال. أحدها: لا يجوز مطلقا. والثاني: يجوز إن اتفق عليه الخصمان كما اختاره أبو محمد وأبو البركات وأكثر الجدليين. الثالث: أنه يجوز مطلقا وإن كانت العلة في الأصل المحض غير العلة   1 كلمة "هل" ليست في ب والمعنى عليه قطعا. 2 في ب "أن يقول". 3 في ب "الفروع". 4 في ا "واستنبط منه قياس فرع من الفروع" ومن أثبتناه موافقا لما في ب أوضح وأدق. 5 في ا "وجواز استثناء المعنى" تحريف. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 395 في الفرع المحض بل في الفرع المتوسط علتان كما ذكره القاضي وابن عقيل والفخر إسماعيل. والصواب أن العلة إذا كانت واحدة فقد يكون فيه ايضاح وإن كانت في مضمونها بأن كان أحدهما قياس أو كلاهما قياس دلالة جاز لأن الدليل لا ينعكس وإن كانا قياس علة لم يجز وحكى أبو الخطاب عن بعض الشافعية أنه لا يجوز القياس على أصل ثبت بالاجماع بل يختص بما ثبت بكتاب أو سنة وستأتي مفردة واختار المقدسي أنه لا بد أن يكون الأصل ثابتا بنص أو باتفاق الخصمين فأما إن كان مختلفا فيه ولا نص فيه فلا يصح اثباته بالقياس لأنه إن كان بعلة توجد في الأصل والفرع فذكر الأصل المختلف فيه تطويل بلا فائدة وإن كان بعلة لا توحد في الفرع امتنعت علة الفرع وهذا أحسن وأصح1 وكذلك ذكر أبوالخطاب في سؤال القياس2 أن الأصل إذا لم يكن فيه دليل يخصه فلا يصح القياس عليه إذا كان الخلاف فيه 3 [كالخلاف في الفرع وكذلك ذكر أبو الخطاب أن الفروع] 3 لا يقاس بعضها على بعض لأنه ليس أحدها بأن يقاس على الآخر بأولى من العكس في ضمن مسألة تأثير العلة في غير أصلها ثم صرح في سؤال المعارضة بأن الحكم الذي ثبت بالقياس إنما يقاس عليه لغير العلة التي ثبت بها فإن قاس4 عليه بعلته التي ثبت بها كان باطلا وهذا والله أعلم إذا قاس بدليل العلة فأما إن قاس بعلة لا تستلزم العلة المثبتة فهو باطل لكن قد صرح أبو الخطاب وغيره في المسألة بأنه يجوز القياس بغير علة الأصل لجواز تعليل الحكم بعلتين وإنما يجوز القياس بنقيض علة الأصل5 وفيها قول   1 في ا "أحسن وأوضح". 2 في ب "في أصوله القياس". 3 ساقط من ب. 4 في ا "فإن قيس عليه – إلخ". 5 في ب "بنفيه علة الأصل". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 396 آخر وهو أنه يجوز القياس على أصل ثبت بقياس إن كانت علته دون ما إذا اختلفا في العلة لأنه قد يكون ذلك أسهل على القائس وأوضح وقال الكرخي لا يجوز حمل الذرة على الأرز بل يحملان على البر إذ ليس حمل أحدهما على الآخر بأولى من العكس لتساويهما في أن حكمهما يعرف من جهة واحدة وصور1 القاضي في مقدمة المجرد وابن عقيل المسألة بقوله إذا ثبت الحكم في فرع بالقياس على أصل جاز أن يجعل هذا الفرع أصلا لفرع آخر يقاس عليه بعلة أخرى على أصلنا قال وبه قال أبو عبد الله البصرى فأما القاضي فانما جوزه بالعلة المشتركة بين الفرعين والاصل ولم يتعرض للعلتين وتصوير2 القاضي هذه المسألة بهذه العبارة ينافى ما ذكره قبل هذا من اشتراط كونه ثبت بنص أو إجماع ولفظ أبي الخطاب يقول انا متعبدون بالقياس على الأصل وإن لم ينص لنا على القياس عليه ولا [أجمعت] 3 الأمة على تعليله وبه قال أكثرهم وقال بشر بن غياث المريسي لا يجوز القياس على أصل لم تجمع الأمة على تعليله ولم ينص لنا4 على القياس عليه وقال أبو هاشم لا يقاس إلا على أصل قد ورد النص فيه في الجملة فيقاس في التفصيل مثل ميراث الأخ مع الجد وكلامه في أثناء المسألة يقتضي أن المعتبر عند المريسي كون التعليل ثابتا بنص أو إجماع [فهو يمنع من القياس على أصل لم يثبت بنص أو إجماع] 5 أنه معلل قال القاضي في مقدمة المجرد إذا ثبت خبر عن النبي صلى الله عليه وسلم في حكم يخالف قياس الأصول لم يجز أن يستنبط من ذلك الخبر معنى يجرى في معلولاته إلا أن يرد الخبر معلولا بعلة فيقاس   1 في ا "وصدر القاضي – إلخ". 2 في ا "وتصدير القاضي". 3 كلمة "أجمعت" ساقطة من ب. 4 في ب "ولم ينص بناء على القياس عليه" تحريف. 5 ساقط من ا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 397 عليه أو يحصل اتفاق على علته أو يكون مثالا فمضمون قوله أنه لا بد أن يعلم جواز القياس على الأصل المعين بأصل آخر موافق بنص أو إجماع وإن لم يدلا على عين العلة ثم قال وإذا خص العموم جاز أن يستنبط من اللفظ المخصوص معنى يقاس عليه. قلت وهذا هو القول الذي حكاه القاضي عن ابن حامد أو قول ابن حامد خص منه فانه يشترط أن تكون العلة منصوصة كما يمنع أبو هاشم من اثبات أصل الحكم بقياس فكلاهما متفقان في أن القياس يكون في التفصيل الأول يقول في تعيين العلة والثاني فىتعيين الحكم فيجوز القاضي لموافقته ذلك الأصل وقد أومأ أحمد إلى هذا في مواضع وقال أبو الحسن الكرخي لا يجوز ذلك وعن الشافعية وجهان كالمذهبين وقال ابن برهان يجوز القياس على أصل ثبت بالقياس عندنا خلافا لاصحاب أبي حنيفة وأبى بكر الصيرفى من أصحابنا قال وحرف المسألة جواز تعليل الحكم بعلتين. [شيخنا] فصل: الاصول التي ثبت حكمها بنص أو إجماع ذكر أبو الخطاب أنها كلها معللة وإنما تخفى علينا العلة في النادر منها ولفظ القاضي الأصل هو تعليل الأصول وإنما ترك تعليلها نادرا فصار الأصل هو العام الظاهر دون غيره ومن الناس من قال الأصول منقسمة إلى معلل وغير معلل. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 398 مسألة: يجوز اثبات الحدود والكفارات والابدال والمقدرات1 بالقياس وبه قالت الشافعية خلافا للحنفية إلا أبا يوسف فقد حكى عنه كقولنا ومنصوص الجزء: 1 ¦ الصفحة: 398 الشافعية كقولنا وقد رد عليهم وأبان تناقضهم بكلام مبسوط ذكره عنه الجويني وعندهم يثبت بالاستدلال وهذا يعود إلى تنقيح المناط وحكى القاضي عنهم أن التقدير لا يثبت إلا بتوقيف أو اتفاق قال وعندنا يثبت بذلك وبالقياس وكلام أحمد في الحدود والكفارات على ما ذكره القاضي قال في رواية المروذي فيمن سرق من الذهب أقل من ربع دينار أقطعه قيل له ولم قال لأنه لو سرق عروضا قومتها بالدراهم كذلك إذا سرق ذهبا أقل من ربع دينار قومته بالدراهم فقد أثبت القطع بالقياس وكذلك نقل عنه الميموني في النصراني إذا زنى وهو محصن يرجم قيل لم قال لأنه زان بعد احصان ونقل عنه جعفر بن محمد في يهودي مر بمؤذن وهو يؤذن فقال كذبت قال يقتل لأنه شتم1 وبعض هذه النصوص قد تكون من باب تحقيق المناط ولا خلاف فيه.   1 في ا "يقتل لا يشتم" سقط من الناسخ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 399 مسألة: ذكرها الجوينى بعد القياس في المقدرات في قياس طهارة النجاسة على طهارة الحدث وهل هما تعبد أو معقولتا المعنى أو أحدهما دون الأخرى مسألة يجرى القياس في الاسباب عندنا ومنع منه قوم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 399 مسألة: القياس المركب أصله ليس بحجة عند المحققين من الشافعية والحنفية وصار الاستاذ أبو إسحاق من الشافعية وجماعة من الطرديين إلى صحتة وجواز التمسك به وهو كثير في كلام القاضي [أبي يعلى وغيره من أصحابنا] وقد أشار إلى الأول أبو الخطاب1.   1 في هامش اهنا "بلغ مقابلة على أصله. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 399 مسألة: يجوز القياس على أصل مخصوص من جملة القياس وهوالذي تسميه الحنفية موضع الاستحسان1 خلافا لهم في قولهم لا يجوز إلا أن يكون معللا   1 في ب "موضع الاستحباب". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 399 أو مجمعا على القياس عليه أو يكون هناك أصل آخر يوافقه فيجوز القياس عليه وقول الشافعية وبعض الحنفية واسماعيل بن إسحاق كقولنا وذكر لنا1 أبو الخطاب وجها كالحنفية وقول أكثر المالكية كالحنفية.   1 كلمة "وذكر لنا" ساقطة من ب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 400 مسألة: قال القاضي المخصوص من جملة القياس يقاس عليه ويقاس على غيره أما القياس عليه فإن أحمد قال في رواية ابن منصور إذا نذر أن يذبح نفسه1 يفدى نفسه بذبح كبش فقاس من نذر ذبح نفسه على من نذر ذبح ولده وإن كان ذلك مخصوصا من جملة القياس وإنما ثبت بقول ابن عباس. قلت بل هو على وفق القياس في أن نذر المعصية ينعقد2 وموجبه البدل الشرعي أو كفارة يمين وأما قياسه على غيره فإن أحمد قال في رواية المروذي يجوز شراء أرض السواد ولا يجوز بيعها فقيل له كيف تشترى ممن لا يملك فقال القياس كما تقول ولكن استحسانا3 واحتج بأن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم رخصوا في شراء المصاحف وكرهوا بيعها وهذا يشبه ذاك فقد قاس مخصوصا من جملة القياس4 [على مخصوص من جملة القياس] 4. قلت مضمونه أن موضع الاستحسان يجوز أن يثت بقياس معدول أقوى من القياس الجاري أن تكون الصورة المخصوصة مساوية لصورة يخالف حكمها حكم سائر الصور وبهذا قال أصحاب الشافعي وقال أصحاب أبي حنيفة المخصوص من جملة القياس لا يقاس على غيره ولا يقاس عليه إلا أن يكون معللا كقوله إنها   1 في ا "إذا نذر أن يذبح ولده وإن كان مخصوصا" فلم يتم قياس بسبب سقوط ما أثبتنا عن ب د. 2 في ا "ينفذ". 3 في ب "استحباب". 4 ما بين هذين المعقوفين ساقط من ب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 400 من الطوافين أو مجمعا على جواز القياس عليه كالمخالف بالاجارة قياسا على البيع ثم ناظرهم في قياسه على غيره مناظرة من ينكر الاستحسان وليس بجيد1 على أصله واعترف في أثناء المسألة2 بأنه لا يقاس على غيره في اسقاط حكم النص بخلاف قياس غيره عليه.   1 في ب "وليس يحبذ". 2 في ب "في إثبات المسألة". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 401 مسألة: إذا منع المستدل حكم الأصل لم ينقطع وله الدلالة عليه عند الأكثرين وفرق أبوإسحاق الاسفرائينى بين المنع المشهور والخفي1 وقال قوم يكون منقطعا.   1 في د "بين المنع الظاهر والخفي". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 401 مسألة: ليس من شرط الأصل أن يكون منصوصا على علته في المؤثر والملائم ولا مجمعا على تعليله وقال بشر بن غياث1 إذا يكن منصوصا على علته ولا مجمعا2 على تعليله لم يجز القياس عليه حكاه القاضي وابن برهان وهذا هو بشر المريس قال القاضي في المقدمة التي ذكرها في آخر المجرد والعلة المستنبطة لا بد من دليل بدل على صحتها وذلك الدليل هو كونها مؤثرة في الحكم وسلامتها على الأصول من نقص3 أو معارضة. قلت ذكر الخلاف أولا في العلة المستنبطة ثم في أثناء الكلام جعل الخلاف فيما علمت بالاستدلال ومورد الخلاف القطعية والمستدل عليها بلفظ الشارع وايمائه لا تكون قطعية فتكون الاقوال ثلاثة حدها لا بد من العلة المنصوصة أو المجمع عليها والثاني لا بد أن يدل عليها دليل شرعى وهو ظاهر ما قاله ابن حامد والثالث يعلم بالعقل تارة وبالشرع أخرى كما اختاره   1 في ب "بشر بن عيار" تحريف مع تكرار هذا الاسم. 2 في ب "أو مجمعا". 3 في ب "عن نقض". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 401 القاضي وعلى رواية [أنه] لا يستدل على العلة بالدوران ولا بالمناسبة وإن كانت مؤثرة فإن غاية ذلك أن هذا الوصف قد علمنا أن الشرع علق الحكم به في ذلك الموضع فمن أين نعلم أن هذا الحكم أيضا علقه به هذا محض تمثيل فكأنه اثبات لصحة هذا القياس بمجرد القياس والشيء لا يثبت بنفسه فقد صار لاصحابنا في المناسب المؤثر والغريب ثلاثة أقوال وإذا كان هذا في أقيسة المعاني والتعليل ففى أقيسة الأشباه1 والتمثيل أولى ونصه رضى الله عنه أنه لا يقاس الشىء على الشىء إلا إذا كان مثله في جميع أحواله يوافق في قياس التمثيل هذه الرواية في قياس التعليل وأما ما ذكر عن الصحابة فقصة أبي بكر هى من باب الأولى كما دل عليه لفظهم وأما الحرام فلم يختلفوا في علة شىء من الأصول فإن اليمين2 والطلاق اللذين ألحقوا الحرام بهما حكمهما وعلتهما معروفة بالنص لكن هذا الفرع هل معناه معنى الطلاق أو معنى اليمين فالخلاف كان بينهم في ثبوت الوصف في الفرع الذي هو أحد مقدمتي القياس وهو من باب تحقيق مناط لا من تخريجه وثبوت الوصف في الفرع يعلم بالاستنباط بلا خلاف كما يعلم ثبوت المناط في أعيان الأفعال بالاستنباط بلا خلاف كما قد يختلف في بعض الالفاظ هل هو تصريح أو كناية وكما يختلف في وقوع الطلاق بالفراق والسراح والذي قاله القاضي له وجه كأن منشأ الخلاف استنباط العلة من الأصول المنصوصة أو تحقيقها في الفروع ولو فرض أنهم اختلفوا في علة الطلاق واليمين لكن إنما استفادوا العلة من ايماء القرآن مثل قوله: {لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ} أما مجرد الاستنباط من غير اللفظ ففيه نظر وقد قدمت أن ابن حامد لا يخالف في الاستنباط السمعي كفحوى الخطاب وايمائه واشارته ولحنه وإنما يخالف في أنا بالعقل نعرف علة الحكم.   1 في ب "الأسماء" والمراد قياس الشبه. 2 في د "فإن الذين ألحقوا الحرام باليمين والطلاق حكمها .... إلخ". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 402 [شيخنا] فصل: ثم قال بعد هذا مسألة في العلة المستنبطة كعلة الربا ونحوها الشىء الدال على صحتها يخرج علىوجهين أحدهما أن يوجد الحكم بوجودها ويزول بزوالها وقد أومأ أحمد إلى هذا في رواية أحمد بن الحسين بن حسان فقال القياس أن يقاس الشىء على الشيء إذا كان مثله في كل أحواله وأقبل به وأدبر فأما إذا أشبهه في حال وخالفه في حال فهذا خطأ قال أبو بكر يعنى في كل أحواله في نفس الحكم لا في عينه لأنه لا بد من المخالفة بينهما والوجه الثاني يفتقر إلى شيئين دلالة عليها ودلالة على صحتها وهو أن يكون الوصف مؤثرا في الحكم المعلل فاذا عرف افتقر إلى سلامته على الأصول وهو أن يسلم من نقض ومعارضة [1فإن عارضها قياس مثلها أو أقوى منها وقفت ولم تكن علة وجه الأول أن العلل يستمر1] هذا الأصل فيها بدلالة المعنى الموجب لكون المحل أسود وجود السواد فالشرعية أولى أن يجوز هذا فيها وقد اتفقت الأمة على أن زنى المحصن هو المعنى الموجب للرجم لما كان الرجم يجب بوجوده ويعدم بعدمه قال ووجه الثاني في أن وجود الحكم بوجودها وعدمه بعدمها لا يدل على صحتها أننا قدجعلنا علة تحريم الخمر وجود الشدة فيه لوجود الحكم بوجودها وعدمه بعدمها فصارت هذه العلة [هى العلة] الموجبة لتكفير المستحل للخمر وإن كانت الشدة توجد في النبيذ ولا يوجد تكفير مستحله والدلالة على2 أن صحتها تأثير الوصف وسلامتها هو أننا وجدنا أن التي لها أوصاف مكيل ومطعوم ومقتات ومزروع وموزون وله مثل وأجمعنا أن العلة هوالوصف المؤثر في الحكم [دون غيره] .   1 هذا الكلام ساقط من ا. 2 في ب "ولا دلالة على ان – إلخ" وليس بشيء. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 403 [شيخنا] فصل: ذكر القاضي في كتاب الروايتين والوجهين اختلافا في المذهب في صحة العلة المستنبطة فقال إذا ثبت معنى الحكم مقطوعا عليه بنص كتاب أوسنة أو إجماع رد غيره إليه إذا كان معناه فيه وهذا لا اشكال فيه فأما إن كان معنى الأصل عرف بالاستنباط مثل علة الربا [في الزائدة] بكيل أو مطعوم فهل يجب رد غيره إليه أم لا فقال شيخنا أبو عبد الله لا يجب رد غيره إليه فعلى قوله يكون القول ببعض القياس دون بعض وقد أومأ أحمد إليه في رواية مهنا وقد سأله هل نقيس بالرأى فقال لا هو أن يسمع الرجل الحديث فيقيس عليه قال معنى قوله لا يقيس بالرأى يعنى ما ثبت أصله بالرأى لا نقيس عليه. قلت فكأن القاضي يقول إن اثبات علة الحكم في الأصل هو مثل اثبات نفس الحكم في الأصل بالرأى وهذا قريب وأحمد أراد أنه لا بد في القياس من أصل يرد الحكم عليه يرد بذلك مخالفة ما عليه أهل الرأى من الاستحسان الذي أنكره عليهم وهو وضع المسائل بالرأى والمناسبة المجردة ثم التفريع عليها ومثل هذا قوله إنما القياس أن يقيس على أصل أما أن تجىء إلى الأصل فتهدمه ثم تقول قياس فعلى أى شىء قست وتجد كثيرا من الكوفيين فرعوا1 على أصول موضوعة بعلل ومناسبات تشبه الاستحسان العقلي2 والمصالح المرسلة وقد يؤخذ من كلامه هذا انكار الاستحسان الحنفي3 والاستصلاح المالكي وكلامه هذا موافق لكلام الشافعي ويؤخذ من كلامه هذا أنه لا يقاس على أصل ثبت بالقياس كلما اختاره طائفة من الأصحاب وقوله لا يقاس بالرأى قد يؤخذ منه نفى الرأى في حكم الأصل ونفى الرأى في علة الحكم فإن استنباط العلة قياس بالرأى وقوله   1 في ب "وتجد كثيرا للكوفيين فروعا فرعوها على أصل – إلخ". 2 في ا "العقل". 3 في ب "الاستحسان الخفي" تصحيف. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 404 أن تسمع الحديث فنقيس عليه اما بتعليل دل كلام الشارع عليه واما تمسك1 بعدم الفارق قال القاضي وعندى أنه يجب رد غيره إليه وقد أومأ إليه في رواية ابن القاسم فقال لا يجوز الحديد والرصاص متفاضلا قياس علىالذهب والفضة قال فقد قاس الحديد والرصاص على الذهب والفضة والعلة في الأصل غير مقطوع عليها لأن العلة عند بعضهم كونها قيم المتلفات وعند ابن عباس2 معنى آخر. قال وجه الأول3 أنه إذا كان معنى الأصل عرف بالاستدلال وغالب الظن فاذا رددنا غيره إليه عرفناه بالاستدلال وغالب الظن من غير أصل مقطوع على معناه وهذا لا يجوز وتحريره أن المعنى المستنبط غير مقعطوع على صحته فلم يجز القياس عليه ووجه الثانية أن الله أمرنا بالاعتبار ولم يفصل بل هذا أولى فإن هذا اعتبار حكمه4 والذي قالوه اعتبار الفرع فقط فكان بالأمر أخص وإجماع الصحابة أن عمر وعليا قالا لأبي بكر رضيك رسول الله لديننا أفلا نرضاك لدنيانا وهذا قياس على معنى استنبطاه وكذلك قالوا لعمر إنما أنت مؤدب فلا شىء عليك وكذلك اختلافهم في الحرام حيث قال بعضهم يمين يكفر وبعضهم ظهار وبعضهم طلقة واحدة وبعضهم ثلاث فلك فريق إنما راعى معنى استنبطه فرد إليه في هذه الحادثة وكذلك اختلفوا في الخرقاء على خمسة مذاهب على هذا المعنى ولأن الاستدلال إلى القبلة فرض والناس فيه على ضربين من كان قريبا منها بالمعاينة ومن كان بعيدا بالاجتهاد بالدلائل5 وكلها علامات مستنبطة كذلك الشرع6 يؤخذ نطقا وهو ما ثبت بنص كتاب أو خبر متواتر ويؤخذ استدلالا وغلبة الظن وهو ما ثبت بأخبار الآحاد وكذلك هاهنا إذ صح   1 في ب "وإما تمثل لعدم الفارق" تحريف. 2 وضع في افوق ابن عباس كلمة "كذا". 3 في ب "قال وجه الأدلة" تحريف. 4 في ب "فإنه اعتبار حكمه". 5 في ا "بالاجتهادبالدليل". 6 في ا "لذلك الفرع" تحريف. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 405 رد الفرع إلى الأصل عرف معناه قطعا صح رده إليه وإن كان معناه عرف استدلالا دون غيره وإن كنا مختلف1 في التأثير فاذا كان الوصف المؤثر معتبرا فلا بد من اعتباره بالأصول فإن سلم من نقض أو معارضة دل على صحتها وإن وقف في أحدهما ثبت أنه ليس بعلة حقيقة الأمر ما ذكره المراغي2 وقبله الغزالي وقبلهما أبو زيد وهو أن الدوران هل هو دليل على العلية فيه وجهان أحدهما ليس بحجة وسمونه الطرد كما يسمى الحنفية المطرد المحض الدوران وقد جعله ليس بحجة في أحد الوجهين والثاني هو قول أبي الخطاب وابن عقيل أنه حجة وأما التأثير ببعض له مناسبة ثبت تأثيرة في غير تلك الصورة ولم يتعرض القاضي للمناسبة. قلت هذا الكلام يعود إلى الطرد السالم عن المعارضة وهذا هو القياس الذي كثيرا ما يستعمله القاضي وأهل زمانه من العراقيين وقبله وبعده ويسميه أبو زيد الطرد وذويه3 الطرديين لكن ما أراد به والله أعلم الطرد المحض الذي يعلم انتفاء4 علة الأصل معه وإنما أراد به الطرد الشبهي5 وهو ما يجوز أن يكون متضمنا للعلة لكن اشتراط سلامته عن المعارض يحتمل شيئن أحدهما تعرض المستدل لذلك وهو السبر والتقسيم وهو أن يقال هذا الوصف قد اقترن به الحكم طردا6 وليس هنا ما يصلح للتعليل غيره والثاني أن لا يتعرض له لكن المعترض ينقض ويعارض وفى الحقيقة فهو سواء في حق المناظر7 وإنما يختلف في ترتيب المناظرة وهو يعود إلى الجمع والفرق بما بين الأصل والفرع من الصفات وقوله دلالة عليها يريد به التأثير [8الذي هو وجود الوصف حيث وجد الحكم فإن عدم التأثير8] عندهم وجود الحكم بلا وصف ولا علة أخرى   1 في ا "وإن كان يختلف في التأثير". 2 في ا "الداعي". 3 في ب "ودونه" تحريف. 4 في ا "الذي يعلم إبقاء – إلخ". 5 في ا "المشبهي". 6 في ا "مطردا". 7 في اد "في حق المناظرة". 8 ساقط من ا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 406 كأنه استغنى عنه وقوله دلالة صحتها يريد به السلامة عن النقض والفرق وجعل الأول دليلا عليها لأن العلة المؤثرة في الحكم لا بد أن تكون معه حيث ما كان فهذا أولى ما يعرف به. ثم قال القاضي [وأبو الطيب1] فأما إذا نازعه الخصم في وصف علته وامتنع من تسليمه ففسره بما يوافقه ويسلمه له وكان اللفظ محتملا لما فسره به قبل منه كما لو قال الحج لا يسقط بالموت لأنه فعل تدخله النيابة [وقد استقر عليه حال الحياة فلا يسقط بالموت كالدين فقيل له لا يثبت لأنه تدخله النيابة] 2 لأنه يقع عن الحاج عندنا فقال أردت به أنه يأمره بفعله ويقصد المأمور فعله للآمر. قلت فقد فرقوا بين نقض العلة3 الذي هو معارضة وبين المنع والذي ذكره أبو محمد في جدله أن له أن يفسر كلامه في جواب النقض بما يوافق الظاهر وبما4 يخالفه وإن كان النقض لمقدمة قياس الاستدلال الكلي5. [شيخنا] فصل: تلخيص هذا الباب أن الفرع إذا قيس6 على أصل فاما أن يعلم تأثير ذلك الوصف في الحكم الذي في الأصل بنص كتاب أو سنة7 أو إجماع أو غير ذلك أما الأول فلا خلاف فيه عند القياسيين وإنما الخلاف هل دليل لغوى مفهوم من اللفظ أو موقوف على دليل القياس؟   1 ليس في ا. 2 ما بين هذين المعقوفين ساقط من اوالكلام يقتضيه لا محالة. 3 في ا "بعض العلة" تحريف. 4 في ا "وإنما يخالفه" تصحيف. 5 بهامش اهنا "بلغ مقابلة على أصله. 6 في ب "إذا فتش" تحريف. 7 في ب "أو بنية" تحريف. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 407 وإن علم تأثير الوصف في الحكم الأصل بالاستنباط وكان الوصف مناسبا فاما أن يعلم تأثيره في غير الأصل بنص أو إجماع أو لا يعلم له تأثير في غير الأصل فالاول هو المناسب المؤثر والملائم والثاني هو الغريب ولاصحابنا في هذا الباب ثلاثة أقوال أحدها القول بالجميع كما قرره أبو محمد المقدسي وأبو محمد البغدادي والثاني1 نفى القول بالغريب كما ذكره أبو الخطاب في موضع الثالث عدم بالجميع كما قاله ابن حامد وعلى هذا يتبين لك أن أبا محمد والغزالي قبله يدخلان في قسم المستنبط المناسب المؤثر والمنصوص المناسب المؤثر وهو غلط فإن الأول فيه قياسان وهذا فيه قياس واحد وحقيقة الأمر أن المثبت بالقياس إن كان هو الحكم فقط فهو المنصوص وإن كان الحكم وعلة الأصل2 فهو المؤثر وأما الغريب فاثبات بمجرد المناسبة غير المؤثرة وحقيقة الأمر في المؤثر أنه قياس لهذا الوصف على ذلك الوصف في علته فهو اثبات للعلة بالقياس وعلى هذا فلا يشترط في المؤثر أن يكون مناسبا وأبو محمد جعله من قسم المناسب ونظير هذا تعليق الحكم بالوصف المشتق هل يشترط فيه المناسبة على وجهين وكلام القاضي والعراقيين يقتضي أنهم لا يحتجون بالمناسب الغريب3 ويحتجون بالمؤثر مناسبا كان أو غير مناسب ولهم في الدوران خلاف وجميع أدلتهم4 تقتضي هذا فصار المؤثر المناسب لم يخالف فيه إلا ابن حامد وأما الموثر غير المناسب أو المناسب غير المؤثر ففيهما ثلاثة أوجه وقال ابن عقيل الذي لا شبه له هو الذي يقول الفقهاء لا تأثير له ويقول الخراسانيون الإخالة له فجعل المؤثر هو المحل.   1 في ب "والشافعي" تحريف. 2 في ب "وعلته الأصل". 3 في ب "بمناسبة الغريب". 4 في ب "وجميعهم أولهم". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 408 مسألة: إذا جمعت الأمة على حكم جاز القياس عليه وإن لم يكن فيه نص في قول الجمهور قاله ابن برهان وقال بعض أصحابنا لا يجوز. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 408 مسألة: إذا كان الأصل المجمع عليه لم يجمع على تعليله بل علله البعض واختلف من علله فمنهم من علل بعلة وعلل بعضهم بأخرى فهل إذا فسدت احداهما يدل على صحة الأخرى ذكر أبو الخطاب فيه مذهبين أحدهما لا يدل وهو ظاهر قول الجوينى والثاني يدل لانها إذا فسدت مع كون القياس والتعليل هو الأصل والتعبد بخلافه يلزم منه تعين الأخرى والاول اختيار أبي الخطاب فيما ذكره المقدسي. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 409 مسألة: وشهادة الأصول طريق في اثبات العلة كقولنا في الخيل لا يجب الزكاة في ذكورها فلا تجب في اناثها والدليل عليه بقية الأصول من الحيوانات نفيا واثباتا ذكره أصحابنا وعلل أبوالخطاب بأنه يشبه الطرد والعكس وحكى عن الشافعية وجهين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 409 مسألة: إذا قلنا بأن العلة تتخصص فنقضت على1 المستدل لزمه أن يبين المخصص وأنه لم يوجد2 في الفرع ذكره أبو الخطاب في مسألة التخصيص وحكى شيخنا في الجدل قولا آحر أنه لا يلزمه ذلك. [شيخنا] فصل: فأما إذا أفسد3 أحد المتناظرين علة خصمه لم يكن دليلا على صحة علته إذا كان من الفقهاء من يعلل بغير علتيهما كمسألة لربا إلا أن ذلك يكون طريقا في ابطال مذهب خصمه والزامه تصحيح علته.   1 في ا "عليه المستدل" وربما قرئت "علة المستدل". 2 في ب "لم يؤخذ". 3 في ب "إذ فصل – إلخ". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 409 مسألة: يجوز جعل صفة الإجماع والاختلاف علة كقولنا في المتولد بين الظباء والغنم1 متولد من أصلين تجب الزكاة في أحدهما بالاجماع فوجبت فيه   1 في ب "بين الظني والعلم" تحريف. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 409 كالمتولد بين السائمة والمعلوفة وكقول الحنفية مختلف في اباحة لحمه فطهر جلده بالدباغ كالسبع وهذا قول الأكثرين وقال بعض العلماء لا يجوز لأن الاتفاق والخلاف حادث بعد الأحكام. وهذا هو الذي ذكره القاضي في خلافه في ضمن مسألة النبيذ. فصل: قال القاضيان أبو يعلى وأبو الطيب في العلة المنصوص عليها صريحا أو ايماء إذا دل كلام صاحب الشريعة على علة الحكم فإن كان وصفا مطردا فهو كمال العلة وإن انتقض وجب ضم وصف آخر إليه وعلم أن صاحب الشرع لم ينص على كمال العلة وإنما نص على بعضها ووكل الثاني إلى اجتهاد أهل العلم. وهذا دليل من كلامهما على أن العلة المنصوص عليها يبطلها النقض أيضا وقد صرحا بذلك في أثناء المسألة1. [2وذكر القاضي في ضمن مسألة قتل الراهب أن تعليل النبي يجوز تخصيصه2] وذكر القاضي فيها قولين كما ذكر أبو الخطاب وذكر أبوالخطاب أن من قال بابطال المستنبطة بالنقض لهم في المنصوصة وجهان أحدهما كما ذكرنا والثاني أنها لاتبطل بالتخصيص بخلاف المستنبطة. وأبومحمد البغدادي إنما حكى الوجهين في العلة المستنبطة فأما المنصوصة فلا تنتقض وأجاب عن النقض بأجوبة أحدها منع وجوب الاطراد بعد دلالة صحتها والثاني منعه في المنصوصة والثالث تسليمه لكن إذا كان التخلف لغير عارض وهل يجب على المستدل بيان المعارض على مذهبين ذكر القاضي بخطه   1 في ب "إثبات المسألة". 2 هذا الكلام ساقط من ا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 410 في التعليل على آخر العدة إذا قلنا لا يحتج بالعلة المقصورة فهل يحكم ببطلانها أو تجعل المتعدية أولى منها يحتمل وجهين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 411 مسألة: قال أبوالخطاب يجوز عند أصحابنا أن يكون الحكم علة لحكم آخر كقولنا من صح طلاقه صح ظهاره وقال بعض المتأخرين لا يجوز أن يكون علة وإنما هو قياس دلالة لا علة فيه وعلل أبوالخطاب بأن علل الشارع أمارات وهذه والله أعلم منازعة في عبارة وهذا القول الثاني اختيار ابن عقيل فيما يغلب على ظنى وفخر الدين ابن المنى [والمتأخرين فينظر] . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 411 مسألة: يجوز القياس فيما لم ينص على حكمه أصلا كقياس لفظ الحرام على الظهار وقال بعض المتكلمين لا يجوز القياس إلا فيما نص على حكمه في الجملة وقال لولا النص على ميراث الأخوة في الجملة لم أجوز اثبات مشاركتهم مع الجد [بالمقايسة1] هذا قول أبي هاشم.   1 هذه الكلمة ساقطة من ا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 411 مسألة: لا يصح التعليل بعلة قاصرة على محل النص عند أكثر أصحابنا والحنفية خلافا للشافعى وأبى الخطاب والمالكية ووافقنا بعض الشافعية وعندي أنها علة صحيحة وقد ثبت ذلك مذهبا لاحمد حيث علل في النقدين في رواية عنه بالثمنية وكونه علل بالوزن في الرواية المشهورة فلدليل اقتضى ذلك ولا يلزم منه فساد القاصرة واختيار أبي الخطاب كاختيار المقدسي وذكر أبو الخطاب في موضع آخر أن الجميع رجحوا المتعدية ذكره في مسألة جعل المعلول علة وهذا في المستنبطة فأما القاصرة المنصوصة فيجوز التعليل بها وفاقا ذكره أبو الخطاب مع أن تعليل أحمد بالقاصرة في مثل نهيه أن يبيع الرجل على بيع أخيه كثير جدا بل هو من أكثر القائلين بذلك وذكر القاضي في ضمن مسألة العلة القاصرة لا تفيد الحكم فلا تعتبر فنقض علته بالعلة المنصوصة فقال وأما العلة المنصوص عليها فيحمل الأمر فيها على أنها بيان لعلة المصلحة التي لأجلها الجزء: 1 ¦ الصفحة: 411 أبيح أو حظر وعلل المصالح لا تعلم بالاستخراج وإنما تعلم بالتوقيف وكلامنا في العلة التي تستخرج من علل الاحكام وليست بمتعدية فقد فرق القاضي بين علل المصالح وعلل الأحكام وكأنه أراد بعلل المصالح الحكم وهذا يقتضي أنه لا يقول بالمناسب الغريب وقد لا يثبت القياس في الاسباب بالحكم ثم أعاد هذا المعنى وبسط القول في هذه المسألة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 412 مسألة: لا يجوز تخصيص العلة المستنبطة وتخصيصها نقض لها نص عليه واختلف فيه أصحابنا علىوجهين ذكرهما أبوإسحاق ابن شاقلا في شرح الخرقي وذكرهما الخرزي وأبو حفص البرمكي أحدهما كالمنصوص اختاره القاضي وأبو الحسن1 بن الخرزي وبه قال المالكية وأكثر الشافعية وجماعة من المتكلمين وبعض الحنفية وذكر القاضي كلام أحمد الدال على منع تخصيص العلة من قوله القياس أن يقاس الشىء على الشىء إذا كان مثله في كل أحواله إلى آخره. [قال شيخنا] وفيه نظر فانه ذكر هذا أنه احدى الروايتين في مسألة قياس الشبه مع أن التخصيص لا يمنع أن يكون الفرع مثل الأصل في كل أحواله إذا جبر النقض بالفرق ثم ذكر أن أبا إسحاق حكى فيها وجهين قال وقول أحمد القياس يقتضي أن لا يجوز شراء أرض السواد لأنه لا يجوز بيعها ليس بموجب لتخصيص العلة لأن تخصيص العلة لا يمنع من جريانها في حكم خاص وماذكره أحمد إنما هو اعتراض النص على قياس الأصول في الحكم العام وقد يترك قياس الأصول للخبر. قلت هذا أحد الاقوال الخمسة والثاني يجوز تخصيصها ذكره أبوإسحاق ابن شاقلا عن بعض أصحابنا وقال القاضي في مقدمة المجرد وهذا ظاهر كلامه في كثير من المواضع ولم يذكر غيره واختاره أبو الخطاب [2وقد ذكر الشيخ هنا وغيره أن أحمد نص على امتناع تخصيصها.   1 في د "والخرزي" بدون ذكر الكنية وفي ب "وأبو الحسين الجزري". 2 ما بين هذين المعقوفين متأخر في د عما يليه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 412 قلت وقد ذكر القاضي في مقدمة المجرد أن القول بجواز تخصيصها هو ظاهر كلام أحمد في كثير من المواضع. قلت فصارت على روايتين منصوصتين1] ولفظه هى صحيحة2 حجة فيما عدا المخصوص وبه قالت الحنفية وبعض الشافعية ومالك وكذا قال أصحابنا وأبو الطيب وأنكر عبد الوهاب صحة هذا عنهم وحكى ابن برهان عن الشافعي نفسه والمتقدمين من الحنفية كالاول ونصره وقال أبوالخطاب كلام أحمد يحتمل القولين معا. [قال شيخنا] تلخيص قول أبي الخطاب في تخصيص العلة أنه لا يجوز تخصيصها إلا بدليل شرعى يدل على موضع التخصيص وسواء كان المخصص نصا أو غير نص وهذا يقتضي جواز تخصيصها وإن لم يبن في صورة التخصيص مانع يقتضي استثناء تلك الصورة من مواضع العلة فهو يخصها بعموم الادلة لا بخصوص العلل وقال إن مدعى العلة يحتاج إلى تبيين ما يدل عليها في الأصل ويبين أن الموضع الذي يخص دلت عليه دلالة صحيحة منعت من تعليقه على العلة فأما إذا لم يبين ذلك ووجدت علته مع عدم حكمها فهى منتقضة فاسدة وكلامه في المسألة يقتضي أنها تخص لا أن العلة مانعة لكن يكفى في صحتها وجود الحكم معها في الأغلب كما يكفى في صحة الدليل وجود مدلوله في الأغلب وجعل عمدة قوله إن العلة أمارة والامارة لا يجب وجود حكمها معها على كل حال وإن كان ترك الدليل والعلة لا يجوز إلا الموجب. وهذا القول عندي خطأ وهو قول من أبي تخصيص العلة فأما جواز تخصيص المانع فلا ينبغي أن يشك فيه والخلاف فيه لفظي اصطلاحي واختار أبو محمد أنه يجوز تخصيص المنصوصة بالدليل مطلقا كاللفظ وأما المستنبطة فلا يجوز تخصيصها إلا لفوات شرط أو وجود مانع أو ما علم أنه مستثنى تعبدا وهل على المستدل أن يحترز في الأصطلاح اختار استحسان ذلك في الشرط دون المانع لأن   1 متأخر في د عما يليه. 2 في اب "هي حجة". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 413 الشرط أمر وجودي فيصير في هذا ثلاثة أقوال واختيار أبي محمد البغدادي اشتراط الاطراد إلا في المنصوصة أو فيما استثنى عن القواعد كالمصراة والعاقلة. [قال شيخنا] الذي يظهر في تخصيص العلة أن تخصيصها يدل على فسادها إلا أن يكون لعلة مانعة فانه إذا كان لعلة مانعة فهذا في الحقيقة ليس تخصيصا وإنما عدم المانع شرط في حكمها فإن كان التخصيص بدليل ولم يظهر بين صورة التخصيص وبين غيره فرق مؤثر فإن كانت العلة مستنبطة بطلت وكان قيام الدليل علىانتفاء الحكم عنها دليلا على فسادها وإن كانت العلة منصوصة وجب العمل بمقتضى عمومها1 إلا في كل موضع يعلم أنه مستثنى بمعنى النص الآخر. وحاصلة أن التخصيص بغير علة مانع مبطل لكونها علة وإذا تعارض نص الأصل المعلل ونص النقض وهو معلل فلا كلام وإن لم يكن معللا بقى التردد فى الفرع هل هو في معنى الأصل أو هو في معنى النقض وقد علم تبعه للاصل دون النقض. وتلخيصه أن العلة لا تخص إلا العلة2 كما أن الدليل لا يخص إلا بدليل فإن كانت مستنبطة فلا بد من بيان العلة المخصصة وإن كانت العلة منصوصة كفى بيان دليل مخصص فهذا لمن تأمل حقيقة الأمر. وأخصر منه أن العلة المستنبطة لا يجوز تخصيصها إلا لعلة مانعة وأما المنصوصة فيجوز تخصيصها لعلة مانعة أو دليل3 مخصص وهذا في الحقيقة قول المتقدمين الذين منعوا تخصيص العلة. وقال القاضي فى كتاب القولين هل يجوز تخصيص العلة الشرعية وهو أن   1 في ا "بمقتضاها". 2 في ب "إلا بعلة". 3 في ا "ولدليل مخصص". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 414 توجد العلة ولا حكم قال شيخنا أبوعبد الله لا يجوز ومتى دخلها التخصيص لم تكن علة وقد أومأ إليه أحمد ف رواية الحسين بن حسان فقال القياس أن يقاس الشىء على الشىء إذا كان مثله في كل أحواله فأما إذا أشبهه في حال وخالفه في حال فهذا خطأ قال ومن أصحابنا من قال يجوز تخصيصها فيكون دلالة على الحكم في عين دون عين قال وهو المذهب1 الصحيح ومسائل أصحابنا تدل عليه قال في رواية بكر بن محمد في المذي يغسل ذكره كما جاء في لأثر ولو كان القياس لكان يغسل موضع المذى وإنما هو الاتباع قال فقد بين أن القياس كان يقتضى غسل نفس الموضع ولكن ترك القياس في ذلك لدليل أولى منه وهو حديث علي وإذا كان من مذهبه جواز ترك القياس لدليل أقوى منه جاز تخصيصه في موضع لدليل وذكر نصه في رواية أبي طالب والمروذى في أموال الكفار وفى أرض السواد لثقته في قول الصحابي قال ومن أصحابنا من منع تخصيص العلة فقوله يفضي الىترك قل أحمد في المسائل التي ترك القياس فيها2. [شيخنا] فصل: القائلون بتخصيص العلة لا تفسد العلة بالنقض عندهم إذا كان التخصيص بدليل فأما المانعون من تخصيصها فالنقض مفسد للعلة عندهم ثم تارة يكون التعليل لجنس الحكم فيكون كالحد وتارة لعين الحكم3 فإن كانت لالحاق الحكم انتقضت بأعيان المسائل وإن كان التعليل لاثبات حكم مجمل لم ينتفض إلا بالنفى المجمل4 وإن كان التعليل لنفى مجمل انتقض باثبات مجمل أو مفصل وإن كان   1 في ا "وهذا المذهب صحيح". 2 في هامش اهنا "بلغ مقابلة على أصله. 3 في ب "لغير الحكم" تحريف. 4 في ب "إلا بنفي مجمل". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 415 التعليل لاثبات مفصل انتقض بالنفى المجمل وإن كان لنفى مفصل لم ينتقض بنفى مجمل. [شيخنا] فصل: اذا كان التعليل لجواز الحكم لم ينتقض بأعيان المسائل كقولنا في مال الصبي حر مسلم فجاز أن تجب الزكاة في ماله كالبالغ فلا ينتقض بغير الزكوى وإذا كان التعليل للنوع لم ينتقض بعين مسألة كقولنا في لحم الإبل1 نوع عبادة تفسد بالحدث فتفسد بالاكل كالصلاة فلا ينتقض بالطواف فانه يفسد بالحدث ولا يفسد بالاكل لأن الطواف بعض النوع. وعندى في هذا نظر لأن التعليل إن كان لكل نوع انتقض وإن كان لمطلق النوع لم يلزم دخول الفرع فيه بل يكفي2 الأصل وحده إلا أن يقال إن مقصوده اثبات الحكم في نوع آخر.   1 يعني في إيجاب الوضوء من أكل لحم الإبل. 2 في ب "بل يلقي الأصل". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 416 [شيخنا] مسألة: في جواز تعليل الحكم بعلل ذكر ابن عقيل في مسألة تعليل الحكم الشرعي بعلتين لما أورد عليه أنه لا يجتمع1 مؤثران على أثر واحد كقادرين وفاعلين فقال وأما ما ذكرت من استقلالها بالحكم وإن ذلك يحيل مساعدة علة أخرى مستقلة بالحكم كالمقدور بين قادرين فما تنكر أن تكون عند انفرادها تستقل ثم إذا انضم اليها غيرها صارتا جميعا في جلب الحكم كوصفين لعلة واحدة في التساعد2 وهذا صحيح فإنها مجعولة تكون علة في زمان دون زمان وإذا كانت مجعولة لم يستبعد أن يقول حرمت الاستمتاع بهذه المرأة الحائض لأجل الحيض فاذا أحرمت حرمت الاستمتاع3 بهذين الامرين جميعا الحيض والاحرام والمقدور بين قادرين ليس هو بالجعل والوضع بل من أحاله   1 في ا "أنه يجتمع مؤثران – إلخ" سهو. 2 في ب "في الشاهد". 3 في ب "المتعة". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 416 جعله ممتنعا لمعنى يعود إلى نفسه1 وذاته. قلت وهو في المعنى قول من يمنع التعليل بعلتين والخلاف في ذلك لفظي قريب فإن أحدا لا يمنع قيام وصفين كل منهما لو انفرد لاستقل2 بالحكم لكن نقول هل3 الحكم مضاف اليهما أم إلى كل منهما أو في المحل حكمان وكلام أحمد في خنزير ميت وغيره يقتضي التعليل بعلتين4 واختيار أبي محمد يجوز تعليله بعلتين مؤثرتين أى منصوصتين أو مجمع عليهما أو احداهما كذلك ولا يجوز بمستنبطتين وهذا قول الغزالي فيما أظن وابن الخطيب قال والعكس عندنا يجب إذا كانت العلة واحدة وأما مع تعددها فلا يجب. قلت وقول أبي بكر عبد العزيز في مسألة الاحداث إذا نوى أحدها5 يقتضي أنه يجتمع في المحل الواحد حكما العلتين فيصير للأصحاب فيها أربعة أقوال أحدها تعليل الواحد المعين بعلتين مطلقا والثاني التفصيل والثالث أن يجتمع في المحل الواحد حكماهما معا ومن قال هذا قال بالعلتين والرابع أن العلتين إذا اجتمعتا كانتا كوصفين فهما هناك علة وفى غير ذلك المحل علتان وهذا مجموع ما يقال في هذه المسألة. قال أبوالخطاب في تعليل حكم الأصل بعلتين إن لم تكن واحدة من العلتين هى الدليل على حكم الأصل بل كان الدليل عليه نصا أو إجماعا6 جاز أن يصحا7 جميعا وأما إن كانت إحداهما دليلا على حكم الأصل دون الأخرى مثل قولنا   1 في ب "يعود إليه نفسه". 