الكتاب: نهر الذهب في تاريخ حلب المؤلف: كامل بن حسين بن محمد بن مصطفى البالي الحلبي، الشهير بالغزي (المتوفى: 1351هـ) الناشر: دار القلم، حلب الطبعة: الثانية، 1419 هـ عدد الأجزاء: 3   [ترقيم الكتاب موافق للمطبوع] ---------- نهر الذهب فى تاريخ حلب كامِل الغَزِّي الكتاب: نهر الذهب في تاريخ حلب المؤلف: كامل بن حسين بن محمد بن مصطفى البالي الحلبي، الشهير بالغزي (المتوفى: 1351هـ) الناشر: دار القلم، حلب الطبعة: الثانية، 1419 هـ عدد الأجزاء: 3   [ترقيم الكتاب موافق للمطبوع] كامل بن حسين الشهير بالغزّي ولد كامل بن حسين بن محمد بن مصطفى البالي الحلبي الشهير بالغزّي في حلب سنة 1270 هـ / 1853 م أو قبلها بسنة في أقرب الروايات وتوفي فيها سنة 1351 هـ / 1933 م. نبت في بيت علم وشرف فقد كان أبوه الحسين من أشهر رجال الشام في الفقه والحديث والأدب، توطن حلب قادماً من غزة في منتصف القرن الثالث عشر للهجرة ولبث فيها مدرسا بالمدرسة السيافية في محلة الفرافرة. حرص ذووه على تعليمه وتثقيفه منذ بلغ سن الطلب فدفعوه إلى الكتّاب حيث أتم تلاوة القرآن الكريم، ثم سعى إلى الشيوخ في بلده فأخذ العلم عن الشيخ محمد الكحيل والشيخ مصطفى الكردي وغيرهما. ولم يكتف بما تلقاه عن أساتذته من علوم الدين، من فقه وحديث وتوحيد وفرائض وما يخدمها من علوم اللسان، بل أضاف إليها باجتهاده بعض العلوم الأخرى، مما لم تكن تتسع له مناهج الدرس في أيامه، ومن ذلك التاريخ الذي عمق معلوماته فيه استناداً إلى مؤلفات من سبقه من فحول المؤرخين كالطبري وابن الأثير وابن العديم وغيرهم. ولقد تقلّد عدداً من المناصب الرسمية في بلده. بلغ الغزي بعلمه وجدّه منزلة فريدة عند الحكام، وقد اشتهر منذ شبابه بسعة الثقافة، وحب المطالعة، وبذكاء واضح وعقل راجح، ونفس لا تعرف التعصب، ولا عجب في ذلك، فقد كان أصدقاؤه من مختلف الأديان. كما وعرف عنه أنه أولع باقتناء الكتب منذ صباه، فكان يطوف الأسواق والخزائن في المشرق والمغرب متحرياً النفيس من أصنامها. حتى اجتمعت له منها خزانة نفيسة عامرة عدها البعض أنها واحدة من أشهر خزائن حلب لوقته. هذا الاطلاع الواسع، وتلك الخزانة العامرة اللذان توفرا للغزي جعلاه يتمتع بثقافة موسوعية مكّنته من كتابة مؤلفات كثيرة. آثاره المطبوعة فمن آثاره المطبوعة: إتحاف الأخلاف في أحكام الأوقاف، نهر الذهب في تاريخ حلب وغيرها. آثاره المخطوطة ومن آثاره المخطوطة: ديوان شعر، الروضة الغناء في حقوق النساء وغيرها. علاوة على عشرات المقالات العلمية والتحقيقات اللغوية والتاريخية المبثوثة في كبريات الصحف العربية والسورية. [ الجزء الاول ] كلمة الناشر تتابع «دار القلم العربي» خطّتها التي انتهجتها لنفسها، وهي نشر التراث الحلبي الثمين، وتعريف الناس به، وتيسير وصوله إلى القراء عامة، والعلماء والباحثين خاصة، من مخطوطات قديمة، أو مطبوعات أصبحت نادرة الوجود. وها هي ذي تعيد طباعة كتاب «نهر الذهب في تاريخ حلب» بمجلداته الثلاثة، للمؤرخ العلامة كامل الغزي، بحلّة قشيبة، وتحقيق جديد قام به الدكتور شوقي شعث، والأستاذ محمود فاخوري، بعد أن قامت الدار بطباعة «إعلام النبلاء بتاريخ حلب الشهباء» بمجلداته السبعة للعلامة الطباخ. وكلا الكتابين متمم للآخر، وبهما معا تكتمل صورة حلب في مختلف جوانبها، ومع أن هذين الكتابين هما لرجلين صديقين ومتعاصرين، وأنهما طبعا أول مرة في وقت واحد تقريبا، فلن يغني أحدهما عن الآخر، لأن كلا من المؤلفين كان يعمل في كتابه مستقلا عن الآخر، وهنا تكمن الفائدة للباحث والدارس. وسوف تواصل دار القلم العربي خطواتها هذه في خدمة التاريخ والأدب والثقافة. والله من وراء القصد. حلب: 4 من ذي الحجة 1411 هـ 16/6/1991 م الناشر علاء الدين الرفاعي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 5 مقدمة حلب، و نهر الذهب «حلب مدينة عظيمة واسعة، كثيرة الخيرات، طيبة الهواء، صحيحة الأديم والماء ... وشاهدت من حلب وأعمالها ما استدللت به على أن الله تعالى خصّها بالبركة، وفضّلها على جميع البلاد.. وأما قلعتها فبها يضرب المثل في الحسن والحصانة.. وما زال فيها على قديم الزمان وحديثه أدباء وشعراء.. وقد أكثر الشعراء من ذكرها ووصفها والحنين إليها» . ذلك مجمل ما قاله ياقوت الحموي عن حلب في كتابه «معجم البلدان» ، وقد زارها وأقام فيها غير مرّة. وليس هو الوحيد الذي أشاد بهذه المدينة ونوّه بفضلها، فهناك أقوال كثيرة مماثلة للرحالة والجغرافيين العرب والغربيّين الذين زاروها، أو أقاموا فيها، وقد أجمعوا كافة على أن حلب من أقدم المدن العامرة في العالم، ولا تزال حتى اليوم زاخرة بالحياة، مزدهرة بالحضارة والعمران، بعد أن مرّت بأحقاب متلاحقة منذ القرن العشرين قبل الميلاد، وعرفت أمما شتّى تعاقبت عليها، كما عرفت الأمجاد التليدة، من جهة، والكوارث والزلازل من جهة أخرى، وهي بعد ملتقى الطرق التجارية الكبرى لقوافل الشرق والغرب، ثم إنها مدينة الآثار والأسوار، والأبراج والأبواب، وقد بقيت محافظة على تراثها الثمين، وكنوزها الأوابد، وجلال أبنيتها القديمة، وهذا ما جعل المؤرخين يهتمون بها، حتى إن ما ألّف فيها وحدها من كتب تاريخية يسترعي الانتباه بكثرته وتنوعه، منذ أن كتب حمدان الأثاربي (- 520 هـ) كتابه «القوت» في تاريخ حلب، حتى ألّف الغزي (- 1351 هـ- 1933 م) كتابه «نهر الذهب» ، وبينهما كتب كثيرة منها المطبوع، ومنها المفقود، ومنها الذي لا يزال مخطوطا. ونكتفي- فيما يلي- بذكر ما طبع حتى اليوم من تلك الكتب عن حلب: 1- تاريخ حلب: لمحمد بن علي العظيمي (- 556 هـ) . طبع في دمشق 1984 م بتحقيق إبراهيم زعرور. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 7 2- بغية الطلب في تاريخ حلب: لابن العديم (- 660 هـ) . طبع في دمشق في 11 مجلدا سنة 1408 هـ/ 1988 م بتحقيق: د. سهيل زكار. 3- زبدة الحلب في تاريخ حلب: لابن العديم أيضا. اختصر به كتابه السابق «بغية الطلب» ، وقد نشره المعهد الفرنسي بدمشق سنة 1951 م في ثلاثة أجزاء بتحقيق د. سامي الدهان. 4- الدرّ المنتخب في تاريخ مملكة حلب: ينسب إلى ابن الشحنة (- 890 هـ) . طبع في بيروت سنة 1909 م بعناية يوسف سركيس، ثم نشرته مصورا دار الكتاب العربي بحلب سنة 1984 م. وربما كان أصل هذا الكتاب لابن الشحنة، ثم تعاقب على التصرف فيه عدة مؤلفين، وكل منهم زاد فيه ما وصل إليه علمه. 5- الزّبد والضّرب في تاريخ حلب: لابن الحنبلي (- 971 هـ) اختصر به كتاب «زبدة الحلب» لابن العديم، وأضاف إليه بعض الزيادات. طبع في الكويت سنة 1409 هـ بتحقيق د. محمد التونجي. 6- درّ الحبب في تاريخ أعيان حلب: لابن الحنبلي أيضا. طبع بدمشق سنة 1972- 1973 م بتحقيق محمود الفاخوري ويحيى عبارة. ويقع في جزءين ضخمين، وكل منهما يتألف من قسمين. 7- معادن الذهب في الأعيان المشرّفة بهم حلب: لأبي الوفاء العرضي الحلبي (- 1071 هـ) . طبع في دمشق 1987 بتحقيق د. محمد ألتونجي، ولم يعثر إلا على قطعة منه تضم 69 ترجمة. 8- اليواقيت والضرب في تاريخ حلب: نسب إلى «إسماعيل أبي الفداء» ، ولا يعرف شيء عن مؤلفه. والمكنّون بأبي الفداء ممن يسمّون «إسماعيل» كثر. نشرته دار القلم العربي بحلب، بتحقيق محمد كمال وفالح البكور. 9- التاريخ الطبيعي لحلب: ألفه بالإنكليزية الطبيب البريطاني «باتريك راسل» (- 1768 م) ، وعاونه فيه أخوه «إسكندر» . طبع في جزءين بلندن سنة 1794 م. 10- تحف الأنباء في تاريخ حلب الشهباء: جمعه الطبيب الجرماني «بيشوف» من «زبدة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 8 الحلب» لابن العديم، ومن كتب أخرى، ونسبه لنفسه وطبعه في بيروت سنة 1880 م. 11- نهر الذهب في تاريخ حلب: للشيخ كامل الغزي (- 1351 هـ/ 1933 م) وسوف نخصه بكلمة مفردة. 12- إعلام النبلاء بتاريخ حلب الشهباء: للشيخ محمد راغب الطباخ (- 1370 هـ) . طبع في حلب سنة 1926 م في سبعة أجزاء، ثم نشرته دار القلم العربي بحلب سنة 1409 هـ/ 1989 م وقام بتصحيحه محمد كمال. 13- حلبيات: ألفه عبد الله يوركي حلاق، صاحب مجلة «الضاد» ، ونشره في حلب سنة 1983 م. يضاف إلى هذه الكتب الثلاثة عشر، كتب أخرى تناول كل منها بعض الجوانب من تاريخ حلب أو أدبائها، أو آثارها. وهي كثيرة نذكر منها على سبيل المثال، مما ورد في عنوانه اسم «حلب» : 1- أدباء حلب ذوو الأثر في القرن التاسع عشر: لقسطاكي الحمصي الحلبي (- 1941 م) ترجم فيه لخمسين علما من أعلام حلب. طبع سنة 1925 م بحلب، ثم أعيد طبعه فيها سنة 1967 م. 2- محاضرات عن الحركة الأدبية في حلب (1800- 1950) : لسامي الكيالي. طبع في القاهرة سنة 1957 م ضمن منشورات معهد الدراسات العربية العالية. 3- الآثار الإسلامية والتاريخية في حلب: ألّفه بالفرنسية المستشرق «جان سوفاجيه» ، ثم عرّبه محمد أسعد طلس وعلّق عليه تعاليق مفيدة، وأضاف إليه معلومات جديدة، وأصلح أخطاء وقع فيها المؤلف. طبع في دمشق سنة 1375 هـ- 1956 م. 4- الحركة الفكرية في حلب (في النصف الثاني من القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين) : لعائشة الدباغ، طبع في بيروت سنة 1392 هـ- 1972 م. 5- أحياء حلب وأسواقها: لخير الدين الأسدي، حققه وزاد عليه وقدّم له: عبد الفتاح رواس قلعه جي. وطبع في دمشق سنة 1984 م، ضمن منشورات وزارة الثقافة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 9 6- موسوعة حلب المقارنة: لخير الدين الأسدي. نشرها معهد التراث بجامعة حلب في سبعة مجلدات سنة 1984- 1985 م وأعدّها للطباعة محمد كمال. 7- بنو مرداس الكلابيون في حلب وشمال الشام: د. محمد أحمد عبد المولى. طبع في الإسكندرية سنة 1985 م. 8- أخبار حلب كما كتبها نعوم بخاش في دفاتر الجمعية: نشر منه جزءان بحلب سنة 1985- 1986 م بتحقيق وتعليق الأب يوسف قوشاقجي. 9- الحركة الشعرية زمن المماليك في حلب الشهباء: د. أحمد فوزي الهيب. طبع في بيروت سنة 1406 هـ- 1986 م. 10- الحركة الشعرية زمن الأيوبيين في حلب الشهباء: د. أحمد فوزي الهيب. طبع في الكويت سنة 1407 هـ- 1987 م. 11- الحياة الفكرية في حلب (في القرن التاسع عشر) : لفريد جحا. طبع في دمشق سنة 1988 م. 12- إمارة حلب في ظل الحكم السلجوقي: لمحمد ضامن، رسالة ماجستير نشرتها دار أسامة (دمشق- بيروت) سنة 1990 م. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 10 نهر الذهب أما كتاب «نهر الذهب في تاريخ حلب» الذي ألّفه الشيخ كامل الغزي «1» ، فقد طبع منه في حياته ثلاثة أجزاء بين سنتي 1922- 1926 م ثم نفدت هذه الطبعة حتى أصبحت نادرة جدا، ندرة المخطوطات، وطال انتظار الناس لطبعة ثانية تيسّر تداوله بين أيديهم وإفادتهم منه. قسم الغزي كتابه هذا إلى مقدمة ضخمة، وأربعة أبواب كبيرة، وزعها على أجزاء الكتاب. 1- فالجزء الأول: يشتمل على المقدمة وحدها، كما فعل ابن خلدون في (مقدمة) تاريخه الكبير. وتكلم الغزي فيها على عدة أمور لا يتمكن القارئ دونها من الوقوف على ما انطوى عليه المكان الذي يؤرّخ له، ومن حقائق وأوصاف وأحوال. ومن ثم فإنه ذكر بعض من ألّف في تاريخ حلب، ثم انتقل إلى الكلام على أسماء حلب وجغرافيتها بالتفصيل، وما مدحت به من الشعر والنثر، وتحدث عن الأوزان والمقاييس المستعملة فيها، وعن صناعاتها ونباتاتها وحيواناتها وتجاراتها ومدارسها، وما يقوم على أرضها من مختلف الملل والنحل، والعادات والتقاليد، والنظم الإدارية والمالية، وما يتبع (حلب) من الأقضية والنواحي والألوية. 2- والجزء الثاني: يشتمل على الباب الأول برمّته. وقد خصّصه للكلام على أحياء حلب ومعالمها التاريخية وأوابدها الأثرية، بعد أن بدأه بالكلام على أسوار المدينة وأبوابها وقلعتها. وهو يسجل كل ما وقعت عليه عيناه من تراث معماري وعمراني وآثاري في مدينة حلب. ولا يفوته أن يتحدث عن الأوقاف التي كان ينفق منها على الجوامع والمساجد، والتكايا والمدارس، وكذلك نفقات الفرش والترميم والبناء. وقد استفاد في كل ذلك من عمله الذي كان يزاوله في المحكمة الشرعية بحلب، والذي سهّل له الرجوع إلى سجلات تلك المحكمة، وكلها مخطوطة قد حوت الكثير من المعلومات القيّمة المفيدة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 11 ولا شك أن الأحوال قد تغيّرت اليوم عما كانت عليه في عصر الغزي قبل سبعين سنة تقريبا، حيث اتّسع البناء في حلب وما زال يتسع، وأقيمت أحياء سكنية جديدة كحيّ السبيل، والمحافظة، والشهباء، وحلب الجديدة، والحمدانية، وصلاح الدين.. إلخ. وهذا ما سبب تغييرا جذريا في طبقات الناس، وأعدادهم، وفي بعض عاداتهم وتقاليدهم، حتى أصبح الأمر يحتاج إلى كتاب آخر يكون ذيلا لنهر الذهب. 3- والجزء الثالث: يشتمل على الباب الثاني من أبواب الكتاب، وفيه يتقصى تاريخ حلب منذ أقدم العصور حتى عصر المؤلف في الربع الأول من القرن العشرين. ويدخل في ذلك ذكر الأمم التي سكنت حلب والدول التي حكمتها، وكذلك فتح المدينة في صدر الإسلام والحوادث التي طرأت عليها بعد ذلك وما أصابها من زلازل وكوارث.. نتيجة لتنقل الدول وتبدل الحكام، وتعاقب الحروب والأوبئة، والفتن والمجاعات. وقد سار في ذلك كله على ترتيب السنين الهجرية، سنة سنة، حتى عصره، حين حلّ الانتداب الفرنسي في سورية، ويفصل في الكلام على أحوال حلب في ظلّ هذا الانتداب. ويختم هذا الجزء بخلاصة مركزه عدّد فيها الأماكن القديمة التي يقصدها السيّاح في مدينة حلب وضواحيها، وكذلك الأماكن التي هي مظنّة لوجود العاديات والذخائر النفيسة. وبذلك ينتهي الجزء الثالث، حيث قال في آخره ما نصّه: «انتهى الجزء الثالث من كتاب نهر الذهب في تاريخ حلب، ويليه الجزء الرابع: المشتمل على الباب الثالث المفتتح بقولي: الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبيّ بعده» . لكن هذا الجزء لم يطبع حتى اليوم، ولا ندري أكان معدّا للطباعة في حياة المؤلف نفسه، أم إنه كان ينوي تأليفه بعد أن ينتهي من طبع الأجزاء الثلاثة؟ لكن الدلائل تشير إلى أن مسوّدته- على الأقل- كانت موجودة ثم انتقلت إلى الورثة، يدل على ذلك العبارة التي ختم بها الجزء الثالث، من جهة، وما في الأجزاء الثلاثة من بعض الإحالات- في تراجم الرجال- على الجزء الرابع من جهة أخرى، حتى إن الطباخ يذكر في «إعلام النبلاء» «1» أن كتاب نهر الذهب في أربعة مجلدات، تصفح منها ثلاثة، ونقل منها ترجمتين اثنتين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 12 ونحن نزيد على ذلك أنه ربما كان في نيّة الغزي أن يؤلف جزءا خامسا يشتمل على الباب الرابع من الكتاب، بحسب تقسيمه هو لأبواب كتابه. ومهما يكن من أمر فقد بذلت مساع كثيرة للحصول على الجزء الرابع المفقود أو للعثور عليه، ولكن تلك الجهود ذهبت أدراج الرياح، وتبددت الآمال المنشودة. ولا بد من الإشارة إلى أن الغزي قد اعتمد في تأليف كتابه على مصادر كثيرة، مطبوعة ومخطوطة. في التاريخ والاجتماع، والأدب واللغة، ذكر بعضها في مواضع من كتابه، وأغفل بعضها الآخر. ويعد كتابه «نهر الذهب» - إلى جانب كونه في تاريخ حلب- موسوعة ثقافية واجتماعية وعمرانية تتلاقى فيها صور الماضي الغابر بالحاضر الراهن في زمن الغزي، وكثيرا ما كان يستطرد إلى ذكر موضوعات جانبية مفيدة في أثناء تناوله لبعض الظواهر، كحديثه عن التصوير في الإسلام، وعن قهوة البنّ واكتشاف حبّه أول مرة ... وقد أنفق الغزي في سبيل جمع كتابه. وتأليفه سنوات طويلة من عمره، فقال في مقدمته: «وبعد، فإني منذ زمن بعيد أعاني جمع هذا الكتاب، وأصرف على تأليفه من نقد عمري وجوهر مالي ما يستكثر مثله من أمثالي. وقد تتبعت من أجله العدد الكثير من الكتب التاريخية وغيرها، وتصفحت زهاء مائة مجلّد من السجلات المحفوظة في المحكمة الشرعية، وتكبدّت عناء زائدا في الاطلاع على دفاتر الدوائر الرسمية، وعلى ما هو مدّخر في المكتبات الخيرية والأهلية من المجاميع والرّقاع.. وكنت في أثناء استقصائي أخبار الآثار أضطرّ في بعضها إلى تحمل مشاقّ الأسفار، لأتمكن من الاطلاع على حقيقة حالها، وأكتب عنها كتابة تحقيق، لا كتابة تقليد وتلفيق» . يقول الدكتور سامي الدهان «1» : «والواقع أن الذي يميز هذا الكتاب من سواه، أن صاحبه أعمل فيه الرويّة والعقل، والنقد والتمحيص، والتثبت والتبويب، أكثر مما يعمل النقل والتقليد والرواية على علاتها، فكان تاريخا على الطريقة الحديثة سبق به زمانه، وكفى المؤلفين بعد زمانه مؤونة التأليف في مثله، فقد نظر في المصادر العربية القديمة، واستطاع أن يعرف ما في المصادر الأجنبية عن سبيل أصدقائه من الفرنجة المقيمين بحلب، أو المسيحيين المطّلعين على الجزء: 1 ¦ الصفحة: 13 خزائن الغرب في هذا الموضوع. وكان الرجل متسامحا أشد التسامح، يأخذ عن المصادر المختلفة، من أي جهة كانت» . أما أسلوب المؤلف في كتابه فإنه سهل واضح، وبعيد عن الصنعة والتأنق، وتلك سمات النثر التأليفي الذي يتناول به صاحبه موضوعات اجتماعية وتاريخية وعمرانية وما إليها، وربما وجدنا في الكتاب أحيانا فقرات تبدو عليها مسحة فنية من التأنق، وغلالة رقيقة من الصنعة، وهذا ظاهر في مقدمات أجزاء الكتاب، أو في نصوص وقفية طلب من الغزي إنشاؤها في مناسبات خاصة، فيأتي أسلوبه فيها على طريقة كتاب عصره آنذاك. وظاهرة أخرى نجدها في كتاب الغزي، تلك أنه يترخّص في بعض التعابير أحيانا، وقد يتساهل في الالتزام بقواعد اللغة والرسم (الإملاء) ولا سيما كتابة الهمزة في وسط الكلمة، وربما تصرّف في بعض النصوص التي ينقلها. عرفنا ذلك من مقابلة تلك النصوص بأصولها القديمة التي لم يكن لها في عصره إلا طبعة وحيدة. وهو تساهل مألوف لدى كثير من المؤلفين، ولا سيما المتأخرين منهم. والحق أن كتاب «نهر الذهب» ذو قيمة كبيرة، ويتجلّى فيه الجهد الوافر، والعمل الشخصي، والابتكار الظاهر، مع تخير وانتقاء، ونقد وتمحيص، دون أن يكتفي صاحبه بالجمع من المصادر وحدها، ولا غنى عنه لكل باحث أو دارس في تاريخ حلب خاصة، وسورية الشمالية عامة، ولا يغني عنه غيره، على الرغم من كثرة ما ألف عن حلب، كتبه عالم جليل سعى جهده ليكون كتابه شاملا لأحوال حلب في شتى المجالات والعصور، فجاء مرجعا مهما لكل من يريد الإحاطة بتاريخ حلب السياسي، والاقتصادي، والاجتماعي، والفكري، وما فيها من الآثار والأوابد، وما طرأ عليها من تطور حتى الربع الأول من القرن العشرين. ولا شك أن مدينة حلب ومختلف مرافق الحياة فيها قد تبدلت اليوم وتطورت كثيرا عما كانت عليه في زمن الغزي، بعد مرور سبعة عقود من السنين، وهذا كله يقتضي تأليف كتاب آخر ينهض بما استجدّ من ألوان الحياة والعادات والعمران والثقافة والاقتصاد والزراعة وما إلى ذلك. وكان بودنا أن نضيف ذلك في تعليقاتنا على الكتاب، ولكننا وجدنا في ذلك إثقالا وإملالا للقارىء، وتضخيما لحجم الكتاب بما لا مسوّغ له. فاكتفينا بما هو ضروري من تلك الجزء: 1 ¦ الصفحة: 14 التعليقات «1» - والكتاب خال منها تماما- إذ كانت النية في أول الأمر طبع الكتاب بطريقة التصوير، ثم وجدت «دار القلم العربي» أن إخراج الكتاب بحلة طباعية جديدة، وتحقيق جديد، فيه نفع كبير للقرّاء والباحثين، بدلا من أن تبقى أجزاء الكتاب كما كانت عليه قبل سبعين عاما، وقبل ظهور الطباعة التقنية الحديثة. وعندئذ كان لا بد من تصحيح ما وقع في الطبعة الأولى من أخطاء مطبعية، وسهو في الالتزام بقواعد الرسم والإملاء، أو وقوع في أغلاط عارضة، فضلا عن القيام بشرح العبارات والألفاظ التي تحتاج إلى ذلك، وتوضيح بعض الجوانب التاريخية والآثارية في المواضع التي تقتضي هذا التوضيح، مع توخي الإيجاز والاختصار. كما عدنا إلى ما استطعنا الوصول إليه من مصادر المؤلف لمقارنة النصوص الشعرية والنثرية التي أوردها، وتدارك ما وقع فيها من تحريف أو خلل أو نقص، وأشرنا في حواشي الكتاب إلى ما هو مهم وضروري، من ذلك، وأغفلنا الإشارة إلى ما هو ثانوي ولا يخفى تصويبه أصلا على القارئ. ذلك مبلغ الجهد الصادق في خدمة كتاب «نهر الذهب» ، نشرا وطباعة، وتصحيحا وتحقيقا، وضبطا وتعليقا، ونرجو أن نكون عند حسن ظن القراء والباحثين. والله الهادي إلى الإخلاص في القصد، والسداد في القول. حلب في: 4 من ذي الحجة 1411 هـ 16 من حزيران 1991 م المحققان الدكتور شوقي شعث الأستاذ محمود فاخوري الجزء: 1 ¦ الصفحة: 15 كتاب نهر الذّهب في تاريخ حلب تأليف كامل البالي الحلبي الشّهير بالغزّي الجزء الأوّل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 17 [ مقدمة المؤلف ] بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله الأول والآخر، والظاهر والباطن، يؤتي الملك من يشاء، وينزع الملك ممن يشاء، ويعز من يشاء، ويذل من يشاء، وهو الذي يمنح السراء، ويدفع الضرّاء، ويحقق الرجاء، ويجزل العطاء. يغفر الذنب، ويقبل التوب، ويمحو الحوب «1» ، ويستر العيوب، ويكشف المكروب. وينعم بالراحة بعد اللّغوب «2» . لا راد لما قضاه، ولا معاند لما ارتضاه. فليس بالإمكان، أبدع مما كان. جعل لكل نبأ مستقرا. ولكل شيء في حكمته البالغة مظهرا ومستسرا. وزّع على عباده السعادة والشقاء، والراحة والعناء، والعسر واليسر، والنفع والضر، والخذلان والنصر. وشاء في قدره المحتوم، وعلمه المكتوم، أن يكون منهم الظالم والمظلوم، والحاكم والمحكوم. ثم أورد الكل مورد الفناء والعدم، وتفرد سبحانه بالبقاء والقدم. وصلى الله وسلم على محمد بن عبد الله، حبيبه ومجتباه. نبي قص علينا ما فيه عبرة لنا فبلّغ وصدق، كما قص الله عليه من أنباء ما قد سبق. بشّر من اتبعه ووالاه، وأنذر من خالفه وناواه. وعلى آله وأصحابه الأطهار، رواة الأخبار، وحملة الآثار. وسلم تسليما كثيرا. وبعد فإني منذ زمن بعيد أعاني جمع هذا الكتاب، وأصرف على تأليفه من نقد عمري، وجوهر مالي، ما يستكثر مثله من أمثالي. وقد تتبعت من أجله العدد الكثير من الكتب التاريخية وغيرها، وتصفحت زهاء مائة مجلد من السجلّات المحفوظة في المحكمة الشرعية وتكبدت عناء زائدا في الاطلاع على دفاتر الدوائر الرسمية. وعلى ما هو مدخر في المكتبات الخيرية والأهلية من المجاميع والرقاع الخصوصية التي سطرها الجزء: 1 ¦ الصفحة: 19 ذووها في بعض شؤن تاريخية، ذات أهمية عظيمة في وقتها. فكنت لا أصل إلى ما يهمّني أمره من بعض هذه المواد، إلا بعد عناء شديد ونفقة باهظة. وكنت في أثناء استقصائي أخبار الآثار، أضطر في بعضها إلى تحمل مشاقّ الأسفار. لأتمكن من الاطلاع على حقيقة حالها، وأكتب عنها كتابة تحقيق، لا كتابة تقليد وتلفيق. لم أزل مثابرا على هذا العمل، لا يعوقني عنه عائق، ولا يصرف همتي عنه صارف حتى يسرّ المولى لي إتمام هذا الكتاب اللابس من المحاسن أجمل جلباب فجاء بحمد الله تعالى تاريخا مفردا في بابه، فائقا جميع أترابه، من الكتب التاريخية الحلبية، جامعا أشتات ما تفرق فيها على اختلاف نزعاتها وأساليبها. فإنه جمع بين ذكر أخبار حلب وملحقات ولايتها وبين ذكر أخيارها وآثارها غير مقتصر على ذكر واحد منها، كأكثر التواريخ الحلبية السابقة. وكنت كلما هممت بطبع هذا الكتاب وتدوينه إجابة لإلحاح الكثيرين المتشوقين إليه، عارضني بذلك سوء الظن باستحساني إياه، كمن قيل فيه: ويسيء بالإحسان ظنا لا كمن ... هو بابنه وبشعره مفتون وناجاني وحي الضمير بقوله: لا تعجل بذلك، فعسى أن يكون استحسانك هذا من باب افتتان الرجل بشعره، وإعجاب المرء ببضاعته، أو هو من قبيل المثل: (القرنبى في عين أمها حسنة) «1» وحينئذ أضرب الصفح عن طبعه وتدوينه. وآخذ بالبحث عن طريقة أصل بواسطتها إلى معرفة حقيقة هذا الاستحسان: أهو حقيقي أم هو نوع من ذلك الافتتان. فلم أر في الوصول إلى هذا الغرض بعد البحث الطويل عنه- سوى طريقة واحدة، ألا وهي عرض الكتاب على كل من رغب بالاطلاع عليه، فكنت لا أضنّ بعرضه على كل وارد وصادر أتوسّم فيه سلامة الذوق، وصحة الانتقاد، وسجية الإنصاف، حتى عرضته على الجمّ الغفير من الذين عرفوا بممارسة التاريخ والوقوف على دقائقه، وكشف غوامضه. فكنت لا أسمع من كل من وقف عليه. وقرأ منه فصولا في الجزء: 1 ¦ الصفحة: 20 مواضيع مختلفة- سوى عبارات التقريظ والإطراء وإسداء الشكر والثناء. واستنهاض همتي لطبع هذا الكتاب وتدوينه بكل سرعة، حرصا على ثمالة «1» ما بقي من حياتي قبل نضوبها، كيلا يؤول أمر مسودة هذا الكتاب إلى الإهمال والضياع. على أن لي الأمل الوطيد، أن يتلقى عشاق التاريخ، كتابي هذا برحب صدر، ويقبل عليه نصراء العلم وأعوان أهله إقبالا يذكر فيشكر، ولا سيما منهم أبناء الوطن العزيز. فهم أولى من جميع الناس بالإقبال عليه. لأنه يخدم وطنهم المحبوب الذي حبّه بلا ريب من أقدس واجباتهم. كما نوه بذلك الخبر المأثور «حب الوطن من الإيمان» ، وكما قال سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه: (لولا محبة الأوطان لخربت) . وحكمة ذلك أن محبة الشيء تبعث على حفظه. وصيانته وجرّ النفع إليه ودفع الضرر عنه، وهي مقاصد لا تكون إلا بعد معرفته والاطلاع على محاسنه، إذ محبة المجهول غير معقولة، بل قد يكون الجهل بالشيء مدعاة إلى بغضه وكراهيته، على حد قول القائل: (المرء عدوّ لما جهل) . وإني لأعجب من طلاب العلوم العمرانية العصرية. من أهل بلادنا إذا سألت أحدهم عن شأن من شؤون الممالك الغربية أجابك عن سؤالك بما يبلّ الغليل ويشفي العليل. وإذا سألته عن أقل شأن من شؤون وطنه أجابك عن سؤالك بالسكوت أو بقوله: لا علم لي بما تسألني عنه. ومعلوم أن الواجب على ساكن الدار أن يعلم أولا حقيقة داره وما اشتملت عليه من المحاسن والمساوي، ليعدّ لكل معنى عدّته. ويأخذ لكل شأن من شؤونها أهبته. ثم يتوسع بالعلم فيعلم حقيقة دار جاره، وما حوته من المحاسن والمساوي، استعدادا لطارىء يحوجه إلى أن يكون بها عالما وبشؤونها عارفا. كنت شرعت بتأليف هذا الكتاب على صفة مفصلة مطولة، فجاءت مقدمته فقط في مجلد ضخم يستوعب نحو ألف صحيفة. فرأيت أنني إذا سرت بتأليفه على ذلك المنهج جاءت جملة الكتاب في نحو خمسة مجلدات ضخمة، مما يفضي إلى ملل القارئ. فعمدت إلى الاختصار ونحوت في تأليفه هذا المنحى وسميته «نهر الذهب في تاريخ حلب» ورتبته على مقدمة وأربعة أبواب: فالمقدمة في الكلام على عدة أمور لا يتمكن القارئ دونها من الوقوف على ما انطوى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 21 عليه المكان المؤرخ من حقائق صفاته الحسية والمعنوية التي اعتبر معرفتها مؤرخو هذا العصر من أهم الأمور التاريخية. على أن عامة المتقدمين ممن ألف في تاريخ حلب لم يتعرضوا إلا إلى القليل مما تضمنته هذه المقدمة. كما ستقف عليه قريبا. وسنتكلم على موضوع كل باب من بقية الأبواب في مقدمته إن شاء الله تعالى. تنبيه: حيث ذكرت السنة مجردة عن الوصف فمرادي بها السنة الهجرية. ومتى أطلقت اسم الشهر الشمسي فمرادي به أحد شهور السنة الرومية الشرقية التي كانت معتبرة عند الدولة العثمانية في ماليتها وهي: (آدار أو مارت) وهو أول السنة، (نيسان) ، (هيار أو أيار أو مايس) ، (حزيران) ، (تموز) ، (آب أو أغستوس) ، (أيلول) ، (تشرين الأول) ، (تشرين الثاني) ، (كانون الأول) ، (كانون الثاني) ، (شباط) . ومتى أطلقت اسم كيل أو وزن أو مقياس، فمرادي به ما هو مستعمل في أيامنا في حلب، الذي سنتكلم عليه في فصل الأوزان والكيول والمقاييس، كما أن مرادي من القرش واللّيرا أو الذهب العثماني ما سأذكره عنها في الذيل الذي أثبتّه آخر الفصل المذكور. وإذا أطلقت اسم الميل فمرادي به المقياس الفرنجي المعروف باسم (كيلو متر) ، كما أن مرادي من الذراع هو الذراع المعماري المنوّه عنه في جدول الأوزان والكيول الآتي ذكره. هذا وإن الدولة العثمانية كانت، قبل سنة 1279 هجرية، مقتصرة في سجلاتها ومعاملاتها المالية على اعتبار التاريخ الهجري. ثم لما رأت لزوما لأن تضع لها موازنة مالية لضبط دخل الدولة وخرجها، اضطرها تبدل الفصول واختلاف أوقات المحاصيل إلى اعتبار تاريخ شمسي تستورد فيه مرتباتها العشرية وغيرها في أوقات معلومة مضبوطة فعولت على استعمال التاريخ الشمسي الشرقي المذكور. وصادف ابتداء استعماله سنة 1279 هجرية. فصارت تؤرخ به المعاملات المالية من ذلك الحين. أعلام الرجال الموضوعة بين قوسين، لهم تراجم في باب تراجم الأخيار، فلتراجع هناك. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 22 تواريخ حلب عقدنا هذا الفصل قصد إعلام القارئ ببعض الكتب التي أخذنا منها قضايا تاريخنا هذا، فنستغني بذلك عن عزو المسائل إلى مآخذها، فنقول: أول من صنف تاريخا خاصا بحلب، ابن أبي طي (يحيى بن أبي حميدة) الحلبي، وسماه معادن الذهب، وهو تاريخ كبير، وله ذيل عليه كما حكاه بعض المؤرخين. ثم تبعه كمال الدين أبو حفص (عمر بن أبي جرادة) العقيلي المعروف بابن العديم الحلبي، فألف تاريخا جمع فيه تراجم أعيان حلب على ترتيب الأسماء وسماه «بغية الطلب في تاريخ حلب» وهو يبلغ نحو أربعين جزءا «1» وقد اخترمته المنية قبل إكمال تبييضه وكان انتزعه من كتابه الذي سماه «زبدة الحلب في تاريخ حلب» أحضرت منه قطعة طبعت في باريس، سطرت فيها بعض حوادث حلب من يوم فتوحها عن يد المسلمين إلى سنة 336 وهي زبدة مشوبة بعدة أغلاط. قال في كشف الظنون: وقد ذيل على بغية الطلب اليونيني اه. وذيله أيضا القاضي علاء الدين أبو الحسن علي بن محمد بن سعيد الجبريني الشافعي الشهير بابن خطيب الناصرية المتوفى سنة 843، وسمى الذيل: «الدر المنتخب» وهو معجم في تراجم الرجال في مجلدين ضخمين، ظفرت بهما. قال في در الحبب ما ملخصه: ولما طالعه الحافظ أبو الفضل أحمد بن محمد المعروف بابن حجر العسقلاني حين قدومه إلى حلب سنة 836 ألحق فيه أشياء كثيرة كما ذكره في ديباجة كتابه المشهور «بإنباء الغمر بأبناء العمر» وأثنى على صاحبه اه. قلت وما زاده العسقلاني على الدر المنتخب سماه الكواكب المضيّة، ذيل تاريخ ابن خطيب الناصرية. وقد ظفرت به تماما وهو جزء صغير. وذيل الدر المنتخب أيضا موفق الدين أبو ذر (أحمد بن إبراهيم) الشهير بسبط العجمي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 23 الحلبي، وسمى ذيله «كنوز الذهب» ضمنه ذكر الأعيان والحوادث والآثار، ظفرت به مخطوطا بخط مشوّه جدا، هو خط المؤلف، وقد ذيل عليه رضي الدين (محمد بن إبراهيم المعروف بابن الحنبلي) ، وسمى ذيله «در الحبب» وضمنه ذكر الأعيان مرتبا أسماءهم على الحروف، وهو في مجلد وسط «1» ، ظفرت به. وقد اقتصر فيه على ذكر أعيان سبعين سنة فقط وهي من سنة 900 إلى سنة 970. ومن تواريخ حلب كتاب حضرة النديم من تاريخ ابن العديم. انتزعه من بغية الطلب (الحسن ابن حبيب الحلبي) . ومنها معادن الذهب في الأعيان الذي تشرفت بهم حلب (لأبي الوفاء بن عمر العرضي) وقد تكلمنا عليه في ترجمة مؤلفه. وهو مجلد صغير ظفرت بقسم منه. ومنها تاريخ باللغة الإنكليزية خاص بالكلام على طبيعة تربة حلب ونباتاتها وحيواناتها وغير ذلك، وهو في مجلدين أولهما تأليف باترك روسل، وثانيهما تأليف أخيه اسكندر، قدم حلب بعد وفاة أخيه المذكور ليخلفه فيها بوظيفة طب أبناء جنسهما، وكان نجاز كتابهما المذكور سنة 1753 م 1167 هجرية. وقد ظفرت بهذا الكتاب وطالعت معظمه بواسطة ترجمان. ومنها تاريخ أبي عبد الله محمد بن علي العظيمي، على ما ذكره في كشف الظنون. ومنها تاريخ (بيشوف الطبيب الألماني) وسماه (تحفة الأنباء) في تاريخ حلب الشهباء، وسنتكلم عليه في الكلام على ترجمة مؤلفه. ومنها تاريخ محمد بن أحمد ابن محمد المعروف بابن المنلا، تعرض فيه لمن حكم حلب من زمن فتوحها إلى زمن الحاج إبراهيم باشا وذلك إلى سنة 1080 وقد وقفت منه على كراريس متخرمة. ومنها تاريخ لرضي الدين، المعروف بابن الحنبلي المتقدم ذكره، انتزعه من بغية الطلب وسماه الزبد والضرب. ومنها بعض كراريس في تراجم الأعيان تنسب (لأبي المواهب أفندي ابن ميرو) وقد وقفت على مسودته. تنبيه المشهور بين الناس عندنا أن تاريخ حلب هو لابن الشحنة، فكلما حكى أحدهم خبرا عن أثر أو حادثة تتعلق بحلب نسبها إلى التاريخ المذكور، مع أننا لم نقف على تاريخ خاص بحلب مؤلف من قبل أحد بني الشحنة، والذي رأيناه منسوبا إليهم من التواريخ في تراجمهم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 24 وفي كتاب كشف الظنون هو روضة المناظر أو الناظر أو النواظر في أخبار الأوائل والأواخر لمحمد بن محمد بن محمد بن محب الدين أبي الوليد ابن الشحنة، وهو المطبوع على الجزء الحادي عشر والثاني عشر من التاريخ الكامل لابن الأثير. ثم جاء بعده ولده محب الدين أبو الفضل، وصنف تاريخا سماه نزهة الناظر في روض المناظر، جعله كالشرح لتاريخ والده، وضمنه مصراعين، قسم بابهما إلى تسع طبقات، بعدد القرون التسعة، ذكر في كل طبقة منها حوادثها المشهورة على السنين ووفيات أعيانها المشهورين، على حروف المعجم، من غير تفريق بين الحلبيين وغيرهم. كما قسم أولاهما إلى ثلاثة فصول: الأول: في خلق آدم وما اتفق له ولأولاده. الثاني: في طبقات الأمم. الثالث: في الأمور المبشرة بظهور نبينا محمد صلّى الله عليه وسلم. وألّف ذيلا آخر على روضة الناظر سماه اقتطاف الأزاهر. ويوجد متداولا بين أيدي الناس كتاب مشهور عندهم بتاريخ ابن الشحنة «1» معظمه خاص في الكلام على حلب، وباقيه على بعض البلدان القريبة منها والداخلة في أعمالها. وفيه أغلاط كثيرة مصدّر بخطبة أولها: «الحمد لله القديم الأزلي، الرحيم الأبدي، مكوّر الليل على النهار عبرة لأولي الأبصار» ... إلخ. وهي خطبة كتاب الدر المنتخب لابن خطيب الناصرية مع تحريف قليل وزيادة ونقص. وبعد هذه الخطبة يفتتح صاحبه بالبسملة، ثم يقول: وبعد فهذه نبذة انتخبتها من كتاب نزهة النواظر في روض الناظر إلخ. ثم يفتتح بالمقصود نقلا عن ابن الشحنة. ورأيت بعض النسخ من هذا الكتاب مصدرا بقوله: أما بعد فهذه نبذة انتخبتها مما انتخبه العلامة زين الدين أحمد بن علي بن الحسين ابن علي المعروف بالشغيفي، من تاريخ أقضى القضاة محب الدين إلخ. وعلى هذا فالكتاب المتداول المذكور منتخب من كتاب الشغيفي المنتخب من نزهة النواظر. ولعل منتخبه أبو اليمن البتروني، بدليل أنه يوجد في عدة مواضع من نسخة كانت عندي حواش ينسبها أبو اليمن المذكور إلى نفسه. ورأيت نسخة أخرى قد ذهب أولها ونقص منها مقدار عظيم. وهي تختلف عن نسخة الشغيفي زيادة ونقصا، ظهر لي أنها مما انتخبه أحمد بن محمد المعروف الجزء: 1 ¦ الصفحة: 25 بابن الملا من كتاب نزهة الناظر وهي فيما أظن من مسودة بخط المؤلف، لأنه يوجد على هامشها كثير من التعاليق مختتمة بقول محررها: اه إبراهيم ابن أحمد بن محمد منتخب هذا التاريخ وكاتبه. خلاصة ما ظهر لي في الكتاب الذي ينسبه الناس إلى ابن الشحنة ويزعمون أنه خاص بحلب: أن عددا غير قليل من الأدباء والعلماء أخذ كل واحد منهم خلاصة من ابن شداد وابن الشحنة وابن المنلا وأضافها «1» شيئا من عنده وعملها كتابا على حدته. ولذا لا ترى نسختين من هذا التاريخ مطابقتين لبعضهما مع كثرة عدد نسخ هذا التاريخ. أما كتاب محمد بن إبراهيم ابن شداد فكثيرا ما يظنه الناس أنه تايخ خاص بحلب مع أننا لم نقف على تاريخ منسوب لابن شداد سوى سيرة السلطان صلاح الدين وكتاب الأعلاق الخطيرة في تاريخ الشام والجزيرة «2» . ومن التواريخ التي يتوهمها بعض الناس أنها خاصة بحلب: كتاب درة الأسلاك في دولة الأتراك، للحسن بن عمر المعروف بابن حبيب الحلبي مع أنه خاص بدولة الأتراك كما يعلم من تسميته. على أننا لا ننكر أن الحلبيين الذين ألفوا في التاريخ تكلموا في تواريخهم على ما يتعلق بحلب أكثر مما تكلموا على ما يتعلق بغيرها عناية منهم بها لأنها وطنهم. هذا ما أمكنني تحريره من الكلام على تواريخ حلب. والله سبحانه وتعالى أعلم. تاريخان لحلب لمعاصرين فاضلين أحدهما اعتنى بجمعه وشرع بطبعه صديقنا الفاضل (محمد راغب بن محمود) الشهير بالطباخ سماه (إعلام النبلاء بتاريخ حلب الشهباء) . والآخر يعتني بجمعه صديقنا الآخر الشاعر الأديب (ميخائيل بن أنطون) الشهير بالصقال. وقد تكلمنا على كل واحد من هذين التاريخين في ترجمة صاحبه التي نوردها في باب التراجم، فاكتفينا هنا بالتلميح إليهما. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 26 أسماء مدينة حلب ووجه تسميتها باسمها الحالي يقال إن هذه المدينة سميت باسم بانيها الأول وهو حلب بن مهر بن خاب «1» . قلت: هذا الاسم لم نعثر عليه في كتاب معتبر، ولا سمعنا بمن تسمى به. وقيل: إنها سميت بقول العرب (إبراهيم حلب الشهباء) حينما كان مقيما في تل القلعة يحلب كل يوم بقرة له شهباء، ويوزع لبنها على العرب المخيّمين في جواره. وهذا الوجه في تسميتها هو المشهور عند أكثر الحلبيين. على أنه قد يكون له نصيب من الصحة إذا اعتقدنا أن العرب كانوا يترددون على هذا الصقع للميرة والكلأ كجري عادتهم، أو أنهم كانوا يقطنونه مع إخوانهم الآراميين فقد صرح هيرودت واسترابون وغيرهما من قدماء المؤرخين وبعض علماء هذا العصر أن قبائل عديدة من بلاد العرب أو من جانب خليج العجم ارتحلوا إلى سورية منذ قديم الأيام، فمن الجائز أن يكون هذا الصقع عرف عندهم بهذا الاسم أخذا من فعل الخليل عليه السلام، وإن كان له أسماء أخرى عند بقية الأمم، فإن اليهود يسمّون حلب في صكوكهم (أرام صوبا) . هذا الاسم مذكور في القسم الستين «2» من مزامير داود، وصوبا مذكورة في القسم الثامن من كتاب الملوك «3» وفي القسم الثامن عشر من أخبار الأيام الأول وفي غيرهما. ويقول بعض العلماء الإسرائيليين: إن كلمة صوبا محرفة عن صهوبه، ومعناها: البياض المشوب بحمرة وإن حلب وضواحيها تتراءى للمقبل عليها بيضاء حمراء لأن بناءها بالحوّار، ولوجود سباخ كثيرة في براريها فسميت بهذا الاسم. اه. قلت: سيأتي لنا في الكلام على قنّسرين أنها هي التي كانت تسمى صوبا. ويقال إن اليهود نقلوا اسمها القديم بعد خرابها إلى حلب. ويحتمل أن تكون كلمة صوبا آرامية ومعناها الناحية أو الطرف أو الموعد أو الجزء: 1 ¦ الصفحة: 27 المجتمع أو المنتهى. وهذه معان يوافق بعضها معاني الصوب في اللغة العربية. وعلى كل حال فإن أول من سكن صقع حلب هم الآراميون. وأما الكتابة الهيروكليفية في ظاهر الحجر الأسود في جدار جامع القيقان فهي لا تصلح أن تكون دليلا على أن أول من سكن حلب هم المصريون «1» إنما يستدل بها على مجيئهم إليها لا غير. وقد سماهم في «تحفة الأنباء» : العمالقة. وهو غلط. ولا شاهد على أنها كانت تسمى بلغتهم هلبون وهلبة إذ لم نسمعه ممن يعتدّ به. كما لا صحة لقول من قال: إن اليونان كانت تسميتها «خلبة» بالخاء المعجمة لعدم وجود الحاء المهملة بلغتهم إلا أن تكون كلمة «خلبة» تحريف حلب. ولا يجوز أن يكون اليونان أخذوا هذا الاسم عن المصريين الذين كانوا يسمونها هلبة على رأي القائل به، فإن اليونان كانوا يسمونها بغير هذا الاسم، قيل هو برويا ومعناه البرّ يرى، وذلك لأن من كان في قلعة حلب يرى البرّ منها. لكن هذا إنما يصحّ فيما إذا كان هذا الاسم مركبا من كلمتين عربيتين وهو بعيد. وفي معجم ياقوت أن اسم حلب بالسريانية «باروّا» . وقرأت في وريقات تاريخية مطبوعة تنسب إلى حضرة البطريرك أفرام رحماني الثاني أن المقدونيين لما استولوا على بلاد سوريا أطلقوا على مدينة حلب اسم بروّا اقتداء باسم إحدى المدن اليونانية في بلاد «تراقي» غير أن الأهالي حافظوا على اسمها القديم اه. فالمفهوم من هذا أن كلمة بارّوا أو بروّا يونانية لا سريانية، كما قال ياقوت. وأطلق كزانفون اليوناني تلميذ سقراط الحكيم كلمة «حلب» على جميع الصقع الممتد من أذنه إلى الفرات. ويقال إن الصابئية كانت تسميها مابرغ «2» . والصواب أن هذا أحد اسمي منبج. كما ستقف عليه في الكلام على منبج. إن الأستاذ منكه الفرنسوي الجغرافي الشهير سماها في أطلسه التاريخي في خارتة آشور «يره بوليس» . (والصواب أن يره بوليس هو أشهر اسمي منبج القديمة في الدولة اليونانية) وفي خارطة بني إسرائيل حلب وأطلق لفظ أرام صوبا على كورة بين حلب وحماة. قلت: الأقرب إلى الصواب أن يطلق هذا الاسم على كورة حلب نفسها، كما هو الجزء: 1 ¦ الصفحة: 28 المفهوم من أخبار الحروب التي أقامها داود مع ملوك صوبا، وكانت الكورة تضاف إلى قنّسرين التي كانت تسمى صوبا عند الإسرائيليين. وأطلق الأستاذ منكه كلمة آرام نهرايم على كورة بين حلب والعراق. وهي الجزيرة وآرام دمسقو على كورة بين حماة ودمشق وسماها في خارتة الفرس في عهد دارا خلب بالخاء المعجمة. وأطلق لفظ برويا في خارتة انطاكية في عهد بانيها الأول أنطيكوس على الطريق المتوسطة بين حلب وانطاكية، وسماها في خارتة بوتينانوس حلب. ولم يزل يسميها بهذا الاسم إلى البعثة المحمدية. قال بعضهم إن لفظة «حلب» محرّكة بلد بالشام، معرّبة عن «ألبّ» ، بكسر اللام وتشديد الباء. منقولة عن اسم مجددها «ألبيوس» الشهير من وزراء بوليانوس العاصي واسمها القديم بيريا. قلت: لا صحة لهذا لأن «ألبيوس» المذكور كان بعد المسيح عليه السلام وقد علمت أنها كانت تسمى بهذا الاسم في عهد بني إسرائيل. والذي أراه في هذه الكلمة وتطمئن إليه نفسي أنها سريانية محرفة عن «حلبا» بالألف ومعناها البيضاء، ثم حذفت ألفها بالاستعمال جريا على قاعدة المتكلمين باللغة السريانية من أنهم يحذفون هذه الألف في كلامهم، وأن إتباع حلب بكلمة الشهباء، التي معناها البيضاء، مما وضعه العرب كالتفسير لكلمة حلب، وأن السريانيين كانوا يسمونها بهذا الاسم لما كان يشاهد من بياض تربتها لكثرة سباخها ومادة حوّارها، ولأن عمائرها كانت تبنى بالحوار الأبيض المأخوذ من مغائرها القريبة منها كمغارة المعادي وباقي المغائر المعروفة فكانت مناظرها بيضاء كمناظر مدينة عينتاب والرها وغيرهما من البلاد التي ما زالت تبنى عمائرها من هذه المادة حتى الآن. يؤيد أن لفظة حلب سريانية وجود محلات في نفس مدينة حلب لم تزل حتى الآن تسمى بأسماء سريانية، وهي: بنقوسا، وبحسيتا، اللتان «1» سنتكلم عليهما في الباب الأول بعد المقدمة. كما أن كثيرا من القرى التابعة حلب لم تزل أسماؤها حتى الآن سريانية. كما سيرد عليك في محله والله أعلم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 29 جغرافية مدينة حلب اعلم أن مدينة حلب جديرة أن تعد في مقدمة المدن العظيمة لحسن منظرها وحصانتها وتموّل أهلها وكثر تجارتها وعمرانها. وكانت ولم تزل محطّ رحال قوافل دمشق والبصرة وأصبهان وإسلامبول. وهي من أمهات مدن بر الشام وإحدى المدن الأصلية في أواسط آسيا. وولاية حلب تأخذ القسم الأعظم من سوريا. والقسم الذي هي فيه يسمى عند القدماء سوريا كوماجان. أي سوريا ذات الهضاب. ثم إن مدينة حلب يحدّها قبلة أراضي قرية الشيخ سعيد وصقلاية، وشرقا أراضي قرية النيرب، وغربا جبل الجوشن «1» ، وأراضي الحلبة وراء نهر قويق، وشمالا بساتين بابلي وبعاذين التي تنتهي إلى أراضي قرية حيلان. وهي واقعة في صعيد ينتهي طرفه الشمالي إلى جبال الشيخ زيات، والغربي إلى جبل الجوشن، والجنوبي إلى جبل الحوشن، والجنوبي إلى جبال الأحص «2» ، وتبعد نهاية طرفه الشرقي. والبقعة التي قامت فيها أبنية مدينة حلب من هذا الصعيد يوجد فيها بعض ارتفاع وانخفاض من جهات متعددة ويصح أن يطلق على ما نشز «3» منها اسم ربوة. ويمكن حصره في سبع ربوات وهي: قلعة الشريف، وعقبة بني المنذر، عقيبة الياسمين، وغربي حارة الجلّوم، ومحلّة أوغل بك المعروفة أيضا باسم باب الأحمر، والكلتاوية، وبندرة اليهود. على أن الجهة الجنوبية والشمالية من هذه البقعة متوازيتان بالارتفاع، ولربما زادت جهتهما الشمالية على جهتهما الجنوبية ارتفاعا. وهاتان الجهتان تأخذان بالانحطاط حتى يستقر قرارهما في محلة الجلّوم وما قاربها من المحلات الداخلة في السور، سيّما الجامع الأموي، فإنه في مطمئن عظيم، كما هو مشاهد. وادعى بعض الناس أن رأس منارة الأموي يوازي عتبة باب محلة أوغل بك. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 30 ثم إن محيط سور هذه المدينة يبلغ نحو ثمانية أميال «1» ، وأما محيطها خارج السور فربما زاد على خمسة عشر ميلا. ونهرها المعروف بنهر قويق وافد عليها من جهة شمالها آخذ إلى جنوبها وغربيّها ساقيا ما على حافتيه من البساتين التي تستوعب مسافة أربع ساعات طولا من قرية حيلان إلى منتهى أراضي قرية الوضيحي. وإذا نظرت إلى المدينة وأنت مقبل عليها من أي جهة كانت، تراءت لك عروسا من عرائس البلدان، قد حفّتها البساتين من غربيها وبعض شماليّها. وكروم العنب وبساتين التين والفستق والزيتون من بقية جهاتها. وقام في وسطها قلعتها المشهورة كملك عظيم، حفت به الجواري الحسان التي هي منارات المدينة البديعة المنظر، خصوصا في ليالي المواسم الدينية، فإنها تكون فيها منوّرة بالمصابيح التي تحاكي النجوم الزواهر. وربما تتراءى القلعة المذكورة وبعض المنارات من بعد ثلاث ساعات من أكثر الجهات التي تقبل منها على حلب. وقد تشاهد منارة القلعة وقت الغروب من جبل الزاوية الواقع على سفحه قصبة ريحا. ساحات حلب وخراباتها يوجد في مدينة حلب عدة ساحات، أعظمها «ساحة برية المسلخ» خارج باب النيرب، شرقّي الخندق الرومي الذي كان محيطا بسور البلدة. وقد عمر الآن في بعض جوانبها بيوت ودكاكين وفرن ومسجد وميدان. وهذه الساحة هي سوق تجار الغنم والجمال. ومن الساحات المشهورة: «ساحة الملح» وكانت تسمى الميدان الأسود. وهي داخل باب النيرب تجاه جامع ألتون بغا. «وساحة بزّي» داخل باب المقام وقد عمر أكثرها دورا وحوانيت متنوعة. «وساحة التّنانير» خارج باب النصر في قرب حارة الجديدة إلى شرقيها وغربي قسط المشط. وهذه أيضا عمر أكثرها ولم يبق منها إلا القليل. ويوجد بمدينة حلب عدة خرابات فسيحة خربت من مرور الحوادث كالزلازل والحرائق، وأعظمها خرابة تحت القلعة تبلغ مساحتها زهاء خمسين ألف ذراع شطرنجي. وكانت مزدحمة بالأبنية العظيمة كالحمامات والخانات والمدارس والمساجد. كما ستقف عليه في باب الآثار إن شاء الجزء: 1 ¦ الصفحة: 31 الله تعالى. ومن الخرابات التي هي داخل حلب أيضا خرابة تتصل بالخرابة المتقدم ذكرها من درب الحزيزاتي، وتعرف بخرابة إسماعيل باشا. وتبلغ نحو عشرة آلاف ذراع شطرنجي. وقد عمرت في هذه الأيام دورا وحوانيت، ولم يبق منها سوى القليل، ويوجد منها جانب عظيم جار في أوقاف جامع منكلي بغا المعروف بجامع الرومي، وبقيتها مملوكة لبعض الناس. حدود ولاية حلب ولاية حلب باعتبار ما يتبعها من المدن والقصبات والقرى، التي ترجع حكامها إلى أوامر حكام حلب أيام الحكومة العثمانية، يحدّها من جهة الجنوب لواء حماة من ولاية سورية التي مركز واليها مدينة دمشق الشام. ومن الغرب البحر الأبيض المتوسط، ثم ولاية أذنة. ومن الشمال ولاية سيواس. ومن الشرق ولاية ديار بكر، وولاية معمورة العزيز ولواء الزور، الذي سنتكلم عليه في الباب الذي عقدناه في الكلام على البلدان التابعة ولاية حلب، فولاية حلب تستوعب مسافة طولها من الشرق إلى الغرب خمس وثمانون ساعة وعرضها من الجنوب إلى الشمال تسعون ساعة. وهذه المسافة كان يحكمها من قبل الدولة العثمانية وال مركزه حلب، وتنفذ أوامره إلى متصرّفين اثنين وثلاثة عشر وكيلا يعرف بالقائمقام. أما المتصرفان فمركز أحدهما مدينة الرّها وأوامره تنفذ إلى ثلاثة وكلاء، ومراكزهم: سروج وقلعة الروم والبيرة. وفي سنة 1328 قرر مجلس النواب فصل هذه المتصرفية عن ولاية حلب واستقلالها بالمخابرة توا مع استانبول. ومركز المتصرف الثاني مرعش وأوامره تنفذ إلى أربعة وكلاء مركزهم: الزيتون والبستان وأندرين وبازارجق. وأما الثلاثة عشر وكيلا فتتبع لواء حلب ومراكزهم: قصبة إدلب وبيلان ومنبج ومعرّة النعمان وعينتاب وإسكندرونة والباب وحارم وانطاكية وجسر الشغر، وكلّز ودارة عزة وتعرف بقضاء جبل سمعان، وقد رتب لها وكيل جديد. والمركز الثالث عشر الرقة وكانت تابعة متصرفية الزور، ثم ألحقت بلواء حلب. وسنثبت في عدد سكان كل لواء وقضاء جداول يعلم منها حدود الولاية على وجه الضبط والتحقيق. ثم إن كل واحد من هؤلاء الوكلاء تنفذ أوامره إلى عدة مديرين مراكزهم في نواحي الإقليم الحاكم عليه ذلك الوكيل، وكل واحد من هؤلاء المديرين تنفذ أوامره إلى عدة من مختاري القرى التي في ناحيته. وجميع مديري نواحي الولاية نحو سبعة عشر مديرا وجميع الجزء: 1 ¦ الصفحة: 32 القرى التابعة مراكز حكامها نحو ثلاثة آلاف وثلاثمائة وأربع وسبعين قرية. وسنتكلم في الباب الثالث إن شاء الله تعالى على بعض مراكز المتصرفين والقوّام وبعض المديرين. أما حدود حلب باعتبار ما كان يتبعها من المدن والقصبات والقرى، التي ترجع حكامها إلى أوامر حكام حلب في الأزمان السالفة فذلك شيء يعسر ضبطه جدا. فإن أعمال حلب في تلك الأزمان كانت تتغير زيادة ونقصا كلما تغير عمالها غالبا، ولربما تغيرت زيادة ونقصا في أيام عامل واحد فقط كما يعلم ذلك من تتبع أخبارها في هاتيك الأيام. ونقل ابن الشحنة عن ابن شداد ما ملخصه أن أعمال حلب كانت تنتهي من جهة الجنوب إلى قرب حمص وكانت حماة من أعمالها. قال: وأما الآن فانفردت حماة عنها وصار بين حدود حلب وحماة بعض أميال، وحدها شرقا الفرات وشمالا دروب الروم وغربا البحر الأبيض. قال: وكانت قبلا تنتهي إلى حدود حمص، ثم إلى جبلة واللاذقية وإلى قرية بقربهما تعرف بالقرشية. وفي معجم البلدان لياقوت أن ما بيد ملكها في أيامه مسيرة خمسة أيام من المشرق إلى المغرب، ومثل ذلك من الجنوب إلى الشمال، وملكها في تلك الأيام هو الملك العزيز. حدود دولة حلب ولاية حلب صارت تدعى منذ سنة 1920 م دولة. قال في كتاب المجموعة السنوية لغرفة تجارة حلب ما مؤداه مع المحافظة على لفظه: بناء على مرسوم رئيس الجمهورية بتاريخ 8 تشرين الأول سنة 1919 ومرسوم أول أيلول سنة 1920 تقرر أن تكون تخوم ولاية حلب: شمالا: التخوم الشمالية لسنجق إسكندرونة المستقل، كما كان محددا من المنطقة الغربية من الأراضي المحتلة ثم التخوم الشمالية للمنطقة الغربية القديمة، آخر نقطة منها تلتقي بالخط الحديدي شرقي محطة هلمن. ثم خط الحديد، وهو داخل التخوم حتى تل أبيض، ثم خط يجمع بين تل أبيض وخابور. شرقا: نهر الخابور حتى انصبابه في الفرات ثم نهر الفرات حتى أبو كمال. جنوبا: الخط المعروف بأبو كمال إلى تدمر ثم الحدود الغربية الشمالية لولاية الشام العثمانية الجزء: 1 ¦ الصفحة: 33 القديمة. وتبقى كذلك إلى أن تحدد بدقة تعديات القبائل والرحالة المجاورة لجانبي هذا الخط. ثم الحدود الشمالية للأراضي العلوية المعينة بموجب القرار عدد 319 في 31 آب سنة 1920 وابتداء من النقطة حيث تلتقي بتخوم ولاية دمشق. غربا: البحر المتوسط. كيف تألفت دولة حلب تألفت هذه الدولة من ثلاثة ألوية: وهي لواء حلب، ولواء اسكندرونة المستقل، ولواء دير الزور. يتألف لواء حلب من عشرة أقضية. هي: قضاء جبل سمعان وعزاز والباب ومنبج وجرابلس والمعرة وإدلب وحارم وجسر الشغر وكردطاغ. ولواء إسكندرونة من قضاء انطاكية وبيلان. ولواء دير الزور من قضاء أبو كمال وميادين والحسيجة والحميدي والرقة. بحيرات ولاية حلب بحيرة قلعة المضيق في ولاية حلب بحيرات كثيرة أعظمها بحيرتان: إحداهما بحيرة كانت تعرف قديما ببحيرة أفامية وتعرف الآن ببحيرة قلعة المضيق، ومحلها قريب من جسر الشغر، بينهما مرحلة وماؤها حلو يأتي إليها من نهر العاصي، وهي عدة بطائح تفوق الحصر بين غابات من الأقصاب، وماء العاصي يدخل إليها من جنوبها ويخرج من شمالها وأرضها موحلة وقعرها قريب من قامة الإنسان، يحيط بها القصب والصفصاف. وفي وسطها كثير من جمم القصب «1» والبردي. وفي أيام الربيع ينبت فيها النيلوفر الأصفر حتى يغطي جميعها، وتبقى المراكب سائرة بينه، ويأتي إليها من طيور الماء ما لم يكن مثله في شيء من البحيرات. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 34 ومساحة هذه البحيرة نحو ميلين في مثلهما، ويصاد منها من سمك الحياة والسّلور، وهو السمك الأسود الأملس ما لم يصد مثله من غيرها كثرة ويكون أوان صيده في فصل الشتاء. بحيرة أنطاكية والبحيرة الأخرى بحيرة أنطاكية منبسطة على أراض تعرف بالعمق، على بعد يومين من حلب في غربيّها محاطة بأطراف جبل طوروس وجبل أومانوس والجبل الأعلى وجبل سمعان، وطولها عشرون ميلا وعرضها تسعة أميال، يصب إليها من شماليها ماء نهر عفرين والنهر الأسود ونهر يغرا. ويخرج من جنوبها نهر واحد يتصل بالعاصي تحت جسر الحديد على بعد ميل من أنطاكية. وقرب هذا النهر مصائد للسمك يعرف واحدها باسم (داليان) جارية في تصرّف جماعة معلومين، وفي أواسط هذه البحيرة جزيرة عظيمة يسكن فيها عدد كبير من الأعراب الذين يعانون تربية الجاموس، ويقال لهم جمامسة. والظاهر أن هذه الجزيرة صناعية بدليل سياج قصير حجري عظيم يطيف بها من أسفلها. في هذه البحيرة من الطيور والأسماك مثل ما في بحيرة قلعة المضيق، غير أن سمك السلور في هذه البحيرة يكون أكبر وأكثر. كلتا البحيرتين يضمنهما الناس من الحكومة مسانهة «1» بمبالغ لا تقل عن ألف ذهب عثماني، وينقل منها السمك إلى حلب وغيرها مملوحا وغير مملوح. جبال الولاية جبل الثلج وجبل لبنان وجبل اللكام جميعها متصلة ببعضها. وقد يطلق جبل اللكام على السلسلة الجبلية الممتدة من جبال أومانوس من الشمال إلى الجنوب، حتى تجاوز صهيون والشغر والقصير، وتنتهي إلى أنطاكية وهناك تنقطع، ويمر بالعاصي بين منتهى هذه السلسلة وبين جبل موسى المشتمل على قرى الأرمن التابعة قضاء أنطاكية. وإذا كانت هذه السلسلة عند أفامية قابلها جبل آخر يسمى هناك جبل شحشبو «2» نسبة إلى قرية في طرفه الجنوبي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 35 في قضاء المعرة. ويمتد جبل شحشبو من الجنوب إلى الشمال فيمر على غربي المعرة وسرمين ثم يأخذ غربا ويتصل بجبال الأناضول. هذه السلسلة الجبلية هي الفاصل بين الأناضول وسورية غير بر الشام، وأكثرها مستور بأنواع الأشجار الجبلية. والجبل المعترض بين لبنان من هذه السلسلة «1» هو المعروف باسم كاورطاغ يرتفع عن سطح البحر ألفي ذراع. وكان يسمى قديما جبل أومانوس. ومن هذه السلسلة قسم يعرف بجبل بيلان وجبل بيلان وجبال القصير متصلة به، ويتصل به أيضا الجبل الأقرع، وكان يسمى جبل كاسيوس نسبة إلى كاسيوس اليوناني فاتح سوريا واسمه بالعبرانية جبل حالاق. لخلوّ قمته من النبات. وهذا الجبل وجبل أومانوس يظهران من حلب في وقت الصحو. ويتصل بسلسلة جبل طوروس في ولاية حلب جبل آخور المؤلّف من جبال زيتون ومرعش وجبل الأكراد وجبل قره بيقلي المعترض في بطائح عنتاب وجبل الزاوية في قضاء إدلب، والجبل الأعلى في قضاء حارم، ويعرف قديما بجبل السّماق. والجبل الأسود في لواء أورفه. أنهر الولاية أعظم الأنهر التي تخترق ولاية حلب: نهر الفرات، أوله من سفوح جبال أرزنجان المعروفة قديما بجبال قاليقلا، على مقربة من ديامين في لواء بايزيد من ولاية الأرزن، وبعد أن يجري إلى قرب كيان معدني ينصب إليه نهر آخر يعرف في محله بنهر مراد، رأسه من مكان يعرف هناك باسم (بيك كول) أي ألف بحيرة. وبعد اقتران هذين النهرين ببعضهما يكون نهر عظيم يطلق عليه اسم الفرات فيأخذ إلى قرب ملاطية ثم إلى سميساط ثم يدخل إلى ولاية حلب في أيام الحكومة العثمانية من تجاه قلعة المسلمين المعروفة باسم روم قلعة، من جهة شماليها وغربيها، ثم يجري إلى البيرة من شماليها، وهناك يصل عرضه في الشتاء إلى ألف وستمائة ذراع، ثم يشرّق حتى يمر ببالس «مسكنة» وقلعة جعبر ثم الرقة فالرحبة فعانة فهيت، ثم يخرج إلى قضاء العراق وراء بغداد إلى الشرق ويلتقي مع دجلة في البطائح ويخرج منه أنهر كثيرة يطول ذكرها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 36 طول جريان الفرات من منبعه إلى انصبابه في شط العرب ستمائة وثلاثة وعشرون فرسخا. ويصب فيه بهذه المسافة زهاء ثلاثة ألف نهر وعين ما بين كبيرة وصغيرة. وعرضه يتراوح بين 200 و 1600. وعمقه ما بين 15 مترا إلى متر واحد باعتبار الفصول والمواسم. ولهذا النهر في بعض السنين طغيان عظيم فيفيض على مسافة فراسخ في السهول المجاورة له. وقد يزرع أهل مسكنة والرقة وما والاهما غبّ هبوطه الذرة البيضاء فتخصب جدا. وروى بعض المؤرخين أن ملوك نينوى منذ أربعة آلاف سنة كانت توزع مياه الفرات إلى عدة جداول تصرفها إلى زروعها حتى انقطع زمنا طويلا عن شط العرب. ولم يزل سكان شطوط الفرات، من مسكنة وما والاها، يسافرون فيه إلى بغداد وما والاها على ألواح خشبية يشدونها إلى بعضها بالحبال ويربطون في أسفلها مما يلي الماء ظروفا منفوخة. والأتراك يسمون ذلك كلكا ويسمى واحدها في اللغة العربية طوفا أو رمثا. وفي حدود سنة 1295 سيّرت سفينة بخارية في نهر الفرات فلم تسلك فيه إلا في أيام فيضانه زمن الربيع، وكان سلوكها من البصرة إلى مسكنة فإذا رجع الفرات إلى حاله بطلت حركتها فيه لانكشاف الماء عن صخور تعارض السفينة المذكورة. كان لا يوجد على هذا النهر في ولاية حلب جسر ولا قنطرة. إنما يجتاز منه إلى الجزيرة على الزوارق يضمن الناس ريعها من الحكومة. وقد خطر للحكومة التركية عدة مرات أن تجعل على هذا النهر عند البيرة جسرا من حديد، وكثيرا ما تفاوضت أيضا بفتح قناة من عند مسكنة إلى حلب فلم يتم لها ذلك. ثم في سنة 1333 انتهى عمل الجسر الحديدي على هذا النهر عند جرابلس، كما ستقف عليه في أخبار السنة المذكورة من باب الحوادث من هذا الكتاب إن شاء الله تعالى. السقاية من هذا النهر لا تكون بغير الكرد والدولاب، والغرّاف يجر الماء إليهما بواسطة ساقية ثم يرفع بواسطة هذه الأدوات. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 37 نهر العاصي ويقال له نهر حماة، ونهر الأرند، والنهر «1» المقلوب لجريه إلى الشمال. وأصل منبعه اللبوة ومغارة الراهب. فيكون نهرا صغيرا في قرية قرب بعلبك تسمى الرأس شمالي بعلبك في جبل لبنان. ثم يصب في بحيرة قدس. وبعد أن يخرج منها يسمى الميماس، وعند حماة يسمى العاصي. وبعد أن يجري مسافة واسعة ويعظم بما ينصبّ إليه من العيون والأنهار يجتاز بجسر الشغر من جهة شرقيها ثم لا يزال يجري حتى يمر على دير كوش إلى جسر الحديد، وذلك جميعه في شرقي جبل اللكام. فإذا وصل إلى جسر الحديد ينقطع الجبل المذكور هناك ويستدير النهر ويرجع ويسير جنوبا وغربا، ويمر على أنطاكية حتى يصب في البحر الأبيض المتوسط عند السويدية. وفي أنطاكية يسمى الأرند، وهناك يوجد منه مسافة طويلة من ضفتيه تتراءى فيهما ذرّات ذهبية كثيرة مما يدل على أن تلك البقاع من هذا النهر لا تخلو من معدن ذهبي غني. النهر الأسود النهر الأسود رأسه من جبل بركة. وبعد أن يسقي جانبا عظيما من مزارع الأرز أمام الجبل المذكور، ويسقي سهولا واسعة من العمق ينصب إلى بحيرة أنطاكية المتقدم ذكرها وهذا عليه عدة طواحين للتركمان وغيرهم. نهر عفرين نهر عفرين رأسه في شرقي جبل اللكام ويمر على الراوندان إلى الجومة إلى العمق ويختلط بالنهر الأسود. نهر يغرا نهر يغرا رأسه قريب من يغرا يمر عليها ثم يصب في النهر الأسود. وفي حدود سنة 850 عقد أحد أعيان حلب على نهر يغرا جسرا عظيما هو الآن متوهّن جدا وباني هذا الجسر (سعد الله الملطي) وهو باني المدرسة السعدية بحلب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 38 ثم إن نهر عفرين قد يتسع في أيام الشتاء اتساعا عظيما حتى يعسر المرور منه، مع أنه قد يجف في أيام الصيف أو يقارب الجفاف. وفي سنة 1300 انعقد عليه قرب قرية الزيادية في ناحية الجومة من أعمال كلّيس جسر حجري عظيم غاية في الإتقان والزخرفة. وحين انتهاء عمله أولم المجلس البلدي عنده وليمة حافلة دعا إليها جميع وجهاء الولاية من أمراء الحكومة والعسكرية والعلماء والأعيان، فصار يوما مشهودا بلغت نفقته أربعمائة وثمانين ذهبا عثمانيا أخذت من صندوق بلدية حلب وكلّيس وأنطاكية واسكندرونة ثم إن هذا الجسر لم يلبث إلا ريثما أتى عليه الشتاء، وهطلت السماء بالسيول الجارفة وتدفقت على عفرين ظهور الجبال وبطون الأودية، وساقت إليه ألوفا من الأخشاب والأشجار الجبلية، فما كان إلا أن تعاظم هذا النّهر وطغى وحمل على الجسر حملة شديدة دكّت منه قنطرتين وساقت أحجارهما إلى مكان بعيد، فأصبح كأن لم يغن «1» بالأمس. ولما كان وجوده مما لا بد منه، لأنه معبر لطريق المركبات الذي تم أيضا في السنة المذكورة، فقد قضت الحال بإعادته. ولضيق الصندوق البلدي عما يعيده حجرا أعيد من الخشب فاستحضرت الأخشاب العظيمة وربطت ببعضها بالحديد ونصبت كالباب العظيم على أطراف القنطرتين الباقيتين، ورجع الانتفاع به كما كان، غير أنه لم يلبث أيضا أن أتى عليه الصيف وعلقت به النار ولم يجتمع الناس لإطفائه إلا وقد استحال رمادا كأن لم يكن، ثم بعد مدة أعيد خشبا على الصفة المذكورة وقد مسحت هذا الجسر بقدمي فبلغ طوله 259 قدما وعرضه 32 وقرأت ما نقش على حجرة في شمالي رأسه الغربي ما صورته: «أنشئ هذا الجسر المتين في عهد خلافة سلطان السلاطين الخليفة الأعظم صاحب الشوكة السلطان الغازي عبد الحميد خان الثاني، وكان إنشاؤه ثمرة الهمة التي بذلها حضرة جميل باشا والي ولاية حلب وأثر مهارة رئيس مهندسي الولاية قسطنطين مادريديس أفندي، وضع أساسه بحضور حضرة الوالي المشار إليه في اليوم الثاني من عيد الأضحى سنة 1298 هجرية. وثم إنشاؤه في ظرف سنة واحدة، وصادف فتحه كذلك في اليوم الثاني من عيد الأضحى سنة 1299 بحضور الوالي المشار إليه ودعي اسمه المجيد جسر السلطان عبد الحميد، وبلغت نفقة تعميره أربعة آلاف وأربعمائة وثمانية عشر ذهبا عثمانيا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 39 سواحل الولاية لولاية حلب عدة سواحل أعظمها اسكندرونة القائمة على سيف البحر «1» الأبيض، بعدها عن حلب على خط مستقيم ستة وسبعون ميلا تقريبا. وأما بعدها عن طريق أنطاكية الذي يسافر عليه الكروان «2» فمائة وتسعون ميلا ومسافة هذا الطريق على سير البغل أربع وعشرون ساعة تقطع على ثلاث مراحل. وميناء اسكندرونة من أحسن مواني حلب لأن جبل اللكام يرسل هناك بعض شعابه فتنعطف ويتكون منها شكل حوض كأنه من عمل الصناعة. ومن مواني حلب أيضا ميناء السويدية من عمل أنطاكية ثم ميناء قاب آو من عمل اسكندرونة ثم قره طوران من مضافات جسر الشغر. حرّ حلب يشتد حر حلب من تاسع يوم من حزيران ويستمر إلى اليوم الحادي عشر من أيلول، وحينئذ يأخذ بالاعتدال. وأشد ما يكون في شهري تموز وآب لأن فيهما تهب ريح السموم وترتفع الزّوابع في ضواحي حلب وتقوى الهوامّ والحشرات وتخرس بلابلة الرياض وتشحّ مياه العيون والآبار وربما جف بعضها ويلذّ الماء البارد ويعلو الزئبق في هذا البحران «3» إلى بضع وثلاثين درجة في الظل الشمالي بمقياس السنتكراد وقد يصل في بعض السنين إلى الدرجة الحادية والأربعين. وذلك نادرا جدا وحينئذ يشتد ضرره على الأطفال، فإنه قد يسبب لهم الإسهال الأسناني ويوعك أجسامهم. والنوء يضطرب من ابتداء شهر أيلول فلا يكاد يستقيم على حالة واحدة ساعة واحدة فينبغي التحفظ بالثياب والتدثّر وقت النوم. قال بعضهم شعرا: خذ في التدثّر في الخريف فإنه ... مستوبل ونسيمه خطّاف يجري مع الأجسام في غسق الدّجى ... بلطافة ومن اللطيف يخاف والنوم على السطح في غير شهر تموز لا يخلو من ضرر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 40 برد حلب يشتد برد حلب من تاسع كانون الأول ويمتد إلى ثامن يوم من آذار وعند ذلك يأخذ باضمحلال ويعتدل الوقت. وفي الكانونين تهب ريح الشمال وينجرد الشجر وكثيرا ما يجمد الماء وتصول الضواري في الصحاري وتختفي الهوامّ وتكثر الأمطار ويقع الصقيع ويهبط الزئبق في الظل الشمالي عن الصفر نحو خمس درجات، وربما هبط في بعض السنين إلى ما هو أدنى من ذلك ففي سنة 1329 هجرية المصادفة 1326 رومية هبط الزئبق في شهر كانون الثاني إلى الدرجة السابعة والعشرين تحت الصفر مستمرا ذلك نحو ثلاثين يوما، الأمر الذي لم يسمع وقوع نظيره في حلب، كما نوّهنا عن ذلك في حوادث السنة المذكورة. على أن البرد في بقية السنين مهما كان عظيما فإنه لا يزيد فيه هبوط الزئبق إلى ما دون الدرجة العاشرة تحت الصفر، وهو إذا بلغ هذه الغاية أو ما قاربها يتألم منه النحفاء والشيوخ ألما زائدا وينشأ عنه أمراض صدرية وعلل ريحية ومفاصلية، وتعظم نكايته في الأطفال، ويكثر فيه النقف والقمطلس «1» والزكام والحادر حتى يكاد لا ينجو من ذلك أحد، وأضرّ ما يكون في الشتاء خلواته الحارّة التي يجتمع فيها الناس للسهر والسمر، فيوقدون ضمنها النار حتى تصير كأنها بيت من بيوت الحمام ثم يتنازلون الماء البارد الذي قارب الانجماد أو يخرجون إلى الهواء وقد انفتحت مسامهم، واستعدّت لقبول البرد أجسامهم. تحول العوارض الجوية في حلب ذكر صاحب طبقات الأطباء في ترجمة الطبيب الشهير المختار بن الحسن عبدون المعروف بابن بطلان، المتوفى سنة 458. أنه كان يعتقد أن العوارض الجوية في أصقاع حلب كانت باردة ثم تحولت إلى حرارة، مستدلا على صحة دعواه هذه بما حكاه له أشياخ أهل حلب من أن شجرة الأترجّ ما كانت تنبت في حلب لشدة بردها وأن الدور القديمة في حلب لم تكن تستطاع السكنى في طبقتها السفلى. وأن الباذهنجات (ملاقف الهواء) حدثت في حلب منذ زمان قريب حتى إنه لا دار إلا وفيها باذهنج بعد عدم وجودها مطلقا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 41 أقول: إننا بحثنا في هذه المسألة بحثا دقيقا فظهر لنا فيها عكس ما ادعاه المختار أي أن العوارض الجوية في أصقاع حلب كانت حارة ثم أخذت تتحول إلى البرد. ومن ثمة اضطررنا أن ننتقد أدلة المختار التي نقلها في هذه المسألة عن أشياخ أهل حلب، فنقول إن عدم نبت شجر الأترجّ في حلب في هاتيك الأيام لا لشدة برد حلب بل لأن هذه الفصيلة من الشجر كانت قبل سنة 300 غير موجودة ولا معروفة في حلب وجميع بلاد سوريا والعراق ومصر وغيرها من الممالك الكائنة في المناطق المعتدلة. قال المسعودي في كتابه مروج الذهب ما خلاصته: إن هذه الشجرة يعني شجرة الأترجّ لم تكن موجودة في البلاد قبل الثلاثمائة، وإنما حملت من أرض الهند إلى غيرها بعد هذا التاريخ، فزرعت في عمان، ثم نقلت إلى البصرة والعراق والشام، حتى كثرت في دور الناس في طرسوس وغيرها من الثغور الشامية وأنطاكية وسواحل الشام وفلسطين ومصر، وما كانت تعهد ولا تعرف إلخ. وهناك دليل آخر على أن عدم نبت هذه الشجرة في ذلك التاريخ لعدم وجودها لا لشدة البرد، هو أنه كان يوجد في حلب شجر النخيل الذي هو أقل تحملا للبرد من شجر الأترج، كما يأتي بيانه قريبا. وأما عدم استطاعة السكنى في الطبقة السفلى من بيوت حلب فهو دليل قد يؤيد عكس المدعي به إذ البلاد الباردة كالأناضول، يفضل أهلها السكنى في أيام الشتاء في الطبقة السفلى على العليا، لأنها أقل تعرضا للبرد من العليا. نعم قد يكون عدم استطاعة سكنى أهل حلب في الطبقة السفلى لكثرة رطوبات البلدة في ذلك التاريخ، لعدم انتظام مجاري قاذوراتها وامتلاء خنادقها من المياه تحصينا لها مع ضيق أزقتها وكثرة أهلها المحصورين داخل سورها الذي كان يقدر بنحو النصف من مساحته الآن. ولهذا كانت الأوبئة والطواعين لا تكاد تفارق حلب. وأما عدم وجود الباذهنجات «1» فيها أولا ثم وجودها أخيرا فإن المفهوم من هذا أن البرد بينما كان في مدينة حلب شديدا، إذ تحول بغتة إلى الحرّ، ومسّت الحاجة إلى عمل الباذهنجات، وهذا مما لا يتصوره عاقل إذ أن سير التحول الجوي بطيء جدا لا يدرك حصوله بأقل من ألف سنة وأكثر، فالأولى أن يحمل تسرّع أهل حلب إلى عمل الباذهنجات على التفنن وتحسين المباني والاقتداء ببغداد عاصمة الممالك الإسلامية في الشرق بعمل الباذهنجات تلطيفا للجوّ، وتخفيفا للرطوبات. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 42 أدلة تحول العوارض الجوية في أصقاع حلب من الحر إلى البرد الدليل الأول: وجود شجر النخيل في حلب في قديم الأزمان فإن الشاعر الصنوبري المتوفى سنة 334 نظم قصيدة بديعة طويلة مدح بها حلب وذكر منتزهاتها وأزهارها، ثم قال: أيّ حسن ما حوته ... حلب أو ما حواها سروها الداني كما تدنو ... فتاة من فتاها آسها الثاني قدود ... الهيف لمّا أن ثناها نخلها زيتونها أولا ... فأرطاها غضاها «1» فالمفهوم من البيت الأخير أن شجر النخيل من جملة أنواع الشجر التي كانت في مدينة حلب وهو كما قلنا سابقا أقل تحملا للبرد من شجر الأترجّ، على أنه الآن لا أثر له في حلب البتة ولا يمكن أن يعيش في أرضها ولا فيما قرب منها. الدليل الثاني: استقصينا كثيرا من الدور العظام القديمة في حلب فوجدنا أكثرها قد خلت جهتها المتجهة إلى الجنوب من الغرف والخلوات، وأن أكثر هذه الدور كان يعتني أهلها الأقدمون بجهتها المتجهة إلى الشمال، لأنهم يبنون فيها الأواوين والغرف سفلا وعلوا، فعدم اعتنائهم في الجهة المتجهة إلى الجنوب لم يكن له من سبب في تلك الأزمنة سوى شدة حرارتها بسبب إشراق الشمس عليها. واعتناؤهم بالجهة المتجهة إلى الشمال لم يكن ناشئا إذ ذاك إلا عن اعتدال حالتي الحر والبرد في فصل الشتاء، أما في هذه الأيام، وفيما أدركناه من الأعوام قبلها، فإن الجهة المتجهة إلى الجنوب من الدور في حلب هي التي تبذل العناية في بنائها خلوات وغرفا سفلا وعلوا وهي تعتبر عندنا من أشرف جميع المساكن التي تكون في باقي جهات الدار. وإن الدار التي تخلو جهتها هذه من البيوت والغرف تعد عندنا مشوهة. والمثل المشهور عند الحلبيين الآن قولهم: بيت يسكن صيفا وشتاء، وهو المتجه إلى الجنوب والغرب، وبيت لا يسكن لا صيفا ولا شتاء، وهو المتجه إلى الشرق. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 43 الدليل الثالث: وجود كثير من شجر الأترجّ في بساتين حلب، في الزمن القديم. فقد ذكر دار فيو الذي كان قنصل دولة فرنسة في حلب سنة 1040 في كتابه الذي سماه (تذكرة أسفاري) أنه شاهد بساتين حلب مملوءة من شجر الأترجّ فهذا دليل صريح على أن العارض الجوي في حلب كان منذ ثلاثمائة سنة معتدلا يمكن أن يعيش فيه هذا النوع من الشجر مع أننا الآن لا نعرف بستانا خارج حلب يشتمل على شيء من هذا الشجر أما في حدائق البيوت فيوجد منه القليل إلا أنه لا تكاد شجرته تبلغ حد الإثمار إلا ويدهمها الصقيع فتيبس. وهكذا قد استمر شأن هذه الشجرة منذ أربعين سنة حتى أصبحنا في يأس من نجاحها في حلب، وصار الناس عندنا يسمونها شجرة الهمّ لما يتكبدونه من الزحمة في حمايتها وحفظها من البرد. الدليل الرابع: يوجد الآن في جبل ليلون كثير من أصول شجر الزيتون الذي له فروع ضئيلة لا يزيد ارتفاعها على قدر قامة الإنسان، وهي غير مثمرة وفي هذا الجبل أيضا أطلال معاصر لعصر زيت الزيتون، وأحواض منقورة في الصخر لإحراز الزيت، مما يدل على أن هذا الجبل كان وطنا للزيتون مدة عصور طويلة، أما الآن فإنه إذا غرس فيه شيء من هذا الشجر، نبت وطالت فروعه لكنه لا يكاد يبلغ حد الإثمار إلا وتطرقه آفة البرد فيصقع وييبس. الدليل الخامس: كنا نعهد في ضواحي حلب وبعض البلدان المضافة إليها عددا غير قليل من مغارس الزيتون الناجح المثمر الذي يوجد فيه كثير من الأشجار المعمّرة التي مضى على غرسها مئات من السنين، بل بعض المسترزقين بالزيتون يبالغون في قدم هذه الأشجار ويقولون إنها قائمة في مغارسها منذ زمن السيد المسيح صلوات الله عليه. على أن أكثر هذه المغارس قد دب العطب فيها منذ عشرات السنين وانتهى عطبها عن آخرها بما فيها من الأشجار المعمرة في سنة 1329 وبهذا يستدل على أن البرد الذي عطبت به هذه الأشجار لم يمر عليها نظيره منذ نشأت وإلا لما سلمت كل هذه المدة. الدليل السادس: أن القطن كان يوجد في جهات حلب أشجار خالدة تبقى الشجرة منه عدة أعوام، على ما حكاه ابن البيطار في تذكرته، مع أن القطن لا يكون أشجارا خالدة إلا في الأصقاع المعتدلة في الحر والبرد، وهو الآن ما لا وجود له في حلب ولا في جهتها الجزء: 1 ¦ الصفحة: 44 مطلقا وإنما يزرع مجددا في كل سنة. هذا ما أدى إليه اجتهادي ودلني عليه البحث والاستقصاء والله أعلم. اعتدال مناخ حلب ينبغي أن تعد حلب من البلاد المعتدلة المناخ، لأنها في وسط معتدل من الأقاليم الرابع، لكن لما كانت حجارة مبانيها ذات مسام تحفظ الحر والبرد زمنا طويلا ثم تعكسهما، كان لحرها وبردها تأثير شديد في موسم الشتاء والصيف وهي تستمد البرد أيضا من جبل أومانوس المتوج بالثلوج في أكثر الأوقات وليس بين أصله وبين حلب سوى مسافة ثلاثين ميلا. ليس لوقوع الثلج في حلب ضابط بعد دخول الكوانين، إذ ربما وقع في أواخر نيسان. وأكثر وقوعه في كانون الثاني، وإذا وقع فالغالب أن لا يبقى أكثر من ثلاثة أيام، وقليلا ما يبقى أكثر من هذه المدة. وأما البرد فالغالب أن يكون وقوعه قليلا في فصل الربيع. وأما الضباب فيكثر انتشاره في الكانونين. وإذا انتشر مساء. دل غالبا على المطر ليلا، أو صباحا دل غالبا على الصحو نهارا. ومن الأمثال السائرة بين أهل حلب قولهم في الضباب: (إذا وقع عشيّه حوّش مغارة دفّيه، وإذا وقع باكر خذ العصا وسافر) . ماء حلب أما ماؤها فينقسم إلى ثلاثة أقسام: ماء مطر وماء قناة وماء ينبوع. أما ماء المطر فإنه يجمع مما يسقط منه على أسطحة البيوت، ويحرز في الآبار المعروفة بالصهاريج، ويترك حتى يرقد فيعود نقيا باردا لطيفا مدرا خفيفا. لكنه كثيرا ما يتكون فيه جراثيم حيوانية للحوقه بعض مواد زفرة. أو يكتسب من طول مكثه رائحة عفنية وطعما نباتيا إذا كانت البئر سحيقة وليس لها نافذة توصل إليها الهواء. وفي هاتين الحالتين يجب اجتنابه. وأما ماء القناة فإن استعمل قبل صفائه في الآبار وغيرها فهو السمّ الناقع يورث الحمى والإسهال وأمراض المعدة وغير ذلك من العلل الفتاكة. وإن استعمل بعد الصفاء والبرودة قل ضرره على شرط خلوه من الجراثيم الحيوية وعدم مكثه في الصهاريج أكثر من ستة أشهر وإلا كان الجزء: 1 ¦ الصفحة: 45 مضرا. وأما ماء الينبوع فهو ما كان من عين التل أو العين البيضاء، أو غيرهما من العيون القريبة من حلب. كعين اشمونيث وعين العصافير قبلي الصالحين (وعين اشمونيث) هذه في ظاهر حلب من قبليّها تسقي بستانا يقال له الجوهري، وإن فضل منها شيء صب في قويق. وقد ذكرها في شعره منصور «1» بن مسلم بن أبي الخرجين بتشوق إلى حلب فقال: أيا سائق الأظعان من سفح جوشن ... سلمت ونلت الخصب حيث ترود أبن لي عنها تشف ما بي من الجوى ... فلم يشف ما بي عالج وزرود هل العوجان الغمر صاف لمورد ... وهل خضّبته بالخلوق مدود وهل عين أشمونيث تجري كمقلتي ... عليها وهل ظلّ الجنان مديد فهو، أي ماء هذه العيون، الجامع الصفات المطلوبة في الماء: من الصفاء والخفة والإدرار، ولا سيما ماء العين البيضاء أو عين التل في شمالي حلب على بعد ساعة منها، فإن ماءهما الغاية فيما ذكر لولا كثرة كلسيّته. أما آبار النبع في المدينة فإن ماءها يختلف في طعمه ونفعه وضره باختلاف محالّه فماء آبار قلعة الشريف أو ما قاربها من المحلات مالح آجن يقارب ماء البحر في طعمه وريحه، والبعض منه لا يمكن أن يطبخ به ولا أن تغسل منه الثياب حتى ولا النحاس لأنه يحيل بياضه إلى السواد بل قد يسود الحجر إذا كثر صبه عليه، وهو مع هذه الصفات الذميمة عميق سحيق لا يصعد على وجه الأرض إلا بحبل طوله نحو عشرين باعا. وأما بقية الآبار في غير هذه المحلة فمنها ما هو قليل الملوحة جدا حتى لا تكاد تدرك ملوحته إلا بإمعان الذوق، وذلك كغالب آبار المحلات الخارجة عن باب النصر وآبار محلة الجلّوم وما جاورها. وأكثر الناس يستعمل ماءها شربا وغسلا، وهي تصعد على وجه الأرض بحبل طوله أربع باعات إلى اثني عشر على حسب اختلاف مواقعها. ومنها ما هو ظاهر الملوحة كآبار بقية محلات حلب كالعقبة وأكثر المحلات المرتفعة. وهذا النوع أكثر الأنواع وقلّ من يستعمله للشرب وغسل الثياب. والخلاصة أن ماء حلب الجاري قليل غير كاف لها وهو كدر قذر لما ينصب إليه من مجاري المياه القذرة قبل جريانه في القناة ودخوله إلى حلب، ثم لما يلحقه من التلويث في الحياض والقساطل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 46 التي تجري إليها المياه، ومنها تفيض إلى الآبار والبرك فيتناولها بعض الناس قبل أن ترقد وتصفو فتكثر فيهم الحميات وأمراض المعدة وتكثر في الأطفال الديدان. هواء حلب الغالب على هواء حلب الاعتدال بين الحرارة والبرودة. ولجفاف جهات مهابّه، لقلة المياه الراكدة والجارية فيها؛ كان الغالب عليه اليبس غير مصحوب برطوبة. وقد تصحبه في بعض الآونات «1» من الفصول الثلاثة التي هي، الشتاء والربيع والخريف. وهو في حالة اعتداله ويبسه على غاية ما يكون من الموافقة للصحة العامة. ومعظم هيجان الرياح عندنا في شهر تموز، والغالب أن يكون غربيا، والعامة تقول: تموز الهاوي. وبعد مضي هذا الشهر تضعف العواصف ويقل خطرها حتى أواسط شباط، فتهيج ريح شديدة نحو يوم أو يومين. والعامة تسميها نفّاخ الشجر أي إنها تنفخ الشجر وتهيّئه لانبثاق «2» النور والورق. ثم تأخذ هذه الريح بالضعف إلى نحو اليوم الخامس والعشرين من شباط فيعظم هيجانها ويشتد هبوبها وتدوم هكذا إلى نحو اليوم الخامس من آذار، والعامة تسميها في هذه المدة ريح الأعجاز. وفي بعض السنين تكون هذه الريح مضرة ضررا فاحشا بالأشجار، فتنثر زهرها وتسقط ما انعقد من ثمرها. ثم في الحادي عشر من نيسان أو قبله أو بعده بقليل، تهبّ ريح شديدة شمالية تنقطع تارة وتعود أخرى إلى الحادي والعشرين منه. وهذه الأيام تسمى العوّاء ويقال: لا نوء بعد العوّاء. وهذه العواصف يخشى منها على الشجر، إذ قد لا يبقى فيها ثمرة واحدة، ولذا اعتاد كثير من مستأجري البساتين ألا يعقدوا مساقاة أو آجارا مع صاحب البستان إلا بعد مضي هذه الأيام الهاوية. ومعظم الهواء عندنا هو الغربي وبه لقاح الزرع وامتلاء الضرع وسوق الغمام وصحة الأجسام. ويكون في جميع الفصول والمواسم. وقد تهب ريح الشمال، فإن كان الأوان صيفا فليست بضارة، وإن كان شتاء اشتد بهبوبها البرد وخيف على الزرع والشجر، وربما هبت في أوائل الربيع مصحوبة بشيء من الصقيع. فتهلك الحرث «3» والنسل، وتتلف الزروع الأرضية الجزء: 1 ¦ الصفحة: 47 والشجرية، وقليلا ما يحصل ضرر من الريح الشرقية، وقد تضر بعض الزروع إذا هبّت شتاء وتزداد نكاية الحر بهبوبها صيفا، ولربما حشرت الجراد من الشرق. وأما الريح الجنوبية فهي نادرة عندنا جدا ولا خطر لها إذا هبّت شتاء، وإذا هبت صيفا زادت قوة الحر وجلبت معها السموم. تراب حلب وأما ترابها فهو من أحسن أتربة البلاد، تنجب فيه جميع الزروع والغروس التي تنجب بالأقاليم المعتدلة. والغالب على لون أتربة حلب البياض والحمرة والخلو من المادة الرملية وكثرة الصلصالية. ويوجد في حلب كثير من البساتين التي تزرع في السنة أربع مرات. ومع هذا فلا تقصر عن غيرها. والسّرجين العام لتربة حلب فضلات الإنسان والحيوان والنبات ونحو ذلك قال ياقوت في معجم البلدان: وشاهدت من حلب أعمالها ما استدللت به على أن الله تعالى خصها بالبركة وفضّلها على جميع البلاد. فمن ذلك أنه يزرع في أراضيها القطن والسمسم والبطيخ والخيار والدّخن والكروم والذرة والمشمش والتين والتفاح عذيا «1» لا يسقى إلا بماء المطر، ويجيء مع ذلك رخصا غضا ربما يفوق ما يسمى بالمياه والسّيح «2» في جميع البلاد. وهذا لم أره فيما طوفت من البلاد في غير أرضها. أقول: ليس ما ذكره ياقوت من أنواع الشجر والنبات فقط يعيش عذيا في حلب، بل هناك أنواع كثيرة من الشجر والنبات الذي لا يعيش في غير تربة حلب إلا سقيا، ويعيش وينجب فيها بعلا «3» لا يسقى بغير ماء المطر، وذلك كالجوز واللوز والرمان والتوت والفستق والبندق والكرز والكمّثرى، وكاللوبياء والفاولة والبامية والطماطم والباذنجان، وأنواع اليقطين والخروع «4» والتبغ، وبالإجمال جميع أنواع النباتات الربيعية والصيفية، وكلها تجود وتخصب عذية بقدر جودة فلاحة الأرض وتسميدها وعمقها. ومن جملة أنواع النبات الذي ينبت بنفسه دون استنبات، ويجود وينبج دون أقل عناية، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 48 عرق السوس، الذي ينبت في جميع أرجاء ولاية حلب فيقلع وينقع ويستخرج منه مشروب حلو لذيذ نافع مسهل قليلا. وقد بلغ ما أرسل من هذا العرق إلى أميركا في سنة واحدة ما قدرت قيمته بمائة وخمسين ألف ليرة عثمانية. عرض حلب وطولها وارتفاعها عن سطح البحر عرض حلب ست وثلاثون درجة وطولها ثلاث وستون درجة. وترتفع عن سطح البحر خمسمائة متر. وعرض البلد عبارة عن بعدها عن خط الاستواء إلى جهة القطب الجنوبي أو الشمالي، والمعروف قديما أن جميع المعمورة شمالية وطول البلد الذي نعتبره: عبارة عن بعدها عن الجزائر الخالدات في ساحل البحر الغربي. وغاية طول النهار عندنا من مطلع الشمس إلى غروبها أربع عشر «1» ساعة وأربعون دقيقة. وغاية قصر الليل من غروب الشمس إلى طلوعها تسع ساعات وعشرون دقيقة. وغاية قصر النهار من طلوع الشمس إلى غروبها تسع ساعات وخمسون دقيقة، وغاية طول الليل أربع عشر «2» ساعة وعشر دقائق. وابتداء فصل الربيع كما هو عامّ في جميع البلاد الشمالية من حلول الشمس في رأس الحمل، وذلك في اليوم الثامن من آذار، ويمتد إلى حلوها في أول السرطان، وذلك في اليوم التاسع من حزيران وهو ابتداء فصل الصيف ويمتد إلى حلول الشمس في أوائل الميزان حادي عشر أيلول، وهو ابتداء الخريف، ويبقى إلى حلولها في أول الجدي تاسع كانون الأول، وهو أوّل الشتاء واستواء الليل والنهار يكون في رابع آذار، وهو الاستواء الأول الربيعي وفي الرابع عشر من أيلول وهو الاستواء الثاني الخريفي. معادن ولاية حلب أراضي ولاية حلب لم تزل كباقي أراضي الولايات العثمانية الآسيوية بكرا قد اختبأ فيها كثير من أنواع الفلزات والمعادن الغنية القليلة النظير. ومما يوجد في ولاية حلب معدن النحاس غربي حلب على مسافة ربع ساعة منها، وهو في ذيل جبل الجوشن. حكى لي صديق من الصاغة أنه استخرج منه نحاسا في غاية الجودة، لكنه لم يربح به لكثرة النفقة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 49 في استخراجه. قال: ولو فتح معمل لاستخراجه لربح. ومن المعادن أيضا معدن شبيه بالفحم الحجري في محل يقال له أبو فياض شرقي حلب، في بعد عشرين ساعة عنها، يستعمل الأعراب ترابه ومدره «1» وقودا للطبخ وغيره. ومنها معدن مرمر أصفر في جوار حلب من شماليها في جهة البساتين المعروفة بناحية بعاذين، ومعادن زجاج في قضاء حارم، ومعدن غاز سائل في قضاء اسكندرونة اكتشفته الحكومة قبل ثلاثين سنة وأحالت امتيازه إلى أحد المثرين «2» فباشر تعدينه فلم يفلح، ومعدن ذهب في ضفاف نهر العاصي فيما يلي أنطاكية، ومعدن رصاص فضي، ومعدن أنتيمون، وحجر الكحل، ومعدن فحم حجري، ومعدن الطفال المعروف بالبيلون في قضاء كلّز وأنطاكية. وفي جبال قره مرط إحدى نواحي أنطاكية عدة معادن تستعمل للصبغ. وفي جبل بارسال من أعمال قضاء كلّيس معدن مرمر أصفر ومعدن مرمر وسمّاقي في قرية «جاربين» من أعمال قضاء عينتاب. ومعدن فضة وحديد ومرمر سماقي وأسود في قضاء مرعش، ومعدن حديد في قضاء الزيتون، ومعدن كبريت في رأس العين من أعمال لواء الزور. وكانت منذ عهد قريب تابعة حلب كما أشرنا إليه سابقا. وفي جبل البشري من أعمال دير الزور أربعة معادن وهي معدن القار والمغرة «3» والطين الذي يعمل بواتق «4» يسبك فيها الحديد، والرمل الذي يعمل منه الزجاج وهو رمل أبيض كالإسفيداج. الحمّامات المعدنية في ولاية حلب منها حمّامان في قضاء جسر الشغر وماؤهما كبريتي ينفع من الأمراض الجلدية. ومنها حمّام على جانب الفرات في قضاء بيره جك. وثلاث حمامات في قضاء مرعش والزيتون وقضاء البستان. وحمّام حديدي في القصير من أعمال أنطاكية وهو معروف في زماننا بحمام الشيخ عيسى. قال ابن الشحنة نقلا عن ابن شداد: ويوجد بكورة الجومة «5» من الجزء: 1 ¦ الصفحة: 50 أعمال قنّسرين عيون كثيرة كبريتية تجري إلى الحمام بقرية يقال لها جندراس «1» ، لها بنيان عظيم معقود بالحجارة يقصده الناس من كل طرف، فيسبحون به للعلل. قلت: وهو مشهور في زماننا. ثم قال: وبالسخنة من أعمال قنسرين خمس حمامات ماؤها في غاية الحسن والحرارة ينتفعون بها من البلغم والريح والجرب. قلت: وهي غير مشهورة في زماننا. وقال ابن الشحنة: وبناحية العمق حمّام دخلته مرارا. قلت: وأنا دخلته مرارا وهو كبريتي وحرارته تبلغ اثنتين وأربعين درجة، وهو من أشهر حمّامات الولاية في زماننا ينبع ماؤها في حوض مربع مصنوع مساحته خمس أذرع في مثلها وفي أعلاه ثقب سعته ثمانية سانتيمتر في مثلها، يفيض منه الماء إلى أراضي العمق، وعلى هذا الحوض قبو معقود بالحجارة. وفي أطراف هذا الحمام عدة عيون كبريتية حارة لو جمعت إلى حوض لكانت حماما عظيما. وفي سنة 1300 بنت بلدية حلب على بعض هذه العيون خلوة وصارت تؤجرها بعض الناس. ثم إن جميع هذه الحمامات في زماننا مباح للعامّ لم توضع عليها يد سوى حمام البلدية المذكورة. مملحة الجبول قال ابن الشحنة ما ملخصه: إن نهر الذهب يجري من ناحية باب بزاعا البلدة المعروفة شرقي حلب، حتى ينتهي إلى سبخة الجبول، فيجتمع في مساكب يعملها أهل الجبول والقرى المجاورة لها، فيجمد ويصير ملحا أبيض في مثل بياض الثلج معتدلا في الطعم لا مرارة فيه وهو في إقطاع نيابة حلب وعليه مرتبات من صدقات لأناس كثيرة بمراسم مرعية قال: وسمي هذا النهر بنهر الذهب لأن أوله بالقبان وآخره بالكيل. يعني أنه يزرع عليه في أوله الحبوب المأكولة وبعض العقاقير وهي تباع بالقبان، وآخره يصير ملحا وهو يباع بالكيل. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 51 قلت: هذا في زمانه أما الآن فيباع الملح في القبان أيضا. وقال: وماء هذا النهر في غاية من الصفاء والعذوبة. قلت: المشاهد في زماننا أن هذه المملحة تجتمع مياهها من نهر الذهب، ومن أمطار الشتاء التي تنصب إليها من الأراضي المجاورة المتشبعة من مادة الملح فتصير رقراقا متسعا محيطه ثمان عشر «1» ساعة. فإذا جاء عليه شهر تموز جف الماء ورسب الملح، وهو في غاية الجودة صادق الملوحة سريع الذوب بالماء يصلح للهدايا إلى استانبول وغيرها. وقد يبلغ الملح الذي يستخرج منه سنويا بضعا «2» وعشرين ألف قنطار حلبي أو أكثر. وهذه المملحة الآن خاصة بنظارة الديون العمومية العثمانية. وقد بلغت مداخيلها سنة 1301 رومية ألفي ألف وخمسمائة ألف قرش. وذكر ابن الشحنة في جدول تعديل مداخيل حلب سنة 609، وذلك في أيام الملك الظاهر صلاح الدين، أنّ دخل الملح في السنة المذكورة ثلاث مائة ألف درهم وعشرون ألف درهم. وبحيرة الجبول هذه لا يوجد فيها شيء من الحيوانات المائية سوى أنه عشية كل ليلة من فصل الربيع يرحل إليها للمبيت أسراب عديدة من الإوز والبط تمضي سحابة نهارها في بحيرات العمق لتقتات من حيواناتها، فتقبل إليها صباحا وترحل عنها إلى بحيرة الجبول عشية فترقد فيها، لا ينغّصها فيها شيء من الهوامّ التي توجد في البحيرات العذبة كالبعوض والقمل، إذ لا وجود لهما فيها بسبب ملوحة مائها. نهر حلب قال ابن خطيب الناصرية ما ملخصه: إن نهر حلب اسمه قويق، وكان يجري في الشتاء والربيع وينقطع في الصيف، ومنبعه من بلاد عينتاب، وغوره في المطخ حتى ساق إليه الساجور الأمير أرغون نائب حلب فدام جريانه. وإذا جاء قبليّ حلب تمده العين المباركة فيغور الجميع بالمطخ. وعن ابن شداد أن «قويق» تصغير قاق. وأنه شاهد لهذا النهر مخرجين بينهما وبين حلب أربعة وعشرون ميلا، أحدهما في قرية الحسينية بالقرب من عزاز، يجري ماؤها بين جبلين، حتى يقع في الوطاة قبلي الجبل الممتد من بلد عزاز شرقا وغربا، والآخر عيون من عينتاب وبعض قراها، تجري إلى نهر خارج من فم فج عينتاب، فيقع الجزء: 1 ¦ الصفحة: 52 في الوطاة المذكورة، ويجتمع النهران ويصيران نهرا واحدا يجري إلى دابق ويمر بحلب وقبل وصوله إليها يمدّه عدة عيون فيعظم وتدور به الأرحاء، وأولها بقرية مالد شمالي حلب. وبعد أن يجتاز بحلب تمدّه أيضا عيون أخرى منها العين المباركة، فيزيد بها ويسقي مواضع كثيرة في طريقه حتى يمر على قنسرين، ثم يغور في المطخ، ويخرج من بحيرة أفامية. ودليل ذلك احمرار ماء هذه البحيرة إذا احمر قويق في الشتاء لطغيانه. قلت: هذا من ابن شداد وهم غير معقول، ودليل ليس بمقبول. قال: والمسافة بين مفيضه وأفامية نحو أربعة عشر ميلا. قال ياقوت في معجم البلدان اسم نهر قويق الذي بحلب مقابل جبل الجوشن «العوجان» بالتحريك. وأنشد لابن أبي الخرجين شعرا: هل العوجان الغمر صاف لوارد ... وهل خضبّته بالخلوق مدود؟ «1» وعن بعضهم أن مخرج هذا النهر اسمه قويق. وأهل الخلاعة تكنيه أبا الحسن. وذكر بعضهم أن مخرج هذا النهر من قرية تسمى سيناب «2» على سبعة أميال من دابق، يمر إلى حلب بثمانية عشر ميلا، ثم إلى قنّسرين اثني عشر ميلا، ثم إلى المرج الأحمر المعروف بتل السلطان ألب أرسلان السلجوقي خيم به مدة فنسب إليه. ثم قال: جاء عن بعض المفسرين في قوله تعالى: إِذْ يُلْقُونَ أَقْلامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ كان ذلك على نهر حلب ويقال له قويق. قال ابن الشحنة: ورأيت لهذا النهر منبعا في قرية يقال لها ارقيق بين حلب وعينتاب. ثم قال: قال ابن شداد ومن أحسن ما مدح به نهر حلب قول أبي بكر أحمد بن محمد الصنوبري الحلبي، وهو: قويق له عهد لدينا وميثاق ... وهذي العهود والمواثيق أذواق ففي الخوف، إنا لا غريق نرى له، ... فنحن على أمن وذا الأمن أرزاق ومنها: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 53 وفاضت عيون من نواحيه ذرّف ... ولمّا تعاونها جفون وآماق «1» ومنها: هو الماء إن يوصف «2» بكنه صفاته ... فللماء إغضاء لديه وإطراق ففي اللون بلّور وفي اللمع لؤلؤ ... وفي الطعم قنديد «3» وفي النفع درياق إذا عبثت أيدي النسيم بوجهه ... وقد لاح وجه منه أبيض برّاق فطورا عليه منه زرق حقيقة ... وطورا عليه جوشن منه رقراق وكم عنده نيلوفر متشوّف ... رؤوس كتبر والزبردج أعناق وقد عابه قوم، وكلّهم له ... على ما تعاطوه من العيب عشّاق يهاب قويق أن يملّ فإنما ... يقيم زمانا ثم يمضي فيشتاق وقالوا أليس الصيف يبلي لباسه ... فقلت: الفتى في الصيف يقنعه طاق وما الصبح إلا آئب ثم غائب ... تواريه آفاق وتبديه آفاق وله فيه أيضا: قويق على الصفراء ركّب جسمه ... فما لهب القيظ الأليم يطابقه إذا جدّ جدّ الصيف غادر جسمه ... ضئيلا، ولكنّ الشتاء يوافقه قال ابن الشحنة: يريد أن أصحاب الأمزجة الصفراوية تنتحل أجسامهم في الصيف ويوافقهم الشتاء وأن قويقا يقل ماؤه في الصيف حتى يصير حول المدينة كالساقية. قال: وقد فهمت من هذا أمرا بديعا وراء ما ذكره ابن شداد، وهو أن قويقا تصغير قاق الطائر المعروف، وهو يخالف طبعه الحرّ، فيكون في غاية الضعف صيفا وفي غاية النشاط شتاء. ثم قال: عن ابن شداد عن أبي النصر محمد بن إبراهيم الخضر الحلبي «4» : الجزء: 1 ¦ الصفحة: 54 ما بردى عندي ولا دجلة ... ولا مجاري النيل من مصر أحسن مرأى من قويق إذا ... أقبل في المدّ وفي الجزر يا لهفتا منه على نغبة ... تبلّ منّي غلّة الصدر وأنشد بعضهم: لله يوم مدّ في صدره ... قويق مقصور جناحيه معتدلا يلثم ماء الحيا ... منه بمخضرّ عذاريه «1» وقد وصفه كثير من الشعراء وفي هذا القدر كفاية. والذي أراه أن هذا النهر من جملة الأنهار الطبيعية قديم جدا لا يعرف من جرّه من أصله، خلافا لمن زعم أن الذي جرّه هو الشيخ قويق المدفون بالتربة جنوبي حمام اللبابيدية وهذه التربة لا نعلم أحدا دفن بها غير أرغون نائب حلب، الذي ساق إلى نهرها الساجور كما تقدم وكما تعرفه بعد. ولعل «قويق» أضيف إليه أرغون لمزيد عنايته به فقيل عنه شيخ قويق فحرفته العامة إلى الشيخ قويق. وعندي أن لفظة قويق تحريف قواق لا تصغير قاق، وهي أي قواق يجوز أن تكون من الكلمات التي يستعملها الآن عرب البادية مما لم تحط به معاجم اللغة. وذلك أن عرب البادية يسمون مجرى ماء المطر في المطر «قواق» يلفظون قافها كافا مفخمة. ولما كان نهر حلب معظم مائه من المطر سمي بهذا الاسم، فهو على هذا التقدير لفظ عربي. ويجوز أن تكون هذه الكلمة وهي قواق لفظة تستعمل الآن بالتركية بمعنى الحور، وهو الشجر المعروف وذلك أن هذا النهر كان ولم يزل يزرع على شطوطه في مبدئه من بلاد عينتاب شجر الحور فينمو وينجب ويباع منه مقادير عظيمة. فعرف النهر به لكثرة زرعه عليه. والذي يؤيد هذا أن إطلاق هذه اللفظة على هذا النهر لم يكن إلا في أيام دولة بني طولون إذ أنهم أول قوم من الأتراك حكموا حلب بعد فتحها. ويؤيد ذلك أن هذا الاسم للنهر المذكور لم نره في شيء من النظم والنثر أقدم من كلام الشاعر البحتري الذي استغرقت حياته جميع أيام الدولة المذكورة. كان هذا النهر يسمى قديما شالوس. وقال دارفيو إن هذا النهر يقال له سيغا أو سيكويم وإنه كان يسمى قديما بيلوس. وسماه كزانفون اليوناني الجزء: 1 ¦ الصفحة: 55 خالس. قال: وهو نهر صغير فيه أنواع من السمك والسوريون يحسبونه إلهة ولا يسمحون لأحد أن يصيده وكذلك الحمام كانوا يعبدونه ولا يرضون على من يؤذيه. اه. قلت: المعروف عندنا الآن أن مبدأ هذا النهر من عينتاب. وبعد أن يتصرف أهل عينتاب بمائه كما شاؤوا تجري منه بقية إلى حلب فتمر على قريتي ساسغين وجاغدغين في قضاء عينتاب فتمده عيونهما فيعظم. وعند وصوله إلى قرية حيلان على بعد ثلاث ساعات من حلب يدخل نحو ثلثه في معبر إلى قناة حلب، والثلثان يجريان لسقاية البساتين في حافتيه. ثم في قرب حلب تمده العين البيضاء وعين التل. وبعد أن يجاوز قرية الشيخ سعيد بنحو ساعتين تنصب إليه العين المباركة ويسقي بساتين قرية الوضيحي، وقرية الحاضر، ثم لا يزال يجري حتى يغور في أجمة المطخ. وفي الصيف يفنى ماؤه في سقاية الأراضي بقرية خان طومان لقلة مائه حينئذ. ولو اعتنت الحكومة به صيفا ومنعت القرى المجاورة له قبل حلب من سقي أراضيهم منه لقام بكفاية حلب وبساتينها أتم قيام بدون مضايقة ولا تقسيط، فإن أصحاب البساتين كثيرا ما يقسطون ماءه صيفا، فيأخذه الشماليون أسبوعا والقبليون أسبوعا. ورأيت في سجلات المحكمة الشرعية بحلب إعلاما تاريخه 1159 يتضمن منع أهل قرية ساسغين وجاغدين من أخذ ماء تلك العيون لسقي أراضيهم. وقد اعتادت الحكومة أو دائرة البلدية أن تجمع في كل سنة من مستحقي مائه مالا تسميه مال النهر، تصرفه على تصليح حوافيه وكري «1» الوحول الراسبة فيه. ولهذا النهر في بعض السنين طغيان عظيم من كثرة الأمطار فينبسط ماؤه إلى مسافة ميل من جانبيه ويحطم ما عليه من النواعير، ويعطل بعض الأرحاء، ويقلع كثيرا من الأشجار، ويتلف الزروع الشتوية في البساتين ويهدم بيوتا كثيرة من محلة الوراقة على حافته الغربية. لكن هذا الطغيان لا يدوم فوق عشرين يوما ثم يأخذ بالتناقص حتى يعود إلى حالته الأولى. وقد طغى في زمن سيف الدولة الحمداني حتى أحاط بداره على سفح جبل الجوشن وفي ذلك يقول أبو الطيب المتنبي «2» : حجّب ذا البحر بحار دونه ... يذمّها الناس ويحمدونه! يا ماء هل حسدتنا معينه ... أم اشتهيت أن ترى قرينه؟ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 56 أم انتجعت للغنى يمينه ... أمن زرته مكثّرا قطينه؟ أم جئته مخندقا حصونه ... إنّ الجياد والقنا يكفينه يا ربّ لجّ جعلت سفينه ... وعازب الروض توفّت عونه إلى أن قال في سيف الدولة: بحر يكون كل بحر دونه ... شمس تمنّى الشمس أن تكونه وقد طغى هذا النهر الصغير على الصليبيين وهم يحاصرون حلب فأغرق خيامهم وشتت شملهم، وتمكن آق سنقر من حلب بعد طغيانه بيوم واحد. أما الحيوانات المائية في هذا النهر فهي نوع من السمك يعرف عندنا بالإنكليزي، لذيذ جدا وهو يشبه سمك الحيات المعروف باسم ما رماه. وزعم بعض مؤرخي الفرنج أن الملكة هيلانة هي التي جلبت جرثومة «1» هذا السمك من جهات رومة إلى برك الخليل قرب قرية هيلانة المذكورة. والله أعلم. ومما يوجد في هذا النهر أيضا سمك صغير الحجم جدا يعرف بالقبوضي، وسمك كبار مفلس يشبه الفراتي أي سمك نهر الفرات، يسمونه البنّي، وأهل حلب يحبون هذا النوع من السمك ويقولون فيه من أمثالهم: (إن شفت أطيب منّي لا تأكلني) . ويوجد في هذا النهر أيضا كثير من الحيات المائية والسرطانات والسلاحف حتى إن بعض الناس يدعونه بنهر السلاحف. قال ابن الشحنة: عاف قوم ماء قويق لكثرة السلاحف فيه. ولهذا اشتهر منه المكان المعروف «2» بجسر السلاحف. وغاب عنهم أن في وجودها نفعا كبيرا فإن دم السلحفاة ينفع المصروع وكذا مرارتها والتلطخ بدمها ينفع من وجع المفاصل. انتهى. ومما يكثر فيه أيضا الضفادع التي تصدع بنقيقها من كان قريبا منها، خصوصا إذا قل ماؤه، وتكتبت كتائب في غدرانه المترقرقة فإنها يزداد نقيقها ولا تكاد تسكت. وإلى ذلك أشار بعضهم بقوله «3» : قويق إذا شمّ ريح الشتا ... ء أظهر تيها وكبرا عجيبا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 57 وماثل دجلة والنيل وال ... فرات بهاء وحسنا وطيبا «1» وإن أقبل الصيف أبصرته ... ذليلا حقيرا حزينا كئيبا إذا ما الضفادع نادينه ... قويق قويق أبى أن يجيبا وتمشي الجرادة فيه فلا ... تكاد قوائمها أن تغيبا والاستقاء من هذا النهر في زماننا على ثلاثة أنحاء: الأول: خليج يعرف بالعدّان، يؤخذ منه ويجرّ عن مأخذه مسافة حتى تنخفض له الأرض ويتمكن من سقايتها. الثاني: الدولاب المعروف بالغرّاف، يدور بالبقر والبغال والبراذين، وهذا أعم الوسائط. والثالث: النواعير تدور بنفسها على الماء، وهي أقل الوسائط إذ لا يوجد عليه أكثر من خمس نواعير. وفي سنة ثلاثة وثلاثمائة وألف أحضرت البلدية من بعض معامل أوروبا مضخة يديرها محرك في قوة ستة حصن، يتحرك بالبخار، نصبتها على النهر في بستان إبراهيم آغا أمام الكتاب، وسلطت ماءها إلى جنينة الناقوس قرب العبارة الجارية في أملاك البلدية، فلم تنجح هذه الآلة لكثرة نفقتها وقلة مائها. هذا وإن الانتفاع بماء هذا النهر شربا وغسلا لا يزال ممكنا حتى يصل إلى الدبّاغة جنوبي جسر باب أنطاكية على غلوة «2» منه وهناك يفسد ماؤه فيحمر لونه من الأصبغة وينتن ريحه ويتغير طعمه من روث الجلود التي تغسل فيه. جر الساجور إلى قويق في سنة 713 اجتهد بجر نهر الساجور إلى قويق الأمير سيف الدين سودون النّاصري نائب حلب، فصغّر غدرانه وفتح له جدولا طوله أربعون ذراعا صرف عليه ثلاثماية ألف درهم أكثرها من ماله، فاخترمته المنية قبل إتمامه سنة 714 ودفن بتربته خارج باب المقام. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 58 ولما أتى إلى حلب الأمير سيف الدين أرغون دوادار الناصري سنة 730 نائبا، وبنى مدرسته وتربته التي هي عند باب الحديث تجاه حمام سوق الخيل المعروفة الآن بالشيخ قويق، احتاج إلى ماء عذب يجري إلى مدرسته المذكورة فهندم قناة عظيمة تجري من الساجور وتصبّ في نهر قويق، واستلم ماءها من عند قرية هيلانة من نهر قويق وحرفها إلى قناة حلب، ثم أخذ منها مقدار كفاية مدرسته المذكورة. وقد حفر نهر الساجور ووسع مضيقه وجمع الناس على ذلك بحيث كمل العمل في قرب ستة أشهر بعد تعب زائد وإنفاق مال كثير. وكان وصول الماء إلى حلب سنة 731 وكان يوم وصوله مشهودا. خرج النائب والأمراء والأعيان لتلقّيه مشيا إلى ظاهر البلد بالتكبير والتهليل، فرحين مسرورين. وفي ذلك يقول القاضي الفاضل شرف الدين الحسيني ابن الريان: لما أتى نهر الساجور قلت له: ... ماذا التأخّر من حين إلى حين؟ فقال: أخّرني ربي ليجعلني ... من بعض معروف سيف الدين أرغون وقال القاضي الفاضل بدر الدين الحسن بن حبيب الحلبي: قد أصبحت شهباؤنا تثني على ... أرغون في صبح وديجور من نهر الساجور أجرى لها ... للناس بحرا غير مسجور والمفهوم من هذا وما أجريته من الاستقصاء أن قناة حلب قبل أرغون هذا كانت تجري من ماء برك الخليل فقط وأن جريان ثلث نهر قويق إليها كان في أيام أرغون لا قبلها أخذه عوضا عن ماء الساجور الذي أجراه إلى قويق ثم انقطع الساجور وبقي جريان هذا الثلث مستمرا. على أن الساجور بعد أن ساقه أرغون على الصفة المتقدم ذكرها استمر يجري إلى نهر حلب حتى حدث بها زلزلة شديدة سنة 940 فتهدمت الجسور التي بناها أرغون وأجرى الماء من فوقها وانقطع الماء. وكان أرغون قد وقف على هذه الجسور لتعميرها وترميمها وقفا عظيما، لكن هذا الوقف قد تداولته أيدي الغصب، وبقي الساجور منقطعا عن نهر حلب. كان مكتوبا على إحدى عضادات الجامع الكبير ما صورته: لما كان بتاريخ رابع جمادى الآخرة سنة 901 ورد المرسوم الكريم العالي المولوي الملكي المخدومي الكافلي السيفي الأشرفي مولانا الملك الناصر كافل المملكة الحلبية بأن لا يسقى من ماء الساجور الواصل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 59 إلى حلب زرع حاسين وفافين وملعون من يزرع على ماء الساجور زرعا. قلت: قرية حاسين وفافين في شمالي حلب على بعد نصف مرحلة منها، ونهر قويق يجري من فافين، وقسم منه يجري إلى حاسين بواسطة قود طاحون فيها. ومكتوبا على عضادة أخرى في الجامع الكبير ما صورته: لما كان بتاريخ سبعة وعشرين جمادى الآخرة سنة 902 ورد المرسوم العالي المولوي المخدومي كافل المملكة الحلبية المحروسة الملك الناصر بإبطال ما كان يؤخذ من وقف نهر الساجور الواصل إلى حلب، وملعون ابن ملعون من يأخذ على جباية الوقف المذكور بارة الفرد، ويجدد هذه المظلمة أو يعين على إعادتها أو يأمر بإعادتها. انتهى. قلت: ولم يزل الساجور منقطعا عن حلب إلى سنة 1040 فاجتهد هذه السنة بجرّه مرة ثانية رجل من أغنياء الحلبيين يقال له نعسان آغا ووقفت عليه وقفا جيدا من خانات ودكاكين وأفران ودور وغير ذلك مما يقوم بوظيفة عمله إذا توهن، فقال بعضهم يمدحه: لما أتى حلب الساجور قلت له: ... كيف اهتديت وما ساقتك أعوان؟ فقال: كانوا نياما عن مساعدتي ... حتى تيقّظ طرفا وهو نعسان ولم يزل يجري الساجور إلى حلب حتى امتدت إلى أوقافه أيدي المتغلبين وأخذت جسوره بالخراب شيئا فشيئا حتى تعطلت عن آخرها، وذلك في حدود سنة 1135 وبقي مقطوعا إلى سنة 1150 وفيها اهتمت الحكومة بإعادته فجمعت مالا عظيما من الحلبيين وصرفته على تصليح مجراه القديم فعاد يجري إلى نهر قويق مقدار ربعه في الزمن السابق ولم يلبث غير سنيّات حتى تعطلت مجاريه وانقطع بالكلية كأن لم يكن. وفي سنة 1287 قل الماء في حلب. ويبست المشاجر فاهتمت الحكومة بجر الساجور إلى حلب وجمعت من الناس نحو مائتي ألف وأحد عشر ألف قرش، وعملت له مجرى غير مجراه القديم حتى استقام العمل على زعم بعض المهندسين. وفي يوم جرّه إلى قويق خرج الناس إلى الملتقى بالطبول والزمور ووقفوا هناك ينتظرون مجيء الماء إلى أن حان المساء فجاءهم مخبر يقول لهم إن العمل لم يكمل بعد فرجعوا بالخيبة. ثم شاع أن نهر الساجور الجزء: 1 ¦ الصفحة: 60 لا يمكن جرّ مائه إلى قويق لانخفاض مجراه عن نهر حلب كذا أذرع «1» . فيئس الناس من مجيئه بعد طول أملهم به. وفي ذلك يقول بعض أصحابنا مماجنا: قالوا أتى الساجور، قلت مجاوبا: ... ما جاء ساجور ولا خابور قالوا: جرى في الماء محمرّا وقد ... ملأ الحياض، فقلت: ذا يغمور يغمور كلمة تركية معناها المطر. وقال بعض المعاصرين في ذلك أيضا: من قال إن المستحيل ثلاثة ... لم يدر رابعها فخذه بلا تعب الغول والعنقاء والخلّ الوفي ... ومياه ساجور تجيء إلى حلب قناة حلب قناة حلب قديمة قبل الإسلام وسائقها من محلها غير معلوم إلا أنها كانت على صفة جدول يفيض من برك الخليل قرب قرية حيلان. ويجري ماؤه إلى جهة حلب فيسقي البساتين وينتهي إلى بانقوسا وما جاورها من المحلات التي كانت إذ ذاك بساتين فيفنى ماؤها فيها. ثم إن الملكة هيلانة عملت مجراها على ما هو عليه الآن وساقت ماءها إلى مباني مدينة حلب فنسبت إليها. وعلى كل حال فقد اتفق مؤرخو حلب أن ماءها في أيامهم من عيون إبراهيم الخليل بالقرب من قرية حيلان التي سبق ذكرها. قلت: هذه العيون عبارة عن ثلاث حفائر مختلفة المساحة. تعرف إحداها في زماننا ببركة الشيخ خليل والثانية ببركة العبد أو ببركة النيلوفر، والثالثة ببركة هيلانة أو بركة الرشح. وهذه البركة أعظم الحفر، وكل واحدة من هذه الحفائر ينبع ماؤها من عيون ضمنها. وفي كل واحدة منها أسربة «2» مطبقة مهندمة تحت الأرض قد سدت بالوحول لتقادم الزمن، والظاهر أنها أقنية مياه تجري إلى البرك من عيون فيها على نسق الأقنية السريانية أو الرومانية فلو نظفت هذه الأسربة واستقصي مصدرها لكثر الماء وكفى حلب. ثم إن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 61 لكل بركة من هذه البرك مفيض «1» في أعلاها يجري منه الماء قدر غلوة، ثم يختلط بماء القناة الوافدة من مقسم النهر كما سبقت الإشارة إليه وباجتماع هذه المياه في القناة يعظم ماؤها وتجري في بناء محكم نحو حلب فتمر على ناحيتي بعاذين وبابلي وتسقي بساتينهما. وفي هذه المسافة تظهر تارة وتختفي أخرى إلى أن ينخفض مجراها في قرب حلب وتنزل في جباب حفرت لها ثم لا تزال تجري حتى تدخل حلب من باب القناة وكانت تظهر عنده قديما أما الآن فلا. ثم تمر من هناك ويتفرع منها أقنية صغار حتى تصل إلى المفيض القبلي عند جامع مستدام بك فيجري ما فاض منها فوق الحجر الأسود الذي هو في ارتفاع 27 سانتيمترا عن أرض القناة وطوله شرقا لغرب 80 سانتيمترا ويجري هذا الفائض إلى الحارات القبلية والباقي يجري إلى بقية حارات حلب. ويتشعب منه فروع عديدة تخترق شوارع تلك الجهات وتنفذ في مساجدها وحماماتها وقساطلها. ويذكر أن هذه القناة كانت قد دثرت وجددها عبد الملك بن مروان في ولايته. وكانت حلب توصف بذات الآبار لأن جميع مياهها قبل القناة كانت من الآبار المعينة. وفي أيام حاكمها محمود زنكي أخذ منها قطعة من المطهرة التي هي غربي الجامع بسوق السلاح وعمل قسطلا إلى رأس الشعيبين وأخرج قطعة أخرى إلى الخشابين وساق منها فرعا إلى الرحبة الكبرى داخل باب قنسرين ثم انقطع ذلك بعد وفاته. اعتناء الملك الظاهر بقناة حلب قال ابن الشحنة ما ملخصه: إن قناة حلب في سنة 605 سدت طرقها لطول المدة ونقصت ينابيعها. فاستحضر الملك الظاهر غياث الدين غازي صناعا من دمشق وخرج معهم بنفسه وأطلعهم على أصلها وأمرهم بتعديل ما يخرج من ينبوعها وما يصل إلى حلب فتبين لهم أن ما يخرج من الينبوع مائة وستون أصبعا وما يصل إلى حلب عشرون، فضمنوا له أن يكفوا بها جميع سكك حلب وشوارعها ودورها ومعابدها ويفضل منها ماء وافر يصرف إلى بساتينها وأراضيها. فأمر الملك الظاهر أن تذرع مسافتها من حيلان إلى حلب حلب فكانت خمسة وثلاثين ألف ذراع نجاري فقسم الملك الظاهر هذه المسافة قطعا وعين على كل قطعة منها أميرا معه صناع وفعلة وحمل إليهم الكلس والزيت والحجارة والآجر، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 62 فأصلحت جميعها وطبقت إلا مواضع جعلها برسم تنقيتها وشرب الماء منها وأجراها إلى حلب في ثمانية وخمسين يوما. تقسيم القناة أيام الملك الظاهر قال ابن شداد: وأمر الملك الظاهر ببناء القساطل. وأول ما بنى منها قسطل على باب الأربعين (لا أثر له الآن) طوله من الشرق إلى الغرب عشرون ذراعا وعلى رأسيه قبتان وفيه أنبوبان مقدار الأصبع. ثم ساق هذه القناة إلى باب النصر وعمل حوضا كبيرا. ومنه إلى بحسيتا وعمل فيها قسطلين. وهناك ينتهي إلى المعقلية ثم ساق من أصل القناة من باب الأربعين إلى الطريق الآخذ إلى العصرونية قسما يأخذ إلى السويقة وقسما إلى البلد وما يليه وهذا الطريق الآخذ إلى البلاط فيه قسطل في رأس العقبة قدّام درب الملك الزاهر. ثم يسير إلى رأس درب الديلم وهناك قسطل ثم إلى الدرب المعروف بالبازيار، ثم إلى رأس درب بني الزهرة والطيوريين وهناك قسطل ثم إلى درب شراحيل. والقسم الآخر يأخذ إلى حمام أوران وهناك قسطل ثم إلى وسط جب أسد الله وهناك قسطل، ثم إلى باب الجنان إلى حضرة مسجد القصر وهناك قسطل، ثم يعود إلى الطريق الآخذ إلى سويقة اليهود ثم إلى باب النصر، وهناك حوض كبير يفيض ثم إلى السويقة عند دار الصبغ وهناك قسطل، وهناك بني المسجد المعلق وبه ينتهي القسم. ثم سيق من أصل الماء من القسم الذي تحت القلعة ثم إلى الأسواق وقصبة البلد مصنعة في الأرض يجتمع إليها جميع ماء القناة. ثم جعل فيها تقاسيم يخرج الماء منها على السوية فيتفرق في حلب على السواء فيخرج منها طريق إلى الجامع الكبير وما يضاف إليه وطريق إلى كتاب الأسود وما يليه، وطريق إلى باب العراق وما يليه، وطريق إلى القطيعة وما يليها. وأما طريق الجامع فبني عليه في رأس دار العدل قسطل. ثم في رأس الصاغة تحت المسجد المعلق وامتد منه إلى حمام العفيف التي عند حبس الدلبة. ثم أخذ من قسطل رأس الصاغة إلى رأس سوق النطاعين، ثم إلى شرقي الجامع وبني هناك قسطل، وفيه ينقسم الماء إلى ثلاثة أقسام، قسم منه فوارة الجامع، وقسم يسقى وسط الجامع ويصير إلى المطهرة الغربية وما يتصل بها، وقسم يأخذ إلى باب قنسرين وما يليه، فإنه يخرج إلى رأس سوق الجزء: 1 ¦ الصفحة: 63 العطارين العتيق ورأس المربعة وينقسم هناك قسمين؛ ثم يأخذ إلى الخشابين، وقسم إلى الدركاه فيصير إلى المطهرة الصغيرة المعروفة بتل فيروز ورأس سوق العطر. وأما قسم باب قنسرين فينقسم إلى الزجاجين فيصير إلى رأس درب أسد الدين الآخذ شمالي الأساكفة والبز وهناك قسطل. ثم يصير إلى حضرة مسجد المنحني ثم إلى درب البيمارستان. وهناك يفيض منه ثلاث أنابيب ليلا ونهارا. وأما طريق باب قنسرين فيصير إلى رأس ابن أبي الأسود، وهناك قسطل. ثم يصير إلى حضرة المسجد المعروف بابن الإسكافي وهناك قسطل. ثم يصير إلى الرحبة التي عند المسجد المحصب وهناك قسطل. ثم ينقسم إلى ثلاثة أقسام: قسم يأخذ إلى الطيرة قدام المسجد المعروف بالرئيس صفي الدين طارو في رأس درب المسالخ وهناك قسطل، وهو آخر هذا الطريق، وقسم يأخذ إلى باب قنسرين، وقسم يأخذ إلى الجرن الأصغر عند المسجد وهناك قسطل. فأما القسم الذي يأخذ إلى باب قنسرين، فيصير إلى قسطل يفيض منه الماء ثلاث أنابيب، ثم يخرج منه إلى ظاهر البلد تحت برج الغنم، ثم يدخل إلى درب البنات وهناك قسطل، وهذا آخر هذا الطريق. وبالجملة فقد كثرت المياه واتّخذت البرك في الدور. ووصل الماء إلى مواضع من البلد لم يسمع بوصوله إليها قبل، حتى شرب من القناة الحاضر السليماني. اه. قال ابن الخطيب، بعد أن لخص معظم ما ذكرناه: إن الملك الظاهر وقف للقناة أوقافا لعمارتها وإصلاحها، لكن هذا الوقف اليوم لا نعرفه، وسيق الماء منها في زمن ابن الخطيب إلى قرب الجمالية خارج باب المقام. ثم انقطع بعد فتنة تيمور أو قبلها بقليل، قلت: وفي حدود سنة 1286 قلّ ماء القناة أيضا وتسلط عليها أصحاب البساتين في ناحية بعاذين وبابلي، وصاروا يأخذون منها فوق استحقاقهم، وبقي أهل حلب يتناولون ماءها بالنوبة أسبوعا للقبليين وآخر للغربيين. ومع هذا فإن الماء كان قليلا جدا بحيث كان لا يصل إلى غالب المحلات القبلية إلا بمشقة عظيمة. فاهتم المرحوم ناشد باشا والي حلب إذ ذاك بشأن القناة وأمر بجمع المال من مستحقي القناة، فاجتمع له مبلغ عظيم، فعيّن نظّارا أو عين لكل واحد منهم فعلة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 64 وقسما من القناة. فشرعوا بتصليحها من حيلان إلى حلب. وفي برهة نحو ثلاثة أشهر تم عملها وسد خللها ورفع ما كان فيها من الوحول والأحجار. ثم أخرج الوالي مقدّرين للبساتين التي تشرب منها لكي ينظروا في مقدار ما يكفيها من الماء، فقدروا لكل بستان كفايته منها وحصروه بأنبوب من الحديد مرصوف بأسفل القناة. ثم عين قواما يحرسونها دائما من تطاول البساتنة وتهدم شيء منها. فغزر ماؤها وملأ الحياض والسبلان القديمة والحديثة، ووصل إلى محلة الفردوس خارج باب المقام. ثم بعد أن عزل الوالي المشار إليه عن حلب، أخذ ماؤها بالنقص حتى صار يصعب وصوله إلى محلة الفردوس. وتغلب على مائها كثير من أصحاب البساتين، ممن ليس له فيه حق، وقد اعتادت دائرة البلدية أن تجمع في شهر نيسان غالبا من مستحقي ماء القناة مالا تسميه مال القناة، تصرفه على تنظيفها وترميم ما خرب من جدرانها، وفي مدة تصليحها يصرف ماؤها إلى النهر وتخلو البلدة من الماء الجاري، فيستعمل أهلها الماء المدخر في الصهاريج من القناة أو المطر، والبساتين التي تشرب منها تستقي بهذه المدة من الدواليب المالحة ولا تطول مدة تصليحها أكثر من شهر غالبا. الاستحقاقات المسجلة في سجلات المحكمة الشرعية قرأت في أحد سجلات المحكمة الشرعية في حلب- بيانا فيما تستحقه الجوامع والحمامات والآبار والقساطل ومحلات حلب من ماء قناتها المذكورة. على أن العمل الآن جار على خلافه فلم أر لزوما لإثباته وإنما ألمعت به هنا ليسهل الاطلاع عليه في سجلات المحكمة على من أحب أن يراه. حرر في اليوم العاشر من شوال سنة 1133. قناة الكلّاسة والمغاير يجري إلى هاتين المحلتين قناة رأسها من نهر قويق في بستان إبراهيم آغا أمام الكتاب، فتمر هذه القناة بطابق تحت الأرض إلى أن تظهر في قناة محمولة على جدار في بستان ناصر الدين، وتختفي قليلا، ثم تظهر وتجوز جسر بستان العجمي، وهناك يسمونها بالجران، ثم لا تزال تختفي تارة وتظهر أخرى حتى تصل إلى المحلتين المذكورتين، فتوزع في شوارعهما وتنصرف إلى مصانع مستحقيها. ومنشئ هذه القناة هو (الحاج موسى الأميري) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 65 قناة أخرى كثيرا ما سمعت من الناس أنه كان يجري إلى حلب قناة منبعها في جبل الجوشن. ولم أر من ذكر هذا من المؤرخين لحلب، سوى أني رأيت في درّ الحبب في ترجمة (إبراهيم ابن يوسف الشهير بالحنبلي) ما ملخصه أن إبراهيم هذا كان في سنة 936 بذل مالا كثيرا في طلب زيادة ماء العين الكائنة في سفح جبل الجوشن بالقرب من مشهد محسن، حتى ازداد ماؤها واتسعت أرجاؤها وأغنت مجاوريها عن نقل الماء من النهر. واتفق لحجّار، طلبه إبراهيم المذكور يعمل بها، أنه قال: بلغني أنه من عمل بها مات سريعا، ولكني أعمل بها ولا أبالي. فعمل بها فمات سريعا إلى رحمة الله تعالى. قلت: وقد رأيت هذه العين وليس بها من الماء سوى رشح قليل، وهي في شمالي مشهد محسن، في الجبل، بينها وبينه مرمى حجر داخل مغار مهندمة أرضه بالحجارة. والذي يظهر أنها كان لها قوة الجريان فينصب ماؤها إلى حويض معدّ لها تجاه باب المشهد المذكور. وهذا الحويض باق أثره إلى الآن، وهو غير الحوض الملاصق هذا المشهد من شماليه الذي تجتمع إليه المياه من المطر. قناة من الفرات كثيرا ما نقل إلينا الشيوخ عن آبائهم أنه كان يدخل من باب قنّسرين إلى حلب قناة مأخوذة من الفرات، رأسها من بالس المعروفة الآن باسم مسكنة. وقد بحثت عن هذا فلم أظفر له بأصل، سوى أني اطلعت على حاشية لأبي اليمن البتروني ذكرها في خلاصة تاريخ ابن الشحنة قال: فيها كان يدخل إلى حلب قناة من جهة باب قنسرين، وإنه لما عمل الشيخ منتخب الدين ابن الإسكافي المصنع الذي في المسجد شمالي مسجد المحصب. رأيت هذا الطريق وقد نسيت فاستدللت بذلك على صحة ما قيل. في سنة 1341 ادعى جماعة متعددون أنهم مطلعون على قناة مدفونة قرب جبل الجوشن، ومنهم من ادعى أنه مطلع على قناة مدفونة في جهات بساتين الفستق في شرقي حلب. وتعهد كل مدع منهم بأنه يكفي حلب مؤونة الماء من القناة التي اطلع عليها إذا أعطته البلدية امتيازا بها. غير أنهم لم يثابروا على طلبهم الامتياز. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 66 أقول: على فرض وجود هكذا أقنية في حلب وضواحيها، فهي مما لا يمكن تناول مائه إلا بواسطة دولاب أو مضخة لانخفاض أرضها عن أرض حلب. على أن هذه الأقنية وأمثالها من الأقنية الرومانية أو الكلدانية التي توجد في كثير من قرى حلب كالسفيرة وعسان والله أعلم. خاتمة اطلعت في السجل المدون المحفوظ في المحكمة الشرعية بحلب على صورة حجة شرعية سطرت بها مقادير استحقاقات البساتين من قناة حلب، تاريخها 17 صفر سنة 1151 فليراجعها هناك من أراد الوقوف عليها. فصل نذكر فيه طرفا مما مدحت به حلب فما جاء بفضلها: ما نقل عن ابن شداد أنها مهاجر إبراهيم عليه السلام. وقد أقام بها مدة طويلة بعد هجرته من حرّان، ثم بيت المقدس، حتى قيل إنما سميت حلب بفعله، ومن ذلك أن نبينا محمدا صلّى الله عليه وسلم خيّر في الهجرة إلى قنسرين. وهي قصبتها، ففي الجامع الصغير عن النبي صلّى الله عليه وسلم أنه قال: «أوحي إلي: أيّ الثلاثة نزلت فهي دار هجرتك: المدينة أو البحرين أو قنسرين» أخرجه الترمذي والطبري- قلت: في هذا الحديث دلالة كادت تكون صريحة على أن أهل قنسرين أو ما جاورها من الصحراء هم عرب، تحملهم جامعة الجنس واللغة على حماية النبي ونصرته، كما هو الحال والشأن في أهل المدينة الأنصار، الأوس والخزرج. ويبعد أن يكون النبي خيّر بالهجرة إلى قوم يبعدون عن مكة تلك المسافة الشاسعة، وهم غير عرب لا تجمعه وإياهم جامعة الجنس واللغة. ونقل عن ابن شداد أيضا أنه ذكر في تاريخه ما يقتضي إطلاق قنسرين على حلب نفسها. وقال ابن خطيب الناصرية: ومن ذلك حديث عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلّى الله عليه وسلم قال: لا تقوم الساعة حتى تنزل الروم بالأعماق أو بدابق، فيخرج إليهم جيش من المدينة من خيار أهل الأرض إلى آخر الحديث. فذكر ابن الخطيب أن وجه الاستدلال بهذا الحديث على فضل حلب كونه لا يصح إطلاق اسم المدينة في تلك الناحية إلا على الجزء: 1 ¦ الصفحة: 67 حلب، لأنها أقرب المدن إلى دابق. فصحّ أن أهل حلب من خيار أهل الأرض، ولا شك في ذلك لأن حلب هي من الأرض المقدسة التي هي خيار أهل الأرض. وعن كعب الأحبار قال: بارك الله في الشام من الفرات إلى العريش. وعن ابن شداد عن النبي صلّى الله عليه وسلم أن الرعد والبرق يهاجران إلى مهاجر إبراهيم عليه السلام، حتى لا يبقى قطرة إلا فيما بين العريش إلى الفرات. قال: وحلب واسطة عقد الشام وقلب صدوره والأعيان. وقال ابن الخطيب في الكلام على قناة حلب: كان جماعة من بني أمية اختاروا المقام بناحية حلب وآثروها على دمشق مع طيب دمشق وحسنها وكونها وطنهم، ولا يرغب الإنسان عن وطنه إلا إلى ما هو أفضل منه. فمنهم هشام بن عبد الملك انتقل إلى الرصافة وسكنها واتخذها منزلا لصحة تربتها. ومنهم عمر بن عبد العزيز أقام بخناصرة. ومنهم مسلمة بن عبد الملك سكن بالناعورة وابتنى بها قصرا بالحجر الصلد الأسود. وكان صالح بن علي بن عبد الله بن عباس قد ولي الشام جميعه فاختار أن يكون مقامه بحلب، وابتنى بظاهرها قصرا ببطياس «وهي شرقي حلب غربي النيرب وشمالها» . وولد له بها عامة أولاده. كل ذلك لما اختصت به هذه البلاد من الصحة والاعتدال والحصانة. قلت: بطياس كانت قرية على باب حلب بين النيرب وبابلي، وقد ذكرها البحتري وغيره بأشعاره. وقال أبو بكر الصنوبري يتشوق إليها وهو بالصالحية: إني طربت إلى زيتون بطياس ... بالصالحية، بين الورد والآس ثم قال ابن الخطيب: وهرقل على سعة ممالكه اختار الإقامة بأنطاكية ولما فتحت قنّسرين وسار نحو القسطنطينية التفت وقال: سلام عليك يا سوريا سلام لا اجتماع بعده. وكان سيف الدولة يفتخر بها فيقول: حلب معقلي وشاعري المتنبي. وكان سليمان بن حيدر يقول للسلطان صلاح الدين: حلب أمّ البلاد. هذا ما استدلّ به على فضل حلب وامتيازها عن غيرها. وأما ما مدحت به نظما ونثرا فهو كثير يعسر استقصاؤه، فمن ذلك ما نقل عن ابن شداد حيث قال: إن حلب أعظم البلاد جمالا، وأفخرها زينة وجلالا، مشهورة الفخار، علية البناء والمنار، ظلها ضاف، وماؤها صاف، وسعدها واف، ووردها لغليل النفوس شاف، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 68 وأنوارها مشرقة، وأزهارها مونقة، وأشجارها مثمرة مورقة، نشرها أضوع من نشر العبير، وبهجتها أبهج منظرا من الروض في الزمن النضير، خصبة الأوراق، جامعة من أشتات الفضائل ما يعجز عنه الآفاق، لم تزل منهلا لكل وارد، وملجأ لكل قاصد، يستظل بظلها العقاب، وإليها العفاة «1» من كل حدب تنساب، لم تر العين أجمل من بهائها، ولا أطيب من هوائها، ولا أظرف من أبنائها. قلت: قد مدحها جماعة من مشاهير الأدباء والفضلاء كالبحتري والمتنبي والصنوبري وكشاجم والمعرّي والخفاجي وابن حيّوس «2» ، والوزير المغربي وابن العباس الصفري وأبي فراس، والحلوي وابن سعدان، وابن حرب الحلبي، وابن النحاس وابن أبي حصينة وابن أبي الحداد وابن العجمي والملك الناصر. فمما قاله البحتري وأجاد: أقام كلّ ملثّ الودق رجّاس ... على ديار بعلو الشام أدراس فيها لعلوة مصطاف ومرتبع ... من بانقوسا وبابلّى وبطياس منازل أنكرتنا بعد معرفة ... وأوحشت من هوانا بعد إيناس يا علو لو شئت أبدلت الصدود لنا ... وصلا ولان لصبّ قلبك القاسي هل لي سبيل إلى الظّهران من حلب ... ونشوة بين ذاك الورد والآس؟ وله أيضا: يا برق أسفر عن قويق ومل إلى ... حلب وأعلى القصر من بطياس عن منبت الورد المعصفر صبغة ... في كل ضاحية ومجنى الآس أرض إذا استوحشت ثم أتيتها ... حشدت عليّ وكثّرت أنفاسي ولأبي العباس الصفري أحد شعراء سيف الدولة بن حمدان في بعاذين قوله: يا لأيامنا بمرج بعاذين ... وقد أضحك الرّبى نواره وحكى الوشي بل أبّر على ... الوشي بها منثوره وبهاره الجزء: 1 ¦ الصفحة: 69 وكأن الشقيق، والريح تنفي الظ ... لّ عنه «1» جمر يطير شراره أذكرتني عناق من بان عني ... شخصه، باعتناقها، أشجاره وفي بابلّا يقول الوزير أبو القاسم المغربي: حنّ قلبي إلى معالم بابلّا ... حنين المولّه المشغوف مطلب اللهو والهوى وكناس ... الخرّد الغيد والظباء الهيف حيث شطّا قويق مسرح طرفي، ... وسواقيه مؤنسي وأليفي ليس من يكثر الحنين إلى الأوطان ... إن شتّت «2» النوى، بظريف ذاك من شيمة الكرام ومن عهد ... الوفاء المحبّب الموصوف وللمتنبي من قصيدة يشكر بها سيف الدولة وكتبها إليه من الكوفة: كلما رحّبت بنا الروض قلنا ... حلب قصدنا وأنت السبيل فيك مرعى جيادنا والمطايا ... وإليها وجيفنا والذّميل «3» ولأبي بكر أحمد الصنوبري من قصيدة مطلعها: احبسا العيس احبساها ... وسلا الدار سلاها اسألا أين ظباء الدا ... ر أم أين مهاها سدت يا شهباء كلّ المدن ... مقدارا وجاها فإذا ما كانت المدن ... رخاخا كنت شاها «4» وهذه القصيدة طويلة جدا يذكر فيها جميع منتزهات حلب في تلك الأيام، وقد ذكرتها على طولها في ترجمة المذكور فراجعها. وقال كشاجم من قصيدة: وما منعت جارها بلدة ... كما منعت حلب جارها الجزء: 1 ¦ الصفحة: 70 هي الخلد تجمع ما تشتهي ... فزرها فطوبى لمن زارها وللهو فيها، شهور الربيع، ... أريج يعطّر أزهارها إذا ما استمدّ قويق السماء ... بها فأمدّته أمطارها وأقبل ينظم أنجادها ... بفيض المياه وأغوارها وأرضع جنّاتها درّة ... ينسّي الأوائل تذكارها وقال عبد الله أبو محمد بن محمد بن سنان الخفاجي الحلبي وهو بديار بكر: سقى الهضبة الأدماء من ركن جوشن ... سحاب يروّي نوره وينير وحلّ عقود المزن في حجراته ... نسيم بأدواء القلوب خبير فما ذكرته النفس إلا تبادرت ... مدامع لا يخفى لهن ضمير وقال أبو النصر محمد بن محمد الخضري الحلبي «1» : يا حلبا حيّيت من مصر ... وجاد مغناك حيا «2» القطر أصبحت في جلّق حرّان من ... وجد إلى مربعك النضر والعين من شوق إلى العين ... والفيض غدت فائضة تجري ما بردى عندي ولا دجلة ... ولا مجاري النيل من مصر أحسن مرأى من قويق إذا ... أقبل في المد وفي الجزر يا لهفتا منه على نغبة ... تبلّ مني غلّة الصدر ومنها: كم فيك من يوم ومن ليلة ... مرّا لنا من غرر الدهر ما بين بطياس وحيلان والمي ... دان والجوشن والجسر وروض ذاك الجوهريّ الذي ... أرواحه أذكي من العطر وزهره الأحمر من ناظر ... الياقوت، والأصفر كالتبر والنور في أجياد أغصانه ... منتظم أبهى من الدرّ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 71 منازل لا زال خلف الحيا ... على رباها دائم الدرّ تالله لا زلت لها ذاكرا ... ما عشت في سرّي وفي جهري وكيف ينساها فتى صيغ من ... تربتها الطيبة النشر وكلّ يوم مرّ في غيرها ... فغير محسوب من العمر إن حلّ قلبي إليها فلا ... غرو حنين الطير للوكر يا ليت شعري هل أراها وهل ... يسمح بالقرب لها دهري وقال أبو العلاء المعري: يا شاكي النوب انهض طالبا حلبا ... نهوض مضنى لحسم الداء ملتمس واخلع حذاك إذا حاذيتها ورعا ... كفعل موسى كليم الله في القدس وقال عبد الله بن عباس الصفري متشوقا وهو بدمشق: من مبلغ حلب السلام مضاعفا ... من مغرم في ذاك أعظم حاجه أضحى مقيما في دمشق يرى بها ... عذب الشراب من الأسى كأجاجه وقال أبو فراس الحمداني: وأبيت مرتهن الفؤاد بمنبج م ... السوداء، لا بالرقّة البيضاء الشام، لا بلد الجزيرة، لذّتي ... وقويق، لا ماء الفرت، مناثي وقال الشيخ سعد الدين محمد ابن الشيخ محيي الدين بن العربي: حلب تفوق بمائها وهوائها ... وبنائها والزّهر من أبنائها ظلّت نجوم النصر من أبراجها ... فبروجها تحكي بروج سمائها والسّور، باطنه ففيه رحمة ... وعذاب ظاهره على أعدائها بلد يظلّ بها الغريب كأنه ... في أهله فاسمع جميل ثنائها وقال شمس الدين محمد بن العفيف من قصيدة: أقول والبارق العلويّ مبتسم ... والريح مقبلة والغيث ينسكب إذا سقى حلب من مزن غادية ... أرضا فخصّت بأوفى قطره حلب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 72 أرض متى قلت من سكّان أربعها؟ ... أجابك الأشرفان الجود والحسب قوم إذا زرتهم أصفوك ودّهم ... كأنما لك أمّ منهم وأب ولعيسى بن سعدان الحلبي متشوقا: يا لبرق كلما لاح على ... حلب مثّلها نصب عياني بات كالمذبوب في شاطي قويق ... ناشر الطرّة مسحوب الجران كلما مرّت به ناسمة ... موهنا جنّ على باب الجنان ليت شعري من ترى أرسله ... أنسيم البان أم رفع الدخان وقال أبو سعيد ابن العزّي من قصيدة: أيا ساكني الشهباء عندي لعهدكم ... قديم ولاء لم يشب بملال أياديكم عندي أياد عميمة ... توالت، وما شكري لها متوال أقوم بشكر أرتضيه لمثلكم ... لقد كلّفت نفسي إذا بمحال أيا راحلا يزجي الركائب ظلّعا ... رويدك من أين لها وكلال إذا حلب يممت ساحة أرضها ... فحيّ قياما بالمقام غوال وعرّج بباب الأربعين مبلّغا ... سلامي أحبابا به وموال وطارحهم عني قديم مودة ... أغار عليها أن تمرّ ببالي إذا ما ذكرت الفيض فاضت مدامع ... توالى عليها وبلها المتتالي ولم آل عن باب الجنان تسليا ... لسلسال ماء كالحياة زلال سقى المشهد الأعلى فأعلام جوشن ... بواكر داني الهيدبين سجال وروّى مقرّ الأنبياء سحائب ... يؤلّفها ريحا صبا وشمال بذلت لروض الجوهريّ جواهرا ... من الدمع هنّ اليوم غير غوال أقامت بقلبي للمقام لواعج ... لمرأى أنيق عنده وجمال يذكّرني الفردوس طيب نعيمه ... فيا حسنه لو لم يثب بزوال مغان عهدت الأنس فيهن دائما ... فما بالها ولّت كطيف خيال وقضّيت أياما بها ولياليا ... فيا طيب أيامي بها وليال وما حلب إلا مقرّ مكارم ... ومعدن أفضال وكنز معال الجزء: 1 ¦ الصفحة: 73 إذا ظفرت كفّاك منها بصاحب ... فقل في خليل حاز حسن خلال تقصّر عن شهبائنا الشهب رفعة ... فقد جمعت وصفي علا وجلال وقال ابن عبد العزيز العجمي في قصيدة يمدح بها السلطان صلاح الدين: منازلنا حيث المزار قريب ... وداعي الهوى يدعو الهوى فيجيب سقى حلبا جفني ربوعك باكرا ... من المزن مجرور الذيول سكوب ومنها: فيا جيرة الشهباء إن طال نأينا ... وحالت حزون بيننا وسهوب صفوت لكم حبا على القرب والنّوى ... فسيّان منكم مشهد ومغيب وأخلصكم مني ودادا تصادقت ... بحسن الصفا منّا عليه قلوب وكلّ الذي يأتيه من حسناته ... زماني مع «1» هذا البعاد ذنوب فخلّوا نسيم الريح من سفح جوشن ... يوافيه منه نسمة وهبوب أحملها شوقا سلامي إليكم ... فيعبق منها للجنوب جيوب فيا ليت شعري والأماني تعلّة ... أيضحي بعيد الدار وهو قريب فيسرح طرفي في ثنيّات جوشن ... بروض رعاه العزّ وهو خصيب ويكرع من صافي قويق بمزود ... هو الدهر لي دون المياه حبيب وقال الناصر يوسف بن عبد العزيز بن الظاهر الغازي: يا برق أنش «2» من الغمام سحابة ... وطفاؤها منه على بطياس وأدم على تلك الربوع وأهلها ... غيثا يروّيها مع الأنفاس وعلى ليال بالصفاء قطعتها ... مع كل غانية وظبي كناس وقال الملك الناصر: سقى حلب الشهباء في كل أزمة ... سحابة غيث نوءها ليس يقلع فتلك دياري لا العقيق ولا الغضى ... وتلك ربوعي لا زرود ولعلع الجزء: 1 ¦ الصفحة: 74 وله أيضا: لك الله إن شارفت أعلام جوشن ... ولاحت لك الشهبا وتلك المعالم فبلّغ سلامي من محبّ متيم ... ينوح اشتياقا حين تشدو الحمائم ولبعضهم من قصيدة: حيّا الحيا تربة شهباء من حلب ... بما تدرّ به الأنواء من حلب وصاب أرجاءها صوب العهاد ولا ... زال السحاب عليها خدّ منسحب ومنها: من لي بها ورداء الوصل يجمعنا ... ونحن نرفل في موشّيها القشب آها على طيب أيام لنا سلفت ... لو كان ينفع تأويه لمكتثب ما إن تذكرت أوقات السرور بها ... إلّا ورحت حليف الهم والكرب ومات طرفي بماء الدمع في غرق ... ومهجتي بزناد الشوق في لهب لأن بكيت على داري ونحت بها ... فلست أول محزون ومنتحب ولشرف الدين بن سليمان الحلبي مجاوبا لأخيه بدر الدين: أيا ساكني الشهباء جادت ربوعكم ... دموعي إذا ما الغيث ضنّ غمامه «1» لئن «2» لاح برق في حمى الحيّ موهنا ... فمن نار وجدي يستمدّ ضرامه وإن هب معتلّ النسيم على الرّبى ... فمن سقم جسمي يستعير سقامه أتاني كتاب منكم ففضضته «3» ... كما شقّ عن ثوب الرياض كمامه وقبّلته حتى محوت سطوره ... ولذّ لقلبي في البعاد التثامه فمنّي عليكم طيّب النشر عاطر ... يفضّ لديكم كلّ وقت ختامه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 75 ولمحمد بن إسماعيل الآمدي: سقى حلبا ومن فيها سحاب ... كدمعي حين يهمي بانسجام فإنّ بها، وإن شطّت، مغاني ... أحباء على قلبي كرام سلام كلما هبّت قبول ... عليهم من محبّ ذي ذمام سلام متيّم صبّ كئيب ... معنّى مدنف حلف السقام وله: سقى الله وادي بانقوسا من الحيا ... سماء «1» يروّي تربه ويصيب وحيّا به قوما كراما أعزّة ... عليّ وذكراهم إليّ حبيب صحبتهم والشعر أسود حالك ... وغصن التصابي والشباب رطيب إذ العيش غضّ والزمان مساعد ... وقد غاب عنا حاسد ورقيب وقال تقي الدين بن حجة: غدت حلب تقول دمشق حفّت ... بأنواع من الورد الغريب فبالجوريّ إن هي كاثرتني ... قنعت أنا ببستان النصيبي وللصنوبري: وللظهر من حلب منزل ... تثاب العيون على حجّه أعد نحو جوشنه نظرة ... إلى سمته وإلى برجه إلى بانقوسا وتلك التي ... حكت راكبا لاح من فجّه لترتاض نفسك من روضه ... ويمرح طرفك في مرجه ولابن سنان الخفاجي: قل للنسيم: إذا حملت تحية ... فاهد السلام لجوشن وهضابه واسأله هل سحب الربيع رداءه ... فيها وجرّ الفضل من أهدابه وتبسمت عنه الرياض وأفصحت ... بثناء بارقه ومدح سحابه فلقد نحلت وعادني من نحوه ... شجن بخلت به على خطّابه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 76 وقال منصور النحوي: عسى مورد من سفح جوشن نافع ... فإني إلى تلك الموارد ظمآن وما كل ظنّ ظنّه المرء كائن ... يقوم عليه للحقيقة برهان ولابن سنان الخفاجي: يا برق طالع من ثنيّة جوشن ... حلبا وحيّ كريمة من أهلها واسأله هل حمل النسيم تحية ... منها فإن هبوبها من سبلها ولقد رأيت فهل رأيت كوقفة ... للعين يشفع «1» هجرها في وصلها ولابن الوردي: عليك بصهوة الشهباء تكفي ... بجوشنها محاربة الزمان فللغرفات في طيب شميم ... يضوع شذاه من باب الجنان ولعمر اللبقي: يمّم حمى حلب تلق السرور على ... جبين أبنائها النيّر «2» البهج فعج ولج وتأمل بلدة شملت ... باب الجنان وباب النصر والفرج وليوسف الدمشقي نقيب أشراف حلب: قال لمن رام النّوى عن بلدة ... ضاق فيها ذرعه من حرج علّل القلب بسكنى حلب ... إنّ في الشهباء باب الفرج انتهى ما أوردته في مدح حلب نظما ونثرا. ولو أطلقت في ذلك عنان القلم لا تسع المجال وأفضى الحال إلى الملال. وفي هذا القدر كفاية. قال أبو ذر، سبط ابن العجمي: ولم يهج حلب إلا من نزح منها إما لقهر «3» . وكان هذا في وقت ما، ولا يضرها هذا في كثرة ما مدحت به كما قال ابن الوردي: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 77 بالجهل والجاه لا بالعلم والأدب ... تنال ما شئت ممن شئت في حلب وأجازه ابنه فقال: ولا تقل شاع بين الناس حسن ثنا ... عن أهلها فلكم قد شاع من كذب أقول: لم نسمع لابن الوردي في مذّمة حلب غير هذا البيت. وأما في مدائحها فله فيها أشعار مشهورة ومقالات في كتبه مدونة مسطورة لم نورد منها هنا شيئا استغناء بشهرتها. وقال من قصيدة الفراسة: وحلب خزانة الذكاء ... وموطن العفّة والحياء طالعها للغرباء سعد ... وهي لمن فيها شقا وكدّ لكنها تعطي دقيق العلم ... لأهلها من بعد لطف الفهم لكنها نتيجة التلاحي ... وموطن المراء والكفاح والعصبيات لديهم وافره ... وعلقة الحذق عليهم ظاهره ذكر قصيدة الفراسة هذه أرجوزة تعد 238 بيتا. وقد تضمنت ذكر فضائل الأجناس وما خص كل جنس من جميل الطبع وقبيح الخلق، وأثر كل بلدة «1» بأهله على سبيل الاختصار، وهي من النوادر العزيزة الوجود بحيث لم أطلع عليها في غير مسودة تاريخ كنوز الذهب. وكان المرحوم الأستاذ الشيخ طاهر الجزائري رآها عندي في إحدى زياراته منزلي وطلب مني أن أسمح له بنقلها فاعتذرت له ولم أجبه على طلبه حرصا عليها. وأخبرني أنه لم يرها مدة حياته سوى مرتين هذه المرة إحداهما، مع كثرة اطلاعه وولعه بالبحث والتنقيب عن الكتب المخطوطة النادرة. والذي ظهر لي أن قلة وجودها ناشئ عما تشتمل عليه بعض فصولها من بيان عيوب الأمم والبلدان وذكر مساويهما. وهذا هو السبب الذي منعني عن تحريرها في هذه المقدمة. وإن كانت مما له علاقة قوية بالتاريخ. والغالب على الظن- استدلالا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 78 من أسلوبها واستنباطا من تسميتها البلدان والأقاليم وأجناس الناس بأسمائها المذكورة فيها- أنها مما نظم في القرن الرابع أو الخامس. وإليك عناوين فصولها التي تكلم في كل فصل منها عن محاسن ومساوي أمة أو بلدة. وهي بعد خطبتها: (ذكر العرب) (ذكر الفرس) (ذكر أجناس الترك) (ذكر الديلم) (ذكر الأكراد) (ذكر الروم) (ذكر الأرمن) (ذكر الفرنج) (ذكر اللان) (ذكر الهند) (ذكر السند) (ذكر البربر) (ذكر الزرنج) (ذكر أجناس السودان) (ذكر صقع سرنديب) (ذكر خراسان) (ذكر نيسابور) (ذكر أصفهان) (ذكر الري) (ذكر مرو) (ذكر طوس) (ذكر هراة) (ذكر همذان) (ذكر الأهواز) (ذكر مازندران) (ذكر البصرة) (ذكر الكوفة) (ذكر بغداد) (ذكر بابل) (ذكر الموصل) (ذكر الجزيرة) (ذكر نصيبين) (ذكر سنجار) (ذكر حرّان) (ذكر الرّها وماردين وآمد) (ذكر الرافقة) (ذكر الشام) (ذكر منبج) (ذكر حلب) (ذكر حماة) (ذكر شيزر والمعرة) (ذكر حمص) (ذكر دمشق) (ذكر فلسطين) (ذكر مصر) (ذكر المغرب) (ذكر الحجاز) (ذكر اليمن) . فصل ملحق بما مدحت به حلب لا يخفى أن البلد إنما يفوق غيره ويفضل عليه بجودة هوائه ومائه، وجمال بنائه وأبنائه، وطيب تربته وحسن بضائعه ورخص أسعاره، وسعة تجارته وعظمه وشرف موقعه وكثرة منتزهاته ومبانيه العلمية والخيرية. فأما جودة هواء حلب وصحة مناخها فذلك أمر مستفيض اعترف به الأغراب، وأخبر عنه السواح «1» . وفضّلها كثير منهم على هواء أكثر مشاهير البلاد العثمانية. وناهيك دليلا على ذلك نضارة وجوه أهلها، واعتدال أجسامهم ولطف ألوانهم وقلة العاهات والأمراض فيهم، مع تهاونهم بحفظ صحتهم. فلو عددت من فيهم من العمي والصمّ والحدبان والعرج والمقعدين والمجانين والمعتوهين والمصروعين، وغيرهم من ذوي الآفات والزمانات لما زادوا جميعا على واحد في الألف. ومن محاسن حلب أن فتك الأمراض الوبائية فيها أقل منه في الجزء: 1 ¦ الصفحة: 79 غيرها. والظاهر أن العدوى من حيث هي ضعيفة النكاية في حلب، فقد شاهدنا فيها كثيرا من الناس الذين يلامسون المصابين بأمراض تنتقل بالعدوى ويأكلون ويشربون من آنيتهم ولا يصابون بمرضهم. وأما ماؤها المركّز في صهاريجها فهو من أعذب المياه وأصفاها وألطفها. ونقل ابن الشحنة عن بعض العلماء أنه فضّل ماء صهاريجها المملوء من قناتها على ماء النيل والفرات. وفي ماء حلب يقول أبو فراس: لقد طفت في الآفاق شرقا ومغربا ... وقلّبت طرفي فيهما متقلبا فلم أر كالشهباء في الأرض منزلا ... ولا كقويق في المشارب مشربا ومن فضل صهاريج حلب أن الغني والفقير في مائها على السواء. وذلك أن الفقير يمكنه أن يشرب في أوقات القيظ كل شربة، ماء عذبا باردا نقيا يتناوله من صهريج بيته أو صهريج محلته المباح للعموم، بخلاف بقية البلاد الكبيرة فإن فقيرها لا يمكنه أن يشرب في إبّان القيظ كل مرة من الماء المذكور، لأنه يحتاج إلى ثمنه أو ثمن الثلج الذي لا يخلو شربه عن الضرر أيضا أو التحليل على تبريده بغير واسطة. وأما بناؤها فقد جمع بين حسن الظاهر والباطن، فترى الجدار من جهتيه كأنه سبيكة فضة، والقادم على حلب يشاهد صعيدها كأنه مليء بقصور من فضة مموهة بالذهب، وهذا مع إتقانه ومتانته وقلة كلفته. فأما إتقانه فإن كل دار في حلب تصلح أن تكون حصنا في غيرها. وأما قلة كلفته فحسبك أن من يملك نحو ثلاثمائة ذهب تركي، يمكنه أن يعمّر بها دارا كاملة المنافع والمرافق يسكنها ذو أسرة يبلغ عددها سبعة أشخاص. ويتمتع بها هو وأعقابه من بعده مئات من السنين. وكثيرا ما يوجد عندنا دور مضى عليها خمسمائة سنة وهي عامرة آهلة، ربما بقيت خمسمائة سنة أخرى. والحكمة في إتقان بناء حلب هي لزوجة ترابها المعدّ للبناء وقوة كلسها ومهارة بنائيها وجودة حجارتها. فإنه يوجد في مقاطعها من الحجر الصلد الصلب الذي لا تكاد تعمل فيه المعاول، إلى الحجارة التي يمكن حتّها ونحتها بأدنى كلفة. فما بين هذين النوعين زهاء عشرة أنواع، لكل نوع منها لون ومحل من البناء، كالنحيت المائل للصلابة، والنحيت الهشّ، ولونهما أبيض، واللبن والرخام الأبيض والأصفر والأسود والسماقي والمرمري الجزء: 1 ¦ الصفحة: 80 وحجر القوف الذي تعمل منه الأرحاء، ولكل نوع منها مقطع خاص به في ضاحية حلب. والغالب أن تكون الدار المعتبرة عند أكثر قدماء الحلبيين رحبة يسمونها صحنا مفروشة بالرخام الملون، مساحتها عشرون ذراعا في مثلها أو أكثر. في جهتها الجنوبية المتجهة للشمال إيوان، في كل من جانبيه وصدره بيت يعرف بالقبة. وقد يكون فوقه غرفة تعرف بالمربع. وتحته قبو يعرف بالمغارة يهبط إليها بدركات. وتجاه الإيوان حوض يجري إليه الماء من القناة أو من حاصل يملأ من بئر الدار. ووراء الحوض دكة يسمونها مصطبة. وراءها أو في كل من جانبيها حديقة فيها أشجار من الفصيلة العالية الدائمة النضارة والاخضرار، وفوق هذه الدكة عريش جميل الصناعة، عرش عليه الياسمين أو ما هو من فصيلته، وفي كل جهة من بقية جهات الصحن بيوت قائمة على مغاير معدة لحفظ المؤونات. أما الدور العظيمة القديمة، فالغالب أن تكون جهتها الموجهة إلى الجنوب خالية من الغرف والخلوات، كأنهم كانوا يتحاشون من البناء في هذه الجهة فرارا من حرها في فصل الصيف لأن الشمس تتسلط عليها أكثر من تسلطها على غيرها من بقية الجهات. ثم إن الدار العظيمة قد يكون فوق كل مسكن منها غرفة عالية تعرف بالمربع، سوى البيت القائم في الجهة الغربية الموجهة شرقا، فالغالب خلوّ سطحه عن الغرفة دفعا لمعارضة الهواء الغربي. وفي الدور العظام القديمة قد تكون الجهة الموجهة جنوبا معمورة بقاعة ذات أواوين وغرف فسيحة الرحاب عالية القباب واسعة العتبة، فيها حويض يعرف بالفسقيّة «1» . وقد يكون في مثل هذه الدار حمام مختص بسكانها، والبعض من هذه الدور يكون فوق إحدى جهاتها عدة غرف. تجاهها مصيف سماوي أو مسقوف يعرف ذلك بالديوانخانة. وفيها ما يكون فيه بيت سقفه قبة مستطيلة معقودة بالقرميد أو الحجر، فيها نحو مائة نافذة صغيرة مسدودة بطاسات من الزجاج الكثيف الملون، يعرف هذا البيت بالثكنة وفيها ما له دار صغيرة تعرف بدار المطبخ معدة للطبخ وسكنى الطباخ والخدم. وهذه الدار كلها يقال لها الحرم. ويتصل بها غالبا دار دونها في العظم وعدد المساكن لها مدخل مختص بها، يقال لها القناق أو الأوطة، معدّة لنزل المسافرين ومجالسة الأحباب وأصحاب المصالح، فترى الرجل عندنا ممتّعا من داره بجنّة دائمة يتنقل فيها في كل فصل إلى ما يلائمه من المساكن. والمرأة المحتجبة تنال الجزء: 1 ¦ الصفحة: 81 النزهة والنشاط، وهي في دارها الحصينة التي لا تصل إليها عين أجنبي منتفعة منها بأرضها وأسطحتها التي تستعملها حين الحاجة لنشر الحبوب والثياب المغسولة. وأحسن جهات الدار عندنا هي الجهة الشمالية المفتوحة نوافذها إلى جهة الجنوب، فإن مساكن هذه الجهة تامة المنفعة، تستعمل في جميع فصول السنة، بخلاف الجهة الجنوبية المفتوحة نوافذها للشمال، فإنها غالبا لا تستعمل إلا في فصل الصيف. على أننا لا ننكر محاسن الدور التي تعمر الآن عندنا في ظاهر المدينة على النسق الجديد، إذ تكون كل دار منها قصرا مستقلا ذا طبقات ليس لها سماوي سوى ربض «1» صغير يعرف بالجنينة. يحيط به حائط قصير أو مشبّك من الحديد، كل قصر منها مشرف على جادة عريضة طويلة مستقيمة، قد روعي في بناء كل قصر منها مشاكلة القصر الذي يليه من جهة هندسته ونقوش حجارته، حتى كأن جميع هذه القصور مفرغة في قالب واحد. والمحلات التي بيوتها على هذا النسق، هي مخلة العزيزية ومحلة الجميلية، ومحلة التلل وغيرها من المحلات التي كلها خارج سور البلدة من شماليها وغربيها. اعتاد الحلبيون قديما أن يجعلوا البيت من الدار مستطيلا يبلغ طوله إلى بضعة عشر ذراعا. وعرضه إلى بضعة أذرع. وبقدر عرضه يكون ارتفاع سقفه. وفي جداره الذي يلي صحن الدار عدة نوافذ تعرف بالشبابيك، فوق كل شباك منها نافذة أصغر منه تعرف بالطاقة. ومن محاسن مباني حلب خاناتها الشهيرة الكثيرة التي ترى كل خان منها يضاهي محلة كبيرة بسعته، وعدد مخادعه ومرافقه ومسجده وحوضه. وهو بحصانته ومنعته يضاهي حصنا منيعا. وكل مخدع من علوه وسفله كأنه دار مستقلة قد اشتمل داخله على مخازن معدة لاحتكار البضائع، وخارجه على حجر معدة لوضع نموذج البضائع وجلوس التّاجر وكتابته ونومه وسكنى خادمه وطبخه واستقبال زبونه وأحبابه. فهو فيه على غاية الراحة والأمن والاطمئنان على ماله ونفسه ودوابه. ومن محاسن حلب أزقتها وشوارعها فهي وإن لم تكن كلها عريضة مستوية إلا أن جميعها مفروش بالبلاط فرشا مسطحا لطيفا. فتراها في كل فصل من فصول السنة نظيفة بيضاء لا ينغض المارة فيها غبار الصيف ولا وحل الشتاء. على أنها منذ سنة 1300 بدأ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 82 فيها افتتاح جوادّ «1» عظيمة، حتى انفردت الآن بجادّة الخندق التي رأسها من باب حديد بانقوسا وآخرها محطة الشام، وهي جادة مستقيمة تبلغ مسافتها أربعة أميال، قد ازدحم طرفاها بالمباني العظيمة كالدور والفنادق والقهاوي والحوانيت والخانات والمنتزهات مما لا يضاهيها في عمرانها وحسن مناظرها جادة غيرها في بقية الممالك العثمانية. ومن محاسنها أيضا كثرة أسواقها وإتقان عمارتها وحسن ترتيبها فترى سوقها الكبير المشتمل على زهاء خمسة عشر ألف دكان قد سقف معظمه بالأقبية الحجرية التي لكل مسافة بضعة أذرع منها نافذة للنور والهواء، فهو بارد في الصيف دافىء في الشتاء، ليس للشمس والمطر والعواصف إليه من سبيل، قد اشتمل هذا السوق العظيم على ثنايا ومنعطفات كل ثنية ومنعطف منها تباع فيه بضاعة معلومة. فترى لباعة الجوخ مثلا سوقا، ولباعة الحرير سوقا، ولباعة مال القبان سوقا، ولباعة مال الشام سوقا ولباعة مال استانبول سوقا، وهكذا بقية البضائع المأكولة كاللّحم، والخضر، والبقول، لكل نوع منها سوق أو خان يخصه. يوجد في مدينة حلب عدد عظيم من الشوارع والأسواق الضيقة التي تغص بأدنى ازدحام. وسبب ذلك ضيق البلد داخل السور عن سكانه في الأيام القديمة. إذ لا يسعهم أن يعمروا خارج السور لاستيلاء الخوف والجزع عليهم إلا أنه مع هذا كان يوجد عدد عظيم من الساحات والفسحات في أكثر أنحاء البلدة وأرجائها، فالظاهر أنهم كانوا يتركونها عمدا لتكون لهم ملجأ ومعتصما إذا دهمهم حادث أرضي أو سماوي كالزلزال والحريق، أو كانوا يتخذونها معتركا في ثوراتهم، أو يجتمعون فيها لسماع أوامر الحكومة وتنبيهاتها، أو ليباع فيها بضاعة معلومة، كالملح، والحطب، أو ليقام فيها أسواق يومية، كسوق يوم الجمعة، وسوق يوم الأحد أو لغير ذلك من الأغراض والشؤون. والله أعلم بحقيقة الحال. وأما تربتها فحسبك في مدحها ما سبق لنا بيانه في الكلام عليها فلا نعيده هنا. ولمهارة البساتنة عندنا ترى في البستان الواحد عدة طوائف من الغروس والنباتات، لكل طائفة منها محل خاص به. فترى أطراف البستان محفوفة بالأشجار التي يعظم حجمها، كالجوز الجزء: 1 ¦ الصفحة: 83 والتوت والدلب والصفصاف. والغرض من ذلك كسر سورة الهواء وتنقيته وجذب ما ينبث فيه من الغبار وقاية لبقية الطوائف. ثم ترى أمام هذا السياج صفا من فصيلة الورد، ثم تراه مقسما لعدة حقول، في كل حقل منها نوع من الشجر والنبات، قد رتب على نسق جميل لا يمنع غراسه الشمس والهواء عن غراس بقية الحقول مفروشة أرض الحقل الشجري منها بالبنفسج، إذا بقيت فيه عامة نهارك لا تراك الشمس ولا تصدك كثرة الريح ولا تضرك قلته. ومن خصائص تربة حلب العنب والتين والبطيخ بنوعيه. وسنتكلم على هذه الأنواع في الفصل الذي تكلمنا فيه على نباتات حلب. وبالحقيقة أن جميع فواكه حلب وبقولها وخضرها في منتهى طبقات الجودة سوى قليل منها. وأما جمال أبنائها فكثيرا ما سمعت من بعض أولي الأنظار النقادة من السّواح «1» والأغراب وسكان القسطنطينية أن جمال حلب أكثر من جمال الروم المشهورة بالجمال. وقال الدكتور فنديك في كتابه المرآة الوضية في الكرة الأرضية: إن أهل حلب أجمل من جميع سكان البلاد العربية. وترى النساء مع هذه المحاسن البديعة على غاية من العفة والأدب والصيانة والطاعة لأزواجهن، والرضاء باليسير والقناعة بمعايشهن والقيام بخدمة أزواجهن وأولادهن ومنزلهن. ولذلك ربما مضى الشهر ولم يرفع للمحكمة الشرعية دعوى بالطلاق، ومع قلته فإنه لا يصدر إلا من رعاع الناس وغوغائهم. وأما مكارم أخلاق رجالها فحسبك دليلا عليها ما اشتهر عنهم من الميل إلى الغريب والولع بأولي الفضائل. ومن مزاياهم الحسنة تودّد أهل الملل الثلاث إلى بعضهم، وتبادلهم الصداقة والمحبة وحسن التعامل والمعاشرة مع التزام الحشمة والأدب، وتناصرهم في الغربة ومزيد ألفتهم وحنينهم إلى بعضهم، غير ناظرين إلى اختلاف مللهم ومذاهبهم، وهم في إنفاق المال على أهلهم في حالة متوسطة بين الإسراف والتقتير بحكم آية وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلى عُنُقِكَ وَلا تَبْسُطْها كُلَّ الْبَسْطِ . أما إنفاقهم في الولائم والصدقات فلربما اصطنع أحدهم وليمة دعا إليها عشرة أشخاص مثلا لكنه هيأ من الطعام ما يقوم بكفاية مائة شخص. وهم أهل تدبير في معائشهم يحتكر الرجل منهم مؤونة عامه في بيته. فيرفع كل نوع منها في وقته المعين، فلا يبقى محتاجا إلا إلى اللحم الغريض «2» والخضرة والفاكهة الغضّة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 84 وأما دينهم ومروءتهم فيكفيك بالاستدلال عليهما أن حلب مهما كثرت فيها أسباب الفساد أخيرا، فهي بذلك لم تزل دون بقية البلاد التي تضاهيها بالسعة والثروة. وأهل حلب لأولياء الأمور من أطوع خلق الله تعالى وألينهم عريكة وأقلهم معارضة. حتى قال دارفيو في تذكرته السابق ذكرها: لا يبعد عندي أن تكون هذه المدينة سميت بحلب أخذا من ملاءمة أخلاق أهلها. فكأن شمائلهم الحلب الذي يساغ في الخلق بأدنى كلفة. قلت: ومن حسن شمائل أهل حلب إقبالهم على أعمالهم وقناعتهم بالارتزاق من تجارتهم وقلة تهافتهم على وظائف الحكومة. والغالب عليهم حسن الخلق وسلامة الصدر من المكر والخديعة وصفاء الألوان وجودة الأفكار ودقة الأنظار، واستعمال الروية وترك العجلة والتهور فيما يبهم أمره وتجهل عاقبته عليهم. وأما رخص أسعار بضائعها من المأكولات وغيرها قبل الحرب العامة فيغنينا عن إطالة الكلام فيه إيراد نموذج يعرف منه أيضا سعر ما لم نذكره من بقية بضائعها فنقول: إذا كانت السنة متوسطة أي كانت حالتها دون الخصب وفوق الجدب بيع فيها الشنبل من أعلى أنواع القمح بخمسة وسبعين قرشا. ومن الشعير كذلك بأربعين. ومن العدس بخمسة وستين. وبيع القنطار من الفحم الجيد بمائة وخمسة وعشرين قرشا، ومن الحطب السنديان بسبعين، وبيع الرطل من لحم الضأن المسمّن الجيد الخالص من العظم بخمسة عشر قرشا، ومن زيت الزيتون العذب الصافي والعسل المصفى الأبيض والصابون الحلبي الجيد باثني عشر قرشا. ومن السمن الحديدي الذي لا نظير له في غير حلب بخمسة وثلاثين قرشا، ومن الدبس العينتابي الجيد بثمانية قروش، ومن أعلى أنواع العنب بثلاثة قروش، ومن البطيخ والخيار والمشمش والفاولة والتوت والجانرك والرمان والتفاح والقرع السلاحي والبصل والعجور والبرقوق والإجّاص والخوخ والدرّاقن والسفرجل بقرش ونصف القرش. وأما منسوجاتها فإن الرجل الفقير كان قبل الحرب العامة يمكنه أن يعمل منها في السنة أربعة أثواب من نسيج حلب، بطانتها من البزّ الفرنجي يصرف عليها ثمانين قرشا تكفيه عامة عامه. أما أجور البيوت والمنازل في حلب فقد كانت في حلب رخيصة جدا لأن الدار المشتملة على أربعة مساكن مع بقية المرافق والمنافع تؤجر عن سنة كاملة في متوسط الجزء: 1 ¦ الصفحة: 85 محلات حلب بألف ومائتي قرش. ومثل هذه الدار في بعض محلاتها المتطرفة ربما كانت لا تزيد أجرتها في السنة على خمسمائة قرش. هذا كله كان قبل حدوث الحرب العامة بقليل، حينما كان الذهب العثماني يعتبر بمائة وسبعة وعشرين قرشا. أما الآن فإن أسعار البضائع المذكورة قد تضاعفت، أي صارت مثلين إذا اعتبرنا الذهب المذكور بمائة وسبعة وعشرين، وإلى أربعة أمثال إذا اعتبرناه بمائتين وثمانين قرشا كما هو معتبر الآن. على أن بعض البضائع ينقص عن هذا المعدل قليلا، وبعضها يزيد قليلا سوى أجور المنازل والحوانيت فإنها تزيد زيادة منكرة لم يسبق لها نظير فإن الدار التي كانت أجرتها السنوية اثني عشر ذهبا عثمانيا تبلغ أجرتها الآن ستين أو سبعين ذهبا. وسبب ذلك كثرة وجود المهاجرين الأرمن وغيرهم المقدّر عددهم بستين ألف نسمة. أما عظمة حلب واتساعها فحسبنا ما قاله في ذلك باترك روسل: إن مدينة حلب تستحق أن تعد في المملكة العثمانية بعد استانبول ومصر بعظمتهما وإن كانت فوقهما بإتقان البناء والنظافة وحسن المنظر. وأما منتزهاتها فحسبنا منها ما ذكره الصنوبري في قصيدته التي أثبتناها في ترجمته. وزد عليها الآن جادة الجسر الجديد وغيره. وأما مبانيها العلمية والخيرية فهي مما لا يضاهيها بذلك مدينة لأنه يوجد فيها من هذه المباني في محلة واحدة ما لا يوجد في غيرها من المدن التي تعد في السعة من مرتبتها. وسيرد عليك في باب الآثار ما تعلم منه صحة قولنا، فقد عددنا في محلة الجلوم فقط نيّفا وثلاثين أثرا، ما بين مسجد وجامع ومدرسة وبيمارستان وتكيّة ومكتب وسبيل ماء. الأوزان والمقاييس والكيول المستعملة في حلب الرطل الذي كان مستعملا في حلب منذ خمسمائة سنة أو أكثر يزن (720) درهما ويقسم إلى (12) وقية، كل وقية (60) درهما، كل درهم (16) قيراطا، كل قيراط (4) قمحات. وكان ولم يزل يسمى كل مائة رطل قنطارا. ثم لمّا استولى المرحوم إبراهيم باشا المصري على حلب، ألزم أهلها بأن يستعملوا الحقّة التي تزن أربعمائة درهم، وهي المعروفة في زماننا بالأقّة العتيقة. ونحن نصطلح تسميتها بالحقّة، لكن دراهمها كانت تنقص عن دراهم الرطل الحلبي القديم أربعة في المائة. وبعد انجلاء إبراهيم باشا عن هذه البلاد، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 86 عاد الحلبيون لاستعمال الرطل القديم. حتى حضر إلى حلب من قبل الدولة العثمانية رجل عرف بوقته بالمبايعجي لشراء النقود الذهبية والفضية وتعديل الأوزان، فزاد الرطل الحلبي درهمين في كل مائة درهم منه. وبقي اعتباره سبعمائة وعشرين درهما. وفي سنة 1264 تقريبا أمر الوالي أن يرجع الناس إلى استعمال الحقّة لتتساوى أوزانهم مع أوزان استانبول. ثم أشار عليه بعض خلصائه أن يرخص للناس باستعمال الرطل لكنه يزيد فيه ثمانين درهما. فيساوي نصفه حقّة فعمل بما أشار به إليه وجعل الرطل ثمانمائة درهم. وقسمه إلى 12 وقية كل وقية 66 درهما وثلثا الدرهم. واستمر الحال على هذا المنوال إلى حدود سنة 1277 وفيها تصاعدت أسعار النقود في حلب حتى بلغ الذهب العثماني مائة وأربعة وثلاثين قرشا وثلث القرش، والمجيدي ستة وعشرين قرشا وثلاثة أرباع القرش. وعلى هذه النسبة ارتفعت أسعار بقية النقود فأضرت هذه الحالة بالتجارة والصناعة والأجورات، واجتمع التجار وطلبوا من الوالي إرجاع النقود إلى ما كانت عليه وكان سعر الذهب العثماني قبلا مائة قرش، والمجيدي عشرين قرشا. فامتنع الوالي من إجابتهم زاعما أن رجوع أسعار النقود إلى أصلها مع بقاء أسعار البضائع على حالتها الراهنة مما يوجب ضرر الفقراء، قائلا: إن الرأي عندي إذا كان ولا بد من إرجاع النقود إلى أصلها أن يزاد في الأوزان حتى يكسب الفقير من البضائع قدر ما يخسره من النقود. ثم أمر أن يزاد في الرطل مائتا درهم حتى يكون ألف درهم من دراهم أوزان المبايعجي المذكورة آنفا، وأن يقسم هذا الرطل إلى عشرة «1» أواق، كل أوقية مائة درهم من الدراهم المذكورة. غير أن الحداد الذي عدل هذا الرطل لم يكن ماهرا. ولذا ظهر الخلل في الأوزان مع بعضها وفي القبان بالنسبة إليها. ودام ذلك إلى زمن تنظيم حالة الولاية في أيام المرحوم جودت باشا. حيث أسس المجلس البلدي الذي يعد تصليح الأوزان من أجل وظائفه. فعيّن حدادا ماهرا وأمره أن يعدل الأوزان على الدراهم التي يزان بها الذهب والحرير وهي تزيد على دراهم المبايعجي درهمين في المائة تقريبا. وعليه بلغ الرطل ألفا وسبعة عشر درهما ونصف الدرهم من دراهم المبايعجي، مع أنه لم يزد على ألف درهم من دراهم الحرير والذهب. وحينئذ استقام الرطل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 87 واستوى درهم الحرير والذهب بدرهم سائر البضائع وعدّل القبان على هذه النسبة واستمر هذا الحال إلى يومنا هذا. وقد جرت العادة أن يتخذوا الأوزان من الحديد والصّفر. وبعض باعة الفحم والحطب وغيرهما من الموزونات الكبيرة الحجم يتخذونها من الحجارة. وقد اصطلح الحلبيون على أن يسموا كل مائة رطل من هذه الأرطال المعروف واحدها بالرطل الجديد قنطارا جديدا، وكل مائتي حقّة تزن 400 درهم من دراهم استانبول قنطارا عتيقا. وأكثر من يستعمله التجار في أجور نقل البضائع وغيرها. أما المقاييس المستعملة في حلب، فهي على أربعة أضرب: الأول: ذراع المعمار أو النجار وهو خاص بالبنائين والنجارين، يستعينون به على أعمالهم، وباعتباره يتقبلون الأعمال مع الناس في فرش الأرض بالبلاط وتعمير الجدران ومجاري المياه وغير ذلك. وهو ينقسم إلى أربعة وعشرين قيراطا ويستعملونه من الخشب ويجعلونه ذا أربعة أضلاع، عرض كل ضلع قيراط منه غالبا. الثاني: ذراع القماش. وهو دون ذراع المعمار بقيراطين ونصف من قراريطه. وينقسم إلى نصف، وثلث، وربع، وسدس، وثمن، ونصف الثمن، ويسمى شاهية. والأتراك يسمونه كراخا. وهذا الذراع ليس من الضبط على شيء إذ قلما يتفق ذراعات ولا يوجد بينهما فرق. الثالث: ذراع الجوخ وهو خاص بكيل الجوخ. وهو أقصر من ذراع القماش بقليل كما ستعرفه. الرابع: الهنداسة، وهي خاصة ببعض الخياطين يستعملونها بتفاصيل الثياب وتنقص عن ذراع القماش شاهية، وهي والذراعان اللذان قبلهما يكونان من الحديد. وكل هذه الأذرع قديمة لم نعلم بها تغييرا منذ القدم. أما الكيول: فإنها كانت قبل سنة 1277 أصغر مما هي عليه الآن إذ كان يبلغ الشنبل ثمانيا وأربعين حقّة، تزن أربعة وعشرين رطلا من أرطال تلك الأيام. فلما زادت الأوزان بعد التاريخ المذكور كما قدمناه، أضيف للشنبل اثنتا عشرة حقّة، فصار يبلغ ستين حقة، تزن أربعة وعشرين رطلا من الأرطال الجديدة. ثم لما تنظمت الولاية وأسس المجلس الجزء: 1 ¦ الصفحة: 88 البلدي. صار يزيد فيه وينقص منه حسب رأيه. وتكرر منه هذا العمل عدة مرات حتى استقر الآن 34- 35 رطلا جديدا من الحنطة النقية الجيدة التي لا يعلو عليها حنطة. ثم إن الشنبل ينقسم إلى جزءين. كل جزء منهما يقال له قلبة في اصطلاح الكيالين. والقلبة هي الكيل الخشبي الذي يكال به الحب، والناس يسمونه نصف شنبل. وإلى أربعة أجزاء، كل جزء يسمى كيلا. وإلى ثمانية أجزاء كل جزء يسمى ثمنيّة. وإلى ستة عشر جزءا، كل جزء يسمى قيراطة. ولا يوجد كيل يكال به الشنبل دفعة واحدة إنما يكال بالقلبة على مرتين أو بما هو أصغر منه على حسب اللزوم. نسبة مقادير الأوزان والكيول والمقاييس إلى المتر لما كانت معرفة مقادير الأوزان والمقاييس والكيول على وجه الضبط والتدقيق لا تتم إلا بتطبيقها على أشهر مقياس في العالم؛ فقد رأينا أن نحرر الأوزان الحلبية ومقاييسها وكيولها على المتر الفرنسوي الذي هو غاية بالضبط والتحرير. وهو كلمة يونانية معناها المقياس، قالوا إنه يساوي جزءا من عشرة ملايين جزء من ربع محيط دائرة الأرض الذي هو ما بين القطب إلى خط الاستواء. وقد قسموه إلى عشرة أجزاء، سموا كل جزء منها (ديسي متر) أي عشر المتر. وقسموا كل ديسي متر إلى عشرة أجزاء، سموا كل جزء منها (سنتيمتر) أي عشر عشر. وقسموا كل سنتيمتر إلى عشرة أجزاء سموا كل جزء منها (ميللي متر) أي عشر عشر عشر المتر، أي جزءا من ألف جزء من المتر. وسموا كل عشرة أمتار (ديكا متر) . وكل عشرة ديكا متر (إيكتو متر) . وكل عشرة إيكتو متر (كيلو متر) . وكل عشرة كيلو متر (ميريا متر) . وقد اصطلحت الدولة العثمانية على تسمية ديسي متر بعشر الذراع. وعلى تسمية السانتيمتر بعشير الذراع. وتسمية الميللي متر بمعشار الذراع. وتسمية الكيلومتر بالميل الإعشاري. وتسمية الميريا متر بالفرسخ الإعشاري. وقد حرر الأوروبيون على هذا المتر الكيلو الذي هو الوزن العام أيضا. وذلك أنهم اعتبروا الكيلو ألف جزء، ويعرف أيضا بالأفّة الجديدة. وسموا كل واحد من أجزائه غراما. واعتبروا الغرام وزنا يساوي ملء مكعب سانتيمتر من الماء المقطر البالغة حرارته أربع درجات. وقسموا الغرام إلى مائة جزء سموا كل واحد منها سانتيغراما، وإلى ألف الجزء: 1 ¦ الصفحة: 89 جزء سموا كل واحد منها ميلغراما. وكانت الحكومة العثمانية تستعمل مقياسا ذراعيا تسميه دونما، وهو جديد مساحته 1600 أو عتيق مساحته 900 ذراع معماري مربع. وهاك بيانا في نسبة الأوزان المعتبرة عندنا اليوم إلى الكيلو وأقسامه: وهي الرطل الحلبي الجديد يساوي 3 كيلو و 207 غرامات و 4 سانتيغرام. والوقيّة وهي قسم من عشرة أقسام من الرطل المذكور تساوي 320 غراما و 7 سانتيغرام. والدرهم الذي هو جزء من مائة جزء من الوقية يساوي 3 غرامات و 207 ميلغرام. والقيراط يساوي 20 سانتيغرام. والقمحة تساوي 5 سانتيغرام. وهناك بيانا آخر في نسبة المقاييس والكيول المعتبرة اليوم عندنا إلى المتر وأقسامه وهي: ذراع القماش يساوي 69 سنتيمتر و 5 مليمتر. والشاهية منه تساوي 42 مليمتر. وذراع الجوخ يساوي 98 سنتيمتر. والشاهية منه تساوي 42 مليمتر. وذراع المعمار أو النجار يساوي 76 سنتيمتر و 5 مليمتر. والقيراط منه يساوي 32 مليمتر. والهنداسة تساوي 65 سنتيمتر و 2 مليمتر. والقلبة التي هي نصف شنبل، عمق فراغها 33 سنتيمتر وقطره 49 سنتيمتر. أوزان البلدان التابعة ولاية حلب أوزان البلدان التابعة ولاية حلب المخالفة لأوزانها أيام الحكومة العثمانية هي: أورفة: قنطارها 30 رطلا، كل رطل ست حقق، كل حقة 400 درهم من دراهم إستانبول، ويسمى هذا الرطل خندكاري، أي سلطاني، وبيره جك، وهي البيرة وسروج رطلهما 12 وقية، والوقية 67 درهما، وروم قلعة، رطلها 30 حقة، كل حقة 400 درهم، ومرعش، رطلها الخندكاري كرطل أورفة والوطني حقتان، وأندرين، رطلها 12 وقية، كل وقية 200 درهم، ومثلها البستان، والزيتون، رطلها 12 وقية، كل وقية 84 درهما، وأنطاكية، شنبلها 16 علبة، كل علبة 22 حقة، وجسر الشغر، كيلتها 22 علبة، كل علبة 16 حقة، وناحية الأردو، كيلتها 16 علبة، كل علبة 16 حقة، والمعرة، كيلتها 4 قراريط، كل قيراط أقة، كل أقة 500 درهم، وأورفة، كيلتها 8 أثمان، الثمن 10 حقق، الحقة 400 درهم، وروم قلعة، كيلتها شنبلان، الشنبل أربعة أثمان، كل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 90 ثمن حقة، وسروج، كيلتها 8 أثمان، الثمن 15 حقة، ومرعش وزيتون وبازرجق، كيلتها 16 قيراط، القيراط 16 حقة، والبستان، كيلتها اسمه سلمه، 6 حقق ونصف، وأندرين، كيلها اسمه طاس 6 حقق، وناحية كوكسون كيلها اسمه سلمه 6 حقق وبيلان علبتها 20 حقة. السلع التي توزن بغير الرطل الجديد يوجد عندنا كثير من السلع والبضائع التي توزن برطل قديم زنته 600 درهم. وربما استدل من هذا على أنه هو الرطل الذي كان معتبرا قبل الرطل الذي دراهمه 720 درهما، والبضائع التي لم تزل توزن به، هي الكافور الهندي والبخور الجاوري ودرهمه مساو درهم الرطل المذكور، ومن ذلك الحرير فإنه يوزن بالدرهم المساوي درهم الرطل الجديد الحالي، وكل ألف درهم منه يسمونه وزنة، والذهب واللؤلؤ والمسك والعنبر وعطر الورد توزن بالمثقال المساوي أربعة وعشرين قيراطا، كل قيراط يزن خمس قمحات، والفضة توزن بالدرهم، وكل ألف وثمانمائة درهم منها يسمونها رشقا، والقرمز يوزن بالأقة التي استعملها الناس في أيام المرحوم إبراهيم باشا المصري، والنيل لم يزل يوزن بالرطل القديم الذي زنته 720 درهما، وجميع البضائع الافرنجية، وكالسكاكر والبهار والقصدير، يبتاعها تاجر السوق بالرطل الذي هو 800 درهم، ثم يبيعها على حساب الرطل الحالي، والرطل المذكور الذي هو 800 درهم هو المعتبر أيضا عند المكارية في أحمالهم، والمستعمل عند الأطباء هو الكيلو والغرام وأقسامهما. والله سبحانه وتعالى أعلم. الكلام على النقود كل من عرف اختلاف الناس بتقدير أسعار النقود القديمة التي ذكرها الواقفون في كتبهم- كالأقجة والشاهية والعثماني والأسدي وزر محبوب- يرى من الواجب أن نتكلم على النقود المستعملة في زماننا والذي قبله بقليل، وأن نسلك في بيان أسعارها طريقة تحفظ معرفتها إذا استبدلت بغيرها وفقدت من عالم الوجود حفظا على المقادير التي أرادها منها الواقفون فيما شرطوه لذراريهم، أو للوظائف الدينية والنفقات الخيرية، حيث اعتبروا النقد المعروف في زمانهم المسمى بالقرش. فنقول على أوجه الاختصار: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 91 إن عمدة النقود المستعملة في زماننا وما قبله بقليل بل المستعملة في سائر البلاد العثمانية هي الذهب العثماني المعروف بالليرة والريال المعروف بالمجيدي. فأما الذهب المذكور فعياره من أربعة وعشرين، واحد وعشرون قيراطا وقمحة ووزنه درهمان وربع درهم أو مثقال ونصف مثقال أو سبع كرامات وتسعة عشر سانتيما. وأما المجيدي فهو من فضة وعياره من مائة: سبعة وسبعون ونصف قيراط ووزنه سبعة دراهم وثلث الدرهم من دراهم حلب وسبعة ونصف من دراهم إستانبول، أو أربعة وعشرون غراما وثمان سانتيمات. وقد اعتبرت الحكومة الليرة مائة قرش والمجيدي تسعة عشر قرشا واعتبرت كل قرش أربعين جزءا سمته بارة بدون نقص ولا زيادة أخذا وإعطاء وأما التجار والباعة وبقية الناس فهم يتداولون بينهم الليرة والمجيدي المذكورين بحسب أسعار الذهب والفضة فهم فيما فوق سعرهما المعتبر عند الحكومة الذي ذكرناه هنا يزيدون فيهما وينقصون. النقود القديمة قرأت في بعض صحف الأخبار أن الأقجة كانت قبل القرن الثاني عشر تزن ثلث الدرهم وكان كل 60 منها يساوي عملة تدعى قزل قروشي، أي القرش الأحمر، أو فلوري وهو ذهب النجمة. فلو فرضنا أن درهم الفضة يباع باثنتين وسبعين بارة، كانت قيمة هذا الذهب 36 قرشا من قروش أيامنا المقدّر كل واحد منها بأربعين بارة. ثم في عهد السلطان محمد الثالث تدنت قيمة الأقجة فصار كل ست منها يساوي درهم فضة. ثم اختل أمر السكة وكثر غشّها فضربت سكة جديدة على الترتيب الموجود في زماننا إذ جعل القرش أربعين بارة والبارة ثلاث أقجات. قلت: الأقجة كلمة تركية معناها القطعة، كالبارة. الصنائع في حلب أما الصنائع القديمة التي كانت في حلب ثم انقرضت وفقد أهلها فسأنبه على ما علمته منها. وأما الصنائع الحاضرة الموجودة في حلب فكثيرة، وأعظمها بل هي التي عليها مدار تعيّش السواد الأعظم من أهل حلب، هي صنعة نسج الأقمشة فقد كان يوجد لها في حلب نحو خمسة عشر ألف منوال. ثم أخذ هذا العدد بالتناقص حتى انحط في هذه الأيام إلى نحو ألفي منوال يحاك عليها القطنية والغزلية المعروفة بآلاجه، والحريرية المعروفة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 92 بالجتارة، والمقصبة المعروفة بالمسيخ والدوناطو وشغل الليل والدامسقو الدمشقي وتقليد الشال العجمي والأزر الحريرية المقصبة، والملاحف المتنوعة الحريرية المقصبة والغزلية الموشاة والمناديل الحريرية والمقصبة المعروفة بالبوشية التي يعتمّ بها بعض الشبان من المحلات المتطرفة وأنواع العباءات الحريرية والصوفية والغزلية مقصبة وغيرها. وهذه الصنعة لم أقف على ابتداء دخولها إلى حلب، وهي الآن منحطة جدا عما كانت عليه قبلا. فقد كان يوجد لها في حلب من نحو خمسين سنة تقريبا زهاء خمسة عشر ألف منوال كما أسلفنا ذكره ولا يخفى ما كان ينتج عن ذلك للحلبيين من المنافع والفوائد إذ كان يلزم لتشغيل كل منوال منها لا أقل من أربعة أشخاص من الصناع والعملة، ما بين حائك ومسدّ وصبّاغ وفتال ودقّاق وشطاف وقصار وصقّال، لا جرم أنه كان ينتفع منها ستون ألف نسمة ما بين غني وفقير وكبير وصغير وذكر وأنثى. وكانت هذه الأقمشة تنتقل من حلب إلى سائر البلاد شرقا وغربا وتربح أرباحا عظيمة تستحق الذكر وما ذلك إلا لحسنها وإتقانها. وأما أسباب انحطاطها فكثيرة منها التفات الناس إلى استعمال الأقمشة الافرنجية لزخرفتها ورخصها، وإن كانت سريعة التلف وعديمة الاحتمال ومنها تجدد هذه الصنعة في غير حلب من البلاد كعينتاب ومرعش وحمص وديار بكر وخربوط وبعض بلاد الرّوم إيلي التي كان جل رواج أقمشة حلب عليها، فاستغنت الآن بما عندها بل صارت ترسل أقمشتها إلى غيرها من البلاد وتزاحم بها الحلبيين. ومنها طمع أهلها في إعطائها حقها من الصبغ الثابت ومادة النسج من الجنس الجيد، وهذا بالحقيقة من أعظم أسباب انحطاطها. ومنها كثرة الضرائب التي وضعتها عليها دولة روسية فقد كان يروج في كثير من ولاياتها جملة وافرة من أقمشة حلب. هذا مجمل الكلام على هذه الصنعة. وأما بقية الصنائع الموجودة في حلب: فمنها صنعة عمل التيل الفضي الذي يصرف منه مبالغ وافرة في الشرق والغرب كمصر وبغداد وحمص وديار بكر والحجاز واليمن وغيرها، وبسبب هذه الصنعة في حلب يروج في تجارتها مبلغ وافر من سبائك الفضة ولا يوجد أثر لهذه الصنعة إلا في حلب واستانبول إلا أن أهل حلب أكثر إتقانا لها. ومنها صنعة التطريز والزركشة وهما مختصتان عندنا بالنساء، ويدخل في الصنعة الأولى منها تطريز العمم المعروفة بتقليد الزنار الهندي، وهذا النوع ينفذ منه مقدار وافر إلى فلسطين والشام والبلاد الرومية وجزيرة العرب وبعض بلاد الغرب وكثير من الممالك الأوروبية والأميركانية. ومنها الجزء: 1 ¦ الصفحة: 93 صنعة القزّ وتعرف بالعقادة وهي عبارة عن تنويع السلوك الحريرية والغزلية إلى أنواع شتى كالسفائف والبنود والقيطان والأزرار والعرى، وأكثر من يشتغل في هذه الصنعة النساء. ومنها صنعة صبغ المناديل التي تستعملها العرب تحت العقال ويعتمّ بها كثير من القرويين والأكراد. وهذه الصنعة كانت في نجاح عظيم ذات أرباح وافرة وكان يخرج منها إلى جزيرة العرب وأرمينية وجبال الأكراد ما لا يدخل تحت إحصاء. ثم في السنين الأخيرة أدركها الانحطاط بسبب تقليد الافرنج لها بما هو أحسن منها زخرفة وأرخص ثمنا. وكان يوجد في حلب نحو خمسين محلا تشغل فيه، ويعرف محلها بالكرخانة وهي صنعة مركبة ينتفع منها خلق كثير ما بين تاجر بالقماش وأنواع الأصبغة، وطابع وصبّاغ وشطاف، ولم يبق الآن لتشغيلها سوى بضع كرخانات. ومنها صنعة الصياغة وتركيب الماس والياقوت وبقية الأحجار الكريمة ويوجد لها نحو خمسين دكانا. وأكثر من يشتغل بها النصارى. ومنها صناعة الحدادة وهي على نوعين: قديمة وجديدة، فالقديمة مختصة يعمل المسامير وأزرار الأبواب وشبكات النوافذ. والجديدة منها مختصة بعمل الطرابزونات والموازين والقبّان وتصليح الأقفال وإصلاح بعض أدوات المعامل المتحركة بالبخار والبترول وغيرها. ومنها نوع يشتغل أهلها بتصليح الأسلحة كالبنادق والسيوف والخناجر. ومنها صنعة النجارة وهي على أنواع: فمنها ما هو مختص بعمل الدواليب والغرافات المائية. ومنها ما هو مختص بعمل آلة الحراثة ومحل ذويها سوق قبو المسلاتية في القرب من باب بانقوسا، وفي سوق باب النيرب وسوق باب الجنان. ومنها ما هو مختص بتنجير تدفيف البيوت وخزنها وأبوابها وما شاكل ذلك. ومنها ما هو مختص بعمل الأشياء الدقيقة كالصناديق الافرنجية. ومنها ما هو مختص بعمل الأعواد المطربة. وهذا النوع حادث في مدينتنا منذ أربعين سنة. ومنها صنعة الدباغة ومحلها على نهر قويق في ظاهر باب أنطاكية، ويدبغ فيها الجلد الأبيض المعروف عندنا بالحور والجلد الأحمر والقرمزي والأصفر. وكان أحد التجار النصارى أحضر من أوروبة مدبغة تدور بالبخار يدبغ فيها الجلد الافرنجي المستعمل للقندرات، والجلد الذي كان يدبغ فيها لا يربح كثيرا ولا يرغبه الصناع، فأفلس صاحبها وعطلت مدبغته. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 94 ومنها صنعة النعال وهي أنواع: فمنها ما يستعمله الفلاحون وعرب البادية وهو الجزمة الصفراء ذات الساق والخف والبسطار، وحذاء كلها غليظ جدا. ويقال لصنّاعها الأساكفة وهم مسلمون. ومنها ما يستعمله بعض قدماء النصارى، وهو أسود على نسق القارب له حذاء غليظ وصنّاعها نصارى. ومنها ما كان يستعمله بعض شيوخ الملل الثلاث وهو البابوج الأصفر، وقد بطل الآن استعماله. ومنها المست الذي هو خف ساتر لرجل المرأة حتى ركبتها، كانت تلبسه ضمن البابوج المذكور. ومنها ما يستعمله بعض الناس من الملل الثلاث في فصل الشتاء ضمن النعل الظاهري، وهو جرموق أسود لطيف يستر الكعب ونصف القدم ويعرف بالقلجين، أو يستر الكعب والقدم ويزرّ على الرجل بواسطة سلوك ويعرف باللبجين. وصناع هذه الأنواع من الملل الثلاث، وقد كاد الآن يبطل استعماله. ومنها النعل القرمزي الذي تختلف أنواعه لطافة وكثافة وشكلا وصورة ويعرف بالصرماية، ومنها ما يستعمله بعض سكان الأطراف والفلاحين ومن يعاني السفر، وهو الجزمة الحمراء والقرمزية وصناعها مسلمون. وهذه الأنواع كلها يوجد لبيعها زهاء مائة دكان، وأجمع محل لها السوق المعروف بالقوافخانة وراء قبلية الشافعية من الجامع الكبير. ومن العجب أن هذه الحرفة لم يؤثر في نجاحها ظهور القندرة بل هي لم تزل على ما كانت عليه، مع أن كثيرا من الناس عندنا اعتاضوا عنها بالقندرة. ومنها صنعة الحذاء المعروف بالقندرة، صناعها من الملل الثلاث وهم يحسنونها إتقانا وزخرفة. ومنها صنعة النحاس الأحمر والأصفر يعرف أهلها بالجانجية وهي متقنة عندنا ولأهلها قدرة على عمل جميع الظروف والأواني ولها نحو خمسين دكانا. وأجلّ سوق جامع لها سوق النحاسين بالقرب من مسجد العريان خارج باب النصر وأكثر صناعها نصارى. ومنها صنعة الخبازة وأهلها متقنون لها فيصنعون أنواع الأخباز اليابسة كالبقسماد والكعك المحمر المعروف عندنا بكعك السخانة وغيرهما من الأخباز التي يتزودها المسافرون وأنواع الأخباز الطرية كالمعروف بالصمون. وهذه الأنواع منها ما يخبز في التنور ومنها ما يخبز في الفرن وهو القسم الأعظم. وصناع الأول مسلمون والثاني من الملل الثلاث. وكثيرون من سكان الأطراف من يستغني عن الخبز بالأجرة ويخبز في تنّور بيته أو على صفحة الحديد المعروفة بالصاج المستعمل عند العرب والأكراد غالبا. ومنها صنعة الحلوى وهي على نوعين: الأولى: يعرف محلها بالمعصرة، وعرفت بهذا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 95 الاسم لأن فيها يكون اعتصار السيرج من السمسم واستخراج نقيع الزبيب الذي يعقد ويضاف إليه رغاء الجذور المعروفة بعرق الحلاوة ليبيضّ ويكون ناطفا ثم يضاف إليه مقدار معلوم من طحينة السمسم فيصير حلوى تعرف بالحلاوة الطحينية، ويكثر الناس من أكلها شتاء يأتدمون بها عوضا عن الفواكه. وقد بطل الآن عملها من نقيع الزبيب واعتيض عنه بالسكر وهذه المعاصر قد يباع فيها أيضا نوع من الحلوى المعروفة بالمامونية المركبة من خاص الدقيق والسمن والسكر، ونوع آخر يعرف بالكرابيج وهي كتل في حجم البيضة أو أصغر تتركب من خاص الدقيق المعروفة بالسميد ومن السمن وتحشى غالبا لبّ الفستق أو اللوز أو الجوز وتقلى بالسيرج أو السمن أو تخبز ثم تغمس بالناطف وتؤكل. والنوع الثاني من صنعة الحلوى: هي التي يعرف صنّاعها بالشراباتية لأنهم هم الذين يصنعون أنواع الأشربة الحلوة وأنواع الربوب والحلوى التي تؤكل في المواسم والأعياد كالمعروفة بالمعمول والغريبة وأنواع الملبّسات وأعظم محل لمبيعها سوق العطارين يوجد لها فيه نحو ثلاثين دكانا ذووها من المسلمين واليهود فقط. ويوجد في حلب من أنواع الحلوي العجينية شيء كثير يطول شرحه، أشهرها الحلوى المعروفة في كل البلاد باسم باقلاوة وهذه لفظة مركبة من بامك أي نظيفة، وهي فارسية، وحلاوة وهي عربية. ومنها صنعة الصابون: لها في حلب نحو خمس عشرة مصبنة تشتغل بطبخ الصابون من كانون الأول إلى غاية هيار «1» . وصناعها من الملل الثلاث. ويطبخ فيها في سنة الخير زهاء أربعمائة طبخة ومعدل وزن الطبخة الواحدة أربعة عشر قنطارا وستة وخمسون رطلا بالوزن الحلبي وقد تزيد على ذلك. والحلبيون ما زالوا محافظين في هذه الصنعة على إتقانها واجتناب الغش فيها، ولذلك كان صابونها رائجا في التجارة أكثر من صابون غيرها. ومنها صنعة الشعيرية المعكرونة ويوجد لعملها آلة تدور بالدوابّ، يخرج منها أنواع وأشكال من المعكرونة. والمعكرونة قليلة الاستعمال عند الحلبيين وأكثر من يستعملها الأغراب من الفرنج وغيرهم. ومنها صنعة العرق والخمر وهي مختصة بالنصارى واليهود ويجلب منها مقدار وافر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 96 من زحلة وعينتاب ومرعش وأنطاكية وجزيرة سقس. وهذا كله عدا الأنواع الكثيرة التي تستحضر من بلاد الفرنج وتستهلك وأعظمها الكونياك والجعة. ومنها صنعة غزل القطن والصوف وهي مختصة بنساء الفلاحين وسكان الأطراف وينسج من غزلهما الخام البلدي والعباءات والجرابات التي تعمل باليد ولا يصلح لغير ذلك. وكان يوجد لغزل القطن معمل كبير يدور على الماء في سيف العاصي مما يلي مدينة أنطاكية وهو معمل عظيم يشتمل على آلات الحلج والغزل والنسج والطي. وكان يخرج منه في كل يوم من الغزل حمل بغل. وكان ابتداء تأسيسه عن يد تجار من اليهود في حدود سنة 1290 فصرفوا عليه نفقات باهظة وأحضروه من أوروبا ونفدت ثروتهم ولم يكمل. وكان أكثر ما يصرف غزله في حلب ويباع بثمن دون ثمن الغزل الافرنجي. ثم في سنة 1308 أقفل وقد تحطمت أدواته وبيع منها القدر الكثير في حلب وغيرها. ومنها صنعة حلج القطن وهي مختصة بسكان الأطراف من المسلمين يباشرونها في دواليب بسيطة تدار بأيديهم أو بأرجلهم. وكان وجد لها آلة افرنجية تدور على ماء نهر قويق قد نصبت في أحد الطواحين واشتغلت مدة ثم تعطلت. ثم وجد بعدها كثير من المحالج الافرنجية التي تتحرك بقوة النار ولم تزل حتى الآن. ومنها صنعة فتل حبال القنّب وهي متقنة عندنا جدا وأهلها مسلمون، ومحل بيعها سوق الحبّالين وراء قبلية الحنفية من الجامع الكبير فيوجد لها بهذا السوق نحو أربعين دكانا. ومنها صنعة تجليد الكتب وهي غير متقنة وصناعها بضعة أشخاص من الملل الثلاث. ومنها صنعة الخزف الذي تعمل منه الخوابي وشربات الماء والقرميد والجرار الخضر والمناقل والزّبادي والكيزان «1» وهي من الصنائع الباقية على حالتها من قديم الزمان. ومنها صنعة الخياطة باليد أو بالآلة المعروفة التي تدار باليد أو بالرجلين وصناعها من الملل الثلاث. ومنها صنعة نسج الحواشي التي توضع بأطراف ثياب النسوة المعروفة بالتنتة وصنعة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 97 المنسج وهي التطريز بالحرير والقصب باليد أو بالآلة، وصناع كلها نساء. وكان يوجد من النوع الثاني مناديل مطرزة على غاية من الحسن والحذق صناعها وبراعتهم كان لا يمتاز وجه المنديل من قفاها «1» . ومنها صنعة تطريز الطرابيش بالقصب ويستعملها عرائس الأكراد وصنّاعها مسلمون. ومنها صنعة تصليح الساعات، وصناعها من الملل الثلاث. ومنها صنعة البناء والعمارة وهي من الصنائع المتقنة عندنا قديما وحديثا، ولإتقانها كان يؤخذ كثير من صناعها إلى الأماكن البعيدة ويستخدمون في بناء الحصون والمعاقل وحسن آثار صناعها الظاهرة تغني عن إطالة الكلام في وصفهم وهم مسلمون ونصارى، ومساكن المسلمين منهم محلة الكلاسة غالبا والنصارى محلة الحميدية على الأكثر. ومنها صنعة الخراطة، وهي تكوير الأخشاب وتركيبها في بعضها لمقاصد شتى وهذه الصنعة غير ناجحة عندنا ويجلب من مصنوعاتها شيء كثير من دمشق والحجاز والهند. وصناعها عندنا مسلمون. ومنها صنعة التنك وهي عمل ألواح الصفيح والتوتيا أواني وظروفا، وصناعها من الملل الثلاث. ومنها صنعة الحلاقين وصنّاعها من الملل الثلاث، وأكثرهم يشتغل بالآلة المعروفة بمنكمة القص ويوجد بعض حلاقين أغراب يتقنون هذه الصنعة أكثر من الحلبيين. ومنها صنعة القصابة وهي فرم اللحم وتنويعه إلى خشن وناعم حسبما يقتضيه الطعام المطبوخ وهذه الصنعة متقنة عندنا غاية الإتقان وصناعها مسلمون إلا أن أكثر من يقوم بوظيفة الذبح هم جماعة من اليهود. ومنها صنعة كيّ الثياب والطرابيش بالمكاوي النارية المعروفة وصناع كيّ الثياب نساء من الملل الثلاث وصناع كيّ الطرابيش نصارى ويهود. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 98 ومنها صنعة عمل أنابيب النارجيل المعروفة عندنا بالقمجات أو بحيات النرجيلة. وصناعها مسلمون ونصارى. ومنها صنعة السروج والأكف «1» وجميع الأنواع المستعملة للخيل والبغال والحمير والجمال وصناع جميعها مسلمون. ومنها صنعة الرقم وهي تجليد الطبول أو وضع رقمها. وصناعها جماعة القرباط المقيمين في ظاهر باب النيرب الذين اختصت بهم صنعة شدّ المناخل والغرابيل من شعور الجيف وجلودها. هذا جلّ الصنائع الموجودة الآن عندنا ولم أترك منها إلا ما لا يعبأ به أو ما هو داخل في غيرهما ذكرته ونبهت عليه. الصنائع المفقودة وأما الصنائع التي فقدت من حلب وفقد صناعها: فمنها صنعة القاشاني الذي كان يجعل ظهارة لجدران بعض المباني العظيمة كالمساجد والبيوت الكبار وقد نفد منه إلى الممالك الأوروبية وغيرها مما لا يدخل تحت إحصاء. ولم يزل التجار الأوروبيون يرسلون منه مبالغ في كل سنة. ومع هذا فإنه لم يزل يوجد عندنا منه شيء كثير في جدران المساجد والبيوت. على أنني لم أظفر بقول ينبئ بأن القاشاني كان يشغل في حلب، إنما ذكرته في صناعتها القديمة اعتمادا على ما سمعته من الشيوخ تواترا عن أسلافهم وعلى ما يظهر من توقيعه على المرافق والعضادات توقيعا يبعد أن يكون عمل في غير حلب ثم نقل إليها. وقد أخبرني بعض الثقات أنه وجد قطعة من القاشاني حرر فيها نقشا في ظاهرها ما يأتي: (شغل المعلم ميخائيل) وأن هذه القطعة كانت عند المستر هاندرسون قنصل دولة الإنكليز الذي كان في حلب في حدود سنة 1300. ومنها صنعة تدهين البيوت بدهان اللّازورد والحل الذهبي على ضروب وأشكال من النقوش وصور الأزهار. وكانت هذه الصنعة على غاية الإتقان وناهيك دليلا على إتقانها ما نراه في بعض البيوت التي مضى على دهنها نحو مائتي سنة أو أكثر فيتخيل للرائي أنها الجزء: 1 ¦ الصفحة: 99 لم يمض عليها سوى سنيّات قليلة لما يشاهد من رونقها وبهجتها. أما الآن فإنه يوجد لهذه الصنعة صناع يعرفونها على نسق بسيط لا يستحقّ الذكر وقد ذهب مؤخرا بعض الشبان من المسيحيين إلى أميركا وتعلم هذه الصنعة على الأصول الحديثة وأتقنها واشتغل بها في حلب فكان عمله غاية في الرونق والإتقان. والمنتظر تعميم هذه الصنعة على هذا المنوال. ومنها صنعة القمريات وهي عمل أغلاق للنوافذ العليا من البيوت. وكيفية عملها أن يسقط الزجاج الملون على مقدار الحجم المطلوب ويصبّ فوقه الجبسين المائع، فإذا جمد صار الزجاج قطعة واحدة فينحتون عنه الجبسين إلا ما لصق بين الزجاجات ثم يحيطونها بإطار من الخشب ويضعونها في محلها. وكانت هذه الصنعة متقنة جدا كما يظهر من طيقان قبليّة جامع العدلية. ولم يبق لها الآن سوى دكان واحدة تشتغل بها على صفة بسيطة وصانعها مسلم. ومنها صنعة الترّاس «1» ، وكانت حلب مشهورة بها كما أفاده الحاج خليفة المعروف بكاتب جلبي في كتابه الذي سماه جهاننما. ولم يبق الآن من أهلها أحد. ومنها صنعة عمل السيوف فقد فقدت ومات صناعها. ويحكى أنه كان يوجد لها في حلب صناع ماهرون أسر أكثرهم تيمور لنك حين استيلائه على حلب وكانوا يصنعون هذه السيوف من الفولاذ الخالص الذي يحمل إلى حلب من الهند. ومنها صنعة الشمع الشحمي والعسلي. وكانت صنعة كبيرة جدا، واشتهر بها عدة بيوت في حلب. وقد بطلت بظهور الشمع الافرنجي لم يبق بها الآن سوى دكان واحدة يباع فيها الشمع العسلي يوقدونه في بعض المساجد. وأكثر الكنائس وبعض النصارى يصنعونه في بيوتهم. ومنها صنعة الكبريت من عود الشهدانج «2» المطلي من طرفيه بالكبريت. ومنها صنعة الظروف الخزفية التي تستعمل للتبغ: كالبواتق والسبلان ورؤوس النارجيلة ولم يبق لها الآن سوى دكان واحدة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 100 ومنها صنعة قصبات التدخين المعروفة بالغلايين. ولم يبق لها الآن سوى دكان واحدة. ومنها صنعة عمل الزجاج ظروفا وأواني على أشكال شتى وضروب متنوعة. وكان لها في مدينة حلب عدة معامل في محلة منها تعرف بالزجاجية أو الزجاجين. وكانت هذه الصنعة راقية جدا ولها شهرة في البلاد وللحلبيين بها اختصاص ومهارة. وكانت مادة المعدن التي تعمل منه الأواني الزجاجية تؤخذ من جبل البشري في جهات دير القائم الأقصى، على ما حكاه ياقوت في معجمه. وقد تقدمت الإشارة إليه في الكلام على جبال الولاية. ومما يستدل به على أن هذه الصنعة كانت راقية في حلب قول التاجر لسعدي صاحب كتاب كلّستان: (قد عزمت على سفرة أخرى لأجل حمل الكبريت الفارسي إلى الصين والخزف الصيني إلى الروم والبز الرومي إلى الهند والفولاذ الهندي إلى حلب والزجاج الحلبي إلى اليمن) . ومن ذلك أيضا ما حكاه صاحب كتاب ثمرات الأوراق عن صفي الدين عبد المؤمن بن يوسف بن ناجز الموسيقي في كلامه عن قائد هولاكو حين نزل عنده: (عملت له مجلسا ملوكيا وأحضرت له الأطعمة الفاخرة في الأواني المذهبة من الزجاج الحلبي وأواني الفضة) . على أنه لم يبق الآن في حلب أثر لهذه الصنعة إنما يوجد لها في مدينة أرمناز معمل واحد تعمل فيه بعض الظروف على صفة بسيطة ليست من الحسن والإتقان على شيء. ومنها صنعة نسج القطائف المعروفة بالطنافس، كما أفاده دارفيو حيث قال: والحلبيون يفرشون بيوتهم بالطنافس التي ينسجونها عندهم: وقد فقدت هذه الصنعة من حلب مدة طويلة ثم في حدود سنة 315 تجددت وكثر صناعها وأحرزوا بها مهارة تامة. النباتات في حلب وولايتها الحبوب ولنبدأ منها بالحبوب التي هي أشرف أنواعها لأن الحاجة إليها في الأقتيات أشد من الحاجة إلى غيرها. فأقول: أعظم الحبوب التي تستنبت في حلب وأعمالها هي الحنطة التي بها معاش أهلها ولأنها من أعظم بضائعهم التجارية. يمتد بذرها من تشرين الأول إلى أواسط شباط سقيا وبعلا وهو الأكثر والذي يبذر منها في تشرين الأول يقال له غباري. وإذا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 101 كان الموسم جيدا تجيء غاية في الخصب وقلما يجود المبذور منه في شباط. وكلها تدرك في هيار وفيه تحصد. ويقال: في هيار بالمنجل يغار. وهذا يكون في ضواحي حلب وقراها الشرقية والجنوبية. أما في أعمالها الشمالية فإن إدراكها يتأخر إلى أواخر حزيران لبرودة مواقعها. وهكذا جميع الحبوب والبقول والفواكه والخضر فإنها تدرك في ضواحي حلب وبساتينها وقراها المذكورة قبل إدراكها في أعمالها الشمالية. وأما أعمالها الغربية فمنها ما تدرك فيها النباتات قبل حلب كاسكندرونة، ومنها ما يتأخر عنها كبيلان. ومنها ما يساويها كبقية الجهات. ثم إن الحنطة أنواع لا تكاد تدخل تحت حصر وليس في تعدادها كبير فائدة. ومثلها الشعير وربما أدرك قبلها بأيام قليلة والعدس والجلبان وما هو من فصيلته كالخرقى والبيقة والقصاص المعروف بالكرسنّة والبسلة والماش والباقلاء المعروف بالفول والحمص، كلها يتأخر بذرها عن الحنطة وتزرع عذية وتدرك في أواخر نيسان. والذرة البيضاء والصفراء المعروفة عندنا بالذرة المصرية يمتد بذرهما من آذار إلى أواسط نيسان وتدركان في أيلول ويزرعان سقيا وبعلا. وقد تقطف الصفراء طرية من أوائل الصيف إلى أيلول وتشوى وتؤكل. ويوجد في أعمال حلب شمالا حب شبيه بحب الشهدانج حجما أبيض أملس ينساب كالرمل إذا قبض عليه، يقال له في بر الترك كلكل وهو نوع من الدّخن يستعمله فقراء تلك البلاد خبزا وربما استعمله أغنياؤها في سنين القحط والمجاعة. وأوان بذره وإدراكه كالذرة البيضاء. ويوجد في أنطاكية وقراها حب أشبه بالشعير إلا أن حبته أرق من حبة الشمار يزرعه أهل تلك الجهات علفا لدوابهم ويرون أنه أنفع لها من الشعير ولا سيما في الأيام الحارة ويسمونه الشوفان. ومن الحبوب الكثيرة الفائدة في ولايتنا الأرز وهو أنواع عديدة ويزرع منه مقدار عظيم على السيح في سهول العمق وجهات مرعش، وأوان زرعه اليوم الرابع عشر من آذار ويدرك في أيلول. ومن الحبوب الكثيرة الاستعمال اللوبيا وتزرع في بساتين حلب وبلادها وعلى شطوط نهر الفرات، وأوان زرعها نيسان وتدرك في حزيران. ومما هو من فصيلتها نوع يقال له الفاولة، والبعض يسميه فاصولية، وتزرع سقيا في البساتين فقط في الربيع وتدرك بعد مدة قليلة ويتوالى قطافها إلى أواسط الخريف، وهي واللوبيا يطبخان بغلافهما أخضر ويطبخ حبهما فقط يابسا وربما جففتا بغلافهما في حال غضاضتهما ثم استعملتا طبخا. ومما هو الجزء: 1 ¦ الصفحة: 102 شبيه بالحبوب حب الخروع يزرع في بساتين حلب وأكثر قرى ولايتها عذيا. وأوان زرعه في حلب وقراها من آذار إلى أواسط نيسان ويدرك في حزيران. والسمسم والقطن يزرعان في نيسان عذيين. الخضر والبقول والفواكه وغيرها ومنذ سنيّات قليلة شاع في بعض بساتين حلب وقراها زرع البطاطة ونجح سقيا وعذيا. وشاع في بعض بساتين حلب زرع توت الأرض المعروف عند الأتراك باسم جلك وهو ثمر يضارع الفرصاد بشكله لطيف يعمل منه مشروب لذيذ وينفع من داء النقرس حتى قيل إنه هو الدواء الوحيد لهذا المرض، وهو مما حدث زرعه في حلب وبعض قراها سنة 1290 ويزرع في حلب وقراها الشونيز المعروف بالحبة السوداء أو بحبة البركة والشمرة والكسفرة والأنيسون والخشخاش البستاني والعصفر، تزرع في نيسان سقيا وعذية وكلها تدرك في حزيران. وفي مفردات ابن البيطار عن بعض أعراب حلب أن القطن يعظم عندهم شجره حتى يكون مثل شجر المشمش ويبقى عشرين سنة. قلت: هذا النوع من القطن لا يوجد الآن عندنا. والشهدانج المعروف عندنا بالقنبز وهو حب القنّب يزرع على السّيح في جهات الرّها والعمق والباب، وأوان زرعه آذار ويدرك في تشرين الأول والبطيخ الأخضر، ويعرف عندنا بالجبس، وأظن أن هذه اللفظة محرفة عن (الدبسي) وهي اسمه عند سكان جهات الزور وأعرابها وسمّوه بهذا الاسم لأنهم يعملون منه الدبس المعروف. والجبس يكثر في ضواحي حلب ونواحيها جدا حتى يباع رطله بعشرين بارة وهو كبير الحجم قد تبلغ زنة الواحدة منه أربعة أرطال حلبية وهو حلو الطعم لذيذ جدا لا نظير له في أكثر بلاد سوريا، وهكذا كان في حلب من قديم الزمان، وقد ذكره ابن الشحنة في عداد الأمور المختصة بحلب حيث قال: ومنها البطيخ الأخضر وهو الذي تسميه الأطباء الري وربما سموه كما يسميه أهل حلب: الزبش، وهو شديد الحلاوة رقيق الجلد ينسبونه في حلب إلى الشوش فيقولون الشوشي، وهو من المفردات المفقودة في غير حلب من البلاد ويجلب بزره إلى غزّة من البلاد الشامية في كل سنة ويزرع فيخرج في سنته على تلك الخاصة صادق الحلاوة ثم يزرع بزره في السنة الثانية فلا يجيء مثل السنة الأولى. وناهيك دليلا على جودة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 103 بطيخ حلب ما أجاب به شهاب الدين السهروردي المقتول وقد قيل له وهو يقيم بحلب: إنهم يريدون قتلك فاخرج منها. فقال: حتى آكل بطيخها وأخرج. والبطيخ الأصفر أنواع كثيرة معظمها نوعان: يعرف أحدهما بالسلطاني والآخر بالعنداني. والأول هو الأطيب والأحلى وهو المعتبر في أنواع البطيخ التي تزرع من بذرتها في كل سنة. والثاني أكثر ماء من الأول لكنه دونه في الحلاوة وطيب الرائحة. وهذان النوعان يبتدئ نضجهما من أول تموز فيتوالى قطافهما إلى أوائل الخريف وربما امتد السلطاني إلى ما بعد العنداني. وأما بقية أنواع البطيخ الأصفر فمنها ما يؤكل في الخريف، ومن هذا النوع بطيخ يجلب إلى حلب من البيرة لذيذ جدا ومنها ما يؤكل في الشتاء وهو أنواع كثيرة ومنها ما تستجلب بذرته من أزمير وغيرها وتزرع في بلاد حلب. وجميع أنواع البطيخ التي تستنبت في قرى حلب سواء كان أخضر أم أصفر تزرع في عاشر نيسان سقيا وبعلا، وهو الأكثر والأجود، وتدرك في تموز ويتوالى قطافها إلى أواخر الخريف عدا السلطاني والعنداني المتقدم ذكرهما فإن قطافهما ينتهي في أوائل الخريف. والمفهوم من كلام ابن الشحنة أنه كان يخرج في بلاد حلب بطيخ أصفر يعرف بالسمرقندي والكمالي، قال: وهو عديم النظير في الشام. وقد زرع بزر السمرقندي ببعض قرى دمشق فجاء طيبا للغاية لكن غالبه مشوّش ثم نقل إلى القاهرة فجاء في غاية الحلاوة لكنه رخو جدا كثير الماء. قال: وبحلب نوع آخر من البطيخ يسمى البابي. قلت: الأنواع التي ذكرها ابن الشحنة لم تزل توجد عندنا حتى الآن غير أن أسماءها قد تبدلت. ومن المحاصيل الأرضية أيضا الخيار وبذره يجلب في كل سنة من جهات مرعش لأنه إذا زرع من بذر الحلبي أثمر خيارا طوالا غليظا، ومنها العجور وهو شبيه بالخيار إلا أنه مزغّب مخطّط بلون يميل إلى البياض ويستعمل نيئا ومطبوخا. قيل: وهو من خصائص حلب وقراها. ومنها القثّاء وهي أنواع شتى طويلة مخططة بيضاء قد يبلغ طول الواحدة منها ثمانين سنتيمترا في غلظ عشرين سنتيمترا أو قصيرة مخططة خضراء دون الأولى وكلها تؤكل نيئة ومخللة كالخيار. وأوان زرع هذه الأنواع الثلاثة وإدراكها وقطافها كالبطيخ والخيار يزرع مرة ثانية في آب ويدرك في أيلول وكلها برية وبستانية. ومنها القلقاس يزرع في تشرين الأول في سويدية أنطاكية ويدرك بعد سنة، وقد استنبت بحلب مدة فلم يصادف رواجا. ومنها أنواع اليقطين كالقرع السلاحي الطويل الأملس والشتوي المكبكب الذي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 104 قد يبلغ محيط الواحدة منه مائة وعشرين سنتيمترا. والكوسه وهو على هيئة الخيار الأبيض، وأوان زرعها وإدراكها وقطافها كالبطيخ وتكون سقيا وعذية ولا تستعمل إلا مطبوخة. ومنها قصب السكر ومحل زرعه جهات عينتاب وأنطاكية ويزرع في الربيع سقيا ويدرك في الخريف ويستعمل مصا ولا يستخرج منه سكر لقلته وعدم وجود آلة لاعتصاره. ومنها القصب الفارسي وهو من النباتات الخالدة ويوجد في جميع بساتين حلب وجهات ولايتها، ويجمّ في أواخر الشتاء وأوائل الربيع وتتخذ منه مظلات لليهود في عيد المظالّ، وعرائش لشجر الكرم المستنبت في البيوت والبساتين ولنحو النباتات الخالدة الزهرية كالياسمين والنسرين وتصنع منه مشاط النسج وفواصل الحياكة وغير ذلك. ومنها التبغ المعروف بالتوتون وهو المستعمل بالسيغارة والغليون ويزرع في حلب وجميع جهات ولايتها سقيا وعذيا وأجوده المستنبت في ناحية باريشا في قضاء حارم، وقد قل زرعه في هذه الأيام لكثرة الضرائب الموضوعة عليه من قبل إدارة انحصار الدخان المعروفة بشركة رجي، ويزرع في الربيع ويحول بعد أن ينبت ويدرك في تموز ويتوالى قطافه إلى تشرين الأول. ومنها الباذنجان الأسود في بساتين حلب وجهات ولايتها والأبيض الكبار في تادف والباب، وكلا النوعين يزرعان سقيا وينوعان مطبوخين إلى عدة أنواع والأسود يبذر في حلب في أواخر شباط فينبت بعد أربعين يوما ثم يفرق ويحول وبعد أربعة أشهر من زرعه يثمر ويتوالى قطافه أربعة أشهر. ويقال عنه في المثل أربعة في الجراب، وأربعة في التراب، وأربعة على ظهور الدواب، أي أن بذره يبقى مخبوءا في الأجربة أربعة أشهر ثم يزرع فيبقى أربعة أخرى ثم يثمر فيدوم ثمره على ظهور الدواب أربعة أشهر. ومنها الباذنجان الأحمر المكبكب المعروف بالبندورة والطماطم يزرع سقيا مع الأسود ويثمر قبله بقليل ويتوالى قطافه إلى أوائل الشتاء، واستنباته حادث في حلب وأعمالها استجلب إليها من مصر سنة 1268 وكان الناس يعافون أكله ثم ألفوه أشد ألفة وكثرت زراعته حتى صار يباع رطله الحلبي بعشرين بارة، وكثيرا ما يستجلب إلى حلب من البلاد الساحلية قبل إدراكه في حلب. ومنها الفلافلة الحمراء القرنية الهيئة وتقطف في أولها خضراء تستعمل مخللا ثم تقطف حمراء وتدّخر لتفويه بعض الأطعمة ويوجد منها نوع حلو غير حريف أخضر وأحمر يستعملونه مخللا. وكلها تزرع سقيا في أوان زرع الباذنجان. ومنها أنواع الكرنب كالذي له ورق كالساق ملتف على بعضه ويعرف عندنا باللّخنا. والذي له ورق كالسلق ملتف الجزء: 1 ¦ الصفحة: 105 قليلا على زهره ويعرف عندنا بالقرنبيط. والذي ليس له إلا ورق قليل والمستعمل منه جذعه ويعرف عندنا بالكرنب. وكلها تزرع سقيا في آذار وتحول شتلا في حزيران وتدرك في كانون الأول. ومنها عود المكنس يزرع سقيا في آذار ويقطف متى احمرّ بزره. ومنها البامية تزرع سقيا وعذية في آذار وتدرك في تموز ويتوالى قطافها إلى غاية تشرين الأول. ومنها البصل والثوم والكرّاث ويعرف عندنا بالبراصة. وتزرع سقيا في آذار وتدرك بعد شهر. وقد تزرع مرة ثانية في تشرين الأول وتدرك في أواخر الشتاء. ومنها السلق والإسفاناخ ويزرعان سقيا في نصف آب ويدركان في تشرين الأول ويتوالى قطافهما إلى هيار. ومنها المقدونس والكرفس والرشاد وحشيشة الوادي تؤكل نيئة بالحمض والزيت وتعرف عندنا باسم دره أوتي وهو اسمها التركي وهي نوع من الشمرة والخس ونوع منه يقال له الكبّوس يستعمل كحشيشة الوادي والهندبا وكلها تزرع سقيا في أيلول وتدرك في شباط وتقطف إلى غاية نيسان. ومنها الرجلة المعروفة عندنا بالبقلة تزرع سقيا في نصف آذار وتقطف من أواخر نيسان إلى أواخر الصيف وربما زرعت مرة ثانية في تموز وقد تنبت بنفسها في بعض جهات ولاية حلب. ومنها الملوخيا تزرع سقيا في أول آذار وتدرك بعد شهرين وتقطف إلى تشرين الثاني. ومنها الخرشوف المعروف عندنا بأرضي شوكي ويزرع سقيا وعذيا ورقا منه في تشرين الأول أو في شباط ويثمر في العاشر من نيسان ويصير من النباتات الخالدة. ومنها الجزر والشوندر يزرعان سقيا في تموز، وتعلف الدواب من ورق الجزر والشلجم المعروف عندنا باللفت والفجل ويزرعان سقيا في أيلول وكلها تدرك في تشرين الثاني وتؤكل إلى أوائل نيسان. ومنها الحلبة والفصّة ويزرعان سقيا في أيلول ويدركان في الربيع علفا للدواب، وتصير الفصّة خالدة كلما قطفت نبتت. هذا ما تيسر استقصاؤه من المحاصيل الأرضية المستنبتة في بساتين حلب وبعض قراها وبلادها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 106 النباتات الشجرية الأشجار التي توجد في بساتين حلب وأعمالها وجبالها منها شجر الكرم الذي لا تكاد أنواعه تدخل تحت الحصر ويزرع سقيا وعذيا أقلاما في أواسط شباط ويثمر عنبا بعد ثلاثة أعوام في تموز ويقطف إلى أوائل الشتاء متعاقبا على اختلاف أنواعه. ويعمل من الأبيض منه، في عينتاب ومرعش وبيلان، العرق المسكر وأنواع الحلاويّ كالدبس والبصطيق (جلد الفرس) ومن الأسود منه الخمر والخل. ويوجد منه نوع أسود حالك في جهات القصير يعرف بالبكّاري يتغالى شرّاب الخمر في خمره ويباع منه كل سنة في حلب قناطير مقنطرة لأجل اعتصاره خمرا. وكلها تيبس زبيبا أما العنب الموجود في برية حلب وجهة تادف والباب فلا يستعمل لغير الأكل. وقد أدركنا حلب وليس في بريتها شيء من هذا الشجر. ثم في سنة 1276 التفت الناس لغرسه فنجح وكثر حتى عم برية حلب. وأكثر أنواع هذا الشجر موجود في البيوت والبساتين من حلب وأعمالها، وتعظم شجرته وتحمل على عريشة وينتفع الناس من حصرمها وورقها كثيرا وعنبها قليلا. وربما ظلت الدالية في بيوت حلب مسافة عشرين ذراعا في مثلها وقد يبلغ حملها من الحصرم إذا كانت سباعية قنطارين بالوزن الحلبي، والسباعية هي التي تحمل في كل عام سبع مرات متوالية. ومنها شجر الزيتون وهو نوعان زيتي للزيت وخلاخلي يحلى بالماء أو بالقلا والكلس ويؤكل فقط. وأكثر زيتون بساتين حلب من الخلاخلي وقلما يسلم من الصقيع. ومعظم النوع الأول في كلّيس وهو أجود أنواعه ثم في القصير ثم في سلقين ثم في إدلب فأرمناز وكفر تخاريم ومرعش ويزرع قطعة من أصول جذعه في أربعينية الشتاء ويثمر مع الخدمة والاعتناء بعد سبعة أعوام ويدرك في أيلول. ومنها الفستق ويكون أنواعا عديدا وهو من خصائص مدينة حلب في سوريا ومحله الآخر جبال قلعة الروم وفيها معظمه ثم في جهات برية حلب فقط. وكيفية زرعه أن ترمي منه حبة في الأرض في أول الأربعينية وتتعهد بالسقي مدة سنتين وتكون قد نبتت بعد ثلاثة أشهر من رميها ثم بعد السنتين تحول نبتة (شتلة) إلى حفرة لها وتتعهد بالسقي مدة سنة ثم تترك حتى يتم على تحويلها أربعة أعوام وحينئذ تصير شجرة في ارتفاع قامة الإنسان فيطعمونها من النوع المطلوب ببراعمه ويعرف عندنا بطعم السمسمة فتثمر من ذلك النوع. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 107 ويقطف الفستق من تموز إلى أواسط آب وشجرته لا تثمر من غير تطعيم وربما أثمرت بطما أو فستقا فارغا صغارا يعرف بالشرقي. ومنها التين وهو أنواع كثيرة أيضا. وكان كثيرا في برية حلب وجميع جهات ولايتها. قال ابن الشحنة: وبها التين الذي لا يوجد نظيره في بلد من البلاد، لا في شكله ولا في مقداره ولا في طعمه ولا في كثرته، فقد بيع منه والملك الأشرف ابن سيباي بحلب عشرة أرطال حلبية بدرهم فضة. ومنه نوع يقال له الماسوني تبلغ الحبة منه ستين درهما أو أكثر، والسلطاني وهو أجوده والورداني وهو أسود. قلت: والذي أدركنا عليه حلب أنه لم يكن فيها من هذا الشجر إلا القليل النادر وكان يجلب إليها التين من قرية الأنصاري وبلد الحلقة كترمانين وتقاد. ثم في حدود سنة 1276 غرس منه بستان في جبل الشيخ محمود في شمالي حلب على غلوة منها ثم تتابع غرسه في أطراف حلب حتى كثر وأثمر بمدة وجيزة وصار يباع الرطل الأخضر منه بقرش وهو غاية في الجودة ومع هذا فإنه يوجد منه مقدار كثير في جميع جهات الولاية ويباع منه في التجارة يابسا مبالغ كلية. وكيفية زرعه أن يغرس منه قضيب في أوائل شباط عذبا فيثمر بعد ثلاثة أعوام ويقطف في عشرين تموز إلى أوائل أيلول. ويوجد منه نوع لا ينضج إلا في الشتاء. وقد يحتالون على تعجيل نضج التين بوضع قطرة من الزيت في ثقب الثمرة. ومنها شجر التين الذكر ويعرف عندنا بالتوب والمراد من هذا الشجر ثمرته الشبيهة بالتين الفجّ لأن بها تكون مادة التلقيح التي لا يصلح التين إلا بها. وهذا الشجر يزرع قرب شجر التين فيتم به التلقيح المطلوب. وكيفية زرعه كشجر التين على السواء. ومنها شجر اللوز الحلو والمرّ، ويجنيان في بساتين حلب في هيار أخضرين ويعرفان بالعقابية ويكثران في جبل الزاوية وجبال القصير وبقية جبال الولاية ويقطفان فيها يابسين في تشرين الأول ويزرعان حبة في الشتاء تبقى من سبع سنوات إلى عشر وتثمر. ومنها الصنوبر وهو كثير منتشر في أكثر جبال الولاية لكنه يعرف بالأرز لعدم ثمره ولا يثمر منه إلا قليل في لبنان وجبال مرعش. ومنها العفص والجهرة وينبتان بنفسهما في جبال مرعش ويقطفان في آب. ومنها السّماق ويوجد في بساتين حلب وجميع جهات الولاية ويعيش عذيا ويزرع شتلة أي فسيلا من فروعه وينمو ويثمر بعد سنتين ويقطف الجزء: 1 ¦ الصفحة: 108 في عاشر تموز. وهذه الشجرة إذا انتشرت في أرض صعب استئصالها. ومنها الزعرور ويوجد في بساتين حلب وجميع جهات الولاية وينبت بنفسه ويقطف في تشرين الأول. ومنه نوع كبار لذيذ الطعم يعرف بتفاح الجبل لاختصاصه به وهو يبشر بالشتاء كما أن عجّور الجبل يبشر بالربيع وفي المثل العامي (اللي يبشر بالعجور بدّه عباية واللي يبشّر بالزعرور بدّه ألف عصاية) . ومنها التفاح والموجود منه في حلب وبساتينها على تسعة أنواع: الأول منه ما يقال له عرب كرلي ويزرع فسيلا في صناديق صغار في البيوت ويثمر من سنته، وشجرته دون قامة الإنسان ووجود هذا النوع حادث في حلب. الثاني يقال له المسكي ويزرع في البساتين كبقية الأنواع الآتية وحبته تكون في حجم الجوزة الكبيرة وطعمه حلو ولونه أحمر قاتم ويشم منه ريح المسك. الثالث يقال له الحديدي وهو نوع من المسكي إلا أن في طعمه حرافة وقبض «1» ولهذا يستعمل غالبا للاستقطار. الرابع يقال له خيامي نسبة إلى قرية من قرى عينتاب تبلغ حبته إلى خمسين درهما رحويّ الشكل أبيض أحمر مزّ الطعم. الخامس يقال له الفلكي وهو دون الخيامي حجما أصفر اللون ظاهرا وباطنا. السادس يعرف بالليموني لشبهه بالليمون الحامض شكلا، أبيض أصفر يميل طعمه إلى الحموضة. السابع يعرف بالقصيري البلدي شبيه بالمسكي حجما أخضر أبيض حامض الطعم. الثامن يعرف بالخشخاشي لشبهه بالخشخاش حجما أبيض أخضر حلو الطعم. التاسع يعرف بالأبلق كأنه سفرجلة صغيرة حلو الطعم. فهذه الأنواع هي التي توجد في حلب وبساتينها، ويجلب إليها من القصير ودير كوش نوع شبيه بالقصيري البلدي يعيش هناك عذيا. وكلّها تزرع فسيلا في الكانونين وتدرك بعد أربعة أعوام وتقطف ثمرتها من هيار إلى أواخر حزيران، سوى الأبلق فإنه يدرك في أيلول. ويجلب إلى حلب من دمشق والزبداني أنواع من التفاح. ويجلب شتاء من عينتاب وملطية وغيرهما أنواع كثيرة منه. ومنها الكمّثرى ويعرف عندنا بالعرموط، وهو ثلاثة أنواع: أحدها يعرف بقوجه حمزة تبلغ حبته 100 درهم. وثانيها البستاني نسبة إلى البستان أصغر من الأول بقليل، وكلاهما يوجدان في بساتين حلب. وثالثها الريحاوي أصغر من الثاني ومحله جبل الزاوية. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 109 وكل هذه الأنواع تزرع كالتفاح وتقطف من آب إلى تشرين الأول. ويجلب من ملطية إلى حلب شتاء نوع من الكمّثرى كبار حلو لذيذ جدا. ومنها السفرجل ويوجد في بساتين حلب وأكثر جهات ولايتها وهو نوعان شتوي كبير الحجم كأنه الرمان يميل لونه إلى الخضرة يقطف من أيلول إلى تشرين الأول وصيفي كالأول حجما وطعما وقطافا سوى أن لونه أصفر ويزرع فسيلا في الشتاء ويثمر بعد خمسة أعوام ويوجد منه نوع آخر يقال له الصيني كبار مستطيل لا يؤكل نيئا لشدة حرافته وقبضه ويستعمل للتربية أو يوضع في البيوت لشم ريحه. ومنها نوع شبيه بالبرقوق يعرف عندنا بالجان ارك وهو سبعة أنواع: الأول أخضر كبار مكبكب في حجم بيضة الطير حلو الطعم يعرف بالإفرنجي. الثاني صغار كالزيتون لونا وحجما حامض جدا يعرف بالخلاخلي. الرابع «1» المشبه أي الشبيه بالافرنجي أي أن طعمه حامض. الخامس المعروف بالشحمي لميله إلى البياض حلو الطعم في حجم الإفرنجي. السادس أبو سرّة حامض. السابع الأبلق أحد وجهيه يميل للبياض والآخر أحمر قاتم. وكلها تلقح على القراصية والإجّاص وقلب الطير والخوخ سمسمة ونشابا، وتدرك في هيار وتدوم إلى حزيران إلا الأبلق فإنه يدرك في تموز ويدوم لآخر آب. ومنها المشمش وهو خمسة أنواع: الأول العجمي أصفر وبرتقالي أو يميل إلى الخضار في حجم بيضة الدجاجة الصغيرة حلو طيب الرائحة كثير الماء. وهو عندنا أقل الأنواع وأندرها. الثاني الحموي في حجم العجمي حلو له رائحة عنبرية أبيض أحمر وهو نادر أيضا. الثالث الشحمي أبيض ناصع دون الأولين حجما حلو الطعم. الرابع سندياني دون الشحمي حجما أبيض أحمر. الخامس الكلابي وهو أصغر الأنواع حجما وأكثرها. وكلمة كلابي فارسية مركبة من كول وهو الورد وآب وهو الماء ومعناها الماوردي. وسمي هذا النوع من المشمش بهذا الاسم لطيب نكهته التي لا يوجد نظيرها في بقية أنواعه. وجميع أنواع المشمش التي ذكرناها تزرع عجوا ينبت بعد أربعة أشهر ويبقى سنتين ثم يحوّل وبعد مضي سنتين من تحويله يلقح من النوع المطلوب سمسمة أو نشابا فيثمر بعد سنتين ويقطف في أواسط حزيران الشرقي ويدوم نحو شهر. واللوزي من هذه الأنواع قد يلقح على شجر اللوز فينجب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 110 ومنها الصبّار المعروف عندنا بتين الصبّار ولا يوجد منه في حلب إلا شجيرات لا تثمر ويوجد في إسكندرونة كثيرا. ومنها الدرّاقن المعروف بمصر بالخوخ وهي أنواع ستة، كبيرة الحبة يميل لونها للحمرة لوزية العجوة ومخملية الملمس وبرتقالية اللون ومخضرته إلى بياض يقال لها اللزيق وكلابية أي ماوردية وعينتابية وكلها تزرع عجوة تحوّل بعد سنة فتدرك بعد سنتين وتلقح من بعضها وتقطف من أول آب إلى غاية أيلول. ومنها القراصية وهي نوعان بلدية وافرنجية والأولى حلوة وحامضة والثانية حلوة جدا مصفرة اللون إلى الخضرة وهي عندنا نادرة قليلة. ومنها نوع يقال له قلب الطير لشبهه به. ومنها الإجّاص وهو كقلب الطير لولا انعطاف قليل من رأس حبته. ومنها الخوخ وهو كالإجّاص إلا أن حبته أكبر منه بكثير، وهو أنواع قيصري وزجاجي وغيرهما وكلها لذيذ يندر وجودها في غير حلب. وهو وما قبله يزرع فسيلا من شجرته ويدرك بعد خمسة أعوام وتقطف ثمرته في أيلول وتدوم إلى نحو شهر. ومنها الرمان وهو خمسة أنواع: الأول يقال له مليسي أصفر باهت رقيق القشر لا تزيد الواحدة منه على خمسين درهما، حبه أبيض مضمحلّ العجم جدا وهو عندنا أرفع أنواع الرمان وأندرها، ويوجد في بساتين حلب قليلا وبالرها كثيرا. الثاني يقال له صهيوني أخضر أصفر، قد تبلغ الواحدة منه أربعمائة درهم أبيض الحب محمره قليلا صلب العجم يوجد منه في بساتين حلب وتادف والباب ودير كوش وغيرها. الثالث يقال له المصري قد تبلغ الواحدة منه مائتي درهم ياقوتي القشر والحب صلب العجم. الرابع صفروني أصفر القشر إلى البياض أبيض الحب قد تبلغ واحدته مئة درهم صلب العجم. الخامس يعرف بالأسود لسواد لون قشره رديء الحب لا يؤكل غالبا إنما يستعمل هو وقشره في قوابض المعدة. ولجميع قشر الرمان رواج عظيم في الصبغ والدباغة ويوجد في كل نوع منها الحلو والحامض والمز ويزرع وتدا أو فسيلا يحوّل ويدرك بعد ثلاثة أعوام ويقطف في آب إلى آخر أيلول. ومنها الآس ويوجد في بيوت حلب قليلا وبساتين أنطاكية وجبالها كثيرا ويستعمل ثمره للأكل ومسحوق ورقه مع الزيت شدودا للأطفال الرضّع، وأعواده الدقيقة مكانس ويزرع في البيوت حبّة وفي الجبال ينبت بنفسه ويثمر في الخريف. ومنها الجوز ويكثر في حلب وعينتاب ويزرع حبة منه في الشتاء وتنبت في آذار وتحوّل بعد ثلاث سنين ويدرك الجزء: 1 ¦ الصفحة: 111 بعد ثمان إلى عشر سنين وحينئذ يدهن جذعها في كل عام يوم أربعة الزوبعة منطقة بصبغة تراب المورة المعروفة عندنا بالمغرة زعما أن هذا يخلصها من الدود وتقطف في ثاني عشر أيلول وقد يبلغ حمل الشجرة إلى خمس «1» وعشرين ألف حبة. ومنها الكرز ولا أعرف اسمه الحقيقي، وهو أربعة أنواع: استانبولي أبيض أحمر حلو الطعم. وعجمي أحمر قاتم حلو. وافرنجي أحمر قان حامض. ووشنه أسود كميت مزّ وحبّته مكبكبة «2» عنبيّة النضج في عجم حبة العنب. وأنواعه الثلاثة تلقح على الوشنة وشجر المحلب وتدرك بعد سنة والوشنة تزرع فسيلا وتدرك بعد أربع سنوات وكلها تقطف من هيار إلى أوائل حزيران ويصنع من الوشنة المربّى الذي لا نظير له في المربيات في اللذة. ومنها التّوت وهو شامي وهزّيز فالأول هو الفرصاد أسود عند استوائه، أحمر قبله، كبير الحبة مزّ الطعم إذا استوى حامضه قبل ذلك. والثاني يكون أسود وأحمر وأبيض، حلو إذا استوى، ويقطف بهز شجرته ولهذا عرف بالهزّيز أو بضرب أغصانه بهراوة بعد أن يفتح تحت الغصن ملاءة كبيرة تعرف بالقلع. والشامي يقطف باليد حبة حبة. ويوجد من النوع الثاني مقدار عظيم في أنطاكية والسويدية. وتلك الجهات يعانون زرعه بقصد ورقه لتربية دودة القز فينجب هناك جدا ويحصل منه قناطير مقنطرة من الحرير الجيد وربما ربّوا الدودة المذكورة على ورق التوت في بساتين حلب لكنها لا تنجب عليها كتوت أنطاكية، والسبب في ذلك خشونة ورقه لقدم شجره بخلاف ورق توت أنطاكية وما والاها فإنه غضّ رخص لحداثة شجره وعنايتهم به. ويوجد في بساتين حلب نوع من التوت لا عجم له أبيض حلو يعرف بالعجمي أو بالعرب كيرلي، وهو حادث منذ سنة 1285 وكل أنواع التوت تزرع فسيلا وتلقح من بعضها وتدرك بعد سنة وتقطف بهيار وتدوم نحو شهر. والشامي يقطف من حزيران إلى أواخر آب. ومنها شجر العنّاب وهو قليل في حلب وجهاتها عدا أنطاكية فإنه كثير بها. ومنها الجلّوز ويعرف عندنا بالبندق يزرع حبّة ويثمر بعد خمسة أعوام ويقطف أخضر من تموز إلى آخر آب. ومنها البرتقال وما هو من فصيلته كالليمون الحلو والحامض والكبّاد والأترجّ والنارنج وبرتقال الدم والمالطي المعروف عندنا بيوسف أفندي والليمون الهندي المعروف الجزء: 1 ¦ الصفحة: 112 بالأنان. وكلها مخصوصة بالبيوت في حلب. ولأهل حلب عناية عظيمة بهذا الشجر بحيث لا يكاد يوجد منه نوع إلا وهو موجود في بيوتهم ومع هذا فهو لا ينجب إلا بمشقة عظيمة من السقي والتسميد ومحافظته من البرد ولا يوجد منه الآن شيء في البساتين كما يفهم من كلام دارفيو على ما قدمناه في الكلام على تربة حلب، وهو كثير جدا في أنطاكية وجهاتها الغربية وينقل منها إلى حلب، وقد استجدّ منه جانب عظيم في جهات اسكندرونة المعروفة بالجايات، وصار ينقل منها إلى حلب ألوف من الأحمال ويباع فيها الرطل الحلبي الصالح للعصير بستين بارة ويجلب منه مقدار عظيم من طرابلس الشام وجهاتها، ويستخرج من زهره في جميع الجهات ماء الزهر ويباع منه في حلب مبلغ عظيم وهو يزرع في حلب بزرا يثمر بعد سبعة أعوام على الغالب أو يزرع فرعا منه بعد استنبات جذوره بواسطة إدخاله في إناء مملوء ترابا وتعهده بالسقي مدة أشهر. وهذه الواسطة تعرف عندنا بالداروخ ويطعم من بعضه سمسمة كثيرا ونشابا قليلا. وكل أنواع البرتقال تزهر في نيسان وتقطف في كانون الأول وتدوم إلى السنة الثانية بحيث يجتمع في الشجرة الأصفر والأخضر والزهر. والمفهوم من كلام المسعودي في مروج الذهب أن أنواع البرتقال لم تكن موجودة في بلادنا قبل الثلاثمائة، وإنما حمل من أرض الهند إلى غيرها بعد التاريخ المذكور فزرع بعمان ثم نقل إلى البصرة والعراق والشام حتى كثر في دور الناس في طرسوس وغيرها من الثغور الشامية وأنطاكية وسواحل الشام وفلسطين ومصر وما كان يعهد ولا يعرف، وبنقله من الهند عدمت منه الرائحة الخمرية الطيبة واللون الحسن الذي يوجد فيه بأرض الهند لعدم ذلك الهواء والتربة والماء وخاصية البلد. اه. ومنها الانكي دنيا الشبيهة بالمشمش إذا نضجت، المشتملة حبتها على عدة عجوات كبار وتقل في بيوت حلب وتكثر في جهات أنطاكية وتزرع حبّة تثمر بعد سبعة أعوام إذا خدمت جيدا ويجلب منها من أنطاكية إلى حلب مقدار عظيم وتقطف في نيسان وتدوم إلى تموز. ومنها النخل وهو مما لا أثر له في حلب بعد أن كان يوجد فيها كما يفهم من كلام أحمد الصنوبري في قصيدة أثبتناها في ترجمته ولا يوجد منه في بلاد حلب سوى القليل في برية اسكندرونة. هذا معظم الأشجار المطلوبة لثمرتها. وأما الأشجار التي يطلب منها منفعة أخرى فهي كثيرة جدا، منها ما يوجد في بيوت حلب وبساتينها وبساتين بلادها، ومنها ما هو خاص بجبال ولايتها. فالأول أنواع كثيرة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 113 منها شجر السرو بنوعيه الهرمي والصيواني وقد أدركنا منه القليل في مدينة حلب ثم فقد عن آخره وكان يوجد فيها بكثرة ويقال إن مدينة حلب كانت من أحسن البلاد منظرا للقادم عليها حيث يشاهد مناراتها البيض القائمة بين شجر السرو المحيطات بقلعتها إحاطة الجند بالملك العظيم وهو يزرع حبّة منه ويعمّر مئات من السنين. ومنها شجر الغار ويوجد في حلب قليلا وأنطاكية كثيرا وقد يعمل من دهنه الصابون فيرغبه الناس ليطيب رائحته. ومنها الحور القطراني الذي تبلغ شجرته عشرين قنطارا حلبية ويعرف بالدّلب ويستعمل خشبه في الظروف المكوّرة الخشبية وغيرها. ومنه نوع له ثمر شبيه بالكرز الصغير حريف قابض يعرف بالموز. والحور السلطاني يكون أبيض طويلا أملس يستعمل جذوعا لسقوف البيوت ويثمر في حلب ظروفا فيها ثقوب يخرج منها البعوض المعروف عندنا بالبق وهو كثير في عينتاب. ومنها الصفصاف وهو نوعان: أحدهما مستقيم الأغصان عظيم الشجرة يستعمل خشبة آلة للتجارة وعروقه ينسج منها سلّات وأطباقا جماعة يقدمون من بلاد وان إلى حلب في كل سنة ويلتزمون شجره من أصحابها ويستعملون عروقه فيما ذكر ويقال لهم عندنا سلات مكبات. وثانيهما منحني الأغصان إلى الأسفل ويعرف عندنا بالمستحي، ويراد منه حسن منظره. ومنها شجر الزيزفون ويوجد في الخنادق وأنطاكية كثيرا وفي غيرها قليلا. ومنها الدردار وهو شجر عظيم صلب الخشب يستعمل في آلات الفلاحة والزراعة وثمره لسان العصفور المستعمل في الطب ويكثر وجوده في بساتين حلب. ومنها الزنزلخت وهو لفظ فارسي أصله اللازادخت «1» واسمه العربي القيقب ومعناها بالفارسية الشجرة الحرة لأنها تحمي نفسها بثمرها. وهو شجر يشبه ورقه ورق الدردار يثمر حبا كالزعرور ولا يؤكل لسمّ فيه ويستعمل عجوه مسابح ويزرع في أطراف بساتين حلب وبعض بيوتها فسيلا ويزهر في الربيع. ومنها شجر شائك لا يطول أكثر من قامتين بل يفتح صيوانا ويرسل عروقا وفروعا تحتبك ببعضها وتتصل بالشجرة التي بجانبها فتكون كالسياج العظيم محيطا بالبستان عوضا عن الجدار ويسمونها الغبيرة وتثمر شبه اللوز الصغير بلا فرق بينهما لولا مرارة قليلة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 114 في لبها، وكثيرا ما يؤخذ لبها ويستخرج مراره ويلبّس بالسكر، وهي تزرع عجوة في الشتاء وتثمر بعد ثلاثة أعوام. ومنها شجر البان والمقصود زهره لحسن منظره كأنه أصابع ملبّسة بالفراء ويزرع قلما ويثمر من سنته. ومنها العوسج ينبت في برية حلب ويجعل حطبه وقودا ويدخل ورقه في الأكحال. ومنها الغرقد «1» وهو كبار العوسج ينبت في أطراف القرى الشمالية ويستعمله الفلاحون طبقا لسقوفهم. هذا معظم الأشجار والنباتات التي توجد في بساتين حلب وبريتها وجهاتها. وأما الأشجار والنباتات التي توجد في جبالها المعشبة فهي كثيرة لا تكاد تدخل تحت حصر. وبالجملة فإنه يوجد فيها جميع ما يوجد في جبال سورية فلا حاجة إلى إطالة الكلام بعده. نباتاتها المعدود بعضها من العقاقير الطبية لم أذكر في هذا الفصل من هذه النباتات إلا ما وقفت له على اسم مشهور في المفردات الطبية القديمة. ولذا لم أذكر منها سوى القليل فأقول: من النباتات المعدودة من العقاقير الطبية الموجودة في برية حلب وبعض جبالها هي الحزنبل والقسط والدرونج العقاربي والغافث والهليون والقنطريون، وهو أنواع، والحاشا والبادروج والعرطنيسا وهو يعرف عندنا بالمهدة والشيطرج وهو الخامشة والماميثا والبابونج وهو أنواع، والبرشاوشان وهو كزبرة البئر والسذاب وشيبة العجوز والبنج وعنب الثعلب ولسان الثور ولسان العصفور والأسطوخودس والبسفايج والسقمونيا وهي المحمودة ومنابتها في قضاء أنطاكية وجهات جسر الشغر واليبروح والأفتيمون والغاريقون والنجيل وهو من أنواع النجم وإكليل الملك والخزامى والحمّاض والخبّازى والخيري والنرجس والزنبق، وهذه الثلاث: أنواع عديدة. والسوكران والراسن والغبيرا والسبستان والنسرين، ويوجد في البيوت أيضا، والسعد والعكوب وهو السلبين والسوسن والخطمي وتوجد في البيوت أيضا والكشوث وعرق السوس وهو كثير في جميع جهات الولاية ولا سيما في العمق وجهات أنطاكية وينقل منه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 115 إلى أوروبا وأميركا مبالغ وافرة. والسيسبان ويوجد في البيوت أيضا، والشبث والعلّيق والحلفاء التي تعمل منها الحصر وحبال الآبار وتكثر في السويدية والعمق وشقائق النعمان والنيلوفر والأشنان والحرمل ويكثران في جهات تدمر ويعمل منهما القلي الكثير وقثّاء الحمار والسدر والخنثى والغاغاليس وهو فساء الكلاب، والفاغية ويختص وجودها في البيوت وقرة العين والفوة والزراوند وهو أنواع والقردمانا والطباق والخربق ورجل الحمامة والعذبة والأقحوان وهو أنواع. واللاعية والفوتنج وهو أنواع. والإبهل واللوفا وهو الحي عالم، ويوجد في البيوت أيضا والعرعر وآذان الجدي وآذان الأرنب وأسد العدس والعنصل ويكثر في جهات أنطاكية والسّنبل والشّيح والقيصوم والعبيثران والدفلى ويوجد منها في البيوت أيضا، وأنواع النعنع البري والبستاني والحرف وهو حبّ الرشاد والزوفا والحسك والأفسنتين والأنجرة والهندبا والجرجير وهو أنواع، والبان والبنفسج ويوجدان في البيوت والبساتين والجبال والشقاقل وجوز ماثل وحشيشة الزجاج والريباس وذنب الخيل ورعي الإبل والصعتر ويزرع في البساتين أيضا والكمأة وهي تكون في برية حلب والصحراء الجنوبية والشرقية في سنة الخصب والنقل على أنواعه. النباتات المشهورة عند الحلبيين من تلك النباتات الجيجان الشبيه ظاهره بالعرطنيسا وهو من أجود مراعي النحل. والسحلب وهو كثير في جهات مرعش ويباع منه في التجارة مبالغ كثيرة. والبلسان شجر يرتفع كشجر الرمان له ورق كورق الملوخيا وأغصان ملس ويزهر جماجم بيضاء تدخل الطب كثيرا وهو يوجد في البيوت كثيرا وغيرها قليلا والجاي المعروف بالجاي الصيني، يوجد في الجهات الجنوبية لكنه خفيف الطعم قليل جدا. ومن الزهور التي يعتني الحلبيون بتربيتها في البيوت والبساتين: شجر الورد بأنواعه كالحوجم والجوري والوتيرة والقحابي ونوع يقطف سبعة أدوار يعرف بالسباعي وآخر ظاهر ورق زهرته أسود وباطنها أصفر، والسباعي والجوري يكثر في البيوت والبساتين وجهات إدلب والقصير ويستقطر منهما الماء الطيب الرائحة ويباع منه في التجارة مقدار عظيم. والجوري يعمل منه الحلبيون المربّى اللذيذ المعروف (كولبشكر) . ومنها الياسمين الذي يعظم شجره ويعرش في البيوت كالدالية وهو أنواع كثيرة، ومنها الجزء: 1 ¦ الصفحة: 116 الياسمين البحري البصلي والزنبق وأنواع النمام والمنثور والفلّ المفرد والمضاعف والفاغية وزهر المسك والنرجس بأنواعه، وكثير من النباتات التي عددناها من العقاقير. وأغرب ما يعتنى به في البيوت نبات غض له ورق كورق الصعتر تقريبا يقوم على ساق واحد ولا يرتفع أكثر من شبر إذا لمس بأصبع أو نحوه أدنى لمس انكمش على بعضه كأنه في غاية الحس والشعور، ثم بعد برهة ينبسط ورقه ويعود إلى ما كان عليه وهو يعرف عندنا بالغنّاجة وأظنه هو المعروف بالسنط الحسّاس أو العشبة المستحية. إن الزهور في بيوت حلب كثيرة الأنواع لا تكاد تحصى وفي كل وقت يتجدد منها شيء كثير يستجلب بزره من غير جهة وتسميه العامة باسم يلائم ذوقها فيه فلا نطيل بذكرها وفي هذا القدر كفاية. حيوانات حلب وتوابعها ولنبدأ منها بالطيور الأهلية المقيمة دائما: فمنها الحمام الأزرق المطوق الموجود نظيره في الحرم المكي وبعض جوامع القسطنطينية وغيرها ويعرف عندنا بالبرّي وأوكاره في الأبنية الخربة وربما ألف العمار فكثر. وله أبراج خصوصية تبنى على شكل هندسي معلوم تعرف بالأبراج، أكثر ما توجد في القرى المشهورة بجودة البطيخ الأصفر، لأن زرقه يجعل سرجينا لحقول البطيخ. وهذا الحمام يصاد بكثرة في كل مكان من حلب وجهاتها. ومنها حمام أحمر اللون مطوق دون الحمام الأزرق بيسير، أو كاره في الغالب كوّات البيوت ويسمى اليمام أو الفاخت، والعوام يتحرجون في صيده كأنهم يعدّونه مستأمنا أو محتميا بهم. ومنه نوع أبيض اللون يقتنى في الأقفاص لحسن هديره ينقل إلى حلب من بلاد الرها وأنطاكية ويعرف عندنا بدايم كريم. ومنها حمام أبيض ناصع أو أحمر متوّج يؤلف في البيوت ويعرف بالقوّال والعامة تزعم أن وجوده يمنع القرينة أي الجن. ومنها حمام أبيض أو أصفر أحمر ملون وأرقش وموشّى منسدل الريش أو منقوشه. وغير ذلك من الأنواع التي لا تكاد تدخل تحت حصر، ولكل منها اسم يخصه ولها جماعة من الناس يعتنون باقتنائها يثيرونها في طرفي النهار فتختلط مع بعضها في الهواء ويعود كل سرب منها إلى مكانه فيربح صاحبه الزيادة أو يخسر النقص. وهؤلاء الجماعة يعرفون عندنا بالحماماتية أكثرهم أوباش ممقوتون عند العموم لما يتصفون به غالبا من قلة الدين الجزء: 1 ¦ الصفحة: 117 والإشراف على حريم الناس لصعودهم الأسطحة وكسر زجاجات البيوت بسبب رميهم ما يقف من الطيور على الأسطحة بالحجارة. وكانت حلب مشهورة بحمام الزاجل من قديم الزمان وسنتكلم عليه. ومنها العصفور وهو أنواع منه ما يعرف عندنا بالدوري رمادي اللون موشّى بسواد وأوكاره في جدران البيوت في حلب وغيرها وهو كثير جدا ويصاد بقلّة. ومنه نوع متوج ونوع آخر يعرف عند العرب بالمطواق أكبر من الأولين ونوع يقارب حجمه الزرزور ويقال له الدلدل وكلها توجد في برية ولاية حلب ولا توجد في مدنها. ومنها الزرزور الأسود أو المرقش ببياض وهو أكبر حجما من الدوري وأقل منه وأوكاره في جدران البيوت وصيده قليل. ومنها نوع من القنبرى في حجم العصفور طويل الذنب يرقصه إذا وقف، أصفر موشى بسواد يعرف عندنا بالقنبرى جعصو أي قمري الجعص، ويوجد في أطراف الحياض في البيوت وفي شطوط البحيرات والمستنقعات ونهر قويق ولا أعرف أين تكون أوكاره. ومن هذا النوع ما هو أصغر منه وأقصر ذنبا لا يرقصه إذا وقف ويعرف عندنا بالسقيقية، وتصاد فتجعل في الأقفاص لحسن صوتها وتطعم حب الشهدانج. ومنها الغراب الأبقع ويعرف عندنا بالقاق وأوكاره في رؤوس الأشجار العالية في البيوت والبساتين، وكثيرا ما يوجد في أوكاره ذهب مسكوك وألواح من الصابون يختطف الذهب مع قلانس صغار وهي منشورة على الأسطحة للتجفيف بعد الغسل وقد غفل أهلها عن حراستها. ومنها الصقر الذهبي اللون المرقش بالسواد الذي يقف في الهواء برهة فاتحا جناحيه وهو في حجم الغراب، وأوكاره في جدران البيوت صيفا وفي الجبال شتاء. ومنها طير الباشق ويعرف عندنا بالشوحة أكبر حجما من الغراب بقليل، أقتم اللون أوكاره في الجبال. ومنها أنواع البوم يأوي الخراب ومنه نوع يظهر في الصيف فقط ويقف على بعض الأشجار ليلا ويتدلى منكوسا قيل لزعمه أن السماء ستقع عليه ويصيح كأنه يقول توب توب ولذا عرف عندنا بطير التوب واسمه الحقيقي التهبط أو الهديل. ومن أنواع البوم أيضا نوع في حجم الدجاجة الأهلية أبيض الريض يظهر صيفا ويقف على بعض الأبنية العالية أو في المقابر ويسمع منه صوت مكرب كأنه صوت مصدور. وبقية الأنواع تظهر في جميع الفصول وكلها تظهر ليلا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 118 ومنها طير الخفاش في حجم العصفور ومساكنه الأماكن المهجورة المظلمة. ومنها نوع من البلبل في حجم العصفور رمادي اللون يأوي إلى البساتين ويختفي صوته من تموز إلى أوائل آذار وصوته مطرب وأوكاره في أشجار البساتين. ومنها الحجل، وهو القبج، ويوجد في جبال الولاية ويصاد. ومنها الشقراق يوجد في برية حلب غالبا وأوكاره في الجبال والأبنية الخربة خارج البلد. ومنها الهدهد ويختفي شتاء. ومنها طير يقال له الوروار دون الزرزور بقليل، أسود أخضر يوجد حيث وجد النحل لأنه غذاؤه ويصاد ويؤكل والعرب تتشاءم من أكله، والنحل عندنا كثير في المدن والقرى. ويوجد غير ذلك من الطيور الأهلية المقيمة مما لا طائل بذكره. وأما الطيور الوافدة وهي الطيور القواطع فمنها أنواع التدرج كالذي يسمونه دجاج القنبيط دون الحمام الأزرق بقليل ويقدم على بساتين حلب في أواخر الخريف ويبقى ما دام القنّبيط باقيا ويصاد بكثرة والذي يسمونه الدج أصغر من الثاني. وقدوم هذين في الأوان المذكور ويصادان بكثرة. ومنها الإوز والبط يقدمان من ابتداء كانون ويصادان من أطراف البحيرات وشطوط الأنهار ويستمرّان إلى آخر الشتاء. ومنها السمان وهو نوع من التدرج ويقدم في أوائل آذار ويصاد من المزارع ويغيب في الصيف ثم يرجع إلى الخريف ويبقى في الشتاء. ومنها طير دون الحمام الأزرق بقليل ويعرف عندنا بالترغل، واسمه الصحيح الأطرغلّات، وهو من نوع الدباسي ويقدم في نيسان ويبقى لأيام الحصاد ويغيب ثم يرجع في تشرين الأول ويصاد من بين الزرع والقيعان المتسعة في البرية. ومنها القطا يجيء في أواخر الخريف ويصاد بكثرة. ومنها عصفور صغير من بغاث «1» الطير يقدم في أيام نضج التين ويغيب في نفاده ويصاد من شجره ولذا سمي بعصفور التين. ومنها الكركي والحبارى واللّقلق توجد في شرقي برية حلب واللقلق يقدم إلى الرّها صيفا ويتخذ أوكاره في رؤوس المنارات المتوّجه من قبل الناس بأطباق من العود عناية به لأنه يصيد الحيّات، وهو في بعض السنين يتسلط على الجراد فيفنيه. ومنها طير شبيه بطير السقاء يوجد في شطوط الفرات ويعرف بنعاج الماء ويصاد. ومنها طير أسود كبير تسميه العرب النواق يوجد في جهات الزور. ويوجد فيها أيضا طير تسميه العرب العناق الأصغر يصاد. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 119 وطير تسميه الدلم كأنه حمامة زرقاء لكنه قدرها ضعفين ويصاد. وفي هذه الجهة وجهة العمق يوجد الإوز والدرّاج في كل وقت ويوجد في صحرائها طير طويل الرجلين والمنقار وتسميه العرب بالرعاف. ويوجد في بحيراتها طير السقاء وفي جبالها النسر الأسود والعقاب والشاهين وفي جبال العلاء طير أسود كالدجاج له بين عينيه عرف أبيض كاللوزة يستدلون بكبره على سمنه ويصاد ويؤكل. ومنها الغراب الزرعي ويعرف عندنا بالزاغ يصاد من بين الزرع والبساتين شتاء وفيه قدومه. ومنها السنونو المطوق بحمرة والخطّاف ويقدمان إلى حلب وما يتبعها من البلدان والقرى في آذار. والأول يبني بيوته من الطين تحت سقوف البيوت والأسواق ويفرخ فيها. والثاني يسكن في ثقوب الجدران. وكلاهما يبقيان إلى اشتداد الحر. ومنها طير مائي أبيض في حجم الحمامة كان يقدم إلى حلب في أيام الربيع ويستمر إلى اشتداد الحر ويعرف عندنا بالتاعية وكان الأولاد يصعدون إلى الأسطحة ويقذفون له قطع الخبز فيتلقفها بالهواء وربما احتالوا عليه وصادوه وقصّروا أجنحته وتركوه يدرج في الدار ويلتقط من هوامّها وقد انقطع هذا الطائر عن حلب منذ بضعة أعوام. ومنها طير السمرمر يجيء في ظهور الجراد أحيانا ويهلك من الجراد قسما كبيرا ويترك له في بساتين حلب ثمر التوت ليتفكه به وإذا قلّ الجراد على هذا الطائر تسلط على ما يكون في بساتين حلب من الفواكه الغضة المائية كالكرز والإجّاص. ومنها طير مائي كبير يقدم إلى البيرة في أوائل الصيف ويسكن في كهوف جبلها ويستبشر أهلها بقدومه وهو أسود اللون. ويوجد من الطيور الوافدة غير ذلك ومعظمها ما ذكرته. وأما الدواجن في البيوت فمنها أنواع الدجاج الأهلي والهندي ودجاج فرعون على قلة والإوز والبط والطّاوس المجلوب من الهند وهو قليل، والببغاء ويعرف بالدرّة، تجلب من جهات مصر والهند وتوضع في الأقفاص والقمري ويعرف بالقناري يجلب من الممالك الغربية والشحرور والنعار ويجلبان من دمشق وأنطاكية. وأما ذوات الأربع فمنها أهلية وهي الهر والكلب وكلاب الصيد والغنم ذات الألية والماعز الأسود والمرقّش وقلّ أن يوجد فيه أبيض، والخيل الأصائل والبراذين والبغال والحمير وأنواع البقر والجاموس ويوجد في جهات العمق على كثرة والجمال العربية والبختية ومنها الجزء: 1 ¦ الصفحة: 120 وحشية كأنواع الغزال وتصاد ويوجد الأسد قليلا والذئب والضبع كثيرا في الجهات الشرقية غالبا والوعل في جنوبي السخنة شرقا بين أشجار البطم وقد يصاد والنمر والأريل في غربي جبل اللكام المعروف بكاور طاغ وفي جهة الزور غالبا والخنزير وحمار الوحش وبقر الوحش وتصاد. ويباع الخنزير للفرنج والنصارى وأوان صيده فصل الشتاء ويوجد في أكثر جهات الولاية الأرنب الأحمر وفي جبالها ابن آوى ويعرف بالجقال، وهو اسمه التركي. وفي جبال العلاء الفهد والنمر وحيوان دون الكلب سمين أغرّ يعرف عندنا بالغرير أو نباش القبور ويوجد حيوان السمّور الأسود الجيد الفروة. وفي أطراف حلب الهر الوحشي وحيوان ضارّ شبيه بالذئب يعرف عندنا بالشيب ويزعمون أنه متولد بين الكلب والذئب. وأظن أنه السمع المتولد بين الذئب والضبع. ويوجد في مدينة حلب نوع من القنفذ الصغار يأوي البالوعات والأماكن القذرة وفي جبالها الدلادل الكبار المعروفة بالنيص الذي تضاهي واحدته الجدي ويصاد. ويوجد في أكثر سهول الولاية الخلد ويعرف بأبي عمايا والثعلب الأحمر والأملح وتعمل منه الفراء وكلب الماء الجيد الفروة في الفرات وشطوطه. ويوجد في صحرائها الظرباء ويعرف بأبي فسيّ والحرباء ويعرف بالبربختي. وفي خرابها وبساتينها الحردون وفي بيوتها السامّ أبرص. ويوجد عند جماعة من سكان محلة المشارقة بحلب أنواع القردة والدب الأملح يجلبون الأول من جهات اليمن والمغرب والثاني من جهات جبل اللكام ويعلمونها بعض اللعب ويسترزقون بها. ومنهم جماعة يعلمون الحمار والماعز بعض اللعب ويسترزقون بها. فهذا معظم الحيوانات ذوات الأربع. وأما الحشرات فمنها الحية البيضاء والرقشاء وتوجد في جميع الولاية ويزعمون أنّها لا تلسع داخل سور حلب وإن لسعت لا تقتل. ويوجد في بساتين حلب وخربها نوع من الثعبان أسود وثاب ويعرف عندنا بالحنش، ونوع من الحيّات رمادي اللون قصير غليظ، لسعته تميت من وقتها ويعرف عندنا بالدرفيل. وفي جهات المطخ نوع من الحيات الحبشية اللون وتعرف هناك بالعرابيد وهي كثيرة جدا، ولسعتها تميت لوقتها. ويوجد في البيوت العقرب والشبث والحريش ويعرف بأم أربع وأربعين ويقل وجودهما في البساتين والصحارى وتوجد الرثيلاء والعنكبوت في كل مكان. ومن الهوام الفار في البيوت وفي بعض بلدان حلب فأرة المسك. وتوجد الجرذان في المراحيض وفأر الأرض فيفسد الزروع الجزء: 1 ¦ الصفحة: 121 وفي البيوت الخنفساء والجعلان والنمل الأسود والأحمر والذر والصرصر الصيّاح في الصيف والقرنبى وتعرف عندنا (بأم علي) . والبقّ ويعرف بالفسفس. ويقال إنه دخل حلب مع عساكر إبراهيم باشا المصري. والنموس ويعرف عندنا بالبق والبرغش وهو الحرقص ويعرف بالشيخ ساكت. ويوجد البرغوث ويتسلطن في الربيع، والقمل ويقوى بالبرد والطبوع قليلا والقراد وأنواع الذباب. ومنه نوع لسّاع ونوع آخر شبيه بالنحل يلسع الدواب فيخرج دمها ويكثر هذا النوع في العمق والمطخ وأنواع الزنابير وتتسلطن صيفا. ويوجد في الصيف الحباحب ويعرف عندنا بسراج الفعالة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 122 تجارة حلب لا يخفى أن موقع حلب من أهم المواقع التجارية كما عرفت ذلك من الكلام على جغرافيتها. ولهذا كانت حلب بعد خراب قنّسرين هي المركز التجاري المتوسط بين الشرق والغرب ومنه تخرج القوافل إلى العراق المتصلة ببلاد فارس ثم بالهند ثم بالصين ثم باليابان وإلى الشام والحجاز واليمن وعمان والبحرين وإلى مصر وما وليها من أفريقية وغيرها من الممالك الغربية. ولعظم تجارتها في الزمن السابق كان يلقبها الفرنج بتدمر الجديدة وكنت تجد فيها أنفس بضائع هذه البلاد والممالك. ولم تزل حلب على هذه الثروة التجارية والدرجة المهمة إلى أن اكتشف البرتقاليّون سنة 1497 م/ 903 هـ طريقا للهند من جهة رأس الرجاء وبسببه انصرفت الموارد التجارية عن حلب وتقهقر حالها ولكنها لم تفقد ثروتها بالكلية إنما بقي فيها من التجارة جانب عظيم لا يوجد مثله في كثير من الممالك غيرها. قال ابن الشحنة: ومن خصائص حلب نفاق ما يجلب إليها من البضائع كالحرير والصوف والبردي والقماش وأنواع الفرو من السمور والوشق والفنك والسنجاب والثعلب وسائر الوبر والبضائع الهندية وأجناس الرقيق فإنه قد يباع فيها في يوم واحد ويقبض ثمنه ما لو حضر إلى القاهرة التي هي أم البلاد لما بيع بعشرة أيام. وقال جاك سواري دي تروسلون في الصحيفة ال 1018 من الجزء الأول من قاموسه التجاري العام المطبوع سنة 1723 م/ 1136 هـ إن حلب لا تضاهيها بلدة بتجّارها الذين يقصدونها من أقطار الدنيا فإن خاناتها التي لا تقل عن أربعين خانا لا تزال غاصة بالهنود والفرس والترك والفرنج وغيرهم بحيث لا تقوم بكفايتهم. قال: ومن خصائصها التجارية وجود الحمام الذي يأتي تجارها بالأخبار من إسكندرونة بثلاث ساعات بسبب تربيته بحلب وحمله إلى اسكندرونة بأقفاص فإذا طرأ خبر علقت البطاقة في رقبة الطير وسرح فيطير إلى حلب طلبا لفراخه شأن كل حيوان يطلب أولاده، على الأخص نوع الحمام الذي يمتاز بعض أجناسها بشفقته على بقيتها. قال: ولحلب خاصة ثانية في تجارتها وهي أن القادمين عليها من اسكندرونة لا يجوز لهم أن يحضروا إليها إلا ركوبا مع القافلة وسبب ذلك أن المركب حينما كان يصل إلى اسكندرونة كان يتوجه بعض من فيه إلى حلب مشيا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 123 على الأقدام طلبا للتجارة فيسبق بقية رفقائه ويشتري البضائع من حلب قبلهم فتقل عليهم أو تغلو أثمانها إلى حين وصولهم وبسبب ذلك صارت أجرة الدابة ذهابا وإيابا ستة قروش فكانت جملة النفقات التي تلحق المسافر في ذهابه وإيابه وبقائه بحلب ثلاثين قرشا. اه. وذكر في معجم البلدان أن من عجائب حلب أن في قيسارية البزّ عشرين دكانا للوكلاء يبيعون فيها كل يوم متاعا قدره عشرون ألف دينار، مستمر ذلك منذ عشرين سنة وإلى الآن. اه. وما زالت تجارة حلب جارية على هذا المنوال بعد اكتشاف رأس الرجاء حتى ظهرت سفن البخار التي قربت المسافات البحرية لسرعة سيرها وقلة خطرها. ثم لما مدت السكة الحديدية من الاسكندرية إلى السويس هبطت عدة درجات ولم يبق فيها من تجارتها سوى الربع تقريبا وذلك لأن طريق الهند قربت جدا وسهل نقل البضائع من المراكب إلى عجلات الحديد ثم تفرغ منها على فرضة «1» السويس التي هي على البحر الأحمر وتشحن بالمراكب المذكورة. ولما فتحت قناة السويس المعروفة بالترعة واتصل بسببها البحر الأحمر بالبحر المتوسط هبطت تجارة حلب هبوطا فاحشا فلم يبق بها سوى عشر تجارتها السابقة. ثم مما زادها اضمحلالا وانحطاطا حتى بقيت دون العشر عما كانت عليه، هو سير البواخر الصغار من البصرة إلى بغداد وابتذال البواخر الكبار التي تنقل السلع من كل جهة إلى كل جهة. ومع هذا كله فإن تجارة حلب لم تزل واسعة بالنسبة إلى كثير من الممالك العثمانية. أما ما يدخل إلى حلب من غيرها من البضائع والسلع في هذه الأزمان فهو جميع بضائع أوروبا والهند والصين واليمن والحجاز والعراقين والروم والأناضول وأفريقية والسودان والحبش وغير ذلك من بقية الممالك. وأما ما يخرج منها إلى غيرها فكثير أيضا منه الحنطة وبقية الحبوب والحرير والصوف والقطن والكتان والقنّب والزيت والسمن والتين والزبيب والجوز واللوز والجلود والفستق والدبس والعسل، وغالب أنواع الحيوان كالغنم والبقر والخيول وأنواع الأقمشة والمنسوجات الحريرية المعروفة بالجتارة التي تضاهي جتارة الهند ونوع منها منقوش بالحرير والقصب على أنواع وأشكال بديعة يعرف الآن بالدوناتو نسبة إلى أسرة دوناتو التي اشتهرت بهذه الصنعة أكثر من سواها، وأنواع الغزلية المعروفة بالآلاجة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 124 والشال الذي هو تقليد العجمي والبسط الكردية والخام البلدي، والنعال الحلبية المشهورة بحسنها ورشاقتها وإتقانها وجلود الحيوانات كالمعز والغنم والبقر والجواميس وأنواع الأصبغة كالجهرة والعفص، وأنواع العقاقير كالسحلب والأفيون والسقمونيا والخشخاش والشونيز والكسفرة والآنسون والسمسم والصابون والملح والعصفر والصنوبر والمناديل المطبوعة المعروفة بالبصمة والشريط الفضي المعروف بالتيل. وغير ذلك مما يطول شرحه. وأما بيع الرقيق بحلب في هذه الأزمان فلم يسبق له أثر بعد اتّفاق الدول على منع بيع الرقيق، وكان يباع في حلب السود والحبش والكرج والجركس. والناس الآن يستأجرون في حلب وغيرها البنات النصيريات والمسلمات من الجبل الأعلى وجبال صهيون وما جاورها، يستأجرون البنت البالغة من نفسها، والقاصرة من وليها مدة ثلاثين سنة في الغالب بأجرة قدرها ما بين ألف قرش إلى ثلاثة آلاف وخمسمائة قرش على حسب حسن صورتها وخدمتها بناء تقوم «1» بخدمة منزل مستأجرها في المدة المذكورة. ثم إن مقادير ما يدخل من البضائع وما يخرج منها غير ممكن تعيينه على وجه الحصر. وهاك بيانا في أثمان ما يدخل إلى ميناء اسكندرونة وأثمان ما يخرج منها تعرف منهما درجة تجارة حلب تقريبا حينما كانت اسكندرونة هي الميناء المختصة بولاية حلب: بيان قيمة الأموال الواردة إلى الميناء المذكورة في سنة 1889 م/ 1307 هـ ملخصا من جدول كبير مفصل ظفرنا به من (أجنتة) السفن، أي شركة السفن في اسكندرونة على اعتبار الليرة العثمانية (100) قرش وهو: قروش 12344800/من أوستريا 02409975/من روسيا 03825900/من إيطاليا 25804237/من فرنسة 100086525/من إنكلترة 043396312/من البلاد العثمانية 187957749 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 125 الأموال الواردة التي بينا قيمتها هنا هي (مال الفاتورة) (أنواع الجوخ) (حرير) (أنواع الأقمشة الحريرية) (السكر) (قهوة البن) (رز) (صبغة القرمز) (مسكرات) (سختيان وكوسلة) (بهارات) (مأكولات) (ورق) (نحاس) (رصاص وتوتيا وفولاذ) (حديد وآلات حديد) (نيل) (بترول) (بلور وأواني خزفية) (منسوجات متنوعة) (صرر نقدية ومجوهرات) . وهذا بيان قيمة الأموال الصادرة من الميناء المذكورة ملخصا من الجدول المذكور وهو: قروش 4833000/إلى أميركا 0043312/إلى اليونان 0063000/إلى أوستريا 0084825/إلى إيتاليا 0642600/إلى فرانسه 0534375/إلى إنكلترة 13467942/إلى الممالك العثمانية 19669054 الأموال الصادرة التي بينا قيمتها هنا هي (مال الفاتورة) (شرانق الحرير) (قطن) (صوف) (عفص وجهرة) (شمع عسلي) (سمسم) (حنطة ذرة شعير وغيرها) (صابون تين وتنباك فستق وجوز وزبيب وأنواع من المأكولات) (جلود وسختيان غنم ومعزا وغيرها) (صرر نقدية) . هذه الأموال هي غير الأموال الوطنية الصادرة من حلب عن طريق البر إلى بر الأناضول والجزيرة والعراقين وبقية سوريا وفلسطين والحجاز واليمن وغير الأموال المستهلكة في حلب وبرها الواردة برا من الجهات المذكورة مما يعجز القلم عن إحصائه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 126 الحركة البحرية في ميناء اسكندرونة في السنة المذكورة طرد/ سفينة هوائية/ سفينة بخارية/ دولة السفينة 1008/0/2/إيتاليا 4862/10/0/إيتاليا 42401/0/70/إنكلترة 674/1/0/إنكلترة 88733/0/65/فرانسه 43744/0/23/روسيا 50838/0/51/الممالك العثمانية 4494/157/0/الممالك العثمانية 2576/0/3/اليونان 4939/17/0/اليونان 1425/0/2/أوستريا 0830/01/أوستريا 1989/0/3/إسبانيا 49247/0/52/مصر 197760/186/281/المجموع خلاصة أخرى هذه خلاصة استخلصناها من جدول كانت رسمته غرفة التجارة بحلب بعد سنة 1310 أثناء وجود المرحوم عبد الرحمن أفندي الكواكبي في رياستها. وقد قدمته إلى مطبعة الولاية لينشر في صحيفة الفرات فعربته من التركي ونشرته في القسم العربي حينما كنت موظفا بتحرير هذا القسم وقد اعتبر في هذا الجدول مقادير الأشياء في سنة معتدلة بين الخصب والجدب مع طرح كسور الأرقام واعتبار الكيل الاستانبولي والحقة القديمة. والخلاصة هي: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 127 مقادير غلات ولاية حلب: من الحنطة (7200000) والشعير (3000000) والذرة البيضاء (500000) والجلبان (400000) والذرة الصفراء (225000) كيلة ومن القطن (750000) والقنب (500000) والسمسم (350000) والرز (250000) حقة: وبعد تسديد الاحتياجات المحلية من هذه المحاصيل يخرج منها إلى لواء الزور والعشائر العربية المتجولة في ضواحي الولاية وإلى بقية الجهات: من الحنطة (600000) والشعير (50000) والذرة (100000) والسمسم (60000) كيلة. وتبلغ قيمة ذلك (138000) ليرة. وأما ما يصدر من المحاصيل الزراعية إلى خارج الولاية فهو من القطن (500000) وشرانق الحرير (125000) والزبيب (150000) والتبغ (100000) والقنب (150000) والزيت والصابون (1600000) والفستق (175000) والجوز (42000) والجهرة (25000) ومثلها العفص وورق السماق (30000) وحب الخروع (80000) والكثيرا (7000) والأصول الصباغية (10000) وعرق السوس (4000000) وقشر الرمان (300000) ومواد الوقود (3000000) ولحاء شجر الأرز (500000) والخرق البالية (245000) حقة. وتبلغ قيمة هذه السلع (142000) ليرة. ويخرج من الولاية من الدواب (15000) بعير و (5000) رأس كبش غنم و (40000) خروف و (2500) فرس و (2000) عجل و (500) جاموس. وتبلغ قيمتها (189000) ليرة. هذه الدواب تنتج في ولاية حلب فقط. فأما الدواب التي تمر منها آتية إليها من جهات الموصل وأزروم والأناضول وبقية الجهات فتقدر بأكثر من مليون حيوان وهي تسافر من مواني حلب إلى بيروت ولبنان والبلاد الساحلية واسكندرية ومصر وبعض بلاد أوروبا. ثم إن الصادر من المواد الحيوانية من ولاية حلب هو من الصوف (1800000) والسمن (1200000) وزلال البيض ومحّه (180000) والعسل (15000) والشمع العسلي (10000) وجلود الحملان (140000) وجلود الغنم والمعز (45000) والعظام والقرون (550000) حقّة. أما مصنوعات الولاية التي تصدر إلى خارجها فأشهرها المنسوجات الحريرية والقطنية والعباءات واللبابيد والعقادة والجوارب والمناديل والأصبغة والصابون والحلي والقصب والميس والمدبوغات والنعال وأواني النحاس الأصفر والأحمر والحصر وما شاكل ذلك مما الجزء: 1 ¦ الصفحة: 128 لم نقدر على إحصائه. ويقدر ربح ما يخرج من هذه المصنوعات بمبلغ لا تزيد جملته على (140000) ليرة تقريبا. منها (70000) ليرة من حلب و (25000) ليرة من عينتاب و (5000) ليرة من أورفة وبيره جك و (12000) ليرة من أنطاكية و (8000) ليرة من إدلب و (10000) ليرة من مرعش و (10000) ليرة من منسوجات الصوف التي تنسجها العشائر. ويربح أهل الولاية من نقل الصادرات الجاري إخراجها بواسطة دواب الولاية وعتاليها مبلغا قدره (150000) ليرة ويقدر ربح تجار الولاية من الواردات والصادرات بمبلغ قدره (300000) ليرة على تقدير العمولة خمسة في المائة. ويقدر صافي الربح المتروك من المسافرين وعابري السبل وأصحاب الأشغال الواردين على الولاية من غيرها بمبلغ (450000) ليرة باعتبار أن عدد الواردين المذكورين يبلغ (150000) شخص ومجموع هذه الأرباح (1586000) ليرة. أما ميزانية الواردات فهي: الواردات الداخلية إلى ولاية حلب بواسطة اسكندرونة يختص منها بالولايات الداخلية عشرون في المائة وباعتبار ما يقابل الواردات الحاصلة من هذه الولايات تبلغ واردات الولاية (1440000) ليرة فلدى مقابلة الواردات بالصادرات تزيد الثانية على الأولى مبلغا قدره (146000) ليرة مع الإدخالات النقدية وهو مبلغ لا يوازي الإرساليات النقدية الصادرة إلى خارج الولاية. فيظهر من هذا أن الثروة المالية في الولاية آخذة بالتقدم العظيم وإن كانت الإرساليات النقدية العمومية ناقصة وثروة الولاية العمومية مديونة من جهة النقد فقط. أما نمو خلق الولاية فمواليدها تزيد على وفياتها سنويا أربعة في المائة من أهل الولاية وواحدا في المائة من المهاجرين. مساحة ولاية حلب قال: ومساحة ولاية حلب هي (78600) ميل مربع (كيلو متر) أي (86460000) دونم عتيق، من ذلك (34600) ميل مربع جبال وغابات وبحيرات وسباخ غير قابلة للزراعة و (44000) ميل مربع سهول وجبال قابلة للزراعة. لكن المستخدم منها الآن للزراعة الدورية السنوية (4200000) دونم و (50000) دونم منابت أشجار وكروم وزيتون وتوت وغير ذلك فالمجموع (4700000) دونم فيتحصل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 129 من ذلك أن زراعة الولاية الآن تشغل عشر أراضيها القابلة للزراعة. وهذا المقدار من الزراعة يقوم بمعاش مليون من الناس تقريبا وهم القاطنون في ولاية حلب مع مائتين وخمسين ألف حيوان أهلي يقدم له العلف. وقيمة ما يستهلك في ذلك باعتبار أسعار الصادرات مقدر بمبلغ (3500000) ليرة ويبقى فضلة لأجل الصادرات ما قيمته (280000) ليرة. وإذا تحسنت زراعة الولاية كزراعة أضنه ومعمورة العزيز وبذلت العناية في زرع المحاصيل الخفيفة الجرم الغالية الثمن كالقطن والسمسم والقلب والكتّان والرز والمواد السكرية والعطارية والعنب والتين والزيتون والفستق والجوز والتوت تبلغ الصادرات الزراعية (4060000) ليرة بدل (280000) ليرة المتقدم ذكرها. وإذا حصلت الولاية على خط حديدي يوصل الساحل بنهر الفرات تتقدم زراعة الأموال الفقيرة كالحنطة والشعير والذرة والعنب فتصير ضعف ما هي عليه الآن فتبلغ قيمة صادراتها (618000) ليرة بدل أن تكون (118000) ليرة وحينئذ تبلغ قيمة الصادرات الزراعية (8678000) ليرة. أما فائدة الأراضي المعطلة عن الزراعة فهي: أولا: المواد الحيوانية الحاصلة من (2200000) من الغنم والمعز ومن (200000) من الإبل السوائم و (250000) رأس بقر، ومن بقية الحيوانات الأهلية فيصرف من ذلك على الاحتياجات المحلية ما قيمته (750000) ليرة ويحصل صادرات قيمتها (266000) . ثانيا: النباتات الطبيعة التي هي عرق السوس والعفص ونحوهما مما لا يقبل الترقي وتقدر قيمته بمبلغ قدره (24000) ليرة ومجموع هذه الصادرات (290000) ليرة. على أن هذه الأراضي المعطلة من جهة أخرى لا تكاد تكفي العدد المتقدم ذكره من الحيوانات مع أن (1500000) رأس غنم تعيش مدة أربعة أشهر من كل سنة في المراعي الشتائية الخارجة عن الولاية وذلك لأنه يصيب كل غنمة أربعة عشر دونما من المراعي الطبيعية وهي لا يكفيها إلا بالجهد. وهذا هو السبب الداعي لذبح (180000) خروف في الولاية في كل سنة وبيعها بضعف قيمة جلودها فإن المراعي تضيق عن تربيتها. فلو ربّي نصف هذه الكمية من الحيوانات بعلف يزرع سقيا أو يزرع لكل غنمة أربع دونمات بعلا لزاد النماء والربح من هذه الحيوانات ضعفا ونصف ضعف على الحاصل منها الآن وحينئذ تبلغ قيمة الصادرات منها (1811000) ليرة بدل أن تكون (29000) ليرة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 130 التجارة في حلب منذ ثلاثين سنة التجارة في حلب آخذة بالتقدم والرقي منذ ثلاثين سنة وأكثر ولذا زاد عدد التجار زيادة عظيمة بحيث بلغ ثلاثة أضعاف ما كانوا عليه قبل هذه المدة. وكان معظم هذه الزيادة في أيام الحرب العالمية المنقضية فإن أرباح التجارة التي كانت في غضونها جرت العدد الكبير من ذوي الصنائع اليدوية من صنائعهم إلى الاسترزاق بالتجارة فنجحوا وربحوا أرباحا طائلة ونشأ من بينهم أصحاب ثروات تستحق الذكر بعد أن كان أحدهم لا يملك من المال غير القدر الذي يسد به رمقه. ولزيادة عدد متعاطي التجارة وتضخم الثروة العامة غلت قيمة المنازل والحوانيت وأجورهما فارتفعتا إلى أربعة أضعاف ما كانتا عليه رغما عن العدد الكبير الذي تجدد إيجاده من هذين النوعين. ومما يعد من أسباب غلاء قيم المنازل والحوانيت وأجورها وجود العدد العظيم من مهاجرة الأرمن وغيرهم اللاجئين إلى حلب من الممالك التركية، فإن عددهم في حلب لا يقل عن الستين ألف نسمة وهو عدد لا يسعه فراغ المباني في حلب إلا بالمزاحمة والتغالي بالأجور. وترى من جهة أخرى غلاء أجور ذوي الأعمال اليدوية كالنجّار والمعمار والحجار، فقد ارتفعت أجرة أحدهم ثمانين في المائة ومنهم من زادت على هذا القدر وسبب ذلك انحياز العدد الكبير منهم إلى تعاطي التجارة والإضراب عن أعمالهم كما أسلفناه. على أن وجود العدد الكثير من عملة المهاجرين قد خفض قليلا من غلواء الوطنيين ولولا ذلك لكانت تصعد أجرة أحدهم إلى مائة في المائة «1» . تجارة حلب في الحالة الحاضرة منذ سنة 1341 بدأ دولاب التجارة والأعمال يدور ببطء إلى أن كانت هذه السنة وهي سنة 1342 أدركه الكلال فكاد يقف عن دورانه بتاتا ولذا أخذت الثروة العامة في حلب بالانحطاط وقد ضرب الكساد أطنابه في حلب وأصبح التاجر والعامل يتشكيان من وقوف الحال وكثرة الخسار ويتألمان من غلاء أجور الحوانيت والمنازل. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 131 لهذا البحران أسباب عديدة منها إغلاق الأناضول أبوابه في وجه تجارة البضائع المعدودة من الكماليات. ومنها غلاء أجور النقل بالسكة الحديدية فإن بعض البضائع قد تساوي أجرة نقلها قيمتها. ومنها تلاعب الصيارفة والمحتكرين بالأوراق النقية والنقود الذهبية. إلى غير ذلك من الأسباب التي يطول شرحها. حول الله الحال إلى أحسن حال. المعارف في حلب لم تلبث حلب بعد الفتح غير قليل من الزمن حتى نشأ فيها الجم الغفير من العلماء والمحدّثين الذين يقصدهم طلاب العلم من البلاد القاصية. ففي كنوز الذهب ما خلاصته أن حلب بلدة العلماء والمحدثين والنحاة وقد دخلها العلماء قديما وسمعوا بها. فمنهم سليمان ابن أحمد الطبراني أبو القاسم، قدم حلب سنة 278 وسمع بها أحمد بن الخليل الحلبي وأحمد ابن المسيب وعبد الله بن إسحاق الصفري. ومنهم شيخ الإسلام أبو داود سمع فيها مؤمل الرملي وابن بويه الربيع بن نافع. ومنهم سعيد بن عثمان بن السكن سمع بحلب عبد الرحمن ابن عبد الله وجماعة. ولو أخذنا في تعداد محدثيها لطال علينا. وقال قبل ذلك ببضعة أسطر: ودخلها أحمد بن حنبل وخلف بن سالم. اه. وكان العالم يقرئ الطلبة في المساجد والبيوت لأنه لا يوجد فيها مدارس في تلك الأيام وقد وجد في حلب أيام سيف الدولة فحول من العلماء الأغراب والحلبيين والشعراء المبرزين لأنه كان شديد الميل إلى العلم والأدب وافر العطايا والإكرام لذويهما. يضاف إلى ذلك تحسين موقع حلب من البلاد بسبب اتساع الفتوحات في جهتها الشمالية مع كثرة خيراتها ورخص أسعارها. ولهذه المحسنات العظيمة صارت منتجع جهابذة العلم والأدب وإليها ينسابون من كل فج وحدب فاجتمع فيها زمن سيف الدولة عدة أفراد من أساطين الشعراء وجهابذة العلماء كالمتنبي وكشاجم وابن خالويه وأبي علي الفارسي وكثير ممن هو في طبقتهم كما ستراه مسطورا في باب تراجم الأخيار إن شاء الله تعالى. ومن تلك الأيام كان ابتداء شهرتها بالعلم، فلما جاءت دولة بني مرداس واقتدت بالدولة الحمدانية من جهة التفاتها إلى العلم وأهله زاد إليها تردد العلماء من الأقطار وعلا شأنها وارتفع بالعلم منارها، وصار البعض من أهلها يشتغلون بالعلوم العربية والحديث الجزء: 1 ¦ الصفحة: 132 والفقه وليس فيها مدرسة بل كانوا يقرءون علومهم في المساجد والبيوت كما قلنا واستمروا هكذا إلى سنة 516 وفيها بني بباطن حلب المدرسة الزجاجية أنشأها بدر الدين أبو الربيع سليمان بن عبد الجبار بن أرتق صاحب حلب. وهي أول مدرسة بنيت فيها ثم بني بعدها بضع مدارس إلى أن كانت سنة 591 وفيها ولي قضاءها أبو المحاسن يوسف بن رافع المعروف بابن شداد وكان من فحول العلماء وكانت حلب في ذلك التاريخ قليلة المدارس فاعتنى أبو المحاسن في ترتيب أمورها كما حكى عنه ذلك في وفيات الأعيان، وجمع إليها الفقهاء وعمر فيها المدارس الكثيرة. ومن ذلك الوقت أخذت تنفرد بالشهرة وتتقدم بالعلوم والفنون وقصدها العلماء والطلبة من الشرق والغرب وجعلوها محط رحالهم. قال شمس الدين بن خلكان في وفيات الأعيان في ترجمة يعيش بن علي: (ولما وصلت إلى حلب لأجل الاشتغال بالعلم الشريف وكان دخولي إليها يوم الثلاثاء مستهل ذي القعدة سنة 626 وهي إذ ذاك أم البلاد مشحونة بالعلم والعلماء والمشتغلين) . فناهيك شاهدا على تفردها بالعلم في تلك الأعصار ما أخبر به هذا الرجل الموثوق بفضله. وحسبك دليلا على علو شأنها وبلوغها من العلوم مرتبة لم يبلغها غيرها في الأعصار المذكورة أن الطلبة كانت تقصدها من أقاصي البلاد الشمالية فضلا عمّن كان يقصدها من المغرب والهند وفارس. حكى ياقوت في معجم البلدان في باب الباء قال: وجدت بمدينة حلب طائفة كثيرة يقال لهم الباشقردية شقر الوجوه والشعور جدا يتفقهون على مذهب أبي حنيفة فسألت رجلا منهم استعقلته عن بلادهم وحالهم فقال: أما بلادنا فمن وراء القسطنطينية في مملكة أمة من الفرنج يقال لهم الهنكر ونحن مسلمون، رعيّة لملكهم، متوطنون في طرف بلادهم في نحو ثلاثين قرية كل واحدة منها تكاد تكون بليدة إلا أن ملك الهنكر لا يمكننا أن نعمل على شيء منها سورا خوفا من أن نعصى عليه، ونحن في وسط النصرانية فشمالينا بلاد الصقالبة وقبلينا بلاد البابا وفي غربينا الأندلس وفي شرقينا بلاد الروم قسطنطينية وأعمالها ولساننا لسان الفرنج وزيّنا زيّهم ونخدم معهم في الجندية ونغزو معهم كل طائفة غير الإسلام. قال: فسألته عن سبب إسلامهم مع كونهم في وسط البلاد النصرانية. فقال: سمعت جماعة من أسلافنا يتحدثون أنه قدم إلى بلادنا منذ دهر طويل سبعة نفر من المسلمين من الجزء: 1 ¦ الصفحة: 133 بلاد البلغار وسكنوا بيننا وتلطفوا في تعريفنا وما نحن عليه فأسلمنا جميعا، ونحن نقدم هذه البلاد ونتفقه فإذا رجعنا إلى بلادنا أكرمنا أهلها منا اه. أقول: الباشقردية هم من أجناس الترك وكلمة باشقرد محرفة عن كلمة بوزقير كما أفاده صاحب كتاب تلفيق الأخبار. وزعم أيضا أن الهنكر هم أيضا من جملة أجناس الترك يقال لهم الهون اه. قلت: الهنكر هم الذين يطلق الآن على اقليمهم كلمة هنكاريا. هذا وإن مدينة حلب لم تزل تبنى فيها المدارس حتى بلغت نحو ثلاثمائة مدرسة عدا المساجد ودور الحديث وغيرها من الأماكن التي كانت تتفجر من خلالها ينابيع العلوم من منطوق ومفهوم. مصيبة مدينة حلب بحادثة تيمور لنك وغيرها ما زالت حلب على تلك الثروة العلمية حتى دهمتها حادثة تيمور لنك فصدمتها صدمة كادت تذهب بكيانها فخربت مدارسها وأبادت علماءها لأنهم أصبحوا ما بين قتيل وأسير ومشرد عن وطنه. ثم بعد مضي نحو من قرن على هذه الحادثة الكارثة بينما كانت حلب تستجمع قواها وتحاول أن تسترد شيئا من ثروتها العلمية إذ دهمها سوء أحوال الحكام وتغاضيهم عن مناقشة المتولّين الحساب، والضرب على أيديهم القابضة على الأوقاف التي يتصرفون بها وبغلّتها كما شاؤوا وشاء لهم الهوى. وبسبب ذلك تقلص ظل العلم من حلب وعادت مدارسها القديمة إلى ما كانت عليه من الخراب. المدارس العلمية الإسلامية المجددة في حلب ثم إن بعض محبي العلم أنشؤوا في حلب عدة مدارس كانت هي السبب الأقوى لاتصال سلسلة العلم والعلماء في مدينة حلب. فقد أدركنا تلك المدارس مفتوحة الأبواب للعلماء والمتعلمين معمورة الحجر بالمجاورين وهي (المدرسة العثمانية) و (الشعبانية) و (القرناصية) . وهذه الثلاث تعد في مقدمة المدارس. وبعدها المدرسة (السيافية) و (الإسماعيلية) و (المنصورية) و (البهائية) . على أن المجاورة في جميع هذه المدارس كانت قليلة الجدوى لأن المجاور في إحداها لم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 134 يكن لمدة مجاورته حدّ وكان يتقاضى من غلة وقف مدرسته راتبا شهريا زهيدا لا يسدّ له عوزا ولا يغني عن كفافه فتيلا وليس عليه رقيب ولا مسيطر وربما جاور مدة حياته ولم يحصل من العلم على طائل. ولذا لم ندرك مدة حياتنا نابغة من مجاوريها نبغ بالعلوم والفنون سوى نفر قليلين لم يحملهم على الانقطاع إلى العلم حامل سوى نفوس شريفة أدركت فضيلة العلم فتخلّت للاشتغال به عن كل لذة وقنعت لأجله من المعاش باليسير. فترت الهمم في طلب العلم لأن ثمراته الدنيوية أصبحت قاصرة عن النهوض بالعالم إلى مستوى ينال فيه عيشة راضية. على أن قليلا من الناس كانوا يقبلون على طلب العلم ليتخلصوا بالامتحان من القرعة العسكرية لأن قانونها العثماني كان يستثني الطالب من القرعة إذا أدى امتحان سنته فلما كانت أيام دولة السلطان عبد الحميد خان الثاني العثماني أصدر أمره بأن يكتفى ممن يدعي طلب العلم بمجرد كونه مجاورا في مدرسة ما فيستثنى من القرعة دون أن يؤدي امتحانا فزاد هذا الأمر همة الطلبة تثبيطا وأعطاهم من غائلة الجهل أمانا وضمانا لأن الراغب في طلب العلم للتملص من القرعة صار غير محتاج إلى العلم بل حسبه أن يكون اسمه مسجلا في سجل المجاورين المحسوبين على حجرة المدرسة التي قد يكون سجل على حسابها بضعة أشخاص كل واحد منهم يباشر عمله وتجارته دون أن يصرف لحظة واحدة من وقته في طلب العلم إذ لا يحوجه في سبيل التملص من القرعة سوى تصديق مدرّس المدرسة على أنه مجاور في مدرسته فيفلت من شرك القرعة بلا امتحان ولا أقل سؤال ويبقى جاهلا بل قد يكون أميا صارفا من نقد عمره نحو ثلاثين سنة باسم طالب علم وهو عنه بمعزل. هذا الاستثناء كاد يمحو معاهد العلم من حلب ويطمس آثاره وذلك أن البقية الصالحة من الرّغبة في العلم التي حفظت نفسها مدة طويلة فرارا من القرعة قد زالت حينئذ بتمامها ولم يبق لها من لزوم. النهضة العلمية في حلب ولما انقضى ذلك العصر الحميدي وتقلبت الأيام والليالي وآلت مديرية أوقاف حلب إلى عهدة السيد يحيى الكيالي نظر إلى حالة المدارس والمجاورين وانحطاطهما بعين التبصر والاهتمام وأحب أن يبقي له ذكرا جميلا وأجرا جزيلا فألّف تحت رئاسة السيد الفاضل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 135 الشيخ عبد الحميد الكيالي مفتي حلب لجنة من رجال العلم والفضل للبحث في حالة المدارس والمجاورين ومداواة أمراضهما، وأن ترسم اللجنة «1» برنامجا لإصلاح كل من المدرسة الخسروية التي كانت محتجبة في زوايا الإهمال والنسيان رغما عن عظمة بنائها وسعة أرجائها والمدرسة العثمانية والشعبانية والقرناصية والإسماعيلية، على أن يكون سير مجاوري هذه المدارس على منهاج البرنامج الذي ترسمه اللجنة المشار إليها. وبعد التفكير مليا رسمت اللجنة البرنامج المذكور فجعلت فيه مدة المجاورة اثنتي عشرة سنة على عدد أصناف المجاورين وعينت لكل صنف منهم في العلوم الدينية والآلية كتبا تليق به وخصصت لكل مجاور راتبا شهريا على قدر صنفه يتقاضاه من غلة وقف مدرسته وفرضت عليه أداء امتحان خاصّ في غضون السنة وعامّ في نهايتها، وعينت لكل صنف من يقوم بتعليمه وتدريسه من المعلمين الذين فرضت لكل واحد منهم راتبا شهريا يناسب درجته. وأقامت لكل مدرسة مديرا يراقب المجاورين ويحدو بهم إلى الطريقة المثلى والمنهج القويم. إلى غير ذلك من الأمور المستحسنة التي تتكفل بحفظ نظام المدرسة وانتظام أحوار مجاوريها. وبذلك عاش ميت الأمل بالنهضة العلمية في حلب التي يقوم بها مائة وخمسون طالبا يشملهم هذا البرنامج وتجري عليهم أحكامه. هذا وإن علامات النهضة العلمية أخذت تبدو في أحوال هؤلاء المجاورين وتدل على اجتهادهم وانصبابهم على الاشتغال بالعلوم والفنون، مما يحمل على اليقين بأنه بعد بضع سنوات لا بد وأن يظهر في عدد كبير من أولئك الطلبة نبغاء لما يتلألأ في نواصيهم من نور النّباهة والذكاء والجد في الطلب. حقق الله ذلك. المكاتب الأهلية في حلب المكاتب الأهلية في حلب كثيرة توجد في كل محلة، منها ما هو مختص بالذكور ومنها ما هو مختص بالإناث وهي تعلم القرآن العظيم وبعضها يعلم معه الخط ومبادئ الحساب ومعلموها رجال ونساء وهي تأخذ على التعليم أجرة زهيدة تعرف بالخميسية، لأن الولد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 136 يقدمها إلى معلمه في يوم الخميس. وبعض هذه المكاتب وقف يدخلها الولد مجانا لأن أستاذها يأخذ عنها راتبا شهريا من جهة الوقف. المدارس الإسلامية الأهلية الحديثة الطرز في حلب يوجد في حلب من هذا النوع أربع مدارس ابتدائية، ثلاث منها مختصة بالذكور وهي المدرسة الفاروقية والشرقية وقد أسستا في أواخر أيام الحكومة العثمانية والأولى أقدم من الثانية والمدرسة الثالثة المدرسة الإسلامية العربية أسست بعد انقضاء الحرب العامة. وكلها تتلقى فيها مبادئ العلوم القديمة والحديثة حسب أصول التعليم الحديثة وهي على أتم ما يكون من النجاح وفي كل واحدة منها مزية لا توجد في الأخرى وتأخذ من التلميذ أجرة معلومة. والمدرسة الرابعة مختصة بالإناث وتسمى مكتب الصنائع النسائية وهي على جانب عظيم من النجاح تتقاضى من التلميذة أجرة معلومة وكان تأسيسها بعد انقضاء الحرب العامة. هذه المدارس الأربع تضم إليها 700 تلميد وتلميذة. للمسيحيين والموسويين عدة مدارس حديثة الطرز تكلمنا على كل مدرسة منها أثناء الكلام على كنيسة الطائفة في باب الآثار. المدارس والمكاتب الأميرية في حلب في حدود سنة 1278 فتحت الحكومة في المدرسة المنصورية مكتبا دعي مكتب الرشدية وكانت نفقاته من الجهة الأميرية وهو أول مكتب أميري فتح في مدينة حلب. وكانت تعلم فيه اللغة التركية والفارسية ومبادئ العلوم الدينية. وقد أقبل عليه الناس إقبالا زائدا وانتفع منه شبان كثيرون من جهة إتقان اللغة التركية. ثم في حدود 1300 فتحت الحكومة أيضا غرفة في دار الحكومة سمتها دائرة المعارف ألفت فيها لجنة باسم لجنة المعارف تحت رياسة المرحوم (الحاج عطاء الله أفندي ابن الحاج عبد الرحمن أفندي المدرس) جعلت وظيفة هذه اللجنة البحث عن الأوقاف المندرسة أي الأوقاف التي ليس لها كتاب وقف معمول به على أن تنتزعه من يد المتغلب عليه ويصرف ريعه في نفقات مدارس ومكاتب تفتح جديدا باسم مكاتب المعارف. فاستولت هذه اللجنة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 137 على عدة أوقاف من هذا النوع وفتحت عدة مكاتب استفاد الناس منها فائدة حسنة. ثم في سنة 1303 قدم على حلب (كمال بك ابن الحاج موسى) مديرا لمعارف حلب وهو أول مدير للمعارف في حلب من غير أهلها ففتح عدة مكاتب في محلات مختلفة من حلب وأوجد للمعارف صندوقا خاصا بها تجمع فيه غلات الأوقاف المندرسة وتصرف على المكاتب وبقية نفقات الدائرة وأنشأت هذه المديرية عدة أملاك خاصة بها واتسع نطاق المعارف في حلب اتساعا ما عليه من مزيد مستمرا ذلك إلى أيام حدوث الحرب العامة فأغلق في أثنائها عدة مكاتب واختل نظام المعارف. وبعد انقضاء الحرب المذكورة قررت الحكومة استدخال واردات المعارف إلى صندوق المال وابطال صندوق المعارف وأن يكون دفع نفقات المكاتب وغيرها من جهة صندوق المال. وخصص في سنة 1342 لدائرة المعارف مبلغ من المال يتراوح قدره بين 25 و 30 ألف ذهب عثماني ليصرف على مكاتب المعارف وبقية شؤونها. مكاتب المعارف في مدينة حلب مكاتب المعارف في محلات مختلفة من مدينة حلب تحت أسماء مختلفة تقسم إلى مكاتب ذكور ومكاتب إناث. عدد القسم الأول اثنا عشر مكتبا تضم إليها نحو 1550 تلميذا وعدد معلميها 64 معلما وعدد مكاتب القسم الثاني أي مكاتب الإناث أربعة تضم إليها نحو 700 تلميذة. من المكاتب نوع ثالث يدعى مكاتب الحضانة تربى فيها الأطفال ذكورا وإناثا على أن تكون أعمارهم دون السادسة وهي خمسة مكاتب تضم إليها نحوا من 400 طفل. جملة معلمات مكاتب الإناث ومكاتب الحضانة 27 معلمة. هذه المكاتب لم يدخل في عددها المكتب السلطاني الذي سنتكلم عليه في باب الآثار في الكلام على المحلة الجميلية. مكاتب المعارف في الأقضية التابعة دولة حلب هي مكتب للذكور وآخر للإناث في كل من مدينة الباب وادلب وريحا والمعرة والجسر وحارم وتادف ومنبج. ومكتب للذكور في كل من بزاعة وقباسين ومعرّ تمصرين وسرمين الجزء: 1 ¦ الصفحة: 138 وبنّش والبارة وبو قلقل وخان شيخون ونبّل ودركوش وتلّ ارفاد ومارع وسلقين وأرمناز وسرمدا وترمانين وقورقانيا وميدانكي وعنادان والأثارب ودارة عزّة وجبرين وتل عران والسفيرة وبنان وخناصرة وجرابلس. ورشدية للذكور في إدلب. هذه المكاتب تضم إليها نحوا من 2500 تلميذ ما بين ذكر وأنثى. والمكاتب التي في لواء دير الزور هي: مدرسة رشدية ومكتب ابتدائي للذكور وآخر للإناث في مدينة الدير «1» . ومكتب ذكور في كل من الرقة وميادين وبوكمال. هذه المكاتب تضم إليها نحوا من 700 تلميذ وعدد معلميها 18 شخصا ما بين ذكر وأنثى. مكتب الصنائع في حلب في سنة 1319 أسس في مدينة حلب مكتب للصنائع تكلمنا عليه في حوادث هذه السنة من باب الأخبار. وهو الآن مقتصر على صنعة الحدادة والنجارة ويضم إليه نحوا من 100 تلميذ يدخلونه مجانا ويقدم لهم الطعام والكسوة والمفارش للنوم وغيرها من اللوازم والنفقة عليه من جهة المالية. وقد بدأت طلائع النجاح والرقي تشرف عليه. المكتبات في حلب معلوم أن النهضة العلمية في مدينة حلب بدأت في أيام سيف الدولة الحمداني ومن ذلك الوقت أخذت تكثر الكتب والأسفار العلمية في حلب على قدر الحاجة إليها إلى أن كانت دولة نور الدين محمود بن زنكي ازدادت النهضة العلمية فازداد عدد الكتب في حلب إلى أن جاءت دولة السلطان صلاح الدين الأيوبي. ثم خلفه أولاده وأحفاده وأقرباؤه ومماليكه فاقتدوا به فكثرت المدارس في حلب وتمت تلك النهضة العظمى في العلوم والفنون حتى أصبحت حلب تعد في معارفها من أمهات الممالك الإسلامية. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 139 ولع الحلبيين باقتناء الكتب إن ولع الحلبيين باقتناء الكتب كان ولم يزل غريزة فيهم. فقد أدركنا الكثيرين من علما حلب وأغنيائها وهو شديد العناية باقتناء الكتب المخطوطة النادرة حتى إنهم كانوا يتسابقون إلى اقتنائها ويبذلون الأموال الطائلة في استنساخها. أدركنا منهم من استكتب كتاب «رد المحتار حاشية الدرّ المختار» في الفقه الحنفي فصرف على استنساخه نحوا من مائة ذهب عثماني. ومنهم من استكتب كتاب تاج العروس لمرتضى الدين الزبيدي شرح قاموس الفيروزبادي فصرف عليه نحوا من مائتي ذهب عثماني. إلى غير ذلك من الكتب الكبيرة التي كانت أغنياء الحلبيين يتسابقون إلى اقتنائها. حرفة نسخ الكتب وحسن الخط في حلب كان نسخ الكتب في حلب حرفة ناجحة يسترزق بها عدد كبير من الخطاطين الماهرين وكان لهم عند العلماء والوجهاء منزلة مقبولة. وكان أكثر طلاب العلوم الفقراء المجاورين في المدارس الإسلامية يستعينون على طلب العلم بالاسترزاق من نسخ الكتب والمصاحف. ولشرف هذه الحرفة كان الناس يقبلون على تعليم الكتابة ويجتهدون بتحسين الخط. ولذا اشتهر أهل حلب بحسن الخط كما اشتهروا بفن الموسيقى وحسن الصوت. وكان الناس في الشهباء يعتبرون حسن الخط مزية كبيرة وبابا عظيما من أبواب الغنى حتى اشتهر بين الحلبيين قولهم الجاري مجرى المثل عندهم: (حسن الخط سوار من ذهب) . والحلبيون بعد الجيل الثالث برعوا بالخط العربي وتفننوا في تنويعه على أشكال مختلفة وضروب شتى. يدلك على ذلك ما تراه من الخطوط المنقوشة في الألواح الحجرية التي تطرز بها المباني العظيمة والأضرحة الضخمة كطراز عمارة ضيفة خاتون في محلة الفردوس وأضرحة بعض العظماء في مقبرة الخليل ومناطق منارة الجامع الكبير، وغير ذلك من الكتابات المنقوشة على الحجارة المرصوفة في المباني التي يراد منها بيان التاريخ واسم صاحب البناء أو يراد منها حكمة أو موعظة. فإنك تجد كتابة بعضها مخطوطة بقلم نسخي وبعضها الآخر بقلم فارسي ومنها ما هو من نوع الكتابة المعروفة بالكوفية أو ما هو من النوع المعروف بالريحاني أو المشجّر أو المزهّر أو بالديواني أو ما هو شبيه بالأحرف السريانية إلى غير ذلك من أنواع الخطوط العربية التي قلما تجد لها نظيرا في غير الشهباء. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 140 أسباب عناية الحلبيين باقتناء الكتب يعتني أهل اليسار من الحلبيين باقتناء الكتب وتحسين جلودها وعمل خزانات جميلة لحفظها لأسباب: أهمها أمل استفادة المقتني من بعضها الذي يكون موضوعه علما بسيطا كالتاريخ والأدبيات. ومنها جعل مكتبته زينة لبيته. ومنها، وهو أعظمها، الاعتقاد السائد بين كثير من الناس حتى في غير حلب أن اقتناء الكتب يورث الغنى. ومنها جعلها وسيلة احترام ووجاهة عند أهل العلم الذين يستعيرون منهم الكتب الفنية التي تمس إليها حاجتهم وتقصر أيديهم عن شرائها. المكتبات القديمة المفقودة أدركنا في مدينة حلب حدة مكتبات غنية بالكتب المخطوطة النادرة قد تسلط عليها لصوص الكتب فسلبوها كل ما حوته من الظرف والتحف. واننا منذ زمن الصبا حتى الآن نرى تجار الكتب المخطوطة يترددون إلى حلب ويملؤون من مكتباتها الصناديق الكثيرة، عدا ما نراه من سواح الغرب وسماسرة المستشرقين الذين يختطفون الكتب النفيسة الخطية من أيدي طائفة من البسطاء لا يفرقون بين الطين والعجين فيشترونها منهم بأبخس الأثمان. وإني على يقين من أن مدينة حلب ما زال يوجد فيها العدد العظيم من الكتب الخطية النادرة التي إذا بحثت عنها وجدتها في زوايا الإهمال والنسيان في بيوت جماعة من جهة العامة قد هبطوا من أصلاب رجال كانوا يعدون من نبغاء العلم والأدب فخلف من بعدهم خلف أهملوا العلم وركبوا متن الجهل وباعوا ما كان في خزائن أسلافهم من الكتب والأسفار وبقي عندهم منها بقية عدّوها من سقط المتاع حتى إذا ألفتتهم إليها الصدف حملها واحد من أطفالهم أو واحدة من عجائزهم وقصد بها باعة الكتب أو السوق العامة المعروفة بسوق الجمعة حيث تباع السلع الرخيصة فيبيعون منها ما قيمته ألف قرش مثلا بنصف قرش. من الصدف الغريبة التي صادفتها أنني بقيت مدة طويلة أبحث عن كتاب كنوز الذهب فلم أظفر به. ومضى على ذلك أعوام وقد يئست من الظفر به إلى أن كنت يوما من الأيام مارا في سوق من أسواق حلب إذ بصرت بامرأة عجوز يدل إزارها على فقرها وفي يدها الجزء: 1 ¦ الصفحة: 141 كتاب يلوح عليه القدم فاستوقفتها وقلت لها ما هذا الكتاب؟ أجابتني بقولها: (قصة حلب) فتناولته من يدها وسرعان ما فتحته وقرأت من خطبته سطورا فإذا هو ضالتي المنشودة (هو كتاب كنوز الذهب) بخط مؤلفه فقلت لها بكم تبيعينه قالت: دفع إليّ به بائع الكتب خمسة قروش وأنا لا أبيعه إلا بعشرة قروش فنقدتها عشرة القروش وأخذت منها الكتاب ولو أنها طلبت مني ثمنه ألف قرش لما استكثرتها. أما المكتبات المفقودة في حلب، وكانت على جانب عظيم من الغنى، فهي مكتبة بني الشحنة ومكتبة بني العديم ومكتبة بني الخشاب وغيرهم من الأسر العلمية التي كانت تعد من أجل بيوتات العلم في حلب. ومن تلك المكتبات مكتبة الجامع الكبير ومكتبات المدارس الكبرى كالمدرسة السلطانية والعصرونية والحلوية والشرفية والرواحية فإن جميع هذه المكتبات فقدت برمتها في حادثة تيمور لنك؛ منها ما استأثر به تيمور لنك وابتاعه ومنها ما انتهبته العامة أثناء تلك الحادثة وطرحوه في زوايا بيوتهم ثم باعوه بأبخس ثمن. ذكر شجرة الإفادة ومما يناسب إيراده هنا أن من جملة ما كان في الجامع الكبير من الذخائر الفنية العلمية شجرة دعيت في وقتها شجرة الإفادة. فقد ذكر رضي الدين الحنبلي في كتابه (درّ الحبب) في ترجمة (خليل بن أحمد غرس الدين) أنه هو الذي غرس شجرة الإفادة في شرقي الجامع الكبير اه. وقد وقع إلي كتاب مخطوط جمع بين دفتيه عدة رسائل في علم الفلك والميقات قرأت في حاشية منه أن هذه الشجرة كانت عظيمة الرواء مصنوعة من حجر ونحاس وحديد، ذات خطوط وجداول في أصول العلوم الرياضية شبيهة بشجرة ذات جذع ضخم وأغصان وأوراق عظيمة في كل ورقة منها أصل من أصول تلك العلوم. قال صاحب الحاشية: وكان الطلبة يقدمون إلى حلب من البلاد القاصية للاشتغال بالعلوم الرياضية المرسومة في هذه الشجرة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 142 المكتبات الإسلامية الموجودة الآن في حلب المكتبة الأولى مكتبة المدرسة الأحمدية كانت تجمع في خزانتها زهاء ثلاثة آلاف مجلد مخطوط في علوم شتى. وقد لعبت أيدي الضياع في كثير من محتوياتها النفيسة. ومع ذلك فقد بقي فيها من الكتب النادرة: التفسير المهمل للفيض الهندي، ودرّ الحبب في تاريخ حلب لابن خطيب الناصرية «1» في مجلدين ضخمين ثانيهما مختل- وتاريخ ابن كثير في ثلاثة مجلدات وتاريخ الذهبي في سبعة مجلدات، وهو ناقص، ومرآة الزمان منه مجلد واحد ومختصر تاريخ الذهبي المسمى بالعيار ومثير الغرام لزيارة القدس والشام. هذه المكتبة تفتح أبوابها للقراء يومي الاثنين والخميس. المكتبة الثانية مكتبة المدرسة الرضائية المعروفة بالعثمانية تشتمل على نحو 1500 مجلد مخطوط في فنون شتى. أندر ما فيها كتاب عمدة الحفّاظ في تفسير أشرف الألفاظ للحلبي السمين، والمقدمة السنية للصفدي والدر الثمين في أسماء البنات والبنين، والحدائق الأنسية في الحقائق الأندلسية وغير ذلك. وهي مباحة للعموم يوم الخميس من كل أسبوع. المكتبة الثالثة مكتبة الجامع الكبير المعروفة بمكتبة محمود أفندي الجزار وهو الذي وقفها وهي تشتمل على نحو 1000 مجلد مخطوط ومطبوع. وأندر ما فيها كتب فلكية مخطوطة وآلات فلكية متنوعة كالربع المجيّب والمقنطر وأنواع الاصطرلابات والكرات «2» . المكتبة الرابعة مكتبة الخسروية وهي مجددة في هذه الأيام لم تزل قيد الترتيب وستجعل مكتبة عامة. والأمل أن تكون معدودة في مقدمات المكاتب الإسلامية لأن الهمة مصروفة إلى رقيها وجعل ثروتها في الدرجة الأولى. وقد نقلت إليها مكتبة الجامع الكبير وبدأ محبّو العلوم يقدّمون إليها نفائس ما عندهم من الكتب. وأول من تبرع عليها بعدد وافر من الكتب السيد محمد مرعي باشا الملاح الذي هو الآن حاكم دولة حلب العام» . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 143 ومن المكتبات الأهلية الغنية التي ضمت إلى خزانتها كل نادرة: مكتبة الأديب الفاضل السيد أسعد الحلبيّ المولد والمنشأ، نجل ناجي أفندي العينتابي المعروف بإمام زاده. هذه المكتبة تشتمل على زهاء ألفي مجلد بينها عدد كبير من نوادر الكتب المخطوطة والمطبوعة. ومن ذلك مجلد مخطوط من كتاب الفتوحات المكية، حررت في آخره هذه العبارة (سمعت هذه المجلّدة عليّ أهلي مريم بنت محمد بن عبدون البجائيّة «1» وفقها الله وأذنت لها أن تحدّث بها عني وتجمع تواليفي «2» ورواياتي. وكتبه محمد علي محيي الدين العربي مؤلف هذا الكتاب بخطه عند فراغ سماعها مني هذه المجلّدة وذلك يوم الجمعة الحادي أحد عشر من شهر ربيع الآخر سنة ست وعشرين وستمائة، والحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى) . ومن نوادر الكتب الموجودة في هذه المكتبة الجزء الثالث من تفسير القرآن العظيم للإمام الماوردي، وفي ظهر أول صحيفة منه عبارة مفهومها أنه مما وقفته إحدى بنات عبد الله بن المستعصم بالله العباسي على مدرسة في ظاهر شارع ابن رزق الله بالجانب الغربي من مدينة السلام وذلك في سنة 652 والظاهر أن هذا المجلد واحد من ستة. وفي هذه المكتبة غير ذلك من الكتب المخطوطة النادرة التي يرجع عهد كتابتها إلى القرن الرابع. ومن مزايا السيد أسعد صاحب هذه المكتبة ولعه أيضا في أوراق الحوادث المعروفة بصحف الأخبار فهو لا يكاد يظهر منها صحيفة بلغة شرقية إلا وتراه حصل منها على العدد الأول أو غيره من أوائل أعدادها وقد ألف من هذه الصحف مجموعا ضم بين دفتيه زهاء ألفين وخمسمائة صحيفة بينها عدة صحف محررة بلغة جغطاي ولغة الأفغان. ومن المكتبات الشهيرة مكتبة التكية المولوية، وأكثر ما فيها من الكتب مطبوع ويوجد غير ذلك من المكاتب عند جماعة من الأهلين مما يعسر ضبطه ويطول شرحه. أما المكتبات المسيحية فقد تكلمنا عليها عند الكلام على كنائس الطوائف المسيحية في باب الآثار الذي يلي هذه المقدمة فراجعه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 144 الأطباء في حلب عهدنا أن الأطباء في حلب كانوا يداوون المرضى على قوانين الطب القديم. ثم في حدود سنة 1270 بدأ الأطباء الغربيون يحضرون إلى حلب ويداوون المرضى على قوانين الطب الحديث التي تلقوها في مدارس أوروبا وقد أخذ عن بعضهم جماعة من الحلبيين مبادئ الطب الجديد وشرعوا يطببون الناس بما أخذوه عن أساتذتهم. أما الآن فإن الأطباء هم من المتخرجين في المكاتب الطبية الرسمية وليس لأحد أن يعاني حرفة الطب إلا بإجازة من تلك المدارس. ويوجد الآن في حلب أطباء ماهرون ومنهم المتخصصون بنوع من الطب كالجراحة وأمراض العيون وأمراض الأذن والأمراض الجلدية وغيرها. على أنه ما زال يوجد في الحلبيين بعض أطباء متخصصين بجبر الكسر ومداواة بعض القروح التي ربما يعسر برؤها على حذاق الأطباء الغربيين فتبرأ عن يد الحلبيين المذكورين الذين تلقوا حرفتهم هذه عن أسلافهم تلقيا دون قراءة ولا كتابة. استطراد مفيد في معارف المسلمين ومدنيتهم طلب العلم في الشريعة الإسلامية فرض عين وفرض كفاية. فالأول هو تعلم كلمتي الشهادة وفهم معناهما وكل ما يجب اعتقاده ثم تعلم أحكام الطهارة والصلاة والصوم والحج والزكاة حين وجوب كل فريضة منها على المكلف بها ثم تعلم ما يجب عليه تركه من النواهي كالزّنى وشرب الخمر والسرقة وقتل النفس وما يجب عليه إتيانه من بر الوالدين وانجاز الوعد ووفاء العهد وأداء الأمانة وغير ذلك من الأمور المستحسنة. والثاني هو فرض كفاية ينقسم إلى شرعي وغير شرعي. فالأول هو علم الأصول والفروع والعلوم الآلية: كالنحو واللغة وعلوم القرآن. والثاني هو كل علم لا يستغنى عنه في قوام أمور الدنيا وذلك كالطب والحساب والهندسة والفلاحة والحياكة والسياسة والخياطة وكل ما له دخل في هذه الأمور وما يتوقف عليه إتمامها كاستخراج المعادن وعملها أواني وأوائل للجهاد والصنائع ونحو ذلك، فإن البلد إذا خلا عمن يعرف هذه الحرف أو علما من تلك العلوم يأثم أهله كلهم. فشريعة الإسلام كما أرشدت الخلق إلى ما به صلاح آخرتهم جعلت لهم نصيبا وافرا مما يكون به صلاح دنياهم فحثّت على العلم وبينت فضائله ورغبت فيه. فمن ذلك قوله الجزء: 1 ¦ الصفحة: 145 تعالى: (شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُوا الْعِلْمِ قائِماً بِالْقِسْطِ) . فثلّث بذكر أهل العلم لشرفهم وفضلهم. وقوله (هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ) ، وقوله (إِنَّما يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ) وقوله (قُلْ كَفى بِاللَّهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتابِ) . وقوله عليه السلام (الحكمة تزيد الشريف شرفا وترفع المملوك حتى يدرك مدارك الملوك) ، فنبّه بهذا على ثمرة العلم في الدنيا. وقوله (الناس معادن كمعادن الذهب والفضة فخيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فقهوا) . وقوله (اطلبوا العلم من المهد إلى اللحد) . وقوله (اطلبوا العلم ولو بالصين) . وقوله (العلم خزائن مفاتيحها السؤال ألا فاسألوا فإنه يؤجر فيه أربعة: السائل والعالم والمستمع والمحبّ لهم) وقوله (لا ينبغي للجاهل أن يسكت على جهله ولا للعالم أن يسكت على علمه) . وقوله: (من علم علما فكتمه ألجمه الله يوم القيامة بلجام من النار) . وقوله: (إن الله سبحانه وملائكته وأهل سمواته وأرضه، حتى النملة في جحرها وحتى الحوت في البحر، ليصلّون على معلم الناس الخير) . وقوله: (الدالّ على الخير كفاعله) وقوله: (ناصحوا في العلم فإن خيانة أحدكم في علمه أشد من خيانته في ماله وإن الله سائلكم يوم القيامة) . وقوله (اغد عالما أو متعلما أو مستمعا أو محبا ولا تكن الخامسة فتهلك) أي لا تكن مبغضا للعلم وأهله فتهلك) . وقوله (الكلمة الحكمة ضالة المؤمن فحيث وجدها فهو أحق بها) . وكان عمر رضي الله عنه يأمر المسلمين في وقت السلم باتباع إحدى الحرف الثلاث: الزراعة والتجارة والصناعة، عملا بقوله عليه السلام: (إن الله يكره العبد البطّال ويحب العبد المحترف) ، وبقوله عليه السلام (ما أكل أحد طعاما قطّ خيرا من أن يأكل من عمل يده وإن نبي الله داود كان يأكل من عمل يده) . إلى غير ذلك من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية وأقوال الصحابة والتابعين وعلماء المسلمين والحكماء الموحدين الناطقة بفضيلة العلم والتعليم والتعلم والانصباب على العلوم والانقطاع إليها والرحيل في طلبها وعدم الاستنكاف في أخذها والنهي عن كتمانها مما لو أوردنا استقصاءه واستيعابه لملأنا منه مجلدا على حدته وفيما أوردناه الكفاية. واعلم أن الصدر الأول من المسلمين بعد أن فرغوا من توسيع نطاقهم السياسي وافتتحوا المدن والأمصار الكثيرة شرعوا يشتغلون بتوسيع نطاقهم العلمي فاخترعوا علم اللغة والصرف والنحو والاشتقاق والعروض والمعاني والبيان والبديع والاستعارات والتاريخ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 146 والقوافي وقرض الشعر والإنشاء والمحاضرة والدواوين ووقائع الأمم والأمثال وشروط السجلات وعلم قوانين الكتابة ورسم المصحف وعلم مخارج الحروف، وغير ذلك من العلوم والفنون. وقد بحث المفسرون بالقرآن أبحاثا عميقة هي غير تفسير المعاني فاشتغلوا بتحرير سوره المختلف في موضع نزولها، ومعرفة مواضع نزول الآيات مكة أم المدينة أو غيرهما ومعرفة ما كان نزوله في الليل أو في النهار والصيف أو الشتاء، ومعرفة أول ما نزل من القرآن وآخر ما نزل منه وأسباب النزول والناسخ والمنسوخ وغير ذلك من الفنون التي تتعلق بالقرآن، حتى عدّوا كلماته وضبطوا حروفه وأحصوا نقطه وحركاته وسكناته على ما هو محرر مسطور في كتاب الإتقان للإمام السيوطي، ولما فرغوا من ذلك ورأوا أن الشريعة المحمدية قد بلغت الغاية القصوى من الضبط والتحرير وأن الفتوحات قد اتسعت والنفوذ السياسي قد أرهبت سطوته عالم المسكونة ثنوا عنان عزمهم واهتمامهم إلى ما يزيدهم ارتقاء في معارج الكمالات الإنسانية وتقدما في ميادين الحضارة والمدنية. وقد صادف ميلهم هذا وتفرغهم إليه أوائل الدولة العباسية فقام أمير المؤمنين هارون الرشيد وشرع بمساعدة العلماء وترويج مقاصدهم وأخذ يمهد الطريق لذلك ببث التمدن ونشر العلوم وحماية الصنائع إلى أن آلت الخلافة إلى ولده عبد الله المأمون ورسخ قدمه في الإمرة أشرقت أنوار العلم وتجلت سماء المعارف بنجوم العلماء والعظماء لما فطر عليه هذا الخليفة من حب العلم وأهله حتى إنه كان في عهد والده لا تطيب نفسه إلا بمصاحبة العلماء من المسلمين والكلدان والسريان والفرس وغيرهم. وقد جعل بغداد مقر المعارف وانتشرت فيها محبة العلم والانصباب إليه حتى صار لا يسمر فيها سامر إلا بالكلام على الدرس والمدارس والكتب والعلوم. وقد استحضر المأمون العلماء من سائر جهات العالم على اختلاف مللهم ونحلهم ولغاتهم معاملا جميعهم بالحفاوة والكرامة متقربا إليهم بأنواع العطايا الوافرة والإقطاعات العامرة وكان يدخل إلى بغداد في كل يوم مئات من الجمال الموقرة بالكتب المجهزة من أقطار العالم وكانت العلماء يترجمون أحسنها إلى اللغة العربية وكانت دار الحكم «1» مؤلفة من معلمين الجزء: 1 ¦ الصفحة: 147 ومدرسين ومترجمين وبلغاء وخطباء ونحوهم. وكان لشدة ولعه بالمعارف وحرصه على العلوم والفنون لا يعقد صلحا مع سلطان رومي أو فارسي أو هندي إلا ويجعل من جملة شروطه تقديم أنفس ما عند ذلك السلطان من الكتب العلمية والأسفار الصناعية. ثم جاء الخلفاء من بعده وحذوا حذوه في هذا السبيل، فما مضى غير قليل حتى ابتزّوا خزائن كتب الرومان واليونان وفارس واستحوذوا على كنوزها وظهر في الإسلام علم المنطق وفروعه كالفلسفة والمناظرة وشاعت العلوم الرياضية كالحساب والهندسة والمساحة والهيئة وأقسام العلوم الفلكية كالميقات والتنجيم والعلوم الطبيعية والطب والبيطرة والبزدرة «1» والنبات والحيوان والفلاحة والمعادن والجواهر (وكانت صنعتهما في القرون المتوسطة مختصتين بالشرقيين ومن ذلك امتازت الأسلحة الدمشقية عما سواها خصوصا السيوف منها وصار يضرب بها المثل) . وعلم الكون والفساد وعلم التشريح والكحالة والصيدلة والهندسة البنائية التي لم تزل المساجد الإسلامية دالة على تقدمها في تلك الأعصار وعلم المرايا المحرقة وعلم صناعة الزجاج وتنويعه فإن المسلمين هم الذين علموا شرف هذا الفن وعنهم أخذته أوروبا وعلم مراكز الأثقال وعلم جر الأثقال وعلم إنباط المياه وفنون الحرب وعمل آلاته وعلم الجغرافيا ومسالك البلدان وعلم الجبر والمقابلة وهو علم عظيم من مخترعات العرب ولا بد من استحضاره في أكثر العلوم الرياضية وعلم الموسيقى، وعلم عمل آلاتها وعلم الأخلاق وعلم تدبير المنزل وعلم السياسة وعلم قود الجنود وفن التصوير والنقوش، على ما وصفه المقريزي في كتابه «الخطط المصرية» على أن بعض الأحجار والأواني النحاسية الموجودة حتى الآن التي هي من صنع المسلمين يدلّنا ما عليها من النقوش والصور التي لم تزل موضوع أبحاث أهل الصناعة من الأوروبيّين. على أن المسلمين بلغوا في صناعة النقش والتصوير غاية قصوى حتى إن كثيرا من النقوش التي زيّنوا بها النقود الذهبية والفضية حملت أمراء النصارى في سيسليا (صقلية) والأندلس على أن يقلدوها ويجعلوا نقودهم على شاكلتها بل قال جامعو المسكوكات العربية إن عدة نقود ذهبية أدخلها ماري لويس في المسكوكات الفرنسية نقلا عن النقود الإسلامية. وحكى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 148 المقريزي عن الوزير البازوي أنه كان مولعا بالتصاوير وكان يشتري الصور التي هي من صنع المصورين الشرقيين بأثمان باهظة. وأورد بهذا الموضوع حكاية غريبة تدل على أن مصوري الإسلام اشتهروا في فن تصوير المناظر التي تخدع الناظر وذكر أنّ من جملة من كان بارعا في هذا الفن: ابن العزيز والقصير وأبو بكر «1» وأحمد بن يوسف المصور ومحمد بن محمد المصور وغيرهم. فن التصوير في الإسلام ومما يدلنا على أن فن التصوير كان شائعا متداولا في الدول الإسلامية ما حكاه صاحب كتاب المستطرف نقلا عن أحمد بن حمدون النديم قال: عملت أم المستعين بساطا على صورة كل حيوان من جميع الأجناس وصورة كل طائر من ذهب وأعينها يواقيت وجواهر أنفقت عليه مائة ألف ألف دينار وثلاثين ألف دينار. إلى آخر ما حكاه. وذكر أبو الفداء أن رسل ملك الروم لما قدموا على بغداد كان من جملة ما أعده الخليفة المقتدر في موكب استقبالهم من الزينة شجرة من ذهب وفضة تشتمل على ثمانية عشر غصنا وعلى الأغصان والقضبان الطيور والعصافير من الذهب والفضة والأغصان تتمايل بحركات مصنوعة والطيور تصفر بحركات مرتبة اه. وخلاصة الكلام أن الأمة الإسلامية بلغت من أكثر العلوم والفنون التي ذكرناها غاية لم يكن ليباريها بها في وقتها أوروبي ولا هندي ولا قبطي. وقد ألفت «2» في كل فن من هذه الفنون ما لا يحصى من الكتب والرسائل وهي وإن كان يوجد فيها الكثير مما ترجمت أصوله عن اللغات الأعجمية إلا أن العرب زادوا في متونها من المسائل الكلية المهمة ما لم يخطر قط على فكر واضعيها الأولين وقد خرج من بغداد والكوفة والبصرة وأصفهان وسمرقند وغيرها فحول من العلماء والصناع والأطباء والحكماء والشعراء والخطباء مما لا يكاد يقع عليه قلم الإحصاء. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 149 وكما راجت أسواق هذه العلوم في الشرق فقد بلغت الذروة العليا في الغرب أيضا، فإن الحكومة الإسلامية المغربية أرادت مضاهاة الخلافة الشرقية فأطلقت الحرية بالأديان ونشرت العلوم والصنائع والتجارة وبلغت إسبانيا في تلك القرون منتهى طبقات السعادة حتى إن من بقي فيها من المسيحيين قد تألفت قلوبهم مع المسلمين وأصبحت قرطبة مقر العلوم والآداب والبلاغة والفصاحة والتجارة والصناعة وبلغ فيها عدد المدارس والمكتبات الغاية القصوى فإن مكتبة قرطبة وحدها كانت تشتمل على أكثر من ستمائة ألف مجلد من الكتب المختارة ولانتظام أمر التجارة والزراعة والصناعة في المغرب زادت مداخيله زيادة باهظة حتى كانت حكومة إفريقية وحدها تستورد كل سنة اثني عشر مليونا وخمسة وأربعين ألف دينار، ما عدا الجبايات وأموال الفتوحات وغيرها مما لا يحدّ ولا يعدّ وكان هذا المبلغ في ذلك العصر أعظم من سائر مداخيل أوروبا. وكان يوجد في قرطبة وحدها وهي قاعدة ملك الأندلس ست مائة جامع وتسعمائة حمام ومائتا ألف بيت وكان تحتها ثمانون مدينة من الرتبة الأولى وثلاث مائة مدينة من الرتبة الثانية والثالثة واثنا عشر ألف قرية. وكان هذا النمو العظيم من نتائج العلوم والمعارف وثمرات حرية الشريعة الإسلامية. أما الاسكندرية فقد بلغت من المدارس والمباني العلمية غاية لم تصل إليها قط لا في عهد القياصرة الرومانيين ولا في عهد غيرهم. قال بنيامين السائح الطوليدي إنه بمروره من تلك المدينة وجد فيها للفلسفة فقط عشرين مدرسة تتوارد عليها طلاب الفلسفة من جهات العالم. ونقل ليون الإفريقي أنه كان يوجد في القاهرة مدارس كثيرة أعظمها واحدة كانت أشبه بمدينة صغيرة تكفي لأن يعصى بها عسكر صغير وأما مدارس فاس ومراكش ولاراق فقد شاع ذكرها وملأت البسيطة أخبارها ومن مكتبة فاس ولاراق اغتنت مكتبات أوروبا وأخذ منها الأوروبيون فوائد يكل اليراع بعدها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 150 الملل والنحل في حلب وجهاتها قبل الفتح الإسلامي الوثن نبو قال ابن خطيب الناصرية في كتابه الدر المنتخب أثناء كلامه عن البابليين ما خلاصته: إنهم كان لهم بجبل نبو (المعروف الآن بجبل سمعان) صنم يعبدونه في موضع يعرف بكفر نبو. والعمائر الموجودة اليوم في هذا الجبل هي آثار الذين كانوا مقيمين في جواره من تلك الأمة. وقد جاء ذكر هذا الصنم في كتب بني إسرائيل «وأمر الله بعض أنبيائه بكسره» اه. قلت: قد وقفت على بناء في محل هذا الصنم وهو بناء ضخم مبني بالحجارة العظيمة وأظنه كان كنيسة رومانية وذلك في قرية كفر نابو من جبل سمعان المعروف أيضا بجبل ليلون. ومعنى نابو بلغة البابليين إله فيكون معنى كفر نابو قرية الإله. والذي يرى هذه القرية ويتأمل في ضخامة أطلالها وموقعها المتوسط من الجبل لا يصعب عليه أن يصدق أنها كانت في أيام البابليين مكانا مقدسا عندهم يحجّون إليه من جميع جهات هذا الجبل. الوثن عشتاروت في تاريخ سوريا الكبير للمطران دبس في سنة 1869 م/ 1268 هـ اكتشفت صحيفة عرفت بصحيفة ميشاع ملك موآب فحفظت في متحف اللوفر في باريس بين الآثار اليهودية وإن من جملة ما قاله ميشاع في هذه الصحيفة هذه الكلمات (وقال لي كاموش- أبوه- امض إلى نابو على إسرائيل فمضيت ليلا وأقمت الحرب عليها من الفجر إلى الظهر فأخذتها وقتلت كل رجالها سبعة آلاف ونساءهم واستحييت البنات والعبيد لأني قدمتهم إلى عشتاروت كاموش وأخذت من هناك آنية يهوه (إله العبرانيين) وطرحتها على الأرض أمام كاموش هـ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 151 وفي المجلد العاشر من مجلة الجامعة الإمريكية التي تصدر في بيروت ما ملخصه أن الدكتور (كلاي) أستاذ اللغة الآشورية في جامعة بابل الإمريكية قال في أثناء خطاب ألقاه في الجامعة المذكورة- إن شمالي سوريا وما يجاورها من بلاد ما بين النهرين هو من أقدم مدنية في الشرق الأدنى وإن هذه المدنية هي أقدم من حضارة مصر ومن تمدن بابل أيضا. وإن الدكتور (كلاي) يعتقد أيضا أن أقدم التفاصيل عن عبادة عشتروت وأقدم الروايات الخرافية عن آلهة بابل وآشور تشير إلى موطن أصلي في شمالي سورية- في حلب وضواحيها، قالت المجلة المذكورة بعد أن كتبت ما كتبناه عنها: ولا يخفى ما في هذا القول من المناقضة لأقوال المتخصصين في تاريخ مصر القديم فإن أجمع على صحة هذا الرأي مؤرخو هذا العصر وجب على علماء التاريخ القديم أن يعيدوا كتابة تواريخهم مبتدئين في تاريخ سورية من سنة 5000 لا من سنة 3000 قبل المسيح كما جروا عليه لحد الآن اه. الوثن رمّن في كتاب بابيلونيا وشيريا لمؤلفه فينكلار الألماني أشهر علماء التاريخ المطبوع باللغة الألمانية سنة 1892 م/ 1310 هـ ما خلاصته أن سلمناصر خرج من نينوى سنة 854 ق. م وبعد أن استولى في مسيره هذا على عدة بلاد وممالك (ذكرناها في الكلام على من تملك حلب قبل الإسلام في الجزء الثالث) : قصد خلمن (حلب) ودخلها وقرب فيها الذبائح إلى الوثن (رمّن) وهو على رأي فينكلار معبود الحلبيين إذ ذاك. وقد استدل بعض علماء التاريخ من الآثار على أن الوثن رمّن كان إله العواصف في سورية اه. الوثن حداد أو هداد وذكر بعض الأثريين أن سلمناصر الثاني دخل إلى حلب سنة 854 ق. م وضحّى فيها للوثن حداد وعلى هذا يكون قد وجد في حلب وثنان في وقت واحد. عبادة الحلبيين الحمام وأسماك قويق ذكرنا في الكلام على نهر قويق أن كزانفون اليونان تلميذ سقراط الحكيم قال في رحلته إلى قورش إن نهر حلب صغير فيه أنواع من السمك، والسوريون يحسبونه آلهة لا يسمحون لأحد أن يصيده وكذلك الحمام كانوا يعبدونه ولا يرضون على من يؤذيه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 152 الوثن أبولون سيأتي لنا في الكلام على أنطاكية أنه كان يوجد فيها هيكل يقال له أبولون معبود السلوقيين وكان معمولا من السرو الجبلي وهو عند اليونانيين إله الصنائع والأدبيات والطب وضياء الشمس. وكان على مثال شاب جميل الصورة وقد استرسل شعره إلى الأرض وحمل في يده قوسا. وقد بقي يعبد (1178) سنة وذلك من مبدأ عمله إلى عام احتراقه. الصابئية منذ نصف قرن تقريبا ظهر ضمن ناووس في قرية النيرب حجر على هيئة القمر قد يستدل منه على أن نحلة الصابئية كانت موجودة في حلب. أما وجودها في مدينة حران والرها فهو أمر محقق لا مرية فيه. قال المسعودي في مروج الذهب: وللصابئية من الحرانيين هياكل على اسم الجواهر العقلية والكواكب فمن ذلك هيكل العلة الأولى وهيكل العقل وهيكل السنبلة وهيكل الصورة وهيكل النفس، وهذه مدورات الشكل. وهيكل زحل مسدس وهيكل المشتري مثلث وهيكل المريخ مستطيل وهيكل الشمش مربع وهيكل عطارد مثلث الشكل في جوف مربع مستطيل وهيكل الزهرة مثلث في جوف مربع وهيكل القمر مثمن إلى آخر ما قال. وقد تكلمنا على هذه النحلة بإسهاب في الفصل الذي عقدناه بالكلام على الرها وحرّان فراجعه «1» . عبادة النار في حلب المفهوم من الكلام على منارة الجامع الأموي الكبير أن حجارتها كانت من بناء معبد للنار قديم. فيلزم أن يكون المجوس توطنوا حلب في وقت ما. أما وجود اليهود والنصارى في حلب قبل الفتح وبعده فسنتكلم عليهما في الفصل التالي. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 153 الملل والنحل في حلب وجهاتها بعد الفتح الإسلامي المسلمون السنيون هذه الفرقة أعظم فرقة إسلامية وجدت في حلب قديما وحديثا. وكانت بعد عصر الصحابة على مذهب أبي حنيفة النعمان لارتباط حلب ببغداد مقر أبي حنيفة الذي اختار مذهبه المنصور العباسي ومن بعده من الخلفاء إلى أن كانت أواخر أيام سيف الدولة بن حمدان وفد من حران إلى حلب رجل يقال له أبو إبراهيم محمد الممدوح المتصل نسبه بعلي ابن أبي طالب كرم الله وجهه وهو جد بني الزهراء الذين كانوا نقباء حلب وسراة رجالها فظهر حينئذ التشيع في حلب وفشا مذهب الإمام الشافعي وفي تلك الأيام حدثت بدعة الزيادة في الأذان كما ستعرفه. ثم في حدود الستين والثلاثمائة دخل مذهب الإمام مالك إلى حلب مع جماعة قدموا عليها من المغرب بواسطة استيلاء المعز العلوي على مصر. وأما المذهب الحنبلي فالظاهر أنه دخل حلب في حدود الخمسمائة تقريبا ولم يزل هذان المذهبان في فشوّ وشيوع إلى سنة 748 وفيها عيّن لكل واحد منهما قاض مستقل كمذهب الحنفي والشافعي وكان لكل مذهب منهما قبل ذلك نائب غير مستقل وحينئذ اجتمع في حلب أربعة قضاة لكل مذهب قاض. وكان أول قاض حنبلي موسى أبا الجود فياضا بن عبد العزيز بن فياض المقدسي النابلسي، وأول قاض مالكي أحمد بن ياسين بن محمد بن شهاب الدين أبا العباس الرياحي المالكي. ولم يزل لكل مذهب قاض مستقل إلى أن استولت الدولة العثمانية على حلب فأفردت القضاء في قاض واحد حنفي. ومن ذلك الوقت أخذ المذهب المالكي والحنبلي بالاضمحلال إلى سنة 948 وبها توفي علي بن محمد بن عثمان علاء الدين البابي المعروف بابن دغيم، وهو آخر العلماء الحنابلة وآخر حنبلي من أهل حلب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 154 وأما المذهب المالكي فلم أقف على نص بانقراضه من حلب. ويمكن أن يقال إنه انقرض في عصر انقراض المذهب الحنبلي تقريبا. أما الآن فمعظم أهل حلب على مذهب أبي حنيفة ثم على المذهب الشافعي. وأكثرهم من سكان المحلات المتطرفة والقرى ويوجد بها بعض حنابلة من عشيرة عقيل في أطراف بغداد يقدمون إلى حلب تجارا أو جمالين. كما أنه يوجد بها بعض مالكية يقدمونها للتجارة من المغرب. الطرائق العلية في حلب والطرائق العلية في حلب كثيرة جدا كالطريقة القادرية والرفاعية والدسوقية والنقشبندية والبدوية والأردبيلية وغير ذلك من الطرائق التي يطول ذكرها غير أن معظم ذوي الطرائق قادرية خلوتية ثم رفاعية خلوتية. ومن نحو 57 سنة دخل حلب الطريقة الشاذلية وكان أهلها على غاية من النسك والصلاح لا يرتاب أحد في استقامة طريقتهم. وكان في حدود سنة 1285 قدم إلى حلب رجل يدعو إلى اتباع شيخ مشهور بالصلاح مقيم في ترشيحه مما يلي عكا ويرغب في طريقته الشاذلية فتبعه خلق كثير وصار لهم في حلب ظهور وشأن وشرعوا يمشون في الأسواق مجاهرين بذكر الله تعالى. وربما سافر بعضهم إلى الشيخ في ترشيحه وعاد على أسمى درجة من الصلاح والتقوى كما أنه ربما عاد على ما لا يحب. الشيعة في حلب قديما وحديثا قد علمت مما تقدم أن التشيع ظهر في أهل حلب أيام سيف الدولة، غير أن أولئك الشيعة كانوا مفضّلين فقط حتى دخل الإسماعيلية إلى حلب فاشتد تشيعهم وتبع بعضهم الإسماعيلية بأمور منحرفة عن الدين كما سيرد عليك في حوادث سنة 570 ولم تزل الشيعة في تصلبهم حتى حل عصبتهم وأبطل أعمالهم نور الدين الشهيد سنة 543 ومن ذلك الوقت ضعف أمر الشيعة غير أنهم ما برحوا يتجاهرون بمعتقداتهم إلى انقراض الإسماعيلية في حدود الستمائة فأخفوا حينئذ معتقداتهم وربما ظفر أهل السنة بواحد منهم تظاهر بما يخالف السنة فعاقبوه ونكّلوا به. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 155 حكى ابن خطيب الناصرية في تاريخه درّ الحبب «1» أنه حضر إلى حلب رجل يقال له يحيى بن أحمد الهزلي أحد أكابر الشيعة واتصل بنقيب أشرافها عز الدين المرتضى وحظي عنده إلا أنه استرسل معه في الحديث في يوم من الأيام وذكر الصديق رضي الله عنه بما يخلّ بمقامه فغضب عليه وشهره على جمل وطاف به الشوارع وهو يضرب بالدرّة وعظم قدر المرتضى عند الناس وتحققوا حبه للصحابة. وكان ذلك بعد الخمسين والستمائة. ثم في حدود الألف وما بعدها أخذ أهل التشيع يتنكرون وبأفعال أهل السنة يتظاهرون فصار يتسنى لهم أن يتزلفوا إلى الحكومة ويحرزوا من قبلها المناصب العالية ويبطشوا بأهل السنة باطنا إلى أن كان من أمرهم ما سنورده في ترجمة مصطفى بن يحيى بن قاسم الحلبي الشهير بطه زاده. وبعد أن فتك بهم المذكور أخفوا أمرهم. وربما كان أهل السنة في أواسط القرن الثالث عشر يظفرون بشيعي فعل منكرا فشهروه بإحراق خشبة يطاف بها في شوارع حلب وينادي حاملها هذه خشبة فلان الرافضي. ثم انقطع هذا العمل لانقراض الشيعة وتلاشيهم بالمرة غير أنه لم يزل يوجد في حلب عدة بيوت معلومة يقذفهم بعض الناس بالرفض والتشيع ويتحامون الزواج معهم مع أن ظاهرهم على كمال الاستقامة وموافقة أهل السنة والجماعة والله أعلم بحقيقة عباده. أقول: لم يزل يوجد في قضاء إدلب وقضاء جبل سمعان عدة قرى مختصة بسكنى الشيعة كقرية الفوعة والنغاولة ونبّل. والغالب على أهل هذه القرى الثروة والغنى لطيب تربة أراضيهم وجودة معرفتهم بالفلاحة والزراعة إلا أنهم ليسوا بأصحاب نفوذ وهم إمامية اثنا عشرية يدينون بالتقيّة ويقولون إن جعفرا الصادق كان يدين بها ويقول (التقية ديني ودين آبائي وأجدادي ومن لا تقية له لا دين له) . وفيهم علماء يسافرون في طلب العلم إلى بغداد ومشهد الحسين. والفوعة قرية عظيمة تضاهي قصبة. وأهلها معروفون بالتشيع من قديم الزمان وفيهم أولو أنساب علوية عالية. وكان يرسل إلى هذه القرية قاض مستقل في دولة الأتراك والجراكسة وأوائل الدولة العثمانية أما الآن فهي تابعة قضاء إدلب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 156 النصارى في حلب قبل الفتح الإسلامي قيل إن مدينة حلب لم يدخلها مطران أو أسقف إلا بعد سنة 314 م. وإن ممن اشتهر من أساقفتها الأولين أوسطاثيوس الذي نقل إلى كرسي أنطاكية سنة 324 ومنهم أقاق الذي حضر المجمع القسطنطيني الأول سنة 381 م والمجمع الأفسسيّ سنة 424 م. وقد طالت مدة أسقفيته نحوا من 58 سنة. النصارى في حلب بعد الفتح الإسلامي سيأتي لنا في الكلام على فتوح حلب أن قائد الخليفة فتح مدينة حلب صلحا وفتح قلعتها عنوة وإنه أقر المسيحيين على معابدهم القديمة سوى شيء منها. والذي ظهر لي مما أجريته من البحث والتنقيب أن المسيحيين في حلب كانوا بعد الفتح الإسلامي على أحسن حال وأنعم بال ممتزجين مع مواطنيهم المسلمين امتزاج الراح بالماء راتعين في بحبوحة ناضرة من الفلاح والنجاح آمنين على أنفسهم وأموالهم ومعتقداتهم، ينظر إليهم المسلم بعين اللطف والعطف متحاشيا عن مسهم بأدنى أذية فرارا من دخوله في منطوق «من آذى ذميا كنت خصمه ومن كنت خصمه كان الله خصمه» «1» . ناهيك دليلا على ما كان يسديه المسلم إلى المسيحي من الرفق والمواساة وحسن المعاملة: ما حكاه ياقوت في معجم البلدان حيث قال في باب الدال «دير مارت مروثا» هذا دير كان في سفح جبل الجوشن مطل على مدينة حلب وعلى العوجان وهو صغير وفيه مسكنان أحدهما للرجال والآخر للنساء ولذلك سمي بالبيعتين وقلّ ما مر به سيف الدولة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 157 إلا نزل به وكان يقول كانت والدتي محسنة إلى أهله وتوصيني به خيرا وفيه بساتين وزعفران وفيه يقول الحسن بن علي التميمي: يا دير مارت مروثا ... سقيت غيثا مغيثا فأنت جنة حسن ... قد حزت روضا أثيثا «1» وكانت الحكومات الإسلامية في تلك الأزمان تثق بأمانة المسيحيين وتعتمد عليهم في مهماتها وتستخدمهم في أجل وظائفها. فقد ذكر ياقوت في كتابه المذكور أيضا أن صاعد ابن شمامة الحلبي النصراني كان مستخدما عند بني مرداس في كتابة الدولة. قال: وهو القائل في الخمرة: خافت صوارم أيدي المازجين لها ... فألبست رأسها درعا من الزرد واستخدم الملك الظاهر غازي بن صلاح الدين في جباية أموال مملكته، أي في نظارة ماليته، كريم الدولة بن شرارة النصراني. على أن تشريفه بعنوان (كريم الدولة) كاف في الاستدلال على الاحترام الذي كان يوجهه إلى المسيحيين أعاظم ملوك الإسلام. وكان المسيحيون في حلب يساكنون إخوانهم المسلمين في محلاتهم غير منفردين عنهم. وكانت بعض معابد الأمتين متجاورة. ومنها ما هو مقبل ببابه على باب معبد الطائفة الأخرى. قال ابن شداد: فكان يقف على باب الجامع كذا وكذا بغلة لرؤساء المسلمين من الكتّاب والمتصرفين. وعلى باب البيعة كذا وكذا بغلة لرؤساء النصارى من الكتاب والمتصرفين. هكذا كانت حالة الوفاق والمواساة سائدة بين هاتين الأمتين المغتبطتين بحسن الجوار ومكنة الجامعة الوطنية. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 158 زحف التتر على مدينة حلب وتشتت شمل أهلها ثار من الشرق الأقصى عاصفة التتر المغول الكفرة أتباع جنكزخان رأس الكفر والطغيان فزعزعت الرواسي وقلبت العروش وشوهت وجه العمران والتهمت نيرانها الأخضر واليابس من الأقطار والبلدان وأهلك تيارها الجارف من نفوس المسلمين فقط ثمانية عشر مليونا على ما رواه بعض المؤرخين. حادثة لم يحدث مثلها فيما مضى ولن يحدث نظيرها فيما يأتي على ما يظنه بعض علماء التاريخ وقد كان لمدينة حلب أوفر نصيب من شرها ومستطير شررها فقد هاجمتها جنود ذلك الطاغية عدة مرات في كل مرة منها تدك حصونها وتهدم منازلها وتحرق معابدها ومعاهدها العلمية وتزهق أرواح أهلها وتفعل فيها من الفظائع والعظائم ما يرتعد القلم لذكره. إلى أن كانت الهجمة الأخيرة وذلك في حدود سنة 700 هـ/ 1300 م فقضت على هذه البلدة العظيمة القديمة بأن تكون خرابا يبابا وأن تقفر من أهلها الذين أصبحوا ما بين قتيل وأسير ومشرّد وهائم على وجهه لا يعرف إلى أين انتهى ولا في أي هاوية كان مقره ومصيره؟. قال ابن العبري الملطي في تاريخه المدني السرياني ما خلاصته: إن أهل بعلبك خربوا سقف كنيسة السريان الحلبية وكان هو مطرانها سنة 1260 م/ 659 هـ فاستحوذ عليه الجنون فذهب إلى هولاكو ملك الملوك فزجوه في السجن في قلعة نجم. وهكذا ظلت طائفته الحلبية دون راع ولكنهم كانوا يجتمعون في بيعة الملكيين فهجم عليهم التتر وقتلوهم وسبوهم اه وقال صاحب كتاب عناية الرحمن ما خلاصته: وبعد أواسط القرن الثالث عشر لم يرد في الآثار السريانية ذكر لأساقفة حلب حتى أواخر القرن الخامس عشر. قال: ولعل سبب ذلك هو أن هولاكو وخلفاءه أبادوا المسيحيين قاطبة من حلب ونواحيها ومن سوريا. قلت: إن هولاكو وخلفاءه الطغاة الطغام لم يبيدوا في هجمتهم الأخيرة التي كانت في التاريخ المذكور المسيحيين فقط بل أبادوا فيها جميع سكان حلب من المسلمين والمسيحيين وغيرهم كما أسلفنا بيانه فالمسلمون والمسيحيون في هذا البلاء شركاء على السواء. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 159 هذا وإن الجفّال «1» من أهل حلب بعد انجلاء التتر عن هذه البلاد بدأ من بقي منهم حيا يعودون إلى حلب ويشتغلون بتعمير مساكنهم وقد عادوا إلى أحسن ما كانوا عليه من حسن الجوار ومكنة الجامعة الوطنية مستمرين على ذلك إلى سنة 801 هـ/ 1398 م وفيها تواردت الأخبار على حلب بتحرك جيوش التتر المنسوبين إلى الطاغية تيمور لنك فاستولى الذعر على أهل حلب وأجفلوا عنها ومن بقي منهم فيها أصبح بعد أن دخل إليها تيمور في السنة التالية حصيد سيوف جنوده إلا من سلم الله وقليل ما هم. وبعد انتهاء هذه الحادثة عاد إلى حلب أولئك الجفّال واستأنفوا العمل بلّم شعثهم ورمّ منازلهم وخططت الحكومة الجركسية المحلة الجديدة لسكنى المسيحيين خاصة فبنوا فيها منازلهم ومعابدهم وساد الأمن والسلام بين الأنام. ولما دخل السلطان سليم خان الثاني إلى حلب ورأى قلة من فيها من التجار نقل إليها من البلاد المجاورة أربعين أسرة من التجار المسلمين ومثلها من التجار المسيحيين، أسكنهم في زقاق الأربعين المنسوب إليهم. المذهب الأرتودكسي والمذهب الكاثوليكي في حلب الطوائف المسيحية منذ وجدت في حلب، أي قبل الفتح الإسلامي وبعده، كانت تدين بالمذهب الأرتودكسي. وكانت رؤساء الطوائف يتحامون الكثلكة وينفرون منها كما أن الحكومات الإسلامية كانت لا تحب أن ينتشر هذا المذهب في مسيحييّ بلادها لاعتقادها به أنه مذهب أهل الحرب من الفرنج وغيرهم. ولذا بقي المذهب الكاثوليكي غير معروف في الشرق ولا متّبع فيه. حتى قامت الحروب الصليبية واستولى الصليبيون على بيت المقدس. ومن ذلك الوقت بدأ هذا المذهب ينبث في الشرق وعلى تمادي الأيام انتشر بين جميع الطوائف المسيحية فلم يبق منها طائفة إلا انقسمت إلى قسمين أرتودكسية وكاثوليكية. قال في كتاب عناية الرحمن في هداية السريان ما خلاصته: إن البابا غريغوريوس أرسل إلى الأمم الشرقية في أيام استيلاء الفرنج على القدس سنة 1327 م/ 635 هـ رهبانا دومنكيين. وفي ذلك الحين حج إلى أورشليم (أغناطيوس داود) بطريرك السريان اليعاقبة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 160 فبلغها في الشعانين فجاهر بالاتفاق مع الكنيسة الرومانية. وقيل إنما فعل ذلك تخلصا من التتار. وهذا القول غير صحيح. الكثلكة في حلب قال صاحب كتاب عناية الرحمن ما حاصله: ثم في سنة 1626 م/ 1036 هـ افتتح رسالة الكثلكة في حلب الرهبان الكبوشيون. ثم في سنة 1667 م/ 1078 هـ حضر إلى حلب الرهبان الكرمليون ثم اليسوعيون. وكان المسيحيون في حلب على قول بعضهم 20 ألفا وقيل 40 ألفا. وهم أربع طوائف: الروم والأرمن والسريان والموارنة. فلاقى أولئك المرسلون مصاعب جمة لجهلهم اللغة ولتمسك رؤساء تلك الشيع بعوائدهم ومذاهبهم ونفورهم من المرسلين بل إشهارهم الحرب على رعاياهم إذا انتموا إليهم. غير أن أولئك المرسلين لم تكن تلك المصاعب تثني عزمهم فقد كانوا يذهبون خفية إلى البيوت ويتفنّنون باتخاذ أساليب لاستمالة أهلها إلى الكثلكة اه. قلت: ومن ذلك الحين بدأت الكثلكة تنتشر في مسيحيّي حلب، وكثر المنحازون إليها وأخذ الشرّ يتفاقم بين الشعبين إلى أن كان ختامه المقتلة التي حدثت سنة 1818 م 1234 هـ كما ألمعنا إلى ذلك في حوادث السنة المذكورة من باب الحوادث. الطوائف المسيحية في حلب الطوائف المسيحية الآن في حلب سبع طوائف: الأولى الروم، وكانت منقسمة إلى فئتين إحداهما تدين بالكثلكة. وفي حدود سنة 1710 م/ 1122 هـ انفصلتا عن بعضهما فصارتا طائفتين تدعى إحداهما بالروم الكاثوليك أو بالملكيين، والأخرى بالأرتودكسيين أو الروم العتق. الطائفة الثانية الأرمن. وكانوا أيضا فرقتين إحداهما تميل إلى الكثلكة وفي حدود التاريخ المذكور انفصلتا عن بعضهما فصارتا طائفتين إحداهما تدعى بالأرمن الكاثوليك والأخرى تدعى بالأرمن العتق. الطائفة الثالثة السريان وكانوا يعرفون باليعاقبة فانحازوا إلى الكثلكة في التاريخ المذكور تقريبا. ولم يبق منهم على المذهب اليعقوبي سوى بضعة بيوت، ثم صار يقدم منهم من بلاد الجزيرة وما والاها بعض بيوت كبار واتخذوا لهم قسيسا وبيتا يقيمون فيه شعائر دينهم. الطائفة الرابعة الموارنة وكلهم من الكاثوليك. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 161 وقد ألمعنا بتاريخ وجودهم في حلب في الكلام على كنيستهم في باب الآثار. الطائفة الخامسة طائفة اللاتين وهم من الكاثوليك المرتبطين ببطريرك اللاتين المقيم بالقدس. الطائفة السادسة طائفة الكلدان وأكثرهم غرباء من الموصل وغيرها وهم كاثوليك أيضا. الطائفة السابعة بروتستان وتوطّنهم في حلب حادث منذ 40- 50 سنة. اليهود في حلب سيأتي لنا نبذة في أخبار حلب قبل الإسلام نقلا عن تحفة الأبناء أن داود عليه السلام استولى على حلب قبل الهجرة بنحو 1665 سنة تقريبا وأنها بقيت بأيدي الإسرائيليين حتى أخرجهم منها ملوك بابل قبل الهجرة بنحو 1303 سنة تقريبا. ثم أن سليكس نيكادور أحد الملوك الرومانيين الذي استولى على أنطاكية قبل الهجرة بنحو 965 سنة هو الذي أمر اليهود أن يترددوا للتجارة إلى حلب ويقيموا فيها. ورتب عليهم بعض ضرائب فسكنوها وكثر عددهم فيها حتى بلغت مساحة دورهم نصف ساعة طولا. قلت: حكى الحاخام إبراهيم بن شعيا الديان في كتابه المسمى بالعبرانية، بوعيل صيديق، أي فاعل الصدق، الذي فرغ من تأليفه سنة 5610 للخليقة أي سنة 1266 هجرية ما تعريبه ملخصا أنه كان يوجد في حلب ثمان عشرة كنيسة مختصة بالإسرائيليين غير أن المعروف لنا أربعة: الأولى هي الكنيسة العظمى الكائنة في بحسيتا وكان يقال لها الكنيسة الصفراء. الثانية هي الكائنة في باب الكروم بتغليظ الكاف، لعله أراد باب الكروم الذي هو باب الملك خارج باب النيرب. قال: وكانت تسمى بالعبرانية كنيسة الببليم ومعناها كنيسة البابليين. والثالثة جامع الحيات وفيها حجر مكتوب عليه بقلم الآشورية واللفظ العربي ما نصه (تاريخ هذا الحائط سنة 553 لشطاروت بناه الأمان (أستاذ الفعلة) هليل هكوهين (الكاهن بر ابن) ناتان اه. فعلى هذا يكون مضى على بنائها 1683 سنة إلى عامنا هذا وهو سنة 1342 هـ أي أنها بنيت قبل الهجرة النبوية ب 377 سنة وزعم أنها مدفون فيها كتاب مقدس يقال له بالعبرانية كيتر. الكنيسة الرابعة كانت في بستان الشاهبندر قرب جسر الناعورة وهي دائرة لا أثر لها. قلت سيأتي لنا في باب الأخيار في ترجمة محمد بن علي بن عبد الواحد الزملكاني أن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 162 الكنيسة الثالثة كانت تدعى بكنيسة مثقال وأن صاحب الترجمة في أيام قضائه بحلب وذلك من سنة 724 إلى سنة 727 انتزعها من يد اليهود وجعلها مسجدا للمسلمين وأنه لم يفعل هذا الفعل إلا بعد أن ثبت لديه أنها محدثة في دار الإسلام وكان ثقة في دينه لا يظن في مثله ظلم، ولو لم يثبت لديه كفلق الصبح أنها محدثة لما جعلها مسجدا ولو كان في عزمه أن يظلم اليهود لما قنع منهم بأخذ هذه الكنيسة الصغيرة بل في قدرته أن يأخذ منهم كنيستهم الصفراء دون أن يعارضه أحد في وقته لما كان عليه اليهود وغيرهم من ضعف الشوكة وما كان عليه المسلمون من قوتها. فالظاهر أن الحجر المذكور مأخوذ من غير عمارة ومبني بها أو هو مزور حادث ليس بقديم يؤيد ذلك كونه مرصوفا في موضع لا يستدعي التفات الناظر، أي إنه مبني بعرض الجدار لا فوق باب ولا نافذة كما جرت العادة في وضع الحجارة المنقوشة التي يقصد منها بيان التاريخ أو غيره. على أن نفس الحجرة والجدار التي بنيت فيه ليسا بقديمين بل هما من عمارة المسلمين. يظهر ذلك بأدنى تأمل. ثم أي داع يدعو إلى كتابته باللفظ العربي في التاريخ الذي دل عليه مع أن العرب لم يكونوا موجودين في حلب في ذلك التاريخ، وهل يوجد في الكتابات الموجودة في بقية آثارهم القديمة كتابة لفظها عربي غير هذا. الرياسة الدينية على اليهود في حلب الرياسة الدينية على يهود حلب كانت منوطة بأرشد واحد من الطائفة المعروفة في أيامنا بطائفة ديان الذين يدعون اتصال نسبهم بنبي الله داود عليه السلام. فكان لا يعقد نكاح إلا بمعرفته ولا يعتبر صك شرعي عندهم إلا بتصديقه حتى هاجر إلى حلب جم غفير من يهود بلاد الأندلس سنة 898، فكان فيهم الغني وذو المعرفة والسياسي والفلكي. ولذا قام أحد وجهائهم المشهور عندهم باسم (ربي شلومولنيادو باعيل هكيليم) أي مؤلف الظروف وقام معه جملة من زمرته الغرباء ورفضوا رياسة ابن ديان وولوا ربي شلومو مكانه وأناطوا به فصل الدعاوي بين المتخاصمين وعقود الأنكحة وتصديق الصكوك وغير ذلك إلا أن الإسرائيليين الحلبيين لم يزالوا يراعون حقوق طائفة الديان ويخصونها بعقد الاتفاق بين الخطيب ومخطوبته وتصديق سند المهر المؤخر للزوجة وإجراء الختان وقراءة استغفار معلوم عندهم ليلة العيد المسمى بالعبرانية كبور أي عيد الغفران يقرؤه أحد أفراد هذه الطائفة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 163 وأمامه سبع نسخ من التوراة يحملها سبعة أشخاص يدفعون في مقابلة حملها مبلغا معلوما للكنيسة. وفي ذلك الوقت يقوم رجل موظف بالترحيم ويدعو لحملة التوراة ويترحم على رجل من بيت شنفاخ لأنه كان تبرع بدفع ضريبة أميرية ثقلت على اليهود وأغلقت من أجلها كنيستهم. هذا وبعد وفاة ربي شلومو صاروا ينتخبون لهم حاخاما بعد حاخام بشرط أن يكون من أتقى حاخاميهم دينا وذمة. وهكذا استمر الحال عندهم إلى زماننا هذا. وفي سنة 1116 قدم إلى حلب رجل من فرنج اليهود يقال له السنيور صموئيل بيجوتو وكان من كبار التجار مرعيّ الخاطر عند الدولة العثمانية فامتنع هو وأولاده من بعده من الاعتراف برياسة الحاخام ولم يعملوا بتنبيهاته التي أوجب اتباعها على بقية اليهود في أيامه: منها عدم جواز زيارة الخطيب مخطوبته والاختلاء معها، وعدم جواز خروج النساء للبرية والبساتين بوجود الرجال، وعدم جواز زيارة النساء في أول أيام الأعياد وغير ذلك. ثم لما انتخب شلومولينادو حاخاما لم يتحمل نشوز هذه الأسرة عنه «1» فطلب منها أن تساوي بقية اليهود في طاعته بكل ما يأمرها به مستندا في طلبه هذا على بعض مقالات دينية وعلى أن كل إسرائيلي في حلب تجب عليه متابعة أهل البلد. أما الأسرة المذكورة فإنها لم تصغ إلى مقالته تمسكا بصك استخرجه لها من الكتب الدينية أحد الحاخامين المعروف بيهودا قاصين الكفيف وغيره ومآله أن هذه الأسرة لما كانت منذ مدة مديدة خالصة من سائر التكاليف التي يكلف بها بقية اليهود فليس عليها أن تساويهم بها حديثا وقد ذيل هذا الصك عدة من حاخامي القدس والشام حتى صار كتابا طبع على نفقة الأسرة المذكورة بعنوان (ماحانيه يهودا) أي معسكر يهودا. وحفظته هذه الأسرة عندها وكان انتهاء هذه المنازعة سنة 1198 تقريبا. طوائف اليهود في حلب جميع طوائف اليهود في حلب على اتباع التلمود وليس فيهم سامرية ولا قراؤون إلا وهو غريب عن حلب. وهم على ثلاثة أنواع: كوهن ينتسبون إلى نبي الله هارون عليه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 164 السلام. ولاوي وإسرائيلي وهم العموم. هذا والغالب على اليهود في حلب تمسكهم بتقاليدهم الدينية واعتزالهم معاشرة غير أبناء دينهم خصوصا المسيحيين وانهماكهم في مشاغلهم، وفيهم الغنى المفرط والفقر المدقع وفي تجارهم المهارة في الاقتصاد وأصول التجارة وفنون الحساب وتعدد اللغات الغربية. النصيرية هم طائفة يتكلمون بالعربية وينتسبون إلى محمد بن نصير أحد كبراء الشيعة وحزب الإسماعيلية. مسكن هذه الطائفة من ايالة حلب السويدية وجبال القصير وجبل السماق والجبل الأقرع. وكان الغالب عليهم الفاقة والجهل. ثم في هذه الأيام بدأت في بعضهم سمات الغنى والعلم. وكان يوجد فيهم بعض أفراد يدعون معرفة الرمل أو النجوم وهم أصحاب كد وتعب ومعرفة في الفلاحة والزراعة وتربية دود الحرير. قال في كتاب الملل والنحل ما ملخصه: إن النصيرية من غلاة الشيعة يطلقون اسم الإلهية على علي بن أبي طالب كرم الله وجهه لاعتقادهم أن فيه جزءا آلهيا. قلت: في كتاب الباكورة السليمانية ما فيه كفاية لبيان نحلتهم فليراجعه من أراد الوقوف عليها. على أنني مما لم أره في هذا الكتاب رسالة وقعت إلى مؤلفها أحد أكابر النصيرية، عليها رد من أحد أكابر الدروز فأوردت منها بعضها ضاربا صفحا عن بقيتها تمسكا بالأدب وتحاشيا عما قد يكون مكذوبا ومختلقا. فأقول: من جملة ما في هذه الرسالة قوله: (جميع ما حرموه من القتل والسرقة والكذب والبهتان والزنا والفاحشة فهو مطلق للعارف والعارفة بمولانا) (يعني به الحاكم بأمر الله أحد الملوك العبيديين في مصر) . ومنها: والحرام على من تكلم لغير المستحق فهو الزنا. ومن عرف الباطن فقد رفع عنه الظاهر وقد كشف لكم المحجوب وان أرواح النواصب والأضداد ترجع في الكلاب والقردة والخنازير وبعضهم في الطير والبوم وبعضهم ترجع إلى الامرأة التي تثكل ولدها وإن المشركين هم النواصب الذين يشركون بين أبي بكر وعمر وعثمان. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 165 اليزيدية هم طائفة مساكنهم من ايالة حلب جبل ليلون والجومة وبعض جبال مرعش. وهم من شيع الخوارج من فرق الإباضية ينتسبون إلى يزيد بن أنيسة الخارجي بعد حرب الأزارقة الخارجين بالبصرة على علي بن أبي طالب بعد وقعة صفين المنتسبين إلى أبي راشد نافع بن الأزرق وهم يتبرؤون من علي وعثمان ويقولون بكفر من خالف اعتقادهم فيحلون قتله. وكان يزيد المذكور إباضيا نسبة إلى عبد الله بن إباض الخارج في أيام مروان وكان من غلاة الحكماء ثم خالف يزيد المذكور بمسألة واحدة وهي أنه لا بد وأن يبعث نبيّ أعجمي ينزل عليه من السماء كتاب جملة واحدة ينسخ به شريعة محمد صلّى الله عليه وسلم. قال في إحدى الصحف الإخبارية ما ملخصه: إن الطائفة اليزيدية الآن قوم يعبدون الشيطان ويتكلمون بالكردية، يلبسون الصوف الخشن ويفترشون الثرى ويتوسدون الحجر والمدر ويدّعون أن عددهم ثلاثة ملايين من الأنفس مع أنهم لا يتجاوزون عشرين ألف نسمة، ولا يجوز لهم السكنى في المدن ولا مخالطة المسلمين والنصارى وسائر المخلوقات وذلك لاعتقادهم أنهم ليسوا من نسل آدم بل هم من نسل رجل يقال له ابن حجار، ولدته حورية من الجنان فرباه آدم منفردا عن أولاده ولذلك لا يجوز لهم الاختلاط بأولاد آدم وحواء، ولا يتعلمون القراءة والكتابة مخافة الخروج عن دينهم والدخول في الدين الإسلامي. ومن نحلتهم أن من تعلم القراءة والكتابة فجزاؤه القتل في الدنيا والعقاب في الآخرة ولا يجوز لأحدهم أن يتعلم العربية ولا أن يطلع أحد على أسرار ديانتهم سوى واحد يزعمون أنه من سلالة الشيخ عدي ابن مسافر فإنه يجوز له أن يسلم نفسه لنصراني يعلمه القرآن الكريم دون سواه من الكتب العربية، ولكن يجب عليه أن يمحو أسماء الشيطان من النسخة التي يتعلم منها لأنه لا يجوز لأحد منهم أن يتلفظ باسم الشيطان احتراما له. ويزعمون أن الله تعالى لما خلق الملائكة تعاظم عليه كبيرهم- وهو الشيطان- فزجّه في جهنم سبع «1» آلاف سنة باكيا منتحبا حتى ملأ من دموعه سبع جرار كبار فعفا عنه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 166 ورده إلى الفردوس. والجرار السبع محفوظة لتطفأ بها نار جهنم يوم القيامة. فهذا هو السبب عندهم في تحريم التلفظ باسم الشيطان فإذا لعنه أحد بحضرتهم اغتاظوا منه وحللوا قتله. وهم لا يأكلون من ذبيحة غيرهم ولا يشربون في آنية سواهم وإذا اضطر أحد وخالط مسلما فعليه أن يسجد للشمس ثلاث سجدات: واحدة عند شروقها والثانية عند استوائها والثالثة عند غروبها، يفعل ذلك على عشرة أيام متوالية أما إذا خالط مسيحيا فعليه أن يفعل ما ذكر للقمر. ومن خرافاتهم أنه إذا كان أحدهم واقفا وأتى آخر ورسم حوله دائرة لا يخرج منها ما لم يأت آخر ويمحو منها محلا يخرج منه وذلك لاعتقادهم أن الدائرة هي رسم الشمس والقمر وسائر الكواكب فلا يجوز خرق حرمتها بالخطو من فوقها. ولهم أمير في نواحي بلاد العجم عنده طواويس من نحاس لها آلات تحركها ومن عادته أن يرسلها في كل سنة لهم مع أحد أتباعه فيطلبون رضاها فإذا لم تتحرك وضعوا أمامها الحبوب فلا يحركها حتى يرى القدر الكافي من الحبوب. ولهم معبد يحجون إليه فيه قبر في واد كثير الأشجار والرياحين يجري فيه نهر اسمه نهر الشمس يعتقدون أنه آت من القدس تحت الأرض. ومن فروضهم الختان فلا يسوغ لأحد أن يتزوج ما لم يكن مختونا. وعندهم العماد أيضا فإنهم يتعمدون في نهر الشمس ويغسلون أكفانهم فيه زاعمين أن الموتى لا تدخل الفردوس ما لم تغسل أكفانها في هذا النهر. وغسل الأكفان عندهم كناية عن غسل أدران الذنوب. وهم لا يقتلون الحية السوداء لزعمهم أنها أخفت الملك طاوس وهو الشيطان وأدخلته إلى الجنة. ومن اعتقاداتهم أن سفينة نوح عليه السلام التطمت بصخرة فانثقبت فأتت الحية وأدخلت ذنبها في الثقب فمنعت دخول الماء إلى الفلك فبارك الله في نسل تلك الحية، ولما كثرت أضرارها على الناس قبض سيدنا نوح على واحدة منها وطرحها في النار فصارت رمادا تكونت منه البراغيث. ومن خرافاتهم أيضا أن نفوسهم بعد الموت تذهب إلى الفردوس وأن نفوس العصاة منهم تتناسخ وتدخل في أجساد الكلاب والحمير والبغال وسائر الحيوانات فإذا كان لأحدهم ولد شقي أخفى عنه أمواله لاعتقاده أن ابنه سيصير بعد موته حمارا أو بغلا ثم يموت ويتقمص من الموت إلى هذه الدنيا فيستولي على ما خبأه هو في الأرض. وذكر في معجم التاريخ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 167 والجغرافية أنهم أكراد منتشرون بين الموصل والخابور في جبل سنجار ومنهم من يسكن في أريوان التابعة لروسية يحلّ عندهم قتل المسلمين. وعندهم أن الملك طاوس سيأتي في آخر الزمان ويبيد جميع المخلوقات وينشر ديانتهم في الدنيا كلها. الإسماعيلية كان ابتداء قدوم الإسماعيلية إلى حلب تحت اسم القرامطة سنة 289 كما سيأتي لنا في باب الأخبار في حوادث السنة المذكورة. قال في دائرة المعارف للبستاني ما ملخصه أن الإسماعيلية فرقة من غلاة الشيعة سرية سياسية وديانتهم مؤلفة من الوثنية واليهودية والمسيحية والإسلامية وهم منسوبون إلى إسماعيل بن جعفر الصادق لأنهم قالوا بإمامته. وذلك أن عدد الأئمة الذين وقع الاتفاق عليهم عندهم قبل انقسام الإمامية ستة وهم علي بن أبي طالب كرم الله وجهه ثم ابنه الحسن بالوصية ثم أخوه الحسين ثم ابنه زين العابدين ثم ابنه محمد الباقر ثم ابنه جعفر الصادق. ومن هناك افترقت شيعتهم إلى فرقتين فرقة ساقوا الإمامة من موسى الكاظم بن جعفر الصادق لأنه مات بعد إسماعيل ويسمون بالاثني عشرية أو الإمامية لوقوفهم عند الثاني عشر من الأيمة وقولهم بغيبته إلى آخر الزمان. وفرقة ساقوها من إسماعيل بن جعفر فقالوا بإمامته بالنص من أبيه جعفر وإن كان قد مات قبل أبيه، كما أوصى موسى لأخيه هارون. وفائدة النص بقاء الإمامة في عقبه وهم الإسماعيلية. ثم قالوا انتقلت الإمامة من إسماعيل إلى ابنه محمد المكتوم وهو أول الأيمة المستورين لأن الإمام عندهم قد لا يكون له شوكة بل يكفي أن يكون ظهر وأظهر دعوته فقط وإذا كانوا يعتقدون بقاء الإمامة في العلويين سموا الأيمة الذين لم يظهروا بعد إسماعيل بالمستورين أو المكتومين وهم ثلاثة محمد المكتوم ثم ابنه جعفر المصدق ثم ابنه محمد الحبيب وبعده ظهر ابنه عبد الله المهدي الذي أظهر دعوته أبو عبد الله الشيعي في المغرب فهو من الأيمة الظاهرين. ولا تخلو الأرض عندهم من إمام إما ظاهر بذاته أو مستور لا بد له من ظهور حجة ودعاة. ويدور عدد الأيمة عندهم على سبعة عدد الأسبوع والسماوات والكواكب ولذلك سموا بالسبعية، أو لزعمهم أن النطقاء بالشريعة أي الرسل سبعة: آدم ونوح وإبراهيم وموسى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 168 وعيسى ومحمد وإسماعيل بن جعفر وهو السابع من النطقاء. وبين كل اثنين من النطقاء سبعة أيمة يتممون شريعته فكل ناطق بغير شريعة من قبله فيتمم شريعته سبعة أيمة بعده يسمون بالمستورين. ولا بد في كل شريعة من سبعة يقتدى بهم وهم الإمام وهو يؤدي عن الله، والحجة وهو يؤدي عن الإمام ويحمل عليه، وذو المصّة وهو يمصّ أي يأخذ العلم عن الحجة، والأبواب وهم الدعاة فمنهم داع أكبر ليرفع درجات المؤمنين وداع مأذون يأخذ العهود على الطالبين من أهل الظاهر فيدخلهم في ذمة الإمام ويفتح لهم باب العلم والمعرفة، والمكلب وهو الذي تقدم في الدين لكن لم يؤذن له في الدعوة بل في الاحتجاج على الناس والترغيب بالداعي ومؤمن يتبع الداعي وقد أخذ عليه العهد وآمن ودخل في ذمته وحزبه فمدار كل ذلك على سبعة وهو عدد السماوات والأرضين والسيارات وغير ذلك. وأما أصل دعوتهم فكان على يد رجل يقال له ابن ديصان ثم انتشرت قليلا ببلاد فارس على يد عبد الله بن ميمون القداح وولده وتظاهروا بالعقائد الزائغة ثم أرسلوا رجلين مهدا لهم الدعوة في افريقية ثم أرسلوا إليها أبا عبد الله الشيعي فأقام دعوة عبيد الله المهدي فابتدأت من هناك الدولة العبيدية المعروفة أيضا بالفاطمية. ثم ظهر رئيس آخر بقرية قرمط فنشأت هناك دولة القرامطة، ولما رسخ قدم الدولة العبيدية بافريقية أنشأ الحاكم بأمر الله مدرسة على نفقة الحكومة مباحة لكل إنسان وكان موضوعها التعليم بقلب الدولة العباسية بالمشرق ثم دراسة المقدمات الدينية التي أخذت من مبادئ عبد الله القداح المذكور. إن لطالب الدخول في نحلتهم تسع مراتب يختبرون بها مبلغ علمه فلا يبيحون له بمنتهى تعاليمهم إلا بعد أن يبلغ الرتبة الثامنة، وحينئذ يعرفونه بسمو جميع الأنبياء والرسل وتساويهم في المنزلة وأنه لا جنة ولا نار وأن جميع الأعمال الدينية باطل ليس عليها ثواب ولا عقاب لا عاجلا ولا آجلا. ثم يدخل في الرتبة التاسعة التي ينقاد بها لراعيه كالأعمى لقائده. هذا ما كان من أمرهم في افريقية وأما ما كان منهم في المشرق فإنه بعد ظهور هذا المذهب سنة 226 قام بدعوته في البحرين رجل يقال له حمدان قرمط وكان داعيته رجل يقال له ذكرويه بن مهرويه فأخذ يبث دعوته ويجمع الجموع حتى كثرت أتباعه ونشأت عنها دولة القرامطة التي اضطربت بها الدولة العباسية. ثم في سنة 294 قتل ذكرويه المذكور فضعف أمرهم قليلا ولكن بقي مذهبهم منبثا في الأقطار يتناوله أهله ويدعون إليه ويكتمونه حتى فشت أذيتهم وقويت شوكتهم وصاروا يستبيحون الدماء ويفسدون في البلاد ولا سيما في الجزء: 1 ¦ الصفحة: 169 أيام بابك الخرّمي حين سموا بالبابكية والخرّمية مع اسم القرامطة وسادوا إلى أواخر القرن الرابع حتى تلاشى أمرهم على يد بني الأصفر بن تغلب فبقوا في ضعف حال إلى أن استقر الملك للعجم من الديلم والسلجوقية وعجز الخلفاء العباسيون عن تحصين إمامتهم وضبط خلافتهم انتشر الإسماعيلية في تلك العصور واستولوا على القلاع وصاروا يخطفون الناس من السابلة وعظم ضررهم في نواحي العراق وبلاد فارس وغيرها وصاروا كدولة من أقوى الدول في أيام السلطان ملك شاه السلجوقي، وكان ذلك في أواسط القرن الخامس. وكان مقدّمهم الكبير إذ ذاك الحسن بن الصبّاح سافر إلى افريقية وتعلم في المدرسة المار ذكرها ورجع إلى المشرق فبث دعوته في حلب وبغداد وفارس فكثرت أتباعه في تلك الأقطار واستولى بالحيل والقوة على قلعة ألموت في ولاية جيلان من بلاد فارس وهي من أمنع القلاع وجعلها مركزا للدولة الإسماعيلية وتلقب بالسيد أو الرئيس أو شيخ الجيل وهو أعم ألقابه ولقب خلفائه وقويت شوكته جدا واستولى على هوى أتباعه حتى لو أنه أمر واحدا منهم بقتل نفسه لفعل. وكان يبلغ عددهم سبعين ألفا منهم الفداوية وهم الذين يستعملهم وهو والملوك في قتل أعدائهم غيلة فيأخذون على ذلك فدية أنفسهم على الاستماتة في مقاصد من يستعملهم ومن ذلك سموا بالفداوية. وقد أنشأ ابن الصباح لمن أطاعه حدائق مستورة قد جمعت كل ما تلذ به النفوس من مأكول ومشروب ومنكوح يحمل إليها مطيعه وهو سكران بالحشيش فإذا صحا وجد نفسه في أجمل جنة متمتعا بأنواع لذاته وشهواته ثم يسقونه ذلك الشراب ويرجعون به إلى مجلس الرئيس، فإذا زال تأثير الحشيشة عنه كان يعتقد أنه ذاق لذة النعيم الموعود به وهو الجنة على زعمهم. وكانت أفراد هذه الطائفة يكثرون من استعمال الحشيشة ولذا سموا بالحشاشين فأفسدها الصليبيون وقالوا أسّاسين. وقيل إن كلمة أساسين محرفة عن عسّاسين أطلقها الفرنج على الإسماعيلية لأنهم كانوا يعسّون البلدان في الليل. أقول: قد تكلم صاحب دائرة المعارف على هذه الفرقة كلاما مسهبا فليراجعه من أراد الوقوف عليه. وكانوا يسمون بالباطنية لقولهم بالإمام الباطن أي المستور. وقيل: لقولهم بباطن القرآن دون ظاهره. وقيل: لأنهم كانوا يبثون دعوتهم سرا. ويسمون أيضا بالقرامطة نسبة إلى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 170 أول داعيتهم بالبحرين وهو حمدان قرمط، وبالسبعية لقولهم بالأئمة السبعة، والنطقاء السبعة كما علمت، وبالملاحدة لإلحادهم وبالخرّمية لاخترامهم المحارم أو نسبة إلى بابك الخرّمي الخارج بأذربيجان ولذلك يقال لهم أيضا بابكية، وبالنزارية نسبة إلى نزار بن المستضيء العبيدي. وكان ابتداء ظهور هذه الطائفة من بلاد فارس سنة 226 كما تقدم ثم أطلق عليهم الملوك في كل أقطار آسيا وجعلوا يقتلونهم حيثما وجدوا حتى أبادوهم وخلت الأرض منهم وذلك سنة 650 وكان ملكهم ممتدا من سواحل البحر المتوسط إلى داخل تركستان وذلك من حدود خراسان إلى جبال سورية ومن بحر قزوين إلى الشواطىء الجنوبية من البحر المتوسط وكانت مدة ملكهم «150» سنة. على أنه لم يزل لهم بقايا حتى الآن في بلاد فارس وعلى سواحل نهر السند والكنك وفي غير ذلك من المحلات. ويبلغ عددهم في ناحية القدموس من جبل النصيرية وفي جبل السماق نحو ألفي نفس وهم الآن يتظاهرون بأفعال أهل السنة ويقيمون الفروض الإسلامية. قلت: والناس في هذه النواحي لا يفرقون بينهم وبين طائفة النصيرية التي هي فرع من فروعهم. الدروز هم طائفة منتشرة في لبنان وحوران ووادي تيم الأعلى والأسفل وبلاد صفد ومرجعيون ودمشق وبعض ضواحي ولاية حلب. ويبلغ عددهم سبعمائة ألف نفس تقريبا وهم يتكلمون بالعربية وينسبهم الناس إلى أبي عبد الله محمد بن إسماعيل الدرزي مع أنهم يكرهونه لقوله بما ينافي اعتقادهم ويقولون إنهم ينسبون في الأصل إلى طيروز إحدى بلاد فارس. أما مساكنهم من ولاية حلب فهي بضع قرى في الجبل الأعلى المعروف بجبل السماق من أعمال قضاء حارم وهي قرية بنابل وقلب لوزة وبشندلاية وجدعين وعبريتا وككو ووحله وكفر مالس وتل تيته. جميع سكان هذه القرى من طائفة الدروز ومنهم جماعة يسكنون مع المسلمين في قرية كفر كيله وبشندلنتة ودير سلونة وعددهم في هذه القرى على وجه التقريب لا يزيد على خمسمائة نفس ما بين ذكر وأنثى، وهم أهل جدّ وكد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 171 واقتصاد بالمعيشة ومعرفة بالزراعة وسياسة المواشي إلا أنهم متأخرون في الفنون والمعارف ضعفاء النفوذ في تلك الناحية. وهم يسمون حلب تل الخمر ويكرهون أهلها لإيقاعهم بالإسماعيلية حينما قدموا عليها أول مرة ويزعمون أنه سيأتي زمان تجف فيه جميع آبار الدنيا سوى بئر أسد الله المعروف بجب الزلة قرب العقبة في مدينة حلب. والمشهور عنهم محبة الضيف وإطعام الطعام وحفظ اللسان وأحسن ما يرى منهم التزام الحرمة والوقار والأدب لا سيما مع ساداتهم وأشرافهم حتى إنهم جرت عادتهم على أن أحدهم إذا نزل عنده ضيف أن يقدم له كل واحد من أهل حيه صحنا من طعام عشائه وآخر من طعام غدائه على حسب حاله، فيضع صاحب المنزل هذه الصحون للضيف واحدا بعد واحد مراعيا في وضعها شرف صاحبها، فيقدم منها صحن الأشرف فالأشرف غير ملتفت إلى فقره أو غناه ولا إلى ما في الصحن من خسة الطعام ونفاسته. وهم يقسمون إلى رؤساء في الدين ويسمونهم عقّالا أو أجاويد، وإلى عامة ويسمونهم جهّالا. وإن العقّال تتفاوت مراتبهم علما وعملا وربما كان في جملتهم بعض النساء ولا يقبل انتظام الجاهل في سلك العقّال إلا بعد الإلحاح في الطلب وتحقق عقّل القرية أنه جدير بذلك. وأرفع العقّال مرتبة أقدرهم على فهم أسفارهم المعتبرة. ويجتمعون في كل ليلة جمعة في خلواتهم لاستماع كتبهم الدينية ويطيل أحدهم جلوسه للاستماع على حسب مرتبته في العلم. ومجالسهم هذه يصونونها عن الجهال إلا في عيد ويشترط أن يكون العاقل وقورا متأنيا عفيفا طاهر اللسان متقشفا في المأكل والملبس متحاشيا عن التدخين وتعاطي المسكرات، وأكل المال الحرام الذي هو عندهم كل مال أخذ بالظلم أو التحيل أو الكذب. ومن أحكام شريعتهم تحريم تعدد الزوجات وعدم جواز ردّ المطلقة لعصمة نكاح مطلّقها. ومن خصائصهم المنفردين بها بين بقية الأمم شدة خضوعهم وانقيادهم إلى رؤساء دينهم وأمراء قومهم. أما وظيفة العقّل عندهم فهي خدمة الدين والقيام بإدارة أمور أوقاف المعابد والندوات فإنهم لهم معابد يجتمعون فيها للصلاة كل ليلة جمعة، كما أن لهم ندوات يجتمعون فيها للمفاوضة في الدين وإدارة شؤون الأوقاف، ولهم خانقاهات معدة لإقامة المتصوفة منهم يتناولون من ريع وقوفها كفاف معيشتهم. وكانت طائفة الدروز تنقسم في الأصل إلى فئتين قيسية ويمانية ثم صارت تقسم إلى جانبلاطية ويزبكية. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 172 ويحكون في أصل طائفتهم حكاية طويلة خلاصتها أن أصلهم من آل تنوخ نزحوا حين خروج بني إسرائيل من مصر فتفرقوا إلى اليمن والعراق والشام وكانت منهم ملوك العرب الذين أولهم يعرب بن قحطان وملوك الحيرة وغيرهم من رؤساء العرب، وأن فريقا منهم رحل إلى معرة حلب وصاهر النعمان أمير المعرة وكان اسمهم في ذلك الحين أمراء بني هاشم التنوخي وبني الأمير فوارس وبني عبد الله وبني مطوّع وبني خالد وأنهم حين ظهور الإسلام كانوا نصارى ثم لما جاءت الصحابة لفتح البلاد الشامية ظاهروهم ونصروهم حمية لهم إذ كانوا مثلهم عربا ثم أسلموا ثم صاروا من حزب الحاكم بأمر الله وتقربوا منه ثم قتلوا عامله عليهم الدرزي لمخالفته اعتقادهم وأنهم بعد ذلك نالوا حظوة عند جميع ملوك الإسلام حتى ملوك آل عثمان. وخلاصة الكلام في نحلتهم أنهم يؤمنون بوجود الباري تعالى ونبوة أنبيائه العظام الذين منهم المسيح عليه السلام إلا أنهم يعتقدون أن الآلهية حلت في ناسوت الحاكم بأمر الله وأن المشروعات الإسلامية كالصوم والصلاة مفروضة عليهم تقية لا تدينا وهم يقرون بالحشر والنشر ومجازاة النفوس على أعمالها من قبيل ناسوت الحاكم، ويؤمنون بالقرآن العظيم والتوراة والإنجيل إلا أنهم يفسرون معانيها على مقاصدهم. والمشهور عنهم في الكتب الإسلامية أنهم كانوا في الأصل اسماعيلية ثم جاءهم حمزة بن علي الداعي إلى الحاكم بأمر الله فزين لهم الاعتقاد بربوبية الحاكم ووضع لهم دينا من عنده يخالف دين الإسماعيلية بكثير من المسائل فحملهم على اتباعه فأجابوه وانشقوا عن الإسماعيلية. وفسر البعض منهم قوله تعالى (اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ) بهذا الانشقاق. ولحمزة هذا كتب ورسائل دينية محفوظة في مكتبات أوروبا تكلم عليها صاحب دائرة المعارف العربية بإسهاب فراجعها إذا شئت. وقد وقعت إلي قطعة من بعض كتبهم المخطوطة لخصت منها هذه النبذة وهي: على كل درزي أن يعرف أربعا وخمسين فريضة عشرة منها مقامات ربانية وهي العلي والبارّ وأبو زكريا والعلي الأعلى والمعلّ القائم والمنصور والمعزّ والعزيز والحاكم. وكلهم آله واحد ظهر بهيئة واسم ونطق وفعل. فالهيئة الصورة كصورتنا والاسم الحاكم والنطق المجالس والسجلات والفعل المعجزات. ومنها عشرة هي الفروض التوحيدية وهي معرفة الباري وتنزيهه ومعرفة الإمام وتمييزه ومعرفة الحدود بأسمائها ومراتبها وألقابها وصدق اللسان وحفظ الاخوان وترك ما كنتم عليه من عبادة العدم والبهتان والبراءة من الأبالسة والطغيان وتوحيد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 173 الحاكم في كل آن والرضا بفعله كيفما كان والتسليم لأمره في السر والإعلان. ومنها عشرة هي مواجب دينية وهي قولهم كلهم في نفاسهم وأعراسهم وجنائزهم على السنة التي رسمت لهم وأجيبوا دعواهم واقضوا حاجاتهم واقبلوا معذرتهم وعادوا من ضامهم وبرّوا ضعفاءهم وانصروهم ولا تخذلوهم. ومنها عشرون إمامية منها خمسة روحانية أولها علة العلل. ثانيها السابق الحقيقي. ثالثها الأمر. رابعها ذو معة. خامسها الإرادة. وخمس منها طبائع جوهرية وهي حرارة العقل. وقوة النور، وسكون التواضع، وبرودة الحلم، ولينة الهيولة. وخمس منها خصائص نورانية وهي (الحمد لمن أبدعني من نوره وأيدني بروح قدسه وخصّني بعلمه وفوض إلى أمره وأطلعني على مكنون سره) (هذه العبارة من كلام حمزة في حق نفسه) . وخمس منها منازل كلية وهي حد الجسمانيين وحد الجرمانيين وحد الروحانيين وحد النفسانيين وحد النورانيين. ولهم فرائض يقولون إنها مذكورة في ميثاق ولي الزمان وهي ست وعشرون فريضة يجب حفظها على كل قوي وضعيف، منها ستة شروط أنه قد تبرأ، وأنه لا يعرف وأنه لا يشرك وأنه قد سلم وأنه قد رضي وأنه متى رجع كان بريا وجواز الأمر بأربعة: كونه صحيح العفل وصحيح الجسم وحرا وبالغا ورضي بجميع أحكامه بأربعة عجز ومعجز وظهور واستتار واحترام الإفادة من جميع الحدود بستة ثلاثة في الدنيا وثلاثة في الآخرة فأما الثلاثة التي في الدنيا: تعليمهم وهدايتهم وارشادهم وأما ثلاث الآخرة رضاهم وشفاعتهم وثوابهم واستحقاق العقوبة من البارّ العلي بستة ثلاث في الدنيا وهي احتجاب الرب عنهم وانقطاع فيض الحدود عليهم وعمى قلب وقلة معيشة في دينه ودنياه وثلاث في الآخرة وهي اليأس الكلي من رضاء الله وضاء حدوده والحسرة التي لا تفارقه طرفة عين وعدم مشاهدته الجلالة بلذة وغبطة لأن مشاهدته لذة اللذات وأقصى غاية الغايات للنفوس الزاكيات. نبذة أخرى مهمة عندهم ننقلها بحروفها مراتب الحدود: العقل الكلي النفس الكلية سفير القدرة الجناح الأيمن الجناح الأيسر. أسماؤهم روحاني السابق تالي الجد الفتح الخيال، درجاتهم الإرادة المشيئة الكلمة السابق الجزء: 1 ¦ الصفحة: 174 التالي. منازلهم الإمام الحجة الداعي المأذون المكاسر. ألقابهم قائم الزمان المجتبى الرضى المصطفى المقتنى. صفاتهم هادي المستجيبين صفوة المستجيبين فخر الموحدين نظام المستجيبين لسان المؤمنين. كناهم: أبو الفضل أبو إبراهيم أبو عبد الله أبو الخير أبو الحسن. أنسابهم: ابن علي ابن أحمد ابن محمد ابن حامد ابن وهب القرشي ابن عبد الوهاب السامري ابن أحمد الطائي السموقي. أشباههم: الشمس البدر النجم السراج البها. أمثالهم: نور نار شمع قطن حسكة. وهذه النبذة تسمى عندهم بالعدة السعيدة. نبذة أخرى استنبطها علماء الدروز من الكتب الستة المنسوبة إلى حمزة ابن علي وإسماعيل أبي إبراهيم وبهاء الدين والحاكم يكفرون من اعتقدها ويكون مرتدا عندهم وقد نقلتها بحروفها وهي: نبت الحكمة عن اثنتين وسبعين خصلة تخرج عن دين التوحيد. وهي من يعتقد أن الحاكم ما هو الإله وأنه بشر أو أن له زوجة أو أبا أو أما أو أنه لا يعلم الغيب أو أنه ظالم أو عاجز أو غائب أو أن ألوهيته انتقلت إلى علي الظاهر أو أنه يحس أو يدرك أو يلحقه شيء من الصفات أو أن الناسوت غير اللاهوت أو أن له روحا أو نفسا أو أن الإمام ما هو الرسول الحقيقي أو أنه لا يعلم الغيب أو أنه ما هو معصوم أو أنه ما هو صاحب الكشف والقيامة والثواب والعقاب وأن الحدود الأربعة ما هم الوسائط أو أنهم ما هم معصومون أو أنهم ما هم شهداء على أعمال العباد أو أن الخمسة أرواح مجردة أو أن المائة والتسع والخمسين ما هم تبعهم أو لا يعرف يميز بعضهم عن بعض أو أن الرب فوق السماء أو في الأرض بشر أو أن ألوهيته حلّت في صنم أو غيره أو أن الناطق ما هو إبليس أو الأساس ما هو زوجته أو الأربعة والعشرين ما هم من أحرف الكذب أو أن الدنيا ما مضت أو أن في الشرائع حقيقة أو أن في أهلها أحد مذموم أو أن دور القيامة ما بدا أو أن ليس هناك قيامة أو لا ثواب أو لا عقاب أو لا رب أو أن النفس ما تنتقل من كثيف إلى كثيف أو أن مقرها ليس في القلب أو أنها تفارق الجسم طرفة عين أو أن النجوم، أو شيء من الجسمانيات، له فيها تأثيرا ويحكم عليها ثم إهمال الحكمة المفيد ثم إهمال الإخوان ثم محبة أحد من أهل الشر ثم نصيحته ثم استحلاله ثم تبجيله ثم الشفقة عليه ثم مناصرته بحال من الأحوال ثم الإحسان إليه ثم مرافقته ومسارته ومخالطته والركون إليه ثم بغض أحد من أهل الخير أو غشه أو سماجته أو التبهلل بواجبه أو محله أو القساوة عليه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 175 ثم إهمال مناصرته ومعاونته ومعاضدته ومساعدته في جميع أحواله أو الإساءة إليه أو مفارقته أو مباعدته أو سوء الظن به وقلة الوثوق به أو يقال عليه ما ليس فيه أو نقص الكلام وتحريفه وتبديله الذي هو النفاق والشرك بعينه أو المفاتحة بالحكمة مع غير أهلها الذي هو الزنى الحقيقي والفساد الكلي أو زواج الزوجة بغير رضاها ثم السعي والشّور والحضور في الخطبة ثم العرس والطلبة ثم المقاهرة لها على نفسها بعد الزواج ثم الرغبة في الدنيا والميل إلى زينتها وزخرفها والانهماك بشهواتها ثم العجب ثم الكبر ثم انكشاف العورة وقلة الحياء أو زواج الموحد لغير موحدة والموحدة لغير الموحد اه. أقول: هذه النبذة والتي قبلها ظفرت لهما بشرح للشيخ علي هلال الدرزي لم يزدهما جلاء عما هما عليه من ظلمة المقاصد وغرابة التركيب ولذا لم أنقل منه شيئا. ومن أراد الوقوف على نحلة هذه الطائفة فليراجع كتاب دائرة المعارف الكبرى للأستاذ البستاني في حرف الحاء، وكتاب (النقط والدوائر) المطبوع في مطبعة شمرسو في كرخهاين من مدن نوساصيا السفلى سنة 1902 م/ 1319 هـ وهو كتاب حافل مستوفى في بابه مذيل بعدة رسائل يندر وجودها في غيره. الحزب الماسوني في حلب ابتداء وجود هذا الحزب في حلب غير معلوم على وجه التحقيق وأخبرني من أثق به أنه رأى في حلب سنة 1848 م/ 1265 هـ ختما مكتوبا عليه (هذا ختم جمعية الماسون في حلب) . فالظاهر أنهم كانوا موجودين فيها قبلا خفية ولم يثبت وجودهم فيها علنا إلا في سنة 1885 م/ 1303 هـ فقد وفد عليها في هذه السنة مقدّم منهم ونزل في محلة العزيزية ودعا إليه بعض الناس علنا فتبعه عدد عظيم من شبان الملل الثلاث وصاروا يجتمعون عند بعضهم تارة جهرا وتارة سرا. على أن عددهم لم يزل آخذا بالازدياد يوما فيوما. يقول بعض غلاتهم إن حزبهم هذا مما أسسه سليمان بن داود. والمعتدلون منهم ينكرون ذلك ويقولون إن تأسيس ابتداء حزبهم كان في حدود القرن الخامس عشر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 176 طائفة كيز وكيز قال دارفيو في تذكرته: يوجد في زماننا طائفة من الأرمن يسكنون عينتاب يقال لهم كيز وكيز أي نصف ونصف، سموا بذلك لأن ديانتهم مركبة من الإسلامية والمسيحية فهم يقرءون القرآن العظيم ويعلمونه أولادهم ويعلقونه عليهم كالتمائم ويدخلون المساجد ويصلون فيها مع الجماعة ويفعلون غير ذلك من الأمور التي تدل على إسلاميتهم. كما أنهم يعمّدون أولادهم ويحترمون الصليب ويحتفلون بالمواسم المسيحية ويعترفون عن جرائمهم ويفعلون غير ذلك من الأمور التي تدل على نصرانيتهم. قلت: عهدنا أنه كان قبل الحرب العامة يوجد بعض أسر من هذه الطائفة في مدينة عينتاب وقرية الجبن في قضاء قلعة الروم. أما بعد الحرب المذكورة فلا ندري ما فعل الله بهذه الأسر اه. الكلام على الملل والنحل. نبذة من حقوق الجوار للجوار حقوق خاصة هي غير حقوق الإسلام وغير حقوق القرابة فقد جاء بالحث على الإحسان للجار مسلما كان أم غير مسلم قوله تعالى: «وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً وَبِذِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَالْجارِ ذِي الْقُرْبى وَالْجارِ الْجُنُبِ» وقال عليه السلام: أحسن مجاورة من جاورك تكن مسلما. وقال: ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيوّرثه. وقال: من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم جاره. وقال: لا يؤمن عبد حتى يأمن جاره بوائقه. وقال: وقال: أول الخصمين يوم القيامة جاران. وقال: إذا أنت رميت كلب جارك فقد آذيته. وروى الزهري أن رجلا أتى النبي عليه السلام فجعل يشكو جاره فأمر النبي أن ينادى على باب المسجد: ألا إن أربعين جارا. قال الزهري: أربعون هكذا وأربعون هكذا وأربعون هكذا وأومأ إلى الجهات الأربع. وجملة حق الجار ما بينه عليه السلام بقوله: أتدرون ما حق الجار؟ إن استعان بك أعنته وإن استنصرك نصرته وان استقرضك أقرضته وإن افتقر عدت عليه، وإن مرض عدته وإن مات تبعت جنازته وإن أصابه خير هنأته الجزء: 1 ¦ الصفحة: 177 وإن أصابته مصيبة عزّيته ولا تستطل عليه بالبناء فتحجب عنه الريح إلا بإذنه ولا تؤذه وإن اشتريت فاكهة فأهد له فإن لم تفعل فأدخلها سرا ولا يخرج بها ولدك ليغيظ بها ولده ولا تؤذه بقتار قدرك «1» إلا أن تغرف له منها. ثم قال: أتدرون ما حق الجار؟ والذي نفسي بيده لا يبلغ حق الجار إلا من رحمه الله. هكذا رواه عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي عليه السلام. قال مجاهد: كنت عند عبد الله بن عمر وغلام له يسلخ شاة فقال: يا غلام إذا سلخت فابدأ بجارنا اليهودي حتى قال ذلك مرارا فقال له: كم تقول هذا. فقال: إن رسول الله لم يزل يوصينا بالجار حتى خشيت أنه سيورثه. وقال هشام كان الحسن لا يرى بأسا أن تطعم الجار الكتابي من أضحيتك. وقال أبو ذر رضي الله عنه: أوصاني خليلي عليه السلام وقال إذا طبخت قدرا فأكثر ماءها ثم انظر بعض أهل بيت في جيرانك فاغرف لهم منها. وقالت عائشة رضي الله عنها قلت يا رسول الله إن لي جارين أحدهما مقبل عليّ ببابه والآخر ناء ببابه عني وربما كان الذي عندي لا يسعهما فأيهما أعظم حقا فقال: المقبل عليك ببابه. وقال عبد الله: قال رجل يا رسول الله كيف لي أن أعلم إذا أحسنت أو أسأت قال إذا سمعت جيرانك يقولون قد أحسنت فقد أحسنت وإذا سمعتهم يقولون قد أسأت فقد أسأت. وقال عليه السلام من أراد الله به خيرا عسّله. قيل: وما عسّله؟ قال يحبّبه إلى جيرانه. وعن أبي هريرة قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم من يأخذ مني هذه الكلمات فيعمل بهن أو يعلم من يعمل بهن. فقلت: أنا يا رسول الله. فأخذ بيدي فعقد خمسا فقال: اتق المحارم تكن أعبد الناس وارض بما قسم الله لك تكن أغنى الناس، وأحسن إلى جارك تكن مؤمنا وأحب للناس ما تحب لنفسك تكن مسلما ولا تكثر الضحك فإن كثرة الضحك تميت القلب. وعنه عليه السلام أنه قال: إن الله قسم بينكم أخلاقكم كما قسم بينكم أرزاقكم وإن الله يعطي الدنيا من يحب ومن لا يحب ولا يعطي الدين إلا من أحب فمن أعطاه الدين فقد أحبه، والذي نفسي بيده لا يسلم عبد حتى يسلم قلبه ولسانه ولا يؤمن حتى يأمن جاره بوائقه. قيل: وما بوائقه؟ قال: غشه وظلمه ولا يكسب مالا من حرام فينفق الجزء: 1 ¦ الصفحة: 178 منه فيبارك فيه ولا يتصدق به فيقبل منه ولا يتركه خلف ظهره إلا كان زاده إلى النار إن الله لا يمحو السيّئ بالسيّئ ولكن يمحو السيّئ بالحسن إن الخبيث لا يمحو الخبيث. وقال عليه السلام: من آذى جاره فقد آذاني ومن آذاني فقد آذى الله ومن حارب جاره فقد حاربني ومن حاربني فقد حارب الله عز وجل. وقال عليه السلام لأصحابه: ما تقولون في الزّنى قالوا حرام حرمه الله ورسوله فهو حرام إلى يوم القيامة فقال عليه السلام لأن يزني الرجل بعشر نسوة أيسر عليه من أن يزني بامرأة جاره. قال: فما تقولون في السرقة قالوا حرمها الله ورسوله فهي حرام إلى يوم القيامة قال: لأن يسرق الرجل من عشرة أبيات أيسر عليه من أن يسرق من جاره. إلى غير ذلك من الأخبار والأحاديث الحاثة على الإحسان للجار وتكريمه ومؤاساته والرفق به مسلما كان أم غير مسلم. قال حجة الإسلام الغزالي في كتاب الإحياء ما خلاصته: إنه ليس حق الجوار كف الأذى عنه فقط بل احتمال الأذى منه. فإن الجار أيضا قد كف أذاه عنك فليس في ذلك قضاء حقّ الجوار، ولا يكفي احتمال الأذى أيضا بل لا بد من الرفق وإسداء المعروف إذ يقال إن الجار الفقير يتعلق بجاره الغني يوم القيام فيقول: يا رب سل هذا لم منعني معروفه وسدّ بابه دوني. وبلغ ابن المقفع أن جارا له يبيع داره في دين ركبه، وكان ابن المقفع يجلس في ظل داره فقال: ما قمت إذا بحرمة ظل داره إن باعها معدما. فدفع إليه ثمن الدار وقال لا تبعها. وشكا بعضهم كثرة الفار في داره فقيل له لو اقتنيت هرا فقال: أخشى أن يسمع الفار صوت الهر فيهرب إلى دور الجيران فأكون أحببت لهم ما لا أحب لنفسي. وحكي عن سهل التّستري أنه كان له جار مجوسيّ انفتح من خلائه محل لدار سهل يتساقط منه القذر، فأقام سهل مدة ينحّي ليلا ما يجمع منه في بيته نهارا فلما مرض سهل أحضر جاره المجوسي وأخبره واعتذر بأنه خشي من ورثته أنهم لا يحملون ذلك فيخاصموه، فعجب المجوسي من صبره على هذا الإيذاء العظيم ثم قال له: تعاملني بذلك منذ هذا الزمان الطويل وأنا مقيم على كفري؟ مدّ يدك لأسلم. فمد يده فأسلم. ثم مات سهل رحمه الله. فتأمل نتيجة صبره. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 179 معاملة أهل الذمة بالبر والقسط في القرآن العظيم لا يَنْهاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ المعنى أن الله تعالى قد رخص لكم أن تكرموا هؤلاء وتحسنوا إليهم قولا وفعلا وتقضوا إليهم بالعدل والقسط. إن الله يحب المقسطين أي العادلين ومعلوم أن البرّ اسم جامع لكل الطاعات وأعمال الخير المقربة إلى الله تعالى ولا يخفى أن الذين يقاتلون المسلمين ويخرجونهم من ديارهم هم أهل الحرب فأما أهل الذمة فليسوا كذلك بل هم من جملة المقصودين بالبر في هذه الآية فللمسلم أن يعاملهم بكل خير ومعروف يطلق عليه اسم البر. التصدق على الذمّي وأما التصديق على فقراء أهل الذمة فقد ورد فيه في القرآن العظيم: لَيْسَ عَلَيْكَ هُداهُمْ وَلكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ وَما تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَلِأَنْفُسِكُمْ وَما تُنْفِقُونَ إِلَّا ابْتِغاءَ وَجْهِ اللَّهِ وَما تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لا تُظْلَمُونَ قال في تفسير الخازن: قيل سبب نزول هذه الآية إن أناسا من المسلمين كان لهم قرابات وأصهار في اليهود وكانوا ينفعونهم وينفقون عليهم قبل أن يسلموا فلما أسلموا أبوا أن ينفعوهم وأرادوا بذلك أن يسلموا. وقيل كانوا يتصدقون على فقراء أهل المدينة فلما كثر المسلمون نهى رسول الله صلّى الله عليه وسلم عن التصدق على المشركين كي تحملهم الحاجة إلى الدخول في الإسلام لحرصه على ذلك فأعلمه الله بهذه الآية إنه إنما بعث بشيرا ونذيرا وداعيا إلى الله بإذنه فأما كونهم مهتدين فليس ذلك إليه. ومعنى الآية: لا يجب عليك التوفيق على الهدى أو خلق الهدى وإنما ذلك لله وما تنفقونه من مال فهو لأنفسكم لا ينتفع به غيركم فلا تمنوا به على الناس ولا تؤذوهم بالتطاول عليهم وإن إنفاقكم المال على المشركين لا تقصدون به غير رضاء الله فأنفقوا عليهم إذا كنتم تبتغون بذلك وجه الله في صلة الرحم وسد خلة مضطر. قال بعض العلماء: لو أنفقت على شر خلق الله لكان لك ثواب نفقتك. وقد استدل الأئمة من هذه الآية على إباحة صرف صدقة التطوع إلى فقراء المسلمين الجزء: 1 ¦ الصفحة: 180 وفقراء أهل الذمة. وأجاز أبو حنيفة وحده صرف صدقة الفطر إلى أهل الذمة أيضا وقد فرض سيدنا عمر رضي الله عنه لذمي عطاء في بيت المال فإنه رأى ذميا يسأل الناس الصدقة وهو شيخ فإن فقال عمر حين رآه: لقد ظلمناه، أخذنا منه الجزية وهو شاب وتركناه يسأل الناس وهو شيخ. وأمر أن يفرض له كفافه من بيت المال ما دام حيا. قلت ولما كانت الخيرات المشروطة للفقراء في أوقاف المسلمين معدودة كلها من صدقة التطوع فقد أطلق كثير من الواقفين لفظة الفقراء ولم يقيدوها بمسلمين ولا غيرهم لتصرف تلك الخيرات إلى فقراء الملل الثلاث. حتى إني اطلعت على كتاب وقف اشترط فيه صاحبه منزلا للمسافرين وأنواعا من الأطعمة تقدم لهم في الصباح وفي المساء واشترط صراحة أن يرخص فيه بالنزول لمسافري الملل الثلاث الإسلام والنصارى واليهود أغنياء كانوا أم فقراء وأن يقدم لكل مسافر منهم طعام يناسب مقامه ويلائم منزلته فيقدم للأمير مثلا طعام الأمراء وللتاجر طعام التجار. عيادة الذمي وتعزيته وضيافته قال الزيلعي إن العيادة نوع من البر وفي القرآن: لا يَنْهاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقاتِلُوكُمْ إلى آخر الآية. وأما التعزية فقد قال الحموي نقلا عن النوادر: له جار يهودي أو نصراني مات ابنه يقول له أخلف الله عليك خيرا منه. وأما ضيافته فإنها جائزة لا كراهة فيها. ونقل الحموي عن فتاوي شيخ الإسلام أبي الحسن السعدي أن واحدا من المجوس كان كثير المال حسن التعهد للفقراء المسلمين يطعم جائعهم ويكسو عاريهم وينفق على مساجدهم ويعطي دهان سرجها ويقرض محاويج المسلمين فدعا الناس مرة إلى دعوة اتخذها لجز ناصية ولده فشهدها كثير من أهل الإسلام وأهدى إليه بعضهم هدايا فاشتد ذلك على مفتيهم فكتب إلى أستاذه شيخ الإسلام أن أدرك أهل بلدك فقد ارتدوا بأسرهم. فذكر شيخ الإسلام إن إجابة دعوة أهل الذمة مطلقة في الشريعة ومجازاة المحسن بإحسانه من باب الكرم والمروءة وحلق الرأس ليس من شعار أهل الذمة والحكم بردّة أهل الإسلام بهذا القدر غير ممكن. كذا في الظهيرية من النوع السادس من الفصل السابع من كتاب السير. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 181 حلّ طعام الكتابي لنا، أي ما حلّ له «1» من طعامه، وحلّ طعامنا له في القرآن العظيم الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّباتُ وَطَعامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ أي أحل لكم معاشر المسلمين الذبائح وغيرها من طعام أهل الكتاب اليهود والنصارى وكما أحل لكم طعامهم فقد أحل لهم طعامكم فلا عليكم أن تطعموها وتبيعوا طعامكم منهم. التزام العدل في الحكم والشهادة على المسلم وغيره في القرآن العظيم: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَداءَ بِالْقِسْطِ وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ أي يا مؤمنين قوموا بحق الله واشهدوا بالعدل ولا تحابوا في شهاداتكم أهل ودكم وقرابتكم، ولا تمنعوا شهادتكم أهل بغضكم وأعداءكم «2» أقيموا شهادتكم لهم وعليهم بالصدق والعدل ولا يحملنكم بغض قوم على ترك العدل بل اعدلوا في كل أحد، القريب والبعيد والصديق والعدو فالعدل أقرب للتقوى واتقوا الله فهو خبير بأعمالكم. وفيه أيضا: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَداءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ* إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيراً فَاللَّهُ أَوْلى بِهِما فَلا تَتَّبِعُوا الْهَوى أَنْ تَعْدِلُوا* وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ كانَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً أي يا مؤمنين كونوا مواظبين على العدل مجتهدين في إقامته جاعلين شهادتكم لوجه الله ولو كانت على أنفسكم بأن تقروا أو كانت على والديكم وأقاربكم سواء كان المشهود عليه غنيا أو فقيرا فلا تمتنعوا عن إقامة الشهادة عليهما ولا تجوروا فيها فالله أولى بالغني والفقير فلا تتبعوا هوى أنفسكم وتعدلوا عن الحق وتحرفوا الشهادة أو تعرضوا عن أدائها فإن الله يعلم ذلك منكم فيجازيكم عليه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 182 وأما التزام العدل بالحكم على الذميّ وإنقاذه من غدر خصمه وإنصافه ممن ظلمه فقد ورد فيه من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية وأخبار الصحابة ما تضيق هذه الصفحات عن استيعابه. قصة زيد السمين اليهودي وحسبنا من ذلك ما حكاه القرآن العزيز من قصة رجل من الأنصار يقال له طعمة ابن أبيرق من بني ظفر بن الحرث وكان منافقا سرق درع جار له يقال له قتادة بن النعمان وكانت الدرع موضوعة في جراب فيه دقيق فجعل الدقيق ينتثر من خرق الجراب حتى انتهى إلى داره. فلما شعر بذلك خاف من التهمة ومال بالجراب إلى دار رجل من اليهود يقال له زيد السمين فخبأها عنده. ثم التمس صاحب الدرع درعه وتبع الدقيق فأداه إلى دار طعمة فطلب منه الدرع فحلف بالله ما أخذها وما له بها من علم. فأمعن صاحب الدرع نظره بالأثر فرآه قد دخل منزل اليهودي فأخذه منه فقال اليهودي: دفعها إليّ طعمة ابن أبيرق وشهد له على ذلك جماعة من اليهود عند النبي عليه السلام. وكان بنو ظفر قوم طعمة قد بيتوا أمرهم ورتبوا منهم بينة تشهد أن اليهودي هو السارق، ثم جاؤوا إلى النبي عليه السلام وقدموا بينتهم وقد سأله بنو ظفر أن يجادل عن صاحبهم ويبرئه من عار السرقة فهمّ النبي بذلك وكاد يحكم بعقاب اليهودي فتقطع يده. ثم ظهر له الحق وأطلعه الله على حقيقة الحال فعدل عن أن يجادل عن طعمة واتهمه بالسرقة وحكم عليه بقطع اليد وبرأ ساحة اليهودي من السرقة وأنزل الله عليه في كتابه إِنَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِما أَراكَ اللَّهُ وَلا تَكُنْ لِلْخائِنِينَ - طعمة وقومه- خَصِيماً وَاسْتَغْفِرِ اللَّهَ - مما هممت به من معاقبة اليهودي- إِنَّ اللَّهَ كانَ غَفُوراً رَحِيماً* وَلا تُجادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتانُونَ أَنْفُسَهُمْ - بالسرقة- إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ مَنْ كانَ خَوَّاناً أَثِيماً. يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ ما لا يَرْضى مِنَ الْقَوْلِ - وهو التزوير- وَكانَ اللَّهُ بِما يَعْمَلُونَ مُحِيطاً* ها أَنْتُمْ هؤُلاءِ جادَلْتُمْ عَنْهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا فَمَنْ يُجادِلُ اللَّهَ عَنْهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ أَمْ مَنْ يَكُونُ عَلَيْهِمْ وَكِيلًا* وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءاً أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ - وهو طعمة- ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئاً - وهو اليهودي- فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتاناً وَإِثْماً مُبِيناً* وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ لَهَمَّتْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ - من بني ظفر- أَنْ يُضِلُّوكَ وَما الجزء: 1 ¦ الصفحة: 183 يُضِلُّونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَما يَضُرُّونَكَ مِنْ شَيْءٍ وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ ما لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيماً. فانظر كيف كان خطاب الله نبيه عظيما لمجرد ما هم به من الحكم على يهودي وكيف امتنّ الله عليه بهدايته إلى الحق وعدم إيقاعه باليهودي وعرفه أن ذلك من فضله عليه وكيف أكبر الله فعل طعمة وتهمته لليهودي وكيف وبخه ووبخ قومه ووعدهم جميعا بعقابه وسماهم خائنين آثمين وسمى اليهودي بريئا ونفى عنه التهمة ووجهها على طعمة. فما بالك بعدله مع النصارى الذين لم يشتهروا بعداوته بل منهم النجاشي الذي آمن به على بعد وحمى أصحابه من عدوهم حينما هاجروا إليه. ولذلك أخبر القرآن عن قرب مودة النصارى للإسلام فقال: وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قالُوا إِنَّا نَصارى ذلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْباناً وَأَنَّهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ. فصل في معاملة أهل الذمة مما جاء من الأحاديث الحاثّة على التزام الحدود مع أهل الذمة وصونهم من التعدي والإيذاء ما أورده أبو داود في سننه عن العرباض بن سارية قال: نزلنا مع النبي عليه السلام خيبر ومعه من معه من أصحابه، وكان صاحب خيبر رجلا ماردا منكرا، فأقبل إلى النبي عليه السلام فقال: يا محمد لكم أن تذبحوا حمرنا وتأكلوا ثمرنا وتعذبوا نساءنا، فغضب النبي عليه السلام وقال يا ابن عوف اركب فرسك ثم ناد أن الجنة لا تحل إلا لمؤمن وأن اجتمعوا للصلاة، فاجتمعوا ثم صلى بهم عليه السلام ثم قام فقال: أيحسب أحدكم متكئا على أريكته قد يظن أن الله لم يحرم شيئا إلا ما في هذا القرآن. ألا إني والله لقد وعظت وأمرت ونهيت عن أشياء إنها لمثل القرآن أو أكثر وإنه لا يحل لكم ضرب أهل الكتاب إلا بإذن ولا ضرب نسائهم ولا أكل ثمارهم إذا أعطوا الذي عليهم. انتهى. قوله «إلا بإذن» أي بإذن الإمام فيما إذا وجب على أحدهم حد شرعي فيأذن الإمام بحده كما يأمر بحد المسلم إذا وجب عليه. ولأبي داود عن رجل من جهينة رفعه: «لعلكم تقاتلون قوما فتظهرون عليهم فيتقونكم بأموالهم دون أنفسهم وذراريهم فيصالحونكم على صلح فلا تصيبوا منهم فوق ذلك فإنه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 184 لا يصلح لكم» . ولأبي داود والترمذي عن سليم بن عامر أنه كان بين معاوية وبين الروم عهد وكان يسير نحو بلادهم ليقرب حتى إذا انقضى العهد غزاهم فجاءه رجل على دابة أو فرس وهو يقول الله أكبر وفاء لا غدر. فإذا هو عمرو بن عسبة فأرسل إليه معاوية فسأله فقال: سمعت رسول الله عليه السلام يقول من كان بينه وبين قوم عهد فلا يشد عقدة ولا يحلها حتى ينقضي أمدها أو ينبذ إليهم على سواء. فرجع معاوية. ولأبي داود عن صفوان بن سليم عن عدة من أبناء الصحابة عن آبائهم رفعوه: «من ظلم معاهدا أو انتقصه أو كلّفه فوق طاقته أو أخذ منه شيئا بغير طيب نفس فأنا حجيجه يوم القيامة» . قوله انتقصه: معناها أو آذاه بشيء ما. وفي الترمذي وصححه: ألا من قتل نفسا معاهدة لها ذمة الله وذمة رسوله فقد أخفر ذمة الله ولا يريح رائحة الجنة وإنّ ريحها ليوجد من مسيرة أربعين خريفا. وفي النسائي: من قتل قتيلا من أهل الذمة لم يرح رائحة الجنة وإن ريحها يوجد من مسيرة أربعين عاما. ورواه البخاري: من قتل معاهدا. ولأبي داود عن مالك قال بلغني أن العباس قال: ما ختر قوم بالعهد إلا سلّط عليهم العدو. ومعنى ما ختر: ما غدر. وفي البخاري ومسلم وأبي داود والترمذي عن ابن عمر رفعه: إن الغادر ينصب له لواء يوم القيامة فيقال هذه غدرة فلان. وفي ابن ماجه: ثلاث «1» أنا خصمهم يوم القيامة ومن كنت خصمه خصمته: رجل أعطى بي ثم غدر ورجل باع حرا فأكل ثمنه ورجل استأجر أجيرا فاستوفى منه ولم يؤده حقه. وعنه عليه السلام: إن الله يعذب الذين يعذبون الناس. وفي رواية: الذين يقذفون الناس. وروي: ولا يقفنّ أحدكم موقفا يضرب فيه رجل ظلما فإن اللعنة تنزل على من حضره حين لم يدفعوا عنه. قال ابن حجر في زواجره تبعا للعلماء ما معناه أنه لا فرق في هذا بين أن يكون المضروب مسلما أو ذميا قال عليه السلام: من ظلم ذميا فأنا خصمه يوم القيامة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 185 في ثبوت الأمانة لأهل الكتاب قال الزيلعي في الكلام على خبر أهل الكتاب ما خلاصته: إن القرآن العظيم أثبت الأمانة لأهل الكتاب بقوله: وَمِنْ أَهْلِ الْكِتابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِدِينارٍ لا يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلَّا ما دُمْتَ عَلَيْهِ قائِماً فخرجت الآية مخرج الوصف لهم بالأمانة. اه. قال المفسرون: هذه الآية نزلت في اليهود خاصة فأخبر الله عنهم أن فيهم أمانة وخيانة وقسمهم إلى قسمين. والقنطار عبارة عن المال الكثير والدينار عبارة عن المال القليل. يقول الله: منهم من يؤدّي الأمانة وإن كثرت ومنهم من لا يؤديها وإن قلّت. وقال ابن عباس في هذه الآية: أودع رجل من قريش عبد الله ابن سلام ألفا ومائتي أوقية من الذهب فأداها إليه فذلك قوله تعالى: وَمِنْ أَهْلِ الْكِتابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ . واستودع رجل من قريش فنحاص بن عازوراء دينار فخانه وجحده ولم يؤدّه فذلك قوله تعالى: وَمِنْهُمْ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِدِينارٍ لا يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلَّا ما دُمْتَ عَلَيْهِ قائِماً . اه. لهجة أهل حلب في التكلم نورد هنا نبذة وجيزة في الكلام على لهجة الحلبيين في كلامهم كالنموذج لعلها تروق لدى من يعتني بالعلم الحديث المعروف باسم فلسفة اللغة فنقول: الحلبي يلفظ الحرف من مخرجه الحقيقي فيلفظ الجيم جيما لا كيما عبرانية ولا شينا ولا زايا، والشين شينا لا سينا، والقاف قافا لا كافا ولا همزة وهكذا بقية الحروف. غير أن النصارى واليهود يخرجون القاف همزة مرققة في الغالب فيقولون في قارىء مثالا آري. كما أن بعض النصارى ربما أخرجوا التاء طاء فقالوا في ترى مثلا طرى. أو أخرجوا السين صادا فقالوا في ساعة مثلا صاعة. لكن هذا قليل. وقد يخرج اليهود الضاد والطاء بين التاء والدال فقالوا في مثل فضله وأعطني فدله وأعتني. ويوجد بعض من المسلمين الذين يعاملون عرب البادية من يخرج القاف كافا مفخمة فيقولون في قال مثلا: كال. والإعراب في كلامنا لا وجود له البتة وتوجد فيه الإمالة بكثرة جائزة وممتنعة كقولهم سريج لحيف قيعد نييم، في: سراج لحاف قاعد نائم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 186 وحرف المضارعة في كلامنا هو الباء نحو بضرب بشرب في أضرب أشرب وهذا البدل ربما أدى إلى هجنة في بعض الكلمات كقول بعضهم أنا بهيم إذا رأيت جميلا وأنا بصل للأكل وأنا بريد السفر يريد أنا أهيم وأصل وأريد. وإذا أسند المضارع للمتكلمين أبدلت الباء ميما وزيدت قبله ألف فقيل امناكل امنشرب امنلبس. والفعل المبنى للمجهول في الثلاثي يطّرد عندنا على وزن انفعل كانضرب وانكرم ولا يوجد في الرباعي مجردا أو مزيدا فيه. والمفعول به يقترن باللام غالبا فيقال ضرب زيد لعمر. ويوجد المفعول المطلق قليلا والمفعول فيه كثيرا. والمفعول معه غير موجود بل هم يلفظون معه بمع يقولون مثلا أمشينا مع الجبل. وقلّ أن يوجد المفعول من أجله بل يعتاضون عنه بأداة تعليل فيقولون مثلا قمنا إمشان تعظيم المعلّم أي لأجل. والحال قليل في كلامهم والأكثر أن يعتاضوا عنه بكلمة عمال يقولون مثلا إجا فلان عمّال بضحك. وهذه الكلمة يستعملونها أيضا في المضارع المراد منه الحال يقولون مثلا فتنا على فلان شفناه عمّال بكتب. والتمييز موجود في كلامهم ومثله الاستثناء ويعتاضون عن نفي الجنس بحدا أو بما في معناها فيقولون مثلا ما في حدا في الجميع أي لا أحد في الجامع. أو يقولون مكان حدا الدومري ولا يستعملون من حروف النداء سوى يا. ويلحقون الفعل ضمير الفاعل، تقدّم عليه أو تأخر، فيقولون اجو الرجيل علينا، جاء الرجال علينا وهذا على حد أكلوني البراغيث. وليس عندهم من الأسماء الموصولة شيء سوى أنهم يستعلمون كلمة اللي للذكر والمؤنث مفردا أو غيره ويميزون المراد منها بالصلة بعدها فيقولون مثلا اللّي قام اللي قاموا اللي قامت. وهذه الكلمة تدور في كلامهم على كثرة لأنهم كثيرا ما يعتاضون بها عن التلفظ باسم الفاعل واسم المفعول والصفة المشبهة وهم يعدّون الفعل القاصر بالتضعيف غالبا كقولهم فلان روّح مصاريه أي صرف دراهمه. ولا وجود للذال في كلامهم بل يقلبونها دالا أو يلفظون بها زايا وتاء التأنيث في الأسماء يقلبونها ياء كقولهم فاطمي عاقلي أي فاطمة عاقلة والثاء تاء كقولهم تيني تليت أي ثاني ثالث وربما لفظوها سينا كقولهم في ثم سم ويخرجون الظاء زايا مفخمة كقولهم في ظاهر زاهر أو يقلبونها ضادا كقولهم أدّن الظهر في أذّن الظهر. وكثير من المتطرفين الذين يعانون اللغة التركية من يلفظ الضاد زايا مفخمة فيقول في مريض مثلا مريز. كما أن بعض المتفرنجين يلفظون القاف كافا فيقول في قرش مثلا كرش حتى إنهم كثيرا ما يخلطون في كلامهم العربي بعض كلمات افرنجية لا عجزا منهم عن أن يأتوا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 187 بنظائرها من اللغة العربية بل ليفهموا أن معرفتهم باللغة العربية قليلة كأنهم يفتخرون بذلك. وبالجملة فإن لكل محلة عندنا لهجة مخصوصة بأهلها غلب عليهم ذلك باعتبار خلطائهم. فسكان محلة باب النيرب يغلب على لهجتهم ألفاظ أهل الصوف والوبر. وسكان محلة الكلاسة يغلب عليهم ألفاظ أهل الحرث. وسكان محلة الفرافرة يوجد في كلامهم كثير من الألفاظ التركية والفارسية إذ كان أكثر المستخدمين في أيام الحكومة العثمانية منهم. والنصارى واليهود يغلب عليهم في تراكيب كلامهم أساليب اللغات الافرنجية لكثرة معاناتهم إياها. وهكذا بقية المحلات، كل يضارع خليطه. الألفاظ الدخيلة في لغة الحلبيين عموما كثيرة جدا منها جميع الألفاظ الافرنجية التي ذكرت في قوانين الدولة العثمانية كالكمبيالة والبريتستو والقونطوراتو. وكأسماء الآلات والأدوات كشمندوفر وأوتوموبيل وتلغراف وإستاسيون مما يكاد استعماله يكون عاما في جميع البلاد العربية. ومن الألفاظ الدخيلة في لغة الحلبيين كلمات تركية وفارسية وسريانية وعبرانية محرفة أو مصحفة يطول الكلام عليها بحيث يحتاج إلى وضع معجم على حدته. أمراض حلب الأمراض التي يكثر وقوعها في حلب: مرض التّسنين الذي يعتري الطفل حين بلوغه الشهر الخامس أو السادس من عمره. ومن أمثال الحلبيين (طلعت أسنانه حضّروا أكفانه) وذلك أن أشد وقت يخشى فيه على حياة الطفل هذا الوقت الذي تخرج فيه أسنانه اللبنية التي يبدّلها بعد فتختلّ جميع وظائفه الطبيعية وتنحرف صحته وترم لثته «1» ويسيل لعابه ويحمرّ غشاء فمه ويكثر بكاؤه وتضجره ويصحب ذلك إسهال دائم مادته خضراء أو مخاطية بيضاء. وهذا عرض شديد الوطأة على صحة الطفل وقد يوجد غيره من الأعراض الشديدة أو الخفيفة على حسب الاستعداد الطبيعي في الطفل ومساعدة الشّئون والأحوال. وقد يصحب المرض تقرّح اللثة أو الفم جميعه أو تهور بنية المريض وهبوطها سريعا أو وقوعه في سل الأطفال أو انتقال المرض إلى درجة الإزمان. وعلى كل فهو مرض رديء النوع الجزء: 1 ¦ الصفحة: 188 سيّىء الإنذار على أنه قد يكون في بعض الأطفال بسيطا جدا بحيث لا تكاد تظهر فيهم أعراضه. حبة حلب وفي هذا السن أو أقل منه بشهرين يعتري الطفل بثرة يقال لها حبة السنة والبعض يسميها حبة حلب زاعما أنها من خواصها مع أنها غير قاصرة عليها بل هي تظهر في عدة بلاد كالموصل وبغداد وأكثر البلاد التي تشرب من نهري دجلة والفرات وبعض قرى كسروان التي يدعي أهلها أنها انبثّت إليهم من حلب وأنهم يعهدون ابتداء زمن ظهورها فيهم. أما ابتداء زمن ظهورها في حلب فهو غير معلوم ولم أر من صرح به في صفحات التاريخ. هذه الحبة بثرة جلدية تظهر أولا على هيئة نقطة حمراء كالحة تقرب من الاستدارة شبيهة بلسعة البرغوث. ثم تأخذ بالنتوء والارتفاع حتى تصير على هيئة ثؤلولة ملساء داكنة اللون تنمو رويدا رويدا وقد يختلف نموها من بعض أيام إلى بعض أشهر حتى تزداد خشونة وتقشر أجزاء دقيقة من بشرتها وحينئذ تقل صلابتها ويزيد احتقانها ثم تتقرح ويسيل منها صديد يختلف قواما وطبيعة مع اختلاف اتساعها وغورها «1» إلى أن تؤخذ بالجفاف فيتكون عليها خشكريشة «2» تسقط ثم يتكون غيرها إلى أن تبرأ وتبقي أثرا لا يزال مدة الحياة. والغالب أن يكون ظهورها في الشهر الرابع من العمر كما ذكرنا آنفا. وقد تتأخر إلى تمام السنة الأولى أو الثانية وأحيانا إلى سن البلوغ وهي لا تقتصر على الحلبيين فقط بل لا بد من ظهورها في الوافدين جديدا على حلب فتسمهم غالبا في الشهر الأول من قدومهم وقد تتأخر للسنة الثانية كما أنها قد تظهر في بعضهم بعد خروجهم من حلب. أما مدة سيرها فهي لا تكون أقل من ثلاثة أشهر ويكثر إلى سنتين وبقاؤها أكثر من ذلك نادر جدا. وأما أسبابها فقد تأكدت بالملاحظة المدققة أنها غير موروثة ولا معدية بالملامسة إذ أنها قد تعتري الوالدين دون أولادهما وبالعكس. وإذا انتقل الوالدان إلى بلد غير معرض لهذه الحبة فإنها لا تعتري نسلهما في ذلك البلد ولو كانت اعترتهما من قبل. وقد لا تعتري الغرباء الجزء: 1 ¦ الصفحة: 189 المستوطنين الذين يخالطون الحلبيين ويتقلدون جميع عاداتهم والناس يعتقدون أنها مسببة عن الماء، ولذا يتحامى بعض الغرباء تناول ماء نهر حلب وقناتها شربا ويعتاضون عنه بماء العين البيضاء أو عين التل فيتخلصون من هذه البثرة غالبا. أكثر ما يكون ظهور هذه الحبة من جسم الإنسان في الأعضاء المكشوفة المعرضة للنور فيكثر ظهورها بالوجه والأنف والأذنين والجفون والساعدين وظهر الكتفين. ويقل ظهورها في الأخمص والساقين. ويندر في مقدّم العنق والصدر والبطن. وأندر من ذلك أن تظهر في باطن الكف والظهر والعجيزتين. وهي تعتري غير الإنسان من الحيوانات كالكلاب والسّنانير «1» وتكون في الأقوياء والضعفاء والمترفهين والفقراء والذكور والإناث على حد سواء. وفي الغالب تكون مفردة وقد تتعدد وربما بلغت ثلاثين حبة متفرقة في جهات مختلفة من البدن يتوالى خروجها فلا يكون ما بين خروج الأولى وما يليها إلا مدة وجيزة وقد تبرأ الأخيرة مع الأولى. والعوام يسمون المفردة منها ذكرا والمتعددة أنثى. وقد ظهرت هذه الحبة في بعض الخدم والمأمورين الذين رافقوا الملك غليوم إمبراطور ألمانيا في سياحته إلى فلسطين. وبعد أن شاهدهم البروفسور (لابسار) أستاذ الأمراض الجلدية في دار الفنون الطبية في برلين قال: حبة حلب ليست من الأمراض الّتي تستحق الاهتمام وهي تظهر في سكان المناطق الحارة ولا سيما سكان شطوط الفرات ودجلة والعاصي. وشوهدت أيضا في سكان بيسقرا في منتهى جنوب الجزائر وتسمى هناك حبة بيسقرا. وتظهر في سكان السند وتسمى حبة دلهي وهو يرى أنها تتأتى عن لسع نوع من الذباب السيوري. اه. أقول إن إنذار هذه الحبة جيد لأنها من نوع الحبوب القابلة للبرء. غير أنها تبقي في محلها أثرا مشوها يعظم كلما قربت من الأنف والعين والشفتين. وإذا ظهرت على بعض سلاميات الأصابع فالغالب أن تبطل حركة مفصلها. وهي تستعصي غالبا في ذوي الأمزجة الليمفاوية المستعدين للمزاج الخنازيري والمصابين ببعض الأمراض الجلدية الصعبة كالمرض الزهري والمولدين من أبوين مصابين به. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 190 أما ما تعالج به هذه الحبة فأحسنه أن يبادر إلى مسها بقلم نيترات الفضة متى تأكد ظهورها مسا لطيفا في كل عشرة أيام مرة إلى أن تتقرح وحينئذ تغسل مرتين في النهار بماء زهر البلسان وتنشف وتطلى بزيت الزيتون أو دهن اللوز إلى أن تبرأ. ويوجد لمعالجتها بعض أدهنة مركبة مذكورة في الكتب الطبية فراجعها وبلغنا أن بعض أطباء بلدتنا عول على عملية التلقيح لهذه البثرة كالجدري ومارس هذه العملية مدة فظهر له منها تأثير في بعض الأطفال دون بعض. ومن الأمراض الكثيرة الوقوع عندنا أمراض الجهاز التنفسي كالحادر والنزلة الحنجرية والتشعّب الرئوي والأزمة، وتكثر في الشتاء وتبدل الفصول وأسبابها كثيرة جدا منها يبس الهواء وقحولته «1» والإقامة في الأماكن الرطبة والإفراط من استعمال التدخين بالتتن والتنبك وكثرة تناول الحوامض وغير ذلك من الأسباب. والله أعلم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 191 العادات المستعملة عند المسلمين في أفراحهم وأتراحهم استعمال جميع ما سنذكره من العادات في الأفراح والأتراح والفصول والمواسم إنما هو أمر أغلبي، وإلا فكثير من الناس ولا سيما الخواص أو المتصلبين في الدين يقتصرون منها على أشرفها وأبعدها عن المفاسد الدينية. العادات المستعملة في الحمل والولادة وما بعدهما متى علمت المرأة بالحمل أخذت بالتحرز على نفسها وتجنبت حمل الثقيل والركوب على الدوابّ والصعود السريع على الأدراج والمشي الكثير وتناول المسهلات الشديدة إلى دخول الشهر التاسع. وعندها تكثر من الدخول إلى الحمام وقد تتردد من بيتها إلى باب الفرج تفاؤلا وتكون قد استحضرت لوازم المولود من الكسوة والقماط واللفائف، ويعرف ذلك بالديارة فإذا ابتدأ معها الطلق تحضر القابلة وتعرف بالداية وتصحب معها كرسيا من الخشب قد قوّر مقعده نصف دائرة فكلما جاء المتمخضة طلقة شديدة جلست على هذا الكرسي وإذا تعسر معها المخاض سقوها شيئا من السمن المذاب وبعضهم يحضر لها حربة مركوزة عند أضرحة بعض الصالحين فتتوكأ عليها تبركا وهي على الكرسي إلى أن تضع. قلت ولادة المرأة جالسة على هذا الكرسي مضرّة برحمها فالأولى أن تستولد مسلنقية «1» نصف الاسلنقاء مستندة إلى وسادة وحينما يولد الطفل تلمسه القابلة فإن كان غلاما صلّت على النبي وإن كان جارية ترضّت عن فاطمة الزهراء. فيتباشر القوم وتبتدىء النساء بالزراغيت. ثم إن القابلة تشتغل بدهن ظهر الولد بالزيت لإزالة الشحم منه وبقطع سرّه وتلبيسه. ويشتغل من حضر من النسوة برفع أمه إلى المرتبة المعدة لها ثم يجيء أحد أقارب المولود ويؤذن في أذنيه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 192 ثم يسمى من قبل أبيه أو جده أو أمه أو جدته ويدفع لأمه فتعرض عليه ثديها. وبعضهم يلعقه من شراب الزوفا ليسرع خروج العقي «1» من بطنه. وقلّ من يستعمل له العقيقة المسنونة. والغالب أن تقتصر الأم في مأكولها ومشروبها على الأغذية اللطيفة والأمراق وتطبخ لها حلوى بالشّونيز «2» والجوز ليكثر لبنها وتشرب من ماء الحمام المنقوع فيه أصول البنفسج. وتستمر على ذلك مدة أسبوع. وفي ثاني أو ثالث يوم من الولادة يرسل أحد أصدقاء البيت إليه فرشا من الزلابية ومعه أباليج السكر «3» قد وشي بالألوان. ثم في مساء اليوم السابع يولم أهل المولود وليمة حافلة يدعون إليها أقاربهم وخواصّ معارفهم. وقد يوجد من جملة الألوان طعام حلو مطبوخ مؤلف من الدبس والشمرة ويعرف بالمغلي وقد يحضرون في تلك الليلة القينات فيغّنين ويطربن من حضر. وقد يقمن إذا رضي صاحب الوليمة فيجمعن من النسوة دراهم تعرف بالنقوط فتعطي كل امرأة بحسبها من ثلاثة قروش فصاعدا. وربما جمع من ذلك مبلغ وافر يعطى بعضه القابلة وقيمة الحمام والقينات ويبقى فضلة لصاحب الدعوة. ثم في صباح تلك الليلة تنصرف كل امرأة إلى بيتها. وقد اعتادت النسوة أن يتهادين في الأفراح بأنواع الحلوى أو الأقمشة أو بعض النقود الذهبية القديمة فكل من كان عندها في فرح سبق لها الهدية من قبل الوالدة أو من ذوي قرابتها تأتي وتهنئتها بمثل هديتها. فإن كانت حلوى وضعتها في ظرف من البلور مصفوفة منضدة وقدمته إليها وإن كانت نقدا من الذهب المذكور علّقته في قلنسوة المولود. ثم بعد أربعين يوما من يوم الولادة تؤخذ النفساء إلى الحمّام مع أقاربها من النسوة. وربما أفردت لها الحمام خاصة بها وبمن معها فبعد دخولها إليه تطلى جميعها بعسل فيه زنجبيل «4» ويوضع منه مقدار تحتها ويكبس جسمها بالمرزنوش «5» القبرص والخزامى المغربية. وتجلس على هذه الحالة نحو ساعة في طرف سطح بيت النار ثم تغسل وتخرج وهذا الكبوس والطلي يعرفان بالشدود وقد تركه كثير من الناس ولا سيما في الصيف. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 193 وأما تربية الولد فإنه يرضع في الغالب حولين كاملين من أمه أو مرضعة مستأجرة. وفي أوائل هاتين السنتين يشدّ بقماط يستوعبه إلى رأسه وهذا غير جيد إذ ربما تلتوي بعض أعضائه من شد القماط ويوضع تحت مقعده تراب يعرف بتراب الهلّك كي يتشرب الرطوبة التي تخرج منه. وهذا غير جيد أيضا إذ ربما تضرّر الطفل من رطوبته على نحو ما يتضرر الإنسان من رطوبة الأرض فالأولى حذفه وتغيير لفائف الطفل كلما أحدث. وقد يؤانس منه وجع في بطنه فتمضغ له أمه لب عجو الدرّاقن وتعتصره في فمه أو يدهن بطنه من دهن البابونج فيسكن الوجع وقلما يغسلونه في غير الحمام. والأولى غسله بالماء الفاتر في أكثر الأيام مع الاحتراز عليه من البرد. ومما اعتادوه من يوم ولادته إلى أن يمضي عليه بضعة أشهر أن يكحلوه في كل أسبوع تقريبا بكحل أسود مركب من هباب الزيت ويدهنوا مراقّه «1» بالزيت الطيب ويذرّوا فوقها مسحوق ورق الآس كأن ذلك دباغا «2» لجسمه. وقد اعتادوا إذا خرجت أسنان الطفل أن يسلقوا له قمحا ويخلطوا معه سكرا ورمانا وجوزا ولوزا وفستقا ويطعموه من هذا الخليط ويفرقوا باقيه. وضع الولد في المكتب أو غيره وحفلة الختم إلى أن يبلغ حد الزواج وحينما يبلغ الطفل الرابعة أو الخامسة من عمره يضعونه في المكتب وإن كان أنثى وضعوها عند الشيخة أو معلمة الخياطة أو التطريز وكلما بلغ الولد نحو الربع من القرآن أرسلوا لشيخه هدية تعرف بالبخشيش إلى أن يكمله فترسل له هدية وافرة على حسب حال ثروة أهل الولد. وعندها يعمل له فرح يعرف بالنشيدة وهي وليمة لأولاد المكتب يدعون مع شيخهم صباحا إلى بيت الولد الذي أكمل القرآن ويدعى معهم بعض الأحباب والأصدقاء فيحضرون وقد سبقهم المطربون الذين يضربون بالدفوف وجماعة العازفين بالناي وربما الجزء: 1 ¦ الصفحة: 194 أوجدوا زمرة من دراويش الطريقة المولوية ويعملون نوبة سماح فيطرب من حضر. ثم يدعى الجمع للطعام فيأكلون ثم تصطف الأولاد عدة صفوف، أهل الصف الأول منهم يحملون أعلاما صغارا ويمشي أمامهم بضعة أولاد متفوقين ينشدون أبياتا من بردة البوصيري وبقية الأولاد يعيدون قوله (مولاي صلّي وسلم إلخ) وقد ينشدون غير ذلك. وأولاد الصف الثاني يحملون أعلاما أكبر من الأعلام التي حملها الصف الأول ويتقدمه واحد ينشد مدائح نبوية والأولاد يعيدون لازمتها. وأولاد الصف الثالث يقفون فرقتين متقابلتين إلى جانبي الذي ختم ويفتح بين كل ولدين من الصفين درج مكتوب فيه بعض الأدعية. وقد قام بين الصفين ناشد «1» يشدو بمدائح نبوية والأولاد يعيدون لازمتها وقد مشى أمامهم رجل يحمل كرسيا على رأسه فوقه المصحف، وأمام هذا الصف جماعة المغنين وبأيديهم الدفوف وهم ينشدون مدائح خصوصية ووراءه جماعة الدراويش ومن يحمل المبخرة التي يحرق فيها العود وفي جانبه إنسان ينثر على الناس شعيرا زعما أنه يدفع العين عن الولد. وهكذا يطوفون في الشوارع إلى أن يرجعوا إلى بيت الولد الذي ختم وفيه يقوم بضعة أولاد ممتازين يقرأ كل واحد منهم دعاء يدعو فيه للسلطان ولشيخه وللأولاد بالفتوح والبقية يؤمّنون على دعائه ثم ينصرفون وعند خروجهم من الباب يملأ جيب كل ولد منهم نقلا مركبا من الفستق والزبيب وغيرهما. وفيه مقدار من الدراهم وهكذا تكون خاتمة النشيدة. ختان الولد ثم إن الولد إن كان غير مختون فإنه قد يختن في هذا اليوم بعد رجوعه من الطواف المذكور. على أن كثيرا من الناس اعتادوا أن يختنوا الولد في اليوم السابع من ولادته، كما اعتادوا ثقب أذن البنت للقراط في أثناء ذلك الأسبوع، فيختنونه دون أن يقيموا له حفلة ومنهم من يفرد احتفالا خاصا لسنة الختان بعد أن يترعرع الولد فيولم صباحا ويحضر المغنين والمطربين وتقدم له الهدايا من أفراد أصحابه فيرسل له أحدهم أرزا أو سكرا أو غنما أو بعض أقمشة حريرية، كلّ بحسب حاله، وبعد أن يفطر المدعوون ويطربوا يفتتح شيخ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 195 بقراءة قصة المولد النبوي وفي ختامها يجاء بالولد ويختن وينصرف الناس وتحضر المغنيات وتقبل النسوة فيبقين ذلك النهار كله ويجمع منهن النقوط على نحو ما تقدم. وبعض الغرباء يجعل حفلة الختان مساء فيأكل المدعوون ويتغنى المطربون ثم تحرق الملاعب النارية وفي ثاني يوم تتلى قصة المولد بحضور نفر قليلين وفي ختامها يختن الولد. أما سكان الأطراف فقد اعتادوا غالبا أن يحتفلوا بالختان على غير هذه الصورة وهي أنهم يولمون صباح اليوم الذي يريدون أن يختنوا الولد فيه ثم يركبون الولد بالحلى والحلل على برذون ويركبون خلفه رديفا ويطوفون به في شوارع البلد وأمامه أحد شيوخ الطرايق مكللا بغطاء وردي وفي يده عقّافة راكبا على برذون يقوده أحد مريديه وأمامه جماعة يضربون طبول البدوي ويحملون أعلام الطريق إلى أن يطوفوا هكذا في أكثر الشوارع ثم يرجعوا إلى بيت المختون وتتلى قصة المولد النبوي ويختن الولد في ختامها. ومن الناس من يجعل في مكان نوبة الطريق هذه عراضة وهي عبارة عن جماعة يطوفون بالشوارع وهم يلعبون بالعصيّ ومنهم من يلعب بالسيوف والتراس، ومنهم مدرعون مشاة وفرسان معتقلون رماحا ووراءهم رجل يقود بعيرا على ظهره منصّة مهندمة يقوم فيها رجل قد ألبس كسوة نسوة العرب وفي يده صنوج فيرقص ويتخلع حتى يصل هذا الموكب إلى البيت. وهذا الرجل الرقاص يسمونه عبلة وكثيرا ما يجرون هذا الموكب في غير حفلة الختان. صيام الطفل في رمضان ثم إن الولد متى بلغ سن المراهقة صام من رمضان فيعمل له في أول يوم صيامه فرش مملوء من أنواع الحلوى يفطر عليه مساء ذلك اليوم. الزواج وتوابعه فإذا بلغ مبلغ الرجال رغب أبواه بتزويجه فتبتدىء أمّه ومن يقربه من النسوة بالخطبة له، ويبحثن في بيوت البلدة على البنات وربما استغرقن في ذلك أشهرا بل سنة أو سنتين. فإذا اتفق رأيهن على بنت لحسنها وأصلها وأدبها تقدم أقرب رجل إلى الزوج ومعه وجهاء الجزء: 1 ¦ الصفحة: 196 أهل بيته وخطبوها من أقرب رجل إليها وعينوا معه المهر الذي قد يكون ألف ذهب، وهذا عند المفرطين بالغنى والثروة. وأما المهر عند غيرهم فلا حد لأقله وقد اعتادوا أن يجعلوا ثلثي المهر معجلا يدفع إلى الزوجة أو وكيلها قبل العقد وثلثة مؤجلا يدفع للزوجة بعد الموت أو التطليق. والمهر المعجل الذي تأخذه الزوجة ربما أضافت إليه قدره وجهزت بذلك كله نفسها فاشترت به حليا وفرشا ونمارق وأواني صينية وغيرها وحمل ذلك جميعه إلى بيت الزوج. هذا إذا كانت الزوجة غنية أما إذا كانت متوسطة الحال فتضيف إلى المهر قدر نصفه أو ثلثه أو ربعه على حسب سعة حالها. والفقيرة لا تضيف إليه شيئا مطلقا. وبعد أن تتم الخطبة يجتمع نفر من ذوي قرابة العروسين ويأخذون العهد على وليها بالإعطاء ويقرءون على ذلك الفاتحة. وهذا الاجتماع يسمونه بالفاتحة أو بالملاك. وقلّ من يجريه. وفيه يرسل الخطيب إلى مخطوبته هدية من الحلي كالخاتم والقرط وغيرهما. ثم بعد أن يدفع المهر المشروط تعجيله يباشرون عقد النكاح فيهيّا» من قبل الزوجة دار فسيحة جميلة وترسل رقاع الدعوة من قبل وليّ العروسين ويدعو كل منهما من أراد من معارفه وأصحابه إلى الدار المذكورة في وقت معين، والأكثر أن يكون صباحا فيجتمعون في تلك الدار وقد سبقهم المغنون والمطربون فيستمعون الألحان والأغاني وآلات الطرق نحو ساعة ويطعمون شيئا من الحلوى كالراحة وربّ الكبّاد، ويتبعون ذلك بقهوة البنّ والدخان. ويكون الشيخ قد كتب اسم الزوجين ووكيليهما وشهوديهما وجملة المهر معجلا ومؤجلا وأكثر أسماء الحاضرين. ثم ترفع أدوات الدخان ويسكت المغنون والحاضرون ويتلو الشيخ خطبة يذكر فيها فضل الزواج ويدعو الزوجين، ثم يجلس أمامه وكيلاهما فيلقنهما الإيجاب والقبول وإذا انتهى من عمله افتتح أحد الحفظة بتلاوة شيء من القرآن العظيم وأعقبه أحد من حضر من الشيوخ بالدعاء للزوجين بالرفاء والبنين. ومتى أتم الدعاء ابتدر جماعة المطربين ينقرون بالدفوف وإنشاد بعض المدائح النبوية ثم ينتقلون منها إلى الأغاني المطربة ويحركون آلات الطرب وتدور الجزء: 1 ¦ الصفحة: 197 كؤوس الشراب الطّهور على الحاضرين ثم قهوة البنّ، فيشربون وينهضون إلى الانصراف ويقولون لأقرب من يكون للزوج وهم منصرفون: جعله الله مباركا. هذا ما يكون عند الرجال، وأما ما يكون عند النساء فإنهن بعد ذهاب الرجال يجتمعن إلى الدار المذكورة ويجلسن العروس بحليها وحللها على كرسي خصوصي، وتبتدر القينات بالأغاني والعزف بالآلات ويطعم الجميع من الحلوى المتقدم ذكرها ويدار عليهن كؤوس المرطبات ويجمع النقوط للقينات فقط إن سمح رب الدعوة بذلك وإن كان شرط عليهن أن يكتفين بما يعطيهن من الأجرة فلا يجمعن شيئا وإن جمعن فلا يأخذن منه شيئا بل هو لصاحب الدعوة إذا كان ضعيف الحال. ثم إن النسوة يبقين إلى مساء ذلك اليوم وفيه يرجعن إلى بيوتهن وفيها يتعشين. وأما حفلة الزفاف فهي أنه بعد مضي برهة من الزمن يجهز أهل الزوجة ما يلزمها من الملبوس والمفروش والأواني، ينفقون على ذلك المهر الذي أخذوه من الزوج ويضيفونه «1» شيئا على حسب حالهم كما بيناه آنفا، ثم في يوم معين ينقلونه إلى بيت الزوج إما على ظهور الدواب المجمّلة سروجها بالخرز والودع المعصّبة رؤوسها بالمناديل الملونة وإما على ظهور الحمالين، وهذا أكثر عند الأكابر وقد اعتاد سكان الأطراف غالبا أن يقدموا أمام الدواب جماعة يلعبون بالسيوف والتراس والعصيّ، وآخرين معهم طبل وزمر وأمامهم واحد ينشد أدوارا من الزجل وهم يرددون اللازمة ويصفقون ويضجّون ويطولون ويقصرون حتى يصلوا إلى بيت الزوج فيوضع فيه الجهاز. ثم في ثاني أو ثالث يوم يأتي أهل الزوجة ويفرشونه في البيت المعدّ له ويصنع لهم أهل الزوج في ذلك اليوم غداء. ومن جملة العادات المستعملة عند هؤلاء وأمثالهم أن يجتمعوا عدة ليال قبل ليلة القران في دار ذات ساحة فسيحة ويحضرون فيها طبّالا وزمّارا ويفتحون باب الدار لكل وارد فيجتمع إليها جم غفير من أخلاط الناس ويضرب الطبل وينعر الزمر ويقوم اثنان ويتلاعبان بالسيوف كالمتنازلين في الحرب إلى أن يغلب أحدهما فيقوم آخر وهكذا إلى آخر الليل. وربما داخل أحدهما الحنق على صاحبه فضربه مجدا وأثرا فيه. وقد يقوم اثنان يتلاعبان بالعصي على نسق المتلاعبين بالسيوف. وهذه الليالي تسمى بالتعاليل وفي كل ليلة منها يقوم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 198 واحد من قبل صاحب الحفلة ويقف أمام كل رجل ويتملقه ويمدح بيته وأهل محلته فيعطيه شيئا من الدراهم حتى يستوعب جميع الحاضرين. وهذا العمل يقال له الجبوة ثم إن هذه التعاليل قد تكون عند جماعة الأكابر على صفة جميلة بأن يحضروا فيها جماعة الموسيقى والمغنين والمطربين ويحرقون فيها الألعاب النارية دون عمل الجبوة. وبعد إجراء هذه التعاليل يباشرون حفلة ليلة القران وتكون العروس قد أخذت على الحمام عدة مرات وفي كل مرة منها تغسل عند خروجها منه بماء الورد. وقبل ليلة أو ليلتين يدعو أهل الزوجة إليهم أقاربهم وأحبابهم من النسوة ويفرقون عليهم نقش الحنّاء وتسمى تلك الليلة ليلة النقش ويكون المدعوون قد أرسلوا هداياهم على حسب أقدارهم إما أرزا أو سكرا أو شاة أو ثوبا هنديا أو غير ذلك. ثم في صباح اليوم الذي في مسائه يكون القران، يحضر المدعوون إلى بيت الزوج للفطور على السماط وقد سبقهم المطربون فيأكلون ويطربون وينصرفون. واعتاد بعض الأكابر أن يجعل هذه الوليمة عامة فلا يدعو إليها أحدا بل يحضر إليها أحباب هذا البيت وأصحابه دون دعوة ولا تقدمة من الهدايا المتقدم ذكرها، ويكون وقتها غالبا بعد العصر. أما النساء في هذا اليوم فإنهن يأتين في ظهيرته إلى منزل الزوج ثم يتوجه من أقاربه عدة «1» نسوة إلى منزل العروس فتلبس ثيابها ويأتين بها لمنزل زوجها راكبات معها في عجلات مجملة تسير بكل سكون ووقار. أما سكان الأطراف فإنهم ما برحوا مثابرين في ذلك على العادة القديمة وهي إتيان النساء بالزوجة إلى بيت زوجها ماشيات وهن في الطريق يزرغتن وينشدن التهاني ولا يمررن بها على حمّام زعما بأن جنّ الحمام تتخطفها. فإن وصلن بها إلى منزل زوجها استقبلتها القينات بالدفوف والأغاني التي تناسب مقامها ثم أجلست على كرسي معدّ لها واشتغلت القينات بالغناء وتحريك آلات الطرب إلى المساء وفيه تبسط الموائد وتتعشى النسوة ثم يرجعن إلى ما كن عليه من السماع والطرب. ويكون الزوج قد أخذ إلى منزل أحد الأصدقاء بعد مضي بضع من الليل وقد اجتمع فيه الناس والمغنون والمطربون فيلبس ثيابه في هذه البرهة ويخرج إلى الطواف في الشوارع هو ومن معه من الجموع ويقف إلى جانبه من يشبهه ويسمى سخدوجا «2» ويصطف إلى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 199 جانبيه صفان متقابلان في يد كل واحد من أفرادهما شمعة موقدة أو فانوس مسرج. وعلى كل واحد منهم غالبا أن يغني مواليا وعند إتمامه ينضمون إلى بعضهم مثنى وثلاث ورباع ويقولون بصوت عال: الله يساور جوز جوز جيز. وأظن أن هذه العبارة محرفة عن (الله يصور الزوج زوج جهاز) . وقد تقدم أمام هذين الصفين كبكبة من الناس فيهم طبال وزمار أو ذو طبيلات وكمنجا وأمامهم كبكبة أخرى يصفقون ويصيحون ويطولون ويقصرون، وقد مشى أمامهم القهقرى رجل ينشدهم زجلات ركيكة وهم يعيدون لازمتها والمشاعل توقد أمامهم والأولاد الصغار يتقاذفون بجمرها. وربما وجد مع هؤلاء الجماعات رجل يرمي بالشهب النارية المعروفة بالفتّاش. كما أنه ربما وجد معهم جوق الموسيقى الكبير المعروف بالعسكري. ولا يزالون هكذا حتى يصلوا إلى باب منزل الزوج فيقفوا عنده مليا وهم يصيحون ويضجون بتلك الزجلات ثم يقف الحاضرون حلقة ويغني من كان منهم صيّتا مواليا معروفا لا يتغنى به إلا في ذلك الموقف وفي آخره يصيح بقوله الفاتحة فيقرؤها الناس ويدعو أعلم الجماعة دعاء البركة للعروسين. ثم يدخل الزوج إلى الدار ويصيح واحد من القوم بتعيين الحمّام الذي ينزله الزوج في غده وينصرفون وتكون القينات قد خرجن إلى قرب الباب واستقبلن الزوج بالأغاني المناسبة لمقامه ومشين أمامه إلى قرب البيت الذي فيه الزوجة، وتكون هي قد نهضت لاستقباله ومعها أقرب من يكون إليها من النسوة وحينما يلتقيان يتقدم أقرب رجل إلى زوجها فيأخذ منه يدا ومنها أخرى ويضعهما في بعضهما فيتصافحان ويدخلان إلى البيت المعدّ لهما ويوضع فوقهما غطاء وردي اللون وتأتي القينات فيتغنين أمامهما ويحركن آلات الطرب برهة والشموع موقدة بين أيديهما. ثم ينصرف الجمع ويبقى العروسان وحدهما وتستمر القينات والنسوة على ما هن عليه من الصفو والطرب. وفي أواسط الليل يوضع للقينات مائدة تشتمل على أنواع الحلوى والنقل فيأكلن ويطعمن منها من شئن ثم يرجعن إلى التغني والطرب والرقص إلى الصباح فينصرف الكل إلى بيوتهن والزوج يقدم إلى زوجته هدية تسمى بالصبحية وهي تقابله بمثلها، ثم يتوجه إلى الحمام المعين للقوم فيدخل معه طائفة من أحبابه وأصحابه فيمرحون فيه ويختضبون بالحناء ثم يغتسلون ويخرجون وفي هذا اليوم يصنع أحد أصحاب الزوج وليمة باسمه يقال لها الصبحية فيدعوه إليها مع أقاربه وأصحابه وتكون في الغالب مشتملة على جماعة المطربين الجزء: 1 ¦ الصفحة: 200 والمغنين وإذا كان الأوان غير الشتاء تعمل في البستان. وبعد أن يتعشى المدعوون يؤخذ الزوج إلى بيت صاحب الدعوة فيلبس ثيابه ويخرج إلى بيته في الموكب الذي عمل له في الليلة الأولى التي هي ليلة القران وهذه الصبحية قد تكرّر من أصحاب الزوج وأحبابه عدة أيام وفي كل مرة تكون على النسق المتقدم ذكره ثم بعد مضي خمسة عشر يوما من ليلة القران يولم الزوج وليمة حافلة يدعو إليها أهل زوجته ويقال لهذه الوليمة عزيمة الخامس عشر. عاداتهم في أتراحهم متى احتضر المريض أحروا له أحد حفظة القرآن الكريم فيجلس في جانبه ويتلو ما ألهمه الله تعالى من القرآن. والغالب أن تكون التلاوة سورة الرعد يرددها حتى يقضي المريض نحبه وعندها يهيأ له المغتسل والنعش من الجامع. وإذا كان غنيا عمل له نعش جديد وبني له قبر جديد. ثم إن النسوة يأخذن بالنواح ولبس السواد. وبعض نساء سكان الأطراف المتعاملين مع البدو ربما أحضرن نائحات بالأجرة ونثرن على رؤوسهن الحناء وشددن المآزر وسوّدن وجوههن بسخام القدر وخدشن خدودهن وفعلن من هذه الأمور ما لا يليق إلا بالجاهلية. ثم إن كان يمكن دفن الميت قبل دخول الليل غسلوه ودفنوه وإلا أبقوه إلى الغد. ومن عاداتهم أنهم يغسلونه بالماء الفاتر مع الأشنان والصابون ثم بعد الوضوء والاغتسال ينثرون فوقه الكافور والعبيثران ويشدون عليه أكفانه ويضعونه في النعش. وربما ضرب أحدهم صفحة قنطرة باب الدار بإناء خزفي عندما يخرج منه النعش زاعمين أن ذلك يمنع من أن يلحق بالميت غيره من أهل الدار. ثم يحملونه إلى المصلى ثم إلى التربة ويجهرون بكلمة التوحيد وهم سائرون معه وربما كان في مقدمة موكب الجنازة من يؤذن أذان الجوق أو ينشدون بعض مدائح نبوية كبردة البوصيري أو جماعة من دراويش الطرايق العلية يحملون أعلاما وطبيلات يضربون بها. وربما كان الميت منتسبا إلى الطريق فتتقدم جماعته ويحملون النعش ويتجاذبونه ويتماسكون به كأنه يريد الطيران وهم يمنعونه عنه، الأمر الذي ينكره الشرع فإذا وصلوا بالجنازة إلى القبر أنزلوها إلى الأرض وافتتح واحد بالأذان الشرعي ثم أخرجوا الميت من الجزء: 1 ¦ الصفحة: 201 التابوت وأنزلوه في حفرته وابتدروا تلاوة سورة ياسين ثم تبارك ثم النبأ ثم سورة الإخلاص والمعوذتين والفاتحة وأوائل البقرة وأواخرها والتربّي في هذه البرهة يلحده ويحلّ ربط أكفانه فإذا انتهى خرج من القبر وطبقه وأهال عليه شيئا من التراب ثم صاح المؤذن في الناس: غفر الله لعبد جلس. فيجلس الجميع القرفصاء ويصمتون، ويتقدم أحد الشيوخ ويلقن الميت سؤال الملكين وكلمة التوحيد ثم يقوم هو ومن حضر فيصطفون حلقة يقوم في وسطها ناشد ويذكرون الله تعالى برهة. وفي ختامها يتقدم واحد من قبل وصي الميت ويفرّق على الفقراء والمحتاجين شيئا من الدراهم وينصرفون ويصطف أهل الميت في جهة من المقبرة ويمر عليهم الناس ويعزّونهم وفي مساء هذا اليوم يرسل أحد أصدقاء الميت طعاما يتعشى منه أهل الميت ومن يكون في بيته، ويقال لهذا الطعام حمول. وفي هذه الليلة أيضا يدعى جماعة من حفظة القرآن الكريم إما إلى البيت الذي مات فيه الميت وإما إلى قبره إذا ساعد الأوان، وقد تضرب عليه خيمة، وإما للمحلين معا فيشتغلون بتلاوة القرآن إلى مضيّ طائفة من الليل. ومنهم من يشتغل بالتلاوة إلى الصباح. ويستمرون على ذلك ثلاث ليال إلى سبع. وفي آخر كل ليلة يوضع لهم مائدة تشتمل على حلاوات وبعض أطعمة فيأكلون ومن حضر معهم لسماع التلاوة، ويشربون قهوة البنّ ويدخنون وينصرفون. وفي كل ليلة من هذه الليالي أيضا يجتمع نفر من الرجال والأولاد بين العشاءين في مسجد المحلة ويكررون كلمة التوحيد وفي أيديهم سبحة كبيرة تبلغ نحو خمسمائة حبة فإذا دارت دورا سكتوا وتلا إمام الجامع أو غيره شيئا من القرآن الكريم. وبعد فراغه يعودون إلى التسبيح فيديرونها دورا آخر ويختمون الذكر وتفرق عليهم الحلوى المعروفة بالغريبة. وفي صبيحة اليوم الثالث من الوفاة يجتمع جمّ غفير من أقرباء الميت وأحبابه وأترابه والفقراء والمساكين إما في مسجد المحلة وإما على قبره إذا ساعد الفصل، فتخرج البسط والسجادات وتمد على الأرض في طراف القبر ويوضع عليه قماقم «1» ماء الورد وتنثر فوقه الزهور ويفرق على القارئين أجزاء الربعات التي يستخرجها إمام مسجد المحلة. وبعد إتمام قراءتها يجهر الجميع بتلاوة صيغة الختم. وفي ختامها يقوم الناس ويصطفون حلقة على القبر يقوم في وسطها أحد شيوخ الطرائق العلية وناشده فيذكرون الله تعالى وربما ضرب النشاد بطبلات الجزء: 1 ¦ الصفحة: 202 استحضروها معهم بإذن أهل الميت فإذا قرب فراغهم من الذكر قام واحد من قبل وصيّ الميت وفرق على الفقراء شيئا من الدراهم وتبعه آخر يرش عليهم ماء الورد ثم يدعو الشيخ للميت بالرحمة والمغفرة وينفضّ الجمع ويقف قرابة الميت صفا يمرّ بهم من حضر ويعزّيهم بالفقيد. وهذا اليوم يعرف بالثالث. ثم في اليوم السابع من الوفاة يدعى جماعة من حفظة القرآن إلى بيت أهل الميت فيختمون في ذلك النهار ختما شريفا. وفي مسائه تبسط الموائد ويفتح باب الدار للفقراء والمساكين فيدخلون أفواجا أفواجا ويأكلون ويخرجون. وهذا اليوم يسمونه الأسبوع. ومثل ما يكون فيه يكون في يوم الأربعين ويوم تمام السنة من الوفاة ويعرف بالسنويّة. بعض عادات يستعملها النصارى في أفراحهم وأتراحهم فمنها ما اعتادوه في الخطبة والزواج، وذلك أن بعض الشبان متى أراد الزواج أخذ يتصفح وجوه البنات عند خروجهن من الكنيسة ومجامع الناس. فإذا أعجبته بنت من جهة حسنها ومالها وكفاءتها له شرع يتعاطى الوسائل للتوصل إلى مكالمتها واستمالتها نحوه فإذا تم له ذلك عرّفها تصريحا أو تلويحا بأنه يريد أن يكون بعلها. وهذه هي الخطبة الأولى التي تكون سرا بين الزوجين ولا يقع بينهما اجتماع في بيت إلا بطريق المصادفة، كأن يكون في المكان وليمة زفاف أو اجتماع خاص، فإذا ظهر له منها الرضا باشر الخطبة الثانية، ويقال لها الخطبة الرسمية، فيرسل من قبله إلى ولي المخطوبة كاهنا ومعه وليه وبعض أقاربه فيتلقاهم ولي الزوجة بالترحاب ويقدم لهم الحلوى وقهوة البن ثم يتقدم الكاهن إلى ولي الزوجة ويقول له: هل تخطب كريمتك أو قريبتك فلانة إلى فلان؟ فيقابله بالإيجاب، فيلتفت إلى ولي الزوج ويسأله مثل هذا السؤال فيقابله بالإيجاب وعندها يضع أيديهما في بعضهما علامة على الرضا المتبادل منهما، ويشهد عليهما هو ومن معه. وبعض الكهنة يسأل المخطوبة هذا السؤال بحضور والدتها فتطأطىء رأسها بالإيجاب فيعطيها الحلي الذي أهداها إياه زوجها. وبعد هذا العمل يتوجه الجميع إلى دار الجزء: 1 ¦ الصفحة: 203 الزوج فيدعون له باليمن والإقبال فيجاوبهم بالشكر منهم ويقبل يد أبيه وأمه ويد الكاهن وينصر الجمع. وبعد مضي نحو أسبوع من الزمن يشرع الخطيب بزيارة مخطوبته فيتردد إليها في اليوم مرة أو في الأسبوع أو في الشهر. وكثيرا ما نهى الكهنة عن كثرة هذه الزيارة فذهب نهيهم سدى وبعد أن يبلو الخطيب أخلاق مخطوبته وتكمل له أسباب الزواج يرسل الكاهن إلى أهل خطيبته ليحدد لهم ميعاد الزواج على حسب ما يرغب الزوج. وهذا العمل يقال له المشورة ويكون الزوج قد حمّل الكاهن بعض الحلي والحلل، فيتوجه بها إلى بيت مخطوبته ويعطيها إياها ويعين مع أهلها يوم الزفاف. وكثيرا ما ينكث أهل المخطوبة ويفسخ عقد الخطبة فيرجع الكاهن ومعه الحلي والحلل إلى بيت الزوج ويبين لهم السبب الذي حملهم على إبطال الزواج، فإن رضي الزوج بهذا السبب كان بها وإلا أقام الحجة على أهل الزوجة عند الرئيس الروحاني المنسوب إليه أهل المخطوبة (هذا إن لم يكونا من طائفة واحدة) وللرئيس حينئذ أن يحكم على المتسبب بالضرر وينقض ويبرم على نحو ما يتضح له. وهذه المشورة قد بطلت الآن وصار الزوج يرسل الهدية لزوجته مع بعض أقاربه أو أصدقائه ومعه يكون تعيين يوم الزفاف. وقبل ثمانية أيام أو خمسة عشر يوما من هذا اليوم توزع رقاع الدعوة إلى حفلة العرس على الأقارب والخلّان من قبل وليي العروسين، ثم في اليوم المعين يقبل المدعوون إلى دار الزوج بلباسهم الرسمي فيستقبلون بالترحاب وتدور عليهم كؤوس المرطبات وقهوة البن ثم يتوجهون مع ولي الزوج إلى بيت الزوجة فيستقبلون بالترحاب ويسقون الشراب والقهوة المذورين ويستريحون قليلا ثم يطلبون إزار الزوجة وخمارها فيضعونها عليها ويسيرون معها إلى بيت زوجها ومعهم جميع المدعوين من قبل أهلها فيمشون بها في الطريق مشي الهوينى ويسيرونها بين امرأتين وربما كان ذلك ليلا أو قبيل الغروب ويحمل أمامها عدة فوانيس ومتى اقتربت من بيت الزوج خرج لاستقبالها المطربون ومعهم الزوج فيستقبلها أيضا وينتظم شمل المدعوين ويرسل الزوج شخصا كبيرا يدعو ولي زوجته، فمتى حضر يبتدر المطران مع جمهور الكهنة وهم باللباس الكنائسي بتلاوة آيات الإنجيل التي هي عقد النكاح وتستغرق نحو ساعة من الزمن. وفي ختامها يدعو لهما بالرّفاء والبنين ويحذو حذوه الحاضرون ثم تحرك آلات الطرب وتدور الخمرة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 204 على القوم فيرقصون ويمرحون إلى نحو الساعة الثالثة من الليل وفيها يقدم لهم طعام العشاء ويسمونه سفرة الدخلة وهو قطع من لحم الدجاج الهندي والقديد والمخلّل والخبز السّميذ وغير ذلك فإذا أكلوا عادوا إلى السماع والطرب. وبعد مضي طائفة من الليل تقدم لهم الأشربة وبعض الحلاوات. وفي منتصف الليل ربما يقوم أحد الأدباء وينشد قصيدة تتضمن تهنئة العروسين والتبريك لهما. فإذا أتمها صاحوا استحسانا وصفقوا واستمروا في عملهم من الطرب والشرب والرقص حتى الصباح وفيه يقدم لهم الفطور الذي هو عبارة عن الجيكولاتا أو بعض الحلاوي اللطيفة مع الخبز السميذ والقديد فإذا أكملوا أكلهم باشروا جلوة العروسين وذلك بأن ينتظموا معهما حلقة ويرقصوا جميعا على نسق رقص العرب أو الأكراد. فإذا فعلوا ذلك انصرفوا مثنين على العروسين. وفي صبيحة هذا اليوم يهدى إلى الزوجة من قبل أحد أبوي الزوج هدية من الحلي يسمونها الصبحية. ثم في ثالث يوم أو سابع يوم يقبل من كان مدعوا ليلة الزفاف ويهنئ العروسين. وفي اليوم الثامن يزور العروسان أصحابهما فيحتفلون لهما بإحياء ليلة طرب ورقص. وفي اليوم الثاني عشر أو قبله يولم الزوج إلى المطران ولفيف الكهنة فيأكلون وينصرفون داعين لهما باليمن والإقبال وبعد مضي ثلاثين يوما من ليلة الزفاف يشرع العروسان برد الزيارة لمن كان مدعوا لزفافهما فيقابلان بالإعزاز والإكرام وتولم لهما الولائم. فهذه هي معظم العادات المستعملة في الخطبة والزواج. بعض عادات النصارى في أتراحهم فمن ذلك العادات المستعملة في الوفاة. وهي أنه متى قضى المريض نحبه يوضع على منصة. وبعضهم يضعه في صندوق من صفيح التوتياء كيلا يتغير ريحه لأنه لا بدّ وأن يبقى بضع ساعات من غير دفن، ولا سيما إذا كان شابا عزيزا على قومه فإنه يبقى أربعا وعشرين ساعة خوفا من أن يكون اعتراه سكتة القلب. وفي هذه البرهة يرسلون رقاع نعيه إلى أحبابه ومعارفه فيحررونها من لسان جميع من يلوذ بالميت، ذاكرين كل فرد باسمه معينين فيها ساعة تشييع جنازته إلى التربة، ويطلبون منهم الدعاء له بقولهم في آخر المكتوب صلّوا لأجله. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 205 ثم في الساعة المعينة يقبل المدعوون للحضور في احتفال جنازته الذين أرسلت إليهم الرقاع المذكورة ويقبل لفيف الكهنة ثم يضعونه في صندوق عمل له جديدا ليدفن فيه. وبعضهم يكتب على صندوق الميت بعض الأشعار في رثائه وربما كتبوا عليه تاريخ ولادته ووفاته وزينوه بالزهور والنقوش. ثم يأتي الحمالون فيحملونه على كواهلهم إلى الكنيسة ويتبعهم الجمهور. وهناك يصلي عليه المطران مع القسيسين وبعدها يصطف من حضر على نسق معلوم يكون فيه العسكر (إن كان الميت عزيزا ووجد عسكر) سائرين صفّين على مقدمة الموكب ويليهم خفر «1» قناصل الدول الأجنبية ثم تلامذة المدرسة ثم حملة الصليب والشموع ثم جماعة القسيسين والمطارنة يترنمون بآيات من الإنجيل ثم النعش وقد اكتنفه أربعة رجال من كبار القوم وأعزاء الميت يمسكون من أربعة أطراف النعش أربعة سفايف من الحرير الأسود فإذا وصلوا به إلى اللحد صلّوا عليه. فإن كان عزيزا في قومه قام أحد أدبائهم ورثاه نظما أو نثرا وبعد أن يواروه في ترابه يصطف أهله للتعزية، فأول من يمر من أمامهم ويعزّيهم هو المطران أو الأسقفّ ثم يتبعه بقية الكهنة والناس. وهكذا ينصرف الجمع. ثم في اليوم الثالث يعملون له في الكنيسة صلاة يسمونها الجنّاز ويحسنون فيه إلى الفقراء ببعض المأكولات أو بنقود وهذه الصلاة يعيدها بعضهم في اليوم التاسع وفي اليوم الأربعين وفي نصف السنة وتمام السنة. وحزن الولد على أبيه أو أمه مدة ثلاث سنوات والأخ على أخيه والأب على ولده سنتين. وهكذا الزوجان على بعضهما. وقد تزيد مدة الحزن وتنقص باعتبار عظم المصيبة بالفقيد. وفي مدة الحزن يلبسون السواد ويفرشون منه بيوتهم ويمتنعون عن الحمّام وسماع الغناء وآلات الطرب ومحافل الفرح. هذا ما تيسر لي استقصاؤه من عاداتهم في أفراحهم وأتراحهم. وأما عاداتهم في أعيادهم ومواسمهم فليس لي بها حق المعرفة فلذا لم أتعرض إليها بالذكر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 206 بعض عادات يستعملها اليهود في أفراحهم وأتراحهم فمنها أن يختنوا الطفل بعد ولادته بيومين إن كان قوي البنية. ثم إن كان من سبط «1» إسرائيل وكان بكر والدته التي هي من سبط إسرائيل أيضا ولم تكن أسقطت قبله وجب على أبيه أن يفتديه من رئيس روحاني يكون من سبط هارون ويعرف عندهم بالكاهن. وكيفية هذا الفداء هو أن يدعى الكاهن إلى البيت الذي ولد فيه الطفل فيضع الطفل في حجره ويلتفت إلى أمه قائلا لها: هل هذا أول ولد ولد لك ولم تكوني أسقطت قبله فتجيبه بقولها نعم فيلتفت إلى أبيه ويقول له إن هذا المولود حقّ سبط الكهنة فيتضرع أبوه إليه ليستوهبه منه ويعوضه عنه قدرا معلوما من الدراهم الفضية. قلت: هذا الفداء عندهم مأخوذ من الإصحاح الثالث عشر من سفر الخروج. ثم إن الطفل متى بلغ عمره السنة وجب على أبويه أن يأخذاه في كل سنة إلى قدّوس أي وليمة زفاف بشرط أن يكون في اليوم الذي قبل عيد الفصح وهو عيد الفطير. فيطعمانه من طعام المائدة المعروفة بالسيعوداه التي توضع في تلك الوليمة ويستمرون على هذا العمل إلى أن يبلغ عمره اثنتي عشرة سنة فيعتاضون عنه بصيام الولد ذلك اليوم. وإذا بلغ الثالثة عشرة وجب على أبيه أن يلبسه كنفوت، وهو صدرية مرتبطة أطرافها الأربع بفتائل من الغزل وأن يلبسه تيفلين، وهو سير من الجلد يشده على عضده الأيسر ورأسه قد اشتمل على الكلمات العشر والإصحاح الأول من سفر الوصايا فمتى تقلد الولد ذلك عدّ رجلا وجاز أن يكون متمما صلاة الجماعة التي لا تتم إلا بعشرة رجال، ويرث سهمين من تركة أبيه الحاضرة. وهذا كله إذا كان من سبط إسرائيل على ما تقدم فإن كان كاهنيا أو من سبط لاوي «2» فليس على أبيه أن يفتديه ولا أن يأخذ سهمين من تركة أبيه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 207 وإذا بلغ عمره الثامنة عشرة يجب عليه الزواج فيباشر الخطبة ومتى أعجبته أنثى وأعجبها جرى بينهما قنيان أي تحالف على الرضا ببعضهما وحررا فيه صكا يسمونه شيطارا يذكران فيه مقدار المهر الذي يوضع من الطرفين ويعينون مدة للزفاف وعند حلولها تنعقد جميعة يسمونها كتبة فيها يكون استلام الزوج الأمتعة التي اشترطها على الزوجة كالحلي والملابس. وفي هذا اليوم يشربون ويطربون ويكون حاضرا فيه جملة من رؤساء دينهم. ثم بعد ثلاثة أيام تكون حفلة الزفاف المعروفة بالقدوس فيحضر رؤساء الدين وجم غفير من أحباب العروسين وأصحابهما ويبتدئ احتفالهم من العصر إلى وقت الغروب، فيقوم رؤساء الدين ويجرون العقد المشتمل على الإيجاب والقبول، ويقرأ أحدهم قداسين فمدة قراءة الأول يوقفون الزوج أمام الزوجة والثاني يوقفونهما بجانب بعضهما ويفتحون على رأسهما ملاءة من صوف يسمونها طليطة أي طيلسان. وفي هذه البرهة يعطيها الزوج مقدارا من الفضة فتأخذه ويشهد بذلك رجلان ليس لهما قرابة لأحد الطرفين وعند ما يسلم الزوج زوجته الفضة المذكورة يقول لها بالعبرانية [هاري آت ميقديشت لي بي طباعت زكيدات موشى وإسرائيل] معناها أنت مقدسة لي بهذه القطعة الفضية مثل دين موسى وإسرائيل. وبعد هذا يتقدم الحاخام الأكبر وبيده كأس من الخمر فيبارك عليه بدعاء طويل باللغة العبرانية ويشرب منه جرعة ويدار على كل من حضر فيشرب منه جرعة أيضا ثم يرميه إلى الأرض فينكسر. وبعد ذلك يدخل الزوجان البيت المعد لخلوتهما فإن تزوج الزوج في تلك الليلة وجب عليه أن لا يمس زوجته مدة خمسة عشر يوما وأن يذهب إلى الحمّام وينطبل أي ينغمس في الحوض الخصوصي. ويجب على الزوج أن يدعو في ثاني يوم من زواجه عشرة من رؤساء الدين ويعمل لهم وليمة. ويجب على رئيسهم قبل تناول الطعام أن يبارك على المائدة سبع مرات كما بارك على كأس الخمر يوم الزفاف فإذا فعل ذلك أكلوا وانصرفوا. هذا جل ما يستعملونه من العادات في أفراحهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 208 بعض ما يستعملونه في أتراحهم وأما ما يستعملونه في أتراحهم، فهو متى احتضر المريض جلس عند رجليه رجلان متدينان يذكرانه بقولهما [شيماع إسرائيل أدوناي إيلو أدوناي أحاد] أي اسمع يا إسرائيل الديان إلهنا الديان واحد. فإذا مات وضعوه على المغتسل المعروف عندهم باللوحوت فيغسلونه بالماء الفاتر ويدرجونه في ثوب من الكتان ويضعونه في التابوت ويسمونه [أروت] ثم يحضر أحد أولاده وأقاربه ويقرأ عليه قديشا أي يصلي عليه صلاة الميت فإذا تم ذلك حمل التابوت بين ثلاثة أشخاص. ويجب على كل من مرت به الجنازة أن يمشي معها لا أقل من أربعة أذرع ويطلب من الميت السماح. فإذا وصلوا به إلى الكنيسة أدخلوه إليها وقرأ عليه أحد أقاربه قديشا آخر. ثم حملوه كذلك حتى وصلوا به إلى مدفنه ودفنوه وعندها يقوم أحد الحاضرين ويبارك عليه بقوله [با روخ ديان ها ايميت] أي تبارك من شرع الحق. ثم يقرأ ولده قديشا ثالثا ويعود هو ومن معه من الأقارب والأحباب إلى بيت الميت وفي أثناء الطريق يغسل يديه كل من حضر في الجنازة ويقول عند غسله إياها [عينينو لو رأو ويادينو لوشا فيخو بيدام هزه] أي أعيننا ما رأيت ويدينا «1» ما سفكت هذا الدم. فإذا وصلوا إلى بيت الميت قام أحد الحاضرين إلى كل وارث للميت وخرق ثوبه من طوقه سواء كان أنثى أم ذكرا ويقول لأولاده [يا روخ ديان ها ايميت] . ثم تحضر مائدة فيها أنواع الأطعمة يرسلها أحد الحاضرين ويطعمون ورثة الميت بشرط ألا يتناولوا منها ما لم يضعوا الطعام بأيديهم ويباركوا لهم بقولهم [يا روخ ميناحيم إبيليم] يعني تبارك الذي يسلي الحزين. ثم إن ورثة الميت يجلسون في بيوتهم مدة سبعة أيام لا يشتغلون فيها مطلقا ويسمونها التأبيل أي الحداد، وفي اليوم السابع يصنعون لروح الميت طعاما للفقراء. وهكذا في اليوم الثلاثين وبمرور تسعة أشهر وبمرور السنة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 209 عادات الحلبيين المسلمين في الأشهر القمرية فمما اعتادوه في أول يوم من شهر محرم أن يتناولوا فيه طعاما حلوا ويخرج فيه جماعة من العجزة والفقراء ينضمون إلى بعضهم رباع وخماس وسداس ويدورن على أبواب البيوت وينشدون شيئا من المديح فيتصدق عليهم الناس بشيء من البرغل وهؤلاء الجماعة يقال لهم فاز من صلّى، سموا بلازمة الزجل الذي ينشدونه وهي (فاز من صلى على تاج العلى طه النبي المصطفى جد الحسين) . وبعض الناس يسمونهم الحسينية وفي يوم عاشوراء يوسع الناس على عيالهم المآكل ويطبخون الطعام المعروف بالحبوب. وكان الناس يخرجون في هذا اليوم إلى المشهد حيث تكون فيه وليمة حافلة يحضرها الوالي ومن دونه فيتلى شيء من القرآن العظيم وصحيح البخاري وقصة المولد وتنشد مرثية ابن معتوق في سيدنا الحسين التي أولها (هلّ المحرّم فاستهلّ مكبّرا) ثم يأكل الجميع وينصرفون. والنفقة في ذلك من أوقاف المحل المذكور. وكانت النفقة على ذلك تصرف بواسطة الخزينة السلطانية الخاصة التي تجبي غلات القرى الموقوفة عليه وهي أبو الرويل وكفر هداد ودلامة ولما صارت هذه القرى مضبوطة للخزينة المالية كانت النفقة المذكورة تصرف من بيت المال. وفي آخر أربعاء من صفر يشتغلون بالذكر والتسبيح وتعطل فيه الحكومة. وفي اليوم الثاني عشر من شهر ربيع الأول تعطل الحكومة ويقبل الناس إلى الجامع الكبير لسماع قصة المولد النبوي فيسقون الشراب الطهور وينثر عليهم اللوز والملبس وتستمر هذه القصة تتلى في المساجد والجوامع نهارا وفي البيوت ليلا إلى آخر هذا الشهر. وكثيرا ما تتلى في الأماكن المذكورة في غير الشهر المذكور أيضا وتصنع لأجلها الولائم الحافلة. وأكثر قصص المولد استعمالا البرزنجي، ثم مختصرها للشيخ مصطفى الأصيل، ثم مولد نظم ينسب للشيخ وفا الرفاعي أوله (بعد حمد الله رب العالمين خالق الإنسان من ماء وطين) ، تم مولد السمان الجزء: 1 ¦ الصفحة: 210 ثم ابن حجر. وربما تليت قصة الإسراء والمعراج للبرزنجي التي أولها (افتتح تحبير أبراد ايراد.) وقد يتلى غيرها. واعلم أن أول ما عمل المولد الشريف النبوي أيام الفاطميين بالقاهرة. قال المقريزي: واعلم أنه لم يعرف في زمن رسول الله صلّى الله عليه وسلم ولا في مدة الخلفاء الراشدين ولا في أيام بني أمية ولا في بعض خلافة العباسيين أن أحدا اتخذ يوم المولد موسما يخصه بشيء من العادات بل كان أول من أحدث في الإسلام عمل المولد مظفر الدين كوكبري ابن زين الدين علي متولي إربل بعد وفاة أخيه زين الدين يوسف سنة 586 واحتفل لعمله وأكثر فيه من الصدقات وإظهار الزينة والسرور. انتهى ملخصا. رجعنا إلى ما نحن في صدده: وفي اليوم السابع والعشرين من شهر رجب يخرج الناس للمشهد المتقدم ذكره ويخرج الوالي ومن دونه وتعطل الحكومة فيسمعون فيه قصة الإسراء والمعراج ويسقون الشراب ويطعمون الحلوى وينصرفون. وقد بطلت هذه العادة منذ حدوث الحرب العالمية وخرب المشهد بالحادثة التي ذكرناها في الباب الأول في الكلام على المشهد. وفي ليلة النصف من شعبان يجتمع الناس في المساجد والجوامع بين العشاءين ويتلون دعاء يسمونه دعاء ليلة النصف من شعبان فيلقنهم الشيخ إياه كلمة كلمة ويعيدونها ويكررونه ثلاث مرات يقدمون على كل مرة منها تلاوة سورة ياسين. وأكثر الناس مواظبون على قراءة هذا الدعاء في تلك الليلة حتى كأنه من الفروض الدينية مع أنه مما لم يثبت به أثر نبوي. وبعد الانتهاء من هذا الدعاء يصلي الحاضرون صلاة العشاء ويتصرفون إلى بيوتهم. وفي بعض المساجد يصلون صلاة التسابيح بعد صلاة العشاء، ثم يجلس الشيخ ويعظ القوم ويذكر لهم فضل هذه الليلة وربما تلا قصة المولد وتفسير سورة الدخان وكثير من يحيي «1» هذه الليلة بالذكر والعبادة في المسجد أو في بيته ويصوم يومه. ثم متى أطلقت مدافع إثبات رمضان ابتدر الناس الجوامع لصلاة التراويح فإذا أتموها خرج بعضهم إلى بيوت القهاوي لسماع المطربين والتفرج على المشعوذين أو اللاعبين مع بعضهم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 211 بالصراع. ومن الناس من يخرج من المسجد إلى بيته ويشتغل بتلاوة القرآن إلى السحر. ومنهم من ينام إلى الوقت المذكور. وعلى كل حال: فمتى أطلق المدفع الأول وذلك قبل الفجر بنحو ساعة ونصف هب الناس من منامهم أو رجعوا إلى بيوتهم، وتناولوا شيئا من الطعام والقهوة والدخان فإذا أطلق المدفع الثاني وذلك قبل الفجر بنحو ثلثي ساعة تركوا الطعام والشراب وابتدروا الطهارة والوضوء وتوجهوا إلى المساجد فيتلون بها الورد البكري وبعض تسابيح وتهاليل أو يسمعون فيها تلاوة القرآن من قبل أحد الحفاظ الموظفين، ثم صلوا الصبح ورجعوا إلى بيوتهم. ومنهم من ينتظر طلوع الشمس ويصلي صلاة الضحى ويرجع إلى بيته فينام. فإذا كان قرب الظهر هبوا من مضاجعهم وتهيئوا لصلاة الظهر فإذا صلّوها أخذ كل رجل يهيّئ طعام بيته للمساء ثم جلس في حانوته إلى وقت العصر ومنهم من يستغني عن الاسترزاق في هذا الشهر فيلازم المسجد في أكثر نهاره. وفي كل ليلة من العشر الأخير منه سحرا يصعد إلى أكثر منارات المساجد زمرة من المؤذنين ويتغنون بالزجلات المشتملة على وداع رمضان والتأسف عليه وربما أخرجوا معهم طبيلات يضربون بها على الإيقاع. وفي سحر الليلة السابعة والعشرين يجتمع جم غفير من الناس في الجامع الكبير لسماع القرآن وإنشاد المدائح من بعض ذوي الأصوات الحسنة ودعاء مؤثر يتلوه أحد الموظفين في الجامع وليتفرجوا على الجامع لأنه يوقد فيه بتلك الليلة عدد وافر من الشموع والمصابيح فإذا صلوا الصبح عادوا إلى بيوتهم كجري عادتهم. وهكذا يستمرون إلى ليلة العيد. ثم إن الناس في خلال هذه الأشهر الثلاثة يهجرون المعاصي ويقبلون على العبادة ويكثرون من الصدقات ويتوجه بعض الحجاج إلى بيت الله الحرام ويخرج سحرا في كثير من المنارات جماعة أصواتهم حسنة يوحدون الله تعالى ويقدسونه ويهللون وينشدون بعض المدائح النبوية. ويعتكف بعض أفراد من المتعبدين في المساجد والجوامع فتقل المعاصي في خلال الأشهر الثلاثة ولا سيما في رمضان وقبله بأيام قلائل. ومما جرت به العادة في رمضان أن يخرج في كل ليلة منه قبل المدفع الأول بنحو ساعتين رجل طبال يدور في المحلة المختصة به ويقف عند كل باب ويضرب بطبلته وينشد شيئا من المديح ثم يحيي كل واحد من رجال أهل البيت ويذكر اسمه وينصرف. ومن العادات في الجزء: 1 ¦ الصفحة: 212 هذا الشهر أيضا تلاوة القرآن واستئجار الحفظة للتلاوة في الجوامع نهارا وفي البيوت ليلا. ومما اعتادوه أيضا أن يصعد إلى كل منارة في كل ليلة قبل المدفع الأول بنحو ساعة رجل ينشد شيئا من المديح حتى إذا أطلق المدفع الأول أذن الأذان المعتاد ثم سكت وصار في كل برهة يصيح بكلمة من الأذان ويمطط صوته فيها بحيث تضيع صورتها ولا يفهمها السامع إلا بإمعان السمع ويستمر على ذلك إلى إطلاق المدفع الثاني. وهذا العمل يعرف بالأصوات والغرض منه أن يعرف المستيقظ من منامه في أي وقت هو. ومما اعتادوه في هذا الشهر كثرة ترددهم على الجامع الكبير في النهار ولا سيما بعد العصر لكن كثير من الناس من يجعل مجيئه إليه في مقام النزهة وإضاعة الوقت. هذه أكثر العادات المستعملة في رمضان. فإذا أطلقت مدافع العيد ابتدر الناس تهيئة طعام الفطور وتفتح الأسواق في تلك الليلة فيشتري الناس اللحم والبقول والحبوب والتوابل والحلوى وغير ذلك. ثم يرجعون إلى بيوتهم فينامون إلى الغلس «1» ثم يقومون ويغتسلون ويلبسون أحسن ثيابهم ويصلون الصبح وصلاة العيد ويخرجون إلى المقابر فيزورون أمواتهم ويرجعون إلى بيوتهم فيفطرون فيها ويحملون فرشا من جميع أنواع أطعمة الفطور إلى كل من الطبال والحارس وقيّمة الحمّام ويعطون كل واحد منهم جائزة من الدراهم تسمى العيدية. ثم ينطلقون لزيارة بعضهم للمعايدة فمنهم من يجلس في بيته في اليومين الأولين من العيد ويدور في الباقي ومنهم من يعكس وكلما أقبل زائر قدم له المزار شيئا من رب الكباد والراحة وغيرهما مما هو على نسقهما أو سقاه قدحا من أحد الأشربة الحلوة إن كان الأوان صيفا ثم أتبعه بقهوة البن. وكان يخرج قبل العيد بيومين رجل في رأسه قلنسوة طويلة في أعلاها ذنب ثعلب وفي يده دف يضرب فيه وأمامه بغل مدرع بالخرز والودع معصب رأسه بالمناديل الملونة فيدور على هذه الهيئة بالأزقة والشوارع ويقف على كل ذي دكان ويمدحه ويرقص له فيعطيه شيئا من النقود وينصرف. ويقال لهذا الرجل جحش العيد. وكان يخرج في كل يوم من أيام العيد صبيان قد صبغوا أجسامهم بالسواد ولبسوا ثيابا قصيرة وفي رؤوسهم قلانس طويلة وفي أيديهم دفوف يضربون بها يدورون على منازل الأكابر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 213 ويمدحون ذويها ويرقصون لهم ويتخلعون فيعطونهم شيئا من النقود وينصرفون. وهؤلاء الجماعة يقال لهم بيضا بيضا وقد قل ظهورهم في هذه الأيام كالذي قبلهم. ومما اعتاده الأولاد وبعض الشبان في كل أيام العيد أن يتمرجحوا في المرجحونة ويجلسوا في نوع من الدواليب يقال لها القلابة وأن يلعب بعضهم بالميسر المعروف بيانصيب فيخسرون دراهمهم. ومما اعتادوه في المحلات المتطرفة من البلدة أن يضعوا لكل زائر يزورهم في العيد مائدة فيها من طعام الفطور الذي هو عدة أنواع دسمة وحلوة وحامضة. فربما دار الزائر في يومه عشرة بيوت، وفي كل بيت يتناول شيئا من هذه المائدة فيفضي به الحال إلى الكظّة «1» والتخمة وهذا من أقبح العادات. وقد قل استعمال هذه العادة. ثم بعد فراغ العيد يأخذ الحجّاج أهبتهم ويسافرون ويخرج لكل حاجّ من يودعه فمن المودعين من يرجع من أرض الحلبة «2» ومنهم من يرجع من أرض السبيل المبلّط ومنهم من يرجع من قرية كفر داعل وهكذا حتى إنهم يوجد منهم من يرجع من الاسكندرونة. هذا قبل وجود السكة الحديدية في حلب أما بعد وجودها فالمودعون غالبا لا يتجاوزون بوداعهم المحطة وقليل منهم يتجاوزها إلى غيرها من المحطات فيما بين حلب وطرابلس أو بيروت. وقبل بضعة أيام من عيد النحر يقبل تجار الغنم من كل جانب فيبتاع منها من حقّت عليه الأضحية فإذا كان صباح أول يوم من هذا العيد ابتدأ الناس بالتضحية وتفريق لحمها على المستحقين إلى انتهاء أيام النحر، وبقية العادات في هذا العيد كالذي قبله. هذا ما يستعمل من العادات باعتبار الأشهر القمرية. ما يستعملونه في الأشهر الشمسية وأما ما يستعمل منها باعتبار الأشهر الشمسية فهي أنه كان في اليوم التاسع من آذار يخرج كثير من الناس إلى الجهة الغربية من ظاهر حلب كأرض الحلبة وجبل النحاس وجبل الجوشن «3» وذلك ليستنشقوا نسيم الصبا التي تهب وقت حلول الشمس في برج الحمل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 214 كما يزعم بعض المنجمين. وفي الغالب يكون خروج الناس لذلك في الوقت الذي يعينه لهبوب هذا النسيم ميقاتي حلب أو غيره من المنجمين. ومما اعتادوه في هذا الشهر أيضا كثرة خروجهم إلى الجهات المذكورة للنزهة أو إلى بعض البساتين إذ يكون الشجر أخذ بالنور «1» . وفي شهر نيسان تهجر الجهات المذكورة ويقتصر الناس على البساتين طلبا للظل. وكان يخرج في أوائل هذا الشهر رجل من دراويش إحدى الطرائق ويدور في البلد وهو يضرب بطبلة في يده ويحمل راية صغيرة وينادي باقتراب أوان سفر الزائرين إلى ولي الله الزاهد إبراهيم بن الأدهم ويعين محلا لاجتماعهم في يوم معلوم للمفاوضة في هذا السفر ويذكر الشيخ الذي يترأس عليهم. وكان لبعض العامة اعتناء عظيم في هذه الزيارة إذ يعتقد أنه إذا زار سبع مرات يسقط عنه فرض الحج. وهذا جهل عظيم. وقد بطلت هذه البدعة منذ ثلاثين سنة أو أكثر. ومما جرت به العادة في هذا الشهر أن يرفع الناس مؤنة سنتهم من الفحم والجبن والسمن وربما أخروا الأخير إلى حزيران. وكان مما اعتاده بعض الناس أن يسافر في الربيع لزيارة الشيخ ريح زاعما أنه يشفى من ريحه. ثم هجرت هذه العادة. ومن العادات التي كانت جارية في نيسان أن يخرج في يوم الأربعاء والخميس كثير من النساء والشبان إلى بساتين جهة الدباغة كبستان قيصر وبربر ويخرجون معهم أنواع المأكولات فيبقون هناك ذلك النهار. وهذان اليومان يقال لأحدهما أربعاء الزوبعة ولثانيهما خميس البيض. ويكونان قبل الأحد الذي هو أول يوم من عيد الفصح. ويعمل في يوم الاثنين بعده ما يعمل في اليومين المذكورين ويقال له اثنين الباعود. ويزعمون أن من لم يخرج إلى النزهة في هذه الأيام الثلاثة لا يأمن سنته من الصداع ووجع الرأس. وقد أهملت هذه العادة أيضا لاستغناء الناس عنها بالخروج إلى المنتزهات في أكثر الأيام. ومما اعتادوه في شهر هيار إلى أواخر الصيف أن يزور كثير من الناس في البساتين بالأهل والعيال ثلاثة أيام فأكثر وأن ينام معظم من يبقى في حلب تحت السماء وأن يخرج كثير من الأصحاب والأحباب مع بعضهم إلى أحد البساتين فيبقون بها من الصباح إلى المساء الجزء: 1 ¦ الصفحة: 215 فيفطرون فيها ويتغدون ويتعشون. والنفقة في ذلك إما تبرعا من أحدهم وإما موزعة على كل واحد منهم وتسمى بشماريّة وإما أن يقوم بمثلها في غير يوم كل واحد منهم وتسمى دوريّة. وهذا اليوم يسمونه سيبانة. ومما اعتادوه أيضا في هذه المدة أن يخرج من الناس عدد كثير للنزهة في جادة باب الفرج أو إلى ظهر القناة في جهة بعاذين أو إلى عين التل والعين البيضاء أو إلى جبل الشيخ فارس أو الشيخ مقصود أو إلى الميدان الأخضر. وكثير من يبقى فيه إلى الليل إذا كانت الليلة مقمرة. وفي هذا الشهر أعني شهر هيار يقع في حلب كساد عظيم على التجار لاشتغال ذوي الزراعة بالحصاد وجمع الزرع ويسمون هذه الأيام أيام عصّة المنجل. ومن أوائل أيلول إلى أواخر تشرين الأول يشتغل الناس باحتكار مؤنة سنتهم من الحنطة والعدس وبقية الحبوب فيسلقون شيئا من الحنطة للبرغل ويشتغلون بدقها وتنقيتها وطحنها وغربلتها ويرفعونها في مخازنها ويحتكرون بقية ما يحتاجونه في شتائهم من البقول والفواكه التي يحفظونها إما بالتيبيس وإما بالماء الموضوع فيه ملح مع رادّة تطفو البيضة على سطحه. قيل إن الحلبيين عرفوا البرغل من التتر المنسوبين إلى جنكزخان حينما استولوا على حلب فإن البرغل كان زادهم في أسفارهم والله أعلم. ثم إذا دخل تشرين الثاني أخذ الناس أهبتهم للشتاء وشرعوا يسهرون عند بعضهم ليلا، فزمرة منهم يقتصرون في سهرتهم على الحديث المباح كذكر الأكل والشرب والبيع والشراء وأخرى تقتصر على مطالعة بعض كتب الأخبار والتواريخ والفتوحات أو على مطالعة قصة عنتر أو كتاب ألف ليلة وليلة أو القصص الموضوعة المعروفة بالروايات أو كتب الحديث والسير أو أحد التفاسير. وربما اقتصر بعضهم على تلاوة القرآن أو غير ذلك من كتب الأخبار والتواريخ. وقد اعتادوا غالبا أن يجعلوا سهرتهم دورية عند كل واحد منهم أسبوعا مثلا. وفي الليلة الأخيرة منه يعمل صاحب البيت وليمة لهم ويحضر في الليل من يطربهم بصوته أو عوده أو كمنجته أو قانونه أو نايه. وربما أحضر جميع هذه الآلات ويعرف بالنوبة أو أحضر اللاعب بالخيالات ويعرف بالخيالاتي وهو مما لا بأس به لو لم يشتمل كلامه على فحش القول الذي يخل بالآداب ويسيء أخلاق الصغار. والظاهر أن اللعب بالخيال قديم لا كما يحكيه الخيالاتية أنه من اختراع بعض وزراء الدولة العثمانية فقد حكى ابن حجة في كتابه ثمرات الأوراق ما خلاصته أن السلطان الملك الناصر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 216 صلاح الدين أخرج للفاضل من القصر من يعاني الخيال أعني خيال الظل ليفرجه عليه فقام الفاضل عند الشروع في عمله فقال له الناصر: إن كان حراما فما نحضره. وكان حديث العهد بخدمته قبل أن يلي السلطنة. فما أراد أن يكدر عليه فقعد إلى آخره. فلما انقضى ذلك قال له الملك الناصر: كيف رأيت ذلك. قال: رأيت موعظة عظيمة. رأيت دولا تمضي ودولا تأتي ولما طوي الإزار إذا المحرّك واحد. اه. ثم إن هؤلاء المطربين يشتغلون بآلاتهم إلى مضي بضع ساعات من الليل وحينئذ يضع صاحب البيت مائدة تشتمل على الفواكه والجبن والكعك والزيتون ولب الفستق واللوز والزبيب والبرتقال مع السكر المذاب بالماء. ويعرف هذا بالخشاف تحريف خوش آب كلمة فارسية معناها الماء اللذيذ. وإذا لم يولم مساء فإن مائدته يكون فيها علاوة ما ذكر أنواع الحلوى المعروفة بالكنافة والشوربة المطبوخة بالأرز ولحم الدجاج أو الضأن. فإذا أكل القوم ثم المطربون رجعوا إلى ما كانوا عليه من الطرب إلى ذهاب أكثر الليل ثم انصرفوا إلى بيوتهم. وكثير من يحذف النوبة المذكورة ويقتصر على شيخ يقرأ قصة المولد النبوي أو قصة المعراج ويحضر معه ذا صوت حسن ينشد القصائد النبوية في خلال تلاوة إحدى القصتين. ثم إن النوبة المذكورة والخيالاتي يشتغلون في بعض بيوت القهاوي في أكثر مواسم السنة التي يساعد ليلها على السهر. وكثير من الناس من لا يدخل في سهرة دوريّة بل يلازم بيته أو بيت القهوة أو يسهر عند أحد ذوي البيوتات التي أعدوها لمجالسة الأحباب ومسامرتهم. وهذه السهرة الدورية تكون عند النصارى واليهود وينتقلون فيها كل ليلة إلى بيت. وجلّ ما يمضون عليه سهرتهم هو اللعب بالورق. وأكثر ما يكون في الليالي التي يحتفلون فيها السماع والشرب والرقص على النسق العربي والافرنجي. ثم في الأيام الأخيرة طمى بحر الملاهي في أماكن متعددة أوجدت لذلك خاصة كمراسح الرقص والتمثيل والشرب والغناء والشعوذة وأنواع الخلاعة على صفة يحمر لذكرها وجه الأدب. ما لا يستحسن من عادات بعض الحلبيين إن ما أذكره هنا من العادات لا يستعمله من الناس إلا من لا يعبأ به. أما خواص الناس فإنهم يدركون بعقولهم المليح فيأتونه والقبيح فيجتنبونه. ولذا ترى الخواص من كل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 217 ملة في كل صقع وإقليم قد اتحدت مشاربهم وعاداتهم وأفكارهم حتى كأنهم نشؤوا في بيت واحد: فالعقل فنّ واحد وطريقه ... أحرى وأجدر، والجنون فنون فمما لا يستحسن من عادات بعض الناس طول مكثهم في الحمّام. وقبح هذه العادة من حيث ضررها بالصحة. والنساء في ذلك أحق باللوم إذ أن إحداهن تدخل إليه من الظهر ولا تخرج منه إلى قرب العشاء. ومن تلك العادات أيضا استلقاء البعض وانكبابه على وجهه في الحمام وتفريك القيّم بالكيس ظهره وبطنه وأعلاه وأسفله. وهكذا يفعل معه عندما يغسله بالصابون. ولا يخفى ما يكون في ذلك من انكشاف العورة وعبث القيّم بها. وقد نص الفقهاء على كراهة ذلك في كتاب الحظر والإباحة. ومنها إفراط استعمال النسوة في الحمام طين الطفال المعروف بالبيلون، فهو وإن كان ينعم البشرة ويزيل ما يحدث فيها الصابون من الخشونة إلا أن الإفراط من استعماله قد يحصل منه سد الآذان سيما آذان النساء. ومنها ما اعتاده بعض الناس من نوم نسائهم عدة ليال عند من يزرنهم من الأهل والأحباب ولا سيما حينما يولد ولد لأحدهم فإنهم يبقين في منزل أبي المولود سبعة أيام متوالية يتكبد فيها مشقة عظيمة ونفقات باهظة عدا ما يلحق النفساء وطفلها من السآمة والملل من ضجيجهن وغواشهن «1» ليلا ونهارا. على أن الواجب الصحي يقضي أن تكون النفساء وطفلها منفردين في خلوتهما مصانة أسماعهما عن اللغط. أما رجالهن فإما أن يناموا في بيوتهم وإما أن يناموا في بيت الزيارة. ولا يخفى ما في نوم الرجل وحده في بيته من الزحمة والمشقة وأما نومه في بيت الزيارة فهو يوجب المشقة الزائدة على صاحبه لأنه يضطر حينئذ أن يستحضر مفروشا للرجال ومفروشا للنساء ويفرد لكل نوع منهما بيتا على حدته. هذا مع ما يكابده من الزحمة في مغايرة الموائد وعند خروج أحد الفريقين إلى الطهارة والوضوء. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 218 ومنها خروج النساء في الحارات المتطرفة مع الجنازة وهن لابسات أثواب الحداد قد خمشن وجوههن وسودنها بالسّخام باكيات مولولات منتحبات وهي من عادات الجاهلية التي يأباها الإسلام. ومنها وهي أقبحها اغتيال «1» كثير من ذوي المطامع أطفالا صغارا وبهائم كالحمير والبغال فيخبئونها عندهم طعما في أن يأخذوا عليها من ذويها شيئا من الدراهم فلا يمضي عليك بضعة أيام إلا وتسمع مناديا ينشد ضالة ويعين لمن ردها عليه حلوانا. فكم من والدة تبيت طول ليلتها باكية منتحبة ترجم في ولدها الظنون أو تحسب أن قد أنشبت فيه مخالبها المنون. وكم من فقير ضاع حماره وتعطل عن عمله مدة أيام وخسر الحلوان ونال من القلق والاضطراب ما لا يخفى، ومنها أخذ النسوة العروس من بيت أبيها إلى بيت زوجها وهن يزرغتن في الشوارع مع أن ذلك غير جائز عندنا شرعا وهذه العادة مستعملة عند أهل الحارات المتطرفة فقط أما أهل الحارات الداخلية فقد هجرت عندهم هذه العادة وصاروا يأخذون العروس إلى بيت زوجها بعربات مستورة على وجه مقرون بالأدب والوقار كما قدمنا بيانه. ومنها استبراء بعض جهلة من المسلمين في الجدران وقد نبه الفقهاء على كراهة هذا العمل نظرا لما ينشأ عنه من انكشاف العورة وتلويث الجدار بالنجاسة مع عدم نقاء المستبرئ لأن الحجر ليس من الجواهر الهشة التي تمتص البول كالفخار والورق الهش وهذه المحاظير كلها إذا كان استبراؤه في جدار يملكه وإلا فعليه مع هذه المحاظير إثم التصرف بمال الغير أو يستأذن من صاحبه فإن كان الجدار وقفا تعذر الإذن. ومنها تواجد بعض الجهلة في الأذكار ولا سيما في النوبة البدوية فتراهم بعد أن يحضروا ببرهة يهيمون ويصيحون ويضجون ثم يتغامون ويقذفون أنفسهم في حلقة الذكر ويرتجفون وتتشنج أعضاؤهم ويسيل لعابهم فيأتي إليهم قيّم النوبة ويعالجهم على صفة معروفة فيؤوب إليهم رشدهم ويستقيم جسمهم وهذا هيام لم نسمع به في كتب القوم ولا رأينا صدوره من كامل الحشمة والوقار. ومنها، وهي قبيحة جدا: ليالي الطرب التي يحييها بعض جهلة النصارى فإنهم يجتمعون الجزء: 1 ¦ الصفحة: 219 زمرة ويبتدئون فيها قبل غروب الشمس بالشرب والدق والغناء لا يفترون ساعة واحدة إلى ضحوة النهار من الغد. وهم في كل هذه المدة يشربون ويتواجدون فيضجون أفرادا وجملة ويصيحون وتعلو أصواتهم ويكثر تصفيقهم ورقصهم ودبدبتهم حتى يقلق أبعد من جاورهم فضلا عمن كان قريبا منهم فيحرمونه لذة الرقاد وببيت طول ليله متقلبا على جمر السهاد. وإذا نهوا عن ذلك قالوا: هي الحرية. ولم يعلموا أن للحرية حدا يجب على المرء أن يقف عنده كيلا يسلب حرية غيره. على أننا لا ننكر أن بعض جهلة المسلمين يفعلون هذه الأفعال الفظيعة في لياليهم إلا أنهم يبتدئون فيها بعد العشاء الأخيرة ويختمونها في أواسط الليل فيتركون لمن كان قلقا بفعلهم مدة طويلة تكفيه للنوم والراحة. ومنها جمع النقوط والجبوة «1» التي يستعملها بعض المسلمين في مواسم الفرح كما سبقت الإشارة إليهما في الكلام على العادات المستعملة في الأفراح والأتراح. ومنها اغتسال بعض ضعفاء العقول من النسوة في قصطل علي بك خارج باب النيرب قرب الفجر، من السبت الأول والثاني والثالث من تموز وذلك أنهن يزعمن أن خاصة هذا العمل خلاصهن من المرض في بقية عامهن. ومن العادات التي لا توازيها عادة بالقبح والإخلال بالصحة استعمال القنواتية الخرق المطروحة في الأزقة وبين القمامات سدادا لكيزان «2» أقنية الماء إذ لا يخفى أن هذه الخرق لا يطرحها أهلها في الأزقة إلا لقذارتها ونجاستها وتلوثها بما تعافه النفس وحينما تستعمل سدادا للماء ينحل ما فيها من جراثيم الأمراض في الماء المشروب فتتفشى بواسطته الأمراض الوبائية كالسل وحمى التيفوئيد. ومنها تلاعب الأولاد في الطيارات أيام الصيف فيصعدون على الأسطحة ويشخصون بأبصارهم إليها وهي طائرة في الجو فيقع بهم خطر عظيم من سقوطهم إلى الأرض إما لغفلتهم واستغراق أفكارهم وإما بجذب الطيارة إياهم. ومنها ما يفعله جهلة النسوة في يوم عرفات إذ يجيئون بصبيانهم الصغار إلى الجامع الكبير الجزء: 1 ¦ الصفحة: 220 ويحنّونهم زاعمات أن هذا طلسم به يجد الولد كثيرا من اللقطات فلا تسل عما يحصل في الجامع من الأقذار ونجاسة الأولاد. ومنها تغالي أغنياء المسلمين بمهر النساء فلا يقدر أن يتزوج منهم إلا من كان غنيا مثلهم وإن لم يكن ذا نبل وفضل. ومنها تزويج كثير من المسلمين أبناءهم وبناتهم وهم في سن المراهقة فيجيء الولد بين هذين الزوجين نحيفا لأنه يخلق قبل تمام نمائهما فتتوزع القوة بين الجنين وأمه ويقع كل منهما بالضعف وقلما يعيش الولد المولود من أم صغيرة وإن عاش فيكون ظاهر الضعف صغير الجسم قصير القامة. على أن شيوع هذه العادة عند اليهود أكثر من شيوعها عند المسلمين ولهذا تشاهد فيهم النحافة وصغر الأجسام أكثر من غيرهم. صفات الحلبيين الحسيّة أما صفاتهم الحسية فالغالب عليهم درّية «1» اللون ثم البياض المشرب بالحمرة وسواد العيون وشهلتها وتقل فيهم العيون الزرق. والغالب عليهم أيضا صغر الأنف والفم والاعتدال بين الطول والقصر والسمن والهزال وصغر الأطراف وسواد الشعر ويوجد فيهم الجمال المفرط. والغالب على المسلمين صلابة الجسم وفعومة «2» الساعد والساق وعلى النصارى الترافة ورقة البضاضة وعلى اليهود النحول ورقة الأعضاء وصغر الجسم. ونساء الملل الثلاث يضعن في وجههن البياض (المسمى بودرا) وبعض نساء المسلمين واليهود يزدن عليه شيئا من الحمرة إلا أن نساء اليهود أشد غلوا في ذلك. وكان بعضهن يزجّجن الحواجب «3» وبعض نساء المسلمين واليهود يصبغنها بالسّخام وقد بطل ذلك. ونساء اليهود يستعملن الكحل الأسود استعمالا فاحشا يخرجه عن مشابهة الكحل المطلوبة لهن. أما المسلمات فقد هجرن هذه العادة بتاتا سوى بعض نساء الفلاحين وسكان أطراف الجزء: 1 ¦ الصفحة: 221 البلدة والمسلمات خاصة ينقشن أكفهن كثيرا وأرجلهن قليلا بالحنّاء على ضروب متنوعة من النقوش. وكلهن يضفرن غدائرهن المسلمات إلى ثلاث والنصرانيات إلى ثنتين، واليهوديات إلى ما فوق الثلاث. وجميعهن يربطن رأس الضفيرة بريبانة حمراء أو زرقاء. وربما وجد منهن من تسدل شعرها من غير ضفر ومنهن من تضفر شعرها ببند مبروم من الحرير الأسود أو توصله بشعر آدمي أو بشعر مصنوع من الصوف المصبوغ زاعمة أن ذلك يطوّل شعرها. وكانت البنات اليهوديات يراعين هذه العادات في شعورهن حتى يتزوجن وعندها تجزّ شعرها مهما كان جميلا وتعتاض عنه بقبع «1» مصنوع من الصوف له من جهة وجهها سالفتان وغرة ومن جهة ظهرها عدة ضفائر. وقد هجرن الآن هذه العادة وجميعهن قد يعقصن شعورهن ويجمعنها في قمة رؤوسهن على صورة التاج ولا يتخذن فوقها شيئا من كساوي الرأس إذا كن في بيوتهن. فإن كنّ في محفل فرح فمنهن من تضع على رأسها شيئا من النسيج الرقيق المعروف بالغربول تحشيه بورق وتجعله على شكل إطار تغرز فيه المجوهرات والحلي ومنهن من تغرز الحلي بالشعر المعقوص دون الإطار أما عجائز النسوة من الملل الثلاث والمتعصبة في دينها فإنها لا تترك رأسها مكشوفا ولو في بيتها بل لا بد من أن تضع عليه منديلا ولو صفيقا وقد اعتدن جميعا أن يثقبن شحمة آذانهن من الصغر ليعلّقن بها القرط. صفات الحلبيين المعنوية وأما صفاتهم المعنوية فهي كما قال دارفيو في تذكرته إن الأمر الخارق للعادة هو امتياز الحلبيين وسموهم على باقي شعوب الممالك العثمانية كلها فإنهم أحسنهم طباعا وأقلهم شرا وألينهم جانبا وأشدهم تمسكا بمكارم الأخلاق من جميع شعوب هذا الملك العظيم. ثم أطنب في تصوّن نسائهم وعدم دخول الذكور إلى الحريم متى بلغوا السابعة وأنهم يتحاشون الحريم عن كل تبذل حتى إنه لا يمكن لخادم الحكومة أن يدخل عليهن وإن وجب عليهن الحبس حتى تخرج المرأة بطوعها. وكأن كلمة الحريم عندهم مشتقة من الاحترام. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 222 قلت: والغالب عليهم التجلد والشجاعة والتعصب في الدين والاعتقاد بالطريق وأهله وبمن يتظاهرون بالدين ولا سيما إذا كان غريبا وإعظام الغرباء والولوع بغرائب الأخبار وميل عوامهم إلى الخرافات والخوف من الجن والمردة والشياطين واعتقادهم بالسحرة والرمّالين والمنجمين وأصحاب العزائم ولا سيما النساء. والغالب عليهم أيضا كراهة الفحشاء والسكر (إلا ما شذّ من شبانهم وجهالهم) وفرط الطاعة لأولياء الأمور والتسامح بالبيع والشراء ولا سيما المسلمين والقناعة بالربح والعيش الكفاف ولا سيما اليهود. ملابسهم وأزياؤهم أما الرجال فإنهم يلبسون برءوسهم أنواع العمم والكساوي وما رأيت أهل بلد من البلاد التي دخلتها مثل أهل حلب من جهة تنوع ما يستعملونه برءوسهم فمنهم من يلبس السربوش «1» ذو الطرة الحرير أو الكتان أو الغزل ويعتم فوقه بالشاش المطرز بالحرير الهندي المعروف بالأغاباني أو الزبتّاية فيلوثه دورين أو ثلاثة وهم التجار وأواسط الناس، أو أكثر من ذلك وهم الأصناف والبساتنة وبعض الفلاحين ومن هؤلاء من يلف تحت الأغاباني شاشا أبيض أو منديلا ملونا لتكبر عمّته ومنهم من يعتم فوق السربوش بالشاش الأبيض الخالص الرقيق وهم الطلبة والعلماء وبعض المستخدمين في الحكومة وقليل منهم من يبدله بالأخضر أيام الشتاء. وكانت بقايا الانكشارية يعتمّون فوق السربوش بقماش حريري أسود مطرز بالحرير الأخضر أو الأصفر ويحزمه من أعلاه بخيط خشية الانحلال لعظمه وهذه العمة تعرف بالشد وقد بطل استعمالها. وكان بعض قدماء النصارى يعتمون فوق السربوش بما يشبه الشد المذكور دون أن يحزمه بخيط وقد بطل ذلك. ومنهم من يعتم فوق السربوش بمناديل سود أو مرقشة بنقط حمر وهم بعض اليهود. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 223 ومنهم من يعتم فوق السربوش بمنديل أو عدة مناديل ملونة موشاة وهم شبان العامة من المسلمين والنصارى وقد تستعمل هذه العمم كلها إلا ما ندر منها فوق قبّاعة «1» من صوف عوضا عن السربوش. ومنهم من يقتصر على السربوش فقط كما هو زي الدولة العثمانية وهم القسم الأعظم من الملل الثلاث ولا سيما النصارى واليهود ومن استخدم منهم ومن المسلمين في الحكومة. ومنهم من يعتم فوق القبّاعة بشفّ «2» صوف وأكثرهم ينسبون إلى الطريق. ومنهم من يلبس في رأسه نوعا يعرف بالدنبكية «3» وهي قبع مضلع بالخياطة محشو قطنا ملفوف فوقه على شكل كتلة شاش رقيق مطوي طيا ضيقا. وهذه العمة مختصة بخلفاء الطريق ويوجد على غير هيئة هذه العمة عدة أنواع يستعملها أصحاب الطرائق لكل طريقة عمة خاصة بها. وكهنة اليهود يعتمّون فوق السربوش بنسيج أسود يطوونه طيا ضيقا ويلفونه متراكما على بعضه دورا فوق دور ويرسلون وراءه الطرة. وبالجملة فإن أشكال العمم وهيئتها عندنا لا تكاد تدخل تحت الحصر. أما ملابسهم فأعمها أن يلبس الرجل قميصا إلى ركبتيه وفوقه ثوب يعرف عندنا بالقنباز إما أن يكون له زوائد ترد على صدر لابسه ويعرف بالرد وهو زيّ التجار وبعض الخواص غالبا، وإما أن يكون مفتوح الصدر ويعرف بزي الياقة وهو زي شبان العامة وهذا يلبس تحته صدري مزرور من وسطه مما يلي العنق حتى بطن اللابس، ثم يشد فوقه زنار من الشال العجمي أو الهندي أو غيرهما ويلبس تحت هذا القنباز بنوعيه سراويل من القماش الأبيض غالبا أو المصبوغ بالنيل ويستعمله الفقراء أو أصحاب الحرف الوسخة. وعلى كل حال فإن هذا السراويل يشد من وسطه لابسه إلى قرب قدميه عند المسلمين أو إلى ركبتيه عند النصارى واليهود ويستران سوقهما بالجوارب وقنباز العوام إلى ما تحت الركب بقليل والممتازين إلى قرب القدمين وأكثر الممتازين يلبسون فوق القنباز دثارا يعرف بالكبّود ويصنع غالبا من الجوخ ويبلغ طوله إلى ما فوق الزنار ويلبس فوقه جبة من الجوخ أو الشال تبلغ ظهر القدم. والعامة تجعل الكبّود عريضا واسعا يصل إلى ما تحت الزنار. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 224 وشيوخ الإسلام وكهنة النصارى واليهود وبعض المتقدمين في السن يلبسون فوق ثيابهم جبة واسعة عريضة الأكمام منتفخة الآباط. والبساتنة والفلاحون والمكاريون «1» وأصحاب الحرف الشاقة يلبسون فوق القنباز عباءة زوقية أو حلبية ضيقة قصيرة الأكمام يبلغ طولها إلى ما دون الركب. وأكثر الممتازين والخاصة يتبعون في ملابسهم الزي الغربي فيلبسون السترة والبنطلون ويستعملون جميع ما يستعمله الفرنج في ملابسهم سوى القبعة فإنهم يعتاضون عنها بالطربوش. ومنهم من يعتم فوق الطربوش بالشاش الأبيض ويتزيا بالزي الغربي ويلبس فوق ثيابه جبة تضرب ظهر قدميه تعرف باللاطة وهم القضاة وبعض العلماء. ومنهم من يلبس غير ذلك مما يطول شرحه وهذا كله في الأيام الدافئة أما في الأيام الباردة فيتدثرون بفرى السمّور والثعلب وغيرهما ويلبسون أقمصة الفانيلا والأثواب الصوفية والعامة والفقراء يلبسون تحت القنباز مقطّنات مدربة وفوقه فراء الغنم. هذا أكثر ما يستعملونه من الثياب وأما ما يستعملونه في أرجلهم فقد ذكرناه في صنعة النعال في الكلام على صنائع حلب. ملابس النساء وأزياؤهم «2» أما ملابس النساء فإنهن يستعملن في كل مدة زيا وشكلا من الملبوس الذي يتجدد ظهوره عند نساء الفرنج حتى إن امرأة الغني هي الفائقة غيرها إذا سبقت بقية أقرانها باستعمال الملابس الجديد زيها ومع هذا فإنك كنت تجد المسلمة في غاية من التحجب والتصون قد أسدلت عليها عند خروجها إلى مهامها إزارا يسترها من فرقها إلى قدمها وعلى وجهها منديل رقيق يشف لها عن طريقها ولا يشف عن وجهها. وفي رجليها على الأكثر قندرة تستر كعبها أو خفّ من جلد أسود يعرف باللبجين أو أصفر له ساق إلى الركبة يعرف بالمست قد لبست فوقه نعلا معمولا من الجلد الأصفر يقال له البابوج وكان هذا أقل استعمالا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 225 من القندرة أو تلبس نعلا من الجلد المذكور له ساق قريب من ركبتها يقال له الجزمة وهذا أقل استعمالا من القندرة والبابوج وهو مخصوص بنساء الفلاحين وسكان الحارات المتطرفة. والبابوج مخصوص بنساء بعض الأصناف والمتورعات والقندرة هي النعل العام. وكانت المسلمة قبل ذلك العصر تأتزر بملاءة سوداء غزلية كثيفة تضعها على رأسها وتسدلها مرسلة من غير أن تشدها على وسطها ثم صارت تستعمل في بعض الأحيان ملاءة بيضاء تشدها من وسطها سرى استعمال ذلك إليها على هذا النمط من نساء أمراء الدولة العثمانية وموظفيها الوافدين على حلب ثم ظهرت الملاءات السود الحريرية أو المقلّمة باللون الأحمر أو غيره ثم المقلمة بالقصب الفضي ثم الحريرية الوردية وغيرها مقلمة وغير مقلمة على ضروب وأشكال في الاستعمال ربما كان بعضها أضرّ وأدعى للافتتان من خروج المرأة متبرجة. ثم إن الملاءات السود الغزلية لم تزل مستعملة عند نساء بعض الورعين أو نساء الفلاحين وسكان الأطراف. وكانت نساء النصارى واليهود يستعملن الإزار والنعل كالمسلمات إلا أن الإزار فيهن كان أقصر منه في المسلمات ولم يبق فيهن من تستعمل الأزر القديمة ولا من تستعمل في رجلها غير نوع القندرة وليس من عاداتهن وضع المناديل على وجوههن. ثم في الأيام الأخيرة ترك أكثرهن الإزار وصرن يبرزن متبرجات بزينتهن باديات السواعد والنحور وأعالي الصدور قد لبسن أثوابا قصيرة تبلغ ركبتهنّ وسترن سوقهن بجوارب صفيقة تشف عنها وانتعلن بأحذية لها كعب طويل يضطر المرأة أن تمشي منكسة الرجل كأنها تمشي على رؤوس أصابعها. على أن كثيرات من المسلمات يجعلن الإزار قصيرا ويسترن سوقهن بهذه الجوارب وينتعلن بالأحذية المذكورة. وحكى دارفيو في تذكرته أن الحلبيات في زمانه كن يلبسن قلنسوة مصنوعة من الورق المقوى متساوية الأطراف لها بطانة من قماش رقيق مصبوغ بلون من الألوان ولها ظهارة من قماش حريري أو قطني مقلّم بعمل التطريز وكانت هذه القلنسوة تعرف عندهم بالكبنكاية قال وليست العجازة «1» مستعملة عندهن فكنت تراهن مع اعتدال قدودهن سلتا غير مكفلات «2» . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 226 قلت: هذه العجازة معروفة عند العرب وهم يذمون من يستعملها من النسوة ويسمونها منطيقا قال شاعرهم: والتغلبيون بئس الفحل فحلهم ... فحلا وأمّهم زلّاء منطيق وكان النساء يضعن في رقابهن أطواقا من ذهب تعرف بالضفدعة وفي أرجلهن حلقا من فضة لها شناشن تعرف بالخلاخيل. وقد بطل استعمالها الآن واعتاض أهل الثروة عن الضفدعة بقلادة من اللؤلؤ مكونة من عدة حبال يسمونها البغمة. وأما نساء الفقراء فلم يزلن على ضفادعهن وليس لبس القفاز في أيديهن معتادا إلا عند المتفرنجات منهن. وبالجملة فأكثر زي النساء الغنيات في حليهن وملبوسهن كزي نساء الفرنج على السواء. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 227 القضاء في حلب لم نظفر بأسماء القضاة الذين تولوا قضاء حلب في أيام الخلفاء الراشدين ولا في أيام الدولة الأموية وأوائل الدولة العباسية وقد بدأنا بذكر قضاة حلب الذين حكموا فيها على المذهب الشافعي وإن كان بعضهم متمذهبا بغيره ذاكرين أسماءهم على النسق والترتيب واحدا بعد واحد إلى سنة 823 ثم أتبعنا ذلك بذكر قضاة حلب الذين حكموا فيها على المذهب الحنفي وإن كان بعضهم متمذهبا بغيره. ثم تنقطع سلسلة القضاة على المذهب من سنة 823 وسنة 855 لأننا لم نظفر بأسمائهم. ثم في سنة 922 تتصل هذه السلسلة بقضاة الدولة العثمانية الذين هم على المذهب الحنفي فقط. فأما القضاة الذين حكموا حلب على المذهب المالكي والمذهب الحنبلي فقد أضربنا الصفح عن ذكر أسمائهم في هذه النبذة اكتفاء بذكر بعضهم في معجم التراجم وباب الحوادث المرتبة على السنين ولأننا لم نستطع استقصاءهم. واعلم أن قضاة حلب كانوا قضاة قضاة قد أطلق لهم الحكم في جميع المسائل التي هي من نوع العبادات والمعاملات الحقوقية والجزائية بمقتضى الأحكام الشرعية وأذن لهم بأن يستنيبوا بإجراء هذه الأحكام من شاءوا على أي مذهب كان. وكثيرا «1» منهم من كان يستنيب من أراد ويبقى في العاصمة دون أن يحضر إلى حلب إلى أن كان تشكيل الولاية سنة 1283 (أي ترتيب هيئة حكومتها) انحصرت وظيفة قضاة القضاة في مشايخ الإسلام الذين هم في الآستانة وصارت قضاة ولاية حلب وغيرها من باقي الولايات العثمانية نوابا عن مشايخ الإسلام غير مأذون لهم إلا بإجراء بعض الأحكام دون البعض. وقد لخصنا هذه النبذة إلى سنة 855 من كتاب كنوز الذهب من تاريخ حلب لأبي ذر المحدث وما ننقله عن غير هذا الكتاب نعزوه إلى مرجعه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 228 ذكر القضاة الشافعية ممن ولي قضاء حلب في أيام الدولة العباسية عبد الله محمد ناصر الدين بن محمد بن إدريس الشافعي، وهو أكبر ولد الشافعي. ولي قضاء حلب وقضاء الجزيرة مضافا إلى حلب وكانت الجزيرة تضاف إليها في الولايات. وفي سنة 215 ولي قضاء حلب عبيد ابن جناد بن أعين مولى بني كلاب. وفي سنة 264 ولي قضاءها عبيد الله بن عبد العزيز العمري. وفي سنة 286 وليه مع قضاء قنسرين أبو زرعة محمد بن عثمان الدمشقي. وفي سنة 290 ولي قضاء حلب محمد به محمد الجدوعي. وفي سنة 297 كان القاضي بحلب وقنّسرين محمد بن أبي موسى عيسى الضرير الفقيه ثم صرف عنها سنة 300 بأبي حفص عمر بن الحسن بن نصر الحلبي القاضي. ورأيت في كتاب مروج الذهب للمسعودي كلاما صريحا في أن قاضي حلب سنة 309 كان إبراهيم بن جابر القاضي، وخلاصة كلامه» أنه كان يعهد المذكور وهو في بغداد يعالج الفقر ويتلقاه من خالقه بالرضا ناصرا الفقر على الغنى فما مضت أيام حتى لقيه في حلب من بلاد قنسرين والعواصم من أرض الشام وذلك سنة 309 وإذا هو بالضد عما عهده متوليا القضاء على ما وصفه ناصرا ومشرفا للغنى على الفقر. فقال له: أيها القاضي أين تلك الحكاية التي كنت تحكيها عن الوالي الذي كان بالري وأنه قال لك إن الخواطر اعترضتني بين منازل الفقراء والأغنياء فرأيت في النوم أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه فقال لي: يا فلان ما أحسن تواضع الأغنياء للفقراء شكرا لله تعالى وأحسن من ذلك تعزيز «2» الفقراء على الأغنياء ثقة بالله تعالى. فقال لي: إن الخلق تحت التدبير لا ينفكون عن أحكامه في جميع متصرفاتهم. قال المسعودي: وكنت كثيرا ما أسمعه فيما وصفنا من حال فقره يذم ذوي الحرص على الدنيا ويذكر في ذلك خبرا عن علي كرم الله وجهه «3» كان يقول: ابن آدم لا تتحمل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 229 همّ يومك الذي لم يأت ليومك الذي أنت فيه فإنه إن يكن من أجلك يأت الله فيه برزقك واعلم أنك لم تكتسب شيئا فوق قوتك إلا كنت خازنا فيه لغيرك. قال المسعودي: فركب بعد ذلك الهماليج «1» من الخيل ولقد أخبرت أنه قطع لزوجته أربعين ثوبا تستريّا «2» وقصبا وأشباه ذلك من الثياب على مقراض واحد وخلف مالا عظيما لغيره. اه. ما قاله المسعودي. وفي سنة 333 كان قاضي حلب أحمد بن ماثل فعزله سيف الدولة بن حمدان وولي عوضه أبا حفص علي بن عبد الملك بن بدر الرومي وولي قضاءها في أيام سيف الدولة أيضا سلامة بن بحر وأحمد بن إسحاق بن أحمد الإصطخري. وفي سنة 404 وليه محمد ابن أحمد بن محمود نبهان وكان عالما فاضلا متكلما على مذهب الأشعري. وفي هذه السنة أيضا وليه أبو يحيى أحمد بن يحيى من بني العديم وهو أول من ولي قضاء حلب من أهل هذا البيت وتلاه أحمد بن محمد بن أبي أسامة الذي دفنه في قلعة حلب حيا صالح بن مرداس. وفي سنة 438 وليه أبو يعلى عبد المنعم بن عبد الكريم المعروف بالأسود ثم في سنة 439 وليه أبو الوليد سليمان بن خلف بن سعد بن أيوب المالكي الأندلسي. وفي سنة 445 وليه بشير بن عبد الكريم ومات قاضيا سنة 473 وولي بعده صهره زوج ابنته أبو الفضل هبة الله بن العديم وبقي قاضيا ستا وعشرين سنة فكانت ولايته في أوائل دولة مسلم بن قريش وكان السلطان ملكشاه بن ألب أرسلان كتب توقيعا بقضاء حلب سنة 473 للقاضي أبي القاسم علي السمناني وخرج الأمر منه إلى مسلم بن قريش فلم يتم له هذا الأمر وحرر مراسلات في تولية القاضي أبي الفضل إلى أن كتب توقيع من بغداد بأمر المقتدر واستمر إلى أن مات عنه سنة 488 فولي بعده أبو غانم محمد بن العديم ولم يزل قاضيا بحلب إلى أن خطب الملك رضوان للمصريين فعزل عن القضاء والخطابة وولى عوضه فضل الله قاضي أنطاكية الزوزني في سننة 490 وسار رسولا إلى مصر واستناب في موضعه ابن أبي أسامة ثم في يوم الاثنين 18 ذي القعدة سنة 495 بعد أن عاد الزوزني إلى حلب اغتالته الإسماعيلية لأنه كان يندد بمذهبهم فأعاد رضوان القضاء إلى أبي غانم محمد بن العديم بعد أن خطب للعباسيين وكتب له توقيع بالقضاء والحسبة من بغداد من قاضي القضاة علي بن محمد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 230 الدامغاني بأمر المستظهر بالله في صفر سنة 496 وفي سنة 534 توفي أبو غانم وولي بعده ولده أبو الفضل هبة الله وكتب له التوقيع من أتابك نور الدين زنكي في أواخر جمادى الأولى سنة 534 وورد له توقيع من بغداد عن الزيني بأمر المقتفي. ثم تعكر خاطر نور الدين علي أبي الفضل وكتب له أن يتولى قضاء حلب نيابة عن جمال الدين محمد بن الشهرزوري فامتنع ولم يجبه فقال مجد الدين قاضي حلب ينبغي أن يكون القاضي حنفيا فقال يقام فقيه حنفي يحكم بين الناس معه. ثم استقر الرأي على القاضي جمال الدين أبي الفضل محمد بن عبد الله بن أبي أحمد القاسم الشهرزوري الشافعي سنة 557 واستناب ولده محيي الدين. وقال ابن خلكان في وفياته إن محيي الدين المذكور حكم نيابة عن أبيه بحلب في رمضان سنة 555 وبه عزل ابن العديم. اه. وفي سنة 575 بعد أن توفي محيي الدين قاضي حلب عرض قضاؤها على جمال الدين أبي غانم العديمي فامتنع فتقلد القضاء أحمد بن هبة الله العديمي ولم يزل قاضيا فيها في دولة الصالح ومن بعده ثم عزل ثم أعيد وفي سنة 578 ولي قضاء حلب محيي الدين علي بن الزكي قاضي دمشق كما في وفيات ابن خلكان فاستناب بها زين الدين أبا الفضل البانياسي. وفي سنة 591 ولي قضاء حلب العالم الزاهد بهاء الدين أبو المحاسن يوسف بن رافع بن تميم الأسدي المعروف بابن شداد. وفي سنة 635 وليه جمال الدين أبو عبد الرحمن محمد بن عبد الرحمن بن عبد الله بن علوان الأستادار. وبعد مدة وليه محيي الدين محمد بن يعقوب النحاس وكان عالما فاضلا وكان يقول أنا في الفروع على مذهب أبي حنيفة وفي الأصول على مذهب أحمد. وفي سنة 676 ولي قضاء حلب شهاب الدين أبو عبد الله محمد بن أحمد بن خليل ثم في سنة 678 وليه نجم الدين أبو بكر بن أحمد بن يحيى وفي سنة 679 وليه تاج الدين أبو المعالي عبد القادر الأنصاري السنجاري الحنفي وكان إماما جليلا. وفي سنة 680 وليه نجم الدين أبو حفص عمر بن عفيف الدين أبي المظفر الأنصاري الشافعي عوضا عن السنجاري. ثم في سنة 682 رجع إلى دمشق وكتب خطه بالرغبة عن حلب فوليها عوضه أبو الفداء إسماعيل بن عبد الرحمن المارديني الحنفي ثم عزل عنها وتوفي في دمشق سنة 683 وفي سنة 684 ولي قضاء حلب شمس الدين أبو عبد الله محمد ابن محمد بهرام الكوراني الشافعي ثم في سنة 701 عزل عن قضاء حلب وبقي في خطبة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 231 جامعها وولي القضاء عوضا عنه زين الدين أبو محمد عبد الله ابن محمد الأنصاري الخزرجي الشافعي واستمر في القضاء ثلاثا وعشرين سنة وتوفي سنة 724 ودفن بالمقام وبنيت له تربة من ماله ولم يعقب وارثا. وفي هذه السنة ولي قضاء حلب جمال الدين أبو المعالي محمد بن علي بن أبي محمد عبد الواحد الأنصاري الشهير بابن الزملكاني الشافعي. وفي سنة 727 وليه فخر الدين أبو عمر عثمان بن محمد بن نجم الدين عبد الرحمن البازري الشافعي وتوفي في حلب سنة 730 فولي قضاءها شمس الدين أبو عبد الله محمد بن بدر الدين الشهير بابن النقيب الشافعي. وفي سنة 736 ولي قضاء حلب فخر الدين أبو عمر عثمان ابن الخطيب الطائي الشافعي الحلبي الشهير بابن خطيب جبرين. ولما ولي قضاء حلب كتب إليه بعض أصحابه: وكم سأل الحكم الإله تقدما ... إلى بابك العالي زمانا فأخّرا وفي سنة 738 ولي قضاء حلب زين الدين محمد بن أحمد بن عبد الحليم البلاباني الشافعي. وبعد خمسة أشهر نقل إلى دمشق وكان عالما كبيرا توفي في دمشق سنة 776 وولي قضاء حلب بعده أبو الحسن إبراهيم بن أحمد بن مجد الدين عيسى المخزومي الشافعي الشهير بابن الخشاب وأقام فيها نحو سنة ثم رجع إلى وطنه في القاهرة. وولي قضاء حلب سنة 744 نور الدين محمد بن محمد المعروف بابن الصائغ. ثم في سنة 749 توفي ابن الصائغ وخلفه في قضاء حلب نجم الدين عبد القادر بن السفاح الشافعي وبعد عشرة أشهر صرف عن قضاء حلب بنجم الدين محمد بن أبي عمرو عثمان بن أحمد الزرعي وذلك سنة 750 واستمر إلى سنة 752 فعزل بكمال الدين المعري فاستمر قاضيا بحلب مدة أربع عشرة سنة ثم نقل إلى قضاء دمشق سنة 771 وخلفه في حلب نجم الدين الزرعي ثم في سنة 775 ولي قضاء حلب المعري وفي سنة 776 عزل وأعيد نجم الدين الزرعي وفي سنة 778 توفي الزرعي بحلب عن نيف وخمسين من عمره وولي قضاء حلب جلال الدين محمد بن محمد الزرعي ابن نجم الزرعي فاستمر قاضيا بحلب إلى أن توفي فيها سنة 779 فولي مكانه كمال الدين المعري. وفي سنة 780 ولي قضاء حلب جمال الدين شمر نوح ثم وليه المعري واستمر إلى سنة 783 فتوفي ودفن في داره في درب البنات قرب بيمارستان أرغون. وتولى بعده قضاء الجزء: 1 ¦ الصفحة: 232 حلب أحمد بن محمد أبي الرضا الشافعي العالم الفاضل واستمر إلى سنة 785 فعزل بشرف الدين أبي عبد الله مسعود ابن أبي البركات شعبان بن إسماعيل الطائي وأصله من قرية يقال لها دير خشان من حلقة سرمدا وكان جاء إلى ابن أبي الرضا وطلب منه أن يوليه القضاء في ناحية من نواحي حلب وهي ريحا فامتنع من ذلك فذهب إلى القاهرة يسعى بقضاء ريحا فأشار عليه كمال الدين بن العديم بالإعراض عن قصده وأن يسعى بقضاء حلب. فذهب إلى شيخ الإسلام البلقيني واجتمع به وأهدى إليه شيئا وأخذ بالسعي فأرسل السلطان إلى البلقيني يسأله عنه هل هو أهل لذلك فأجاب البلقيني بما يوهم أنه أهل لقضاء مصر فولاه السلطان قضاء حلب فاستمر بها دون خمسة أشهر. وفي سنة 786 عاد ابن أبي الرضا إلى قضاء حلب ثم عزل في رمضان وولي مكانه مسعود المذكور. وفي سنة 790 ولي قضاء حلب شمس الدين محمد بن أحمد عبد الله المهاجر فاستمر إلى سنة 794 وقد أساء السيرة فعزل عن القضاء وخلفه شرف الدين موسى أبو البركات ابن محمد بن حزم الأنصاري الشافعي وفي سنة 796 عزل الأنصاري بابن خطيب تيزين واستمر إلى سنة 797 فعزل بالأنصاري. وفي سنة 803 عزل الأنصاري بجمال الدين يوسف بن خالد الخسفاني ثم عزل هذا بالأنصاري فاستمر إلى محنة تيمور. وفي هذه السنة مات الأنصاري وخلفه ناصر الدين محمد بن كمال الدين المعري. ثم عزل بجمال الدين الخسفاني ثم عزل هذا بالقاضي شهاب الدين أحمد بن يحيى العثماني وذلك في مستهل شوال سنة 805 وسار سيرة حسنة وسكن بدرب الديلم بالقرب من المدرسة الشرفية. وفي ليلة الأربعاء ثاني عشر هذا الشهر دخل على الفاضل رجل من الشيعة من أهل معرة مصرين وضربه بسكين فمات القاضي شهيدا وقتل القاتل. وولي قضاء حلب ولد القاضي شمس الدين، ثم في ربيع الأول سنة 806 عزل بالقاضي شهاب الدين محمد بن أحمد بن محمد الحريري الحلبي وفي سنة 811 عزل بالخسفاني ثم عزل الخسفاني بقاضي القضاة شهاب الدين بن العجمي الشافعي. وبعد أربعة أشهر عزله دمرداش بالقاضي تاج الدين عبد الرحمن ابن العلاء زين الدين أبي حفص عمر بن محمد الكوفي فاستمر إلى سنة 813 وتولى القضاء ناصر الدين محمد بن محمد البارزي الحموي إلى سنة 823 وفيها توفي وخلفه ولده كمال الدين محمد. اه. الكلام على القضاة الشافعية. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 233 أسماء القضاة الحنفية ولنشرع في ذكر أسماء القضاة الحنفية. قال ابن حبيب الحلبي: وفي سنة 710 ولي قضاء حلب كمال الدين أبو حفص عمر بن العديم رفيقنا القاضي الشافعي الأنصاري ولم نعهد في حلب سوى قاض واحد من قديم الزمان وإلى الآن. وفي سنة 731 ولي قضاء حلب ناصر الدين أبو عبد الله محمد بن كمال الدين عمر المشار إليه عوضا عن والده المذكور ونقل إلينا من القضاء بحماة وولي بعده ولده جمال الدين أبو إسحاق إبراهيم في سنة 752 وكان حاكما عادلا فاضلا واستمر إلى سنة 778 وفيها عزل بالقاضي محب الدين أبي الوليد ابن العلاء كمال الدين محمد بن محمد الشحنة العالم الشهير والعلامة النحرير وباشر الحكم أياما قليلة ثم عاد المعزول جمال الدين المذكور واستمر إلى سنة 787 فعزل بالقاضي محب الدين ووصل خبر عزله وهو مريض فما علم بذلك وتوفي ليلة الخميس 26 محرم سنة 787 ودفن بمقبرة أهله خارج باب المقام بالقرب من مقام الخليل واستمر محب الدين قاضيا بحلب إلى سنة 788 وفيها عزل بالمؤنسي الياس بن سعيد بن علي القراشهري. وبعد سنتين عزل هذا بالقاضي محب الدين ثم عزل هذا بجمال الدين أبي الثناء محمود بن محمد بن إبراهيم بن الحافظ العينتابي وذلك سنة 793 وباشر الحكم مدة يسيرة وكان قاضي عسكر. وفي هذه السنة ولي كمال الدين بن العديم قضاء عسكر حلب ثم صرف العينتابي ومدة ولايته أربعون يوما وولي قضاء حلب القاضي محب الدين المذكور وفي العينتابي يقول ابن الزاهد: ارجع إلى ما كنت قاضي العسكر ... ودع القضاء لأهله لا تفتري ثم عزل القاضي محب الدين بالعينتابي فلم تطل مدته ومات سنة 794 وقال في ذلك ابن الزاهد: هب السلطان قد أعطاك حكما ... أيقدر أنه يعطيك عمرا فاستقر جمال الدين بن العديم قاضيا عوضا عن العينتابي واستمر إلى محنة تيمور. ثم سافر إلى القاهرة ولم يخرج قضاء حلب عنه واستناب القاضي شمس الدين محمد بن عمر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 234 ابن أمين الدولة وأخاه شهاب الدين أحمد بن العديم. ثم في سنة 807 أرسل تقليدا بقضاء حلب إلى أخيه كمال الدين أبي الفداء إسماعيل واستمر قاضيا إلى أيام جكم فعزله بالقاضي محب الدين الشحنة. ثم في سنة 811 ولي قضاء حلب عز الدين الحاضري واستمر إلى سنة 815 فعزل بمحب الدين فلم تطل مدة محب الدين ومات. ولما كان مريضا عاده الشيخ عز الدين الحاضري فأنشده محب الدين قول المتنبي «1» : بذا قضت الأيام ما بين أهلها ... مصائب قوم عند قوم فوائد وبعد وفاة محب الدين تولى قضاء حلب عز الدين المذكور. فلما كان في أوائل سنة 823 سأل الإعفاء وأن يكون ولده محمد عوضه وذلك لفالج أصابه فأجيب إلى ذلك فلما توفي استقر ولده محمد في مكانه قاضيا إلى أن مات فخلفه شمس الدين محمد بن معين الدولة وكان نائبا له ولأبيه من قبله. وفي سنة 828 عزل بجمال الدين يوسف الكوفي. وفي أواخر هذه السنة توفي الكوفي وعاد شمس الدين إلى قضاء حلب. وفي سنة 833 عزل بأبي بكر بن إسحاق بن خالد المعروف بباكير واستمر قاضيا إلى سنة 836 فطلب إلى القاهرة وشغرت وظيفة قضاء حلب حتى حضر إليها الأشرف برسباي فولاها أبا الفضل بن الشحنة وذلك في رمضان هذه السنة واستمر قاضيا في حلب إلى سنة 855 فولي قضاء حلب تاج الدين الركني. وفي سنة 862 وليه جلال الدين محمد الشحنة ولا أدري بعد ذلك من ولي قضاء حلب إلى سنة 922 وهي السنة التي فيها دخلت حلب تحت حكم الدولة العثمانية. أسماء قضاة حلب في أيام الدولة العثمانية وجدت في أحد سجلات المحكمة الشرعية بحلب جدولا يتضمن ذكر قضاة حلب منذ دخول الدولة العثمانية إلى حلب وذلك في سنة 922 إلى حدود سنة 1385 وقد حرر في ذيل هذا الجدول هذه العبارة: (وهذا الجدول محرر بموجب قيودات شيخ الإسلام أحمد عطا الله عرب زاده) . ولما بحثت في هذا الجدول وجدت فيه من أوله إلى حدود سنة 1005 غلطا فاحشا من جهة تحريف أسماء القضاة وذكر من لم يتول قضاء حلب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 235 وعدم ذكر كثيرين منهم تولوا قضاءها فصححت منه ما أمكن تصحيحه اعتمادا على ما رأيته في كتاب الشقائق النعمانية وغيرها من الكتب التاريخية التركية. وأثبتّ في الجدول المذكور أسماء القضاة الذين تولوا حلب ولم تذكر أسماؤهم فيه وهو هذا: السنة 922 جوملكجي زاده كمال الدين أفندي بن الحاج الياس 925 زين الدين أفندي الفناري 926 ولي الدين زاده محمد أفندي الشهير بابن فرفور 928 قره حيدر أفندي 928 محمود بن عبد الله كوله بدر الدين ... محمد أفندي 929 عبيد الله أفندي بن يعقوب الفناري 929 محمد بن المعمار 934 محمد بن عبد الله كوله بدر الدين 935 محمد بن المعمار 939 قطب الدين زاده محمد أفندي 940 عبد العزيز أفندي أم ولد 943 مصطفى مصلح الدين أفندي 944 أبو الليث أفندي بن إدريس ... جعفر أفندي ... سري أحمد أفندي 946 محمد أفندي بن عبد الوهاب بن عبد الكريم 947 يوسف بن حسين المشهور بسنان جلبي 949 محمد أفندي بن عبد الأول ... صاجلي أسر أفندي 951 صالح أفندي بن جلال الروشني تاريخه (قاضي حلب) السنة 952 عبد الباقي أفندي بن علاء الدين العربي الحلبي 953 عبد الرحمن أفندي بن علي محيي الدين ... سرويز أفندي ... خواجه فاني محمد أفندي ... أمير حسين صاده زاده 960 إمام زاده محمد أفندي 961 معلم زاده مصلح الدين أفندي 962 قاضي زاده أحمد أفندي 964 أخي زاده أحمد أفندي 964 محمد أفندي بن أبي السعود أفندي 965 فضل أفندي 966 جعفر أفندي 967 أحمد أفندي بن محمود حامد أفندي ... زمرم زاده ... أفندي ... معلول زاده ... أفندي ... سنان زاده أحمد أفندي 970 بوستان زاده مصطفى أفندي ... صاري قدري زاده محمد أفندي 973 أحمد بن محمد بن حسن السامسوني ... بوستان زاده مصطفى أفندي 973 عبد الرحمن أفندي بالدار زاده ... سيف الله أفندي ... كمال زاده محمد أفندي ... حسين زاده محمد أفندي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 236 .. أميري زاده ... خاني زاده مصطفى أفندي ... سعد زاده محمد أفندي ... كتخدا محمد «1» 980 علي بن عبد العزيز أم ولد ... مناوي حسين ... طاشكبري كمال ... طورسون عبد الباقي ... بيقلي سليمان 1005 زكريا كمال 1005 طاشكبري كمال ثانية 1006 إياس أحمد 1007 مصطفى 1010 حيدر 1010 اسكندر عبد الرحمن 1010 قره جلبي محمد 1012 سنان يحيى 1013 نابي مصطفى 1014 شرواني محمد 1015 وحيى عبد الله 1019 إياسي أحمد 1020 قره سيفي 1021 نشانجي سيد محمد 1022 عشاقي مصطفى 1023 قره كولله حمد الله 1024 طلومجي حسان 1024 صدر الدين محمد 1025 عشاق مصطفى ثانية 1026 عبد الكريم 1027 نوال سعد الدين 1028 محمد رياضي 1029 محمود عبد الله 1030 حسن مصطفى 1031 قاسم 1032 نائب محمد 1033 ناجي عبد الرحمن 1035 حسام مصطفى 1036 فناري محمد 1036 سيد محمد 1037 سيفي عبد الرحمن 1038 مصطفى 1039 بوستان محمد 1040 عشاق عبد العزيز 1042 خواجه مسعود 1043 غريب محمد 1044 مصطفى أحمد 1045 قاضي محمد 1047 كسرى محمد 1048 محمد 1048 كتخدا حسن 1049 أسعد 1049 مصلح الدين عبد الله 1050 حسام عبد الرحمن كامي 1051 شيخ محمد سنان الجزء: 1 ¦ الصفحة: 237 1052 مصطفى 1054 رحمة الله 1055 حاتم حسن 1056 صفي محمد أمين 1057 سعدي سيف الله 1057 بوستان أحمد 1058 عشاق عبد الرحيم 1058 صدر الدين روح الله 1059 أوزون أحمد 1060 أبو السعود 1061 عجم محمد 1062 سيد أحمد 1063 سراد 1064 عبد العزيز أحمد 1065 عبد الباقي 1066 حسني باشا مصطفى 1067 مصطفى 1068 ولي عمر 1068 مصطفى 1069 ولي أحمد 1070 خير الدين مصطفى 1071 مطلوب عبد الله 1072 جشمي محمد صالح 1073 قباقولاق محمد 1075 عثمان فيض الله 1076 كمال أحمد 1076 عبد الحليم 1077 بياضي أحمد 1079 كواكبي محمد 1080 أعرج عمر 1081 آق محمد 1083 قره علي 1083 طوس محمد 1084 سعد أبو السعود 1085 معيد 1086 ملا حسن 1087 خوجه السيد عثمان 1089 نورحي محمود 1090 توفيق محمد 1091 صدر الدين محمد صادق 1092 رفقي محمد 1093 محرم محمد 1096 إمام عبد الله 1098 جوهرجي محمد 1099 بياضي دامادي أحمد 1100 كوجك خواجه لطف الله 1101 أبو بكر 1102 إدريس 1103 تاتار عبد الحليم 1104 قره إسماعيل 1105 حن الله 1106 فتوى أميني محمد 1107 سيد يعقوب 1108 محمد شمس الدين 1109 جشمي عبد الكريم 1112 إمام شيخ الإسلام محمد 1113 أمر الله 1114 عبد الحليم محمد صالح الجزء: 1 ¦ الصفحة: 238 1115 كواكبي ولي الدين 1116 دري محمد 1117 قره عبد الله 1119 شيخ محمد 1120 كسرى عبد الرحمن 1121 خليل إبراهيم 1122 إمام صالح 1123 يحيى فيض الله 1124 خرخر حسن 1125 زلالي حسن 1126 عبد الباقي 1127 يحيى عبد الله 1128 معبر إسماعيل 1129 عثمان أحمد 1130 صدر الدين محمود 1131 منصور مصطفى 1133 علمي أحمد 1134 عطا كتخداسي حسين 1134 لعلي سيد عبد الله 1136 محمد راشد 1137 عشاقي سيد صدر الدين 1138 مفتي محمود عبد الله 1139 يحيى حسين ملا 1141 محمد صالح 1142 جار الله ولي الدين 1142 سيفي دامادي سيد أحمد 1144 نفسي السيد محمد سيد 1145 فيض الله السيد عثمان 1147 السيد حسين وسيم 1148 جشمى محمد سعيد 1149 أسعد السيد يحيى واقف 1150 باقي ملازمي محمد 1151 جراحي محمد عالم 1154 مضروب محمد واثق 1154 فتوى أميني محمود عبد الله ... زاهد 1155 حسين شاكر 1155 كوسج ولي الدين 1157 عيسى حفيدي عبد الله 1158 سمرجي زاده حفيدي مصطفى 1159 عباس بن مصطفى 1160 إبراهيم باشا إمامي مصطفى 1161 حمامي محمد أمين 1162 كتخدا محمد أسعد 1163 كسرى مصطفى 1164 واردواني شيخ زاده عبد الرحيم 1165 محمد سيد 1166 جلبي درويش 1167 حسين 1168 باشا دامادي يحيى 1169 كواكبي عبد الله 1170 قره مصطفى محمد أمين 1170 قره موسى 1172 مدحي عبد الرحيم 1173 على زاده يكن علي 1174 إسكداري مصطفى 1175 كريدي أحمد 1176 عبد الرحمن أحمد عطا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 239 1177 السيد أحمد مصطفى 1178 سوردامادي يحيى 1179 راشد إبراهيم 1179 شريف محمد 1180 يشمقجي نعمان 1181 كتخدا مصطفى صادق 1182 عبد الرحيم محمد أمين 1183 صره أميني إبراهيم 1184 فاضل محمد 1185 نفسي السيد محمد سعد 1186 رجب محمد عارف 1186 زيرك إمامي فيض الله 1189 قوشو اطه لي مصطفى 1190 طاغستاني إبراهيم 1191 مفتي عبد الله 1192 إمام محمد صادق 1193 بازار جقلي حسين 1194 كشاف عمر 1195 بكري عبد الله 1196 نافذ محمد أمين 1197 بكري عبد الرحمن 1198 خرقه شريف شيخي سيد عثمان 1199 يحيى ملا إبراهيم عارف 1200 علي محمد زين الدين 1201 يحيى عبد الرحمن 1202 إسماعيل باشا إبراهيم عصمت 1203 بايبوردي حافظ محمود 1204 كورك حسن 1205 كلاهي محمد أمين 1206 جزيه دار أحمد بهاء الدين 1207 طوسيه لي علي 1207 إمام ثاني سابق محمد نوري 1209 ترشيحي عبد الرحيم 1210 حمامي محمد راشد 1211 زعفران بورلي عثمان 1212 اصقه لي خليل 1213 بروسه لي حافظ حسن 1215 عثمان محمود 1216 حفيد محمد أمين 1217 كرنايلي محمد 1218 ختواني السيد عبد الله تقي الدين 1219 درويش باشا أمامي 1220 حفيد سعيد أمامي 1221 محصل عمر أمامي 1222 موصلي محمد 1223 زره لي عبد الرحمن 1224 غليوني مجيد 1225 بروسه لي سليم 1226 بربر أمين 1227 عزت أمين 1228 زعفران بورلي عثمان محمد 1229 إسكداري حفيدي حمد الله رأفت 1230 أماسيه لي محمد حفيدي 1231 طيفوربك 1232 سلطان أحمد أمامي مصطفى نوراه 1233 بالطه جي محمد أمين مصطفى 1234 بارطينلي خليل محمد 1235 جيار سليمان عبد الفتاح الجزء: 1 ¦ الصفحة: 240 1236 عثمان محمد سعيد 1237 كتخدا محمد عارف 1238 يكلي محمد أسعد 1239 عاشر محمد بهاء الدين 1240 محمد نور الله بهاء الدين 1241 مظفر باشا عثمان بك 1242 يكلي مصطفى شمس الدين 1243 جلبي مصطفى باشا أحمد بك 1244 قنوي إمام سيد مصطفى شريف 1246 عريان محمد وحيد شريف 1247 قنوي السيد حسن محمد 1248 صوان محمد أمين مصطفى نوري 1249 أبو بكر صدقي باشا عبد الله عزت 1250 خطاط السيد محمد عزت 1251 فتوى أميني عرياني محمد سعيد 1252 إسماعيل حفيدي نور الدين 1254 صدر الدين حفيدي عبد الله 1255 محبي محمد علي أشرف 1256 منكلي مصطفى 1257 خربوتي السيد إسماعيل 1258 شكر الله حفيدي السيد محمد نافع 1260 فتوى مسودي إسماعيل فهيم 1261 أديب السيد محمد شمس الدين 1262 حمامي حفيدي علي رضا 1263 إبراهيم بك إمامي حافظ إسماعيل 1264 سلطان أحمد إمامي محمد سعيد 1265 مدرس أحمد خير الدين 1266 حافظ الحاج محمد أمين 1267 عبد المولى السيد أحمد شاكر 1268 نواره حفيدي السيد محمد داية 1269 السيد محمد سعيد زبور بك 1270 السيد سليمان 1271 مرحوم أكنلي محمد 1272 علي آغا إمامي السيد حافظ أحمد 1272 السيد محمد علي فتحي بن عثمان بن أحمد ابن مصلح الدين 1273 شيخ السيد محمد توفيق 1274 أرنيه مفتيسي مصطفى 1275 السيد حافظ حسن 1276 عبداه ملا رشيد حفيدي محمد كامل 1277 بكلي السيد محمد محيي الدين 1278 عطا الله السيد محمد غالب 1279 واصف السيد أحمد وصاف 1280 أسبق فتري أميني محمد غالب 1281 عثمان وهبي 1282 حسين السيد محمد توفيق 1284 زكي نائب ومفتش حكام 1285 كلنبه وي محمود عزيز نائب 1286 بغدادي عبد الرحيم 1287 بالجقلي على حفيدي محمد سعيد 1288 كواكبي السيد عطا الله 1289 حسين السيد محمد توفيق 1291 منير السيد محمد راغب 1292 عبد الله السيد عمر بهجت 1294 أدرنه مفتيسي حاجي محمد فوزي 1296 سيف الدين 1296 عرب السيد محمد نور الله نشأت 1297 أحمد شكري الجزء: 1 ¦ الصفحة: 241 1300 الحاج حسين توفيق حمدي 1304 السيد مصطفى رشدي خلوصي 1305 كامل بك حسن تحسين 1307 عثمان باشا برادري شريف حمدي 1309 محمد مكي 1311 محمد وجيه 1314 كمال الدين 1316 محمد زهدي زعفر أنبورلي 1316 حسن صدقي 1317 حفيد مير رائف أحمد عاصم 1318 فؤاد 1319 جهار شنبه وي سعيد نعيم 1320 عصمت 1323 عبد الرحمن نسيب 1324 راقعي عبد الحميد 1325 نقيه جي توفيق 1327 السيد رجب حلمي 1330 ألوسي السيد مصطفى زين الدين 1331 السيد رجب حلمي ثانية 1331 علي همت 1333 السيد محمد خالد حفظي 1334 سليمان سري (آخر قضاة تركيا) 1337 الشيخ محمد الزرقا (حلبي) 1337 الشيخ بشير الشهير بالغزي (حلبي) 1339 الشيخ علي العالم (حلبي) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 242 أحوال ولاة حلب لم أطلع في التواريخ الحلبية على ذكر أحوال عمال حلب ونوّابها وكفّالها وولاتها وذكر عاداتهم ومواكبهم سوى أني رأيت في «درّ الحبب» لرضي الدين الحنبلي نبذة في موكب خيري بك فأثبتّها في ترجمته في الباب الثاني. أحوال الكفّال في أيام الدولة الجركسية ذكر ابن الشحنة محب الدين أبو الفضل في كتابه نزهة النواظر في روض المناظر نبذة من أحوال كفّال حلب في الدولة الجركسية فأحببت إيرادها هنا ملخصة فأقول: قال: إن نائب حلب يكون من أعيان مقدمي الألوف بالقاهرة وتارة ينتقل من نيابة طرابلس وربما نقل من حماة. وقد نقل آشق تمر وغيره من دمشق وقد يتناوبان. لكن أكبر نواب المملكة نائب دمشق ثم نائب حلب ثم طرابلس فحماة فصفد. وقد اعتاد النائب إذا قدم حلب أن ينزل على العين المباركة بعد أن يكون خرج إلى لقائه القضاة والمقدمون إلى خان طومان والمباشرون ويتلقونه غالبا إلى حماة ثم يصبح فيركب من العين المباركة لا بسا تشريفه وتخرج إليه القضاة وجميع الجيش وأرباب المناصب وطوائف المشايخ وأهل الحارات فإذا وصل إلى القلعة نزل عن فرسه ونزل لنزوله حاجب الحجاب وبقية الحجاب الأربعة وتقدم إليه نائب القلعة ومتولي الحجر والنقيب ونزعوا سيفه وحلّوا حياصته «1» فيصلي ركعتين وهو محلول الوسط وحياصته في عنقه وسيفه بيد والي الحجر. ثم يتقدم إليه العلم السلطاني فيقبله ويقبل الأرض ثم يركب ويدخل إلى دار النيابة فيقرأ تقليده بحضرة القضاة والمباشرين وهو واقف على قدميه. وكلما ذكر الاسم الشريف السلطاني أو ذكر ثناء السلطان عليه في التقليد يأمره حاجب الحجاب بتقبيل الأرض ثم يفيض على أرباب المناصب خلعا سنية بحسب مراتبهم «2» وقارىء التقليد هو كاتب السر ويكون على كرسي منصوب له واقفا عليه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 243 ثم في كل يوم اثنين وخميس يركب بالكلفته والقبا «1» ويركب معه المقدمون وأرباب المناصب من الترك والجند ويسير إلى قبة المارداني ومعه الجاويشية يزعقون بين يديه ثم يعود فيقف تحت القلعة راكبا وتعرض عليه الخيول والأملاك ويجهر النداء بالأمان للرعية وإظهار العدل. ثم يتقدم كتبة الأمراء من هناك إلى باب دار العدل وهو مدى طويل والأمراء المتقدمون ثمانية، لكل واحد منهم مماليك عبرتهم «2» أن يكونوا مئة فإن موضوع هؤلاء الأمراء أن يكون كل منهم أمير مئة فارس ومقدّم ألف وقد صار مدة طويلة دوادار «3» من قبل السلطان يكون قائما في خدمة النائب لكنه عينا «4» عليه وكان في الغالب من أمراء الطبلخانات وقد يكون من المقدمين. وأما نائب القلعة فكان قديما من أصاغر الأمراء. ثم من فتنة الناصري قرر أمير مئة مقدم ألف واستمر كذلك إلى يومنا هذا وليس في نواب قلاع القاهرة ودمشق وغيرهما مقدم ألف إلا نائب قلعة حلب خاصة ولم يكن له عادة بحضور الموكب ثم صار بعضهم يحضر أحيانا فيجلس دون أمير الميسرة وأمير الميسرة يجلس إلى جانب حاجب الحجاب (عود إلى إتمام كيفية الحال في يوم الموكب) فإذا وصل النائب إلى تجاه القلعة اصطفت البحرية وقوفا له حتى يسلم عليهم ثم يدخل عليهم فيقوم حاجب الحجاب وعصاه في يده ويمشي في خدمته إلى قرب الإيوان الذي يجلس عليه وهو تجاه الباب الكبير وليس بين الباب وبين الإيوان حجاب ولا سترة ويكون قد سبقه إليه قاضي القضاة فيجلسون سطرا واحدا عن يساره وتبقى يمينه خلا، ثم يجلس إلى جانب قاضي القضاة قاضيا العسكر ومفتيا دار العدل وتجاههم كاتب السر وناظر الجيش ثم إلى جانب ناظر الجيش الموقعون فتدور الحلقة ويقف الدوادار الكبير وراء كاتب السر وناظر الجيش خارج الحلقة فإن كان الوزير متعمما جلس معهم وإن كان تركيا جلس بين يدي الترك فيسلم عن يساره على القضاة ثم عن يمينه على الأمراء ثم تجاهه على بقية الجماعة ثم يجلس على مكان مرتفع نحو نصف ذراع معدّ لجلوسه ويجلس حاجب الحجاب على درجة أسفل من ذلك المكان بحيث يكون رأسه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 244 مسامتا تخت النائب «1» الذي جلس عليه والمتقدمون يجلسون على مساطب باب دار العدل ويأخذ القصص «2» نقباء الجيش ثم الحاجب الصغير فيوصلونها إلى حاجب الحجاب فيتناولها لكاتب السر فيعطي ما يتعلق بالجيش لناظره ويرمي بالبقية للموقعين ثم تقرأ بعض القصص الشرعية ثم يقوم الحاجب فيأذن للقضاة بالانصراف وقد يجلس النائب بعدهم لفصل الأمور. وهذا اليوم يقال له يوم الموكب ويجلس يوم الجمعة بعد الصلاة في هذا المكان ويحضره المقدمون الثمانية فيجلس الأمير الكبير عن يمينه وحاجب الحجاب عن شماله ولا يجلس فوق المقدمين إلا قضاة القضاة والعلماء إن اتفق حضور واحد منهم ويجلس كاتب السر وناظر الجيش دون المقدمين فوق أربعينات. وكانت العادة القديمة أن يصلي النائب الجمعة والعيدين بالجامع الأعظم بالشاش والقماش ثم صار يصلي بجامع ألطنبغا ثم لما عصى يلبغا الناصري بنى له جامعا بدار العدل وصار يصلي فيه والآن أكثر ما يصلي النائب هناك. وفي بعض الأوقات ربما صلى بالجامع الأعظم وبجامع دمرداش وفيه يصلي العيدين وقد جرت عادة النائب أنه إذا لم يركب للموكب لا تحضر عنده القضاة إلا بطلب. وكان بحلب وزير له جهات معلومة من المكس وغيره وعليه نفقات الخاصكية والبريدية ومرتبات معروفة ثم أضيفت تلك الجهات إلى ديوان النيابة وبطل الوزير ثم أعيد ذلك في الأيام المؤيدية ثم بطل. وإقطاع النيابة له أستادار يتكلم فيه مقتصرا عليه لا يتعداه وناظر ديوان ومباشرون في أيام الظلم خاصة وربما تكلم الأستادار في غيره. اه. ما أورده ابن الشحنة. (حاشية) لفظة حاجب الحجاب والكلفته والقبا والدوادار والشاش والقماش وما شاكل هذه الألفاظ قد تكلم على أكثرها علي مبارك باشا في كتابه خطط مصر الجديدة في الجزء الثاني عشر منها عند كلامه على سرياقوس فراجعها هناك. اه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 245 أحوال الولاة في أيام الدولة العثمانية وأما أحوال ولاة الدولة العثمانية في القرون السالفة فلم أطلع فيها إلا على نبذة يسيرة أوردها دارفيو في ولاة زمانه مفرقة في تذكرته فعربتها وأوردتها مجموعة وأضفت إليها جملة استخرجتها من رقعة قديمة مخطوطة باللغة التركية ذكر فيها بعض عادات الولاة وجوائزهم لخدمة الحكومة وجماعة دائرتهم والموظفين بالجامع الكبير وغيرهم فأقول: قال دارفيو: إن حلب كان يحكمها وال ذو ثلاثة أطواخ ومسكنه القلعة وإذا غاب سكن بها متسلمه. والطوخ ذنب حصان أبيض معقود على صعدة يعلوها أكرة من نحاس مذهب وكانت العادة عند الدولة العثمانية أن يحمل من هذه الأطواخ أمام السلطان سبعة وأمام الصدر الأعظم أربعة وأمام الوزير الذي يكون من الصنف الأول ثلاثة وأمام الوزراء الذين هم دون الصنف الأول اثنان وأمام الرؤساء والموظفين وذوي الأخطار واحد. وكان المتسلم يعمل جميع أعمال الوالي غير أنه ليس له راتب مثله والنفقات المرتبة على الوالي باهظة جدا لأنه هو المطلوب منه مرتبات جميع المستخدمين في ولايته أما رزق الوالي من حلب سنويا فقد قدره بعضهم بثمانين ألف قرش ينفق منها على عساكره الذين هم ما بين خمسمائة إلى ستمائة شخص، من ثلاثين ألفا إلى خمسين ألف قرش والبقية له. أما القرى التي يتسلمها من الدولة ليقوم بكفالتها فعددها ألف ومائتا قرية منها نحو ثلاثمائة قرية غامرة والبقية عامرة. وأما بقية الأملاك والقرى فمنها ما هو أملاك الأعيان ومنها ما هو تمارات للإباهية. ثم إن رزق الوالي من حلب على ما ذكرناه هو غير المرتبات المضروبة له على أهلها فإنهم ملزومون أن يقدموا له كل ما يحتاجه من اللحم والخبز والشعير والسمن والحطب والفحم والتبن والطحين وغيرها من بقية لوازمه. وكان يضرب بحلب سكة عثمانية بأمر الوالي وليس يضرب منها الآن سوى الشاهية والأقجة والفلس والشاهية والأقجة من الفضة والفلس من النحاس. والشاهية جزء من أربعة وعشرين جزءا من القرش. وكل ست أقجيات شاهية فالأقجة هي سدس الشاهية وكل اثني عشر فلسا أقجه. وهذه الأنواع الثلاث هي النقود الدارجة بين الناس لكن الحساب في التجارة جار باعتبار الريال الافرنجي الإسبانيولي المكسكالي. اه. ما ذكره دارفيو في أحوال الولاة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 246 موكب الوالي في يومي العيد قال في الرقعة المتقدم ذكرها: إن الوالي في يومي العيد يتوجه إلى الجامع الكبير بموكب حافل يمشي معه جماعة التفنكجية والشطر، وهم خدمة أصحاب المناصب وتقاد بين يديه الجنائب ويسير في ركابه التّراسة «1» ومحصل الأموال والسردار وكتخدا الجاويشية وعدة من ضباط القلعة المعروفين بالجوربجية، ومعهم بضعة أشخاص من جماعة القلعة فيأتي إلى الجامع ويدخل إليه من باب سوق الطيبية ويصلي في المقصورة التي على يمنة المنبر ثم يقوم ويقبل عليه أصحاب الخلع الآتي ذكرهم فيلبسهم إياها ويفرق الصرر النقدية على ذويها الآتي بيانهم ثم ينهض من الجامع متوجها إلى القلعة فيمر من طريق قاضي الحاجات إلى خان الوزير إلى العجيمي إلى العصرونية إلى جامع الحيات فإذا وصل إلى أمام سوق الضرب صدحت الموسيقى من القلعة وأطلقت منها المدفاع فيتقدم إليها حتى يدخلها من الباب الكائن في جنوبها إلى الشرق. وقد اعتاد بعض الولاة أن يذبح في عيد الأضحى أربعين رأس غنم يفرق لحمانها على التكايا والزوايا. منح الولاة إلى حفظة دار الحكومة ومما جرت به عادة ولاة الدولة العثمانية ومتسلميهم في حلب أن يمنحوا كل بواب من بوابي دار الحكومة يومية مع راتب شهري قدره ستون بارة ويعطوا خدمة الزيارة نفقة يومية. ولدار الحكومة عدة بوابين ليس يمنح منهم يومية من قبل الولاة المشار إليهم سوى أربعة فقط. وكانوا يمنحون أوراق الجزية جماعة مخصوصين يعانون تحصيلها ويأخذونها لأنفسهم ثم استعفوا من هذه العطية. وكان يمنح يومية من قبل الولاة أيضا جماعة كثيرة من حفظة دار الحكومة وقد اقتصروا الآن على إعطاء أربعة منهم فقط مع إعطاء كل واحد منهم أيضا خمسين بارة ولرئيسهم ستين بارة راتبا شهريا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 247 منح الولاة إلى خدمهم ومما اعتاد عليه ولاة حلب حين دخولهم إليها أن يحسنوا إلى كل واحد من جماعة دائرتهم المعروفين بأغوات الكادك بدراهم معلومة يأخذونها لهم من أصحاب الحرف والصنائع فيحسنون لحامل قصبات التدخين المعروف بجو بوقجي باشى بخمس ذهبات وثلاثة أرباع الذهب تؤخذ من أصحاب هذه الحرفة بحلب، ولحافظ التبغ المعروف بتوتنجي باشى بأربعين ذهبا وربع الذهب تؤخذ من باعة التبغ والخرّاطين وكان عبدي باشا يأخذ من باعة التبغ فقط أربعين ذهبا ولحافظ بيت المؤنة المعروف بكلرجي باشي بمائتين وخمسين ذهبا تؤخذ من باعة الفستق ويؤخذ منهم علاوة على ذلك في كل شهر ذهبان عن يد رئيس السوق المعروف بالبازرباشي ولمرتب المائدة المعروف بصفرجي باشي بست ذهبات منها ذهبان يؤخذان من الطحّانين وأربع من الخبازين. ويؤخذ منهم علاوة ذهبان في كل شهر ولحافظ ثيابه المعروف بالجماشرجي آغا بخمسة وسبعين ذهبا تؤخذ من أصحاب حرفة الحمام ولمحافظ «1» عدة خيوله ودوابه المعروف برختوان آغا وعشرون من العقادين وعشرون من الصيارفة ولمناظر إصطبله المعروف بأمير آخور آغا بألف وخمسين ذهبا تؤخذ من جماعة البساتنة منها أربعمائة وخمسون تؤخذ منهم في أيام قطاف حشيش الشعير المعروف بالقصيل والبقية تؤخذ منهم بعد ذلك وكان عبدي باشا يأخذها منهم ثمانمائة ذهب وعثمان باشا بعده يأخذها خمسمائة ذهب. فهذا ما اعتادوا عليه من المنح والعطايا إلى جماعة دائرتهم حين دخولهم إلى حلب. منح الولاة إلى خدمة الجوامع وغيرهم وأما ما اعتادوا عليه من الخلع والجوائز لجماعة الموظفين في الجامع الكبير وغيره في يومي العيدين فهو أن يحسنوا إلى متولي الجامع بفروة من نوع القاقوم وإلى خطيبه بفرجية صوف وألف ومائتي عثماني منها ستمائة عثماني زادها الحاج إبراهيم باشا قطار اغاسي في عيد الفطر سنة 1217 ولإمام الأوقات بفرجية وألف ومائتي عثماني نصفها من زيادة المذكور الجزء: 1 ¦ الصفحة: 248 وللمؤذن الأول بفرجية صوف وللمؤذن الثاني بفرجية شال ولبقية المؤذنين بألف ومائتي عثماني نصفها من زيادة المذكور ولخادم حضرة زكريا عليه السلام بفرجية صوف وألف ومائتي عثماني منها 800 من زيادة المذكور وللفراشين بألف ومائتي عثماني منها 800 من زيادة المذكور وللبوابين بألف ومائتي عثماني منها 800 من زيادة المذكور. وللداعين المعروفين بدعاكوي بثلاثمائة عثماني ولدراويش تكية بابا بيرم بمائة عثماني ولأفراد القلعة بأربعمائة عثماني ولكبراء القلعة المعروفين بمهتران بأربعمائة ولمدفعية القلعة المعروفين بالطوبجية بأربعمائة وبمثلها لأفراد اليكيجرية ولبقية الخدمة بمائة ولرئيس الخدمة بثلاثمائة ولمحاضرة المحكمة الشرعية بمائتين وبمثلها ليسقيّة المحكمة ولكتخدا الجاويشية بستمائة ولكاتب العربي بأربعمائة وبمثلها لترجمان الديوان وبمثلها لأمين الجاويشية ولجاويشية الديوان بستمائة. فهذا آخر ما وجدته في الرقعة الآنفة الذكر. أحوال ولاة الدولة العثمانية في أيامنا وأما أحوال الولاية في زماننا فإن والي حلب يكون وزيرا أو مشيرا أو باشا. وكان يندر قبل الانقلاب الدستوري أن يكون بيكا أو أفنديا أما بعده فأكثرهم يكون بيكا وأفنديا، وينتقل إليها من جميع ولايات الدولة العثمانية كبغداد والحجاز ودمشق وغيرها. وكثير من الولاة الذين تولوا حلب انتقلوا منها إلى الصدارة العظمى أو من الصدارة إليها وولاية حلب في تلك الأيام بالنسبة إلى بقية الولايات العثمانية تعد من الصنف الأول. كيف يكون استقبال الوالي وكانت العادة جارية عندنا قبل وجود القطار الناري أن الوالي حينما يجيء إلى حلب يخرج لاستقباله جماعة من وجهاء البلدة وأعيانها وأمراء حكومتها. فمنهم من كان يصل إلى الإسكندرونة ومنهم من ينتظره في جهات العمق ومنهم من يستقبله إلى بعض القرى القريبة من حلب ومنهم من يستقبله إلى بعد ساعة أو ساعتين. وربما وجد بين من يستقبلونه إلى الإسكندرونة واحد يفتح له ولمن معه مطبخا سيّارا حتى يصل إلى حلب فإذا لم يوجد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 249 هذا قام بضيافته أكابر القصبات «1» والقرى الموجودة على طريقه وبعض الولاة لا يقبل أن يكون في ضيافة أحد فينفق من ماله كل ما يحتاجه في الطريق المذكور. وعلى كل حال فإنه قبل أن يصل إلى حلب بنحو ساعتين يخرج لاستقباله قائد العسكرية المعروف بالفريق وبقية أمرائها ومعهم الأجناد السلطانية مشاة وفرسانا وفيهم الموسيقى العسكرية فإذا وصلوا إلى أرض الحلبة نزل الوالي ومن معه من الأمراء والأعيان إلى خيم معدّة لهم فجلسوا فيها برهة وشربوا المرطبات وقهوة البن. ثم قام الوالي وركب هو ومن معه وتقدمه أصحاب الرتب والمناصب على حسب مراتبهم بحيث يكون الأقرب إليه أعظمهم رتبة وقد تقدمهم عساكر الجندرمة «2» ومشى حول الوالي جماعة من فرسان العسكر ووراءه جم غفير من فرسان العسكر ماشين بالصف والترتيب ثم من ورائهم العساكر المشاة على الصف والترتيب أيضا وفي الغالب أن يكون عددهم ثمانمائة عسكري وفي مقدمتهم الموسيقى العسكرية تعزف بالألحان المطربة فيسيرون هكذا حتى يصلوا إلى دار الحكومة وحينئذ تطلق المدافع من القلعة وعددها واحد وعشرون مدفعا وينزل الوالي ومن معه من الأكابر والأمراء ويصعد الدرج إلى الصالون وأمامه ياوره أي حاجبه ويتبعه إلى أن يدخل حجرته فيجلس على كرسيه ويجلس معه عن يمينه القاضي، ثم أصحاب الرتب والمناصب مرتبين عن يمينه ويساره على حسب رتبهم ويقبل عليه قناصل الدول ومن لم يكن في استقباله من الأعيان والكبراء والموظفين والأمراء فيوفونه حق السلام وينئونه بسلامته ويدار عليهم الشراب الطهور وقهوة البن ثم ينهض لمكانه الذي هو محل سكناه مع عائلته. وقد عهدنا الولاة أنهم كانوا يسكنون في دار بني الجلبي السفلى التي هي الآن محل دوائر العدلية ثم لما أسست العدلية واستعملت الدار في دوائرها صار الولاة يسكنون دورا بالأجرة إلى أن اشترت البلدية جنينة بيت الناقوس غربي الكتّاب وعمرت فيها مكانا باشارة والي حلب إذ ذاك جميل باشا فسكن فيها المذكور ومن بعده من الولاة بأجرة معينة يدفعونها للبلدية. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 250 موكب الولاة في صلاة الجمعة ومما كانت جارية عليه عادة ولاة زماننا أن يصلّوا أول جمعة في الأموي الكبير في المقصورة التي كانت على يمنة المنبر. وبعد الصلاة يخلعون على خطيبه جبّة من الجوخ. وبقية الجمع يصلّونها في أي جامع أرادوا. وفي يومي العيدين يصلّون صلاتهما في الأموي المذكور ويخلعون على الخطيب جبة جوخ كأول جمعة ثم ينهض الوالي ومن معه من الأعيان والأمراء والموظفين وكلهم بالألبسة الرسمية المختصة يرتبهم. ومن كان عنده وسام علّقه على صدره ويخرج من باب سوق الطيبية مارا على الجردكية ثم على خان الوزير ثم على العصرونية فجامع الحيات ثم ينعطف إلى جهة دار الحكومة وهناك تكون العساكر السلطانية مصطفة إلى قرب باب دار الحكومة لتلقّي سلامه وقد مشى أمامه أصحاب الرتب والمناصب على الترتيب المتقدم في موكب استقباله إلى أن يصل إلى دار الحكومة فتطلق المدافع من القلعة وينزل هو ومن معه ويصعد إلى درج الصالون ويدخل في حجرته وبقية الاحتفال كبقية احتفال يوم مجيئه من السفر على ما قدمناه ثم ينهض ويتوجه إلى داره وهناك يقبل لمعايدته أحبابه وأصدقاؤه على صفة غير رسمية. موكب قراءة التقليد ومما جرت به عادة الولاة أيضا أنهم بعد مجيئهم حلب بثلاثة أيام يقرءون تقليدهم المعروف بالفرمان فينزل الوالي في ذلك اليوم إلى دار الحكومة بالموكب المذكور ويخرج التقليد من خريطة معه ويقبله ويدفعه لمن اختاره من كبار الكتبة فيتناوله الكاتب ويقبله ويفتتح بقراءته بصوت مرتفع واقفا في جانب الوالي على قرص درج الصالون الموجه إلى الجنوب وفي جانبه القاضي والمفتي وأصحاب الرتب والمناصب والموظفون والرؤساء الروحانيون ورئيس الحاخامين ويكون الناس والعساكر وجماعة الموسيقى وقوفا في ساحة دار الحكومة وحينما يشرع المكاتب بقراءة التقليد تطلق المدافع من القلعة فإذا فرغ من قراءته بدر الوالي إلى خطبة من كلامه تشتمل على الدعاء للسلطان وعلى ذكر نواياه الجميلة في الولاية والامتنان من سكانها. وبعد أن يتم كلامه يفتتح المفتي بدعاء للسلطان ويتلوه المطران الجزء: 1 ¦ الصفحة: 251 ثم الحاخام. وبعد الفراغ من هذه الأدعية تعزف الموسيقى العسكرية بألحانها عدة فصول ثم يصبح العساكر بلسان وصوت واحد قائلين باديشاهم جوق يشا «1» . ثم ينفض الجمع ويباشر الوالي وظيفته. ثم إنه لا بد وأن يجري في كل سنة موكبان أحدهما يكون احتفالا بميلاد الحضرة السلطانية وثانيهما احتفالا بالجلوس وفي كل منهما تزين ليلا أبواب الدوائر الرسمية ومنازل الموظفين وجادة باب الفرج وتنور بالقناديل وتحرق الألعاب النارية وتعزف الموسيقى العسكرية وآلات الطرب إما في ميدان الجادة المذكورة وإما في جنينة البلدية التي هي محل سكنى الوالي. ويخرج ألوف من الناس للتفرج وتكون ليلة حظ وطرف ثم بعد الانقلاب الدستوري بطل في هذين الاحتفالين إحراق الألعاب النارية وقل تنوير الأبواب. هذا وإننا لم نرسم هنا جدولا في أسماء عمال حلب وكفّالها وولاتها، نظير جدول قضاتها، استغناء عنه بذكر أسمائهم في سني تعيينهم كما ستراه في باب الحوادث إن شاء الله تعالى. ذكر ما كان في باطن حلب وظاهرها من الحمّامات نذكر هنا ما كان في باطن حلب وظاهرها وبساتينها ودورها من الحمامات في القرن السابع حسبما صرح به أبو ذر صاحب كتاب كنوز الذهب نقلا عن ابن شداد: قصدنا من ذكر هذه النبذة التمهيد للكلام على عدد سكان مدينة حلب في القرون السالفة التي هي قبل القرن العاشر فإننا لم يمكننا الوقوف على عدد سكان مدينة حلب في تلك القرون إلا بطريق الاستنباط من عدد ما كان في حلب من الحمامات وغيرها كما ستقف عليه. على أن ذكرنا هنا الحمامات التي كانت في تلك القرون لا يخلو من فوائد تاريخية أقلها معرفة اسم بعض ما يظهر من أطلالها في الأسس ونسبة طلل الحمام إلى صاحبه فإن كثيرا من العمائر يظهر في أسسها أطلال حمامات وآثارها كالأبازن «2» ومجاري المياه والأقاليم ولا يعرف لها اسم ولا من هو صاحبها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 252 قال أبو ذر ما خلاصته: اعلم أن حلب كانت كثيرة الخلق والدليل على ذلك كثرة مساجدها وحماماتها. فقد ذكر ابن شداد الحمامات التي أدركها في زمانه في باطن حلب وظاهرها ودورها وبساتينها فقال: الحمامات التي كانت في باطن مدينة حلب (1) الحمام الجديد (2) السلطان على حافة الخندق (3 و 4) بالمعقلية أحدهما حمام ازدمر (5 و 6) لمحيي الدين (7 و 8) ابن العديم داخل باب النصر ويعرفان بالنجاشي كافل حلب- قلت يعرف أحدهما الآن بحمام القاضي- (9 و 10) للناصح (11 و 12) الفوقاني (13 و 14) القاضي جمال الدين (15) حسام الدين بباب الأربعين (16) الواساني (17 و 18) علي بالمدبغة (19 و 20) الست (21) الحدادين (22) القبة (23) الزجاجين (24 و 25) السباعي (26) بدرب أتابك (27) العفيف برأس الدلبة (28) الشريف (29) حمام الوزير (30) الشماس (31) الوالي بالجلوم (32) الصفي بالعقبة (33) الحاجب (34) القاضي بهاء الدين بباب العراق (35) الذهب وقف على الفقراء (36) شمس الدين لولو من أوقاف السفاحية (37 و 38) ابن عصرون في سويقة حاتم يعرف أحدهما بالأبارين (39) العوافي بباب الجنان وقف المدرسة الشرفية (40) حمام هناك صار محلا لدق الرز (41 و 42) السرور (43) الكاملية (44 و 45) «1» ابن الخشاب (46) ابن العجمي في بحسيتا وقف المدرسة الشرفية (47) ابن الملك المعظم (48) الشريف عز الدين بدرب الخراف (49) ابن نصر الله (50) الفسيتقة بالقرب من خندق القلعة في جهة الغرب (51) الفصيصي (52) ابن الأثير (53 و 54) السابق (55) برأس التل أيضا (56) العرائس (57 و 58) بالفرايين (59 و 60) بالقلعة صار أحدهما دار الضرب. الحمامات التي في الدور (62) بدار المعظم (62) بدار جمال الدولة (63) بدار شمس الدين لولو (64) بدار علاء الدين طاي بغا (65) بدار الأمير سعد الدين ابن الدرويش (66) في دور بني الخشاب (67) بدار الشريف في قلعته (68) بدار طغر بباب الأربعين (69) بدار علاء الدين ابن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 253 الناصح بالتنانيرين (70) بدار سيف الدين الناصح برأس درب الخراف (71) بدار سيف الدين علي بن قليج (72) بدار عماد الدين أخيه (73) بدار بدر الدين الوالي (74) بدار الشريف الزجاج بقلعة الشريف (75) بدار نظام الدين الوزير في باب النصر (76) بدار أتابك (77) بدار جمال الدول إقبال الظاهري (78) بدار صارم الدين أزبك الظاهري (79) بدار حسام الدين علي بن بهاء الدين أيوب (80) بدار الصاحب جمال الدين الأكرم (81) بدار الرئيس صفي الدين طارق (82) بدار شهاب الدين بن علم الدين (83) بدار الملك رشيد (84) بدار الأمير سيف الدين بكتوت العزيزي (85) بدار صاحب شيزر (86) بدار نجم الدين الجوهري (87) بدار ابن تقا (88 و 89) بدار عماد الدين عبد الرحيم بن العجمي (90) بدار الجمال عثمان بن العجمي (91) عون الدين الحموي (92) بدار قيصر في درب العدول. الحمامات في ظاهر حلب حمامات الحاضر وهي (93) السوق (94) الركن (95) الكاملية (96) «1» الإدريسي (97) ابن الدرويش (98 و 99) القاضي (100 و 101) أسد الدين (102 و 103) بني عصرون (104) ابن الدرويش بحارة الحوارنة (105) الخان (106) الشهاب داود (107) العسقلاني (108) البدوية (109) بلدق (110) سلاح دار (111) الجوهري إنشاء سعد الدين ابن الدرويش (112) قرب دار حبيب الكردي (113 و 114) سوق التبن بالرابية (115) الظاهرية (116) طمان بالظاهرية (117) البغراصي بالظاهرية (118) جسر الأنصاري. الحمامات التي كانت بالمقام «في الصالحين» (119) شبل الدولة (120) النقيب (121) أمير جاندار (122) الخادم (123) الملك المعظم (124) فخر الدين الوالي (125) أمير حاجب (126) القصر (127) حسام الدين (128) طرنطاي الوزير (129) العميد يوسف (130) وقف الظاهرية. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 254 الحمامات التي كانت في الياروقية «قرية الأنصاري» (131) الملك الظافر (132) عز الدين ميكائيل (133) ابن سنغري. الحمامات التي كانت في أرض الحلبة «محل حارة الجميلية» (134) شهاب الدين العجمي (135) فخر الدين إياس. الحمامات التي كانت في البساتين (136) ببستان تحت مشهد الدكة (137) ببستان ابن تليل الذهب (138) ببستان مشهد الحسين (139) ببستان شمس الدين خضر الوالي (140) ببستان الوزير ابن حرب (141) ببستان المضيق يعرف بابن حسون (142) ببستان النقيب محمد بن صدقة بالخناقية (143) ببستان الملك (144) بالخناقية أيضا (145) ببستان ابن عبد الرحيم (146) بستان الأزرق (147) ببستان تاج الملوك المعروف بالناصح (148) ببستان الرئيس صفي الدين طارق (149) ببستان ابن حرب المنتقل إلى قرطاي (150) ببستان الوالي (151) ببستان جمال الدولة (152) ببستان شمس الدين لولو (153) ببستان الشريف (154) ببستان بكتاش والي القلعة (155) ببستان فخر الدين الخشاب (156) بستان كافي اليهود بالهزازة (157 و 158 و 159) في بساتين السلطان. الحمامات التي كانت خارج باب أنطاكية (160) الجسر تجاه مدرسة الحاج أبي بكر (161) قيصر (162) الحافظي (163) عريف الصاغة. الحمامات التي كانت بالرمادة «قرب مسجد البختي» (164) الملاح (165 و 166) فخر الدين الوالي (167 و 168) جمال الدولة (169) بدر الدين بن أبي الهيجاء (170) بهاء الدين بن أبي الهيجاء (171) فخر الدين أخي شمس الدين لولو (172 و 173) بيانقوسا أحدهما لابن أبي الحصين والآخر يعرف بالمغارة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 255 انتهى ذكر الحمامات التي نقل أسماءها أبو ذر عن ابن شداد ولم نهمل منها سوى القليل وربما يبلغ عددها 175 حماما. ثم قال ابن شداد: وهذه الحمامات التي ذكرتها بحسب ما وصل إليه علمي وفارقت عليه بلدي في سنة 657 وهي على هذه الكثرة لا تكفي أهل حلب ولقد بلغني أنها في العصر الذي وضعت فيه هذا الكتاب دون العشرة. إن في ذلك لعبرة لمن يتفكر أو يخشى وتذكرة يتحقق بها القدرة على الفناء بعد المنشأ. اه. كلام ابن شداد. ما يستنبط من كلام ابن شداد ابن شداد هذا هو محمد بن إبراهيم بن علي الحلبي. ولد ففي حلب سنة 613 وسافر إلى القاهرة سنة 657 وفيها كانت وفاته سنة 684. ولا شك أن سفره إلى القاهرة كان هربا من التتار الجنكزية الذين زحفوا على حلب في أواخر هذه السنة. والذي يمكن استنباطه من عبارته السابقة أن هؤلاء التتار قد خربوا حلب على آخرها وأنه لم يبق من مبانيها سوى القليل الذي من جملته عشر حمامات. على أن بقاء القليل من هذه المباني ربما كان عن غفلة من التتار لا عن قصد. وإنّ أهل حلب قد عمهم الفناء وأقفرت منهم المنازل كما ألمعنا إلى ذلك في الفصل الذي عقدناه تحت عنوان (زحف التتار على مدينة حلب وتشتت شمل أهلها) ، في الكلام على (النصارى في حلب بعد الفتح الإسلامي) . عدد سكان مدينة حلب في أواسط القرن السادس ومما يستنبط من عدد الحمامات التي ذكرها ابن شداد أن عدد سكان مدينة حلب في أواسط القرن السادس أي قبل زحف التتار عليها لا يقل عن 650000 نسمة أي ستمائة وخمسين ألفا. بيان ذلك أن الحمامات الموجودة الآن في حلب اثنان وأربعون حماما. فإذا فرضنا أن عدد سكان حلب في أيامنا هذه يبلغ نحوا من مائتي ألف نسمة وقسمنا هذا العدد على اثنين وأربعين حماما لحق كل حمام منها نحو من 4762 نسمة تقريبا فإذا اعتبرنا الحمامات التي عدها ابن شداد في باطن حلب وظاهرها فقط (أي عدا حمامات الدور) 140 حماما الجزء: 1 ¦ الصفحة: 256 وخصصنا بكل حمام 4762 إنسانا لظهر لنا أن عدد سكان حلب في ذلك التاريخ كان 666680 نسمة عدا الأسر التي كانت تقتصر على حمامات دورها. على أن حمامات حلب الآن التي هي 42 حماما تزيد على كفاية سكان حلب فضلا عن كونها غير كافية لهم فإن الكثير منها يشكو أصحابها الكساد وقلة الوارد مع أنه لا يستعمل منها سوى خمسة أو ستة أبازن «1» وذلك أقل من نصف ما فيها من الأبازن فإن كل حمام يشتمل على اثني عشر أبزنا ومن الضروري أن تكون أبازن الحمامات التي عدها ابن شداد كانت تستعمل كلها ولا تفي بحاجة أهل حلب كما هو صريح عبارة ابن شداد. عدد سكان حلب في أواخر القرن العاشر لم أظفر بقول صريح أستبين منه عدد سكان مدينة حلب فيما مضى من القرون السابقة على القرن العاشر، سوى أني قرأت في تذكرة دارفيو كلاما يستفاد منه أن عدد سكان حلب في أواخر القرن العاشر يتراوح بين 285 و 295 [ألف] «2» نسمة من كل جنس وملة من ذلك (40) ألفا نصارى و (20) ألفا يهودا. والباقي مسلمون. وقال دارفيو في موضع آخر من تذكرته في أثناء كلامه على ما يستهلك في أيامه في حلب من المآكل كاللحوم والبقول التي حملته كثرتها على الاستغراب: لا جرم أن تستهلك هذه المقادير العظيمة من المأكولات في مثل هذا البلد العظيم الذي هلك من أهله في الطاعون الذي دهمه سنة 1080 مائة ألف نسمة، ثم شوهدت أزقّته بعد ثمانية أيام من انقضاء الطاعون غاصة بالناس كما كانت قبلا بحيث لم يظهر فيها هذا النقص العظيم. عدد سكان حلب سنة 1237 ذكر في كتاب اللغات التاريخية والجغرافية التركي العبارة في باب الحاء في الكلام على حلب، أن عدد أهلها قبل زلزال سنة 1237 كان نحوا من أربعمائة ألف. أما الآن يعني سنة 1298 فهو نحو من 120 ألف نسمة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 257 إحصاء عدد سكان حلب في أيام الحكومة العثمانية في سنة 1264 أمرت الحكومة العثمانية نامق باشا بالسفر إلى حلب لأجل إحصاء عدد سكانها فحضر إليها وأحصى سكانها الذكور دون الإناث. ونحن لم نطلع قبل هذا الإحصاء على غيره في أيام الحكومة المذكورة. والظاهر أن الناس كانوا في تلك الأيام يمتنعون عن تسجيل أسمائهم في سجلات الحكومة فرارا من الجندية وتخلصا من الضرائب التي كانوا يتخوفون من طرحها. ولذا كان إحصاء النفوس في تلك الأيام أمرا يحق له الاهتمام وأن يندب إليه أحد أعاظم الرجال. وكان الناس بعد رضائهم بتسجيل أسمائهم يرون من العار تسجيل أسماء نسائهم فكان يصعب على الرجل جدا أن يصرح باسم زوجته أو ابنته أو أخته ولهذا لم تتمكن الحكومة إلا من إحصاء عدد الرجال فقط في هذا الإحصاء والإحصاء الذي كان بعده سنة 1278. ثم في سنة 1299 تمكنت من إحصاء عدد النوعين وكانت أفكار الناس قد تنورت قليلا وأدركوا أن لا عيب ولا حيف في تسجيل أسماء نسائهم في سجلات الحكومة. وفي سنة 1310 وقع إحصاء آخر. ثم في سنة 1320 وقع إحصاء خامس وهو آخر إحصاء كان في أيام الحكومة العثمانية. على أن نتيجة جميع هذه الإحصائيات قريبة من بعضها فإن عدد سكان حلب في جميعها كان يتراوح بين 100 و 128 ألف نسمة ما بين ذكر وأنثى. وهذا بيان في عدد سكان مدينة حلب وسكان ملحقاتها حسب الإحصاء الواقع في سنة 1310 وهو: مدينة حلب (101031) قضاء كلز (72066) قضاء إسكندرون (11755) قضاء أنطاكية (61193) قضاء الشغر (25507) قضاء المعرة (4577) قضاء عينتاب (80938) قضاء بيلان (8588) قضاء جبل سمعان (21131) قضاء الرقة (4802) قضاء حارم (25261) قضاء الباب (22030) قضاء منبج (6466) قضاء إدلب (47029) قضاء أورفه (57108) قضاء البيرة (21859) قضاء قلعة الروم (22836) قضاء سروج (17308) قضاء مرعش (52292) قضاء البستان (39746) قضاء الزيتون (16518) قضاء بازارجق (18051) قضاء أندرين (16600) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 258 فمجموع سكان ولاية حلب بمقتضى هذا الإحصاء (764702) الذكور منهم (391479) والإناث (373223) نسمة. وهذا العدد دون حقيقته بكثير، فإن العدد المكتوم لا يقل عن ثلثه حاشا الأعراب والتركمان والرحل النزل الذين يتجولون في ولاية حلب ومفاوزها فإنهم لم يسجل من أسمائهم خمسة في المائة. لا جرم أن التسجيل لو كان عاما مستوعبا جميع سكان حلب وملحقاتها لما كان يقل مجموعه عن مليون وزيادة. وهذا جدول في إحصاء سكان دولة حلب سنة 1922 م/ 1340 هـ: مدينة حلب الذكور 46238 3586 1747 1178 612 1396 237 912 343 394 239 3150 9300 1810 4102 الإناث 51362 3895 1875 1199 614 1408 336 985 370 459 242 330 10707 842 3690 الأمة «1» إسلام روم كاثوليك أرمن كاثوليك سريان كاثوليك روم أرثودكس أرمن أرثودكس سريان أرثودكس موارنة كلدان لاتين بروتستانت موسوي غرباء أجانب غائبون الجمع قضاء جبل سمعان الذكور 21766 801 85 الإناث 25571 700 70 الأمة إسلام غرباء غائبون الجمع قضاء إدلب الذكور 20102 294 80 148 الإناث 21654 305 73 2 الأمة إسلام روم كاثوليك غرباء غائبون الجمع الجزء: 1 ¦ الصفحة: 259 قضاء المعرة الذكور 8801 63 1 8865 الإناث 9649 56 0 9705 الأمة إسلام روم أرتودكس غرباء الجمع قضاء حارم الذكور 10774 9 201 10984 الإناث 10782 6 101 10889 الأمة إسلام غرباء غائبون الجمع قضاء جسر الشغر الذكور 6976 471 17 403 78 236 8181 الإناث 7473 474 17 407 72 8443 الأمة إسلام روم أرتودكس أرمن أرتودكس لاتين غرباء غائبون الجمع قضاء عزاز الذكور 9998 411 4 10413 الإناث 11418 500 0 11918 الأمة إسلام غرباء غائبون الجمع قضاء كرد طاغ الذكور 10345 87 2 10434 الإناث 11319 70 0 11389 الأمة إسلام غرباء غائبون الجمع قضاء الباب الذكور 9995 3 37 1 1 57 235 10329 الإناث 12358 3 36 0 3 48 258 12706 الأمة إسلام روم أرثودكس أرمن أرثودكس سرسان أرثودكس كلدان موسوي غرباء الجمع الجزء: 1 ¦ الصفحة: 260 قضاء منبج الذكور 8167 524 156 8847 الإناث 9729 457 128 13014 الأمة إسلام رغباء غائبون الجمع قضاء جرابلس الذكور 8025 5 18 10 2 319 5 1 8 5 1 8 8407 الإناث 8275 3 20 3 0 191 2 0 1 6 0 5 8506 الأمة إسلام روم كاثوليك أرمن كاثوليك سريان كاثوليك روم أرتودكس أرمن أرتودكس سريان أرتودكس موارنة كلدان لاتين بورتستانت موسوي الجمع لواء دير الزور 5614 38 73 27 38 5790 5930 44 72 19 33 إسلام أرمن كاثوليك سريان كاثوليك أرمن أرثودكس غرباء الجمع قضاء بوكمال الذكور 495 الإناث 492 الأمة إسلام قضاء الميادين الذكور 1343 الإناث 1409 الأمة إسلام قضاء الرقة الذكور 761 الإناث 822 الأمة إسلام تنبيه: لم يحص من لواء الزور في هذا الجدول سوى سكان مركز اللواء أي مدينة الدير، وسوى سكان مراكز الأقضية التي هي بوكمال والميادين والرقة. وأما بقية سكان هذه الأقضية فإن إحصاءهم يكاد يكون متعذرا لأنهم أعراب رحّل نزّل. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 261 والأقضية الثلاثة وهي قضاء أنطاكية وقضاء إسكندرون وقضاء بيلان لم يباشر إحصاء سكانها حتى الآن فهي غير داخلة في هذا الجدول. وينبغي أن يعول في إحصاء سكانها على البيان السابق ريثما تحصى من جديد. ثم إن عدد الغرباء في حلب المبين في الجدول هو دون حقيقته فقد علمنا عن يقين أن عدد مهاجري الأرمن الآن في حلب يبلغ نحو ستين ألفا وعدد المهاجرين من بقية الأمم كالسريان القادمين من ماردين وأطرافها والأتراك المهاجرين عن بعض بلاد الأناضول فرارا من الجندية يزيد على عشرة آلاف نسمة. لا جرم أن الإحصاء الأخير لو كان مدققا لبلغ عدد سكان حلب نحو مائتي ألف وزيادة. موظفو الحكومة في مدينة حلب وولايتها أيام الدولة العثمانية الحكومة في الولايات أيام الدولة العثمانية تطلق على مجموع من المستخدمين يتألف من جندية سيأتي الكلام عليها، ومن ملكية هي: مجلس الإدارة في مركز كل من الولاية واللواء المعروف بالسنجق والقضاء المعروف بالقائمقامية، مجلس كان يعرف بالمجلس الكبير وكان قبل أن تشكل العدلية يتطفل على وظيفة القاضي فيتعرض في بعض الأحيان لفصل الخصومات وينظر في مسائل الحقوق والجنايات. ثم لما شكلت العدلية سمي مجلس الإدارة واقتصر على النظر في الأمور العمومية المتعلقة بأحوال المأمورين ومصالح الولاية واللواء والقضاء وجباية الأموال العشرية والمرتبات الأميرية والنظارة العامة على جميع الدوائر الملكية فيما ليس له تعلق وارتباط بالحقوق والجنايات المختصة بمحاكم العدلية والمحكمة الشرعية. رئيس هذا المجلس في مركز الولاية هو الوالي وأعضاؤه الطبيعية (وهم الذين لا تكون عضويتهم بالانتخاب كل سنة) . النائب أي القاضي. والدفتر دار أي ناظر مال الولاية، والمكتوبي، والمفتي، ومأمور الدفتر الخاقاني أي مأمور تسجيل الأملاك ومدير الأوقاف وهو والمأمور المذكور قبله يحضران المجلس حين المذاكرة بما يتعلق بدوائرهما فقط. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 262 والأعضاء المنتخبة لهذا المجلس ستة ثلاثة مسلمون ونصرانيان ويهودي. ويتناوب الترداد على المجلس رئيس كل طائفة من الطوائف المسيحية، والغالب أن يكون مطران الطائفة وهو من جملة الأعضاء الطبيعية. ولهذا المجلس جمعية لمحاكمة المأمورين الصغار الذين يكون تعيينهم دون إرادة سنية أي غير مقرون بأمر سلطاني. وتسمى هذه الجمعية الهيئة الاتهامية رئيسها القاضي والمدعي العام فيها أحد أعضاء المجلس المنتخبة ولها من أعضائه أيضا عضوان مسلم ونصراني ولها مستنطق وكاتب ضبط. وهذا إحصاء في بيان عدد المواد التي قام بها هذا المجلس سنة 1318 رومية 1321 هجرية: عدد المواد 2375 الأوراق المحولة إلى مجلس الإدارة 2153 الأوراق الصادرة من المجلس تحت قرار 846 المضابط المحررة من المجلس إلى الدوائر العليا وغيرها 5 الإعلامات المحررة من دائرة محاكمات المجلس 30 المضابط المحررة في دخول العساكر المتطوعة 5409 محاسبة الولاية وظيفة هذه الدائرة ضبط الدخل والخرج ورئيسها الدفتردار. ولها مميّز دون الدفتر دار وكاتب واردات ومعاون له وكاتب المعاملة الجارية ومقيد واردات اللواء ورفيق له وكاتب يومية ورفيقان ومقيد نفقات ومعاونان له ومسجل قيودات ومقيد نفقات اللواء ومعاون له ومقيد نفقات المركز. ومعاونان. وكاتب حساب العدلية وكاتب المصالح الجارية ومعاونان ومقيد أوراق ومعاونان وصاحب دفتر ورفيق له وأمين صندوق. وهاك الميزانية المالية المتعلقة بهذه الدائرة وتعرف بالبودجة «1» وهي ميزانية سنة خمس وثلاثمائة وألف رومية «2» : الجزء: 1 ¦ الصفحة: 263 رسم الأملاك والعقارات/ رسم التمتّع/ أسماء الأقضية غروش/ غروش 1842195/558627/حلب 477359/401050/أنطاكية 537624/557646/عينتاب 628495/249800/كلس 442000/151000/إدلب 244269/28169/الباب 259000/100000/جسر الشغر 294500/135000/حارم 326245/45750/المعرة 65050/74735/بيلان 97352/101470/إسكندرون 88676/000/منبج 230003/000/الرقة 256345/000/جبل سمعان 177500/450000/مرعش 175000/367000/البستان 45000/20000/زيتون 77000/63000/أندرين 150000/288001/بازارجق 358159/546173/أورفه 200849/61667/البيرة 179319/117474/قلعة الروم 245185/124754/سروج الجزء: 1 ¦ الصفحة: 264 أعشار السنة المذكورة الأعشار التي تلزم مقطوعا/ الأعشار التي تجبى أمانة/ أسماء الأقضية غروش/ غروش 140000/100000/حلب 1577241/235540/أنطاكية 1800133/عينتاب 2200000// كلّس 1520071// إدلب 1130345// الباب 830000// جسر الشغر 1200000// حارم 956522// المعرة 210000// بيلان 427459// إسكندرون 225000/75000/منبج 230003// الرقة 1087000// جبل سمعان 915000// مرعش 790000// البستان 210001// زيتون 325000// أندرين 360000// بازارجق 1550368// أورفه 563071/43478/البيرة 609719// قلعة الروم 586912// سروج الجزء: 1 ¦ الصفحة: 265 الجزية/ رسوم الأغنام/ أسماء الأقضية غروش/ غروش 508756/125000/حلب 139589/174266/أنطاكية 299895/273024/عينتاب 60640/600000/كلّس 12300/200000/إدلب / 700000/الباب 64000/170000/جسر الشغر / 240000/حارم 638/470000/المعرة 24436/123000/بيلان 30585/57555/إسكندرون / 340000/منبج / 450000/الرقة / 750001/جبل سمعان 310000/255000/مرعش 30000/370000/البستان 190000/180000/زيتون 57003/220000/أندرين / 265000/بازارجق 227148/1129258/أورفه 23111/142198/بيره جك 12259/237487/قلعة الروم 703/766280/سروج الجزء: 1 ¦ الصفحة: 266 رسم الجمال سنة 1304 غروش 740000 عشائر أورفة 4770 التجار 18040 مسلخ حلب غروش 5580 المعرة 15650 منبج 48690 أورفة الرسومات المتنوعة عن سنة 1305 رومية غروش 577200 رسوم القبان 152884 الذبحية مع صيدية سمك 65970 رسم الكيل 602 بدل القوجانات الضائعة 192275 بقية الرسومات 200503 ثمن تذكرة الأملاك التي لها قوجان 500 الجزاء النقدي 3380 أسكونطو نقدية غروش 2135 محاصيل اللقطة 58045 محاصيل النفوس 3122421 حصة المعارف والمنافع من الأعشار 32426 فوائض الأعشار 39932 الاستردادات 7076 عشر المعاش 189465 عوائد تقاعد الصندوق 25134 بقية المحاصيل بيان جمع الجموع غروش 7425125/جمع رسم الأملاك والعقارات 44399589/جمع رسم التمتع 1943843/جمع الأعشار المقطوعة 454018/جمع الأعشار التي جبيت أمانة 1991063/جمع الجزية عن حلب وتوابعها من الأقضية والألوية 19463069/جمع رسم الأغنام 832730/جمع رسم الجمال عن سنة 1304 4559908/جمع الرسومات المتنوعة 58320349/الجمع الجزء: 1 ¦ الصفحة: 267 هذا جميع دخل الولاية الذي أخذ بواسطة قلم المحاسبة عن سنة 1305 إلا رسوم الجمال فإنها عن سنة 1304 وأما خرج الولاية النافذ بواسطة الدائرة المذكورة فقد بلغ في هذه السنة أعني سنة 1304 هذا المبلغ وهو 114161852 قرشا. «قلم المحاسبة هذا هو الذي كان يطلق عليه في أيام الحكومة العثمانية لفظة المالية وصندوقه هو الذي كان يطلق عليه اسم الخزينة الجليلة» . ارتفاع مدينة حلب «1» أيام الملك الظاهر غازي ابن السلطان صلاح الدين يوسف الأيوبي قال ابن شداد: ذكر منتخب الدين أبو زكريا يحيى بن أبي طي النجار الحلبي في الكتاب الذي وضعه في تاريخ حلب وسماه عقود الجواهر في سيرة الملك الظاهر: حدثني كريم الدولة بن شرارة النصراني، وكان مستوفي حلب، أن ارتفاع عمل حلب سنة تسع وستمائة في أيام الملك الظاهر- دون البلاد الخارجة عنها والضياع والأعمال- يبلغ ستة آلاف ألف وتسعمائة ألف وأربعا وثمانين ألفا وخمسمائة درهم. قال: ومما أحطت به علما في أيام الملك الناصر أن ارتفاعها على القاعدة في الارتفاع في آخر دولته مع حلوله بدمشق وخلو حلب منه، يقبص «2» له على ما يفصّل: دار كورة (ألف ألف ومائتا ألف) العشر (ستمائة ألف) الوكالة (مائتا ألف) سوق الخيل والجمال والبقر (ثلثمائة ألف وثمانون ألفا) دار كورة الجوانية (ثلثمائة ألف وخمسون ألفا) البطيخ (مائة ألف) دار كورة البرانية (ثمانون ألفا) العنب (كذا) الحصر (خمسون ألفا) المدبغة (مائة ألف وخمسون ألفا) دكة الرقيق (مائة ألف) صبغ الحرير (ثمانون ألفا) سوق الغنم (أربعمائة ألف وخمسون ألفا) سوق التركمان للغنم (ثلثمائة ألف) عرصة الخشب (خمسون ألفا) ضمان الأوتار (أربعون ألفا) المسابك (خمسة آلاف) البيلونة (عشرون ألفا) سمسرة الخضر (عشرون ألفا) البساتين (خمسون ألفا) دار الضرب (مائة ألف) الدباغ (أربعمائة ألف) الحكورة (مائة ألف) ذخيرة الحطب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 268 والفحم (عشرون ألفا) المصابن (عشرة آلاف) عداد العرب (مائة ألف) الملح المجلوب (ثلثمائة ألف وخمسون ألفا) المسالخ (مائة ألف) الاختبار بخان السلطان (مائة ألف) القلي (عشرون ألفا) الساسة (مائة ألف) عداد التركمان (مائة ألف وخمسون ألفا) وغنم ثلاثون ألفا قيمتها (ستمائة ألف) الخوابي (مائة ألف) الفرح واللطف (ستمائة ألف) خان السلطان (ثمانون ألفا) السجون (ستون ألفا) تجزية الذمة (عشرون ألفا) النيل (عشرون ألفا) الصابون (خمسون ألفا) الحديد (خمسون ألفا) القنب (خمسون ألفا) الحرير (ثمانون ألفا) الحراج (ثلاثون ألفا) ضمان المزابل (عشرة آلاف) المواريث الحشرية تقديرا لا تحريرا (ثلثمائة ألف) درهم. قلم المكتوبي وظيفته كتابة ما يأمر به الوالي من الكتب والرسائل إلى العاصمة وملحقات الولاية. وقد ينوب رئيسه المعروف بالمكتوبي عن الوالي بالتوقيع على القصص المعروفة باسم عروض الحال «1» واحدها عرضحال. رئيس هذا القلم المكتوبي وكان يسمى سردارا وله معاون، ورئيس مسودين وهم ستة ونحو خمسة عشر مبيضا. قلم مجلس الإدارة وظيفته كتابة ما يقرره المجلس المذكور وتقييد ما ينفذ إليه من الأوامر والمراسلات. وله كاتب أول وثان ومقيد وأربعة كتاب. قلم الأوراق وظيفته حفظ الأوراق التي تقدم لبعض دوائر الملكية وتوزيعها على محالّها وله مدير وستة كتاب. وهذا إحصاء في بيان عدد المخابرات الواردة بواسطة هذا القلم إلى مقام الولاية والصادرة منه سنة 1318 رومية الموافقة سنة 1321 هـ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 269 عدد الوارد/ عدد الصادر 12/13/مقام الصدارة 597/344/نظارة الداخلية 108/116/نظارة المالية 78/82/نظارة الأوقاف 794/823/بقية الدوائر العالية 307/318/الولايات ومشيريات الفيالق 1168/209/مشيرية الفيلق الخامس 3706/1132/قيادة فوق العادة والنظامية وباقي المحلات 40/47/متصرفية الزور 587/607/متصرفية مرعش 582/744/متصرفية أورفة 429/543/قضاء عينتاب 456/629/قضاء كلّس 327/470/قضاء إسكندرونة 331/445/قضاء إدلب 290/347/قضاء حارم 720/269/قضاء بيلان 251/277/قضاء المعرة 333/768/قضاء الباب 260/200/قضاء الرقة 363/540/قضاء جبل سمعان 364/513/قضاء منبج 000/431/أوامر عمومية إلى ملحقات الولاية 81/41/نظارة الديون العمومية بحلب 81/21/نظارة الريجي بحلب 2526/4567/مخابرات الولايات الشاهانية بالتلغراف والملحقات 7889/000/عروض حال 28236/15971/الجمع الجزء: 1 ¦ الصفحة: 270 أوضة الترجمة وظيفتها تبليغ أوامر الوالي قناصل الدول، وتقديم رسائل القناصل إلى الوالي وحفظ أسماء التبعة الأجنبية ولها ترجمان وكاتب وملازمان. إدارة الأملاك وظيفتها تسجيل كل ملك على صاحبه بعد أن يسجل عليه في دائرة الدفتر الخاقاني المعروف باسم (طابو) وأن تقدر قيمة الملك ليؤخذ عليه الرسم المعلوم المعروف باسم (ويركو) ولها مدير وكاتب ميزان وكاتب لكل دائرة من دوائرها الأربع وثلاثة رفقاء وملازمان وصاحب دفتر ولها مخمنان من البلدة يخدمان نصف السنة مجانا، وفرقة سيارة مؤلفة من محرر أول وثان ومقيدين ومسّاحين. إدارة البرق والبريد هي الدائرة التي كانت في أيام الحكومة العثمانية تعرف بدائرة البوستة والتلغراف. لها مدير أول ومفتش ومعاونان وكاتب أول للمدير الأول ورفيق له وكاتب محررات ومدير مركز ورفيق له ورئيس مخابرات وعشرة مخابرين باللغة التركية وثلاثة تلامذة، وأربعة مخابرين باللغة الفرنسية ومصلح آلة ومدير بريد في المركز وكاتب ومقيّد. وإليك ميزانية هذه الدائرة عن سنة 1305 رومية ويدخل فيها ميزانية ولاية آدنة لأن إدارتها منوطة بالمدير الأول الذي مركزه في حلب، وهي: الدخل 3176580 والخرج 1363649 والفضلة 1812931 قرشا. أما عدد المراكز التلغرافية في ولاية حلب فهي: حلب واسكندرونة، وكل منهما يخابر باللغة التركية والعربية والفرنسية واللغات الأجنبية. وإدلب والمعرة وأنطاكية وجسر الشغر وقرية عمر آغا في العمق قرب الحمام وكلّز وعينتاب ومرعش والبستان والبيره وأورفه وجوبان بك، وكلها تقتصر على المخابرة باللغة التركية والعربية. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 271 إدارة الأوقاف سنتكلم على وظيفة هذه الإدارة في الفصل الذي عقدناه تحت عنوان (الأوقاف وإدارتها) في الجزء الثاني. ونقول هنا: لهذه الدائرة رئيس يعرف باسم محاسب أو مدير وكاتب محاسبة وكاتبان وأمين صندوق، وهذه ميزانيتها عن سنة 1304 رومية: الدخل في حلب 490816 وفي الملحقات 355833 والخرج في حلب 144626 وفي الملحقات 80035 قرشا. نظارة النفوس وظيفتها تسجيل أسماء المواليد والوفيات وإعطاء تذاكر السفر وتقديم دفاتر إلى جهة العسكرية بأسماء الشبان الذين تبلغ أعمارهم حد الأخذ إلى الجندية. ولها ناظر وكاتب أول ومعاون. ودخل هذه الدائرة يسير يجمع من ثمن تذاكر النفوس الذي هو قرش واحد عن كل تذكرة. ومن ثم نتذاكر الطريق الذي هو عشرة قروش عن كل تذكرة ورواتب موظفيها تؤخذ من صندوق المال. إدارة الدفتر الخاقاني وتعرف باسم إدارة الطابو. وسميت في هذه الأيام بإدارة التمليك. وظيفتها تسجيل الأملاك المسقّفات والمستغلات على أسماء مالكيها والمتصرفين بها. وهي تأخذ على ذلك مقدارا معلوما من الرسوم وتسلمها لصندوق المال وتأخذ منه مرتباتها كالدائرة التي ذكرت قبلها والمستخدمون في هذه الدائرة هم مأمور وكاتب أول ومعاون له وكاتب أملاك وطابو. ولها لجنة مؤلفة من ثلاثة أعضاء تحت رئاسة القاضي وظيفتها استماع الإيجاب والقبول من المتبايعين وتدقيق معاملات انتقال الملك والعقار من المورث إلى الوارث. وهذه ميزانيتها عن سنة 1305 رومية باعتبار جميع الولاية: الدخل 486814 والخرج 436145. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 272 المصرف الزراعي المعروف باسم بنك الزراعة وظيفته النظر فيما ينفع الزراعة والفلاحة وإقراض المعوزين من الزراع نقودا لها فائض معلوم. وله مأمور وكاتب أول وأربعة كتاب وله مجلس إدارة له رئيس وكاتب وثمانية أعضاء مسلمون ونصارى ومن جملتهم مأمور المصرف ومفتش الزراعة. إدارة الغابات المعروفة باسم الأرمان وظيفتها النظر في الغابات الجبلية التي يقطع منها الخشب والحطب لتأخذ رسوما معلومة على المقطوع وتتداول فيما هو الأنفع للغابات. ولها مفتش وكاتب ومأمور يقال له أوندلق، وشحنتان يقال لهما قولجية. وهذه الإدارة والمصرف الزراعي الذي ذكر قبلها حادثان. قومسيون الجفتلك الهمايوني وظيفته النظر والبحث فيما ينفع الجفتلك والأملاك السلطانية الخاصة بالسلطان عبد الحميد. رئيس هذا القومسيون، أي اللجنة، الوالي. وأعضاؤه القاضي والدفتر دار ومدير الأملاك السنية. وقد تكلمنا على الجفتلك الهمايوني في حوادث سنة 1326 من الجزء الثالث فأغنى ذلك عن الكلام عليه هنا. لجنة النافعة «1» وظيفتها المذاكرة في إصلاح الطرق والمعابر ورئيسها الأول الوالي ولها رئيس ثان وكاتب وسبعة أعضاء مسلمون ونصارى وستة مهندسين أحدهم رئيس عليهم. لجنة تحصيل البقايا وظيفتها جباية مطاليب الدولة من ذويها. ورئيسها الوالي، ولها كاتبان وأربعة أعضاء: الدفتر دار ومدير الويركو ومدير الدفتر الخاقاني وأحد أعضاء مجلس الإدارة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 273 لجنة التحصيل العمومي وظيفتها جباية مطاليب الدولة في حين استحقاقها في ذمة ذويها رئيسها أمير اللواء العسكري ولها كاتب وأربعة أعضاء: قائد الجندرمة ومدير الويركو وعضوان من أعضاء مجلس الإدارة. لجنة تسجيل الأحوال وظيفتها تدقيق تراجم أحوال المستخدمين: ولها رئيس هو المكتوبي، وأعضاء وهم مميز المحاسبة ومميز المكتوبي ومدير الأوقاف. لجنة الأوقاف وظيفتها المذاكرة في الوظائف والجهات التي يأخذ أصحابها رواتبهم عليها من إدارة الأوقاف والنظر في دفاتر الحساب التي يقدمها المتولّون في دخل أوقافهم وخرجها والإشراف على الجوامع والمعابد التي هي تحت إدارة الأوقاف وتدقيق نفقاتها وما يصرف على تعميرها وتنويرها وفرشها وغير ذلك. رئيس هذه اللجنة هو المفتي وأعضاؤها ثلاثة منتخبون. دائرة البلدية وظيفتها النظر في أحوال البلدة خاصة من جهة تنظيف الأزقة والشوارع ورشّها وتنويرها في الليل، وترميم ما خرب من البالوعات، وفرش الأزقة بالبلاط ومراقبة باعة المأكولات وإعطاء الرّخص بالتعمير بعد مراعاة عرض الطريق واستقامته وتعهد إصلاح قناة حلب وبقية مجاري المياه المستعملة وغير ذلك. ولها مجلس يتألف من رئيس وثمانية أعضاء: أحدهم مسيحي والآخر يهودي وباقيهم مسلمون. والكل يعينون بالانتخاب وليس للأعضاء راتب بل هم يستخدمون مجانا سوى الرئيس وسوى أحدهم إذا عينه المجلس للكشف على عمل، له أن يأخذ أجرة قدرها نصف ذهب عثماني من صاحب العمل أو من صندوق البلدية إذا كان العمل مختصا بها. ولها من المستخدمين: كاتب أول ومعاون له وكاتب كشف وكاتب تنظيفات وأمين صندوق وطبيب وجراح وصيدلي ومفتش وصاحب مضخة لإطفاء ما يحدث من الحريق الجزء: 1 ¦ الصفحة: 274 ونحو عشرين مباشرا يعرف باسم جاويش. وممن له علاقة بهذه الدائرة طبيب الحجر الصحي المعروف باسم طبيب الكورنتينا. ومداخيل هذه الدائرة تجمع من رسوم وضرائب على الدواب المباعة «1» وعلى الدواب المذبوحة وعلى كيول الغلات ودلالة سوق البدستان «2» وعلى صناديق البترول وعلى القبّان. ولها أملاك خاصة تجبي أجورها وتصرفها في شؤونها. هذا المجلس كان تشكيله سنة 1283 وهي السنة التي شكلت فيها ولاية حلب وكانت البلدة قبل ذلك تطمي الأقذار والأوساخ في أزقّتها لأن قضية الكنس والتنظيف كانت موكولة إلى ذوق أصحاب المنازل والبيوت والحوانيت. وقليل منهم من يبالي من الأوساخ ويحب النظافة وكان الكثير من مجاري المياه القذرة مكشوفا تنبعث منه الروائح الخبيثة وتنتشر منه جراثيم الأمراض فكانت الصحة العامة في حلب غير جيدة. وكانت الأوبئة الجارفة والأمراض القتالة في توال وتعاقب كما ستقف عليه في الباب الثالث. وكان المستبدون وأصحاب الوجاهة والكلمة النافذة يزحفون بمبانيهم وعمائرهم على الطرقات بقدر ما تسمح لهم قوة تسلطهم، فكان الكثير من المسالك والشوارع العامة ضيقا حرجا يعسر المرور منه على الناس بله الجمال والدواب الموقرة بالبضاعة الضخمة كالحطب والفحم. كان دخل البلدية قبل الحرب العامة يتراوح بين سبعة آلاف وعشرة آلاف ذهب عثماني. ثم بعد انتهاء الحرب زاد زيادة عظيمة فصار يتراوح بين 35 ألفا و 40 ألف ذهب عثماني. جدول إجمالي في عدد جماعة الدرك المسمى عند الأتراك بالضابطة أو الجندرمة وذلك سنة 1307 رومية وهو: قائد مشاة (1) : أمير لاي (2) أحدهما للمشاة والآخر للفرسان. بينباشي (4) أحدهم للمشاة والثلاثة للفرسان. كاتب طابو (4) أحدهم للمشاة والثلاثة للفرسان. يوزباشي (23) تسعة منهم للمشاة و 14 للفرسان. ملازم أول (23) تسعة منهم للمشاة و 14 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 275 للفرسان. ملازم ثان (23) كذلك. جاويشيه (92) منهم 36 للمشاة والباقون للفرسان. أمناء البلوك (23) تسعة منهم للمشاة والباقون للفرسان. أو نباشيه (143) منهم 73 للمشاة والباقون للفرسان. أجناد المعروفون باسم أنفار (962) منهم 475 مشاة والباقون فرسان. جباة، المعروفون باسم تحصيلدارية (101) منهم 46 مشاة والباقون فرسان فجملة المستخدمين بالدرك (2402) شخصا. هذا العدد يقسم إلى أربع كتائب جمع كتيبة يسميها الأتراك طابور وتقسم إلى تسع زمر يسميها الأتراك بلوكا موزعة في حلب وجميع ملحقاتها في كل محل منها القدر الكافي. وقد بلغت نفقات هذه الطائفة سنة 1307 رومية 4191191 قرشا الذي هو جزء من مئة جزء من الذهب العثماني. محكمة البداية شكلت هذه المحكمة سنة 1295 بدلا عن مجلس التمييز. ولها معاون ومدع عام. وتقسم إلى دائرة حقوق ودائرة جزاء، ولكل منها رئيس وعضوان مسلم وغير مسلم ولكل منهما أيضا عضو ملازم، له راتب من صندوق المال وهو ينوب عن أحد جماعة المحكمة إذا غاب عنها. ولكل دائرة كاتب أول يعرف باسم باش كاتب وأربعة كتاب لضبط الدعاوي. وظيفة هذه المحكمة فصل الخصومات في مدينة حلب ابتداء، وإعادة المحاكمات التي تصدر من الأقضية التابعة ولاية حلب فتنقض الحكم الأول أو تبرمه. وهذه الإعادة يسميها الأتراك استئنافا. ويشترط في هذه الدعاوي أن يكون المبلغ المدعى به غير زائد على خمسة آلاف قرش فإذا زاد على هذا المبلغ فللمدعي الخيار إن رضي أن تعاد الدعوى في هذه المحكمة فبها وإلّا أعيدت في محكمة التمييز الكائنة في استانبول. لدائرة بداية الجزاء طائفة يسميها الأتراك هيئة اتهامية تتهم المدعى عليه بالجرائم المنقسمة إلى نوعين: أحدهما يسمى جناية وهي الجريمة العظيمة، والأخرى جنحة وهو ما يعد من صغار الذنوب. ومما يلحق بمحكمة البداية مأمور تنفيذ الأحكام المسمى عند الأتراك بمأمور الإجراء الجزء: 1 ¦ الصفحة: 276 ومقرر أول وثان يعرف كل منهما باسم مستنطق ومسجل صكوك يعرف باسم نوتير «1» أو بمأمور المقاولات ويسمى الآن كاتب عدل أخذا من الآية القرآنية وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كاتِبٌ بِالْعَدْلِ له معاون ومباشر. لمحكمة البداية وأقسامها وملحقاتها مداخيل زهيدة تؤديها إلى صندوق المال وتأخذ منه نفقاتها وما عيّن لمستخدميها من الرواتب سواء كانت مداخيلها موفية بذلك أم كانت غير موفية، سوى كاتب العدل فإنه يأخذ نفقات دائرته ومرتبات مستخدميه على نسبة معلومة في المئة من مداخيل دائرته وما زاد عن ذلك يسلم بعضه إلى صندوق المال وبعضه الآخر إلى نظارة العدلية لتسلمه إلى مكتب الحقوق في استانبول. وهذا بيان مداخيل هذه الدائرة عن سنة 1305 رومية في حلب: نفقات الدائرة (4345) حصة المأمور (11668) المرسل نقدا أوراقا مالية إلى نظارة العدلية في استانبول (1828) حصة صندوق المال في حلب (24052) قرشا. أما المواد التي باشرتها المستنطقية الأولى في محكمة بداية حلب سنة 1318 رومية فهي (8306) منها ما هو معدود من المواد الجنائية ومنها ما هو معدود من مواد الجنحة وبعضها من بقايا مواد السنة 1317 وبعضها نقل إلى سنة 1319 رومية. محكمة التجارة لها رئيس وستة أعضاء ثلاثة مسلمون وثلاثة غير مسلمين. ولها ديوان له كاتب أول ومعاون وكاتب ثان وكاتبا ضبط. وقد قدم إلى هذه المحكمة سنة 1305 رومية 720 دعوى فنظرت منها المحكمة في 643 دعوى وأبرمت 1012 قرارا في دعاو نظرت فيها باقية من السنة 1297 رومية. وبلغت مداخيل المحكمة في سنة 96262 ونفقاتها مع رواتب مستخدميها 77201 فالفضلة 19061 قرشا وهي المحكمة الوحيدة التي تفي مداخيلها بنفقاتها أو تزيد عنها. وأما بقية محاكم العدلية و المحكمة الشرعية فإن مداخيلها دون نفقاتها بكثير. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 277 المحكمة الشرعية هي المحكمة الجارية تحت استقلال الحاكم الشرعي المعروف بالقاضي أو بالنائب أي نائب شيخ الإسلام. وكانت قبل تشكيل العدلية تسمع فيها جميع أنواع الدعاوي المتعلقة بالحقوق المالية والجنايات. وبعد تشكيل العدلية منعت عن سماع الدعاوي المتعلقة بالجنايات ثم منعت عن سماع الدعاوي المتعلقة بالحقوق المالية وقصرت على سماع الدعاوي المتعلقة بالوقف والتركات والزوجيات والطلاق والنفقة وتوجيه الجهات التي هي التولية والوظائف الدينية على شرط أن يجري امتحان صاحب الجهة بواسطة لجنة مؤلفة من بعض العلماء تحت رياسة المفتى تجتمع في دائرة الأوقاف. رئيس هذه المحكمة القاضي ولها كاتب أول ومعاون وكاتب ضبط وورقة الإذن بعقود الأنكحة وكاتب ضبط وإحضارية وقسّام تركات ومسجل وكاتب ضبط ومحضر أول وعدة محاضرة. إدارة الأملاك السلطانية وتعرف بإدارة الجفتلك وظيفتها النظر في أمور الأملاك الخاصة بالسلطان عبد الحميد خان الثاني. ولها مدير وحاسب وكاتب تحريرات أول ومفتش ومهندس. ولها لجنة رئيسها المدير وأعضاؤها الحاسب ومن بعده ولها ديوان محاسبة له كاتب أول وثان ومقيد ومبيضان ولها ديوان تحريرات ومسوّد أول وثان ومقيد ومبيّض وأمين صندوق. ولها شعبة ملحقة بها في كل من منبج وجبل العيس وجبل الأحصّ. ولكل شعبة منها مأمور وكاتب وقولجي أي متجول. وقد بلغت مداخيلها عن حلب وشعبها سنة 1304 رومية 616977 ونفقاتها 355257 فالفضلة 4261724. إدارة الديون العمومية وظيفتها أخذ الرسوم عن المسكرات والحرير والأفيون وصيد السمك من البحيرات والأنهر وأخذ قيمة الطوابع المعروفة باسم بول وأخذ قيمة الملح المستخرج من سبخة الجبول. وصرف هذه الأموال والرسوم في وفاء ديون الدولة. ولها مدير ومفتش أول الجزء: 1 ¦ الصفحة: 278 وملازم وكاتب أول للمحاسبة ورفيق له ومقيد وكاتب تذكرة ومأمور على البول وهو أمين الصندوق وكاتب تحريرات ورفيق له ومقيد ومبيّض ويلحق بهذه الإدارة إدارة مملحة الجبول. ولها مدير ومعاون ومفتش وكاتب أول وثان وكاتب إجمال وأمين صندوق وقد بلغ دخلها في سنة 1305 رومية 4289100 وخرجها 910200 فالفضلة 3378900 قرشا. إدارة انحصار الدخان المعروفة بشركة ريجي وظيفتها ضبط التبغ المعروف بالتوتون. ولها ناظر ومحاسب له رفيق أول وثان وكاتب التحريرات التركية ورفيق ومأمور مستودع وكاتب محاسبة المستودع ومعاون لمأموره وأمين صندوق ومأمور معمل وكاتب محافظة. وهذه موازنتها الإجمالية عن سنة 1305 رومية: الدخل 11687905 الخرج 11308525 الفضلة 780380. عسكرية ولاية حلب مرجعها الجند الخامس المعروف باسم (بشنجي أوردي همايون) الذي مركزه في دمشق الشام «1» وهي نظامية ورديف. فالنظامية لها فريق تحته رئيس أركان حرب وأمير لواء وأمير ألاي فرسان ومشاة وخمسة بيكباشيه اثنان فرسان واثنان مشاة وواحد مدفعي وقائمقام فارس ومدفعي وأربعة أمناء ألاي: واحد فارس وثلاثة مشاة، وكاتبا ألاي فارس وماش. وكلهم في حلب، وأمير لواء وقائمقام ماش وبيكباشي ماش وكلهم في مرعش. وبيكباشي ماش في زيتون. وأما الرديف فله في حلب وكيل قائد عام وأمير لواء وأمير ألاي وقائمقام وبيباشيان وله في كل من مرعش وأنطاكية وكلّس والمعرة وعينتاب والبيرة وطرسوس وجبلة واسكندرونة وقوزان بيكباشيان ومثلهما في كل من إدلب والبستان بزيادة قائمقام. وله في كل من أورفة وأطنه واللاذقية أمير لواء وأمير ألاي وقائمقام وبيكباشيان. ومما يتعلق بعسكرية حلب: المستشفى العسكري، وجماعته طبيب أول وطبيب ميمنة وطبيب ميسرة ومدير وكاتب وإمام وجراح أول وثان وثالث وصيدلي أول وثان وثالث. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 279 المكتب الرشدي العسكري أسس هذا المكتب في حدود 1300 وقد ألمعنا إلى ذلك في الكلام على محلة ساحة بزّة في الباب الأول بعد المقدمة. لهذا المكتب مدير وعشرة معلمين: معلم الرياضيات ومعلما العربية ليسوا من العسكرية ومعلم الفارسي والقواعد العثمانية والرسم والخط التركي وإملائه واللغة التركية وجغرافيتها. وله من الضباط يوزباشي وملازمان أولان. وقد بطل هذا المكتب منذ نشوب الحرب العامة. وبعدها صار محله مكتبا للصنائع. المكتب الرشدي الملكي ذكرنا تأسيس هذا المكتب في الكلام على معارف حلب من هذه المقدمة. وذكرنا في الكلام على المنصورية من الباب الأول أنه ألغي سنة 1309. كان له معلم أول وثان وثالث ومعلم اللغة الفرنسية ومعلم خط وإملاء ومعلم خط الثلث ومعلم رسم وبوّاب. الأجانب الموظفون في حلب كان يوجد فيها قنصل لدولة أوستريا والمجر وهولاندا. وقنصل لكل من دولة إنكلترة وجمهورية فرانسه ودولة روسية ودولة إيطاليا ودولة إيران ودولة إسبانيا ودولة البورتكيز. وقنصل واحد لحكومة أميركا ودولة بلجيكا ووكيل قنسل لدولة إسوج ونروج. ووكيل قنسل لدولة اليونان. ولأكثر هؤلاء القناسل وكلاء في البلاد العظيمة الملحقة بحلب كأنطاكية وعينتاب وأورفة ومرعش واسكندرونة. الرؤساء الروحانيون في حلب كان من رؤساء الملة المسيحية في حلب بطريرك للسريان الكاثوليك ومطران لكل من الروم الكاثوليك والأرمن الكاثوليك ورئيس ملة لكل من الروم الأرثودكس والكلدان. ويوجد لليهود رئيس ديني واحد يعرف بالحاخام باشي. الهيئة الحاكمة في اللواء كان يوجد في قصبة مركز اللواء متصرف وأركان لواء ومجلس إدارة وديوان محاسبة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 280 وديوان تحريرات وإدارة ويركو ودفتر خاقاني ونفوس وتلغراف وبوسته وإدارة أوقاف ومجلس بلدية وشعبة بنك زراعة وإدارة غابات وإدارة ديون عمومية وإدارة ريجي ودائرة عدلية فيها دائرة حقوق محكمة البداية ودائرة الجزاء ومحكمة شرعية وشعبة معارف ومكتب رشدي. الهيئة الحاكمة في الأقضية كان يوجد في مركز القضاء قائمقام ومجلس إدارة ومحكمة بداية ولجنة أوقاف وشعبة معارف ومكتب رشدي ومجلس بنك زراعة ومجلس بلدية. انتهى الكلام على الهيئة الحاكمة في حلب وملحقاتها. ولنختم هذا الجزء بالكلام على الأقضية التي كانت تابعة لواء حلب ثم على الألوية وأقضيتها التي كانت تابعة ولاية حلب في أيام الحكومة العثمانية مصدرا الكلام على كل قضاء بجدول يبين عدد أهل كل محلة من مركزه وكل قرية من قراه مشيرا إلى ملة الأهلين بالحروف الآتي بيانها مثبتا الحرف المشار به بعد اسم المحلة والقرية ثم أتبع الجدول بالكلام على مركز القضاء ثم على الأماكن الشهيرة فيه. وهذه هي الحروف المشار بها إلى الملة سوى الإسلام وهي: ر أرمن، س سريان، ك كاثوليك، ل لاتين، وبروتستان، اروم، ج أجانب، د يهود. مدينة كلّز وأسماء المحلات الموجودة فيها جديدة 429 شيخ عبد الله 959 شيخ عبد الله ر 5 بلوك 1163 تكية 1059 تكية ر 19 تكية د 126 نور الدين 263 نور الدين د 46 شيخلر 929 أبو العلاء 512 بيوك كتاه 756 بيوك كتاه ك 8 حق ويردى 206 حق ويردى ر 290 حق ويردى ك 3 حاج إلياس 257 حاج إلياس ر 37 تيمورجيان 411 تيمورجيان ر 38 أوقجيان 260 حلواجي أوغلي 175 قره علي 555 قره علي ر 122 قره علي و 31 عبدي أويماغي 371 عبدي أويماغي ا 274 عبدي أويماغي ر 31 عبدي أويماغي د 28 مبخ عاب 502 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 281 ميخ علي ا 30 كتانجيان 364 كتانجيان ر 3 كتانجيان و 15 جيلاق 393 جيلاق د 33 دباغ خانه 264 دباغ خانه ك 24 دباع خانه د 186 دباغ خانه و 6 عنابلي كتاه 791 عنابلى كتاه ر 7 عنابلى كتاه د 48 دوه جيان 560 دوه جيان ر 166 دوه جيان ك 1 دوه جيان و 13 طريقلى 445 طريقلى ر 116 طريقلى و 12 آشبط 402 آشبط ر 705 آشبط ك 281 آشبط و 46 واعظ 435 واعظ ر 528 واعظ ك 28 واعظ و 117 سعتر 239 سعتر ر 253 سعتر و 46 أرسلان 504 أرسلان ر 240 أرسلان و 50 قلايجيان 177 قلايجيان ك 3 مشهد لك 457 مشهد لك د 165 هندى أوغلي 248 هندى أوغلي د 16 منلا حمود 280 نجار أوغلي 302 حاجي كموش 250 حاجي كموش د 14. قرى كلّز وأسماء ملحقاتها عشيرة بسنجيان 185 أكرى قنا 44 تخته لي 40 كفر رحيم 32 شميرين 47 حلبيان 68 قره طاش 11 عرب قرب كلز 91. ناحية أعزاز تركمان أويلوم 160 أويلوم ر 1 عناز 103 عجار 274 قره جه ويران 15 تل حبش 56 تل حبش ر 2 قنطرة 34 كوكداش 79 ظبران 69 دولك 51 قسطونة 22 ترشكين 27 ترشكين ر 2 وحوين 18 وحوين ر 2 مزرعة شاهين 30 مزرعة شاهين ر 4 طاطحموحى 18 طاطحموحى ر 1 تل عمار 85 تل عمار ك 5 كدريج 59 تل شعير 52 صمان دره 31 صمان دره 1 قره كوز 7 قصه جق 5 جكه 59 شوبرين 109 دويبق 108 دويبق ر 2 راعل 118 مرغيل 30 بني بيان 32 قره كوبرى 73 دودات 110 خلفتى 3 مغيدين 12 حرجله 68 حبسه 25 قره مزرعة 18 سيوه 45 حوار 63 دلمه 48 براغتى 130 قزل مزرعة 85 إيكده 140 أولبل 75 يل بابا 52 كفر غنى 252 تل حسين 53 جارز 77 فيضية 23 يحمول 28 نكاره 106 كفر كلبين 211 سجو 131 شبل 174 أربه كسمز 43 بيقير 16 قره قيو 33 ترشام 52 شماريق 46 طاطيه 19 كفر بارجه 27 كفر جوش 42 جوار شميرين 28 عرموتجه 38 يازي باغ 66 دكمه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 282 طاش 76 زعره لي 123 معرين 110 حميلي 35 عويلين 11 طوغلي 151 عرب كفر رحيم 6. ناحية أعزاز فلاح قطمة 215 معرسته 11 مزرعة الخطيب 20 مريمين 320 أناب 166 شوارغت الأرز 65 مالكية 71 مرعناز 47 سيجواز 44 أعزاز 1321 وا 1 عزاز ر 7 كفر حاشر 27 منق 312 تلالين 206 تل رفات 1028 مزرعة العلا 17 كل جبرين 374 الشيخ باعو 280 الدفتردار 1098 كفر أنطون 36 كفرة 82 عين دقنه 117 طاطمراش 87 كشتعار 56 تل عجار 50 العلقمية 39 تنب 78 دير الجمال 489 كفر نايا 352 كفر ناصح 89 الأحرص 133 طاشلي حربل 196 صوران 446 حتملات 288 دابق 266 أرشاف 187 تركمان بارح 319 الزياديه 85 الكعيبية 52 البليقة 16 قعر كلبين 71 آق برهان 35 أخترين 366 واش 27 دير الهوى 30 تلتانه 30 بازوره 118 غوز 70 كسار 11 قراميل 41 حاسين 37 قافين 117 معراثه 55 جفتلك 72 قول سروج 120 تويس 14 سنبل 183 غبطون 39 بحوارته 127 حوار النهر 150. ناحية منبج الفوقاني يايجي 124 يصديجه 142 جراز 115 قوشجي 62 حاجي كوى 61 تل إبراهيم 52 قره يواش 61 كروم 358 جور كلك 59 جمجه 245 قرغيل 68 ملك 175 كهريز 125 قره صقال 46 عمر أوغلي 47 مغاره جق 46 إسبناق 214 بلانقوز 23 بللوك 110 أكلان 120 جقاللي بناري 62 صبار 85 زلحه 56 منادر 7 إيكى طام 92 جنكين 364 الراوندان 191 قربنى 169 قربنى ر 43 عقبه 29 بكره 49 دير صوان 99 ويره كان 103 عرب ويران 73 طنبوره لي 66 باش مغاره 44 قوزينه 85 يلانجه 67 تل حسين 24 قره ينار 58 مسرجك 89 كورتونجك 72 مشاتل 27 بلاليه 29 قره ميلك 113 جورتان 20 عراقيه 13 عرب هيوكى 40 أوزنلي 89 جرجك 125 كفير 158 قوصقونقران 134 جقوراوبه 137 تلميز 21 عمرجك 5 عشائر 773. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 283 ناحية موسى بكلي شيخ خوروز 105 سعتلى 96 مغاره جق 75 جوشو 38 عليانلي 78 مزرعة شير 16 مردانلي 158 خاي أوغلي 33 باويق 110 طاط كوى 40 مزرعة مراد آغا 55 قار بياض 45 شماتر 101 بكولر 24 أرزاب 114 أوج بنار 43 جاوش كوى 36 مراد هيوكى 261 مراد هيوكى ر 3 أسبى أوغلي 29 أسبى أوغلي ر 2 دوحين أرن 84 دوستانلي 91 حاجيلر 52 شنكجه 33 بوغاز كريم 39 زنكول 43 باكلي 135 ورقلر 44 أشك قيو فوقاني 67 قزل كند 130 كوكجه لي 67 تخته لي قره طول 74 حسين أوغلي 118 ظبولر 23 جنار 179 إسماعيلك 23 قوجه لر 35 تيغان 22 قلعة جك فوقاني 66 كور أحمد هيوكى 117 فزكه 211 قره توت 119 مزرعة خاتون 52 قمان 40 جنبك 74 أغجه كند 98 أشك قيو تحتاني 42 خرج أوغلي 28 بيوك قردم 92 كجوك قردم 54 كورتونجي 81 خسكانلي 98 سبطورز 197 طوقاج كمريكى 133 قره إسماعيل 44 طاطر كمريكى 56 قسطالي 89 فريجك 111 فريسه 38 قوزجغاز 94 قلعه جك تحتاني 67 كوك موسى 121 حرسيك 63 شلكين 136 شاه ولي 200 دونبلي 108 سكوتلي 252 بكتاش أوغلي 33 ور 2 شلتاح 17 مرسوى 54 عشائر عرب 1356. ناحية شقاغي زيتونك 54 سعد تجك 134 آليجي 90 طوراقلي 40 ور 1 بلورسك 65 علي بزانلي 137 جمانلي 94 عمرانلي 72 ميدانكي 263 ور 1 نازاوشاغي 80 دوديرلي 85 كمرك 207 حلوبى 97 كوبه لك 31 كفر روم 40 قورت قولاغي 189 قره قورت قولاغي 37 قره تبه 43 كفر ميز 24 مشعله 112 ور 6 ضعنلي 78 كورتك 32 شرانلي 277 سلكانلي 227 قسطال 98. ناحية عميكي كشك 27 عين حجر 39 عمارلي 42 إبراز 173 طور مشكانلي 159 ستاره 161 أنقله 69 شيخ الحديد 591 قرمتلك 375 شيخ جقاللو 157 أرنك 99 حاجي بلال 80 خليل كوللو 189 جتال قيو 70 رزكانلي 57 كلانلي 65 كورزيل 90 علندر 27 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 284 قاش أوشاغي 52 صاغراوبه 215 قوطانلي 141 خلو أوشاغي 94 قورى كول 141 قورد أوشاغي 84 كوتانلي 107 بلان كوى 163 حسن ويرلي 99 شوربه أوغلي 179 بيوك قارقين 57 كوجك قارقين 51 عرب تل طويل 14. ناحية أوقجي عز الدين بركش 157 بلبل 287 بلبل ر 2 عوكانلي 112 خياملي 107 جارجلي 222 عليكارلي 16 شنكلي 50 قوجانلي 109 حصار 118 حسنجلي 377 وجلي 102 كول كان 141 سابقانلي 30 بولامجلي 141 برتكلي 106 بالي أوبه سي 96 قورنه 104 جميلية أو سوريه 85 شرقيانلي 130 خضر يانلي 157 بربند 63 أو كسنرلي 205 مابطلي 726 قنطره 144 قنطره ر 21 حاجي قاسملي 159 معصره جك 135 عرب أوشاغي 186 صشلك 145 صولاقلي 328 بغجه صغير 44 زعرى 74 بكوأوبه 181. ناحية شيخلر جالقمه 81 جرختلي 32 كولانلي 47 شيخ بلانلي 48 كوركانلي فوقاني 146 كور كانلي تحتاني 93 صاري أوشاغي 109 صاط أوشاغي 88 سعولجك 84 كوميت 246 أنجرلي 213 شاديانلي 232 قلعه 32 كمراش 78 خليل عمر أوشاغي 23 حسن كلكاوي 71 قودا كوى 122 عمر أوشاغي 112 معمول أوشاغي 427 دونللي 205 موسكو 216 عثمانلي 73 بعدنلي 421 هولكالي 38 رجواوبه 113 كورانلي 50 حاجي خليل 250 مسكانلي 62 مامالي 118 جقماقلي 224 جنجلي 185 بوللي 39 قره بابا 44 فرفك 49 علطانلي 25 جعنكانلي 55 اله ويران 12 بلاليكوى 62 تبه 73 كاونده 94 والكلي 46 ضوضو 121 سمالكي 104 كوسيانلي 93 بندر كلي 33. ناحية جوم عرش قبار 116 طورنده 88 كورزيل 98 باسوط 198 برج 113 كفير 65 غزاويه 116 شادر 81 اسكان 108 جملان 205 تل سلوره 45 ديوانه 37 حاجيار 25 فريرى 57 تل قراق 19 حميلك 15 رماديه 28 تل حمو 35 رأس العين 29 كفر زيد 55 تلف 35 كفر بطره 23 عندريه 20 كفر دلي تحتاني 9 كفر دلي فوقاني 126 كوركان 115 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 285 قره بيشار 119 جولقان 152 أبو كعبه 15 خرزان 65 قوجمان 49 جويق 290 كوكان 65 صاطيان 101 أشكان شرقي 103 كموش برج 53 جقاللي 54 مشكه 24 كوران 70 متمته 14 خلطان 91 كوردان 92 كفر صفره 118 بلانقوز 69 ياقللور 26 زندكان 55 إيكى آخور 166 حاجي حسنلي ورمضانلي 136 روطانلي 133 خزيانلي 127 ميركانلي وشيركانلي 124 مروان 111 يريمجه 154 دار كير 254 بيوك أوبه 111 تبه 51 معرته 246 خلنير وكفرشيل 72 بابليت 51 كوكبه 29 بتيه 9 كرسان طاش 21 الجديدة 26 الزيادية 13 عمر آغا قشله سي 355 هيكجه 72 أشكان غرب 86 نسريه 102 سفريه 48 حاجي إسكندر 122 جندرس 171 صدايا 87 محمديه 12 قربيه 56 جول بور 141 شيخ سيدي وجوم 43 بطليميان 93 دير مشمش 41 بلينا 178 جتال زياره 79 عقيبه 92 خالديه والأعراب 43. انتهى إحصاء سكان قضاء كلّز وقد بلغ مجموعهم (120645) ذكورا وإناثا مسلمين وغير مسلمين، وهو الإحصاء الذي كان سنة 1310 رومية في أيام الحكومة العثمانية. ويجب أن يضاف إليه ثلاثون في المئة من السكان الذين أخفوا نفوسهم فرارا من الجندية أسوة بسكان بقية الأقضية. الكلام على هذا القضاء وما فيه من الأماكن الشهيرة هذا القضاء في شمالي حلب ويبعد مركزه عنها وهو مدينة كلّز 60 ميلا يقطعها الجمال في مدة خمسة عشر «1» ساعة وقطعتها مرارا عديدة بالسيارة بثمانين دقيقة. والأتراك يسمون كلز (كليس) . وفي القاموس كلّز بوزن جلّق. والكلز هو الجمع. وفي معجم البلدان لياقوت كلز بكسر أوله وثانيه وقد جاء ذكرها في حروب الصليبيين كلجيس. وقضاء كلّز لا يوجد في الأقضية التابعة ولاية حلب أيام الحكومة العثمانية ما يضاهيه بكثرة القرى ووفور الغلات. ومدينة كلز غير قديمة، إنما كانت قرية صغيرة من جملة قرى كورة عزاز فلما خربت عزاز بحادثة التتر الأولى وذلك سنة 658 انتقل أكثر ما بقي من أهلها إلى كلّز فأخذت من ذلك التاريخ بالاتساع والعمران. وهي واقعة على سفح الجزء: 1 ¦ الصفحة: 286 جبل آخور المعروف هناك بجبل بيوقلي ممتدة إلى الوادي الذي في جنوبه. ولها للمقبل عليها من ناحية عزاز منظر بهيج فيراها مدينة منبسطة في الجبل والسهل قد حفتها من جهاتها الأربع البساتين والزيتون والكروم وارتفعت مناراتها في العلاء وقامت مبانيها بين الأشجار الباسقة والحياض المتدفقة. وأهل كلز متعصبون بالدين وفيهم أولو أدب وظرف وأخلاق كريمة وجود وسخاء. وفي سنة 950 بنى فيها علي آغا متسلم البلدية تكية للطريقة المولوية. ثم في سنة 961 عمر فيها علي باشا جانبولاد بك جامعه الشهير الشبيه بجامع العدلية في حلب. هذا القضاء مشهور في جهاتنا بكثرة الزيت وجودته وكثير من الناس من يفضله على زيت جزيرة كريد. ويخرج منه مقادير عظيمة من الرز. ويطبخ في كلز الصابون الجيد ويباع في البلاد الشمالية ويعمل فيها الجلد المعروف باسم كوسله وتنسج فيها الأقمشة القطنية والصوفية. ويجلب من العزية التي كانت إحدى نواحيها إلى حلب وغيرها من الفحم الجيد ما يكلّ عنه قلم الواصف. وقبل وجود إدارة انحصار الدخان المعروفة باسم (ريجي) كان يخرج من ناحية الجوم تبغ هو على غاية ما يكون من اللذة والجودة. وفي مدينة كلّز (27) جامعا و (12) مسجدا و (4) مدارس و (4) زوايا و (3) كنائس و (5) حمامات و (740) دكانا و (3) أسواق لبيع البزّ. منها سوق كبير من آثار جانبولاد بك و (10) حياض و (7) خانات للتجار ونزول القوافل و (11) فرنا و (120) منوالا و (15) بيت قهوة و (3) حانات و (55) معصرة للزيت وصيدلية ومستودع لإعتاد الجند، ونحو ألفي بستان للزيتون والكروم ونحو مئة بستان للثمار المتنوعة. وهي رخيصة أسعار المأكولات كثيرة الخيرات صحيحة التربة جيدة الهواء غزيرة المياه تنصب إليها من عيون في جبل آخور المتقدم ذكره. غير أنها شديدة البرد صعبة الشتاء يكثر فيها الثلج وكان يحمل منه إلى حلب قبل وجود معامل الجليد فيها قناطير مقنطرة في فصل الصيف. وفي سنة 1328 عمرت فيها الحكومة في شرقيها بين البساتين مكتبا ابتدائيا إعداديا جميلا له بستان عظيم فيه حوض يفيض ماؤه ليلا ونهارا. أهل كلّز يتكلمون بالتركية. وفيهم العربي والكردي والأرمني. وكنائس الملل المسيحية فيها مغلقة الآن إذ لا يوجد في المدينة أحد من المسيحيين سوى قليل من الأغراب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 287 في هذا القضاء من المزارات الشهيرة مقام شمعون في محلة نور الدين في مدينة كلز ومقام أوريا في قرية زيتوتلك في ناحية شقاغي. وذكر الهروي في كتاب الإشارات أن قبر أوريا في قورص وقال: وفي جبل برصايا من أعمال عزاز قبر برصيصا العابد وقبر شيخه برصايا. اه. ومن المزارات المشهورة في قضاء كلّز مقام داود في قرية دويبق في ناحية عزاز تركمان ومرقد عبد الرحمن بن عوف في قرية قريبة بناحية الجوم. ومرقد الشيخ محمد الأنصاري في المحلة الجديدة بكلّز. ومرقد شرحبيل ابن حسنة خارج مدينة كلّز على بعد ربع ساعة منها. وغير ذلك من المقامات المحترمة. ومن المزارات في هذا القضاء المقصودة من الجهات: مزار الشيخ ريح في قرية يل بابا في ناحية عزاز تركمان. والناس يقصدونه من أماكن بعيدة يشربون من ماء ينبع في جانب قبره فيبرؤون من علة الريح. ولزيارته موسم معلوم من السنة وذلك من حزيران إلى أيلول. يمر من هذا القضاء نهر حلب ونهر عفرين ونهر ثالث يقال له الصافي. المعارف في كلز متأخرة غير أنه يوجد فيها عدة مكاتب للإناث هنّ في نجاح عظيم من جهة الصنائع النسائية اليدوية. وكانت كلّز قبل قرن مشحونة بالعلماء والمتعلمين. الأسر الشهيرة في كلّز من الأسر الشهيرة في هذه البلدة أسرة صالح أفندي. ومن وجهائها الحاج عصمت أفندي ومصطفى أفندي والمرحوم محمد أفندي الذي سعى بافتتاح عدة مكاتب للإناث وكان سخيا وفيا رحمه الله. وأسرة الحاج حافظ أفندي ومن وجهائها مسعود أفندي ومحمود أفندي وأسرة خواجه زاده. ومن وجهائها خالد فخري أفندي وأحمد جودت أفندي وعبد الرحمن لامع أفندي. ومن هذه الأسرة عبد الله أفندي صاحب التآليف الشهيرة في علم المنطق وغيره وطاهر أفندي أحد علماء عصره. وأسرة خلفه ومن وجهائها محمد منير الذي كان مدير مدرسة القضاء في استانبول. وأسرة سليم آغا ووجيهها سعيد أفندي. وأسرة يوسف آغا ووجيهها عثمان أفندي. وأسرة طوبال ووجيهها نشأت «1» أفندي وأسرة يواشجي ووجيهها أحمد مختار أفندي وأسرة صاغر زاده ووجيهها محرم أفندي المفتي. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 288 وأسرة أمين جلبي ووجيهها الدكتور محمود بك. وأسرة بيطار زاده ووجيهها محمود أفندي وأسرة موسى خواجه ووجيهها موسى كاظم أفندي وأسرة جانبولاد ووجيهها سليم بك وهي من الأسر القديمة التي كان لها شأن في التاريخ وأسرة خطاط ووجيهها عبد الله أفندي. وأسرة أحمد خاكي أفندي ووجيهها محمود أفندي. ومن مشاهير رجالها الحاج مصطفى أفندي الذي كان من جملة نواب مجلس المبعوثين في الحكومة العثمانية وهو على غاية ما يكون من الذكاء وحدة الخاطر. الأماكن التي لها شهرة في التاريخ من هذا القضاء قورص أو قورس بلدة شهيرة في التاريخ طولها 64 درجة وعرضها 35 دقيقة داخلة في الإقليم الرابع بخمس وأربعين دقيقة. وكان فتحها صلحا عن يد عياض بن غنم تحت إمرة أبي عبيدة ابن الجراح سنة 15 ثم إن عياضا بث خيله فغلب على جميع أرض قورس وفتح عزازا. وكان سليمان بن ربيعة الباهلي في جيش أبي عبيدة فنزل في حصن قورس فنسب إليه وعرف بحصن سليمان. أقول: لعل كلمة قورس محرفة عن قورش وهو اسم ابن لدارا ملك الفرس فلعل هذه البلدة سميت باسمه لاستيلائه عليها. ويذكر أن القديس مارون متبوع الطائفة المارونية المتوفى في أوائل القرن الخامس م كان في هذه البلدة. وكنت سئلت عن موقعها من قبل مستشرق في باريس فلم أقدر أن أجيبه عن ذلك بغير ما ذكره المؤرخون عنها بأنها كانت كمسلحة لأنطاكية وقلت: لعلها قرب أنطاكية. ثم سافرت إلى أنطاكية لأجل البحث عنها فلم أحصل من بحثي على طائل وسافرت إلى مدينة كلّز وبعد البحث الطويل عنها وتكبدي مشقة زائدة في السفر إلى تلك النواحي ظفرت بالمطلوب فإذا هي المدعوة الآن باسم قرية (الشيخ خوروز) في ذيل قلعة الشيخ خوروز في الغرب الشمالي من كلّز على بعد ثلاث ساعات منها. ورأيت في هذه القرية آثارا باقية ومسجدا معمور الشعائر وفيها مزار أوريا يقصده الناس للزيارة ويسمونه الشيخ خوروز أي (الشيخ ديك) وما هو إلا تحريف الشيخ قورص أي شيخ مدينة قورص. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 289 مدينة عزاز عزاز بلا همزة في أوله «1» . تبعد عن حلب 45 ميلا كانت بلدة مشهورة ظاهرة المحاسن واسعة الفناء تعرف قديما بتل اعزاز. وكانت قلعتها مبنية باللّبن والمدر «2» . وقد بقيت بأيدي المسلمين إلى سنة (351) فاستولى عليها الروم مع جملة الحصون التي استولوا عليها. ثم استعادها سعد الدولة أبو المعالي بن سيف الدولة. وفي سنة (363) حدثت زلزلة دمرت قلعتها. ثم ملكها الفرنج الصليبيون واستردها منهم نور الدين محمود بن زنكي سنة (546) ثم في سنة (658) خربها التتار الجنكزيون ودكوا قلعتها وكان الملك الظاهر بناها بالكلس والحجارة وشيدها وحصنها. ولما خربها التتار نزح أهلها عنها إلى كلّز وغيرها من البلاد. ومن ذلك اليوم أخذت بالاضمحلال حتى أصبحت قرية. قال ياقوت في معجم البلدان: والعزاز الأرض الصلبة. وهي بلدة فيها قلعة ولها رستاق شمالي حلب بينهما يوم واحد وهي طيبة الهواء عذبة الماء لا يوجد بها عقرب وإذا أخذ ترابها وترك على عقرب قتله فيما يحكى. وليس بها شيء من الهوام. ولإسحاق الموصلي: إن قلبي بالتلّ تلّ عزاز ... عند ظبي من الظباء الجوازي «3» شادن يسكن الشآم وفيه ... مع ظرف العراق نطق الحجاز «4» قلت: هذه المدينة لا يوجد فيها عقرب كما حكاه ياقوت ولا يعرف أهلها العقرب أما هوامّها فكثيرة وهواؤها صحيح ما لم يجر فيها مسيل معلوم وتكثر في ضواحيها المستنقعات في بعض السنين فتكثر فيها الأمراض القتالة وهي غزيرة المياه وليست كلها طيبة. وفيها جامع قديم يعرف عند أهلها بالجامع الكبير وهو صحن واسع فسيح في شماليه رواق وفيه مئذنة ضخمة وفي وسطه حوض يهبط إليه بدركات تجري فيه قناة جرها إليه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 290 (إسماعيل بن عبد الله العزازي) المتوفى سنة 748 وفي جنوبي صحن الجامع قبلية طولها نحو 50 في عرض 15 ذراعا سقفها قباب محمولة على أعمدة ضخمة. مكتوب على باب الجامع المتجه إلى الغرب: (بسم الله الرحمن الرحيم في سنة 644) [أمر بعمله مولانا السلطان العالم العادل الملك الناصر صلاح الدنيا والدين يوسف بن الملك العزيز محمد بن الملك الظاهر غازي بن أيوب ناصر أمير المؤمنين خلد الله ملكه] . وبقيت عزاز بعد خرابها شبه قرية لا يتجاوز عدد أهلها 1500 نسمة إلى سنة 1340 وفيها فك ارتباطها عن كلّز وألحق بها عدة قرى من قضاءي كلز وجبل سمعان وجعلت مركز قضاء يتولى شؤونها قائمقام ملحق بدولة حلب تمتد حدوده إلى ضاحية مدينة كلّز. وفي سنة 1341 سعى قائمقامها سعاد بك ابن فهيم باشا بفتح جادة عظيمة تتصل بطريق العربات وتنتهي إلى سوقها ووسّع السوق. وجوّد فيه عدة حوانيت على الطرز الحديث وأنشأ فيها للحكومة دارا فخمة جميلة لا عيب فيها سوى خلوها من بهو تمس الحاجة إليه حين إلقاء خطبة أو اجتماع حافل لمذاكرة. وشرع بتعمير دار لسكنى القائممقام في غربي تلّها جميلة جدا ألحقها بأملاك بلديتها على أن تدفع أجرتها إليها وهو عازم على أن يعمر فيها مستشفى ومكتبا ابتدائيا جميلا وينشئ فيها منتزها عاما وأن ينورها بالكهرباء. وقد غرس في جهة تلّها عددا كبيرا من شجر الزيتون ووطد نفسه على إحداث وجوه كثيرة من الإصلاح والتحسين بحيث تعود بعد بضع سنوات إلى أحسن ما كانت عليه قبل سبعمائة سنة. وقد كثر سكانها بعد أن صارت مركز قضاء. وقصدها السوقة والتجار من حلب وغيرها، واتسعت فيها حركة الأخذ والإعطاء وقدم عليها عدد كبير من مهاجرة الأرمن فبنوا في غربيها بيوتا من اللّبن واتخذوها مساكن لهم وقد عظم سوقها. وربما بلغ عدد الدكاكين فيه نحو مئة دكان. وعدد سكانها نحو 4 آلاف نسمة وفيها الآن مطحنة تتحرك بقوة الغاز الفقير. فيها معمل صغير للجليد. لهذه البلدة منظر أنيق يراها القادم عليها من أي جهة كانت محفوفة بالبساتين وشجر الزيتون وهي رخيصة أسعار المأكولات كثير الفواكه والبقول. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 291 قلعة الراوندان ومن الأماكن التي لها ذكر في التاريخ في قضاء كلّز (قلعة الراوندان) في ناحية منبج الفوقاني. وكانت قلعة صغيرة على رأس جبل منفرد في مكان لا يحكم عليه منجنيق ولا يصل إليه نبل وكان لها ربض صغير في لحف «1» جبلها ويطيف بالقلعة واد من جهة الشمال والغرب كالخندق لها وفيه نهر جار. جندرس من الأماكن الشهيرة في التاريخ في هذا القضاء (جندرس) وهي الآن قرية في ناحية الجوم. وكانت بلدة مشهورة آثارها باقية حتى الآن. دابق ومن تلك الأماكن (دابق) في ناحية عزاز الفلاح فقد اشتهرت بحادثة تيمورلنك ثم بحادثة السلطان سليم خان مع السلطان قانصوه الغوري فإن محاربتهما كانت في مرج القرية المذكورة. وتقدم الكلام عليها في باب الحوادث. ومحل هذه القرية بين حلب وكلّز تبعد عن حلب ست ساعات وعن كلّز أربع ساعات وعند هذه القرية مرج معشب نزه كان ينزله بنو مروان. وكان سليمان بن عبد الملك قد عسكر بدابق وعزم ألا يرجع حتى يفتح القسطنطينية أو تؤدى إليه الجزية. فشتّى بدابق شتاء بعد شتاء إذ ركب ذات يوم عشية من يوم الجمعة فمر بالتل الذي يقال له تل سليمان فرأى عليه قبرا فقال: من صاحب هذا القبر قالوا: هذا قبر عبد الله بن مسامع «2» بن عبد الله الأكبر فقال سليمان يا ويحه لقد أمسى قبره بدار غربة. قال: ومرض سليمان في أثر ذلك ومات ودفن إلى جانب قبر عبد الله المذكور. وقيل في وفاته إنه شهد جنازة بدابق قد دفنت في حقل فجعل سليمان يأخذ من تلك التربة ويقول ما أحسن هذه التربة وأطيبها فما أتى عليه جمعة حتى دفن إلى جنب القبر. وكان مشهورا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 292 بالنهم وكثرة الأكل إلا أنه كان فصيحا بليغا جميل المنظر. لبس يوما عمامة خضراء وحلة خضراء ونظر في المرآة فقال: أنا الملك الفتى. فما عاش بعد ذلك جمعة. ونظرت إليه جارية فقال ما تنظرين؟ فقالت: أنت نعم المتاع لو كنت تبقى ... غير أن لا بقاء للإنسان ليس فيما علمته فيك عيب ... كان في الناس غير أنك فان وكان الناس يقولون: سليمان مفتاح الخير، ذهب عنهم الحجاج وولي سليمان فأطلق الأسرى وأخلى السجون وأحسن إلى الناس واستخلف عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه. ولسليمان أخبار جميلة وخطب بليغة ذكر بعضها المسعودي في مروج الذهب وابن عبد ربه في العقد الفريد فراجعها. ودابق هذه ورد ذكرها في عدة أشعار منها قول عيسى بن سعدان الحلبي: ناجوك من أقصى الحجاز وليتهم ... ناجوك ما بين الأحصّ ودابق أمفارقي حلب وطيب نسيمها ... يهنيكم أن الرقاد مفارقي والله ما خفق النسيم بأرضكم ... إلا طربت إلى النسيم الخافق وإذا الجنوب تخطرت أنفاسها ... من سفح جوشن كنت أول ناشق وأنشد أعرابي: لقد خاب قوم قلّدوك أمورهم ... بدابق إذا قيل العدوّ قريب رأوا رجلا ضخما فقالوا: مقاتل ... ولم يعلموا أن الفؤاد نجيب قبر أخي داود قال في كتاب الإشارات للهروي: إنه يوجد في قرية شحلا من عزاز قبر أخي داود عليه السلام. تلّ ارفاد ومما جاء ذكره في حروب ملوك بابل الأقدمين مع ملوك سوريا الحثيين تل ارفاد فقد ذكر أن سلمناصر ملك بابل انتصر على بيزرين ملك سوريا عند مدينة أرباد (تل أرفاد) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 293 محل يبعد ست ساعات نحو الغرب الشمالي عن مدينة حلب وفيها استدعى سلمناصر جميع ملوك سوريا فأتوه صاغرين. وكان انتصاره في هذه الحرب بعد حصار تل أرفاد مدة سنتين. قلت: تل أرفاد هذه هي الآن قرية. وفي سنة 1338 جعلت مركز قضاء. ثم في سنة 1340 نقل المركز إلى عزاز. والأتراك سموها تل رفعت. وقد جعل عندها محطة لسكة الحديد بغداد. وهذه القرية طيبة المناخ عذبة المياه تربتها حمراء مشهورة بجودة البطيخ الأخضر. وفيها كروم وبساتين. وقبل بضع سنوات وضع فيها مطحنتان تتحرّكان بالكاز الفقير. انتهى الكلام على قضاء كلّز. قضاء اسكندرونة مدينة الاسكندرونة وأسماء المحلات الموجودة فيها الكنيسة 44 الكنيسة ا 376 القسطل 251 وا 191 ور 157 وك 68 ود 13 جاكي 313 وا 128 ايكي شهر ر 120 وا 47 وك 75 وج 61. قرى اسكندرونة قره أغاج 1135 نركزلك 198 قره حسينلي 411 وا 27 ور 22 برنجلك 105 ور 58 عشقر بكلي 89 عباجلي أوغرلي 677 عباجلي كوزللي 402 آق جاي 36 جرطمان 140 حبكه 133 ساقط 368. ناحية أرسوز جنكان 269 أكبر 231 بك كوي 176 قره كوز وكردباغي 210 حاجي أحمدلي 294 هيوك 232 عرب كديكي 168 كسريك خيمه 224 كسريك 779 قاب أو 77 وا 248 جفتلك 330 الهوب 469 جتلك 154 أغجه لي 846 كوميدان 152 كنيسة أوكي 245. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 294 فجملة سكان هذا القضاء 14944 نسمة ما بين ذكر وأنثى. هذا القضاء غربي حلب ومركزه وهو اسكندرونة يبعد عن حلب 70 ميلا على خط مستقيم وعن أنطاكية عشرين ميلا، وعرضها درجة و 35 دقيقة شمالا وطولها 36 درجة شرقا. وهي فرضة في آسيا على ساحل بحر الروم على الجانب الشرقي من جنوبها. واسمها في الفرنسية ألكسندرت وبالإنكليزية ألكسندريا. وكان القدماء يسمونها ألكسندريا وكانت تعد من سواحل فينيقية. واسمها الفينيقي غير معلوم إلا أن اليونانيين كانوا يسمونها في الأعصار القديمة (ميل أندروس) أي ألف بيت. قيل: وكانت تسمى (ألكساندر ياجتور) أو (ألكسندريا أدسوم) وكان موضعها قديما فوق القلعة الكائنة عند رأس عينها فإن حلقات الحديد التي كانت تربط بها السفن لم تزل باقية حتى الآن وآثار البناء في القلعة دليل على أن البلدة كانت فوقها. ونهر هذه البلدة كان يعرف عند اليونان باسم كرسوس. وكان في جنوب هذه البلدة مدينة تعرف باسم جرباندوس وهي مدينة فينيقية على البحر ذات تجارة وملاحة وسفن كثيرة ولم تزل هذه المدينة تسمى بميل أندروس بعد أن انضمت إلى مملكة فارس مع باقي المملكة الفينيقية إلى أن انتصر إسكندر المقدوني في المحاربة العظيمة التي كانت بينه وبين دارا الثاني الفارسي سنة 333 قبل المسيح فجددها إسكندر ونسبها إليه تذكارا لانتصاره واسكندرون تصغير اسكندرية وكان انتصاره المذكور في شمالي سهل أسوس وهي بلدة لا وجود لها الآن وقد تسمى بها الخليج الواقعة عليه اسكندرونة فيقال له خليج سينوس أسيكوس. وقد عاثت بها الأيام حتى أتت عليها. وحين دخول المسلمين إليها لم يكن لها ذكر في الفتوحات إلى أن كانت دولة هارون الرشيد بنتها زبيدة زوجته حصنا. ثم في خلافة الواثق جدده أحمد بن أبي داود ولم تزل ممرا لعدة فاتحين يجتازون منها فيما بين الشرق والغرب ومحطا للتجارة الواسعة إلى أن كانت حروب الصليبيين واستولى عليها منهم تنكريد وفقد الأمان من تلك الجهات بسبب تعدي المحاربين من الصليبيين بحرا فتحولت تجارتها إلى لاذقية العرب وطرابلس وعادت خرابا بلقعا إلى حدود الألف. وفي تلك الأيام رفع الفرنج المتوطنون بحلب معروضا للدولة العثمانية واحتالوا ببذل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 295 الأموال إلى أن عملوها ميناء حلب وصارت تأتي بضائعهم إليها وتجلب منها. وكان الباعث لهم على ذلك أمران أحدهما ظلم حكام طرابلس الذين كانوا يتعدون على تلك البضائع. وثانيهما قربها لحلب وحسن موقع مينائها الطبيعي. وفي سنة (1238) حدث بها زلزلة دمرت معظمها فرممت وجعلت مخزنا عاما لجماعة من تجار الإنكليز لتكون محطة للهند وعمر بها خان لم تزل آثاره باقية حتى الآن. وفي سنة (1246) نقل إليها إبراهيم باشا المصري مهماته الحربية التي احتاج إليها في هذه الجهات وقطع من الغابات المجاورة لها الأخشاب العظيمة لينشئ فيها دار صناعة. فعلا شأنها واتسعت تجارتها وصارت شبه قرية مكونة من عدة عشش يسكنها جماعة من سكان قرى قضاء بيلان. ثم صارت محط تجارة ولاية حلب وديار بكر وبغداد والموصل والأناضول. وحينما شكلت الحكومة ولاية حلب جعلتها مركز مأمور من قبل الضابطة ثم لما رأت أن قناصل الدول والسفن والتجار تزداد عليها تواردا يوما فيوما جعلتها مديرية وذلك في سنة 1282 وفي سنة 1295 رومية ألحقت بها ناحيتي أرسوز وعباجلي، وكانت من أعمال قضاء بيلان وجعلتها مركز قائمقامية قضاء. وفي سنة 1294 حدث بها حريق كبير أضرّ بها ضررا عظيما. وبالجملة فإن لهذه المدينة شأن عظيم «1» بالتجارة لأن ميناءها منها تخرج محاصيل حلب والموصل والقسم الشمالي من سوريا وقسم كبير من ولايات الأناضول. وفي سنة 1303 ثم افتتاح طريق المركبات منها إلى حلب كما حكيناه في باب الحوادث وقد خطر لأهل الثروة من الإنكليز أن يمدوا منها إلى وادي الفرات سكة حديد ومنه تتصل بخليج العجم وأن يمدوا بعد ذلك خطا من السكة المذكورة إلى الشمال الغربي لتصلها بالقسطنطينية فسبقهم إلى ذلك الألمان. والخلاصة أن هذه المدينة لو كانت جيدة المناخ لبلغت أضعاف ما هي عليه الآن. وماء عينها الكائنة على بعد نصف ساعة جيد جدا. وفي حدود سنة 1307 رخصت الحكومة لبعض الشركات أن تجر في هذه العين قناة توزعها في البلدة. فجرّتها بكيزان «2» من الحديد وأعطت منها المنازل التي رغب أصحابها الجزء: 1 ¦ الصفحة: 296 بأجرة سنوية معلومة وقد اشتملت اسكندرونة الآن على عدد وافر من المقاهي والخانات والدكاكين والفنادق المعروفة بالأوتيلات وزهاء ثلاثمائة دكان ومكان واسع للكمرك ودار حكومة جميلة وعدة كنائس وعدد وافر من الحانات. ومعظم محاصيل قضائها في هذه الأيام البرتقال والليمون والحرير. ويزرع فيه القمح والشعير ويخرج من بحرها سمك لذيذ يعرف بالمرجاني. وكانت في أيام الدولة العباسية تشتمل على مقدار عظيم من النخيل. وأكثر سكان اسكندرونة أغراب من الفرنج. والمتوطنون أكثرهم نصيرية ثم أروام ثم إسلام وكلهم يتكلمون بالعربي والتركي والرومي. لم تزل هذه المدينة وخيمة الهواء رديئة المناخ قلما يخلو سكانها من الحميات، وسبب ذلك هو الأجمات الموجودة في قربها ومنشؤها عارض لا أصلي وهو أن البحر كان ممتدا إلى القلعة السابق ذكرها ثم لما جزر عنها شيئا فشيئا أخذت تنسحب وراءه الرمال بكثرة تموجه ثم تراكمت بالقرب من ضفته فانسدت المجاري النافذة إليه وترقرقت المياه وراء ضفته في الأرض التي بقيت مسامتة له فإذا هطلت الأمطار في فصل الشتاء اجتمعت تلك المياه إلى ذلك الرقراق وصارت مستنقعا عظيما تتصاعد منه الأبخرة الفاسدة وتخلّ بمناخ البلدة. وقد فتحت عدة منافذ وخنادق لجريان ماء هذا المستنقع إلى البحر فلم يحصل منها فائدة بسبب مسامتة أرضه سطح البحر كما ذكرنا. وكثيرا ما ينعكس البحر إلى تلك المجاري في أوقات هيجانه فيرجع ماؤه القهقرى ويضاف إلى تلك المياه ويزيد الضرر ويعظم الخطر. ولما رأت الحكومة التركية أن لا سبيل إلى استئصال تلك الأجمات وإزالتها بالكلية إلا بتعبئتها وردمها بالتراب أصدرت بذلك أمرها سنة (1305) رومية فأخذت حكومة إسكندرونة منذ تلك السنة تهتم بهذه المسألة وشرعت تستحضر من أوروبا الأوائل «1» اللازمة لحفر التراب ونقله، كالمساحي والعجلات. وباشرت ردم هاتيك الأجمات فأزالت منها مساحة عظيمة ولم تزل دائبة في العمل كما تمكنت منه حسب مساعدة الفصل. وقد اطلعت على دفتر مرسوم في بيان النفقات التي تصرف على ردم هذه الأجمات مقدرة تلك النفقات على سبيل الظن والتخمين فآثرت إيراده لعدم خلوه عن فائدة. وهذه صورته: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 297 مجموع القروش/ نفقة كل دونم مساحة الأجمة بالدونم/ مساحتها بالذراع المكعب/ موقعها ونوع تربتها 400000/200/000/3200000/أرض موجية بأطراف الاسكندرونة 37500000/250/1500/1800000/أرض رملية بيضاء بأطراف الاسكندرونة 300000/300/1000/1200000/أرض رملية معرضة للبحر في أطراف الاسكندرونة 2500/هذا المبلغ علاوة بنسبة عشرة في المئة لما عساه أن يظهر من النفقات 1127500/جمع الجموع على أن يومية العامل قد اعتبرت أربعة قروش من 100 جزء التي هي أجزاء الذهب العثماني. ولذلك كانت النفقات غير باهظة بالنسبة إلى غير بلاد. وفي سنة 1296 رومية ضرب على كل دابة تمر من بيلان عشرون بارة أميرية ليصرف ما يتحصل من هذه الضريبة على ردم الأجمات المذكورة فلم يمض إحدى عشرة سنة إلا واجتمع من هذه الضريبة 1261248 قرشا. وهو المبلغ الذي يتكفل بردم الأجمات وزيادة، على حسب ما قدر لها من النفقات كما تقدم بيانه. الأسر الشهيرة في الاسكندرونة أسرة آل عبد الباقي ووجيهها ثريّى بك ابن حسني بك أول من اتخذ اسكندرونة وطنا. وهو حلبي الوطن من أعيان الأسرة المعروفة باسم باقي زاده. وأسرة بيازيد ووجيهها أحمد أفندي بيازيد الحلبي الأصل وهو أول من اتخذ اسكندرونة وطنا. انتهى الكلام على قضاء اسكندرونة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 298 قضاء أنطاكية مدينة أنطاكية وأسماء محلاتها جمالية 318 قنوات إسلام 388 سكاكين 177 آغبابا 256 عمران 319 دبوس 209 خوجه عبدي 632 درت أياق إسلام 842 شيخ علي 455 ميدان 578 تابع صوفيلر إسلام 555 دقيق 284 ركابية 312 جامع كبير 521 شنبك 493 جنجي بلوكي 405 مقبل 192 وآ 112 صاري محمود 100 وآ 226 شرنجة 533 أورج بلوكي 344 كونك عرب 251 وآ 122 كونجان 251 قسطل 87 محسن عرب 491 وآ 241 تابع محسن عرب 172 قيوبلوكي 241 قنطرة 740 وآ 126 ساحة 159 تابع صوفيلر عرب 239 قره علي بلوكي 285 توت ديبي 474 ود 221 تابع ركابيه 128 جديد 770 قنوات عرب 665 درت إياق عرب 813 و 50 ور 233 صالحية إسلام 65 وآ 85 صوفيلر عرب 403 محسن إسلام 56 وقف ر 203 جنينه آ 118 ورد آ 46 أغراب 103. ناحية القصير بازليجه 170 المنصورية 89 كوكجه كوز 194 تلحبش 131 آق جرن 313 تبرين 110 صبوحيه 241 بوزهيوك 80 بدنبه 230 عبيدية د 7 جسر الحديد 104 تليل الشرقي 50 بخشين 197 عفصيه 393 كورد مزرعة 145 طبراق حصار 348 فرزله 178 بتاتين 200 الزيارة 213 قلانس 282 مغدله 472 عنصو 206 كشكند 590 بقانوس 416 قبب 35 الدير 374 بابطرون 366 قارصو 587 تركمان مزرعة 179 ذومع برديه 117 بايره 156 الأكندا 209 بيوك برج 306 ميراث 98 طانشمه 272 قورليجه 43 بابتره 282 بصليقه 414 أرمنجو 433 فنك 315 قلبزان 13 مسخانو 668 قلعة القصير 127 قنابريه 345 صوفيلر 345 أوقجيلر 476 شيخ 1042 قرصبول 219 جداليه 458 طرفينده 375 جفتلك إسماعيل أفندي 48 خانيو 371 مارصو 149 سلقينه 178 أوسقياط 186 فرفرى 203 زرزور 259 قربياز 482 هتيه 445 عين ثلاث 36 باشرب 259 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 299 باسب 93 عين فوار 259 جوم 232 مقابر ص 779 السفريه 387 كفر عايد 126 فلينجار 343 الفاتكيه 490 قوريه 109 إيلجه 35 تل عمار 135 جنيدو آ 269 صورى آ 342. ناحية الحربية العامورية 79 بين الخراب 46 عين الجاموس 296 الدرويشية 84 جبرائيل 123 داليان 102 الإسماعيلية 130 الحربية 376 البغدادية 234 قربه 449 المعشوقية 196 دار الماشطا 357 السنانية 96 العبارة 229 علوان 134 بستان الراس 123 الجرداقية 144 الخالصية 187 الدوير 759 فليت 51 الدرسونية 532 الدرعوزية 265 يقطو 562 بدوي 113. ناحية قره مورط بدركه 20 دير السعدان 78 قره قبه 399 جفتلك بركات زاده 76 عرب محله 122 ميدانجق 38 تليل حب الآس 97 وليلرد 49 حميدية جركسي قبه 118 حوقاق 155 منكوليه 363 عاقلية 205 زلفكنلي 46 سلطانية جركسي 26 علاء الدين 136 كالديران 112 طوله 88 طراشيه 70 اللذي 38 جامورلي جركسي 17 عرب خان 135 داليان مظلوم باشا 39 يارم تبه 102 الشيخ حسن 42 عايدي تحتاني 197 ديكمجه 113 جانجغاز 67 يايلاجق 148 سونبري 186 جاي تلى جركسي 108 جاتلجه 373 كليسه جك 142 سردانيه تابعة الأخان 110 عواقيه 139 تليل حب الآس 436 حسن 158 طاوقلي 101 جكمجه 349 بربرونه 77 كوزل برج 110 سرايجق 19 سوسيه صغيرة 43 أورخانيه 157 سوسيه كبيرة 63 قواسيه 152 طورنجلي 131 المهاجرين في المجيدية 64 عايدي فوقاني 264 سلديران 680 النهر الصغير 890 كمورجقوري 538 عواقيه جركسي 55 كولباشي 315 مرعش بوغازي 76 تليل قزح 89. ناحية السويدية زيتونة 366 وآ 1053 وك 12 قورت دره 264 قباقلي 146 جديدة 804 مغارجق 266 لوشيه 1166 وآ 239 وادي جرب 659 مغيرون 1010 زيزانا 91 النهر الكبير الجزء: 1 ¦ الصفحة: 300 1238 نعير 589 بتباس ر 151 وو 137 يغون آق ر 386 و 70 خضر بك ر 329 كبوسيه ر 242 حاجي حببلو 516 عدد الأغراب 26. فجملة سكان قضاء أنطاكية 122952 نسمة ما بين ذكر وأنثى. الكلام على هذا القضاء وما فيه من الأماكن الشهيرة هو قضاء في غربي حلب ويبعد مركزه عنها وهو أنطاكية أربعا وعشرين ساعة وهو قضاء واسع معمور كثير الخيرات وافر البركات غزير المياه عظيم المنتزهات متعدد الجهات فيه السهل والوعر وفي كل منهما من الخصب والغلّات ما لا يوجد في غيرهما. والغالب على أهله الثروة لأن لهم من حقوله عدة مواسم من الحبوب والحرير والزيتون والبرتقال والرمان والتين والعنب والتفاح وبقية الفواكه اللذيذة وكلها تنتقل إلى البلاد شرقا وغربا وتباع بأثمان عظيمة. وأهل أنطاكية اليوم أهل رقة وذكاء وكرم وعلم وسياسة ورياسة. وهي الآن تشتمل على دار للحكومة وثكنة سلطانية و (24) جامعا و (28) مسجدا و (5) مدارس وتكيتان أحدها «1» لأهل الطريقة المولوية على طرف العاصي أحدثها الأستاذ الشيخ عبد الغني البوشي سنة 1261 و (3) كنائس وكنيسة لليهود و (117) حوضا للماء و (3) سبلان و (5) حمامات و (1451) دكانا و (35) مخزنا و (20) خانا و (5) طواحين على الماء و (25) فرنا و (14) منوالا لنسج الأقمشة و (6) دباغات للجلود و (14) حانة و (15) مصبنة و (41) معصرة للزيت و (4) بيوت لشرب الخمر ولعب القمار تعرف بالكازينو و (3) للطعام تعرف باللوكانطه و (11) صيدلية و (15) بيت قهوة ومطبعة قماش. واللغة العامة في قضاء أنطاكية التركية ثم العربية ثم الكردية ثم الأرمنية والرومية ويوجد في كل أمة منهم من يعرف لغة مواطنيه. وهواء أنطاكية جيد لولا ما فيه من الرطوبة وذلك لأن مهبه من الجهة الغربية فيمر على البحر أولا ثم على السويدية وعلى ما فيها من العيون والمياه ثم على نهر العاصي. ولهذه الأسباب يكتسب رطوبة ظاهرة الأثر على الثياب وقلما يبيت الطعام المطبوخ في أنطاكية وهي كثيرة الأمطار والرعود والبروق والصواعق وربما الجزء: 1 ¦ الصفحة: 301 حصل ذلك في الصيف أيضا وكثيرا ما تتلبد سماؤها بالغيوم في إبان الحر ليلا أو نهارا فيحبس الريح ويشتد الحر وينتشر البعوض ويبقى الإنسان في اضطراب عظيم. وشرب سكان أنطاكية من العاصي أو من العيون المنحدرة إليها من جبل حبيب النجار. وكان لمدينة أنطاكية خمسة أبواب مشهورة هي باب بولس وباب الكلب وباب دوكه وباب العاصي وباب الحديد وسورها العظيم باق حتى الآن لكنه في غاية التوهن ويبلغ محيطه 12 ميلا وذلك مسيرة ثلاث ساعات تقريبا وهو محيط بها من جهة الشرق والجنوب والعاصي من شمالها وغربيها. ومما ورد في فضل أنطاكية ما نقله ابن الشحنة عن ابن العديم أنه قال: قرأت بخط القاضي أبي عمرو عثمان بن إبراهيم الطرسوسي وذكر سندا إلى ابن عباس وأبي سعيد الخدري وأبي هريرة قالوا: سمعنا رسول الله صلّى الله عليه وسلم يقول: «ليلة أسري بي إلى السماء رأيت قبة بيضاء لم أر أحسن منها وحولها قباب بيض كبيرة فقلت: ما هذه القباب يا جبريل؟ قال: هذه ثغور أمتك، فقلت ما هذه القبة البيضاء فإني ما رأيت أحسن منها. قال هي أنطاكية، هي أمّ الثغور وفضلها على الثغور كفضل الفردوس على سائر الجنان. الساكن فيها كالساكن في البيت المعمور يحشر إليها خيار أمتك وهي سجن عالم من أمتك وهي معقل ورباط وعبادة يوم فيها كعبادة سنة ومن مات فيها من أمتك كتب الله له يوم القيامة أجر المرابطين» «1» . قلت: هذا الحديث غريب وإن كان لا يخلو من الدلالة على فضل هذه المدينة. وفي مسودة تاريخ ابن الملا عن ابن عباس أن الكنز الذي جاء ذكره في القرآن كان بأنطاكية وهو لوح من ذهب مكتوب في أحد جانبيه: لا إله إلا الله الواحد الصمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد. وكان في الجانب الآخر: عجبا لمن أيقن بالموت كيف يفرح وعجبا لمن أيقن بالنار كيف يضحك وعجبا لمن رأى الدنيا وتقلبها بأهلها كيف يطمئن إليها وعجبا لمن أيقن بالحساب غدا كيف لا يعمل. اه. فأما الكلام على تاريخ أنطاكية فقد جعلناه نبذتين الأولى فيما قاله فيها الفرنج والثانية فيما قاله فيها العرب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 302 وخلاصة ما قاله فيها الفرنج أنها مدينة من مدن سوريا على (36) درجة و (48) ثانية من الطول الجنوبي على الضفة الجنوبية من نهر العاصي تبعد 25 ميلا عن البحر من وادي النهر و (55) ميلا عن حلب وهي في غربيها وأول من أسسها سلقوس نيكاتور الذي استولى على سوريا من بعد تقسيم مملكة المكدوني سنة (300) قبل المسيح وكان ذلك في العصر الذي تسابق به الناس إلى بناء مدن جديدة على طرز مدينة الاسكندرية فاقتدى سلقوس بمعاصريه وعوضا عن أن يسكن في أنتيغوني عاصمته مزاحما أنتيغون الذي غلبه في إيبوس فقد اختار بقعة أخرى بقصد محو اسمه أو لأنه فضل هذه البقعة على أنتيغوني أو اتباعا لما حصل معه من الأوهام، فقد نقل عنه أنه بينما كان يقرب للتمثال جوبيتر سيرونيان قربانا انقضّ عليه نسر واختطف أحشاء القربان وطار بها إلى جبل سيليبوس الذي أمر سلقوس أن يبنى عليه حصن (وصورة هذا النسر مرسومة على بعض أوسمة أنطاكية) . ثم بنى سلقوس بأسفله هذه المدينة الجديدة غير ممتدة لضفة النهر تماما خشية عليها من طغيانه وجعل مهندس العمل رجلا اسمه كسينوس وسماها أنطيوخية أو أنطاكية تشريفا لاسم أبيه أنطيوخوس. وكان إقبال السكان عليها من مدينة أنتيغوني التي دمرها الحرب أو من بعض القرى التي على ضفة العاصي حيث كان الاسكندر شيد هيكلا للوثن جوبيتر بونيوس. وكان الغرباء القادمون إلى تلك المدينة حتى اليهود يعاملون أحسن معاملة والأغراب المكدونيون واليونانيون اختصوا منها بعدة محلات وكان إنشاء المدينة ابتداء على ثلاثة شوارع. ثم أخذت تعظم وتتزايد حتى فاقت جميع البلدان سوى رومة والقسطنطينية. وبلغت سكانها في عهد السلوقيين (700) ألف نسمة وانتهت للغاية القصوى من الجمال وحسن الموقع وعظمة التاريخ وكثرة التماثيل والآثار وانفردت بغزارة المياه. وأما سورها فهو مما تحيرت به العقول إذ كان من الصخر الذي له رؤوس. وهو حصن قوي متين مبني بحسب الهندسة الحربية بدور على ما هبط وما ارتفع من الجبل من أسفله إلى قمته. وهناك أي في قمة الجبل يتألف منه إكليل بديع الشكل غريب المنظر. ويقال إن هذه المدينة كانت في أقدم تاريخها تسمى إيبغانيه باسم إيبغان الذي حكمها منذ سنة 175 إلى سنة 164 ق. م وسميت أيضا أنطاكية العاصي لتميزها عن خمس عشرة مدينة من بناء سلوقوس نيكاتور كانت تسمى بأنطاكية. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 303 وسميت أيضا أنطاكية دفنة أنطاكية دفنة نسبة إلى غابة قديمة العهد شهيرة عند الأقدمين مختصة بعبادة الوثن أبولون ولقبها بلينسيوس مملكة الشرق. وكانت تحسب عاصمة ثالثة للمملكة الرومانية. وكان داخل سور أنطاكية صخور بارتفاع 700 قدم وصخور رملية وشلالات ومجار للمياه. وفي وسط ذلك كله بساتين بديعة ورياض أنيقة كأن من نفحات أزهارها طابت قرائح أولئك المشاهير الذين نشؤوا في أنطاكية كيوحنا فم الذهب وليباتيوس وجلياتوس. ووراء الضفة اليمنى من العاصي سهول واسعة محاطة في إحدى جهاتها بجبل اللكام وبقية الجبال المتفرعة من جبال البياري. ومن الجهة الأخرى محاطة بآكام سلسلة جبال النصيرية. وكان سلقوس حينما شاد المدينة بنى في غابة دفنة المعروفة الآن بطواحين بيت الماء هيكلا لأبولون التمثال المحبوب عند السلوقيين. ثم رفع ابنه سوتر في وسط المدينة قوسا عظيما كان منصوبا فوقها «1» تمثال جسيم لأبولون. ولم تزل أنطاكية في عهد السلوقيين والرومانيين تعظم وتزداد حسنا وجمالا وحضارة وعمرانا وتكثر فيها الهياكل والشوارع والبساتين والتماثيل والحمامات حتى بلغت غاية يكلّ عنها قلم الوصف. وبعد خراب كنائس اليهود وظهور الديانة المسيحية أخذت تعمر فيها الكنائس المسيحية. وهي أول مدينة أسست فيها كنيسة مسيحية. وأول كنيسة بنيت فيها كانت في أيام قسطنطين وقد بني فيها هذا القيصر عدة بنايات عجيبة. وآخر القياصرة الذي «2» اعتنوا بتجميلها كان القيصر بالاتس. وقد توالت على هذه المدينة الجميلة العظيمة نكبات الدهر وانصبت إليها طوارق الحدثان واستولت الزلازل عليها استيلاء لا ينقطع أمده ولا يتناهى مدده واحترقت مرات. وأول زلزال عراها كان قبل المسيح عليه السلام بمائة وثمان وأربعين سنة. ثم في سنة (115) قبل المسيح في عهد القيصر تراجان تعاقبت عليها الزلازل المهولة حتى حولت مجاري أنهارها وهلك بها خلق كثير. ثم لم تزل تعاودها الزلازل إلى أن كانت سنة 526 وسنة 527 مسيحية فدهمتها زلزلة دمرت معظمها وأهلكت من سكانها (250) ألف إنسان فغيروا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 304 أسسها وسموها تيوبوليس أي مدينة الله أملا أن يصرف عنها البلاء. ثم في سنة 587 و 588 مسيحية عاودها الزلزال فأهلك من عالمها 60 ألف نسمة. وفي سنة (1115) مسيحية وسنة 509 هـ عاودها أيضا فدمرها عن آخرها. ثم في سنة 1237 هـ وسنة 1821 م حدث بها زلزال آخر فلم يكن أقل وبالا مما سبق وآخر زلزال أصابها سنة 1287 هـ وسنة 1870 م فدمر نصفها. وكانت هذه الزلازل العظيمة لم تكن وحدها سببا لدمارها بل كان يحدث فيها ثورات وفتن وحروب تأتي على بقية ما يدمره الزلزال. منها ثورة حدثت بها سنة (145) قبل المسيح فقد ذبح فيها اليهود مائة ألف من السوريين ونهبوا أنطاكية وسنة (83) قبل المسيح استولى عليها ديكرانوس الأرمني. وبقيت في أيدي الأرمن إلى سنة 69 قبل المسيح فعادت إلى السلوقيين. وفي سنة 64 قبل المسيح استولى عليها الرومانيون وأحرقوها. وفي سنة (250) مسيحية بغتها سابور وأوقع بسكانها على حين غفلة ثم نهبها وأحرقها ورحل عنها. وبالجملة فإن مدينة أنطاكية هي مدينة بولس أحد رسل المسيح صلوات الله عليه وأساقفتها ارتقوا إلى رتب البطاركة وصار لهم حق الجلوس بجانب أساقفة الإسكندرية ورومة والقسطنطينية. وفيها تسمت أتباع المسيح بالمسيحيين. وعلى عهد هرقيليوس استولى عليها المسلمون ولم تكن حينئذ إلا بلدة في حالة الإدبار والقهقرى أو عاصمة مملكة خربت. هذا خلاصة ما قاله مؤرخو الفرنج في مدينة أنطاكية. وأما خلاصة ما قاله فيها مؤرخو العرب فهو أن أول من بني هذه المدينة أنطيخس وهو الملك الثالث بعد الاسكندر. وقيل بناها بعد السنة السادسة من موت اسكندر ولم يتمها فأتمها بعده سلوقوس وهو الذي بنى اللاذقية وحلب والرها وأفامية وبنى أنطاكية على نهر أورنطس وسماها أنطيسوخيا. ثم كملها سلوقوس وزخرفها. وطولها 69 درجة وعرضها 35 دقيقة لا تحت اثنتي عشرة درجة من السرطان وثلاثين دقيقة يقابلها مثلها من الجدي. وهي في الإقليم الرابع. وقيل أول من بناها وسكنها بنت الروم ابن اليقن ابن سام أخت أنطالية. باللام، وهي من أعيان البلاد ومهماتها موصوفة بالنزاهة والحسن وطيب الهواء وعذوبة الماء وكثرة الفواكه وسعة الخيرات. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 305 وقال ابن بطلان في بعض رسائله: وخرجنا من حلب لأنطاكية وبينهما يوم وليلة مسافة عامرة لا خراب فيها أصلا وهي أراض تزرع حنطة وشعيرا تحت شجر الزيتون. قراها متصلة ورياضها مزهرة ومياهها متفجرة يقطعها المسافر بال رخي وأمن وسكون. ولأنطاكية سور وفصيل وللسور 360 برجا يطوف عليها بالنوبة أربعة آلاف حارس ينفذون من القسطنطينية من حضرة الملك يضمنون حراسة البلدة سنة ويستبدل بهم. وشكل البلدة كنصف دائرة قطرها يتصل بالجبل والسور يصعد من الجبل إلى قلّته فتتم دائرة. وفي رأس الجبل داخل السور قلعة تبين لبعدها عن البلد صغيرة. وهذا الجبل يستر عنها الشمس فلا تطلع عليها إلا في الساعة الثانية. وللسور المحيط بها دون الجبل خمسة أبواب وفي وسطها بيعة القسيان، وكانت دار قسيان الملك الذي أحيا ولده بطرس رئيس الحواريين وهو هيكل طوله 100 خطوة وعرضه ثمانون وعليه كنيسة على أساطين. وكان يدور على الهيكل أروقة يجلس عليها القضاة للحكومة «1» ومتعلمو النحو واللغة. وعلى أحد أبواب هذه الكنيسة فنجان للساعات يعمل ليلا ونهارا دائما اثنتي عشرة ساعة وهو من عجائب الدنيا وفي أعلاه خمس طبقات في الخامسة منها حمامات وبساتين ومناظر حسنة تخرج منها المياه. وعلة ذلك أن الماء ينزل عليها من الجبل المطل على المدينة وهناك من الكنائس ما لا يحدّ، كلها معمولة بالذهب والفضة والزجاج الملون والبلاط المجزّع «2» . وفي البلد بيمارستان يراعي البطريك المرضى فيه بنفسه ويدخل المجذومين الحمام في كل سنة فيغسل شعورهم بيده ومثل ذلك يفعل الملك بالضعفاء كل سنة. ويعينه على خدمتهم الأجلاء من الرؤساء والبطارقة التماس التواضع. وفي المدينة من الحمامات ما لا يوجد مثله في مدينة أخرى لذاذة وطيبة لأن وقودها الآس ومياهها تسعى سيحا بلا كلفة. وفي بيعة القسيان من الخدم المسترزقة ما لا يحصى ولها ديوان لدخل الكنيسة وخرجها فيه بضعة عشر كاتبا. وبين أنطاكية والبحر نحو فرسخين ولها مرسى في بليد يقال له السويدية ترسي «3» فيه مراكب الفرنج ويرفعون أمتعتهم إلى أنطاكية على الدواب وكان الرشيد العباسي قد دخل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 306 أنطاكية في بعض غزواته فاستطابها جدا وعزم على المقام بها فقال له شيخ من أهلها: ليست هذه من بلدانك يا أمير المؤمنين. قال: وكيف؟ قال: لأن الطيب الفاخر فيها يتغير حتى لا ينتفع به والسلاح يصدى «1» فيها ولو كان من قلعي الهند. فصدق ذلك وتركها ودفع عنها. وقال المسعودي في كتابه مروج الذهب في الكلام على بطليموس «2» : (وكان ملك الشام يومئذ أنطيخس وهو الذي بنى مدينة أنطاكية وكانت دار ملكه وجعل بناء سورها أحد عجائب العالم في البناء على السهل والجبل. ومسافة السور اثنا عشر ميلا وعدة الأبراج فيه 136 برجا وجعل عدد شرفاته 24 ألف شرفة. وجعل كل برج من الأبراج بتولية بطريق أسكنه إياه برجاله وخيله، وجعل كل برج منها طبقات والبطريق في أعلاه وجعل كل برج منها كالحصن عليها أبواب حديد وأظهر فيها مباها من أعين وغيرها لا سبيل إلى قطعها من خارجها وجر إليها مياها في قنيّ منخرقة إلى شوارعها ودورها. قال: ورأيت فيها في هذه المياه ما يتحجر «3» في مجاريها المعمولة من الخزف فيتراكم الماء المتحجر طبقات ويمنع الماء من الجري بانسداده فلا يعمل في كسره الحديد. وهو مما يولد في أجساد أهلها وأجوافهم وما يحدث في معدهم «4» من الرياح السوداوية الباردة. اه. قلت: هذه المياه التي ذكرها المسعودي غير معروفة الآن. وأما فتحها فإن أبا عبيدة بن الجراح سار إليها من حلب وقد تحصن بها خلق كثير من جند قنسرين فلما صار بمهرويه على فرسخين من أنطاكية لقيه جمع من العدو ففضهم وألجأهم إلى المدينة وحاصر أهلها من جميع نواحيها وكان معظم الجيش على باب فارس والباب الذي يدعى بباب البحر. ثم إنهم صالحوه على الجزية والجلاء فجلا بعضهم وأقام بعض منهم فآمنهم ووضع على كل حالم دينارا وجريبا ثم نقضوا العهد فوجه إليهم أبو عبيدة عياض بن غنم وحبيب بن مسلمة ففتحاها على الصلح الأول. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 307 ويقال بل نقضوا بعد رجوع أبي عبيدة إلى فلسطين فوجه إليها عمرو بن العاصي من إيليا ففتحها ورجع ومكث يسيرا حتى طلب أهل إيليا الأمان والصلح. ثم انتقل إليها قوم من أهل حمص وبعلبك مرابطة، منهم مسلم بن عبد الله جدّ عبد الله بن حبيب بن النعمان بن مسلم الأنطاكي. وكان مسلم قتل على باب من أبوابها فهو يعرف بباب مسلم إلى حدود سنة 600 وذلك أن الروم خرجت من البحر فأناخت على أنطاكية وكان مسلم على السور فرماه روميّ بحجر فقتله. ثم إن الوليد بن عبد الملك بن مروان أقطع جند أنطاكية أرض سلوقية عند الساحل وصيّر لهم الفلز بدينار ومدي قمح «1» فعمروها وجرى ذلك لهم وبنى حصن سلوقية. والفلز مقدار من الأرض معلوم كفدّان وجريب. ثم لم تزل بعد ذلك أنطاكية في أيدي المسلمين وثغرا من ثغورهم إلى أن ملكها الروم سنة (353) بعد أن ملكوا الثغور: المصيصية وطرطوس وآذنه. واستمرت في أيديهم إلى أن استنقذها منهم سليمان بن قتلمش السلجوقي سنة 477 وكتب سليمان إلى السلطان جلال الدولة ملكشاه بن الب ارسلان بخبر فتحها فسرّ به وأمر بضرب البشائر فقال الأبيوردي يخاطب ملكشاه: لمعت كناصية الحصان الأشقر ... نار بمعتلج الكثيب الأحمر وفتحت أنطاكيّة الروم التي ... نشزت معاقلها على الإسكندر وطئت مناكبها جيادك فانثنت ... تلقي أجنّتها بنات الأصفر «2» فاستقام أمرها وبقيت بأيدي المسلمين إلى أن ملكها الفرنج الصليبيون من واليها بغى سنان التركي كما ذكرناه في حوادث سنة 491 واستمرت في أيدي الصليبيين إلى أن استردها منهم الملك الظاهر بيبرس البندقداري سنة 666 على ما حكيناه في حوادث هذه السنة. وبقيت في أيدي المسلمين إلى يومنا هذا تتداولها الدول الإسلامية دولة بعد دولة. مقتطفات في أنطاكية: قال ابن الشحنة: وأنطاكية في شعر المتنبي مشددة الياء في قصيدته التي مدح بها محمد بن زريق: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 308 وحجبتها عن أهل أنطاكيّة ... وجلوتها لك فاجتليت عروسا «1» وأنكر عليه ذلك بعض العلماء. قلت: وكذا الأبيوردي شدد الياء في شعره المتقدم ذكره. والظاهر جواز ذلك لما علمت أن هذه اللفظة معربة عن أنطوخية ومعلوم أن العرب إذا عربت كلمة تصرفت بها كيفما شاءت. ونسب إلى أنطاكية جماعة كثيرة من أهل العلم وغيرهم منهم عمر بن علي بن الحسن العتكي الأنطاكي الخطيب صاحب كتاب المقبول، سمع عدة محدثين بدمشق وقدم مرة أخرى في سنة 359 مستنفرا فحدّث بها وبحمص عن جماعة كثيرة وروى عنه عدة محدثين من الأفراد الكبار، مات في أنطاكية سنة (382) . ومنهم إبراهيم بن عبد الرزاق أبو يحيى الأزدي ويقال العجلي الأنطاكي الفقيه المقرئ. له كتاب في القراءات الثمان وحدث عن جماعة ومات بأنطاكية سنة (338) . ذكر المسعودي في مروج الذهب في الكلام على البيوت المعظمة عند اليونانيين أن البيوت المضاف بناؤها إلى من سلف من اليونانيين ثلاثة بيوت، فبيت منها كان بأنطاكية من أرض الشام على جبل بها داخل المدينة والسور محيط بها وقد جعل المسلمون في موضعه مرقبا لينذرهم من قد رتّب فيه من الرجال بالروم إذا وردوا من البر والبحر، وكانوا يعظمونه ويقربون فيه القرابين فخرب عند مجيء الإسلام. وقد قيل إن قسطنطين الأكبر ابن الملكة هيلانة المظهرة لدين النصرانية هو المخرب لهذا البيت وكانت فيه الأصنام والتماثيل من الذهب والفضة وأنواع الجواهر. وقد قيل إن هذا البيت هو بيت في مدينة أنطاكية على يسرة الجامع إلى «2» اليوم سنة (332) وكان هيكلا عظميا والصابئة تزعم أن الذي بناه سقالانيوس وهو في هذا الوقت سنة (332) يعرف بسوق الجزارين. وقد كان ثابت بن قرّة بن كرايا الصابئي الحرّاني، حين وافى المعتضد في سنة 289 في طلب وصيف الخادم، ابن ثابت «3» ، أتى هذا الهيكل وعظمه وأخبر من شأنه ما وصفنا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 309 في مروج الذهب أيضا في الكلام على الهياكل أن في أنطاكية هيكل يعرف بالديماس على يمين مسجدها الجامع مبني» بالآجر العادي والحجر عظيم البنيان. وفي كل سنة يدخل القمر عند طلوعه من باب من أبوابه من أعاليه في بعض الأهلة الصيفية. وقد ذكر أن هذا الديماس من بناء الفرس حين ملكت أنطاكية وأنه بيت نار لها. اه. والنصارى يسمون أنطاكية مدينة الله ومدينة الملك وأم المدن لأن بها كان مبدأ ظهور النصرانية وبها كان كرسي البطريرك الأعظم وكان بأنطاكية كنيسة بربارة وبها كنيسة أخرى تدعى شمونيت ولها عيد معظم عند المسيحيين. وكذلك كان بها كنيسة لبولس تعرف بدير البراغيث وهو مما يلي باب فارس وكان بها كنيسة لمريم العذراء صلوات الله عليها وهي مدورة وبنيانها من إحدى عجائب الدنيا في التشييد والرفعة اقتلع منها الوليد أعمدة عجيبة من المرمر والرخام إلى مسجد دمشق حملت في البحر إلى ساحل دمشق وبقيت فيه وكان قسطنطين ابتنى بأنطاكية هيكلا ذا ثمان زوايا على اسم السيد مريم، وابتنى في مدينة بعلبك بيعة أخرى. وهو الذي ابتنى كنيسة القسيان في أنطاكية أيضا. وكان يرسل إليها في كل سنة ستة وثلاثين ألف مدّ «2» من القمح ولما زلزلت أنطاكية سنة 526 وسنة 527 مسيحية هلك تحت الردم أربعة آلاف وثمانمائة وسبعون رجلا وكل الذين تبقوا من هذا الردم هربوا ومضوا إلى أماكن أخرى. ثم أشار على أهل المدينة رجل عابد بأن يكتبوا على أبواب بيوتهم بلغتهم ما معناه (المسيح معنا) وأن يسموا المدينة مدينة الله. ولما فتحها سابور الفارسي أمر فصورت له على ما هي عليه من الشوارع والبيوت ومواقعها ومناظرها وعدد منازلها وعلوها وسفلها وبعث بالصورة إلى خليفته بالمدائن وأمره أن يبني له مدينة على صورتها ووصفها حتى لا يكون بينها وبين أنطاكية في منظر العين فرق. فبنيت المدينة وسماها أنطاكية ونقل إليها أهل أنطاكية حتى يسكنوها فلما صاروا إليها ودخلوا من باب المدينة مضى كل أهل بيت منهم إلى شبه منزله كأنهم خربوا من أنطاكية وعادوا إليها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 310 وفي أنطاكية عدة مقامات عالية منها قبر حبيب النجار المذكور في سورة ياسين على قول. وقبر عون بن أرميا النبي. وفي الحديث مرفوعا أن فيها التوراة وعصا «1» موسى ورضراض الألواح من مائدة سليمان بن داود عليهما السلام ومحبرة إدريس ومنطفة شعيب وبرد نوح. ويقال إنه كان في كنيسة القسيان منها كف يحيى عليه السلام. ولمدينة أنطاكية أخبار طوال في الحروب وأحاديث عن رجالها يطول شرحها وقد أضربنا «2» الصفح عنها اكتفاء بما لخصناه منها في باب الحوادث وخشية من التطويل الممل. وهنا نورد حكاية عن صاعقة حكاها ياقوت عن ابن بطلان ذكر أنها سقطت على أنطاكية وفعلت أمورا غريبة. وقد اخترنا إثباتها ليطلع القارئ على ما في عجائب القدرة وما أودعه الله من القوة الغريبة في الصاعقة. قال في آخر سنة 1363 للاسكندر الواقعة في سنة 442 للهجرة تكاثرت الأمطار وتواصلت أكثر أيام نيسان وحدث في الليلة التي صبيحتها يوم السبت الثالث عشر من نيسان رعد وبرق أكثر مما ألف وعهد وسمع في جملة «3» أصوات رعد كثيرة مهولة أزعجت النفوس ووقعت في الحال صاعقة على صدفة مخبأة «4» في المذبح الذي للقسيان ففلقت من وجه النسرانية قطعة تشاكل ما قد نحت بالفاس والحديد الذي تنحت به الحجارة وسقط صليب حديد كان منصوبا على علو هذه الصدفة وبقي في المكان الذي سقط فيه وانقطع من الصدفة أيضا قطعة يسيرة ونزلت الصاعقة من منفذ في الصدفة وتنزل فيه «5» إلى سلسلة فضة غليظة يعلق فيها الثميوطون وسعة هذا المنفذ أصبعان فتقطعت السلسلة قطعا كثيرة وانسبك بعضها ووجد ما انسبك منها ملقى على وجه الأرض وسقط تاج فضة كان معلقا بين يدي مائدة المذبح. وكان من وراء المائدة في غربيها ثلاثة كراس خشبية مربعة مرتفعة ينصب عليها ثلاثة صلبان كبار فضة مذهبة مرصعة، وقلع قبل تلك الليلة الصليبان «6» الطرفيّان ورفعا إلى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 311 خزانة الكنيسة وترك الوسطاني على حاله فانكسر الكرسيان الطرفيان وتشظيا وتطايرت الشظايا إلى داخل المذبح وخارجه من غير أن يظهر فيها أثر حريق كما ظهر في السلسلة، ولم ينل الكرسي الوسطاني ولا الصليب الذي عليه شيء. وكان على كل واحد من الأعمدة الأربعة الرخام التي تحمل القبّة الفضية التي تغطي مائدة المذبح ثوب من ديباج ملفوف على كل عمود فتقطّع كل واحد منها قطعا كبارا وصغارا وكانت هذه القطع بمنزلة ما قد عفن وتهرأ ولا يشبه ما قد لامسته نار ولا ما احترق ولم يلحق المائدة ولا شيئا من هذه الملابس التي عليها ضرر ولا بان فيها أثر. وانقطع بعض الرخام الذي بين يدي مائدة المذبح مع ما تحته من الكلس والنورة كقطع الفاس ومن جملته لوح رخام كبير طفر من موضعه فتكسر وطارت قطعه «1» إلى علو تربيع القبة الفضة التي تغطي المائدة وبقيت هناك على حالته «2» وتطافر بقية الرخام إلى ما قرب من المواضع وبعد. وكان في المجنّبة التي للمذبح بكرة خشب فبها حبل قنّب مجاور للسلسلة الفضة التي تقطعت وانسكب «3» بعضها معلّق فيها طبق فضة كبير عليه فراخ قناديل زجاج بقي على حاله ولم ينطف شيء من قناديله ولا غيرها ولا شمعة كانت قريبة من الكرسيين الخشب ولا زال منها شيء. وكان جملة هذا الحادث مما يعجب منه وشاهد غير واحد في داخل أنطاكية وخارجها في ليلة الاثنين الخامس من شهر آب من السنة المتقدم ذكرها في السماء شبة كوّة ينور منها نور ساطع لامع ثم طفىء وأصبح الناس يتحدثون بذلك. وتوالت الأخبار بعد ذلك بأنه كان في أول نهار يوم الاثنين في مدينة غنجرة «4» وهي داخل بلاد الروم على تسعة عشر يوما من أنطاكية زلزلة مهولة تتابعت في ذلك اليوم وسقط منها أبنية كثيرة وخسف موضع في ظاهرها. وكان هناك كنيسة كبيرة وحصن لطيف غابا حتى لم يبق لهما أثر ونبع من ذلك الخسف ماء حار شديد الحرارة كثير النبع المتدافق «5» ، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 312 وغرق منه سبعون ضيعة وتهارب خلق كثير من تلك الضياع إلى رؤوس الجبال والمواضع المرتفعة العالية فسلموا وبقي ذلك الماء على وجه الأرض سبعة أيام وانبسط حول هذه المدينة مسافة يومين ثم نضب وصار موضعه وحلا. وحضر جماعة ممن شاهد هذه الحالة فحدثوا بها أهل أنطاكية وحكوا أن الناس كانوا يصعدون أمتهتهم إلى رأس الجبل فيضطرب من عظم الزلزلة فيتدحرج المتاع إلى الأرض «1» . ومن الأماكن التي لها شهرة في التاريخ القديم مكان يقال له (دفنة) في غربي أنطاكية على بعد نصف ساعة منها ويعرف الآن ببيت الماء أو بطواحين بيت الماء وبعضهم يقول بيت المال وهو في شرقي العاصي. يقال بناها سلقوس نيكاتور منتزها له والصحيح أنها أقدم من سلقوس باني أنطاكية وأن الذي بناها اسمه أبيدفن. غير أن سلقوس حسنها كثيرا ففتح شوارعها وعمر فيها مسارح للتياترو وعمل بها عدة مناظر ومنتزهات. وكان في هذه المدينة هيكل يقال له أبولون معبود السلوقيين، وكان معمولا من السرو الجبلي. وعلى بعد غلوة «2» من دفنة بين البساتين كان يوجد مسرح شائق لتمثيل الروايات المعروف بالتياترو. وأبولون المذكور كان عند اليونانيين إله الصنائع والأدبيات والطب وضياء الشمس. وكان على مثال شاب جميل الصورة قد استرسل شعره إلى الأرض وحمل في يده قوسا. وقد بقي هذا الوثن يعبد على وجه الأرض (1178) سنة وذلك من مبدأ عمله إلى عام احتراقه. والخلاصة أن موقع دفنة على غاية من جودة الهواء وعذوبة الماء ولطافة المناظر حتى إن سكان أنطاكية ولا سيما الأغنياء منهم لا يستغنون عن التريّض بهذا الموضع ولا يصبرون فيه عن دواعي تعاطي الطرب كالغناء والشرب والملاهي. ولما قدم الملك بونيانوس إمبراطور استانبول في الجيل الثالث بعد الميلاد لزيارة هذا الهيكل رأى أن المسيحيين لا يوجبون احترامه فغضب عليهم وهدم سائر كنائسهم الموجودة في دفنة وأخرج منها عظام بعض مقدسيهم وأحرقها. وفي ذلك الأثناء قامت فتنة بين أهل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 313 أنطاكية لاستيلاء القحط عليهم وأحرقوا هذا الهيكل. وفي سنة 625 مسيحية زلزلت تلك الجهات وانهدمت دفنة عن آخرها. ومحلها الآن ظاهر للعيان وهو واد بين جبلين فسيح موجه غربا تنبع المياه من قمة هذين الجبلين وتسيح على أباطحها فيرى لها منظر بديع جدا كأنها سلاسل فضة مدلّاة من علو وهي في غاية العذوبة والصفاء وقد نصب على شلالاتها وهي في الجبل نحو عشرة أرحاء «1» تدور بقوة المياه وبعد نزولها إلى وادي دفنة تجري إلى عدة بساتين فترويها ثم تصب إلى نهر العاصي. وبالجملة فإن دفنة لم يبق لها الآن أثر ولا يدل عليها طلل فسبحان الدائم بعد فناء البلاد والعباد. ومن الأماكن المشهورة في قضاء أنطاكية ناحية (السويدية) في شمالي سورية وغربي أنطاكية على بعد ستة أميال منها في موضع صخري مقبل على البحر المتوسط في لحف جبل بيروس، ويقال له أيضا جبل موسى. وهي من أنزه نواحي أنطاكية وأعمرها قد اشتملت على ما لا يحصى كثرة من العيون العذبة والبساتين الحاوية من كل ثمرة وفاكهة. وقد زعم بعض المؤرخين أنها كانت بلدة فينيقية يقال لها (أولبياهيريا) وأنها كانت محط تجارة بعض الفينيقيين في زمن إقبالهم كاسكندرونة. والصحيح أن الذي اختطها سليقوس نيكاتور جعلها فرضة «2» لأنطاكية وكانت تسمى في عهد السلوقيين سلوقية. وتمتاز عن غيرها بإضافتها إلى بيروس وكان يسمى باسمها تسعة بلدان. ويروى أن بانيها مدفون في موضع منها. وقد استمرت في أيدي خلفاء سلوقوس إلى أن انتزعها منهم بطليموس الثالث ثم استعادها أنطيوخوس الكبير ثم استولى عليها تكران ملك الأرمن ولم تلبث معه غير قليل حتى ملكها منه الرومان فانحطت للغاية. وأما ميناؤها فقيل إن الذي حفرها هو القيصر طيباريوس وقيل بل هي قديمة وإنما هذا القيصر أصلحها بعد خللها. واستمرت مدينة السويدية عامرة بعد انحطاطها إلى سنة (526) وفيها زلزلت الأرض هناك وانهدم معظم المدينة. ثم في سنة (528) زلزلت مرة أخرى فأتت على بقية مبانيها الجزء: 1 ¦ الصفحة: 314 وهدمتها بالكلية. وأما ميناؤها فكانت من أحسن المواني على البحر المتوسط وهي من عمل الصناعة. تبلغ مساحتها ميلا في مثله بعيدة عن البحر مقدار غلوة كانت تدخل إليها السفن من البحر بمعبر عظيم وتبقى فيها آمنة من كل غائلة. وقد استمرت مستعملة إلى أيام السلطان الملك الظاهر بيبرس البندقداري الذي استرد أنطاكية وما جاورها من البلاد من أيدي الفرنج الصليبيين. ودفعا لغائلة عودهم إلى تلك الجهات من الميناء المذكورة أمر بإبطالها فأبطلت وردمت بالتراب وزال الانتفاع منها. والآن يقدم على البحر تجاهها بعض سفن تجارية شراعية وقليل من البواخر فلا تتمكن هذه السفن والبواخر من الأخذ والعطاء إلا بمشقة زائدة. قال ياقوت: وقد أقطع الوليد الوليد بن عبد الملك جند أنطاكية أرض سلوقية عند الساحل وصير عليهم الفلز (وهو بسيط من الأرض معلوم كالفدّان والجريب) بدينار ومدي قمح فعمروها وجرى ذلك لهم وبنى حصن سلوقية. ولعل السيوف السلوقية والكلاب السلوقية منسوبة إليها. وفي بعض الكتب: كان في جبال الشغر الجارح والكلاب السلوقية الموصوفة من بلاد السلوقية فنسبا إليها، وهو صحيح. والكلب السلوقي يعرف بدقة الرأس وطول الأنف والرقبة وضمور الصدر وطول القوائم ودقتها «1» وصغر الأذنين وتدليهما عند طرفيهما فقط وطول الذنب ودقته كثيرا. وهو يسبق الخيل بعدوه ويصيد بالشّمّ لا بالنظر. علاوة نذكر فيها ما علمناه في أنطاكية وبعض نواحيها زرت مدينة أنطاكية مرات عديدة وعرفت شيئا من أخلاق أهلها ومحاسن بلدهم ومساويها وجلت في نواحيها وقراها وجبالها وسهولها وأحطت خبرا بما اشتملت عليه من العمران وبما تدرّ على قطانها من الخيرات والبركات فلم أر مدينة ولا صقعا من الأصقاع يضارع أنطاكية وأصقاعها في خيراته ومنتزهاته وطيب مائه وجودة هوائه. أول ما يتراءى للمقبل على مدينة أنطاكية من جهة حلب سفح جبل حبيب النجار الجزء: 1 ¦ الصفحة: 315 فيرى منحدرا فسيحا قامت فيه المنازل والعمائر ذات القصور الباسقة والمباني الشاهقة المنبثة بين الحدائق والبساتين. ثم لا يلبث القادم عليها حتى يسمع من جهتها نعر «1» النواعير الدائرة بقوة مياه العاصي الشبيهة بنواعير حماة. وقد يستقبل النسيم القادم إليها في إبان فصل الخريف بأرج الآس الذي غرسته يد القدرة في جبالها وهضابها القريبة منها والبعيدة عنها. وبعد أن يجتاز إليها ذلك الجسر القديم يرى بلدا عظيما معمورا حسن المباني بعضها من الأخشاب وبعضها الآخر- هو الأكثر- من الحجارة المنهدمة قد تعلق في كثير من جدرانها سواق خشبية يجري فيها ماء النواعير إلى أماكن لكل منها قسطل معلوم. إذا صعدت إلى بعض مرتفعات جبل حبيب النجار تراءت لك البلدة كنصف دائرة استدار عليها العاصي من شرقيها وشماليها وغربيها واعترضها الجبل من جنوبيها فصار قطرا لها. وترى هذا الجبل على عظمته وطول مسافته قد تمشّى في وديانه وقممه ذلك السور العظيم الذي أوله من قرب المكان المعروف بباب بولس وآخره قرب دفنة «2» . أهل أنطاكية متعصبون بالدين. والجمال غالب في نسائهم وقد اشتدت في وجهائهم وأعيانهم محبة الجاه والتقرب إلى الحكومة. وهم ميالون إلى العلوم والآداب والمعارف. وفي طباعهم السخاء والإحسان إلى الضيف والتسابق إلى إكرامه. التجارة في أنطاكية قليلة الجدوى، ولذا كان معظم الثروة التي لا يمكن للإنسان أن يملكها في أنطاكية يحرزها من قراها وبساتينها فأرباب الثراء من هذه الجهة هم الذين يزاحمون بعضهم بالتقرب إلى الحكومة ليتمكنوا من إخضاع مزارعيهم ويصونوا حقولهم وغلّاتهم منه ومن غيره أرباب الصيال والسطوة في البر. وهذا هو السبب الذي جعلهم في أكثر الأوقات منقسمين إلى فئتين كل منهما ينضم إليها فريق من أهل البلدة والأكثر أن تكون إحدى الفئتين غالبة والأخرى مغلوبة مبتعدة عن الحكومة عاجزة عن حفظ أرزاقها في البر. مدينة أنطاكية تتصل بساتينها من جهة الغرب بناحية السويدية المشتملة على عدة نواح كالحسينية والزيتونية والميناء. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 316 وناحية السويدية هذه مما لا نظير له في البلاد من جهة حسن مناظرها وغزارة مياهها ووفور غلاتها التي هي أنواع البرتقال والفواكه والزيتون والتين والرمان والحرير والحنطة والشعير والشوفان. ترى لكل أسرة من الأسر المقيمة في هذه الناحية لمعاناة الفلح والزرع والغراس قصرا مشيدا جميلا قائما بين الغابات من الأشجار المثمرة ينبع في طرف عنها عين خرّارة ماؤها على غاية ما يكون من الصفاء والعذوبة والبرودة. والسويدية في أكثر مناحيها منحدرات من الشرق إلى الغرب وهي تستوعب مسافة طولها نجوا «1» من ثلاث ساعات في عرض مثلها. تنتهي من جهة الغرب وقسم من جهة الجنوب بالبحر. فإذا وقفت في أي بقعة من بقاعها تجلت لك مناظر مدهشة لأنك بعد أن تطل منها على مسافة بعيدة مشحونة بجنات تجري من تحتها الأنهار، ينتهي بصرك بذلك البحر العظيم الذي يتراءى لك فيه شبح جزيرة قبرص وما قاربها من الجزائر. ناحية السويدية كلها مقاصف ومنتزهات غير أنه يوجد فيها بعض منتزهات تمتاز عن غيرها من جهة حسن مناظرها وجودة هوائها ومائها: من ذلك منتزه يعرف باسم (جوليك) ذلك المنتزه الوحيد الذي لا نظير له حتى في جزر الأرخبيل ولذا يقصده في كثير من السنين المصطافون من البلاد والغربية من الفرنسيس والإنكليز وغيرهم يقيمون عنده في مضارب يحضرونها معهم إذ لا توجد فيه مبان تصلح للإقامة. ومن أحاسن منتزهات السويدية العديمة النظير جبل موسى المشتمل على قرى يسكنها الأرمن كقرية كبوسية وقرية خضر بك وقرية حاج حببلو فإن كل قرية من هذه القرى واقعة من هذا الجبل في سفح سترته المشاجر والغابات وجرت من قممه مياه العيون المتفجرة المنحدرة إلى وديان اتخذت حقولا لزرع الخضر والبقول كالطماطم والبطاطة التي يستغل منها ذووها مبالغ تسد عوزهم وتكمل لهم من أمر معاشهم ما ينقصهم من صنائعهم التي هي استخراج الحرير والحياكة والصياغة وطرق النحاس ظروفا وأواني وغير ذلك من الصنائع التي اتخذوها وهم في رؤوس تلك الجبال الشاهقة. ومن نواحي أنطاكية العديمة النظير ناحية القصير المشتملة على سهول وجبال كلها مملوء بالغراس والحقول المستعدة لزرع الحبوب قد تدفقت مياهها وطاب نسيمها. تتوالى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 317 على قطّانها مواسم غلاتها موسما تلو موسم: غلة الزيتون ثم غلة التين والعنب ثم غلة البطيخ وأنواع اليقطين ثم غلة الحبوب كالحنطة والشعير. ومن نواحي أنطاكي «1» العامرة أيضا جبال قره مورط وهي شعاب من جبل اللكام غلب عليها غابات الأرز والسنديان والسرو الجبلي وغيرها ويزرع فيها التبغ فينجم منه ما هو الغاية باللذة. وفيها وديان لزرع الخضر والبقول والحبوب. وفي بعض جهات هذه الجبال أنواع من الأتربة التي تستعمل للصبغ. يصاد من نهر العاصي أنواع من الأسماك تباع في أنطاكية بأرخص سعر. والغريب أن أهل أنطاكية يكرهون سمك السّلور المعروف في حلب باسم السمك الأسود فلا يأكله في أنطاكية غير الغرباء وهو يباع بأبخس ثمن. من جملة منتزهات أنطاكية المنفردة بالمحاسن والعمائر منتزه ناحية الجربية الكائنة على مقربة من مدينة أنطاكية وهي ممتدة على سفح جبل تحدرت فيه مياه من عيون خرارة تسقي ما في الناحية من البساتين المتنوعة الثمار. في كل بستان منها على الغالب قصر منيف يسكنه في فصل الصيف صاحبه ويخال لمن كان فيه كأنه في جنة عالية قطوفها دانية تجري المياه من تحت القصر. وللساكن فيه من المناظر ما وصفناه من المناظر في ناحية السويدية ناهيك بمنتزه لم يرض عمرو بن العاص أن يبات فيه خشية افتتان الجند بمحاسنه إذا أصبحوا. هذه المنتزهات هي غير منتزهات كثيرة قريبة من مدينة أنطاكية كالمنتزه المعروف باسم العين الطويلة أضربنا الصفح عن ذكرها «2» إيجازا للكلام. مدينة أنطاكية قد تقدمت في الأيام الأخيرة بالعمران وتجدد فيها على الضفة الشمالية من نهر العاصي مبان عظيمة آخذة نحو الطريق المؤدية إلى ناحية السويدية «3» . مما انفردت به مدينة أنطاكية من الفواكه المشمش العجمي المعروف عند أهلها باسم (شكر باره) والدرّاقن والسفرجل والأنكي دنيا وقصب السكّر والبرتقال والليمون وأنواع البطيخ الأصفر والعنب والرمان وحب الآس والعنّاب. وانفردت أيضا بلبن الجاموس وما الجزء: 1 ¦ الصفحة: 318 يعمل منه كالزبدة والجبن فهما مما لا نظير له في غير أنطاكية. وانفردت أيضا بالتبغ المعروف بالتتون والفلافل الحمراء التي يكثر الأنطاكيون من أكلها وينقل منها إلى حلب وغيرها قناطير مقنطرة طرية ومسحوقة. وانفردت أيضا بكثرة ما يعمل في مصابنها من الصابون وربما كان معادلا صابون حلب بالجودة والكثرة. مساوىء أنطاكية من مساوىء مدينة أنطاكية في الشتاء كثرة الأمطار والرعود والصواعق والزلازل. وهي بالحقيقة في موقع جبلي بركاني يدلّك عليه موقع بيت المال ونبع المياه فيه من قمم الجبال، الأمر الذي يبرهن لك على أن هذه المياه الغزيرة لم يدفعها إلى تلك القمم صعدا سوى حركة بركانية أعقبت انفجار بركان عظيم. ومن مساوئها أيضا انحباس النسيم عنها في بعض ليالي الصيف وكثرة الرطوبة وقد تقدم الكلام عليهما. وأحسن ما تكون أنطاكية في أيام الخريف. إذ يكون هواؤها في هذا الفصل لطيفا منعشا يحمل إليها من الجبال الكائنة في جوارها أريج الآس والمرسين «1» . وتطيب فيها الأثمار ويلذ السهر والسمر في المنتزهات المشادة على أطراف نهر العاصي كالفنادق والمطاعم. الأسر الشهيرة في هذه المدينة من الأسر الشهيرة في مدينة أنطاكية أسرة آل بركة وهي تعرف في أنطاكية باسم بركة زاده. جدها الأعلى من مدينة حمص من عشيرة بني خالد بن الوليد وهو أول من قدم إلى أنطاكية واتخذها وطنا. وجيه هذه الأسرة فقيد الوطن المرحوم الحاج رفعت آغا أحد رجال عصره المعروفين بالوجاهة والذكاء والجاه والقبول لدى الحكام والعلوم والمعارف وكرم السجايا وطلاقة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 319 المحيا وسخاء اليد وإقراء «1» الضيوف. وقد تقلب في عدة خدم مهمة في الحكومة العثمانية. وفي أيامه الأخيرة انتخب عضوا لمجلس المبعوثين. كان يقرأ ويكتب باللغة التركية والعربية والفارسية والفرنسية، ويحسن من كل لغة من هذه اللغات أدبياتها وهو حسن اللهجة جميل المحاضرة. أقمت في منزله زهاء ثمانية أشهر يجدد لي كل يوم منها إكراما واحتراما ولم أر في جميع هذه المدة الضيوف التي تجلس على مائدته يقل عددهم عن ثلاثين ضيفا يقدم إليهم في طعام العشاء وطعام الغداء أنفس المآكل والأطعمة يجلس معهم ويسامرهم بلطائفه وينظر إلى كل واحد منهم بوجه كله بشر وطلاقة مما يدل على سخائه ورحب صدره وعلو جنابه، وكان يستقضيه الناس مصالحهم ومهماتهم فلا يرد أحدا منهم إلا شاكرا له مثنيا عليه. وكان الحكام يحبونه ويهابونه سيما حكام أنطاكية فإنهم كانوا لا يخرجون عن إرادته رحمه الله. أما وجيه هذه الأسرة الآن وعين أعيان أنطاكية بل هو من أجل أعيان سوريا حضرة صاحب الفخامة صبحي بك نجل المرحوم الحاج رفعت آغا السالف الذكر وهو رئيس اتحاد دولة سورية المنفرد بمزاياه الكرائم والمشار إليه بالبنان لما اتصف به من المحاسن والمكارم. ومن رجال هذه الأسر المولى العالم الفاضل الأستاذ صفوت أفندي مفتي القضاء. ومن الأسر الكريمة في أنطاكية أسرة آل خلف المعروفة باسم خلف زاده لر وهي أسرة عريقة بالمجد وجد منها عدة رجال أجلاء يستحقون المدح والثناء. ومن الأسر الشهيرة في أنطاكية أسرة آل المفتي نسبة إلى السيد العالم العلامة الحاج يحيى أفندي مفتي أنطاكية الأسبق، كان من كبار علماء عصره وأفاضل أدبائهم، ينظم الشعر التركي والعربي والفارسي ويتكلم باللغات الثلاث. وحينما كنا معه في الحجاز تلقى صحيح البخاري بالرواية على العلامة المحدث الشيخ أحمد الدحلاني شيخ الإسلام في الديار الحجازية وصاحب كتاب الفتوحات الإسلامية. وكنت أقابل معه النسخة التي يتلقى بها الحديث عن الأستاذ المشار إليه. وبعد أن عاد من الحجاز إلى بلدته أنطاكية اختاره والي حلب وحاكمها الشرعي لأن يكون رئيس كتاب المحكمة الشرعية في حلب ونائب غيبة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 320 الحاكم الشرعي فحضر إلى حلب وقام بالوظيفة نحو سنة أحسن قيام ثم بدا له أن يعود إلى وطنه فاستقال من وظيفته وعاد إلى أنطاكية رحمه الله. ومن وجهاء أسرته في هذه الأيام نجله العالي محمد أفندي وهو صاحب منزل لإقراء «1» الضيوف وإكرامهم، ذو وجاهة وإقبال وكلمة نافذة عند الحكومة معروف بالوفاء والصدق والسخاء وكرم الأخلاق. ومنها أسرة القصيري وهي مما تفرع من سلالة الأسرة الجندية التي لها فروع في حمص وحماة وإدلب ومعرة النعمان. وقد ذكرنا في الكلام على البلدة الأخيرة أنهم ينسبون إلى الأسرة العباسية. ومنها أسرة المعصراني التي وجد منهم عدة أماثل يعانون التجارة ويعرفون بالأمانة والاستقامة. ومنها أسرة آل المسكي وهي أسرة معروفة بالوداعة يرتزق أفرادها من التجارة ويعاملون الناس بالمعروف والحسنى ويحرزون ثناء من يعاملهم. ووجيه هذه الأسرة الآن عزت أفندي من خيرة الرجال الموصوفين بالأدب والكمال. وفي أنطاكية غير ذلك من الأسر الكريمة يطول الكلام عليها وبهذا القدر كفاية. انتهى الكلام على قضاء أنطاكية. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 321 قضاء المعرّة مدينة معرة النعمان وأسماء محلاتها الشمالية 2175 القبلية 3046. قرى القضاء كفر رمان 439 حاس 477 كفر نبل 1018 كفر عويد 106 حزارين 275 معرة حرمة 385 جبالا 69 معر تماتر 163 معر زيتا 152 بسقلا 165 حيش 350 هبيطة 377 خان شيخون 1575 كفر سنجة 471 تمانعة 156 كفر ياسين 229 الدير الغربي 101 الدير الشرقي 146 تح 108 معر تشمارين 112 معر شمشا 189 تل نمس 601 جرجناز 550 معر شورين 630 معصران 211 دانه 403 فطيرة 82 فركيا 660 أشنان 165 دير سنبل 46. فجملة عدد سكان هذا القضاء (23285) نسمة ما بين ذكر وأنثى. على أن عددا كبيرا من القرى والمزارع في هذا القضاء لم يجر عليه قلم الإحصاء في هذا الجدول لخلوه من البناء وعدم تمكن الحكومة من عد سكانه لأنهم من عشائر الأعراب الموالي وغيرهم الرحّل النّزل الذين يقيمون في قراهم ومزارعهم أيام الزرع واستحصال الغلة فقط ثم يرحلون بماشيتهم إلى الصحراء يتتبعون الكلأ ومواقع القطر. الكلام على هذا القضاء وما فيه من الأماكن الشهيرة قال ياقوت في معجمه: المعرة تأتي بمعان مختلفة وهي الشدة وكوكب في السماء دون المجرّة وتلون الوجه من الغضب. والمعرة في الآية معناها جناية كجناية العرّ وهو الجرب. وقيل المعرة العزم. اه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 322 قلت يحتمل أن تكون لفظة المعرة هنا سريانية معناها المغارة سميت بذلك لأن هذه المدينة مشتملة على كثير من المغاير وأن أصلها في السريانية معرتا فتصرّف بها العرب وقالوا معرة وتاؤها في اللغتين للتأنيث. والنعمان هو النعمان بن بشير صحابي اجتاز بها فمات له ولد فدفنه فيها وأقام عليه أياما فسميت به وقال ابن خلكان في تاريخه إن النعمان بن بشير تديّر المعرّة «1» فنسبت إليه وكان يقال لها قبله معرة حمص. اه. وفي جانب سورها من قبل البلد قبر يوشع بن نون وقد جدد عمارته الملك الظاهر الغازي والحقّ أن قبر يوشع بأرض نابلس. وبالمعرة أيضا قبر محمد بن عبد الله بن عمار ابن ياسر قال ياقوت: وأظن أنها سميت بالنعمان الملقب بالساطع بن عدي بن غطفان ابن عمر بن بريج بن خذيمة بن تيم الله. وهو تنوخ بن أسد بن وبرة بن تغلب بن حلوان ابن عمران بن لحاف بن قضاعة. وهو مخالف لما قلناه ونقلناه عن ابن خلكان وربما كان هو الصواب لأن التنوخيين كانوا يقطنون هذه النواحي. وكانت المعرة مدينة كبيرة من أعمال حمص بين حلب وحماة. ماء أهلها من الآبار وعندهم الزيتون الكثير والتين الوافر. ومنها أبو العلاء المعري العالم المشهور القائل: فيا برق ليس الكرخ داري وإنما ... رماني إليها الدهر منذ ليال فهل فيك من ماء المعرّة قطرة ... تغيث بها ظمآن ليس بسال وقبر أبي العلاء المعري بهذه المدينة. وللناس فيه اعتقاد عظيم يبيتون على قبره شربة ماء ويستعملونها للبرء من الحمى. والمشهور أنه كان مكتوبا على قبره بوصية منه: هذا جناه أبي عليّ م ... وما جنيت على أحد وهذا البيت ليس له الآن وجود وإنما المكتوب على قبره هذان البيتان: قد كان صاحب هذا القبر جوهرة ... نفيسة صاغها الرحمن من شرف عزّت فلم تعرف الأيام قيمتها ... فردّها غيرة منه إلى الصدف الجزء: 1 ¦ الصفحة: 323 وزعم مؤرخو حلب أن في معرة النعمان عمودا فيه طلسم للبق تحته مغارة فيها صورة بقة نزل إليها رجل فبطلت خاصتها، وأن فيها عمودا هو طلسم الحيات يميل مع الريح القوية فيوضع تحته الجوز واللوز فيكسر. قلت: والمشهور عند أهل المعرة أن الشيخ زين الدين عمر بن الودي مدفون في المعرة. والذي ذكره ابن خطيب الناصرية أنه مدفون في حلب وعلى ذلك جرينا في ترجمته. وينسب إلى المعرة كثير من العلماء والمحدّثين وهذا القضاء في جنوبي حلب ويبعد مركزه عن حلب 22 ساعة وقصبة المعرة الآن تشتمل على دار حكومة ومستودع رديف وقلعة متهدمة وستة عشر جامعا وخمسة عشر مسجدا ومدرستين وأربع حمامات وما يقرب من 500 دكان وأربعة وعشرين مدارا «1» وخان واحد وأربعة أفران وعشرة «2» معاصر زيت وعشرة بيوت قهاوي ومسلخ واحد. وجامعها الأعظم عمري قديم له من الأوقاف ما فيه كفايته يضاف إليها الفاضل من غلة خان مراد جلبي وخان أسعد باشا. وفيها جامع آخر فيه مقام لسيدنا يوشع له منارة جميلة وأوقاف جليلة لعبت بها أيدي المتغلبين. وجامع آخر فيه غار يشتمل على قبر عطاء الله بن أبي رباح حامل لواء النبي صلّى الله عليه وسلم وعشر مسابغ «3» . واللغة في هذا القضاء العربية وهو قضاء واسع كثير الأراضي جيد التربة والهواء إلا أن أكثر أراضيه موات للخوف من الأعراب الرحّل. وكان قديما من أعمال حماة ثم ألحق بلواء حلب منذ عهد غير بعيد وكانت المعرة معروفة عند العرب بذات القصور إلى أن سميت بمعرة النعمان للسبب الذي تقدم ذكره. وذكر ابن بطوطة في رحلته أنه كان يوجد في ضواحي المعرة مقدار عظيم من شجر الفستق أما الآن فلا أثر له هناك إنما يوجد فيها قليل من الكرم وماء أهلها من الصهاريج المطريّة وقد مر على المعرة عدة حوادث ذكرناها في باب الأخبار مرتبة على سنيها فأغنى عن ذكرها هنا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 324 كانت المعرة بلدة عظيمة تدل أطلال سورها على أن طولها ساعة في عرض مثلها. وكان لها من جهة القبلة باب يسمى باب نصرة عنده تل كبير يذكر أن فيه كنزا. ومن جهة الغرب باب يدعى باسم السيد شيث يبعد عن قلعتها نحو عشر دقائق وكانت القلعة في وسط البلدة. ومن جهة الشمال باب يدعى باب ايلة عنده بناء ضخم يدل على أنه من بناء السريان. ومن جهة الشرق باب يدعى باب منّس لأنه يخرج منه إلى تل منس وهي الآن قرية معروفة كان ظهر فيها عاديات زجاجية وأسس ضخمة. في شمالي المعرة أطلال عمران يدعى محلها رويحة. يظهر أنها كانت بلدة عظيمة فيها أبنية ضخمة من جملتها أربعة أقواس عالية جدا يذكر أن أحد الرعاة ضرب حلقة قوس منها فأطارها فإذا هي من ذهب. وفي غربي المعرة إلى الشمال على بعد ساعة عنها ثلاثة أطلال، أحدها يدعى حندوثين والآخر يدعى فركيا، عندها بناء ضخم يعرف بدار الملك والثالث يدعى أشنان، فيه قناة كلدانية تنفذ إلى البساتين. وعلى مقربة من هذه الأماكن أطلال تعرف باسم دير سنبل أو دار صمبل. وفي غربي المعرة قرية تدعى حاث. في شماليها إلى الغرب أطلال مدينة كبيرة تدعى حاث. وفي هذه القرية آثار أبنية قديمة من جملتها بناء تام تحت الأرض يقال إنه كان وجد فيه مائدة من الرخام. وفي غربي المعرة أيضا قرية تدعى سفوهن «1» في قمة جبل عندها ميدان فسيح يليه تل كبير فيه آثار تدل على أنه كان قلعة. وفي الغرب من سفوهن» قرية تدعى الفطيرة ذكر في بعض التواريخ أن أهلها مشهورون بالشر وشراسة الأخلاق وهم معروفون بذلك حتى الآن. كان اكتشف في اسفوهن على «3» صندوق حجري فيه منطقة «4» من ذهب على عقودها بعض رسوم عادية بيع الواحد منها بخمسين ذهبا. وفي غربي سفوهن قرية تدعى فليفل على رأس تل، فيها آثار اكتشف فيها على «5» على أعمدة حجرية ضخمة. ويوجد في تلك الجزء: 1 ¦ الصفحة: 325 النواحي غير ذلك من الآثار القديمة الحثية والكلدانية والرومانية مما يدل على أن تلك الجهات كانت من أجلّ البلدان عمرانا وأكثرها سكانا. وفي هذا القضاء عدة آثار قديمة لها ذكر في التاريخ منها قرية خان شيخون وكان اسمها القديم خالس وهي من أعظم قرى هذا القضاء. ومنها كفر طاب وربما قيل لها كفر طوب وفيها يقول محمد بن سنان الخفاجي: بالله يا حادي المطايا ... بين جبالي «1» وأرّضايا عرّج على أرض كفر طاب «2» ... وحيّها أحسن التحايا وأهدها «3» الماء فهي ممن ... يفرح بالماء في الهدايا وقال عبد الرحمن بن محسن المعري: أقسمت بالرب والبيت الحرام ومن ... أهلّ معتمرا من حوله وسعى إن الألى بنواحي الغوطتين، وإن ... شطّ المزار بهم يوما وإن شعسا أشهى إلى ناظري من كل ما نظرت ... عيني، وفي مسمعي من كل ما سمعا ولا كفر طاب عندي بالحمى عوضا ... نعم سقى الله سكان الحمى ورعى وهي الآن خالية من السكان ومحلها بين المعرة وخان شيخون في برية معطشة وليس لها شرب إلا ما يجمعونه من الأمطار. قال ياقوت: وبلغني أنهم حفروا نحو ثلاثمائة ذراع فلم ينبط «4» لهم. قلت: وسيأتي لنا في الكلام على «بالس» وهي «مسكنة» أن الفرات أعجز أهلها بحفرة أراضيها عكس كفر طاب فإن أهلها أعياهم الحفر على الماء فلم يجدوه. وإلى هذا أشار أبو العلاء في قصيدة له من اللزوميات حيث يقول «5» : أرى كفر طاب أعجز الماء أهلها ... وبالس أعياها الفرات من الحفر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 326 كذلك مجرى الرزق واد بلا ندى ... وواد به فيض، وآخر ذو جفر خبرت البرايا والتصعلك والغنى ... وخفض الحشايا والوجيف مع السفر فأطيب أرض الله ما قلّ أهله ... ولم ينأ فيه القوت عن يدك الصفر يعاني مقيم بالعراق وفارس ... وبالشام ما لم يلقه ساكن القفر فمل عن بني حواء من نسل آدم ... لتنزل بين الحوّاء والأدم والعفر «1» ولا بدّ في دنياك من نصب لها ... وهل وضع الأثقال دهرك عن شفر أليس هزبر الغاب وهو مملّك ... على الوحش يبغي الصيد بالناب والظفر وأنت إذا استعملت أكواب عسجد ... أسأت ويجزيك الإناء من الصفر لقد سكنت نفسي على الكره جسمها ... فألفيتها لا تستقرّ من النّفر فإن لم تنل وفرا من المال فاستعر ... وفارة عقل فهي أزكى من الوفر وإن لم يكن لبّ الفتى مع شخصه ... وليدا فما يفري لنفع ولا يفري يسمّي غويّ من يخالف كافرا ... لك الويل «2» أي الناس خال من الكفر حصلنا على التمويه وارتاب بعضنا ... ببعض فعند العين ريب من الشفر وقد اخترنا إثبات هذه الأبيات لما اشتملت عليه من الحكم البالغة والأمثال السائرة التي تهشّ لها نفس كل أديب. وفي شحشبو فيما زعموا قبر الاسكندر. قيل إنه مات بها ونزع ما في جوفه ودفن وصبّر جسده وجهّز إلى أمه وقد مات بحمص. قال ابن الشحنة: ولا يبعد فإن كفر طاب كانت من أعمال أفامية. خناصرة ومما كان في حكم هذا القضاء خناصره. وتعرف الآن بخناصر. وكانت خرابا يبابا لا سكان فيها. وفي حدود سنة 1320 قدم على حلب قبيلة من قبائل الجركس مهاجرة من قافقاس تعرف باسم (قباضاي) «3» فأسكنتهم الحكومة خناصر. ومن تلك الأيام الجزء: 1 ¦ الصفحة: 327 أخذت بالعمران وصارت قرية كبيرة. وكانت بلدة قديمة لها حصن بناؤه بالحجر الأسود الصلد على سيف «1» البرّية. وكانت من كورة حمص وبلاد بني أسد وسميت باسم بانيها خناصرة بن عمر خليفة الأشرم صاحب الفيل. وفي خناصرة يقول عدي بن الرقاع العاملي وقد نزل بها الوليد بن عبد الملك ووفد عليه: وإذا الربيع تتابعت أنواؤه ... فسقى خناصرة الأحصّ وزادها «2» نزل الوليد بها فكان لأهلها ... غيثا أغاث أنيسها وبلادها نبذة في أخبار عمر بن عبد العزيز وكان عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه تديّر خناصرة «3» ، وتوفي سنة (101) في دير سمعان ودفن به. روي أن صاحب الدير دخل على عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه في مرضه الذي مات فيه بفاكهة أهداها له فأعطاه ثمنها فأبى الديراني أخذه. فلم يزل به عمر حتى قبض ثمنها ثم قال له عمر: يا ديراني بلغني أن هذا الموضع ملككم. فقال: نعم. فقال: إني أحب أن تبيعني منه موضع قبر مدة سنة فإذا حال الحول فانتفع به. فبكى الديراني وحزن وباعه موضع قبر بأربعين درهما فدفن به. ثم إن المسلمين اشتروا جميع الدير وأبقوه مدفنا لعمر رضي الله عنه وقال فيه بعض الشعراء يرثيه: قد قلت إذ أودعوه الترب وانصرفوا: ... لا يبعدنّ قوام العدل والدين قد غيّبوا في ضريح الترب منفردا ... بدير سمعان قسطاس الموازين من لم يكن همّه عينا يفجّرها ... ولا النخيل ولا ركض البراذين وقال كثيّر «4» : سقى ربّنا من دير سمعان حفرة ... بها عمر الخيرات رهن، دفينها صوابح من مزن ثقالا غواديا ... دوالح دهما ما خضات دجونها الجزء: 1 ¦ الصفحة: 328 وقال جرير الخطفى: ينعى النعاة «1» أمير المؤمنين لنا ... يا خير من حجّ بيت الله واعتمرا حمّلت أمرا عظيما فاصطبرت له ... وسرت فينا بحكم الله يا عمرا فالشمس طالعة ليست بكاسفة ... تبكي عليك نجوم الليل والقمرا وقال الشريف الرضي «2» : دير سمعان لا عدتك الغوادي ... خير ميت من آل مروان ميتك يا بن عبد العزيز لو بكت العين م ... فتى من أمية لبكيتك أنت طهّرتنا من السبّ والشتم م ... فلو أمكن الجزاء جزيتك ولعمري لقد زكوت وقد طبت م ... وإن لم يطب ولم يزك بيتك هكذا ساقها ابن الوردي وقد رأيت لها زيادة وهي: ولو أني رأيت قبرك لاستحييت م ... من أن أرى وما حيّيتك دير سمعان فيك مأوى ابن حفص ... فبودّي لو أنني قد أويتك «3» أنت بالذكر بين عيني وقلبي ... إن تدانيت منك أو إن نأيتك «4» وعجيب أني قليت بني مروان م ... طرا وأنني ما قليتك قد نما العدل منك لما نأى الجور م ... بهم فاجتويتهم واجتبيتك فلو انّي «5» ملكت دفعا لما نابك م ... من طارق الردى لافتديتك ورثى الرضي هذا أبا إسحاق الصابي بقصيدة طنانة أولها: أعلمت من حملوا على الأعواد ... أرأيت كيف خبا ضياء الوادي فقال ابن الوردي يعترض عليه ويندد به: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 329 أقسمت ما قول الرضيّ بمرتضى ... في الموضعين وقد يزلّ العاقل أبمثل ذا يرثى كفور صابىء ... وبمثل ذا يرثى الإمام العادل قلت: ولو اطّلع ابن الوردي على ما أوردناه من الزيادة لما اعترض على الرضي. قيل إن بني أمية خافوا إن امتدت أيام عمر بن عبد العزيز أن يخرج الأمر عنهم إلى من يصلح فسمّوه. وكان عمر متحريا سنة الخلفاء الراشدين حتى عده الإمام الشافعي وغيره منهم. ولما ولي الخلافة أبطل سب علي رضي الله عنه على المنابر وكتب إلى نوابه بإبطاله. ولما خطب يوم الجمعة أبدل السب في الخطبة بقوله تعالى: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسانِ ... إلى آخر الآية. فاستمر الخطباء على قراءتها إلى يومنا هذا. وفي ذلك يقول كثير: وليت فلم تشتم عليا ولم تخف ... بريا ولم تتبع سجيّة مجرم وصدّقت بالفعل المقال مع الذي ... أتيت فأمسى راضيا كلّ مسلم هذان البيتان من قصيدة لها قصة لطيفة نوردها على طريق الفكاهة، وهي أن حماد الرواية «1» قال: قال لي كثير عزة ألا أخبرك عما دعاني إلى ترك الشعر. قلت: نعم. قال: شخصت أنا والأحوص ونصيب إلى عمر بن عبد العزيز وكل واحد منا يدل عليه بسابقة وإخاء قديم ونحن لا نشك أنا سيشركنا في خلافته فلما رفعت لنا أعلام خناصرة لقينا مسلمة بن عبد الملك وهو يومئذ فتى العرب فسلّمنا فردّ ثم قال: أما بلغكم أن إمامكم لا يقبل الشعر. قلنا ما توضّح لنا خبر حتى انتهينا إليك. ووجمنا وجمة عرف ذلك فينا فوعدنا خيرا وقال متى رجعت إليكم منحتكم ما أنتم أهله. فلما قدم كانت رحالنا عنده بأكرم منزل فأقمنا عنده أربعة أشهر يطلب لنا الإذن هو وغيره فلا يؤذن لنا. إلى أن قلت في جمعة من تلك الجمع: لو أني دنوت من عمر فسمعت كلامه فحفظته كان ذلك رأيا. ففعلت فكان مما حفظت من كلامه: (لكل سفر زاد لا محالة فتزودوا لسفركم من الدنيا إلى الآخرة بالتقوى وكونوا كمن عاين ما أعد الله له من ثوابه أو عقابه فترغبوا أو ترهبوا ولا يطولن عليكم الأمد فتقسو «2» قلوبكم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 330 وتنقادوا لعدوّكم) . في كلام كثير لا أحفظه. ثم قال أعوذ بالله أن آمركم بما أنهى عنه نفسي فتخسر صفقتي وتظهر عيلتي وتبدو مسكنتي في يوم لا ينتفع فيه إلا الحق والصدق. ثم بكى حتى ظننت أنه قاص نحبه. وارتجّ المسجد وما حوله بالبكاء. وانصرفت إلى صاحبيّ فقلت لهما: خذا في شرح من الشعر «1» غير ما كنا نقول لعمر وآبائه فإن الرجل آخريّ وليس بدنيوي. إلى أن استأذن لنا مسلمة في يوم جمعة بعد ما أذن للعامة فلما دخلت سلمت ثم قلت يا أمير المؤمنين طال الثواء وقلّت الفائدة وتحدّث بجفائك إيانا وفود العرب. قال: يا كثيّر إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلّفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل. أفي واحد من هؤلاء أنت. قلت: بلى ابن سبيل منقطع به وأنا صاحبك. قال: ألست صاحب أبي سعيد. قلت: بلى. قال: ما أرى ضيف أبي سعيد منقطعا به. قلت: يا أمير المؤمنين أتأذن لي في الإنشاد. قال: نعم، ولا تقل إلا حقا. فقلت: وليت فلم تشتم عليا ولم تخف ... بريا ولم تقبل إشارة مجرم وصدّقت بالفعل المقال مع الذي ... أتيت فأمسى راضيا كل مسلم ألا إنما يكفي الفتى بعد زيغه ... من الأود الباقي ثقاف المقوّم وقد لبست لبس الهلوك ثيابها ... تراءى لك الدنيا بكف ومعصم «2» وتومض أحيانا «3» بعين مريضة ... وتبسم عن مثل الجمان المنظّم فأعرضت عنها مشمئزا كأنما ... سقتك مدوفا من سمام وعلقم وقد كنت في أجبالها في ممنّع ... ومن بحرها من مزبد الموج مفعم وما زلت توّاقا إلى كل غاية ... بلغت بها أعلى البناء المقوم فلما أتاك الملك عفوا ولم يكن ... لطالب دنيا بعده من تقدّم ومالك إذ كنت الخليفة مانع ... سوى الله من مال رعيت ودرهم تركت الذي يفنى وإن كان رونقا ... وآثرت ما يبقى برأي مصمّم «4» الجزء: 1 ¦ الصفحة: 331 وأضررت بالفاني وشمّرت للذي ... أمامك في يوم من الشرّ مظلم سما لك همّ في الفؤاد مؤرّق ... بلغت به أعلى المعالي بسلّم فما بين شرق الأرض والغرب كلّها ... مناد ينادي من فصيح وأعجم يقول: أمير المؤمنين ظلمتني ... لأخذ لدينار ولا أخذ درهم ولا بسط كف لامرىء غير مسلم ... ولا السفك منه ظالما ملء محجم ولو يستطيع المسلمون لقسّموا ... لك الشطر من أعمارهم غير ندّم فأربح بها من صفقة لمبايع «1» ... وأعظم بها واعظم «2» بها ثم أعظم قال: فأقبل عليّ وقال إنك مسئول عما قلت. ثم تقدم الأحوص فاستأذنه في الإنشاد فقال: قل ولا تقل إلا حقا. فأنشده القصيدة التي مطلعها: وما الشعر إلا حكمة من مؤلّف ... لمنطق حق أو لمنطق باطل ولا تقبلن إلا الذي وافق الرضا ... ولا ترجعنا كالنساء الأرامل فلما أتمها قال له إنك مسئول عما قلت. ثم تقدم نصيب فاستأذنه في الإنشاد فلم يأذن له وأمره بالغزو إلى دابق فخرج إليها وهو محموم وأمر لي بثلاثمائة وللأحوص بمثلها ولنصيب بمائة وخمسين. اه. قلت: ومما يورد له في هذا الباب أنه لما استخلف وفدت إليه الشعراء كما كانت تفد إلى الخلفاء قبله فأقاموا ببابه أياما لا يأذن لهم بالدخول حتى قدم عدي بن أرطاة على عمر بن عبد العزيز وكانت له منه مكانة فقال جرير: يا أيها الرجل المزجي مطيّته ... هذا زمانك إني قد مضى زمني أبلغ خليفتنا إن كنت لاقيه ... أني لدى الباب كالمصفود في قرن وحش المكانة من أهلي ومن ولدي ... نائي المحلّة عن داري وعن وطني قال نعم يا أبا حزرة ونعمى عين. فلما دخل على عمر قال: يا أمير المؤمنين إن الشعراء ببابك وأقوالهم باقية وسنانهم مشهورة. قال: يا عدي مالي وللشعراء. قال: يا أمير الجزء: 1 ¦ الصفحة: 332 المؤمنين إن النبي صلّى الله عليه وسلم قد مدح وأعطى وفيه أسوة لكل مسلم. قال: ومن مدحه؟ قال: عباس بن مرداس، فكساه حلّة وقطع بها لسانه. قال: وتروي قوله؟ قال نعم: رأيتك يا خير البرية كلّها ... نشرت كتابا جاء بالحق معلما ونوّرت بالبرهان أمرا مدمّسا ... وأطفأت «1» بالبرهان نارا مضرّما فمن مبلغ عني النبيّ محمدا ... وكل امرئ «2» يجزى بما قد تكلما تعالى علوا فوق عرش إلهنا ... وكان مكان الله أعلى وأعظما قال: صدقت فمن بالباب قال ابن عمك عمر بن ربيعة «3» قال لا قرّب الله قرابته ولا حيّا «4» وجهه أليس هو القائل: ألا ليت أني يوم حانت منيّتي ... شممت الذي ما بين عينيك والفم وليت طهوري كان ريقك كله ... وليت حنوطي من مشاشك والدم ويا ليت سلمى في القبور ضجيعتي ... هنالك، أو في جنة، أو جهنم فليت والله تمنى لقائلها في الدنيا وعمل صالحا والله لا يدخل علي أبدا، فمن بالباب غير من ذكرت. قلت: جميل بن معمر العذري قال هو الذي يقول: ألا ليتنا نحيا جميعا وإن نمت ... يوافي لدى الموتى ضريحي ضريحها فما أنا في طول الحياة براغب ... إذا قيل قد سوّي عليها صفيحها أظلّ نهاري لا أراها ويلتقي ... مع الليل روحي في المنام وروحها اعزب به فو الله لا دخل علي أبدا فمن بالباب غير من ذكرت. قال: كثيّر عزة. قال: هو الذي يقول: الله بيني وبين سيّدها ... يفرّ عني بها وأتبع الجزء: 1 ¦ الصفحة: 333 اعزب به فمن بالباب غير من ذكرت. قال: همام بن غالب الفرزدق قال: أليس هو القائل يفخر بالزنى: هما دلّتاني «1» من ثمانين قامة ... كما انقضّ باز أقتم الريش كاسره فلما استوت رجلاي في الأرض قالتا ... أحيّ يرجّى أم قتيل نحاذره وأصبحت في القوم الجلوس وأصبحت ... مغلّقة «2» دوني عليها دساكره فقلت ارفعوا الأحراس لا يشعروا بنا ... وولّيت في أعقاب ليل أبادره اعزب به فو الله لا دخلي علي أبدا فمن بالباب غير من ذكرت. قلت: الأخطل التغلبي. قال: أليس هو القائل: فلست بصائم رمضان عمري ... ولست بآكل لحم الأضاحي ولست بزاجر عنا بكورا ... إلى بطحاء مكة للنجاح ولست بقائم كالعير أدعو ... قبيل الصبح حيّ على الفلاح ولكني سأشربها شمولا ... وأسجد عند منبلج الصباح اعزب به فو الله لا وطئ لي بساطا أبدا، فمن بالباب غير من ذكرت؟ قلت: جرير ابن الخطفى قال: أليس هو القائل: لولا مراقبة العيون أريننا ... مقل المها وسوالف الآرام هل ينهينّك أن قتلن مرقشا ... أو ما فعلن بعروة بن حزام ذمّ المنازل بعد منزلة اللوى ... والعيش بعد أولئك الأقوام طرقتك صائدة القلوب وليس ذا ... وقت الزيارة فارجعي بسلام فإن كان ولا بد فهذا فأذن له فخرجت إليه فقلت: ادخل أبا حزرة فدخل وهو يقول: إن الذي بعث النبيّ محمدا ... جعل الخلافة في إمام عادل وسع الخلائق عدله ووفاؤه ... حتى ارعوى وأقام ميل المائل والله أنزل في القران فضيلة ... لابن السبيل وللفقير العائل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 334 إني لأرجو منك خيرا عاجلا ... والنفس مولعة بحب العاجل فلما مثل بين يديه قال: اتق الله يا جرير ولا تقل إلا حقا فأنشأ يقول: كم باليمامة من شعثاء أرملة ... ومن يتيم ضعيف الصوت والنظر ممّن يعدّك تكفي فقد والده ... كالفرخ في العشّ لم ينهض ولم يطر يدعوك دعوة ملهوف كأنّ به ... خبلا من الجن أو مسّا من البشر خليفة الله ماذا تأمرنّ بنا ... لسنا إليكم ولا في دار منتظر ما زات بعدك في همّ يؤرّقني ... قد طال في الحيّ إصعادي ومنحدري لا ينفع الحاضر المجهود بادينا ... ولا يعود لنا باد على حضر إنّا لنرجو إذا ما الغيث أخلفنا ... من الخليفة ما نرجو من المطر أتى الخلافة أو كانت له قدرا ... كما أتى ربّه موسى على قدر هذي الأرامل قد قضّيت حاجتها ... فمن لحاجة هذا الأرمل الذكر قال: يا جرير والله لقد وليت هذا الأمر وما أملك إلا ثلاثمائة: فمائة أخذها عبد الله ومائة أخذتها أم عبد الله. يا غلام أعطه المائة الباقية. فقال والله يا أمير المؤمنين إنها لأحبّ مال كسبته إليّ. ثم خرج فقالوا له: ما وراءك قال: ما يسوءكم خرجت من عند أمير المؤمنين يعطي الفقراء ويمنع الشعراء وإني عنه لراض. ثم أنشأ يقول: رأت رقى الشيطان لا تستفزّه «1» ... وقد كان شيطاني من الجن راقيا وكان مولد عمر رضي الله عنه بحلوان لما كان أبوه واليا على مصر سنة (60) وجده مروان بن الحكم. وكان عمر أبيض رقيق الوجه جيده نحيف الجسم حسن اللحية غائر العينين بجبهته أثر حافر دابة ولذلك سمي أشجّ بني أمية وخطه الشيب. وكان قبل أن يلي الخلافة يبالغ في التنعم ويفرط في الاختيال في المشية وكان لعمر غلام يقال له درهم يحتطب له فقال له يوما ما يقول الناس يا درهم. قال: ما يقولون، الناس كلهم بخير وأنا وأنت بشرّ. قال وكيف ذلك قال عهدتك قبل الخلافة عطرا لباسا فاره الجزء: 1 ¦ الصفحة: 335 المركب طيب الطعام فلما وليت رجوت أن أستريح وأتخلص فزاد عملي شدة وصرت أنت في بلاء. قال: فأنت حر فاذهب عني ودعني وما أنا فيه حتى يجعل الله لي منه مخرجا. قال أنس رضي الله عنه ما صليت خلف إمام أشبه برسول الله صلّى الله عليه وسلم من هذا الفتى عمر بن عبد العزيز. وسئل عنه محمد بن علي بن الحسين فقال: إنه نجيب بني أمية يبعث يوم القيامة أمة وحده. وقال بعض أهل العلم كانت العلماء معه تلامذة وقد عمل له ابن الجوزي سيرة في مجلد كبير بقي عند قبره زمنا طويلا. ولما مرض مرض وفاته قيل له لو تداويت. قال لو كان دوائي في مسح أذني ما مسحتها. نعم المذهوب إليه ربي. وكان سائرا على سيرة أبي بكر وعمر رضي الله عنهما. وقد بلغ من الزهد والميل عن الدنيا مبلغهما وكان قبل خلافته إذا اشتري له ثوب بخمسمائة يستخشنه فلما صار خليفة اشتري له ثوب بثمانية فاستلانه. قال مسلمة ابن عبد الملك دخلت على عمر في مرض موته أعوده فإذا عليه قميص وسخ فقلت لامرأته فاطمة وكانت أخت مسلمة اغسلوا ثياب أمير المؤمنين فقالت نفعل ثم عدت فإذا القميص على حاله فقلت ألم آمركم أن تغسلوا قميصه. فقالت والله ما له غيره. قيل: وكانت نفقته كل يوم درهمين من ماله. ولما ولي الخلافة أتاه أصحاب مراكب الخلافة يطلبون علفها فأمر بها فبيعت وجعل ثمنها في بيت المال وقال تكفيني بغلتي. قالت فاطمة زوجته: دخلت عليه وهو في مصلاه ودموعه تجري على لحيته فقلت أحدث شيء فقال إني تقلدت أمر أمة محمد فتفكرت في الفقير الجائع والمريض الضائع والغازي والمظلوم المقهور والغريب الأسير والشيخ الكبير وذي العيال الكثيرة والمال القليل وأشباههم في أقطار الأرض فعلمت أن ربي سيسألني عنهم يوم القيامة وخصمي دونهم محمد صلّى الله عليه وسلم إلى الله فخشيت أن لا تثبت حجتي عند الخصومة فرحمت نفسي فبكيت. ولما رد إقطاعه الذي ورثه من آبائه لأربابه قيل له: فكيف تصنع بولدك. فجرت دموعه وقال: أكلهم إلى الله. ومن العجيب أن ابنه عبد الملك بن عمر كان على سيرته في الزهد وجب العدل. ولما مرض ابنه هذا مرض الموت دخل عليه أبوه عمر فقال له يا بني كيف تجدك. قال: أجدني في الحق. قال: يا بني إن تكن في ميزاني أحب إلي أن أكون في ميزانك فقال له ابنه يا أباه لأن يكون ما تحب أحب إلي من أن يكون ما أحب. فمات في مرضه وله سبع الجزء: 1 ¦ الصفحة: 336 عشرة سنة. قيل وقال عبد الملك لأبيه يوما: يا أمير المؤمنين ما تقول لربك إذا أتيته وقد تركت حقا لم تحيه وباطلا لم تمته. فقال يا بني إن أجدادك قد دعوا الناس عن الحق فانتهت الأمور إليّ وقد أقبل شرها وأدبر خيرها ولكن أليس حسنا وجميلا أن لا تطلع الشمس علي في يوم إلا أحييت حقا وأمتّ فيه باطلا حتى يأتيني الموت فأنا على ذلك. وبالجملة فإن أخباره كلها جميلة ولو أخذنا باستقصائها لضاق عنها هذا الكتاب وقد ذكرت له في كتب السير خطب ومواعظ وأفعال تدل على علو منزلته في مراتب أهل الله والصفوة الملأ «1» . وفي هذا القدر كفاية للتنبيه على فضله وعدله رضي الله عنه. الأسر الشهيرة في معرة النعمان أشهر أسرة في هذه البلدة وأقدمها: أسرة آل الحراكي يتصل نسبها بالحسين رضي الله عنه. تولى نقابة أشراف هذه البلدة أبو بكر أفندي ثم ولده طاهر أفندي ثم ولده نورس باشا الشهير المتحلي برتبة مير ميران «2» وهو أعظم رجل وجد في هذا القضاء لما اتصف به من فرط الذكاء والسخاء والوجاهة ونفوذ الكلمة لدى الخاص والعام والقريب والبعيد وكان منزله كدار للضيوف يجد فيها الضيف من حسن القرى والكرامة ما لا يجده في منزل غيره وكان الضيف يقيم عنده الأشهر العديدة بل ربما أقام عنده بعض الأغراب المستخدمين في حكومة المعرة مدة خدمتهم فلا يجدون في طول هذه المدة سوى ما يتجدد لهم من البر والإكرام كل يوم. وكان ينزل عنده بعض سوّاح «3» من كبار رجال الغرب فيتجلى لهم كرم الشرقيين وحسن أذواقهم وذكاء فطرتهم لما يجدونه لديه من الحفاوة والإكرام والنظافة في المأكل والمشرب وجمال الظروف والأواني وأثاث المنزل ولطف المعاملة. وجيه هذه الأسرة الآن حكمت بك نجل المرحوم نورس باشا فهو جار على سنن والده بالسخاء وإقراء «4» الضيوف وكرم الأخلاق والوجاهة عند الحكومة ولطف المعاشرة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 337 ومن الأسر الكريمة في مدينة المعرة أسرة آل الجندي المنسوبين إلى الأسرة العباسية. جدهم الأعلى الشيخ ياسين قدم إلى هذه البلاد من بغداد بعد حادثة التتار الجنكزيين فأقام في قرية بكفالون وفيها كانت وفاته وتفرق أولاده بعده في حماة وحمص وإدلب وحلب وقرية الشيخ في القصير. ومنهم امتدت سلسلة هذه الأسرة في البلاد المذكورة. وممن عرفناه من أفرادهم في المعرة الأستاذ السيد الشيخ صالح أفندي مفتي هذا القضاء المتوفى في حلب سنة 1311 المدفون في مقبرة الشيخ جاكير كان رحمه الله على جانب عظيم من العلم والعمل واللطف والظرف والسخاء وكرم الأخلاق. وقد خلفه بفتوى بلده نجله المرحوم الشيخ أحمد أفندي ثم ولده الشيخ سعدي أفندي ثم أخوه الأستاذ الشيخ أسعد أفندي حفظه الله. ومن الأسر الشهيرة في المعرة أسرة آل يوسف وهو الجد الأعلى لهذه الأسرة وكان ذا ثروة طائلة يقال إن مبدأها كان من كنز ظفر به في خان أسعد باشا في المعرة حينما جعل ناظرا على عمارته لأنه كان معروفا بالأمانة والاستقامة وقد وقف على المعرة وقفا عظيما. وله طاحون في حماة. وأهل هذه الأسرة عندهم نسب يتصل بالعباسيين. وجيه هذه الأسرة الآن السيد الماجد عمر آغا أحد أعيان هذا القضان. ومن الأسر الشهيرة في هذه البلدة أسرة يقول أفرادها إن نسبهم يتصل بنسب بني الشحنة الذين كان منهم عدة علماء وقضاة في حلب وغيرها. على أن لدى هذه الأسرة مكتبة فيها عدة كتب مخطوطة قد تقرّب صحة دعواهم. انتهى الكلام على قضاء المعرة. الكلام على دير سمعان وتفسير الدير وما يتعلق به دير سمعان المتقدم ذكره يقال له أيضا دير النقير وكان في موضع نزه والبساتين محدقة به وعنده قصور وهو الآن من أعمال المعرة على مقربة منها إلا أنه خرب وقبر عمر بن عبد العزيز لم يزل معروفا به يقصده الزوار إلا أن القبر مهمل غير معتنى بشأنه. وقد مر أبو فراس بن أبي الفرج البزاعي على هذا الدير فرآه خرابا فقال «1» : يا دير سمعان قل لي أين سمعان ... وأين بانوك خبّرني متى بانوا وأين سكانك اليوم الألى سلفوا ... قد أصبحوا وهم في الترب سكّان الجزء: 1 ¦ الصفحة: 338 أصبحت قفرا خرابا مثل ما خربوا ... بالموت ثم انقضى عمر وعمران وقفت أسأله جهلا ليخبرني ... هيهات من صامت بالنطق تبيان أجابني بلسان الحال إنهمو ... كانوا ويكفيك قولي إنهم كانوا وأهل حمص يقولون إن دير سمعان في ناحيتهم وإن قبر عمر بن عبد العزيز فيه والصحيح أن قبر عمر في دير المعرة. وفي معجم البلدان في الكلام على دير مرّان أنه دير مشرف على كفر طاب قرب المعرة يزعمون أن فيه قبر عمر بن عبد العزيز وهو مشهور بذلك يزار إلى الآن. وسمعان هذا هو أحد مقدسي النصارى ويقولون إنه شمعون الصفا وله عدة أديرة بنيت على اسمه منها هذا المقدم ذكره وآخر بنواحي أنطاكية على البحر. وعن ابن بطلان أن بظاهر أنطاكية دير سمعان وهو مثل دار الخلافة ببغداد يضاف به المجتازون وله من الارتفاع كل سنة عدة قناطير من الذهب والفضة وقيل إن دخله سنة أربعمائة كان ألف دينار ومنه يصعد على جبل اللكام. ودير سمعان أيضا بنواحي حلب بين جبل بني عليم والجبل الأعلى وهو في جبل سمعان الآتي ذكره. والدير معناه في اللغة بيت يتعبد فيه الرهبان ولا يكون في المصر الأعظم إنما يكون في الصحاري ورؤوس الجبال فإن كان في المصر كان كنيسة. والديراني صاحب الدير. قلت: وكان الدير لا يعمر إلا في محال منفردة ثم أجيز بناؤه خارج أسوار المدن. وبعد القرن الخامس عشر للمسيح أخذوا يعمرونها في المدن ومنشأ وجود الزهد والرهبانية في دين النصارى ما كان عند الطائفة الغنوستكية ومتأخري الأفلاطونيين من الترهب والزهد فكان عند اليهود زهاد يسمونهم إيسينية وترابونية يعتزلون الناس ويكلفون أنفسهم الأمور الشاقة ولا يشربون خمرا ولا يأكلون لحما ولا يتزوجون ويسكنون الأماكن المهجورة. ولما كانت القرون الوسطى من رفع عيسى عليه السلام أخذت مذاهب فيثاغور تمتزج بالديانة النصرانية ومال إليها كثير من عباد النصارى وزهادهم فمن ذلك الوقت أخذوا يعتزلون الناس ويسكنون الخلاء ليتفرغوا للاشتغال بالأمور الإلهية وسموا أنفسهم بالرهبانية. وأول من سن ذلك ماري بولص سنة 250 مسيحية ومن ذلك الوقت أخذت الأديرة تنتشر في عالم النصرانية حتى بلغت عددا عظيما. ثم إن بعض تلامذة ماري بولص الجزء: 1 ¦ الصفحة: 339 وضع للرهبان قانونا بناه على أربع قواعد أصلية كما كانت عند قدماء الرهبان وهي الخلوة وشغل اليد والصلاة والصوم. وكان رهبان المشرق منقسمين إلى أربع طوائف إحداها السنوبيتية كانوا جميعا مشتركين في المسكن والمطعم والعمل. والثانية الأرمنية كانت تسكن الأخصاص والمغاير «1» المتفرقة والثالثة الأنخورية كانت تنتقل من صحراء إلى أخرى ويأكلون وينامون في أي محل أدركهم الليل أو لحقهم الجوع. والرابعة السياحة وهي شبيهة بقدماء عباد آلهة الشام من جهة أنهم كانوا يسبحون من قطر إلى آخر ويتجرون بآثار يقولون إنها من آثار القديسين ويتعيشون مما يأتي إليهم من معتقديهم. وما زالت الأديرة في ازدياد وانتظام حتى صارت من أعظم أسباب اتساع التنصر وإحياء الغابات المقفرة والأراضي العقيمة التي عادت أريافا خصبة. وتقدمت الفلاحة واستوطنت في البلاد المقفرة قبائل عديدة حول أديار «2» وكان الرهبان ينسخون كتب الرومان واليونان المتعلقة بالأزمنة القديمة ويشتغلون في ترجمتها فانتشرت بذلك العلوم عند الأمة النصرانية والتفتت الأفكار إلى احترام الرهبان الذين كانوا مع هذه الفوائد يعيشون من الصدقات التي توضع على الهياكل. ثم في سنة 313 مسيحية صدر أمر قسطنطين بأن يؤذن للكنائس والطوائف الرهبانية أن تتملك الأراضي والعقارات ووقف على كنيسة الحواريين وقفا عظيما. ثم في سنة 221 مسيحية رخص للنصارى بأن يوصوا بأملاكهم للكنائس ففي أقرب وقت اتسعت مداخيل معابدهم حتى جاوزت الحد وحمل البطر والترف الأساقفة على أن يشتغلوا بإدارتها عن أمورهم الدينية وقد عظمت سلطتهم حتى إنهم كانوا يتصرفون بالأرض والقرية الموقوفة عليهم مع أرقّائها أي خدامها. ثم فرضوا العشر على النصارى مستندين في ذلك إلى الشريعة الإسرائيلية لأنها فرضت على بني إسرائيل أن يأتوا إلى الهياكل بعشر ثمارهم. وما زالوا يتمادون بالتسلط حتى بلغوا منه الغاية. ثم أزيلت الأسباب وصلح شأنهم بعد مشقات يطول شرحها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 340 قضاء جسر الشغر سكان مدينة جسر الشغر 2181 إسلام و 147 نصارى. قرى القضاء شاتوريه 294 أدار 120 الزوف 385 كاور كوي 197 ملند 515 كترين 72 جانوديه 904 بكفلا 80 قيقون 168 الإسحاقية 4 الشغر القديم الفوقاني 409 الشغر القديم التحتاني 408 شندريش 145 كفر دبين 466 بشلامون 395 كستانه 65 كنيسة النخلة 45 مشمشان 136 العامود 218 خربة العامود 255 دير كوش 890 عزمارين 199 بتيه 55 مزرعة حجي باشا 448 الجقصونية 705 مزرعة بهبون 233 خربة الجوز 222 قلاوس 33 كوجي 19 أرملا 308 عين الشيباني 14 عين عيسى 5 عين الحور 20 بكسريه 574 مزرعة الزغينية 20 بلتكوز 49 عين البندق 17 بطيبان 117 كفر قطار 172 بدامه 693 كفرنجي 396 أوبين 175 تفاحيه 76 إستبرق 197 غاني 68 دير سمان 33 فرى 72 خومات 32 حسينيه 25 دويسات 18 قنيه 329 اليعقوبية 290 الجديدة 283 أنكزيك ا 223 مشنه ر 23. ناحية قلعة المضيق قلعة المضيق 361 تحتاني 13 توينه 48. ناحية أوردو أردو 1431 مزرعة يبرون 22 ينيجه كوي 179 قرق تبه حق 260 مزرعة مجيد 51 شفشاق 105 ضفور 173 شمره جك 167 بندكه 732 جندر 103 مرسلك 117 إيرجى 167 كره كوس 326 جاقى 161 طرمبه 330 مزرعة إغزي قره 40 ميادون 268 جليه 887 قشلاق حصار جق 497 قندونه 494 تشرين 44 خان ضومه 376 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 341 تنزبزى التحتاني 349 تنزبزى الفوقاني 36 طمطم 94 الروم في ناحية أردو 329 كسب و 684 كسب ر 740 كسب ك 215 قره طوران ر 240 أرفه لي ر 21 أغراب القضاء 105. فجملة سكان هذا القضاء (27951) نسمة ما بين ذكر وأنثى. الكلام على هذا القضاء وما فيه من الأماكن المشهورة هذا قضاء في جنوبي حلب ويبعد مركزه عنها وهو جسر الشغر مسافة إحدى وعشرين ساعة وقد اشتملت هذه المدينة على دار الحكومة وثلاثة جوامع وخمسة مساجد وتكية واحدة وحمام واحد وثلاثة أفران وثمانية مقاهي ومائتي دكان وخان واحد وطاحون على العاصي وقلعة وجسر كبير معقود فوق العاصي على أربع عشرة قنطرة كأنه قلعة منيعة يقال إنه من آثار المرحوم محمد باشا الوزير الأعظم المعروف بالكوبرلي وكذا قيل في جامعها الأعظم إنه من آثاره. والصحيح أن الجسر قديم ولعل محمد باشا رمّه «1» أو جدده فنسب إليه. وكلمة الشغر إذا كانت عربية الأصل فهي مأخوذة من شغر البلد إذا خلا من الناس، ويقال بلد شاغر إذا لم تمتنع «2» من غارة وبلاد شغّر. والأقرب أن تكون هذه الكلمة سريانية معناها الثغور وذلك أن هذه البلدة أول ثغور سوريا والأتراك يلفظونها الشغور. وكان الشغر قلعة حصينة مقابلها أخرى يقال لها بكاس على رأس جبلين بينهما واد كالخندق كل واحدة تناوح الأخرى، والجسر كان يعبر فوقه من إحداهما إلى الأخرى وقد استولى عليهما الفرنج الصليبيون واستمرتا بأيديهم مدة إلى أن انتزعهما منهم السلطان الملك الناصر صلاح الدين الأيوبي. ثم عاثت فيهما يد الأيام والليالي ولعبت بعمارتهما مكايد التتار فخربتا عن آخرهما. وهواء هذا القضاء رديء إلا قليلا منه وسبب وخامته نهر العاصي الذي يدور في معظمه وينبسط في بعض أماكن منه فيصير كأنه أجمة مملوءة من قش البردي بحيث يتغير لون الماء الجزء: 1 ¦ الصفحة: 342 وطعمه وريحه. وقد اشتهرت قصبة الجسر عندنا بعمل الملاءات المطبوعة التي تستعمل عند سكان القرى وأطراف حلب سفرا ووجوها للّحف والوسائد والفرش. وعلى بعد ثلاث ساعات من الجسر قرية اسمها كفر دبين عندها عين معدنية ينفع الاستحمام بها من الأمراض الجلدية كالقوبي والحزاز وبقية البثور. ومن أشهر المحاصيل الطبيعية في هذا القضاء بزر الخردل وجزور المحمودة المعروفة بالكتب الطبية باسم سقمونيا وفيه أيضا كثير من الزيتون والتتون وتوت الحرير والحنطة والشعير وبقية الحبوب. والثروة في سكانه ضعيفة كما أن المعارف فيه مفقودة. ومن الأماكن التي كان لها ذكر في التاريخ في هذا القضاء: (أفامية) وكانت قاعدة سورية الأبامية من أعمال شيزر وهي في جنوبي أنطاكية وكان اسمها القديم فرنكه. ثم في دولة الطوائف اتخذها سلوكس نيكاتر مقرا لجنوده وحظيرة لخيوله وفيلته فاتسعت وعظمت فسماها حينئذ باسم زوجته أباما وبعد المسيح عليه السلام اشتهرت بامس فاميه وعلى هذا الاسم فتحت سنة (17) عن يد أبي عبيدة صلحا على الجزية والخراج وقد جرى عليها ما جرى على بقية جيرانها من البلاد التي عاثت بها أيدي الفرنج ثم التتار فخربت وجلا أهلها عنها. ويقال لها أيضا فامية بغير ألف، قيل: الأصل ثانية. وذلك أنها ثاني مدينة بنيت على الأرض بعد الطوفان. وقد ذكرت في شعر أبي العلاء بالألف «1» حيث قال:- ولولاك لم تسلم أفامية الردى «2» - ومجيئها في الشعر بغير ألف كثير من ذلك ورودها في شعر لعيسى بن سعدان الحلبي: يا دار علوة ما جيدي بمنعطف ... إلى سواك ولا قلبي بمنجذب ويا قرى الشام من ليلون لا بخلت ... على بلادكم هطّالة السحب ما مرّ برقك مجتازا على بصري ... إلا وذكّرني الدارين من حلب ليت العواصم من شرقيّ فامية ... أهدت إليّ نسيم البان والغرب «3» ما كان أطيب أيامي بقربهم ... حتى رمتني عوادي الدهر من كثب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 343 قال العزيزي: وكورة أفامية مدينة عظيمة قديمة على نشز «1» من الأرض لها بحيرة حلوة يسقيها النهر المقلوب وهو العاصي. قلت هي الآن خراب قرب قلعة المضيق تبعد عن العاصي (90) مترا ويظهر لسورها بعض أطلال وفيها طريق محفوف بالأعمدة المرمرية في وسطه آثار هيكل لباكوس وهو تمثال الطرب قيل وصاحبه أول من اكتشف خواص العنب وعمل منه النبيذ. أما قلعة المضيق فقد كانت حصنا لأفامية وهي الآن خراب فيها آثار قليلة. وبحيرة أفامية مشهورة من قديم الزمن وحديثه. وقد سبق ذكرها في الكلام على بحيرات الولاية. ومن الأماكن التي لها ذكر في التاريخ من هذا القضاء (دير كوش) وكانت معتصما فلما ابتنت الفرنج حارم بنوه حصنا وصار له ربض. ولما ملكه المسلمون من الفرنج مع ما ملكوه منهم بنوا في ربضها جامعا فاتسعت وعظمت حتى صارت بليدة لها معاملات وفيها قاض ووال ثم اضمحلت وعادت الآن كقرية كبيرة وهي على شط العاصي وفيها حمام وسوق وهي كثيرة الخيرات وافرة البساتين يجلب منها إلى حلب وغيرها الرمان والتفاح وغيرهما من الفواكه اللذيذة الطيبة. في هذا القضاء أيضا قرية (قسطون) ومحلها في الروج وكانت حصنا وفي سنة 448 نزل عليه أبو علي الحسن بن علي بن ملهم العقيلي فقاتله وقل الماء على أهله فأنزلهم على الأمان وكان فيه قوم من أولاد طلحة ومحمد بن عبد الله بن أبي بكر الصديق رضي الله عنه فوجد فيه ألفا من البقر والغنم وغيرها كلها ميتة فخربه وانصرف عنه. الأسر الشهيرة في مدينة جسر الشغر منها أسرة محمد آغا اليونسو المتوفى في العقد الثامن من القرن الثاني عشر وكان ذا بأس ودهاء ومن أحفاده الآن محمد آغا وصادق آغا. ومنها أسرة النجّاري منها نعسان آغا وسليم آغا وقد خلفهما أولادهما. ومنها أسرة القاسم منها نعسان آغا وكان ذا أخلاق فاضلة ومدارك سامية. انتهى الكلام على هذا القضاء. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 344 قضاء عينتاب مدينة عينتاب وأسماء محلاتها ترلاي عتيق 585 ترلاق عتيق ر 611 ك 7 د 120 و 267 جقور 332 جقور ر 1150 ك 67 د 24 و 430 قرب قوزانلي 931 قرب قوزانلي ر 293 و 335 قرب منلا أحمد 305 قرب منلا أحمد ر 71 و 66 قوزانلي 378 قوزانلي ر 1028 ك 14 و 238 موصللي 467 موصللي ر 72 ك 21 د 6 و 26 قرب زنجرلى 557 قرب زنجرلى ر 902 ك 17 د 5 و 255 أهل جفا 799 أعل جفا ر 309 و 61 قرب ترلاي جديد 87 قرب ترلاي جديد ر 82 ك 17 د 52 سنك طويل 211 سنك طويل ر 348 د 34 و 71 سنك خوش قدم 221 سنك خوش قدم ر 55 د 96 سنك نقاش 215 سنك نقاش ر 130 بستانجي 582 بستانجي ر 296 ك 8 و 13 طاشقلي 245 طاشقلي ر 104 د 14 و 16 ترلاي الجديد 584 دليسى 379 قلبخ أوغلي 308 قيازوقاغى 230 طراجق زقاق 223 عرب 260 شرقيان 445 مزلف 153 قرب شرقيان 119 ققار خانه 190 إمام بلوكى 315 قباصقال 365 قوجه أوغلان 454 أمروكلى 120 كيانك 584 حمامجي 264 حاجي وهاب 115 خضر جاويش 314 تركس 185 كلشن 360 نساحجي 149 قره جه لي 250 د 23 كرجكين 148 بجاوره 102 بجاوره د 13 قزاز 248 قزاز د 132 دوكمه جي 182 دوكمه جي ك 12 د 40 شيخ جان 145 شيخ جان ر 37 ك 18 د 50 فاره 175 فاره ر 175 د 83 و 11 ابن كور 200 ابن كور ر 263 263 ك 10 و 79 قره صقال 198 قره صقال ر 6 قرب بستانجي 394 قسطل 203 قسطل ر 50 قزلجه مسجد 595 جابى 535 قيصيرية 335 ابن شكر 680 ابن شكر ر 56 قرب ابن شكر 145 قرب ابن شكر ر 77 د 12 و 14 كورنتجيان 710 قان الجى 282 كوركان 1081 بوياجي 415 يخنى 705 مغاره باشى 287 يالكز خانه 185 يالكز خانه ر 73 و 30 حايك بابا 155 حايك بابا ر 106 و 94 أقيول 990 أقيول الجزء: 1 ¦ الصفحة: 345 ر 573 ك 6 و 146 ابن أيوب 390 ابن أيوب ك 36 ر 1005 و 374 حايك زميان 17 حايك زميان ر 387 و 112 أبلهان 38 أبلهان ر 777 ك 18 و 114 حايك مسلمان 99 حايك مسلمان ر 1189 ك 37 و 232 قباجق 9 قباجق ر 319 ك 21 و 262 قرب قياجق 147 قرب قباجق ر 101 ك 20 و 52 قرب بك 105 قرب بك ر 45 و 38 بك 171 بك ر 261 و 86 جوزليجه 670 حاجي خليل خانه 235 قرب جوزليجه 139 صويه بطمز 309 توبه 662 قرب علي النجار 257 كبكب 464 حاجي باقي 355 يبراق 399 جقماق 242 قره مرعش 183 صفر باشا 71 أمين ده ده 76 شيخ سلمان 391. ناحية قزل حصار قزل حصار كبير 1689 كور كبين 568 تفاح 20 كوك دوز 6 نوارنه 256 بابلكى 398 كليسه جك 255 جقور يقين 393 حجار 478 سازغين 272 دير كلي 30 ظراتى 110 هلمان 61 مزمخور 56. ناحية أورل ورشي كفر جبل 292 بطال 471 أديل 921 تخته مور 331 رومانلي 82 روم أولك 233 سنان 110 كللى 395 كفر بستان 115 كفر بستان ر 49 أورل 619 أورل ر 228 تل غار 627 جيدر 449 كزان 837 إبراهيم شهر 192 كوره تز 718 محمدو 179 أغجه كند 656 قزلجه كند 269 خيام 812 بناملي 99 طورلى 451 كرتيشه 550 جناقجي 242 جاعود 606 كشتام 245 مغاره دره سي 65 دربيل 116. ناحية هزك بيلان كوي 174 نارليجه 151 يايلاجق 308 برج 956 كليسه جك 233 قره قيو 335 فباكند 97 قره دينك 306 قره هزك 359 قره هزك ر 9 يورطى 117 صاحب أرسلان 43 ينى يبان 318 سيكر 94 دوستانلي 137 بكيشلي 160 كوجك قره حصار 468 زمكى 353 كلبين 389 أوفاجق 156 باورك 76 شكر 258 لوهان 471 مورجه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 346 لي 150 كليجة 58 كرجكين 288 تخنتان 221 جارطل 165 آقبنار 130 دوكر 182 مهرمان 103. ناحية جاربين إبراهيملي 538 أسبطرين 550 أسبطرين مزرعة سى 209 حسام مزرعة سى 243 بيوك عربلر 290 بيوك أوبه 77 شهمه 266 أمرلو 22 طورنالق 141 جاربين 546 ديمشقلي 197 كواجحه 221 ذا الفقار 111 جقلى 127 سمادين 43 أبو مسكون 327. ناحية جكده بكربكي 569 دولك 473 قره هيوك 144 أتابك 423 بدرمةى 463 بلا نقوز 190 صوبغاز 327 كونكرله 318 قره جه ويران 122 كوكسنجك 352 قره جه برج 316 خمير كسان 162 أغجه برج 200 جبا 94 جباكر 430 سلوكي 63 مترنمكي 290 كرى إليجى 182 تل هيوك 100 يوقارى عربلر 63 أشاغى عربلر 384 إينجه صو 167 جكده 315 كوجكه 756 صام 489. ناحية قزيق ماوزيه 67 قوزي يازي 93 قره دينك 128 قره جقلي 58 جاي قيو 82 أوغريجه 225 عجم هيوكى 34 أوج كليسا 108 مره كوز 123 دوندارى 69 قوجلى 181 حجوكلي 113 طوى عيسى 95. ناحية تل بشار توتليجه 48 بلدين 80 أورش 91 روم أولك 54 تل سوار 46 ديكمه طاش 8 كنيسة 7 قناب 15 قلاغوز 34 واجلى 10 حزار 38 أغجه هيوك 10 زنبور 7 كوجك معصره 46 قره جوماق 31 هكرمن 4 بشده لي 16 قره جه ويران 30 تنب 282 ملك 16 عرقيق 193 كمراك 38 أولو معصر 299 بوستانجق 81 قباجاعز 79 كله جك 35 قازقلي 83 كمنون 93 قيلجيان 9 باقيره 111 بش كوز 15 كوجيكي 8 قمري 59 بركه 6 قمري وحاجي حسين 29 كوده دير 7 بواغر 7 المالو 27 جبالو 44 طقوزجم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 347 10 قوزليجه 17 مزمز 168 صاريت 287 كنايك 307 زاغيه 2 سمادين 13 تل بشار 198 تل بشار مزرعه سى 44 شفدين 158 كورت عثمان 26 قره بردون 27. فجملة سكان قضاء عينتاب (82842) نسمة ما بين ذكر وأنثى. الكلام على هذا القضاء وما فيه من الأماكن الشهيرة موضع هذا القضاء في شمالي حلب وتبعد قاعدته عنها وهي مدينة عينتاب 104 أميال وهو قضاء واسع ذو خيرات عظيمة ومياه غزيرة. وموقع عينتاب في سوريا الشمالية وهي مدينة كبيرة عامرة كانت تعد ثاني بلدة من ولاية حلب متقدمة في المعارف. وكان فيها عدة مدارس ومكاتب وبيت خاص لتربية الأيتام ومدرسة كبيرة اسمها كولّيج، القائم على أمرها رهبان إمريكيون من طائفة البروتستان، وعينتاب مركز لهم وفي هذه المدرسة تتلى جميع العلوم والفنون حتى علم الطب. وكان يوجد فيها زهاء ستمائة تلميذ أكثرهم من الأرمن. وهذه المدينة تعرف منذ اتسعت وعظمت بعروس عربستان لعذوبة مائها وجودة هوائها وحسن بنائها وجمال أبنائها وكثرة خيراتها ورخص أقواتها. وكلمة عينتاب مركبة من كلمتين وهما عين وتاب ولعل أصل الثانية منهما كلدانية محرفة عن طاب أي العين الطيبة. وقد اشتهرت عينتاب في جهاتنا بصبغة القطن والحرير وعمل الجلد المعروف بالسختيان القرمزي وعمل الحلاوات التي تستخرج من عصير العنب كالدبس وجلد الفرس المعروف بالبصطيق فيخرج منها مقدار وافر من هذين النوعين. ومما يخرج منها بكثرة أيضا الصابون والفستق والجوز ويحاك فيها القماش المعروف بالألاجه وتنسج فيها العباءات وتجارتهما رائجة في جهات كلّز وبهسني ونحوهما ويباع فيها كل سنة قناطير من الزبيب والخمر والعرق وترسل إلى سائر البلاد العربية وكثير منها ما يؤخذ إلى أوروبا ويجلب من عنبها وتفاحها إلى حلب في أيام إدراكهما ما لا يدخل تحت إحصاء وهما غاية بحسب المنظر والمخبر. وموقع مدينة عينتاب متوسط تأتي إليها القوافل من ملطية ومرعش وغيرهما ويحمل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 348 إليها من تلك النواحي مقادير وافرة من الفواكه والعسل والأفيون وأنواع الأصبغة والأخشاب وقد اشتملت مدينة عينتاب على ستة وثلاثين جامعا وسبعة وخمسين مسجدا وإحدى وعشرين مدرسة ومكتبة واحدة ومستشفى واحد وأربع تكايا وخمس كنائس وكنيسة لليهود وقلعة ومستودع ومسلخ وستة أحواض وسبعة وثلاثين مكتبا وثلاثة عشر حماما ونحو ألفين ومائتين دكانا وأربعة محلات لبيع البضائع بالمزايدة وتعرف باسم بدستان وواحد وعشرين خانا وخمسة عشر طاحونا على الماء ونحو ثلاثين فرنا ومحل للدباغة يعرف باسم دباغ خانه ومحل لتحميص قهوة البن ونحو أربعين مقهى وخمس عشرة حانة ونحو خمسين مصبغة واثنتي عشرة معصرة وزهاء خمسة آلاف بستان ونحو ثلاثة آلاف نول. ومادة البناء في عينتاب الحوار الصلب ويقل الحجر في مبانيها، ومثل ذلك مدينة كلّز. وفي مدينة عينتاب من الآثار القديمة قلعة دون قلعة حلب لكنها تشبهها. وفي جنوبي عينتاب على بعد مرحلة منها قلعتان إحداهما تعرف ببرج الرصاص والأخرى تعرف بتل بشار فأما برج الرصاص فقد كان قلعة حصينة منيعة مبنية بالرصاص وكانت قديما برجا واحدا من بناء الروم مضافة إلى دلوك وكانت بيعة ولم تزل بأيدي المسلمين إلى أن استولى الروم على دلوك فأخذوها معها ثم استعادها منهم المسلمون مع دلوك ثم أخذها جوسلين الفرنجي سنة (551) فهدمها وبناها حصنا مشيدا بالرصاص. ثم فتحه نور الدين زنكي وزاده حصانة وأضاف إليه قرى وضياعا وصيرها له كورة. وأما تل بشار- وتعرف بتل باشر أيضا- فقد كانت بلدة مشهورة ولها قلعة معمورة وبساتينها كثيرة ومياهها غزيرة. وشرب أهلها جميعا من نهر الساجور وقد جرى عليها ما جرى على برج الرصاص من استيلاء الروم عليها وعودها للمسلمين. كانت مدينة عينتاب خاملة الذكر قبل الإسلام حتى إنها لم يكن لها ذكر في تاريخ الفتوحات الإسلامية وكانت حصنا منيعا مضافة إلى دلوك فلما خربت دلوك سنة (800) انتقل أهلها إلى عينتاب وأخذت بالتقدم والعمران من ذلك اليوم. ودلوك هذه كانت مدينة قديمة لها ذكر في التاريخ. وكانت عامرة ولها قلعة من بناء الروم عالية مبنية بالحجارة. وكان لها قناة قد ركبت على قناطر يصعد الماء فيها إلى القلعة وحولها أبنية عظيمة حسنة وحولها مياه وبساتين كثيرة الفواكه ويقال إن مقام داود عليه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 349 السلام كان بها وأنه منها جهز الجيش إلى قورس فقتل بها أوريا بن حنا وكان فتحها صلحا على يد عياض بن غنم على الجزية والجلاء وشرط على أهلها أن يبحثوا عن أخبار الروم ويكاتبوا بها المسلمين. وهي الآن معروفة بدولك كما تراه مسطورا في الجدول. ومن الآثار القديمة في هذا القضاء كثير من تلال الحوّار المشتملة على عدد عظيم من المغاير وفيه من المعادن: المرمر السماقي، يوجد في تل قرب قرية جاربين غربي عينتاب على بعد أربع ساعات منها. وفي جنوبي عينتاب على بعد ساعة منها موضع اسمه قره طاش يوجد فيه حجر أسود ترخّم به رحبات الدور وتعمل منه الحياض وغيرها. والأنهار التي تسقي هذا القضاء نهر الساجور ونهر عين الجوز وينصبان إلى الفرات ونهر عين اللبن وهو يأتي إلى حلب. ويسقيها غير ذلك من العيون. وعلى شطوط هذه الأنهار والعيون يزرع شجر الحور فينمو وينجب بسرعة غريبة وتحصل منه جذوع عظيمة يجلب منها إلى حلب مقادير وافرة. كل دار من دور عينتاب تشتمل على بئر ماء معين يمتاح برشاء «1» لا يزيد طوله على خمسة أذرع في الغالب، وهو غاية بالصفاء والعذوبة والبرودة. والغالب على عينتاب شدة البرد في فصل الشتاء وتكثر فيه الثلوج وكانت تعمل المثالج في عينتاب وتحمل إلى حلب في فصل الصيف ثم بطل ذلك بعد وجود معامل الجليد الصناعي. في أخلاق الطبقة السفلى من سكان عينتاب غلظة وشحّ، وشرب العرق يكاد يكون عاما بأهلها. اللغة العامة في هذا القضاء هي اللغة التركية فالأرمنية فالكردية فالعربية. واللغة التركية التي يتكلم بها أهل هذا القضاء حوشية غير فصيحة يسميها أهل استانبول (قباترك) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 350 الأسر المشهورة في عينتاب منها آل الكتخدا: من وجهائها مختار بك وعبد الرحمن أفندي. وآل علي أفندي: من وجهائها إسحاق بك وحقي بك. وآل المفتي: من وجهائها خيري أفندي والحاج محمود أفندي. وآل اضطراب: من وجهائها شفيق بك ومجيد بك. وآل جناتي: من وجهائها علي بك ورضا بك. وآل المصري: من وجهائها عارف بك والحاج عمر أفندي. وآل شيخ أفندي: من وجهائها مصطفى أفندي وهو أستاذ التكية المولوية، وفيض الله أفندي. وآل الحاج خليل آغا: من وجهائها أحمد آغا وذكي أفندي. انتهى الكلام على قضاء عينتاب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 351 قضاء بيلان مدينة بيلان وأسماء محلاتها مخلس علي 467 بقراص 1275 شمبوك 658 كنيسة ر 745 و 100 خمار 473. قرى بيلان آق قيو 300 قره مغاره 41 جيلانلي 316 ألاي بكلي 179 بكداش أوشاغى 96 ايلق بناري 83 دكرمان أوجاغى 129 أشاغي قيونجي هيوكى 127 أط طوطان 59 دلى بكري 250 قورتلو صارى ماضي 187 قورتلو فنك 162 صوق صو 58 طوب بوغازي 123 قره مروط خاني بكداشلي 47 شمبك 151 بقراص 236 قره لى 370 جقاللو 183 بالديران 34 صمانلي 73 أوزون كيلي 48 قزلقيا 55 قسطل قزلقيا 54 قزلقيا مراد باشا 67 خرسزنباري 97 كولباشه قيرلي 153 قسطل قره مغارة 60 كوك تبه 56 أبقرلي كوى 77 خرقوبجي 39 يسطي بورط 31 خليل آغا هيوكى 63 قوندوز هيوك 86 طرون عنابلي 190 جبل أوغلان هيوكي 68 حمام غربي 110 أربه لي 50 قره جاغل 38 جتال تبه 17 أغراب قصبة بيلان إسلام وغيرهم 197. فجملة سكان قضاء بيلان (8480) نسمة ما بين ذكر وأنثى. الكلام على هذا القضاء وما فيه من الأماكن المشهورة هذا القضاء صغير في غربي حلب موقعه على جبل اللكام ويقال له في زماننا جبل بيلان وهي مركزه وتبعد عن حلب ستا وعشرين ساعة ومحاصيل هذا القضاء قليلة لا تكاد تقوم بكفاية سكانه لخلوه من حقول تصلح لزرع الحبوب لأن الجبل المجاور لبيلان كله غابات الجزء: 1 ¦ الصفحة: 352 طولها ثلاث ساعات وعرضها ساعة ويتصل بها جبل آخر طوله ثمان ساعات وعرضه ثلاث ساعات وكل من الجبلين مكسوان بشجر الأرز والبلوط وغيرهما من الأشجار الجبلية. وفواكه هذا القضاء كثيرة لذيذة ومياهه غزيرة عذبة وهواؤه جيد جدا ويخرج منه مبلغ من الحرير يباع في حلب وبعد سنة 1300 اتسعت بيلان اتساعا ظاهرا وانتظمت فيها المباني العمومية انتظاما لا مزيد عليه، وحسن حال أهلها وتوفرت ثروتهم بالنسبة إلى ما كانوا عليه. مدينة بيلان واقعة على سفحي جبلين شامخين بينهما واد سحيق قد اشتملت على دار حكومة وجامع وخمسة مساجد ومدرسة واحدة وكنيسة واحدة وسبع عشرة عين ماء تنحدر إلى البلد من رؤوس الجبال ومائة وثلاثين دكانا وبضعة مخازن وخانين وأربعة طواحين وخمسة أفران وخمس دباغات وخمس مقاهي وخمس حانات وثلاث كازينات وفندق واحد وصيدلية ومستودع للرديف وحمامين ومكتب رشدي وخمسة مكاتب لتربية الأطفال. وكان تدوير «1» هذه المدينة عام 959 وذلك أن محلها كان مضيقا يعرف بمضيق بغراس، وباب الاسكندرونة كان يلجأ إليه اللصوص وقطاع الطريق الذين يتعرضون لأبناء السبيل ويسلبون راحتهم وينهبون أموالهم. فلما اتصل خبرهم بمسامع السلطان سليمان خان العثماني أمر أن يعمر في هذا المضيق بليدة يسكنها مائتان وخمسون شخصا من حراس الجبال وأن يعمر في جملة مبانيها جامع وحمام وتكية وخان ينزله المسافرون مجانا وأن تقطع الغابات من حولها على بعد ساعة من جهاتها الأربع لتستعمل أرضها حقولا زراعية تسامح غلاتها من العشر وأن يعمر فيها عمارة يطبخ بها للحرس المذكورين طعام الحساء (الشوربة) في كل صباح ومساء وفي ليلتي الجمعة والاثنين يطبخ لهم رز بلحم ورز بعسل (زردة) فأنفذ جميع ما أمر به وسمى جميع تلك المباني دربند جبل بغراس واستمرت على هذا الاسم طويلا ومعنى دربند مخفر. ثم سميت باسمها الحالي وهو بيلان وهو لفظ تركي معناه وهدة بين جبلين. وقال بعضهم بيلان مثنى «بل» معناه بالتركية الهضبة بين خفضين. وذلك أن هذه المدينة مبنية على جبل بين خفضين وهي سهل إسكندرونة وسهل الريحانية أو لأنها على هضبة بين مضيق بغراس وبين عين التل. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 353 قلت ولفظة «بل» في اللغة التركية تطلق أيضا على الخصر وعلى ما انصرم بين ارتفاعين فلا تبعد أن تكون لفظة بيلان تثنية هذه اللفظة باعتبار هذا المعنى وذلك لأنها واقعة في منصرم بين جبلين عظيمين. على أنها وإن كانت سميت بهذا الاسم منذ مائة سنة أو أكثر إلا أنها استمرت تسمى في الصكوك الشرعية والدفاتر الخاقانية باسمها القديم وهو دربند جبل بغراس إلى حين تشكل الولاية ومن ذلك الوقت صارت تكتب في الصكوك والدفتر المذكور بيلان. وفي كتاب رحلة قورش اليوناني لمؤلفه كزانفون أحد تلامذة سقراط الحكيم أن قورش الصغير ابن دارا ملك الفرس رحل من إيسوس إلى أبواب سوريا أي ثغور سوريا ويسميها اليونان (بيلاسيريا) . اه. فلعل لفظة بيلان مأخوذة من هذه اللفظة. وقرأت في تاريخ كبير ألف باللغة الأرمنية أن بيلان يلفظها الأتراك هكذا (بيل ان) يلفظون الألف «1» والنون كافا مخرجا من أعلى الأنف يسمونها كافا صاغرة ويكتبونها بالعربي ك هكذا. أما أعشار محاصيل جوارها فبقيت مسموحا عنها حتى دخل هذه البلاد إبراهيم باشا المصري وامتد حكمه إلى مضيق البحيرة وحينئذ اعتبرها أرضا خراجية ووضع على كل فدان مقدارا معلوما من القمح والشعير يؤخذ في كل سنة أخصبت الزروع أم أجدبت. ولما رجعت إلى الدولة العثمانية سامحتها من العشر رعاية لما اشترطه السلطان سليمان إلا أنها بعد مدة وجيزة أبطلت هذه المسامحة واعتبرتها كبقية البلاد. الطريق الذي كان يأخذ من الاسكندرونة إلى حلب من جهة بيلان هو غير الطريق الحالي فقد كان قبل عمار بيلان يبتدئ من قرية اسمها أشقر بكلي ويمر من الموضع المعروف الآن باسم عتيق بويني أي المظهر القديم إلا أن هذا الطريق كان يقاسي فيه المسافر مشقات زائدة حينما كان يصل إلى فرضة قرية جقاللو فلذلك أمر السلطان بتركه وتحويله إلى الطريق الحالي منذ عمرت بيلان. على أن ذلك الطريق المهجور لم تزل آثاره باقية بين الغابات وحجارة أرضه التي كان مفروشا بها لم تبرح بموضعها حتى الآن وهي حجارة تستحق أن تعد من الآثار القديمة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 354 سكان بيلان مسلمون وأرمن يتكلمون باللغتين الأرمنية والتركية والثروة فيها ضعيفة وقد خرج من بيلان عدة رجال اشتهروا بخدمات الدولة العثمانية مثل داود آغا والحاج يوسف آغا وعبد الرحمن باشا ومصطفى باشا الذي يعرف به حمامه بمحلة الفرافرة تجاه مزار التميمي بحلب. ونبغ من أهلها عدة علماء ومعتقدين كالحاج أحمد أفندي ابن سويله مز ومصطفى أفندي ابن المؤذن والحاج أحمد أفندي ابن الواعظ وعارف أفندي ومحمد أفندي وغيرهما. وكان فيها رجل معتقد محبوب يدعى الشيخ إبراهيم أفندي من مشايخ الطريقة النقشبندية يحب الخمول والانزواء عن الناس. من الآثار القديمة في هذا القضاء بناء عظيم يقال له الكنيسة في شمالي بيلان على بعد ساعة منها في موضع يقال له عتيق تدل الجهة الشرقية منه على أنه كان كنيسة وعلى بعد ثلاث ساعات من بيلان قرية تدعى ألاي بكلي فيها آثار قلعتين تدل هيئتهما على أنهما من بناء الملك الظاهر ابن صلاح الدين الأيوبي وفي قرية الآي بكلي مقام لأبي يزيد البسطامي وقيل هو مرقده وعلى هذه الرواية بنى عليه الحاج مصطفى باشا ابن مرسل مسجدا وثلاث حجرات. والقلعتان المذكورتان لم يزل قائما منهما بعض جدران يقصدها السواح «1» للتفرج. لموقع مدينة بيلان وما قاربها من الجبال مناظر بديعة جيدة المناخ غزيرة المياه لو جالت بها يد الصناعة لسعى نحوها المصطافون أكثر مما يسعون إلى جهات لبنان. ومن الآثار القديمة التي لها ذكر في التاريخ من هذا القضاء (بغراس) أو (بغراز) وهي الآن قرية من قرى هذا القضاء وكانت مدينة في لحف «2» جبل اللّكام بينها وبين أنطاكية أربعة فراسخ وكذلك بينها وبين إسكندرونة وبينها وبين دربساك نحو مرحلة إلى الجنوب وكانت مدينة حصينة ذات قلعة مرتفعة ولها أعين وبساتين وكان بها دار ضيافة لزبيدة زوجة الرشيد ولم يكن في الشام دار ضيافة غيرها. قال البلاذري: وكانت أرض بغراس لمسلمة بن عبد الملك ووقفها على سبيل البر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 355 وفي منتصف القرن الرابع ملكها الدمستق فيما ملك من أعمال أنطاكية. وفي سنة 584 سار إليها صلاح الدين بعد فتح دربساك وحصرها ونصب عليها المجانيق فلم يفز منها بطائل لعلوها وحصانتها وقلّ الماء على المسلمين فشق عليهم ذلك ويئسوا «1» من فتحها فنصب صلاح الدين حياضا وأمر بحمل الماء إليها. فبينما هم على ذلك إذ فتح باب القلعة وخرج إليهم إنسان يطلب الأمان حتى يسلموا الحصن على أن لا يخرج من أهله أحد إلا بثيابه بلا مال ولا سلاح ولا متاع ولا دابة فأجابهم صلاح الدين وتسلم القلعة واستولى على ما فيها من الذخائر والأموال وأمر بهدمها فهدمت ورحل عنها. ثم إن ابن ليون الأرمني جدد عمارتها وجعل فيها عسكرا يغير على البلاد الإسلامية المجاورة لها إلى سنة 635 فحصرها توران شاه عم الملك العزيز بعسكر حلب ثم رحل عنها لهدنة مع صاحب أنطاكية ثم تغلب عليها المسلمون واستمروا بها إلى أن أخذت بالخراب. وقد ذكرها البحتري في شعر مدح به أحمد بن طولون حيث يقول: سيوف لها في كل دار عدا «2» ردى ... وخيل لها في كل دار عدا «3» نهب علت فوق بغراس فضاقت بما جنت ... صدور رجال حين ضاق بها الدرب وإلى بغراس هذه ينسب أبو عثمان سعيد بن حرب البغراسي ومحمد بن إبراهيم بن قاسم البغراسي الخضري دخل دمشق وحدث بها سنة 414 وفي هذا القضاء أيضا دير بساك أو دربساك كان حصنا وليس بدير وكان من أعمال حلب وليس له الآن أثر يعرف وكان موضعه قاطع النهر الأسود المعروف الآن بنهر قره صو على لحف شعبة من جبل اللكام قرب جسر مراد باشا وليس له ذكر في الفتوح الإسلامي وإنما جدد في دولة الأرمن لما ملكوا الثغور. انتهى الكلام على قضاء بيلان. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 356 قضاء جبل سمعان أسماء قرى القضاء الأنصاري 398 شيخ سعيد 89 نيرب حلب 333 الشيخ نجار 92 جبرين 423 الشيخ زيات 55 بلليرمون 322 حيلان 35 كفر صغير 118 مسلمية 41 سيغان 23 المعبدية 34 المقبلة 50 دوير الزيتون 12 ديرنته 4 الشيخ كيف 10 طعانا 87 تل سوسين 27 تل جبين 281 تل أفراح 48 حرتدنين 57 زيتان 7 مسقان 46 حندرات 30 باش كوي 41 عندان 1076 كفر حمره 267 معارت الأثارب 443 يافت العدس 173 باشمره 37 الذوق الكبير 72 برج القاظ 24 فافرتين 36 الشيخ عقيل 8 باسوفان 80 برج حيدر 15 كفر نابو 12 براد 33 الصوغانة 38 المياسه 17 الطامورة 24 نبل 1391 التفاوله 830 تل نصيبين 37 زتيان 56 بلانه 25 حيان 299 بيانون 190 ماير 264 معرسة الخان 163 تل شعير 24 الوحشية 29 شامر 47 التياره 83 مير الحصين 36 حريتان 511 معارت المسلمية 27 الحاضر 331 كفر داعل 28 بشطره 181 الحور 214 قبتان الجبل 38 بابيص 308 عين جاره 682 عاجل 79 أورم الصغرى 76 أورم الكبرى 116 سحاره 343 إرحاب 77 تقات 391 التوامه 261 أبزمو 623 الأثارب 1075 باتبو 328 كفر كرمين 240 دارت عزه 2043 تديل 254 كفر تعال 121 بصرتون 132 الزربه 62 قناطر 14 كفر حلب 228 خان طومان 131 معارت خان طومان 35 القلعجية 57 الذهبية 45 القراصة 59 صقلاية 16 الحويز 46 حدادين 97 برنه 96 عسان 659 الوضيحي 257 حريبل 34 فجدان 83 أبو جرين 121 خيم أبي جرين 102 إحميره 6 عناز 42 بكوره 9 عامر 21 أصماد 37 أم عامود 51 حكله 139 جنيد 30 جلغوم 27 قبتين 99 أبو دريخه 73 عقر بوز 51 خراب رشى 27 خيم هذانو 28 بويضة الكبيرة 14 بويضة المشيرفه 7 عين الغرف وعين التينة 20 بلوزي 21 منطار 75 مدوره 11 دير صليب 47 صغيره 74 ديمان 136 كفراكار 40 باش كوى 13 أم جرى 39 زراعه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 357 75 زيتان 20 مصيده 16 حبشيه 43 طاط 38 جفره 15 عميرية 20 عقربات 45 أبو عبيدة وتوابعه 44 برج السامي 24 جب أنطاش 15 خيم كفر حوت 14 المدرسة 27 الطيبة 33 مغران 23 الجديدة 29 برج محمد الفرج 27 جعاره 71 المشيرقه 12 جفر منصور 57 أرجل 52 رجم العميرات 33 سرجه 41 سميرية 99 قنيطيرات 108 بنان 231. قرى العشائر تل جبين 16 دلامه 32 تل علوش 30 أم العراقل 16 العثمانية 19 العزيزية 17 براغيدني 16 اليارة 13 الشيخ فارس 12 تل فخار 19 تل سلمون 17 تل السلطان 16 مشرفه 6 زمار 64 تل حطابات 40 مرحميه 35 هوبر 66 تل ماسح 27 عوينات 72 أبو أرويل 136 بويضة الصغيرة 61 تويم 17 ماسح 78 برده 84 بطرانات 41 طويحنه 15 سلامين 27 أبو الحوض 14 آباد 57 أرصافه 34 أبو الطهور 31 تل كلبه 57 تل عقارب 48 كوجك عثمانية 34 عشطانة الشرقية 44 عشطانة الغربية 11 كفر حداد 35 جزارية 65 مغارة الشوحه 17 تل الطوقان 210 طلافح 79 حب الآسه 18 خواري 18 الذهبية 21 محريمه 30 مكحله 13 تل حلو 8 جميجمه 33 مرتقيص 31 بلاس 84 جميمه 39 مريمين 57 تل دادين 31 حميدي 25 قديحه 57 كفر عبيد 79 المريج 44 شغيدله 34 ضعبيه 51 كشيه 45 واسط جزاريه 18 الحوير 63 باقصى 20 الشيخ أحمد 20 العيس 65 الرسم 43 تل باجر 44. فجملة سكان قضاء جبل سمعان (21540) نسمة ما بين ذكر وأنثى. الكلام على هذا القضاء وما فيه من الأماكن الشهيرة هذا القضاء معروف من القدم باسم (قضاء جبل سمعان) وربما عدّت مدينة حلب من جملة أعماله. وهو كثير الجهات وافر الخيرات والبركات جيد التربة حمراؤها معظم أراضيه مسطح يبطئ انحدار ماء المطر عنها فتشربه في أوان سقوطه وتكتنزه إلى فصل الصيف الجزء: 1 ¦ الصفحة: 358 لتروى به الزروع فتخصب وتنجب. وهذا القضاء هو الجبل الآخذ إلى شمالي قرية الدانا من أعمال حارم شرقي أنطاكية قد جردته يد الإنسان من المشاجر والغابات بعد أن كان كثيرها كما يدل عليها ما هو باق من أصولها في كثير من بقاع هذا الجبل. في هذا الجبل كثير من الخرابات الرومانية والكلدانية والآشورية من ذلك خرابة قرية كفر تابو التي أشرنا إليها في الكلام على الوثن نبو والوثن عشتاروت. ويذكر أن الوثن نبو كان من ذهب وأنه مدفون في موضع من هذه القرية أكثر أهل هذه القرية أكراد من الطائفة اليزيدية. هذا الجبل ربما عرف بجبل ليلون وقد جاء ذكره في شعر عيسى بن سعدان الحلبي السالف الذكر. كان مركز هذا القضاء في حلب ثم نقل إلى دارة عزة ثم إلى عنادان ثم أعيد إلى حلب. في هذا القضاء كثير من القرى التي يشرب أهلها من نهر قويق والعين المباركة وغيرها من العيون الصغار غير أن معظم أهله يشربون من ماء الآبار والصهاريج الذي يحرز فيها ماء المطر. كان العدد الكثير من قرى هذا القضاء تجيء غلاته إلى الخزانة الخاصة بالسلطان عبد الحميد وكان يطلق على تلك القرى اسم العمار الجديد لأنها كانت مواتا ثم بعد الانقلاب العثماني صارت تجبى غلاتها إلى خزانة الدولة. في هذا القضاء عدة قرى ومزارع لم نذكرها في الجدول لخلوها من السكان إنما تزرع أراضيها من قبل سكان القرى الآهلة القريبة منها وهكذا يوجد في كل قضاء عدد عظيم من المزارع الخالية من السكان لم نتعرض لذكرها أما هذه المزارع في قضاء جبل سمعان فلا بأس بذكرها اعتناء بشأنه إذ كان أقرب الأقضية إلينا وهي شلع «1» مزرعة لبيانون وكفر قارص وكفرناها والهوته وبانطوما لمعارة المسلمية ومزرعة العين المباركة والسعدي والخالدي للشيخ سعيد ومزرعة الجوبة والمضيق لطعانا ومزرعة الذهبية لبرنه ومزرعة النهرية وكفر حشيم والقنطرة والزيادية وباطمس لنبل ومزرعة مغارة الجرن وكشاره لكفر حمره الجزء: 1 ¦ الصفحة: 359 ومزرعة سمع الفوقاني للنغاولة ومزرعة حزبر للراموسة ومزرعة أبو شليم وبريعة ووادي العسل لكفر داعل، ومزرعة أقديمة للقراصة، ومزرعة عين سالم والقادميه والحسينية وأبو حمصة وتل ساب لعسان ومزرعة بحفيز لكفر تعال وقرية قيله وكفر جوم والويبدة والسابقية وعبر الفيل وأقدار للوضيحي وقرية العطارية لباشطره ومزرعة أم مبسور لكفر كرمين وقرية كفر بسين وكبيشن ومزرعة وادي خي وقبارين لنيرب حلب وقرية عبطين وبصرتون وصدوه وسربايه ومزرعة نعمان والديرون وبوشله وبراصطون لجبرين وقرية باشانه لعندان ومزرعة كفتان لحريتان وقرية بقيدين للشيخ كيف ومزرعة بكرتونا وكفر حوار لابزمو وقرية بقاسون لحيان وقرية كفر حاب لمعرست الخان وبقطوره وباتومه وخريبة العامود لدارة عزة. وهذا معظم القرى والمزارع الخالية من السكان ولم تترك منها إلا القليل. واللغة العامة في هذا القضاء: العربية ثم الكردية ومعظم الأكراد يزيدية. سمعان- الذي يضاف إليه جبل هذا القضاء- هو القديس سمعان العامودي المولود سنة 392 م في قرية من إقليم كليكيا اسمها سيسان وكان أبواه من رعاة الغنم. ولما بلغ سمعان الثالثة عشرة من عمره ترهب ولازم أحد الأديرة مدة ثم انتقل منه إلى غيره من الأديرة التي يعيش فيها رهبانها على أشد ما يكون من التقشف والشظف من العيش. وقد اشتهر سمعان برقي المرضى «1» فكثر عليه واردهم حتى ضجر وأحب الاعتزال عن الناس ليتخلى إلى العبادة فأتى إلى هذا الجبل واختار منه بقعة تبعد عن مدينة أنطاكية نحوا من أربعين ميلا فبنى فيها عمودا يعلو عن الأرض 12 هنداسة «2» وعرض سطحه ثلاثة أقدام وله دائر قليل من الارتفاع ثم صعد على ذلك العمود واشتغل يجاهد نفسه بالتعبد حتى أدركته الوفاة سنة (461) فلقب بالعمودي وبني في الجبل على اسمه كنيسة عظيمة لم تزل أطلالها باقية حتى الآن. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 360 الكلام على الأماكن الشهيرة في هذا القضاء فمن ذلك: قنسرين وهي اليوم خالية من السكان خاوية من البنيان ومحلها غربي حلب إلى الجنوب في بعد مرحلة عنها تقدر بأربعة فراسخ وكانت مدينة كلدانية ثم رومية قديمة يقال لها شالس وقيل سوريا. وأما سبب تسميتها بقنسرين فهو أن ميسرة بن مسروق مر بها يوما فقال ما هذه فسميت له بالرومية فقال والله لكأنها قنسرين. قال ياقوت: وهذا يدل على أن قنسرين اسم لمكان آخر. قال الزمخشري: وقنسرين نقل من القنسر بمعنى القنسري وهو الشيخ المسن. اه. أقول: الذي أراه أن لفظة قنسرين سريانية أصلها قنشرين بالشين المعجمة ومعناها قن النسور لأن الياء والنون في أواخر الكلمات السريانية علامة على الجمع كتل نشين وكفر جبين أي تل النساء وكفر الجباب وقد جرت عادة العرب في الكلمات السريانية على أن تقلب الشين سينا فصارت باستعمالهم قنسرين. وكانت هذه المدينة قاعدة كورة عظيمة بالشام وطولها 39 درجة و 20 دقيقة وعرضها 35 درجة و 20 دقيقة وكانت حلب من بعض أعمالها وكان بها قلعة لها سور متصل بسور المدينة وكانت هي وحمص شيئا واحدا وفتحت صلحا على يد أبي عبيدة بن الجراح سنة (17) وقد روي في الخبر عن النبي صلّى الله عليه وسلم أنه قال: «أوحى الله إليّ أيّ هؤلاء الثلاث نزلت فهي دار هجرتك: المدينة أو البحرين أو قنّسرين» . ويقال إن في جبلها مشهدا فيه قبر صالح النبي وفيه آثار أقدام الناقة والصحيح أن قبره باليمن بشيوه وقيل بمكة. ولعل المشهد المذكور من بناء صالح بن علي بن عبد الله بن العباس وربما نسب إلى العيص بن إسحاق. ولم تزل قنسرين عامرة آهلة إلى سنة 351 وفيها غلبت الروم على مدينة حلب وقتلت جميع من كان بربضها فخاف أهل قنسرين وتفرقوا في البلاد فطائفة عبروا الفرات وطائفة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 361 نقلها سيف الدولة إلى حلب كثّر بهم من بقي من أهلها وأخذت قنسرين بالخراب حتى لم يبق بها سوى خان تنزله القوافل وعشار السلطان. ثم عمرت مرة أخرى وتراجع سكانها إليها واستمرت إلى سنة 389 فغزاها الروم وخربوها ورحلوا عنها فجاء إليها بنو البصيص التنوخيون من أمراء جبل لبنان وعمروها ثم خربها الروم أيضا عند قصدهم حلب سنة 422 ثم عمرها سليمان بن قتلمش وتحصن بها سنة 479 ثم خربها تاج الدولة تتشق السلجوقي لما قتل سليمان المذكور وفي سنة 564 نقل نور الدين أعمدة سورها إلى جامع حلب وبناها به كما أشرنا إلى ذلك في الكلام على الجامع. ولمحمد بن علي العشائري المتوفى سنة 789 تاريخ سماه تاج النسرين في تاريخ قنسرين بحثنا عنه كثيرا فلم نظفر به. وكان لقنسرين حاضر له قلعة تشبه قلعة قنسرين جرى بين أهلها وبين أهل حلب قتال فغلبهم أهل حلب وأجلوهم عنها وأخذت بالخراب حتى عادت تلا يزرعه الفلاحون. وهي على فرسخ من قنسرين وينسب إليها جماعة من أهل الحديث منهم الحافظ أبو بكر محمد بن بركة بن الحكيم المعروف ببرداعس سكن حلب وقدم دمشق وحدث بها وتوفي سنة 328 وكان هذا الحاضر قبل الفتح لتنوخ منذ أول ما تنخوا بالشام «1» ونزلوه وهم في خيم الشعر ثم ابتنوا به المنازل. ولما فتح أبو عبيدة قنسرين دعا أهل حاضرها إلى الإسلام فأسلم بعضهم وأقام بعضهم على النصرانية فصالحهم على الجزية. وكان أكثر من أقام على النصرانية من سليح بن حلوان بن عمران ابن الحاف بن قضاعة وأسلم من أهل ذلك الحاضر جماعة في خلافة المهدي فكتب على أيديهم بالحضرة قنسرين. وقال عكرشة العبسي يرثي بنيه «2» : سقى الله أجداثا ورائي تركتها ... بحاضر قنّسرين من سبل القطر مضوا لا يريدون الرّواح وغالهم ... من الدهر أسباب جرين على قدر ولو يستطيعون الرواح تروّحوا ... معي وغدوا في المضجعين «3» على ظهر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 362 قلت: وحاضر قنسرين هي الآن قرية الحاضر وقد ذكرت في الجدول وكانت قبور بني أمية بقنسرين على ما حكاه المسعودي في مروج الذهب. الأثارب قال ياقوت: هي جمع أثرب وهو الشحم الذي قد غشى الكرش. وتبعد عن حلب ثلاثة فراسخ وينسب إليها أبو المعالي محمد بن هياج الأثاربي وفيها يقول محمد القيسراني: عرّجا بالأثارب ... كي أقضّي مآربي واسرقا نوم مقلتي ... من جفون الكواعب وا عجبا من ضلالتي ... بين عين وحاجب ومنهم حمدان بن عبد الرحيم الأثاربي طبيب يتأدب وله شعر وأدب وصنف تاريخا وكان حيا بعد الخمسمائة. وكانت الأثارب حصنا منيعا معدودا من جملة العواصم واستمرت كذلك إلى سنة 504 وفيها قصد صاحب أنطاكية حصن الأثارب ومعه جند عظيم من فارس وراجل فحصر الحصن وضيق على أهله حتى فنيت أقواتهم فنقبوا من القلعة نقبا قصدوا أن يخرجوا منه إلى خيمة صاحب أنطاكية فيقتلوه فلما فعلوا وقربوا من خيمته استأمن إليه صبي أرمني فعرفه الحال فاحتاط واحترز وجدّ في قتالهم حتى ملك الحصن عنوة وقتل من أهله ألف رجل وقصد حصن زردنا وفعل بأهله مثل الأثارب. ثم في سنة (513) قصد هذا الحصن أيلغازي وأخذه منهم عنوة وقهرا ثم في سنة (517) ملكه الفرنج في صفرها وسبب ذلك على ما حكاه ابن الأثير أن الفرنج كانوا قد أكثروا قصد حلب وأعمالها بالإغارة والتخريب والتحريق وكان حينئذ بحلب بدر الدولة سليمان ابن عبد الجبار بن أرتق وهو صاحبها ولم يكن له بالفرنج قوة وخافهم فهادنهم على أن يسلم الأثارب ويكفوا عن بلاده فأجابهم إلى ذلك وتسلموا الحصن وتمت الهدنة واستقام أمر الرعية بأعمال حلب ثم اشتد ضرره على المسلمين حتى إن من كان به من الفرنج صاروا يقاسمون حلب على جميع أعمالها الغربية حتى على رحى لأهل حلب بظاهر باب الجنان بينها وبين البلد عرض الطريق وهي رحى عربية. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 363 فلما رأى ذلك عماد الدين زنكي قصده فلما علم الفرنج بذلك جمعوا فارسهم وراجلهم ولم يتركوا من طاقتهم شيئا واستشار عماد الدين أصحابه فيما يفعل فكل أشار بالعودة عن الحصن لقوة الفرنج فقال لا بد من لقائهم لئلا يطمعوا فترك الحصن وتقدم نحوهم فالتقوا واصطفوا للقتال وصبر كل فريق منهم لخصمه واشتد الأمر بينهم ثم نصر الله المسلمين فظفروا وانهزم الفرنج أقبح هزيمة ووقع كثير من فرسانهم بالأسر وقد أخذ منهم السيف كل مأخذ حتى إن عظام القتلى بقيت زمنا طويلا في ذلك الموضع. ولما فرغ المسلمون من ظفرهم عادوا وتسلموا الحصن عنوة وقتلوا وأسروا كل من فيه وأخربه عماد الدين وجعله دكا. في سنة 532 وصل الروم بزاعة وحاصروها وضيقوا على أهلها وملكوها بالأمان ثم غدروا بهم ورحلوا عنها إلى أثارب وملكوها وتركوا فيها سبايا بزاعة وتركوا عندهم من الروم من يحفظهم وساروا إلى شيزر فخرج أسوار نائب زنكي بحلب بمن معه وأوقع بمن في أثارب من الروم فقتلهم وفك أسرى بزاعة وسباياها وبقيت الأثارب بيد المسلمين ولم تعد للفرنج أبدا. ومما ذكر في التاريخ قرية عين جارة وقرية الهوتة. زعم من تكلم على طلاسم حلب أنه كان يوجد بين هاتين القريتين حجر قائم كالتخم بينهما، فربما وقع بين أهلهما شرّ فيكيدهم أهل الهوتة بأن يطرحوا هذا الحجر فتخرج نساء أهل القرية الأخرى متبرجات طالبات للرجال إلى أن يعاد الحجر إلى حالته فيعاودهن التمييز ويعدن إلى بيوتهن. ومن الجهات التي لها ذكر في التاريخ أيضا (شبيث والأحصّ) قال ياقوت بعد كلام طويل: الأحص كورة كبيرة مشهورة ذات قلاع ومزارع بين القبلة وبين الشمال من مدينة حلب قصبتها خناصرة. قلت: والأحصّ يسميه قوم الخص بالخاء المعجمة وآخرون بالحاء المهملة والجراكسة يقولون إن هذه اللفظة حثية ومعناها المزرعة كما هو معناها باللغة الجركسية ومن هنا يزعمون أنهم هم الحثيون الذين كانوا يملكون هذه الأصقاع. وأما شبيث فجبل في هذه الكورة أسود في رأسه فضاء فيه أربع قرى وقد خربت الجزء: 1 ¦ الصفحة: 364 جميعها. ومن هذا الجبل يقطع أهل حلب وجميع نواحيها حجارة رحيّهم «1» وهي سود خشنة. وفي كتاب ابن الملا أن سوريا تطلق على الشام الأولى وهي حلب وأعمالها قال: وبناحية الأحص من بلد حلب مدينة خربة تسمى سوريا وإليها ينسب اللسان السورياني والقلم السورياني. اه. وهذا الأحص هو الذي عناه عدي بن الرقاع بقوله: وإذا الربيع تتابعت أنواؤه ... فسقى خناصرة الأحصّ وزادها «2» فأضاف خناصرة إلى هذا الموضع. وإياه عنى جرير بقوله: عادت همومي بالأحصّ وسادي ... هيهات من بلد الأحصّ بلادي لي خمس عشرة من جمادى ليلة ... ما أستطيع على الفراش رقادي ونعود سيّدنا وسيّد غيرنا ... ليت التشكي كان بالعوّاد وأنشد الأصمعي: ولا آب ركب من دمشق وأهله ... ولا حمص إن لم يأت في الركب زافر «3» ولا من شبيث والأحصّ ومنتهى م ... المطايا بقنّسرين أو بخناصر وإياه عنى ابن حصينة بقوله: لجّ برق الأحصّ في لمعانه ... فتذكّرت من وراء رعانه فسقى الغيث حيث ينقطع الأو ... عس من رنده ومنبت بانه أو ترى النور مثل ما نشر البر ... د حوالي هضابه وقنانه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 365 تجلب الريح منه أزكى من المسك م ... إذا مرّت الصبا من مكانه «1» وينسب إلى الأحصّ شاعر حلبي يعرف بالناشي الأحصي كان في أيام سيف الدولة ابن حمدان فمدحه بقصيدة فاعتذر إليه سيف الدولة بضيق اليد يومئذ وقال له اعذر ومتى بلغك أنه حمل إلينا مال فأتنا نضاعف لك الجائزة فخرج من عنده فوجد على باب سيف الدولة كلابا تذبح لها السخال «2» وتطعم لحومها فعاد إلى سيف الدولة وأنشده: رأيت بباب داركم كلابا ... تغذّيها وتطعمها السخالا وما في الأرض أدبر من أديب ... يكون الكلب أحسن منه حالا ثم اتفق أن حمل إلى سيف الدولة أموال من بعض الجهات على بغال ضاع منها بغل بما عليه وهو عشرة آلاف دينار وجاء هذا البغل ووقف على باب الناشي بالأحصّ فسمع حسّه فظنه لصا فخرج إليه بالسلاح فوجده بغلا موقرا بالمال فأخذ ما عليه وأطلقه ثم دخل على سيف الدولة وأنشده: ومن ظنّ أن الرزق يأتي بحيلة ... فقد كذّبته نفسه وهو آثم يفوت الغنى من لا ينام عن السّرى ... وآخر يأتي رزقه وهو نائم فقال له سيف الدولة: بحياتي وصل إليك المال الذي كان على البغل فقال نعم فقال خذه بجائزتك مباركا لك فيه فقيل لسيف الدولة كيف عرفت ذلك فقال عرفته من قوله «وآخر يأتي رزقه وهو نائم» بعد قوله «يكون الكلب أحسن منه حالا» . ومن البلاد التي لها ذكر في التاريخ (عين زربة) هي الآن قرية صغيرة وكانت مدينة عظيمة على سفح جبل مشرف عليها وفي سنة (108) أمر الرشيد ببنائها وتحصينها لأنها كانت قلّت سكانها ووهن عمرانها وبعد أن عمرت بأمر الرشيد ندب إليها جماعة من أهل خراسان وأقطعهم بها المنازل ثم نقل إليها المعتصم جماعة من الظّط «3» الذين كانوا تغلبوا على البطائح وهي أرض واسعة بين واسط والبصرة والزط «4» قوم من الهند. وفي سنة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 366 (351) استولت عليها الروم وفعلوا بها وأهلها أفعالا فظيعة كما حكيناه في أخبار هذه السنة في باب الحوادث. ومن الأماكن التي لها ذكر في التاريخ (أورم) قال ياقوت: هي أربعة قرى أورم الكبرى وأورم الصغرى وأورم الجوز وأورم البرامكة. قلت: وكلها معروفة الآن إلا أورم البرامكة. قال: ويحكى عن أورم أعجوبة وهي أن فيها أبنية كانت من قديم الزمن معبدا فيرى المجاورون لها من أهل القرية ضوء نار ساطعا فإذا جاؤوها لا يرون شيئا وكان على هذه البنية ثلاثة ألواح من حجارة مكتوب على اللوح القبلي منها بالخط القديم ما تعريبه (الإله الواحد كملت هذه البنية في تاريخ 328 سنة لظهور المسيح) وعلى اللوح المضروب على وجه الباب (سلام على من كمل هذه البنية) وعلى اللوح الشمالي (هذا الضوء المشرق الموهوب لنا من الله في أيام البربر في الدور الغالب المتجدد في أيام الملك إيناوس وإيناس البحريين المنقولين إلى هذه البنية وقلاسس وجسنسا وقاسورس وبلابيا في شهر أيلول في ثاني عشر من التاريخ المتقدم والسلام على شعوب العالم والوقت الصالح) . ومن هذه الأماكن أيضا (تل السلطان) كان اسمه الفنيدق بينه وبين حلب خمسة فراسخ وبه كانت وقعات الفنيدق بين ناصر الدولة بن حمدان وبني كلاب من بني مرداس في سنة 452 وفي سنة 486 كانت في قربه وقعة بين أقسنقر وبين تتش فعرف التل من ذلك اليوم بتل السلطان نسبة إلى السلطان ملك شاه. ومن تلك الأماكن أيضا (جبرين الفستق) قرية على باب حلب بينهما نحو ميلين وهي لم تزل كبيرة عامرة و (جبرين قورسطايا) من قرى حلب من ناحية عزاز وتعرف أيضا بجبرين الشمالي وينسب إليها أبو القاسم أحمد بن هبة الله النحوي المقرئ الفاضل إمام شاعر وكان له حلقة بجامع حلب وله ثروة وهو من أعيان القرن السابع ومن شعره: ملك إذا ما السّلم شتّت ماله ... جمع الهياج عليه ما قد فرّقا وأكفّه تكف الندى فبنانه ... لو لامس الصخر الأصمّ لأورقا وإلى جانب قبتان الجبل المحررة في الجدول بين حور وبابيص جب الكلب الذي كان على ما قاله بعض مؤرخي حلب ينفع المكلوب من عضة الكلب فيؤمر المعضوض بأن ينظر إلى تلك البئر ويشرب من مائها فيبرأ من مرضه ويقال إن امرأة ألقت فيه خرقة حيض الجزء: 1 ¦ الصفحة: 367 فبطلت خاصيته وذلك في حدود سنة خمسمائة وكان إحدى عجائب حلب الثلاث. ومن الأماكن المذكورة قنسرين الثانية وهي «1» حيار بني القعقاع بن خليد بن الحارث العبسي وهم أخوال الوليد وسليمان بن عبد الملك بن مروان وتعرف أيضا بحيار بني عبس وموضعها الآن قرب قنسرين وهي داثرة يزرعها الفلاحون. وفي آرل جوار عنادان مشهد الرجم على جبل مشرف على الأرتيق. ومن الأماكن القديمة الشهيرة في هذا القضاء: قلعة سمعان أو سراي سمعان أو كنيسة سمعان وهي بناء ضخم ذو أساطين عظيمة على كثير من حجارته خطوط رومانية يقصده السواح «2» . انتهى الكلام على هذا القضاء. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 368 قضاء الرقة كديران عشيرة عجل 96 عشيرة بو جابر 129 السويدية 121 جعبر 122 الحوائج الصغيرة 58 الحفرة 47 الواسطة 81 الحوائج الكبيرة 108 دبس فرج السلامة 33 غزالة 55 عائد 16 كريك 27 مريبط 85 حويش 35 دبس غضبان العلي 84 طاوى 162 شمس الدين 161 رميله 14 الرقة تابع شلاش العلي 185 فخذ كريم 69 فخذ غول الحمود الجرن 131 فخذ علوش أفندي 145 حليسات عشيرة المعامرة 67 حليسات عشيرة عبد الله 53 فرقة الجدارسة 35 عبد الله الموصلي 9 عشيرة غانم الظاهر 116 قرية السمرة 59 مرابيع السيد الشيخ 41 قرية السبعة 54 قرية كمسره 217 قرية رطله 57 سلجية 69 حلو 179 حمرة مدلج فخذ فياض بلاسم 88 حمرة الجماسة 122 حمرة مدلج عشيرة الغنام 94 حمرة مدلج عشيرة ناصر 196 حمرة الجماسة 153 فخذ مرابيع عبد الستار 86 مدلج بلاسم فخذ إسماعيل العبد 125 حسن علي الحمار 87 حسن العلي فخذ خابور الصالح 91 بريج عشيرة عليان 53 فاطمة بريج عشيرة موسى الراشد 160 فاطمة بريج عشيرة الراشد 63 فاطمة بريج عشيرة موسى الراشد 47 خسى صابل فخذ الخضر 105 خسى عجيل فخذ الحملة 167 حمرة وشيخ دندل عشيرة الخلف 48 قرية تل سمن عشيرة المجادلة 44. فجملة ما وقع عليه قلم الإحصاء في هذا القضاء (4589) نسمة ما بين ذكر وأنثى. على أن هذا العدد هو الذي أمكن إحصاؤه من أهل هذا القضاء الأعراب الرّحل النّزل الذين يقيمون في المضارب أكثر عامهم ولا يأوون إلى العمران إلا قليلا. الكلام على هذا القضاء وما فيه من الأماكن المشهورة هذا القضاء في شرقي حلب يبعد مركزه عنها، وهو قصبة الرقة البيضاء، ستا وثلاثين ساعة وهو قضاء واسع الأراضي كثير السهول طيب التربة إلا أنه غير معمور لبعده وكثرة بدوه وقراه التي ذكرناها في الجدول لا يبلغ عددها ربع قراه وإنما لم نذكرها كلها لعدم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 369 وقوفنا على عدد سكانها لأنهم لم يجر عليهم قلم الإحصاء إذ كانوا أعرابا رحّلا يعسر ضبطهم على ما أسلفنا بيانه. والقرى التي ذكرناها هي التي تجبى غلاتها إلى جهة خزينة الدولة وما عداها من القرى التي لم نذكرها كانت تابعة مزارع السلطان عبد الحميد. كان قضاء الرقة تابعا لواء الزور. ثم في حدود سنة 1300 ألحق بلواء حلب. والرقة كانت مدينة مشهورة على الفرات بينها وبين حران ثلاثة أيام وهي تعد من بلاد الجزيرة لأنها من جانب الفرات الشرقي وكان بالجانب الغربي مدينة أخرى تعرف برقة واسط كان بها قصر لهشام بن عبد الملك وأسفل من الرقة، بفرسخ، الرقة السوداء وكانت كبيرة ذات بساتين كثيرة والرقة بنيت عوضها الرافقة وسميت بها وكانت قاعدة ديار مضر وقال ربيعة الرقي: حبّذا الرقة دارا «1» وبلد ... بلد ساكنه ممن تود ما رأينا بلدة تعدلها ... لا ولا أخبرنا عنها أحد إنها برية بحريّة ... سورها بحر وسور في الجدد «2» تسمع الصّلصل في أشجارها ... هدهد البرّ ومكّاء غرد «3» لم تضمّن بلدة ما ضمّنت ... من جمال في قريش وأسد فتحت الرقة البيضاء صلحا على يد عياض بن غنم سنة (17) فقال سهيل بن عدي: وصادمنا الفرات غداة «4» سرنا ... إلى أهل الجزيرة بالعوالي أخذنا الرقة البيضاء لما ... رأينا الشهر لوّح بالهلال وأزعجت الجزيرة بعد «5» خفض ... وقد كانت تخوّف بالزوال وصار الخرج ضاحية إلينا ... بأكناف الجزيرة عن تقال الجزء: 1 ¦ الصفحة: 370 هذه المدينة قديمة العهد جدا بناها إسكندر المقدوني تذكارا لانتصاره وسميت أولا نيقيفوريوم ثم كاليكيوم ثم قسطنطينو بوليس ثم لاونتوسو بوليس نسبة إلى قياصرة من الرومان. وحدث لها في تاريخ الإسلام عدة حوادث فقد جرت بها وقعة بين أهلها وعساكر الضحاك الخارجي سنة 128 فأرسل مروان عسكرا أرحل عنها الخوارج واستوطنها الرشيد سنة 180 وبنى فيها قصرا جميلا وتكاثر بها الناس وزادت عمارتها وقال الرشيد يوما في تركه بغداد وتوطّنه الرقة: ولنعم الدار هي بغداد ولكني أريد المناخ على ناحية أهل الشقاق والنفاق والبغض لائمة الهدى والحب لشجرة اللعنة بني أمية مع ما فيها من المارقة والمتلصصة ومخيفي السبيل ولولا ذلك لما فارقت بغداد. وآثار قصر الرشيد فيها باقية إلى هذا العصر وهي واقعة على ملتقى بالس والفرات على مسافة مائتي ميل من ديار بكر إلى الجنوب الغربي وفيها بعض آثار رومانية. وينسب إليها جماعة من العلماء ومنهم أبو عمرو هلال بن العلاء ابن هلال الرقي محدث ضعيف الحديث مات سنة (270) ومحمد بن حسن الرقي الشاعر يعرف بالمعوج مات سنة (307) ومن المتأخرين القاضي البيضاوي صاحب التفسير وقيل هو من البيضاء بلدة بفارس. وقد دلت تواريخ الدولة العثمانية على أن قضاء الرقة بقي معمورا مدة طويلة وكانت الدولة ترسل إليها واليا كوالي حلب يقيم بها. ثم على تمادي الأيام ألم بها الخراب وصارت الدولة تسمي والي حلب والي حلب والرقة ويقيم بحلب واستمر ذلك كذلك إلى حين تشكيل الولايات فأفرد والي حلب بالذكر وكانت الرقة قد أشرفت على الانمحاء من الوجود وخرب برها خرابا فاحشا بسبب البدو الرحل فصارت مركز مديرية إلى حدود سنة 1300 وفيها فتحت عدة قرى من المزارع السلطانية واستوطنها كثير من العرب يسكنون فيها بأخصاص «1» وبيوت من الشعر وأخذت بالعمار قليلا ودب العمار في برها وحينئذ صارت مركز قائمقامية على ما هي عليه اليوم. قيل: إن الرقة في أيام المأمون بن هارون الرشيد كان محيط سورها مسافة ساعة وفي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 371 أيام نور الدين محمود زنكي بني فيها جامع حافل أثر منارته باقية «1» حتى الآن. وجميع سكان هذا القضاء أعراب لغتهم العربية البدوية. الرافقة وأما الرافقة فهي الرقة القديمة مجاورة الرقة الجديدة وهي البلدة التي كانت مشهورة على شاطىء الفرات ويقال لها الرقتان. وكانت الرافقة بلدة متصلة بناء بالرقة على ضفة الفرات بينها مقدار ثلاثمائة ذراع وكان على الرافقة سوران بينهما فصيل، وكانت على هيئة مدينة السلام وكان لها ربض بينها وبين الرقة يقال له ربض هرثمة على شاطىء الفرات مدفون فيه يحيى البرمكي وفي هذا الربض كانت أسواق الرقة وكانت الرافقة قد خربت وغلب عليها اسم الرقة ثم بناها عوضا عن الرقة المنصور سنة 155 كبناء مدينة بغداد ورتب فيها جندا من أهل خراسان وجرى ذلك على يد المهدي ولي عهده ثم بنى الرشيد قصورها وبقي بينها وبين الرقة البيضاء فضاء ومزارع ونقل إليها أسواق الرقة علي بن سليمان بن علي حين ولي الجزيرة. قلت: ومنذ خمسين سنة وزيادة يشتغل الأعراب وغيرهم بحفر محل الرافقة واستقصاء العاديات منها فخرج منها من ذلك ما يعيا قلم الإحصاء بعدّه من الظروف الخزفية والزجاجية وغيرها. ثم حظرت الحكومة الحفر فيها غير أنه لم يزل يستخرج من أرضها بعض عاديات على صفة خفية. مدينة الرصافة وفي هذا القضاء مدينة (الرصافة) وتعرف برصافة هشام. كانت مدينة بقرب الرقة وماء أهلها من الصهاريج وفيها آبار سحيقة رشاؤها مائة وعشرون ذراعا وماؤها ملح. وبينها وبين الفرات أربعة فراسخ. وكان أهلها مشهورين بعمل الأكسية والجوالق والمخالي «2» تحمل إلى سائر البلاد. وكان هشام يفزع إليها من البق في شاطىء الفرات. وقال الأصمعي: وكان بها دير. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 372 وعن ابن بطلان أن قصر الرصافة حصن دون دار الخلافة ببغداد وفيه بيعة عظيمة ظاهرها بالفص المذهب أنشأها قسطنطين بن هيلانة وتحت البيعة صهريج معقود على أساطين الرخام المبلط بالمرمر مملوء من ماء المطر. وكان سكان هذا الحصن بادية أكثرهم نصارى معاشهم تخفير السابلة. وهذه الرصافة هي التي عناها الفرزدق بقوله: إلام تلّفتين وأنت تحتي ... وخير الناس كلّهم أمامي متى تردي الرصافة تستريحي ... من الأنساع والجلب الدوامي ولما قال الفرزدق هذين البيتين قال: كأني بابن المراغة «1» وقد سمع هذين فقال: تلفّت إنها تحت ابن قين ... حليف الكير والفأس الكهام متى ترد «2» الرصافة تخز فيها ... كخزيك في المواسم كل عام وكان الأمر كذلك لم يخرم جرير حرفا ولا زاد ولا نقص لما بلغه معناه. وذكر ابن العديم أن الرصافة كانت بلدة منيعة لأنها في برية ولا ماء عندها ولها سور من الحجر وفي داخلها مصنع كثير الماء من المطر وكان هشام بناها وعمل عليها سورا واتخذها دار إقامته. وذلك أنه لما كثر الطاعون في زمن بني أمية وفشا كانت العرب تنتجع البر وتبني القصور والمصانع هربا منه إلى أن ولي هشام بن عبد الملك فابتنى الرصافة وكانت مدينة رومية قديمة ثم خربت وكان الخلفاء وأبناؤهم يهربون من الطاعون فينزلون البرية فلما عزم هشام على نزول الرصافة قيل له لا تخرج فإن الخلفاء لا يطعنون «3» فقال: أو تريدون أن تجربوا فيّ؟ ثم خرج إليها. والمشهور أن النعمان بن الحارث بن مارية ذات النطاقين وهو أحد ملوك غسان هو الذي أصلح صهاريج الرصافة وعمل صهريجها الأعظم وكان بعض ملوك غسان خربها ولما استولى التتار على حلب وأعمالها في سنة (658) أمنوا أهل الرصافة وأبقوهم على ما هم عليه. فلما كسر المسلمون التتار ولّى عليها السلطان الملك الظاهر أبو الفتح بيبرس صاحب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 373 الديار المصرية والشامية واليا بقي مقيما بها إلى سنة 668 وفيها جلا أهلها عنها وسكنوا سلمية وحماة وغيرهما من البلاد ولم يبق بها أحد البتة. اه. قلت هي الآن خراب واسع يحيط به سور معمور من عدة جهات وفيها عدة مبان قائمة معمورة بالحجارة المهندمة الجميلة كسورها، والمشتغلون باستخراج العاديات من أراضي الخرابات القديمة يقصدون الرصافة زرافات ووحدانا ويقيمون فيها الأيام العديدة ويحفرون في أراضي منازلها ومقابرها القديمة فيخرج لهم من المنازل عاديات خزفية جميلة تباع للغربين بأثمان باهظة وقليلا ما يخرج لهم نقود فضية. وأما المقادير القديمة فربما خرج لهم منها حلى ذهبية. على أن عادياتها الخزفية تباع بأثمان أكثر مما تباع به عاديات الرقة. مسكنة وفي هذا القضاء أيضا مدينة (مسكنة) وهي المعروفة قديما ببالس وكانت مدينة على شاطىء الفرات تحمل منها التجارات التي ترد إلى مصر وسائر أرض الشام في السفن إلى بغداد. قيل سميت ببالس بن الروم بن اليقين بن سام وكانت على ضفة الفرات الغربية فلم يزل الفرات يشرّق عنها قليلا قليلا حتى صارت بينهما مسافة بعيدة وكانت هي وقاصرين «1» . لأخوين من أشراف الروم فصالح أهلها أبا عبيدة على الجزية أو الجلاء فجلا أكثرهم إلى بلاد الروم وأرض الجزيرة وقرية جسر منبج ولم يكن جسر يومئذ وإنما اتخذ في زمن عثمان رضي الله عنه وأسكن بالس وقاصرين قوما من العرب والبوادي ثم خربت قاصرين «2» . ولما توجه مسلمة بن عبد الملك غازيا الروم من نحو الثغور الجزرية عسكر ببالس فأتاه أهلها وأهل بويلس وقاصرة «3» ، وساموه أن يحفر لهم نهرا من الفرات يسقي أرضهم على أن يجعلوا له الثلث من غلاتهم بعد عشر السلطان فأجابهم وحفر النهر المنسوب إليه ورسم سور المدينة. ولما مات مسلمة صارت بالس لورثته إلى أن أخذتها منهم الدولة العباسية واستمرت في عمرانها إلى سنة (658) فخربت في حادثة التتار وجلا أهلها عنها الجزء: 1 ¦ الصفحة: 374 وخلت من السكان وهي الآن خراب يسكنها شرذمة من الحامية وقليل من التجار الذين يبيعون سلعهم إلى سكان البوادي. وفي هذا القضاء أيضا (صفّين) وكانت من أعمال جند قنسرين وكانت قرية كبيرة عامرة على مكان مرتفع من الفرات والفرات في سفحه وفيها مشهد لأمير المؤمنين سيدنا علي رضي الله عنه وقيل إنه موضع فسطاطه «1» وموضع الوقعة غربيّه في الأرض السهلة. وقتلى علي في أرض من قبلي المشهد وشرقيه. وقتلى معاوية غربي المشهد وجثثهم في تلال من التراب والحجارة، كانوا لكثرة القتلى يحفرون حفائر ويطرحونهم فيها ويهتكون عليهم التراب ويرفعونه على وجه الأرض فصارت لطول الزمن كالتلال. قيل إن صفين كانت مدينة عتيقة من مدن الأعاجم في أرض قنسرين على شاطىء الفرات فيما بين الرقة ومنبج وعن كعب الأحبار أنه قال: وجدت نعتها في الكتاب بأن بني إسرائيل اقتتلوا فيها تسع مرات حتى تفانوا وأن العرب ستقتتل فيها العاشرة حتى يتفانوا. وفي هذا القضاء أيضا (قلعة جعبر) وهو حصن مطل على الفرات واسمها الدوسرية. وجعبر هو سابق الدين القشيري النميري شيخ أعمى طال مكثه في هذه القلعة فنسبت إليه وكان يقطع الطريق هو وأولاده ويخيف السابلة. وفي سنة (479) مسكه السلطان ملك شاه وأمسك أولاده وقتل من بالقلعة من بني قشير وملكها وسار إلى حلب وتسلم قلعتها من سالم بن مالك بن بدران العقيلي وعوضه عنها قلعة جعبر. وفي سنة (497) أغار الفرنج على الرقة وقلعة جعبر وكانت لسالم المذكور. ثم في سنة 541 حاصرها أتابك زنكي مدة طويلة وكان بها حسان المنبجي من قبل سالم المذكور. وبينما كان زنكي يحاصرها إذ أتاه سهم فقتله وخلص حسان من القتلى ودفن أتابك عماد الدين زنكي ابن آقسنقر بالرقة. وفي سنة 564 ملك هذه القلعة نور الدين من صاحبها شهاب الدين مالك بن علي بن مالك العقيلي. وسبب ذلك أن صاحبها نزل يتصيد فأخذه بنو كلاب وحملوه إلى نور الدين فاعتقله وأحسن إليه ورغبه في الإقطاع والمال ليسلم إليه القلعة فلم يفعل فعدل إلى الشدة والعنف وتهدده فلم يفعل ثم أرسل عسكرا كثيفا إلى القلعة فحصروها فلم يفوزوا منها بطائل فعاد إلى الرفق مع مالك فرضي أن يسلمها الجزء: 1 ¦ الصفحة: 375 إليه ويأخذ عوضها سروج وأعمالها وملاحة الجبول وعشرين ألف دينا معجّلة، وهذا إقطاع عظيم جدا، إلا أنه لا حصن فيه فتسلم مالك ذلك وقيل له أيما أحب إليك وأحسن مقاما سروج والشام أم القلعة فقال هذه أكثر مالا وأما العز ففارقناه بالقلعة. وفي سنة 611 كان السلطان سليمان شاه جد الأسرة العثمانية قد فارق بلاد ماهان جافلا من التتار هو ومن معه مقبلا إلى السلجوقية ليتوطن في بلادها فقصد جهة حلب من ألبستان هو ومن معه فوصلوا إلى نهر الفرات أمام قلعة جعبر ولم يعلموا المعبر فعبروا النهر فغلب عليهم الماء فغرق سليمان شاه فأخرجوه ودفنوه عند القلعة. ولما ولي السلطنة السلطان عبد الحميد خان الثاني أمر بتجديد مرقد جده فعمر على أحسن طرز. وأما القلعة فقد استولى عليها الخراب من فتنة التتار وعادت كأن لم تكن. وفي قضاء الرقة مرقد أبي هريرة رضي الله عنه وغيره من الصحابة الكرام. انتهى الكلام على قضاء الرقة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 376 قضاء حارم حارم 716 حارم آ 2 حارم ر 20. سلقين الحمام 405 الجامع 430 البياضة 391 البازار 626 البازار آ 3 البازار ر 4 قرية العلاني 335 إسقاط 365 كوكو 84 كفر حانه 67 الحمزية 118 كفر مو 340 كفر عاده 10 حير الجاموس 26 الحامضة 75 دير سلونه 18 مير إسحاق 16 بهليلا 27 مزرعة الشيوخ 45 بيسين 20 جدعين 16 بشندلتنه 16 الحلة 32 تل أبي طلحة 62 حران 183 كفر صوم 53 عبريتا 56 بنابل 46 بشندلايه 57 بني شهر أو البركة 225 قلب لوزه 106 معصرته 64 كفر كيلا 57 تل تيتا 44. أرمناز محلاتها: الشيخ عبد القادر 425 الخضر 398 السياسة 406 كدسى 412 التله 447 العجمي 413 الحمام 154. كفر تخاريم محلاتها: البركة 436 جب محرم 422 العين 440 الشمالية 425 الخواص 481 الغربية 399 الغربية ر 4. أسماء القرى بيرة أرمناز 349 ملس 298 كبته 253 الدويله 185 كواره 193 بياطس 180 كفر هند 28 بلندور 15. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 377 ناحية باريشا باريشا 264 معرة الشلف 471 سردين 299 ربعتا 56 حتان 225 رضوه 114 باش مشلى 124 تغرايا 71 كفر دريان 452 كفر عروق 148 الدانا 1301 سرمدا 1010 حزره 131 حفسرجه 960 صلوه 137 ترلاها 110 ترلاها ر 1 بوزغا 119 قرقنيا 1327 ترمانين 1255 تل عده 573 تل عقبرين 287 دير خشان 158 حرحرين 28 معرة الشمالية 12 تيزين 64 بورنيا 13 كفر تيزايه 20. ناحية الريحانية أرتاح 323 أرتاح آ 10 أرتاح ر 9 تربيلان 185 الجديدة 86 العواقيه 189 قوسان 88 المشرفيه 63 تل داود باشا 35 كفر شيخه 41 قسطل قباله 34 أبطال هيوك 62 الحمام الشرقي 205 عيرانجي 43 طالش 89 كوك تبه 43 أوصاغي 41 قرووج أوغلي 162 مصطبة 16 حسن بللو 74 قره هيوك 93 كفر قره 43 قورج أوغلي إفرازي 58 جقال هيوك 29 كنعانية 55 تليات 14 تل غازي محمد بك 23 تل غازي الحاج مرسل 31 جيران تبه 33 أق بنار 114 صوجي 50 شرشب 23 جقل تبه 50 بوز هيوك 48 طوف 55 برتلو 59 دهده جنار 75 يني يبان 38 كورت توكلي 25 تل كريش 54 طوتلي هيوك 79 يني كوى 21 قره يابي 33 بيوك عواره 71 كوجك عواره 24 بيوك صيجانلي 46 كوجك صيجانلي 48 جانبولات 35 باش كوى 67 باشا هيوكى 62 طرمه 14 أطه تبه 21 بان يورت 25 حلبلي كديكي 20 سيد علي هيوك 11 دير الرهبان 11 أفيز 292 حافظ 87 تل كركور 8 أوج تبه 56 تل قرميد 9 حراب على 22 سازلق 8 بللانه 29. فجملة سكان قضاء حارم (25532) نسمة ما بين ذكر وأنثى. الكلام على هذا القضاء وما فيه من الأماكن الشهيرة هذا قضاء واسع كثير الخيرات غزير المياه وفيه جانب عظيم رديء المناخ كدارة العمق الجزء: 1 ¦ الصفحة: 378 وحارم وما قرب منهما. وموقعه في غربي حلب ويبعد مركزه عنها وهو حارم ست عشرة ساعة وتشتمل حارم على دار حكومة وجامع وبضعة وعشرين دكانا وثلاثة مقاهي وثلاثة طواحين. قال ياقوت في معجم البلدان: ولفظة حارم إن كانت عربية فهي مشتقة من الحرمان لحصانتها في وقت عمرانها كأنها يحرمها العدو، أو من الحريم كأنها تكون لمن فيها حرما. ويرجح الثاني ما حكاه عنها ابن الشحنة حيث قال في الكلام عليها: وكانت قبل الفتح سيرة «1» وهي الحظيرة التي تحوط بالمواشي ودامت على ذلك في صدر الإسلام إلى أن ملكت الروم أنطاكية سنة 358 فبنوها حصنا لتحمي مواشيهم من غارات العرب ثم صاروا يزيدون فيه ويوسعونه ويشيدونه حتى صار مقطعا من صاحب أنطاكية لفارس من الروم يسمي المارويز فبنى فيه قلعة ووضع عليها علما له وبقي كذلك إلى سنة 630 ولم يغيره أحد من ملوك المسلمين الذين يتولون «2» على هذا الحصن. فقصده الملك العزيز بن الملك الظاهر وأمر بإزالة ذلك العلم وجدد فيه حصنا منيعا بعضه على جبل وبعضه على رصيف مبني بالحجر والكلس وجميع بنائه عقود وفي وسطه عين جارية تفيض إلى الخندق ثم تتفرع «3» إلى الأرباض. واستمرت حارم بأيدي الروم إلى سنة 477 وفيها استولى عليها سليمان بن قتلمش وقد استولى على أنطاكية وغيرها وبقيت في أيدي المسلمين إلى سنة 491 وفيها ملك الفرنج أنطاكية وحارم وغيرهما وزادوا في تحصينها وجعلوها ملجأ لهم إذا شنوا الغارات ولم تزل في أيديهم إلى سنة 559 وفيها أخذها نور الدين منهم بعد حرب مهولة وأقطعها لرصيفه مجد الدين أبي بكر بن الداية ولما آلت للملك الصالح بن نور الدين أقطعها لسعد الدين كمشتكمين مدبر دولته ثم قتل سعد الدين فقصدها الفرنج طمعا بقلة حاميتها وحاصروها أربعة أشهر ثم صالحهم الملك الصالح على مال ورحلوا عنها. وكان من بها قد امتنعوا على الملك الصالح بعد قتل كمشتكين فأرسل إليهم الملك الصالح جيشا شدد عليها الحصار بعد رحيل الفرنج فسلموها إليه فاستناب بها مملوكا كان لأبيه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 379 اسمه سرخك فلما كانت سنة 579 قصدها صلاح الدين بعد فتح حلب وبها المملوك المذكور فراسله صلاح الدين أن يسلمها إليه ويعطيه عوضها ما شاء. فجار في الطلب وقصد مراسلة الفرنج فخاف أصحابه أن تصير القلعة بيد الفرنج فقبضوا عليه وأرسلوا إلى صلاح الدين يطلبون الأمان فأجابهم وتسلم القلعة ورتب بها بعض خواصه ثم صارت بعد صلاح الدين لولده الملك الظاهر فاهتم بشأنها وحصن قلعتها واسمه مكتوب على بابها وكان حصنها القديم مثلث الشكل فغيره الملك الظاهر وجعله مدورا وبنى أبراجه مربعة. وفي سنة (657) استولى هولاكو على البلاد وأخذ حارم وقتل جميع من فيها حتى البهائم خنقا وأخربها عن آخرها. وكانت المدينة في أيام الملك الظاهر يحل بها نواب عن الأمراء الأسفهسلارية العظماء الكبراء وكان لها عمل «1» يستخرج منه في تلك الأيام ما يصرف في حقوق ألف فارس خارجا عن قصبة البلد «2» فإنه كان يستخرج منها خمسمائة ألف درهم وبعد أن خرّبها هولاكو ورحل عنها عادت لأيدي المسلمين إلا أنها أخذت في الخراب والاضمحلال ولم يبق منها سوى أطلال خافية ورسوم بالية. ولما كانت سنة 1243 لجأ إليها الأخوة الثلاثة أجداد آل البرمدا الآتي ذكر أسرتهم فأقاموا فيها تحت المضارب. ثم في سنة 1247 بدأت هذه الأسرة ببناء مساكن لهم في حارم. ومن ذلك التاريخ أخذت بالعمار. وفي سنة 1285 جعلت الريحانية مركز قائمقام وبعد بضع سنوات نقل مركزه إلى حارم فزاد عمرانها حتى بلغت عدة بيوتها وسكانها ما رسمناه في جدول قضائها. ثم في شهر شوال سنة (1312) أنهت حكومة حلب إلى الباب العالي بما ملخصه أن حارم رديئة المناخ ضيقة المساكن والرحاب لا تصلح لجمع العساكر النظامية والرديف ولا يخلو المستخدمون بحكومتها من الأمراض في أكثر الأوقات فلو نقل مركز قائم مقاميتها إلى كفر تخاريم لكان أحسن. وقد زين للحكومة بهذا الإنهاء جماعة من أهل الثراء في كفر تخاريم ووعدوا الحكومة إذا نقل مركز القضاء إلى قريتهم بأن يتبرعوا ببناء سراي للحكومة ومستودع للرديف لا تقل نفقتهما عن أربعة آلاف ليرة فرجع الجواب النقل فنقل المركز الجزء: 1 ¦ الصفحة: 380 إلى كفر تخاريم المذكورة وباشر أهلها عمارة السراي والمستودع. ثم في سنة 1331 أعيد مركز القضاء إلى جهة الريحانية وهو لم يزل فيها حتى الآن. قال ابن شداد في حارم بعد أن تكلم عليها كلاما طائل الذيل: وهذا العمل «1» يشتمل على قرى ومزارع وبساتين فيها عيون عليها طواحين وهي بها تسمى دمشق الصغرى لكثرة ما فيها من سائر الفواكه قال: وحدّ هذا العمل من القبلة جبل أرمناز والجبل الأعلى وجبل باريشا وكلها معمورة بالضياع والقرى وتنتهي هذه الناحية إلى البئر الطيب من الروج ومن الشرق تنتهي إلى تيزين وجبل ليلون وكل هذه الجبال يتفجر منها الأنهار وهي ملتفة الأشجار ومن الشمال ينتهي إلى جسر قيبار على عفرين وعليه أرحاء السمونية إلى بلد البلاط وهذه الأرحاء الآن وقف على بيمارستان أرغون بحلب وتشتمل على قرى العمق. ومن الغرب تشتمل على ناحية يقال لها الإقليم تنتهي إلى نهر العاصي. وكان في هذه النواحي ما يزيد على ثلاثين واليا يتصرفون من جهة من يكون نائبا عن السلطان بحارم. اه. كلام ابن شداد. قلت كلمة باريشا مأخوذة من باريشاتس اسم زوجة دارا ملك الفرس وكانت تملك جميع تلك النواحي. سكان حارم يتكلمون بالعربية وكلهم مسلمون وسكان الجبل الأعلى أكثرهم دروز. وأما القضاء ففيه العربي والتركماني والكردي. وفي جهة الريحانية من هذا القضاء يوجد عدة عيون حارة تعرف بالحمامات قدمنا ذكرها في الكلام على الحمامات المعدنية. ومن هذه الجهة يمر نهر عفرين ويصب في بحيرة العمق وقد اشتهر بعض القرى من هذا القضاء بنسج البسط والسجادات. وقرية باريشا اشتهرت بكثرة التبغ المعروف بالتتون وجودته حتى إنه ربما حمل هدايا إلى البلاد البعيدة كالآستانة. ومن القرى المشهورة في هذا القضاء (كفر تخاريم) وهي قرية واسعة ذات مياه لذيذة قد اشتملت على جامعين ومئة دكان ودار حكومة ومستودع للرديف مستجدين. وفي هذا القضاء أيضا مدينة أرمناز وهي بليدة قديمة لها ذكر في التاريخ كانت تعد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 381 من نواحي حلب وتبعد عنها خمسة فراسخ تعمل فيها القدور والشربات الخزفية الجيدة من تراب أحمر طيب. وفيها معمل قديم للزجاج وراج سوقه واشتهر في الآفاق صيته وربحت تجارته، وكان يصنع فيه أنواع الظروف والأواني الزجاجية على ألوان مختلفة وضروب شتى بعضها منقوش وبعضها مكتوب بحروف عربية وآيات قرآنية على أبدع صفة وأحسن طراز. ولم تزل كذلك حتى ظهر الزجاج الافرنجي ومال الناس لاستعماله وأهملوا زجاج أرمناز فكسدت تجارته وافتقر أهله وهم الآن يشتغلونه ولا يربحون منه إلا القليل. ومدينة أرمناز قد اشتملت على جامع ومسجد وحمامين ومائة دكان ومعملين للزجاج وأهلها مسلمون سنيون. ولأرمناز هذه ينسب عدة محدثين منهم الحافظ أبو القاسم غيث بن علي الأرمنازي المتوفى سنة 443 ومن شعره قوله: عجبت وقد حان توديعنا ... وحادي الركائب في إثرها ونار توقّد في أضلعي ... ودمع تصعّد من قعرها فلا النار تطفئها أضلعي ... ولا الدمع ينشف من حرّها وفي هذا القضاء أيضا حصن أرتاح وهو الآن قرية صغيرة. قال ياقوت في معجم البلدان: وكان حصنا منيعا من العواصم معدودا من أعمال حلب ويجوز إن كان عربيا أن يكون من أرتاح: أفتعل من الراحة وهمزته مقطوعة ويجوز أن يكون أرتاح أفعال كأنبار. اه. وقد استولى على أرتاح الروم حين استيلائهم على أنطاكية وحارم. ثم في سنة (460) استردها منهم الملك هارون بن خان حاصرها خمسة أشهر وكان عملها جسيما كما حكيناه في حوادث هذه السنة. وينسب إلى أرتاح جماعة من المحدثين منهم أبو علي الحسن بن علي الكناني الأرتاحي تولى الإشراف على وقوف جامع دمشق سنة 439 ومنهم الفقيه أبو الفتح نصر بن إبراهيم وكان أمينا على المواريث ووقف الأشراف توفي سنة 523 ومنهم أبو عبد الله محمد بن أحمد الأرتاحي وكان يقول نحن من ارتاح البصر لأن يعقوب عليه السلام بها ردّ عليه بصره، وهو آخر من حدّث بها بالدنيا توفي سنة 601. ومن الأماكن التي لها ذكر في التاريخ من هذا القضاء تيزين وكانت مدينة صغيرة قديمة كان لها سور قد تهدم. وإليها كانت تنسب الكورة وإن كان فيها ما هو أميز منها. ولم تزل في أيدي المسلمين إلى أن استولى الفرنج على أنطاكية ثم استعادها منهم المسلمون. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 382 ومن تلك الأماكن أيضا (سلقنة) ويقال لها سلقين وكانت كنيسة لأرتاح، يقصدها النصارى ولها بساتين وعيون وأرحاء وقرى كانت تعرف بالحطابية والبزاعية والمشغوفية. ولم تزل سلقين بأيدي المسلمين حتى استولى عليها الفرنج حين استيلائهم على أنطاكية. وكانت قبل مضافة إلى تيزين ثم أضيفت إلى أرتاح. وهي الآن بليدة عامرة آهلة ذات جامع وحمام وسوق. وفي هذا القضاء عدة قرى عظيمة تعرف عظمتها من عدة بيوتها وسكانها على ما رسمناه في الجدول فلا نطيل بذكرها. وفي هذا القضاء: العربي والتركماني والكردي. وفيه من الآثار القديمة قلعة حصون على جبل سلفاني قرب حارم ويوجد قرب قرية قلب لوزة وترمانين ستة أعمدة مرمرية تعرف بأعمدة سرمدا. ومن أعمال هذا القضاء مزرعة روحين لترمانين وهي في لحف جبل حرزة وفيها مشهد روحين قرب قرية ترمانين فيه ثلاثة قبور الأوسط منها قبر قس بن ساعدة الإيادي. والقبران الآخران قبر سمعان وشمعون. وكان هذا المشهد مهجورا لكثرة لصوصه إلى أن عمره سديد الدين مظفر بن أبي المعالي بن المخيخ في أيام الملك الظاهر غازي لأنه نام فيه ليلة وهو مريض فأصبح معافى، وعمر عنده حماما وبستانا وحرر العين وأقام به إلى أن توفي. وكثرت العمائر حوله وكان أهل حلب قد اتخذوا الخروج إلى هذا المشهد موسما في يوم معين من السنة يسمونه خميس الوز فيجتمع إليه الناس من سائر النواحي ويقيمون فيه من يوم السبت إلى يوم الجمعة. من الأماكن الشهيرة في هذا القضاء (دير رمّانين) قال ياقوت: وهو جمع رمان بلفظ جمع السلامة يعرف أيضا بدير لسابان بين حلب وأنطاكية مطل على بقعة تعرف بسرمد وهو دير حسن كبير إلا أنه خراب وآثاره باقية وفيه يقول الشاعر: ألف المقام بدير رمّانينا ... للرقص إلفا والمدام خدينا والكأس والإبريق يعمل دهره ... وتراه يجني الآس والنسرينا في هذا القضاء الجبل الأعلى وقرية الدانا وسرمدا وقصر البنات وغيرها من الأماكن القديمة التي يوجد في كل واحد منها خرابات وأطلال رومانية وكلدانية يحتاج بيانها إلى شرح يستوعب مجلدا على حدته وذلك مما لا يسعه زماني ولذا اكتفيت هنا بالتلميح إليه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 383 أسرة آل برمدا في حارم هي أول أسرة شهيرة في قصبة حارم. وأول من يذكر من أسلافها في هذه البلدة حسن آغا وحسين آغا وأحمد آغا أبناء مصطفى آغا وهم في الأصل أسرة كردية من عشيرة البرازية كانت متوطنة في نواحي سروج من أعمال مدينة الرها وكانوا من زعماء هذه العشيرة ورؤسائها ولهم السيطرة على عشائر الأكراد في تلك الأطراف. ولما ثقلت على الحكومة وطأتهم أمرتهم في حدود سنة (1240) بالرحيل إلى جهات الجومة فتوفي والدهم مصطفى آغا في أثناء الطريق وبعد أن أقاموا في الجومة مدة أمروا بالرحيل إلى جهة العمق وهناك خطب أختهم أحد زعماء التركمان فأجابوه وصاهروه ثم أمروا بالرحيل إلى حارم فرحلوا إليها وأقاموا فيها تحت مضارب الخيام لخلوها من أماكن يلجأون إليها. وفي سنة (1243) تمرد والي بغداد على الدولة فندبت لقمع تمرده علي رضا باشا والي حلب فصحب معه بكور آغا كتخداه وهذا صحب معه حسن آغا أحد الإخوة الثلاثة المذكورين فتوجهوا إلى بغداد وأخضعوا واليها المتمرد وأعادوا مياه الأمن والسلام إلى مجاريها وقد أظهر حسن آغا في تلك المعارك من البطولة وحسن التدبير ما حمل الدولة على الرضاء عن هذه الأسرة وحينئذ رضيت عنهم وأقطعتهم خرابة حارم وبعض أراض من ضواحيها ومن ذلك الحين أخذوا يقيمون فيها المباني ويرخصون لمن رغب جوارهم بأن يبني فيها ويجعلها وطنا له وعلى تمادي الأيام عادت تلك الخرابة عامرة آهلة بالناس بعد أن بقيت خرابا يبابا عدة قرون. وممن أدركناه من مشاهير هذه الأسرة في حارم المرحوم أحمد آغا ابن مصطفى آغا ابن أحمد آغا ابن مصطفى آغا. كان رحمه الله جوادا سخيا صاحب منزل حافل لإقراء الضيوف وإكرامهم ممدوح السيرة نافذ الكلمة مقبولا عند الحكام. وقد خلفه في ذلك أنجاله المحترمون نجيب آغا ومصطفى آغا وفارس آغا فهم سائرون على مناهجه حريصون على إبقاء ذكره. ومن نوابغ رجال هذه الأسرة الذكي الألمعي مصطفى بك ابن صادق أفندي ابن حسين الجزء: 1 ¦ الصفحة: 384 آغا أحد الإخوة الثلاثة فهو ممن انفرد بين أقرانه برقّة الطبع ودقة الفهم وعزة النفس وصدق الحدس وسرعة الجواب المقرون بالسداد والصواب والتضلع من معرفة قوانين الدولة وأنظمتها وقد وجد في عدة خدم عالية آخرها حاكمية دولة حلب العامة بقي فيها مدة ثم رغب عنها إلى حرفة المحاماة التي نال بها غبطة من رخاء البال ورغد العيش لإقبال الناس عليه لأنه ممن جمع بين القوة والأمانة. الأسر الشهيرة في أرمناز منها آل يحيى أسرة قديمة كثيرة العدد وافرة المدد كان لها في هذه البلدة أملاك عظيمة من الزيتون والعقار وغيرهما. وجيه هذه الأسرة محمد عثمان أفندي شاب نشيط ميّال إلى الأدب والمعارف حر الضمير عزيز النفس سخي الطبع. ومنها فارس آغا وهو رجل وديع سهل الأخلاق صاحب منزل لإقراء الضيوف وإكرامهم. وأسرة آل الجمال ووجيهها نور آغا. الأسر الشهيرة في كفر تخاريم منها آل هنانو وهي أسرة شهيرة متفرعة عن أصل قديم في حلب وجد منه عدة رجال أولي وجاهة واحترام منهم الآن في كفر تخاريم إبراهيم بك النابغة بالفصاحة والبطولة وتوقد الذهن وكرم السجايا وصدق العزيمة وحرية الضمير. ومنها أسرة آل الدرويش ووجيهها توفيق أفندي وعارف آغا. وأسرة آل الكيالي ووجيهها بشير أفندي. وأسرة آل الصرما ووجيهها إبراهيم آغا. ويوجد في كفر تخاريم غير ما ذكرنا من الأسر الشهيرة والوجهاء الموصوفين بالسخاء وكرم الأخلاق. ومن الوجهات في قرية منّس شعبان آغا ابن نجيب آغا له وجاهة وقبول وهو صاحب منزل لإقراء الضيوف. انتهى الكلام على قضاء حارم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 385 قضاء الباب والجبول قصبة الباب- محلاتها القبلية 831 الشرقية 678 الشمالية 1468 الغربية 704 الجبل 110 المصاري 502. قصبة تادف- محلاتها الغربية 659 الشمالية 721 الشرقية 804. قرى القضاء أبو طلطل 338 بزاعه 725 بيرة الباب 85 قباسين 618 قبة الشيخ 93 سوسنباط 107 ترحين 95 برشايه 73 تل جرجي 79 نعمان 55 سوسيان 115 شدود 44 كفير 45 حزوران 311 تليل العنب 24 نيربية 28 شعالا 18 حسامية 32 سليمة 46 أم العمد الشمالية 16 السربس 29 غوز 34 البريج 20 عيشه 118 المديونه 31 رسم العلم 16 أم العمد القبلية 32 برلهين 36 تل علم 110 جب الصفا 61 المفلسة 21 الحلبية 33 الشيخ أحمد 83 تل مكسور 58 المشرفة 16 قطر 37 طومان 37 عين الحنش 29 بيدوره 41 عين الجماجمة 46 عين الجحش 38 حتان 20 عقربين 31 سين 40 صوران 36 مران 85 جب الكلب 26 بلاط 68 جب عبشه 29 عبطين 147 تركان 166 سفيره 1487 مزرعة الفاعور 18 الخيم في جوارها 56 تل عرن 341 تل حاصل 232 أبو ضنه 51 تل إسطبل 32 قصير الورد 23 دكواني 24 بغيجه 29 الجبول 398 تل سبعين 45 الجديدة 94 الصفه 20 شحشور 18 سرجة الكبرى 41 سرجة الصغرى 7 ريان 116 تل نعام 14 عين سابل 148 إعبد 24 تل حطابات 104 عفش 74 طيبة الاسم 92 عران 115 كويرس الغربي 36 كويرس الشرقي ... دير القاق 72 وديعة 65 تل شغيب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 386 116 شيخ دن 97 نجاره 156 قرباط قباسين 16 قديران 179 الحوت 65 تل رحال 46 أم تريكية 22 خربشة 23 عربيد 80 شربع 47 فاح 59 عين البيضة 20 ذعرايا 83 عوينات 26 رسم العاقول 40 تل أحمر 57 عاصميه 53 قرين 24 أم أركيله 29 قبطية 33 تل سوس 19 دير حافر 137 أم المرا 32 مبعوجة 40 حميمة الكبرى 63 حميمة الصغرى 79 رسم عبود 58 نصر الله 57 سريب 27 تل بيجان 43 شويليخ 40 الرسم الكبير 42 رسم الكمأة 185 رسم الكروم 42 تل كياربه 53 أم تركيله 8 زبيد 40 رسم الحرمل 21 رسم العبد 450 تل أيوب 68. ناحية إيلبكلو أكوز الديران 14 جورتان هيوك 112 أسباهيلر 107 عرب جورك 24 شادي 96 تل عيشه 95 قاب ويران 31 قالقوم 129 قرق مغار 11 مازجي 5 صندي 159 قورجه هيوك 44 زلف 56 قاضيلر 66 عرب عزي 89 قرجه ويران 11 قره كوز 24 أوج قبه 26 انقلاب 61 جانقلي 20 بكلربكي 124 عياشه 68 أشكجى 9 قورياشى 15 بوز هيوك 7 زوغره 3 بيل ويران 11 هلمان 30 قره قيو 14 تل الشعير 11 عين البيضة 8 بولوق 12 جقور ويران 4 قره ياغوب 10 قره طاشلى 109 كاور إيلى 16 كجلى 6 مقبله 26 دوه هيوك 18 شبيب 13 بلطه جي 8 سلسلة 4 حاجي ولى 6 قبه تركمان 9 حاج فقلي 4 كليله 4 قندريه 3 يوسف بك 5 دكنك 8 لوله 2 خللو أوغلي 43 باب الليمون 97 الزياره 95 طاش قبو 121 قوجه لي 90 ماملي 36. ناحية منبج التحتاني بازلي 35 قره جرن 42 كرسنلي 27 سكزلر 34 بولدم 15 بريوك شكب 40 خلطانلي 20 يازللي بقر 61 بوزليجه 43 سلمجك 36 مرجانلي 75 وقوف 127 أجبين 24 القرباط بقربها 6 على منطر 165 قمصرون 86 أوزون على 24 صلحان 2 جوبان بك 290 طاشلي بقر 86 طويران 29 شيخ بلنجان 39 جلد رعبا 6 حوارين 11 اللجي 17 تل بصل 9 تل كسيب 60 ملا يعقوب 47 أدبات 72 البرج 32 شيخ أجراح 9 عويشه 62 بوغاز 53 أولاشلي 12 حليصه 4 سرحان 34 أبو قلقل 357 قلعة نجم 83 نعيمة 114 خربة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 387 الروس 99 جب حسن آغا 73 أم جرن 47 أوج قنا 118 الغرس الكبير 134 الغرس الصغير 117 تل عرش 79 حما الكبير 133 حما الصغير 57 صنداليه 81 خفيه 58 أكروالي 76 الجب الطويل 19 أوشار بجاغى 7. فجملة سكان قضاء الباب (24122) نسمة ما بين ذكر وأنثى. هذا القضاء شرقي حلب ويبعد مركزه عنها وهو قصبة الباب مرحلة وفي هذه القصبة دار حكومة وعشرة جوامع ومساجد وحمامان ومائتا دكان وستة خانات وعشرة «1» مدارس وخمسة أفران وبيتا قهوة وثلاث مسابغ «2» وأربع معاصر وقد تضاف الباب إلى بزاعا فيقال باب بزاعا. وكانت الباب وبزاعا قريتين عظيمتين بل مدينتين صغيرتين في كل واحدة منهما منبر ولهما بساتين نزهة جميلة ولكل منهما وال وقاض وبينهما وادي بطنان ومروجه وهو من أصح البقاع ماء وأرقها هواء وفيه نزل بعض الشعراء وقد تفيأ ظلاله من الحر فترنم فيه بأبيات راقيات وهي: وقانا نفحة الرمضاء واد ... سقاه مضاعف الوبل العميم نزلنا دوحه فحنا «3» علينا ... حنوّ المرضعات على الفطيم وأرشفنا على ظمأ زلالا ... ألذّ من المدامة للنديم يصدّ الشمس أنّى قابلتنا ... فيحجبها ويأذن للنسيم يروع حصاه حالية العذارى ... فتلمس جانب العقد النّظيم «4» هذه الأبيات لحمدونة من بنات الأندلس الشواعر قالتها في وادي واش من إيالة غرناطة «5» . وقال أبو الفداء: هي لأحمد بن يوسف المنازي المتوفى سنة 437 وزير أبي نصر بن مروان الكردي صاحب ديار بكر مر في بعض أسفاره بوادي بزاعة فأعجبه حسنه فقال فيه الأبيات المذكورة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 388 قال ياقوت في كتابه معجم البلدان «1» : وبطنان كأحد جموع بطن، فإن البطن يجمع على أبطن وبطون. وبطنان، اسم واد بين منبج وحلب بينه وبين كل واحد من البلدين مرحلة وفيه أنهر جارية وقرى متصلة قصبتها بزاعا «2» وكانت بزاعة حصنا منيعا له خندق وكان الروم استولوا على هذا الحصن سنة 313 بالسيف ثم رحلوا عنه وعادوا في سنة 332 وفتحوه بالأمان ثم غدروا بأهله ونادى مناديهم من تنصر فهو آمن ومن أبى فهو مقتول أو مأسور. فتنصر منهم أكثر من خمسمائة إنسان منهم القاضي والشهود وانقطعت الطريق على طريق بزاعا وصارت على طريق بالس وضاق بالمسلمين الخناق إلى أن استنقذه منهم الأتابك عماد الدين زنكي في محرم سنة 533 وخرب الحصن وأبقى البلد عامرا. وأما الباب فهي أكثر عمارة من بزاعا وكان فيها مغاير تعصم أهلها من العدو وكان بها طائفة كثيرة من الإسماعيلية فاجتمع القنوية وزحفوا إلى الباب فاعتصم الإسماعيلية في المغاير فاستخرجوهم بالدخان وقتلوا منهم مقتلة عظيمة. وقد كثرت العمائر في الباب وصارت مصرا من الأمصار وعمر بها الأتابك طغريل الظاهري خانا للسبيل ومدرسة. وفي حسنها يقول أبو عبد الله محمد بن نصر القيسراني وقد مر بها بديهة: أمالك رقّي سرّح الطرف غاديا ... على أهل بطنان سقتها سحابها حدائق للحذاق فيها لبانة ... يعيد لنا شرخ الشباب شبابها وإن كنت تبغي يا لك الخير مدخلا ... إلى جنة الفردوس فالباب بابها ويقال لبطنان بطنان حبيب نسبة إلى حبيب بن مسلمة القهري. ويطلق بطنان في اللغة أيضا على الأودية التي يستريض بها ماء السيل فيكرم نباتها واحدتها بطن وقد لمع إليه امرؤ «3» القيس بقوله: ألا ربّ يوم صالح قد شهدته ... بتادف ذات التل من بطن طرطرا وطرطر هو المعروف الآن بأبي طلطل. وإلى بطنان ينسب أبو علي الحسن بن محمد الحلبي المعروف بابن بطنان. وقد أطلق اسم هذا الوادي على قرية فيه فقيل لها بطنان كان الجزء: 1 ¦ الصفحة: 389 لها تل عليه دير يقال له دير حبيب ومن أسفل هذا التل كان يؤخذ التراب الذي تصنع منه الكيزان في الباب. وبهذا الوادي مواضع نزهة كثيرة المياه والأشجار منها تادف وأبو طلطل ونهر الذهب الذي ينتهي إلى سبخة الجبول يبتدئ من عيون في بزاعا ثم ثمده في الباب عيون أخرى تجري في أقنية سريانية قديمة فيعظم ماؤه وتسقى منه بساتين الباب وغيرها ثم يمر من تادف وأبي طلطل. وفي كتاب رحلة قورش لمؤلفه (كزانفون) المؤرخ اليوناني أن اسم هذا النهر وردات. اه. وبعد أن يمر هذا النهر من تادف تمده عيون أخرى بالوادي إلى أن يجتمع بالجبول وتأتي إليه عيون أخرى من نقرة بني أسد فيصير نهرا عظيما تدوره به الأرحاء ثم يجتمع ماؤه في الشتاء إلى سبخة الجبّول لاستغناء الناس عن السقي شتاء فلا يزال الماء في السبخة إلى زمن الصيف فيهب عليه الهواء الغربي فيجف الماء شيئا فشيئا ويرسل الملح فتمتار منه البلاد. وفي تادف يقول أبو عبد الله القيسراني: ما زلت أخدع عن دمشق صبابتي بالغوطتين حتى مررت بتادف فكأنني بالنيربين ورأيت ما قد كنت آمله بأشواقي بعيني «1» وكانت الباب فيما تقدم في صدر الإسلام كالربض لبزاعا وكانت بزاعا حصنا منيعا ولم تزل الباب في أيدي المسلمين منذ الفتح يتولاه من تولى حلب إلى أن صارت في يد شبل الدولة بن جامع من قبل بني مرداس. ثم غلب عليها تاج الدولة تتش وقتل جميع من فيه سنة (470) مع ما غلب عليه من الحصون المجاورة له لما قدم من خراسان قاصدا بلاد الشام ثم خرج من البلاد فاسترجعها بنو مرداس ولم تزل بأيديهم إلى أن ملك عماد الدين زنكي حلب وأعمالها فكانت الباب في يده وولى عليها رجلا من قبله ثم نزل عليها ملك الروم سنة 532 يوم عيد النصارى وحاصرها حتى ملكها وأسر من فيها ثم رحل عنها وترك فيها واليا يحفظها مع جماعة فعاد إليها عماد الدين وحاصرها حتى ملكها يوم الثلاثاء تاسع عشر المحرم سنة 533 ومن ذلك اليوم لم تبرح من أيدي المسلمين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 390 بزاعة أما بزاعة: فهي بضم الباء أو كسره أو بزاعا «1» بضم الباء. وعليه قول شاعر الحلبيين: لو ان بزاعا جنة الخلد ما وفى ... رحيلي إليها بالترحّل عنكم وقد خرج منها بعض أهل الأدب منهم أبو خليفة يحيى بن خليفة التنوخي البزاعي ويعرف بابن الفرس وله شعر جيد منه: حبيب جفاني لا لذنب أتيته ... على هجره أفديه بالمال والنفس رضيت به فليهجر العام كلّه ... ويجعل لي يوما من الوصل والأنس ومنهم أبو فراس بن أبي فرج البزاعي وذكرنا له شعرا في دير سمعان. ومنهم حمّاد البزاعي وكان من المجيدين ومن شعره في غلام اسم أبيه عبد القاهر «2» : نفّر نومي ظبي الحمى النافر ... ونام عمّا يكابده الساهر يا ليلة بتّها وأولها ... كأول الحب ما له آخر أرعى نجوما ونت وسائرها ... أحير منه فليس بالسائر «3» مغرى بظبي المواصل من بني ... الموصل وهو القاطع الهاجر «4» صرت له نصف اسم والده م ... الأول إذ كان نصفه الآخر وكان يعمل في بزاعة الكرباس ويحمل إلى مصر ودمشق وينسب إليها وفي وادي الباب يقول ابن الوردي: إنّ وادي الباب قد ذكّرني ... جنة المأوى فلله العجب فيه دوح يحجب الشمس إذا ... قال للنسمة جوزي بأدب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 391 طيره معربة في لحنها ... تطرب الحيّ كما تحيي الطرب مرجه مبتسم مما بكت ... سحب في ذيلها الطيب انسحب فيه روضات أنا صبّ بها ... مثل ما أصبح فيها الماء صبّ نهره إن قابل الشمس ترى ... فضة بيضاء من نهر ذهب وينسب إلى الباب من المتأخرين مصطفى البابي الشاعر وقد ذكرنا له ترجمة في باب الأخبار. وأما الجبّول فيجتمع على ملاحتها كثير من الطير قبل جفافها وظهور الملح بها. وأنشد في ذلك المهذب العامري الحموي: قد جبل الجبّول من راحة ... فليس تعرو ساكنيها هموم كأنما الماء وأطياره ... فيه سماء زينت بالنجوم كأنّ سود الطير في بيضها ... خليط جيش بين زنج وروم وكان أهل الجبول يعرفون بقلة الدين والمروءة والكذب والاختلاق والتعصب على المحال. وأما تادف فهي على بعد غلوة من الباب وفيها العنب والرمان اللذيذان يحمل منهما إلى حلب ما يكل عنه الوصف وفيها طائفة من الشاذلية ينسب إليهم أمور غريبة. وفيها مقام للعزير «1» الذي أملى التوراة على بني إسرائيل بعد فقده على ما يقوله اليهود ولزيارته عندهم أيام معلومة يسافرون إليها من حلب وغيرها ويجتمع منهم في تادف جم غفير ويقال إن لصوبا المذكورة في التوراة خربة قرب جبول. وقال ابن حوقل إن صوبا مدينة قديمة تعرف بكعب كانت على مقربة من الفرات سكنها بنو إسرائيل في الأعصار القديمة وطردوا منها تسع مرات. وقباسين المذكورة في الجدول بين بيرة الباب وقبة الشيخ كانت تعرف بتل قباسين وكانت إذ ذاك تعد من العواصم. هذا وإن لمدينة الباب مناظر جميلة ومنتزهات بديعة وهي صحيحة الهواء جيدة الماء رخيصة الأسعار كثيرة البقول والفواكه جيدة التربة تستحق أن يقصدها المصطافون لو كان في بساتينها قصور تصلح للسكنى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 392 ليس للباب من عيب سوى كثرة البق. على أن قصبة تادف خالية منه والأحسن من كلتا البلدتين ناحية أبي طلطل إذ هي الغاية بحسن المناظر وجودة الماء والهواء وجمال البساتين. الأسر الشهيرة في الباب منها أسرة آل الشيخ نعسان المنسوبة إلى الشيخ رسلان وقد عرفت هذه الأسرة برقيا الأمراض العصبية وهي مشهورة بذلك يقصدها الناس لرقيا مرضاهم من أماكن بعيدة فيبرؤون من مرضهم. وجيه هذه الأسرة الآن الأستاذ الفاضل الشيخ أحمد أفندي مفتي قضاء الباب وأحد أعيانه المحترمين. ومن الأسر الشهيرة في الباب أسرة آل الحلواني ووجيهها الأستاذ المحترم الشيخ شريف أفندي مفتي هذا القضاء سابقا وأحد وجهائه المتفوقين بالنباهة والرياسة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 393 قضاء منبج التكية 173 أورته 63 تبه 107 الجامع الكبير 85 عينتاب 73. قرى قضاء منبج قرية تل يازجي 219 قصر البنات 47 خريجه 32 آق جقور 11 القبب 61 الهدهد 44 منلا أسعد 25 تل الرفيع 31 دادات 57 جات 26 قراطه 18 قوخار 28 كوجك قوخار 10 عين النخيل 41 بوزكيج 46 حلوانجي 33 محسنلي 6 غنيمة 23 دالي فار 101 شيخ يحي 15 ينى كوى 11 طمسنه 20 كوجك كوى 4 جتال 32 كاوك أوغلي 21 جاموس ويران 12 دندل أوغلي 7 بلانلي 47 شوراقلي 35 خربة الشباب 24 بك ويران 31 بوزليجه 15 قورت ويران 25 ويريده 13 كاوكلي 60 بويهج 45 صاب ويران 13 تل قورين 16 عريمي 104 كوجك عوسجي 47 عوسجلي كبير 119 كوجك جقال 11 بيوك جقال 20 آق ويران 34 أم ميال 19 قطمه 33 طوقلى خليل 27 محترق الكبير 31 محترق الصغير 16 كوجك عديسه 6 بيوك عديسه 5 القرعه 16 جنات القرى 37 جنات الشيخون 23 القبه 47 أكوزقيو 39 يالكزدام 28 أم الصفا 8 نوري دره 11 الشويحه 24 مدنه 26 أنبارجق 12 بلجه 18 كابرجه 17 جب حسين 18 كابرجه صغير 19 رسم الأخضر 17 قره حوص 28 قوخار 35 خربة الرسم 29 دنغوز مغاره 12 مقطع الحجر 63 جب الخاروف 11 خربة الخاروف 43 أم طماخ 11 الأحمير 60 عديسة الأبيض 4 البيرة 28 مروح 41 قرق أغيل 32 مستريحه 27 أبو كهف 35 المقبلة 23 التايهة 13 أبو منديل 55 سكريه كبير 96 أم عديسه كبير 13 أم عديسه صغير 18 المقتله 11 جب مخزوم 11 الجب الخفي 22 أم خرزه 3 لابده 6 ميرويران 15 سكريه صغير 31 لقيطه 21 أم خرزه 17 بريج 44 جيفه 32 مستريحة المسلمة 15 بناني 7 أبو جرين 25 أم ميال 9 أبو طويل 19 خليصيه 9 شحفه 13 جنات الصالح الطيب 44 جنات بوجدحه 30 أبو جدحه الكبير 32 أبو جدحه الصغير 36 أم العمد 20 أبو جدحه سلمه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 394 40 عشين 20 قصر سلوم 35 أبو حنايا 61 جب ماضي 15 تل تتن 46 رسم البوخر 14 رسم الأحمر 8 عباجه 75 حفرة الشلاش 13 مقبرة 76 أم عديسه 49 رسم الفالح 15 لالة محمد 49 تل العاكول 121 جنات السلامة 55 أم تينة 46 تل المعز 59 رسم الحرمل 104 رسم الخيار 34 رسم الشيخ 37 تبارة الماضي 19 جرمكية 15 متعاد 22 جوخه 17 رسم النعل 27 حوير 39 إصطبلات 16 الجب الأعمى 18 مدرج 6 رسم الحمد 8 خناصر 97 أرويهب 3 جبين 6 عبدي 12 جب التينة 11 رسم العمش 79 رسم الشوكان 9 سجور 20 سويان 34 الحاجب 50 أبو جلوس 14 أربيعة 32 دار الباقات 46 تل الحواصيد 7 قلعة الشيخ 5 مدينة الكبير 38 جب الأخفى 38 مدانة الصغير 3 مربعة بشيء 2 رسم السيالة 16 جب العليص 15 مكتبه 13 شويحة الطيبة 34 إصطبلات 41 مقتل زيد 7 مشرفة علي الحماد 5 تليل الصباح 7 أرجيله 13 أرجيلان 20 غرافة 12 جفره 12 دبشيه 15 تل الضمان 18 بطحه 13 المنبطح 27 حلويه 25 حيانيه 19 أم هوته 14 أبو مرير 36 أبو المحاصر 47 عندان الشيخ 38 تبارة الخشير 41 أبو جوره 9 أم حوته 8 بياعية الصغير 19 بويدر 20 رجم الجنب 26 كولة البويدر 38 رسم الدبشية 10 رسم العابد 24 عقيلة الجهمان 18 أبو دريخه 4 جهمان 13 الحمامة 27 دهبية 24 تب الخشرى 16 قصر هدله 14 أبو كنش 6 تل كشيش 13 جب جراح 12 جب مخزوم 2 رسم الخميس 24 سنجاد 5 تل بو مقبر 7 جب هدله 2 الجب الأبيض 13 رسم الدوالي 7 مناخر أم جرن 15. فجملة سكان قضاء منبج (6082) نسمة ما بين ذكر وأنثى. الكلام على هذا القضاة وما فيه من الأماكن الشهيرة هذا القضاء شرقي حلب ويبعد مركزه عنها- وهو منبج- مسافة عشرين ساعة. منبج هذه هي المعروفة بالتاريخ باسم منبج الجديدة ولفظة منبج سريانية محرفة عن منبغ ومعناها المنبع سميت بهذا الاسم لوجود عين عظيمة فيها تعرف باسم الرام. وقيل هي عربية مأخوذة من نبج إذا قعد بالنبجة وهي الأكمة. قلت: ولا يبعد أن تكون سميت بذلك لوجود ربوة عظيمة فيها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 395 قال بطليموس: مدينة منبج طولها (71) درجة و (15) دقيقة. وهي في الإقليم الرابع وكانت مدينة كبيرة واسعة وافرة الخيرات في فضاء من الأرض وكان عليها سور مبني بالحجارة محكم البناء. وبينها وبين الفرات ثلاثة فراسخ وبينها وبين حلب عشرة فراسخ وشرب أهلها من قنّي تسيح على وجه الأرض وفي دورهم آبار أكثر شربهم منها لأنها عذبة صحيحة. قلت: وهي التي عناها المتنبي بقوله: قيل بمنبج مثواه ونائله ... في الأفق يسأل عمن غيره «1» سألا وقال ابن قتيبة في أدب الكتاب: كساء منبجاني ولا يقال أنبجاني. ومن منبج الشاعر البحتري وأبو فراس. وقبلهما ولد بها عبد الملك بن صالح الهاشمي وكان أجلّ قريش ولسان بني العباس ومن يضرب المثل ببلاغته. وكان لما دخل الرشيد إلى منبج قال له هذا البلد منزلك قال يا أمير المؤمنين هو لك ولي بك قال فكيف بناؤك به. فقال دون منازل أهلي وفوق منازل الناس. قال وكيف ذلك وقدرك فوق أقدارهم قال ذلك خلق أمير المؤمنين أتأسّى به وأقفوا أثره وأحذو حذوه قال فكيف طيب منبج. قال عذبة الماء طيبة الهواء قليلة الأدواء قال كيف ليلها قال سحر كلّه قال صدقت إنها لطيبة. قال بل طابت بأمير «2» المؤمنين وأنّى يذهب بها عن الطيب وهي برّة حمراء وسنبلة صفراء وشجرة خضراء فيافي منبج بين قيصوم وشيح. فقال الرشيد: هذا الكلام والله أحسن من الدر النظيم. أقول: قوله (سحر كله) أخذه الطائي فقال: أيامنا مصقولة أطرافها ... بك والليالي كلّها أسحار ومن وصف ليالي الصفا قول أبي علي محمد بن الحسين الحاتمي: يا ربّ ليل سرور خلته قصرا ... كعارض البرق في أفق الدّجا برقا قد كاد يعثر أولاه بآخره ... وكاد يسبق منه فجره الشفقا كأنما طرفاه طرف اتفق ال ... جفنان منه على الإطباق وافترقا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 396 ومن ألفاظ أهل الأدب في هذا المعنى: ليلة من حسنات الدهر هواؤها صحيح ونسيمها عليل، ليلة كبرد الشباب وبرد الشراب، ليلة من ليالي الشباب فضيّة الأديم مسكية النسيم، ليلة هي لمعة العمر وغرة الدهر. الفرنج يسمون منبج مينكز وهي باللاتينية ما بيحوم وتعرف قديما باسم مينبه بكسر الميم وفتحها ويره بولس ومارغ وماربوغ. وكلمة يره بولس ذكرت في تاريخ سورية بلفظ هيرابولس وجره بولس، وهو اسم مدينة كركميش نقل منها بعد خرابها إلى منبج ثم رد إلى الأولى بعد خراب الثانية ومعنى يره بولس المدينة المقدسة. كانت مدينة منبج من مدن سورية المشهورة وكان فتحها أبو عبيدة بعد أن فتح حلب وأنطاكية أقدم عليها عياضا ثم لحقه إليها وصالح أهلها على مثل صلح أنطاكية. ذكر بعضهم أن في شرقي منبج مشهدا فيه قبر خالد بن سنان العبسي صاحب الأخدود ومشهدا يعرف بمشهد النور فيه قبر النبي متى وقبر حنظلة بن خويلد أخي خويلد وقبر الشيخ ينبوب، وقبر عقيل المنبجي وقبر الشيخ علي ومشهد المسيحات في شمالي منبج وغير ذلك من الزيارات. ويذكر من خواصّ منبج أنه لا يوجد بأرضها عقرب كما لا يوجد في أرض يحمول قرب معرة مصرين. قلت: يكذّب هذا أنني حينما كنت في منبج لا يكاد يمر علي ليلة من ليالي الصيف إلا وأقتل فيها عقربا أو أكثر. فلعل هذه الخواص كانت فبطلت أو لعلها موجودة في أرض منبج القديمة. وقد خرج من منبج الجديدة عدة محدّثين منهم سنان بن أبي بكر الطائي وهشام بن خالد وأبو بكر محمد بن عيسى الطوسي وأبو القاسم عبد الله بن أحمد الطائي وأبو العباس عبد الله بن عبد الملك المنبجي. ما زالت منبج عامرة حتى دهمتها جيوش تيمور لنك فخربت عن آخرها وجلا عنها من بقي من أهلها فاستمرت خرابا يأوي إليها شرذمة من التركمان إلى سنة 1295 وفيها قدم على حلب طائفة من عشيرة أفزاخ «1» الجركسية مهاجرة من جهات قفقاسية فأقطعتهم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 397 الحكومة خرابة منبج وبعض ضواحيها وقراها الخربة فتوطنوها وبنوا لهم من أنقاضها بيوتا سكنوها. وفي سنة 1302 عمر في منبج جامع حافل ومكتب ابتدائي على نفقة خزانة السلطان عبد الحميد ومن ذلك الحين أخذت تتقدم بالعمران. في سنة 1331 أنشئ بها حمام على نفقة بلديتها وكانت الفواكه والخضر تأتي إليها من ناحية الباب لخلوها من البساتين. ثم منذ بضع سنوات أخذ أهلها يغرسون فيها البساتين ويزرعون الخضر فكثرت فاكهتها وخضرها وهما غاية بالجودة واللذة. كانت منبج قبل خرابها مشهورة بتربية دودة القز حتى قيل إن كلمة منبج تحريف منفذ يعنون بها منفذ الحرير. وقد أشار إلى ذلك ابن الوردي حينما دهم منبج زلزال سنة 744 بقوله: منبج أهلها حكوا دود قزّ ... عندهم تجعل البيوت قبورا ربّ نعّمهم فقد ألفوا من ... شجر التوت جنة وحريرا وفي تاريخ ابن شداد أنه كان يجبى من منبج في كل سنة لديوان السلطان ما جملته خمسمائة ألف وعشرة آلاف خارجا عن الضواحي. اه. قلت إن قضاء منبج واسع الجهات وافر الغلات وكان العدد الكبير من قراه ومزارعه أيام الحكومة العثمانية يجبى إلى خزانة الأملاك الخاصة بالسلطان عبد الحميد وبعد الانقلاب العثماني صارت تجبى غلاتها إلى خزانة الدولة. سكان هذا القضاء عرب وتركمان وجراكسة وأكراد. وكل يتكلم بلغة قومه وبقليل من لغة مواطنيه. يوجد على بعد مرحلة من منبج (أبو قلقل) تشتمل على بستان عظيم فيه أشجار متنوعة الثمار وفي كل سنة يقطع منه مقدار كبير من جذوع الحور وتباع منه القناطير المقنطرة من الورد والفواكه والخضر والبقول وهو مشهور بجودة الرمان والتفاح والمشمش وأنواع البرقوق. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 398 قلعة نجم ومما له ذكر في التاريخ من هذا القضاء قلعة تعرف باسم (قلعة نجم) وكانت قديما تعرف بجسر منبج وهي على شاطىء الفرات وكان الجسر في ذيلها وكانت بلدة صغيرة إلى أن كانت بعد الثلاثمائة عمرها نجم غلام الصفواني قلعة حصينة لها ظاهر باهر الطرف يقصر عنه الوصف ملكها بنو حمدان ثم بنو مرداس ثم كانت لبني نمير ثم تداولتها الأيدي إلى أن خربها التتار. والجسر الذي كان عندها يعرف بجسر منبج وهي في الإقليم الرابع طولها 64 درجة و 35 دقيقة وعرضها 36 درجة و 14 دقيقة وهذا الجسر كانت تعبر عليه القوافل من الشامية إلى الجزيرة ومنها إلى الشامية وهو يبعد عن منبج نحو أربعة فراسخ. والجسر الآن خراب لم يبق منه سوى أطلال خفية والناس يعبرون إلى إحدى الجهتين بالزوارق. ومن الأسر الشهيرة في قصبة منبج أسرة آل العقيلي أصحاب الزاوية المنسوبة إليهم في منبج. وهي من فروع أسرتهم في حلب ومن رجال الجراكسة المشهورين في منبج محمود نديم بك الشاب المتفوق على أقرانه بفرط النباهة والذكاء وحسن الأخلاق ومكارم الشيم. ومن أصحاب المنازل المستعدة لإقراء الضيوف في تلك المدينة سليمان بك أحد وجهاء الطائفة الجركسية وهو الآن شيخ فان مبارك دمث الأخلاق. انتهى الكلام على قضاء منبج. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 399 قضاء إدلب قصبة إدلب- محلاتها الفزي 630 المنلا 569 عمر 609 الأميري 645 الشيخ إسماعيل 687 العربات 631 الجامع الكبير 631 الشيخ فتوح 749 الكيالي 667 الجوهري 912 الفالح 695 زاوية أبي النور 647 المرتيني 303 الحربة 666 المبلط 750 القصاص 645 محمد نوري 336 النصاري 524 قصبة ريحا 4106 قرية نحلية 174 مسطومة 251 أفيلون 135 كورين 284 بقسمته 289 عين شبيب 158 كفر نجد 118 أمعترم 179 أورم الجوز 786 الرامة 738 المغارة 194 كفر حايا 58 مرعيان 510 كفر شلاية 216 بلاشون 210 إحسم 373 بلين 103 بديته 79 الباردة 815 كنصفرة 599 موزره 244 غيلاروز 209 أرنبة 255 معراثه 212 جوزف 227 بامس 472 أنب 45 مزرعة صراريف 131 كفرميد 52 مزرعة قورط 39 نصاري ريحا 29 كفرلاثا 347 معيرين 115 معرزاف 46 منطف 177 نيته 89 بقله 30 سرجه 347 بليون 427 نحلة 320 كفر زيبا 100 بسنقول 190 مزرعة جبلة 23 كفر ضاهر 89 تفاح 35 عقربات 47 مزرعة بللو 6 قيماز 25 بالس 41 غاليه 100 سللى 27 معبان 41. ناحية سرمين سرمين 1851 بنش 2299 تعوم 151 تفتناز 585 معارة 381 عصعوص 51 قماري 34 بابيه 78 كسيبيه 65 تل حديه 167 الصالحية 98 إيفس 236 معشران 16 كفر عميم 73 الشيخ إدريس 181 حزان 58 خان السبل 390 كفر بطيخ 151 داديخ 168 معارت دبسه 322 مرديخ 109 جوباس 82 طرنبه 68 مزرعة أنقراته 28 سارقب 965 بجارز 7 مزرعة معارت عليا 3 النيرب 184 مجدليا 56 قميناس 143 دانيت 19 مرتين 63. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 400 ناحية معرّة «1» مصرين معرة «2» مصرين 3119 ذردنا 496 كتيان 134 الفوعه 1358 كفريا 633 رام حمدان 612 بيرة كفتين 91 معارت الإخوان 199 حزانو 449 يحمول 57 مزرعة الهلالية 14 كفر تفور 42 مزرعة تلتونة 13 كفر نوران 208 كفر 281 كقتين 283 الجينبه 563 كفر بنى 249 ميزناز 71 كفر جالس 71 شللخ 67 كفر ناصح 106 كللى 891 عشيرة البكارة 556. فجملة سكان قضاء إدلب (45870) نسمة ما بين ذكر وأنثى. الكلام على هذا القضاء وما فيه من الأماكن الشهيرة هذا القضاء في غربي حلب إلى الجنوب ويبعد مركزه عنها وهو قصبة إدلب مسافة اثنتي عشرة ساعة وهو قضاء قليل المياه إلا أنه جيد الهواء طيب التربة يكثر فيه الزيتون وشجر الكرم والتين والعنب وينجب في حقوله الحنطة والشعير والقطن والسمسم وأنواع الزروع الشتوية والصيفية. لغة أهل هذا القضاء العربية. وقصبة إدلب كانت قرية صغيرة قديمة كلدانية وقد تواتر عن ثقات «3» أهلها أنها كانت تدعى (وادي لب) وضبطها الأستاذ الشيخ شعيب الكيالي في بعض مؤلفاته بالذال المعجمة (إذلب) . والمسمى بإدلب موضعان أحدهما إدلب الكبرى المعروفة باسم إدلب الشمالية وهي الآن خراب. وثانيهما إدلب الصغرى بينها وبين الأولى مسافة ميلين والصغرى هي العامرة الآن. في أواخر القرن العاشر اشترى المرحوم محمد باشا الكبرلي قرية إدلب من الدولة وجعلها الجزء: 1 ¦ الصفحة: 401 وقفا على الحرمين وبنى فيها مباني باقية حتى الآن من جملتها دار بناها لمملوك له اسمه أبشير آغا الذي أنشأ في إدلب جامعا يضاف الآن إلى اسمه له مدفن فيه عدة قبور لأولاده ومنذ ذلك الحين بدأت إدلب الصغرى تعظم وتتسع ويغرس في برها الزيتون والكرم والتين وانتقل إليها عدد كبير من قطان سرمين وصارت مركز مديرية تابعة قضاء ريحا ثم صارت مركز قضاء وجعلت ريحا مركز مديرية تابعة لها. تشتمل إدلب على دار حكومة ومستودع للرديف وأربعة عشر جامعا منها جامع قديم يقال إنه عمري وعلى أربعة وثلاثين مسجدا وتسع مدارس وكنيسة ونحو ثمانمائة وخمسين دكانا وثلاثة عشر خانا وأحد عشر فرنا وخمس مصابن وعشر معاصر للزيت وثمان وأربعين مسبغة، وعلى صيدلية وعشرين مدارا قبل أن يوجد فيها مطاحن تتحرك بقوة الغاز البترول أو الغاز الفقير وعلى خمسة مقاهي وثلاثة حمامات. شرب أهل إدلب من الصهاريج التي يحرز فيها ماء المطر ويوجد فيها بعض آبار سحيقة ماؤها النابع ملح يتراوح عمقه بين 15 و 20 باعا ينقل منها الماء على الروايا «1» إلى الحمامات وبعض المنازل وطالما تذاكر أهل هذه المدينة بأن يجروا إليها ماء من عين دانيت قرب قرية مرتين فلم يتم لهم ما أرادوا إلى أن كانت هذه السنة وهي سنة 1343 عزموا العزم الأخير على جر هذا الماء إلى بلدتهم على أن تجمع النفقات على ذلك من السكان ويؤخذ بعضها من صندوق بلديتها. الغالب على أهل هذه البلدة الصحة والثروة وهم ميالون إلى العلوم والمعارف وفيهم العلماء والأدباء وأهل الفطنة والسخاء. وقد اشتهرت إدلب بالصابون حتى إنها ربما دعيت إدلب الصابون. وذكر لي بعض ثقات «2» أهلها أنه كان عثر على منشور سلطاني يحظر فيه طبخ الصابون في غير إدلب من إيالة حلب. ومما يذكر أن أصل خميرة الصابون الذي يطبخ في حلب كان جلب من إدلب. قلت يفهم من هذا أن طبخ الصابون في حلب حدث بعد حدوثه في إدلب وهو غير صحيح فإن طبخ الصابون في مدينة حلب قديم جدا ربما يرتقي عهده إلى القرن الخامس أو السادس الجزء: 1 ¦ الصفحة: 402 بدليل ما يظهر حينا بعد حين من آبار الزيت المدفونة وأطلال المصابن في محلة المصابن وغيرها من مدينة حلب. ومن خصائص مدينة إدلب عمل الشربات الخزفية الحمر اللطيفة على ضروب وأشكال شتى وعمل الحصر من قشّ البردي التي يباع منها في حلب وغيرها ما يعد بعشرات الألوف، وماء الورد الذي لا نظير له في غير إدلب من جهة كثرته وطيب رائحته. مدينة إدلب آخذة بالتقدم والعمار فإنه يعمر فيها الآن عدة مبان فخمة مختصة بالمعارف والعسكرية والطرقات المؤدية إليها من حلب و ريحا وجسر الشغر وغيرها جار عملها بكل جد ونشاط. وبالجملة فإن محاسن مدينة إدلب كثيرة ولا عيب فيها سوى قلة الماء ولعل هذا العيب يزول عما قريب. قرية مرتين ومن الأماكن الشهيرة القديمة في هذا القضاء قرية مرتين كانت بلدة عظيمة قبل عمار إدلب فيها عدة عيون ماء عذب وكان فيها كثير من شجر الزيتون ويذكر أنه كان يوجد فيها ست عشرة مصبنة. وفي جبل السماق من هذا القضاء قرية قديمة تعرف باسم (كفر نجد) عندها عين ماء تشرب منها الدابة التي نشب بحلقها علقة وتدور حولها فتسقط العلقة من حلقها. وفي سفح جبل بالعدة من هذا القضاء عين يستخرج منها العلق الذي يستعمله الأطباء لامتصاص الدم من بعض المرضى. ريحا وفي هذا القضاء ريحا بلا ألف في أولها فرقا بينها وبين أريحا الجبارين الكائنة في فلسطين. ومدينة ريحا قديمة كلدانية وهي الآن تشتمل على عدة جوامع ومدارس ولها سوق كبير وقد جعلت مركز قضاء بعد أن كانت سرمين هي مركز القضاء ثم جعلت إدلب مركز القضاء وجعلت ريحا مركز مديرية. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 403 ريحا بلدة نزهة كثيرة الخيرات شرب أهلها من صهاريج يحرز فيها ماء المطر وينحدر إليها قناة صغيرة من جبل الزاوية . جبل الزاوية هذا الجبل قد يطلق عليه جبل الأربعين لمقام فيه يعرف بمقام الأربعين ويعرف قديما بجبل بني عليم. وأما اشتهاره بجبل الزاوية فهو إما لأنه على هيئة الزاوية أو لوجود زاوية في قرية منه تدعى مرعيان أنشأها أحد أولاد الجبلي. هذا الجبل معمور بالأشجار المثمرة كالكرز والكمثرى والتفاح والتين والزيتون والجوز واللوز والعنب وهو صحيح الهواء طيب الماء بديع المناظر حقيق أن يكون في مقدمة الأماكن التي تصلح للاصطياف لو كان الارتقاء إليه سهلا. وقد خطر لجماعة من أهل اليسار في ريحا أن يختاروا بقعة منه ويعمروا عليها فندقا عظيما يصلح لسكنى المصطافين على أن تكون نفقات تعمير هذا الفندق أسهما معلومة العدد يشترك فيها من أحب وأراد من أهل ريحا وغيرهم. خربة البارة في هذا الجبل آثار قديمة رومانية منها موضع يعرف بخربة البارة قد اشتملت على عدة هياكل وكنائس تدل أطلالها على أنها كانت مصرا عظيما ولها ذكر في تاريخ الحروب الصليبية. ومما لم يزل باقيا في هذه الخربة بهو واسع في طول (15) مترا وعرض (7) أمتار تقريبا كله منحوت في صخرة واحدة له سقف بسيط محمول على عوارض بارزة من الحجر كأنها خشب الحديد وقد طلي بدهان لطيف لم تغير الأيام والليالي لونه وقد نقش في بعض جدران هذا البهو صورة صليب وعلى باب منها كتابة رومانية. في قرب خربة البارة في شرقي شماليها موضع يقال له الحمام حضر إليه في حدود سنة (1325) جماعة من الألمان وحفروا موضعا منه فانفرج لهم عن رقعة كبيرة من الرخام المعروف بالفصوص أو الفسيفسيا وهي غاية بالبداعة وحسن المنظر وقد اقتلع منها الألمان قطعة كبيرة ثم شعر بهم سكان تلك الأطراف وعارضوهم فانصرفوا. ومن الآثار القديمة في هذا الجبل (كفر لاثا) قرية كلدانية فيها آثار رومانية وهي عامرة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 404 آهلة تشتمل على مسجد وفيها عين ماء عذب يسقي فائضها بساتين القرية. وهي من المواضع المعدودة التي تصلح للاصطياف وكان أهل هذه القرية إسماعيلية كبقية سكان هذا الجبل. أما الآن فهم مسلمون سنيون وفيهم جماعة من ذوي اليسار المستعدين لقرى الضيوف. سرمين ومن الأماكن القديمة التي لها شهرة في التاريخ من هذا القضاء (سرمين) هي الآن قرية يعرف قدرها من عدد أهلها وهم مسلمون سنيون وكانت مركز قضاء تلك الناحية وقبل ذلك كانت بلدة عظيمة ذات أسواق ومصابن وخانات وحمامات وقد قرأت على حجرة استخرجت من بئر جامع الكيزواني- الكائن في ذيل العتبة بحلب- كتابة معناها أن سوق الحرير في سرمين وقف على الجامع المذكور. قيل إن سرمين سميت بابن اليفز بن سام بن نوح. وذكر الميداني في كتابه مجمع أمثال في حرف الجيم وقد ضرب المثل المشهور وهو قولهم (أجور من قاضي سدوم) أن سدوم مدينة من مدائن قوم لوط. قال بعضهم هي سذوم بالذال المعجمة وقال الطبري هو ملك من بقايا اليونانية غشوم كان بمدينة سرمين. وذكر ابن بطوطة في رحلته الشهيرة أن سرمين ذات بساتين كثيرة وأكثر شجرها الزيتون وبها يصنع الصابون الأجري ويجلب إلى مصر والشام ويصنع بها الصابون المطيب الذي تغسل به الأيدي ويصبغونه بالحمرة والصفرة وينسج بها ثياب قطن حسان تنسب إليها قال وأهلها سبابون يبغضون العشرة ومن العجب أنهم لا يذكرون لفظة العشرة وإذا بلغ السمسمار لفظة العشرة قال واحدة وتسعة. قال ومسجدها تسع قباب ولم يجعلوها عشرة قياما بمذهبهم. وقال ابن الشحنة سرمين مدينة بطرف جبال السماق كثيرة العمل واسعة الرستاق وبها مسجد وأسواق وكان لها سور من الحجارة خرب في زماننا (في زمان ابن الشحنة) ودثر. وبها مساجد كثيرة داثرة كانت معمورة بالحجر النحيت عمارة فاخرة قيل إن عددها كان ينوف عن ثلاثمائة مسجد وليس بها الآن مسجد يصلى فيه غير الجامع وأكثر أهلها إسماعيلية ولهم بها دار دعوة ولم يزل بهذا الدار نائب عن الإسماعيلية بعد استيلاء التتار على حلب وبلادها إلى أن رفع أيديهم عنها السلطان الملك الظاهر سنة (765) . وذكر بعض الجزء: 1 ¦ الصفحة: 405 مؤرخي حلب أن من خواص سرمين عدم وجود الحيات في أرضها. ومما له ذكر في التاريخ من هذا القضاء قرية الفوعة وكانت من أعمال سرمين إلى أن أفردها الملك الظاهر غياث الدين غازي بولايته وجعلها في خاصته ولم تزل ترسل لها الولاة والقضاة إلى أوائل الدولة العثمانية وأهلها ما زالوا من قديم الزمن شيعة. وقد مر ذكرهم في المقدمة بالكلام على الشيعة. ومما له ذكر في التاريخ معرة مصرين ويقال لها معارة مصرين وتقدم لنا تفسير المعرة في الكلام على معرة النعمان. قال ياقوت: وأما مصرين إن كان عربي الأصل فهو جمع مصر بالفتح وهو الحلب بأطراف الأصابع. أقول: الصواب أن معرة مصرين لفظان سريانيان تعريبهما مغارة الأمصار والأمصار بالسريانية هي الأمطار. وكانت هذه القرية مدينة مذكورة وبلدة مشهورة محفوفة بالأشجار وشرب أهلها من ماء الأمطار ولها سور قديم مبني بالحجر وقد انهدم ولم يبق منه أثر. وقد فتحت عن يد أبي عبيدة سنة 17 وكانت معرة مصرين كورة وبينها وبين حلب خمسة فراسخ وقال حمدان بن عبد الكريم «1» يذكرها: جادت معرّة مصرين من الديم ... مثل الذي «2» جاد من دمعي لبينهم وسالمتها الليالي في تغيّرها ... وصافحتها يد الآلاء والنعم ولا تناوحت الأعصار عاصفة ... بعرصتيها كما هبّت على إرم حاكت يد القطر «3» في أفنانها حللا ... من كل نور شنيب الثغر مبتسم إذا الصبا حرّكت أنوارها اعتنقت ... وقبّلت بعضها بعضا فما بفم فطالما نشرت كفّ الربيع بها ... بهار كسرى مليك العرب والعجم وهذه القرية الآن محلتان قبلية وشمالية وسكان الأولى شيعة. في جبل بني عليم وهو المعروف الآن بجبل الزاوية قرية يقال لها نحلة فيها مقبرة يشاهد عليها في الليل أنوار ساطعة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 406 إذا قرب منها إنسان خفيت. وعلى هذه المقابر كتابة بالرومية معناها هذا النور موهبة من الله العظيم لنا. كذا قال مؤرخو حلب. وقد سبق لنا نظير هذا في الكلام على أورم في قضاء جبل سمعان. الأسر الشهيرة في إدلب منها آل الكيالي وهي أسرة كبيرة فيها عدد عظيم من الفضلاء والأدباء وذوي الوجاهة والثراء ذكرنا بعضهم في باب تراجم الأخيار. أما وجيه هذه الأسرة الآن في مدينة إدلب فهو الأستاذ الفاضل الشيخ طاهر أفندي المعروف بالملّا عالم غزير مادة العلم فصيح العبارة طلق اللسان يعظ الناس ويرشدهم ويقرئ الطلبة في بلدته فيجتنون من دوحة فضله ثمار العلوم من منطوق ومفهوم. ومن نوابغ هذه الأسرة السيد يحيى الكيالي مدير أوقاف دولة حلب فهو ممن أوتي نصيبا وافرا من المعارف التي تلقاها في مكاتب الدولة ونال قسطا عظيما من الذكاء والفطنة والأمانة والاستقامة والحرص على حسن الأحدوثة وخدمة الوطن وتخليد الذكر. ومنها أسرة آل المرتيني تولى منصب الإفتاء في إدلب عدة من رجالها ومنهم العلماء والوجهاء ومن نوابغهم الناشئين في حلب الشاب النجيب نبيه أفندي ابن خليل أفندي رئيس ديوان المخابرات عند حاكم دولة حلب العام. ومن وجهاء هذه الأسرة في إدلب الشيخ شريف والشيخ بركات وهما من خدمة العلم والشيخ هاشم وأسعد أفندي. ومنها أسرة آل الفنار يذكر أنها عباسية الأصل. ومن وجهائها الآن في إدلب منير أفندي والحاج صبحي أفندي وهما أصحاب منزل لقرى الضيوف وزين العابدين أفندي أحد أفراد المحامين والحاج لطفي أفندي من ذوي اليسار في إدلب وكان والده أحمد أفندي معدودا من أعاظم الرجال. ومنها أسرة آل العيّاشي وجد منها عدة رجال عرفوا باليسار والوجاهة والتمسك بأذيال الصلاح والفلاح. وجيه هذه الأسرة الآن السيد الفاضل برهان الدين أفندي مفتي قضاء إدلب وهو ممن جمع بين القوة والأمانة فقيه أديب حسن المحاضرة رقيق الحاشية فصيح اللهجة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 407 موصوف بالحشمة والوقار وكان والده قبله متوليا منصب الإفتاء في هذا القضاء. ومن وجهاء هذه الأسرة أيضا السيد الفاضل أحمد أفندي أخو برهان الدين أفندي فهو ممن برع في علم الحقوق وعرف بالعفة والاستقامة تولى منصب القضاء في حارم ثم عين رئيسا في محكمة بداية إدلب. ومنها أسرة آل جحى: من وجهائها الحاج رفعت آغا وطاهر آغا أنجال مصطفى ونوري آغا. وكان أحد أعضاء المجلس العمومي في حلب أيام الحكومة العثمانية. ومنها أسرة آل المعلم: عرفت هذه الأسرة بالسخاء وقرى الضيوف فلرجالها الميزة بهاتين الخلّتين على بقية أعيان إدلب ووجهائها. ومن وجهائها الآن الحاج طاهر آغا ابن الحاج محمد آغا ابن الحاج هاشم آغا وكلهم معروفون ببذل المال والتصدق على المعوزين. ومنهم وحيد آغا ابن الحاج هاشم آغا. ومنها أسرة آل الأصفر «1» : يذكر أنها عمريّة النسب ومن وجهائها الآن نوري أفندي وكان رئيس بلدية إدلب وهو من أصحاب الأملاك الكثيرة والثراء العظيم وهو الآن من أعضاء المجلس العمومي في حلب وقد وجد من هذه الأسرة رجال اشتهروا بالصلاح والتمسك بأهداب الدين. ومن أسر إدلب القديمة الشهيرة أسرة آل الجوهري فقد وجد منها علماء محترمون تداولوا منصب الإفتاء في إدلب مدة طويلة. ومنها أسرة آل حميدان ووجيهها الآن الشيخ محمود أفندي المدرس العام في مدينة جسر الشغر وكان وجد من هذه الأسرة عدة علماء. ومنها أسرة آل دويدر وهي أسرة كثيرة العدد ومن وجهائها الآن مصطفى آغا ذو محيّا طلق ويد سخية. ومن نوابغ رجال إدلب في هذه الأيام الطبيب حلمي أفندي ابن الحاج أحمد أفندي وحكمت أفندي ابن مصطفى أفندي فقد مهرا بالطبّ واشتهرا بلين الجانب ودماثة الأخلاق. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 408 وممن نبغ من رجال هذه البلدة مصطفى نعمت أفندي وهو من أسرة تنسب إلى بني العباس وقد برع المومأ إليه بالفنون العسكرية وأحرز منها منزلة رفيعة وأسند إليه في الدولة العثمانية عدة خدم عسكرية عالية ثم في الأيام الأخيرة أسندت إليه قيادة الدرك العامة في دمشق الشام وهو ممن اتصف بحسن الأخلاق وعلو الجناب والأمانة والاستقامة وسعة المدارك. الأسر الشهيرة في ريحا منها آل المفتي وكنيتها القديمة آل زيادة وعرفت أيضا ببني الشيخ ديب. أصل هذه الأسرة من مصر وأول قادم منها على ريحا الشيخ محمد بن الشيخ عطية في حدود الألف وتولى منصب الإفتاء في ريحا سنة 1016 وتوفي وهو مفتي «1» سنة 1042 وقد تداول أعقابه منصب الإفتاء في ريحا إلى حدود 1297 وفيها كان المفتي في ريحا الشيخ أحمد ابن الشيخ مصطفى أحد أفاضل هذه الأسرة فأضيفت إليه فتوى مدينة إدلب. وبعد وفاته تولى منصب الإفتاء في إدلب الأستاذ الفاضل الشيخ محمد أفندي أحد فضلاء هذه الأسرة ولم يزل متوليا هذا المنصب إلى الانقلاب العثماني سنة 1326. إن الشيخ محمد أفندي المومى إليه جدير أن يعد بقية من كبار العلماء المسلمين المتضلعين بعلمي الفقه والحديث والعلوم الآلية وهو واسع الاطلاع فصيح اللهجة حسن الأداء. وقد اختار الآن الانزواء عن الناس ولازم مدرسته في ريحا بعد أن صرف على إعمارها مبلغا كبيرا وله من المؤلفات شرح حسن على «الإظهار» . ومن نوابغ هذه الأسرة السيد محمد مظهر أفندي نجل الشيخ محمد أفندي السالف الذكر. تولى القضاء في قضاء جبل سمعان وقضاء المعرة وقضاء إدلب والجسر ومشاورية المحكمة الشرعية في حلب وغير ذلك من الخدم العالية وهو مثال الأدب والكمال وقدوة في العفة والاستقامة. ومن الأسر الشهيرة في ريحا أسرة آل عبد الكريم المعروفة قبلا بأسرة آل المعتوقي وهي أسرة معروفة من القدم والوجاهة والسخاء لها منزل خاص موقوف على الضيوف والمسافرين الجزء: 1 ¦ الصفحة: 409 وهو في ريحا المنزل الوحيد المفتوح دائما لقرى الضيوف وإكرامهم. وجيه هذه الأسرة الآن فؤاد أفندي الجامع بين طلاقة اليد وطلاقة المحيّا. ومن الأسر الشهيرة في ريحا أسرة آل عبدو ومنها فرع يدعى ببني النقيب، وآخر يدعى ببني الدرويش ووجيهه الآن الحاج محمد آغا. ومنها أسرة بني الغادري وعرفت أخيرا بأسرة بني الهاشمي ووجيهها حكمت أفندي. وأسرة آل الباشا ووجيهها الأستاذ الشيخ أبو المواهب أفندي خطيب جامعها وإمامه وهو من أذكياء العلماء وفضلائهم وممن أوتي نصيبا وافرا من قوة الحافظة وحسن الذاكرة. ومنها أسرة آل شريف بضم الشين وفتح الراء وهي غير أسرة آل شريف تبحلب ومن وجهائها الشيخ محمد المعروف بأبي البحرين وهو من الرجال المعروفين بالجد والإقدام. ومنها أسرة آل سالم من وجهائها الشيخ بشير إمام جامع ريحا وخطيبه. وفي قرية أورم الجوز أسرة الخربطلي. من وجهائها أسعد أفندي وكان على جانب عظيم من السخاء والكرم. وفي قرية نحلة أسرة آل العبسي منهم مرعي أفندي وكان سخيا أديبا شاعرا لبيبا. انتهى الكلام على قضاء إدلب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 410 لواء أورفة قضاء أورفة مدينة أورفه- محلاتها خليل الرحمن 357 ر 141 ك 7 و 13 نارنجي 303 ر 88 و 18 تخته مور 327 ر 115 و 6 قبه مسجد 158 مولود خليل 101 لكلر 98 قرق مناره 381 عجم بك 80 إمام سكاكي 171 إخلاصيه 185 قزغانجي 483 علي خان بك 885 سلطان بك 797 حاجي حمزة 261 بازار جامع 266 س 10 حكيم دهده 1147 س 9 و 3 حاجي يادكار 406 س 54 ك 14 و 4 نعمة الله 221 س 315 ك 27 و 41 قبرزي 170 حاجي غازي 68 محكمة 110 عرب ميدان 725 مشارقية 529 س 67 ك 18 د 6 و 2 إمام قولى 241 س 142 ك 56 و 10 قره موسى 469 نور علي 284 س 10 ك 22 و 5 عمرية 89 س 58 ك 49 جامع كبير 194 س 5 و 14 حسين باشا 784 قطب الدين 187 كوز 143 ر 1054 س 20 ك 66 و 96 طوزاكين 265 س 48 ك 9 و 14 دركزنلي 947 قمرية 861 ر 53 س 203 ك 5 و 20 سيوركلي 847 حسنية 931 يوسف باشا 1282 خصه كي 240 ر 391 س 44 ك 31 و 67 دباغ خانه 655 قره برج 826 د 26 ج 11 جاكرلى 311 د 117 ج 4 عسكري 322 د 99 ج 5 خواجه أحمد 145 س 48 ك 21 كتولر 1027 خليفة 1039 د 69 مدرس 655 قاضي أوغلي ر 741 س 7 ك 61 و 147 أسب بازاري ر 1305 س 18 ك 24 و 84 بجاقلي ر 1282 س 26 ك 24 و 105 تل فطور ر 1297 ك 13 كنيساي كبيرك 11. ناحية بوزآباد قره كوبري 410 ر 5 مجد 89 كول بيكار 258 قره كمول 79 صندلى جان 81 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 411 بايلاجق 35 خوارزم 89 شمك 35 قزلر 143 يارم تبه 213 ينى كو 16 قزل هيوك 147 اسم قولى 86 سنى قلعة 144 تيمورجك 106 تيمورجك قنطره 105 كشيشلك كبير 291 كشيشلك صغير 127 يغون برج 84 طاشان 80 بيدين 17 كوبكلي 20 طاش برجي 127 خوشك 47 بير خليل 32 بلك 23 آق ويران 23 سيد ويران 25 باكير 63 قره قاش 63 آت كودان 18 فركان 40 قزل برج 13 جلمان 210 يدي قيو 84 شيخ زلخا 82 خامور كسان 70 آجوقرش 40 ر 4 دوكر 45 حفي 8 تزيش 133 زواريه 5 ر 22 زعره لى 9 غازي بك 163 أوغلان 50 تربى سيس 38 مرجان 23 آق ويران خرطوى 75 صاللوجه سور 62 أوكزاوينادان 29 هوك 558 جناق عليا 138 جناق سفلى 241 قزلر تحتاني 43 باغليجه 79 صاف 454 بعليجه 516 بغده هيوك 16 إيكز 41 تاتار هيوكي 15 قوم كور 10 أوردك 161 أغجه حصار 71 بزرجي 21 بزرجي ر 22 جولمكجي 82 قرق بنار 265 تولميان صغير 52 كوك 23 تولميان كبير 128 جان كسيك 39 قاسم قبو 20 عرب قنطره 509 ليدار 158 ر 5 توتليجه 312 المالي 20 جم جمه 319 شاشكان 297 معشوق 6 قولان شهري 72 برج رشيد 31 كرموش 24 ر 1030 بازيد 15 قونجه 30 آق زيارت 36 ضالخم فوقاني 12 ر 2 ضالخم كبير 42 باش ويران 33 كولاغلى 45 ر 4 تيز خراب 45 أغزخان 21 بارجنك 16 جفتلك حامكران 29 شواش 15 إيلخان 17 رأس العين 21 حسن كولو جفتللي 12 باش مزرعة 207 ر بوليسز 6 بوليسز 8 كوردهيوك عليا 85 كوردهيوك سفلى 53 اق بنار ر 8. ناحية أويم أغاج جار ملك 199 دنكز باجي 88 تيز خراب 14 تيمور جلك 31 أنيش 11 آق مغاره 49 سجانجق 62 قره جرن 58 بوزتبه 62 شعلى 22 توزلجه 98 قانقلى 18 أكرجه 38 جين بولان 59 كردك 99 سنكلي 25 شزان 111 زيرانلي 55 بوداقلي 101 قانلي أوشار 264 يانوك 33 إيكز 41 آجار 44 كورمي 78 قزلر 34 يغون برج 70 مغارجق 26 إيريجه 32 كوسه شاهين 32 تركمان ويران 147 إينجرلي 78 أوزن برج 101 صغره جق 62 قارعلي 75 سوكتلي 54 قوج حصار 180 كشكان 68 نورجين 17 عدل بازار 85 جرنوس 156 قره جه ويران 178 قره بنار 54 قاوشد 38 سام 151 صاللوجه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 412 قجر 87 عاشق 50 كيرجه 169 قزل كنيسة 73 صاللوجه خللى كول 79 أوكز 68 كوره زر 48 ملك ويران 43 بيرك 39 قوبك 55 طون على 84 إصطبله ويران 86 بوع ويران 10 بيرجك 6 قندر على 52 قباجق 160 قيلج ويران 94 أوج كنيسه 97 شيخلر 125 كونك 79 حاجيلر 152 قيلاف 40 بايلاق 534 أوج درك 28 طاملوجه 8. ناحية دوكرلو قلعه جق 364 أدنه 180 دوداش 286 آق ويران عجمان 33 حاجي على تحتاني 16 بيرى آغي 14 قره تبه 199 مغارجق 226 نعل جقان 227 تكرلي 98 صاري شيخ 28 أورطه ويران 50 حاجي على فوقاني 85 أناز 121 يارق جرن 111 كوبه كيران 17 بوزدغان 80 أبجقده تحتاني 129 أيجقده فوقاني 39 قان أوغلي 86 قوبمان فوقاني 220 آق ويران 62 قوبمان تحتاني 196 عنزه لى 87 قره بنار 135 أيوه ده 27 إينه برك 36 آق ويران بسبان 34 نيكمجه 141 جارق 66 بحرى 100 قباجق 93 إيريجه 131 كرى بوز 49 كنكرلى 24 جنقراوي 103 كوكنجه 163 مجريمان 255 آق ويران 94 بوزتبه 32 شيخ خطاب 77 جليخان 22 آق ويران هجيان 23 إيكي آغز 28 كوسه 141 ديب خصار 189 إينجرلى 188 أوزيك 24 كورقيو 3 صاري قبا 3. ناحية جاى قيو كميل 50 مغارة جق 46 زيد أوغلي 54 سريشك 44 قره قيو 14 أورطه ويبان 44 زونجك 69 كورد ويران 37 جراب بير 45 طوشان 32 آق خرابه 47 مجد 10 كفرى 67 جرخ 26 دونقز 39 خراب نور 13 كلديكان 32 دوزر 25 قوبك 6 خراب دشي تحتاني 23 كولجك 14 كرك 19 نعمه 14 بك 8 خراب دشي تحتاني 12 سرس 22 ميل 8 رجوم 7 شكفتك 6 كفر خص 19 يوسف بك 20 قره قوش 9 كوبكلي 5 بخشش 29 حاج بدر برجي 44 جاي قيو تحتاني 11 اي قيو فوقاني 13 خراب سور 11 مصتعد 18 قزل سور 21 تيمورجك 12 دكمه 11 قوشمه 8 عزدك 3 برجى كشان 27 همدان تحتاني 9 همدان فوقاني 13 همدان أوسط 254 يونس 20 بياملي 38 حشتران 6 وزتك 10 سيف الدين 22 بير درويش 19 قرق مغاره 92 زونك 16 حسن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 413 كوم 20 ملكش 22 دودقيو 7 صارم 86 خراب دشي 99 جنبل 40 كبرلى 4 كوجبا خالطانلي عشيرتي 262. ناحية قبا حيدر قبا حيدر 33 يدى قيو 66 قناقلي 28 كوك موسى 34 خان 22 يغلي موسى 42 آغري بيوك 29 كوللي 7 جلغه جك 9 قره بنار 41 دلى قوللي 29 سليمان فقير 13 تعتوك 7 عباس تحتاني 12 آروانلي 46 عباس فوقاني 13 كجلي 20 شكفتك 3 بغدشان 11 إيردك 15 كل بيرام 13 حرامي برجي 14. ناحية حران وتركمان جلابي حرين 292 كوك تبه 26 مودنلي قنطرة 68 حسن كند 77 عثمان بك 39 جكجك 87 ملك ويران 18 شيخ جوبان 205 أولى باغ 15 مينجر 8 جديدة 196 فيان 99 كوتي ويران 74 كوبرلك 105 قزه ني 100 بنى عجل عشيرتي 57 ينكجه 91 أغجه مسجد 106 قصص 418 جقور درج 67 جكمدرج 81 عرب أوغلي 146 قهرمان 31 كسرده ده 19 باي قوش 22 كورنجه 102 ماموجه 158 خوروز 95 جب الحيات 76 خوشانلي 117 إيلكران 74 مجيلي 59 نقيب خان 172 عين الخليل 147 جابر الأنصاري 23 زينب 87 طاشليجه 26 تل أبنار 147 علبار 76 حران 298 إسكي حران 56 قبا مسجد 85 سلطانية 340 مرمر 31 جانجغاز 174 عبد الرحمن ده ده 16 فاتك 12 طوزلجه 17 تل حمير 44 كولنجه 91 قاب 65 اسكي قديمة 11 ينى قديمة 94 كونش ويران 9 تل بغداد 62 ياره ياره 57 آق ويران 13 ديب 21 جانبلات فوقاني 51 صاللي قيو 12 يارمجه سفلي 31 شهرنجه 28 آق جيره 13 جحشيه 15 كورنك 22 القنطرة 15 جانبلات تحتاني 26 طورم على 73 بوزهيوك 78 حاج حسن 23 أغجه قلعة 268 مسعودية 14 كربل 19 مغارة 14 أورطه ويران 6 تل أسود 27 تل فدان تحتاني 37 خربة المعان 17 حاج أكبر 5 قورقلي 12 جتال خورمه 30 خربة الخضر 15 قره جرن 6 تل فدان فوقاني 86 قزبوزان 32 خرسز آت تيمورجي فوقاني 11 خرسرز درج مخوخ 10 جلاده 10 خربة الكوزل 17 تيمورجي خرسز آت تحتاني 3 كوسه ويران 16 أم القبور 46 سيد ويران 7 كيجلي 8 كونداش 16 طوبجي 13 خربة الضويبع 14 أبو حرمله الجزء: 1 ¦ الصفحة: 414 27 تل خضر 49 يارمجه عليا 12 يارقيو تحتاني 9 يارقيو فوقاني 33 بير كندال 14 عبدو كوي 9 شيخ ريح 4 أبو حازه 5 منكللي 9 جارقلي عيدي 12 عين عاروض 48 صوجمع 31 كودكهيه 22 متكلطه 48 سبب مسبب 18 فاطمه قيو 19 جمعان بك 39 خربة السالم 13 قرمنلي 83 أشاغي ياره باره 42 بزيقى 26 صولح 19 حمام بندي 239 سكيرو 26 هيشة بندى 20 غازلى بندى 11 شراكرك مع قطسيه 20 رسم المراغ 18 سولكلي 61 خربة الشدو 14 شيخ يعقوب 25 يابيسه 7 قوناق 8 تل حليب 16 زينير 18 زينير 18 قره شاوي 30 جانات صغير 11 جانات كبير 7 تل شب 13 أوزولك 11 غيره 9 تل غانم 20 شكر على 8 تل جمه 13 أبو خزف 11 جافر كبير 12 رسم الثعبان 10 صواجق 9 تل حنطه 25 مودانلي كبرليسي 20 عطشان 15 كورطان 11 جغيمانيه 24 خوينلي 9 مرساويه 8 وحشيه 15 رسم الجبن 4 شبليه 18 قزل درج 14 قزل حميده 19 رسم العكلي 3 حيات حراني 6 تل سيف 13 ماروده 9 عاشق 5 يونس كبرلى 16 نصار 43 وبيده 6 قرمنلي 15 جرن بوزيد 7 أبو شجر وهي تل غانم 6 دون على 5 بيوك جللي 40 بولدق 21 قره على 10 كوشكر 9 جربة اليحيى 15 آق ويران 40 كوجبا حديدي عشيرتي 24 كوجبا جميله 8 كوجبا نعيم 26 كوجبا طرح 37 تل أعور 20 رسم الكبير 20 إينجرلي 12 سكسان ويران 32 شيخ ريح 4 محرابلي 7 جريحبلى 26 آق مشهد 10 كوجك رسوم 6 مناره 49 سلمانه 47 زباله 10 عورت كوى 30. فجملة أهل قضاء أورفه (64348) نسمة ما بين ذكر وأنثى من ذلك (29943) نسمة سكان مدينة أورفه والباقي وقدره (34405) نسمات سكان قرى القضاء. الكلام على هذا اللواء وما فيه من الأماكن الشهيرة هذا اللواء في شرقي الولاية ويبعد مركزه وهو مدينة الرها عن حلب اثنتين وأربعين ساعة يحدّه من جهتي الشرق والشمال ولاية معمورة العزيز المعروفة أيضا باسم خربوط ومن الجنوب لواء الزور ومن الغرب لواء حلب ومدينة الرها في آسيا التركية من الجزيرة الفوقانية في الشمال الشرقي من بيره جك واقعة بين جبلين صغيرين تشتمل على دار للحكومة ومستودع للرديف وقلعة واحدة وواحد وثلاثين جامعا وواحد وعشرين مسجدا وأربع الجزء: 1 ¦ الصفحة: 415 كنائس وأربعة عشر حماما وألف وثمانمائة دكان وأربعة مخازن كبار وسوق للحراج وأحد عشر خانا وأربعة عشر فرنا ومائتين وثلاثين نولا لنسج القماش ودباغتين وخمسة وخمسين مقهى وخمس خمارات واثنتي عشرة مصبغة ومصبنتين وعشر معاصر وثلاثة فنادق وستة مكاتب. ومباني أورفه جميلة المنظر بعضها مبني بالحوّار الصلب الشبيه بالنحيت وبعضها الآخر مبني بالحجر الصلد. مسجد مولد الخليل وفي مدينة الرها موضع معروف بمسجد مولد الخليل يقال إن فيه كان مولده عليه السلام وهو موضع نزه تمر منه قناة عذبة صافية. وفي جنوبي قبليته شبه مغار مملوء من الماء العذب الصافي قد علّق في سقفه شيء من الخشب شبيه بالمهد يقال إنه على صورة مهد إبراهيم عليه السلام وكان يعرف هذا الموضع قديما باسم كوثا. النار الموقدة للخليل ويقال إن موضع النار التي أوقدت للخليل عليه السلام بنى المسلمون في محلها جامعا عظيما ومدرسة يقال له جامع الخليل على الضفة اليسرى من عين زليخا عند رأسها. قيل: وإذا حفر من أرض هذا الجامع عمق رمح ظهر الفحم الذي هو من آثار تلك النار. قلت إذا صح هذا فلا يصلح دليلا على أنه كان موضع نار الخليل عليه السلام إذ يحتمل أن يكون ذلك الفحم من آثار النار التي كان يعبدها المجوس حين استيلائهم على أورفه فقد صح عنهم أنهم كان لهم فيها موقد تجاه مولد الخليل يفصل بينهما العين المذكورة. أسماء أورفه ولهذه المدينة عدة أسماء منها الرها وهو المعروف عند العرب ومنها أورفه قيل والرها تصحيفه وقيل بالعكس وسميت أولا إيذسا أو ادسا أو اذاسا وكاليرهوى وكانت مملكة أسروانة ما بين النهرين وكانت سميت أولا أنطاكية وسماها السلوقيون بإيذسا باسم ايذسا التي في مملكة مكدونية وأما تسمية اليونان لها بكاليرهوى فقيل سببه عين جيدة تسقيها زاعمين أنها حوض مؤلف من مياه نهر إبراهيم الخليل وهو ديصان بالسرياني وسكيرتوس باليوناني ومعناه القافز لأنه كثيرا ما كان يخرج عن مجراه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 416 متى بنيت أورفه والدول التي استولت عليها وظن بعض المؤلفين أن إيذسا بنيت أيام نمرود أي سنة (2000) قبل المسيح. وقال آخرون إنها بنيت سنة 4000 قبل المسيح في أيام السلوقيين ولعل بناءها كان في زمن قديم جدا. ثم جددها السلوقيون ويقال إن نهر سيكرتوس كان قد أغرق المدينة وهدم أحسن أبنيتها وكان حاكمها يوستنيانوس فرمّ كل هذه الأبنية ومنها كنيسة مسيحية وعمل قنى تنصب إليها المياه الفائضة وقاية من حادثة أخرى وصارت إيذسا بعد السلوقيين قاعدة الملوك المعروفين باسم أبجر. واستولى عليها الرومان في أيام ترايانوس وصارت في أيامهم قصبة المقاطعة الرومانية وزادوا في تحصينها وأنشؤوا فيها معامل الأسلحة والتروس وأذخروها بالمهمات الحربية. ثم استولى عليها الساسانية من الفرس ثم دخلت في أيدي المسلمين كما سنبينه. ولما ملكها السلجوقية ضمّوها إلى مملكتهم سنة 432 وأخذها الصليبيون سنة 319 وصارت قاعدة كونتية ايذسا ثم عادت إلى الفرس بعدهم واستولى عليها بنو عثمان في أيام السلطان مراد خان الرابع سنة 1047. تشخيص مدينة أورفه وموقعها وهي الآن مدينة عظيمة واقعة على سفح جبلين وتمتد إلى حفتي نهر إبراهيم الذي يؤلف هناك بحيرة صغيرة تسمى بركة إبراهيم مياهها عذبة يوجد فيها سمك كثير يزعمون أنه يخص إبراهيم فلا يصطادونه غير أن المسيحيين لا يعبؤون بذلك فيصطادونه كلما سنحت لهم الفرصة. وتبعد المدينة عن ديار بكر 180 كيلو مترا إلى الجنوب ومحيطها بين ثلاثة أميال أو أربعة وأسواقها ضيقة نظيفة تجري فيها المياه بواسطة قنى وفيها كرسي أسقفية أرمنية. المقامات العالية في أورفه وغيرها وفيها مقام إبراهيم وهو جامع حسن جانب البركة المذكورة وله ثلاث قباب يحيط به السرو ومقام لأيوب الصديق وأضرحة شريفة لجابر الأنصاري وأبي عبيدة بن الجرّاح والبديع الهمذاني والمسعود الخراساني وآثار برج قديم يقال له قصر نمرود. وفيها معامل لأنسجة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 417 الصوف والقطن والجلود. ويصنع فيها بعض المجوهرات والمصنوعات وترسل الجلود منها إلى حلب وديار بكر وضواحيها نزهة نضرة فيها البساتين الجميلة يرويها عين زليخا ونهر إبراهيم. وقال ياقوت في معجم بلدانه إن الرّهاء مدينة بالجزيرة بين الموصل والشام بينهما ستة فراسخ سميت باسم الذي استحدثها وهو الرهاء بن البلندي بن مالك بن دعر، وقيل الرها ابن سبند بن مالك بن دعر بن حجر بن جزيله بن لخم وقيل: هو ابن الروم بن لنطي ابن سام. قال وطولها 72 درجة و 20 دقيقة وعرضها 37 درجة و 30 دقيقة. وقد نسب إليها جماعة من المحدّثين منهم يحيى بن أبي أسد الرهاوي كان يقلب الأسانيد ولا يجوز الاحتجاج به. ومنهم الحافظ عبد القاهر بن عبد الله الرهاوي حكى أبو الفرج الأصفهاني قال دخلت كنيسة الرها فرأيت على ركن من أركانها مكتوبا بحمرة حضر فلان بن فلان وهو يقول: من إقبال ذي الفطنة إذا ركبته المحنة انقطاع الحياة وحضور الوفاة، وأشد العذاب تطاول الأعمار في ظل الإقتار. وأنا القائل: ولي همة أدنى منازلها السّهى ... ونفس تعالت بالمكارم والنهى وقد كنت ذا آل بمرو سرية ... فبلّغت الأيام بي بيعة الرها ولو كنت معروفا بها لم أقم بها ... ولكنني أصبحت ذا غربة بها ومن عادة الأيام إبعاد مصطفى ... وتفريق مجموع وتنغيص مشتهى «1» وقد نسب إليها ابن مقبل الخمر فقال «2» : سقتني بصهباء درياقة ... متى ما تليّن عظامي تلن «3» رهاوية مترع دنّها ... ترجّع من عود وعس مرنّ وكان فتح الرها صلحا عن يد عياض بن غنم سنة 17 أرسل إليها سهيل بن عدي وعبد الله بن عتبان فأجابهما أهلها إلى الجزية فسار عياض ونزل عيها بجنده فصالحوه على مصالحة حرّان وقيل إنه حاربهم حتى انهزموا ثم طلبوا الصلح لما اشتد عليهم الحصار. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 418 وقال الواقدي كان فتحها سنة 18 ويقال إن بكنيستها العظمى كان منديل تمسح به المسيح صلوات الله عليه. اه. ما أوردناه من ياقوت. أقول يروي لواء الرّها عدة أنهار: الفرات والجلاب والبابك ونهر إبراهيم وغيرها من الأنهار والعيون. وفي معجم البلدان لياقوت أن الجلاب نهر بمدينة حرّان مسمى باسم قرية وأن إسماعيل بن صبيح الكاتب في أيام الرشيد هو الذي حفره. اه. وطول اللواء من الشمال الغربي إلى الجنوب الشرقي نحو 80 فرسخا ومن الشمال الشرقي إلى الجنوب الغربي 50 فرسخا. وهو يجمع أصنافا من الترك والعرب والكرد والأرمن والتركمان. وقد أقمت في هذه البلدة عدة أشهر وسبرت أخلاق أهلها فإذا هم قوم متعصبون بدينهم وقد غلب عليهم الكرم والإحسان إلى الغريب والميل لأهل العلم والتفاخر بالمناصب والرتب والتزاحم عليهما وفيهم العلماء والصلحاء وأهل الوجاهة وأولو الثراء والصباحة ولولا ما في أخلاقهم من الحدة والصّلف لكانوا أحسن خلق الله والرها مدينة رخيصة الأسعار وافرة الخيرات فسيحة الأرجاء جميلة البناء تشقها مياه العيون والأنهار المتقدم ذكرها وتتخللها البساتين، واسعة البرّ رابحة التجارة جيدة الهواء والتربة. وهي تعتبر مدينة مقدسة لولادة خليل الله فيها عليه السلام على أشهر ما رواه المؤرخون. فصل في ذكر أشياء اقتطفنا بعضها من تاريخ العلامة الشيخ عبد اللطيف الرهاوي مفتي الرها سابقا. وقد اقترحناه عليه حين تأليفنا هذا التاريخ فألفه وسماه مشكاة الصّفا في تاريخ مولد جد المصطفى. وأرسل أول مبيضة منه إلينا فأحببنا أن نلخص منه الأخبار التي ستقف عليها لأنها لا تخلو من الفائدة. فأقول: قال رحمه الله: كانت مدينة الرّها قاعدة مملكة هرقل صاحب القصة المشهورة مع أبي سفيان حينما أدى إليه رسالة النبي صلّى الله عليه وسلم. وفي سنة 449 ق. م كان اسمها أور (قلت وهو اسمها في التوراة فقد سماها بأور الكلدان على قول) قال وفي سنة 2495 ق. م كان اسمها كاليلرها. وفي سنة 2300 ق. م كان اسمها أنتوخيا. وفي سنة 1200 ق. م كان اسمها روحه أو رخه. وربما أطلق عليها إذ ذاك اسم ادسا. وفي حدود سنة 1200 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 419 للهجرة كانت هذه المدينة تشتمل على خمسة عشر مسجدا واثنتي عشرة منارة وكانت جوامعها مربعة الشكل ثم تغيرت المنارات والجوامع. وفي حدود سنة 1174 كان بالرها أمير اسمه حماس وكانت الرها حينئذ إيالة يتبعها الدير والرحبة والرقة والخابور وحرّان وجلاب وبنو قيس وغيرها. وفي حدود سنة 1200 كانت مدينة الرها تضاهي مدينة دمشق كما نقل بعض سوّاح «1» الفرنج. وكان اسمها في أيام إبراهيم عليه السلام هاران باسم أخيه. وفي سنة 1086 طغى الماء بهذه المدينة وأغرق معظم سكانها وعطل أكثر عمرانها وكان وقع مثل ذلك سنة 762 وسنة 617 م وبه انهدم القصر العجيب الذي بني أيام الملك ابكار على حوض عين خليل الرحمن وغرق في هذا الطغيان ألفا إنسان وبعد هذا الغرق العظيم أقال الملك المذكور أهل الرها مدة خمسة أعوام من الضرائب. وكان في هذه المدينة ثلاثمائة عين وكان اسم العين التي تغرق المدينة بمياهها ديصان بالسريانية وسكيرتوس باليونانية وهي بركة عين خليل الرحمن. وأسباب طغيانها انصباب سيول الأمطار إليها من موضع يقال له ديركلي شرقي الرها على بعد ساعة منها. ثم لما آلت الرها إلى ملوك قره قيونيه الذين كانت قاعدة ملكهم خلاط مرت على الرها إحدى بنات ملوكهم ذاهبة إلى الحجاز لأداء فريضة الحج ففتحت لتلك السيول مجرى واسعا عميقا وأحكمت سدّه عن العين فأمنت الرها من طغيانها. ينسب إلى الرها وبلادها من الأنبياء نوح وابنه سام وخليل الرحمن ولوط وأيوب وهود وصالح وشعيب عليهم السلام، ومن الصحابة مالك بن مرارة وغيره. وقد وفد على النبي صلّى الله عليه وسلم من الرها خمسة عشر رجلا وأسلموا بين يديه. ووفد عليه أيضا سنة (10) خمسة عشر فارسا ومعهم عدة هدايا منها فرس اسمه المرواح ثم سماه النبي بحرا لسرعة جريه. قلت مالك بن مرارة والوفدان وهم من قبيلة الرّها بفتح الراء لا من مدينة الرّها بضم الراء. اه. ثم قال في مشكاة الصفا: ومن آل الأنبياء الرهاويّين سارة زوجة الخليل وربقا زوجة ابنه إسحاق أم يعقوب عليهم السلام وليا وراحيل زوجتا يعقوب وابنة لوط وهي جدة شعيب عليهم السلام ومن التابعين أو تابع التابعين الذين نشؤوا في مدينة الرها زيد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 420 ابن أبي أنيسة وهو من رجال البخاري ومسلم وابن حنبل ويزيد بن سنان الرهاوي ويزيد ابن شجرة الرهاوي (ولهذا حديث لطيف مع معاوية أورده المسعودي في مروج الذهب في أخبار السفاح) (قلت وهذا أيضا من قبيلة الرهاويين لا من بلدة الرها) ويحيى بن أبي أنيسة وهو متروك الحديث ومن العلماء الإمام الحافظ عبد القادر الرهاوي المحدّث الصالح الورع جمع أربعين حديثا وتوفي في الرها سنة 612 وقبره يزار. ومن علمائها عز الدين بن عبد اللطيف الشيهر بابن ملك صاحب الشروح على المشارق والمصابيح والجمع ومنار الأنوار والعالم العامل زين الدين عبد المؤمن بن عمر بن أيوب الرهاوي صاحب الكرامات والمجاهدات توفي في بدر من الخطة الحجازية سنة 845 والأديب العالم المؤرخ نوعي الرهاوي والعلامة الحاج إبراهيم الرهاوي موطنا البهسنوي مولدا المتوفى سنة 1268 والقدوة المعتقد الحاج نبيه المتوفى سنة 1202 وقبره معروف خارج السور والوالي المشهور الشيخ إبدال محمد أستاذ مقام مولد الخليل المتوفى سنة 1229 والمرشد الصالح دده إبراهيم بن ملا محمد أستاذ المقام المذكور المتوفى سنة 1230 وخادمه الزاهد الدرويش أيوب المتوفى سنة 1239 والشيخ دده عثمان الشهير بدده أفندي شيخ المقام المذكور المتوفى سنة 1300 وغيرهم ممن يطول الشرح بذكرهم. ومن الشعراء المنسوبين إلى الرّها الأديب البارع الشيخ عمر بن إبراهيم بن سليمان الرهاوي كاتب ديوان الإنشاء المتوفى سنة 777 والشاعر المشهور باسم نابي المتوفى في إسكدار إحدى محلات الآستانة العلية سنة 1124 وقيل توفى في اسكوب. وديوان شعره مطبوع مدون باللغة التركية. ومن الأمراء الذين نشؤوا بالرّها إبراهيم باشا الشهير بحموي زاده، كان واليا على الرها والرقة وغيرهما. وله بالرها آثار وبنى فيها المدرسة الرضوانية وجامعا على ضفة بركة عين الخليل ووقف عليهما الأوقاف الكثيرة. وأما من تشرّفت الرها بقدومهم من الأنبياء فآدم وإدريس وأيوب على قول والمسيح على رواية. ومن الصحابة: عبد الرحمن بن عوف وأبو عبيدة بن الجراح وعياض بن غنم وجابر بن عبد الله الأنصاري وسعد بن أبي وقاص وخالد ابن الوليد وغيرهم. ومن العلماء العلامة سعد الدين التفتنازي والعلامة عبد الجبار وغيرهم قدموا مع الجزء: 1 ¦ الصفحة: 421 تيمور لنك. ومحمد بن حسن الشيباني جاء قاضيا عليها من قبل هارون الرشيد ثم المأمون وإسماعيل بن حماد بن أبي حنيفة النعمان كان قاضيا عليها. وعبد السلام الوابصي أبو الفضل الرقي وكان قاضيا بها وبالرقة وحران وحلب. ومن السلاطين العظام السلطان سليمان خان الأول قدم عليها في سفره إلى بريز وأمر بتعمير زاوية على ضفة عين الخليل فعمرت ثم خربت ولم يبق لها أثر والسلطان الغازي مراد خان الرابع حين مسيره إلى بغداد لاستنقاذها من أيدي الشيعة وقد اجتمع وهو في الرها بالولي الشيخ علي وشاهد منه بعض الكرامات وأمر له بإقطاع وسمع السلطان بأن أربعة عشر شخصا في الرها يشربون الدخان فأمر بقتلهم فقتلوا عن آخرهم. وأما العلماء الأحياء الموجودون الآن في هذه المدينة أعني سنة 1310 فمنهم الحاج محمد طاهر بن السيد أحمد الرهاوي الشهير بسراج زاده تولى بالرها منصب الإفتاء مدة ودرس في المدرسة السليمانية المعمورة في جامع يوسف باشا ووعظ في عدة جوامع ومساجد وتولى نقابة أشراف الرّها ورياسة شعبة معارفها. ومنهم الحاج علي السيوركي عالم فنان يقرئ الطلبة في الجامع الذي بناه الحاج ثاقب أفندي. ومنهم الحاج مصطفى حافظ درس بالمدرسة الشعبانية في الرّها ثم في المدرسة التي بنيت على ضفة عين الخليل. ومنهم الحاج رمضان مدرس المدرسة العتيقة التي على ضفة بركة عين الخليل. ومنهم الشيخ محمد بن عمر خوجه أحد مدرسي استانبول. قلت: ومنهم العلامة الشيخ عبد اللطيف الرهاوي مؤلف كتاب مشكاة الصفا وهو عالم فنان سخي الطبع طلق المحيّا لطيف المداعبة مقبل على الله انتفع بعلومه كثير من سكان الرها وتولى منصب الإفتاء بها بضعة عشر عاما وتوفى في أوائل سنة 1314 في مدينة الرها. ومن أهل الطرائق الذين كانوا أحياء سنة 1310 في مدينة الرها المرشد حافظ خليل القادري شيخ زاوية مولد الخليل والشيخ عبد القادر الخلوتي وبابا رجب النقشبندي وغيرهم ويوجد فيها عدد من الذين يحسنون الخط وعدد من ذوي المراتب والمناصب العالية منهم حسين باشا ابن الشيخ محمد الخرطوي والحاج محمد بديع الخرطوي ومصطفى بن حسين علمدار ومحمد بك ابن مصطفى الحموي والحاج علي بك الشهير بحسين باشا والحاج محمد باقر أفندي ابن الحاج محمد الشهير بكامل زاده والحاج عثمان أفندي ابن الحاج أحمد كامل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 422 زاده وأحمد بك ابن خليل بك ومن أعيانها الحاج محمد سعيد آغا ابن الحاج مسلم آغا وهو رجل صالح كثير الصدقات والآثار الخيرية. وقد أخذت الرها منذ خمسين عاما تتقدّم في المعارف وتبرع في الصنائع خصوصا صنعة النحاس والصّفر وبعض المنسوجات. الآثار القديمة في الرها وأما ما يوجد فيها وفي قربها من الآثار القديمة فمنها الغار الذي ولد فيه الخليل وتقدم ذكره. والغار الذي اختفى فيه الخليل أيام النمرود في شرقي البلدة. وقلعة الرها وهي قديمة وكانت توصف بالمنعة مبنية على جبل من الصخور في جنوبي البلدة ارتفاعها في الهواء نحو سبعين ذراعا ودورها مسيرة نصف ساعة يحيط بها خندق منقور في الصخر عمقه نحو ثلاثين ذراعا. وكانت مبنية على ثلاث طبقات وفي أعلاها باب يهبط منه إلى سرداب ينفذ عند عين الزرقاء أو عين زليخا وتحت هذه القلعة مكان واسع مظلم يقال إنه كان سجنا وقيل كان سجن النمروذ. وفي شمالي القلعة مسجد مشرف على الخراب وفيها بناية عالية يقال إنها كانت رحى تدور بالهواء. وفي جنوبي القلعة عمودان عظيمان يقال إنهما عمودا المنجنيق الذي قذف به إبراهيم عليه السلام (وعندي أنهما عمودا المنجنيق الذي كان يستعمل في حروب الأوائل) ارتفاع كل عمود منهما نحو ثلاثين ذراعا وبعد ما بينهما عشرون ذراعا. وفي الخندق شمالي القلعة عمود مساو علو الخندق. قيل: والذي بنى هذه القلعة هو شنك شاه أو الضحاك أو النمروذ والمشهور أن محل النار التي ألقي فيها الخليل شمالي القلعة وهو الآن موضع نزه بني فيه قبتان وفي غربيه جامع ومنارة بنيا سنة 608 كما هو مكتوب عليها وفي شماليه بركة عين الخليل وفي جنوبيه العين الزرقاء وعلى جانب بركة الخليل قصر بناه مصطفى باشا الوزير وأرخه نابي. وفي الضفة الغربية من البركة زاوية وقصر بناهما سليمان باشا والي بغداد وشرط فيهما سماطا للفقراء وأرخهما نابي وهما دائران. ومن الآثار القديمة مقام أيوب خارج السور في جنوبي البلدة على بعد نصف ساعة منها ويقال إنه هو الغار الذي لجأ إليه أيوب عليه السلام حينما ابتلاه الله. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 423 وفي جنوب غربي هذا المقام على مسافة نصف ساعة منه جبل شامخ فيه عدة آثار قديمة فيها صفة عالية مبنية بالأحجار المنقوشة وقد خرب بعض جدرانها. وفيه أيضا كنيسة يقال لها دير يعقوب نسبة إلى يعقوب مؤسس الطائفة اليعقوبية في الملة المسيحية. وفي جبل وادي مانجي غربي البلدة خارج سورها على بعد غلوة «1» منه غار فيه تمثال إنسان من حجر متكئ على يده اليمنى وفي رجله كالجرموق «2» . وقرب رجله تمثال إنسان آخر قائم حذاءه واضع يديه على سرته كأنه خادم أمام مولاه وكأن التمثال الأول ينظر إلى شيء في وسط الغار وقد دخل هذا الغار أحد وزراء الدولة العثمانية المعروف بعمر باشا فأمر بحفر موقع نظر التمثال فحفر وإذا بدنّ مملوء من السكة «3» القديمة الذهبية فأخذها. وقد استخرجت عدة كنوز من هذا الجبل والوادي وما جاورهما. والمتواتر أنه يوجد في محل كوثا خارج السور كثير من الكنوز والدفائن. ويوجد في جبال الرها ما ينوف على عشرة آلاف غار كل واحد منها كأنه بيت منظم ولا تزال هذه المغاير تظهر كلما حفر في تلك الجبال. ولما جددت مدرسة خليل الرحمن ظهر في أساس بعض جدرانها تمثال إنسان في صدره خطوط تدل على أنه تمثال آزر أبي إبراهيم أو عمّه. وقيل بل هو تمثال أخبر تكاور أي أبكار وهو سابور الذي كان ملكا على الرّها وآمن بالمسيح. وقيل هذه الخطوط هي صورة الرسالة التي بعث بها عيسى عليه السلام إلى أبكار المذكور وبقي هذا التمثال في سراي حكومة الرها زمنا طويلا ثم حمل إلى متحف الآستانة. ومن الآثار القديمة الإسلامية في الرها منارة جامعها الأعظم وهي مثمنة الشكل لها أربعة «4» مناطق وضخامتها وارتفاعها غاية يصعد عليها أربعة أشخاص يمشون حذاء بعضهم ولا يزدحمون. وكان على رأسها قبة عظيمة مستديرة فانهدمت وعمر لها في هذه الأيام مسلم آغا قبة مستطيلة. وفي هذا الجامع بئر موجود في داخل الحرم يتبرك بمائه المسلمون والنصارى لاغتسال المسيح به على القول بدخوله الرها، وقيل لأنه وقع فيه منديله المشهور. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 424 وفي سنة 1303 ظهر في محلة كوثا غار واسع يدخل منه إلى عدة مغاير «1» منحوتة كالبيوت مفروشة بالفسيفساء قد اشتملت على نحو ألف رمّة إنسان تفوق رمم أوادم هذا العصر طولا وضخامة وقد أزيلت كلها واتخذت المغاير مساكن للفقراء. وفي سنة 1309 ظهر باتصال السور خارجها مغاير أخرى مفروشة بالفسيفساء مشتملة على عدد عظيم من رمم الموتى والتماثيل الحجرية. وعلى حجرة ضخمة طويلة فيها ثمانية رسوم نافرة للرجال والنساء ولرسوم الرجال لحى وفي رؤوسهم كالقرنين ولرسوم النساء أقراط في آذانهن. وبين رسوم الفريقين خطوط ورموز لم يوقف لها في الرها على معنى. وفي قرب هذا الحجر حجر آخر فيه صورة كرمة تدلت عناقيدها. ومن عهد قريب ظهر أيضا قرب دار الحكومة غار مفروش بالفسيفساء فيه عشرة تماثيل حجرية أحدها تمثال رجل له لحية طويلة وحوله عدد من تماثيل البنات وعلى الأرض خطوط سريانية ولما اتصل خبرها بالحكومة صدر الأمر من الآستانة بسد أبوابها وترك ما فيها على ما هو عليه. وموضع هذا الغار في محلة دركزان خارج السور باتصال نهر قره قيون حذاء دار الحكومة وحول هذا الغار نحو ثلاثمائة غار ظهرت حين عمل الطريق وسدت. مياه مدينة الرّها وأما مياه الرها فلذيذة جدا، وهي عين الخليل والعين الزرقاء وعين بقربها ونهر الكهريز منبعه جبل قشمر على مسافة ساعتين من الرها فيدخل إليها بعد أن تدور عليه الأرحاء ويتفرع إلى قنى في مبانيها بحيث يسقي نحو النصف منها. وعين أسكي كهريز منبعها جبل شمالي الرها على بعد ساعة منها ويفنى ماؤها في البساتين. وعين دركلي على مسافة ساعة من البلدة تفنى في البساتين أيضا. ونهر جوسق خارج البلدة على بعد نصف ساعة منها يسقي البساتين وبعض مباني البلدة ونهر سلب على بعد ساعتين من الرها يسقي بساتين قرية قره كبرى وتدور به الأرحاء ويجري إلى قرب البلدة فيسقي كثيرا من حقولها. وبقرب باب حران عين اسمها قره بنا رأي العين السوداء وعلى بعد عشرة «2» ساعات الجزء: 1 ¦ الصفحة: 425 من الرها عين العروس في ناحية حران على ضفتها مقام خليل الرحمن ومحل زفافه على زوجته سارة فيسقي هذا الماء مسافة عظيمة من الحقول ثم يصب بالفرات شرقي الرقة ونهر جلاب منبعه من أراضي قرية ديب حصار ومنه تشرب عامة قرى هذه الناحية. ونهر آخر في قرية رأس العين من ناحية بوز آباد. وغير ذلك من العيون والأنهار الصغيرة التي يكل القلم عن إحصائها. وقد اشتهرت الرها بكثرة الغلات والمحاصيل كالحنطة والشعير والعدس والحمّص والسمسم والسمن والصوف والخيول، فإن جميع هذه البضائع بعد أن تكتفي منها الرها يصدر منها إلى غيرها مقدار عظيم. وكانت لغة سكانها بعد تبلبل الألسن سريانية وكلدانية وفي أيام أفريدون زادت فيهم الفارسية ثم في أيام إسكندر زادت الرومية وفي أيام ملوك الطوائف صارت عربية لأنه توطن بها عدة قبائل من ربيعة ومضر وبني مدلج ويقال له مذحج المشهور بمعرفة القيافة. وفي أيام ملوك الفرس الثانية اختلطت لغتهم بالفارسية ثم في أيام الملوك السلجوقية وأولهم ملكشاه زادت في لغتهم التركية ثم في أيام ناصر الدين أحد ملوك الأكراد زادت فيهم اللغة الكردية ثم فشت وعظمت في أيام الأكراد الأيوبية وكثر فيها الأكراد. وفي أيام الدولة العثمانية أمر السلطان وزيره حسين باشا ابن القاضي أن يأتي بثمانين ألف تركماني ويسكنهم في الرها فامتثل أمره وأسكنهم قرب عين العروس ويقال لذلك المكان جلاب التركمان والقلعة البيضاء ومن ثم صارت لغة الرهاويين تركمانية ثم صارت عثمانية إلا أنه يوجد فيهم الآن التركي والعربي والكردي والأرمني كما قدمناه ومعظمهم التركي فالعربي فالكردي فالأرمني. والعرب القاطنون في الرها وصحرائها هم من عشيرة قيس وينتسبون إلى زين العابدين علي بن الحسين رضي الله عنه وبني محمد وبني يوسف والجميلة والسيالة والطماح وبني عجل وبني نمير وبني حمدان والمعاجلة وآل أبي الحسن والمرابدة ومنيف وفتيت والمغيلات وسجو والشاوي وآل أبي العساف وبني أسد وبني طي والنعيم وينتسبون إلى الحسين وبني زيد وبني كلاب وآل أبي خميس والبقّارة والغول والسليب وغيرهم. ومعظمهم في ناحية حران وجلاب التركمان. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 426 حرّان ومن الأماكن المشهورة في لواء الرّها مدينة حرّان واسمها باللاتينية القديمة قاره وهي من البلاد السبعة القديمة طولها 72 درجة و 30 دقيقة وهي من الإقليم الرابع من الجزيرة وكانت قصبة ديار مضر بينها وبين الرها يوم وبين الرقة يومان وهي على طريق الموصل والشامل والروم. وقيل سميت بهاران أخي إبراهيم لأنه أول من بناها فعربت فقيل حران وذكر قوم أنها أول مدينة بنيت على الأرض بعد الطوفان وكانت منازل الصابئة وهم الحرانيون. وقال المفسرون في قول إبراهيم عليه السلام: إني ذاهب إلى ربي، أراد حران. وقالوا في قوله تعالى: وَنَجَّيْناهُ وَلُوطاً إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بارَكْنا فِيها لِلْعالَمِينَ هي حرّان. وكان أهلها الأقدمون يعبدون سين وهو القمر وقد هاجر إليها إبراهيم عليه السلام وأقام فيها نحو خمس عشرة سنة وكان فتحها في الإسلام أيام عمر بن الخطاب على يد عياض بن غنم نزل عليها قبل الرها فخرج إليه رؤساؤها وقالوا له ليس امتناعنا عنكم لشيء ولكن امضوا إلى الرها وصالحهم كما قدمناه فصالح أهل حرّان على مثال صلحهم. وينسب إلى حرّان جماعة من أهل العلم فمنهم صاحب تاريخ الجزيرة أبو الحسن علي ابن علان بن عبد الرحمن الحراني الحافظ المتوفى سنة 355 ومنهم أبو عروبة الحسن بن محمد بن أبي معشر صاحب تاريخ الجزيرة المتوفى سنة 318. الصابئية حران هذه هي مدينة الأمة الصابئة. قال المسعودي في مروج الذهب: وللصابئة من الحرانيين هياكل على اسم الجواهر العقلية والكواكب فمن ذلك هيكل العلة الأولى وهيكل العقل وهيكل السنبلة وهيكل الصورة وهيكل النفس. وهذه مدورات الشكل. وهيكل زحل مسدس. وهيكل المشتري مثلث وهيكل المريخ مستطيل وهيكل الشمس مربع. وهيكل عطارد مثلث الشكل في جوف مربع مستطيل. وهيكل الزهرة مثلث في جوف مربع. وهيكل القمر مثمن. ولهم قرابين يقرّبونها من الحيوانات ودخن للكواكب يبخرون الجزء: 1 ¦ الصفحة: 427 بها وغير ذلك. قال والذي بقي من هياكلهم سنة 332 هيكل بباب الرقة من حران يعرف بمصلينا وهو هيكل آزر عليه السلام عندهم. وكان لهم في حران بيت تحته أربعة سراديب اتخذوها لأنواع صور الأصنام التي جعلت مثالا للأجسام السماوية وكانوا يعرضون عليها أطفالهم على كيفية معلومة عندهم فتستحيل ألوانهم فزعا مما يسمعون منها من الأصوات وفنون اللغات بحيل قد اتخذت ومنافيخ قد عملت تقف السدنة من وراء جدر فتتكلم بأنواع من الكلام ويصطادون بذلك العقول ويسترقّون الرقاب. وهذه الطائفة المعروفة بالحرّانيّين «1» والصابئة فلاسفة إلا أنهم من حشوية الفلاسفة وعوامهم مضافون لخواص حكمائهم إضافة سبب لا إضافة حكمة لأنهم يونانية وليس كل اليونانيين فلاسفة إنما الفلاسفة حكماؤهم. قال: ورأيت على باب مجمع الصابئية بمدينة حران مكتوبا معناه: من عرف ذاته تأله. وفي تاريخ ابن الوردي أن الصابئة ملة وهي أقدم الأمم ويذكرون أنهم أخذوا دينهم عن شيث وإدريس ولهم كتاب يسمونه صحف شيث فيه ذكر محاسن الأخلاق كالصدق والشجاعة والتعصب للغريب واجتناب الرذائل. قال ابن الوردي ورأيت صحيفتين من صحف الصابئين ولكنهما عن إدريس، الأولى منها «2» صحيفة الصلاة فمنها أنت الأزلي الذي ترتبط به الرياسات رب جميع المكنونات المعقولات والمحسوسات رئيس البرايا وراعي العوالم رب الملائكة ورؤساء الملائكة منك تنزلت العقول إلى مديري الأرض لأنك السبب الأول أحاطت قدرتك بالكل وأنت الوحدانية التي لا تحدّ ولا تدرك مدبر سلاطين السماء وينابيع النور الدائمة الإنارة أنت ملك الملوك الآمر بالخيرات كلها المتقدم لكل شيء بالوحي والإشارة منك تنبث المخلوقات وبرمزك ينتظم العالم بأسره ومنك النور وأنت العلة القديمة السابقة لكل شيء نسألك أن تزكي نفوسنا وتوفقها لاستحقاق نعمتك الآن وفي كل أوان إلى الأبد يا ظاهر متعاليا عن كل دنس أحلل عقالنا وعافنا من كل مرض وبدل أحزاننا أفراحا بك نعتصم ومنك نخاف الجزء: 1 ¦ الصفحة: 428 نسألك أن توفقنا لتمجيد عظمتك التي يشار إليها ولا ينطق بها منك الكل وبك يستنير الكل وأنت رجاء العالمين ومعين الناس أجمعين. وفي هذه الصحيفة عبارة لا يجوّز ديننا إطلاقها على الباري تعالى. وأما الصحيفة الثانية فهي صحيفة الناموس فمنها: لا يجرينّ أحد منكم في معاملة أخيه ما يكره أن يعامل بمثله وإياكم التفاخر والتكاثر لا تحلفوا بالله كاذبين ولا تهجموا على الله باليمين واعتمدوا الصدق حتى يكون نعم من قولكم نعم ولا لا، وتورعوا في تحليف الكاذبين بالله جل ذكره فإنكم تشركونهم في الإثم إذا علمتم منهم الحنث وليكن الأسر في نفوسكم أن تكلوهم إلى الله عالم السرائر فحسبكم به من حاكم يعدل وناطق يفصل لا تلهجوا بهجر الكلام وسوء المقال ولا وتتفاضوا الأضاليل والأباطيل ولا تكثروا الهزل والضحك والهمز واللمز ولا تبدر منكم عند الغضب كلمة الفحش فإنها ترديكم العار والمنقصة وتلحق بكم العيب والهجنة وتجر عليكم المآثم والعقوبة. من كظم غيظه وقيّد لفظه ونظف منطقة وطهر نفسه فقد الشر كله استشعروا الحكمة وابتغوا الديانة وعوّدوا نفسكم الوقار والسكينة وتحلّوا بالآداب الحسنة الجميلة تروّوا في أموركم ولا تعجلوا سيما في مجازاة المسيء إن تكن من أحدكم فرطت وارتكب منكرة فليقع عنها ولا تحمله السلامة منها على المعاودة لها فإنها إن سترت عليه في الدنيا فإنه يفتضح بها على رؤوس الأشهاد يوم الدين. قال ابن الوردي: وللصابئة عبادات منها سبع صلوات منهن خمس توافق صلواتنا والسادسة الضحى والسابعة في تمام السادسة من الليل ولصلاتهم نية ولا يخلطها المصلي بشيء من غيرها ولهم الصلاة على الميت بلا ركوع ولا سجود ويصومون ثلاثين يوما وإن نقص الهلال صاموا تسعة وعشرين يراعوا في فطرهم وصومهم الهلال بحيث يكون الفطر وقد دخلت الشمس للحمل. ويصومون من نصف الليل الآخر إلى غروب قرص الشمس. ولهم أعياد عند نزول الكواكب الخمس المتحيرة بيوت أشرافها والمتحيرة زحل والمشتري والمريخ والزهرة وعطارد ويعظمون بيت مكة. وبظاهر حران سكان يحجونه ويقولون إن أهرامات مصر أحدها قبر شيث بن آدم والآخر قبر إدريس وهو خنوخ، والآخر قبر صابىء بن إدريس الذي ينتسبون إليه. ويعظمون يوم دخول الشمس الحمل فيتزينون ويتهادون فيه. قال ابن حزم: الدين الذي انتحلوه أقدم الأديان على وجه الأرض الجزء: 1 ¦ الصفحة: 429 والغالب على الدنيا إلى أن أحدثوا فيه الحوادث فبعث الله إليهم إبراهيم عليه السلام بالدين الذي نحن عليه الآن. وقال الشهرستاني: والصابئون يقابلون الحنيفيّة ومدار مذهبهم التعصب للروحانيّين «1» كما أن مذهب الحنفاء التعصب للبشر الجسمانيّين أي أنهم يفضلون الملائكة على البشر عكس الحنيفيّة. اه. ما أوردناه من تاريخ بن الوردي. أقول: وحرّان لم تزل معمورة إلى حادثة تمرلنك وفيها كان خرابها وجلاء أهلها عنها. وهي الآن قرية صغيرة معظم سكانها عرب مسلمون ليس فيها صابىء واحد قد خلت منهم منذ عدة قرون وينسب إليها من العلماء أبو صالح عبد الغفار بن داود البكري الحراني وكان ثقة من رجال البخاري توفي في مصر سنة 224 وأحمد بن واقد الحراني وأبوه عبد الملك توفي أحمد ببغداد سنة 221 وعمر بن خالد بن فروخ الحراني نزيل مصر المتوفى سنة 229 وهو من رجال البخاري أيضا والحسن بن محمد بن أعين أبو علي الحراني من رجال البخاري وهو شيخ شيخه والحسن بن أحمد بن أبي شعيب الحراني شيخ مسلم وأبو الحسن ثابت ابن إبراهيم الحراني المتطبب توفي سنة 369 وأبو الفرج عبد المنعم بن عبد الوهاب بن كليب الحراني شيخ العلامة ابن الأثير صاحب تاريخ الكامل وغيره توفي سنة 596 والحاسب الحكيم ثابت بن قرّة الحراني غلب عليه علم الأوائل والفلسفة والطب. والشيخ القدوة حياة بن قيس الحراني الولي الكبير والعالم النحرير توفي سنة 581 ودفن بظاهرها وقبره يزار والإمام الحجة أحمد بن تيميّة الحراني المتوفى سنة 728 وغير من ذكرنا من هؤلاء الأعيان المحترمين الذين لا يحصون كثرة. انتهى الكلام على قضاء أورفه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 430 قضاء سروج من أعمال لواء أورفه قرى سروج اسكي سروج 186 شيخ عيسى 74 سماقي زناي 62 علي كور 416 علي كور ر 40 عطشان 62 عطشان ر 12 منقوش 42 مديب صغير 80 مديب كبير 92 خضر خيز 52 عميرك 62 بلغان 31 بوزتبه 156 شروان كبير 198 شروان صغير 73 رميل 87 قويك معجي 26 قويك أحمد أفندي 32 قابوجي 135 تل ور 55 بني بايانه 20 تل آل 100 تبه لي مزار 183 ده ده 82 قره 480 ماروه 114 عربان 78 قر كان 247 طقونك 65 ماسيجارك 29 خراب صار 47 تل تين 28 مرزين دناي 52 بنار باش 25 مسجوك 89 غولك 43 زكي دناي 52 قره هيوك 133 هجبك 116 اغاجي جفتكلي عاصيانلي 27 تل قاق 37 بير عمر 42 خراطى 25 سينه قوش 28 مكتلان 48 معبره 73 آق ويران 39 قره قيو 37 يلكزدان 27 خراب كالك 51 مزابصور 60 دنكز 32 يوقاره باره بارة 48 تل عنتر 14 منلا حمزه 84 أوزن خضر 48 برج حمام 81 طقونك 77 مرزه على 24 عين بات 93 يوزتبه 35 قياجق 57 كورتك 36 زيارت شيخ مسلم 610 ميشك 45 حسن كولك 18 كولجك 27 شاوك 201 كوسك 14 موسك 45 إيشمه 26 خراب قار 18 بير خليل 18 اشاغي باره باره 83 خراب نان 104 جوم على 100 عليشار 195 مرد إسماعيل 93 تل حوتك 67 دارك 88 كوسان 75 تل حاجب 151 عشقان 43 بيوك طيرى 35 خراب جبل 12 خراب كورد 55 جلمك 148 يوقارى طاشلى هيوك 68 اشاغى طاشلى هيوك 29 هولقلى 32 اشاغى ايت ويران 16 يوقارى ايت ويران 20 إيضا يوقارى ايت ويران 39 سولات 13 بير عمر شيخانلي 43 كير بلك 43 أشاغي تحتك 33 بوقارى بوز هيوك 110 باده لي 17 اشاغي يوزهيوك 43 ذويرك 21 يوقارى خان 21 يوقارى تحتك 18 قوج 28 كاروسى 24 نوتان 16 جساس 44 هيمى 64 تمد على 154 يوقار بستانجق 95 أشاغي بستانجق 24 هردوشانلى 53 شامات 60 مزيبل 42 قره جرن 71 كيرلى 31 قرميد 68 طاش باسان 14 بلك 53 اغجه قيو 13 قره طاش 52 يكن 23 خليل جك 38 اشاغى جنك 17 يوقارو بامور الجزء: 1 ¦ الصفحة: 431 32 أشاغى بامور 55 قزاني 32 حاجي كوى 33 دابات 22 حيدر أحمد 102 مدرياز 29 يواجق 86 يوقار يجق 24 قره قاش 216 مزرين 84 ذبشقر 94 ميرخان 60 تل خرمان 27 اق أوغلان 47 شامان 141 زدنجك 193 طوشان 146 كاسكان 89 بياطحه 45 زحوان 97 كيكان 73 مزرعة داود 44 شاهين جق 68 دبابكلي 59 أوغلي بك 34 شران 150 سليمان بك 14 أرسلان طاش 173 أرسلان طاش مصافي 368 قره جلخ 335 مكتلان 136 عطمانك 239 معصره 204 حسامي 6 تل عفاريت 75 مزرعنتر 102 فوج سكران 53 قاز سكران 55 خربة شيش 94 ملك سكران 125 بني بيان 18 صاتل سكران 86 باصلي مزار 334 بهلوان كسمه 37 تل أربعين 108 أشاغي جنوك 69 يوقارى جنوك 33 عرب بناري 108 تزحك 31 موميت 51 قوال 7 منار 50 كوكلميت 23 حنيرك 24 قره على 37 بلابان كولك 30 دوللي طاغي 14 كومه قيو 36 مزكفلي 84 مرشد بنارى 7 شوبك 26 كسمه 24 سويدى 63 كرسان 33 قوناق 25 كوتي كوي 9 جرقلي 66 قران 37 كوك تبه 28 مشكو 124 جبنى 55 آجي قيو 73 إيلنجاق 369 أوخان 37 يوبق 47 حفت روح 9 قويز 45 غريب 11 كريناو 46 تفشو 90 مخارج 79 بركل 74 جبل فرج 9 شيخ جوبان 86 بير كفكانلي 70 بيل ويران 37 مزرعة صوفي 33 قل حديد 81 قزل هيوك 14 تل غزال 105 كوفي 27 دوبيرك كتكانلى 23 صاصي دناى 34 قره مزرعة 30 يدي قيو 145 كورابي 11 خروز 61 تل ويران 45 مرانلي 55 قزل قيوه 5 كوسه على 11 أوكنلي 9 جاس بش 28 تل شعير 64 بوبان 26 قولا 44 دربازني هوري 11 بندر 56 قره قيو 32 ربوه 43 خزانه 175 بيروش 26. ناحية المسعودية في قضاء سروج المسعودية 298 حرين بنار باشى 132 عرنا 26 مطرس 11 كارو خرابه 50 قره قوزاق 36 جعده 41 إيشمه 35 قبه 112 مخمار 9 مغاره 24 كوله باراطه سي 7. فجملة سكان قضاء سروج (17113) نسمة ما بين ذكر وأنثى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 432 الكلام على قضاء سروج مدينة سروج سروج بلدة قديمة كانت من أعمال حرّان من ديار مضر طولها 62 درجة ونصف وثلث وعرضها 36 درجة غلب عياض بن غنم على أرضها ثم فتحها صلحا على مثل صلح الرها سنة 17 وهي التي يعيد الحريري في ذكرها ويبدي في مقاماته وقد نسبوا إليها أبا الفوارس إبراهيم بن الحسن بن إبراهيم بن برية السروجي الخطيب وقيل سميت باسم سروج ابن رعد وهو جد تارح والد إبراهيم. وزعم بعض المؤرخين أنه عاش 330 سنة وأنه هو الذي وضع عبادة الأوثان من الذين ماتوا مفضلين على الجنس البشري. وخالف بعضهم هذا وقال عبادة الأوثان التي وضعت في أيام سروج كانت محصورة بعبادة الصور. وأما عبادة المفضلين من البشر وتأليه الأجسام فقد وضعتا بعد سروج. ومدينة سروج تبعد عن البيرة مسافة يوم إلى الشمال الشرقي وموقعها في الجزيرة أو هي من بلاد ما بين النهرين. وقيل لأبي حية النميري ألا تقول شعرا قافيته الجيم. فقال: وما الجيم بأبي أنتم. فقيل له: مثل قول عمك الراعي (ماءهن يعيج) فأنشأ يقول: ولما رأى أجبال سنجار أعرضت ... يمينا وأجبالا بهنّ «1» سروج ذرى عبرة لو لم تفض لتقضقضت ... حيازيم محزون لهنّ نشيج ولم تزل سروج عامرة حتى خربها تيمور لنك وآثار ما كان فيها من السور والخندق والحمامات وغيرها باقية تحت الأرض. وهي الآن قرية صغيرة تشتمل على مسجد ودار للحكومة وبعض دكاكين للباعة وموقعها في شرقي الرّها تبعد عنها أربعة عشرة «2» ساعة وتبعد عن حلب ثمانية وعشرين ساعة وهي مركز قضاء سروج وهو قضاء واسع الصحراء كثير القرى معمور بالسكان جيد التربة صحيح الهواء كثير المياه وأهله أخلاط من الأكراد والعرب والتركمان. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 433 وفي قرية أرسلان طلش من هذا القضاء عمودان من الحجر الأسود طول كل واحد منهما أربعة أذرع وعرضه ذراعان على رأس كل واحد منهما تمثال أسد. وقد اشتهر هذا القضاء بكثرة الغلات والمحاصيل وجودة الخيول ولأهله براعة في نسج البسط والسجادات وبيوت الشعر وغيرها وممن ينسب إلى سروج من المتأخرين قاضي القضاة أبو العباس السروجي أحمد بن إبراهيم وهو شارح الهداية في ست مجلدات وشمس الدين السروجي صاحب غاية البيان. والشيخ القدوة المرشد الكامل أبو نعمة مسلمة بن نعمة السروجي توفي سنة (466) ودفن بقرية تبعد مسافة نصف ساعة عن سروج في جنوبها إلى الشرق وقبره يزار. انتهى الكلام على قضاء سروج. قضاء روم قلعه في لواء أورفه ناحية يازيكي تفتك 116 سلدك 150 أرغل 510 قره مزرعه 255 آرام 214 آراح 267 خوخ 108 أونش 41 نعش 166 خرونك 98 آسمان 23 طوشان ويران 58 بادم خاتون 16 هيلي 54 عمرلي 327 جبن 409 جبن ر 422 سيب صندوق 105 توسيانلي 40 بيله سور 146 قره أغل 48 عفتار 63 صاروجه 20 أشاغي كوللي 190 سلمانلي 29 قنطره 35 ييوك كوللي 511 يولو 59 غيني 448 يازو 190 كفرخان 102 درنو 183 جقاللو 190 دهنه 351 نهر سعيد 164 جوساق 81 دليلر 115 كوله سور 51 نخورود 301 مزران 23 قنيق 127 قلقان 67 أربه نين 84 كوبه لى 74 جول 14 جيكان 84 زخير 68 كلبك 189 إيران 837 طات عيني 108 تسعه 598 عنق 275 تودلجه 61 زغره 54 تعلكان 149 كوندري 66 بكور تلان 84 سوسيك 28 آق ويران 19 هوباي 10 جورتك 14 كره لى 20 الأحاجي 43 مغرلى 93 أسمان 253 شكر كوي 67 غلباش 59 دوديرى 112 جبن ويران 38 بره صو 9 دير شبك 16 بك برجي 38 معجونلي 86 أوج إياق 11 يوزاوق 40 خلفتى وفيها الحكومة 1368 خلفتى ر 17 كفر كاب 345 تل عزه 238 مغتان 23 شيخ بكر 14. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 434 ناحية رشى رزطل 378 كليسه جك 104 عجمي 59 أشاغي جردق 285 يوقارو جردق 110 قزل ابن 120 حبيب 69 قمتين 172 أهنش ر 190 برنوس 17 قره برج وقره مزرعه 50 زرده كوم 38 كوسه لرومجزلى 127 جاموسلي 127 مصيري 148 خرابه 56 ميله لر 201 حصار 73 الف جار 126 صاريلر 589 حسن أوغلي 48. ناحية مرزمان روم قلعه 122 قصبه 225 كوحملك 42 ياللق 200 قصطل 134 قره يوسفلي 110 طندرجق 15 باقرجه 61 أنجيكار 87 يوزانلي 10 يوله جق 66 قره قيو حسن كيجو وأكواخها 109 أكواخ اييجازسنى 57 نور خليل باش وموسو 60 جنكفه 167 يناملى 157 يوسف آغا 159 قره حسينلي 34 مندوللي 82 يارمجه 66 كللي تبه 149 كري دره 126 أكواخ على حامو 64 تحتك 84 أوج كول 62 مامي كرير واطه 32 كورك وكرك 76 جيور 71 يورون ويران 164 أكواخ كوجك حافظه 36 بمكاتلي في قوجه قشله 22 قسيل دكاغي 40 أكواخ مامي قرب قزه برج 45. ناحية عربان ذكتريش 122 سيود كج 368 روم أولك 47 يوقارى قره واعظ 200 أشاغي قره واعظ 64 ديب جيني 45 باش بنار 55 كموش بنار 105 فاقلو 55 نوركك 33 أسكي التونكان 60 عشيرة دو كان 55 ألطون طاش 236 لولان 68 بغلوجه 65 زياره 112 قروجه ويران 251 عزازي 189 أرغل 88 قوماجه 51 داغد اغنجق 74 عشيرة هماني 128 بدران 161 صادل 186 أشاغي ملك 112 يوقاري ملك 96 حوجكلي 90 قره بابا 53 شفقتلو 40 توداقلي 65 سنكانلي 83 شفقتلو 11 طورانلي 29 سباهي 57 سباهي 32 دوكانلي 41 سنكانلي 46 سنكانلي 39 طورانلي 13. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 435 قضاء قلعة الروم هذا القضاء يعرف عند الأتراك باسم قضاء روم قلعة ومركزه (وهو خلفتى) في الغرب الشمال من الرها يبعد عنها 18 وعن حلب 38 ساعة وقلعة الروم التي يضاف إليها القضاء واقعة على قمة جبل شامخ والفرات في أسفله وافد عليه من غربيه ملتف عليه كنصف دائرة كأنه خندق له وكانت من المنعة على جانب عظيم وهي مقابل البيرة بينها وبين سمياط وكان بها مقام بطريرك الأرمن خليفة المسيح عندهم ويسمونه بالأرمنية كماغيكوس وكانت هذه القلعة قد انفردت وحدها في وسط بلاد المسلمين واستمرت في أيدي الأرمن ولم يلتفت إليها المسلمون لحصانتها ولقلة جدواها أو لأن المسلمين اعتبروها مكانا مقدسا عند الأرمن فتركوها لهم كما كانوا يتركون لهم البيع والكنائس من بلاد الإسلام. وهكذا استمرت في أيدي الأرمن إلى سنة 691 وفيها كثر فساد الأرمن منتهزين فرصة اشتغال المسلمين بحروب الصليبيين وغيرها وحينئذ تجهز لهم صاحب مصر الملك الأشرف وسار معه جيش كبير من العساكر قاصدا فتح قلعتهم المذكورة فتوجه إليها ونازلها ونصب عليها المجانيق ودام عليها الحصار حتى فتحت بالسيف يوم السبت حادي عشر رجب، كما حكيناه في حوادث هذه السنة في باب الحوادث. ومن ذلك اليوم دخلت تحت سلطنة المسلمين وبقيت بأيديهم إلى حدود سنة 1250 وفيها انتقل عنها أحد أعيانها المسلمين لفتنة كانت بينهم إلى محل خلفتى الآن وبنى له بها دارا وسكنها وصارت سكان قلعة الروم ينتقلون عنها حتى لم يبق منهم سوى القليل. وأول من انتقل عنها إلى خلفتى رجل من أعيانها اسمه محمد أفندي لطيف زاده أدركته شيخا طاعنا بالسن صاحب برّ ومعروف بقصبة خلفتى وقد ضفته مدة ولقيت عنده برا وإكراما رحمه الله وهو الذي سعى بتعمير جامعها بعد أن اتخذها وطنا وهي الآن قصبة عامرة واقعة في سفح جبل على ضفة الفرات المتوجهة إلى الجنوب قد اشتملت على جامع ومكتب رشدية ودار للحكومة وفرن ونحو 30 دكانا. وفي أطرافها كثير من الكروم والبساتين وقضاؤها معمور القرى وافر الغلات مشهور الجزء: 1 ¦ الصفحة: 436 بكثرة الفستق وجودة الفواكه وشرب أهل خلفتى من عيون منصبة عليهم من الجبال المجاورة لهم وهم كاهل بيره جك يتحامون شرب ماء الفرات خيفة من كثرة الأكل لأنهم يدعون أن ماءها كثير الهضم للطعام. وحكى ياقوت في معجم بلدانه في الكلام على «قلعة الروم» أن كتاغيكوس الذي كان يلي البطارقة في قلعة الروم من قديم الزمان كان من ولد داود على زعمهم وعلامته عندهم طول يديه وأنهما تتجاوزان «1» ركبتيه إذا قام ومدهما ويلفى ذلك في ولده وفي سنة 610 اعتمد اليون بن اليون «2» ملك الأرمن الذي بالبقعة الشامية في بلاد المصيصة وطرسوس وأذنه ما يكرهه الأرمن وهو أنه كان إذا نزل بقرية أو بلدة استدعى إحدى بنات الأرمن وقضى أربه منها في ليلة ثم أطلقها إلى أهلها إذا أراد الرحيل عنهم. فشكا «3» الأرمن من ذلك إلى كتاغيكوس فأرسل إليه يقول له هذا الذي اعتمدته لا يقتضيه دين النصارى فإن كنت منهم فارجع عنه وإلا فافعل ما شئت فقال أنا منهم وسأرجع عما كرهه البطرك. ثم عاد إلى أمره وأشد فأعادوا شكواه فبعث إليه مرة أخرى إن رجعت عما تعتمده وإلا حرمتك فلم يلتفت إليه. وشكي مرة أخرى فحرمه كتاغيكوس وبلغه ذلك فكشف رأسه ولم يظهر التوبة عما صنع فامتنع عسكره ورعيته عن أكل طعامه وحضور مجلسه واعتزلته «4» زوجة وقالوا هو الدين لا بد من التزام واجبه ونحن معك إن دهمك عدو أو طرقك أمر وأما حضورنا عندك وأكلنا طعامك فلا. فبقي وحده وإذا ركب ركب في شرمزة «5» قليلة فضجر وأظهر التوبة وأرسل إلى كتاغيكوس يسأله أن يحضر لتكون توبته بمحضره وعند حضور الناس يحلله. واغتر كتاغيكوس وحضر عنده وأشهد على نفسه بتحليله وشهد عليه الجموع فلما انقضى المجلس أخذ اليون «6» بيده وصعد القلعة وكان آخر العهد به وأحضر رجلا من أهل بيته وكان مترهبا فأنفذه إلى القلعة وجعله كتاغيكوس. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 437 قضاء بيره جك في لواء أورفه مدينة بيره جك - محلاتها الميدان 2209 المركز 669 تدريب 1396 تدريب ر 26 الساحة 1093 الساحة ر 225 خواجه شرف 793 خواجه شرف ر 4 وادي جنك 662 وادي جنك ر 358 سنجاق 704 سنجاق ر 466 د 12. قرى بيره جك نزب 1982 نزب ر 178 كهرير 104 مغاره جق 40 مزار 813 خيار 104 سوكتلى 86 كفر شيخ 74 حومصلى 40 كوارب 501 دورديلى كرسخاش 80 قوريجه هيوك 44 جبن فلك 18 يارم تبه 35 كمرك 18 آق قيو 21 جناق 10 طورم كرسنطالش 8 جركيش 148 قوبين 136 تل ميان 174 كفره 129 إبندر 113 كرتل 55 كركس 113 طايبه 83 ملكه 39 حميلى 46 تل مغاده 113 جانجفار 26 كفر طون 72 حزم أوغلي 30 مزمكان 14 جسرين 40 داز هيوك 52 كرلاوك 22 جفشريك 130 صارى قوج 38 الأكوز 38 حسن أوس 53 شقاق 9 نهراب 44 بازار 61 قيون بان 56 تل حبيش 108 كرزبن 69 مرزين 123 تلسمان 59 نجار 59 مرج خميس 115 كفربك 88 أغجه نوى 88 كرفيش 63 بلقيس 180 كونلوجه 57 قره عمود 15 حاجي بنى 177 سور تبه 56 تل وز 56 تل عبود 53 تل موسى 320 هو باب 440 قره باش 66 عناب 136 فرخو 8 تحجي 12 جفتلك 205 سودك 277 أشاغي حبيب 40 يوقارى حبيب 10 سوكرتلان 53 أق بنار 34 تبه ويريلان 4 هوانه 17 جيجى 16 شمس خضر 19 نمازلى 11 قره بابا 64 أشك ويران 9 قبوك 16 كوك اشمه 5 المشان 29 عراطه طاغى 33 قولاقسز 5 بلانلى 16 إيكي مغاره 10 جوغان 27 أغجه قيو 16 ديوريكي 25 خان ومنكلى وسمادى 31 شبوك 41 كيرلاويك 37 تل فار 16 تل مجنون 41 فاطمة جق 46 صاقرغه 39 بهبان 54 بند بغجه سى 21 زهرى 103 إلى عمر أطه 56 مزرعه 352 قره قز 92 تيل 198 طوز مغاره 176 ولى حمد 39 خللى حسن 41 أشاغي شيخلر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 438 154 يوقارى شيخلر 248 بوبراز أوغلى قوملغى 128 محمود أوغلى قوملغى 166 ألف أوغلى 164 شرعه 128 شمك 159 شمك كوجرى 67 زهره جك 50 قرنفل 91 خضرجك 45 يارمجه 12 أنيلك 12 سلسله 22 نوخود 15 تل موسطه 10 جفتلك 118 قاجان 121 إيكزجه 158 إيزار 102 مللى 49 تل كوشكر 17 قره جرن 59 دوبلى 90. فجملة سكان قضاء بيره جك (19278) منهم (8617) سكان مدينة البيرة والبقية وهي (10661) سكان بقية القضاء. مدينة بيره جك من المدن الشهيرة في هذا اللواء مدينة (بيره جك) وتعرف قديما بالبيرة أو بيرة الفرات وهي مركز قضائها وموقعها غربي الرّها في بعد ثمان عشرة ساعة وشرقي شمالي حلب وتبعد عنها 89 ميلا وموقعها الحربي والتجاري مهم جدا لأنها على ضفة الفرات وفيها دار للحكومة وقلعة قديمة ومستودع للرديف و 12 جامعا و 12 مسجدا و 4 كنائس و 6 حمامات و 522 دكانا و 5 أفران ومصبنة واحدة و 3 معاصر وهي مدينة قديمة جدا وكانت تسمى في أيام الرومانيين زوغما وفي سنة 1048 اجتاز منها السلطان مراد خان الرابع أثناء سفره لبغداد فرآها جديرة بالتحصين فأرسل إليها خمسة مدافع اثنين منها يقذفان كرة ثقلها خمس وعشرون أقّة «1» وثلاثة تقذف كره ثقلها ثمان أقق. وأنفذ إليها أيضا 800 زورق لنقل المهمات. وكانت البيرة في صدر الإسلام قلعة حصينة لها رستاق «2» واسع والفرات تجاهها واسع جدا محتمل لسير السفن. وهي الآن مشهورة بتجارة الشعير والزبيب وتنسج فيها العباءات القطنية. في جانب البيرة قلعة قديمة يقال لها القلعة البيضاء مشادة على تل صناعي مفروش بحجارة عظيمة مربعة وفي قضاء بيره جك على بعد ساعة منها خرابة مدينة بلقيس. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 439 من مفردات بيره جك البطيخ الأصفر الذي لا نظير له في الحجم والطعم والنكهة وغزارة الماء ويجلب منه إلى حلب في فصل الخريف مقادير وافرة. وبالجملة فإن هذه المدينة طيبة التربة جيدة المناخ كثيرة الخيرات زرتها مرارا وضفت مفتيها المرحوم منيب أفندي فلقيت عنده منتهى الحفاوة والإكرام. ومن الأسر القديمة الشهيرة في البيرة أسرة معروفة باسم أمير كلام زاده وجد منها عدة رجال محترمين. نزب في غرب خرابة بلقيس بلدة تعرف باسم نزب من أعمال قضاء البيرة اشتهرت بوقعتين عظيمتين إحداهما واقعة سابور الثاني أحد الملوك الساسانية مع إمبراطور الروم قبل الهجرة بنحو (176) سنة والأخرى معركة دارت رحاها بين عساكر الدولة العثمانية وبين عساكر إبراهيم باشا المصري سنة (1246) وهي الآن بلدة ذات خيرات وافرة. جرابلس ومما له ذكر في التاريخ من هذا القضاء مدينة (جرابلس) وهي المذكورة في الجدول بين أغجه نوى وبلقيس. وكانت تسمى عند اليونان يره بوليس وعند الآشوريين كاركمش. وربما سماها العرب منبج القديمة أو منبج العليا. وكانت في أيام الدولة الآشورية مدينة عظيمة حسنة البناء صحيحة الهواء كثيرة المياه والأشجار لذيذة البقول والثمار ولأهلها خلق حسن ويقال إنها كانت مدينة الكهنة ودورها وسورها مبني بالحجارة وهي على الفرات الأعظم. قيل في سنة (21) من مولد لاوي بن يعقوب بنت الملكة سمرين بناء عظيما على شاطىء الفرات ووضعت فيه صنما عظيما أقامت له من الكهنة ستين سادنا وسمت تلك المدينة يره بوليس أي مدينة الكهنة. وقيل لما كانت سنة (50) من ملك بخت نصر قتل فرعون الأعرج ملك مصر وكان فرعون أحرق مدينة منبج العليا ثم بنيت بعد ذلك وسميت يره بوليس. وقيل الذي بناها كسرى حين استيلائه على ناحية الشام وسماها منبه وبنى بها بيت نار ووكّل به سادنا اسمه يزدانيار من ولد أزدشير بن بابك ومنبه بالفارسية معناها أنا أجود الجزء: 1 ¦ الصفحة: 440 فعربه العرب إلى منبج وقيل إن منبه اسم بيت النار فغلب على المدينة. هذه المدينة تبعد عن البيرة 6 ساعات يأتي المسافرون إليها من البيره على الزوارق والأطواف «1» في الفرات وقد وجد في حفائرها عاديات كثيرة عليها خطوط بقلم الهيروكليف نقل منها صاحب تحفة الأنباء نبذة كبيرة. من جملة أسماء هذه المدينة هترابوليس وكان فيها معبد فيه هيكل لقدماء السوريين. ويقال إنها كانت عاصمة مملكة الحثيين في سوريا. وفي تاريخ سوريا أن موقعها على الفرات في الشمال من نهر الساغور (الساجور) وفي الشرق من خلمان وهي حلب ومن خزاز (عزاز) في قضاء كلّس وفي جنوب بلاد الكرما (بلقيس) في قضاء بيره جك. اه. أقول: قوله: وفي الشرق من خلمان إلى آخره ليست خلمان حلب بل هي قرية تعرف الآن باسم هلمان عندها محطة لسكة حديد بغداد على مقربة من الساجور. كان فتح جرابلس عن يد حبيب بن مسلمة تحت إمرة أبي عبيدة سنة (15) وقد جلا أهلها عنها إلى بلد الروم وعرفت عند المسلمين في ذلك الوقت باسم قرية الجسر ولم يكن الجسر يومئذ موجودا وإنّما اتّخذ في خلافة عثمان للصوائف وقيل بل كان للجسر رسم قديم. ثم في سنة (17) فتحت ثانية على يد عياض بن غنم وفتح معها ما يليها من القرى في تلك الأراضي. قلت لعلها هي التي سماها ياقوت في معجم البلدان (جرباس) عند كلامه على دير قنسرين الذي كان فيه (370) راهبا، قال وبينه وبين منبج أربعة فراسخ. أدركنا هذه البلدة القديمة وهي قرية صغيرة لا يعبأ بها إلى أن كانت سنة (1329) اتخذت فيها محطة لسكة حديد بغداد فأخذت من ذلك التاريخ تمتد فيها العمائر والمباني ولم يمض عليها سوى سنتين إلا وقد قام فيها عدد غير قليل من المنازل والحوانيت والأفران وغيرها. وكانت قبل ذلك من جملة الخرابات القديمة التي يقصدها السواح ويحفرون أرضها لاستخراج الآثار القديمة من الأواني والظروف الخزفية والزجاجية والنحاسية والأصنام الجزء: 1 ¦ الصفحة: 441 الحجرية وغيرها من العاديات الآشورية والحثية مما يستحق أن يحفظ في متاحف العواصم الأوروبية. وقد عقد على الفرات عندها جسر عظيم حقيق أن يعد من جملة عجائب المباني، قد تكلمنا عليه في حوادث (1333) من باب الأخبار. هذا وإن دولة حلب جعلتها مركز قضاء ملحق بحلب وعينت لها قائمقام وقاضيا كما ألمعنا إلى ذلك في الكلام على دولة حلب. انتهى الكلام على قضاء بيره جك. لواء مرعش- محلاتها جاوشلي 224 جاوشلي ر 554 ك 212 مغاره لى 386 مغاره لى ر 21 و 6 أقجه قيوني 198 أقجه قيوني ر 44 دوه جيلى 459 دوه جيلى ر 3 قره قره مانلي 438 قره ر 194 ك 59 و 170 قولاغي قورتلي 289 قولاغي قورتلي ر 150 ك 41 و 69 حجي محمدلي 12 حجي محمدلي ر 141 ك 80 و 29 شكر دره 121 شكر دره ر 517 ك 181 و 65 زميان 262 زميان ر 6 2 ك 72 و 77 خواجه طورطنى 338 خوارجه طورطنى ر 304 ك 58 و 129 عزغجيان 394 عزغجيان ر 215 ك 45 و 6 بكتوتيه 802 بكتوتيه ر 384 ك 177 و 189 رشبائيه 854 رشبائيه ر 132 ك 112 و 43 قياباش 530 قياباش ر 123 ك 64 و 10 بكانلر 634 بكانلر ر 205 ك 81 و 62 صونلطاتلي 281 صونطاتلي ر 20 و 7 خلخاليه 58 خلخاليه ر 60 ك 4 قوتيل 145 قوتيل ر 111 ك 26 و 20 اتمكجي 1342 اتمكجي ر 121 ك 73 و 108 بوغازكسان 74 بوغازكسان ر 247 ك 30 و 19 شيخ 648 شيخ ر 362 ك 96 و 201 جقور أربه 577 جقور أربه ر 161 ك 97 و 82 طوراقلي 475 طوراقلي ر 263 ك 109 و 55 خزينه دارلي 76 خزينه دارلي ك 3 و 10 جومقلي 228 ر 49 ك 11 و 36 علملي 1020 علملي ر 148 ك 88 و 210 ديوانلي 1588 ديوانلي ر 475 ك 203 و 199 قيوجق 191 قيوجق ر 589 ك 136 و 60 قمارلى 189 قمارلى ر 106 ك 36 و 51 بوستانجي 122 بوستانجي ر 116 ك 69 و 31 جغجغي 394 جغجغي ر 104 ك 39 خاتونيه 693 خاتونيه ر 471 ك 158 و 95 د 128 شكرلى 688 شكرلى ر 566 ك 197 و 148 د 65 عيسى ديوانلي 428 عيسى ديوانلي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 442 ر 79 ك 11 37 شازيه 375 شازيه ر 13 ك 6 و 26 ولى عليلي 135 ادنكود 31 تكرك 78 تكرك ر 10 خيريه 38 مسلم قبطي 60. ناحية أطراف مدينة مرعش- أسماء القرى توزبجقلي 207 نجار صغير 77 حاجي بك جفتلكي 32 كومج 22 المالر 387 بولانق 439 يوسف حاجلي 265 يوسف حاجلي ك 5 بنائرده 254 بنائرده ك 7 أغيار 109 كرخان 196 كوللو 132 ايا قليجه أولوق 345 أيا قليجه أولوق ر 21 غفارلى 115 دره لى 314 قوزلى دره 96. ناحية نادرلو كوسيه لى 316 قولاقلي 305 اسماعيل لي 437 اسماعيل لي ر 17 جام جقاللو 158 كورتل 665 طلاغوزلى 183 كورتلر افشارى 68. ناحية برتيز جوبانلي 130 بوداقلي 255 قلاغلي 110 جاموسلي 61 حاجي أيوبلي 177 ينى يبان 100 باش دروشلي 202 باش دروشلي ك 5 كماللي 83 كماللي ك 5 اغابكلي 169 قباصقال 85 قباصقال ر 15 بويالى 103 كدايملي 184 هبنور 106 صارى جقور 124 صاري جقور ر 9 مقصودلو 245 قلعه 18. ناحية خرطلب قزيل شلي 156 قارشلي 207 قردره 486 سير 534 مع كول بنار غفارلى 125 صادقلي 126 قلعه قيا 146 يشيل دره 378 دلدل 83 جوقران 41 خرطلب 675 ينى بيان 159 زيتون دره 97 قسطلي 438 دلى حاجبلي 296 جاغرجان 139. ناحية جامستل كشفه لى 21 كشفه لى ر 158 جوجه لى 117 أوكسك 781 أوكسك ر 7 طاطاغلي 160 طاطاغلي ر 13 دونكلي 216 دونكلي ر 185 و 21 كونيدلى 107 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 443 افشاري 66 أوكسك هيوري 363 أورجان 1046 عربلر 120 أوزه جاغي 19 تيبللي جفتلكي 5 تيبلى جفتلكي ر 8 يوزلى ر 3 فندقلي ر 356 و 127 أوزون قشله 51 جونلو 161 حسن آغا 92 فرخوش 228 أهيورلى مع شرف أوغلي 143 ست دره ده لى 22 آت إبزي 2 آت إبزي ر 4 حاجي مصطفى أوغلي 20 كوبري آغازي 39. ناحية ينيجه قلعه ينيجه قلعه 77 ينيجه قلعه ر 134 دوك 78 ينى يبان 133 سوس كورتلي 341 كشور كه 228 صاري منلالى 111 أوقاجر 268 أوقاجر ر 92 ك 44 دونكله 125 فنك 169 شغور 289 أنايطه 252 ينى كوي 257 ينى كوي ر 22 منجكى وواريانلي ر 61 عربلر ر 137 ك 174 نصارى ر 53 جورك قوزك 47 كوي أوكي ر 26 كوي أوكي ك 32 كونكلي ك 54. ناحية شكراوبه صاريلر 68 صاريلر ر 25 اغجه قيونلي 197 كوللو ويارلوجه 18 حجبه لى 163 إيل أوغلي 257 قبللي أوغلي 195 ر 8 جوبان تبه 82 كوللوهيوك 39 إيمالى 135 مراد أوغلي جفتلكي 135 ر 89 بينمازلى 164 ده ده لر 36 اقره لر 90 كولجه كزر 20. فجملة سكان قضاء مرعش (26692) نسمة ما بين ذكر وأنثى. الكلام على هذا اللواء وما فيه من الأماكن الشهيرة قال ياقوت في مرعش: هي مدينة في الثغور بين الشام وبلاد الروم لها سوران وخندق في وسطها حصن عليه سور يعرف بالمرواني بناه مروان بن محمد الشهير بمروان الحمار. ثم أحدث الرشيد بعده سائر المدينة. وبها ربض يعرف بالهارونية وهو ما يلي باب الحدث. وقد ذكرها شاعر الحماسة فقال «1» : الجزء: 1 ¦ الصفحة: 444 فلو شعرت «1» أم القديد طعاننا ... بمرعش خيل الأرمنيّ أرنّت عشية أرمي جمعه بلبانه ... ونفس «2» وقد وطّنتها فاطمأنت وموضعها في شمالي حلب وتبعد عنها 44 ساعة وتشتمل على دار للحكومة ومستودع للرديف وقلعة و 7 مخافر ومستشفى واحد و 49 جامعا و 15 مسجدا ومكتب رشدي ومكتب ابتدائي ومكتبة وخمس تكايا وزوايا و 17 كنيسة و 1447 دكانا وسوق حراج وست خانات و 41 فرنا و 150 حوضا و 12 حماما ومصبنتين و 96 طاحونا و 281 نولا لنسج الأقمشة وأربع أجزائيات و 17606 كرما و 1211 بستانا. وهي جيدة المناخ طيبة الماء وتنسج فيها الأقمشة المعروفة بالغزلية والعباءات اللطيفة وتعمل فيها الجلود وسروج الدواب والخيول النفيسة والكراسي الجملية التي تضاهي كراسي أوروبا وتعمل من خشب الجوز والدلب. وأكثر ما تباع هذه البضائع في قيصرية وقوزان وأذنه وجبل بركات وملطيه وينتقل منها إلى أذنه الدبس والزبيب. وإسكلتها «3» إسكندرونة ومبانيها من الحوار وبعضها من الحجر والخشب وفيها من الآثار القديمة العظيمة قلعة وجامع كبير، كلاهما من آثار دولة القدرية. ولغة سكانها التركية الحوشية فالأرمنية فالكردية. ولواء مرعش في شمالي حلب قبلة لواء حلب وشرقا ولاية معمورة العزيز وتعرف بخربوت وفي كتب التاريخ بخرت برت وشمالا ولاية سيواس وغربا ولاية أذنه. وهذا اللواء عبارة عن قضاء مرعش والزيتون وأندرين وبازرجق وآلب ستان وفيه السهول الواسعة الكثيرة المياه والجبال الشامخة المزدحمة بالغابات. وفي ضواحي مرعش جميع أنواع الفواكه والبقول والحبوب: كالعنب والرز والقمح والشعير والذرة والعدس والقطن والسمسم والجهرة والفوة والعفص وأهالي مرعش أخذوا منذ سنوات قليلة يعانون تربية شجر الزيتون والفستق بتلقيح شجر البطم وابتدؤوا الآن يستفيدون منه وفي قضاء مرعش بضع غابات عظيمة فيها الأرز والعفص والسرو وغيرهما الجزء: 1 ¦ الصفحة: 445 من الأشجار الجبلية ويسقي هذا القضاء ثلاثة أنهار كبار اسمها دلى جاى وآق جاى وأركنز وسبعة أنهار صغار وفيه أيضا بحيرة واسعة اسمها (سلوك كولى) . ومدينة مرعش مبنية على سفح جبل آخور وهي قديمة العهد جدا وكانت تعرف في التواريخ القديمة باسم جرمانسيا ومراجى ويقال لها مركاسى. وكانت عاصمة باتين وكركم في أيام آشور وموضعها قبلا كان في شرقي موضعها الحالي يبعد عنه مسافة أربع ساعات وذلك على ضفة نهر أركنز. ويقال إنها دوخت في ذلك الموضع في الدولة الآشورية قبل الهجرة بنحو 3000 سنة واستدل على هذا بما يشاهد من الكتابات والآثار الآشورية الموجودة في ذلك الموضع. ولما فتح المسلمون البلاد جلا عنها سكان الروم فخربت فعمرها معاوية وأسكنها جندا فلما مات يزيد ابنه كثرت عليها غارات الروم وخربت وجلا أهلها عنها ثم عمرها العباس ابن الوليد بن عبد الملك وحصنها وبنى بها مسجدا ونقل الناس إليها وفي أيام مروان بن محمد لما اشتغل بمحاربة أهل حمص حاصرتها الروم حتى صالحوا أهلها على الجلاء فأخربوها ولما فرغ مروان من حمص وهدم سورها بعث جيشا مع الوليد بن هشام سنة (130) فبناها ومدنها ثم أتتها الروم فأخربتها ثم ابتناها صالح بن علي في خلافة المنصور وحصنها وندب الناس إليها. ثم خربها الروم سنة (337) فبناها سيف الدولة بن حمدان سنة 341 في شرقي موقعها الحالي على بعد ساعة منه وجاء الدمستق ليمنعه من بنائها فقصده سيف الدولة فولى هاربا. وتمم سيف الدولة عمارتها. وإلى ذلك أشار المتنبي بقصيدة مدح بها سيف الدولة مطلعها: فديناك من ربع وإن زدتنا كربا ... فإنك كنت الشرق للشمس والغربا ثم تنقلت عليها الولاة المسلمون حتى استولى عليها كيخسرو بن قليج أرسلان السلجوقي ووهبها لبعض طهاته وهو من يطبخ له الطعام وكان يسمى حسام الدين. ثم انتقلت عنه لولده إبراهيم ثم لولده نصرة الدين ثم لولده مظفر الدين ثم لأخيه عماد الدين. ولم تزل في يده إلى سنة 656 فعجز عن ضبطها لتواتر غارات الأرمن عليها فكاتب عز الدين كيكاوس صاحب الروم ليسلمها إليه فأتى عليه. وكاتب الملك صلاح الدين صاحب الشام فأبى أيضا فرحل عنها وتسلمها الأرمن واستمروا بها حتى أخرجهم منها سنة 900 علاء الجزء: 1 ¦ الصفحة: 446 الدولة بك أحد أمراء الدولة ذي القدرية وعمرها في موضعها الحالي واستمرت بأيديهم إلى سنة 928 وفيها دخلت تحت سلطة الدولة العثمانية. قضاء البستان من أعمال لواء مرعش مدينة البستان- محلاتها حاجي حمزه 1336 حاجي يعقوب 1772 حاجي يعقوب ر 16 حاجي شعبان 1057 قزليجه أون 672 خرستيان ر 585 ك 220 و 264. ناحية حوزمان خنو مع سركيس جابرى 1101 طانور 460 لورشين 520 جومى 215 يوكت 125 علمدار 109 جوغلنجان 507 أمير الياس 209 برخبك 48 إينجرلى 53 قباق دلاق 38 ملكر 463. ناحية أنبارجق أولياء 46 تيمور جيلك 353 أنبارجق 462 كجيت 152 جيجك 603 جطلق 89 تل 616. ناحية قره كوز كولر جنلك 71 بورطى 262 قره هيوك 423 بالقجيل 238 أوزاينه 266 قره كوز 263 قوش قبا 166 ايزغين 510 أوزاينه قلعه 35 حسن كندى 203 قره البستان 273 مهرة 85 قبا أغاج صغير 57 بنرجى 24 قلعة التي 160. ناحية قوج أباد مرابوز مع طوبان 489 ارمود الاكي 192 كردين 212 سكوددره 156 أوغلاق قبا 82 جوللولر 489 قوج أباد طاطلرى 201 قوج أباد قشانلو 586 كوريجك 84 شغول مع أرمود الاكي 37 المالو 249 القيا أوغلي كوشك 226 كجه مغاره 129 قره مغاره 121 بلوار 49 فقى أوغلى 7 فقى أوغلى ر 37. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 447 ناحية صارحب إيلده لك 291 ييلاغ كبير 752 إينجه جك 94 ييلاغ صغير 697 صارى تباق 46 مرايا 432 اق ويران 190 علميك 236 أغليجه 44 طاي كندي 90 تبه باشى 69 أوجي هيوكي 55. ناحية الخصلو جركس أوشاغى 24 بلان مع قيزلى 111 حوساللي 111 الخصلو 353 كسولر 108 اق تل 358 بش تبه 176. ناحية عين العروس صغو يجق 301 آغجه شار 591 ملاب 335 هيوجك 54 كوريجي 111 قصطلى 126 سند 101 قنطارمه 365 طقرانلى 390 حسن عليلى 101 أطمالو قشانلوس 45 درويش مجملي 12 كسدك 16 أطمالو 469. ناحية جارداق قامشجق 210 مهاجر صغويجق 191 جارداق 572 قورقماز 178 دوه بوينى 116 يازى كنيسه 149 قارغه بوكى 75 تل أفشون 313 ناطر 149 كتز 306 يوسقفلي 63 كمال 46 كتزمان 117 كوبليجه 194 جلكي 1008 جفتلك 234 جفتلك قلعه سي 296 ناركيله 361 مليانكي 154 إيكده 633 اوزون جاير 544 كنيسه جك وأورطه ويران 79. ناحية قوللر جبلاقلر 160 دربند 152 شعره شانلى 296 صوتيارى أوشاغى 145 خاينلر وتوكيلى 97 نورجق 903 قوللر 380 قوللر طاطلرى 256 مراطه 157 بجاقجى 75 بكره وكوجلكى 150. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 448 ناحية أفسوس أفسوس 1660 أميرلر 377 نيشانيد 266 سويد 540 كنيسه 120 أرشيل 508 سنكل 115 خورمان 241 كونجي 68 قبا اغاغ 137 أرجنه 179 جغلغان 79 الطاش 165 اغجه شار 44 كتوره 47 اوردك 98 أفسوس خرستيان ر 314 ك 114 و 71. فجملة سكان قضاء البستان (38359) نسمة ما بين ذكر وأنثى. الكلام على هذا القضاء وما فيه من الأماكن الشهيرة قصبة البستان هي مركز هذا القضاء وموضعها في شمالي مرعش تبعد عنها أربعا وعشرين ساعة وعن حلب 68 ساعة وفيها دار للحكومة ومستودع للرديف وعشرة جوامع وثلاثة مساجد وكنيستان و 335 دكانا وحمام واحد وسوق للحراج وفرنان. ومدينة البستان على بقعة من الأرض كأنها جزيرة محاطبة بنهر جيجان. وسميت هذه المدينة البستان لأنها شبيهة بالبستان لكثرة ما فيها من الشجر وقيل إن لفظة البستان كلمة فارسية مركبة من الب أي الشجاع وستان أي مكان وتكتب في التواريخ العربية أبلستين. قال في معجم البلدان: يقال إن فيها أصحاب الكهف والرقيم. وقيل هي مدينة دقيانوس وفيها آثار عجيبة من خرابها. اه. وكانت البستان مقر حكومة الدولة ذي القدرية قبل أن تتخذ مقرها مرعش. وفي بعض التواريخ أن البستان بنيت في موضع بلدة قديمة اسمها قومانا في مقاطعة قبادوقبا أو في موضع قريب منها وقيل إن البستان خربت قبل مجيء الإسلام وصار موضعها مستنقعا وبعد الإسلام نزلها ثلاثة أخوة وعمروها وهم الحاج يعقوب والحاج شعبان والحاج حمزة وكانوا من الأمراء. ومن ذلك اليوم أخذت بالعمار حتى اتخذها أبو الفتح كيخسرو مخيما لعسكره. وكان فيها قبل أن تخرب معبد مشهور يجلس فيه رئيس الكهنة الذي هو من سلالة حكام قبادوقبا يحكم على ستة آلاف كاهن. وفي هذا القضاء: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 449 مدينة أفسوس هي الآن بليدة صغيرة تعرف باسم باربوز بنيت هذه البلدة سنة 1628 قبل الهجرة وكانت عاصمة دقيانوس إمبراطور روما المشهور وفي قرب هذه البلدة في جبل بناخيلوس مقام أصحاب الكهف على نصف ساعة منها مقام أصحاب الرقيم وكان اسمها القديم إبسوس. وعلى مسافة 6 ساعات من البستان بينها وبين دارنده تمثالان عظيمان من الحجر أحدهما على صورة الأسد والآخر على صورة النمر جاثيان تجاه بعضهما يقال إنهما هما الحد الفاصل بين الأناضول وبرية سوريا. وعلى بعد ساعات من البستان عمود منصوب طوله سبعة أذرع وعرضه ذراعان وهناك من الآثار القديمة ثلاث قلاع يقال لها قلعة خورمان وقلعة جركس وقلعة قزلر وقلعة خورمان على بعد 9 ساعات من البستان وهي مبنية على أكمة صغيرة يجري بقربها نهر خورمان والقلعة في ارتفاع 50 ذراعا ويبلغ تربيعها 500 ذراع فيها خلوات كثيرة انهدمت جدرانها الداخلية من مرور الأيام وبقيت جدرانها الخارجية. وفي قرب القلعة من شماليها جادة على طرفيها صخرتان عليهما كتابة بالأرمنية. ويمر في هذا القضاء أربعة أنهار وهي جيحان ويعرف قديما باسم بيراموس وسكودلي وخورمان وكوكسون. وكلها تسقي أرض هذا القضاء. وفيه أيضا حمام معدني ينفع من عدة أمراض ماؤه حامض الطعم يقال له حمام إيجمه يقصده الناس في فصل الصيف. وفي هذا القضاء جبل نورجق مغطى بالثلوج شتاء وصيفا ينبت فيه الجاي الصيني إلا أنه خفيف الطعم. وفي هذا الجبل بحيرة واسعة اسمها (على كوى) تبلغ مساحتها 150 ذراعا بالتربيع وعمقها 15 ذراعا. وفي هذا القضاء أيضا 6 قلاع مكونة من التراب وعلى بعد 12 ساعة خان فخر الدين وهو من الآثار القديمة على طريق بهسنى. وباتصال مقام أصحاب الكهف خان آخر يبلغ طوله 100 ذراع وفيه 12 خلوة ويسع 300 دابة وقد عمر على شكل السوق المعروف باسم البناير، وفي هذا القضاء تنسج البسط والعباءات ويشتغل بذلك نساء العشائر. وفي قرى هذا القضاء نحو 80 جامعا ومسجدا وفي كل قرية مكتب غالبا. ومدينة البستان في هذه الأيام أحسن منها في الأزمان السالفة وقد حصل لأهلها رغبة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 450 بتحصيل العلوم والمعارف ولطفت ألفاظ لغتهم التركية وصار يوجد فيهم من يصلح للاستخدام في الحكومة. أما أراضيها فهي واسعة جدا إلا أنها قلما ينجب فيها غير الحنطة والشعير ولذا كان الغالب على أهلها الفاقة والقناعة باليسير. وفي هذه القصبة وضواحيها عدة آثار قديمة ومزارات مشهورة منها مقام مبارك في محلة الحاج شعبان يسمى بمقام الشيخ ديره كي مدفون فيه الشيخ عبد الرحمن الأزرنجاني نزيل البستان وينقل عنه عدة كرامات. ومنها مزار عليه قبة مرتفعة في محلة الحاج يعقوب في شرقي القصبة مدفون فيه حضرة الولي الكامل همت بابا ومنها تكية في شرقي البلدة على نهر جيجان مبنية على جسر في طول 50 ذراعا وارتفاع 30 ذراعا وهي من آثار أبي الفتح كيخسرو وقبة في وسط البلدة مبنية على أربعة أعمدة لها باب عظيم محفوظ بالرصاص ومنها منارة جميلة في ارتفاع 130 ذراعا متصلة بجامعها الأعظم من جهة يساره. قضاء الزيتون من أعمال لواء مرعش قصبة الزيتون- محلاتها إسلام 300 يوقاري ر 1510 أورطه ر 1655 يوزباير ر 1187 قارغه لر ر 733 تكيه ر 193 كاتوليك ك 373 بروتستان و 236. قرى قضاء الزيتون ميخال ر 479 دونكلر 99 حاجي دره 27 حاجي دره ر 208 بشان 139 بشان ر 175 ك 175 كرنمان 175 عواكلى ر 64 قالجلر ر 148 فنك الأنوار ر 92. ناحية قره طوت قره طوت 416 أريجك 503 طونباق 232 أغيل أوبه 116 قباق تبه 452 ملاطه 253 صوبصالى 308 قنديل 203. ناحية عاليشار عاليشار 803 صاري كوزل واوجبلى 646 بايلا كورتلى 356 أنبار 223. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 451 ناحية باي تيمورلى باي تيمور 791 قره منلي 505. ناحية فرنس فرنس ر 1242 طانور 286 دونكل 156. ناحية الآباش الآباش ر 1129. فجملة سكان هذا القضاء (16890) نسمة ما بين ذكر وأنثى. الكلام على هذا القضاء وما فيه من الأماكن الشهيرة ومن الأماكن الشهيرة في هذا اللواء قصبة الزيتون وهي مركز القضاء ومحلها في غربي شمالي مرعش على بعد 12 ساعة منها وتبعد عن حلب 56 ساعة وتشتمل على دار للحكومة وثكنة ومسجد و 5 كنائس للأرمن و 6 مكاتب و 100 دكان ومخزنين و 5 مسابغ «1» و 16 طاحونا ودباغتين وعلى نصف ساعة منها دير وحمام معدني ينفع ماؤه من الأمراض الضعيفة. وهواء هذه القصبة وماؤها جيدان للغاية قد حفّتها من جهاتها الكروم والبساتين التي يجنى منها أحسن أنواع العنب والتفاح إلا أنها قليلة الحقول الصالحة لزرع الحبوب لأن أغلب ضاحيتها جبال تشتمل على معادن الحديد ولهذا كان أهلها يشتغلون باستخراج الحديد ونقل الأخشاب والغالب عليهم الثروة وينقلون غلّاتهم من قضاء البستان وناحية كوكسون. وفي هذا القضاء أتونان للحديد وفيه من الآثار القديمة قلاع خربة وفيه نهر تكر ونهر فرنس ونهر الزيتون وكلها أنهار صغار تصب في نهر جيحان الجاري بين مرعش والزيتون. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 452 وسكان هذه القصبة كلهم أرمن وفيهم قليل من المسلمين كما نراه في جدولها. وهم جميعا يتكلمون بالأرمنية والتركية وفي هذا القضاء التركي والكردي والأرمني والجركسي. والذي تلخص لي بعد البحث والتنقيب أن قصبة الزيتون حادثة غير قديمة وأنها كانت في الأصل حصنا للمسلمين يوجد في ضواحيه كثير من شجر الزيتون وقفه علاء الدين آخر أمراء ذي القدرية على مبانيه الخيرية في مرعش. وكان المسلمون يسمون هذا الحصن قلعة الزيتون ويسميه الأرمن بيرت أي قلعة. وقد سكنت الأرمن ربض هذا الحصن في أوائل دولة ذي القدرية اختاروا به السكنى لصعوبة ارتقاء فجاجه ووعورة مسالك جبله. وكان يوجد قرب قرية فرنوس على بعد مرحلة صغيرة من الزيتون قصبة اسمها أولنيا كان يقطنها الأرمن من قديم الزمن إلى حدود الألف من الهجرة وفي ذلك الحين كثرت غارات التركمان على قصبة أولنيا فخربت ونزح أهلها عنها وجلا بعضهم إلى قلعة الزيتون فتوطنوها ونقلوا إليها اسم قصبتهم المذكورة فهي أي الزيتون لم تزل معروفة عند خواص الأرمن باسم أولنيا وجماعة كهنة الأرمن ما زالوا حتى الآن يسمونها في صكوكهم ورسائلهم أولنيا. والله أعلم. قضاء بازرجق من أعمال لواء مرعش ناحية قلبخلو كل اكسكلى 130 جلبلى 68 ده ده لر 52 قيومجى 105 اكوزلى 108 قوبادلى 561 طوغانلى 225 عربلر 120 شاطر هيوكي 72 دهليز 48 منارلى 87 قره بانا 14 قره بيقلي 223 اغجه قيونلى 148 بش جشمه 161 قره كسك 154. ناحية دره كزان طمالو دره كزان طمالو 156 جوجلى 381 سلطانلى 97 حوريكانلي 192 جميكانلي ... ناحية جغلغان جريدى تجار 473 كوكجايرده تاتار 32 كوكجايرده بشانلي 69. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 453 ناحية قوشجي جريدى اويماج اوبه يماج 366 ينى يبان 130 قوللر 95 شرقيه 115 إسكندرلى 108 صاريلر 183 شرقيه أخرى 174 شيخلي 273 بيادلى 223 ألجي 211 أورى 529 أولر 61. ناحية أوفجقلي أوفجقلى 397 سلمانلي 112 مزرعه 57 كلش 46 قوز كندى 48 طابيه 49 إكريجه 90 قره كوز 36. ناحية اغجه لراونور آعا اطمالو كوجر 66 اغجه لر 92 كريزلى 106 قزقيانلي 519 طرونجلي 197 كتير 323 ديلتكلر 607 يوزاغا عاشقلر 30 طاش تيمور 87 خرمنجق 185 بومقلي جريدي 403 أزايلي 515 كوكسينوك 289 عباسيه 63 هلته 675 حاجيلر 77 جتال تبه 296 تاجرلى 40 اينكلي 107 صوران 451 أوزن كلع 61. ناحية بغجه اسمنلو صقارقيا 132 كوسكانلي 99 توكللي 163 شاللي أوشاغي 41 جوق يشار 83 زينب أوشاغي 124 قيت أوشاغي 196 أوان أوشاعى 133 مقصود أوشاغي 131 علي بك أوشاغي 144 تتريلك وكورجو 130 محمد أوشاغلي 629 مليانلي حقر 126 اينجه لى مع كورديلي 139 قونيانلى 223 شعره شانلي 1190 قنطارمه 225. ناحية أطراف بازرجق بغدين كبير 217 بغدين صغير 318 الغرباء 54. فجملة سكان هذا القضاء (17245) نسمة ما بين ذكر وأنثى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 454 الكلام على هذا القضاء وما فيه من الأماكن الشهيرة هذا القضاء مركزه قرية بغدين الكبير شرقي مرعش يبعد عنها 9 ساعات وعن حلب 35 ساعة وفي هذه القرية دار للحكومة وجامع ومكتب و 9 دكاكين و 3 قهاوي وسكان هذا القضاء أربع عشائر من الجراكسة والترك يقال لها سنمنلو وبوزاغا ودركزان وقلنجو ويزرع فيه القمح والشعير والذرة البيضاء والرز وغيرها وتنسج فيه عشيرة سنمنلو ودركزان البسط والطنافس. وعلى مسافة غلوة من مركز الحكومة مغاير قديمة فيها عدة قبور حجرية ضخمة كل قبر منها قطعة واحدة وفي شرقي المركز على بعد أربع ساعات جبل غني فوقه آثار بلدة عظيمة غريبة الوضع والبناء ويوجد آثار قلعة اسمها (كور أوغلي) مقبلة على نهر (آق صو) وهو نهر رأسه من جبل انكيز على بعد اثنتي عشرة ساعة من مركز القضاء ويجري داخل القضاء وخارجه مسافة ثلاثين ساعة ثم ينصب في نهر جيحان بعد أن يسقي سائر الأراضي التي يمر منها ويدور عليه نيف وثلاثون طاحونا ومن جبل انكيز هذا يخرج أيضا نهر اسمه (كوك صو) فيجري داخل القضاء ثم يصب في الفرات وتحمل عليه الأخشاب التي تقطع من الغابات القريبة منه وتنقل إلى جهات البيرة والرها. وفي غربي مركز القضاء في مكان يعرف باسم بازارجق بحيرتان اسمهما باغلمه طاش وبجمه تسقى منها مزارع الرز. وعلى بعد ست ساعات وسبع ساعات وثمان ساعات من مركز القضاء في شماليه ثلاث بحيرات عظيمات اسمها إنكلى وازابلي وكولباشى وهي مما لا يستفاد منه إنما يوجد فيها كثير من سمك الحيات الذي لا يصطاد منه أحد لعدم رغبتهم به ولو صرف على هذه البحيرات قليل من النقود ونزحت مياهها لصار في محلها أراض وحقول واسعة تصلح لزرع كل نوع من الحبوب وطاب مناخ تلك الجهات المشهورة بوخامة الهواء. وفي هذا القضاء عدة غابات تقطع منها الأخشاب الوفيرة وكلها محتبكة بشجر الأرز والسرو والآس وغيرها من أنواع الأشجار النافعة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 455 قضاء أندرين من أعمال لواء مرعش قصبة أندرين 115. ناحية كسمه كسمه 388 أغجه قيونلى 51 أبازالى 62 فاطمه لى 51 بكداش 49 قره منلي 30 بابكلى 165 قبا أغاج 116 تقوالر 165 أرمن عجملي 81 أرمن عجملي و 25 قزيق 111 جيجكلى 697 بوزطوبراقلي 319 قره بنار 82 قمرلى 480 عربلر 220 صاري داتشمالي 71. ناحية دارى أطه سى بوز أوران 136 بايق 88 طوغنجيلر 109 أقر أغزلى 364 ر 28 طرون 330 دارى أطه سى 376 أو جان 166 قباقلر 109 جوقه دارلى 61 طيورلر 301. ناحية كورنلر كورنلر 410 ر 15 طوقماقلي 248 شيويلكى ر 351 حاجي ولى 149 طاودلى ر 157 سيسنه 233 ر 13 بوندق ر 232 ك 58 أميرلر 118 كوكجه ولى 103. ناحية كبان كبان إسلام 449 ر 82 كبان خرستيان ر 567 ك 344 دركرمان ده 338 ر 100 ك 91 طاش أولق 118 ر 242 مريمشيل 40 كوك بنار ر 62. ناحية يول التى كوك أحمد لى 288 أناجق 124 كوله لى 113 منلا محمدلى 106 جومقلي 181 قرغون 99 بوينى يفونلي 119 بوستانلي 46 قباقجي 45 بهادرلى 137 طرطنلي ر 141. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 456 ناحية كوكسون كوكسون 138 ر 115 ينى يبان 196 فانلي قواق 370 مرسل 42 بوز هيوك 257 كمور 139 قاوشيد 181 كوجك قزينلجق 153 قره عمرلى 122 أرستل 35 آجي ألما 23 قوزجاغوز 37 كلك أولوق 76 الجبلي بوجاق 41 محمود بك 109 طاهر بك 139 كراج ر 184 فندق 165 كجوك صو 141 سطلطان 78 قلعه كوى 36 تيمور آغا 368 حاجي عمر أفندي 189 يوسف أفندي 122 أورطه تبه 30 دوكون يوردى 14. فجملة سكان قضاء أندرين (16009) نسمة ما بين ذكر وأنثى. الكلام على هذا القضاء هذا قضاء في لواء مرعش مركزه قرية كبان في غربي مرعش وتبعد عنها 18 ساعة وعن حلب 60 ساعة وفي هذا القضاء دار للحكومة ومخفرة و 15 جامعا و 5 مساجد و 4 مكاتب و 5 كنائس للأرمن وواحدة للبروتستان و 25 دكانا و 5 حياض وفرنان. وأراضي هذا القضاء تحصل فيها جميع أنواع الحبوب وتنسج فيه البسط والسجادات والأقمشة الغزلية والعدول والعباءات وبعض أدوات فضية يصنعها الجركس ولغة سكانه التركية والكردية والأرمنية والجركسية كالقضاء الذي قبله. وفي هذا القضاء واد يقال له وادي كوكسون فيه كانت الواقعة سنة (921) بين سنان باشا العثماني وبين علاء الدولة بك أحد أمراء الدولة ذي القدرية ودارت الدائرة على علاء الدولة بك فقتل وكسر جيشه. وفي هذا القضاء يمر نهر كشيش ونهر أندرين كلاهما يصبان في نهر جيحان وفيه عدة غابات وسبع قلاع خربة من آثار الرومانيين. انتهى الكلام على ولاية حلب التي كانت في أيام الحكومة العثمانية عبارة عن حلب ومضافاتها التي هي ثلاثة عشر قضاء ولواءان: أورفه ومرعش المضاف إلى أولاهما ثلاثة أقضية وإلى الآخر أربعة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 457 الكلام على دولة حلب سبق لنا في صدر هذا الكتاب بأن دولة حلب قد تألفت من ثلاثة ألوية وهي لواء حلب ولواء اسكندرونة المستقل ولواء الزور. وأن لواء حلب يتألف من عشرة أقضية: هي قضاء جبل سمعان وعزاز والباب ومنبج وجرابلس والمعرة وادلب وحارم وجسر الشغر وكردداغ. ويتألف لواء اسكندرونة من قضاء أنطاكية وبيلان. ويتألف لواء الزور من قضاء بوكمال وميادين والحسجة والحميدي والرقة. وقد أثبتنا في الفصل الذي عقدناه في هذا الكتاب تحت عنوان- (ذكر ما كان في باطن حلب وظاهرها من الحمامات) - جدولا في إحصاء سكان دولة حلب سنة 1922 م/ 1340 هـ فأثبتنا في ذلك الجدول إحصاء سكان جميع الأقضية التي تألف منها لواء الزور سوى قضاءي الحميدي والحسجة. وهنا نأتي بإحصاء عام إجمالي في بيان عدد سكان لواء الزور ومضافاته التي هي قضاء بوكمال وميادين والحسجة والحميدي والرقة ثم نأتي بنبذة يسيرة نتكلم بها على هذا اللواء من الوجهة التاريخية وغيرها حسبما وصلت إليه يد الإمكان طالبا المعذرة عما يراه القارئ من التقصير الناشىء عن عدم وجود مواد أستعين بها على الكتابة في هذا الصدد لأن مدينة دير الزور حادثة ليس لها ذكر في التاريخ قديما ولا حديثا فأقول: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 458 عدد سكان هذا اللواء وأقضيته تقريبا عدد السكان/ اسم ناحية 8000/السبخة 5000/ناحية الشميطية 13000/مدينة الدير 6000/ناحية موحش 30000/قضاء ميادين مع ناحيتي البصيرة والعشارة 23000/البوكمال وناحيتي «1» البحرة والصالحية 25000/الخابور وناحيتي «2» الشداد والحميدي 30000/ناحية الكسرة ومراط 20000/شمّر الملحقة بلواء الدير 50000/عنزة الملحقة بلواء الدير 210000 فجملة سكان لواء الدير (210000) نسمة ما بين ذكر وأنثى. على أن إحصاء سكان هذا اللواء مما لا يستطاع لأن أكثرهم بادية رحّل نزّل. مدينة دير الزور موقع مدينة دير الزور على شاطىء الفرات من الجهة الشامية وترتفع عن سطح البحر 180 مترا وهي مستطيلة الشكل ممتدة من الشمال الغربي إلى الجنوب الشرقي يبلغ طولها ميلا وعرضها 700 متر تقريبا. تبعد هذه المدينة عن حلب 350 وعن تدمر 205 وعن دمشق 480 وعن بغداد 570 وعن الموصل 380 ميلا. وهي في وسط صحراء فسيحة مترامية الأطراف لا يوجد فيها مدينة سواها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 459 تاريخ مدينة الدير كانت مدينة الدير قرية تعرف باسم (دير الشّعار) بضم الشين غير ملحقة بلواء ولا بولاية لوقوعها في وسط صحراء مترامية الأطراف كما قلنا. وكانت العشائر العربية تجتمع إليها في مواسم معلومة من السنة لعرض بضائعهم على التجار الذين يأتونها في تلك المواسم لشراء السمن والصوف والغنم والمواشي. وكانت حوادث النهب والسلب وغارات العرب لا تكاد تنقطع في جهاتها. ثم في سنة 1281 هـ/ 1864 م رأى ثريى باشا والي حلب أن يخضع عشائر تلك الناحية ويجعلها مركز قضاء ملحق بولاية حلب فجهز إليها حملة عسكرية مؤلفة من كتيبتين (طابورين) بقيادة مقدم ألف (بيكباشي) فأخضع عشائرها المتمردين وجعلها مركز قائمقام. ثم في سنة 1287 هـ/ 1870 م جعلت مركز لواء ملحق بحلب وجعل متصرفا فيه أرسلان باشا فألحق به قضاء الرقة والسبخة والعشارة والبصيرة وبوكمال والشدادي وسنجار ونصيبين ورأس العين وويران شهر ومسكنة. وجعل تدمر ناحية ملحقة به وتل عفر ناحية ملحقة بقضاء سنجار ورورينه ناحية ملحقة بقضاء نصيبين وكلا من كيلي ودقوري وميلي وخلجان ناحية مرتبطة برأس العين. ثم فك ارتباط هذا اللواء عن حلب وجعله مرتبطا باستانبول توا وفي سنة 1293 هـ/ 1876 م ألحقت سنجار بولاية الموصل، وقضاء نصيبين بلواء ماردين وقضاء مسكنة بولاية حلب وأعيد إلحاق لواء الدير بحلب كما كان حين تأسيسه. وفي سنة 1299 هـ/ 1881 م استعاد المتصرف حسين باشا الفريق استقلال هذا اللواء فألحقه باستانبول توا. وفي سنة 1301 هـ/ 1883 م فك عنه قضاء الرقة وألحقه بولاية حلب. وفي سنة 1327 هـ/ 1909 م ألحقت ناحية القائم بقضاء بوكمال وكانت من مضافات قضاء العانة المضافة إلى ولاية بغداد. وفي سنة 1329 هـ/ 1911 م ألحقت ناحية تدمر بقضاء حمص. ثم في سنة 1333 هـ/ 1914 م ألحق قضاء العانة بلواء الدير وانفكّ عن ولاية بغداد وكان له فيه ناحيتان «هيت والحديثة» . وحين دخول الإنكليز إلى بغداد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 460 ألحق قضاء الدلم «1» بلواء الدير. وفي سنة 1336 هـ/ 1917 م أعيد قضاء الرقة إلى لواء الدير وكان في عزم الحكومة أن تجعل كلا من السبخة والحسجة قضاء تسميه قضاء الخابور وتجعل لكل منهما نواحي تجاوره. وقد حصل تغيير وتبديل أيام الحكومة الفيصلية. ثم في الأيام الأخيرة وهي سنة 1341 هـ/ 1922 م استقرت حالة اللواء على هذه الصورة وهي: ألحق بمركز اللواء ناحية الشميطية والموحش وكسرة ومراط والصور. وبقضاء ميادين ناحيتا العشارة والبصيرة وبقضاء بوكمال ناحية الصالحية وبقضاء السبخة ناحية معدن وبقضاء الحسجة ناحية الشدادي والحميدي. حدود هذا اللواء حد هذا اللواء شرقا أراضي ولاية بغداد والموصل وجنوبا أراضي ولاية دمشق والأردن ثم يتصل بحدود العراق في قضاء العانة من أعمال بغداد وغربا أراضي حماة وحمص وشمالا أراضي ولاية ديار بكر ولواءي ماردين وأورفه وحلب. الأنهر في هذا اللواء هذا اللواء يشقه الفرات إلى شطرين فما كان منه عن يمينه يسمى شامية وما كان عن يساره يسمى جزيرة. أعظم نهر يجري في هذا اللواء «نهر الفرات» ثم «نهر الخابور» الذي منبعه من رأس العين وهو يجري مسافة (300) ميل وينصب إليه في هذه المسافة مئات من الأنهار والعيون حتى إذا كان في ناحية البصيرة في الجنوب الشرقي من دير الزور ينصب إلى الفرات. ومن الأنهار الجارية في هذا اللواء «نهر البليخ» وهو نهر عظيم يسقي أراضي واسعة من قضاء الرقة ثم ينصب إلى نهر الفرات. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 461 مساحة هذا اللواء في كل من جهتي هذا اللواء سهول واسعة تبلغ مساحتها على وجه التقريب 60 ألف ميل مربع. جبال هذا اللواء في هذا اللواء جبلان: أحدهما في الجهة الشامية وهو جبل البشري وسماه في معجم البلدان جبل البشر من دون ياء. وهو يمتد من الشرق إلى الغرب وينتهي قرب مدينة الدير طوله 60 وعرضه 30 ميلا وعلوه إلى قمته نحو مئة متر. ثانيهما: في الجهة الجنوبية وهو جبل عبد العزيز يبتدئ من الجنوب الغربي من الخابور ويسير غربا إلى جهة الفرات طوله 60- 70 ميلا وعلو قمته 150 مترا عن سطح الأرض ومنه قدر الربع تقريبا مملوء من شجر البطم والزعرور والتين. ومن أخشاب شجر البطم تعمل آلات النواعير التي تدور على نهر الخابور. المعادن في هذا اللواء من معادن هذا اللواء معدن كبريتي في رأس العين كانت تلزمه الحكومة التركية سنويا بمبلغ قدره ثمانمائة ذهب عثماني. ومنها معدن المغرة وهي تراب أحمر توسم من محلوله الأغنام وهو في جبل البشر. ومنها معدن نحاس في ناحية الصور على نهر الخابور في طريق الموصل. ومنها معدن الصوديوم في البصيرة والصور والشدادي والقصبى ويعرف باسم (بارود القصبى) يغلى ترابه بالماء ويستخرج منه الملح الذي يعمل منه البارود. ومنها معدن القير والزفت يخرج من جبل البشر المتقدم ذكره يقطر في الصيف من جوانب الوديان التي أعظمها وادي القير. ومنها معدن فحم حجري في جبل البشر وأبي فياض. وقد أسلفنا الكلام على بعض هذه المعادن في الفصل الذي عقدناه في الكلام على معادن ولاية حلب من هذا الكتاب. وذكر ياقوت في كتابه معجم البلدان أن جبل البشر يمتد إلى الفرات من أرض الشام الجزء: 1 ¦ الصفحة: 462 من جهة البادية وفيه أربعة معادن: القار والمغرة والطين الذي يعمل بواتق لسبك الحديد والرمل الذي يعمل منه في حلب الزجاج وهو رمل أبيض كالإسفيداج. تربة هذا اللواء في هذا اللواء أراض طيبة قوية الإنبات كثيرة الخصب إنما تربة الأراضي الغربية من مدينة الدير صلصالية جبسية قليلا رملية كثيرا وهي إذا جفت من الرطوبة صلبت واشتدت وعسرت حراثتها واستعدت لغرس حشرة الجراد. حرّ هذا اللواء هواء هذا اللواء حار يابس لخلوه من الغابات والمشاجر ولا سيما فيما بعد منه عن الأنهار ومجاري المياه. وحرّه يختلف باختلاف جهاته فالجهة القريبة إلى الشامية أقل حرا من الجهة القريبة من العراق. على أن درجة الحرارة في مدينة الزور 41 تحت السقف وقد تبلغ الخمسين في الظل الشمالي تحت السماء. برد اللواء مهما اشتد البرد في هذا اللواء فلا يهبط فيه الزئبق إلى ما تحت الدرجة العاشرة في السانتغراد. وقلما يجمد فيه الماء وإذا جمد في شتاء بعض السنين فلا يبقى سوى أيام قلائل حتى يذوب ولذا لا يؤثر في نباتات اللواء . هواء اللواء الهواء الغربي في هذا اللواء هو الذي تتوقف عليه حياة الحيوان والنبات وقد تهب فيه ريح شرقية فلا تضره إلا إذا هبّت في أوائل هيار فإنها تؤثر في مزارع الحنطة فتضعف حبتها. آلات السقي في هذا اللواء آلات السقي في هذا اللواء على أشكال متعددة كالآلة المعروفة باسم (كرد) وكالغرّاف والدولاب والناعورة المختصة بالخابور فقط تدور عليه بقوة جري الماء. والكرد يعمل على أشكال شتى يختلف اسمه باختلاف شكله وهذه أسماؤه- (نصبة) و (داكور) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 463 و (شمعة) و (بكرة) و (دلو) و (طماس) و (واعونا) و (شاروفة) : جميعها تصنع من الأخشاب وكل نوع منها يخرج قدرا محددا من الماء في الساعة ويسقي مسافة معلومة من الأرض وأعظمها ما حرك بواسطة البغال والبراذين فإنه يخرج في الساعة (7500) ليترة من الماء. وأما ما يحرك بواسطة الأيدي والبقر فإن ماءه قليل الجدوى. نباتات اللواء يزرع في هذا اللواء الحنطة والشعير والذرة البيضاء والصفراء والقنّب والسمسم والقطن والكمون وبقية أصناف القطاني وأكثرها تزرع على ضفاف الأنهار الكبيرة: الفرات والخابور والبليخ وكلها تسقى بواسطة آلات الري المتقدم ذكرها. يوجد في مدينة الدير التين وهو على نوعين ريحاني لونه أحمر في طعمه حموضة وشتوي صغير الحجم لذيذ الطعم. ورمان جيد لكنه قليل وتوت أبيض ونوع آخر أحمر لذيذ تعظم شجرته وينتفع بخشبها في عمل آلات الري. ويوجد شجر اللوز على قلة ويؤكل أخضر وهو رقيق القشرة إذا يبس يفرك باليد ويؤكل لبه والجانرك والكمثرى والتفاح والمشمش اللوزي والسفرجل والدراقن وشجرة الكرم ذات الثمرة اللذيذة. ومن الخضر البامية والباذنجان اللذيذ جدا والطماطم واللفت والشمندور والجزر والفجل والفول والفاوله المعروفة باسم فاصولية والإسباناخ والسلق والخيار والقثّاء والبصل والثوم والكراث والخس والبطيخ الأخضر والأصفر وأنواع الكرنب. حيواناته الحيوانات في هذا اللواء هي: الخيول العربية الأصائل والبغال والبراذين والحمير والجمال والبقر والغنم ومن الحيوانات الوحشية الذئب وابن آوى والغزال ويقل الضبع والنمر. وكان يوجد في غابات الطرفة كثير من الآساد والخنازير البرية. فأما الآساد فقد أفناها الصيادون عن آخرها وأما الخنازير فقد بقي منها القليل وعن قريب يستأصل الصيادون شأفتها. للخيول الأصائل تجار معروفون يشترونها ويرسلونها إلى البلاد الشامية والمصرية فيبيعونها ويربحون بها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 464 المراعي في اللواء العشائر التي تشتغل باقتناء المواشي فقط في هذا اللواء ترحل في أواخر فصل الربيع إلى سهول أورفه وماردين وديار بكر إذا كان ما تقنيه من الغنم والجمال نحو 400 دابة أو أكثر وإلا بقيت في جهات الدير ورعت مواشيها في ضفاف الفرات. ومثلها العشائر التي تشتغل بالزراعة وتقتني القليل من المواشي. كيف يتصرف الزراع بالأراضي في سنة 1283 مصّرت الحكومة العثمانية مدينة الزور وقسمت الوديان والسهول التي تستقر فيها السيول والأراضي التي على ضفاف الفرات بين العشائر التي قطنت تلك النواحي فكان كل من راجعها من تلك العشائر تقطعه مقدارا من الأرض وتعطيه به سندا خاقانيا. فمنهم من تقطعه بكرة ومنهم من تقطعه بكرتين أو أكثر على حسب عدد أهله. والبكرة تساوي دونما. وكان لكل واحد من هؤلاء الزراع أن يضم إلى أرضه دونمات عديدة مع أنه يدفع المرتب الأميري على المساحة المحررة في سنده الخاقاني. وقد نشأ من توسيع أراضيهم بقاؤها قوية منبتة لأن صاحبها قسمها إلى أقسام عديدة يزرعها بالنوبة فربما زرع القسم منها مرة واحدة في كل أربع سنوات وزيادة. واردات هذا اللواء وصادراته واردات هذا اللواء من حلب ودمشق: الفاتورة والسكر والغاز البترول والرز المصري وقهوة البن والقطران والبنزين وأنواع الزيوت والأصبغة والدهان. وينقل إلى الدير من بيره جك على الأطواف الدبس والعسل والفاولة ومن دمشق القمردين والنقوع ومن العراق النعال والزفت والكثيراء «1» . وأما صادرات اللواء فهي السمن والصوف والخروف والغنم والبقر والجمال والخيل والبغال والحمير والقنّب والكمون وغير ذلك. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 465 عشائر العرب في أقضية لواء الدير اسم القضاء/ اسم العشيرة السبخة/ عشائر بوشعبان البوكمال/ الجبور الخابور/ الكعيدات «1» الميادين/ الكعيدات نواحي قضاء المركز/ الكعيدات ناحية الكسرة/ البقارة ناحية مراط/ البقارة على أن عشائر الكعيدات تنقسم إلى قبائل متعددة لكل قبيلة منها اسم معروف وناحية مختصة بسكناها وفي القسم الشامي من لواء الدير يتجول عدد كبير من قبائل العنزة وشمّر في أكثر أيام السنة. المكاتب الأميرية في لواء الدير أسلفنا في فصل (المعارف في الأقضية التابعة دولة حلب) ذكر ما يوجد في لواء الدير من المكاتب والمدارس فأغنى ذلك عن ذكرها هنا. الصنائع في مدينة الدير ومرافقها تنسج في مدينة الدير البسط وبيوت الشعر والجوالق والعباءات الصوف وتعمل فيها الفراء من جلود الحملان. ويوجد فيها نحو من 40 نولا لحياكة البسط والعباءات وستة أفران وأكثر الخبز المستعمل عند أهل الدير هو التنوري وفيها حمامان وعشرة سنكرية ومصلح ماكنات ونحو خمسين فرّاء وثمانية جوامع ومسجدان وثلاث كنائس ومعصرتان للسمسم وثمان مطاحن نارية. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 466 أهل مدينة الدير يحبون الصنائع ويميلون إلى الاحتراف وفي سنة 1324 فتح فيها مكتب للصنائع بلغ عدد تلامذته 65 شخصا وكانت الصنائع التي تعلم فيها النجارة ونسج السجاد والحياكة وعمل الأحذية (القندرات) والحدادة والموسيقى وفي مدة وجيزة نجحت تلامذة هذا المكتب وتخرج فيه أهل هذه الحرف الموجودون الآن في مدينة الدير غير أن المكتب ختمت حياته بانسحاب الأتراك فنهبت أدواته ولم يبق لها من أثر. الأمراض في مدينة الدير أعظمها المرض الزهري فإن أناسا كثيرين من أهل هذه المدينة مصابون بهذا الداء الوبيل وهم يداوونه بالزئبق والحناء ويبخرون المصاب ببعض الأدوية القتالة. ومن الأمراض الكثيرة في هذه المدينة الرمد الذي كثيرا ما ينتهي بالعمى وسبب ذلك قلة اعتنائهم بالنظافة واستسلامهم إلى أطباء دجالين. واردات الحكومة من لواء الدير كانت واردات الحكومة من هذا اللواء سنة 1331 (65) ألف ذهب عثماني ثم انحطت عن هذا المبلغ بسبب حدوث الحرب العامة على أن هذا اللواء لم يزل باقيا على ما كان عليه من جهة زراعته وريّه وأعظم شيء يزيد دخله تحسين حالة الري فيه بواسطة أدوات نارية إذ أن أراضيه صالحة لزراعة جميع أنواع النباتات التي تعيش في المناطق المعتدلة والمناطق المائلة إلى الحر. أسماء العشائر العربية القاطنة في هذا اللواء أعظم العشائر الساكنة في قرى هذا اللواء عشيرة البقّارة والكعيدات وبو شعبان وأبو رحمة وجبور. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 467 عدد المواشي في هذا اللواء تقريبا العدد/ نوع الماشية 10000/الخيل 4150/البراذين 1760/البغال 7500/الحمير 4400/البقر 80/الجاموس 255500/الغنم 51500/الماعز 5225/البكرات 340115/الجمع كان عدد الجمال في هذا اللواء قبل الحرب العامة نحو (250) ألفا ثم نزل بعد ذلك إلى نحو النصف منه. البحيرات في هذا اللواء البحيرات في هذا اللواء قليلة أعظمها بحيرة الهول غربي سنجار والبحيرة الصفراء التي يجتمع ماؤها من نهر الرميلة. ومساحة كل واحدة منهما نحو ميل مربع. عشيرة الشعار هذه العشيرة التي تضاف مدينة الدير إليها هي عشيرة صغيرة كانت ترتبط بالخرشات وقد انفكت الآن عنها. ويبلغ عدد رجالها 40 نسمة والثروة عامة بهم. انتهى الجزء الأول المشتمل على المقدمة ويليه الجزء الثاني المفتتح بقولي: الحمد لله وصلاة وسلاما على من اختاره من عباده واصطفاه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 468 الشيخ كامل الغزّي «1» مؤلف «نهر الذهب في تاريخ حلب» حياته هو كامل بن حسين بن محمد بن مصطفى البالي الحلبي الشهير بالغزّيّ، ولد في حلب سنة 1270 هـ/ 1853 م أو قبلها بسنة في أقرب الروايات وتوفي فيها سنة 1351 هـ/ 1933 م. نبت في بيت علم وشرف فقد كان أبوه الحسين 1235 هـ- 1272 هـ/ 1819 م- 1855 م من أشهر رجال الشام في الفقه والحديث والأدب، توطن حلب قادما من غزة في منتصف القرن الثالث عشر للهجرة ولبث فيها مدرسا بالمدرسة السيافية في محلة الفرافرة، ثم وجهت إليه الخطابة في أيام الوالي العثماني سليمان رأفت باشا 1269 هـ- 1272 هـ/ 1852 م- 1855 م. حرص ذووه على تعليمه وتثقيفه منذ بلغ سن الطلب فدفعوه إلى الكتّاب حيث أتم تلاوة القرآن الكريم، ثم سعى إلى الشيوخ في بلده فأخذ العلم عن الشيخ محمد الكحيل والشيخ مصطفى الكردي وغيرهما من أجلة علماء عصره. ولم يكتف بما تلقاه عن أساتذته من علوم الدين، من فقه وحديث وتوحيد وفرائض وما يخدمها من علوم اللسان، بل أضاف إليها باجتهاده بعض العلوم الأخرى، مما لم تكن تتسع له مناهج الدرس في أيامه، ومن ذلك (التاريخ) الذي عمق معلوماته فيه استنادا إلى مؤلفات من سبقه من فحول الجزء: 1 ¦ الصفحة: 469 المؤرخين كالطبري وابن الأثير وابن العديم وغيرهم. فتوفرت له بذلك ثقافة موسوعية كانت له رصيدا كبيرا استمد منه المادة الرئيسية لكتابة تاريخه هذا وغيره من مصنفاته. وأخذ منذ شبابه الأول يكتب وينشر في كبريات الدوريات العربية والسورية مقالات وبحوثا تناولت مختلف العلوم المعروفة لوقته من دينيّة ولغوية وأدبية، يعدها العارفون من خالص الأدب الرفيع، وما لبث أن عني بالأدب الشعبي والفنون في حلب حتى غدا العالم المرجع في موضوعاته. ولقد تقلّد الغزّيّ عددا من المناصب الرسمية في بلده، فتولى رئاسة كتّاب المحكمة الشرعية مرتين، ورئاسة تحرير جريدة الفرات الرسمية نحو عشرين سنة، وسمي مديرا لمكتب الصنائع وهو أول مؤسس له، ورئيسا لمجلس بنك الزراعة، وغرفة التجارة والزراعة والصناعة، وانتخب غير مرة عضوا في المجلس البلدي، كما انتخب عضوا في المجمع العلمي العربي بدمشق. وله فضل على دار الكتب الوطنية في حلب فهو الذي وضع لبنتها الأولى سنة 1342 هـ/ 1924 م فرعا لدار الكتب الوطنية الظاهرية في دمشق، وهي المكتبة نفسها التي تطورت بعد ذلك وظلت تنمو على مر الأيام حتى غدت المكتبة الوطنية الفخمة المشهورة، كما عيّن رئيسا لجمعية الآثار القديمة وللّجنة الإدارية للمتحف الوطني بحلب ورئيسا لتحرير مجلتها فحمل أعباءها وحده حتى الأيام الأخيرة من حياته. اتسعت ترجمة الغزي في المصادر تبعا لامتداد شوطه واتساع أثره، ومن أوائل الذين عنوا بالترجمة له من معاصريه الأديب الحلبي المعروف قسطاكي الحمصي 1275 هـ- 1360 هـ/ 1858 م- 1941 م في كتابه «أدباء حلب ذوو الأثر في القرن التاسع عشر «1» ، وعنه نقل آخرون مادة الترجمة له «2» . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 470 مكانته في بلده بلغ الغزي بعلمه وجدّه منزلة فريدة عند الحكام، وقد قرأنا في الجزء الثالث من «النهر» عن علاقاته الوثيقة بولاة حلب العثمانيين وثقتهم الشديدة به. فعرفنا أن الصدر الأعظم محمد رشدي باشا الشرواني قد اصطحبه معه إماما عندما حول عن ولاية حلب إلى مكة المكرمة سنة 1291 هـ/ 1874 م، فلبث فيها ثمانية أشهر عاد بعدها إلى بلده وعمره يومئذ عشرون سنة. وأن الصدر الأعظم كامل باشا قد اتخذه إماما له في صلاة التراويح أثناء ولايته حلب 1294 هـ- 1296 هـ/ 1877 م- 1878 م. ويبدو أنه قد نعم بثقة حسين جميل باشا 1297 هـ- 1304 هـ/ 1879 م- 1886 م فأناط به رئاسة تحرير جريدة الفرات الرسمية الأسبوعية سنة 1300 هـ/ 1882 م وطلب إليه تأريخ تجديد عمارة حوض الجامع الكبير سنة 1302 هـ/ 1884 م. وكذلك كان أمره مع رائف باشا 1313 هـ- 1318 هـ/ 1895 م- 1900 م الذي أعجب بعلمه وشخصيته، فطلب إليه إلقاء خطبة افتتح بها حفل وضع أساس منارة ساعة باب الفرج سنة 1316 هـ/ 1898 م. ونظرا للكفاءة الإدارية التي امتاز بها عرض عليه أنيس باشا 1318 هـ- 1320 هـ/ 1900 م- 1902 م تولي إدارة مكتب الصنائع الذي أنشئ في عهده فقبل. وإذ عزل أنيس باشا خلفه مجيد بك 1320 هـ- 1322 هـ/ 1902 م- 1904 م وكان له ابن على جانب عظيم من الزهو والخيلاء، فأخذ يضايق الغزي بشتى المضايقات، فآثر السلامة بترك إدارة مكتب الصنائع حتى بلغ الخبر الوالي، فاستاء من ولده وزجره واسترضى الغزي ليعود إلى إدارة مكتب الصنائع ثانية. ثم اتصل بناظم باشا 1323 هـ- 1327 هـ/ 1905 م- 1909 م الذي أعجب بنظمه وإنشائه، فطلب إليه تأريخ توسيع حجازية الجامع الكبير بأبيات من نظمه سنة 1325 هـ/ 1907 م. وعلت منزلته عند جلال بك 1331 هـ- 1333 هـ/ 1912 م- 1914 م فسيره إلى دمشق لاستقبال العلم النبوي الشريف المحمول إليها من المدينة المنوّرة إيذانا بالنفير العام. وقد توطدت الصلة بينه وبين توفيق بك الذي ولي حلب سنة 1335 هـ/ 1916 م ولا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 471 عجب في ذلك، فقد طلب إليه أن يفتتح حفل جرّ ماء عين التل إلى حلب بقصيدة من نظمه. وبعد قيام الحكومة العربية إثر جلاء الجيش العثماني عن البلاد ندبه شكري باشا الأيوبي الدمشقي وكان حاكما عسكريا على حلب لمرافقة اللنبي القائد العام للجيوش الإنكليزية العربية الفرنسية في سورية وفلسطين في زيارته للأماكن التاريخية في مدينة حلب سنة 1337 هـ/ 1918 م. وبعد انقضاء العهد العربي لازم الغزّي من حكم حلب من كبار أعيانها ككامل باشا القدسي 1338 هـ- 1340 هـ/ م- 1920 م- 1921 م؛ ومصطفى برمدا 1340 هـ- 1341 هـ/ 1921 م- 1922 م؛ ومحمد مرعي باشا الملاح 1341 هـ- 1346 هـ/ 1922 م- 1927 م. وعاش بجانبهم معظّما عندهم محببا إليهم، فذكرهم في «النهر» مادحا، وخص آخرهم بالثناء الجزيل إذ ولاه إدارة دار الكتب الوطنية سنة 1342 هـ/ 1924 م وأتاح له الانصراف إلى العلم والتصنيف فوضع تاريخه هذا. وقد اشتهر الغزّيّ منذ شبابه الأول بسعة الثقافة، وحب المطالعة، وبذكاء واضح وعقل راجح، ونفس لا تعرف التعصب، ولا عجب في ذلك، فقد كان أصدقاؤه من مختلف الأديان. وكان إلى ذلك يعظ في أكثر منابر بلده، فيفيد س من فيض علمه وغزير معرفته، فأصبح محط الأنظار يفد إليه الكبراء يستمدون منه النصح والمشورة ومن هؤلاء عبد الرحمن زكي باشا المدرس الوجيه الحلبي المتوفى سنة 1327 هـ/ 1909 م الذي طلب إليه إنشاء كتاب وقف الجامع الذي بناه في محلة السليمية سنة 1318 هـ/ 1900 م. خزانته عرف عن الغزّيّ أنه أولع باقتناء الكتب منذ صباه، فكان يطوف الأسواق والخزائن في المشرق والمغرب متحريا النفيس من أصنامها. حتى اجتمعت له منها خزانة نفيسة عامرة عدها العلامة المرحوم محمد كردعلي الدمشقي في كتابه «خطط الشام» واحدة من أشهر خزائن حلب لوقته «1» . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 472 وقد قرأنا في «النهر» أسماء بعض المصادر التي كانت عنده، فمن ذلك: - الدر المنتخب: لابن خطيب الناصرية بخط مؤلفه. - كنوز الذهب: لأبي الذر، بخط مؤلفه. - شفاء السقيم بآيات إبراهيم: لابن الملا. - معادن الذهب لأبي الوفا العرضي، وهو الآن من نفائس المتحف البريطاني في لندن وعنه أخذت النسخة التي حققها الدكتور محمد ألتونجي «1» . آثاره ومؤلفاته هذا الاطلاع الواسع، وتلك الخزانة العامرة اللذان توفرا للغزي جعلاه يتمتع بثقافة موسوعية مكّنته من كتابة مؤلفات كثيرة أثرت المكتبة العربية منذ مطالع القرن الرابع عشر للهجرة حتى الأيام الأخيرة من حياته. وكلّها لا تحلّه المكانة التي استحقها بعد وضعه سفره النفيس «نهر الذهب» . فأما آثاره المطبوعة فهي: 1- إتحاف الأخلاف في أحكام الأوقاف: عرّبه عن التركية- ومؤلفه عمر حلمي- وقد ألمع إليه في «النهر» وطبعه بمطبعة البهاء في حلب سنة (1327 هـ/ 1909 م) . 2- انتقاد العادات السيئة: طبع في حلب سنة (1339 هـ/ 1920 م) . (محاضرة في 23 صفحة) . 3- الروزنامة الدهرية: طبع في حلب سنة (1341 هـ/ 1922 م) . 4- نهر الذهب في تاريخ حلب: في ثلاثة مجلدات كبار، وقد طبعه بالمطبعة المارونية في حلب بين سنتي (1341 هـ- 1345 هـ/ 1922 م- 1926 م) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 473 ومن آثاره المخطوطة: 1- ديوان شعر. 2- الذيل على الروزنامة الدهرية. 3- القول الصريح في الأدب الصحيح. 4- ترجمة الصنوبري وأشعاره. 5- الروضة الغناء في حقوق النساء. 6- جلاء الظلمة في حقوق أهل الذمة. علاوة على عشرات المقالات العلمية والتحقيقات اللغوية والتاريخية المبثوثة في كبريات الصحف العربية والسورية كجريدة ثمرات الفنون، والاتحاد العثماني، والبلاغ، والمفيد، والحقيقة، ومجلة الشرق في بيروت، ومجلة الفتح، والمكتبة، والزهراء في مصر، والحقائق في دمشق، وجريدة الفرات، وصدى الشهباء التي كان الغزي قد أنشأها سنة (1326 هـ/ 1908 م) ، ومجلة الاعتصام، والجامعة الإسلامية، والحديث، والعاديات في حلب. ومن أهمها ما حظيت بنشره مجلة المجمع العلمي العربي في دمشق وهي: 1- تحوّل العوارض الجويّة في حلب؛ المجلد الرابع (1924 م) . 2- الموسيقى والموسيقاريون في حلب؛ المجلد الخامس (1925 م) . 3- كلمة في (ولا سيما) ؛ المجلد السادس (1926 م) . 4- الهجنة في لهجة الحلبيين؛ المجلد السابع (1927 م) . 5- الشاعر الصنوبري؛ المجلد الحادي عشر (1931 م) . 6- الشواذ في علم النحو؛ المجلد الحادي عشر (1931 م) . 