2 في ب "لا يستقل بالحكم" تحريف. 3 كلمة "هل" ساقطة من ا. 4 في ا "وكلام أحمد في خبر بريرة وغيره يقتضي التعليل بعلتين". 5 كلمة "أحدهما" ليست في ا. 6 في اب "نص أو إجماع" وفصيح العربية يأباه. 7 في اب "أن يصحان". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 417 في الطلاق قبل النكاح انه ينعقد لأن من لا ينفذ له طلاق المباشرة لا ينعقد له صفة الطلاق كالصبي فيقول الحنفى العلة فى الصبي أنه غير مكلف فيقول الحنبلي أنا أقول بالعلتين اختلف الناس في ذلك فقال بعضهم يجوز تعليل حكم الأصل بالعلة التي تدل وهوأشبه باصولنا وقال بعضهم لا يجوز تصحيح العلة التي لم يثبت بها حكم الأصل. قلت على هذا ينبنى القياس على فرع ثبت بالقياس بعلة غير علته وقد تقدم أن لاصحابنا فيه قولين. وقال القاضي في مقدمة المجرد إذا انتزعت علتان من أصلين مختلفين وكانت أحكامهما متضادة في الفروع فانه لا يجوز القول بهما بل يقال بإحداهما فإن كانت العلتان غير متناقضتين1 ولا حصل إجماع على امتناع القول بهما جاز القول بهما معا. قلت تخصيصه من أصلين مختلفين دليل على أن الأصل الواحد ليس كذلك2.   1 في ا "غير متنافيتين". 2 في هامش اهنا "بلغ مقابلة على أصله. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 418 مسألة: يصح أن تكون العلة وصفا عدميا [نفى صفة1] وبه قالت الشافعية ذكره ابن برهان وحكى عن الحنفية أنه لا يصح ثم ذكر فيه ابن برهان فصلا شرطه بعد القول في الطرد والعكس وحكى أبو الخطاب عن بعض الشافعية أنه لا يصح وفي ضمن كلام أبي الخطاب أنه يجوز أن يكون منصوصا عليه بلا تردد وفى كلامه ما يقتضي أن الخلاف في تعليل ايجاب الحكم. [شيخنا] فصل: أما تعليل الحكم العدمي بالعدم فذكر بعضهم أنه لا خلاف فيه وكذلك   1 ساقطة من د. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 418 ينبغي أن يكون فإن الحكم ينتفى لانتفاء مقتضيه أكثر مما ينتفى لوجود منافيه وأما تعليل الحكم الثبوتي به فالعلل ثلاثة أقسام أحدها المعرف1 وهو ما يعتبر فيه أن يكون دليلا على الحكم فقط فهذا لا ريب أنه يكون عدما فإن العدم يدل2 على الوجود كثيرا وعلى هذا فيجوز في قياس الدلالة والشبه أن يكون العدم علة والثاني الموجد فهذا لا يقول أحد إن العدم يوجد وجودا لكن قد اختلف هل يكون شرطا للعلة أو جزءا منها وهومبنى على العلة الكاملة والمقتضية وحيث أضيف3 الأثر إلى عدم أمر فلا يستلزمه وجود شىء فإن الشىء إذا احتاج الى أمر ولم يحصل فعدم حصول المحتاج إليه سبب لضرر المحتاج فيه والثالث الداعى فهذا محل الاختلاف وهى العلل الشرعية ونحوها والصواب أن العدم المخصوص يجوز أن يكون داعيا إلى أمر وجودي كما أن عدم فعل الواجبات داع إلى العقوبة فإن عدم الإيمان سبب لعذاب عظيم أما العدم المطلق فلا ولا يقال مثل هذا في الوجود فإن الوجود المطلق قد يكون داعيا وحينئذ فقد صح قول أصحابنا إن العلة يصح في الجملة أن تكون وصفا عدميا لأن هذا يصح في بعض المواضع والمخالف إن لم يدع السلب العام فلا نزاع بيننا وإن ادعاه انتقض قوله ولو بصورة والمسألة متعلقة بشعب كثيرة وتحقيقها حسن. وقال ابن عقيل وكل علة حادثة فهى تغير المعلول عما كان عليه ولذلك قيل للدلالة التي في الفقه4 علة لانها تغير معنى الحكم عما كان عليه لانها أظهرته بعد أن لم يكن ظاهرا5 ولذلك لم يجز أن يكون المعدوم الذي لم يوجد علة لأنه لم يكن شيئا قبل وجوده فيطلق عليه التغير بوجوده بل وجوده هو هو على مذهب أهل السنة.   1 في اد "المعروف". 2 في ب د "قد يدل". 3 في ا "أضيف الأمر". 4 كلمة "الفقه" ليست في ا. 5 في ا "بعد أن كان لم يكن ظاهرا". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 419 [شيخنا] فصل: عدم التأثير في قياس الدلالة يجب أن لا يؤثر لأنه لا يلزم من عدم الدليل عدم المدلول ذكره أبوالخطاب في مسألة عدالة الشهود من الانتصار ومسألة النكاح بلفظ الهبة وهومعنى قول طائفة من العلماء في الجواب عن عدم التأثير إن هذا لتقريب الفرع من الأصل وتقوية شبهه به فإن الوصف تارة يكون لتصحيح العلة وتارة لتقريب الشبه إلا أن هذا قد يكون في قياس العلة بأن يكون للحكم علتان فهنا مسألتان والقاضي يعتبره كثيرا في مسائل التعليق1 منها في مسألة إزالة2 النجاسة لما قالت الحنفية مائع طاهر مزيل للعين فجاز إزالة النجاسة به كالماء فقال قولكم مائع لا تأثير له لأن المائع والجامد سواء عندكم وفى هذا3 أيضا اعتبار عدم التأثير على أصل المخالق وقالوا أيضا في مسألة النية طهارة بالماء فلا تفتقر إلى النية كالازالة فقال قوله بالماء لا تأثير له في الأصل إذ لافرق بين أن تكون بالماء أو بالمائع أو الجامد وقالوا في مسألة التسمية سبب يتوصل به إلى الصلاة فأشبه ستر العورة فقال لا تأثير لهذا عنده فانا لا نتوصل إلى الصلاة بما لا ذكر فيه كالصوم والحج والزكاة. [شيخنا] فصل: عدم التأثير في الحكم مثل قولنا في مسألة تخليل الخمر مائع لا يطهره بالكثرة فلا يظهر بالصنعة كالدهن واللبن فيقول المخالف قولك لا يطهر بالصنعة لا أثر له في الأصل فانه لا يطهر بالصنعة ولا بغيرها.   1 في ب "في مسائل في التعليق" ولعل أصله على هذا "في مسائل من التعليق". 2 في ب "فكان إزالة النجاسة – إلخ". 3 كلمة "وفي هذا" ليست في اوالكلام محتاج إليها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 420 قال القاضي التأثير يعتبر في العلة دون الحكم وقولنا فلم يطهر بالصنعة حكم العلة. قلت هذا ضعيف وذكر أبو الخطاب فيه مذهبين ومثله [بهذ ومثله1] أيضا بقولنا طهارة فلم تجز بالخل كالوضوء فيقال قولك بالخل لا تأثير له فإنها تجوز بماء الورد وهذا المثال فيه نظر. [شيخنا] فصل: سؤال عدم التأثير إذا كان في قياس العلة فهو مبنى على تعليل الحكم بعلتين فإن بين القائس أنه قد خلف العلة علة أخرى فالقياس صحيح بلا تردد وإن كان الوصف الثاني2 عند عدمها موجودا في صورتى وجودها وعدمها أو مفارقا لها فمن يجوز تعليل الحكم بعلتين مستنبطتين وقد ذكروا في ذلك خلافا إذا كان للحكم علة عامة فهل يعلل بعضه بعلة خاصة ينبغي أن لا يرى هذا مفسدا للعلة وأصحابنا يقبلونه ويجوزون هذا وذاك والله أعلم لأن غالب الاقيسة المستعلمة في خلافهم لا يلتزمون فيها تصحيح العلة فلذلك يقبل عدم التأثير دليل على فسادها ولا ريب أنه إذا لم يقم دليل3 على صحة العلة فعدم التأثير بخلاف ما لو انعكست وقد اطردت فإن ذلك دليل صحتها فيكون هذا السؤال قادحا في علة لم تثبت إلا بالدوران وأبو محمد البغدادي لا يقبل سؤال عدم التأثيربناء على تعليل الحكم بعلتين. [شيخنا] فصل: عدم التأثير ينبغي أن يرد على القياس النافي لأن انتفاء الحكم قد يكون   1 ساقط من ا. 2 في ب "الوصف الباقي". 3 في د "لم يتم دليل". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 421 لانتفاء علته أوجزئها أو لوجود مانع أو لفوات شرط فأسباب الانتفاء متعددة بخلاف سبب الثبوت وفى الحقيقة فأقيسة النفى ترجع إلى قياس الدلالة ولا تأثير له على الصحيح فيه والقاضي كثيرا ما يفسد الجمع والفرق بعدم التأثير في النفي وهوضعيف مثل أن يقال في مسألة لبن الآدميات الفرق بين الحية والميتة أن لبن الميتة نجس فيقول لا تأثير لهذا فإن لبن الرجل والصيد طاهر ولا يجوز بيعه أو يقال إنما لم يجز بيع الدمع والعرق لأنه لا منفعة فيه فيقول الوقف وأم الولد فيه منفعة ولا يجز بيعه فهذا كلام ضعيف فإن عدم الجواز له أسباب وعدم التأثير إنما يصح إذا لم تخلف العلة علة أخرى. [شيخنا] فصل: العلة إذا كانت مؤثرة في محلها ولا تأثير لها فىبقية المواضع فقد قيل إنها عديمة1 التأثير فلا بد أن تكون مؤثرة مطلقا وقيل وهو قول عبد الوهاب وغيره انه يكفى تأثيرها في محلها2 كقولهم في الكلب حيوان فكان طاهرا كالشاة تأثيرة في الحيوان إذا مات ولا تأثير له في الجماد فإن الحياة تؤثر فى محل دون محل وقد قيل إنه يكفى أن توثر في بعض المواضع فهذه ثلاثة أقوال. [شيخنا] فصل: التأثير من جهة التنبيه معتبر كالتأثير من جهة المخالفة مثل قول بعضهم شهادة على الولادة فوجب أن لا تثبت3 بشهادة امرأة واحدة كالمطلقة البائن إذا   1 في ا "عدمية التأثير". 2 في اب "في أصلها". 3 كلمة "ألا تثبت" ساقطة من ا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 422 ادعت الولادة [1وعند القائس لا فرق بين الولادة وغيرها لكن ثبات العدد في غير الولادة1] أوكد منه في الولادة فاذا ثبت اعتبار العدد في الولادة ففى غيرها أولى لأن العرب تارة تثبته باللفظ العام وتارة باللفظ الخاص. [شيخنا] فصل: فى تعليق الحكم على مظنة الحكمة دون حقيقتها. ويسميه بعضهم إقامة السبب مقام العلة وهذا منتشر في كلام الفقهاء غير منضبط فإنهم يذكرون2 هذا في مسألة الايلاج بلا انزال ومسألة النوم ومسألة السفر ومسألة البلوغ ومنهم من يذكره في مسألة مس النساء وهو أقسام. الأول أن تكون الحكمة التي هى العلة خفية فهنا لا سبيل إلى تعليق الحكم بها فانما يعلق بسببها وهو نوعان: أحدهما: أن يكون دليلا عليها كالعدالة مع الصدق والابوة في التملك والولاية [ودرء القود3] فهنا يعمل بدليل العلة مالم يعارضه أقوى منه. الثاني: أن يكون حصولها معه ممكنا كالحدث مع النوم والكذب أو الخطأ مع تهمة القرابة4 أو العداوة أو الصداقة واقرار المريض. القسم الثاني أن تكون ظاهرة في الجملة [لكن الحكم5] لا يتعلق بنوعها وإنما يتعلق بمقدار مخصوص منها وهو غير منضبط فقدرها غير ظاهر   1 سقط ما بين المعقوفين من ا. 2 في ا "يفكرون هذا" تحريف. 3 ساقط من ب. 4 في ب "مع تميمة القرابة" تحريف. 5 ساقط من ا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 423 ويمثلون في هذا بالمشقة مع السفر والعقل مع البلوغ فإن العقل الذي يحصل به التكليف غير منضبط لنا وكذلك المشقة التي يحصل معها الضرر. القسم الثالث أن تكون ظاهرة منضبطة لكن قد تخفى مثل الإيلاج مع الإنزال واللمس مع اللذة وهذا فيه نظر وقد اختلف فيه قبولا وردا ذكره طائفة من أصحابنا وغيرهم ورده أبو زيد واعتبرته المالكية في مس الذكر ومس النساء ولفظه السبب يقام مقام العلة إذا كان الغالب منه ذلك وكان التعلق بالعلة يؤدي إلى حرج فأما امساك الخمر إلى ثلاث وتحريم الخليطين والانتباذ في الأوعية فقد يقال هو من هذا القسم وقد يقال هومن القسم الأول [الخفاء مبادىء الإسكار1]   1 ساقط من ب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 424 مسألة ليس العكس شرطا في صحة العلة لجواز الحكم بعلل وهذا قول أصحابنا ومقتضى كلام امامنا وكذلك هو قول جمهور الفقهاء والأصوليين وصرح أبو الخطاب وغيره بأن العلة إذا كانت منصوصة جاز تعلقها1 بأخرى وقال بعض الأصوليين لا يجوز تعليل الحكم بعلتين أو أزيد واليه ذهب الجوينى وابن برهان وانتقد قول المالكية2. فصل: وهذا إذا كان التعليل لنوع الحكم لا لجنسه فأما إن كان التعليل لجنس الحكم فالعكس شرط مثال الأول قولنا الردة علة لإباحة الدم فهو صحسح وليس ينعكس ومثال الثاني قولنا الردة علة لجنس إباحة الدم فليس بصحيح لفوات العكس.   1 في ا "تعلقها". 2 في ب "وقد قدموا المالكية" تحريف وفي د "ومتقدو المالكية". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 421 مسألة: انعقد الإجماع على أن القياس على أصل مجمع على علته باطل وصورته أن نقول في مسالة مس الذكر مس ذكره فوجب أن ينتقض طهره كما لو مسه وبال ونحو ذلك واختلفوا في علة ذلك على طرق ذكرها ابن برهان1.   1 بهامش اهنا "بلغ مقابلة على أصله. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 425 مسألة: يجوز الفرض في بعض صور المسألة المسؤول1 عنها عند عامة الأصوليين ومنع منه بعض العلماء وقد ذكر فيه أبو محمد مذاهب.   1 مكان كلمة "المسؤول" بياض في ب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 425 مسألة: قال القاضي الاستدلال من طريق العكس صحيح كاستدلالنا على طهارة دم السمك بأنه يؤكل بدمه لأنه لو كان نجسا لما أكل بدمه كسائر الحيوانات النجسة دماؤها وكقولنا في قراءة السورة في الأخريين لو كانت سنة فيهما لسن الجهر بالقراءة فيهما إلا ترى أن الأوليين لما سن ذلك فيهما سن الجهر بقراءتهما ونحو ذلك وحكى عن الشافعية أن ذلك لا يصح وكذلك ذكره أبو الخطاب في أول كتاب القياس أن ذلك لا يسمى قياسا وقد سماه بعض الحنفية قياسا مجازا والمشهور عنهم وعن الحنفية جوازه ويسمى قياس العكس. قال شيخنا والاستدلال به قول المالكية فيما ذكره عبد الوهاب وحكى عن قوم من أهل العلم منعه ومنعه قول ابن الباقلاني وكل موضع يقاس فيه قياس العكس فإنه يمكن أن يصاغ [القياس1] صوغ قياس الطرد لكن لا يصرح بالحكم بل يذكر ما يدل عليه وهو التسوية بين المحلين محل الحكم المطلوب اثباته ومحل آخر كسائر الأصول مثل أن يقال في مسألة النية طهارة فاستوى جامدها ومائعها في النية كطهارة الخبث2 لكن التسوية في الأصل هى في عدم النية وفى الفرع في ثبوتها وقد ذكر أبوالخطاب هذا وذكر أن بعضهم يقول هذا قياس   1 كلمة "القياس" ساقطة من ا. 2 في اب "الجنب". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 425 [فاسد1] لأن حكم الأصل ضد حكم الفرع والمستدل يقول قصدت التسوية بين الجامد والمائع إلى آخره. قلت وحقيقة هذا القياس هى التسوية بين المواضع في الحكم المنصوص2 وهو يشبه قلب التسوية وذكر معه أبو الخطاب ما إذا لم يصرح القائس بالحكم مثل أن يقول آلة تقتل غالبا فأشبهت المحدد وجماع هذا أن الحكم تارة يكون معينا وتارة يكون مبهما وتارة يكون الحكم قياسا يستلزم الحكم فيكون قياس الطرد يتضمن قياسا طرديا يتضمن الحكم فانه يثبت بالقياس استواء الموضعين ثم يقيس أحدهما على الآخر في ثبوت الحكم ومثل هذا أن يكون الحكم الثابت في الأصل يتعدى إلى الفرع بأصله لا بوصفه كقولهم في مسألة الضم ما قالان زكاتهما ربع العشر فوجب ضم أحدهما إلى الآخر كالصحاح والمكسرة3 فإن الضم في الأصل بالاجزاء وفى الفرع على أحد القولين بالقيمة وذكر أبو الخطاب أن هذا القياس يصححه هو وغيره في مواضع.   1 ساقط من د. 2 في د "المخصوص". 3 في ب "والمكسورة". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 426 مسألة: قال القاضي الاستدلال بالتقسيم صحيح وهوأن يذكر أقساما محصورة فيبطل بالدليل جميعها إلا واحدا فحينئذ يتعين من غير دليل يخصه بالصحة ولم يذكر فيه خلافا وكذلك ذكره ابن برهان من غير خلاف وقسمه إلى ما يجوز في الظنيات والى ما يختص بالقطعيات. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 426 مسألة: إذا قال المناظر سبرت وبحثت لم أجد دليلا أو قسما آخر فانه يقبل منه ذلك إذا كان في مقام الفتوى والاجتهاد فأما المناظر فلا يقبل منه ذلك على خصمه بل يجب على خصمه اظهار ذلك إن كان عنده لتحصل الفائدة ولايكون كاتما للعلم وقاصدا للعناد فاذا لم يظهره دل ظاهرا على عدمه [عنده1] أيضا وهذا   1 كلمة "عنده" ساقطة من ا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 426 قول الأكثرين وذهب بعض الأصوليين فيما ذكره الجوينى إلى أنه لا يقبل السبر والتقسيم في الظنيات وذكره أبو محمد عن البخاريين وضعف مذهبه [وفصل] في ذلك. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 427 مسألة: قال القاضي يجوز الاستدلال بالقرائن وذكر له أمثلة قال وبه قال المزني وقال أكثر الشافعية لا يجوز وقد قدمناها في العمومات. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 427 مسألة: في التمسك1 بالاولى ذكره القاضي وهو المعاني نظير الفحوى في الخطاب ومثل بأمثلة بعضها منصوص عن أحمد قال ابن برهان وحقيقته وجود العلة مع زيادة وظهور وذكر أمثلته والتحقيق عندى أن الأولوية2 الواضحة التي يستوى فيها العالم والعامي هى تنبيه الخطاب كما سبق ولها حكم المنصوص كما سبق فأما الأولوية الخفية فكسائر الاقيسة كما قاله الشافعي في مسألة السلم الحال وكفارة العمد وقد سبق.   1 في ا "في التمثيل". 2 كلمة "الأولوية" ساقطة من ا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 427 مسألة: الطرد والعكس دليل على صحة العلة وبه قال أكثر الشافعية والمالكية والحرجاني وأبو سفيان السرخسي وحكيا1 عن أبي الحسن الكرخي أنه ليس بدليل على ذلك قال ابن برهان وبه قال ابن الباقلانى والغزالي وبعض أصحابنا وأصحاب أبي حنيفة والاول اختيار الجويني.   1 في د "وحكينا". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 427 مسألة: الطرد وحده1 ليس بدليل على صحة العلة في قول أصحابنا وظاهر كلام امامنا وبه قال ابن الباقلاني والجرجاني وأكثر الحنفية والسرخسي وأكثر الشافعية والمتكلمين خلافا لبعض الشافعية ولبعض الحنفية ومن الشافعية أبو بكر الصيرفى وقال الكرخي الحنفى يجوز التمسك به جدلا ولا يجوز التعويل عليه عملا ولا الفتوى به وأنكره ابن الباقلاني جدا.   1 في ا "الطردوجه" تصحيف. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 427 مسألة: إذا ذكر في العلة وصفا لا أثر له في الأصل لكن يحترز به من النقض لم يجر ذلك بناء على التي1 قبلها وذكر القاضي في مقدمة المجرد فيما إذا أدخل في العلة وصفا لا تأثير له في الأصل لكن يحترز به من النقض فهل يجوز ذلك على احتمالين وأجازه من جعل الطرد دليلا على صحة العلة وقال بعض الشافعية لا كذا ذكره أبو الخطاب وذكر الجوينى أن الذين لم يجعلوا الطرد دليلا اختلفوا فيه فالمحققون كقولنا وبعضهم أجازه واختار الجوينى [2تفصيلا ثالثا وهو أنه إن فارقت صورة النقض محل العلة بفرق ففرض بحذف الزيادة قبلت وإلا فلا2] . فصل: فأما العلة المنصوصة فلا يحتاج إلى تأثيرها في الأصل ذكره أبو الخطاب وغيره ومثله بقولنا فىمسألة المرتدة كفر بعد ايمان فأوجب القتل أصله ردة الرجل. قلت وهذا التمثيل فيه نظر فإن هذا الوصف مؤثر في الأصل أيضا فانه لولا هذا الكفر لم يقتل الراهب والاعمى والمقعد واليهودى والنصراني الباذل للجزية. [شيخنا] فصل: فإن كان فى العلة زيادة وصف لا تنتقض العلة باسقاطه فلا تأثير له مثل أن يقال في الجمعة صلاة مفروضة فلم تفتقر إلى اذن الإمام كسائر الصلوات فإن كونها مفروضة لا أثر له فمن الناس من قال لا يحتاج إلى هذا الوصف ودخوله يضر ومن الناس من قال هذه الزيادة لا تضر فإن فيها تنبيها على أن غير الفرض أولى   1 في ا "الذي قبلها" خطأ. 2 ساقط من ا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 428 أن لا يحتاج ولأنه يزيد تقريب الوصف من الأصل فالأولى ذكره وذكره بعد هذا زيادة وصف للتوكيد وكلام أبي الخطاب يقتضي منعه. [شيخنا] فصل: اختلفوا في الكسر هل هو سؤال صحيح وهو نقض لمعنى العلة فيه قولان اختار أبو الخطاب أنه ليس بسؤال صحيح قال وقد ذكر شيخنا فساد الكسر ولم يسمه كسرا فقال في الاسئلة الفاسدة اعتراض خامس وهو أن يبدل لفظ العلة بغيره ثم يفسده نحو قولنا في الصائم إذا أكره على الاكل والشرب إن مالا يفسد الصوم بسهوه لا يفسده إذا كان مغلوبا عليه كالقىء فيقول المعترض ليس في كونه مغلوبا أكثر من كونه معذورا والمعذور يفطر كالمريض قال وهذا فاسد لأن العذر غير الغلبة لأن العذر بالمرض لا يسلب الاختيار بدليل من استقاء لمرض والغلبة تسلب الاختيار كمن غلبه القيء ولانه نقل لفظ العلة إلى لفظ آخر ثم أفسده وهذا ليس بفساد للعلة قال أبوالخطاب وهذا هو نفس1 الكسر وذكر القاضي في ضمن جواب التسوية أن سؤال الكسر صحيح وإن جوابه بالتسوية يصح وفاقا. [شيخنا] فصل: من قال الكسر سؤال صحيح2 فانه يلزمه أن يجيب عنه بفرق تضمنته علته نطقا3 أو معنى قاله أبو الخطاب وغيره وقال بعضهم يكفيه الفرق سواء تضمنته علته أو لم تتضمنه وهذا أقوى فيما يظهر لى وذكر فصولا تشبه الكسر.   1 في ا "وهذا هو تفسير الكسر". 2 كلمة "صحيح" ساقطة من ا. 3 في ا "قطعا أو معنى". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 429 مسألة1 سؤال المطالبة بتأثير الوصف صحيح يلزم الجواب عنه في قول   1 في ا "فصل" مكان "مسألة". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 429 الأكثرين ولم يذكر أبو الخطاب فيه خلافا ولا القاضي وقال بعض العلماء ليس بصحيح وإنما يقبل ما يقدح فيه أو يعارضه وكأن هذا قول الطرديين. فصل: جمع فيه ابن برهان وأبو الخطاب والجويني والمقدسي والقاضي طرق اثبات العلة. فصل: آخر قبيل الإعتراضات ذكر فيه الفرق بين العلة والسبب والشرط. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 430 مسألة: إذا نقض على المعلل علله ففسرها1 بخلاف ظاهرها كتفسير العام بالخاص لم يقبل لأنه يزيد وصفا لم يكن ذكره القاضي وأبو الخطاب لكن مثلاه مثل قوله مكيل يحرم فيه التفاضل كالاربعة المنصوصة فتنقض علته بالجنسين قال وقال بعضهم يجوز ذلك له كما جاز مثله لصاحب الشريعة قال أبو الطيب هذا قول بعض من لا يحصل هذا العلم واختار مثل الأول.   1 في ب "فغيرها". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 430 1 مسألة: إذا احترز عن النقض بشرط ذكره2 في الحكم كقوله حران مكلفان محقونا الدم فوجب أن يثبت القصاص بينهما فىالعمد كالمسلمين فقيل لا يصح ذلك لأنه اعتراف3 بالنقض فإن الأوصاف المذكورة قد تخلف الحكم عنها في الخطأ وقال آخرون بل ذلك صحيح لأن الشرط المؤخر في اللفظ مقدم من حيث المعنى فجاز ذلك كما يجوز في الكلام تقديم المفعول على الفاعل وغير ذلك وقال أبوالخطاب وهذا هو الصحيح عندي.   1 وقعت هذه المسألة في د متأخرة إلى ص "439". 2 في ا "بشروط ذكرها". 3 في ا "اعتراض بالنقض". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 430 فصل: اذا قال المعترض لا أعرف مذهبي في الأصل فللمعترض أن يبين مذهبه أو يدل عليه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 431 مسألة: إذا نقضت علة المستدل فزاد فيها وصفا ليحترز به من النقض لم يقبل منه وانقطعت حجته التي بدأ بها ذكره ابن عقيل وأبوالخطاب قال وقال بعض أهل الجدل وبعض الشافعية لا يعد انقطاعا إذا كان الوصف معهودا معروفا في العلة وإنما تركه سهوا أو سبق لسان فإن لم يكن معروفا فاتفقوا على عدم قبوله. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 431 مسألة: جواب التسوية لدفع النقض صحيح قاله القاضي والحلواني والحنفية خلافا للشافعية مثل قوله في السلم منقطع الجنس وقت العقد موجود في محله فجاز السلم فيه كما لو كان موجودا وقت العقد فاذا نقض بالجواهر ونحوها قال قصدت وهى حاصلة وقد ذكره ابن برهان في الاجوبة الفاسدة عن النقض واختار ابن عقيل كالشافعية واختار أبو الخطاب الثاني إذا لم يجز تخصيص العلة فأما إن أجزناه فلا اشكال في جوازه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 431 مسألة: إذا كان التعليل للجواز لم ينتقض بأعيان المسائل ذكره القاضي وأبو الطيب وأمثلته مشهورة1. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 431 مسألة: إذا أجاب عن النقض بمنع وجود العلة في صورته فإن كان منع حكم انقطع الناقض وإن كان منع وصف لم ينقطع وله أن يدل عليه ويناظر فيه ذكره ابن برهان وأبو الخطاب وابن عقيل وقال بعض الناس إذا منع وجود الوصف انقطع أيضا إلا أن يدعى بأن دليل وجوده في الفرع يقتضي وجوده الجزء: 1 ¦ الصفحة: 431 فى الأصل1 فيكون نقضا لدليل وجود العلة وكذلك لو فرق بين الأصل والفرع بوصف فمنعه المستدل بثبوت ذلك الوصف اما في الأصل أو في الفرع فلمعترض أن يثبت ذلك الوصف بدليله كذلك استعمله القاضي في مناظرته وذكر عن صاحبه أنه منعه من إثباته.   1 في ا "في النقض". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 432 مسألة: لا يقبل على الخصم أن ينقض علل المستدل بأصل نفسه ذكره أصحابنا والشافعية وأجازه بعض أصحاب أبي حنيفة فيما إذا منعه الاسم الشرعى قاله أبو الطيب الطبرى وكان الجرجاني يستعمله وسئل عنه ابن الباقلاني فقال له وجه محتمل فعلى هذا إن سلمه الخصم وإلا فله الدلالة عليه لأنه الباني كما له الدلالة على أصل المسألة وكذلك ذكر أبو الخطاب أنه ليس للمعترض أن ينفي1 التأثير على أصله.   1 في ب "أن يبقى" تحريف. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 432 مسألة: قال القاضي وأبوالطيب لا يجوز لاحد أن يلزم خصمه مالا يقول به إلا النقض فأما غيره كدليل الخطاب أو القياس أو المرسل [ونحو ذلك] فلا ولم يذكر خلافا وكذلك قال أبوالخطاب ليس للمعترض أن يلزم المعلل ما لا يقول به إلا النقض والكسر على قول من التزمهما فأما بقية الادلة مثل المرسل ودليل الخطاب والقياس وقول الصحابي فلا يجوز أن يلزمه ذلك وهو يعتقد فساده. قال شيخنا وتحقيق الأمر إذا نقض المعترض على المستدل بمذهب المستدل وحده فقد اتفقا على انتقاض العلة أو الدليل هذا ينقضها بمحل النزاع وهذا بصورة النقض لكن اتفاقهما على انتقاضها اتفاق على فسادها فهو بمنزلة اتفاقهما على حكم الأصل وهذا دليل جدلى لا علمي لأن موافقة أحدهما للآخر على صحة المقدمة أو فسادها لا يوجب له أن يكون عالما بها فعلى كل منهما في نفس الأمر أن يكون له مستند في صحة المقدمة أو فسادها وإلا فالعلة إذا قام دليل صحتها من نص أو إجماع أو الجزء: 1 ¦ الصفحة: 432 إيماء أو تأثير ونحو ذلك فهى دليل شرعى يجب على كل منهما طردها فهى حجة على هذا في صورة الاستدلال وعلى هذا في صورة النقض فترك أحدهما لاثباته ليس مبيحا للآخر الترك إذا قام موجبه كما أن موافقة أحدهما للآخر على ما لا يعلم صحته ليس مبيحا له العمل إلا إذا قام موجبه وكذلك أيضا لو نقض العلة بصورة مسلمة منهما لكن هذا دفع جدلى بمنزلة حجة جدلية يقول له أنت لا يصلح لك أن تأمرني باستشهاد من نعتقد كذبه أنا وأنت وأما أنا فيما بينى وبين الله فذاك شيء آخر حكمى فيه كحكمك نعم لو أمرتني ونفسك باتباع موجب هذا لاستقام كما أن أحد الخصمين لا يصلح له أن يكون حاكما ولا شاهدا على خصمه وإن كان على الخصم فى الباطن أن يتبع الحق فما دام المعترض يعتقدا صحة الانتقاض لا يصلح له أن يأمر باتباع قول منتقض فاذا توقف عن هذا الإعتقاد أو قال أريد أن نتناظر حتى نعلم صحة الانتقاض أو فساده توجه منه ذلك فيقبل منه هذا السؤال في مناظرة المشاورة لا في مناظرة المجادلة سواء كان المقصود المشاورة في صحة الدليل أو في صحة الحكم وفرق بين المشاورة والمعاونة التي مقصودها استخراج مالم يعلم وبين المجادلة التي مقصودها الدعاء إلى ما قد علم والاول يدعو إلى حق مطلق والثاني يدعو إلى حق معين وعلى هذا فإذا عارضه المعترض بما هو دليل عند المستدل وحده فهو في المعنى مثل النقض بمذهب المستدل فإن النقض معارضة في الدليل كما أن المعارضة المطلقة معارضة في الحكم وكأنه يقول هذا الدليل الذي ذكرته موقوف باتفاق منى ومنك أما عندك فلأنه معارض بهذا الدليل وأما عندي فلتخلف مدلوله في صورة النزاع ويقول له هذا ليس بدليل سالم عندك فأنت لا تعتقد صحته فكيف تلزمنى بمدلوله والذي يقوله المستدل في دفع هذه المعارضة بقوله المعترض في دفع الاستدلال إلا ترى أن المعترض لو عارض بدليل عنده أو نقض بصورة يعتقدها فهما سواء وفى ذلك قولان يختار أصحابنا منعه وأما المستدل إذا استدل بما هو دليل عند مناظره فقط فهو في الحقيقة سائل معارض الجزء: 1 ¦ الصفحة: 433 لمناظره بمذهبه وهو سؤال وارد على مذهبه وهو استدلال على فساد أحد الامرين اما دليله أو مذهبه فينبغي أن يعرف وجوه الادلة والأسئلة وهذا في الحقيقة استدلال على فساد قول المنازع بما لا يستلزم صحة قول المستدل بمنزلة اظهار تناقضه وهوأحد مقاصد الجدل قال يعنى القاضي لأن الزامه يكون محتجا بما لا يقول به ومثبتا للحكم بغير دليل بخلاف الناقض فانه غير محتج بالنقض ولا مثبت للحكم به ومن وجه آخر حررته أن بهذا النقض يتتحقق اتفاقهما على العلة أما على أصل المعلل فبصورة الالزام وأما على أصل خصمه فبمحل النزاع وأما في غير ذلك فقد اتفقا على اطراح الأصل الملزم أما أحدهما فلا يراه دليلا بحال وأما الآخر فلانه لما خالفه دل على أنه قد ترك لدليل عنده1 أقوى منه وإذا حصل الاتفاق على تركه هاهنا بطل الزامه وكذلك ذكر القاضي وأبو الخطاب أن للمستدل أن ينقض علة السائل لأنه تبين له أنها فاسدة عنده فلا يجوز أن يحتج بما هو فاسد عنده. [قال شيخنا] قلت: وهذا التعليل يدخل فيه عدم التأثير على أصل المعلل أيضا ولفظ القاضي وأبي الخطاب ان استدل [بعلة] فعارضة السائل بعلة فنقضها المستدل بأصل نفسه لم يجز ذلك خلافا للجرجاني وبعض الشافعية وكذلك بحث المسألة على أن السائل عارض المستدل بعلة منتقضة على أصل المستدل وكذلك كانت في خط الجد وهذا قريب وكذلك قال الكياالهراسي لو نقض كلام السائل في معارضته بمسألة فمنعها السائل وأراد المسؤول أن يدل على النقض أجمع الجمهور أنه لا يجوز من حيث انه منتقل بخلاف ما إذا منع حكم الأصل الذي قاس عليه فانه يقبل منه الدلالة عليه وحاصله الفرق بين الأصل الممنوع والنقض الممنوع فأما أن السائل ينقض علة المستدل بأصل نفسه فهذا لا يقوله محصل فإن هذا يمنع الاستدلال إلا ترى أنهم جوزا للمستدل أن يستدل بما هو دليل عنده إذا تبين صحته وإن السائل ليس له أن يعارضه بما هو دليل عنده لا عند المستدل وقد ذكر الجد هذه   1 في ا "الدليل غيره أقوى منه" وفي د "لدليل آخر إلخ". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 434 المسألة فإن النقض من المعترض بأصل نفسه بمنزلة القياس على أصل نفسه وحاصله أن مقدمة الدليل المعارض ممنوعة وهذا ليس ببعيد كما يجوز ذلك للمستدل فانه بتقدير صحة مذهب المعترض لا يكون دليل المستدل سالما عن المعارضة وهو يشبه أن يستدل المستدل بقياس أو مرسل من غير أن يدل عليه وذلك يفيد اظهار المدارك لا تقرير1 المسائل وذلك يفيد جودة بيانه وسلامة أصوله لا انقطاع خصمه وذلك يفيد أنه ليس واحد منهما مغلوبا وليس هذا مثل وقف المعترض دليل المستدل. [شيخنا] فصل: لا يجوز للسائل أن يعارض المستدل بما ليس دليلا2 عند السائل مثل علة منتقضة على أصل السائل بخلاف نقض علة المعلل بما لا يراه المعترض فانه يجوز وقال بعض الشافعية تجو معارضته بما لا يعتقده السائل كما تجوز مناقضته بما لا يعتقده وفرض أبو الخطاب الكلام في معارضة السائل للمستدل بعلة منتقضة على أصل السائل وقاس على معارضته لسائر الادلة التي لا يقول بها كدليل الخطاب والقياس3. قال شيخنا قلت: إن كان المعارض قصده إثبات مذهبه لم يجز ذلك وإن كان قصده ابطال دليل المستدل جاز ذلك لأن المستدل إنما يتم دليله إذا سلم عن المعارضة كما لا يتم حتى يسلم من المناقضة فاذا كان المستدل لم يتم الدليل له كيف يلزم به غيره. [شيخنا] فصل: اذا نقض على المستدل بمسألة فقال لا أعرف الرواية فيها كفى ذلك في دفع   1 في ا "لا تقوية المسائل". 2 في ا "بما ليس دلالة – إلخ". 3 في ا "كذلك أيو الخطاب" تحريف. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 435 النقض ذكره أبو الخطاب وغيره قال أبو الخطاب فإن قال المستدل أنا أحمل هذه المسألة على مقتضى القياس وأقول فيها كالقول في مسألة الخلاف فإن [كان] 1 صاحب المذهب يرى تخصيص العلة لم يجز ذلك لأنه لا يجب الطرد عنده وإن كان [ممن] 2 لا يرى التخصيص احتمل أن يجوز ذلك لأنه طرد علته واحتمل أن لا يجوز لأنه يجوز أن يكون صاحب الفرع يعتبر علته فلا يثبت له مذهبا بالشك قال وهذا هو الاظهر عندي. قلت هذا إذا لم تكن تلك العلة مأثورة عن رب المذهب. قلت وله أن يقول من جهة المعنى إن كان في مسألة النقض خلاف أولا يعرف حكمها إن كانت صورة النقض مساوية للفرع طردت القياس فلا نقض وإن كانت مخالفة لها فقد ثبت الفرق فيكون التخلف لمانع. فصل: فان فسر المعلل لفظه بما يدفع النقض وهو ظاهر اللفظ كفى ذلك في دفع النقض وإن فسره بما فيه عدول عن ظاهر اللفظ لم يقبل أن يفسر العام بالخاص وكذا إذا قال عللت لما سألتنى عنه فيجعل سؤاله من تمام العلة وهى مذكورة في خط الجد.   1 كلمة "كان "ليست في ب. 2 كلمة "ممن" ليست في ا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 436 مسألة: ليس للمعترض أن يعارض المستدل بعلة منقوصه على أصل المعترض خلافا لبعض الشافعية ولنا أنه قد حصل اتفاقهما على نقضها لمن تدبر كما بينا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 436 مسألة: النقض بالمنسوخ وبما كان خاصا للنبي صلى الله عليه وسلم هل يقبل على مذهبين ذكرهما أبو الخطاب وابن عقيل في العلة بها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 436 فصل: النقض بالرخص الثابتة على خلاف مقتضى الدليل لا يجوز ذكره جماعة من اصحابنا وغيرهم في ضمن مسائل الخلاف وكذا بيان عدم [قال شيخنا1 وذكر أبوالخطاب أنه هل تنتقص العلة بموضع الاستحسان1] فقال يحتمل وجهين ومثله بما إذا سوى بين العمد والسهو فنقض بأكل الصائم وعلى ما حررته إن كانت العلة فيه مستنبطة انتقض بذلك إلا أن يبين مانعا وإن كانت منصوصة لم تنتقض بذلك.   1 ما بين المعقوفين ساقط من ب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 437 مسألة: وإن أورد النقض ثم عاد فمنع وجود العلة لم يقبل منه ذكره القاضي وأبو الطيب. فصل: [شيخنا] اذا لم يسلم النقض فقال الناقض إنما أدل1 على صحته لم يجز ذلك إلا أن يبين2 مذهب المانع ذكره القاضيان3.   1 في ب "إذا أدل" تحريف. 2 في ب "أن ينبغي" تحريف. 3 في هامش اهنا "بلغ مقابلة على أصله". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 437 مسألة: اثبات العلة بتقرير مناسبتها واحالتها للحكم مع سلامتها عن النواقض ومطابقة الأصول لها دليل صحيح عند المحققين قاله الجوينى وتكلم في ذلك وقرره وأجاب عن شبه من ينكره وذكر أبوالخطاب في مسألة الربا من الانتصار منعا في ثبوت1 العلة بالمناسب الغريب وهو الذي لم يعرف تأثيره في غير المحل المعلل وهذا قول أبي زيد الدبوسي وغيره من الحنفية والمسألة في الروضة وجدل ابن المنى وغيرهما ولم يذكر متقدمو العراقيين من أصحابنا وغيرهم مثل القاضي وأبى الخطاب المناسبة في طرق اثبات العلة وإنما ذكروا شهادة الأصول فقط   1 في ا "معنى تأثير العلة – إلخ" وقد ألحق بهامشها كلمة "في" وبجوارها علامة الصحة فصارت العبارة عندها "معنى في تأثير العلة" وهذا يرجح أن الأصل كما أثبتناه موافقا لما في ب د. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 437 وإنما ذكرت في كتب متأخريهم ومتقدمي الخراسانيين1 وهذا يعود إلى نفى المناسب الغريب فإن المناسب المؤثر إنما صح تأثيره في غير الأصل ولو لم يكن مناسبا فلاصحابنا في المناسب ثلاثة أوجه وهذا المسالة تشبه القياس عل ما ورد مخالفا للقياس فإن الحنفية منعوه إلا أن تكون العلة منصوصة أو مجمعا عليها أو يكون له نظير آخر لأنه إذا لم يكن كذلك كانت العلة مناسبة لم يعرف تأثيرها في غير ذلك المحل وفى الموضعين خلاف بين أصحابنا.   1 في ا "ومتقدمو الخراسانيون" خطأ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 438 مسألة: اثبات العلة بالنص صريحا أو إيماء 1 منصوص الشافعي وأحمد وغيرهما ولا ينبغي أن يكون فيه خلاف.   1 في ب "صريحا أو بها" تحريف. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 438 مسألة: ترتيب الحكم على اسم مشتق يدل على [تأثير] 1 ما منه الإشتقاق علة في قول أكثر الأصوليين وهواختيار ابن المنى وقال قوم إن كان مناسبا فكذلك وإلا فلا واختاره الجوينى وهو اختيار أبي الخطاب ذكره في مسألة تعليل الربا من الانتصار وهو الذي في الروضة واختيار الغزالي.   1 كلمة "تأثير" ساقطة من ب وسقوطها لا يغير المعنى المراد. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 438 مسألة: المناسبة لا تبطل بالمعارضة وقال بعضهم تبطل. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 438 مسألة: اختلف1 القائلون بفساد العلة التي اقتضت التأثير2 في الأصل 2 هل من شرط صحتها أن تكون مؤثرة في أصلها3 أم في أصل من الأصول المعتبرة في الشرع في الجملة فذهب أبو الخطاب وأبن عقيل وأكثر المحققين والحنفية إلى اشتراط تأثيرها في الأصل المقيس عليه وذهب عبد الرحمن الحلواني   1 في ا "يختلف" القائلون. 2 في د "العلة المؤثرة في الأصل". 3 في ا "مؤثرة في أصلنا". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 438 [منا] وأبو الطيب الطبرى من الشافعية إلى أنه يكفى1 أن تكون مؤثرة في أصل ما [2وقد تكلم ابن عقيل بكلام كثير جدا والحلواني وتكلم ابن عقيل على الاسئلة القياسية في أوائل الثاني بكلام شاف واضح كثير2] .   1 كلمة "يكفي" ساقطة من ا. 2 هنا ذكرت المسألة التي نبهنا إليها في ص "430". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 439 مسألة: إذا منع المستدل الحكم قد ذكره ابن عقيل1 في أوائل الثاني وأبو الخطاب وإن له أن يبين أن الصحيح عن صاحب المذهب كما قلت: وإن الذي منعتنيه قول ضعيف ومثلا ذلك بأن يلزم الحنفى أن من أحرم مطلقا وعليه فرض وقع عن فرضه فيقول لا أسلم ذلك فإن الحسن بن زياد روى عن أبي حنيفة أنه لا يقع عن فرضه قال أبو الخطاب وابن عقيل2 فالجواب عنه أن يبين صحة رواية التسليم وأنها هى المذهب المعول عليه اما باختيار شيوخ المذهب أو بغير ذلك.   1 في ب "فذكر ابن عقيل". 2 في ا "قال ابن عقيل وأبو الخطاب". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 439 مسألة: يجوز للمستدل أن يستدل بما هو دليل عنده وإن لم يكن دليلا في مذهب خصمه ويدل على كونه دليلا إذا منعه كالحنبلي يستدل بالمفهوم على الحنفي أو بالقياس عل الظاهري ونحو ذلك ذكره القاضي وأبوالطيب وأبو الخطاب في أول أسئلة القياس وحكى القاضي1 وأبو الطيب عن أبي علي الطبري صاحب الايضاح2 أنه أن كان ذلك3 أصلا مشهورا كدليل الخطاب والقياس على الظاهري ونحوه جاز وإن كان خفيا لم يجز حتى يستشف من خصمه تسليمه وإلا فمتى منعه اياه كان منقطعا ولم يكن له تبيينه   1 في ا "وحكيا عن أبي البري" وفي ب "وكتبا القاضي وأبو الخطاب – إلخ". 2 في ب "صاحب الإيضاح". 3 كلمة "ذلك" ساقطة من ا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 439 ومثل ذلك بأن يقول في موت من عليه الحج حق ثبت في ذمته واستقر وهو مما تدخله النيابة فلم يسقط بالموت كالدين فاذا منع خصمه كونه تدخله النيابة انقطع ولم يكن له نقل الكلام إليه ولا الدلالة عليه إلا أن يكون قد استلم ذلك منه قال أبو الطيب والصحيح قول سائر أصحابنا يعنى في جواز ذلك في الخفى وغير الخفى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 440 مسألة: لا يجوز للمعترض أن يلزم المستدل ما لا يعتقده وإن اعتقده المعترض ويجوز أن يعارض خبره المسند بالمرسل وهو لا يرى المرسل1 وليس للمعترض أن يقول سلمت أن المرسل حجة وإلا رد ذلك عليه كذا ذكر القاضي وأبو الطيب وأبوالخطاب وذكر الهراسي2 فيها قولين ورجح الجواز لأنه بالمعارضة كالمستدل. والتحقيق أن المستدل إن أمكنه من ذلك وأجاب انقطع المعترض وإن لم يمكنه لم ينقطع واحد منهما فيكون الاستدلال في مهلة النظر في المعارض بخلاف ما ذكرنا في المستدل ومثله أبو الخطاب بأن يعارض بدليل الخطاب وهو لا يقول به وبأن يستدل بعموم فيقول السائل هذا مخصوص بالقياس فيقول المستدل ليس بحجة عندي 3 [أو يقول العموم عندي لا يخص بالقياس فليس للسائل أن يقول القياس عندي حجة] 3 وأنا أدل عليه أو القياس عندي يخص به العموم وأنا أدل على ذلك لكن تفريق أبي الخطاب بينهما4 يقتضي أن هذا في المعترض السائل بخلاف المعترض المحتج عليه ابتداء.   1 في ا "خبره المرسل بالمسند". 2 في ب "المراسي" تحريف. 3 ما بين المعقوفين ساقط من ا. 4 في ب "تفريق ابن الخطاب" وفي ا "تقرير أبي الخطاب بينهما". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 440 مسألة: سؤال المعارضة سؤال صحيح مقبول في قول الجمهور وقال الغزالى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 440 الكبير الذي هو من المشايخ وجماعة ليس بصحيح ولا يقبل [شيخنا] فصل: القلب نوع من المعارضة قاله أبوالخطاب وغيره وقال بعض الشافعية هو افساد وليس بمعارضة فيفيد ذلك أن لا يتكلم عليه بما يتكلم على العلة المبتدأة. فصل: المعارضة نوعان معارضة في الفرع فلا بد لها من أصل ترد إليه ويكون قد عارضه بقياس يمنع ثبوت الحكم الذي أثبته المستدل ومعارضة في الأصل وهو الفرق فلا يخلو اما أن تكون العلة واقفة وعلى المستدل جارية أو كلاهما جاريتين فالاول مثل تعليل أصحابنا ظهار الذمى بأنه شخص يصح طلاقه فصح ظهاره كالمسلم فيقول المخالف المعنى في المسلم أنه يصح تكفيره فيقول المستدل هذه علة واقفة وهى لا تصح وإن كان ممن يصححها قال أو أقول بالعلتين في الأصل لأن حكم هذه العلة لا ينافي علتى فلا يمتنع تعليق الحكم بهما بل يعلق الحكم بكل واحدة منهما في الأصل وتكون علتى متعدية إلى الفرع وغير ممتنع أن يثبت الحكم بعلتين وليس من شرط العلة العكس فإن قال المعترض قد أقررت بصحة علتى والحكم يستقل بها فإن ادعيت علة أخرى فعليك الدليل قيل هذا مطالبة بتصحيح العلة وكان يجب تقديمه فاذا عارضت ثم عدث فطالبت خرجت عن مقتضى الجدل هذا كلام أبي الخطاب وقد تقدم في أعم العلتين مثل1 هذا عن أبي الطيب وغيره وكذلك إذا عورض المعلل بالوزن بالثمنية وقال أنا أقول بالعلتين وهذا الكلام مبنى على تعليل   1 في ا "نقل هذا". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 441 الأصل [بعلتين] 1 وهذا2 صحيح في الجملة لكن ليس لاحد أن يدعي أن كل واحد من الوصفين علة إلا بدليل بل يجوز أن تكون العلة مجموعهما لكن متى أثبت المستدل صحة العلة المتعدية لم تضره المعارضة بالقاصرة وهذا هو الذي أوجب أن قال بعض الناس انه لا يجوز التعليل بعلتين مستنبطتين ويجوز بمنصوصتين لكن العلة المومأ اليها والمنبه عليها3. [شيخنا] فصل: وان عارضه بعلة معلولها داخل في معلول علته لم يصح مثل أن يعارض علة الطعم بعلة القوت أو بعارض من علل بعموم القتل في منع الارث بالتهمة في القتل ونحو ذلك هذا قول طائفة من أصحابنا وأصحاب الشافعي منهم أبو الخطاب وأبو الطيب لأن علة المعترض داخلة في علة المعلل. قلت هذا مثل معارضة المتعدية بالقاصرة وهذا الذي قالوه ليس بصحيح ما لم يستدل على صحة علته ومتى صحت علة المستدل فلا تضرها المعارضة بعد هذا بحال لامكان العمل بهما فالصواب أنه متى عارضه بواقفة أو خاصة أخص من علته أو مخالفة لها فهى معارضة صحيحة إلا أن يدل على صحة علته وكلامهم إنما هو إذا دل على صحة علته فانه يمكنه القول بموجب العلة الواقفة أو الخاصة وقد لا يمكنه القول بموجب العلة المخالفة. شيخنا فضل وإن كانت العلة المعارض بها معتدية وهي صحيحة عند المستدل أيضا لم يمكنه الطعن فيها لكن عليه أن يبين أن علته متضمنة لها إن أمكن بأن يكون   1 كلمة "بعلتين" ساقطة من ا. 2 في ا "وهو صحيح". 3 في هامش اهنا "بلغ مقابلة على أصله". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 442 جنسهما واحدا أو إحداهما مستلزمه للأخرى كما إذا قال في الطلاق قبل النكاح من لا يملك الطلاق المباشر لا ينعقد له صفة الطلاق كالمجنون فإذا عورض بأنه غير مكلف قال وهذا غير مالك وهما في الشرع سواء وإن لم تكن صحيحة عنده فلا بد من إفسادها أو ترجيح علته عليها. فصل1: قال أبو الخطاب المعارضة بعلة في الأصل لا تحتاج إلى أصل ترد ايه. [شيخنا] فصل: قال أبو الخطاب ليس من شرط صحة المعارضة أن يعكسها في الفرع ويجوز أن يذكر في الأصل علة وفى الفرع علة أخرى لأن العلة قد تكون صفة شرعية أو حكما هو معكوس على أصله لا على أصل المستدل والوصف في الفرع قد يكون ثابتا في الأصل على أصله وقال بعضهم إن لم يعكسها في الفرع لم يحصل. [شيخنا] فصل: الانتقال من السائل انقطاع عند الجمهور وكلام القاضي في العدة يقتضي أنه ليس له أن ينتقل عن السؤال قبل تمامه فإن فعل انقظع وهذا بعيد وقال الباجي2 ليس بانقطاع بل هو سائغ له قصة إبراهيم3 وللأولين عنها جوابان فإن قال السائل ظننت أنه لازم فبان خلافه فمكنوني من سؤال آخر ففيه خلاف قال والاصح أنه يمكن منه إذا كان انحدارا من الأعلى إلى الأدنى   1 سقط هذا الفصل من أصل اوألحقه الناسخ بهامشها. 2 في ا "وقال الناشيء". 3 في ا "بل هو سائغ بقصة إبراهيم". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 443 فإن كان ترقيا من الأدنى إلى الأعلى كما لو أراد الترقي من المعارضة إلى المنع فقيل لا يمكن منه لأنه مكذب لنفسه وقيل يمكن لأن مقصوده الاسترشاد قال والمسئول يمكن من الفرض ولو أراد العدول عن دليل إلى دليل لا يؤيد الأول كان منقطعا وترك الدليل الأول لعجز السائل عن فهمه لا يعد انقطاعا وعلى ذلك حملت قصة إبراهيم وقيل يكون انقطاعا لأنه التزام نقيضه1 وقال ابن عقيل إذا دخل السائل دخولا يلتزم بعد تحقق الخلاف بينه وبين المسئول فلا يحوز له أن يخرج عن سنن الالزام إلى أن ينتهي إلى تحقيق أنه لازم فكلما حاول الخصم أن يهرب منه رده إليه قال والانتقال عن السؤال هو الخروج عما يوجبه أوله من ملازمه السنن2 فيه مثل أن يقول ما دليل حدوث الاجسام فيقول المجيب الأعراض فيقول وما حد الأعراض أو يقول ما مذهبك في الخمر هل هو مال لأهل الذمة فيقول هو مال لهم فيقول السائل وما حد المال فهذا انتقال قال فإن أجابه عن ذلك فقد خرج معه أيضا وهذا كثير ما يتم3 بين المخلين بآداب الجدل قال وإذا خرج المسئول من دليل الى دليل آخر قبل إتمام الأول كان انتقالا منه وإن خرج بعد التمام4 فليس بانتقال في حكم الجدل وهذا القول أقرب فإن السائل نوعان مبطل ومستعلم فالمبطل هو مقرر للفساد كما أن المستدل مقرر للصحة وتعديده للاسئلة كتعديد المستدل للادلة لكن الممانعة المحضة ليس فيها ابطال وإنما الابطال في المعارضة والمناقضة. قال والانتقالات التي ينقطع بها أربعة أقسام انتقال من مذهب إلى مذهب ومن علة إلى علة ومن الزام إلى الزام ومن تسليم إلى ممانعة.   1 في ب "التزم تفهمه" وفي د "تفهيمه". 2 في ا "السيق". 3 في ا "ما يمر" والكلام بعده يرجح ما أثبتناه موافقا لما في ب. 4 في ب "بعد أن أقام". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 444 وذكر ابن عقيل أن بعضهم رأى أن الانتقال من دليل إلى غيره ليس بانقطاع ولا خروج عن مقتضي الجدال والحجاج احتجاجا بقصة إبراهيم وأجاب عنه بأن الخليل لم يكن انتقاله للعجز لأنه كان قادرا أن يحقق مع نمرود حقيقة الإحياء والإماتة وهو المستدل بالنجوم وغيرها لكنه لما رآه غبيا1 أو متغابيا انتقل إلى الدليل الأوضح2 في باب يعجزه عن دعواه المشاركة لباريه فلم يوجد في حقه العجز. قلت فحاصلة أن الانتقال لمصلحة يجوز وليس انقطاعا دون ما إذا كان عجزا فانه انقطاع.   1 في ا "لما رأى عييا". 2 في ا "إلى الدليل الواضح". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 445 مسألة: المعارض هل له بعد المعارضة أن يتأول خبر المستدل اختلفوا فيه على مذهبين ذكرهما ابن برهان. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 445 مسألة: سؤال القلب صحيح وإن لم يقلب نفس حكم المستدل بل ما يلزم منه قلبه كقلب التسوية وكما إذا قال المستدل لبث في مكان مخصوص فلم يكن قربه بنفسه كالوقوف بعرفة فيقلب عليه فيقال فلم يكن الصوم شرطا فيه كالوقوف بعرفة وما أشبه ذلك ذكره القاضي وأبو الخطاب وكثير من الشافعية منهم أبو الطيب وحكاه أبو الطيب عن أبي علي الطبري في القلب المذكور ثانيا وبابه وقال بعض الشافعية ليس بصحيح لأنه معارضة فى غير الحكم الذي علل به المستدل واستدل عليه القاضي بالشركة في دلالة النصوص كقوله لا ضرر ولا ضرار ومنهم من فصل فقال لا يجوز قلب التسوية لأن حكم الأصل فيه يخالف حكم الفرع ويجوز القلب الآخر وهو أن يصرح بحكم يستوي فيه الأصل والفرع ويلزم1 منه محل النزاع2.   1 في د "ويستوي فيه". 2 في هامش اهنا "بلغ مقابلة على أصله". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 445 فصل: يجوز أن يكون الحكم المعلل علة والعلة معلولا بأن يقول من صح طلاقه صح ظهاره ومن صح ظهاره صح طلاقه وهذا نوع ثالث من القلب لا يفسد العلة عند أصحابنا وأكثر الشافعية وقالت الحنفية وبعض المتكلمين هذا يفسد العلة1.   1 في ب "هذا يفيد العلة" خطأ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 446 مسألة: لا يجوز أن يعتدل قياسان أو أمارتان في المسألة الواحدة أو خبران يختلفان على شىء واحد بأن يوجب أحدهما الحظر والاخر الاباحة بل لا بد من وجود المزية في أحدهما فإن ظهرت للمجتهد صار اليها وإن خفيت عنه وجب أن يجتهد في طلبها ويقف إلى أن يتبينه وهذا قول أصحابنا القاضي وابن عقيل وأبى الخطاب وغيرهم وبهذا قالت الشافعية والكرخي وأبو سفيان السرخسي وحكاه الاسفرائيني عن أصحابه وقال أبوبكر الرازي والجرجاني والجبائي وابنه وابن الباقلاني وزعم أن هذا بحكى عن الحسن البصري وعبد الله العنبري1 وإن أبا حنيفة حكى عنه التخيير في وجوب زكاة الخيل وتركه وقال إن هذا قول من يقول كل مجتهد مصيب وهو قول الأشعري ذكره في كتاب الاجتهاد قال وليس للمفتى أن يخير المستفتى ولا للحاكم أن يخير الخصوم ولا أن يحكم في وقت بحكم وفى وقت آخر بحكم آخر بل يلزم أحد القولين وذكر أن هذا قول هؤلاء ثم هل يتعين عليه وعلى العامي إذا خير بين المفتين أحد الاقوال بالشروع فيه كالكفارات أو بالالتزام كالنذور لهم فيها قولان. قلت هما نظير الوجهين لنا في جواز انتقال الإنسان عنه. وذكر أبو الخطاب أن الأمة مجمعة أن مسائل الاجتهاد ليس المجتهد مخيرا فيها   1 في د "عبيد الله العنبري". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 446 وبعض المتكلمين يجوز ذلك وإذا تساويا في نفس المجتهد خير في الأخذ بأيهما شاء وهذا قول أبي علي الجبائي وأبي هاشم حكاه ابن عقيل قال وبالاول قال الفقهاء وكذلك حكاه عنه أبو الخطاب وهذا قول ابن عقيل في ضمن مسألة القياس فانه قال ولسنا نمنع تكافؤ الصفات التي يقيس1 بها القائسون وكون الصفة لها دلالة على تعلق الحكم بها في حق من غلب على ظنه منهم أن الحكم متعلق بها دون ما عداها وإن تكون أحكام الله في الحادثة وتعليل حكمه مختلفة في حقوق المجتهدين وفرضه عليهم في ذلك مختلف لأن ذلك ليس بمستبعد وسنورد في ذلك ما يقتضيه في موضعه حتى انه إذا تساويا عنده تساويا يمتنع معه الترجيح كان المجتهد مخيرا كما خير المكفر ثم ذكر قول أصحابنا ثم قال في أثناء المسألة فإن قيل قد يشبه الفرع أصلين متضادي الحكم أحدهما حلال والآخر حرام ويشارك كل واحد منهما في صفة من الصفات يقتضي عند المجتهد الحكم فيها بحكمهما جميعا فما الذي تصنعون فيه قيل يكون عندنا مخيرا في الحكم بأيهما شاء على ما نبينه بعد إن شاء الله ثم ذكر أنا وكل من يقول إن الحق في جهة واحدة وليس كل مجتهد مصيبا وهم أكثر القياسين يمنع من تكافؤ القياسين وأما من قال بالتساوي فحكمه التخيير وإنما يجىء على قول من يقول كل مجتهد مصيب وحكى الجرجاني قول الكرخي وقال هذا خلاف ما قاله أبو حنيفة في سؤر الجمار لما تساوى فيه الدليلان توقف فيه. قلت وليس هذا بصحيح لأن أبا حنيفة لم يخير في الأخذ بأيهما شاء بل عمل بالاحوط وجمع بين الدليلين حسب الامكان حيث قال يتوضأ به ويتيمم والقول بالتكافؤ والتخيير قول أبي هاشم من المعتزلة ذكره ابن برهان وأبو الخطاب بعد مسألة كل مجتهد مصيب.   1 في اد "التي ينتزعها القائسون". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 447 وقال القاضي في مسألة تعارض البينتين وأيضا فإن البينة حجة في الشرع والحجتان إذا تعارضتا ولم يكن لاحداهما مزية على الأخرى كان حظهما السقوط كالنصين والقياسين إذا تعارضا. وقال أيضا في حديث أبي موسى لما روى فيه أنه قسم مع قيام البينتين وروى أنه لا بينة لهما فقال وإذا تعارضت الروايتان سقطتا وكذلك قد يذكر مثل هذا في كثير من الروايات المختلفة انها تتساقط1 فهذا إن أخذ على ظاهره صار قولا ثالثا بأن الادلة تتكافأ فتتساقط وقد جعله محل وفاق مع الحنفية وغيرهم فكيف والخلاف في التكافؤ والتوقف والتخيير مشهور والتوقف المشهور من قولنا في الادلة هو احدى الروايتين عن مالك وقول للشافعى في البينات وإن تأول هذا على تعارض حديثين معينين أو قياسين معينين مع أنه لا بد له في المسألة من دليل غيرهما يعمل به فهذا ممكن ويحمل على حديثين أو قياسين ليس مع أحدهما ما يرجح به لكن هذا يمنع الترجيح بدليل منفصل ويوجب أنه إذا تعارض دليلان متكافئان وعلمنا بثالث كان لسقوطهما لا لرجحان أحدهما فهو مشكل أيضا اللهم إلا أن يفسر ترجيح أحدهما بسقوطهما لكن هذا يخرم عليه ما ذكره في البينات من الفرق بين التساقط والترجيح. [شيخنا] فصل: اتفقوا على أنه لا يجوز تعادل الادلة القطعية لوجوب وجود مدلولاتها وهو محال وكذاك الادلة الظنية عندنا ذكره القاضي وأبو الخطاب وبه قال الكرخي وأبو سفيان السرخسي وأكثر الشافعية وقال الرازي والجرجاني والجبائي وابنه يجوز ذلك وذهب قوم إلى جوازه في القطعيات ذكره يوسف ابن الجوزي وقد ذكر   1 في ب "أنها تتناقص" وكذلك فيما بعد. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 448 القاضي فيما اختصره من اصول الدين والفقه رأيته بخطه لا يجوز تكافؤ الادلة في أدلة التوحيد وصفات الله وأسمائه والقضاء والقدر وأما دلائل الفروع مثل الصلاة والصيام والحج والزكاة وغير ذلك فيجوز أن تتكافأ وقال بعد هذا والمجتهد إذا أداه اجتهاده إلى أمرين متناقضين فحكمه حكم العامي يجب عليه أن يقلد غيره ولا يجوز القول بالتخيير. قلت وكذا يجب أن يقال إذا تكافأت عنده وعجز عن الترجيح فعلى هذا يكون التقليد بدلا لا يصار إليه إلا عند العجز عن الاجتهاد. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 449 مسألة: إذا تعادلت الادلة عند المجتهد فحكمه الوقف عند أصحابنا قال صالح كنت أسمع أبي كثيرا يسأل عن الشىء فيقول لا أدري وربما قال سل غيرى ومن قال بجواز تعادل الامارات قال يتخير بين الإعتقادين كما خير العامي بين المفتيين إذا اختلفا. قال أبو الخطاب وأما القبلة فلا يجوز أن تتساوى الأمارات عنده [فيها] ومتى وجد ذلك جعلناه بمنزلة الأعمى يقتدى بغيره فيها ولا يتخير [أى الجهات شاء كما نقول في مسألتنا إذا تساوت عنه وقف حتى يذاكر غيره أو يفكر فتترجح عنده احدى الامارتين ولا يتخير1] وإن سلم التخيير في جهات القبلة فلان حكم القبلة أخف ولهذا يجوز تركها مع العلم في حال المسايفة وفى النافلة وقد ذكر ابن عقيل في موضع أنه إذا اعتدل عنده القياسان يخير ولكن هل يجوز تساويهما في نفس الأمر لابن عقيل فيه قولان وقياس ما ذكره أبو الخطاب في القبلة أنه يقلد إذا استويا عنده كما قلنا على وجه انه يقلد عند ضيق الوقت وقد ذكرت لاصحابنا كلاما في ذلك عند مسألة التقليد. وذكر أبو المعالي أنه إذا تكافأ عنده وجها الاجتهاد فكل واحد من المصوبة والمخطئة اختلفوا هل يقلد عالما أكبر كالعامي أو يتوقف أو يتخير على ثلاثة أقوال.   1 ما بين هذين المعقوفين ساقط من أصل اوقد ألحقه الناسخ بهامشها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 449 [والد شيخنا] مسألة: يجوز للمجتهد أن يحكم في الحادثة وإن لم يحكم فيها قبله وهل الأفضل به ذلك أو التوقف إذا وجد غيره اختلف أصحابنا في ذلك فيما حكاه عنهم ابن حامد فذهب طائفة منهم إلى أن التوقف أفضل مطلقا وذهب بعضهم إلى أن ما كان من الفروع حكم فيه وما كان من الأصول توقف [فيه] وذهب ابن حامد إلى أن الأفضل أن يحكم في الجميع مطلقا وتعلق الأولون بقول أحمد في رواية الميموني إياك أن تتكلم بكلمة واحدة ليس لك فيها إمام وتعلق الآخرون بغير ذلك وتعليل كل قول في تهذيب الأجوبة لابن حامد وقد صرح1 ابن عقيل والدينورى عن أحمد رواية أن كل مجتهد مصيب من دلالته على استفتاء غيره. قلت ويؤخذ ذلك أيضا من قوله للذى صنف ما في الحديث من الاختلاف [والأحاديث] المتضادة وسماه كتاب الاختلاف قال لا تسمه كتاب الاختلاف ولكن سمه كتاب السعة2 وروى الخلال ذلك عن طلحة بن مصرف وقال عمر ابن عبد العزيز ما أحب أن لى باختلاف أصحاب محمد حمر النعم وقد بسط ابن عقيل ذلك.   1 في د "وقد خرج". 2 كذا في اب وفي هامش ب "الشفاء". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 450 مسألة: لا يجوز للمجتهد أن يقول في شىء واحد ووقت واحد بقولين مختلفين وحكى عن الشافعي أنه أجاز ذلك ذكره في مواضع من كتبه وقسم أبو الطيب ما كان منه إلى أربعة أقسام. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 450 مسألة: المصالح المرسلة لا يجوز بناء الاحكام عليها قاله ابن الباقلاني ني وجماعة المتكلمين وهوقول متأخري أصحابنا أهل الأصول والجدل وقال مالك يجوز ذلك وقد ذكر أبو الخطاب في تقسيم الادلة الشرعية أن الاستنباط قياس الجزء: 1 ¦ الصفحة: 450 واستدلال والاستدلال يكون بأمارة أو علة ويكون بشهادة الأصول والاستدلال بالعلة أو الامارة هو المصالح قال ابن برهان الحق ما قاله الشافعي قال إن كانت ملائمة لأصل كلي [من أصول] الشريعة أو لاصل جزئي جاز لنا بناء الاحكام عليها وإلا فلا قال وسنبين أن مالكا لا يخالف هذا المذهب وقسم المقدسي في ذلك تقاسيم كثيرة وأنكر بعض أصحابنا أن يكون فيها مذهب ثالث وذكر مثل قول مالك قولا قديما للشافعى وحكى ذلك عن أبي حنيفة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 451 مسألة: الاستحسان كان أبو حنيفة وأصحابه يقولون به وأنكره الشافعي عليهم وبسط أبو الخطاب القول فيه عقيب تخصيص العلة قال القاضي عبد الوهاب المالكي ليس بمنصوص عن مالك إلا أن كتب أصحابنا مملوءة من ذكره والقول به ونص عليه ابن القاسم وأشهب وغيرهما. وفسره الحلواني بأوجه ويحتمل عندي أن يكون الاستحسان ترك القياس الجلى وغيره لدليل نص من خبر واحد أو غيره أو ترك القياس لقول الصحابي فيما لا يجرى فيه القياس كما تقدم. وهذ ظاهر كلام أبي الخطاب في كتاب الهداية في مسألة العينة حيث قال لا يجوز استحسانا فلينظر إن كان ذكر ذلك أحد ثم انى رأيت الفخر إسماعيل في كتابه الجدل قد ذكر هذا الذي ذكرته بعينه في تفسير الاستحسان أعنى ترك القياس للحديث المخالف للقياس اللائق بتفسير الاستحسان ما ذكرته ثانيا من ترك القياس لمخالفة الصحابي له أعنى فيما لا يجرى فيه القياس فإن الحنفية وافقونا في أن الصحابي إذا قال قولا لا يهتدي إليه القياس حمل على أنه قاله توقيفا والشافعية خالفونا في ذلك وكذا الحنفية وافقونا في الاستحسان والشافعية خالفونا وهذا وجه حسن إن شاء الله. [قال شيخنا] وقد أطلق أحمد القول بالاستحسان في مواضع قال في رواية الميموني أستحسن أن يتيمم لكل صلاة والقياس أنه بمنزلة الماء يصلى به حتى يحدث أو يجد الماء الجزء: 1 ¦ الصفحة: 451 وقال في رواية بكر بن محمد فيمن غصب أرضا فزرعها الزرع لرب الارض وعليه النفقة وهذا شىء لا يوافق القياس ولكن أستحسن أن يدفع إليه نفقته وقال في رواية المروذى يجوز شراء أرض السواد ولا يجوز بيعها فقيل له كيف يشترى ممن لا يملك فقال القياس كما تقول ولكن هو استحسان وقال في رواية صالح في المضارب إذا خالف فاشترى غير ما أمره به صاحب المال فالربح لصاحب المال ولهذا أجرة مثله إلا أن يكون الربح يحيط بأجرة مثله فيذهب وكنت أذهب إلى أن الربح لصاحب المال ثم استحسنت. وبه قال أصحاب أبي حنيفة وذكر عن اياس ابن معاوية وكتب مالك مشحونة بالاستحسان وكذلك قال الشافعي أستحسن في المتعة قدر ثلاثين درهما1 وقد أنكر الشافعي وأصحابه القول بالاستحسان وقال أحمد في رواية أبي طالب أصحاب أبي حنيفة إذا قالوا شيئا خلاف القياس قالوا نستحسن هذا وندع القياس فيدعون ما يزعمون أنه الحق بالاستحسان وأنا أذهب إلى كل حديث جاء ولا أقيس عليه قال القاضي هذا يدل على ابطال القول بالاستحسان. قال أبو الخطاب وعندى أنه أنكر عليهم القول بالاستحسان من غير دليل ولهذا قال يتركون القياس الذي يزعمون أنه الحق بالاستحسان فلو كان الاستحسان عن دليل ذهبوا إليه لم ينكره لأنه حق وقال أنا أذهب إلى كل حديث جاء ولا أقيس عليه معناه أني أترك القياس بالخبر وهذا هو الاستتحسان بالدليل وفصله فصولا أحدها في أن هذه التسمية صحيحة الثاني في حده قال والذي يقتضيه كلام أصحابنا أن يكون حد الاستحسان العدول عن موجب القياس إلى دليل هو أقوى منه لأنه لم يرد لفظه إلا في أنه ترك الحكم إلى حكم هو أولى   1 في ا "بقدر ثلاثين ذراعا" تحريف. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 452 منه قال وليس بشيء لأن الأحكام لا يقال بعضها أولى من بعض ولا بعضها أقوى من بعض وإنما القوة للأدلة. قلت هذه مناقشة لفظية وحده بعضهم بأنه ترك القياس [إلى قياس أقوى منه قال وهذا باطل فإنهم إذا تركوا القياس1] لنص أو تنبيه كان استحسانا. وحده بعضهم بأنه ترك طريقة الحكم إلى [طريقة] أخرى أولى منها لولاها لوجب البنيان2 على الأولى. وحده الكرخي بأنه العدول عن أن يحكم في المسألة بمثل ما حكم في نظائرها لوجه هو أقوى من الأول. قال وهذا معنى الذي قبله ويلزم عليه أن يكون العدول عن العموم إلى التخصيص استحسانا [والعدول عن العموم إلى الخصوص استحسانا3] . [شيخنا] فصل4: قال أبوالخطاب ومعنى الاستحسان أن بعض الأمارات تكون أقوى من القياس فيعدل اليها من غير أن يفسد القياس وهذا راجع إلى تخصيص العلة قال وشيخنا يمنع من تخصيص العلة وينصر القول بالاستحسان ولا أعرف لقوله وجها وقد أورد القاضي على نفسه هذا في مسألة تخصيص العلة وفرق بين تخصيصها وبين ترك قياس الأصول للخبر قال ولانهم قد يعدلون في الاستحسان عن قياس وعن غير قياس فامتنع أن يكون معناه تخصيصا بدليل.   1 ما بين هذين المعقوفين ساقط من اولا شك أن الكلام لا يستقيم بدونه. 2 في ب "لوجب الثبات على الأولى". 3 ساقط من ا. 4 بهامش اهنا "بلغ مقابلة على أصله". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 453 قلت إذا لم نقل بتخصيص العلة أخذ من موضع الاستحسان قيدا فجعله قيدا في العلة ويتبين بذلك أن تلك لم تكن علة تامة كما يتبين بالمخصص أنها لم تكن عامة فلا فرق بين القول بتخصيص العلة وعدم تخصيصها وهذا الذي قاله أبو الخطاب يوافق قول أبي الحسين وابن الخطيب وغيرهما. وفسر الحلواني الاستحسان بأنه ترك [القياس لدليل أقوى منه من كتاب أو سنة أو إجماع قال وفسره بعض الناس بأنه ترك القياس1] بما يستحسنه بعض الناس من غير دليل وأنكر الكرخي هذا وقال هو العدول بحكم المسألة عن نظائرها لدليل يخصها وقال بعضهم هو القول بأقوى الدليلين وقال غيره هو تخصيص العلة وقد أومأ أحمد إلى كلام يقتضى أن القول بالاستحسان باطل وبه قال الشافعي ثم ذكر في أثناء كلامه في قوله ما رآه المسلمون حسنا أنه عام في جميعهم وفى بعضهم وقال الاستحسان هو الأخذ بأقوى الدليلين وأشبههما بالحق وإن خالف ما يجوز أن يجعل دليلا على الحكم وذكر أن الاستحسان هو القول بأقوى الدليلين فيما حكمنا2 بصحة كل واحد من الدليلين قال ومسائل الخلاف بين الفقهاء لا نحكم بصحة أدلة من خالفنا بل نعتقد فسادها فلهذا لم يطلق على جميع مسائل الخلاف اسم الاستحسان. قلت وهذا الكلام منه يقتضى أن الاستحسان ترجيح أحد الدليلين على الآخر وهذا معنى قول القاضي ولفظ الاستحسان يؤيد هذا فانه اختيار الاحسن وإنما يكون في شيئين حسنين وإنما يوصف القول بالحسن إذا جاز العمل به لو لم يعارض ثم رأيت هذا الذي ذكره الحلواني قد ذكره بعينه القاضي فالاستحسان عنده أعم مما هو عند أبي الخطاب فتارة يقول هو أقوى القياسين وليس بعام فانه ذكر الاستحسان بالكتاب والسنة والاجماع كشهادة أهل   1 ساقط من اوسقوطه يقسد الكلام. 2 في د "فيما حكينا". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 454 الذمة والزرع في أرض الغير واسلام النقدين في الموزونات وتارة يقول هو أقوى الدليلين وهذا أعم منه وقول أبي الخطاب دليل أقوى من القياس الذي عارضه. فصل: ذكر فيه ابن برهان انقسام الاحكام في عللها إلى أربعة أقسام كلها راجع إلى التقسيم في الحكم التي هى المظان 1 [ثم ذكر الأقسام الأربعة في فصل آخر كذلك] وكذلك ذكر الجوينى [في أربع قوائم أقساما خمسة ثم ذكر مسألة ترجم لها في الكلام على الكتابة الفاسدة وبسط كلاما كثيرا في أشياء نحو ثلاث قوائم قبيل الإعتراضات2] .   1 في ب "راجع إلى التفسير في الحكم التي للمطالب". 2 ساقط من د. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 455 مسائل التقليد والاستصحاب ونحوهما مسألة: معرفة الله لا تجب قبل السمع مع القدرة عليها بالدلائل قاله القاضي قال وقد قال أحمد ليس في السنة قياس ولا يضرب لها الأمثال ولا تدرك بالعقول إنما هو الاتباع. قلت ليس في هذا الكلام ما ينفي وجوب المعرفة والتفكر قبل الرسالة وإنما فيه أن مخبرات الرسول لا تقف على العقول خلافا للمعتزلة. وذكر أبوالخطاب أن هذه المسألة مبنية على العقل فإن قلنا لا حكم للعقل كان كذلك وإن قلنا له ذلك وجب على كل عاقل الايمان بالله والشكر له. فصل: قال ابن عقيل لا يتأتى أن يكون الإنسان مطيعا في نظره الأول الذي هو مقدمة العرفان عند أهل التحقيق وذكر دليل ذلك ودخلا عليه وجوابه في آخر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 455 كتابه في قولهم عليه أن يعرف ذلك قبل أن يرد السمع فإن لم يفعل فهو كافر معاند وقالوا المراهق إذا بلغ حدا يميز ويعقل وجب عليه أن يعرف الله تعالى فإن لم يفعل فهو كافر معاند. فصل: قال أبو المعالى الصبى يتصور منه الاجتهاد ويصح مه وعند المعتزلة يجب عليه إذا ميز الاتيان بالمعارف العقلية حتى إذا مضت مدة يمكن فيها الإستدلال ولم يأت بالمعارف مات كافرا قال وقد حكى عن أحمد أنه قال الصبى المميز مكلف وادعى فيه الإجماع قال وقطع القاضي بأنه غير مكلف وادعى فيه الإجماع قال وتكليفه جائز عقلا1 وأما وقوعه فيغلب على الظن انتفاؤه من غير قطع فإن الإجماع المدعى لم يتحقق عندنا وقد صار أحمد إلى تكليفه وقال ابن سريج تجب عليه الصلاة وجوب مثله ولسنا نقطع باجماع الصحابة على صحة إسلامه ولا ردته ولا منعهما ولا نقطع بانتفاء العقاب عنه في الآخرة وحديث رفع القلم مظنون. قال القاضي الطريق إلى حصولها أدلة يشترك فيها العالم والعامي وهى أمور عقلية وهى كسبية مختارة للعبد وموهبة من الله تعالى ولا تقع ضرورة وذكر عن أحمد كلاما يدل على هذا وهو أنه قال معرفة الله في القلب تتفاضل فيه وتزيد قال وهذا يدل على أنها كسبية لأنها تزيد بزيادة الأدلة ولو كانت ضرورية لم تزد 2كما3 لا يزيد علم الضروريات قال خلافا لمن قال المعرفة موهبة تقع ضرورة ولا يتوصل إليها بأدلة العقول قال وربما ذهب إلى هذا قوم من أصحابنا قال والمذهب على ما ذكرنا وقد قال أحمد في رواية   1 في د "غير جائر عقلا". 2 في ب:لن تترك" تحريف. 3 في ا "كما يزيد علم الضروريات" بسقوط النفي خطأ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 456 حمدان1 بن علي المرجئة تقول إذا عرف ربه بقلبه وإن لم تعمل جوارحه هذا كفر ابليس قد عرف ربه فقال: {رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي} 2 قال فقد نص على حصول المعرفة لابليس ولو كانت موهبة لم تحصل له. هذا الذي ذكره القاضي لا ينافى ما حكاه عن بعض أصحابنا لأنه مبنى على أنها ضرورة عندهم والضرورة لا تزيد وكلتا المقدمتين ممنوعة فانهم إنما يقولون أصل المعرفة بالله ورسوله ضرورة وأما الزيادة الحاصلة بتدبر القرآن ونحوه فما أظنهم يقولون هى ضرورة وأما الثانية فإن القاضي يقول إن العقل علوم ضرورية وهو عنده يزيد وينقص فالزيادة في الضروريات وأما طعن أحمد على المرجئة بمعرفة ابليس فهى المعرفة الفطرية وما المانع من أن تكون هذه موهبة من الله بل ذلك أقوم في الحجة عليه من أن تكون حاصلة بكسبه ولو حصلت بكسبه لا يثبت عليها فأما المعرفة الايمانية فلم تحصل له ومن قال المعرفة ضرورية فقد أراد الفطرية وفى ارادته لهذه نظر.   1 في ا "ابن حمدان بن علي .... إلح". 2 من الآية "39" من سورة الحجر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 457 مسألة: قال القاضي وابن عقيل وأبو الخطاب والحلواني مسائل الأصول المتعلقة بالاعتقاد في الله وما يجوز عليه وما لا يجوز وما يجب له ويستحيل عليه لا يجوز التقليد فيها وكذلك أطلق الحلواني أن العامى لا يجوز له التقليد في أصول الدين وحكى عن عبد الله1 بن الحسن العنبرى أنه يجوز ذلك2 قال ابن عقيل وسمعت الشيخ أبا القاسم بن البقال يقول إذا عرف الله وصدق رسوله وسكن قلبه إلى ذلك واطمأن به فلا علينا من الطريق تقليدا كان أو نظرا أو استدلالا حتى إن الطريق الفاسد إذا أداه إلى معرفة الله تعالى كفى   1 في د "عبيد الله". 2 في ب "أنه لا يجوز ذلك" بزيادة حرف النفي وعلى ذلك لا يكون قولا آخر". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 457 فلو قال أنا أعرف الله من طريق أنى دعوت يوما في غرض لى فكان ذلك الغرض وما دعوت سواه فدلنى على اثباته وذكر مثالا آخر. فصل: ثم قال ابن عقيل في آخر كتابه لا يجوز للعامى أن يقلد في التوحيد والنبوات قال وهذا مذهب الفقهاء وأهل الأصول والكلام ثم فسر ذلك بأنه إنما هو حدوث العالم وإن له محدثا وأنه مستوجب لصفات مخصوصة منزه عن صفات مخصوصة وأنه واحد في ذاته وصفاته خلافا لما حكى عن بعض الشافعية أنه أجاز تقليده في ذلك وكذلك أبو الخطاب ميله إلى هذا الكلام وذكر أبو الخطاب [ما بعده أيضا1] قال ابن عقيل ولم يختلفوا في أنه ليس له أن يقلد في أصول الشريعة كوجوب الصلوات وأعداد الركعات. قال شيخنا قال أحمد انه لا يجوز2 التقليد فيما يطلب فيه الجزم ولايثبت إلا بدليل قطعي ويجوز التقليد فيما يطلب فيه الظن واثباته بدليل ظني ولا اجتهاد في القطعي ويلزم شرعا كل مسلم مكلف قادر معرفة الله بصفاته التي تليق به والايمان بما صح عن الله ورسوله صلى الله عليه وسلم مع التنزيه عن التشبيه والتجسيم والتكييف والتمثيل والتفسير والتأويل والتعطيل وكل3 نقص وهى أول واجب لنفسه4 [سبحانه وتعالى عما يقول الظالمون علوا كبيرا] .   1 ساقط من ا. 2 في ا "إنه يجوز التقليد" وما بعده صريح الدلالة على أن حرف النفي لازم هنا. 3 في ب "وكل بعض" تحريف. 4 في ب "لتعيينه". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 458 مسألة1 العامى الذي ليس معه آلة الاجتهاد2 في الفروع يجوز له التقليد   1 هذه المسألة وقعت في امتأخرة قبل "فصل التقليد قبول القول ... إلخ" الوارد في ص "462" الآتية. 2 في ا "الذي له الإجتهاد .... إلخ" وما أثبتناه عن ب أوفق. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 458 فيها عند الشافعية والجمهور قال أبوالخطاب ويجوز له الرجوع إلى أهل الحديث في الخبر وكون سنده صحيحا أو فاسدا ولا يلزمه أن يتعلم ذلك بالاجماع فأولى أن يجوز له تقليد العالم وذكره القاضي وسائر أصحابنا وإمامنا وسواء في ذلك ما يسوغ فيه الاجتهاد وما لا يسوغ فيه الاجتهاد وصرح به ابن عقيل قال وهو قول الأكثرين وقال قوم من المعتزلة البغداديين لا يجوز له أن يقلد في دينه وعليه أن يقف على طريق الحكم [فإذا سأل العالم فانما يسأله أن يعرفه طريق الحكم1] فاذا عرفه عمل به وقال أبو علي من الشافعية لا يجوز له التقليد فيما لا يسوغ فيه الاجتهاد خاصة وكذلك حكى ابن برهان [1المذهب الثاني عن أبي علي الجبائي أن عليه أن يعلم كل مسألة بدليلها1] قال ومن الناس من قال يجب عليه ذلك في المسائل الظاهرة دون الخفية. فصل: قال شيخنا أول أركان الاسلام ومبانيه الخمسة قولا وفعلا وعملا في حق كل مكلف الشهادتان نطقا إن أمكن واعتقادا جازما بموجبهما ومقتضاهما وقيل والتزام أحكام الملة واشارة مفهومة من الأخرس ونحوه وهما معلومتان عرفا ومن جهلهما تشريعا ثم الصلاة ولا تصح بدون طهارة شرعية مع القدرة عليها ولا يجب تحصيل شرط الوجوب والإيجاب بل يجب تحصيل شرط أداء ما وجب كالوضوء والغسل وازالة النجاسة والتيمم ونحو ذلك للصلاة الواجبة عليه قبل ذلك. قال المصنف قلت: وهذا مناقض لما حكيناه عنه صريحا أن له التقليد في الفروع فيما يسوغ فيه [الاجتهاد وما لا يسوغ فيه ذلك1] وحكايته التفصيل في ذلك عن أبي علي الشافعي وذكر أبوالخطاب نحوه فقال في أصول هذه العبادات   1 ما بين المعقوفين ساقط من ا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 459 إن الناس أجمعوا على أنه لا يسوغ فيها التقليد لأنه ثبت بالتواتر ونقلته الأمة خلفها عن سلفها فمعرفة العامي به توافق معرفة العالم كما تتفق1 معرفتهما بأخبار التواتر في الحسيات اختاره القاضي وابن عقيل وأبو الخطاب. قال والد شيخنا الذي ذكره القاضي أنه لا يجوز التقليد في معرفة الله ووحدانيته والرسالة ولا في السمعيات المتواترة الظاهرة كالصلوات ووجوب الزكاة وصيام شهر رمضان وحج البيت لاستواء الناس في طرق علم ذلك وهذا مطابق لما ذكره ابن عقيل فأما الفروع التي ليست متواترة ظاهرة فيسوغ التقليد فيها وإن كان فيها ما لا يسوغ فيه الاجتهاد لإجماع غير مشهور أو نص يعرفه الخاصة مثل وجوب الشفعة وحمل العاقلة دية الخطأ وكون الطواف والوقوف ركنين في الحج وتفاصيل نصب الزكاة وفرائضها وقطع اليمنى من يد السارق وتنجس الدهن بموت الفأرة إلى غير ذلك من أحكام مجمع عليها لا تعد ولا تحصى مجمع عليها لا يسوغ فيها الاجتهاد والاختلاف ومع هذا فهى غير ظاهرة ظهور أصول الشرائع فيسوغ فيها التقليد لأن تكليف العامى معرفة الفرق بين مسائل الإجماع والاختلاف يضاهي تكليفه درك حكم حوادثه بالدليل ولهذا يكفر جاحد الأحكام الظاهرة المجمع عليها وإن كان عاميا دون الخفية فما فرق بينهما في التكفير فرق في التقليد وكذلك أيضا منع التقليد في جميع مسائل الأصول فيه نظر بل الحق ما ذكره القاضي وابن عقيل أن المنع في التوحيد والرسالة فانهما ركنا الإسلام وفاتحة الدعوة وعاصمة الدم ومناط النجاة والفوز فأما تكليف عموم الناس درك دقائق المسائل الأصولية بالدليل فهو قريب من تكليفهم ذلك في الفروع فليميز الفرق فإن تراجم هذه المسألة مختلفة في كلام أصحابنا وغيرهم. قال شيخنا وكذلك قال أبو الخطاب الذي لا يسوغ2 التقليد فيها هو معرفة   1 في ا "كما يتوافق". 2 في ا "الذي يسوغ" بإسقاط حرف النفي وليس بشيء وما بعده من الكلام يدل على صحة ما أثبتناه موافقا لما في ب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 460 الله ووحدانيته ومعرفة صحة الرسالة وذكر أن الادلة على هذه الأصول الثلاثة يعرفه كل أحد بعقله وعلمه وإن لم يقدر العامى على أن يعبر عنه قال وبه قال عامة العلماء وقال بعض الشافعية يجوز للعامى التقليد في ذلك قال ولا يختلف الشافعية أنه ليس للمكلف المسلم أن يقلد في وجوب الصلاة والصوم عليه ونحو ذلك فأولى أن لا يجوز التقليد في الوحدانية والنبوة ثم قال وكذلك أصول العبادات كالصلوات الخمس وصيام رمضان وحج البيت والزكاة فإن الناس أجمعوا على أنه لا يسوغ فيها التقليد لأنه ثبت بالتواتر ونقلته الأمة كلها خلفها عن سلفها ثم أطلق أبوالخطاب أن العامى لا يجوز له التقليد في مسائل الأصول وقال في البحث مع ابن سريج لو خشى المكلف أن يموت لم يجز له التقليد في معرفة الله والوحدانية. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 461 مسألة: التقليد في الأصول يتكلم فيه مواضع أحدها هل يجوز للمقلد في التصديق بما يجب به التصديق الثاني لو لم يجز فإذا وقع التصديق بتقليد أو استدلال فاسد هل يصح الإيمان ويعاقب على ترك الواجب أم لا يصح الثالث التقليد1 فيما لا يجب الايمان به ابتداء لكن لا يجوز القول فيه إلا بالحق كمسائل الخلاف الدقيقة. وقد استدل ابن عقيل وغيره بآيات ذم التقليد وهى إنما ذمت من قلد في باطل واستدل بالاشتراك في طرق الأصوليات وأنها عقلية مشتركة2 كاشتراك المجتهدين في السمعيات وهذا ليس على اطلاقه بل في بعضها من الغموض أكثر مما في كثير من السمعيات وجحد ذلك مكابرة لا سيما وعندنا أن مدارك الصفات السمع وهو قد جعل المدرك العقل فقط وقد رد على ابن البنا3 بشيئين أحدهما أن الطمأنينة لا تحصل إلا بطريقها الثاني أن الطريق أكثر البعدين إذ هو رأس العمل في تحصيل العلم.   1 كلمة "التقليد" ساقطة من ا. 2 في ب "وأنها عقلية متيسرة". 3 في د "أبى البيان" ولعل الأصل "ابن المني" فإنه يتكرر كثيرا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 461 1 [شيخنا] فصل: التقليد قبول القول بغير دليل فليس المصير إلى الإجماع تقليدا لأن الإجماع دليل وكذلك يقبل قول الرسول صلى الله عليه وسلم ولا يقال له تقليد بخلاف فتوى الفقيه وذكر في ضمن مسألة التقليد أن الرجوع إلى قول الصحابي ليس بتقليد لأنه حجة وقال فيها لما جاز له تقليد الصحابة لزمه ذلك ولم يجز له أن يخالفه2 بخلاف الأعلم وقد قال أحمد في رواية أبي الحارث من قلد الخبر رجوت [له] أن يسلم إن شاء الله فقد أطلق اسم التقليد على من صار إلى الخبر وإن كان حجة في نفسه.   1 هنا وقعت في المسألة التي نبهنا إليه في ص "458". 2 في ا "ولم يجز له مخالفته". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 462 مسألة: للعامى أن يقلد في الفروع أى المجتهدين شاء ولا يلزمه أن يجتهد في أعيان المجتهدين في قول القاضي وأبى الخطاب وجماعة من الفقهاء وذكر القاضي وأبو الخطاب أنه ظاهر كلام أحمد كما ذكر القاضي أن العامي1 يتخير بين المفتين ولا يلزمه الاجتهاد قال فإن قيل فهلا قلتم يلزمه الأخذ بقول من غلظ كما قلتم إذا تقابل في الحادثة دليلان أحدهما حاظر والآخر مبيح قيل له فرق بينهما وقال ابن عقيل لا يتخير بل يلزمه الاجتهاد في أعيان المفتيين الأدين والأورع ومن يشار إليه أنه الأعلم وقال ذكره أحمد ولم يحك في المذهب فيه خلافا وذكره القاضي أبو الحسين بن القاضي أبي يعلى ابن الفراء في العامى هل يلزمه الاجتهاد في أعيان المفتين أم له الأخذ بقول أيهم شاء على روايتين إحداهما مثل قول القاضي والجمهور منا والثانية مثل قول ابن عقيل ذكر ذلك في الإتمام2 لكتاب الروايتين والوجهين وبهذا قال ابن سريج والقفال وكذلك ذكر   1 في ب "أن القاضي". 2 في ب "في التمام". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 462 ابن برهان لهم الوجهين وذكره الخرقي فقال يقلد الأعمى أوثقهما في نفسه وذكر أبو الخطاب في ضمن مسألة تعادل الأمارات فيها وجهين أحدهما يجتهد في أعيان المفتين ويقلد أعلمهما وأدينهما عنده وأخذ أصحابنا أن له أن يقلد من شاء من أهل الاجتهاد من قوله في رواية الحسن بن زياد1 وقد سأله عن مسألة في الطلاق فقال إن فعل حنث فقال له يا أبا عبد الله إن أفتاني انسان يعنى أنه لا يحنث فقال تعرف حلقة المدنيين حلقة بالرصافة فقال له إن أفتوني به حل قال نعم قال وهذا يدل على أن العامى يخير في المجتهدين وذكر أبو الخطاب قول من قال يلزمه أن يجتهد في أعيانهم أيهم أعلم وقد أومأ الخرقي إلى نحو هذا في مسألة القبلة ووجه أبو الخطاب الأول بالاجماع وبأن معرفة2 الأعلم تتعذر على العامى قال أبوالخطاب فإن اجتهد في العلماء فاستوى عنده علمهم فإن كان3 أدين وجب عليه تقديم الادين على أحد الوجهين وعلى الوجه الآخر هما سواء فإن كان أحدهما أعلم والآخر أدين فقال بعضهم هما سواء وقال آخرون يعتمد4 الأعلم فإن استووا عنده في العلم والدين كان مخيرا في الأخذ بأى أقاويلهم شاء لأنه ليس بعضهم بقبول قوله أولى من بعض قال وإن أفتاه اثنان واختلفا فهل يخير بينهما وقبل مع التساوى عنده أو بأخذ بأغلظهما أو أشدهما أو بأخفهما أو بأرجحهما دليلا أو بقول أعلمهما وأورعهما أو الأعلم أو الأورع أو يسأل مفتيا آخر فيعمل بقول من وافقه منهما وقيل أو من خالفه فيه أوجه ذكرت. قال شيخنا قلت: بعض هذه الوجوه إنما هى فيما ينسب إلى الإمام من   1 في ا "الحسن بن بشار المخزومي" وفي نسخة عند ب "الحسين بن زياد". 2 كلمة "معرفة" ساقطة من ا. 3 في ب "فكان أحدهم .... إلخ". 4 في ا "يقلد الأعلم". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 463 أقواله لا فيما يقلده العامى من أقوال العلماء المختلفين وأين اختلاف أقوال الواحد إلى اختلاف القائلين. [شيخنا] فصل: يجب على العامى قطعا البحث الذي به يعرف صرح المفتى للاستفتاء إذا لم تكن قد تقدمت معرفته1 بذلك ولا يجوز له استفتاء من اعتزى إلى العلم وإن انتصب في منصب2 لتدريس أو غيره ويجوز استفتاء من تواتر بين الناس أو استفاص فيهم كونه أهلا للفتوى وعند بعض الشافعية إنما يعتمد على قوله إذا كان أهلا للفتوى لأن التواتر لا يفيد العلم إلا في المحسوس3 ورب شهرة لا أصل لها ويجوز له استفتاء من أخبر المشهور المذكور عن أهليته وأطلق أبو إسحاق الشيرازى وغيره أنه يقبل فيه خبر الواحد العدل وينبغي أن يشترط فيه أن يكون عنده من العلم والبصر ما يميز به الملبس من غيره قال أبو عمرو ولا ينبغي أن يكفى في هذه الأزمان مجرد تصديه للفتوى واشتهار بمباشرتها لا بأهليته لها فإذا اجتمع اثنان ممن يجوز استفتاؤهم فهل يجب عليه الاجتهاد في أعيانهم فيه وجهان أحدهما وهو عند العراقيين قول الأكثر والصحيح أنه لا يجب الثاني أنه يجب قاله ابن سريج والقفال وصححه صاحبه القاضي حسين والأول أصح لكن متى اطلع على الأوثق منهما فالاظهر أنه يلزمه تقليده دون الآخر كما يجب تقديم أرجح الدليلين فيقدم أورع العالمين وأعلم الورعين والأعلم أولى من الأورع في الأصح وهل يجوز له أن يتخير ويقلد أى مذهب شاء فإن كان منتسبا   1 في ب د "قد عدمت معرفته" تحريف مفسد للمعنى. 2 في ا "وإن لم يذهب في منصب التدريس". 3 في "المحسوسات". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 464 إلى مذهب معين انبنى على أن العامى هل له مذهب فيه وجهان حكاهما أبو الحسين أحدهما لا فله أن يستفتى من شاء من أهل المذاهب الثاني وهو أصح عند القفال والمروذى له مذهب فلا يحوز له إن كان شافعيا أن يستفتى حنفيا ولا يخالف إمامه قال أبوعمرو وقد ذكرنا في المفتى المنتسب ما يجوز له مخالفة امامه وإن لم يكن قد انتسب إلى مذهب معين انبنى على أنه هل يلزمه التمذهب بمذهب معين فيه وجهان ذكرهما ابن برهان أحدهما لا يلزمه ذلك قال أبو عمرو فعلى هذا هل له أن يستفتى على أى مذهب شاء أو يلزمه أن يبحث حتى يعلم علم مثله أشد المذاهب وأصحها أصلا فيستفتى أهله فيه وجهان كما في أعيان المفتين والثاني يلزمه ذلك وبه قطع الكيا وهو جار في كل من لم يبلغ رتبة الاجتهاد من الفقهاء وأرباب سائر العلوم قال فعلى هذا ليس له أن يتبع في ذلك مجرر التشهى والميل إلى1 ما وجد عليه أباه وليس له التمذهب بمذهب أحد أئمة الصحابة وإن كانوا أعلم لأنهم لم يتفرغوا2 لتدوين العلم وضبط أصوله وفروعه فليس لاحد منهم مذهب وإنما قال بذلك من جاء بعدهم ثم ذكر رجحان مذهب الشافعي علىمن قبله قال ثم لم يوجد بعده من بلغ محله في ذلك فإن اختلف عليه فتوى مفتيين ففيه أوجه أحدها الأغلظ والثاني الأخف والثالث يجتهد في الأوفق فيأخذ بفتوى الأعلم الأورع واختاره السمعاني الكبير ونص الشافعي على مثله في القبلة والرابع يسأل مفتيا آخر فيعمل بفتوى من وافقه3 والخامس يتخير فيأخذ بقول أيهما شاء وهو الصحيح عند أبي إسحاق واختاره ابن الصباغ فيما إذا تساوى عنده مفتيان قال أبوعمرو والمختار أن عليه الاجتهاد في الأرجح فيعمل به4 فانه حكم التعارض وليس هذا من الترجيح المختلف فيه   1 في ا "والميل على ما وجد – إلخ". 2 في ب "لأنهم لم يتقدوا". 3 في ب "من يوافق". 4 كلمة "به" ساقط من ب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 465 عند الاستفتاء فيبحث عن الأوثق من المفتيين فيعمل بفتواه فإن لم يترجح عنده أحدهما استفتى آخر فيعمل بفتوى من وافقه الآخر فإن تعذر ذلك وكان اختلافهما في الحظر والإباحة وقبل العمل بذلك اختار الحظر وإن تساويا من كل وجه خيرناه بينهما وإن أبينا التخيير في غيره لأنه ضرورة وإنما يخاطب بهذا المفتون وأما العامى الذي وقع له ذلك فحكمه أن يسأل عن ذلك ذينك المفتيين أو غيرهما. [شيخنا] فصل: ومن جوز للعامي تقليد الأعلم فانه يجوز له أن يترك تقليده ويعمل على اجتهاد نفسه ذكره القاضي بما يقتضي أنه محل وفاق قال بخلاف العامى فانه يجب عليه الرجوع إلى قوله وصرح ابن عقيل بذلك فقال ولا خلاف بيننا أنه يجوز ترك اجتهاد غيره والتعويل على اجتهاد نفسه وإن كان الغير أعلم منه. [شيخنا] فصل: قال ابن عقيل اختلف الأصوليون والفقهاء في تقليد العامى لقول ميت من مجتهدى السلف إذا لم يبق مجتهد في العصر يفتى بقوله هل يجوز أم لا فذهب قوم إلى أنه لا يجوز تقليد مذاهب الموتى [ذكره ابن عقيل] . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 466 مسألة1 فإن استويا عنده في العلم والدين فله التخيير بينهما وإن استويا وواحد منهما أدين فعلى من ذكرنا من الوجهين فإن قلنا لا يتخير وكان أحدهما أعلم والآخر أدين فهل هما سواء فيتخير أو يقدم الأعلم على مذهبين ذكرهما أبو الخطاب.   1 في ا "فصل" مكان "مسألة" هنا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 466 فصل: فإن لم يكن في البلد إلا عالم واحد رجع إليه وسقط عنه فرض الاجتهاد في طلب الأعلم والاورع ذكره ابن عقيل في أواخر كتابه ولم يحك فيه خلافا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 467 مسألة: وإذا استفتى عالمين فأفتاه أحدهما بالاباحة والآخر بالحظر فله أن يأخذ بقول أيهما شاء ولا يلزمه الأخذ بالحظر هذا كلامه في رواية الحسن بن زياد1 لما سأله عن مسألة الطلاق فقال إن فعل كذا حنث فقلت إن أفتاني انسان لا أحنث قال تعرف حلقة المدنبين قلت: فإن أفتوني به حل قال نعم وقال عبد الجبار [بن أحمد] وبعض الشافعية يلزمه الأخذ بالاحوط وهذه المسألة2 فيما إذا استويا عنده في العلم والدين. قال والد شيخنا فأما إن كان أحدهما أعلم فهو على الخلاف المتقدم وذكر أبو الحسين ابن الفراء في هذا وجهين.   1 في ا "الحسن بن بشار". 2 في ا "وفرض المسألة فيما إذا استوايا- إلخ". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 467 مسألة: فإن قلنا يلزمه ذلك فما طريقه اختلفوا1 فيه فقال بعضهم يقلد من انتشر صيته وظهر علمه واشتهر وقيل يسأله ويبنى على قوله ومن الناس من قال يحلف على ذلك.   1 في ا "اختلفتا فيه". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 467 مسألة: وإذا استفتى العامى عالما في حكم فأفتاه ثم حدث له حكم مثل ذلك لزم العالم أن يحدث لها اجتهادا ثانيا ولا يفتى بما أفتى أولا فيكون مقلدا لنفسه ولزمه اعادة الاستفتاء ولا يكتفى بالاول وكذلك الحاكم يكرر الاجتهاد عند كل حكومة وكذلك المجتهد في القبلة عند كل صلاة ذكر ذلك كله القاضي وابن عقيل ولم يذكرا خلافا وللشافعية وجهان ذكرهما ابن برهان وغيره أحدهما الجزء: 1 ¦ الصفحة: 467 كذلك والثاني يجوز للعامى أن يكتفى بالفتوى الأولى قال أبو عمرو وهو أصح1 وللمجتهد أن يبنى على اجتهاده السابق مع كونه شاكا في الحال وخص ابن الصباغ الخلاف بما إذا قلد حيا وقطع فيما إذا كان خبرا عن ميت أنه لا يلزم العامى تجديد السؤال قال أبوعمرو والمفتى على مذهب الميت قد يتغير2 جوابه على مذهبه.   1 في ا "وهو الأصح". 2 في ب "قد يتعين جوابه" ولعلها أقرب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 468 مسألة1 لا يجوز للمجتهد تقليد مجتهد آخر سواء في ذلك ضيق الزمان وسعته نص عليه في رواية الفضل بن زياد ذكرها ابن بطة أن أحمد قال له يا أبا العباس لا تقلد دينك الرجال فإنهم لم يسلموا من أن يغلطوا وقال في رواية أبي الحارث لا تقلد أمرك أحدا منهم وعليك بالأثر [والاجتهاد2] قال القاضي فقد منع من التقليد وندب إلى الأخذ بالاثر [3وإنما يكون هذا فيمن له معرفة بالأثر والاجتهاد3] قال أبو الخطاب وعن أبي حنيفة [في جوازه] روايتان إحداهما جوازه والثانية المنع منه وبه قال الشافعي والصيرفى وابن أبي هريرة وأبو يوسف وإسحاق وقال أبو حنيفة ومحمد يجوز حكاه أبو سفيان [عنهما] في مسائله وكلامهم في المسألة يدل على الأعلم فقط ولم يفرق بين أن يكون الزمان واسعا أو ضيقا وكذلك ذكر هذا ابن حامد ف أصوله عن بعض أصحابنا وبعض المالكية واختاره4 ابن سريج مع ضيق الوقت وحكى عن محمد أنه أجازه لمن هو أعلم منه ولم يجزه لمن هو مثله أو دونه وكذلك جزم به عنه ابن برهان وأبو الخطاب   1 وقعت هنا في االمسألتان ببحث العامي عمن يريد أن يستفتيه وهما واردتان تبعا لما في ب في ص "471" الآتية. 2 كلمة "والاجتهاد" ساقطة من ب. 3 ما بين هذين المعقوفين ساقط من ا 4 في ا "وأجازه ابن سريج". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 468 ولم يذكر عن أحد تقليد المساوى مع السعة. قال والد شيخنا وحكى الحلواني عن أبي حنيفة ومحمد أنه يجوز تقليد من هو أعلم منه ولا يجوز تقليد من هو مثله قال وحكى عن سفيان الثورى وإسحاق أنه يجوز له تقليد غيره بكل حال قال أبو الخطاب وروى عن ابن سريج مثل قول محمد الأخير وروى عنه أنه يجوز مع ضيق الوقت لا مع سعته قال وقال بعض الشافعية إن لم يجتهد فله أن يقلد على الإطلاق وإن اجتهد لم يجز له التقليد قال وقد حكى عن أبي إسحاق الشيرازي أن مذهبنا جواز تقليد العالم للعالم وهذا لا نعرفه عن أصحابنا وقد بينا كلام صاحب مقالتنا1 وهذا الذي ذكره أبو الخطاب يدل على أن المجيزين على2 الإطلاق جوزوا التقليد بعد الاجتهاد3 حيث جعل التفصيل4 قولا ثم ذكر في أثناء المسألة أن المجتهد لو اجتهد فأداه اجتهاده إلى خلاف قول من هو أعلم منه لم يجز ترك رأيه والأخذ برأى ذلك الغير فوجب أن لا يجوز وإن لم يجتهد لأنه لا يأمن لو اجتهد أن يؤديه اجتهاده إلى خلاف ذلك القول فقد جعل المنع من تقليده بعد الاجتهاد محل وفاق. قال شيخنا قلت: هذا [في5] تقليد الصحابة عند من جعله من صور المسألة ليس بصحيح فإن العلماء صرحوا بجواز ذلك وإن خالف رأينا وفي كلام بعضهم ما يدل على أنهم كانوا يقلدون في مخالفة رأيهم وأما وقوع هذا بالفعل من أتباع الائمة فكثير لا ينحصر. وذكر أيضا أبو الخطاب أنه لاخلاف في أنه يجوز ترك قول الأعلم لاجتهاده   1 في ا "وهذا لا نعرفه عن بعض وقد بينا مقالتنا". 2 كلمة "على" ساقطة من ا. 3 في ا "بعد الاحتمال". 4 في ا "حيث جعل التقليد". 5كلمة "في" ساقطة من ب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 469 ثم ذكر بعد هذا أن قول الصحابي ليس من صور هذه المسألة فانه يجب عليه ترك اجتهاده لقول الصحابي عند من جعله حجة ولا يجب عليه تقليد غيره وحكى أبوالمعالي في كتاب الاجتهاد عن الإمام أحمد قال فأما تقليد الصحابة قال أحمد العالم قبل اجتهاده يقلد الصحابي1 ويتخير في تقليده من شاء منهم ولم يجوز تقليد التابعين واستثنى عمر بن عبد العزيز وجوز تقليده وهذا غريب قال وقال الشافعي في القديم قول الصحابي حجة ويجب على المجتهدين2 التمسك به ثم قال يقدم على القياس الجلى والخفى وفى رواية على الخفى دون الجلى وظاهر مذهبه في القديم أنه حجة إذا لم يظهر خلاف في الصحابة ونقل عنه في القديم إذا اختلفوا فالتمسك بقول الخلفاء أولى وقال في الجديد لا حجة في قول الصحابي والاختيار عنده إذا انطبق على القياس لم يكن حجة وإذا خالف القياس الجلى فلا يخالفه إلا توقيف قال وقد بنينا على هذا مسائل في الفروع كتغليظ الدية بالحرمات الثلاث قال وعلى هذا يجب أن يقال يجب على بعض الصحابة الأخذ بقول البعض في محل لا قياس فيه فاذا اختلفوا فهو كأخبار متعارضة وعند القاضي قوله ليس بحجة وإن خالف القياس3. [شيخنا] فصل: ذكر أبو الخطاب في كلامه مع ابن سريج أنه لا يجوز له التقليد مع ضيق الوقت قال هو والقاضي وابن عقيل لأن الاجتهاد شرط في صحة فرضه في الحادثة وعلى الاستدلال في الأصول فلم يسقط بخوف فوت الوقت كسائر الشروط مثل الطهارة والستارة في الصلاة وقاس4 ابن عقيل على الاستفتاء في حق العامى   1 في ب "للعالم قبل اجتهاده تقليد الصحابي". 2 في ا "على المتعبدين". 3 في هامش اهنا "بلغ مقابلة على أصله". 4 في ا "وقال ابن عقيل". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 470 [وعلى الاستدلال في الأصول1] وقال أبوالخطاب أيضا لما قيل له انه لا يمكنه أداء فرض باجتهاده قال القاضي لا يجوز اعتبار المتمكن بالعاجز كما لا يجوز اعتبار من لم يجد الماء والسترة بمن يقدر عليهما ولكنه يخاف فوت الوقت إن استعملهما قال أبوالخطاب لا نسلم الوصف لأن فرضه يؤديه بعد اجتهاده قال إن كانت العبادة مما يجوز تأخيرها للعذر جاز هاهنا لأن اجتهاده عذر له في التأحير وإن كانت مما لا يجوز تأخيرها كالصلاة وغيرها فانه يفعلها على حسب حاله ويعيد وكذلك من حبس في موضع نجس يصلى ويعيد. قال شيخنا قلت: هذا الأصل المنصوص فيه عدم الاعادة وكذلك احدى الروايتين أن الرجل لا يجب عليه صلاتان فعلى هذا يصلى في الوقت ولا يعيد وهذا قول ابن سريج بعينه2 فثبت أن ظاهر مذهبنا وعلى قياس قول أبي محمد في القبلة3 أنه يجتهد وإن خرج الوقت تفوت العبادة وهذا لا يمشى فانه قد يكون أحد القولين وجوب فعلها في الحال والآخر تحريم فعلها فكيف يصنع مثل هذا إلا التقليد فالصواب قول ابن سريج.   1 ساقط من ا. 2 في ب "قول ابن سريج نفسه". 3 كلمة "في القبلة" ساقطة من ب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 471 والد شيخنا مسألة1 قال ابن عقيل ولا يجوز للعامى أن يستفتى في الاحكام الشرعية من شاء بل يجب أن يبحث عن حال من يريد سؤاله وتقليده فاذا أخبره أهل الثقة والخبرة أنه أهل لذلك علما وديانة حينئذ استفتاه وإلا فلا وقال قوم لا يجب عليه ذلك بل يسأل من شاء. قال شيخنا وقال أبوالخطاب لا يجوز للمستفتى أن يستفتى إلا2 من يغلب   1 هذه المسألة وقعت في امقدمة على المسألة التي أشرنا عندها في ص "468". 2 كلمة "إلا" ساقطة من ا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 471 على ظنه أنه من أهل الاجتهاد بما يراه من انتصابه للفتوى بمشهد من أعيان العلماء وأخذ الناس عنه واجماعهم على سؤاله وما يبدو منه من سمات الدين والخير فأما من لا يراه مشتغلا بالعلم ويرى عليه سيما الدين فلا يجوز له استفتاؤه بمجرد ذلك وقال أبو المعالى إذا تقرر عنده بقول الإثبات إن هذ الرجل بالغ مبلغ الاجتهاد فحينئذ يستفتيه ثم قال القاضي له أن يعول1 على قول عدلين وقال لا يستفتى إلا من استفاضت الأخبار ببلوغه منصب الاجتهاد والامر هنا مظنون.   1 في ب "له أن يقول" تحريف. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 472 مسألة: ذهب بعض أصحابنا وبعض الشافعية1 إلى أن العامى إذا انتحل مذهبا لا يجوز له الانتقال عنه في سائر الأشياء والذي عليه الجمهور منا ومن سائر العلماء أن العامة أى الأقاويل أخذوا2 فلا حرج في ذلك.   1 في ا "وبعض أصحاب الشافعي". 2 في ا "أي الأقاويل انتحلوا". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 472 مسألة: فإن كان لمجتهد خصومة فحكم الحاكم فيها بما يخالف اجتهاده فانه يتدين في الباطن بحكم الحاكم1 ويترك اجتهاده سواء كان الحكم لنفسه أو على نفسه ذكره القاضي وابن برهان فعلى هذا يحل له أخذ ما كان حراما فى نظره ويحرم عليه المباح عنده وهذا أشهر الوجهين لاصحابنا والثاني يعمل في الباطن بمقتضى اجتهاده ذكره أبو الخطاب في الإنتصار.   1 في ب "كحكم الحاكم". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 472 مسألة: لا يجوز خلو عصر من الأعصار1 من مجتهد يجوز للعامى تقليده ويجوز أن يولى القضاء خلافا لبعض المحدثين في قولهم لم يبق في عصرنا مجتهد هذا نقل ابن عقيل. قال شيخنا وفى كلام القاضي في الإجماع السكوتي إشارة إليه والأول قول عبد الوهاب المالكي وطوائف ممن تكلم في أصول الفقه ذكروه في مسائل الإجماع   1 في ب "خلو عموم الأعصار". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 472 مسألة: لا يحكم بفسق المخالف في مسائل أصول الفقه وبه قال جماعة من الفقهاء والمتكلمين وقال بعض المتكلمين انه يحكم بفسقه وهذا نقل الحلواني. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 473 مسألة: تثبت مسائل الأصول بخبر الواحد والقياس والامارة المؤدية إلى غلبة الظن وبه قال أكثر الفقهاء والمتكلمين وقال بعض الأشعرية وهو أبو محمد بن اللبان1 لا يثبت إلا بما يؤدى إلى القطع فلا يصح اثباتها بخبر الواحد والقياس المؤدى الىغلبة الظن هذا نقل الحلواني.   1 في ب "أبو محمد اللبان". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 473 مسألة: العقل لا يحسن ولا يقبح ولا يحظر ولا يوجب في قول أكثر أصحابنا القاضي وابن عقيل وهومقتضي أصولنا وبه قالت الأشعرية وطوائف من المجبرة وهم الجهمية1 نقله أبوالخطاب وقال أبو الحسن التميمي يوجب ويحرم ويقبح ويحسن كقول المعتزلة والكرامية والرافضة واختاره أبو الخطاب وقال هو قول عامة أهل العلم من الفقهاء والمتكلمين وعامة الفلاسفة. فصل: فى الفرق بين قولنا بتقبيح العقل وتحسينه وبين قولنا بأن التحسين والتقبيح للشرع وفوائد الخلاف في ذلك.   1 في ب "الحميمية" تحريف. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 473 مسألة: شكر المنعم واجب بالشرع في قولنا وقول أهل الأثر والاشعرية وقالت المعتزلة يجب عقلا. قال والد شيخنا وذكر أبو الخطاب أن هذه مبنيه على العقل هل يوجب ويحظر أم لا فمن قال لا قال هنا لا ومن قال بلى قال ها هنا كمذهب المعتزلة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 473 مسألة: الأعيان المنتفع بها قبل الشرع1 على الحظر في قول ابن حامد والقاضي والحلوانى وبه قال ابن أبي هريرة حكاه عنه القاضي أبو يعلى وأبو الطيب وذكره أصحاب الحظر من أصحابنا وغيرهم منهم الحلوانى أن ما تدعوا إليه الحاجة من التنفس والتنقل وأكل ما يضطر إليه من الاطعمة جائز وإنما المنع مما لا تدعو إليه الحاجة فإن العقل لا يمنع هذا كما أن الشرع لا يمنعه وأعاد ذلك مرة ثانية وقال لا يقبح تناول هذه الأشياء عند الحاجة وخوف الضرر والمعتزلة البغداديون والإمامية وقالت الحنفية فيما ذكره أبو سفيان وأهل الظاهر وابن سريج وأبو حامد المروذى الشافعيان والمعتزلة البصريون وأبو هاشم الجبائي ووالده هى على الاباحة وحكى ابن برهان أن هذا قول ابن أبي هريرة من أصحابهم وهو ظاهر كلام أحمد في رواية أبي طالب وقد سأله عن قطع النخل فقال لا بأس به لم نسمع في قطع النخل شيئا فحكم بالإباحة حيث لم يرد سمع بحظره قال القاضي هو ظاهر كلام أبي الحسن التميمي لأنه نص على جواز الانتفاع قبل الإذن2 من الله وهذا اختيار القاضي في مقدمة المجرد وهذا اختيار أبي الخطاب وقال أبو الحسن3 الخرزي من أصحابنا والأشعرية هى على الوقف قال أبو الخطاب وأراه أقوى على أصل من يقول إن العقل لا مدخل له في الحظر والاباحة وهو قول أكثر أصحابنا وهوقول الصيرفى وأبى علي الطبرى الشافعيين قال أبو الحسن صاحبنا من قال كانت على الإباحة فقد أخطأ وذكر القاضي أن القائل بالوقف موافق للقائل بالإباحة في التحقيق لأن من قال بالوقف يقول لا يثاب على الامتناع منه ولا يأثم بفعله وإنما هو خلاف في عبارة وقال ابن عقيل بل القول بالوقف أقرب إلى الحظر منه إلى الإباحة.   1 في ا "قبل المسمع" وهو محرف عن "قبل السمع". 2 في ب "قبل الأمر". 3 في ا "وهذا اختيار أبي الخطاب الخرزي" بسقط صير الإثنين واحدا ومال بالكلام. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 474 قال شيخنا قلت: كلام أبي الحسن الخرزى يوافق قول ابن عقيل لأنه يحتج على الفتوى بالاقدام عليها كما يحتج الحاظر والمبيح يعنى بالتناول1. قال شيخنا قلت: هذا على قول من فسر الوقف بالشك دون النفى مع أن كلام ابن عقيل أنه2 ثابت على التفسيرين. قال المصنف قلت: وهذا ليس بشيء لأنه ليس معنى الوقف أن القائل به يتشكك في الإباحة والحظر بل يقضى بعدمهما شرعا ويقطع بأن لا إثم في ذلك كفعل البهيمة وكذلك ذكره جماعة على ماسيأتي. قال والد شيخنا وقال ابن عقيل الأليق بمذهبه أن يقال لا ندري ما الحكم وقال ابن عقيل لا حكم لها قبل السمع وهذا هو الصحيح الذي لا يجوز على المذهب غيره وهذ اختيار أبي محمد أيضا لكن أبو محمد يفسره بنفى الحكم مطلقا3 وبعدم الحرج كاختيار الجد وكذلك فسر ابن برهان مذهب الوقف فقال هى على الوقف4 عندنا لا يوصف بحظر ولا إباحة ولا وجوب بل هى كأفعال البهائم5 وكذلك قال أبو الطيب تفسير الوقف أنه لا يقال إنها مباحة ولا محظورة إلا بورود الشرع فما ورد بالإذن فيه فهو مباح وما ورد بالمنع منه فهو محظور وذكر في أثناء كلامه أنه كفعل البهيمة وإن الواقفة يجزمون بأن لا إثم6 قبل الشرع وقال أبو زيد في جماعة من متأخري المعتزلة لا حكم له قبل السمع وبعد ما ورد السمع تبينا أنها كانت مباحة حكاه ابن برهان وذكر أبوالطيب في آخر المسألة   1 في ا "يفتى" بالتناول. 2 كلمة "أنه" ساقطة من ا. 3 في ا "مطلقا" ساقطة من ا. 4 في ا "هي على لوقت عندنا". 5 في ا "كفعل البهائم". 6 في ا "بأن الإثم قبل الشرع" خطأ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 475 أكثر مما ذكره القاضي من الإشكال وجوابه وذكر داود استدلال بعض أصحابه به والقائلون بالحظر اختلفوا في القدر الذي لا تقوم النفس إلا به كالتنفس في الهواء وشرب الماء وأكل الطعام الذي يسد الرمق هل هو محظور أو مباح على قولين والذي ذكره القا ضي أن التنفس والانتقال في الجهات إذا كان لحاجة جاز لأن الإذن قد دخل فيه من جهة العقل قال فنظيره أن يضطر إلى أكل طعام غيره فيباح لأن العقل لا يمنع من هذا كما لا يمنع الشرع من ذلك عند الحاجة وإن لم تكن به حاجة منعناه وأدعى ذلك مرة ثانية وذكر أيضا في اللامع أنه إذا كان السمع هو الحاظر والمبيح فالسمع ورد مفصلا لم يرد حاظرا ثم ورد سمع آخر مبيحا أو ورد مبيحا ثم ورد سمع آخر حاظرا وأجاب عن قوله: {خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً} 1 قال معناه للإعتبار لا للإتلاف وأول قوله: {أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ} 2 بأن معناه ما هو داع إلى فعل الواجب ويجوز أن يقال الطيبات هى الحلال ثم هو معارض بقوله: {وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى} 3. قال شيخنا قلت: هذا أحد الاحتمالين في الروضة وأحد قولى أصحابنا وغيرهم بأن ماقبل السمع هل يستصحب إذا قامت الادلة السمعية على عدم الإباحة إلا ما استثناه الدليل قال القاضي واحتج الواقف بأن كونه على الحظر أو على الاباحة أنها تعلم على قولكم قبل الشرع بالعقل وما علم حكمه بدليل لا يجوز أن يرد الشرع بخلافه مثل شكر المنعم وقبح الظلم قال والجواب أنه كذلك فيما يعرف ببدائه4 العقل وضرورات العقول كالتوحيد وشكر المنعم وقبح الظلم فأما ما يعرف5 بثواني   1 من الآية "39" من سورة البقرة. 2 من الآية "4" من سورة المائدة. 3 من الآية "40" من سورة النازعات. 4 في ب "أنه كذلك فلتعرف بيد أن العقل – إلخ" تحريف عجيب. 5 في ب "فأما ما تعلم". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 476 العقول استنباطا واستدلالا فلا يمنع أن يرد الشرع بخلافه لأنا قلنا على الحظر وجوزنا أن يكون على الإباحة أو على الوقف1 ولكن كان هذا عندنا أظهر فصرنا إليه فاذا ورد الشرع كان أولى مما عرفناه استدلالا مع تجويز غيره ثم أجاب بأن ورود الشرع اذن في التصرف وورود الإذن في الثاني لا يمنع حظرا متقدما وذكر أنه محظور لمعنى لا لعينه [2فلا يمتنع ورود الشرع بخلافه2] . [شيخنا] 3 فصل: اختلف جواب القاضي وغيره من أصحابنا في مسألة الأعيان مع قولهم بأن العقل لا يحظر ولا يبيح4 فقال القاضي وأبو الخطاب والحلواني إنما علمنا أن العقل لا يحظر ولا يبيح بالشرع وخلافنا في هذ المسألة قبل ورود الشرع ولا يمتنع أن نقول قبل ورود الشرع إن العقل يحظر ويبيح إلى أن ورد الشرع فمنع ذلك إذ ليس قبل ورود الشرع ما يمنع ذلك قال الحلواني وأجاب بعض الناس عن ذلك بأنا علمنا ذلك من طريق شرعي وهو الإلهام من قبل الله لعباده بحظر ذلك وهذا غير ممتنع كما ألهم أبوبكر وعمر. قال شيخنا قلت: كلا الجوابين ضعيف على هذا الأصل وكذلك ذكر القاضي الجواب الثاني فقال وقد قيل إنا قد علمنا ذلك من طريق شرعى وهو الهام من الله لعباده بحظر ذلك وإباحته كما ألهم أبا بكر أن قال الذي في بطن أم عبد5 جارية وكما ألهم عمر أشياء ورد الشرع بموافقتها.   1 في ب "أو على الزمن". 2 هذا الكلام ساقط من ا. 3 في هامش اهنا "بلغ مقابلة على أصله". 4 في اهنا "كلا زيادة جملة ونصها ما أصلحهما القاضي". 5 في د "أم عبد الله". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 477 قلت صرح القاضي بأن عدم حكم العقل معلوم بالشرع1 ولهذا إنما استدل عليه بالنصوص2 وحكى في الإلهام هل هو طريق شرعى قولين. قال القاضي الأعيان المنتفع بها قبل ورود الشرع اختلف الناس فيها فذكر شيخنا رضى الله عنه أنها على الحظر إلى أن يرد الشرع باباحتها قال وقد أومأ أحمد إلى معنى هذا في رواية صالح ويوسف بن موسى لا يخمس السلب ما سمعنا أن النبي صلى الله عليه وسلم خمس السلب وهذا يدل على أنه لم يبح تخميس السلب لأنه لم يرد عن النبي صلى لله عليه وسلم شرع فيه فيبقى على أصل الحظر. قال شيخنا قلت: لأن السلب قد استحقه القاتل بالشرع فلا يخرج بعضه عن ملكه إلا بدليل وهذا ليس من موارد النزاع قال وكذلك نقل الأثرم وابن بدينا في الحلى يوجد لقطة فقال إنما جاء الحديث في الدراهم والدنانير قال فاستدام أحمد التحريم ومنع الملك على الأصل لأنه لم يرد شرع في غير الدراهم. قلت لأن اللقطة لها مالك فنقلها إلى الملتقط يحتاج إلى دليل وليس هذا من جنس الأعيان في شىء وقد يحتج القاضي بأن أحمد منع من التخميس وتملك اللقطة لعدم الإباحة وأما قول أهل الإباحة فقال أومأ إليه أحمد في رواية أبي طالب وقد سأله عن قطع النخل فقال لا بأس به لم نسمع في قطع النخل شيئا قيل له قالنبق قال ليس فيه حديث صحيح وما يعجبنى قطعه3 قلت: له إذا لم يكن فيه حديث صحيح فلم لا يعجبك قال لأنه على كل حال قد جاء فيه كراهة والنخل   1 في ب "معلق بالشرع". 2 في ا "بالنصوص والإلهام وعلى هذا هل هو طريق شرعي – إلخ". 3 هذه الجملة ساقطة من اولكن السؤال الذي بعدها يدل على وجودها في كلام أحمد الأول. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 478 لم يجىء فيه شيء قال القاضي فقد استدام أحمد للإباحة في قطع النخل لأنه لم يرد شرع يحظره. قال شيخنا قلت: لا شك أنه أفتى بعدم البأس1 لكن يجوز أن يكون للعموميات الشرعية ويجوز أن يكون سكوت الشرع عفوا ويجوز أن يكون استصحابا لعدم التحريم ويجوز أن يكون لأن الأصل إباحة عقلية مع أهذا من الأفعال لا من الأعيان. قال يعنى القاضي2 وهذا ظاهر كلام أبى الحسن التميمي لأنه نصر جواز الانتفاع قبل الاذن من الله تعالى. قلت وهذا من القاضي يقتضى أن الاختلاف بعد مجيء السمع إذا لم يكن اذن عام أو خاص وقد صرح بذلك وأما الخرزي فإنه قال في جزء فيه مسائل الأشياء قبل مجىء الشرع موقوفة على دلائلها فما ورد النص به عمل به ومالم يرد به نص رد إلى ما فيه النص ومن قال انها كانت على الاباحة فقد أخطأ قلت: هذا أيضا يقتضى أنه لا تمسك باستصحاب بعد مجىء السمع بل نقيس المسكوت على المنصوص. وأما ابن عقيل فقال الذي يقتضيه أصل صاحبنا أن مالم يرد السمع فيه بحظر ولا إباحة لا يوصف بحظر ولا إباحة اذ ليس قبل السمع على أصله محسن ولا مقبح والاليق بمذهبه أن يقال لا نعلم ما الحكم قال وقد أخذ شيخنا من خلافه في مسائل الفروع روايتين الحظر والإباحة قال ابن عقيل وهذا إنما يصح مع نفي تحسين العقل وتقبيحه وإن السمع لما ورد بحظر أفعال في أعيان واباحة أفعال في أعيان رجعنا إلى مقتضى السمع فيما سكت عنه من إباحة أو حظر بحسب ما نذكره من الأدلة المستنبطة من السمع أو ما يثبت   1 في ا "أفتى بعد ذلك" تحريف. 2 عبارة "يعني القاضي" ليست في ا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 479 بدليل العقل هذا معناه مع تعطيل العقل عن الإباحة والحظر. فقد جعل ابن عقيل مورد الخلاف الذي ذكره القاضي فيما سكت عنه السمع بعد مجيئه فصار فائدتها ثلاثة أقوال أحدها عند عدم السمع والثاني بعد مجيء السمع والثالث يعمهما جميعا1. قال شيخنا قال القاضي ذكر أبو الحسن التميمي في جزء وقع إلى بخطه فيما أخرجه من أصول الفقه فقال الأفعال قبل مجيء السمع تنقسم قسمين منها حسن ومنها قبيح فما كان منها في العقل قبيحا فهو محظور لا يجوز الإقدام عليه كالكذب والظلم وكفر نعمة المنعم وما جرى مجرى ذلك لأنه يكتسب بفعله الذم واللوم وأما الحسن من العقل فينقسم قسمين أيضا منها ما يجب فعله ومنها ما لا يجب فعله أما الذي يجب فعله فهو مثل شكر نعمة المنعم والعدل والإنصاف وما جرى مجرى ذلك مما في معناه من الحسن فإنه واجب لا يجوز الانصراف عنه ومن الحسن ما لا يجب فعله وإن كان حسنا مثل التفضل وبر الناس وقرى الضيف وإطعام الطعام ونحوه. فصل: قال شيخنا ولا يجوز أن يرد السمع بحظر ما كان في العقل واجبا نحو شكر المنعم والعدل والإنصاف ونحوه وكذلك لا يجوز أن يرد بإباحة ما كان في العقل محظورا نحو الكذب والظلم وكفر نعمة المنعم ونحوه وإنما يرد بإباحة ما كان في العقل محظورا على شرط المنفعة نحو إيلام بعض الحيوان يعنى بالذبح لما فيه من المنفعة كما جاز لنا إدخال الآلام علينا بالقصد والحجامة وشرب الأدوية الكريهة للمنفعة وإن لم يجز ذلك لغير منفعة وما أعطيناه من أموالنا بغير   1 في ا "جميعها". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 480 استحقاق للفقراء أو غيرهم ممن يطلب بدفعه إليهم الثواب من الله أو الحمد من الناس والثناء الجميل فإن هذا وما أشبهه يجرى مجرى الآلام التي تطلب بها المنافع من الفصد والحجامة وشرب الأدوية وقد يرد السمع بحظر ما لم يكن له في العقل منزلة في القبح نحو الأكل والشرب والتصرف الذي لا ضرر على فاعله في فعله في ظاهر أمره فالواجب أن تجرى أحكام الأفعال على منازلها في العقل فأما أن تكون قبيحا في العقل فيمتنع منه أو يكون واجبا في العقل فيلزم أمره ويجب فعله أو أن يكون حسنا ليس بواجب فيكون الإنسان مخيرا بين أن يفعله وبين أن لا يفعله من نحو اكتساب المنافع بالتجارات وما في معناها فإن ورد السمع فيما الإنسان فيه مخير كشف السمع عن حاله وبين أمره فإما أن يدخله في جملة الحسن الذي يجب فعله أو في جملة القبيح الذي لا يجوز فعله. قال القاضي وهذا كلام أبى الحسن يقتضى أن العقل يوجب ويقبح قال وقد ذكرنا في الجزء الأول من المعتمد خلاف هذا وحكينا [خلاف المعتزلة في] 1 هذه المسألة وبينا قول أحمد في رواية عبدوس ليس في السنة قياس ولا تضرب لها الأمثال ولا تدرك بالعقول إنما هو الاتباع واستدل بدليلين. قال القاضي وقال أبو الحسن والحظر والإباحة والحلال والحرام والحسن والقبح والطاعة والمعصية وما يجب وما لا يجب كل ذلك راجع إلى أفعال الفاعلين دون المفعول فيه فالأعيان والأجسام لا تكون محظورة ولا مباحة ولا تكون طاعة ولا معصية. قال القاضي وهذا كما قال أبو الحسن وقد يطلق ذلك في المفعول توسعا واستعارة فيقال العصير حلال مباح ما لم يفسد فإن فسد وصار خمرا كان حراما ومحظورا والمذكي حلال ومباح والميتة محظورة وهى حرام يريدون   1 ساقط من ب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 481 أن شرب العصير حلال ومباح ما لم يفسد1 وأكل المذكي حلال ومباح ويطلقون ذلك والمراد به أفعالهم قال شيخنا تقدمت هذه المسألة في العموم والصحيح أنه حقيقة في الأعيان أيضا. فصل: في حقيقة قول ابن عقيل [الذي صوره على المذهب2] في الأعيان قبل السمع قد كتبت قوله: إن مقتضى أصلنا أنها لا توصف بحظر ولا إباحة لأن ذلك لا يثبت عندنا إلا بالشرع فإن لم يكن شرع فلا حظر ولا إباحة ثم قال والأليق بمذهبه أن يقال لا نعلم ما الحكم فهذا يقيني وهذا شك ثم قال فإن كان مذهب صاحبنا أن العقل لا يوجب ولا يحظر وإن عباد الأوثان لا يعاقبون على شيء مما اعتقدوه ولا على شيء من الأفعال وإن لا عقوبة ولا عذاب قبل السمع فلا وجه للقول باحته قبل السمع أو حظره فهذا أصل لا ينبغي أن يغفل لأنه من أصول الدين فلا يسقط حكمه بمذهب في أصول الفقه. قال وإذا ساغ لشيخنا رضى الله عنه أن يأخذ له أصلا هو حظر أو إباحة من نهيه تارة فيما لم يرد سمع كقطع السدر وتارة في إباحة كتجويزه قطع النخل فلم لا يأخذ من كلامه الذي لا يحصي لا3 أدري ما هذا ما سمعت فيه شيئا أنا أجبن عن أن أقول بكذا فيؤخذ منه أخذ مذهبين إما الوقف أو الإمساك عن   1 في د "ما لم يشتد". 2 ساقط من ب. 3 الجمل الآتية عبارات نقلت عن الإمام أحمد رضي الله عنه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 482 الفتوى رأسا وإن يقال فيما لم يرد فيه سمع لا مذهب له إلا الإمساك فافهم هذا الأصل فإنه يستمر على قوله في المتشابه من الآيات وظواهر الأخبار وأنها لا تفسر ولا تؤول ولا وجه للقطع بالإباحة أو الحظر مع عدم السمع وعدم قضية العقل. قال شيخنا قلت: هذا الكلام من ابن عقيل مع ما تقدم من أن صاحب الوقف أقرب إلى الحظر لأنه يجنح عن الفتوى بالإقدام كالحاظر يقتضي أن المذهب أنه لا يقطع فيها بحظر ولا إباحة لانتفاء دليل ذلك وهو الشرع ثم هو مع ذلك إما أن يسكت كما يسكت الرجل عن الكلام فيما لم يعلم شكا أو أن يقف فيبقى الحظر والإباحة عند نفسه أو في الخارج ففرق بين أن يقال ليست عندنا محظورة ولا مباحة أو ليست في الخارج كذلك وإذا نفاهما فعنده أنه لا يأذن في الإقدام لأن الإذن إباحة وهذا تجويز منه ذهنا أن يكون في الباطن فيها مفسدة راجحة وهذا يتوجه إذا نفي حكم العقل ولم ينف صفة العقل فيقال ما نعلم أنه لا حكم للعقل بل تجوز أذهاننا أن للعقل صفة وإن لم تكن للعقل صفة إذ فرق بين نفي الدليل ونفي المدلول وبين التجويز الذهني الذي يرجع إلى عدم العلم وبين التجويز الخارجي الذي يرجع إلى وصف الذوات. فكلام ابن عقيل مستمر إذا فسر نفي العقل بنفي دلالته لا بنفي صفة العقل وجوز جوازا ذهنيا أن يكون للعقل صفة وإن لم يثبت جوازها في الخارج فحينئذ يقال لا حظر ولا إباحة لانتفاء دليله والنقل لا يثبت ذلك ولم يعلم أيضا انتفاء أن يكون في الفعل ضرر أو ذم من الله لم نقف عليه بعقولنا ولم يكشف لنا سمع فهذا شك في ثبوت صفة الأفعال لا في علم العقل بها وقد يقال أيضا ما علمنا أن العقل يدرك ذلك فنحن لم نعلم أن للعقل صفة ولم نعلم عدم ذلك ولو كان ثم صفة فلم نعلم أن العقل يدركها أو علمنا أنه لا يدركها فيلزم من ذلك انتفاء الحظر والإباحة والتوقف في نفي الحكم مطلقا ومن لم يحكم الفرق بين نفي الأدلة ونفي المدلولات الجزء: 1 ¦ الصفحة: 483 وبين الجواز العيني والجواز العقلي وإلا اختبط كثيرا في أمثال هذه الأشياء ولهذا قال ابن عقيل في أثناء المسألة لا جواب لهذه المسألة على التحقيق إلا قول المسئول لا أعلم ما كان الحكم قبل الشرع إذ لا طريق لنا إلى العلم بالحكم وكلامه كله يدل عل أنه غير حاكم بثبوت حكم ولا نفيه ولا دليل عليه أصلا كما لا دليل على المتردد بخلاف النافي فعليه الدليل فهو لا يعلم ثبوت الحكم ولا انتفاءه. فصل: قال شيخنا من قال من أصحابنا ان للأفعال والأعيان حكما قبل الشرع اختلفت أقوالهم فيما يجوز تغييره [بالشرع1 وما لا يجوز فقال أبو الخطاب ما ثبت بالعقل ينقسم قسمين فما كان منه واجبا بعينه] كشكر المنعم والإنصاف وقبح الظلم فلا يصح أن يرد الشرع بخلاف ذلك وما وجب لعلة أو دليل مثل الأعيان التي فيها الخلاف فيصح أن يرتفع الدليل والعلة فيرتفع ذلك الحكم العقلي كفروع الدين المنسوخة2 وقال التميمي لا يجوز أن يرد الشرع في الأعيان بما يخالف حكم العقل إلا بشرط منفعة تزيد في العقل أيضا على ذلك الحكم كذبح الحيوان والبط والفصد فعلى هذا يمنع أصل الدليل وقال عنه في موضع لا يجوز أن يرد الشرع بحظر موجبات العقل3 أو إباحة محظوراته وقيل ان الشرع يرد بما لا يقتضيه العقل إذا كان العقل لا يحيله ذكر هذه الثلاثة أبو الخطاب وقال الحلواني ما يعرف ببدائه العقول وضروراتها فلا يجوز أن يرد الشرع4   1 في ب "فيما يجوز لغيره بالشرع" تحريف وما بين المعقوفين ساقط من ا. 2 في ب "كفروع العين" تحريف. 3 في "موجبات العقول". 4 في "يرد السمع". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 484 بخلاف مقتضاه فأما ما يعرف بتولد العقل1 استنباطا واستدلالا فلا يمتنع أن يرد [الشرع بخلافه] . [شيخنا] فصل: قال القاضي في مسألة الأعيان قبل الشرع وإنما يتصور هذا الاختلاف في الأحكام الشرعيات من تحريم لحم الحمر2 وإباحة لحم الأنعام وما يشبه ذلك مما قد كان يجوز حظره وتجوز إباحته فأما ما لا يجوز له الحظر بحال كمعرفة الله ومعرفة وحدانيته وما لا يجوز عليه الإباحة كالكفر بالله وجحد التوحيد وغيره فلا يقع فيه خلاف بل هو على صفة واحدة لا تتغير ولا تنقلب وإنما الاختلاف فيما ذكرنا. وأما ابن عقيل فطرد خلاف الوقف في الجميع حتى في التثنية والتثليث والسجود للصنم وصرف العبادة والشكر إلى غير الواحد القديم الذي قد عرف وحدته وقدمه. قال يعنى القاضي ويجب القول باستصحاب الحال العقلي مثل أن يدل الدليل العقلي على أن الأشياء على الحظر أو على الإباحة قبل ورود الشرع بذلك فيستصحب هذا الأصل حتى يدل دليل الشرع على خلافه وأما استصحاب الشرع مثل أن يثبت الحكم في الشرع بإجماع ثم وقع الخلاف في استدامته كالمتيمم إذا رأى الماء في الصلاة فالقول فيه محتمل أنه غير مستصحب ويحتمل أنه مستصحب لحكم الإجماع حتى يدل الدليل على ارتفاعه. [شيخنا] فصل: ذكر قوم أن الكلام فيها عبث لأن بنى آدم لم يخلوا من شرع وقد أومأ   1 في "بتولد العقول". 2 في ا "من تحريم الخمر" وما أثبتناه موافقا لما في ب وهو الناسب لما يليه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 485 أحمد إلى هذا في رواية عبد الله فيما خرجه في محبسه إذ يقول1 الحمد لله الذي جعل في كل زمان فترة من الرسل بقايا من أهل العلم فأخبر أن كل زمان لم يخل من رسول أو عالم يقتدي به. قال أبو الخطاب وتتصور هذه المسألة في قوم لم تبلغهم الدعوة وعندهم ثمار وفي موضع آخر وهو أن يقول ان هذه الأشياء لو قدرنا خلو الشرع2 عن حكمها ما ينبغي أن يكون حكمها يعتد3 في الفقه أن كل من حرم شيئا أو أباحه قال قد طلبت في الشرع دليلا على ذلك فلم أجد فبقيت على حكم الأصل وهو الأصل فإن قيل لا حكم للعقل ينقل الكلام4 إلى ذلك الأصل. وكذلك قال ابن عقيل من شروط المفتى أن يعرف ما الأصل الذي ينبني عليه استصحاب الحال هل هو الحظر أو الإباحة أو الوقف ليكون عند عدم الأدلة متمسكا بالأصل إلى أن تقوم دلالة تخرجه عن أصله. وقال القاضي واعلم أنه لا يجوز إطلاق هذه العبارة لأن من الأشياء ما لا يجوز أن يقال أنها على الحظر كمعرفة الله تعالى ومعرفة وحدانيته ومنها ما لا يجوز أن يقال أنها على الإباحة كالكفر بالله والجحد له والقول بنفي التوحيد وإنما يتكلم في الأشياء التي يجوز في العقول حظرها وإباحتها كتحريم لحم الخنزير وإباحة لحم الأنعام وتتصور هذه المسألة في شخص خلقه الله في برية لا يعرف شيئا من الشرعيات وهناك فواكه وأطعمة هل تكون لأشياء في حقه على الإباحة أو على الحظر حتى يرد شرع. قال شيخنا قلت: وهذا يقتضى أن المسألة تعم الأعيان والأفعال   1 في ب "أن يقول" تحريف. 2 في ب "خلو شرع". 3 في ب "ويفيد في الفقه". 4 في ب "نقل الكلام". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 486 وقال القاضي قد قال بعض من تكلم في هذه المسألة ان الكلام فيها تكلف لأن الأشياء قد عرف حكمها واستقر أمرها بالشرع وقال آخرون والوقت ماخلا من شرع قط لأن الله لا يخلى الوقت من شرع يعمل عليه لأنه أول ما خلق آدم قال: {اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلا مِنْهَا رَغَداً حَيْثُ شِئْتُمَا وَلا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ} 1 فأمرهما ونهاهما عقب ما خلقهما وكذلك كل زمان وإذا كان كذلك بطل أن يقال ما حكمها قبل ورود الشرع بها والشرع ما أخل بحكمها قط فعلى هذا لا يتصور الخلاف إلا في تقرير أن الأشياء لو لم يرد بها شرع ما حكمها فالحكم عندنا على الحظر وعند قوم على الإباحة وعند آخرين على الوقف. قال وهذه الطريقة2 ظاهر كلام أحمد لأنه في رواية عبد الله فيما خرجه في محبسه الحمد الله الذي جعل في كل زمان فترة من الرسل بقايا من أهل العلم فأخبر أن فيه قوما من أهل العلم. قال القاضي أبو الحسن الخرزى ذكرها إمام قوله: "إن الأشياء على الوقف" فقال لم تخل الأمم قط من حجة واستدل عليه بقوله: {أَيَحْسَبُ الْأِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدىً} 3 والسدي الذي لا يؤمر ولا ينهى وقال تعالى: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً} 4 وقال تعالى: {وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلا فِيهَا نَذِيرٌ} 5 وإن الله لما خلق آدم أمره ونهاه في الجنة. قال القاضي وقال قوم هذه المسألة لا تفيد شيئا في الفقه وإنما ذلك كلام يقتضيه العقل قال وليس كذلك لأن لها فائدة في الفقه وهو أن من حرم شيئا   1 من الآية "35" من سورة البقرة. 2 في ب "وهذه الطريق". 3 من الآية "36" من سورة القيامة. 4 من الآية "36" من سورة النحل. 5 من الآية "24" من سورة فاطر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 487 أو أباحه فقال طلبت دليل الشرع لم أجد فبقيت على حكم العقل من تحريم أو إباحة هل يصح ذلك أم لا وهل يلزم خصمه احتجاجه بذلك أم لا وهذا مما يحتاج إليه الفقيه وإلى معرفته والوقوف على حقيقته. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 488 مسألة استصحاب أصل براءة الذمة من الواجبات حتى يوجد الموجب الشرعي دليل صحيح ذكره أصحابنا القاضي وأبو الخطاب وابن عقيل وله مأخذان أحدهما أن عدم الدليل دليل على أن الله ما أوجبه علينا لأن الإيجاب من غير دليل محال والثاني البقاء على حكم العقل المقتضى لبراءة الذمة [أو دليل الشرع لمن قبلنا ومن هذا الوجه يلزم بالمناظرة قال القاضي استصحاب براءة الذمة1] من الواجب حتى يدل دليل شرعي عليه هو صحيح بإجماع أهل العلم كما في الوتر. قال شيخنا قوله: استصحاب في نفي الواجب2 احتراز من استصحاب نفي التحريم أو الإباحة فإن فيه خلافا مبنيا على مسألة الأعيان قبل الشرع وأما دعوى الإجماع على نفي الواجبات بالاستصحاب ففيه نظر فإن من يقول بالإيجاب العقلي من أصحابنا وغيرهم لا يقف الوجوب على دليل شرعي اللهم إلا أن يراد به في الأحكام التي لا مجال للعقل فيها بالاتفاق كوجوب الصلاة والأضحية ونحو ذلك. قال القاضي هو صحيح بإجماع أهل العلم وقال أبو الخطاب3: هو صحيح بإجماع الأمة قال وقد ذكره أصحاب أبى حنيفة والقاضي أبو الطيب وذكره أبو سفيان وقال عدم الدليل دليل ثم قال وحكي أبو سفيان عن بعض الفقهاء أنه يأبى هذه الطريقة في الاستدلال وقد ذكر ابن برهان ما يقارب ذلك وحكاه أبو الخطاب عن قوم من المتكلمين مع حكاية أبى سفيان عن بعض الفقهاء وكذلك ذكر أبو الخطاب في أثناء مسألة القياس قال لو كانت النصوص وافية بحكم الحوادث   1 ما بين هذين المعقوفين ساقط من ا. 2 في د "نفى الإجماع". 3 كذا في افي ب "أبو الطيب" لكن ما يلي من الكلام يؤيد ما في اد. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 488 لما افتقر أهل الظاهر في كثير من الحوادث إلى استصحاب الحال وأدلة العقل فإن قيل فيرجع إلى استصحاب الحال وحكم العقل قيل لا نسلم أن ذلك دليل في الشرع جواب آخر أن الحوادث في عصر الصحابة به لم يرجعوا فيها إلى استصحاب الحال ولا أدلة العقل وإنما رجعوا إلى القياس على ما بينا فدل على أن ذلك لا يجوز هذا كلامه. وظاهره أن ذلك ليس بدليل للحكم الشرعي بحال إلا أن يتأول على أنه ليس بدليل مع القياس وفيه نظر. قلت وينبغي أن هذا الدليل لا ينبغي اعتقاده والعمل به في الحال بل يعد نوع سبر وبحث كما قلنا على رواية في العموم لكن هذا أضعف من العموم1 فلا ينبغي أن يكون فيه خلاف. قال شيخنا جعل القاضي استصحاب الحال الذي طريقه العقل مثل أن يقال أجمعنا على براءة الذمة فمن زعم اشتغالها بزكاة الحلي فعليه الدليل فقال نص أحمد على هذا في رواية صالح ويوسف بن موسى لا يخمس السلب لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يخمسه قال فقد جعل الأصل دلالة على إسقاط الخمس متى لم يعلم الدليل2 عليه وكذلك نقل حنبل فيمن أكل أو شرب عليه القضاء ولا كفارة لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يأمره بالكفارة. قلت أما الأول فإن النبي صلى الله عليه وسلم قضى للقاتل بالسلب وهذا اللفظ يعم جميع السلب فكان هذا تمسكا بعموم اللفظ فالذي لم يخصه النبي صلى الله عليه وسلم بل ترك تخميسه نص في3 استحقاق جميعه وهذا أبلغ   1 في ب "ضعيف من العموم". 2 في ا "متى لم يعم الدليل" وفي د "لم يقم الدليل". 3 كلمة "في" ساقطة من ب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 489 من الاستصحاب فإن هنا أربع مراتب فعله أو أمره بما يضاد الوجوب كأمره بأن يعطى القاتل جميع السلب فإن هذا يضاد وجوب أخذ الخمس الثاني عدم أمر النبي صلى الله عليه وسلم مع قيام المقتضى فهذان نصان1 في عدم الوجوب والثالث عدم دليل السمع الموجب فإنه لا وجوب إلا به فعدم الموجب ملزوم عدم الوجوب الرابع استصحاب ما كان قبل السمع وكذلك عدم التحريم تارة يثبت بقوله أو فعله ما ينافي التحريم وتارة بعدم نهيه2 مع قيام المقتضى وهذا الذي يسمى تقريرا وثالثا بعدم المحرم ورابعا بالاستصحاب فهذه الدلائل العدمية دليل3 على عدم الوجوب والاستصحاب والتحريم والكراهة وبعضها مستلزمة لدليل ثبوتي ومن هذا فعله للشيء هل هو دليل على الحل الشرعي أو دليل على عدم التحريم مطلقا بحيث يكون النهى بعد ذلك نسخا عاما4 أولا يحكم يكون نسخا لأن الثابت إنما كان عدم التحريم.   1 في ب "فهذان نص". 2 في ب "لعدم بينة". 3 كلمة "دليل" ساقطة من ب. 4 في ب "نسخا خاصا". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 490 مسألة يجوز الأخذ بأقل ما قيل ونفي ما زاد لأنه يرجع حاصله إلى استصحاب دليل العقل على براءة الذمة فيما لم يثبت شغلها به وأما أن يكون الأخذ بأقل ما قيل أخذا وتمسكا بالإجماع فلا لأن النزاع في الاقتصار1 عليه ولا إجماع فيه قال بعضهم هذا نوع من أنواع الإجماع صحيح لا شك فيه وقال قوم بل يأخذ بأكثر ما قيل ذكرهما ابن حزم وقال بعضهم ليس بدليل2 صحيح. قال شيخنا قلت: إذا اختلفت البينتان في قيمة المتلف فهل يوجب الأقل أو بسقطهما فيه روايتان وكذلك لو اختلف شاهدان فهذا يبين أن في إيجاب   1 في ب "الانتصار عليه" تحريف. 2 كلمة "بدليل" ساقطة من ا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 490 الأقل بهذا المسلك اختلافا وهو متوجه فإن إيجاب الثلث أو الربع ونحو ذلك لا بد أن يكون له مستند ولا مستند1 على هذا التقدير وإنما وقع الاتفاق على وجوبه اتفاقا فهو شبيه بالاجماع المركب إذا أجمعوا على مسألتين مختلفتي المأخذ ويعود الأمر إلى جواز انعقاد الإجماع بالبحث والاتفاقات وإن كان كل واحد من المجمعين ليس له مأخذ صحيح وأشار إليه ابن حزم. فصل: يتعلق بالقول بأقل ما قيل2 وضابطه دليل ظاهر لفظي أو عقلي. انعقد الإجماع على عدم اعتباره مطلقا إجماعا مفردا أو مركبا وهو إذا كان اللفظ العام أو المطلق مقيدا بحد وقد اختلف في حده فهل يجوز الاستمساك بعمومه فيما زاد على أقل الحدود كعموم آية السرقة فإنه قد اتفق الفقهاء على أنها مخصوصة بنصاب فهل لمن يقطع بما زاد على الثلاثة الدراهم أن يحتج بعمومه فيما بين الثلاثة والعشرة أو يقال في نصاب هذا مما قد يستدل به طائفة من الفقهاء وقد استدل المالكية وأصحابنا مثل أبن أبى موسى في شرح الخرقي على الحنفية في مسألة أكثر الحيض بإطلاق قوله: {وَيَسْأَلونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ} 3 على أن في اللفظ عموما من كونه أذى وهذا لو ثبت فلا ريب في هذا الترتيب عندنا وعند الجمهور أن له قدرا مخصوصا قال أصحابنا وجب اجتناب الحائض مع وجود الحيض قل أو كثر إلا ما قام دليله وقد قام الدليل عندنا وعند أبى حنيفة أن ما نقص عن اليوم والليلة ليس بحيض وبقى ما زاد على ذلك على حكم الظاهر ثم إنهم أجابوا عن احتجاج مالك بالآية في القليل والكثير بما يبطل حجتهم على أبى حنيفة فركبوا هذا   1 كلمة "ولا مستند" ساقطة من ا. 2 في د "يتعلق بما مر". 3 من الآية "222" من سورة البقرة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 491 الدليل تارة وأبطلوه أخرى وهذا قريب من مثل هذا في البراءة مثل أن يقال في مسألة الحيض الأصل براءة ذمتها من الحيض وقد اتفقنا على عدم شغلها في اليوم السادس عشر فمن قال بالشغل قبل ذلك فعليه الدليل وقد يعارض بأن دلائل السمع العامة قد اقتضت وجوب الصلاة على كل مكلف خرج منه العشر فما دونها فبقى فيما زاد على العموم وهذه المعارضة أقوى لإزالة الدليل السمعي للبراءة الأصلية لكن القدح فيه أن الدليل إنما تناول غير الحائض ويستعمل مثل هذا في الزكاة وهذا الدليل فيه نظر فإن العلم بأن هذا الظاهر لم يرد منه المتكلم إلا قدرا مخصوصا يمنع أن يكون قصد به العموم وإذا علمنا لم يقصد به العموم امتنع الاستدلال به ومن هذا الوجه قد يفرق بينه وبين الاستصحاب. [شيخنا] فصل: فأما ان ثبت أن العموم أو الإطلاق أو الاستصحاب منزل على نوع دون نوع فهل يجوز الاستمساك به فيما عدا النوع المتفق على خروجه هذا أقوى من الأول وهو في الاستصحاب أقوى منه في الخطاب وذلك لأن صاحب التحديد بالثلاثة مثلا لا بد له من دليل يختص به على التحديد بها كما أن صاحب العشرة لا بد له من دليل على التحديد بالعشرة فتكافآ في ذلك فم يجز لأحدهما الاستدلال بالظاهر وحده لعدم دلالة الظاهر وحده على مذهبه وأما النوع فالدليل المخرج له من العموم يتفقان فيه فمن أراد إخراج نوع آخر فعليه دليل ثان وحاصله أن خروج نوع يتفقان في الدلالة عليه كما اتفقا في حكمه وخروج ما بينهما من المقدار لا يتفقان في دليله كما لا يتفقان في حكمه وإنما هو إجماع مركب فهو نظير القياس على أصل مركب وأضعف [منه] 1 ومثل ذلك في الفروع2 الاحتجاج   1 في ب "وأصعب". 2 في ب "في النوع". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 492 بعموم آية السرقة في سارق ما أصله الإباحة وما يسرع فساده ولولا ذلك لما جاز الاستمساك بعام مخصوص وإنما يقبح ذلك إذا كثرت الأنواع المخصوصة بحيث يكون النوع المتروك أقل من الأنواع المخرجة فهذا فيه تفصيل ونظر وهذا قد يتعارض فيه الإضمار والتخصيص [1فقيل هما سواء وقيل التخصيص أولى ويتعارض فيه المجاز والتخصيص1] وهذا البحث قد يقدح في الاستمساك بأقل ما قيل لأن القائل بوجوب2 ثلث دية المسلم لا بد من دليل غير الإجماع وغير براءة الذمة إذ ليس الثلث بأولى من الربع ومن الخمس3 والمناظرة إنما هي مع ذلك القائل الأول لا مع الثاني والثالث وإجماعهم على وجوب الثلث نوع من الإجماعات المركبة فإن وجوبه من لوازم القول بوجوب النصف والجميع فالقائل بوجوب النصف يقول إنما وجبت النصف لدليل فإن كان صحيحا وجب القول به وإن كان ضعيفا فلست موافقا على وجوب الثلث كما يقال مثل ذلك في حلى الصغيرة وعشر الخضروات الخراجية وإجبار بنت خمس عشرة4 لكن القولان المركبان قد يكون كل واحد منهما أعم من الأخر5 كما في هذه النظائر وقد يكون أحدهما هو العام كما في نصاب السرقة وكما في التقابض فإن بعضهم يستعمل مثل هذا وفيه نظر مثل أن يقال للأم مع الأخوين اتفقوا على وجوب السدس واختلفوا فيما زاد عليه والأصل عدمه فإن القائل بالثلث كذلك فهذا يشبه القول بأقل ما قيل بل هو ولو قال أيضا قد اتفقوا على توريث الجد واختلفوا في توريث الأخوة لكان ضعيفا لأن القدر الذي اتفقوا عليه إنما هو ما لم يقل إنه حق الأخ إلا أن يحتج على ميراث الجد بنص وبنفي ميراث   1 ما بين المعقوفين ساقط من ا. 2 في ب "القائل يثلث دية المسلم". 3 في ب "من الخمسين". 4 في ا "وإجبار بنت عشر". 5 في ب "أعم من الأخص" خطأ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 493 الأخ بالأصل فهذا نوع آخر وقد يقال المقتضى لتوريث الجد الجميع ثابت بالاجماع وإنما المانع منه المزاحمة وهى منتفية بالأصل فهذا قريب من التمسك بأقل ما قيل بل هو أقوى منه لأن الإجماع على استحقاق الجميع عند عدم المزاحم إجماع مفرد لا مركب. وهنا مسائل كثيرة من الظواهر السمعية والعقلية التي قد علم بالنص أو الإجماع أو العقل أن دلالتها ليست مطلقة وغالب كلام المتنازعين في هذا النوع من الأدلة [1وهو محتاج إلى تحقيق وتفصيل إذ الكلام في أنواع الأدلة1] ثم في أنواع التقييدات من جهة والتنويع والقلة والكثرة وغير ذلك والله أعلم. وقد رأيتهم يستعملون مثل ما ذكرناه أولا في القياس كقولهم في أكثر الحيض دم يمنع فرض الصلاة وجواز الوطء فجاز أن يزيد على العشرة كالنفاس وهذا عندي من أفسد ما يكون من جهة أن الحكم في الأصل ليس بحكم الفرع ومن جهة أن لا يمكنه أن يقول مقتضى القياس الاستواء مطلقا وإنما خالفناه فيما زاد للإجماع لأن معارضة الإجماع للقياس في مقتضاه دليل في فساده بخلاف معارضته للنص أو الاستصحاب وأيضا فإن وجوب طرد القياس ليس2 كغيره من الأدلة.   1 ما بين المعقوفين ساقط من ا. 2 كلمة "ليس" ساقطة من اد. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 494 مسألة: والنافي للحكم عليه الدليل ذكره أبو الحسن التميمي والقاضي وابن برهان وأبو الطيب الشافعي وجماعة وقيل1 عليه الدليل في العقليات دون الشرعيات وقيل لا دليل عليه فيهما [ذكره الحلواني عن بعض الشافعية] والأول اختيار أبى الخطاب وجمهور العلماء.   1 في ا "وهل عليه الدليل" خطأ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 494 مسائل أحكام المجتهد والمقلد وغير ذلك مسألة المصيب في الأصوليات من المجتهدين واحد وهو قول الجماعة وحكي عن عبد الله العنبري [أنه قال المجتهدون من أهل القبلة مصيبون مع اختلافهم] . قال شيخنا قال أبو المعالي ومما يداني مذهب العنبري مذهب أقوام قالوا: المصيب واحد في الأصول ولكن المخطئ معذور ويستحق الثواب لأنه بذل جهده فتجرى أحكام الكفرة على الكفرة ويقاتلون في الدنيا لأمر الشارع بذلك ولكن يثابون في الآخرة إذا لم يكونوا معاندين وقد يتمسكون في هذا المذهب بقول الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا} 1 الآية. وقال الجاحظ وثمامة المعارف ضرورية وما أمر الرب الخلق بمعرفته ولا بالنظر بل من حصلت له المعرفة وفاقا فهو مأمور بالطاعة فمن عرف وأطاع استحق الثواب ومن عرف ولم يطع خلد في النار وأما من جهل الرب فليس مكلفا فإن مات2 جاهلا لم يعاقب ثم منهم من قال يصير ترابا ومنهم من قال يصير إلى الجنة فعوام الكفرة أحسن حالا من فسقة العارفين بالله وشنع على هذه المذاهب بعد شناعه على العنبري. قال والمخطئ في الأصول لا شك في تأثيمه وتفسيقه وتبديعه وتضليله واختلف في تكفيره فمال بعض أئمتنا إلى أن كل من قال قولا يقود إلى ما هو كفر بالاجماع بكفر كمن قال: "إنه ليس بعالم" يكفر فمن قال ليس له علم وقدره يكفر ومال البغدادي إلى هذا القول وحكاه عن أبى الحسن في مواضع وكان الإمام أبو سهل الصعلوكي لا يكفره فقيل له إلا تكفر من   1 من الآية "62" من سورة البقرة. 2 في ب "فإن تاب جاهلا" خطأ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 495 كفرك فعاد إلى القول بأنه كفر وهذا مذهب المعتزلة فهم يكفرون خصومهم ويكفر كل فريق منهم الآخرين. قال وصار معظم أصحابنا إلى ترك التكفير لمن قال قولا يعود إلى الكفر ويلزمه وقالوا إنما يكفر من جهل وجود الرب أما من علم1 وجوده ولكن فعل فعلا أو قال قولا أجمعت الأمة على أنه لا يصدر إلا من كافر فلا ومعظم كلام أبى الحسن يدل على هذا وهو اختيار القاضي في كتاب إكفار المتأولين. [شيخنا] فصل: ذكر أبو المعالي أن المسائل قسمان قطعية ومجتهد فيها والقطعية عقلية وسمعية فالعقلي ما أدرك بالعقل سواء كان لا يدرك إلا به كوجود الصانع وتوحيده وكونه متكلما قلت: الوحدانية منهم من يثبتها بالسمع وطائفة قليلة لا تثبتها إلا بالعقل2 وأما الكلام فأكثرهم على أنه يثبت بالسمع وكثير منهم يقول لا يثبت إلا بالسمع. قال أو كان مما يدرك بالعقل والسمع جميعا كمسألة الرؤية وخلق الأفعال وأما الشرعية فما عرف من أحكام التكليف بنص كتاب أو سنة متواترة أو بإجماع كوجوب الصلوات وكتقديم خبر الواحد على القياس إذا كان نصا والمجتهدات ما ليس فيه دليل مقطوع به. قلت تضمن هذا أن ما يعلم بالاجتهاد لا يكون قطعيا قط وليس الأمر كذلك فرب دليل خفي قطعي.   1 في ب "أو من علم وجوده" خطأ. 2 في ا "لا يثبتها إلا بالسمع" وليس بذاك. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 496 قال وقد تكلموا في الفرق بين الأصول والفروع فقيل الأصل ما فيه دليل قطعي والفرع بخلافه فعند هؤلاء الأصل ما عددناه قطعيا وعبر عنه القاضي بأن كل مسألة يحرم الخلاف فيها مع استقرار الشرع ويكون معتقد خلافها جاهلا فهي من الأصول عقلية كانت أو شرعية والفرع ما لا يحرم الخلاف فيه أو ما لا يأثم المخطئ فيه. قلت كثير من مسائل الفروع قطعي وإن كان فيها خلاف وإن كان لا يأثم المخطئ فيها لخفاء الدليل عليه كما قد سلمه فيما إذا خفي عليه النص. قال وقيل الأصل ما لا يجوز التعبد به إلا بأمر واحد أو ما يعلم من غير تقديم ورود. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 497 مسألة وكذلك في الفروع الحق عند الله واحد وعلى المجتهد طلبه فإن أصابه توفر أجره وإن أخطأه بالمؤاخذة موضوعة عنه وهو مثاب مع كونه مخطئا نص عليه في مواضع ولا يقطع بخطأ واحد بعينه في ذلك وبهذا قال أكثر الشافعية وذكر أبو الطيب أنه مذهب الشافعي وكل مصنف1 من أصحابه المتقدمين والمتأخرين وإن المزني استقصى القول فيه وقال إنه مذهب مالك والليث وإن أبا علي الطبري أنكر على من نسب إلى الشافعي خلاف ذلك بعد ما ذكر أن قوما نسبوا إليه ما قدمناه عن الحنفية فأبطل ذلك وشدد النكير فيه وكذلك ذكره عبد الوهاب عن أصحابه وأكثر الفقهاء ورواه ابن وهب عن مالك والليث وذكر عن مالك نصوصا صريحة بذلك حتى قارب مذهب المؤثمين وهو قوله ليس كل واحد مصيبا لما كلف وأنه ليس الاختلاف بسعة وقد روى عن أحمد أنه سمى الاختلاف سعة ومن المتكلمين بشر المريسي وابن علية والأصم وأكثر الأشعرية منهم ابن فورك وأبو إسحاق الاسفرائينى وغيرهما وبالغ أبو الطيب الطبري فقال أعلم إصابتنا للحق وأقطع بخطأ من خالفنا وأمنعه من الحكم باجتهاده   1 في د "وكل منصف" بتقديم النون. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 497 غير أنني لا أوثمه ولا أفسقه1 وقد حكى ابن برهان عن بشر المريسي وإسماعيل بن علية والأصم وأهل الظاهر الغلو بأن المصيب واحد والحق في جهة واحدة وما عداه ضلال وبدعة وفسق وحكى أبو الخطاب عن الأصم وابن علية والمريسي أن الحق في جهة واحدة وعليه دليل كلف المكلف إصابته فإن أداه اجتهاده أنه وصل إليه يقينا وينقض حكم من خالفه وحكاه بعضهم عن الشافعي2 واختاره الاسفرائينى وأبو الطيب قال وقد أومأ إليه أحمد في مسألة القياس3 وأنه لم يصب باجتهاده ما كلف وأنه لا بد في المسألة من أمارة هي أقوى قد كلف طلبها والحكم بها وقال في موضع آخر كلفوا الحكم عند الله قال القاضي في كتاب الروايتين الحق عند الله واحد وقد نصب عليه دليلا وكلف المجتهد طلبه فإن أصابه فقد أصاب الحق عند الله وفي الحكم وإن أخطأه فقد أخطأ عند الله وهل أخطأ في الحكم أيضا على روايتين إحداهما أنه مخطئ في الحكم إلا أن الخطأ موضوع عنه والثانية هو مصيب في الحكم وهذا الذي ذكره ابن عقيل عن حنبلي أظنه نفسه لما قال من نصر المصوبة معلوم أن الله قد كلف من خفيت عليهم القبلة الاجتهاد في طلبها ومن عدم الماء الاجتهاد في تحصيله ومن أبق منه العبد الذي غصبه الاجتهاد في طلبه ثم هم مصيبون لما كلفوه وإن لم يصبوا القبلة ولا الماء ولا العبد فقال الحنبلي ما من شيء ذكرتموه إلا وفيه خطأ لأن المصيب من صادف القبلة والباقون مصيبون في بلوغ وسعهم كما زعمت لا في إصابة القبلة التي هي عند الله قبلة الإسلام قال القاضي وقد أومأ أحمد إلى هذا في رواية بكر بن محمد عن أبيه عنه فقال الحق عند الله في واحد وعلى الرجل أن يجتهد ولا يقول لمخالفه انه مخطئ وقال بعده كلاما وإذا اختلف أصحاب محمد   1 في ب د "ولا أنقضه". 2 في ب "عن الشافعية". 3 في اب "المفلس". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 498 صلى الله عليه وسلم في شيء فأخذ رجل بقول بعضهم وأخذ رجل آخر عن رجل آخر منهم فالحق واحد وعلى الرجل أن يجتهد ولا يدرى أصاب الحق أم أخطأ قال فظاهر كلامه في أول المسألة أنه مصيب في الحكم لأنه منع من إطلاق الخطأ عليه في الحكم وآخر كلامه يقتضي إطلاق ذلك عليه لأنه قال عليه أن يجتهد ولا يدري أصاب الحق أم لا فأطلق الخطأ عليه. ووجه قول من قال: "كل واحد منهم مصيب في الحكم" إقرار الصحابة بعضهم بعضا وتسويغ استفتاء كل واحد للعامي ولأنه لو كان الحق في واحد من القولين لنصب عليه دليلا يوجب العلم كما قلنا في مسائل الأصول فلما لم ينصب دليلا يوجب العلم ثبت أن الحق فيما يعتقده في حقه دون غيره. قال شيخنا قلت: أحمد إنما فرق لأن الأولين كل منهما استدل بنص والآخرين لا نص مع واحد منهما فعلى هذا من استمسك بنص لا يطلق عليه الخطأ في الحكم كالمصلي إلى القبلة المنسوخة قبل علمه بالناسخ ومن لا نص معه يقال هو مخطئ في الحكم بمنزلة الذي ليس هو على شريعة ولم تبلغه شريعة فصارت الأقوال ثلاثة والفرق هو المنصوص. قال وقد اختلف أصحابنا فيما جرى بين علي ومعاوية وطلحة والزبير وعائشة هل كل واحد منهم مصيب في ذلك أم أحدهم مصيب فحكى شيخنا أبو عبد الله عن أصحابنا في ذلك وجهين أحدهما أن كلا منهما مصيب في الحكم والثاني أن أحدهما مصيب والآخر مخطئ لا بعينه والثالث أن أحدهما مصيب وهو علي والآخر مخطئ وهو من قاتله. قال القاضي ويجب أن يكون القول في ذلك مبنيا على الأصل الذي تقدم وإن الحق عند الله في ذلك في واحد منهما فإن أصابه فقد أصاب عند الله وفي الحكم وإن أخطأ عند الله فهل هو مخطئ في الحكم على روايتين أحداهما الجزء: 1 ¦ الصفحة: 499 أنه مصيب والثانية أنه مخطئ وقد نص أحمد على الإمساك فيما شجر بينهم وترك القول فيه بخطأ أو إصابة فقال المروذى جاء يعقوب رسول الخليفة يسأله فيما كان بين علي ومعاوية فقال ما أقول فيهم إلا بالحسنى وكذلك نقل أحمد بن الحسن1 الترمذي وقد سأله ما يقول فيما كان من أمر طلحة والزبير وعلي وعائشة فقال من أنا حتى أقول في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كان بينهم شيء الله أعلم به وكذلك قال في رواية حنبل قال الله تعالى: {تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ وَلا تُسْأَلونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ} 2 فقد صرح بالموقف. واستدل القاضي على الوقف ومقتضاه إما تصوبيهما أو عدم تعيين المصيب. قال شيخنا قلت: أحمد لم يرد الوقف الحكمي وإنما أراد الإمساك عن النظر في هذا والكلام فيه كما نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن التفضيل بين الأنبياء وعن تفضيله على يونس3 نحو ذلك من الكلام الذي وإن كان حقا في نفس الأمر فقد يفضى إلى فتنة في القلب وإذا كان الأموات على الإطلاق ينبغي لنا إلا نخير بينهم إلا لحاجة فالصحابة الذين أمرنا بالاستغفار لهم وبمسألة4 أن لا تجعل في قلوبنا غلا لهم أولى والكلام فيما شجر بينهم يفضى إلى الغل المذموم ولهذا علل بأنها أمة قد سلفت لها ما كسبت ولكم ما كسبتم ونحن وإن علمنا بالنوع أن أد المختلفين مخطئ فليس علينا أن نعلمه بالشخص إلا في مسألة تتعلق بنا فأما اثنان اختلفا في مسألة تختص بأعيانهما فلا حاجة بنا إلى الكلام في عين المخطئ وهذا أصل مستمر ويدل على هذا أن أحمد بنى مسائله في قتال   1 في ا "نقل الحسن الترمذي". 2 من الآية "134" من سورة البقرة. 3 في ب د "عن موسى". 4 أي بأن نسأل الله ألا يجعل في قلوبنا غلا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 500 أهل البغي على سيرة علي ولما أنكر ابن معين على الشافعي ذلك قال له أحمد ويحك فماذا عسى أن يقول في هذا المقام إلا هذا يريد أنا لما أردنا أن نتكلم في نوع ذلك العمل لأجلنا عينا المصيب والمخطئ وأما الكلام في عين عملهما لا لأجل عملنا فلا حاجة لنا فيه فإن أكثر ما فيه نوع علم يقترن به غالبا من غل القلب ما يضر فيكون إثمه أكبر من نفعه كالغيبة مثلا. قال القاضي في رأس المسألة الحق في واحد عند الله وقد نصب الله على ذلك دليلا إما غامضا وإما جليا وكلف المجتهد طلبه وإصابته بذلك الدليل فإن اجتهد وأصابه كان مصيبا عند الله وفي الحكم وله أجران أحدهما على اجتهاده والآخر على إصابته وإن أخطأه كان مخطئا عند الله وفي الحكم وله أجر على اجتهاده والخطأ موضوع عنه وردد هذا المعنى. ثم قال في أثنائها فإن قيل كيف يستحق الأجر وقد أخطأ في الحكم وفي الاجتهاد قيل هو مصيب فيما فعل من الاجتهاد مخطئ في تركه للزيادة على ما فعله فهو مأجور على ما فعله مغفور له تركه ما ترك من الاجتهاد. وقال أيضا فيها وأما منعه من العمل بما أدى اجتهاده إليه فلا يمنع منه لأن فرضه أن يحكم باجتهاده وبما يصح عنده فلا يصح منعه. فقد أخبر أنه كلف إصابة الحكم المعين وأنه كلف الحكم باجتهاده وإن كان قد أفضى إلى غير المعين في الباطن وكلا القولين صحيح وبه ينحل الإشكال. وقالت الحنفية كل مجتهد مصيب لما كلف من حكم الله تع إلى والحق واحد عند الله وهو الأشبه الذي لو نص الله على الحكم لنص عليه ولا شك أنه واحد وذكر أبو الخطاب أن هذا وفق قولنا إلا أن المكلف لم يكلف إصابته الجزء: 1 ¦ الصفحة: 501 بل كلف ما هو أشبه في ظنه ونظره وحكاه بعضهم عن الشافعي وحكي رواية عن الجبائي وقالت المعتزلة وأبو الهذيل وأبو هاشم كل مجتهد مصيب ثم اختلفوا هل هو عند الله حكم واحد مطلوب أم لا فمنهم من أثبته كقول الحنفية ومنهم من قال ليس هناك في الباطن حكم لله بل حكمه في كل مجتهد ما يؤديه اجتهاده إليه وليس على الحق دليل مطلوب وما كلف غير اجتهاده وحكي عن أبى حنيفة وهذا قول ابن الباقلاني وحكي عن أبى الحسن الأشعري فيها قولان: أحدهما كاختياره والذي حكاه ابن برهان عن الشافعي نفسه كمذهبنا وكذلك عن أبى الحسن الأشعري فيكون قوله الأخر1. وذكر أبو المعالي أن القائلين بأن لا حكم لها في الباطن ولا واجب ولا مطلوب ولا دليل هم معظم المتكلمين فمنهم من قال يجب الاجتهاد كابن الباقلاني ومنهم من قال ما سبقنا فيه بالاجتهاد فليس علينا أن نجتهد فيه بل لنا أن نتخير من أقوال العلماء فنأخذ بما أردنا واستنبط ابن الباقلاني ذلك من كلام الشافعي والقول الثاني للمصوبة أن الحق عند الله واحد وعليه دليل منصوب هو المطلوب بالاجتهاد ولم يكلف المجتهد الإصابة وإنما كلف الاجتهاد فقط وهو مذهب أبى حنيفة والمزني واختاره. وقال قوم منهم هو مأمور بطلب الأشبه عند الله وليس مأمورا بإصابته ويعزى إلى أبى يوسف ومحمد وابن أبان الكرخي فالأشبه هو أولى طرق العلة عند الله وقيل هو الذي لو ورد النص لما ورد إلا به وقيل هو معنى في القلب لا يقبل البيان باللسان. وقال معظم الفقهاء المصيب واحد والمطلوب في كل مسألة العثور على حكم   1 في "فيكون اقولا آخر". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 502 هو الحكم عند الله وعليه دليل وما يؤدى إلى خلافه فليس بدليل والمجتهد مكلف بإصابة ذلك الحكم المتعين عند الله وسلوك طريقه وإصابة دليله فإن أصاب فله أجران وإن أخطأ عذر لغموض المدرك ووعورة المسلك وله أجر واحد ولأنه قصد طلب الحق وهذا هو المعزو إلى الشافعي1 وهو مذهب مالك وأحمد وإسحاق والأوزاعي ومن المتكلمين المحاسبي وعبد الله ابن سعيد. وقال قوم المصيب واحد وليس ثم دليل منصوب عليه بل هو كالشيء المكنون يتفق العثور عليه. وقال قوم المخطئ آثم غير معذور وهو مذهب داود ونفاة القياس والمريسي قال وقال الجبائي يتخير المجتهد في أقوال المجتهدين خرق الإجماع المنعقد على وجوب الاجتهاد على المجتهدين ويدانى هذا قول موسى بن عمران كان للنبي صلى الله عليه وسلم أن يفتى في الحوادث بما يشتهى والآن لصالحي الأمة أن يفتوا في الحوادث بما يشتهون من غير اجتهاد. وقال قوم كل من أفتى في حادثة بحكم يريد التقرب به إلى الله فهو مصيب سواء كان مجتهدا أو لم يكن. وطرد قوم هذا في مسالك العقول وحكى البغدادي هذا المذهب عن داود وأصحاب الظواهر وهذا يرد على العنبري لأن ذاك صوب كل مجتهد في الأصول وهذا القائل صوب كل من هذى بشيء2 من هذا وإن لم يكن مجتهدا بعد ما بذل وسعه. [شيخنا] فصل: إذا ثبت أن المصيب من المختلفين واحد فهل نقطع بصحة قولنا وخطأ   1 في اب "المعزي" والعربية تقتضي ما أثبتناه ونظيره "المغزو والمدعو" بتشديد الواو – اسم مفعول فعله غزا ودعا. 2 في د "كل من أفتى بشيء". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 503 المخالف أم يجوز أن يكون الحق في ما غير قلناه قد نقل عن أبى الطيب الطبري أنه يقطع بخطأ مخالفه وينقض حكمه قال أبو الخطاب في التمهيد وقد أومأ إليه أحمد في رواية ابن الحكم وذكر نصه1 على نقض حكم من حكم بأن المشترى أسوة الغرماء والصحيح أن المسائل تنقسم قسمين إلى ما يقطع فيه بالإصابة وإلى ما ندرى 2أصاب الحق أم أخطأ بحسب الأدلة وظهور الحكم للناظر 3 [ولا أظن يخالف في هذا من فهمه وعلى هذا ينبني نقض حكم الحاكم وغيره3] ومن ذلك قول أبى بكر في الكلالة وقول عمر وغيره وعليه ينبني حلف الإمام أحمد في مسائل منها العينة4 وجبنه عن الحلف في آخر كالشفعة للجار وغير ذلك وهكذا قال ابن حامد في أصول الفقه في باب كتابة العلم وجمعه وتصنيفه قال الخلال على المذهب انه لا يرى الرد على أهل المدينة قال ابن حامد وإنما ذلك على أصل إمامنا في تخطئة أهل الاجتهاد وهل يسوغ لنا القطع بالخطأ أم لا فأهل المدينة قد قال أحمد إنهم للآثار يتبعون وإن من اجتهد بالأثر فالحق واحد والآخذ بالخبر الأخر معذور فأما أهل الرأي فلا خلاف عن أبى عبد الله أن أخذهم بالرأى مع الخبر مقطوع على خطئه فهو الذي يرد عليه ويبين عن خطئه. [شيخنا] فصل: لما تأول المخالف أن قوله: إذا اجتهد الحاكم فأخطأ فله أجر ليس عائدا إلى الخطأ في الاجتهاد وإصابة الحكم بدليله لكن إلى كون المحكوم له يقتطع مال خصمه أو حقه بذلك الحكم لكذب الشهود أو مغالطة الخصم بكونه أخصم   1 في ب "وذكر نهيه". 2 في ا "وإلى ما ندري – إلخ" 3 ما بين هذين المعقوفين ساقط من ا. 4 في ا "منها العقيقة". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 504 وألحن كما جاء [في] الحديث وهذا النوع من الخطأ هو الذي يستحق الحاكم فيه أجر اجتهاده وإصابة حكم الشرع1 حيث قضى بالبينة بظاهر العدالة وحرم أجر تحصيل الحق لمستحقيه بحكمه كمن يسقى المضطر ماء لا يعلم أنه مسموم فله أجر قصده لريه واستنقاذه من تلف العطش ولكن حرم ثواب إحياء نفسه باسقائه حيث لم يحصل له ذلك بإسقائه. قال ابن عقيل الجهالة بكذب الشهود وما شاكل ذلك من إقرار الخصم على سبيل التهزي ونحو ذلك مما لا يضاف إلى الحاكم به الخطأ ولهذا من جهل نجاسة ماء فتوضأ به بناء على حكم الأصل أو أخطأ جهة القبلة مع اجتهاده ولم يعلم لا ينقض ثوابه ولا أجر عمله لحديث عمر في الميراث2. قال شيخنا قلت: الحكم نوعان إنشاء وإبداء فالإنشاء كالحكم فيمن نزلوا على حكمه وكالحكم في الفرائض وفي لفظ الحرام وفي موجبات العقود ونحو ذلك فهذا مثل الفتيا سواء والثاني الإبداء وهو الحكم بموجب البينة والإقرار والدعوى مع كذبهما في الباطن وهذا الذي دل عليه حديث أم سلمة وهو نوعان أحدهما أن يعتقد البينة عدولا ولا تكون عدولا أو يعتقد اللفظ إقرارا ولا يكون كذلك فهذا كاعتقاده فيما ليس بدليل على الحكم أنه دليل والثاني أن تكون البينة عدلا لكن أخطأت واللفظ إقرار لكن أخطأ المقر وأحدهما أظهر حجته والآخر سكت عنها كما دل عليه حديث أم سلمة فهذا كما لو حكم بدليل وكانت دلالته مختلفة فحديث أم سلمة يدل على هذا. [شيخنا] فصل: قال ابن عقيل الأمور المنظور فيها والمستدل بها على الأحكام على ضربين منظور فيها يوصل النظر الصحيح فيها إلى العلم بحقيقة المنظور فيه فهذا دليل على   1 في ا "وإصابة حكم الفرع". 2 في د "في الميزاب". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 505 قول الجماعة والضرب الأخر أمر يوصل النظر فيه إلى الظن وغالب الظن فيوصف بأنه أمارة من جهة الاصطلاح وقد ذكر في الجزء الأول فيه اصطلاحين قال ومرادنا بقولنا في هذا الضرب الذي يقع عند النظر فيه غالبا الظن أنه طريق للظن أو موصل أو مؤد إليه أنه مما يقع الظن عنده مبتدأ لا أنه طريق كالنظر في الدليل القاطع الذي هو طريق للعلم بمدلوله وإنما يتجوز بقولنا يوصل ويؤدى وأنه طريق للظن. قال شيخنا قلت: هذا موافق لقول من قال من المعتزلة والأشعرية كابن الباقلاني ان كل مجتهد مصيب وإن الظنيات ليست في نفسها على صفات توجب الظن كالعلميات والصواب عند الجمهور خلافه وهى مسألة اعتقاد الرجحان ورجحان الاعتقاد. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 506 مسألة يجوز عقلا للنبي صلى الله عليه وسلم أن يجتهد ويحكم بالقياس في قول الجمهور وقال بعضهم لا يجوز ذلك. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 506 مسألة فأما شرعا فاختلف أصحابنا فقال بعضهم كان متعبدا به كأمته اختاره القاضي وأبو يوسف وأكثر الشافعية وابن بطة وقال بعض أصحابنا منهم العكبرى لم يكن متعبدا به وبه قال الجبائي وابنه وبعض الشافعية وقال عبد الجبار بن أحمد نحو ذلك ولا أقطع به لأنه ليس في العقل ولا في السمع أنه تعبد بذلك ولا أنه لم يتعبد به هذا نقل أبى الخطاب واختار الأول والثاني هو الذي في المجرد قال فأما الاجتهاد يعنى للأنبياء فيما يتعلق بأمر الشرع فالعقل غير مانع منه وأما ورود التعبد به شرعا فظاهر كلام أحمد ما كان لهم ولا كانوا متعبدين به قال في رواية عبد الله: {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى} 1 وذكر أنه يجوز لهم أن يجتهدوا فيما يتعلق بمصالح الدنيا وتدبير الحروب وذكر أبو الخطاب والجوينى مسألة اجتهاد النبي صلى الله عليه وسلم مسألتين إحداهما أنه يجوز له   1 من الآية "3" من سورة النجم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 506 أن يجتهد ويحكم بالقياس من جهة العقل وقال بعضهم لا يجوز وحكى الجويني عن الجبائي أنه يجوز ذلك في الآراء والحروب دون الأحكام الثانية هل كان متعبدا بالاجتهاد فيما يتعلق بأمر الشرع اختلف أصحابنا فيه وذكر ثلاثة أقوال الثالث قول عبد الجبار وهو اختيار الجويني يجوز ذلك ولا أقطع به لأنه ليس في العقل ولا في السمع ما يدل على أنه تعبد بذلك ولا أنه لم يتعبد بذلك قلت: هذا الخلاف في وقوع ذلك. [شيخنا] فصل: ويجوز أن تكون علة الأصل معلومة عنده ذكره أبو الخطاب قال وقيل لا نقطع نحن ولا هو على علة حكم الأصل وإن جاز أن نقطع على علة حكم الفرع. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 507 مسألة قد كان يجوز لنبينا صلى الله عليه وسلم أن يحكم باجتهاده فيما لم يوح إليه فيه ذكره ابن بطة والقاضي وابن عقيل وأبو الخطاب وأومأ إليه أحمد وبه قالت الحنفية وأكثر الشافعية خلافا للمتكلمين من المعتزلة الجبائي وابنه وكثير من الشافعية وقد حكى الشافعي في أول رسالته فيه خلافا والأشعرية وأبى حفص العكبري من أصحابنا واحتج بقوله: {إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} 1 وبحديث ذكره وكذلك ذكر أنه لا يجوز للنبي صلى الله عليه وسلم أن يقضى برأي واجتهاد هذا قول أهل الحق كافة انه لا يجوز أن يحكم ويقضى في دين الله إلا بوحي وأحسبه كلام أبي عبد الله بن حامد في كتابه في أصول الدين وعن الشافعية كالمذهبين. قال شيخنا قال ابن بطة فيما كتب به إلى أبن شاقلا في جوابات مسائل وقال والدليل على أن سنته وأوامره قد كان فيها بغير وحى وأنها كانت بآرائه   1 من الآية "4" من سورة النجم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 507 واختياره أنه قد عوتب على بعضها ولو أمر بها لما عوتب عليها من ذلك حكمه في أسارى بدر وأخذه الفدية وإذنه في غزوة تبوك للمتخلفين بالعذر حتى تخلف من لا عذر له ومنه قوله: {وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ} 1 فلو كان وحيا لم يشاور فيه. قال القاضي وقد أومأ أحمد إلى صحة ما قاله أبو عبد الله بن بطة في رواية الميموني لما قيل له هاهنا قوم2 يقولون ما كان في القرآن أخذنا به قال ففي القرآن تحريم لحوم الحمر الأهلية والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: "إلا أني أوتيت الكتاب ومثله معه" وما علمهم بما أوتى. وأما أبو حفص العكبري فإنه ذكر في باب التسعير قوله: "لا يسألني الله عن سنة أحدثتها فيكم لم يأمرني الله بها" قال هذا يدل على أن كل سنة سنها رسول الله صلى الله عليه وسلم لأمته فبأمر الله وبهذا نطق القرآن. قلت كلام أحمد لا يدل إن دل إلا على القول الثاني لأنه استدل بقوله أوتيت الكتاب ومثله معه والذي أوتيه هو السنة فلم يكن عند أحمد شيء مجتهد فيه وإنما اجتهاده في الأمور الجزئية قولية أو عملية من باب تحقيق المناط وهذا لا خلاف فيه وقصة داود من هذا الباب ويجب الفرق بين الأحكام الكلية العامة وبين أحكامه الشخصية الخاصة. وأستدل القاضي بالقياس على استدلاله بالظواهر والعموم والصواب أن يقال ان استدل بها على حكم عام فهو معصوم في ذلك وله اختصاص ليس لغيره وإن كان الاستدلال على حكم شخصي فلا فرق بينه وبين القياس وبالجملة القياس الذي نستفيد به الأحكام قطعي في حقه وظني فأما القطعي فجائز وأما الظني فهو محل التردد.   1 من الآية "159" من سورة آل عمران. 2 في ب "ههنا فقيه يقولون". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 508 فصل: واختلف القائلون بجواز الحكم له بالاجتهاد في تطرق الخطأ عليه فيه فقال أصحابنا وذكره أبو الخطاب في مسألة تصويب المجتهدين وأكثر الشافعية وأهل الحديث يجوز ذلك لكن لا يقر عليه وسلم ابن عقيل وغيره امتناع الخطأ فيما أخبره به عن الله وفيما أجمعت الأمة عليه. قال شيخنا قلت: هذا في الأمة مبنى على مسألة انقراض العصر وأما في التبليغ ففي جواز ما لا يقر عليه من ذلك خلاف معروف سببه حديث السهو قال الخطابي في معالم الحديث أكثر العلماء متفقون على أنه قد يجوز على النبي صلى الله عليه وسلم الخطأ فيما لم ينزل عليه فيه وحى ولكنهم مجمعون على أن تقريره على الخطأ غير جائز وذكر ذلك عذرا لقول عمر في الكتاب الذي أراد أن يكتبه واستشهد بقوله: "إنما أنا بشر أغضب كما يغضب البشر فأيما عبد لعنته أو سببته فأجعل ذلك له صلاة وزكاة". ومن ذلك مراجعته في بعض الأمر حتى يعزم عليه فحينئذ لم يكن له أن يراجع وقال بعض الشافعية هو معصوم عن الخطأ ولا يجوز عليه وكذلك قال أبو الخطاب ان حكمه أن يصير معصوما بعصمته وإن صدر عن الظن كالإجماع ثم ذكر أنه إذا أقر عليه لم يكون إلا صوابا. قال القاضي في ضمن مسألة تصويب المجتهدين لما احتج بقصة داود فإن قيل كيف يقع الخطأ على الأنبياء قيل يجوز عليهم كما يجوز على غيرهم ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: "إنما أنسى لا سن وإنما الفرق بيننا وبينهم أنهم لا يقرون على الخطأ ونحن نقر عليه". ثم قال في مسألة اجتهاده لما احتج المخالف بأن الاجتهاد يؤدى إلى غلبة الظن وهو قادر على الحكم بالعلم من طريق الوحي فقال الجواب أن النص من الله الجزء: 1 ¦ الصفحة: 509 مفقود في الحال وعلى أنه معصوم في اجتهاده كالأمة فلا يقول أن طريقه غلبة الظن واحتج بأن من رد قوله كفر خلو جاز أن يحكم بالاجتهاد لم يجز تكفيره لأن الاجتهاد حكم من طريق الظن وهذا لا يجوز تكفيره لإجماع المسلمين على عدم تكفيره والجواب أنه يكفر بكونه مكذبا للرسول في خبره وقولهم إن الاجتهاد يؤدى إلى غالب الظن فلا يصح لأن النبي صلى الله عليه وسلم معصوم في اجتهاده من الخطأ والزلل مقطوع بإصابته الحق ودرك الصواب وكذلك في مسألة انقراض العصر في أسئلة المخالف إن الرسول لا يرجع عما كان عليه لأنه يبين له الخطأ وإنما يرجع بأن يقول كنت على الصواب ولكن قد نسخ عنى ذلك وأمرت بغيره وليس كذلك المجمعون لأنهم يرجعون عما كانوا عليه لأنه قد تبين لهم الخطأ فيما كانوا عليه ولم يمنع القاضي ذلك. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 510 مسألة ترجمها ابن برهان بهذه العبارة فقال يجوز أن يتعبد الله نبيه صلى الله عليه وسلم بالعمل بالقياس كغيره من أمته وأنكرت طائفة ذلك. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 510 مسألة قال القاضي [وابن عقيل] يجوز أن يقول الله لنبيه صلى الله عليه وسلم احكم بما ترى أو بما شئت فانك لا تحكم إلا بصواب قال القاضي بناء على المسألة قبلها وأنه كان يجوز لنبينا صلى الله عليه وسلم أن يجتهد فيما يتعلق بالشرع واختاره الجرجاني وهو قول الشافعية وجمهور أهل الحديث ذكره ابن عقيل ومنع منه أبو سفيان وجماعة من المعتزلة وأبو الخطاب وذكر أنه قول أكثر العلماء وحكي عن الشافعي نحو الأول وحكي عن يونس بن عمران والنظام جواز ذلك للنبي ولغيره من المجتهدين. [شيخنا] فصل: قال المخالف اتفاق الصدق في المستقبل لا يقع منا كذلك اتفاق الصواب فقال القاضي غير ممتنع أن يقع في الأمرين معا كما تتفق أمور كثيرة على طريقة واحدة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 510 كما يقع في العلوم وقال يجوز أن يبعث الله رسولا ويجعل له أن يشرع الشريعة كلها فيما يمكن الوصول إليه من طريق الفكر والرأي إذا علم الله أن المصلحة فيه كما يجوز أن يبيح له أكل ما شاء إذا علم أنه لا يختار أكل الحرام وجوز بالنوعين ما يحكم فيه باجتهاد واستدلال وما يقوله إذا خطر بباله من غير اجتهاد إذا علم الله أنه يصيب ما هو المراد عند الله لأن التعبد قد ورد بمثله في العامي أنه يخير في تقليد من شاء من العلماء ويكون ذلك حكم الله عليه من غير أن يرجع إلى أصل يستدل به واحتج بما حرم إسرائيل على نفسه واحتج بالمخير والمطلق وهو ضعيف. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 511 مسألة يجوز لمن كان في زمن النبي صلى الله عليه وسلم أن يجتهد سواء كان غائبا عنه أو حاضرا معه وبه قال أكثر الشافعية ومنع قوم منه لمن بحضرته أو قريبا منه وحكى الجرجاني عن أصحابه إن كان بإذنه جاز وإلا فلا هذا قول القاضي وابن عقيل وهو قول أبى الخطاب وهو مقتضى قول أحمد لأنه جعل القياس إنما يجوز عند الضرورة كما تقدم في مسألة القياس وقال قوم من المتكلمين لا يجوز ذلك لمن في حضرته حاضرا كان أو غائبا عنه حكاه ابن عقيل وهذا هو الذي في مقدمة المجرد إلا أن يكون غلطا أنه لا يجوز لمن حضر أو غاب والأول اختيار أبى الطيب وقال بعض أصحابنا وقوم من المتكلمين لا يجوز الاجتهاد بحضرته لأنه حكم بغلب الظن مع إمكان العلم وهذا هو الذي حكاه القاضي في كتاب الروايتين عن ابن حامد فقال هل يجوز الاجتهاد بحضرة النبي صلى الله عليه وسلم أو في مجلسه قال شيخنا أبو عبد الله لا يجوز وعندي أنه يجوز وعلل قول شيخه بأنه رجوع إلى غالب الظن مع قدرته على القين وجعلهما أبو الخطاب مسألتين فقال مسألة يجوز لمن غاب عن النبي صلى الله عليه وسلم الاجتهاد في الحوادث وقال بعضهم لا يجوز ثم ذكر في المسألة الثانية أنه في الغيبة به حادة لأنه لا يمكنه سؤال الرسول وإن أخر الحادثة إلى وقت لقائه بطل الحكم وضاع الناس. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 511 قال شيخنا قلت: وبهذا يظهر ما جاء في حديث معاذ من توقفه عن الزكاة ومن حكمه بالاجتهاد فيفرق بين ما يقرب وما لا يقرب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 512 مسألة فإن كان بحضرته أو بموضع يمكنه سؤاله في الحادثة قبل ضيق وقتها جاز له الاجتهاد بشرط أن يأذن له أو يسمع حكمه فيقره عليه وهو قول الحنفية وقال الجبائي وابنه وغيرهما لا يجوز وقال شيخنا وأكثر الشافعية يجوز بدون الشرط المذكور ونقل المقدسي كتفصيل أبى الخطاب في مسألة واحدة. [شيخنا] فصل: وللمفتى أن يرد الفتوى إذا كان في البلد من يقوم مقامه وإلا لزمه النظر فيها وقال أبو عمرو بن الصلاح ان لم يكون في البلد إلا هو تعين عليه الجواب وإن كان في الناحية اثنان واستفتيا معا فالجواب واجب عليهما على الكفاية وإن لم يحضر غيره وعند الحليمي يتعين عليه بسؤاله جوابه وليس له أن يحيله على غيره. [شيخنا] فصل: فإن كان في البلد من هو معروف عند العوام بالفتيا وهو في الباطن جاهل تعين على هذا الجواب والأظهر أنه لا يتعين عليه بذلك لحديث ابن أبى ليلي وإذا سأل العامي عما لم يقع لم تجب مجاوبته. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 490 مسألة هل يلزم العامي أن يختص بمذهب معين ويجب عليه الأخذ برخصه وعزائمه فيه للشافعية وجهان. قال والد شيخنا وكذلك يخرج لنا بناء على العامي إذا كان مقيدا بمذهب فهل يجب عليه الأخذ برخصه وعزائمه أم يجوز له العمل بغيره فيه وجهان والأكثرون على الجواز. قال شيخنا وكذلك قال أبو الحسين القدورى المقلد إذ غلب على ظنه أن بعض المسائل على مذهب فقيه أقوى فعليه أن يقلد فيها ذلك الفقيه وإذا أفتى بها حاكيا لمذهب من قلده جاز وقال أبو الطيب الطبري لا حكم لظنه واستحسانه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 512 وكأنا قد سئلا عمن يقلد فقيها فاستحسن مسائل في مذهب غيره هل يجوز له أن يقلد صاحب المسائل ويعمل بها وإذا سئل عن تلك المسائل يفتى بها على سبيل الأخبار على مذهب ذلك الفقيه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 513 مسألة يجوز للعامي أن يرسل إلى العالم من يسأل له ويقبل خبره إذا كان موثوقا بخبره ويجوز للعامي الاعتماد على خط المفتى إذا أخبره ثقة أنه خطه أو كان يعرفه ولم يشك في كون الجواب بخطه هذا قول أبى عمرو ابن الصلاح. [والد شيخنا] فصل: ويجوز للعالم أن يرشد العامي إلى عالم آخر ليسأله وإن كان يخالف مذهبه نص عليه. قال شيخنا قال القاضي نقلت من الجزء الأول من مسائل الفضل بن زياد سمعت أبا عبد الله وسئل عن الرجل يسأل عن الشيء من المسائل فيرسل صاحب المسألة إلى رجل يسأله هل عليه شيء في ذلك فقال إن كان رجلا متبعا وأرشده إليه فلا بأس. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 513 مسألة ولا يقف الاستفتاء والتقليد على إمام معصوم بل من عهد علمه وعدالته كان تقليده جائزا خلافا للشيعة ف قولهم لا يجوز إلا تقليد الإمام المعصوم هذا نقل ابن عقيل. [والد شيخنا] فصل: ويستحب للمفتى أن يعلم المستفتى بأن هذه المسألة فيها خلاف إن كان كذلك. [شيخنا] فصل: في صفة من يجوز له الفتوى أو القضاء قال أبو علي الضرير قلت: لأحمد بن حنبل كم يكفي الرجل من الحديث حتى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 513 يمكنه أن يفتى يكفيه مائة ألف قال لا قلت: مائتا ألف قال لا قلت: ثلاثمائة ألف قال لا قلت: أربعمائة ألف قال لا قلت: خمسمائة ألف قال أرجو وقال الحسين بن إسماعيل قيل لأحمد وأنا اسمع فذكر مثل ذلك وعن ابن معين مثل هذا وقال أحمد بن عبدوس قال أحمد بن حنبل من لم يجمع علم الحديث وكثرة طرقه واختلافه لا يحل له الحكم على الحديث ولا الفتيا به وقال أحمد بن محمد بن النضر سئل أحمد بن حنبل عن الرجل يسمع مائة ألف حديث يفتى قال لا قلت: فمائتي ألف حديث قال لا قلت: فثلاثمائة ألف حديث قال لعله وقال أحمد بن منيع مر أحمد بن حنبل جانبا من الكوفة وبيده خريطة فأخذت بيده فقلت مرة إلى الكوفة ومرة إلى البصرة إلى متى إذا كتب الرجل بيده ثلاثين ألف حديث لم يكفه فسكت ث قلت: ستين ألفا فسكت فقلت مائة ألف فقال حينئذ يعرف شيئا فنظرنا فإن أحمد كتب ثلاثمائة ألف عن بهز وأظنه قال وروح بن عبادة وقال أحمد بن العباس النسائي سألت أحمد عن الرجل يكون معه مائة ألف حديث يقال هذا صاحب حديث قال لا قال عنده مائتا ألف حديث يقال إنه صاحب حديث قال لا قلت: له ثلاثمائة ألف حديث فقال بيده كذا يروح بيده يمنه ويسرة وأومأ اللؤلؤي كذا وكذا يقلب يده. قال القاضي في العدة مسألة في صفة المفتى في الأحكام الذي يحرم عليه التقليد فذكر نحوا مما ذكروه في صفة القاضي أن يكون عالما بالكتاب والسنة والإجماع والأدلة من ذلك [وباللغة1] وبالقياس قال وإذا كان بهذه الصفة وجب عليه أن يعمل في الأحكام باجتهاده وحرام عليه تقليد غيره إلا أن يكون ذلك حكما يجب له أو عليه فيحتاج في فصله إلى حاكم يحكم بينهما باجتهاده وإذا صار من   1 ليست في ا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 514 أهل الاجتهاد بما ذكرنا لم يجب قبول قوله فيما يفتى به إلا أن يكون ثقة مأمونا في دينه فإن كان بهذه الصفة وجب على العامة الرجوع إلى قوله وقبول فتياه وذكر ألفاظ أحمد في صفة المفتى كقوله في رواية صالح ينبغي للرجل إذا حمل نفسه على الفتيا أن يكون عالما بوجوه القرآن عالما بالأسانيد الصحيحة عالما بالسنن وقال في رواية حنبل ينبغي لمن أفتى أن يكون عالما بقول من تقدم وإلا فلا يفتى وقال في رواية يوسف بن موسى لا يجوز الاختيار إلا لرجل عالم بالكتاب والسنة. قلت الاختيار غير الإفتاء لأن الاختيار ترجيح قول على قول وقد يفتى بالتقليد المحض. ثم ذكر ما نقله عبد الله سألت أبى عن رجل يريد أن يسأل عن الشيء من أمر دينه مما يبتلى به من الإيمان في الطلاق وغيره وفي مصره من أصحاب الرأي ومن أصحاب الحديث لا يحفظون ولا يعرفون الحديث الضعيف ولا الإسناد القوى لمن يسأل لأصحاب الرأي أو لهؤلاء أعنى أصحاب الحديث على ما هم فيه من قلة معرفتهم قال يسأل أصحاب الحديث ولا يسأل أصحاب الرأي ضعيف الحديث خير من رأى أبى حنيفة. قال القاضي فظاهر هذا أنه أجاز تقليدهم وإن لم تكمل فيهم الشرائط التي ذكرنا ولم يتأول ذلك فظاهره أعنه جعلها على روايتين. قال شيخنا قلت: قد يقال قوله أولا: لا ينبغي ليس بصريح في التحريم فيجوز أنه أراد الكراهة وقد يقال هؤلاء إنما أجاز استفتاءهم وإفتاءهم للحاجة والضرورة كما ذكرت نحو ذلك من كلامه في القضاء لما أشار على المتوكل بمن أشار لأجل الحاجة وذلك لأنه ليس في المصر إلا من يقلد أبا حنيفة أو من يقلد المأثور عن النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة والتابعين وإن كان فيه ضعف وتقليد المتبعين لهذه الآثار خير من تقليد المتبعين للرأي المعين ففيه جوزا الإفتاء والاستفتاء الجزء: 1 ¦ الصفحة: 515 عند الحاجة لغير المجتهد إذا كان عالما بأقوال النبي صلى الله عليه وسلم. ثم ذكر كلام أحمد أنه لا يكون فقيها حتى يحفظ أربعمائة ألف حديث قال وظاهر هذا الكلام منه أنه لا يكون من أهل الاجتهاد إذا لم يحفظ هذا القدر قال وهذا محمول على الاحتياط والتغليظ في الفتيا أو أن يكون أراد وصف أكمل الفقهاء فأما ما لا بد منه فالذي وصفنا ودل عليه قول أحمد أن الأصول التي يدور عنها العلم عن النبي صلى الله عليه وسلم ينبغي أن يكون ألفا أو ألفا ومائتين. قلت لفظ الحديث عندهم يدخل فيه آثار الصحابة والتابعين وطرق المتون كالكتب المصنفة. ثم ذكر عن ابن شاقلا أنه لما جلس للفتيا ذكر هذه المسألة فقال له رجل فأنت هو ذا تحفظ هذا القدر حتى هو ذا تفتى الناس قال فقلت له عافاك الله ان كنت أنا لا أحفظ هذا المقدار فانى هو ذا أفتى للناس بقول من كان يحفظ هذا المقدار وأكثر منه. قال القاضي وليس هذا الكلام من أبى إسحاق مما يقتضى أنه كان يقلد أحمد فيما يفتى به لأنه قد نص في بعض تعاليقه الدالة على منع الفتيا بغير علم قوله: {وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ} 1 وقوله: {فَلِمَ تُحَاجُّونَ فِيمَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ} 2. قلت إذا أخبر المفتي3 بقول إمامه فقد أخبر بعلم وهو في الحقيقة مبلغ لقول إمامه فلم يخرج عن العلم وظاهر كلامه تقليد أحمد إلا أن يحمل على استفادته طرق العلم منه.   1 من الآية "36" من سورة الاسراء. 2 من الآية "66" من سورة آل عمران. 3 في ا "المستفتي" وتقرأ بصيغة المفعول. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 516 وذكر عن ابن بطة أنه لا يجوز له أن يفتى بما سمع من مفت إنما يجوز أن يقلد لنفسه فإما أن يقلد لغيره [ويفتى به] 1 فلا. قلت هذا تصريح بقول القاضي وقول أبى الخطاب. ثم ذكر عن أبى حفص أنه سمع أبا علي النجاد أنه سمع الحسن بن زياد2 يقول ما أعيب على رجل يحفظ لأحمد خمس مسائل استند إلى بعض سواري المسجد يفتى الناس بها. قال القاضي وهذا مبالغة منه في فضله. قلت هو صريح بجواز الإفتاء بتقليد أحمد3 فقد صار لأصحابنا فيها ابتداء وجهان4 فإن لم يجز عند الحاجة مطلقا وإلا صارت الأقوال ثلاثة. ثم قال القاضي فأما صفة المستفتى فهو العامي الذي ليس معه ما ذكرنا من آلة الاجتهاد وذكر قول عبد الله سألت أبى عن رجل تكون عنده الكتب المصنفة فيها قول رسول الله صلى الله عليه وسلم واختلاف الصحابة والتابعين وليس للرجل بصر بالحديث الضعيف والمتروك ولا الإسناد القوى من الضعيف فيجوز أن يعمل بما شاء ويتخير ما أحب منها فيفتى به ويعمل به قال لا يعمل به حتى يسأل ما يؤخذ به منها فيكون يعمل على أمر صحيح يسأل عن ذلك أهل العلم. قال القاضي وظاهر هذا أن فرضه التقليد والسؤال لم يكن له معرفة بالكتاب والسنة. قلت قد قسم عبد لله الحديث إلى ضعيف متروك وإلى ضعيف قوى   1 زيادة في د. 2 في ا "ابن بشار" خطأ. 3 في ا "تقليدا لأحمد". 4 في ا "قولان" وهو أوفق مع قوله "صارت الأقوال ثلاثة". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 517 ولا شك أن من لم يعرف هذا لم يجز له أن يتقلد من الكتب ما شاء لا عملا ولا إفتاء وصريحه يقتضى أنه إذا سأل ما يؤخذ به منها عمل به وأما الإفتاء فمسكوت عنه وليس هذا منافيا لما قاله في أهل الحديث الذين لا يعرفون الضعيف لأن أولئك أهل الحديث ليسوا أهل كتب مجردة ومثل هؤلاء يعرفون المتروك لكن لا يعرفون الضعيف المطلق الذي هو الحسن فغايتهم أن يفتوا به وهو خير من رأى معين بخلاف الحديث المتروك فإنه لا خير فيه بحال. [شيخنا] فصل: الذي ليس بمجتهد له أن يجتهد في أعيان المفتين بلا ريب وهل يجتهد أعيان المسائل التي يقلد فيها بحيث إذا غلب على ظنه أن بعض المسائل على مذهب فقيه أقوى فعليه أن يقلده فيها ويفتى أخبارا عن قوله قال ذلك أبو الحسين القدوري وقال أبو الطيب الطبري ليس للعامي استحسان الأحكام فيما اختلف فيه الفقهاء ولا أن يقول قول فلان أقوى من قول فلان ولا حكم لما يغلب على ظنه ولا اعتبار به ولا طريق له إلى الاستحسان كما لا طريق له إلى الصحة. [شيخنا] فصل: إذا جوز للعامي أن يقلد من شاء فالذي يدل عليه كلام أصحابنا وغيرهم أنه لا يجوز له يتتبع الرخص [مطلقا1] فإن أحمد أثر2 مثل ذلك عن السلف وأخبر به3 فروى عبد الله بن أحمد عن أبيه قال سمعت يحيى القطان يقول لو أن رجلا عمل بكل رخصة بقول أهل المدينة في السماع يعنى في الغناء وبقول أهل الكوفة في النبيذ وبقول   1 ساقطة من ا. 2 في ا "حكى مثل ذلك" والمعنى واحد. 3 في ا "راضيا به". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 518 أهل مكة في المتعة لكان فاسقا ونقلت من خط القاضي قال نقلت من مجموع أبى حفص البرمكي قال عبد الله سمعت أبى وذكر نحوه1 وقال الخلال في كتابه ثنا يحيى بن طالب الانطاكي ثنا محمد بن مسعود ثنا عبد الرزاق ثنا معمر قال لو أن رجلا أخذ2 يقول أهل المدينة في السماع يعنى الغناء وإتيان النساء في أدبارهن وبقول أهل مكة في المتعة والصرف ويقول أهل الكوفة في المسكر كان شر عباد الله عز وجل وقال سليمان التيمى لو أخذت برخصة كل عالم أو قال بزلة كل عالم اجتمع فيك الشر كله وفي المعنى آثار عن على وابن مسعود ومعاذ وسلمان وفيه مرفوعا عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن عمر. قال القاضي بعد ذكر كلام الإمام أحمد المنقول من خطه هذا محمول على أحد وجهين إما أن يكون من أهل الاجتهاد ولم يؤده اجتهاده إلى الرخص فهذا فاسق [3 لأنه ترك ما هو الحكم عنده واتبع الباطل أو يكون عاميا فأقدم على الرخص من غير تقليد فهذا أيضا فاسق3] لأنه أخل بفرضه وهو التقليد فأما إن كان عاميا فقلد في ذلك لم يفسق لأنه قلد من يسوغ اجتهاده. [شيخنا] فصل: إذا أفتى أحد المجتهدين بالحظر والآخر بالإباحة وتساوت فتواهما عند العامي فإنه4 يكون مخيرا في الأخذ بأيهما شاء فإن اختار أحدهما تعين القول الذي   1 في اأعان نفس الكلام الذي في رواية عبد الله عن أبيه عن يحيى القطان. 2 في ا "قال يقول". 3 ما بين المعقوفين ساقط من اولا يتم الكلام بدونه. 4 في ا "فإن المستفتي". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 519 أختاره حظرا أو إباحة1 ذكره القاضي في أسئلة المخالف بما يقتضي أنه محل اتفاق2 ولم يمنعه. [شيخنا] فصل: قال أبو الخطاب وغيره أكثر الفروع لا نص فيها من القرآن ولا من السنة المتواترة ولا من الإجماع وإنما يتناولها أخبار الآحاد وقياس وما منها قد تناولها الآيات فتلك الآيات قد قابلها أخبار آحاد ومقاييس خصصتها وقد ذكر أبو المع إلى وطائفة أن أكثر الحوادث لا نص فيها بحال وإنما الدليل فيها هو القياس وكذلك قال أبو محمد في مسألة القياس لما قيل له يمكن التنصيص على المقدمات الكلية ويبقى الاجتهاد في المقدمات الجزئية فقال أبو محمد هذا إن تصور فليس بواقع فإن أكثر الحوادث ليس بمنصوص على مقدماتها الكلية كميراث الجد مع الأخوة فيقتضى العقل أن لا تخلو عن حكم ذكر هذا في تقرير وجوب التعبد بالقياس عقلا قال ان تعميم الحكم واجب ولو لم يستعمل القياس لأفضى إلى خلو كثير من الحوادث عن الأحكام لقلة النصوص وكون الصور لا نهاية لها وكذلك قال ابن غنمه في قوله من خاض في البحر قال من اتسع علمه بالنصوص. قلت حاجته إلى القياس كالواجد للماء لا يجوز له التيمم [3والمنصوص عن الإمام أحمد رحمه الله أن الآثار وافية بعامة الحوادث وإن القياس3] إنما يحتاج إليه في القليل وفي كلامه ما يدل على أن فتاوى الصحابة أحاطت لفظا أو معنى4 بالحوادث فإنه قال وما تصنع بالرأي وفي الحديث ما يغنيك عنه   1 في د "تعين الآخر". 2 في د "محل وفاق". 3 ما بين المعقوفين ساقط من ا. 4 في ا "لفظا ومعنى" والمقام لأو لا للواو. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 520 والواجب أن يفرق بين أعمال الخلق الواقعة وبين المسائل المولدة لأعمالهم المقدرة فأما أعمالهم فعامتها فيها نص وأما المولدات فيكثر فيها ما لا نص فيه وزعم الظاهرية1 وغيرهم أن النصوص محيطة بجميع الحوادث مطلقا.   1 في ا "وزعم ابن حزم وغيره ... وكذلك سائر نفاة القياس من الظاهرية". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 521 مسألة إذا استفتى مجتهدا فأجابه ولم يعمل بفتواه حتى مات المجتهد فهل يجوز له العمل بها يحتمل وجهين ذكرهما أبو الخطاب وذكر في ضمن مسألة منع التقليد أن تقليد الميت لا يجوز ذكره محتجا به في أن عثمان لم يشترط عليه تقليد أبى بكر وعمر لأنهما كانا ميتين ولم يجب القاضي بهذا بل من أجوبته جوازه استدلالا بقوله: "اقتدوا باللذين من بعدى أبى بكر وعمر" كما أستدل على أقوال الصحابة وبقائها بعد موتهم بقول: "أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم" وهذا يقتضى أن قول الميت عنده باق كما صرح به في مسألة إجماع التابعين على أحد قولي الصحابة وطريقة أخرى وهى أن من قال قولا ومات فحكم قوله باق وللشافعية في تقليد الميت وجهان أصحهما الجواز لأن المذاهب لا تموت بموت أصحابها ولهذا يعتد بها بعدهم في الإجماع والخلاف والقول الأخر يجوز في الإعصار المتأخرة قال ابن حمدان [في أدب المفتي والمستفتي2] ومن عمل بفتوى مفت مسلم مكلف عدل وقيل أو مستور الحال حر أو عبد ذكر أو أنثى ناطق أو أخرس تفهم إشاراته أو كتابته وقيل أو عدو أو حاكم وقيل فيما لا يتعلق بالقضاء كالطهارة أو فاسق أفتى نفسه فقط استمر عليه ولم يتغير عنه بتغير اجتهاده ان جعلنا أول قوليه في مسألة واحدة مذهبا له وقيل بل قال من عنده ان لم يجعله مذهبا له فلو كان في صلاة فاستدار الإمام لتغير الاجتهاد تبعه في الأقيس والأولى مفارقته وإتمام صلاته وقد سبق نحوه وإن صلى في ثوب غسل من نجاسته بخل وأعتقد طهارته بدليل ثم أعتقد نجاسته بطلت صلاته وفي المأموم خلاف سبق   1 ساقط من ا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 521 ولو تزوج بلا ولى واعتقد صحته بدليل ثم اعتقد فساده بدليل غيره فهل يفارق الزوجة أم لا ان حكم به حاكم وإلا فارقها المجتهد وفي المقلد خلاف والمفارقة أصح. وقيل ان علم برجوعه1 قبل عمله بفتياه لم يعمل بها وإن عمل بها قبل رجوعه بدليل قاطع ث علم به نقض عمله وعمل بالثاني وإلا فلا. ومخالفة المفتى نص إمامه الذي قلده كمخالفة المفتى نص الشارع فإن عمل بفتياه في إتلاف فبان خطؤه بدليل قاطع ضمنه وإن لم يكن أهلا للفتوى فوجهان وذكر ابن الصلاح عن أبى إسحاق الاسفرائيني أنه إذا بان خطؤه وأنه خالف القاطع ضمن إن كان أهلا للفتوى وإلا فلا يضمن2. [شيخنا] فصل: يجوز تقليد [المجتهدين3] الموتى ولا يبطل قولهم بموتهم كإجماعهم وكالشاهد إذا أدى شهادته ومات قبل الحكم بها فإنها لا تبطل بل يحكم بها الحاكم الذي سمعها منه وإن لزم المفتى تجديد اجتهاده بتجديد الحادثة وإعلام المقلد له بتغير اجتهاده ولزم المقلد تجديد السؤال بتجدد الحادثة له ثانيا ورجوعه إلى قوله الثاني فيه احتمال لا احتمال تغير اجتهاده لو كان حيا4 وقيل إن مات المفتى قبل العمل5 بها فله العمل بها وقيل لا كما سبق6 وإن كان قد عمل بها لم يجز ترك قوله إلى قول غيره في تلك الحادثة وقال أبو المع إلى في مسألة تقليد العالم الاختيار أنه يجوز في العقل ورود التعبد بذلك ولكن لم يقم دليل وجود ذلك بل ثبت بالاجماع أنه يجب على المجتهد أن يجتهد فهذا الوجوب لا يزول إلا   1 في ا "إن علم المقلد برجوع المفي". 2 في ا "ولم يضمن إن لم يكن أهلا". 3 ساقط من ا. 4 عبارة "لو كان حيا" ساقطة من د. 5 في د "قبل عمل المستفتي بفتياه". 6 متأخر في د إلى ما بعد القيل الثاني". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 522 بدليل وما قام عندنا دليل قاطع على أنه يجوز الآن في الشرع للعالم تقليد العالم فإن كان الأمران مستويين في العقل وقد تبين بالشرع وجوب أحدهما ولم يرد في الثاني شرع نفيا وإثباتا وجب التمسك بما وضح مسلك الشرع فيه. قال شيخنا قلت: هذا ضعيف فإن اعتماده على الإجماع وهم لم يجمعوا على وجوب الاجتهاد عينا بل المجوز للتقليد يقول الواجب ما الاجتهاد وإما التخيير كما لو اختلفوا في فريضة ما بين أربع حقاق أو خمس بنات لبون فحقيقة قوله التوقف في المسألة. [شيخنا] فصل: قال ابن حمدان1 من عنده فمن اجتهد في مذهب إمامه فلم يقلده في حكم ودليله ففتياه به عن نفسه لا عن إمامه فهو موافق له فيه لا تابع له فإن قوى عنده مذهب غيره أفتى به وأعلم السائل مذهب إمامه وأنه ما أفتاه به فإن كان غرض السائل مذهب إمامه لم يفته بغيره وإن قوى عنده ولأنه حيث لم يقو عنده فإن قلد إمامه في حكمه وفي دليله أو دون دليله ففتياه به عن إمامه إن جاز تقليده ميتا وإلا فعن نفسه ان قدر على التحرير [والتقرير2] والتصوير والتعليل والتفريع والتخريج والجمع والفرق3 كالذي لم يقلده فيهما فإن عجز عن ذلك أو بعضه ففتياه عن إمامه لا عن نفسه وكذلك المجتهد في نوع علم أو مسألة منه ومنعه فيهما أظهر وقيل من عرف المذهب دون دليله جاز تقليده فيه وقيل إن لم يجد في بلده غيره وعجز عن السفر إلى مفت [4في موضع بعيد فإن عدمه في بلده وغيره فله حكم ما قبل الشرع من إباحة وحظر ووقف ومن أفتى بحكم أو سمعه من مفت4] فله العمل به   1 كلمة "ابن حمدان" ساقطة من ا. 2 ساقطة من ا. 3 في ا "والتفريق". 4 ما بين المعقوفين ساقط من ا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 523 لا فتوى غيره لأنه حكاية فتوى غير وإنما سئل عما عنده. فصل: [شيخنا] لا يلزم السائل العمل بالفتوى إلا أن يلتزم بها ويظنها حقا وقيل ويشرع1 في العمل بها فإن لم يجد مفتيا آخر يخالفه لزمه العمل بها مطلقا كما لو حكم عليه بها حاكم وذكر ابن الصلاح عن أبى المظفر السمعاني إذا سمع المستفتى الجواب من المفتى لم يلزمه العمل به إلا بالتزامه ويجوز أن يقال إنه يلزمه إذا أخذ في العمل به وقيل إنه يلزمه إذا وقع في نفسه صحته وهو أولى الأوجه قال ولم أجده لغيره والذي تقتضيه القواعد أنه إنما يلزمه الأخذ بفتياه إذا لم يجد غيره سواء التزم أو لم يلتزم أو برجحان أحدهما أو بحكم حاكم.   1 في ا "وقيل يشرع العمل بها". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 524 مسألة مذهب الإنسان ما قاله أو دل عليه بما يجرى مجرى القول من تنبيه أو غيره فإن عدم ذلك لم تجز إضافته إليه ذكره أبو الخطاب1. وقال أيضا مذهبه ما نص عليه أو نبه عليه أو شملته علته التي علل بها.   1 في ا "هذا قول أبي الخطاب". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 524 مسألة واختلف أصحابنا في إضافة المذهب إليه من جهة القياس على قوله فذهب الخلال وأبو بكر عبد العزيز إلى أنه لا يجوز ذلك ونصره الحلواني وذهب الأثرم والخرقي وابن حامد إلى جواز ذلك. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 524 مسألة إذا نص المجتهد على حكم مسألة ثم قال لو قال قائل بكذا أو ذهب ذاهب إلى كذا لكان مذهبا له [فإنه لا يكون مذهبا له] 1 قال   1 ساقط من د انتقال نظر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 524 أبو الخطاب قال وقال بعضهم يكون مذهبا له وهذا يحتمله كلام أصحابنا في مسألة القصر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 525 مسألة1 إذا علل الإمام المجتهد في حكم بعلة توجد في مسائل أخر كان مذهبه في تلك المسائل مذهبه في المسألة المعللة سواء قلنا بتخصيص العلة أم لا لأننا وإن قلنا به فإنما يصار إليه بدليل ولم ينقل من كلامه مخصص فأشبه العام الوارد من الشارع. قال والد شيخنا وذهب قوم من أصحابنا إلى أن ذلك لا يجوز.   1 هذه المسألة مقدمة في اعن التي قبلها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 525 مسألة فإن نص على مسألة وكانت الأخرى تشبهها شبها يجوز أن يخفي على بعض المجتهدين 1 لم يجز أن تجعل الأخرى مذهبه بذلك هذا قول أبى الخطاب فأما ما لا يخفي [الشبه بينهما على بعض المجتهدين] فلا يفرق الإمام بينهما2 وهذا في ظاهره متناقض فيحمل على مسألتين يتردد فيهما هل هما مما يخفي الشبه على بعض المجتهدين بينهما أم لا [يخفي] وقد ذكر في المسألة بعد هذه أنه لو قال الشفعة لجار الجار ولا شفعة في الدكان3 فلا ينقل حكم إحداهما إلى الأخرى فأما إذا لم يصرح في الأخرى بحكم فالظاهر حملها عل نظيرتها وهذا يقتضي القياس على قوله إذا لم يصرح بالمعرفة وإنما تكون هذه فيما يخفي على بعض المجتهدين قال ابن حمدان ما قيس على كلامه فهو مذهبه [4وقيل لا وقيل ان جاز تخصيص العلة وإلا فهو مذهبه] 4 وقال من عنده ان نص عليها أو أومأ إليها أو علل الأصل بها فهو مذهبه وإلا فلا إلا أن تشهد أقواله وأفعاله أو أحواله   1 في د "تخفى على مجتهد". 2 في د "بينه". 3 في ا "لو قال الشفعة في الدكان فلا ينقل – إلخ". 4 ما بين المعقوفين ساقط من ا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 525 للعلة المستنبطة بالصحة والتعيين قال ابن حمدان فعلى قولنا ان ما قيس على كلامه مذهبه ان أفتى في مسألتين متشابهتين بحكمين مختلفين في وقتين جاز نقل الحكم وتخريجه من كل واحدة إلى الأخرى وقيل لا يجوز كما لو فرق هو بينهما أو قرب الزمن قال من عنده ان علم التاريخ ولم يجعل أول قوليه في مسألة واحدة مذهبا له جاز نقل الثانية إلى الأولى في الأقيس ولا عكس إلا أن يجعل أول قوليه في مسألة واحدة مذهبا له مع معرفة التاريخ وإن جهل التاريخ جاز نقل حكم أقربهما من كتاب أو سنة أو إجماع أو أثر أو قواعد الإمام ونحو ذلك إلى الأخرى في الأقيس ولا عكس إلا أن يجعل أول قوليه في مسألة واحدة مذهبا له مع معرفة التاريخ وأولى لجواز كونها الأخيرة دون الراجحة. فصل: وإذا توقف الإمام أحمد في مسألة تشبه مسألتين أو أكثر أحكامها مختلفة فهل تلحق بالأخف أو بالأثقل أو يخير المقلد قال ابن حمدان من عنده يحتمل أوجها ثلاثة والأولى العمل بكل منها لمن هو أصلح له والأظهر عنه هنا التخيير ومع منع تعادل الإمارات فلا وقف ولا تخيير ولا تساقط وإن اشتبهت مسألة واحدة جاز إلحاقها بها وإن كان حكمها أرجح من غيره وقيل إذا نص في مسألة على حكم والأخرى تشبهها شبها قد يخفي على بعض المجتهدين لم تجعل الأخرى مذهبه قال من عنده وإن أشبهت ما يقتضى الحظر والإباحة جاز الاجتهاد فيها مع عدم نص أو إجماع. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 526 مسألة قال أبو الخطاب فإن نص في مسألتين متشابهتين على حكمين مختلفين ولم يصرح بالتفرقة لم يجز أن ينقل جوابه من مسألة إلى أخرى وأجازه بعض الشافعية. قال والد شيخنا وهو قول بعض أصحابنا ذكره ابن حامد في تهذيب الأجوبة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 526 مسألة في الروايتين عن إمامنا إذا لم يعلم تاريخهما اجتهدنا في الأشبه بأصوله والأقوى في الحجة فجعلناه له مذهبا وكنا في الأخرى شاكين وإن علمنا التاريخ فمذهبه الأخيرة عند بعض أصحابنا منهم أبو الخطاب ومنهم من قال لا تخرج الأولى عن كونها مذهبا له إلا أن يصرح بالرجوع عنها وقد ذكروا ذلك في مسألة التيمم وهذا نقل أبى الخطاب. قلت وقد تدبرت كلامهم فرأيته يقتضي أن يقال بكونهما مذهبا له وإن صرح بالرجوع قال أبو سفيان المستملى سألت أحمد عن مسألة فأجابني فيها فلما كان بعد مدة سألته عن تلك المسألة بعينها فأجابني بجواب خلاف الجواب الأول فقلت له أنت مثل أبى حنيفة الذي كان يقول في المسألة الأقاويل فتغير وجهه وقال يا موسى [ليس لنا مثل أبى حنيفة] 1 أبو حنيفة كان يقول بالرأي وأنا أنظر في الحديث فإن رأيت ما أحسن أو أقوى أخذت به وتركت القول الأول وهذا صريح في ترك الأول. فصل: [شيخنا] قال ابن حمدان إذا نقل عن الإمام أحمد في مسألة قولان صريحان مختلفان في وقتين وتعذر الجمع بينهما فإن علم التاريخ فالثاني مذهبه وقيل والأول إن جهل رجوعه عنه وقيل أو علم وقلنا مذهبه ما قاله تارة بدليل وقال من عنده فيهما لا على التخيير ولا التعاقب ولا معا في حق شخص واحد في واقعة واحدة في وقت واحد من مفت واحد ولا على البدل ولا مطلقا بل إذا قلنا لا يلزم المجتهد تجديد الاجتهاد بتجديد الحادثة ثانيا ولا إعلامه المقلد له بتغير اجتهاده قبل عمل المقلد به ليرجع عما أفتاه به وأنه لا يلزم المقلد تجديد السؤال بتجدد الحادثة ثانيا ولا رجوعه إلى اجتهاده الثاني فيها قبل عمله بالأول فلا ينقض الأول   1 ساقط من ا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 527 بالثاني وإن كان أرجح منه ولا يترك الثاني بالأول وإن كان أرجح منه ظنا كمن صلى صلاتين إلى جهتين باجتهاديين مختلفين في وقتين ولم يتبين له الخطأ جزما ولقول عمر في المشركة في جوابه ثانيا ذاك على ما قضينا وهذا على ما نقضى فالمفتى بأحدهما بدليله لم يخرج عن مذهب الإمام حيث قاله بدليل لم يقطع بخلافه ولمن قلده أن يستمر على القول الأول الذي عمل به ولا يتغير عنه بتغير اجتهاد من قلده في الأقيس ويجوز التخريج منه والتفريع والقياس عليه ويكون مذهبه ان قلنا ما قيس على كلامه مذهب له وإلا فلا وإن قلنا يلزم المجتهد تجديد اجتهاده فيما أفتى به لتجدد الحادثة له ثانيا وإعلامه المقلد له بتغير اجتهاده فيما أفتاه به ليرجع عنه وبعد ما عمل به حيث يجب نقضه وإن المقلد له يلزمه السؤال بتجدد الحادثة له ثانيا ورجوعه إلى قوله الثاني قبل عمله بالأول أو بعده ان وجب نقضه لم يكن الأول مذهبا له فلا يعمل به المقلد وإن كان عمل به فلا يستمر عليه إذا لتغير اجتهاد من قلده فيه ولا يخرج منه حكم إلى غيره ولا يقاس عليه إذا وإن بان للمفتى أنه خالف ما يجب العمل به من إجماع أو كتاب أو سنة نقض فتياه وأعلم المستفتى بذلك ليرجع. [شيخنا] فصل: وان جهل التاريخ فمذهبه أقر بهما من كتاب أو سنة أو إجماع أو أثر أو قواعد الإمام أو عوائده أو مقاصده أو أدلته وقال من عنده ان لم يجعل أول قوليه في مسألة واحدة مذهبا له مع معرفة التاريخ فيكون هذا [هو] الراجح كالمتأخر فيما ذكرنا إذا جهل رجوعه عنه قال من عنده ويحتمل الوقف لاحتمال تقدم الراجح فإن جعلنا أولهما مذهبا له فهنا أولى لجواز كون الراجح متأخرا وإن تساويا نقلا ودليلا فالوقف أولى قال من عنده ويحتمل التخيير إذا والتساقط فإن اتحد حكم القولين دون الفعل كإخراج الحقاق أو بنات اللبون عن مائتي بعير وكل واجب موسع أو مخير الجزء: 1 ¦ الصفحة: 528 خير المجتهد بينهما [وله أن يخير المقلد بينهما] 1 إن لم يكن المجتهد حاكما وإن منعنا تعادل الإمارات وهو الظاهر عنده فلا وقف ولا تخيير ولا تساقط أيضا وعمل بالراجح رواة بكثرة أو شهرة أو علم أو ورع أو دليل أو معنى ويقدم الأعلم وقيل الأورع فإن وافق أحد القولين مذهب غيره فهل هو أولى أم لا2 قال من عنده يحتمل وجهين وإن علم تاريخ أحدهما فهو كما لو جهل تاريخهما ويحتمل الوقف وقيل ان أفتى في واقعة بمذهب إمامه ثم وقعت له مرة أخرى وذكر حكمها ودليله أفتى به ان لم يظهر له خلافه وإن نسى أو جهل حكمها ودليله وقف حتى يعرفهما أو ضدهما وقيل ان أفتى يقول ميت لم يجب تجديد نظره. [شيخنا] فصل: وما انفرد به بعض الرواة عن الإمام وقوى دليله فهو مذهبه وقيل لا بل ما وراه جماعة أنه بخلافه أولى. [شيخنا] فصل: ويخص كلامه بخاصة في مسألة واحدة وقيل لا وما دل كلامه عليه فهو مذهبه ان لم يعارضه أقوى منه. [شيخنا] فصل: قوله لا يصلح أو لا ينبغي للتحريم ولا بأس وأرجو أن لا بأس للإباحة وأخشى أو أخاف أن يكون أو لا يكون ظاهر في المنع وقيل بالوقف وقوله أحب كذا أو أستحبه أو أستحسنه أو هو أحسن أو حسن أو يعجبني أو هو أعجب إلي   1 ساقط من ا. 2 في ا "فهل الأولى ما وافقه أو خالفه". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 529 للندب وقيل للوجوب وقوله أكره كذا أو لا يعجبني أو لا أحبه ولا أستحسنه للتنزيه والكراهة وقيل للتحريم وإن قال أستقبحه أو هو قبيح أو قال لا أراه فهو حرام وإن قال هذا حرام ثم قال أكرهه أو لا يعجبني فحرام وقيل بل مكروه. [شيخنا] فصل: فان أجاب في شيء ثم قال في نحوه هذا أهون أو أشد أو أشنع فقيل هما عنده سواء وقيل لا قال من عنده ان اتحد المعنى أو كثر التشابه فالتسوية أولى وإلا فلا وقيل قوله هذا أشنع عند الناس يقتضي المنع وقيل لا وإن قال أخير منه فهو للجواز وقيل للكراهة قال من عنده والنظر إلى القرائن أولى في الكل. [شيخنا] فصل: وما أجاب عنه1 بكتاب أو سنة أو إجماع أو قول بعض الصحابة فهو مذهبه لأن قول أحدهم عنده حجة على الأصح وما رواه من سنة أو أثر وصححه أو حسنه أو رضى بسنده أو دونه في كتبه ولم يرده ولم يفت بخلافه فهو مذهبه وقيل لا كما لو أفتى بخلافة قيل أو بعد فإن أفتى بحكم فاعترض عليه فسكت فليس رجوعا وقيل بلى. [شيخنا] فصل: وان ذكر عن الصحابة في مسألة قولين فمذهبه أقربهما من كتاب أو سنة أو إجماع سواء عللهما أو لا إذا لم يرجح أحدهما ولم يختره2 أو يحسنه وقيل   1 في ا "أجاب فيه". 2 في د "أو غيره". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 530 لا مذهب له منهما عينا كما لو حكاهما عن التابعين فمن بعدهم ولا مزية لأحدهما بما ذكر لجواز إحداث قول ثالث بخلاف الصحابة وقيل بالوقف وإن علل أحدهما [1واستحسن الأخر أو فعلهما في أقوال التابعين أو من بعدهم] 1 فأيهما مذهبه فيه وجهان وإن أعاد ذكر أحدهما أو فرع عليه فهو مذهبه وقيل لا إلا أن يرجحه أو يفتى به وإن نص في مسألة على حكم وعلله بعلة فوجدت في مسائل أخر فمذهبه في تلك المسائل كالمسألة المعللة سواء قلنا بتخصيص العلة أم لا كما سبق وإن نقل عنه في مسألة قولان دليل أحدهما قول النبي صلى الله عليه وسلم ودليل الأخر قول صحابي [2وهو أخص منه وقلنا انه يخص به العموم فأيهما مذهبه فيه وجهان وإن كان قول النبي صلى الله عليه وسلم] 2 أخصهما أو أحوطهما تعين وإن وافق أحدهما قول صحابي آخر والآخر قول تابعي واعتد به إذا وقيل وعضده عموم كتاب أو سنه أو أثر فوجهان وإن ذكر اختلاف الناس وحسن بعضه فهو مذهبه ان سكت عن غيره وإن سئل مرة فذكر الاختلاف ثم سئل مرة ثانية فتوقف ثم ثالثة فأفتى فيها فالذي أفتى به مذهبه وإن أجاب بقوله قال فلان كذا يعنى بعض العلماء فوجهان وإن قال يفعل السائل كذا احتياطا فهو واجب وقيل بل مندوب وإن نص على حكم مسألة ثم قال ولو قال قائل أو ذهب ذاهب إلى كذا يعنى حكما [3بخلاف ما نص عليه كان مذهبا لم يكن ذلك مذهبا للإمام أيضا كما لو قال وقد ذهب قوم إلى كذا قال من عنده ويحتمل بلى] 3 كما لو قال تحتمل المسألة قولين.   1 ساقط من ا. 2 ساقط من ا. 3 ما بين المعقوفين ساقط من ا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 531 [شيخنا] فصل: وهل يجعل فعله أو مفهوم كلامه مذهبا له على وجهين فإن جعلنا المفهوم مذهبا له فنص في مسألة على خلافه بطل المفهوم وقيل لا فتصير المسألة على قولين ان جعلنا أول قوليه في مسألة واحدة مذهبا له. [شيخنا] فصل: الروايات المطلقة نصوص للأمام أحمد وكذا قولنا وعنه وأما التنبيهات بلفظه فقولنا أومأ إليه أحمد أو أشار إليه أو دل كلامه عليه أو تقف فيه وأما الأوجه فأقوال الأصحاب وتخريجهم إن كانت مأخوذة [1من قواعد الإمام أحمد أو إيمائه أو دليله أو تعليله أو سياق كلامه وقوته وإن كانت مأخوذة] 1 من نصوص الإمام أو مخرجة منها فهي روايات مخرجة له أو منقولة من نصوصه إلى ما يشبهها من المسائل ان قلنا ما قيس على كلامه مذهب له وإن قلنا لا فهي أوجه لمن خرجها وقاسها فإن خرج من نص ونقل إلى مسألة فيها نص يخالف ما خرج فيها صار رواية منصوصة ورواية مخرجة [2منقولة من نصه إذا قلنا المخرج من نصه مذهبه وإن قلنا لا ففيها رواية لأحمد ووجه لمن خرجه] 2 وإن لم يكن فيها نص يخالفا القول المخرج فيها من نصه في غيرها فهو وجه لمن خرجه فإن خالفه غيره من الأصحاب في الحكم دون طريق التخريج ففيها لهم وجهان ويمكن جعلهما مذهبا لأحمد بالتخريج دون النقل لعدم أخذهما من نصه وإن جهلنا مستندهما فليس أحدهما قولا مخرجا للإمام ولا مذهبا له بحال فمن قال من الأصحاب هنا هذه المسألة رواية واحدة أراد نصه ومن قال فيها روايتان فإحداهما بنص والأخرى بإيماء أو تخريج من نص آخر له أو بنص   1 ساقط من ا. 2 ساقط من د. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 532 جهله منكره ومن قال فيه وجهان أراد عدم نصه عليهما سواء جهل مستنده أم لا ولم يجعله مذهبا لأحمد1 فلا يعمل إلا بأصح الوجهين وأرجحهما سواء وقعا معا أو لا من [شخص] واحد أو أكثر وسواء علم التاريخ أو جهل. وأما القولان هنا فقد يكون الإمام نص عليهما كما ذكره أبو بكر عبد العزيز في زاد المسافر أو نص على أحدهما وأومأ إلى الأخر وقد يكون مع أحدهما وجه أو تخريج أو احتمال بخلافه. وأما الاحتمال فقد يكون لدليل مرجوح بالنسبة إلى ما خالفه أو لدليل مساو له وأما التخريج فهو نقل حكم مسألة إلى ما يشبهها والتسوية بينهما فيه. وأما الوقف2 فهو ترك الأخذ3 بالأول والثاني والنفي والإثبات ان لم يكن فيها قول لتعارض الأدلة وتعادلها عنده فله حكم ما قبل الشرع من حظر أو إباحة أو وقف. [شيخنا] فصل: ومذهبه ما قاله بدليل ومات قائلا به وفيما قاله [قبله] بدليل يخالفه ثلاثة أوجه النفي والإثبات والثالث ان رجع عنه وإلا فهو مذهبه كما يأتي وقيل مذهب كل واحد عرفا وعادة ما اعتقده جزما أو ظنا بدليل ويعلم ذلك من قوله وخطه وتأليفه4 وينقل إلينا جزما أو ظنا وقوله وخطه وتأليفه إما نص أو ما يجري مجراه مما خرج على نصه العام ولا يرى تخصيصه أو المطلق ولا يرى تقييده أو يذكر   1 في ا "سواء جهل مستنده أو علم أو لم يجعله مذهبا لأحمد". 2 في د "التوقف". 3 في "ترك العمل". 4 كلمة "وتأليفه" ساقطة من ا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 533 علة الحكم ولا يرى تخصيصها أو يعلقها بشرط يزول بزواله أو يذكر حكم حادثة وغيرها مثلها شرعا كسراية عتق الموسر بعض عبد نفسه له أو لغيره والأمة مثله وما ثبت بالقياس والاجتهاد فمن دين الله وشرعه لا من نصه ولا من نص رسوله. [والد شيخنا] فصل: قال أبو الطيب فأما تخريج القولين في المسألة فإنه على أربعة أضرب: أحدها: أن يذكر في القديم قولا فيها ثم يذكر في الجديد خلافه فيكون هذا رجوعا عن الأول ويكون مذهبه الثاني. الضرب الثاني: ذكر في الجديد قولين في موضع واحد ودل على اختياره لأحدهما1 فيكون مذهبه هو الذي اختاره والآخر ليس بمذهب له ودليل اختياره لأحدهما أن يقول هذا أحبهما إلى وأشبههما بالحق عندي وهذا مما أستخير الله فيه أو يقول هذا قول مدخول أو قول منكر أو يفرع أحدهما ويترك التفريع على الآخر. والثالث: أن يذكر قولين في موضع واحد ثم يعيد المسألة في موضع آخر ويذكر أحدهما فقط فيدل عل اختياره له وهذا ذكره المزني هكذا وخالفه أبو إسحاق المروذى وقال هذا لا يدل على اختياره لأنه يحتمل أن يكون ترك ذكره اكتفاء بما ذكره والذي قاله المزنى هو الصحيح. والرابع: أن يذكر قولين في موضع واحد ولا يدل على اختياره لأحدهما فهذا لا نعرف مذهبه فيها لأنه لا يجوز أن يكون مذهبان له لأن الحق واحد ونسبة أحدهما بعينه إليه لا يجوز لأنه لم يعينه قال أصحابنا ووجد له مثل ذلك   1 في ا "لأحد القولين". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 534 ستة عشر موضعا قالوا: ويحتمل أن يكون قد تعين له الحق منهما ومات قبل بيانه ويحتمل أن لا يكون قد تعين له وكان متوقفا فيهما فإن قال قائل إذا كان طريق القولين ما ذكرته ولم يكونا مذهبين له فليس لذكر القولين في موضع واحد واختياره أحدهما معنى وكذلك إذا لم يبن له الحق1 فيهما فليس لذكرهما معنى وكيف ذكر الشافعي ما لا يفيد شيئا فالجواب أن الشافعي ذكر القولين ليعلم أصحابه طريق الاجتهاد واستخراج العلل وبيان ما يصححها ويفسدها لأنه يحتاج أن يبين فروق2 الأحكام كما يحتاج أن يبين الأحكام فكانت فائدة ذكر القولين هذا دون ما قدره السائل من كون القولين مذهبا له ولأنه إذا ذكر القولين ولم يبين الحق3 منهما أفاد بذكرهما أن ما عداهما باطل وإن الحق أحدهما ولان الخبر عما هو متوقف فيه مفيد حسن فلا يصح ما قاله هذا القائل. [شيخنا] فصل: في قول الشافعي رضى الله عنه إذا وجدتم في كتابي خلاف سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقولوا بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ودعوا ما قلته. قال أبو عمرو بن الصلاح عمل بذلك كثير من [أئمة] أصحابنا فكان من ظفر منهم بمسألة فيها حديث ومذهب الشافعي خلافه عمل بالحديث وأفتى به قائلا مذهب الشافعي ما وافق الحديث وما لم يتفق ذلك إلا نادرا ومنه ما نقل عنه قول موافق وممن حكى أنه أفتى بالحديث في مثل ذلك أبو يعقوب البويطي وأبو القاسم الداركي وهذا الذي قطع به أبو الحسن الكيا في أصوله قال أبو عمرو   1 في د "لم يبين الحق فيهما". 2 في ا "تفريق الأحكام". 3 في ا "الحكم منهما". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 535 وليس هذا بالهين فليس كل فقيه يسوغ أن ينقل بالعمل بما يراه حجة من المذهب وفيمن سلك هذا من علم بحديث تركه الشافعي عمدا على علم منه بصحته لمانع كأبي الوليد بن الجارود ممن صحبه في حديث أفطر الحاجم والمحجوم وعن ابن خزيمة أنه قيل له هل تعرف سنة لرسول الله صلى الله عليه وسلم في الحلال والحرام لم يودعها الشافعي كتابه قال لا قال أبو عمرو وعند هذا أقول من وجد من الشافعية حديثا يخالف مذهبه فإن كملت فيه آلات الاجتهاد مطلقا أو في ذلك الباب أو في تلك المسألة كان له الاستقلال بالعمل بذلك الحديث وإن لم تكمل آلته ووجد في قلبه حزازة من مخالفة الحديث بعد أن بحث فلم يجد لمخالفته عنه جوابا شافيا فإن كان قد عمل بذلك الحديث إمام مستقل فله أن يتمذهب بمذهبه في العمل بذلك الحديث ويكون ذلك عذرا له في ترك مذهب إمامه في ذلك والله أعلم. قال والمفتى المنتسب إلى مذهب إمام هل له أن يفتى بمذهب آخر إن كان ذا اجتهاد فأداه اجتهاده1 إلى مذهب إمام آخر اتبع اجتهاده وإن كان اجتهاده مشوبا بشيء من التقليد نقل ذلك الشوب من التقليد إلى ذلك الإمام الذي أداه اجتهاده إليه2 ثم إذا أفتى بين ذلك في فتواه وذكر العمل بمثل ذلك عن القفال والمروذى والحلواني3 أنه أنكر مثل ذلك على الغزالي. قال وإن لم يكن بنى على اجتهاده فإن ترك مذهبه إلى مذهب هو أسهل عليه وأوسع فالصحيح امتناعه وإن كان تركه لكون الأخر أحوط المذهبين فالظاهر جوازه ثم عليه بيان ذلك في فتواه قال وليس له أن يتخير من القولين4   1 في ا "إن كان إذا اجتهد أداه اجتهاده – إلخ". 2 في ا "إلى مذهبه". 3 الظاهر أنه سقط من الكلام "وذكر أنه أنكر – إلخ". 4 في ا "وليس للمنتسب إلى الشافعي أن يتخير – إلخ". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 536 أو الوجهين بل عليه في القولين أن يعمل بالمتأخر منهما كالجديد مع القديم وإن لم يتقدم أحدهما عمل بما رجحه الشافعي فإن لم يرجح شيئا منهما فعليه البحث على الأصح منهما متعرفا ذلك من أصول مذهبه غير متجاوز في الترجيح قواعد مذهبه إلى غيرها إن كان ذا اجتهاد في مذهبه أهلا للتخريج عليه فإن لم يكن أهلا لذلك فلينقله عن بعض أهل التخريج من أهل المذهب وإن لم يجد شيئا من ذلك فليتوقف كما فعل الماوردي وشيخه الصيمرى وشيخه ابن القاص وشيخه أبو حامد المروذى في مسألة الناسي في اليمين والوجهان فلا بد من ترجيح أحدهما بمثل الطريق المذكور دون التقدم والتأخر سواء وقعا معا في حالة واحدة من إمام من أئمة المذهب أو من إمامين واحد بعد واحد والمنصوص من القولين راجح على المخرج إلا أن يكون المخرج مخرجا من آخر لتعذر الفارق قال ومن اكتفي بأن يكون في فتواه أو عمله موافقا لقول أو وجه في المسألة من غير نظر في الترجيح ولا تقيد به فقد جهل وخرق الإجماع. وذكر عن أبى الوليد الباجي أنه ذكر عن بعض أصحابهم أنه كان يقول ان الذي لصديقي على إذا وقعت له حكومة أن أفتيه بالرواية التي توافقه وذكر أن بعضهم سئلوا عن مسألة فأفتوا فيها بما يضر صاحبها وكان غائبا فلما عاد سألهم فقالوا ما علمنا أنها لك وأفتوه بالرواية الأخرى التي توافقه قال أبو الوليد وهذا مما لا خلاف بين المسلمين ممن يعتد به في الإجماع أنه لا يجوز. قلت التخيير في الفتوى والترجيح بالشهوة ليس بمنزلة تخير العامي في تقليد أحد المفتين ولا من قبيل1 اختلاف المفتين على المستفتى بل كل ذلك راجع إلى شخص واحد وهو صاحب المذهب فهو كاختلاف الروايتين عن النبي صلى الله   1 في ا "وليس ذلك من قبيل – إلخ". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 537 عليه وسلم راجع إلى شخص واحد وهو الإمام فكذلك اختلاف الأئمة راجع إلى شريعة رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى ان من يقول ان تعارض الأدلة يوجب التخيير لا يقول إنه يختار لكل مستفت ما أحب بل غايته أنه يختار قولا يعمل به ويفتى به دائما فبين ما أنكره أبو عمرو وبين ما أنكره أبو الوليد فرق قال أبو عمر فإن اختلف أئمة المذهب في التصحيح على من ليس أهلا للترجيح فينبغي أن يفزع في الترجيح إلى صفاتهم الموجبة لزيادة الثقة بآرائهم فيعمل بقول الأكثر والأعلم والاورع وإن اختلفت الصفات قدم الذي هو أحرى بالإصابة فيقدم الأعلم الورع على الأورع العالم قال واعتبرنا ذلك في هذا كما اعتبرنا في ترجيح الأخبار بصفات رواتها وكذلك إذا وجد قولين أو وجهين لم يبلغه عن واحد من الأئمة بيان الأوضح منهما اعتبر أوصاف ناقلهما وقائلهما فما رواه المزني أو الربيع مقدم على ما رواه حرملة والربيع الجيزى ويرجح منهما ما وافق أكثر أئمة المذاهب المشهورة وذكر القاضي حسين أنه إذا اختلف قول الشافعي في مسألة وأحدهما يوافق قول أبى حنيفة فقال أبو حامد ما خالفه أولى1 لأنه لولا رأى فيه معنى خفيا لما خالف وقال القفال ما وافقه أولى وكان القاضي حسين يذهب إلى الترجيح بالمعنى قال أبو عمرو وقول القفال أولى والفتيا على الجديد إلا في نحو عشرين مسألة يفتى فيها بالقديم على خلاف في أكثرها. [شيخنا] فصل: في ترجيح المقلد أحد الأقوال لكثرة عدد قائليه من المفتين حالة الفتوى. قال الوزير أبو المظفر يحيى بن محمد بن هبيرة الصحيح في هذه المسألة أن قول من قال: "لا يجوز تولية قاض حتى يكون من أهل الاجتهاد فإنه إنما عنى به هنا ما كانت الحالة عليه قبل استقرار ما استقر من هذه المذاهب التي أجمعت   1 في ا "ما خالف أبا حنيفة". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 538 الأئمة على أن كلا منها يجوز العمل به لأنه مستند إلى أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أو على سبيل معه فالقاضي في هذا الوقت وإن لم يكن قد متى في طلب الأحاديث وانقاء طرقها وعرف من لغة الناطق بالشريعة صلى الله عليه وسلم ما لا يعوزه معه معرفة ما يحتاج إليه فيه وغير ذلك من شروط الاجتهاد فإن ذلك مما قد فرغ له1 منه ودأب فيه سواه وانتهى الأمر من هؤلاء الأئمة المجتهدين إلى ما أراحوا به من بعدهم وانحصر الحق في أقاويلهم وتدونت العلوم وانتهت إلى ما اتضح فيه الحق فإن عمل القاضي في أقضيته بما يأخذ عنهم أو عن الواحد منهم فإنه في معنى من كان باجتهاده إلى قول قاله وعلى ذلك فإنه إذا خرج من خلافهم متوخيا مواطن الاتفاق ما أمكنه كان آخذا بالحزم عاملا بالأولى وكذلك إذا قصد في مواطن الخلاف توخي2 ما عليه الأكثر منهم والعمل بما قاله الجمهور دون الواحد منهم فإنه قد أخذ ما محزم والأحوط والأولى مع جواز أن يعمل بقول الواحد إلا أنني أكره له أن يكون ذلك من حيث انه قد قرأ مذهب واحد منهم أو نشأ في بلدة لم يعرف فيها إلا مذهب إمام واحد منهم أو كان شيخه ومعلمه على مذهب فقيه من الفقهاء خاصة يقصر نفسه على اتباع ذلك المذهب حتى إذا حضر عنده خصمان وكان ما تشاجرا فيه مما يفتى الفقهاء الثلاثة فيه بحكم واحد نحو التوكيل بغير رضا الخصم وكان الحاكم حنفيا وقد علم أن مالكا والشافعي وأحمد اتفقوا على جواز هذا التوكيل دون أبى حنيفة فعدل عما أجمع عليه هؤلاء الأئمة الثلاثة إلى ما ذهب إليه أبو حنيفة لمجرد أنه قاله فقيه هو في الجملة من فقهاء الاتباع له من غير أن يثبت عنده بالدليل ولا أداه اجتهاده إلى أن قول أبى حنيفة أولى مما اتفق عليه الجماعة فإني أخاف على مثل هذا أن يكون ممن اتبع هواه وأنه لا يكون ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه وكذلك إن كان على مذهب مالك فقضى بتطهير الكلب   1 في ا "فرغ منه غيره". 2 في د "توخيه". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 539 وكذلك إن كان على مذهب الشافعي فقضى في متروك التسمية [عمدا1] بالحل خلافا للثلاثة وكذلك إن كان على مذهب أحمد فقال أحد الخصمين كان له على مال وقضيته يقضى عليه بالبراءة من إقراره مع علمه بخلاف الفقهاء الثلاثة فإن هذا وأمثاله إذا توخي فيه اتباع الأكثرين [فأمره عندي2] أقرب إلى الخلاص وأرجح في العمل وبمقتضى هذا فإن ولايات الحكام في وقتنا هذا ولايات صحيحة وإنهم قد سدوا من ثغر الإسلام ما سده فرض كفاية ومتى أهملنا هذا القول ولم نذكره ومشينا على طريق التغافل التي يمشى فيها من يمشى من الفقهاء الذين يذكر كل منهم في كتاب ان صنفه أو كلام ان قاله أنه لا يصح أن يكون أحد قاضيا حتى يكون من أهل الاجتهاد ثم يذكر في شروط الاجتهاد أشياء ليست موجودة في الحكام فإن هذا كالإحالة وكالتناقض وكأنه تعطيل للأحكام وسد لباب الحكم وإلا ينفذ لأحد حق ولا يكاتب به ولا تقام بينة ولا يثبت لأحد ملك إلى غير ذلك من القواعد الشرعية فكان هذا الأصل غير صحيح وبان أن الحكام اليوم حكوماتهم صحيحة نافذة وولاياتهم جائزة شرعا فقد تضمن هذا الكلام أن تولية المقلد تجوز إذا تعذر تولية المجتهد وأنه انعقد الإجماع على تقليد كل واحد من هذه المذاهب الأربعة وإن إجماع الفقهاء حجة لا يخرج الحق عنهم وأنه ينبغي الاحتراز من الاختلاف فإن لم يكن فإتباع الأكثر أولى ويكره تقليد الواحد المخالف للأكثر لأجل تقدم ونحوه. وقال أيضا في أول شرح الحديث كل من هذه المذاهب إذا أخذ به آخذ ساغ له ذلك فإن خرج من الخلاف فأخذ بالاحوط كتحرية مسح جميع رأسه وأخذ فيما لا يمكنه الخروج من الخلاف فيه كمسألة البسملة بقول الأكثر كان   1 ليست في د. 2 في ا "وألا ينعقد حكم". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 540 هو الأولى قال وعلى هذا أرى ما استمر من الخلفاء الراشدين يعنى خلفاء بغداد من ترك الجهر في الجوامع لأن الخطباء قد يكون فيهم من يعتقد مذهب الشافعي إلا أنهم استمروا على ذلك لما ذكرته قال وهذا هو المانع لي من الجهر لأكون مع الأكثر فأما المجتهد فإنه إذا ثبت عنده حق بمقتضى ما أداه اجتهاده إليه في مسألة فإن فرضه ما أدى إليه اجتهاده على أن المجتهد اليوم لا يتصور اجتهاده في هذه المسائل التي قد تحررت في المذاهب لأن المتقدمين قد فرغوا من ذلك فأما هذا الجدل الذي يقع بين أهل المذاهب فإنه أوفق ما يحمل الأمر فيه يأن يخرج مخرج الإعادة والتدريس فيكون الفقيه به معيدا محفوظه ودارسا ما يعلمه فأما اجتماع الجمع منهم متجادلين في مسألة مع أن كل واحد منهم لا يطمع في أن يرجع خصمه إليه إن ظهرت حجته ولا هو يرجع إلى خصمه إن ظهرت حجته عليه ولا فيه عندهم فائدة ترجع إلى مؤانسة ولا إلى استجلاب مودة ولا إلى توطئة القلوب لوعى الحق بل هو على الضد من ذلك فإنه مما قد تكلم فيه العلماء وأظهروا من عذره1 ما أظهروا كابن بطة وابن حامد في جزءه ولا يتمارى في أنه محدث متجدد فأما تعيين المدارس بأسماء فقهاء معينين فإنه لا أرى به بأسا حيث ان اشتغال الفقهاء بمذهب واحد من غير أن يختلط بهم فقيه في مذهب آخر يثير الخلاف معهم ويوقع النزاع فإنه حكى لي الشيخ محمد بن يحيى عن القاضي أبى يعلى أنه قصده فقيه ليقرأ عليه مذهب أحمد فسأله عن بلده فأخبره فقال له إن أهل بلدك كلهم يقرأون مذهب الشافعي فلماذا عدلت أنت عنه إلى مذهبنا فقال له إنما عدلت عن المذهب رغبة فيك أنت فقال ان هذا لا يصلح فانك إذا كنت في بلدك على مذهب أحمد وباقي أهل البلد على مذهب الشافعي لم تجد أحدا يعبد معك2 ولا يدارسك وكنت خليقا أن تثير خصومة وتوقع نزاعا بل كونك   1 في ا "من عورة". 2 في د "يعيد معك". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 541 على مذهب الشافعي حيث أهل بلدك على مذهبه أولى ودله على الشيخ أبى إسحاق وذهب به إليه فقال سمعا وطاعة أقدمه على الفقهاء وألتفت إليه وكان هذا من علمهما معا وكون كل واحد منهما يريد الآخرة وعلى هذا فلا ينبغي أن يضيق في الاشتراط على المسلمين في شروط المدارس فإن المسلمين إخوة وهى مساكن تبنى لله فينبغي أن يكون في اشتراطها ما يتسع لعباد الله فإنني امتنعت من دخول مدرسة شرط فيها شروط لم أجدها عندي ولعلى منعت بذلك أن أسأل عن مسألة أحتاج إليها أو أفيد أو أستفيد. [شيخنا] فصل: قال أبو الخطاب أجمع الناس على أن المجتهد إذا حكم في حادثة بحكم ثم جاءته مثلها أنه لا يقنع بذلك الاجتهاد بل يجتهد ثانيا وما عليه دليل قطعي لا يحتاج إلى ذلك كمن عرف التوحيد والنبوة قال وفيه نظر. وقال أيضا إذا سئل المفتى عن مسألة فإن كان قد تقدم له فيها اجتهاد وقول وهو ذاكر لطريق الاجتهاد والحكم جاز له أن يفتى بذلك وإلا1 فلا فإن ذكر الحكم دون طريق الاجتهاد لزمه أن يذكر طريق الاجتهاد ويعيد النظر في ذلك فإن أداه اجتهاده إلى ذلك الحكم أفتى به وإن أداه إلى غيره أفتى به أيضا. وكذلك ذكر ابن عقيل. وذكر أبو عمرو بن الصلاح أنه إذا وقعت الحادثة مرة ثانية فإن كان ذكر الفتيا الأولى ومستندها إلى أصل الشرع إن كان مستقلا أو بالنسبة إلى مذهبه إن كان منتسبا إلى مذهب ذي مذهب أفتى بذلك وإن تذكرها دون   1 في ا "وإن لم يكن قد تقدم له فيها اجتهاد لم يجز أن يفتي حتى يجتهد" في مكان "وإلا فلا". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 542 مستندها ولم يظهر ما يوجب رجوعه عنها فقد قيل له أن يفتى بذلك والأصح أنه لا يفتى حتى يجدد النظر ومن لم تكن فتياه حكاية عن غيره لم يكن له بد من استصحاب الدليل فيها. [شيخنا] فصل: إذا حدثت مسألة ليس فيها قول لأحد العلماء جاز الاجتهاد فيها والحكم والفتوى لمن هو أهل لذلك للحاجة قال وقد أومأ أحمد إلى المنع منه كقوله للميموني إياك أن تتكلم في مسألة ليس لك فيها إمام وقيل يجوز ذلك في الفروع دون الأصول وهو أولى فإن سأل عامي عن مسألة لم تقع جاز إجابته وقيل يستحب ان قصد معرفة الحكم لاحتمال أن يقع له أو لغيره أو لتفقه فيه وقيل كما سبق يكره ذلك مطلقا. [شيخنا] فصل: قال أبو الخطاب وإن أفتى باجتهاده ثم تغير اجتهاده فإن كان المستفتى قد عمل بما أفتاه لم يلزم المفتى أن يعرفه بتغير اجتهاده ولم يلزم المستفتى نقض ما عمله وإن كان لم يعمل بها لزمه ذلك ان أمكنه لأن العامي يعمل بذلك الحكم لأنه قول ذلك المفتى ومعلوم أنه ليس هو قوله في ذلك الحال فإن لم يفعل ومات المفتى فهل يجوز للمستفتى العمل بما أفتاه فيه احتمالان أحدهما لا يجوز لأنه لا يدرى أنه لو كان حيا كان قائلا بذلك الحكم وطريقة الاجتهاد فيه أم لا. قلت على هذا فلو كان حيا لم يجز أن يعمل بالفتيا ثانيا حتى يستفتيه مرة ثانية وهذا بعيد وهو قول القاضي كما تقدم ويحتمل أن يجوز لأن الظاهر أنه قوله حتى مات وموته قد أزال عنه التكليف والذي ذكره أبو عمرو بن الصلاح عن مذهبه أن المفتى إذا رجع قبل العمل بها لم يجز العمل بها للمستفتى وكذلك لو نكح بفتواه أو أستمر على نكاحه ثم رجع لزمه مفارقتها كما لو تغير اجتهاد من الجزء: 1 ¦ الصفحة: 543 قلده في القبلة في أثناء صلاته وإن رجع بعد عمل المستفتى فإن كان مخالفا [لقاطع] 1 لزم المستفتى نقض عمله ذلك وإن كان في محل الاجتهاد لم يلزمه نقضه. قال أبو عمرو من عنده وإذا كان إنما يفتى بمذهب إمام معين فرجوعه لمخالفة نص إمامه قطعا يوجب نقضه وإن كان في محل الاجتهاد لأن نص المذهب في حقه كنص الشارع في حق المجتهد وإذا لم يعلم المستفتى برجوعه فحاله على ما كان ويلزم المفتى إعلامه برجوعه قبل العمل وبعده حيث يجب النقض. [شيخنا] فصل: في كيفية الفتوى إذا سئل المجتهد عن الحكم لم يجز له أن يفتى بمذهب غيره لأنه إنما سئل عما عنده فإن سئل عن مذهب غيره جاز له أن يحكيه لأن العامي يجوز له حكاية قول غيره ولا يجوز له أن يفتى بما يجده في كتب الفقهاء لا بما يفتيه به فقيه هذا قول أبى الخطاب. وقال الحليمي والروياني لا يجوز للمقلد أن يفتى بما هو مقلد فيه وذكر أبو محمد الجويني عن القفال والمروذى أنه يجوز لمن حفظ مذهب صاحب مذهب ونصوصه أن يفتى به وإن لم يكن عارفا بغوامضه وحقائقه. وقال أبو محمد لا يجوز أن يفتى بمذهب غيره إذا لم يكن متبحرا فيه عالما بغوامضه وحقائقه كما لا يجوز للعامي الذي جمع فتاوى المفتين أن يفتى بها وإذا كان متبحرا فيه جاز أن يفتى به. قال أبو عمرو وقول من قال لا يجوز معناه أنه لا يذكره في صورة ما يقوله من عند نفسه بل يضيفه إلى إمامه الذي يحكيه عنه قال فعلى هذا من عددناه   1 ساقط من د. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 544 في المفتين من المقلدين ليسوا في الحقيقة من المفتين ولكنهم قاموا مقامهم فعدوا معهم وسبيلهم أن يقولوا مثلا مذهب فلان كذا ومقتضى مذهبه كذا ومنهم من ترك إضافة ذلك إلى إمامه اكتفاء بدلالة الحال. وذكر الماوردي في الحاوي في العامي إذا عرف حكم حادثة بنى على دليلها ثلاثة أوجه أحدها أنه يجوز أن يفتى به ويجوز تقليده فيه والثاني يجوز ذلك إن كان دليلها من الكتاب أو السنة والثالث وهو الأصح أنه لا يجوز ذلك مطلقا. [شيخنا] فصل: وذكر ابن عقيل أن العامي لا يجوز له التقليد إلا المجتهد وكذلك التزم أنه لا بد في كل عصر من مجتهد يجوز للعامي تقليده ويجوز أن يولى القضاء وهذا يقتضى أن المفتى لا يجوز أن يفتى بالنقل عن غيره من المجتهدين المتقدمين وابن عقيل إنما عنى بذلك الاجتهاد المطلق. فصل: وليس له أن يفتى في كل حال يغير خلقه ويشغل قلبه بحيث يمنعه من التثبت كالغضب أو الجوع أو العطش أو الحزن أو الفرح الغالب أو النعاس أو الملال أو المرض أو الحر المزعج أو البرد المؤلم أو مدافعة الأخبثين وهو أعلم بنفسه فإن أفتى في شيء من هذه الأحوال وهو يعلم ويرى أن ذلك لم يمنعه من إدراك الصواب صحت فتياه وإن خاطر بها. قال يعنى ابن صلاح والأولى بالتصدي للفتوى أن يتبرع بها ويجوز له أن يرتزق على ذلك من بيت المال إلا إذا تعين عليه وله كفايته فظاهر المذهب أنه لا يجوز وإذا كان له رزق فلا يجوز له أخذ الأجرة أصلا وإن لم يكن له رزق فليس له أخذ أجرة من أعيان من يفتيه كالحاكم على الأصح واحتال الجزء: 1 ¦ الصفحة: 545 أبو حاتم القزويني فقال لو قال له إنما يلزمني أن أفتيك قولا وأما بذل الخط فلا فإن أستأجره على أن يكتب له كان ذلك جائزا. وذكر أبو القاسم الصيمرى أنه لو اجتمع أهل البلد على أن جعلوا له رزقا من أموالهم لتفرغ لفتاويهم جاز ذلك. وأما الهدية فأطلق أبو المظفر السمعاني جواز قبولها بخلاف الحاكم قال أبو عمرو وينبغي أن يقال إنه يحرم عليه قبولها إذا كانت رشوة على أن يفتيه بما يريد. وذكر أبو عمرو بن الصلاح أن المفتى ينقسم قسمين مستقل وغيره. فالمستقل المجتهد المطلق وهو القائم بمعرفة أدلة الأحكام من الكتاب والسنة والإجماع والقياس وما التحق بها على التفصيل وهى مفصلة في كتب الفقه العالم بما يشترط في الأدلة ووجوه دلاتها وكيفية اقتباس الحكم منها وذلك في أصول الفقه الذي يعرف من علم القرآن والحديث وعلم الناسخ والمنسوخ والنحو واللغة واختلاف العلماء واتفاقهم بالقدر الذي يتمكن به من الوفاء بشروط الأدلة والاقتباس منها ذا دربه وارتياض في استعمال ذلك عالما بالفقه ضابطا لأمهات مسائلة وتفاريعه المفروغ من تمهيدها فهذا هو المفتى المطلق المستقل الذي يتأدى به فرض الكفاية ولا يكون إلا مجتهدا مستقلا وهو الذي يستقل بادراك الأحكام الشرعية من الأدلة الشرعية من غير تقليد ولا تقييد. قال وما ذكرنا من كونه حافظا لمسائل الفقه لم يعد من شروطه في كثير من الكتب المشهورة بناء على أن الفقه من ثمراته فلا يكون شرطا واشتراطه أبو إسحاق الاسفرائيني وصاحبه أبو منصور البغدادي وغيرها. قال واشتراط ذلك في المفتى المذكور1 هو الصحيح وإن لم يكن كذلك في صفة المجتهد المستقل على تجرده.   1 في ا "المفتي الذي يتأدى به فرض الكفاية". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 546 قال وهل يشترط فيه أن يعرف من الحساب ما تصح به المسائل الحسابية الفقهية حكى أبو إسحاق وأبو منصور فيه خلافا للأصحاب والأصح اشتراطه وهذا إنما يشترط في المفتي في جميع أبواب الشرع. القسم الثاني المفتى الذي ليس بمستقل ومنذ دهر طوى بساط المفتى المستقل والمجتهد المطلق وأفضى أمر الفتوى إلى الفقهاء المنتسبين إلى أئمة المذاهب المتبوعة وللمفتى المنتسب أحوال أربع. أحدها أن لا يكون مقلدا لإمامه لا في المذهب ولا في دليله وإنما انتسب إليه لسلوك طريقه في الاجتهاد وذكر عن أبى إسحاق الاسفرائيني أنه حكى عن أصحاب مالك وأحمد وداود وأكثر أصحاب أبى حنيفة أنهم صاروا إلى مذهب أئمتهم تقليدا لهم ثم قال والصحيح الذي ذهب إليه المحققون ما ذهب إليه أصحابنا وهو أنهم صاروا إلى مذهب الشافعي لا على جهة التقليد له لكن لأنهم وجدوا طريقة في الاجتهاد والفتاوى أسد الطرق. قال أبو عمرو ودعوى انتفاء التقليد عنهم مطلقا من كل وجه لا تستقيم إلا أن يكونوا قد أحاطوا بعلوم الاجتهاد المطلق وذلك لا يلائم المعلوم من أحوالهم أو أحوال أكثرهم وذكر بعض الأصوليين من أصحابنا أنه لم يوجد بعد عصر الشافعي مجتهد مستقل وحكي اختلافا بين الحنفية والشافعية في أبى يوسف ومحمد والمزني وابن سريج هل كانوا مستقلين أم لا قال ولا يستنكر دعوى ذلك فيهم في فن من الفقه بناء على جواز تجزؤ منصب الاجتهاد ويبعد جريان الخلاف في حق هؤلاء المتبحرين الذين عم نظرهم الأبواب كلها وفتوى المنتسبين في هذه الحال في حكم فتوى المجتهد المستقل المطلق يعمل بها ويعتد بها في الإجماع والخلاف. الحالة الثانية أن يكون مجتهدا مقيدا في مذهب إمامه يستقل بتقرير مذهبه بالدليل غير أنه لا يتجاوز في أدلته أصول إمامه وقواعده ولا بد أن يكون عالما الجزء: 1 ¦ الصفحة: 547 بأصول الفقه لكنه قد أخل ببعض الادوات كالحديث واللغة فإن استدل بدليل إمامه لا يبحث عن معارض له ولا يستوفي النظر في شروطه وقد اتخذ نصوص إمامه أصولا يستنبط منها كما يفعل المستقل بنصوص الشارع والعامل بفتيا هذا مقلد لإمامه. قال والذي رأيت من كلام الأئمة يشعر بأن فرض الكفاية لا يتأدى بمثل هذا قال وأقول يتأدى به فرض الكفاية في الفتوى ولا يتأدى به في إحياء العلوم التي منها استمداد الفتوى لأنه قائم مقام المطلق والتفريغ على جواز تقليد الميت وهو الصحيح وقد يوجد منه الاستقلال في مسألة خاصة أو باب خاص ويجوز له أن يفتى فيما لم يجده من أحكام الوقائع منصوصا لإمامه بما يخرجه على مذهبه هذا هو الصحيح الذي عليه العمل واليه مفزع المفتين من مدد مديدة وهو في مذهب إمامه بمنزلة المجتهد في الشريعة وهو أقدر والمستفتى فيما يفتيه من تخريجه مقلد لإمامه لا له قطع به أبو المع إلى قال وأنا أقول ينبغي أن يخرج هذا على خلاف حكاه أبو إسحاق الشيرازي [في أن ما يخرجه أصحاب الشافعي على مذهبه هل يجوز أن ينسب إليه أم لا والذي اختاره أبو إسحاق أنه] 1 لا ينسب إليه قال وتخريجه تارة من نص معين وتارة تخريجه على وفق أصوله بأن يجد دليلا من جنس ما يحتج به إمامه. والأولى إذا وجد نص بخلافه يسمى ما خرجه قولا مخرجا وإن وقع الثاني في مسألة قد قال فيها بعض الأصحاب غير ذلك يسمى وجها. وشرط التخريج أن لا يجد بين المسألتين فارقا وإن لم يعلم العلة الجامعة كالأمة مع العبد في السراية ومهما أمكنه الفرق بين المسألتين لم يجز له على الأصح   1 ساقط من د. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 548 التخريج ولزمه تقرير النصين على ظاهرهما وكثيرا ما يختلفون في القول بالتخريج في مثل ذلك لاختلافهم في إمكان الفرق. الحال الثالثة أن يكون حافظا للمذهب عارفا بأدلته لكنه قصر عن درجة المجتهدين في المذهب لقصور في حفظه أو تصرفه أو معرفته بأصول الفقه وهى مرتبة المصنفين إلى أواخر المائة الخامسة قصروا عن الأولين في تمهيد المذهب وأما في الفتوى فبسطوا بسط أولئك وقاسوا على المنقول والمسطور غير مقتصرين على القياس الجلي وإلغاء الفارق. الحالة الرابعة أن يحفظ المذهب ويفهمه في واضحات المسائل ومشكلاتها غير أنه مقصر في تقرير أدلته فهذا يعتمد نقله وفتواه في نصوص الإمام وتفريعات أصحابه المجتهدين في مذهبه وما لم يجده منقولا فإن وجد في المنقول ما يعلم أنه مثله من غير فصل يمكن كالأمة بالنسبة إلى العبد في سراية العتق أو علم اندراجه تحت ضابط منقول ممهد في المذهب جاز له إلحاقه به والفتوى به وإلا فلا قال ويندر عدم ذلك كما قال أبو المع إلى يبعد أن تقع واقعة لم ينص على حكمها في المذهب ولا هي في معنى شيء من المنصوص عليه فيه من غير فرق ولا هي مندرجة تحت شيء من ضوابطه ولا بد في هذا أن يكون فقيه النفس يصور المسائل على وجهها وينقل أحكامها بعد استتمام تصويرها جليها وخفيها. قال ولا تجوز الفتوى لغير هؤلاء الأصناف الخمسة كما قطع به أبو المع إلى في الأصولي الماهر المتصرف في الفقه أنه يجب عليه الاستفتاء. قال أبو عمرو وكذلك المتصرف النظار البحاث في الفقه من أئمة الخلاف ثم ذكر مسألة تقليد المقلد وفتياه كما كتبتها قبل قال فأما المتفقه القاصر الذي قرأ كتابا من كتب المذهب أو أكثر ولم يتصف بصفة أحد من المفتين المذكورين فإن كان العامي يجد السبيل إلى استفتاء1 مفت في غير بلده فعليه التوصل إليه   1 في ا "استفتائه". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 549 بحسب إمكانه على أن بعض أصحابنا ذكر أن البلدة إذا شغرت1 عن المفتين لم يحل المقام بها فإن تعذر عليه ذكر مسألته للقاصر المذكور فإن وجد مسألته بعينها مسطورة في كتاب موثوق بصحته وهو ممن يقبل خبره نقل له حكمها بنصه وكان العامي في ذلك مقلدا لصاحب المذهب. قال وهذا وجدته في ضمن كلام بعضهم والدليل يعضده ثم لا يعد هذا القاصر من المفتين. وإن لم يجد مسألته بعينها مسطورة بنصها فلا سبيل له إلى القول فيها قياسا على ما عنده من المسطور وإن اعتقده من المسطور وإن اعتقده من قبيل قياس لا فارق لأن القاصر معرض لأن يعتقد ما ليس من هذا القبيل داخلا في هذا القبيل. فإن لم يجد صاحب الواقعة مفتيا ولا ناقلا في بلده ولا غيره فهي مسألة فترة الشريعة فهي كما قبل ورود الشرع والصحيح أن لا حكم لها فلا يؤاخذ بشيء واستدل عليه بحديث حذيفة رضى الله عنه. [شيخنا] فصل: في أدب العالم قال سعيد بن يعقوب كتب إلى أحمد بن حنبل بسم الله الرحمن الرحيم من أحمد بن محمد إلى سعيد بن يعقوب أما بعد فإن الدنيا داء والسلطان داء والعالم طبيب فإن رأيت الطبيب يجر الداء إلى نفسه فأحذره والسلام عليك فيه التحذير من استفتاء من يرغب في المال والشرف من العلماء. وقد كتب في الفقه هل يشترط في القاضي أن يكون زاهدا ورعا أو ورعا فقط أولا يشترط إلا العدالة فيه ثلاثة أوجه ومنع العلماء مما هو مباح لغيرهم نظير   1 شغرت – بالغين المعجمة – خلت. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 550 كراهته لهم ترك قيام الليل وهذا فيما لا يحتاج إليه من مال وشرف وما ذكر عنه وعن ابن المبارك يوافق ذلك فإنه أخبر أن العالم الصادق هو الزاهد ومثل ذلك عن الحسن البصري وروى ابن بطة عن جعفر بن محمد عن أبيه مرفوعا قال: "العلماء ورثة الأنبياء وأمناء الرسل ما لم يدخلوا في الدنيا" قالوا: يا رسول الله وما دخولهم في الدنيا قال: "إتباعهم السلطان وحبهم الأغنياء فإن فعلوا ذلك فاحذروهم على دمائكم فإن الله يبطل حسناتهم". [شيخنا] فصل:1 الخلاف في فرض المسئول في الجواب والدليل مذكور في كتب الجدل والذي ذكره ابن عقيل في الجدل الكلامي أن الجواب إذا لم يكن مطابقا للسؤال بأن كان أعم منه أو أخص كما لو سئل عن المطبوخ فقال أنا أحرم كل مسكر أو أحرم مطبوخ التمر لم يأت بجواب مطابق لأنه معدول عن المطلوب في السؤال قال وإنما ضربنا لك الأمثلة لأن قوما يجيبون بمثلها ويعدونها أجوبة وكذلك فيما إذا سئل عن المذهب فذكر الدليل عليه فليس بجواب محقق كما لا يخلط السؤال عن المذهب بالسؤال عن دليله وهذا إذا قال مذهبي كذا بدلالة كذا فأما إن قال والدليل على ذلك كذا كان قد أتى بجواب محدد إلا أنه أتى بأخبار عما لم يسأل عنه [قال والإتباع بجواب ما لم يسأل عنه كالخلط] . [قلت الصحيح خلاف هذا وعليه عمل أكثر المجادلين2] . [شيخنا] فصل: وحصر ابن عقيل الأسئلة في أربعة كما فعله الكيا في جدله متبعا لمن ذكره من متكلمي المعتزلة وغيرهم.   1 هذا الفصل وقع في أبعد الفصل الذي ذكر فيه آداب العامي مع المفتي. 2 ساقط من ا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 551 أحدها السؤال عن المذهب. والثاني السؤال عن الدليل. ولا اعتراض في ذلك. والثالث السؤال عن وجه دلالة الدليل. والرابع المطالبة بإجراء العلة في معلولها قلت: وهذا عند التحقيق يرجع إلى سؤ إلى الممانعة والمعارضة فهذا ضبط لطريقهم والسؤالان الثانيان عند ابن عقيل ليسا باستفهامين بخلاف الأولين وعند الكيا الجميع استفهام والخلاف في ذلك قريب لأنه استفهام مقصودة الإبطال لا استفهام مجرد. ثم قال ابن عقيل إنما اعتبرنا ما اعتبرناه من الشروط لغير سؤال الاستفادة والاسترشاد فإنه لا يعتبر لهما شروط من الشروط المذكورة لسؤال الجدل. [شيخنا] فصل: ذكر ابن عقيل وابن المنى والمراغى وجمهور أهل الجدل أنه لا يطالبه بطرد الدليل إلا بعد تسليم ما ادعاه من دلالة البرهان فلا ينقض دليلة حتى يسلم وإلا فإنه يجب تقديم المنع. قال والتسليم إذا لم يقع بحجة فإنما يقع بترك مسألة لازمة تجاوزها إلى ما بعدها إما لمساهلة في النظر وإما لضرب من التدبر على الخصم وإما للعجز والجهل ثم هؤلاء الجدليون المتأخرون لا يقبلون المنع بعد التسليم قالوا: لأنه كالرجوع عن الإقرار. وكذلك ذكر القاضي وغيره أنه إذا منع ثبوت وصف العلة بعد النقض لم يقبل لأن النقض اعتراف بوجود العلة وهى مذكورة في أصل الكتاب وهذا ضعيف لوجهين أحدهما أن السكوت لا يدل على التسليم والإقرار كما الجزء: 1 ¦ الصفحة: 552 لو اشترى منه شيئا فإنه لا يقتضى أنه مقر له بالملك أكثر ما فيه أنه أخر السؤال وتركه وفرق بين عدم منعه وبين تسليمه وليس كل من لم ينف أو يمنع يكون موافقا الثاني أنه لو اعترف صريحا بصحة مقدمة لجاز رجوعه عنها بل وجب إذا تبين له الحق في خلافها وهذا ليس كالإقرار بحقوق الآدميين فإنه لو أقر بحق الله لجاز رجوعه عنه فكيف بالأقوال الاعتقادية التي يجب فيها اعتقاد الحق فهو كرجوع المفتى عما تبين له خطؤه ورجوع الحاكم والشاهد والمحدث عما تبين له خطؤه كذلك رجوع المناظر سواء وليس هذا عيبا عليه في عقله ولا دينه لأن الرجوع إلى الحق خير من التمادى في الباطل كرجوع الباقين وهذا بناء منهم على البناء بمقدمة مسلمة وإن لم يكن معلومة لكن فرق بين دوام التسليم والإقرار وبين الرجوع عنه وقد اعترفوا بالفرق بين أسئلة الجدل وأسئلة الاسترشاد ومن هنا تخبط وإلا فلا ينبني الجدل إلا على وجه الإرشاد والاسترشاد دون الغلبة والاستذلال وإنما لأهل الجدل والأصول في الجدل العلمي من الحيل والاصطلاح الفاسد أوضاع كثيرة كما أن للفقهاء والحكام في الجدل الحكمي نحو ذلك والواجب رد جميع أبواب الجدل والمخاصمة في العلم وفي الحقوق إلى ما دل عليه الكتاب والسنة. [شيخنا] فصل: في التقليد وهو قبول المقلد بغير حجة فيلزم المقلد ما كان في ذلك القول من خير وشر وعلى هذا لا يسمى متبع الرسول ولا الإجماع مقلدا لقيام الدلالة على أنه حجة. وقال أبو الخطاب أيضا ما سمعه من الرسول لا يسمى تقليدا بل هو الحجة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 553 الواضحة في الشرع لأنه إن كان بوحي فهو مقطوع بصحته وإن كان عن رأى فهو مقطوع بصحته أيضا لأنه لا يخطئ فيما يشرعه ومن يجوز الخطأ عليه يقول لا يقر عليه فإن أقره على ما كان أفتاه فهو مقطوع عليه. قال وأما الصحابي فلا يجوز للعالم تقليده في إحدى الروايتين وهو الاقوى عندي ومن سلم قال إن قول الصحابي حجة في الشرع بخلاف المفتى من غير الصحابة بدليل أنه يجب على العالم ترك اجتهاده والأخذ بقول الرسول أو بقول الصحابي عند من جعله حجة ولا يجب عليه تقليد غيره. [شيخنا] فصل: لا ينبغي للعامي أن يطالب المفتى بالحجة فيما أفتاه ولا يقول له لم ولا كيف فإن أحب أن تسكن نفسه بسماع الحجة في ذلك سأل عنها في مجلس آخر أو فيه بعد قبوله الفتوى مجردة عن الحجة وذكر السمعاني أنه لا يمنع من أن يطالب المفتى بالدليل لأجل احتياطه لنفسه وأنه يلزمه أن يذكر له الدليل إن كان مقطوعا به وإلا فلا لافتقاره حينئذ إلى اجتهاد يقصر العامي عنه وينبغي له أن يحفظ الأدب مع المفتى ويجله في خطابه وسؤاله ونحو ذلك ولا يومئ بيده في وجهه ولا يقول له ما تحفظ في كذا ولا ما مذهب إمامك في كذا ولا يقول إذا استفتى في رقعة إن كان جوابك موافقا لمن أجاب فيها فاكتب وإلا فلا تكتب ولا يقول له إذا أجابه هكذا قلت: أنا ولا هكذا وقع لي ولا يقول له أفتاني فلان أو أفتاني غيرك بكذا وكذا ولا يسأله وهو قائم أو مستوفز أو على حال ضجر أو هم أو غير ذلك مما يشغل قلبه ويبدأ بالأسن الأعلم من المفتين وبالأولى فالأولى وقال أبو القاسم الصيمرى إذا أراد جمع الجوابات في رقعة قدم الأسن الأعلم وإن أراد إفرادها فلا يب إلى بأيهم بدأ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 554 [شيخنا] فصل:1 لا يشترط في المفتى الحرية والذكورية كالراوي. قال ابن الصلاح وينبغي أن يكون كالراوي [2لا تؤثر فيه القرابة والعداوة وجر النفع ودفع الضرر2] وذكر عن الماوردى أن المفتى إذا نابذ في فتواه شخصا معينا صار خصما معاندا ترد فتواه على من عاداه كما ترد شهادته ولا بأس أن يكون المفتى أعمى أو أخرس مفهوم الإشارة أو كاتبا ولا تصح فتيا فاسق غير أنه يعمل فيما يقع له باجتهاد نفسه وتقبل فتيا المستور الحال في الأظهر ولا فرق بين القاضي وغيره في الفتيا وعن ابن المنذر أنه كره للقضاة أن يفتوا في مسائل الأحكام دون ما لا مجرى للقضاء فيه كالطهارة والعبادات وقال ابن سريج أنا أقضى ولا أفتى وعن أبى حامد الاسفرائينى أن الحاكم له أن يفتى في العبادات وما لا يتعلق بالأحكام فأما فتياه في الأحكام فلأصحابنا فيها جوابان أحدهما له ذلك والثاني ليس له ذلك.   1 تقدم هذا الفصل في اوحدها إلى ما قبل فصل وليس له أن يفتي في كل حال يغير خلقه – إلخ". انظر ص "545". 2 في مكان هذا الكلام بياض في ا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 555 مسائل العلم وأقسامه وما يتعلق بذلك فصل: في حد العلم ذكر فيه القاضي في أول كتابه حدودا زيف أكثرها وكذا أبو الطيب وابن عقيل وغيرهما 1 [وذكر أبو الطيب فيه حدا زائفا ولابن عقيل فيه كلام شاف وزيف أكثر الحدود بل جميعها وحده القاضي أبو يعلى في الكفاية بمعنى حد المعتزلة فلينظر] 1.   1 ما بين هذين المعقوفين ساقط من د. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 555 مسالة العقل ضرب من العلوم الضرورية وهو مثل العلم باستحالة اجتماع الضدين ونقصان الواحد عن الاثنين ونحوه قاله أبو الطيب والقاضي وقال أبو الحسن التميمي العقل ليس بحسم ولا صورة ولا جوهر وإنما هو نور فهو كالعلم وحكى أبو الطيب عن أبى الحسن علي بن حمزة الطبري قال العقل نور وبصيرة في القلب منزلته من القلب كمنزلة البصر من العين وقال الماوردي قال آخرون والصحيح أن العقل هو العلم بالمدركات الضرورية وقد حكى عن آخرين أنهم قالوا: العقل هو المدرك للأشياء على ما هي عليه وزيف ذلك بأن المدرك هو العاقل لا العقل وجعل الماوردي أن الاختلاف في محله هل هو القلب أو الرأس مفرع على زعم من زعم أنه جوهر لطيف يفصل به بين حقائق المعلومات وقال كل من نفي أن يكون العقل جوهرا أثبت أن محله القلب لأن القلب محل العلوم كلها وقسم العقل إلى قسمين غريزي ومكتسب وجعل الأول واحدا لا يزيد ولا ينقص والثاني هو الذي يزيد وينقص [فليس له حد] 1 قال القاضي وقال أبو محمد البربهاوى ليس العقل باكتساب وإنما هو فضل من الله قال وقال بعضهم قوة يفصل بها حقائق المعلومات. قال والد شيخنا ونقل إبراهيم الحربي عن أحمد أنه قال العقل غريزة والحكمة فطنة. قال شيخنا ذكره أبو الحسن التميمي عن محمد بن أحمد بن مخزوم عن إبراهيم الحربي عن أحمد أنه قال العقل غريزة والحكمة فطنة والعلم سماع والرغبة في الدنيا هوى والزهد فيها عفاف قال القاضي ومعنى قوله غريزة أنه خلقه الله ابتداء وليس باكتساب العبد ترتيب جيد لكن الغرائز في القوى وقال ابن فورك هو العلم الذي يمتنع به من فعل القبيح قال ومعنى ذلك كله متقارب وما ذكرناه   1 ساقط من د. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 556 أولى وهو قول الجمهور من المتكلمين خلافا لما حكى عن الفلاسفة أنه اكتساب وقال قوم هو عرض مخالف لسائر العلوم والأعراض [قال الجويني] 1 وقال الحارث المحاسبى العقل غريزة يتأتى بها درك العلوم وليس منها ثم قال والقدر الذي يحتمله كتابنا أن العقل صفة إذا ثبتت يتأتى بها التوصل إلى العلوم النظرية وإلى مقدمتها من الضروريات التي هي مستند النظريات ثم قال ولا ينبغي أن يعتقد الناظر أن هذا مبلغ علمنا في حقيقة العقل ولكن هذا الموضع لا يحتمل أكثر منه وقال قوم هو مادة وطبيعة وقال آخرون هو جوهر بسيط. قلت قال ابن الباقلانى بالأول وأنه من العلوم الضرورية وأنه علوم بجواز الجائزات واستحالة المستحيلات واحتج بأنه لا يتصف بالعقل 2 [خال عن العلوم كلها وليس من النظر لأن النظر لا بد أن يسبقه العقل] 2 كالجزء في الضرورية وأبطل الجويني كلامه بأن الإنسان يذهل عن الفكر في الجواز3 والاستحالة وهو عاقل بعد ما ورد4 عليه أولا بأنه لا يمتنع كون العقل مشروط بعلوم وإن لم يكن منها وهذا سبيل كل شرط مشروط [وقد أشار إلى هذا أبو الفرج بن الجوزي في منهاج القاصدين"] 1. [شيخنا] فصل: قال المخالف العقل من العلوم الضرورية وذلك لا يختلف في حق كل عاقل فقال القاضي والجواب أن تلك العلوم لم يختلف ما تدرك به من النظر والشم والذوق فلهذا لم تختلف هي في أنفسها وليس كذلك العقل لأنه يختلف   1 ساقط من د. 2 ساقط من ا. 3 في ا "عن الكثير في الجواب". 4 في د "بعد ما ورد عليه". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 557 ما يدرك به [1وهو التمييز والفكر فيقل في حق بعضهم ويكثر في حق بعض فلهذا اختلف] 1. قلت هذا تسليم منه بأن العلوم الضرورية المدركة بالحواس لا تختلف ولا يختلف الإحساس بها ودعوى أن العلوم الضرورية التي يسبقها فكر تختلف وهذا يلزم منه أن العلم الحسي ليس من العقل وإحالته على الفكر قد تخالف ما اختاره من أنه ضروري مخلوق لله ابتداء. قلت ولنا في المعرفة الإيمانية الحاصلة في القلب هل تزيد وتنقص روايتان فإن قيل ان النظري لا يختلف فالضروري أولى والبربهارى كلامه يقتضى أن العقل هو القوة المدركة كما دل عليه كلام الإمام أحمد وليس هو نفس الإدراك وهذه المسألة من جنس مسألة الإيمان والوجوب والأصوب أن القوى التي هي الإحساسات وسائر العلوم والقوى تختلف والله أعلم. [والد شيخنا] فصل: الصحيح أن العقل لا يمكن إحاطته برسم واحد لكن المختار أن العقل يقع الاستعمال على أربعة معان إما بالاشتراك أو على أقل الاشتراك ثم بعضها يطلق على ما تتم به الأربعة بالتواطؤ أو على بعضها مجازا. الأول ضروري وهو الذين عنى به الجمهور من أصحابنا وغيرهم أنه بعض العلوم الضرورية لكنهم لم يجمعوا العقل بل ذكروا بعضه. الثاني أنه غريزة تقذف في القلب وهو معنى رسم المحاسبي والإمام أحمد فيما حكاه عنه الحربي وهذا هو الذي يستعد به الإنسان لقبول العلوم النظرية   1 ساقط من ا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 558 وتدبر الأمور الخفية وهذا المعنى هو محل الفكر وأصله وهو في القلب كالنور وضوؤه مشرق إلى الدماغ ويكون ضعيفا في مبتدأ العمر فلا يزال يربى حتى تتم الأربعون ثم ينتهي نماؤه فمن الناس من يكثر النور في قلبه ومنهم من يقل وبهذا كان بعض الناس بليدا وبعضهم ذكيا بحسب ذلك. الثالث ما به ينظر صاحبه في العواقب وبه تقع الشهوات الداعية إلى اللذات العاجلة المتعقبة للندامة وهذا هو النهاية في العقل وهو المراد بقوله إذا تقرب الناس بأبواب البر فتقرب أنت بعقلك. الرابع شيء يستفاد من التجارب يسمى عقلا. [والد شيخنا] فصل: قال فرع إذا ظهر هذا فلا يشك في وجود الزيادة والنقصان في الأقسام الثلاثة الأخر وامتناعه في الأول فصح قول أصحابنا يكون عقل أكمل من عقل في الجملة لأن جملة العقل تقبل الزيادة والنقصان أما جريانه1 فغير لازمة لأن النتيجة إذا توقفت على مقدمة ضعيفة صح وصفها بالضعف وإن كان باقي المقدمات قطعيا وهذا كما قال بعض أصحابنا الإيمان غير مخلوق وعنى جملة الإيمان غير مخلوق ولا يلزم أن تكون جملة الإيمان قديمة لأن ثم ثالثا وهو التبعيض بعضه قديم وبعضه محدث.   1 في ا "أما جزئياته فغير لازم". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 559 مسألة محل العقل القلب قاله أبو الحسن التميمي والقاضي قال أبو الحسن لذي نقول به أن العقل في القلب يعلو نوره إلى الدماغ فيفيض منه إلى الحواس ما جرى في العقل ومن الناس من قال هو في الدماغ قال أبو الطيب وهو قول قوم من أصحاب أبى حنيفة وقد نص عليه أحمد فيما ذكره الجزء: 1 ¦ الصفحة: 559 أبو حفص بن شاهين بإسناده عن الفضل بن زياد وقد سأله رجل عن العقل اين منتهاه من البدن فقال سمعت أحمد بن حنبل يقول العقل في الرأس أما سمعت إلى قولهم: "وافر الدماغ والعقل" ونصر القاضي الأول وكذا سائر أصحابنا مثل ابن البنا وابن عقيل. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 560 مسألة قال أصحابنا يصح أن يكون عقل أكمل من وأرجح ذكره أبو محمد البربهارى وأبو الحسن التميمي والقاضي. قال شيخنا قال أبو محمد في شرح السنة العقل مولود أعطى كل إنسان من العقل ما أراد الله يتفاوتون في العقول مثل الذرة في السموات ويطالب كل إنسان على قدر ما أعطاه من العقل. قال والد شيخنا وذهب أبو الخطاب وابن عقيل إلى أنه لا يجوز أن يكون عقل أرجح من عقل وهذا مذهب المعتزلة فيما حكاه القاضي والأشعرية قالت الأشعرية وأما قولهم عقل فلان أرجح من عقل فلان فإنما هو من التجارب وقد تسمى التجارب عقلا وهذا فاسد. قال شيخنا وهذا الثاني حكاه القاضي عن المتكلمين من الأشعرية والمعتزلة وكان قد حكاه أولا عن ابن الباقلاني. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 560 مسألة قد اتفق العقلاء على إثبات أصل العلوم إلا من لا مبالاة بهم وهم السوفسطائية وهم في ذلك أربع فرق1. فرقة غلت وقالت نعلم أن لا علم أصلا وجحدوا الضروري والنظري وقالت فرقة لم يثبت عندنا علم بمعلوم فلا نعلم انتفاء العلوم. وقالت فرقة لا ننكر العلوم لكن ليس لنا من القوة البشرية الاحتواء2 عليها لأن الذين يحاولونها لا يستقرون على حال.   1 المشهور أنهم ثلاص فرق. 2 في ا "إلا حنوا عليها". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 560 وقالت الفرقة الرابعة بأن العقول المصممة كلها علوم فمعتقد قدم العالم على علمه ومعتقد حدوث العالم على علمه ومنكر العقود باختلاف ذوى الحواس والصحيح يدرك ماء الفرات عذبا ويدركه من هاجت عليه المرة الصفراء مرا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 561 مسألة ولا تنحصر مدارك العلوم في المحسوسات خلافا لطائفة من الأوائل وحكي عن السمنية أنهم ضموا إلى الحواس أخبار التواتر وأنكروا ما عداهما. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 561 مسألة ومدارك العلوم تنقسم إلى ضروري ونظري فالضروريات التي تبنى مبادئ فكر العقلاء عليها والنظريات العقليات والسمعيات على ما سيأتي تفصيله فالضروريات تقع بقدرة الله تعالى غير مقدورة للعباد والنظريات عند الأكثرين مقدورة بالقدرة الحادثة وقال الجويني والمرتضى ان كل العلوم ضرورية. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 561 مسألة: النظر لا يولد العلوم عندنا وبه قالت الأشعرية وقالت المعتزلة يولده ثم اتفقوا على أنها ليست مباشرة بالقدرة وإن النظر يستعقبها استعقابا لا دوام له فزعموا أن النظر يولدها توليد الأسباب مسبباتها. [والد شيخنا] فصل:1 والعلم ينقسم إلى قديم ومحدث فالقديم علم الله والمحدث ما وراءه.   1 في ا "مسألة" مكان "فصل". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 561 مسائل اللغات مسألة الأسماء الشرعية كالصلاة والزكاة والحج والتيمم ونحو ذلك على أصلها1 في اللغة لم تخرج بل ضمت الشرعية إليها شروطا وقيودا اختاره القاضي   1 في د "منقول عن أصلها في اللغة". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 561 [في كتبه الثلاثة] 1 وبه قال ابن الباقلاني وجماعة من المتكلمين والأشعرية وقالت المعتزلة وأكثر الحنفية فيما ذكره أبو الخطاب وأكثر الفقهاء فيما ذكره ابن برهان ولفظه الفقهاء قاطبة هي منقولة ومعدول بها عن موجبها اللغوي قال القاضي وهذا قول فاسد لأنه يلزم أن يكون مخاطبا لهم بغير لغتهم وقال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ} 2 وقال: {بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ} 3. قلت وهذا من القاضي [ههنا] ينافي قوله في كونها مجملة على ما ذكره في موضع آخر واختاره ابن حامد والحلواني وأبو الخطاب وابن عقيل قال والد شيخنا وخرجها ابن عقيل على وجهين وحكى الجويني عن ابن الباقلانى أنها على أصلها لم تنقل ولم يزد فيها ورد عليه ذلك واختار هو في ذلك تفصيلا ذكره. قال شيخنا وحقيقة مذهب ابن الباقلانى أن الصلاة ليست اسما للأركان وإنما هي اسم لمجرد الدعاء لكن قيل لنا في الشريعة ضموا إلى دعائكم كذا وكذا وادعوا على حال دون حال والصوم الإمساك كأنه قيل لنا أمسكوا من وقت إلى وقت وضموا إلى الإمساك النية وغيرها فالقيود واجبة في الحكم غير داخلة في الاسم وهذا خطأ قطعا.   1 ساقط من د. 2 من الآية "4" من سورة ابراهيم. 3 من الآية "195" من سورة الشعراء. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 562 مسألة أسماء الأشياء تثبت كلها توقيفا من الله تعالى لآدم وتعليما له إما بتولي خطابه أو بالوحي إليه هذا مذهب قوم واختاره المقدسي ولفظ القاضي قال قوم جميع أسماء الأشياء في كل لغة كالبيع والنكاح أخذ من جهة توقيف الله لآدم والتعليم له إما بتولي خطابه أو الوحي إليه على لسان من يتولى خطابه وإفهامه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 562 وقيل عرفت بالمواطأة والاصطلاح ولا يجوز أن يكون ثبت منها شيء توقيفا وبه قالت المعتزلة وقيل يجوز الأمران معا ويجوز كل واحد منهما ويجوز أن يوافق فيها اصطلاح توقيفا لآخرين ويجوز أن يخالف فيها اصطلاح قوم توقيفا لآخرين لم يعلموا به أو علموا ولم يحظر عليهم التواضع فيكون للشيء اسمان توقيفي واصطلاحي [1 وقطع ابن عقيل بأن بعضها توقيفي وبعضها اصطلاح1] وهذا اختيار القاضي قال وهو ظاهر كلام أبى بكر عبد العزيز وبه قال ابن الباقلاني والجويني وابن برهان وجماعة وقال أبو إسحاق الاسفرائيني وجماعة من أصحابه القدر الذي يدعو به غيره إلى التواضع ثبت توقيفا والبقية اصطلاحا. [شيخنا] فصل: قال القاضي ويجوز أن يسموا الأشياء بغير الأسماء التي وضعها الله علما لها إذا لم يحصل منه حظر لذلك فإن حظر ذلك لم يجز مخالفة الاسم ومتى لم يحظر ذلك كان للشيء اسمان أحدهما موقف من الله والآخر متواضع عليه وكذلك قال ابن الباقلاني وصاحبه. قلت الأسماء جائزة2 وذهب بعض أصحاب التوقيف إلى أنه لا يجوز وهو قول داود وأصحابه وذكر ابن خليد3. قال والد شيخنا مسألة اللغات هل هي توقيفية أو اصطلاحية مذكورة لابن عقيل في الكراس الخامس من الثاني من الأصل. [شيخنا] 4 فصل: ذهب الجمهور إلى أن الألفاظ دالة على المعاني بالوضع لا لذواتها وشذ عباد   1 ما بين هذين المعقوفين وقع في آخر شيء في المسألة فيتغير اختيار القاضي. 2 في ا "التسميات جائزة". 3 كذا في ا "د جميعا. 4 في ا "مسألة" مكان "فصل". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 563 ابن سليمان الصيمرى فزعم أن دلالتها لذواتها وهذا باطل باختلاف الاسم لاختلاف الطوائف مع اتحاد المسمى. فصل: العقود الشرعية التي لفظها لفظ الماضي هل هي اخبارات أو انشاءات فيه مذهبان والأول ظاهر كلام القاضي في مسألة الأمر بل صريحة. [والد شيخنا] فصل: اللغات تثبت بأخبار الآحاد عند الجمهور وحكى القاضي عن السمنانى في مسألة العموم أن اللغة لا تثبت بالآحاد وأظنه قول الواقفية في العموم وفي الأمر وهذه المسألة تشبه مسائل اصول الفقه هل تثبت بخبر الواحد. [شيخنا] فصل: قال القاضي ثم للفصل مع الترتيب فإن قال رأيت فلانا ثم فلانا اقتضى أن يكون الثاني متأخرا عن الأول في الرؤية ولهذا يحتج أصحابنا بقوله تعالى: {وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا} 1 إن ذلك للمهلة فيقتضى أن يكون العود العزم على الوطء.   1 من الآية "3" من سورة القصص. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 564 مسألة اللغة مشتملة على الحقيقة والمجاز في قول الكافة خلافا للاسفرائينى1 قال شيخنا حكى ابن الباقلانى عن بعض القدرية أن كل حقيقة فلا بد لها من مجاز وما لا مجاز له فلا حقيقة له2 وإن المجاز يكون بالنقل وبالزيادة والنقص وقيل لا يكون إلا بالنقل.   1 في ا "وشذ أبو إسحاق الإسفرائيني فقال: لا مجاز في اللغة". 2 في ا "وما لا مجاز له فلا يقال له حقيقة". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 564 [شيخنا] فصل: قال القاضي التخصيص يجرى مجرى الإضمار وكذلك ذكر الكيافي الإضمار هل هو من المجاز أو ليس منه فيه قولان كالقولين في العموم والخصوص فإن العموم المخصوص نقص المعنى عن اللفظ [والإضمار نقص اللفظ عن المعنى] 1 وليس فيهما استعمال اللفظ موضع آخر. فصل: قال أبو عبد الله بن حاتم في اللامع تلميذ ابن الباقلانى إذا كان اللفظ موضوعا حقيقة لشيء ومجازا لغيره ثم ورد هل يحمل على الحقيقة بمطلقه2 وبالقرينة على المجاز أم تتوقف الدلالة ولا يحمل على واحد منهما إلا بدليل فقد اختلف فيه أصحابنا فمنهم من قال يحمل على الحقيقة عند الإطلاق ومنهم من قال لا يصرف إلى واحد منهما إلا بدليل. [شيخنا] فصل: في الأسماء المتواطئة العامة والمشتركة والمجازية. زعم قوم من القدرية أن الاسمين إذا جريا على المسميين حقيقة كان كل ما استحقه أحدهما من الصفات استحقه الأخر وهذا غلط لأن الوضع الذي استحق كل واحد من المسميين ما يستحق صاحبه لم يكن لما ذكروه وزعم قوم من أهل العراق أن الاسم الواحد لا يقع على شيئين أو أشياء مختلفة متضادة الحقيقة وإنما تكون حقيقة في واحد مجازا في غيره ولعل هذا يوافق قول الناشئ من المعتزلة فإنه كان يقول الاسم إذا وقع على مسهيين فلا يخلو إما أن   1 ساقط من د. 2 في د "على الحقيقة المطلقة أو بالقرينة" تحريف. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 565 يكون لاشتباه ذاتيهما كالجوهرين أو لاشتباه [ما حملته1] ذاتهما كالأسود والأسود أو لأن الاسمين أضيفا إلى مضاف واحد كمعلوم ومعلوم محسوس يقع على أحدهما حقيقة وعلى الأخر مجازا وكان يزعم أن الله تعالى حي عالم قادر على الحقيقة والمخلوق موصوف بهذا على المجاز2 ومن المعتزلة من عكس ذلك.   1 كلمة "ما حملته" ليست في اوفي مكانها بياض. 2 في ا "وأن المخلوق الموصوف بهذا على المجاز. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 566 مسألة الحقائق اللغوية فيها ألفاظ مشتركة حقيقة عندنا وبه قالت الشافعية وقال ابن الباقلاني وجماعة من المتكلمين ليس في اللغة لفظ موضوع لحقيقتين على طريق البدل اللهم إلا أن يكون اللفظ موضوعا لمعنى وذلك المعنى يتناول اسمين على طريق التبع كاسم القرء موضوع للانتقال [ويسمى التواطىء] 1. فصل: إذا استعمل اللفظ في معنى ثم استعمل في غيره لعلاقة مشتركة فإما أن يقال كان موضوعا لما به الإشتراك فقط أو لما به الامتياز وامتياز الأول عن الثاني لم يستفد من نفس اللفظ المفرد فقط بل بقرينة تعريف أو إضافة ونحو ذلك فهذا يكون حقيقة فيهما كما قلنا في أسماء الله التي يسمى بها غيره وإما أن يقال بل كان موضوعا لما به الإشتراك والإمتياز أو لما به الإمتياز فقط كلفظ الأسد والحمار والبحر ونحو ذلك لكن إذا استعمل في الثاني فإما أن يكون بقرينة لفظية أو حالية فإن كان بقرينة لفظية فإما أن يكون للنوع أو للشخص فأما النوع فهذا كثير كما يقال إبرة الذراع وإبرة القرن ورأس الذكر ورأس المال ورأس الدرب ونحو ذلك فهذا قد قيل إنه مجاز والأصوب أنه حقيقة وهو وضع ثان لهذا المضاف لكن الموضوع هو الأول وغيره وإنما كان يدل   1 ساقط من د. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 566 على ذلك المعنى [بدون التركيب فإن وضع المركب صار وضعا جديدا لم يوضع قبل ذلك لمعنى] 1 أصلا وهذا نظير وضع المركبات النوعيات فإنه إذا كان التركيبات النوعية كالجملة الإسمية أو الفعلية والتوابع من الصفة والعطف والبدل توجب أن يكون الجميع موضوعا بطريق الحقيقة فوضع المركبات الشخصية أولى بذلك فإنه كوضع المفردات هذا كله فيما كان قد وضع في الأصل مفردا فأما ما لم يوضع إلا مضافا ثم استعمل مضافا إلى محل آخر فالواجب أن يقال هذان وضعان واللفظ المشترك يدل على المعنى المشترك وهذا هو القسم الفاصل بين المشترك والمتواطئ الذي يسمى المشتبه أو المتفق وهو أن يل اللفظ على ما به الإشتراك وما به الامتياز ويكون الامتياز إما بتعريف الإضافة أو اللام أو بالغلبة علما على النوع أو نوعا على الشخص ومن هذا الباب المضمرات والموصولات وأسماء الإشارات فإنها متواطئة من وجه ومشتركة من وجه وكل ما دل على قدر مشترك ثم دل على قدر مميز فهو من هذا الباب والمميز إما أن يكون لفظا أو قرينة معتبرة في الوضع. [شيخنا] 2 فصل: في الأسماء المشتقة3 هل هي حقيقة بعد انقضاء المعنى المشتق منه فيه أقوال قولان متقابلان أحدهما أنه بعد انقضاء المشتق منه مجاز وهو قول الحنفية في مسألة الخيار الثالث قول أبى الخطاب في مسألة خيار المجلس وهو الفرق بين ما يطول زمنه كالأكل والشرب وما يقصر زمنه كالبيع والشراء والضابط أن ما يعدم4 عقب وجود مسماه كالبيع والنكاح والاغتسال   1 ساقط من ا. 2 وقع في اوحدها في هذا الموضع الفصول والمسائل والواردة في هذه المطبوعة من ص "164" إلى ص "174" وقد نبهنا في أوله وآخره هناك إلى أنه سقط من ا. 3 هكذا في اوهو الصواب ووقع في د "المشتركة". 4 في ا "ما بعد عقيب مسماه". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 567 والتوضؤ فإن الاسم يقع عليه بعد ذلك حقيقة وما يدوم بعد وجود المسمى كالقيام والقعود فإن عدم المسمى جميعه كان الاسم مجازا الرابع قول أبى الطيب حكاه القاضي عنه في خيار المجلس والخامس من مسائل المجالس أنه يسمى عقيب الفعل زانيا وبائعا وآكلا وشاربا [ف1إن تطاول الزمان سمى مجازا فعنده أن الأسماء حقيقة عقيب وجود المعنى المشتق منه بخلاف ما إذا طال الزمان. [شيخنا] فصل: قال فأما حال الشروع في الفعل قبل وجود ما يتناوله مطلق الاسم المشتق منه كحين الإيجاب والقبول بالنسبة إلى المتبايعين والأكل حين أخذ اللقمة قبل وجود مسمى الأكل فقال أبو الطيب لا يمسى فاعلا إلا مجازا وإنما يمسى حقيقة بعد وجود ما يسمى زنا وأكلا وبيعا فعنده حين تشاغلهما بالتواجب لا يسميان متبايعين وكذلك قال القاضي المتبايع اسم مشتق من فعل فلا يطلق اسم الفاعل إلا بعد وجود الفعل كالآكل والشارب فصار حقيقة الاسم بعد وجود الفعل منهما ولهما الخيار وقال أيضا حال التشاغل بالبيع لا يسميان متبايعين لأن في اللغة من لم يوجد منه الفعل لا يسمى فاعلا كالآكل والشارب وقال بعض الحنفية الاسم إنما هو حقيقة لهما حال التواجب فقط قال القاضي في مسألة الإجماع ولان من يقع عليه اسم المؤمن حقيقة هم الموجودون في العصر لأن من لم يخلق لا يسمى مؤمنا ومن خلق ومات لا يسمى مؤمنا حقيقة وإنما كان مؤمنا. قلت فقد صرح هنا بأن إطلاق الاسم بعد انقضاء الصفة ليس بحقيقة ومع أن الذي ذكره في اسم المؤمن غلط لأن الإيمان لا يفارقه بالموت بل هو مؤمن بعد موته وهذه هي مسألة النبوة لا تزول بالموت وبسببها جرت المحنة على الأشعرية   1 من هنا إلى أثناء الفصل الآتي سقط من افاختلط الفصلان واضطرب الكلام. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 568 في زمن ملك خراسان ابن سبكتكين والقاضي وسائر أهل السنة أنكروا عليهم هذا حتى صنف البيهقي حياة الأنبياء صلوات الله عليهم في قبورهم ولأن الآية دلت على وجوب اتباع الماضين لا تردد فإن العصر الثاني محجوجون بالعصر الأول وإن كانوا قد ماتوا. [شيخنا] فصل: في المضاف بعد زوال موجب الإضافة1 كقوله تعالى: {وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيَارَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ} وقوله: {وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ} وقوله: "أيما رجل وجد ماله عند رجل قد أفلس فصاحب المتاع أحق بمتاعه" قال بعض الحنيفة صاحب المتاع [هو المشترى قال القاضي وغيره معناه الذي كان صاحب المتاع] 2 وهذا مجاز مستعمل يجرى مجرى الحقيقة وقد قال تعالى: {وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيَارَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ} 3 معناه التي كانت أرضهم وقال: {وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ} 4 وإنما كن أزواجا ومنه قولهم درب فلان وقطيعة فلان ونهر فلان. قلت الصواب أن هذه حقيقة لأن الإضافة يكفي فيها أدنى ملابسة لكن قد يكون عند الإطلاق له معنى وعند الاقتران بلفظ آخر له معنى فيرجع إلى أن القرينة اللفظية الدالة بالوضع هل يكون ما اقترن بها دالا بالحقيقة أو بالمجاز فالصواب المقطوع به أنه حقيقة وإن كان قد قال طائفة من أصحابنا وغيرهم انه مجاز.   1 في ا "فصل من جنس المشتق من معنى بعد زواله" وهو الضاف بعد زوال موجب الإضافة". 2 ساقط من د. 3 من الآية "27" من سورة الأحزاب. 4 من الآية "12" من سورة النساء. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 569 [شيخنا] فصل: فأما إطلاق الاسم المشتق قبل وجود المعنى فذكر بعضهم أنه مجاز بالإجماع وهذا غلط بل هو نوعان: أحدهما أن يراد به الصفة دون الفعل كقولهم سيف قطوع وماء مرو وخبز مشبع فقيل هذا مجاز قال القاضي بل هو حقيقة لأن المجاز ما يصح نفيه كأب الأب يسمى أبا مجازا لأنه يصح نفيه فيقال ليس بأب وإنما هو جد ومعلوم أنه لا يصح أن ينفي عن السيف الذي يقطع فيقال إنه ليس بقطوع ولا عن الخبز الكثير إلى يشبع أو الماء الكثير انه غير مشبع أو مرو فعلم أن ذلك حقيقة. الثاني أن يراد الفعل الذي يتحقق وجوده في المستقبل وهو نوعان أحدهما أن لا يتغير الفاعل يفعله كأفعال الله تعالى فهو عند أصحابنا وجمهور أهل السنة أنه سبحانه وتعالى إلى موصوف في الأزل بالخالق والرازق حقيقة قال الإمام أحمد رحمه الله لم يزل الله عز وجل متكلما غفورا رحيما الثاني أن يتغير. فصل: في حدود ألفاظ مشهورة فصل: الحد هو الجامع المانع يجمع جزئيات المحدود ويمنع من دخول غيرها فيها ولابن عقيل كلام في الجزء الرابع والخامس في حدود كثير من الألفاظ مثل التخصيص والعموم والأمر والنهى والكلام وأقسامه والوعد والوعيد وغير ذلك1.   1 في اهنا زيادة هذا نصها "وتسمية الكتب المذكور فيها الحدود الواضح لابن عقيل في الحدود الخلافيات العدة للقاضي والتمهيد لأبي الخطاب والروضة للمقدسي جدل الفخر .......... = == إسماعيل الكفاية للقاضي البرهان الجويني كتاب ابن برهان كتاب أبي الطيب المحصول جدل المراغي وجميع كتب أصول الفقه وكتب الجدل وكل كتاب من هذه ومن غيرها فيه حدود كثيرة جدا". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 570 فصل: في حد التأويل تقدم في المجمل والمبين [شيخنا] فصل: في حد الخاص وهو اللفظ الدال على واحد بعينه بخلاف العام والمطلق ذكره الفخر إسماعيل في جنته. [شيخنا] فصل: معرفة أصول الفقه فرض كفاية وقيل فرض عين على من أراد الاجتهاد والحكم والفتوى وتقديم معرفته أولى عند ابن عقيل وغيره لبناء الفروع عليها وعند القاضي تقديم الفروع أولى لأنها الثمرة المرادة من الأصول فالفقيه حقيقة من له أهلية تامة يعرف بها الحكم إذا شاء بدليلة مع معرفة جملة كثيرة من الأحكام الفرعية وحضورها عنده بأدلتها الخاصة والعامة. [شيخنا] فصل: في أقسام أصول الفقه وأدلة الشرع على طريقة القاضي وهى ثلاثة أضرب أصل ومفهوم أصل واستصحاب. وقيل ضربان أقوال وهى النص والإجماع والاستخراج. والأول أصح لأنه أعم ولم يذكر قول الصاحب لأنه مختلف فيه. فأما الأصل فالكتاب والسنة والإجماع والكتاب مجمل ومفصل والسنة ضربان مأخوذة عنه ومخبر بها والمخبر به متكلم في سنده والسند له إما متواتر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 571 وإما آحاد والمبين ضربان قول أو فعل1. قلت وإمساك2 عن قول أو فعل إلا أن يقال الإمساك2 فعل فينقض بالإقرار والإجماع وأما مفهوم الأصل فثلاثة أضرب مفهوم الخطاب ودليلة ومعناه والاستصحاب نوعان ومن اصول الأحكام الهاتف الذي يعلم أنه حق مثل الذي سمعوه يأمرهم بغسل النبي صلى الله عليه وسلم في قميصه لكن هذا في التعيين والأفضل وكذلك استخارة الله كقول العباس رضى الله عنه في اللاحد والضارح اللهم خر لنبيك وهو بمنزلة القرعة وفعلهم بمنزلة فعله تكريما له وفعل الله تعالى كرمي قوم لوط بالحجارة. فصل: في حد البيان قال شيخنا قال القاضي هو إظهار المعنى وإيضاحه للمخاطب مفصلا مما يلتبس به ويشتبه به. وقال الصيرفي وأبو بكر عبد العزيز هو إخراج الشيء من الإشكال إلى التجلي. وقال أبو الحسن التميمي البيان عن الشيء يجرى مجرى الدلالة وبه قال قوم من المتكلمين. وقال الدقاق البيان العلم. فصل: ذكر القاضي وغيره حد البيان وأنواعه من المبتدأ والعموم والمجمل والظاهر والمتأول وغير ذلك وأقسام ما به البيان وهو الكتاب والسنة والإجماع والقياس.   1 في ا "والمبين على طريقين قول وفعل وإقرار على قول أو فعل". 2 في د "وامتثال" في لموضعين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 572 قال فالبيان من الله تعالى يقع بالقول وبالفعل والبيان من رسول الله صلى الله عليه وسلم بالقول والفعل والإشارة والدلالة والتنبيه كحديث المستحاضة والفأرة في السمن والإقرار. وذكر عن أبى بكر عبد العزيز أن البيان خمسة أقسام البيان المؤكد والبيان المجرد والمجمل وبيان الرسول صلى الله عليه وسلم والبيان المستنبط قلت: وهذا تقسيم الشافعي رضى الله عنه في الرسالة. قلت والبيان من الله عز وجل يحصل بالفعل كالآيات التي بعث بها الأنبياء صلوات الله عليهم وسلامه وكالعقوبات التي أنزلها بالمنذرين ويحصل بالإقرار كقول جابر رضى الله: "كنا نعزل والقرآن ينزل فلو كان شيئا ينهى عنه لنهانا عنه القرآن" والتحقيق أن يقال بيان الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم قسمان فعل وترك أما الترك فقد يدل على عدم التحريم تارة وعلى عدم الوجوب أو الاستحباب أخرى وهذا هو الإقرار على ما فعلوه والثاني الإمساك عن الأمر بالشيء أو فعله على تفصيل في هذا القسم وأما الفعل فإنزال الكتاب أو خطاب الرسول صلى الله عليه وسلم إلى تمام التقسيم فلا تغفل عن الدلالة العدمية فإنها أصل معتمد وهى غير استصحاب الحال. [شيخنا] فصل: ذكر القاضي أن المحكم قد يعبر به عما لم ينسخ فيقال هذا محكم وهذا منسوخ وقد يعبر به عن المفسر كما في الآية فإنه أراد بالمحكمات المفسرة المستفنية معانيها عن معرفة ما تفسر به. فصل: الدليل هو المرشد إلى المطلوب سواء أفاد العلم أو أظن وسواء كان موجودا أو معدوما قديما أو محدثا وحكي عن بعض المتكلمين أنه خص الدليل بما أوجب القطع فأما ما أفاد الظن فهو أمارة عندهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 573 قال والد شيخنا وهذا الثاني ظاهر كلام القاضي في الكفاية فيما يعلم به تخصيص العام لأنه قال فالدلالة هي الكتاب والسنة المقطوع بها والإجماع المقطوع به والإمارة خبر الواحد والقياس. فصل: والنص على المحكم القول الذي يفيد بنفسه ولو1 ظاهرا وهذا منقول عن الشافعي وإمامنا وأكثر الفقهاء وقوم يطلقونه على القطعي دون ما فيه احتمال وهذا هو الغالب على عرف المتكلمين. فصل: والظاهر هو لفظ معقول يبتدر إلى فهم البصير بجهة الفهم منه معنى مع تجويز غيره ممالا يبتدره الظن والفهم هذا حد الاسفرائينى وصوبه الجويني وزيف ما سواه. فصل: العموم ما عم شيئين فصاعدا قاله أبو الطيب والقاضي وهو مدخول من وجوه. قال والد شيخنا ومعظم أصحابنا وأكابر الشافعية قالوا به. وحده أبو الخطاب والرازى باللفظ المستغرق لجميع ما يصلح له بحسب وضع واحد وزاد الشريف المراغى في الحد الأول بعد فصاعدا مطلقا. وحده أبو زيد وأكابر الحنفية بما انتظم جمعا من المسميات لفظا أو معنى وفسروا قولهم لفظا بأسماء الجموع وقولهم معنى بما سوى ذلك من ألفاظ العموم.   1 في د "الذي يفيد نفيا أو ظاهرا" والحد المذكور ليس مانعا لأنه يشمل الظاهر والمشهور أنه ما يفيد بنفسه غير احتمال وقد بين ذلك في كلامه وهو اصطلاح آخر غير المشهور. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 574 وزيف الفخر إسماعيل الحد الأول والثالث بكلام شاف وارتضى بأنه اللفظ الدال على مسمياته [دلالة] لا تنحصر في عدد. [وحده أبو الخطاب بحد الرازي إلا أنه لم يقل فيه بحسب وضع واحد] . فصل: في حد العلم ذكر أبو الطيب عن أصحابه فيه حدودا منها لفظ اليقين والإدراك1 والثقة ثم ذكر حد المعتزلة بلفظ الاعتقاد وأبطله بأنه لا يدخل فيه العلم القديم وحده ابن الباقلاني والقاضي أبو يعلى وغيرهما بأنه معرفة المعلوم على ما هو به. وزيف الجويني أكثر الحدود واختار تمييزه ببحث وتقسيم من غير تحرير حد. قال والد شيخنا وذكر ابن عقيل في أول كتابه حدودا كثيرة وزيف معظمها أو أكثرها وأبطل الحد الثاني بالمعدوم فإنه علم وليس بشيء. [وحده القاضي في الكفاية بمعنى حد المعتزلة] . فصل: وحد الواجب الفعل المطلوب الذي يلازم تاركه شرعا وقيل ما يستحق العقاب على تركه شرعا وقيل ما توعد الله على تركه بالعقاب وزيفها الجويني وكان تزييفه للثاني بأن من عفا عنه ولم يعاقبه لتركه واجبا تبين أنه لم يكن معنيا بالتوعد وإلا كان خلفا وهو محال في حق الله تعالى ذكره بعد الكلام في النواهي. وزيفهما الرازي بذلك وذكر حدا آخر حرره وهو ما يخاف العقاب على تاركه وزيفه بالمشكوك في وجوبه فإنه يخاف على تاركه العقاب وليس بواجب.   1 في د "والإرادات". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 575 وزاد الرازي في الحد على بعض الوجوه ليدخل الواجب المخير لأنه يلام على تركه إذا ترك معه بدله والواجب الموسع لأنه يلام على تركه في جميع الأوقات والواجب على الكفاية لأنه يلام على تركه إذا تركه الجميع. قال فإن قيل هذا التحديد يدخل فيه السنة فإن الفقهاء قالوا: إن أهل المحلة إذا اتفقوا على تركها عوقبوا. فصل: وحد المحظور هو حد الأمر فإن قيل هناك تاركه قيل هاهنا فاعله وله أسماء كثيرة في المحصول. فصل: والمندوب الفعل المطلوب الذي لا يلام تاركه شرعا قال والد شيخنا وقيل هو الذي يكون فعله راجحا على تركه في نظر الشرع مع جواز تركه [وله أسماء] . فصل: كل ما كان طاعة لله ومأمورا به فهو عبادة عند أصحابنا والمالكية والشافعية وعند الحنفية العبادة ما كان من شرطها النية. فصل: الطاعة موافقة الأمر عندنا وبه قال الفقهاء والأشعرية وقالت المعتزلة هي موافقة الإرادة. فصل: وأما المكروه فقيل في حده ما اختلف في حظره وقيل ما خيف على الجزء: 1 ¦ الصفحة: 576 فاعله وكلاهما منتقض بمكروه اتفقوا عليه ولم يختلف في حظره وقيل ما نهى عنه قصدا ولم يحرم. [والد شيخنا] فصل: في حد المباح فيحتمل أن يكون الذي لا مزية لفعله على تركه ولا لتركه على فعله شرعا وقيل هو الذي أعلم فاعله أو دل على أنه ضرر في فعله وتركه ولا نفع فيه في الآخرة. قال شيخنا قال القاضي هو كل فعل مأذون فيه بلا ثواب ولا عقاب وفيه احتراز من فعل الصبيان والمجانين والبهائم. [شيخنا] فصل:1 الجائز ما وافق الشريعة وقد يريد به الفقهاء ما ليس بلازم. قلت هو من باب تخصيص اللفظ العام بأدنى تسمية كالحيوان بالدابة والممكن بالمبنى2. فصل: في حد القبيح قال شيخنا قال القاضي قد قيل الحسن ما له فعله والقبيح ما ليس له فعله قال وقيل المباح من الحسن وقيل الحسن ما مدح فاعله والقبيح عكسه وقال هذا القائل لا يوصف المباح بأنه حسن. [شيخنا] فصل: الحكم الشرعي إما أن يقع على نفس قول الشارع وخطابه أو على   1 سقط هذا الفصل من ا. 2 في د "والممكن والمبني" وكتب فوق كلمة "والمبني" كذا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 577 تكليفه بالأفعال أو على صفة للأفعال تثبت بالشرع أو على هيئة يكون الفعل عليها بإذن الشرع. قال بعض أصحابنا قد نص أحمد رحمه الله أن الحكم الشرعي خطاب الشرع وقوله وقد قال كل واحد من هذه الأقوال قوم من الناس وللاختلاف مقامان أحدهما مسألة التحسين والتقبيح والثاني كسب العباد. والله سبحانه وتع إلى أعلى وأعلم وأعز أكرم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 578 ورد في أخر النسخة المرموز لها بالحرف د ما صورته: كتب في آخر النسخة المنقولة عنها هذه ما نصه: آخر ما وجدنا من المسودة التي بخط الشيخ مجد الدين رحمه الله وبخط ابنه وبخط حفيده الشيخ تقي الدين رضى الله عنهم والحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم تسليما وحسبنا الله ونعم الوكيل. تم هذا الكتاب على يد الحقير حامد بن الشيخ أديب التقى الحسيني نسخا ومقابلة في المكتبة الظاهرية الكائنة بدمشق الشام حرسها الله وسائر بلاد المصلحين في أواخر شعبان سنة 1325هـ عفي عنهما وعمن دعا لهما. آمين آمين وورد في آخر النسخة المرموز لها بالحرف أما صورته: آخر الكتاب والحمد الله وحده وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا وحسبنا الله ونعم الوكيل وبه نستعين على أمورنا كلها ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم كمل على يد مالكه إلى ربه العزيز الغفور عثمان بن عبد العزيز بن منصور بن أحمد بن إبراهيم بن أحمد ابن محمد بن حسين الحسيني الناصري ثم العمروى التميمي النجدي الحنبلي يسأل من مولاه العفو والغفران وذلك في شهر ربيع الأول من سنة ألف ومئتين وخمس وخمسين من الهجرة النبوية على مهاجرها أفضل الصلاة وأزكى السلام. ويلي ذلك متصلا به ما يلي: في بلد المجمعة حال ارتحالنا فيها ارتحلنا في أول رجب من تلك السنة وارتحلنا منها إلى حوطة سدير في آخر ربيع الأخر وهذه مسودة آل تيمية رحمهم الله تعالى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 579