7- قصيدة الفراسة؛ المجلد الثاني عشر (1932 م) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 474 فهرست الجزء الأول من كتاب نهر الذهب في تاريخ حلب الموضوع الصفحة كلمة الناشر 5 مقدمة المحققين: حلب، ونهر الذهب 7 مقدمة المؤلف 19 تواريخ حلب 23 تنبيه 24 تاريخ حلب المنسوب إلى ابن الشحنة 25 ما ظهر لي في تاريخ ابن الشحنة 26 تاريخان لحلب لمعاصرين فاضلين 26 أسماء مدينة حلب ووجه تسميتها باسمها الحالي 27 جغرافية مدينة حلب 30 ساحات حلب وخراباتها 31 حدود ولاية حلب في أيام الحكومة العثمانية 32 حدود ولاية حلب في الأزمان السالفة 33 حدود دولة حلب 33 كيف تألفت دولة حلب 34 (بحيرات ولاية حلب) 34 بحيرة قلعة المضيق 34 بحيرة أنطاكية 35 جبال الولاية 35 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 475 جبل الثلج وجبل لبنان وجبل اللكام متصلة ببعضها 35 أنهر الولاية: نهر الفرات 36 نهر العاصي 38 نهر الأسود 38 نهر عفرين 38 نهر يغرا وجسر عفرين 38 سواحل الولاية 40 حرّ حلب 40 برد حلب 41 تحول العوارض الجوية في حلب 41 اعتدال مناخ حلب 45 ماء حلب 45 هواء حلب 47 تراب حلب 48 عرض حلب وطولها وارتفاعها عن سطح البحر 49 معادن ولاية حلب 49 الحمامات المعدنية في ولاية حلب 50 مملحة الجبول 51 نهر حلب وفيه الكلام على اسمه ومنبعه وشيء مما مدح به وغيره 52 معنى كلمة قويق 55 جر الساجور إلى نهر قويق 58 قناة حلب 61 اعتناء الملك الظاهر بقناة حلب 62 تقسيم ماء القناة في أيام الملك الظاهر وفيه غير ذلك 63 الاستحقاقات من قناة حلب المسجلة في سجلات المحكمة الشرعية 64 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 476 قناة الكلاسة والمغاير 64 قناة أخرى 66 قناة من الفرات 66 صورة حجة شرعية في بيان استحقاقات البساتين من نهر قويق 67 فصل في ذكر شيء مما مدحت به مدينة حلب 67 ذكر قصيدة الفراسة 78 فصل ملحق بما مدحت به مدينة حلب 79 الأوزان والمقاييس والكيول المستعملة في حلب 86 نسبة مقادير الأوزان والكيول والمقاييس إلى المتر 89 نسبة الأوزان إلى الكيلو وأقسامه 90 نسبة المقاييس والكيول إلى المتر 90 أوزان البلدان التابعة ولاية حلب 90 السلع التي توزن بغير الرطل الجديد 91 الكلام على النقود 91 النقود القديمة 92 الصنائع في حلب 92 الصنائع المفقودة 99 ومنها صنعة الزجاج وفيه ذكر أدلة على وجودها وشهرتها 101 ومنها صنعة نسج القطائف (السجاد) 101 النباتات في حلب وولايتها 101 الحبوب 101 الخضر والبقول والفواكه وغيرها 103 النباتات الشجرية 107 الأشجار التي يطلب منها منفعة أخرى 113 نباتاتها المعدودة من العقاقير الطبية 115 النباتات المشهورة عند الحلبيين 116 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 477 حيوانات حلب وتوابعها 117 الطيور الأهلية 117 الطيور الوافدة 119 ذوات الأربع 120 الحشرات والهوام 121 تجارة حلب: وفيه الكلام على حمام الزاجل، وتسابق التجار الهنود والترك والجركس والفرنج إلى شراء بضائع حلب وفيه غير ذلك 123 أما ما يدخل إلى حلب من غيرها من البضائع والسلع وما يخرج منها 124 بيان قيمة الأموال الواردة إلى ميناء الإسكندرونة سنة 1307 إلى آخره 125 الحركة البحرية في ميناء الإسكندرونة سنة 1307 127 بيان قيمة الأموال الصادرة من الميناء المذكورة إلى آخره 127 خلاصة في مقادير غلات ولاية حلب وفيه غير ذلك 127 مساحة ولاية حلب وفيه غير ذلك 129 التجارة في حلب منذ ثلاثين سنة 131 تجارة حلب في الحالة الحاضرة 131 المعارف في حلب 132 مصيبة حلب بحادثة تيمور لنك وغيرها 134 المدارس العلمية الإسلامية المجددة في حلب وفيه الكلام على أسباب الفتور في طلب العلم 134 النهضة العلمية في حلب 135 المكاتب الأهلية في حلب 136 المدارس الإسلامية الحديثة الطرز في حلب 137 المدارس والمكاتب الأميرية في حلب 137 مكاتب المعارف في مدينة حلب 138 مكاتب المعارف في الأقضية التابعة دولة حلب 138 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 478 مكتب الصنائع في حلب 139 المكتبات في حلب 139 ولع الحلبيين باقتناء الكتب 140 حرفة نسخ الكتب وحسن الخط في حلب 140 أسباب عناية الحلبيين باقتناء الكتب 141 المكتبات القديمة المفقودة 141 ذكر شجرة الإفادة 142 المكتبات الإسلامية الموجودة الآن في حلب 143 الأطباء في حلب 145 استطراد مفيد في معارف المسلمين ومدنيتهم 145 فن التصوير في الإسلام وفيه غير ذلك 149 الملل والنحل في حلب وجهاتها قبل الفتح الإسلامي 151 الوثن نبو 151 الوثن عشتاروت 151 الوثن رمّن 152 الوثن حداد، أو هداد 152 عبادة الحلبيين الحمام وأسماك قويق 152 الوثن أبولون 153 الصابئيّة 153 عبادة النار في حلب 153 الملل والنحل في حلب وجهاتها بعد الفتح الإسلامي 154 المسلمون السنيون 154 الطرائق العلية في حلب 155 الشيعة في حلب قديما وحديثا 155 النصارى في حلب قبل الفتح الإسلامي 157 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 479 النصارى في حلب بعد الفتح الإسلامي 157 زحف التتار على مدينة حلب وتشتت أهلها وفيه غير ذلك 159 المذهب الأرتودكسي والمذهب الكاثوليكي في حلب 160 الكثلكة في حلب 161 الطوائف المسيحية في حلب 161 اليهود في حلب 162 الرياسة الدينية على اليهود في حلب 163 طوائف اليهود في حلب 164 النصيرية في حلب 165 اليزيدية 166 الإسماعيلية 168 الدروز 171 الحزب الماسوني في حلب 176 طائفة كيز وكيز 177 نبذة من حقوق الجوار 177 معاملة أهل الذمة بالبر والقسط 180 التصدق على فقراء أهل الذمة 180 عيادة الذمّي وتعزيته وضيافته 181 حلّ طعام الكتابى لنا وحلّ طعامنا له 182 التزام العدل في الحكم والشهادة على المسلم وغيره 182 قصة زيد السمين اليهودي 183 فصل في معاملة أهل الذمة 184 في ثبوت الأمانة لأهل الكتاب 186 لهجة أهل حلب في التكلم 186 أمراض حلب 188 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 480 حبة حلب وفيه غير ذلك 189 العادات المستعملة عند المسلمين في أفراحهم وأتراحهم 192 العادات المستعملة في الحمل والولادة وما بعدها 192 وضع الولد في المكتب أو غيره وحفلة الختم إلى أن يبلغ حد الزواج 194 ختان الولد 195 صيام الطفل في رمضان 196 الزواج وتوابعه 196 عاداتهم في أتراحهم 201 بعض عادات يستعملها النصارى في أفراحهم وأتراحهم 203 فمنها ما اعتادوه في الخطبة والزواج إلى آخره 203 بعض عادات النصارى في أتراحهم 205 بعض عادات يستعملها اليهود في أفراحهم وأتراحهم 207 فمنها أن يختنوا الطفل إلخ 207 بعض ما يستعملونه في أتراحهم 209 عادات الحلبيين المسلمين في الأشهر القمرية 210 ما يستعملونه في الأشهر الشمسية 214 ما لا يستحسن من عادات بعض الحلبيين 217 صفات الحلبيين الحسيّة 221 صفات الحلبيين المعنوية 222 ملابسهم وأزياؤهم 223 ملابس النساء وأزياؤهن 225 القضاة في حلب: وفيه ذكر أسماء القضاة الشافعية والحنفية من أيام الدولة العباسية إلى يومنا هذا 228 ذكر القضاة الشافعية 229 أسماء القضاة الحنفية 234 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 481 أسماء قضاة حلب في أيام الحكومة العثمانية وأسماء من تولى بعدهم القضاء في حلب إلى يومنا هذا 235 أحوال ولاة حلب 243 أحوال كفّال حلب في أيام الدولة الجركسية 243 أحوال الولاة في أيام الدولة العثمانية 246 موكب الوالي في يومي العيد 247 منح الولاة إلى حفظة دار الحكومة 247 منح الولاة خدمهم 248 منح الولاة خدمة الجوامع 248 أحوال ولاة الدولة العثمانية في أيامنا 249 كيف يكون استقبال الوالي 249 كيف استقبال الوالي 249 موكب الولاة في صلاة الجمعة 251 موكب قراءة التقليد 251 ذكر ما كان في باطن حلب وظاهرها من الحمامات 252 الحمامات التي كانت في باطن مدينة حلب 253 الحمامات التي في الدور 253 الحمامات في ظاهر حلب 254 الحمامات التي كانت بالمقام (في الصالحين) 254 الحمامات التي كانت في البساتين 255 الحمامات التي كانت خارج باب أنطاكية 255 الحمامات التي كانت بالرمادة «قرب مسجد البختي» 256 ما يستنبط من كلام ابن شداد 256 عدد سكان مدينة حلب في أواسط القرن السادس 256 عدد سكان حلب في أواخر القرن العاشر 257 عدد سكان مدينة حلب سنة 1237 258 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 482 إحصاء عدد سكان حلب في أيام الحكومة العثمانية 258 جدول في إحصاء دولة حلب سنة 1922 م 1340 هـ 259 موظفو الحكومة في مدينة حلب وولايتها أيام الدولة العثمانية 262 مجلس الإدارة 262 محاسبة الولاية وفيه جدول كبير في ميزانية الولاية عن سنة 1305 263 ارتفاع مدينة حلب أيام الملك الظاهر غازي بن صلاح الدين يوسف الأيوبي 268 قلم المكتوبي 269 قلم الأوراق. وفيه جدول كبير في إحصاء عدد المخابرات عن سنة 1318 269 أوضة الترجمة 271 إدارة الأملاك 271 إدارة البرق والبريد 271 إدارة الأوقاف 272 نظارة النفوس 272 إدارة الدفتر الخاقاني 272 المصرف الزراعي 273 إدارة الغابات 273 قوميسيون الجفتلك الهمايوني 273 لجنة النافعة 273 لجنة تحصيل البقايا 273 لجنة التحصيل العمومي 274 لجنة تسجيل الأحوال 274 لجنة الأوقاف 274 دائرة البلدية: وفيه بيان دخلها وخرجها قبل الحرب العامّة وبعدها 274 جدول إجمالي في عدد جماعة الدرك 275 محكمة البداية وما يلحق بها 276 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 483 محكمة التجارة 277 المحكمة الشرعية 278 إدارة الأملاك السلطانية وفيه بيان دخلها وخرجها عن سنة 1304 278 إدارة الديون العمومية وفيه بيان دخلها عن سنة 1305 278 إدارة انحصار الدخان وفيه بيان دخلها وخرجها عن سنة 1305 279 عسكرية ولاية حلب 279 المكتب الرشدي العسكري 280 المكتب الرشدي الملكي 280 الأجانب الموظفون في حلب 280 الرؤساء الروحانيون في حلب 280 الهيئة الحاكمة في اللواء 280 الهيئة الحاكمة في الأقضية 281 قضاء كلّز: مدينة كلّز وعدد أهلها ومحلاتها وعدد أهل قرى هذا القضاء، كل قرية على حدتها 281 الكلام على هذا القضاء وما فيه من الأماكن الشهيرة 286 مدينة كلز 286 المزارات الشهيرة في كلّز وقراها 288 الأسر الشهيرة في كلز 288 الأماكن التي لها شهرة في التاريخ من هذا القضاء 289 قورص، أو قورس 289 مدينة عزاز 290 قلعة الراوندان 292 جندرس 292 دابق 292 قبر أخي داود 293 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 484 تلّ ارفاد 293 قضاء إسكندرونة مدينة الإسكندرونة وأسماء المحلات الموجودة فيها 294 قرى إسكندرونة 294 إسكندرونة. وفيه الكلام على تاريخها قديما وحديثا، وعلى مستنقعاتها، وجدول في بيان ما يصرف على طمّها تقديرا 295 الأسر الشهيرة في الإسكندرونة 298 قضاء أنطاكية 299 مدينة أنطاكية وأسماء محلاتها وعدد سكانها 299 ناحية القصير وبقيّة النواحي التابعة قضاء أنطاكية 299 الكلام على هذا القضاء وما فيه من الأماكن الشهيرة 301 مدينة أنطاكية يستوعب الكلام عليها نحو 21 صفحة 301 الكلام على دفنة 313 علاوة نذكر فيها ما علمناه في أنطاكية وبعض نواحيها 315 مساوىء أنطاكية 319 الأسر الشهيرة في أنطاكية 319 قضاء معرّة النعمان 322 مدينة المعرة وعدد أهلها وذكر محلاتها 322 قرى القضاء، وعدد أهلها 322 الكلام على هذا القضاء، وما فيه من الأماكن الشهيرة 322 مدينة المعرة وفيه ذكر ما في قربها من آثار الأماكن القديمة 322 خان شيخون، وكفر طاب 326 خناصرة 327 نبذة في أخبار عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه 328 الأسر الشهيرة في معرة النعمان 337 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 485 الكلام على دير سمعان، وتفسير الدير وما يتعلق به 338 قضاء جسر الشغر 341 سكان مدينة الجسر 341 قرى القضاء وعدد أهلها 341 الكلام على هذا القضاء، وما فيه من الأماكن المشهورة 342 أفامية 343 قلعة المضيق، دير كوش، قسطون 344 الأسر الشهيرة في مدينة جسر الشغر 344 قضاء عينتاب 345 مدينة عينتاب وأسماء محلاتها وعدد سكانها 345 قرى قضاء عينتاب 346 الكلام على هذا القضاء وما فيه من الأماكن الشهيرة 348 عينتاب 348 دلوك، ومن الآثار القديمة إلخ 349 الأسر المشهورة في عينتاب 454 قضاء بيلان 352 مدينة بيلان وأسماء محلاتها 352 قرى بيلان 352 الكلام على هذا القضاء وما فيه من الأماكن المشهورة 352 مدينة بيلان 353 بغراس 355 دير بساك 356 قضاء جبل سمعان 357 أسماء قرى القضاء 357 قرى العشائر 358 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 486 الكلام على هذا القضاء وما فيه من الأماكن الشهيرة 358 في هذا القضاء عدة قرى ومزارع لم نذكرها إلخ 359 سمعان الذي يضاف إليه جبل هذا القضاء إلخ 360 الكلام على هذا القضاء وما فيه من الأماكن الشهيرة.. قنسرين 361 الأثارب 363 عين جارة، والهوتة 364 شبيث والأحصّ وفيه حكاية الشاعر الأحصّي مع سيف الدولة 364 عين زربة 366 أورم، تل السلطان، جبرين الفستق 367 قنسرين الثانية، ومشهد الرجم 368 قضاء الرقة: عدد قراها وسكانها 369 الكلام على هذا القضاء وما فيه من الأماكن المشهورة 369 الرقة 370 الرافقة 372 مدينة الرصافة 372 مسكنة 374 صفّين، وقلعة جعبر 375 قضاء حارم: وعدد قراها وسكانها 377 الكلام على هذا القضاء وما فيه من الأماكن الشهيرة 378 حارم 379 مدينة أرمناز 381 حصن أرتاح 382 سلقنة ومزرعة روحين ومشهدها 383 دير رمّانين 383 أسرة آل برمدا في حارم 384 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 487 الأسر الشهيرة في أرمناز 385 الأسر الشهيرة في كفر تخاريم 385 قضاء الباب والجبول 386 محلات الباب وعدد سكانها 386 قرى القضاء 386 مدينة الباب 388 بزاعة 391 الأسر الشهيرة في الباب 393 قضاء منبج 394 محلات منبج وعدد سكانها وقرى القضاء 394 الكلام على هذا القضاء وما فيه من الأماكن الشهيرة 395 أبو قلقل 398 قلعة نجم 399 قضاء إدلب: قصبة إدلب 400 محلاتها وقرى القضاء 400 الكلام على هذا القضاء وما فيه من الأماكن الشهيرة 401 قصبة إدلب 401 قرية مرتين، ريحا 403 جبل الزاوية، خربة البارة، وكفر لاثا 404 سرمين 405 معرة مصرين، قرية نحلة 406 الأسر الشهيرة في إدلب 407 الأسر الشهيرة في ريحا 409 لواء أورفة: قضاء أورفة- مدينة أورفة- محلاتها 411 قرى هذا القضاء 411 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 488 الكلام على هذا اللواء وما فيه من الأماكن الشهيرة 415 مدينة الرّها، (وهي أورفة) 415 مسجد الخليل، النار الموقدة للخليل 416 أسماء أورفة 416 متى بنيت أورفة، والدول التي استولت عليها 417 تشخيص مدينة أورفة وموقعها، المقامات العالية في أورفة وفيه غير ذلك 417 فصل في ذكر أشاء اقتطفنا بعضها من تاريخ العلامة إلخ 419 الآثار القديمة في الرها وفيه غير ذلك 423 مياه مدينة الرّها وفيه غير ذلك 425 حرّان، الصابئية 427 قضاء سروج من أعمال لواء أورفة- قرى سروج 431 الكلام على قضاء سروج- مدينة سروج 433 قضاء روم قلعة في لواء أورفة- ناحية يازيكي وبقية النواحي 434 قضاء قلعة الروم ومركزه قصبة (خلفتي) وفيه غير ذلك 436 قضاء بيره جك في لواء أورفة 438 مدينة بيره جك- محلاتها 438 مدينة بيره جك 439 نزب، جرابلس 440 لواء مرعش: محلاتها 442 ناحية أطراف مدينة مرعش- أسماء القرى 443 الكلام على هذا اللواء وما فيه من الأماكن الشهيرة 444 مدينة مرعش 444 قضاء البستان من أعمال لواء مرعش- مدينة البستان- محلاتها وقرى القضاء 447 الكلام على هذا القضاء وما فيه من الأماكن الشهيرة- قصبة البستان 449 مدينة أفسوس وفيه غير ذلك 450 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 489 قضاء الزيتون من أعمال لواء مرعش- محلاتها وقراها 451 الكلام على هذا القضاء وما فيه من الأماكن الشهيرة 452 قضاء بازرجق من أعمال لواء مرعش، ومحلاتها وقراها 453 الكلام على هذا القضاء وما فيه من الأماكن الشهيرة 455 قضاء أندرين من أعمال لواء مرعش ومحلاتها وقراها 456 الكلام على هذا القضاء 457 الكلام على دولة حلب وفيه إحصاء سكان لواء الدير 458 مدينة دير الزور 459 تاريخ مدينة الدير 460 حدود هذا اللواء، الأنهر في هذا اللواء 461 مساحة هذا اللواء 462 جبال هذا اللواء 462 المعادن في هذا اللواء 462 تربة هذا اللواء 463 حرّ هذا اللواء 463 برد هذا اللواء 463 هواء هذا اللواء 463 آلات السقي في هذا اللواء 463 نباتات هذا اللواء 464 حيواناته 464 المراعي في اللواء 465 كيف يتصرف الزراع بالأراضي 465 واردات هذا اللواء وصادراته 465 عشائر العرب في أقضية لواء الدير 466 المكاتب الأميرية في لواء الدير 466 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 490 الصنائع في مدينة الدير ومرافقها 466 الأمراض في مدينة الدير 467 واردات الحكومة من لواء الدير 467 أسماء العشائر العربية القاطنة في هذا اللواء 467 عدد المواشي في هذا اللواء تقريبا 468 البحيرات في هذا اللواء تقريبا 468 عشيرة العشار 468 الشيخ كامل الغزّي، حياته وآثاره المطبوعة والمخطوطة 469 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 491 [ الجزء الثانى ] [ مقدمة المؤلف ] بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله وصلاة وسلاما على من اختاره من عباده واصطفاه. أما بعد، فيقول العبد الفقير إلى رحمة ربه القدير كامل بن حسين بن محمد الغزي الحلبي عفا الله عنهم. هذا هو الباب الأول في الكلام على ما في مدينة حلب من المباني الدينية والآثار الخيرية والمعاهد العلمية وغيرها. وقد افتتحناه بالكلام على أسوار حلب وأبوابها لأنها مما يتوقف على معرفتها تعيين حدود كثير من المباني والعمائر. ثم أتبعنا ذلك بالكلام على قلعتها الداخلة في سورها للغرض المذكور. ثم بالكلام على محلات حلب الداخلة في سورها والخارجة عنه مفردا لكل محلة منها فصلا على حدته، مرتبا إياها بالذكر كترتيبها في سجل الحكومة الذي كانت تؤخذ القرعة العسكرية على نسقه أيام حكومة الدولة العثمانية في حلب، مشيرا إلى المحلة الداخلة في السور بحرف (د) وإلى الخارجة عنه بحرف (خ) ثم أشير إلى عدد بيوتها، وبعد ذلك أرسم جدولا يعرف منه عدد سكانها ذكورا وإناثا مسلمين وغيرهم وطنيين وغرباء، ثم أذكر حدود المحلة وأتبعه بالكلام على ما فيها من المعابد والمعاهد العلمية والخيرية قديما وحديثا، العامرة والمندرسة. واعتناء ببعض الآثار العظيمة العامرة أذكر مساحته بالذراع المعماري المستعمل في مدينة حلب مشيرا إلى الذراع بحرف (ع) وإلى القيراط بحرف (ط) . واحتفالا ببعض المباني الموقوفة الشهيرة أذكر لها خلاصة من كتاب وقفها لأنها لا تخلو عن فائدة والله سبحانه ولي التوفيق. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 5 خلاصة ما قاله المتقدمون في أسوار مدينة حلب وأبوابها وقلعتها أسوار حلب قالوا: كان يضرب المثل بحصانة سور حلب ومنعته، وكان قديما مؤلفا من ثلاثة أسوار مبنية بالحجارة من بناء الروم. ولما تشعثت بمحاصرة كسرى بعد استيلائه عليها رم ما تشعث من أسوارها وبني ما انهدم منها بالآجر الفارسي وذلك فيما بين باب الجنان وباب أنطاكية وبقيت هكذا إلى أن ملكها المسلمون. فجدد فيها بنو أمية ثم بنو صالح عدة أبراج حينما كان بنو صالح ولاة عليها من قبل الخلفاء العباسيين وهم بنو صالح بن عبد الملك، ثم لما خربت بمحاصرة نيقفور ملك الروم سنة 351 هـ «1» وعاد إليها سيف الدولة، جدد أسوارها سنة 353 هـ وكان اسمه مكتوبا على بعض أبراجها ثم جدد فيها أبراجا أخرى ولده سعد الدولة وأتقن سورها سنة 367 هـ، ثم جاءت دولة بني مرداس «2» بنى فيها معز الدولة أبو علوان ثمال بن صالح بن مرداس أبراجا بعد سنة 420 هـ وكذلك بنى فيها غيره من الملوك الذين جاؤوا بعده مثل آق سنقر وولده عماد الدين زنكي. وفي سنة 553 هـ شرع نور الدين محمود زنكي الأتابك بعمارة فصيل لأسوارها وهو حائط دون الحصن أو حائط قصير دون سور المدينة. وكان هذا الفصيل ممتدا من الباب الجزء: 2 ¦ الصفحة: 7 الصغير «1» إلى باب العراق «2» ، ومن قلعة الشريف «3» إلى قنسرين ثم إلى باب أنطاكية، ومن باب الجنان إلى باب النصر ثم إلى باب الأربعين «4» . وعمر أيضا أسوار باب العراق. ولما ملك الظاهر غياث الدين غازي حلب أمر بإنشاء سور من باب الجنان إلى برج الثعابين وفتح الباب المستجد وأمر بحفر الخنادق وذلك في سنة 592 هـ. وفيها أمر برفع الفصيل الذي بناه نور الدين وجدد السور القديم والأبراج وجعلها على علو السور الأول وكتب على البرج اسم كل أمير أو كله بعمارته. وبنى أبراجا من باب الجنان إلى باب النصر. وبنى سورا من شرقي البلدة على دار العدل. وفتح له بابا من جهة القبلة وبابا من جهة الشرق والشمال على حافة الخندق سمي الباب الصغير، وكان يخرج منه إذا ركب وبنى دار العدل لجلوسه العام فيما بين السورين الجديد الذي بناه إلى جانب الميدان والعتيق الذي فيه الباب الصغير وفيه الفصيل الذي كان بناه نور الدين. وكان الشروع في بناء الدار المذكورة سنة 585 اه واهتم بتحرير خندق الروم وعرف بهم لأنهم حفروه لما نازلوا حلب أيام سيف الدولة وهو محيط بالمدينة من قلعة الشريف وينعطف إلى باب القناة، ثم ينعطف غربا من شمالي الجبيلة حتى يتصل بخندق المدينة القديمة. فأمر الملك الظاهر برفع ترابه وإلقائه على شفيره مما يلي المدينة فعلا ذلك المكان وارتفع وسفح إلى الخندق عمق واتسع وقويت به المدينة وبني عليه سور من اللبن في أيام الملك العزيز محمد بن الملك الظاهر. ثم بعد سنة 620 هـ بنى شهاب الدين طغرلبك الأتابك برجا عظيما فيما بين باب النصر وبرج الثعابين مقابل أتانين الكلس ومقابر اليهود شمالي حلب. وأمر الأتابك طغرلبك بقطع الحوار من خندق الروم، فاتسع وعمق وزادت البلدة به حصانة. وفي سنة 642 هـ جدد الملك الناصر يوسف بن الملك العزيز أبراجا في السور الممتد الجزء: 2 ¦ الصفحة: 8 من باب الجنان إلى باب قنسرين وذلك من شمالي حلب إلى جنوبها وكانت هذه الأبراج عظيمة كل واحد منها يضاهي قلعة وعدتها نيف وعشرون برجا ارتفاع كل برج منها فوق أربعين ذراعا وسعته ما بين الأربعين إلى الخمسين. وكل برج له رواقات تستر المقاتل من حجارة المنجنيق والنشاب، وسفح من السور والأبراج في الميل إلى الخندق فصار كله كالقلعة العظيمة والذي دعاه إلى ذلك الخوف من رجوع التتار إلى حلب بعد أن نازلوها ورجعوا عنها خائبين ولما فرغ من تحصينها على ما ذكرناه بلغت أبراج السور وبدناته مائة وثمانية وعشرين برجا وبدنة ومحيطه خارجا عن دور القلعة ستة آلاف وستمائة وخمسة وعشرين ذراعا. فاستمرت حلب على هذه المنعة والحصانة إلى أن عاودها التتار ودخلت تحت قبضة هولاكو سنة 658 هـ فخرب أسوارها وأبراجها تخريبا فاحشا ودامت خرابا إلى سنة 693 هـ وفيها اهتم الأمير سيف الدين كمشبغا الحموي بعمارتها وعمل لها أبوابا تغلق عليها وكان بين باب الجنان وباب النصر باب يقال له باب العبارة «1» فجدد بناءه وسماه باب الفرج. وكان بحلب قديما باب يقال له باب الفرج بالقرب من باب العافية لصيق قصر كان ينسب إليه فيما مضى خانقاه القصر، فخربه الملك الظاهر غازي. ثم إن السور بقي مرمما إلى أن جاء تمرلنك «2» فأخذ حلب وخربها وأحرقها وهدم أسوارها ونزح عنها فكان بعد ذلك كل من يجيء إليها من النواب يأمر ببناء شيء من السور على غير إحكام إلى أن تسلطن الملك المؤيد شيخ وجاء حلب في المرة الثالثة من قدماته إليها سنة 820 هـ وفحص عن أمر السور القديم وركب بنفسه ودار على الأسوار وأمر ببنائها على ما كانت عليه قديما من باب العراق إلى باب الأربعين بناء محكما، وأن يرمم السور البراني من جهة خندق الروم، فشرع في ذلك وأمر بجمع المال من حلب وغيرها فانهدمت مساجد ومدارس وأخذت أملاك كثيرة بغير حق وكانت مبنية على أماكن من السور القديم. وكان ابتداء العمارة من رأس قلعة الشريف من جهة الشرق آخذة إلى جهة الغرب. ووصل البناء إلى القرب من باب الجنان غربا وإلى تجاه حمام الجرن الأسود المعروف بحمام الذهب شرقا. وأسس الباب الذي كان أمر بعمله مكان باب العراق وبابا عن باب الجزء: 2 ¦ الصفحة: 9 الأربعين كما كان قديما. فلما وصل البناء إلى هذه الأماكن توفي الملك المؤيد شيخ. ثم في سنة 831 هـ أمر السلطان الملك الأشرف برسباي بعمارة الأسوار البرانية، وأن تبنى على خندق الروم وأبطل ما كان بني من جهة جامع الطواشي وحارة بزي وفك البناء من هنا وشرع بتكملته بعد أن بنى بحارة بزي عضادتي الباب الذي أمر بعمله. أبواب مدينة حلب قالوا: أولها مما يلي القبلة باب قنسرين. وسمي بذلك لأنه يخرج منه إلى قنسرين. وهو قديم وجدده سيف الدولة ثم الملك الناصر يوسف ابن الملك العزيز سنة 654 هـ ونقل حجارته من الناعورة «1» شرقي حلب من برج كان بها من أبراج قصر مسلمة بن عبد الملك. وقد نقلت هذه الحجارة إلى القصر المذكور من باب الرقة وقبله من سور سرّ من رأى وقبله من سور عمورية، ولما بنى الملك الناصر باب قنسرين بنى عليه أبراجا عظيمة ومرافق للأجناد وطواحين وأفرانا وجبابا للزيت وصهاريج للماء حتى صار كالقلعة المستقلة، وكان يوجد قرب باب قنسرين بينه وبين برج الغنم مسجد يقال له مسجد النور، كان يتعبد فيه ابن أبي نمير الشهير الذي سنذكره في باب التراجم إن شاء الله تعالى، ويلي هذا الباب باب العراق لأنه يخرج منه إلى جهة العراق وجدده أبو علوان ثمال بن صالح المرداسي بعد سنة 420 هـ، ثم في سنة 550 هـ أنشأ نور الدين محمود زنكي بين يديه ميدانا طوله 520 ع وعرضه من القبلة 850 ومن الشمال 150 وكان محل باب العراق في شمالي جامع الطواشي عند حمام الذهب غربي سوق القصيلة على قدر غلوة «2» منه ويليه باب دار العدل. كان لا يركب منه أحد سوى الملك الظاهر غازي وهو الذي بناه. ويليه شرقا الباب الصغير وهو الباب الذي يخرج منه من تحت القلعة من جانب خندقها وخانقاه القصر إلى دار العدل ومن خارجه البابان اللذان جددهما الملك الظاهر غازي في السور الذي جدده الجزء: 2 ¦ الصفحة: 10 على دار العدل، أحدهما يدعى الباب الصغير أيضا يفتح على شفير الخندق ويخرج منه إلى الميدان المتقدم ذكره. والآخر مغلق ويلي الباب الصغير الأول باب الأربعين وسمي بذلك لأنه خرج منه مرة أربعون ألفا من الجنود فلم يعودوا، وقيل عاد منهم واحد فرأته امرأة وهو داخل فقالت له دبيران جئت، فقال دبيران من لم يجيء!! وقيل خرج منه أربعون محدثا أو شريفا. وكان داخل باب الأربعين خانقاه أنشأتها ضيفة خاتون بنت الملك العادل وهي تجاه مسجد الشيخ الحافظ عبد الرحمن الأستاذ. وهذه الأبواب الثلاثة وهي باب العراق والباب الصغير وباب الأربعين كان الملك الظاهر غازي قد سفح بين يديها تلا من التراب الذي أخرجه من خندق الروم وسماه التواتير وهي تحيط بالبلدة من شرقي قلعة الشريف إلى باب القناة. وبنى عليها سورا وفتح فيه ثلاثة أبواب ولم يتم السور ولا الأبواب، فأتمها ولده الملك العزيز وسمى الباب القبلي منها باب المقام لأنه يخرج منه إلى المقام المنسوب لسيدنا الخليل صلوات الله عليه وعرف مدة بباب نفيس وهو رجل كان أسفاسلارا «1» وهي لفظة أعجمية معناها متولي الأمور. ويلي هذا الباب شرقا باب النيرب لأنه يخرج منه إلى القرية المذكورة. ويليه باب القناة لأنها تعبر منه (وهو المعروف الآن بباب الحديد) وعرف أيضا بباب بانقوسا. وقد تجدد بين باب النيرب وباب القناة باب خندق بالوجه الذي كان يعرف بباب الأحمر. ويلي باب الأربعين من جهة الشمال باب اليهود «2» ، وكان عليه بابان يخرج منهما إلى باشورة أي قطعة أرض ظاهر البلدة. ثم هدمه الملك الظاهر غازي وجعل عليه أربعة أبواب كل باب بدركاه، أي بدهليز، على حدته وأزج أي قبو واحد على أربعتها وبنى عليه أبراجا ونسف ما في ظاهره من التلال والكناسات وبنى في محلها خانا تباع فيه غلات الحطب وسماه باب النصر. ثم يلي هذا الباب باب الفراديس وهو غربي البلدة أنشأه الملك الظاهر غازي وبنى عليه أبراجا عالية ثم سد بعد وفاته إلى أن فتحه ابن ابنه الملك الناصر. ويليه باب الفرج وفتحه الملك الظاهر غازي. وكان في محله باب يسمى باب العبارة أو باب الثعابين، ويليه باب الجنان لأنه يخرج منه إليها. ويليه باب أنطاكية لأنه يخرج منه إلى جهة أنطاكية وكان الجزء: 2 ¦ الصفحة: 11 خربه الملك الناصر ابن الملك العزيز سنة 653 هـ وبنى عليه برجين عظيمين وعمل له دركاه أي دهليزا وله بابان. ويليه باب السعادة ويخرج منه إلى ميدان الحصى، أنشأه الملك الناصر سنة 645 هـ وقد دثر بعد مدة. ويليه باب قنسرين، وكان بحلب قديما باب فوق الجسر المعقود على قويق في ظاهر باب أنطاكية من بناء سيما الطويل سماه باب السلامة خربته الروم سنة 351 هـ. الكلام على قلعة الشريف قالوا: إن قلعة الشريف لم تكن قلعة، بل كان السور محيطا بالمدينة على ما هي عليه الآن وهي مبنية على الجبل الملاصق للمدينة من قبليها وسورها دائر مع سور المدينة. وكان الشريف أبو علي الحسن بن هبة الله الحسيني الهاشمي مقدم الأحداث بحلب وهو رئيس المدينة قد تمكن وقويت شوكته وسلم المدينة لأبي المكارم مسلم بن قريش، فلما قتل مسلم انفرد هو بولاية المدينة وسالم بن مالك العقيلي بالقلعة التي بحلب فبنى الشريف عند ذلك قلعته هذه سنة 478 هـ خيفة على نفسه من أهل حلب لئلا يقتلوه. واقتطعها من المدينة وبنى بينها وبين المدينة سورا واحتفر خندقا (لم يبق له الآن من أثر) . ولما ملك شمس الملوك ألب أرسلان حلب جرى على قاعدة أبيه في أمر الإسماعيلية لأنه كان قد بنى لهم بحلب دار دعوة فطلبوا منه أن يعطيهم هذه القلعة فأجابهم إلى ذلك فقبّح عليه فعله القاضي أبو الحسن بن الخشاب فأخرجهم بعد أن قتل منهم ثلاثمائة إنسان وأسر مائتين وطيف برءوسهم في البلد وذلك سنة 508 هـ، ثم خرب السور بعد ذلك لما ملك حلب ايلغازي بن أرتق سنة 510 هـ فعادت المدينة كما كانت. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 12 فصل نذكر فيه خلاصة ما فهمناه من كلام المتقدمين ودلنا عليه الاستقصاء في أسوار حلب وأبوابها الذي ظهر لنا من كلام المتقدمين والفحص والتدقيق اللذين تكبدنا في إجرائهما مشقة عظيمة ونفقات طائلة، أن سور حلب كان في أيام سيف الدولة قبل استيلاء الروم عليها مبتدئا من باب قنسرين منعطفا من جانبه جنوبا راكبا على محل قلعة الشريف قدر غلوة. ثم ينقطع ويبقى جبل القلعة المذكورة بلا سور لاستغنائه عنه. ثم في جهة شرقية على نحو النصف منه يرجع السور ويأخذ شمالا ويخرج من تجاه ساحة بزي ويمشي شمالا إلى الشرق قليلا حتى يصل إلى شمالي جامع الطواشي قرب حمام الذهب في غربي القصيلة على غلوة منها. وهناك يكون في السور باب العراق. ثم يأخذ منه مستقيما قليلا ثم ينحني حتى يأتي إلى قرب حمام الناصري المعروف في زماننا بحمام اللبابيدية في جنوبي القلعة على حافة خندقها وهناك يكون الباب الصغير ثم ينعطف السور شرقا ويقتطع جانبا من محلة ألتون بغا المعروفة الآن بالمزوق. ثم ينعطف شمالا ويقتطع جانبا من محلة الحموي وجانبا من محلة البياضة. ثم ينعطف ويسير غربا حتى يصل إلى تكية القرقلر «1» في شمالي القلعة وغربي دار الحكومة الحاجز بينهما زقاق يأخذ إلى العوينة. وهناك أي عند تكية القرقلر يكون باب الأربعين ومن هناك ينعطف السور ويسير شمالا حتى يصل إلى أواخر خندق الروم من وراء عمارة عثمان باشا تقريبا فينعطف غربا قليلا ويكون فيه باب اليهود ومنه يمشي قدر غلوة ثم يكون فيه باب العبارة ومنه يمشي محدودبا حتى يكون غربي القلعة بميلة إلى الشمال فيكون فيه باب أنطاكية ثم يمشي منه محدودبا حتى يصل إلى باب قنسرين وعند باب أنطاكية يخرج منه الجزء: 2 ¦ الصفحة: 13 سوران جنوبي وشمالي، يتكوّن بينهما زقاق يتصلان بجسر الدباغة «1» في ظاهر باب أنطاكية الحالي فيكون باب السلامة الذي بناه سيما الطويل وخربه الروم أيام استيلائهم على حلب. وهاك رسم السور وأسماء الأبواب على ما ذكرناه تقريبا: ثم لما استولى الروم على حلب هدموا باب السلامة وأسواره. وبعد أن رجع سيف الدولة إلى حلب لم يعده بل رمم باب أنطاكية فقط. ثم لما عمر الشريف قلعته على الصفة المتقدم ذكرها فصلها عن المدينة فصارت هي وسور المدينة على هذه الصفة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 14 ثم إن ايلغازي بن أرتق خرب سور قلعة الشريف وجعلها داخل سور البلد فعادت كما كانت في أيام سيف الدولة. ولما كانت دولة نور الدين زنكي أمر بعمارة الفصيل من رأس قلعة الشريف إلى باب أنطاكية ومن باب الجنان إلى باب الأربعين ومن الباب الصغير إلى باب العراق (انظر الرسم الآتي) . والمفهوم من كلام المتقدمين أنه كان يوجد في أيام نور الدين باب يقال له باب الفرج لصيق القلعة ولا أعلم أي بقعة من السور تلاصق القلعة فيكون فيها الباب المذكور ولعل السور كان دائرا على القلعة أيضا من الباب الصغير إلى باب الأربعين والباب المذكور في الوصل. ولما جاءت دولة الملك الظاهر غازي أمر برفع الفصيل المذكور وشرع ببناء سور الجزء: 2 ¦ الصفحة: 15 وأبواب من رأس قلعة الشريف مما يلي الشرق ليحيط به السور الداخلي القديم إلى قرب باب النصر وفتح في حضرة باب العراق ميدانا وعمر دار العدل أي دار الحكومة بين السور القديم والجديد الذي صار الشروع به. فلم يتم السور ولا الأبواب المذكورة في أيامه وأتمها ابن ابنه الملك الناصر كما تقدم (انظر الرسم الآتي) . وكان لدار العدل بابان أحدهما من جهتها الجنوبية ويعرف بالباب الصغير والآخر من شرقيها مغلق على الخندق الرومي ولما خربت أسوار حلب في أيام تمرلنك ثم عمرها الملك الأشرف برسباي أمر بتعمير السور البراني وأبطل منه باب الفراديس وباب السعادة والميدان الجزء: 2 ¦ الصفحة: 16 لأنه صار معمورا وتغير موقع دار العدل وكانت في محلة الطونبغا «1» على ما هو مرسوم في المصور السابق وقد ترك الملك الأشرف السور الداخلي القديم متهدّما على ما كان عليه حفظا لما بني عليه من الدور والمساجد وغير هما. وكان قد دثر ولم يبق منه سوى رسوم خفية فصار السور البراني على هذه الصفة وهي الصفة الحاضرة تقريبا (ص 18) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 17 هيئة السور والأبواب في هذا الوقت ولنتكلم الآن على هيئة السور والأبواب في سنة 1341 هـ فنقول: الباب الأول من جهة الجنوب هو باب قنسرين وهو أعظم الأبواب ومحله قديم قبل الإسلام يتألف من أربعة أبواب: باب يلي المدينة وباب يلي البرية وبابان بينهما. وهو لصيق قلعة الشريف. ولم يظهر لي من آثار أي ملك هو، وقرأت على أحد جدران باشورته الموجه جنوبا سطرا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 18 صورته: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ فَانْظُرْ إِلى آثارِ رَحْمَتِ اللَّهِ كَيْفَ يُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها إلى آخر الآية. وفي وسط هذا السطر دائرة كتب فيها (أبو النصر مولانا السلطان الملك المؤيد) . قلت: وهذا الجدار لا تشابه عمارته الباب المذكور فلذا لم أجزم بأن الباب من آثار الملك المؤيد شيخ وكان مكتوبا على جدار الباشورة شرقا قبالة الباب الخارجي ما صورته: (أمر بعمارته مولانا السلطان الملك المؤيد المنصور أبو النصر شيخ في شهور سنة 818 هـ) . وقد هدم هذا الجدار سنة 1303 هـ ونقلت حجارته إلى الرباط العسكري المعروف بالشيخ براق «1» ومكتوب على جدار الباشورة الموجه غربا لكن أول الكتابة من قفاه الموجه جنوبا: (أمر بعمارته مولانا السلطان الملك الأشرف قانصوه عز نصره ودام اقتداره بمحمد وآله. وذلك بتاريخ شهر ربيع الآخر سنة سبع وتسعمائة) . ثم يأخذ السور من هناك غربا حتى يكون تجاه مقبرة الكليباني فيكون فيه برج متشعث له شباك مكتوب فوق نجفته: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ. مَنْ عَمِلَ صالِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَساءَ فَعَلَيْها وَما رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ . وليس بين هذا البرج وبين باب قنسرين سوى برج واحد متداع للخراب. ثم يمر السور من البرج المذكور حتى يكون تجاه أتانين الكلس في محلة الكلاسة التي كانت تعرف بالحاضر السليماني فينعطف شمالا ويمشي قدر غلوة فيكون فيه ثلمة تعرف بالخراق أظن أن في محلها أو فيما قاربه كان باب السعادة. ثم يستمر السور حتى يصل إلى باب أنطاكية شرقي جسر الدباغة بينهما مسافة غلوة وكان داخل هذا الباب مدرسة اسمها الزيدية وعرفت أيضا بالألواحية أنشأها إبراهيم بن إبراهيم المعروف بأخي زيد الكيال الحلبي انتهت عمارتها سنة 655 هـ ودرس فيها شمس الدين أحد بيت محيي الدين محمد ابن العجمي. ولما نزلها الألواحي الصوفي نسبت إليه وهي الآن داثرة لا أثر لها. وهذا الباب مؤلف من بابين: واحد يلي المدينة والآخر ظاهرها. ومحله قديم قبل الإسلام مكتوب على نجفته ما معناه أن الذي جدده بعد دثوره المقر السيفي دقماق الناصري كافل المملكة الحلبية. مكتوب على جدار باشورته بقلم عريض: (بسم الله الرحمن الرحيم. أمر بعمارة هذا الباب والأسوار بعد خرابها ودثورها ومحو رسومها مولانا السلطان الأعظم مالك رقاب الأمم سيد سلاطين العرب والعجم سلطان البرين وخاقان البحرين وخادم الحرمين الجزء: 2 ¦ الصفحة: 19 الشريفين سلطان الإسلام والمسلمين ناظر الغزاة والمجاهدين العالم العادل الملك المؤيد المنصور خلد الله ملكه في كفالة المقر الأشرفي السيفي ... ) . قلت: فالمفهوم من هذه الكتابة أن عمارة هذا الباب كانت في أيام الملك المؤيد شيخ لكن داخل الباب ليس من آثاره لعدم وجود الشبه بين البنائين الداخلي والخارجي. ثم يمشي السور من هناك شمالا قليلا ويكون فيه برج بأعلاه رسم أسدين متقابلين وفيه كتابة تدل على أنه من بناء الملك المؤيد شيخ، ثم يستمر حتى يصل إلى باب الجنان وهو باب واحد ليس له دركاه «1» ، ورأيت في جدار جامع مجاور له عن جنوبه حجرة كتب فيها (جدد هذا البرج المبارك مولانا السلطان المالك الملك قانصوه الغوري عز نصره بتولي المقر السيفي برسباي الأشرفي نائب القلعة بحلب المحروسة سنة 920) وأظن أن هذا الجامع كان في الأصل داخل برج للسور. وفي هذا الباب مشهد علي بن أبي طالب رضي الله عنه رؤي هناك في المنام كما قال الهروي في كتابه الإشارات في الزيارات. وهذا الباب قد هدمته الحكومة سنة 1310 هـ ووسعت به الطريق ولم يبق له أثر. ثم إن السور يمشي من هناك ويمر من تجاه خان دار كوره «2» يتحدّب تارة ويتقعّر أخرى ويكون تحدبه إلى جهة المدينة وفي طرف هذا التقعير يكون باب الفرج وهو باب واحد ليس له دركاه مكتوب عليه: (جدد هذا الباب المبارك في أيام مولانا السلطان الملك الأشرف المنصور الملك العزيز بولاية المقر السيفي الأشرفي نائب القلعة المنصورة بحلب المحروسة) ، ومكتوب في جدار البرج المتصل بظاهره الموجه غربا ما صورته: (بسم الله الرحمن الرحيم. أمر بعمارته وعمارة ما تهدم في تاريخه من سور حلب مولانا السلطان الملك الأشرف أبو النصر قايتباي عز نصره بتاريخ 873 هـ) . ثم يأخذ السور من هناك مستمرا حتى يصل إلى تجاه مزار السهروردي المقتول في فم بوابة القصب فيكون فيه برج الثعابين. وقد هدمته الحكومة سنة 1303 هـ وهدمت غيره من الأبرجة ونقلت حجارتها إلى الرباط العسكري وقد ظهر فيه مسجد انهدم معه ولم يبق لهما أثر. وذكر مؤرخو حلب أن برج الثعابين هذا كان يوجد فيه طلسم يمنع من الجزء: 2 ¦ الصفحة: 20 تأثير لذع الحيات ثم يمشي السور شرقا مستقيما حتى يصل إلى باب النصر وهو باب قديم مشتمل على ثلاثة أبواب كل باب منها له دركاه أولها مما يلي البلد وآخرها مما يلي ظاهرها وثالثها داخل البابين وقرب عضادة الباب الداخلي يوجد قطعة من الحجر كبيرة مبنية بالجدار على علو قامة فيها ثقوب يدخل الناس فيها أصابعهم لزوال ما فيها من عروق الملح على زعمهم، ويقولون إن تحت هذه الحجرة قبر نبي مع أن الكتابة التي كتبت عليها تدل على أن هذه الحجرة كانت موضوعة على قبر دفن فيه عروسان اسم الرجل أرتميس واسم المرأة كاليكتي والظاهر أنها مأخوذة من مقبرة ومبنية في محلها. وهذا الحجر ذكره الهروي في إشاراته وقال: إن الملل الثلاث يعتقدونه ويصبون عليه ماء الورد والطيب. وفي سنة 1303 هـ هدمت الحكومة الباب الأول ووسعت به الجادة فبقي فيه الباب المتوسط والذي يلي ظاهر البلد مكتوب على نجفته ما يفهم منه أنه من بناء الملك الظاهر غازي. ثم يمشي السور من هناك منعطفا قليلا. ثم يستقيم ويسير حتى يصل إلى باب القناة المعروف بباب الحديد وعرف بباب بانقوسا أيضا غربي الجامع الكبير ببانقوسا على مرمى حجر منه وهو مؤلف من بابين بينهما دركاه وفوقهما حصن منيع مكتوب على يسرة الداخل إلى الباب ما صورته (أمر بعمارة هذا الحصن المنيع الباب مولانا السلطان الملك قانصوه الغوري عز نصره بولاية مملوكه أبرك مقدم الألوف بالديار المصرية وشادّ الشرابات والخانات الشريفة ونائب القلعة المنصورة بحلب المحروسة أعز الله أنصاره سنة 915 هـ) . ثم يمشي السور من هناك منعطفا جنوبا ويسير حتى يصل إلى باب بالوج، وبالوج معمار رومي عمل فيه، ويعرف أيضا بباب الأحمر تحريف الحمر قرية في صحراء حلب من شرقيها. وهذا الباب لم يبق له أثر بل انهدم إلى الأرض وأخذت حجارته إلى الرباط العسكري سنة 1303 هـ وكان مكتوبا عليه (أمر بعمارته مولانا السلطان الملك أبو النصر قانصوه الغوري عز نصره بتولي المقر السيفي أبرك وشادّ الشرابات والخانات الشريفة الحلبية عز نصره سنة 920 هـ) ، ثم يمشي السور إلى أن يكون وراء جامع ألتون بغا المعروف بجامع ساحة الملح فيكون فيه حجر مكتوب فيها (بسم الله الرحمن الرحيم أمر بعمارة هذا السور مولانا السلطان الملك الناصر أبو السعادات محمد بن الملك الجزء: 2 ¦ الصفحة: 21 الأشرف قايتباي عز نصره المقر الكريم جان بلاط «1» كافل حلب المحروسة بتولي مصر باي «2» السيفي نائب القلعة الحلبية بتاريخ جمادى الآخرة سنة 903 هـ) . وقبل أن يصل السور إلى وراء الجامع المذكور بقليل يكون فيه برج مكتوب على حجر منه ما يفهم منه أنه مرمم في أيام السلطان قانصوه الغوري، ثم يسير السور من هناك حتى يصل إلى باب النيرب وهو باب واحد يلي ظاهر البلدة مكتوب في دائرة بأعلاه على الخارج منه «خلد الله ملكه عز لمولانا السلطان الملك الأشرف برسباي عز قانصوه» ، ومكتوب على جدار الباشورة الموجه شرقا «عز لمولانا الملك الأشرف برسباي عز نصره» ، ومكتوب على حجر فوق نجفته «بالسعد باب الملك حصنا شيدا في دولة السلطان محمود الأول 1158 هـ» فالظاهر أن النجف فقط جدد في أيام السلطان محمود خان العثماني. ثم يمشي السور قليلا وينعطف إلى الغرب ويكون فيه باب المقام. مكتوب في دائرة بجانبه «عز لمولانا السلطان الملك الأشرف أبي النصر برسباي عز نصره» وكان ابتداء عمارة هذا الباب في أيام بر سباي المذكور وكملت عمارته في أيام الملك الأشرف أبي النصر قايتباي. ومكتوب على سور هذا الباب الموجه جنوبا «أمر بتجديد هذا السور المبارك السلطان الملك الأشرف أبو النصر قايتباي عز نصره سنة 870 هـ» ومكتوب في دائرة بجانبه «عز لمولانا السلطان الملك الأشرف أبي النصر قايتباي عز نصره» وهذا الباب وأسواره متوهنة جدا. ثم يمشي السور منه غربا حتى يتصل بقلعة الشريف من شرقيها فينعطف عليها من نصف جهتها الشرقية ويأخذ إلى شماليها حتى يتصل ببرج باب قنسرين فلا يحيط السور بهذه القلعة إلا بنصف جهتها الغربية ونصف جهتها الشرقية مما يلي المدينة وليس على النصف الباقي من الجهتين المذكورتين. ولا على جميع الجهة الجنوبية منها سور مطلقا لاستغناء الجهات المذكورة عنه بسبب ارتفاعها عن الخندق واستقامة جبلها. إن جميع السور الدائر على مدينة حلب مبني فوقه دور يملكها الناس دثر منها جهات كثيرة وأعاد عمارتها أصحاب الدور بحجارة أصغر من الأولى وأكثر ما بقي فيه من الأبراج داخل في الدور المذكورة على أن معظمها قد تهدم ونقلت الحكومة حجارته إلى الرباط العسكري سنة 1303. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 22 خندق البلدة أما الخندق فقد ارتدم «1» أكثره بالأتربة وبني في عدة بقاع منه عمائر ومبان وكان يوجد في بقاع أخرى منه بساتين تشرب من سرابات البلدة المنصبة إليه وذلك فيما بين برج الثعابين إلى باب النصر. وكان الخندق ينقطع عند هذا الباب بجدار ثم يعود بستانا إلى قرب بانقوسا، فينقطع بخان يملكه بعض الناس، ثم يكون جادة قليلا، ويعود بستانا إلى وراء باب بالوج، وهناك ينقطع بالجادة، وبعدها يعود بورا مملوءا من الأتربة والأقذار المنصبة إليه من البلد، يمر هكذا على باب المقام وباب قنسرين ثم يكون فيه بستان صغير. ثم يصير بورا ويمر من تجاه حارة الكلاسة ويصير جادة مارة على باب انطاكية وباب الجنان وباب الفرج وبعده يكون فيه عدة خانات وبيوت حتى يصل إلى برج الثعابين. وفي سنة 1311 هـ عزمت الحكومة على أن تجعل الخندق جادة عامة فقطعت منه جميع الأشجار وأزالت الموانع وطمت «2» المنخفضات من أرضه ومن ذلك الوقت بدأ الناس يبنون فيه العمائر الضخمة من بيوت وخانات وفنادق وغير ذلك حتى أصبحت المسافة الممتدة منه من عند السهروردي إلى باب القناة من أعمر جادات حلب. ما قاله المتقدمون في قلعة حلب قالوا كانت قلعة حلب عديمة النظير بالحصانة والمنعة. وأول من بناها ميخائيل وقيل سليكس نيكادور «3» أحد الملوك الرومانيين «4» سنة 21 من جلوسه قبل المسيح عليه السلام بثلاثمائة واثنتي عشرة سنة، وهذا الرجل يسمى في التواريخ الحلبية سلوقوس وهو الذي جدد بناء المدينة بعد خرابها بزلزال دهمها. وموضع القلعة على جبل مشرف على المدينة وعليها سور ويقال إن في أساسها ثمانية آلاف عمود. قلت: وهذا من قبيل الخرافة إلا أن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 23 يكون المراد بها الأعمدة المغروسة في سفحها المفروش بالرخام تقوية للتراب وسندا للرخام المفروش وعددها لا يزيد على خمسمائة. وكان للقلعة بابان أحدهما من حديد دون الآخر وفي وسطها بئر ينزل إليها بمائة وخمس وعشرين دركة «1» مهندمة تحت الأرض وقد جرفت جروفا وصيرت أزواجا ينفذ بعضها إلى بعض إلى الماء وكان فيها دير للنصارى وكان به امرأة قد سد عليها الباب منذ سبع عشرة سنة ثم ينحدر السور من جانبي هذه القلعة إلى البلد وقيل إنه لما فتح كسرى حلب وبنى سورها كما قدمناه بنى في القلعة مواضع، ولما فتح أبو عبيدة حلب كانت قلعتها مرممة بعد زلزلة أصابتها قبل الفتح فأخربت أسوار البلدة وقلعتها ولم يكن ترميمها محكما فنقض ذلك وبناه، وكذلك لبني أمية ولبني العباس فيها آثار (هي الآن غير معلومة) . ولما استولى نيقفور ملك الروم على حلب سنة 351 هـ كما قدمناه امتنعت القلعة عليه وكان قد اعتصم بها جماعة من العلويين والهاشميين فحمتهم ولم يكن لها يومئذ سور عامر إنما كانوا يتقون سهام العدو بالأكف والبراذع «2» . ثم لما أقلع نيقفور اهتم الملوك بعمارتها وتحصينها فبنى سيف الدولة منها بعض أسوار ثم أكملها بعده ولده سعد الدولة وسكنها، ثم عصي فيها فتح القلعي على مولاه ابن مرتضى الدولة لؤلؤ وسلمها إلى نواب الحاكم فعصي فيها عزيز الدولة فاتك على الحاكم وقتل بالمركز وكان قصره الذي ينسب إليه خانقاه القصر متصلا بالقلعة والحمام المعروف بحمام القصر إلى جانبه، فخرب القصر بعد ذلك تحصينا للقلعة وصار الخندق موضعه وكان هذا الحمام ديرا في أيام الظاهر غازي فهدمه وجعله مطبخا. ولما قتل عزيز الدولة صار الظاهر وولده المستنصر يولّيان واليا بالقلعة وواليا بالمدينة. وكان بنو مرداس قد بنوا فيها دورا وجددوا أسوارا وسكنوها ومن ذلك اليوم صارت محلا لسكنى الملوك، ولما وليها عماد الدين آق سنقر وولده عماد الدين زنكي حصنوها وأثروا بها آثارا حسنة وبنى فيها طعتكين برجا من قبليها ومخزنا للذخائر وكان اسمه مكتوبا عليه وبنى فيها نور الدين محمود زنكي أبنية كثيرة وعمل فيها ميدانا وخضّره بالحشيش فسمي الميدان الأخضر، وكذلك بنى بها ولده الجزء: 2 ¦ الصفحة: 24 الملك الصالح باشورة «1» كانت قديمة فجددها وكتب اسمه عليها ولم تزل عمارته في ازدياد إلى أن ملكها الملك الناصر صلاح الدين يوسف ابن أيوب وأعطاها أخاه الملك العادل سيف الدين أبا بكر فبنى فيها برجا ودارا لولده فلك الدين، كانت تعرف به، ولما ملك الظاهر غازي حصنها وحسنها وبنى فيها مصنعا كبيرا للماء ومخازن للغلات وهدم الباشورة التي كانت في سفح تلك القلعة وبناها بالحجر الهرقلي وأعلى بابها وكان قريبا من الأرض متصلا بالباشورة فوقع في سنة 600 هـ وقتل تحته خلق كثير وعمل لهذا الباب جسرا ممتدا منه إلى البلد وبنى على الباب برجين لم يبن مثلهما قط وعمل للقلعة خمس در كاوات بأزج «2» معقودة وحنايا منضودة وجعل لها ثلاثة أغلاق من الحديد وأقام لكل باب منها أسباسلار ونقيبا وبنى فيها أماكن لجلوس الجند ورجال الدولة، وكان يعلق بها آلات الحرب. وفتح في سور القلعة بابا يسمى باب الجبل شرقي باب القلعة، وعمل له دركاه لا يفتح إلا له إذا نزل إلى دار العدل وهذا الباب وما قبله انتهت العمارة منهما سنة 611 هـ وفي سنة 616 هـ في الرابع والعشرين من شهر رمضان مهدت أرض الخندق الملاصق للقلعة فوجدت فيه لبنة من الذهب الإبريز زنتها سبعة وتسعون رطلا حلبيا والرطل سبعمائة وعشرون درهما وبنى الظاهر غازي في القلعة ساتورة «3» للماء بدرج إلى العين وبنى ممشى من شمالي القلعة إلى باب الأربعين وهو طريق بازج معقود لا تسلك إلا في الضرورة وكأنه باب السر وزاد في حفر الخندق وأجرى فيه الماء الكثير وخرق في شفيره مما يلي البلد مغاير أعدها لسكنى الأسارى في كل مغازة خمسون بيتا وأكثر وبنى في القلعة دارا تعرف بدار العز وكان في موضعها دار للملك العادل نور الدين تسمى دار الذهب ودارا تعرف بدار العواميد ودارا للملك رضوان حازت كل معنى غريب. وفيها يقول الرشيد عبد الرحمن بن النابلسي من قصيدة مدحه بها سنة 539 هـ: دار حكت دارين في طيب ولا ... عطر بساحتها ولا عطّار رفعت سماء عمادها فكأنها ... قطب على فلك السعود يدار الجزء: 2 ¦ الصفحة: 25 وزهت رياض نقوشها فبنفسج ... غضّ وورد يانع وبهار وضحت محاسنها ففي غسق الدجى ... يبدو لصبح جبينها إسفار فتقر عين الشمس أن يضحي لها ... بفنائها مستوطن وقرار صور ترى ليث العرين تجاهه ... فيها ولا يخشى سطاه صوار وموسدين على وسائد ملكهم ... سكرا ولا خمر ولا خمّار لا يأتلي شدو القبان رواجعا ... فيه ولا نغم ولا أوتار هذا يعانق عوده طربا وذا ... دأبا يقبل ثغره المزمار وهي طويلة جدا فإنه خرج من هذا إلى ذكر البركة والفوارة والرخام ثم إلى مدح الملك الظاهر. قال ابن شداد: «فاقتصرت منها على هذا ليعلم حسن هذا الدار» وبنى حولها بيوتا وحجرا وحمامات وبستانا كبيرا في صدر إيوانها فيه أنواع الأزهار والأشجار وبنى على بابها أزجا يسلك فيه إلى الدر كاوات التي قدمنا ذكرها وبنى على بابها أماكن للكتاب وكتاب الجيش. ولما تزوج سنة 609 هـ بضيفة خاتون ابنة عمه الملك العادل التي حكمت في حلب بعد وفاته، أسكنها الدار المذكورة فوقعت نار عقيب العرس فأحرقت جميع ما كان فيها من الفرش والمصاغ وذلك في حادي عشر جمادى الأولى من السنة المذكورة ثم جدد عمارتها وسماها دار الشخوص لكثرة زخارفها وسعتها أربعون ذراعا في مثلها. وفي أيام الملك العزيز ابنه سنة 622 هـ وقع من القلعة عشرة أبراج مع بدناتها وكان النوء باردا وقدر ما وقع خمسمائة ذراع وهو المكان المجاور لدار العدل ووقع بعض الجسر الذي بناه أبوه فاهتم الأتابك طغرلبك بعمارتها وجمع الصناع واستشارهم فأشاروا بأن يبنى من أسفل الخندق على الجبل ويصعد بالبناء ليبقى البناء محكما فإنه متى لم يبن هكذا وقع ما يبنى عاجلا وإن قصدها عدو لم يمنعه. فرأى الأتابك أن ذلك محتاج إلى مال كثير ومدة طويلة فعدل عن هذا الرأي وقطع الأشجار من الزيتون والتوت وجعلها الأساس على التراب وبنى عليها. ولهذا لما نازلها التتار لم يتمكنوا من أخذها إلا من هذه الجهة لتمكن النقابين منها. وفي سنة 628 هـ بنى فيها الملك العزيز دارا إلى جانب الزردخانه «1» يستغرق وصفها الجزء: 2 ¦ الصفحة: 26 الإطناب، مساحتها ثلاثون ذراعا في مثلها، وفي سنة 658 هـ استولى التتار على القلعة وخربوا أسوارها وجميع أبنيتها وأخذوا ما كان فيها من الذخائر والزرد والمجانيق. ولما هزمهم الملك المظفر قطن «1» على عين جالوت عادوا إلى حلب ثانية في محرم سنة 659 هـ رأوا في القلعة برجا حادثا للحمام فخربوه وخربوا القلعة خرابا فاحشا وأحرقوا المقامين «2» إحراقا لا يمكن جبره وذلك في الشهر المذكور، فاستمرت القلعة خرابا إلى أن جددت في أيام سلطنة الملك الأشرف خليل بن قلاوون ثم خربها تمرلنك وبقيت خرابا إلى أن جاء الأمير سيف الدين جكم نائبا إليها من قبل السلطان الملك الناصر فرج بن برقوق وادعى السلطنة لنفسه وأمر ببناء القلعة وألزم الناس العمل بالخندق وتحرير التراب منه وجد في ذلك حتى عمل بنفسه واستعمل وجوه الناس بحيث كان كبار الأمراء يحملون الأحجار على متونهم وخرب السور المعروف بالغربي على كتف الخندق شرقي باب القلعة وخرب مكتب السلطان حسن تجاه باب القلعة وكان شمالي حمام الناصري قنطرة كبيرة مبنية بالحجارة الهرقلية وجانبها الشمالي على كتف الخندق يقال لها باب القوس البراني وقنطرة أخرى غربي القنطرة الأولى يقال لها القوس الجواني فبنى حجارتهما في البرجين الذين استجدهما وبنى أسوار القلعة كما كانت وبنى البرجين الذين على باب القلعة الفوقاني وأمر ببناء القصر على سطح البرجين المذكورين ولم يسقفه وذلك في سنة 809 هـ. فلما تسلطن الملك المؤيد شيخ وجاء إلى حلب أمر بتسقيفه وأن تقطع له الأخشاب من بلاد دمشق فقطعت وجيء بها إلى حلب وهي غاية في الطول فسقف بعض القصر المذكور وصار قصرا عاليا مليحا جدا ويقال إنّ الأخشاب المذكورة أحضرها الأمير جكم من بلد بعلبك ولم يكن فيها كفاية «3» ، فأحضر الملك المؤيد غيرها وبنى الأمير جكم البرجين الذين في سفح القلعة أحدهما مما يلي سوق الخيل قبلي القلعة والآخر تجاه باب الأربعين شمالي القلعة. وكان لباب القلعة سلسلة تمنع الراكب من الدخول إليها وكان فيها كنيستان «4» إحداهما كانت قبل أن تبنى مذبحا للخليل إبراهيم عليه السلام وكان به صخرة يجلس عليها الجزء: 2 ¦ الصفحة: 27 لحلب المواشي «1» ، وهذه الكنيسة بنيت مسجدا جامعا في أيام بني مرداس كان يعرف بمقام إبراهيم وبه تقام خطبة وسيأتي الكلام عليه، وفي سنة 435 وقيل سنة 433 ظهر ببعلبك في حجر منقور رأس يحيى بن زكريا وكان من أمره ما حكيناه في الكلام على الحضرة النبوية في الجامع الأموي الكبير في حلب. وأما الكنيسة الأخرى فهي المقام الأسفل الذي كان يقيم به الخليل وبه صخرة لطيفة تزار ويقال إنه كان يجلس عليها. ولم يثبت من أنشأ هذا المقام من ملوك الإسلام سوى أن الملك العادل نور الدين محمود هو الذي جدده أيضا وزخرفه وكان كثير التعبد فيه وبنى فيه صهريجا مرصوصا يملأ في كل سنة ووقف عليه وقفا. وكان بهذه القلعة جرس كالتنور العظيم معلق على برج من أبراجها من غربيها كان يحرك ثلاث مرات في أول الليل لانقطاع الرجل عن السعي وفي منتصفه ووقت الفجر وكان تعليقه على القلعة سنة 496 وسببه أن الفرنج الصليبيين لما ملكوا انطاكية طغوا في بلاد حلب وعاثوا وأفسدوا فخافهم رضوان بن تاج الدولة تتش لعجزه عن دفعهم واضطر إلى مصالحتهم فاقترحوا عليه أشياء كثيرة من جملتها أن يحمل إليهم في كل سنة قطيعة من مال وخيل وأن يعلق بقلعة حلب هذا الجرس ويضع صليبا على منارة الجامع الكبير فأجابهم إلى ذلك فأنكر عليه القاضي يحيى بن الخشاب وكان زمام البلد بيده، فراجع الفرنج في أمر الصليب فأذنوا له في وضعه على كنيسة هيلانة وبقي بها إلى أن جعلت جامعا كما نذكره، وأما الجرس فإنه لم يبرح معلقا على البرج المذكور إلى أن ورد حلب الشيخ الصالح أبو عبد الله ابن حسان المغربي فأنكره لما سمعه ووضع إصبعه في أذنه وقعد إلى الأرض وقال: الله أكبر، وإذا بضجة عظيمة وقعت في البلدة وانجلت عن وقوع الجرس وكسره وذلك في سنة 587 فجدد وعلق فانقطع لوقته وانكسر. وكان هذا الرجل زاهدا فاضلا مقريا محدثا من أولياء الله، قدم حلب ونزل دار الضيافة بالقرب من القلعة وكان من المثريين ببلاد المغرب فتجرد وحج وقدم حلب ومنها دخل جبل لبنان، قيل: وفيه كانت وفاته. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 28 الكلام على تشخيص القلعة وما آل إليه أمرها اعلم أن موقع قلعة حلب في الحالة الحاضرة متوسط من البلد لكنها أقرب إلى الجهة الشرقية كثيرا والشمالية قليلا. وهذا باعتبار سور البلدة، وأما باعتبار ما خرج عنه فميلها إلى الجهة الجنوبية أكثر، أي أن عمران البلد في الجهة الشمالية من القلعة يبلغ ضعفي عمرانها في الجهة الجنوبية منها. وهكذا يكون ميلها إلى الجهة الشرقية أي أن العمران في الجهة الغربية يبلغ ضعفي عمران الجهة الشرقية. ثم إن شكل جبل «1» القلعة هرمي قد فرش سفحة بالبلاط «2» من بعض الجهة الشرقية. ومعظم الجهة الغربية الشمالية. وقمته بسيطة قد دار عليها سور متشعث جدا محيطه ألف ذراع تقريبا فيه عدة أبراج وبدنات متقدمة عليه إلى سفح الجبل لم نذرعها في محيطه وارتقاع الجبل من أرض الخندق إلى أسفل السور الدائر على قمته المذكورة خمسة وسبعون ذراعا تقريبا. وعرض الخندق الدائر على الجبل يبلغ نحو ثلاثين ذراعا وينخفض عن أرض البلدة نحو عشرة أذرع وهو مردوم بالأتربة ولولا ذلك لبلغ عمقه عشرين ذراعا وزيادة. وهذا الخندق يوجد في جهته التي تلي البلد عدة مغاير متهدمة وفي بعضها سراديب تبعد نهايتها وأظنها هي المغاير التي نحتها الملك الظاهر كما قدمنا ذكره. وقد عهدنا أرض الخندق غديرا عظيما يجتمع من سرابات المحلات المجاورة له وكان ينبعث عن ذلك عفونات تضر بمناخ تلك الجهة. وحكى دارفيو في تذكرته «3» أن الحكومة في زمانه كانت تطرح في تلك الغدران جثث القتلى فكان يزداد بها مناخ تلك الجهة فسادا. لكن هذا لم نعهده في زماننا، ولم تزل فيه الغدران المذكورة إلى حدود سنة 1300 هـ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 29 وفيها اهتمت الحكومة بإزالتها فردمتها بالتراب وصرفت القاذورات إلى سراب عظيم عملته في الخندق المذكور وأنفذته من جانب باب الأربعين مارا من تجاه قسطل العوينة «1» إلى خندق البلدة. ويوجد على سفح هذا الجبل برجان عظيمان على نقطة متقابلة بهما سميت قلعة حلب ذات الجناحين، أحدهما في الجهة الشمالية تجاه باب الأربعين مكتوب عليه: جدّد هذا السور المبارك مولانا السلطان قانصوه الغوري عزّ نصره في أيام المقر الأشرفي الأمير السيفي عين مقدم الألوف بالديار المصرية سيباي الأشرفي نائب القلعة المنصورة بحلب المحروسة عز نصره سنة 915. وثانيهما في الجهة الجنوبية تجاه سوق الخيل وحمام الناصري مكتوب عليه: أمر بعمارته مولانا السلطان الملك الأشرف أبو النصر قانصوه الغوري في أيام المقر السيفي سيباي الأشرفي نائب القلعة المنصورة بحلب المحروسة سنة 914 وأظن أنهما مبنيان على أثر البرجين اللذين جددهما الأمير جكم مساحة كل منهما تقريبا عشرون ذراعا عرضا ومثلها طولا وخمسة وعشرون ذراعا ارتفاعا. وله مدخل من جهته العليا مما يلي سور القلعة قد اشتمل على أربع طبقات، كل طبقة لها قبو معقود بالحجارة العظيمة له عدة كوات إلى جهة الخندق. والطبقة السفلى من الجنوبي يهبط منها في سرداب ينتهي إلى حفير منقور بالحوار فيه ماء راكد يميل طعمه إلى الملوحة ثم يكون في طرفه سرداب ينتهي إلى فوهة في الجبل غربي باب القلعة بقليل. وهذا البرج وإن كان متهدما إلا أنه أجد عمرانا من البرج الشمالي. والغالب على ظني أن مدخل كل واحد منهما كان متصلا بالقلعة بواسطة قبو خفي. أما مدخل القلعة الآن فهو مؤلف من أربعة أبواب. أولها مما يلي البلد متوجه إلى الجنوب مرتفع عن سطح أرض البلد نحو عشرة أذرع يرقى إليه بدرج مسطح على قبو معقود بالحجارة على الخندق وحافته، وفي انتهاء هذه المسافة ينقطع القبو المذكور فيكون فوقه جسر من خشب يؤدي إلى هذا الباب الذي هو الباب الأول. وله غلق من الحديد كبقية الأبواب بعده مكتوب على مصراعيه بالحديد النافر: (أمر بعمله مولانا الملك الظاهر غازي ابن يوسف سنة 608 وهذا الباب من آثار قانصوه الغوري بني بتولي مقدم الألوف بالديار المصرية وشاد الشرابخانات «2» الشريفة ونائب القلعة) ، وعلى هذا الباب برج عظيم لكنه الجزء: 2 ¦ الصفحة: 30 متوهن البناء. ثم تمر من هذا الباب صعدا وتمشي مسافة خمسين ذراعا على درج مكشوف مسطح في عرض عشرة أذرع محمول على قناطر معقودة فوق الخندق حتى تصل إلى الباب الثاني «1» الذي قد رسم في قنطرته صورة أفعى عظيمة ذات رأسين وهو يتجه إلى الغرب عرضه ثلاثة أذرع وقيراطان وارتفاعه 5 ع و 10 ط ولهذا الباب نجفتان فوق بعضهما وعضادتاه من آثار الملك الظاهر غازي مكتوب على إحدى النجفتين المذكورتين: (أمر بعمارته بعد دثوره السلطان الأعظم الملك الأشرف صلاح الدنيا والدين خليل محي الدولة الشريفة العباسية ناصر الملة المحمدية عز نصره) ومكتوب على النجفة الأخرى (جددت بعد إهمال عمارتها وإشرافها على الدثور في أيام مولانا السلطان الملك الظاهر أبي سعيد برقوق أيد الله أنصاره بحوذة سريدار «2» دولته محمد ابن يوسف أرسلان نائب السلطان سنة 786 هـ) ومكتوب على جدار متجه إلى الجنوب في جانب الباب (بالإشارة العالية المولوية الأميرية الشمسية قراسنقر «3» الجوكندار «4» المنصوري الأشرفي كافل المملكة الحلبية أعز الله نصره) . ثم تمر من هذا الباب إلى دركاه عظيم عرضه 11 ع و 19 ط عدا كثافة جداري الجهتين اللذين تبلغ كثافة الجدار الشرقي منهما 2 ع و 12 ط وكثافة الجدار الغربي الذي فيه الباب 3 ع و 18 ط ويدخل في هذه المساحة عرض عضادتي الباب وطول الدركاه المذكور 9 ع و 18 ط وهو يشتمل على أربعة أو اوين عرض كل واحد 3 ع و 16 ط وطوله 6 ع و 4 ط، وفي آخر هذه الدركاه الباب الثالث موجه شرقا في عرض الثاني وارتفاعه قد نقش على نجفته حفرا صورتا أسدين يتناطحان. وله غلق من حديد ثم تمر منه إلى دركاه فخم فيه عدة أو اوين ينعطف أربع عطفات في آخرها يكون مزار الخضر. ثم يكون الباب الرابع ويتجه إلى الجنوب وعرضه وارتفاعه كبقية الأبواب، وعلى كل من عضادتيه صورة رأس ورقبة أسد مجسدة كأن أحدهما يضحك والآخر يبكي. ولهذا الباب غلق من الحديد قد كتب في أعلاه بالحديد النافر (أمر بعمله مولانا الملك الظاهر غازي ابن يوسف سنة 606 هـ) ثم تمر منه إلى دركاه آخر مستقيم ليس فيه عطفات الجزء: 2 ¦ الصفحة: 31 قد اشتمل على عدة أو اوين ومخادع عظيمة أحدها كان طاحونا يدور بالدواب وبقيتها كانت معدة لجلوس الجند وأصحاب الدولة. ثم تمر من هذا الدركاه إلى أن تخرج إلى سماوي القلعة فتمشي نحو خمسين ذراعا. ويكون على يسارك باب المقام الأسفل «1» موجه شرقا. وهذا الباب مركب من ثلاث أحجار سود عضادتين ونجف مكتوب عليه (أمر بعمارته الملك الصالح نور الدين أبو الفتح إسماعيل بن محمود زنكي بن أقسنقر ناصر أمير المؤمنين بتولي العبد شاد بخت في سنة 575) فتنزل إلى هذا الباب بثلاث دركات وتدخل منه إلى صحن الجامع السماوي الذي طوله 15 ع و 20 ط وعرضه 13 ع و 4 ط وهذه المساحة لم يدخل فيها كثافة الجدران وقد اشتمل هذا الصحن على دركة في الجهة الشمالية دخلت في ذرعه وفي وسطه بئر ماؤها من المطر أظنها هي البئر التي احتفرها الملك العادل نور الدين، عمقها من فم خرزتها إلى قعرها 19 ع و 12 ط، وفي غربي هذا الصحن ثلاث حجرات، وهو مفروش بالحجارة السود والصفر وفيه أيضا من جانب جدار القبلية بئر مطبقة فوقها في جدار القبلية حجرة كانت البكرة تعلق بها مكتوب في صدرها قوله تعالى: فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَ ما سَمِعَهُ.. إلى آخر الآية. ومكتوب على جانبها: (وقف الفقير إلى رحمة الله شادبخت الملكي العادلي على المسجد المقام بالقلعة المنصورة القرية المعروفة ببنيابل «2» وقفا محتسبا مؤبدا) ثم تدخل إلى القبلية وسقفها قبو في وسطه قبة عالية وفي وجهتها الموجهة شرقا حجرة صغيرة في جهتها الجنوبية خزانة في أسفلها جرن مربع عمقه تسعة قراريط في مثلها وثخانته قيراطان تقريبا يقولون إن إبراهيم صلوات الله عليه كان يحلب فيه بقره، وأنه إذا بيت فيه شيء من المأكولات كاللوز والفستق ثم أكلته مرضع در لبنها وتشتمل هذه القبلية أيضا على سدة تجاه محرابها طرفها الشمالي محمول على الجدار الشمالي من القبلية فوق بابها وطرفاها الجنوبيان محمولان على عمودين من الحجر الغربي وهو مرمر معرق بسواد كأنه الحجر المعروف باليشم «3» ومحراب هذه القبلية تجاه بابها وهو ملبس بخشب فيه بدائع الجزء: 2 ¦ الصفحة: 32 النقوش وقد كتب في حوافي هذا التخشيب بالقلم الكوفي المزهر البسملة وآية الكرسي «1» أما طول القبلية مع حجرة الجرن فهو ستة عشر ذراعا وتسعة قراريط عدا كثافة جدار الجهتين وعرضها من وسط المحراب إلى صفحة الباب مما يلي الصحن تسعة أذرع وثمانية قراريط ويدخل في هذه المساحة ثخانة جداري الجهتين ومكتوب في حجرة مربعة مرصوفة في جدار القبلية غربي بابها مما يلي الصحن (بسم الله الرحمن الرحيم أمر بإنشاء هذا المسجد المقام الملك العادل نور الدين الفقير إلى رحمة الله أبو القاسم محمود بن زنكي بن آق سنقر غفر الله له ولوالديه وأحسن ختامه سنة 562) ، ومكتوب على حجرة مربعة في جدار القبلية من شرقي بابها مما يلي الصحن أيضا (وقف العبد الفقير إلى الله تعالى شيخ الإسلام زين الدين محمد بن الشحنة الحنفي عامله الله بلطفه نصف فدان بقرية أورم الكبرى «2» من جبل سمعان على فرش وتنوير ومصالح مقام الخليل بقلعة حلب في جمادى الأولى سنة 811) وكان لهذا الجامع إمام راتبه الشهري مائة قرش يأخذها من إدارة الأوقاف بحلب، ثم قطع الراتب وعطلت الشعائر وكان يقام فيه خطبة ثم نقل المنبر إلى رباط الشيخ براق وبطلت منه الخطبة والصلاة وأغلق بابه، تخرج من هذا الجامع وتتوجه شمالا وتمشي حتى تصل إلى قرب حافة القلعة فيكون باب المقام الأعلى موجها إلى الشرق أيضا مكتوب على نجفته (بسم الله الرحمن الرحيم أمر بعمله مولانا السلطان الملك الظاهر العالم العادل المجاهد المؤيد المظفر المنصور غياث الدنيا والدين أبو المظفر الغازي ابن الملك الناصر صلاح الدين يوسف بن أيوب خلد الله ملكه سنة 610 هـ) ، ومكتوب على جانب الباب من جنوب (أدام الله العز والبقاء لمولانا السلطان الملك الظاهر أبي سعيد خوشقدم عن نصره برسم الأمير الكبير المخدومي العزيزي تغري بردي الظاهري نائب القلعة بحلب عز نصره بأن لا يسكن أحد بهذا الجامع ولا يستعمله لغير الصلاة ولا يجدد خلافه ويعين على مخالفته إلخ سنة 871) . وصحن هذا المقام مربع يبلغ نحو ثلاثين ذراعا في مثلها قد دار عليه ثلاثة أروقة من الجهات الثلاث في الشمالي منها أربع حجرات. وسعة قبليته يشاكل سعة قبلية المقام الأسفل الجزء: 2 ¦ الصفحة: 33 وسقفها مثلها إلا أن القبة خربة وفيه محراب إلى جانبه الشرقي خزانة مستورة بقماش أخضر أظن أن فيها كان الجرن المشتمل على رأس يحيى عليه السلام أو الجرن الذي كانوا يقولون إن إبراهيم عليه السلام كان يحلب فيه مواشيه وفي آخر الجهة الشمالية من الجامع من جهة الشرق منارة مربعة الشكل محيطها مما يلي بابها ثلاثة وعشرون ذراعا وعشرون قيراطا وارتفاعها من سطح الجامع إلى موقف المؤذن ثمانية وعشرون ذراعا واثنا عشر قيراطا وعدد مراقيها ثمانون وهي متشعثة وليس فيها ما يدل على تعيين بانيها ويظهر أن ثلثها الأسفل أقدم من بقيتها ثم أن هذا الجامع مهجور الآن مشرف على الخراب «1» . وإذا خرجت من بابه وتوجهت شمالا إلى الشرق وجدت عمارة ممتدة من الغرب إلى الشرق في شمالي القلعة مطلة على البرج الشمالي الكائن تجاه باب الأربعين طولها 76 ع و 10 ط وعرضها 18 ع و 12 ط وهذه العمارة تعرف باسم قاوش «2» يسكنها الجند، وكانت عمارتها سنة 1267 وقد تهدم بعضها وفي شمالي هذه العمارة طنف واسع عهدنا أنه كان يقف فيه الجوق الموسيقي صباح مساء ويعزف بآلته الموسيقية ثم انقطع عمله ونقل إلى الثكنة العسكرية المعروفة بقشلة الشيخ براق وذلك في أيام الدولة العثمانية، وفي هذا الطنف من جبهته المتجهة إلى الشمال كتابة كوفية بالرخام الأسود هي (أمر بعمارته مولانا السلطان الملك الأشرف أبو النصر قايتباي عز نصره سنة 877) ، وفي الطرف الشرقي من العمارة المذكورة تكون الساتورة الحلوة المتجه باب بيتها إلى الجنوب يجري إليها الماء من قناة حلب من شمالي القلعة من قرب باب الأربعين تجاه المدرسة الإسماعيلية «3» بكيزان تحت الأرض تمر من المحل المذكور إلى الخندق حتى تكون تحت البرج الشمالي فينصب الماء من الكيزان إلى مجرى واسع ينتهي بالساتورة وهي قد اشتملت على أواوين عظيمة ومخازن للماء ربما يبلغ عرض أحدها عشرين ذراعا وارتفاعه عشرة أذرع وطوله خمسين ذراعا أما عمقها من سطح أرض بيتها إلى وجه الماء فهو 65 ع وعرض فمها 2 ع و 3 ط وطوله 3 ع و 4 قد عقد على بيتها قبو محكم سنة 1061 كان يستخرج منها الماء بواسطة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 34 دولاب يدور بدابة قد لف عليه حبل طويل له رأسان في كل واحد منهما دلو فإذا أدارته الدابة هبط دلو وصعد آخر. ولها وقف عظيم يصرف على ما تحتاجه. وفي شرقي بيتها دركاه يهبط منه إلى الماء بدرج حلزوني يدور على نفسه والمشهور أنها من آثار المرحوم السلطان سليم خان الأول وأنه كان لا يوجد قبلها في القلعة مستقى للماء سوى الساطورة المالحة الآتي ذكرها والذي أراه أن هذه الساطورة قديمة من آثار الملك الظاهر غازي وأن السلطان سليم رمها ووقف عليها. اه. ثم إنك إذا خرجت من بيت هذه الساطورة وتوجهت شرقا إلى الشمال مقدار غلوة رأيت رحى تدور بالهواء لكنها معطلة وهي من آثار المرحوم إبراهيم باشا المصري، تحت هذه الرحى دار صغيرة يسكنها بعض ضباط القلعة، أما قصر الملك الظاهر فهو فوق الباب الثاني وما بعده من أبواب القلعة المتقدم ذكرها وفيه آثار لقايتباي وقانصوه الغوري وبعض غرف هذا القصر كان في أيام الدولة العثمانية يستعمل مخزنا للبارود والأسلحة القديمة وكان على جانبيه خشبتان طويلتان قدر ركزتا عموديا على رأس كل واحدة منهما حربة عريضة من الفولاذ حادة الرأس يقال لها جاذبة الصاعقة إذا سقطت في قربهما انجذبت إلى أحدهما ومشت منها على تيل بأسفل الحربة متصل بإطار حديدي مدفون في الأرض وبذلك يسلم مخزن البارود من خطر الصاعقة. إن القصر المذكور مشرف الآن على الخراب «1» ليس له سقف والدخول إليه خطر قد كتب على بابه مما يلي سماويه شعر: لصاحب هذا القصر عزّ ودولة ... وكلّ الورى في حسنه يتعجب بنى في زمان العدل بالجود والتقى ... محاسنه فاقت جميع الغرائب ولهذا القصر كوة عظيمة مطلة على جنوبي المدينة فيها مشبك من النحاس الأصفر طاقاته مسدسة الشكل بديعة الصنعة عديمة النظير وهو من آثار قايتباي أحدثه سنة 880، وفي هذه الأيام اقتطع من أسفله قطعة فشاه منظره ولهذا القصر من ظاهره طراز مكتوب عليه بقلم عريض (أمر بعمارته بعد إهماله وإشرافه على الدثور في أيام مولانا السلطان الأعظم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 35 الملك الأشرف صلاح الدنيا والدين ناصر الإسلام والمسلمين عماد الدولة ركن الملة مجير الأمة ظهير الخلافة نصير الإمامة سيد الملوك والسلاطين سلطان جيوش الموحدين ناصر الحق بالبراهين محي العدل في العالمين) «1» ولم أتمكن من قراءة البقية وتحت هذا القصر أماكن وأبراج كثيرة يطول الكلام عليها. وفي جانبه من أعلاه آثار أبنية ذات طبقات متعددة. ومما يوجد في القلعة من الآثار القديمة باب صغير مغلق لا يفتح أبدا في سورها الدائر عليها من شمالها وراء البرج الشمالي أمام باب الأربعين. وأظنه هو الباب الذي كان يعرف قديما بباب السر. ويتصل به سرداب تبعد نهايته ويوجد أيضا بها بئر تعرف الآن بالساتورة المالحة قرب المقام الأسفل في جنوبه وعمقها من وجه الأرض إلى سطح الماء 60 ع و 12 ط ومن سطح الماء إلى قعرها 39 ع وعرض فمها وطوله كعرض فم الساتورة الحلوة وطوله وهي الآن معطلة وماؤها ملح ويقال إن لها دركا شبيها بدرك الساتورة الحلوة المتقدم ذكرها. ويوجد في وسط القلعة بميلة إلى الشرق والشمال مكان ينزل إليه بسرداب عظيم له درج منهدم تحت الأرض يبلغ 50 درجة سعة هذا المكان يبلغ 30 ع في مثلها وسقفه قبو محمول على أربع عضادات كل واحدة منها تضاهي منارة ويذكر أنه كان كنيسة «2» . ويوجد في القلعة أيضا أثر حمّام وآثار عدة مساجد فقد كان فيها عشرة مساجد منها مسجد النور أظن أن موقعه كان على سورها من جهة الجنوب على يمين الداخل إليها من بابها الحالي ويوجد فيها أثر فرن وآثار نحو مائة دار، وكان أسلافنا يحكون لنا أنها كانت مزدحمة بالمباني التي يسكنها الموظفون بها وبمحافظة البلد واستمرت هكذا دهرا طويلا إلى أن كانت زلزلة سنة 1237 فهدمت أكثر ما فيها من الدور ونزل أكثر سكانها إلى البلدة ثم لما انقرض وجاق اليكيجرية «3» سنة 1241 نزل منها من بقي من أهلها إلى البلد وعوض عنهم جنود نظامية ولم يبق من سكانها القدماء سوى جماعة من الأسرة المتولية على وقف الساتورة الحلوة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 36 المعروفة بأسرة دوزدار، لهم دار تجاهها يستخرجون منها الماء لسقاية عساكر المدفعية الذين هم بضعة أشخاص ثم إن إدارة الأوقاف قطعت معاش هذه الأسرة فنزلوا من القلعة وخرب دولاب الساتورة وفي أيام النفير العام هدمت دار تلك الأسرة وأخذت أخشابها وزال الانتفاع منها. وكان يوجد في القلعة عدة مدافع تستعمل في الأعياد والاحتفالات السلطانية يطلق منها واحد وعشرون مدفعا في إثبات شهر رمضان والعيدين وفي ظهر اليوم الثاني عشر من شهر ربيع الأول وفي كل وقت من الأوقات الخمسة في العيدين. ويطلق فيها أكثر من ذلك أو أقل في استقبال كبار الموظفين والحفلات الرسمية. وفي سنة 1307 قام أهل المحلات التي تجاور القلعة والتمسوا من الحكومة إبطال إطلاق المدافع عنها لأنها وهنت أبنيتهم برجيجها فأجابتهم الحكومة إلى ذلك وصارت تطلق المدافع في رباط الشيخ براق لكن ما زال يوجد في القلعة عدة مدافع قديمة «1» ومقدار عظيم من الكرات والبارود وأسلحة الدول الماضية وأحيانا تطلق منها مدافع رمضان وغيرها. وما زالت الحالة على ذلك حتى الآن. بعض ما مدحت به هذه القلعة قال ابن بطوطة في رحلته تحفة النظار في غرائب الأمصار وعجائب الأسفار في أثناء كلامه على حلب: «وقلعة حلب وبداخلها جبان ينبع منهما الماء فلا تخاف الظمأ ويطيف بها سور. وعليها خندق عظيم ينبع منه الماء وسورها متداني الأبراج قد انتظمت بها المعالي العجيبة المفتحة الطيقان وكل برج منها مسكون والطعام لا يتغير بهذه القلعة على طول العهد وبها مشهد يقصده بعض الناس يقال إن الخليل كان يتعبد به وهذه القلعة تشبه قلعة رحبة مالك ابن طوق «2» التي على الفرات بين الشام والعراق ولما قصد قازان طاغية التتار مدينة حلب حاصر هذه القلعة أياما ثم نكص عنها خائبا» . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 37 قال ابن جزي وفي هذه القلعة يقول الخالدي شاعر سيف الدولة: وخرقاء قد قامت على من يرومها ... بمرقبها العالي وجانبها الصعب يجرّ عليها الجوّ جيب غمامه ... ويلبسها عقدا بأنجمه الشّهب إذا ما سرى برق بدت من خلاله ... كما لاحت العذراء من خلل السّحب فكم من جنود قد أماتت بغصّة ... وذي سطوات قد أبانت على عقب وفيها يقول أيضا وهو من بديع النظام: وقلعة عانق العنقاء سافلها ... وجاز منطقة الجوزاء عاليها لا تعرف القطر إذ كان الغمام لها ... أرضا وتوطىء قطريه مواشيها إذا الغمامة راحت غاص ساكنها ... حياضها قبل أن تهمي عواليها يعدّ من أنجم الأفلاك مرقبها ... لو أنه كان يجري في مجاريها ردّت مكائد أقوام مكائدها ... ونفرت لدواهيهم دواهيها وفيها يقول جمال الدين علي بن أبي المنصور: كادت لبون سموّها وعلوها ... تستوقف الفلك المحيط الدائرا وردت قواطنها المجرة منهلا ... ورعت سوابقها النجوم زواهرا ويظلّ صرف الدهر منها خائفا ... وجلا فما يمسي لديها حاضرا تنبيه: الحارة هي المحلة التي دنت منازلها من بعضها. والخطّة بالكسر: الأرض تنزلها ولم ينزلها نازل قبلك ويقال خطّ بدون هاء. وتطلق أيضا على الطريق وعلى الحارات التي هي داخل المدينة. اه. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 38 حارة الجلوم الكبرى (د) عدد بيوتها 477 «1» الذكور/ الإناث/ المجموع/ الأقوام 1445/1511/2956/المسلمون 6/10/16/الروم/ الكاثوليك 21/14/35/الأرمن الكاثوليك 45/20/65/الأرمن 15/26/41/اللاتين 7/2/9/الكلدان 20/17/37/السريان 19/15/34/الموارنة 250/100/350/الأجانب 1828/1715/3543/الجمع حارة الجلوم الصغرى (د) عدد بيوتها 164 الذكور الإناث المجموع الأقوام 631 696 1327 المسلمون الجزء: 2 ¦ الصفحة: 39 وقد يطلق على الأولى الجلوم البرانية وعلى الثانية الجلوم الجوانية، قيل إن لفظ جلوم محرفة عن سلوم، حدهما جنوبا الخندق وتمامه حارة باب قنسرين وغربا الخندق المعروف باسم بوابة مالطة وشمالا العقبة إلى خان أبرك المعروف بخان القصابية، ثم سوق القطن القديم، ثم الجامع الأموي الكبير، ثم سوق الصاغة المعروف أيضا بسوق العقادين شرقي الجامع الكبير الجاري بأوقافه ثم بسوق الحراج المعروف أيضا بالبالستان ثم بخان الجوره وراء سوق الدهشة وشرقا خان خيري بك وسوق الضرب وسوق الفرايين وجامع محمد باشا توقه كين المعروف بجامع العادلية والجلوم الصغرى هي التي تلي سور البلدة تقريبا ثم إن هاتين المحلتين مشهورتان بجودة المناخ ولا سيما البرانية منهما وماؤهما النبع في عمق سبعة باعات «1» إلى عشرة تقريبا وماء القناة يصعد فيهما إلى نحو أربعة أذرع على وجه الأرض تبعا لتمديد كيزانها وفي الإمكان أن يصعد فيهما نحو رمحين لانخفاضهما عن أرض القناة الأصلية. آثار الجلوم الصغرى جامع أبي يحيى الكواكبي، يظهر أنه جامع قديم وأنه اشتهر باسمه الحالي نسبة إلى (محمد بن إبراهيم بن يحيى الكواكبي) لأنه وسعه وأقام فيه أذكاره فلما مات دفن فيه وبنى عليه (سيباي بن عبد الله الجركسي) قبة من ماله. وهو جامع فسيح له قبلية متوسط تقام فيه الصلوات والجمعة وله منارة فوق بابه وفي غربيه قبة أبي يحيى المذكور مكتوب في الجدار الكائن فوق رأس الضريح: وليس عجيبا أن تيسّر أمرنا ... بحضرة هذا القطب حاوي المناقب وليّ تولاه الإله بلطفه ... ووليّ فأولاه صنوف المواهب وما مات حتى صار قطبا مقرّبا ... ونال من الغفران أعلى المراتب هدينا إلى هذا المقام بطيبه ... كما يهتدي الحادي بنور الكواكب وفي صحن المسجد في جهته الغربية عدة قبور لبني الكواكبي وفي شرقيه حوض يجري الجزء: 2 ¦ الصفحة: 40 إليه الماء من قناة حلب. ولهذا المسجد وقف قديم هو الآن ثلاثة حوانيت في سويقة علي وله مخصصات من وقفي (حسن أفندي) ابن أحمد أفندي الكواكبي ووالده المذكور ويوجد على يسرة الداخل للجامع حجرة لتعليم الأطفال وفي جانبها صهريج سبيل يجري إليه الماء من قناة حلب عمرته هبة الله بنت «حسن أفندي المذكور» وهي أم «حسن بك بن مصطفى بك» وفي جانب المسجد من شرقيه مدرسة تعرف بمدرسة الكواكبي يصعد إليها بدريجات وهي عامرة مشتملة على قبلية وحجرتين وعلى حوض ينزل إليه بدركات في غربي صحنها وهي معطلة لا تقام فيها صلاة ولا يقرأ درس ويوجد في هذه المحلة أيضا مسجد يقال له مسجد أبي النور «1» في محلة الدحدالة في بوابة الشيخ عمر الطرابيشي تقام فيه الأوقات الجهرية فقط وفيها أيضا سبيل غربي جامع أبي يحيى ينسب إلى زهير آغا وفيها كرخانتان إحداهما في بوابة الصياحة شرقي مدرسة الكواكبي المتقدم ذكرها، وهذه الكرخانة كانت إحدى دور بني الكواكبي وثانيهما في البرج، والكرخانة: مكان تطبع فيه المناديل الحلبية وتعرف بالبصمه خانه أيضا. آثار الجلوم الكبرى جامع البهرامية أنشأه «بهرام باشا» ابن مصطفى باشا ابن عبد المعين قال في كتاب وقفه ما ملخصه إنه وقف جميع المكان المعروف به الكائن بمحلة الجلوم بحلب المشتمل على أربعة جدران محيطة به مبنية بالحجارة النحيت وعلى صحن مفروش بالبلاط الأصفر طوله من القبلة إلى الشمال 19 ع وعرضه 50 ع وبه حوض ماء كبير مبني بالرخام الأصفر بشباك من الحديد وأنابيب من النحاس الأصفر يعلوه قبة معقودة بالقرميد برفرف من الدف والخشب برسم المتوضئين وغيرهم يصل إليه الماء من قناة حلب في كيزان من الفخار ببطن الأرض بحق معلوم على الدوام والاستمرار وبالوعة واصلة إلى الهارب الكبير وجب ماء معين ويشتمل على قبلية كبيرة مفروشة بالبلاط بقبة محمولة على ثمان قناطر من الحجر النحيت تحتها اثنا عشر إيوانا صغيرا بأربعة عشر شباكا من الحديد مشرفات على جنينة مختصة به ذات أشجار الجزء: 2 ¦ الصفحة: 41 متنوعة وفيها أي في القبلية حجرتان إحداهما على يمين الداخل برسم وضع البسط والطنافس والأخرى برسم وضع القناديل وباقي لوازم التنوير وبصدرها إيوان معقود بخمس قناطر صغار على عواميد من الرخام بصدره محراب مبني بأنواع الرخام الملون. وعلى يمينه منبر مبني بالرخام الأبيض وجوانبه بالفصوص الملونة وتجاه المحراب سدة برسم المؤذنين على عواميد من الرخام يصعد منها بدرج إلى إيوان شمالي فوقاني برسم المصلين. ويشتمل أي صحن الجامع على رواق قبلي بجانبه الشرقي إيوان في صدره محراب وشباكان من الحديد مطلان على الجنينة المذكورة ويدخل منه إلى حجرة برسم المجاورين ويصعد منه بدرج من الحجر إلى إيوان معلق شرقي مطل على القبلية المذكورة وبجانبه الغربي إيوان آخر بصدره محراب وشباكان من الحديد مطلان على الجنينة ويصعد منه في درج من الحجارة إلى إيوان آخر معلق مطل على القبلية وبجانب هذا الإيوان منارة عالية مختصة بهذا الجامع حده قبلة مستشفى نور الدين الشهيد وتمامه بدار المرعشي القلعي وشرقا طريق سالك وإليه الباب الشرقي وشمالا سوق الواقف وإليه الباب الشمالي وغربا زقاق نافذ يعرف بزقاق السودان. ويشتمل الجامع أيضا على مطهرة مفروشة بالبلاط ملاصقة لمطهرة المدرسة المقدمية بالمحلة المذكورة محتوية على خمس أخلية وحوض للماء العذب يجري دائما محدودة قبلة بالمقدمية المذكورة وشرقا بزقاق السودان وشمالا بخان الجورة المعروف حينئذ بخان بني الحلفاء وغربا بمطهرة المدرسة المذكورة. أوقافها وقف الواقف سوقا ملاصقا لباب جامعه الشمالي يتألف من سبعة عشر حانوتا في صفين قبلي وشمالي وفيه سبيل ماء وفوق السوق قبة ويدخل من الصف الشمالي إلى سوق آخر يشتمل على ثمانية عشر حانوتا في أربعة صفوف وبمعبره على يمين الداخل ثلاثة حوانيت وعلى يسرته ثلاثة أخرى ويصعد من جانبه الشمالي في درج إلى قاسارية مبنية على ظهره مشتملة على خمس وثلاثين حجرة حد السوق الأول قبلة الجامع الموقوف عليه وشرقا الطريق وشمالا السوق الثاني المذكور وغربا الزقاق السالك إلى حمام الخواجه الملطي، وحد السوق الثاني قبلة السوق الأول وشرقا المسجد العمري والسبيل المتقدم ذكره، وشمالا الطريق وغربا زقاق المصبغة والحمام المذكورين ووقف المكتب الكائن عند باب الجامع الغربي وجميع الجزء: 2 ¦ الصفحة: 42 بيت القهوة في السوق المذكور وحماما يعرف به في المحلة الجديدة ظاهر باب النصر وقاسارية راكبة على الحمام المذكور، وطاحونا على نهر قويق قرب خانطومان ثلاثة أحجار وطاحونا على نهر ناحية جلاب في قضاء الرها ثلاثة أحجار وإصطبلا وحماما يعرف بالحمام الجديدة وبيت قهوة ودكانين متلاصقات في مصر القاهرة في سوق السباهي قرب جامع السلطان حسن وهما مشهورتان بالواقف وستة قراريط التي هي ربع أشجار الزيتون في قرية دمرة «1» التابعة إلى غزة هاشم قبلة أرض كشف، وشرقا أرض المحربة وشمالا أرض المسجد وغربا أرض الكشف واثنى عشر قيراطا من أشجار البستان بظاهر غزة من الجهة الشمالية وتعرف ببستان شعبان قبلة وشرقا الطريق وشمالا الحاكورة وبستان قلفان وغربا بستان النحل واثنى عشر قيراطا من أشجار الزيتون في أرض قرية دمرة. شروطه شرط أن يؤدب في المكتب الأطفال والصبيان ويعلم فيه الأيتام ويكون لكل واحد منهم قميص وعراقية في كل سنة وأن يصرف بعد تعمير الجامع والمكتب والطهارة والوقف في كل يوم 8 عثمانيات إسلامبولية فضية إلى خطيب حنفي بجامعه و 10 إلى إمام حنفي وشافعي لكل منهما 5 و 16 لأربعة مؤذنين لكل منهم 4 و 5 لعارف بالميقات والأنغام يكون رئيسا على المؤذنين و 9 لستة قراء يقرءون ستة أعشار من القرآن في السدة قبل صلاة الجمعة و 2 لحافظ يكون رئيسا عليهم وواحد ونصف لصيت يقرأ بعدهم نعتا نبويا قبل الشروع في الخطبة وواحد ونصف لآخر مادحا وواصفا في المحفل نهار الجمعة على عادة أمثاله و 30 لثلاثين حافظا يختمون مجتمعين ختما بجامعه بعد صلاة الصبح و 2 لحافظ يقرأ سورة يس بعد صلاة الفجر وسورة الملك بعد الظهر وسورة عم بعد العصر و 5 لكاتب أمين وأربعة لجاب و 3 لبواب بجامعه و 8 لفراشين وقيمين و 2 لمنقط يتفقد أحوال الموظفين ويحفظ الربعة ويبخر في كل يوم جمعة بنوع من الطيب و 1 لقنوي يسوق الماء إلى الجامع كل يوم وواحد ونصف لبستاني يباشر خدمة جنينة الجامع و 2 لمباشر عمل الوقف و 3 لمعلم أطفال في المكتب المذكور و 2 لخادم الطهارة و 1 لقنوي يسوق الماء كل يوم إلى الحمام المتقدم ذكره ويصرف في كل سنة 2134 عثمانيا لقراءة المولد النبوي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 43 في الليلة الثانية عشرة من شهر ربيع الأول بالجامع المذكور بحيث يطبخ للمحاضرين ويطعمون وثمن 275 رطلا زيتا لتنوير الجامع داخلا وخارجا وتنوير الطهارة وثمن 80 رطلا زيتا وشمعتين وزنهما 30 رطلا خاصة لرمضان وثمن شمع عسلي صغار لتنوير الجامع في الشهر المذكور و 120 عثمانيا ثمن قناديل و 200 ثمن صابون وقطن للقناديل و 100 ثمن بخور يحرق بالجامع ثم ما فضل عن هذا كله يصرف لأولاده للذكر مثل حظ الأنثيين ثم إلى أولادهم وأولاد أولادهم إلخ وأن تكون التولية لنفسه وبعده فللأرشد فالأرشد من ذكور أولاده وأولاد أولاده إلخ فإذا انقرضوا فللأرشد فالأرشد من ذكور عتقائه فإذا انقرضوا فللأصلح من عتقاء والده مصطفى باشا المتوظفين في حلب ثم للأصلح من عتقاء أخيه رضوان باشا وبانقراضهم فللحاكم الشرعي بحلب أن ينصب بمعرفة أصحاب الوظائف متوليا مستقيما وعلى المتولي أن يرى حساب الموظفين في رأس كل عام ويعزل كل من يلزم عزله وينصب في محله ولا يكون أمر محاسبة وقفه لغير المتولي من القضاة والحكام ولا يعطي أحدا شيئا من زيادة الوقف على سبيل الترقي عما يعين له وأن ينصح المقصر في خدمته ثلاث مرات ويعزله في الثالثة إذا لم يرتدع وشرط لنفسه الزيادة والنقص والمنع والإدخال وأن لا يؤجر وقفه من ذي شوكة، وأنه إذا توفي بحلب يدفن بحضرة الشباك الأول من الجانب الشرقي بجامعه وأن يكون مدفن أخيه بجانبه. كتبت هذه الوقفية بتاريخ 20 ربيع الأول سنة 919 قلت إن الأوقاف التي وقفها على هذا الجامع في مصر وغزة منقطعة عن وقفه الآن ولا نعلم لأي جهة تجبى وقد حدث في الجامع بعض تغيرات منها المنارة فإنها انهدمت وجددت سنة 1111 كما تدل عليه أبيات منقوشة على بابها قد اشتمل كل شطر منها على تاريخ وهي (ليحيى الحلبي العقاد) مذكورة في ترجمته ومطلعها: قامت فصادمها السحاب بمرّه ... وسمت بقدّ قدّ كل مشاد وهذه المنارة مدورة الشكل على نسق منارات جوامع الروم ويبلغ ارتفاعها عن سطح صحن الجامع 45 ع تقريبا ومنها قبة القبلية فإنها انهدمت وأعيدت قبة صغيرة مشادة على عضادتين، ومنها الحوض في صحن الجامع فإنه في حدود سنة 1300 هدم وأعيد حوضا مكشوفا مربعا يبلغ 11 ع في مثلها في عمق ذراع تقريبا، ومنها انسداد بابه الغربي وتعطيله لتعطيل الجادة التي تجاهه ومنها تعمير بيت القهوة في الجانب الغربي من الحمام الكائن بالمحلة الجديدة في علوه وعدة دكاكين في أسفله ألحقت بالوقف المذكور سنة 1308 ومن الأوقاف الجزء: 2 ¦ الصفحة: 44 المشروطة لهذا الجامع بعد انقراض ذرية الواقف وقف السيد قاسم فنصه وهو وقف حافل تاريخه سنة 1231 وله آخر شرطه على الفقراء بعد انقراض ذريته تاريخه سنة 1226. المدرسة الأحمدية «1» هذه المدرسة في زقاق بني الجلبي وكان هذا الزقاق يعرف بدرب السبيعي نسبة إلى الحسن بن أحمد بن صالح الحافظ الهمذاني السبيعي الحلبي من أولاد أبي إسحاق السبيعي وأبو إسحاق له ترجمة في كلام الذهبي وغيره وكان حافظا متقنا رحالا عالي الرواية خبيرا بالرجال والعلل فيه تشيّع يسير توفي سنة 371. أما واقف المدرسة المذكورة فهو (أحمد أفندي ابن طه أفندي ابن مصطفى أفندي) كان بنى مدفنا في هذه المحلة تجاه باب البهرامية الشرقي لوالده ودفن فيه، ثم بنى عمارة ملاصقة للمدفن المذكور مشتملة على سماوي فيه تربة وقبور مرخمة أعدها الواقف لنفسه ولأولاده وبجانب الباب حجرة لسكنى الخادم والبواب ويدخل من هذا السماوي إلى مدفن والده المذكور وإلى ساحة سماوية أخرى مرخمة بالرخام الأصفر بجوانبها الأربع رواقات بأعمدة من الرخام فالجانب الجنوبي الموجه شمالا به رواق ثلاث قباب راكبات على قناطر وعواميد من الرخام يدخل منه إلى مكان لطيف مبني بالنحيت وهو مسقوف بقبة من النحيت، هو مسجد ومدرسة تدرس فيه أنواع العلوم كل يوم في صدره محراب من الرخام الأصفر فيه شباكان مطلان على الرواق المذكور ويدخل من المسجد المذكور لحجرة كبيرة معدة لوضع الكتب لها شباكان مطلان على الرواق المذكور وشباكان على المدفن المتقدم ذكره ويلاصق المسجد المذكور حجرة جدرانها وسقفها نحيت وبهذا الرواق تسع حجرات أخرى ومطبخ للطعام يطبخ فيه من شاء من المجاورين ويغسلون ثيابهم وفيها أيضا جب ماء معين في الحائط الشمالي وقسطل ومطهرتان وبوسط هذه الساحة حوض ماء بجانبه صهريج نافذ مجراه إلى السبيل الآتي ذكره الملاصق هذه المدرسة من طرف الشمال يجري الماء للقسطل والحوض والصهريجين من قناة حلب بحق شرعي وفي شرقي الرواق القبلي درج مقبو بالحجارة يصعد منه إلى أسطحة الأماكن المذكورة وبنى الواقف السبيل الملاصق مدرسته من جهة الشمال في وسط السوق وجعله بباب وشباك كبير له صهريج نافذ مجراه الجزء: 2 ¦ الصفحة: 45 إلى سبيل المدرسة كما قدمناه، وفي الشباك المذكور جرنان من الرخام الأصفر يوضع فيهما الماء من الصهريج، وأباحه لشرب الناس كافة بالأواني في أي وقت أرادوا، ونقله المحدود جميع ذلك مع مدفن والده قبلة بداره التي هي من جملة الوقف وشرقا بالقاسرية الموقوفة أيضا وشمالا بظهر دكاكين السوق الجاري بعضها بالوقف وإليه باب السبيل المذكور وشباكه وغربا بالإصطبل الجاري بالوقف وتمامه بالطريق وإليه باب المدفن والمدرسة. أوقافها وقف لها دارا بهذه المحلة كانت تعرف بدار السيد سعدي لصيق المدرسة والمدفن، وهي حرم ومنزول، محدودة من الجهات الثلاث بدور الواقف ومدرسته ومن الجهة الغربية بالطريق وأربع دور ملاصقة، الدار الأولى محدودة قبلة بدار الأوطه وتمامه مخزن كان يعرف بدار السيد لطفي وشرقا بزقاق حمام عتاب «1» وشمالا بفرن السيد حسن الحموي وتمامه بدار الواقف وغربا بطريق سالك وقاسارية «2» لصيق المدرسة من شرقيها وأربع دكاكين ملاصقات مدرسته من شماليها في سوق الهوى على صف سبيله وبيت قهوة تجاهها هي القهوة الجديدة واصطبلا ملاصقا المدرسة من غربيها فوقه ثلاث حجرات من شمالي مدرسته ودارا في هذه المحلة شمالي حمام عتاب غربي الطريق جنوبي دار الوقف وقاسارية فوق اصطبلين ودكاكين تابعات خان أبرك «3» بمحلة جب أسد الله تجاه الخان وفرنا في هذه المحلة غربي اقميم حمام الخواجه ودارا تتصل به وخانا شرقي المدرسة الجاولية «4» ودكاكين بزابوق البالستان المعروف إذ ذاك بسوق القصبجية وثلاث دكاكين في سوق القاوجية «5» شمالي ظهر سوق الذراع ودكانا بسوق الباطية وأخرى بسوق البالستان بظهر سوق الصاغة وفرنا بمحلة شاهين بك قرب قسطل العوينة «6» ودارا متصلة بالفرن المذكور من شماليه وقاسرية الجزء: 2 ¦ الصفحة: 46 في المشاطية قرب خان البصل وبيت قهوة في هذه المحلة في الصف القبلي من سوقها وغربي القاسارية المذكورة وتمامه دكاكين وقف جامع المشاطية وتسعة قراريط وثلاثة أخماس القيراط من قاسارية الزكي إنشاء والد الواقف خارج باب النصر تجاه الزكي شمالي خان عصيص «1» ومطهرات الجامع وقبلي زاوية البعاج «2» ودكانا بالزقاق المبلط تجاه قسطل ابشير باشا وأربعة عشر قيراطا وأجزاء من قاسارية الشيخ طه خارج باب النصر بمحلة الصليبه شرقي قاسارية عمر أفندي وخمس دكاكين تحتها ودكانا باتصالها من طرف الشمال شمالي فرن عمر أفندي وبيت قهوة في ساحة الجديدة تجاه خان ابشير باشا غربي دكاكين وقف مسجد عمر أفندي وقاسارية السيسي قرب القهوة المذكورة ودكان بيطار في الساحة المذكورة وأخرى تعلوها وثلثي بستان الشيخ طه بخط النصيبي ملاصقا جسر المعزي والبستان الجديد خارج باب أنطاكية لصيق الدباغة في شماليها وشمالي خان العفص وغربيه وغربي حمام الويوضي «3» وقف إبراهيم خان وقبليها وبستان الكهف بخط النصيبي وبستان الكادك قرب جسر الأنصاري شمالي طاحون الجور باجي والمرجه وقبلي طاحون العزيز وهو طاحون مغلطاي ومصبنة في إدلب الصغرى فيها قدران وثلاثون جبا ومصنع وثلاثة مباسط شرقي حمام عمر بك. شروطه المتعلقة بمدرسته شرط بعد التعمير والترميم أن يدفع كل يوم من العثمانيات الفضية، المساوي كل مائة وعشرين منها قرشا واحدا، أربعون لمدرس بمدرسته عالم بالمعقول والمنقول من صلحاء أكراد ما وراء الموصل من صنجق كوي أو من صنجق بابا أو من صوران أو من غيرهم من تلك الديار ويقرأ الاثنين والخميس تفسيرا وفي بقية الأيام إلا يوم الجمعة ما اختاره من العلوم لإفادة المجاورين بمدرسته وغيرها وإن لم يوجد في حلب من يستحق أن يكون مدرسا فينيب المتولي عنه أحد علماء البلدة إلى أن يوجد من علماء الأكراد من يستحقها و 4 عثمانيات للمدرس ليقرأ الدلائل عند قبر والده يوم الجمعة و 10 لأرشد ذريته ليقرأ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 47 الحديث في مدرسته يوم الجمعة والثلاثاء وله أن يستنيب إن لم يكن أهلا و 10 لحنفي يقرأ في مدرسته يوم الأربعاء والأحد و 4 لثلاثة معيدين، ولكل مدرس أن يختار له معيدا وشرط أن لا يكون المجاورون في حجر مدرسته العشر من الجهات التي اشترط أن يكون المدرس منها ومتى تزوج المجاور سقط حقه وكذا لو صدر منه ما يخالف الشرع والشروط ولم يزدجر فيخرجه المدرس بإذن المتولي ولكل مجاور في اليوم 8 عثمانيات وعليه أن يحضر الدروس المذكورة ويقرأ كل يوم في المدفن والمدرسة جزءا من القرآن العظيم. وشرط أن يدفع كل يوم أيضا 60 عثمانيا لعشرين قارئا يقرءون كل يوم عشرين جزءا في المدفن والمدرسة وإذا تخلف أحدهم ولو يوما يقرأ عنه أحد ملازمي المدرسة أو أحد مجاوريها ويقبض معلوم ذلك اليوم والناظر على المجاورين والقراء هو المدرس وأن يدفع يوميا 20 عثمانيا لكناس المدرسة داخلا وخارجا وخادم سبيله و 20 لبواب وشعال وخادم التربة لتوزيع الربعة على القراء وحفظها وفتح باب المدفن لمن أراد الزيارة ولقارىء الدلائل و 4 لقنوي المدرسة والسبيل و 80 لكاتب في وقفه و 20 للجابي وأن يشتري في كل شهر أربعة أرطال زيتا لثلاثة قناديل في المسجد والمدرسة توقد مساء وصباحا وقنديل في مدفن والده طول الليل وآخر في المطهرة وأن يدفع كل يوم 4 لشراء القناديل ولوازمها والمكانس والأباريق ويؤخذ من غلة الوقف القدر الكافي للصهريج والسبيل ولوازمها وشرط لنفسه الإدخال والإخراج والزيادة والنقصان دون غيره وأن يختص توجيه الوظائف بالمتولي وأن يكون للمكتبة التي وقفها حافظ أمين يفتح باب المكتبة يوم الأحد والاثنين والأربعاء والخميس لمراجعة طلاب العلم بحيث لا يخرج كتاب خارج المدرسة مطلقا ومن أراد استكتاب شيء فله ذلك في المكتبة وللمجاورين أن يأخذوا منها إلى حجرهم بكفالة المدرس ويومية هذا الأمين 20 عثمانيا حررت في 25 رمضان سنة 1166. أقول ما كتبناه في هذه المدرسة حتى الآن هو خلاصة الوقفية الأولى. وهناك وقفية ثانية وقف فيها خان العبسي الكائن في قرب خان البرغل في سوق النحاسين تجاه جامع العادلية وبعض عقارات في انطاكية وغير ذلك وشرط فيه بعض الشروط وأما الوقفية الثالثة فخلاصتها أنه وقف فيها في محلة الجلوم دكانا في سوق الهواء ودارين وفرنا ودكانا في المصابن تجاه خان الزيت وفي القصيلة دكانا وبيت قهوة الدرج ومدارا وفي شاهين بيك أربع دكاكين الجزء: 2 ¦ الصفحة: 48 وعدسة وفي داخل باب النصر دكانا شمالي مسجد المضماري «1» وفي بانقوسا أربع دكاكين وفي شمالي الشميصاتيه قرب قسطل العقرب مدارا ومصبغة الريش في محلة عنتر بقسطل الزيتون وقاسارية في الألماجي ودكانا في المرعشلي ومخزنا لصيق أوج خان في غربيه وسبع دكاكين في محلة الأكراد ودكانا في قسطل الحرامي ودكانين في بندرة البيطار ومصبغة في زقاق الغوري من حساب جسر الكعكه ودارين بساحة الجمال من حساب جسر الكعكه أيضا وأربع دكاكين متلاصقات تجاه جامع الزكي بالصف الشرقي قرب سبيل محرم وأربع أخرى تجاه باب النصر والخندق وبيت قهوة خارج باب النصر شرقي الخندق ودكانا تجاه القهوة المذكورة ودكانين متلاصقتين في بوابة أم بطرس بالزقاق المبلط ودكانا هناك من حساب الشمالي ودارا هناك من حساب زقاق العطوي ودارا للروباص «2» في العطوي الكبير شمالي جنينة ابن قمر وبعض قاسارية في الصليبة من زقاق توما وثلاث دكاكين متلاصقات تحت مساكن القاسارية وست دكاكين علوية وسفلية في ساحة الجديدة وأربع دكاكين متلاصقات في الصف الشمالي من عبد الحي ودكانا على صفها ومصبغة حرير وعدسة وخمس دكاكين علوية وسفلية في الزقاق المذكور وحماما في قرية بابلي «3» وبستان الطلق قربها وغير ذلك من الأراضي والبساتين في ناحية بعادين «4» وقد شرط في هذه الوقفية أن يزاد في كل يوم 60 عثمانيا للمتولي و 20 لمدرس التفسير والمواد و 6 لمدرس الحديث و 6 لمدرس الفقه. وزاد لكل مجاور في اليوم مائة وثمانين درهما خبزا وعثمانيين وشرط عليهم أن يقرءوا سورة الكهف جهرا في مدفن والده بعد صلاة الجمعة ويعقبوها بتلاوة كلمة التوحيد سبعين ألف مرة ويهدون ثواب ذلك على الصيغة المعلومة. فجملة ما لكل مجاور يوميا عدا الخبز عشرة عثمانيات وشرط أن يدفع في كل يوم من العثمانيات 42 لأربعة عشر قارئا يقرأ كل واحد منهم جزءا في المدفن المذكور ومن يتخلف منهم يقرأ جزءه أحد ملازمي الحجرات ويأخذ يوميته وأن يدفع في كل يوم 4 عثمانيات لرجل يتلو دلائل الخيرات يوم الجمعة في الجزء: 2 ¦ الصفحة: 49 المدفن المذكور عند قبر والدة ابنه وأن يدفع في كل سنة اثنا عشر قرشا لخادم المصنع الذي أنشأه ولده محمد أفندي بالقرب من قرية الأنصاري من طرف القبلة وأن يصرف على هذا المصنع من غلة الوقف ما يحتاجه من التعمير والترميم وأن يدفع يوميا 5 عثمانيات للمؤذن في مدرسته وجامعه في الأوقات الخمسة و 5 لقيم ثان في مدرسته و 10 لمعاين ثان على مرمات وقفه وجباية ما كان منها في إدلب وانطاكية وغيرهما وزاد للقنوي ثلاثة عثمانيات وعين له في اليوم أربعة عثمانيات بمقابلة سوق الماء إلى القسطل الملاصق دار عمر أفندي في الجلوم الكبرى الذي أنشأته جدة الواقف الست منور بنت صالح أفندي الحكيم السلطاني سابقا فتكون جملة يومية القنوي 12 عثمانيا وزاد لكاتب الوقف المعين في الوقفية الأولى 10 ولحافظ الكتب 20 وشرط أن يدفع يوميا (6) لدرويشين في التكية المولاوية يقرءان فيها كل يوم جزئين وأن يدفع في كل سنة عشرة قروش للقارىء سحرا في الجامع الكبير الأموي بحلب وأن يدفع يوميا 4 لموقت الجامع المذكور على أن يقرأ في كل يوم جزءا وستون قرشا سنويا للشيخ محمد المواهبي شيخ الطريق القادري بحلب أحد خلفاء الشيخ قاسم الخاني ولخلفائه من بعده يصرف هذا المبلغ في طعام المختلين في زاوية الصالحية وغيرها على أن يتلو هو وتلامذته في سحر كل يوم من أيام الخلوة سبعين ألف مرة كلمة التوحيد ويقرءون بعد الظهر ختمة. وعلى هذا المنوال يدفع سنويا أربعة وعشرون قرشا لشيخ تكية النسيمي أبي الصفا يصرف في كل سنة مائة قرش ليلة عاشوراء والمولد والمعراج والنصف من شعبان فيطبخ في كل ليلة منها الحبوب المعروف بالدبس والهريسة باللحم وغيرهما ويطعم سكان المدرسة وأهل وظائفها ويفرق على الفقراء وأن يدفع في كل سنة أربعون ذهبا ذر محبوبا المقدر كل واحد منها بمائة وعشرة قروش (في ذلك الزمن) يدفع منها أربعة ذهبات لكل واحد من فاتح الكعبة ومؤذن الفجر على سطح زمزم وخدمة مقام إبراهيم عليه السلام وخدمة مكان ولادة نبينا عليه السلام وخدمة بئر زمزم وعشرة ذهبات لمؤذني الحرم المكي بينهم بالسوية وعشرة لخدمة الحرم كذلك وأن يدفع في كل سنة أربعون ذهبا أخرى للمدينة المنورة يدفع منها عشرة لكل من المؤذنين في الحرم وخدامه وخدام المرقد الشريف وخدام الحضرة الشريفة العبيد المعروفين بأهل الصفة فترسل هذه الذهبات والتي قبلها مع الصر الذي عينه ولده الأكبر محمد أفندي وتوزع على أهلها بمعرفة قاضي مكة والمدينة وأن يدفع في كل سنة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 50 عشرين ذهبا لعالم يقرأ الحديث بمدينة القدس الشريف في مسجدها الأقصى في الصخرة في رجب وشعبان ورمضان ويقرأ في بقية الأيام ما تيسر من الكتب وأن يدفع في كل سنة عشرون ذهبا لجميع خدام الأنبياء بمقام إبراهيم عليه السلام ويتلون في الأشهر الثلاثة المذكورة القرآن ويدفع في كل سنة ثلاثون ذهبا لمؤذني الحرم وخدمة البيت وتوزع عليهم بمعرفة حاكم الشرع بمكة بشرط أن يقرأ كل مؤذن منهم بعد الأذان الفاتحة والمعوذتين وثلاثون ذهبا لمؤذني الحرم النبوي على الشرط المذكور وستة ذهبات لمؤذني مسجد القدس وسبعة لخدمة الصخرة وسبعة لخدمة المسجد على الشرط المذكور أيضا. وعلى أن يتلو بالاجتماع خدمة المسجد الأقصى والصخرة سبعين ألف مرة كلمة التوحيد في كل ليلة من عاشوراء والمولد والمعراج والنصف من شعبان وليالي الأفراد من العشر الأخير من رمضان وأن يدفع خمسة وعشرون قرشا سنويا لشيخ الأخلاصية في التكية الكائنة بمحلة البياضة ليصرفها على طعام المختلين في الخلوة الأربعينية ويتلو هو ومريدوه سحر كل ليلة من الخلوة سبعين ألف مرة كلمة التوحيد وعلى هذا المنوال يدفع سنويا ثمانية وأربعون قرشا لشيخ تكية القرقلار «1» قرب دار الواقف وثلاثون قرشا لشيخ تكية أبي بكر خارج حلب وثلاثون لشيخ تكية الكاشنية «2» في حلب وخمسة وعشرون قرشا لشيخ زاوية الهلالية بالجلوم وأربعة وعشرون لشيخ تكية العقيلية بالمحبي ومثلها لشيخ تكية براق بمحلة الشيخ براق المدفون تجاهها الشيخ المذكور وستة قروش لمؤذن الصوم في منارة الجامع الكبير المعروف بالريّس وستة قروش للمؤذن الأول في المنارة المذكورة واثنان وسبعون قرشا للاثني عشر مؤذنا بالمنارة المذكورة ومثلها لمدرس على كرسي بالجامع الكبير يعلم الناس أحكام الفطرة والأضحية على المذهب الشافعي والحنفي في يوم التروية وآخر يوم من رمضان وخمسة وأربعون قرشا لخمسة يقرأ كل واحد منهم جزءا بعد صلاة الظهر تجاه مرقد زكريا عليه السلام وأربعة وعشرون قرشا لقارىء سورة الكهف ودلائل الخيرات وشوارق الأنوار بعد صلاة الجمعة في سراي سكنى الواقف بمحلة الجبيلة وبعد موت الواقف يقرأ ذلك في مدفن والده طه أفندي لصيق مدرسة الواقف وأن يدفع في كل سنة ستة قروش لقارىء أمة خير الجزء: 2 ¦ الصفحة: 51 الأنام في الجامع الكبير في رمضان تحريرا في خامس ذي الحجة عام ثمانية وسبعين ومائة وألف. أقول: ضاع كثير من هذه الأوقاف ومعظم الوظائف الخيرية التي اشترطها الواقف خارج مدرسته معطلة لا تصل إلى أهلها غير أن المدرسة والجامع وما يتعلق بهما جارية شروطهما على أحسن ما يرام. مكتوب على باب المدفن الذي يلي الزقاق: (أنشأ هذه العمارة المباركة مسجدا ومدرسة وتربة عمدة الموالي العظام جناب السيد أحمد أفندي ابن العارف بالله الشيخ السيد طه أفندي الشهير بطه زاده) وعلى باب مدفن والده: (تغمد الله طاها ... . برحمة لا تناهى. فقد سما باجتهاد ... . وطال عزا وجاها ومذ قضى حل أرخ ... . بجنة الخلد طاها) سنة 1136 وعلى باب المدرسة: مدرسة للمذهب النعماني ... ومسجد لطاعة الرحمن يقرا بها التفسير والحديث وال ... آلات مع عقائد الأيمان أنشأها صدر الموالي أحمد ... هو ابن طه عارف الزمان وفي جواره أشاد تربة ... بشرى صلاح الحال للجيران فإنه يجزى على أعماله ... منازل الرضوان في الجنان أوقفها للاشتغال أرخوا ... بالفقه والحديث والقران سنة 1165 وعلى باب القبلية: قد بنى أحمد بن طه محلا ... لدروس المنطوق والمفهوم وبنور التوفيق قد تم أرخ ... مسجد شاد للتقى والدين سنة 1165 الجزء: 2 ¦ الصفحة: 52 البيمارستان النوري «1» هو لصيق البهرامية من جنوبيها الشرقي بناه نور الدين (محمود) بن زنكي وقد تقدم إلى الأطباء أن يختاروا من حلب أصح بقعة هواء فذبحوا خروفا وقطعوه أربعة أرباع وعلقوها بأربعة أرباع المدينة ليلا فلما أصبحوا وجدوا أحسنها رائحة ما علق منها في هذا الربع فبنوا البيمارستان فيه مكتوب على نجفة بابه أنه عمره نور الدين بتولي ابن أبي الصعاليك وكان فيه قاعة للنساء مكتوب عليها (عمر هذا المكان في دولة السلطان صلاح الدين يوسف ابن العزيز محمد بتولي أبي المعالي محمد بن عبد الرحمن بن عبد الرحيم بن العجمي الشافعي في شهر رمضان سنة 655) ، وعلى إيوان فيه أنه عمر في أيام الأشرف شعبان وأن هذا الإيوان وقاعة النساء الصيفية أنشأهما سبط ابن السفاح. وعلى الشباك الذي على بابه أنه أحدث سنة 840 على يد الحاج محمد المارستاني. وكانت قاعة المنسهلين سماوية فسقفها القاضي شهاب الدين بن الزهدي. وقف نور الدين على هذا البيمارستان قرية معرايا ونصف مزرعة وادي العسل من جبل سمعان وخمسة أفدنة من مزرعة كفرنايا وثلث مزرعة الخالدي وطاحونها من المطخ وثمن طاحون عريبه ظاهر باب الجنان وثمانية أفدان من مزرعة أبي مدايا من عزاز وخمسة أفدان من مزرعة الحميره من المطخ واثني عشر فدانا من مزرعة الفرذل من المعرة وثلث قرية بيت راعل من الغربيات وعشر دكاكين بسوق الهواء منها ثلاثة بتمامها والباقي شركة الجامع الكبير وأحكارا ظاهر باب أنطاكية وباب الفرج وباب الجنان. نقل ابن حجر بعض كلمات في تقريظ هذا البيمارستان لعلاء الدين أبي الحسن علي الحنبلي فأحببت نقلها وهي (وصفت مشارب الضعفاء بعد الكدر وسقاهم ربهم شرابا طهورا، وتلي لمن سعى لهم في ذلك وجزى بالخيرات: إنّ هذا كان لكم جزاء وكان سعيكم مشكورا. ودار شراب العافية على تلك الحضرة بالطاس والكاس. وحصل لهم البرء من تلك البراني التي يخرج من بطونها شراب مختلف ألوانه فيه شفاء للناس. ودبت الصحة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 53 في مفاصل ضعفائهم وقيل لهم جوزيتم بما صبرتم. وامتدت مقاصيرها وفتحت أبوابها وقال لهم خزنتها سلام عليكم طبتم) . أقول: هذا البيمارستان في أيامنا معطل مائل للخراب بل داخله خراب قد صارت حجراته تلالا ولم يبق منها إلّا بعض حجر متشعثة متوهنة يسكنها بعض العبيد العتقاء وقد استولى بعض الناس على قطعة عظيمة من جهتهه الجنوبية وأدخلها في العمارة المعروفة بالباكية «1» وقد ضاعت أوقافه ودخل بعضها في أوقاف الجامع الكبير. مكتوب على بابه (بسم الله الرحمن الرحيم أمر بعمله المولى الملك المالك العادل المجاهد المرابط الأعز الكامل صلاح الدنيا والدين قسيم الدولة رضي الخلافة تاج الملوك والسلاطين ناصر الحق بالبراهين محيي العدل في العالمين قامع الملحدين قاتل الكفرة والمشركين أبو القاسم محمود بن زنكي بن آق سنقر ناصر أمير المؤمنين أدام الله دولته بمحمد النبي واله بتولي العبد الفقير إلى رحمة مولاه عتبة بن أسعد بن الموصلي) . تنبيه: كان بحلب بيمارستان آخر قديم معروف ببني الدقاق ثم دخل في دار سودون الدوادار التي كانت غربي الحلاوية وكان يسكنها أركان الدولة، وكان على باب الجامع الكبير الشمالي بيمارستان له بوابة عظيمة ينسب لابن خرخان وهو معطل يسكنه بعض الفقراء وكان قرب البيمارستان النوري خانقاه أنشأتها الصاحبة فاطمة خاتون بنت الملك العادل المتوفاة سنة 656 قد كتب عليها (وقفت هذه الخانقاه فاطمة بنت الكامل محمد بن العادل بن أبي بكر بن أيوب على الفقيرات المقيمات بها وإظهار الصلوات الخمس والمبيت فيها) ووقفت عليها كفر تعال من جبل سمعان. مسجد الشيخ عبد الله محله البيمارستان النوري المتقدم ذكره طرفه الشرقي معلق على جدار ملاصق جدار دار كانت لبني طه زاده وهي الآن جارية بتصرف بيت صولا أحد وجهاء الطليان المسيحيين والطرف الغربي معلق على جدار عمارة المار كوبلي المعروفة بالباكية وذكره في كنوز الذهب الجزء: 2 ¦ الصفحة: 54 وقال إنه قرب البيمارستان ملاصق كنيسة النصارى وذكر أن له نصف مزرعة عند السعدي وقفا عليه. قلت: لا يعرف الآن أن باتصاله كنيسة ولا أن له وقفا. وهو الآن معطل مكشوف السقف ليس فيه سوى محراب من النحيت. وكان قبوه الذي هو أرضه قد سقط فعمره بعض أهل الخير وله باب من ثلاث أحجار سود مكتوب على نجفته (بسم الله الرحمن الرحيم عمر هذا المسجد المبارك وأنشأه تقربا إلى الله سبحانه وابتغاء لرضوانه وغفرانه العبد الفقير إلى رحمته أبو سالم محمد بن علي بن عبد اللطيف بن زهود رحمه الله سنة 855) وتحت رجل قبوه الشرقية الجنوبية قبر محاط بالحديد يزار وينذر له الضوء ويقولون إنه قبر الشيخ عبد الله. مسجد أبي درجين «1» في الزقاق المنسوب له وهو زاوية عمّرها يحيى بن الحاج موسى الريحاوي ابن أحمد النحلاوي سنة 950 ووقف في سنة 953 على ذريته وقفا عظيما شرطه للزاوية بعد انقراض ذريته ثم وقف لها ولده موسى وقفا عظيما سنة 989 وهي لصيق جنينة الركبي تجاه التربة الخشابية وسمى بأبي درجين لأن له درجين أحدهما للطبقة العليا وثانيهما للطبقة السفلى المؤلفة من بضع حجرات برسم زاوية والطبقة العليا منه هي قبلية فسيحة جميلة سقفها قبة شامخة وفيها محراب من الرخام الأصفر وهو معطل مشرف على الدثور وفي الطبقة السفلى قبران مدفون فيهما موسى المذكور وولده يحيى وفي جانب بابه على يسرة الداخل مخزنان مستخرجان منه معدان للأجرة والذي لمن تأمل فيه أن الجيران على جانب عظيم من أطرافه. التربة الخشابية «2» تجاه مسجد أبي الدرجين بميلة إلى الجنوب بناها (محمد بن يحيى بن الخشاب) وهي حوش في شرقيها رواق فيه قبران وفي جنوبيها شبه قبلية وهذه التربة معطلة مشرفة على الخراب الجزء: 2 ¦ الصفحة: 55 يسكنها بعض الفقراء وجيرانها متجاوزون عليها مكتوب على حجرة في أواسط ظاهر جدارها الموجه شرقا (بسم الله الرحمن الرحيم إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة (إلى آخر الآية) . جدد عمارة هذه الزاوية المعروفة ببني الخشاب تغمد الله بانيها بالرحمة الفقير إلى رحمة الله الحسن بن إبراهيم بن سعيد بن الخشاب في شهور سنة 633) . اه. قلت وفي سنة 1317 هـ سعى أحد السادة القادرية من المشايخ الهلالية بجمع إعانة وافرة من أهل الخير صرفها على تعمير هذه التربة فعمرها وأعاد لها رونقا جديدا وعمر فيها حجرة برسم التدريس ومنبرا لخطبة الجمعة والعيدين. ويوجد تجاه هذه التربة جنينة جارية بتصرف بني الركبي كانت في الأصل حماما تعرف بحمام الخشابية أنشأها أحد بني الخشاب قرب دورهم. جامع الأصفر هو قرب سبيل الأصفر باتصال دور بني السياف المعروفين ببيت الجزار وهو عامر تقام فيه الجمعة والصلوات وكان يعرف بجامع الجرن الأصفر بناه (محمد بن يحيى بن الخشاب) المتقدم ذكره وقرب هذا الجامع. سبيل الأصفر عمره مكان الجرن الأصفر (أبو بكر ابن الحاج نصري) وبئر هذا السبيل صهريج واسع عظيم يروق فيه الماء ويبرد وينتفع منه أهل المحلة انتفاعا عظيما. الزاوية الهلالية في الزقاق المعروف بها وكانت في الأصل مسجدا صغيرا قطنه الشيخ (محمد هلال الرام حمداني) إلى أن مات ودفن به. مكتوب على قبره: إن الذي ضمّ هذا الرمس جوهرة ... لا زال إشراقها في الكون متصلا قطب الزمان فريد العصر بدر دجى ... حاز الكمال بنور الله حين علا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 56 فكم أضاء لسار في بدايته ... فحاز سبل التناهي وارتقى نزلا فقلت مذ غاب عنا في مؤرخه ... هلال أفق الهدى في رحمة أفلا سنة 1147 ولما مات خلفه (الشيخ أبو بكر الهلالي) الدار عزاني بإشارة من أستاذه المذكور. فاستمر شيخا في هذا المسجد إلى أن مات ودفن به. وقد خلفه ابنه محمد هلال وكان مباركا معتقدا فأجرى أحد ولاة حلب ماء من قناتها إلى هذا المسجد حبا بالشيخ المذكور وبعد مدة اشترى أحد مريدي هذا الشيخ دارا ملاصقة للمسجد وأضافها إليه فوسع بها صحنه وقبليته. وهذا المريد هو يوسف آغا ابن مصطفى الموصلي عربي كاتبي توفي سنة 1213 ودفن في الزاوية وقد وقف عليها هو وغيره عدة أوقاف وصارت من أجلّ زوايا السادة القادرية المشهورة في حلب. وتقام فيها الصلوات والجمعة والذكر عصر كل جمعة والخلوة الأربعينية في فصل الشتاء مكتوب على بابها: ربّ هب لي مكانة قادرية ... وتقبّل ما شدته للبرية روضة العلم والطريقة أرخ ... فهي حقا تكية اليوسفية المدرسة المقدمية تعرف الآن بمدرسة خان التتن لأنها في زقاقه. وقد يقال له زقاق المدار، وكان يعرف قديما بدرب الحطابين أو بدرب ابن سلار وهذه المدرسة غربي جامع بهرام باشا بينهما زقاق معطل كان يعرف بزقاق السودان. وهي إحدى الكنائس الأربع التي ضبطها القاضي ابن الخشاب على ما سبق لنا بيانه في الكلام على النصارى وبعد أن جعلها مسجدا للمسلمين بناها عز الدين بن عبد الملك المقدم مدرسة ويقال إن المدرسة الشرفية بنيت على مثالها وأضاف إليها عز الدين دارا كانت إلى جانبها وابتدأ بعمارتها سنة 545 وكملت سنة 564 ومن جملة أوقافها حصتان بقرية سعد الأنصاري «1» : مكتوب على نجفة باب المدرسة (بسم الله الرحمن الرحيم هذا ما وقفه تقربا إلى الله تعالى في أيام الملك العادل محمود بن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 57 زنكي بن أقسنقر عز نصره الفقير إلى رحمة الله محمد بن عبد الملك بن محمد في سنة 564 فرحم الله من قرأه ودعا له بالمغفرة) وباب هذه المدرسة موجه غربا وهي مشتملة الآن على قبلية وحجرات في غربيها مشرفة على الخراب وطول صحنها من الشمال إلى الجنوب 43 ع وعرضها 33 ع وط 12 ويدخل في هذه المساحة القبلية لا الحجرات ويخرج عنها كثافة الجدران من جهاتها الأربع ومدخل هذه المدرسة عتبة طولها من الباب إلى الزقاق 6 ع وعرضها 3 ع إلى 5 ع ثم يكون الباب وبعده الدهليز وطوله إلى الصحن 14 ع و 12 ط ومن جملة هذه المسافة عرض صف الحجرات الغربية المذكورة وعرضه 5 ع و 10 ط ولم يزل لهذه المدرسة أوقاف يصرفها المتولون في مصالحهم ولا سائل لهم عنها وأول من درس بها برهان الدين أحمد ابن علي الأصولي السلفي ثم درس بها محمد ابن أبي جرادة واستمر إلى أن قتله التتار وهي الآن معطلة مائلة للدثور. تنبيه: كان يوجد في درب الحطابين هذا برأسه من جهة السوق مسجد معلق أنشأه الحاج جعفر بن مزاحم سنة 739 وخارج هذا الدرب مسجد أنشأه محمد بن رفاع بن أبي النصر سنة 614 قال ابن شداد وقد جدد هذا المسجد يوسف بن أحمد أحد رجال الحلقة وقد عطل وسد بابه وصار ملكا. وكان في هذا الدرب أيضا خانقاه عبد الملك بن المقدم أنشأها سنة 544 من جملة أوقافها حصتان بقرية جسرين والمحمدية من أعمال دمشق وحصة بقرية كفتان والحواضر من أعمال حلب. مدفن الجلبي تجاه جادة الشيخ عبد الله المتقدم ذكره بينهما الطريق العام الذي عليه شبابيك هذا المدفن أنشأه (عمر أفندي ابن مصطفى أفندي ابن قاسم أفندي) وشرط له في وقفه المؤرخ كتابة سنة 1141 إماما ومؤذنا وخادما وغير ذلك من لوازمه. وهكذا شرط له عدة خيرات ولده (طه أفندي ابن عمر أفندي ابن مصطفى) في وقفه المؤرخ كتابه سنة 1206 وهذا المدفن فيه عدة قبور لجماعة من أهل البيت وفي جهته الجنوبية منه قبلية في شرقيها مزار رجل صالح يسمونه الشيخ صالح وهو الآن عامر تقام به الصلوات وتجرى فيه بعض شروط الواقفين المذكورين. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 58 الخانقاه الكاملية في زقاق المدفن المذكور محل يسكنه الفقراء ويعرف بالخانقاه وأظنه الخانقاه الكاملية الكائنة قرب دار بني الخشاب التي كانت في هذا الموضع كما يفهم من ابن الشحنة وغيره وهذه الخانقاه خربة ضيقة استولى الجيران على أطرافها. سبيل الست منور هو لصيق دار (عمر أفندي ابن مصطفى أفندي) المتقدم ذكره على الجادة الكبرى وتعرف هذه الدار بسراي الجلبي وسنتكلم عليها قريبا وهي متصلة بالمدفن المتقدم ذكره في جهته الشرقية والسبيل متصل بها من جهتها الشرقية أنشأته الست منور بنت (صالح بن نصر الله) وهي جدة (أحمد أفندي ابن مصطفى أفندي) واقف المدرسة الأحمدية المتقدم ذكرها وقد شرط في وقفه الثاني لهذا السبيل أن يدفع في كل شهر أربعة عثمانيات لقوته وهو الآن معطل. مسجد خان الطاف على الجادة الكبرى باتصال الخان المذكور من جهته الغربية وهو مسجد قديم له باب من ثلاثة أحجار سود مكتوب على نجفته (بسم الله الرحمن الرحيم أمر بعمارته مولانا الملك العادل سيف الدنيا والدين معين الإسلام والمسلمين أبو بكر (محمد بن أيوب) خليل أمير المؤمنين أدام الله أيامه بتولي الفقير إلى رحمة الله أحمد بن عبد الله القصري الشافعي في سنة 551) وهو رحبة صغيرة في جنوبها قبلية صغيرة أيضا وفي جانب بابه على يسرة الداخل حجرة تؤدب فيها الأطفال. مدفن أحمد باشا مطاف هو (أحمد باشا موتياب ابن محمود بك الجندي) ومدفنه ملاصق خان الطاف المنسوب إليه من جهته الشرقية وملاصق كنيسة رهبنة الفرنسيسكان من جهتها الغربية فهو بين الكنيسة والخان على الجادة الكبرى وقد وقف صاحبه عشرة آلاف دينار ذهب ليشتري الجزء: 2 ¦ الصفحة: 59 بها خان الطاف المذكور وداران قربه ودار في محلة جب أسد الله ودكان في سوق الحبال ودكانان في البادستان ودكان في بانقوسا وغير ذلك وشرط أن يعمر بعد وفاته قبة على مدفنه المذكور فيه ومكتب لتعليم الأطفال ودار، حديث فأما القبلة فقد عمرت وأما المكتب فلم يزل مكتوما أمره إلى حدود سنة 1300 وفيها عمر بإشارة الوالي مكتب في المدرسة الشرفية من غلة الوقف المذكور وعين له معلم وخصص له راتب معلوم وأما دار الحديث فلم يعلم أين محلها ويقال إنها كانت وراء مدفنه من جهته الشرقية ثم اندثرت ودخلت في عمارة الكنيسة وقد اعتاضوا عنها في هذا الوقت وهو سنة 1311 بمكان اشتروه في محلة سويقة حاتم قرب مزار نبي الله شمعون وعمروه دار حديث تنفيذا لوصية الواقف ولزوجته همايون خاتون، وقف معتبر شرطت فيه عدة خيرات وقفته سنة 992 وتاريخ كتاب وقف زوجها سنة 1004. البزازية محلها زقاق خان البيض وقفها بدر الدين (أخي) حسن بن زين الدين أوران ابن الحاج محمد التاجر بسوق حلب في 15 ربيع الأول سنة 790 وقد وقف نصف حمام عتاب وعدة فدادين من قرية عاندان وشرط الغلة لها ولأولاده معا وبانقراضهم فلها فقط وقف أحد أقاربه قاعة لصيقها وبستان القصب خارج باب الفرج شمالي معمل الزجاج وشرط الغلة على المنوال السابق بتاريخ 19 رمضان سنة 818 والزاوية الآن عامرة مشتملة على قبلية في غربيها تصلى فيها الأوقات الجهرية وأخرى في جنوبيها وفي الجهة الشرقية الشمالية من السماوي قبر يقال إن الدفين فيه هو الشيخ محمد البزاز والمشهور أن ثلثي حمام عتاب وقف عليها وليس لها الآن من الأوقاف غير ذلك. مسجد في سوق الغزل أمام سوق العفص لصيق قاسارية الجلبي وهو قبلية فقط فيها الأوقات السرية. مسجد بني الحلفا ويعرف في زماننا بجامع اليبرق وهو في زقاق يبرق المعروف بزقاق الشخاخ موجه غربا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 60 وله رحبة فسيحة وقبلية واسعة في جهته الشرقية وكان استولى عليه بعض الفرنج واستعمله مربطا لدوابه فتنبه له بعض المسلمين واستخلصه بمعونة (الفاضل الشيخ أحمد شنون) في يوم مشهود وهو الآن متوهن وقبليته يعلم فيها الأطفال وتصلى فيه الأوقات السرية والظاهر أنه كان مشتملا على بعض حجرات في جهته الجنوبية لما يرى من آثاره. مسجد زقاق الشيخ نعسان وهو صغير عامر تصلى فيه الأوقات الجهرية ومحله الزقاق المذكور الكائن في جنوبي الجادة الموصلة إلى باب أنطاكية تجاه الزقاق الذي يصعد منه إلى الجامع الكيزواني. مسجد الحرام محله في الصف الجنوبي من الجادة الكبرى النازلة من تجاه خان الطاف، وهو مسجد صغير ملاصق مدار محرم وكان استولى عليه بعض الناس واستعمله مصيفا للمدار المذكور ثم شعر به أهل المحلة فاستردوه وعمروه وأقاموا فيه الصلاة. مسجد تحت باب أنطاكية على يمين الداخل وهو قبلية فقط تقام فيه الصلاة وفوقه بقليل مسجد يقام فيه ذكر. ويقال إن الشيخ علي الرومي مدفون فيه وأظن أن المدفون فيه هو (محمد بدر الدين) المتوفى سنة 742 وهو باني المكانين. مسجد القمري محله في زقاق عربي كاتبي وهو صحن وقبلية. مكتوب على قبليته: جدد هذا المكان المبارك الفقير شمس الدين سنة 990 من الهجرة. وفيه حجرة لتعليم الأطفال المسجد العمري محله بوابة الصفصاف وهو كسابقه وقد دثر وعمر من وصية بعض أهل الخير. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 61 مسجد جادة البرقة محله الجادة المذكورة التي هي أول جادة تصعد للجلوم مما يلي باب أنطاكية على يمنة الداخل وكانت تعرف قديما بدرب البزارة وهو مسجد صغير مشتمل على صحن وقبلية. سميت هذه الجادة بجادة البرقة إضافة إلى حجرة البرقة وهي حجرة مرصوفة بالأرض في الصف الشرقي من هذه الجادة طولها ذراع وعرضها نصف ذراع وثخانتها كذلك تقريبا وفي أعلى الجدار المقابل لها كوة وراءها جدار آخر مرصوف في أعلاه صخرة مكتوبة بخط غير مقروء يزعمون أن من كان بظهره برقة أي تشنج وجلس على الحجرة الأولى ونظر في الكوة إلى الحجرة المكتوبة في الجدار الذي وراءها فإنه يشفى من تشنجه لوقته قلت: ولا يبعد ذلك لأن الجالس على الحجرة المذكورة لا يمكنه أن يرى الحجرة المكتوبة من الكوة حتى يقيم ظهره ويمططه ملصقا إياه في الجدار فيتخلخل ظهره بهذا العمل وينفك تشنجه. مسجد الزيتونة هو زقاق الصليبة صغير مشتمل على سماوي وقبلية تصلى فيه الأوقات الجهرية وفيه زيتونة. مسجد الزيتونة هو زقاق الزيتونة وهو غير الأول صغير مشتمل على سماوي وقبلية وتصلى فيه الجهرية وفيه زيتونة أيضا. جامع الكميني في أواخر سوق السقطية في الصف الموجه غربا وهو رحبة صغيرة وقبلية تصلى فيها الأوقات السرية والجمعة. ونفقة هذا الجامع من دالية فيه معرشة على سطحه تحمل مقدارا عظيما من الحصرم فيباع وتعطى من ثمنه وظيفة الإمام والخادم وباقي حوائجه. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 62 المدرسة اليشبكية برأس سوق النشابين المعروف الآن بسوق العبي. بناها الأمير (يشبك بن عبد الملك) في سنة 824 ووقف عليها السوق الذي بناه بقربها وغيره وهي الآن معطلة ومسجدها معمور تقام فيه السرية والجمعة. وكان في جانب هذه المدرسة مكتب من بناء يشبك المذكور لا أثر له. مسجد الشيخ معروف محله في أواسط سوق الضرب بالصف المتجه شمالا. وهو ليس بمسجد إنما هو مدرسة كانت تعرف باسم الشادبختية نسبة إلى منشئها الأمير جمال الدين شادبخت الخادم الهندي الأتابكي، كان نائبا عن نور الدين محمود بن زنكي بحلب. وعرفت أيضا بالعديمية نسبة إلى أحد مدرسيها من بني العديم. وأما الشيخ معروف المنسوبة إليه في عصرنا فهو رجل يقول الناس عنه إنه أحد الأبطال الفداوية ولم أر له ترجمة. وعلى وجه الإجمال فإن هذه المدرسة معطلة فيها بعض خلوات ولها قبلية في وسطها ضريح يعرف بضريح الشيخ معروف، وتقام فيها حلقة ذكر على الطريقة البدوية بعد صلاة عصر يوم الجمعة ولها أربعة حوانيت في جوارها في سوق الضرب. كان يوجد تجاه هذه المدرسة مكتب أنشأه ناصر الدين الطواشي وفي قربها خانقاه أنشأها نور الدين بن زنكي سنة 553. كنيسة الرهبنة الفرنسيسكانية وهي خاصة باللاتين هذه الكنيسة باتصال خان الطاف من شرقية وهي من أعظم الكنائس النصرانية في حلب سعة ومتانة وشكلا وفي داخلها المكتب الذي تكلمنا عليه في الفصل الذي أثبتناه في المعارف في مقدمة الكتاب وقد بني سنة 1276 هـ- 1859 م على اسم القديس أنطون الجزء: 2 ¦ الصفحة: 63 دي بارو صاحب التمثال القائم في وسط سماوي المكتب وكان الساعي به الراهب برنادو من أورليان. يتصل بهذه الكنيسة من جهتها الشمالية دير عظيم يفصل بينهما الجادة ويوصلها ببعضهما قنطرة معقودة على الجادة يعلوها غرفتان فوق بعضهما. كان ابتدئ بتأسيس هذه الكنيسة عن يد الرهبنة الفرنسيسكانية في حدود سنة 1270 هـ 1853 م ثم ظهر لهم من عارضهم في إتمامها فوقفوا عن العمل مدة ثم شرعوا به وانتهى بناؤها في حدود سنة 1290 هـ 1873 م وفي حدود سنة 1320 هـ 1902 م بنت هذه، الرهبنة ديرا فسيحا عظيما في شمالي حلب باتصال مقابر اليهود القديمة ثم في أثناء الحرب العامة وضع الأتراك يدهم على هذا الدير وجعلوه مكتبا للصنائع وبنوا فيه من اللبن خلوات فسيحة أعدت لجلوس الأطفال ومحلا للأعمال وبعد خروج الأتراك من حلب أعيد إلى الرهبنة فأعادته ديرا كما كان. المشهور بين الناس أن الكنيسة قد دخل في عمارتها حمّام قديم كان يعرف بحمام البنات ودار مضافة لأحمد موتياب باشا، أما الحمام فمن المحتمل أن يكون داخلا في عمارة الكنيسة. وأما دار الحديث فسنبحث عنها في الكلام على محلة سويقة علي. ومما له علاقة في هذه الكنيسة مكتب إناث حافل باتصال جامع العدلية من شماليه الغربي، فتح في حدود سنة 1279 هـ/ 1864 م. مجيء الرهبنة الفرنسيسكانية إلى حلب كان قدوم هذه الرهبنة إلى حلب سنة 989 هـ 1570 م وقد أقاموا في قاسارية الشيباني التي اتخذوها ديرا لهم. السبلان سبيل الأصفر وسبيل البهرامية وسبيل ملاصق دار الجلبي والسبيل الجديد لصيق المدرسة الأحمدية وسبيل جامع أبي يحيى في الجلوم الجواني وكلها سبق الكلام عليها في محلها وسبيل في الجادة الكبرى في جدار خان المركوبلي المعروف بالباكية من جهته الشمالية وهو قديم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 64 وجدده صاحب الخان المذكور. وقسطل في زقاق خان التوتن وحنفية في جدار جامع محرم لصيق المدار في الجادة الكبرى من جهتها الجنوبية وقسطل خان الكمرك في حضرته وسبيل في رأس سوق النشابين المعروف الآن بسوق العبي لصيق مدرسة (يشبك بن عبد الله) وهو من آثاره وقد جددته امرأة يقال لها رقية سنة 1240 كما يفهم من الكتابة المحررة في أعلاه. وسبيل في آخر هذا السوق عند المفارق الأربعة، مكتوب في صدره أبيات تركية بيت تاريخها، مهلقا عائشة خانم روحيجون تاريخيله بيلانللي مصطفى باشا إيلدي بوسبيله دلكشاي سنة 1236. خاناتها وقياصرها أعظم خاناتها بل خانات حلب وأعمرها خان الكمرك القديم المعروف بخان باشا الشهيد الصدر الأسبق إبراهيم خان زاده وهو من جملة أوقافه مدخله فيما بين سوق العفص وسوق الهواء. طوله من ظاهره مائة ذراع في عرض مثلها. وفي وسط رحبته جامع عظيم تقام فيه الأوقات السرية وفي جهاته الأربع حجرات واسعة ذات مخادع ومرافق على أسطحتها بيوت للأجانب الأوربيين وغيرهم يتصرفون بها بطريق الأجارتين، باب هذا الخان عظيم مرتفع كأنه حصن مشيد مبني بالحجر الأصفر والأسود صفا صفا. وخان الشيباني تجاه حمام عتاب جار في أوقاف بني الحسبي وخان الطاف لصيق الكنيسة الفرنسيسكانية جار في أوقاف موتياب أحمد باشا المتقدم ذكره وهو الذي قبله يتصرف الناس في بعض علوهما على طريق المرصد وخان المركوبلي المعروف بالبايكه لصيق البيمارستان النوري جار في أملاك بني المركوبلي، وخان بني صولا في الصف المتجه إلى الجنوب على الجادة الكبرى النازلة من تجاه الكنيسة وكان هذا الخان دارا لبني الجلبي ثم اشتراها منهم بنو صولا وعملوها خانا وذلك في حدود سنة 1310 وخان الشيخ إبراهيم في زقاق المخازن وهو بايكه وخان الجورة في سوق الهواء ويعرف الآن بسوق باب انطاكية وخان الجورة وراء سوق الدهيشة قرب خان خيري بك. حماماتها حمّام عتاب، كان ثلثاه جاريا في أوقاف المدرسة البزازية وعتاب المذكور كان شرابيا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 65 فباع لشخص شرابا وأمره أن يضع فيه ماء باردا ويشربه فلما فعل ذلك مات في الحال فرفع أمره إلى كافل حلب فأمر بإحضاره وإحضار البرنية «1» التي أخذ منها الشراب فارتاع لذلك وسقاه الوالي من الشراب الذي في البرنية فلم يعمل فيه شيئا، فعند ذلك سألهم عتاب: من أي موضع أخذتم الماء؟ فقالوا: من جب في دارنا. فحضر رجال الدولة إلى هذه الدار ونظروا إلى الجب فإذا فيه حية عظيمة. وحينئذ عمد عتاب إلى إبطال صنعته وعمر هذا الحمام وصار يأكل من ريعه. مدرها وهي الأرحيّ التي تدار بالدواب مدار «2» الصليبة في زقاق الدرويش إسماعيل جار في أوقاف الزاوية الهلالية. ومدار محرم على الجادة الكبرى لصيق جامع محرم جار في أوقاف الحاج محرم. ومدار الماركوبلي في الجادة الكبرى لصيق خانه من غربيها. ومدار السودان في زقاق السودان. ومدار أبي شالة في زقاق خان التوتن. ومدار في ساحة الحبالين في الجلوم الجواني. وهناك مدار آخر. أفرانها فرن جادة البرقة وفرن المعصرة في الجادة الكبرى قرب مدار المار كوبلي وفرن الأصفر قرب جامع الأصفر وفرن الصليبة. كرخاناتها «3» وهي المحلات التي تطبع فيها المناديل الحلبية وتعرف أيضا بالبصمه خانه وهي كرخانة واحدة في زقاق السودان في الجلوم البراني. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 66 بيوت القهوة قهوة باب أنطاكية أمام الشعيبية، وقهوة خان التوتن، وقهوة البهرامية، والقهوة الجديدة أمام السبيل الجديد وقهوة الكميني لصيق جامعه في السقطيّة، وقهوة زقاق يبرق وتعرف بقهوة زقاق الشخاخ. بقية الآثار القديمة التي كانت في هذه المحلة مما كان في هذه المحلة من الآثار القديمة التي درست معالمها وجهل محلها حمام كان يعرف بحمام الزجاجين علمت ذلك من عبارة كتاب وقف الشيباني المؤرخ في سنة 867 حيث قال في تحديد الخان والقاسرية (وجميع الخان الكائن تجاه حمام عتاب والقاسرية الملاصقة له الكائنة تجاه حمام الزجاجين) . المدرسة الزجاجية المدرسة الزجاجية من الآثار القديمة التي درست معالمها وجهل محلها وقد بحثت عن موضعها كثيرا فلم يظهر لي على وجه التحقيق ولعلها كانت في هذه المحلة قرب زاوية مسجد أبي الدرجين. فقد ذكر بعض المؤرخين أنها خربت في حادثة التتار ثم نقلت أكثر حجارتها إلى المسجد المذكور وبنى بعض اليهود في موضع من عرصتها دارا ثم عمر فيها عدة دور وجهل محلها ولم يبق لها أثر. هذه المدرسة أول مدرسة شافعية بنيت في حلب أنشأها بدر الدولة أبو الربيع بن عبد الجبار بن أرتق صاحب حلب وابتدأ بعمارتها سنة 516 ومنعه الحلبيون الشيعة عن إتمامها إلى أن استعان عليهم الشريف زهرة بن علي بن محمد بن إبراهيم الإسحاقي الحسيني فأتمها ودرس بها عدة أفاضل من علماء الشافعية وغيرهم. وكان مدفونا في هذه المدرسة آق سنقر أبو سعيد بن عبد الله الملقب قسيم الدولة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 67 المعروف بالحاجب جد البيت الأتابكي المتوفي سنة 487 وكان قبل ذلك مدفونا في قرنبيا «1» ثم نقله والده الى هذه المدرسة. الأسر الشهيرة في هذه المحلة من الأسر الشهيرة القديمة التي كانت في هذه المحلة أسرة بني الخشاب وهي مما لم يبق منهم أحد ينتسب إليها. ومن الأسر التي لم يزل يوجد منها رجال محترمون موصوفون بالنباهة والمزايا الحسنة، أسرة بني الكواكبي وقد ذكرنا في باب التراجم عدة رجال من نوابغهم. وممن كان مقيما في هذه المحلة من هذه الأسرة العالم الفاضل (أحمد بن مسعود) الكواكبي والد فقيد الوطن (عبد الرحمن بن أحمد) الكواكبي وأخيه السيد النبيه الكامل مسعود أفندي. ومن الأسر القديمة أيضا في هذه المحلة أسرة بني طه المعروفين ببني الجلبي. وقد ذكرنا في باب التراجم عدة من رجالهم. ومن المتأخرين منهم الذين يستحقون الذكر المرحوم عبد القادر أفندي بن طه بن عباس المتوفى سنة 1338 فهو الذي بنى العمارة على رأس جبل الجوشن قرب مشهد الشيخ محسن في شماليه، وأنشأ في هذا الجبل عدة مناهل وحفر البئر السبيل قرب نهر الفيض وبنى عليها قنطرة، وهذه الأسرة تنتسب إلى ولي الله الكليباتي المضافة إليه المقبرة الكائنة قرب محلة الكلاسة. ومن الأسر المشهورة في هذه المحلة كذلك أسرة بني السياف المعروفين ببيت الجزار، ومنهم المرحوم إبراهيم آغا الذي كان متسلما حلب في أيام الدولة العثمانية قبل دخول المرحوم إبراهيم باشا المصري إلى حلب. وأسرة بني الركبي وكانوا من سراة تجار حلب. ومن الأسر المسيحية الشهيرة في هذه المحلة أسرة بني صولا وهي طليانية الأصل وقد وجد فيها عدة نوابغ. وكانوا من أعيان التجار والمزارعين. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 68 الدور العظام في هذه المحلة أكثر الدور العظام في هذه المحلة من الدرجة الأولى جارية في أوقاف بني الجلبي ومنها ما هو جار في أملاكهم وأعظمه الدار المعروفة بسراي الجلبي المتقدم ذكرها وقد أدركناها وهي عامرة فسيحة ذات غرف ومقاصير وحديقة كل غرفة منها تضاهي دارا عظيمة ولها في جانبها حديقة فسيحة فيها حوض يجري إليه الماء من دولاب في قربه وكانت الحكومة استعارتها مدة سنتين ونقلت إليها جميع مجالسها وداوينها فلم تضق عنها واستوعبتها كلها. ثم في هذه الأيام استخرج منها أهلها خانا تجاريا وعدة دور وذهب منها ذلك الرونق العظيم. ومن الدور العظام في هذه المحلة من الدرجة الثانية دور بني الكواكبي ودور بني السياف ودور بني الركبي. انتهى الكلام على محلتي الجلوم الكبرى والصغرى. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 69 محلة العقبة (د) عدد بيوتها 110 الذكور/ الإناث/ المجموع/ الأقوام 196/187/183/المسلمون 9/16/25/الروم الكاثوليك 2/0/2/الأرمن الكاثوليك 8/11/19/الروم 133/116/249/الأرمن 2/0/2/الكلدان 5/6/11/السريان 6/7/13/الموارنة 53/67/120/اليهود 100/45/145/الأجانب 514/455/969/الجمع وهذه المحلة يقال لها عقبة بني المنذر، وسميت عقبة لنشوزها عن بقية أرض حلب ولا أدري وجه إضافتها لبني المنذر. ولعلهم أول من نزلها بعد الفتح. قال بعض مؤرخي حلب: إن الفضل بن صالح بن علي بن عبد الله بن العباس، سكن حلب واختار هذه المحلة فبنى دوره فيها. وهي من أشرف نواحي حلب وأفضلها. حدها جنوبا سوق الهواء الممتد من باب انطاكية إلى تجاه جامع البهرامية وشرقا زقاق الميخانات «1» وشمالا بوابة قيس وتمامه الجزء: 2 ¦ الصفحة: 70 زقاق الهواء قرب باب الجنان وغربا جادة الخانات الكائنة وراء السور الممتدة من باب انطاكية إلى باب الجنان. وهي محلة طيبة المناخ لارتفاعها وخلوها من الماء الجاري وآبارها مالحة سحيقة وفيها آبار يجمع ماؤها من المطر ويكثر فيها البعوض في فصل الصيف والخريف وهي أسرع محلات حلب تأثرا بالزلازل وقل أن يوجد فيها غرفة عالية يسلم بناؤها من الخلل وسبب ذلك ارتفاع المحلة وعمق أسس البناء فيها بحيث يستغرق إتقانها نفقة طائلة قل من يستطيعها. آثارها جامع التوتة داخل باب أنطاكية وهو أول مسجد اختطه المسلمون بحلب، ولما فتحوها ودخلوا إليها من الباب المذكور وقفوا في موضع هذا المسجد وحفوا حوله بالتراس ثم بنوه مسجدا. وكان يعرف بالعمري لحدوثه في زمن سيدنا عمر رضي الله عنه، ثم بالغضايري نسبة إلى عبد الحميد الغضائري نسبة إلى الغضائر وهي الأواني التي يؤكل فيها تعمل من خزف وغيره. وهذا الرجل أحد الأولياء من أصحاب السري السقطي وحج من حلب ماشيا أربعين حجة، ثم عرف بمسجد شعيب نسبة إلى شعيب بن أبي الحسين بن أحمد الأندلسي الفقيه الزاهد وكان نور الدين يعتقده فعمر له المسجد مدرسة حين وروده إلى حلب ووقف عليها وقفا ورتبه فيها مدرسا على المذهب الشافعي ولم يزل مدرسا فيها حتى توفي سنة 596 في طريق الحجاز. قلت: هذا المسجد الآن سماوي صغير مشتمل على حوض في غربيه ينفذ منه الماء إلى القسطل الذي على بابه أحدثه أهل المحلة وله منارة قصيرة فوق بابه وفيه قبلية صغيرة في شرقيها شبه حجرة فيها قبر لأحد الصالحين وبعض جدرانه باقية من آثار نور الدين رحمه الله والقدم ظاهر عليها، وهو عامر تقام فيه الصلوات والجمعة وأوقافه جزئية قائمة بضرورياته. وفي هذه المحلة أيضا مسجد في رأس زقاق الخواجه موجه شرقا تقام فيه الصلاة السرية ويوجد بعد بضع خطوات سبيل تجاه جنينة كان محلها حمام الخواجه ثم يكون جامع الخواجه وله منارة وتقام فيه الصلوات والجمعة مكتوب على حجر مرصوف بظاهر جدار قبليته الجزء: 2 ¦ الصفحة: 71 مما يلي الزقاق (إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله واليوم الآخر (الآية) بسم الله الرحمن الرحيم جدد هذا المسجد المبارك ... العبد الفقير إلى الله تعالى عز الدين بن عبد الله الشماع رحمه الله وذلك في شهر رمضان المعظم سنة ثلاث وأربعين وسبعمائة وتوفي سنة أربع وخمسين ... وسبعمائة) وعلى بابه (قد وقف لهذا الجامع خمس دكاكين واقعة في سوق الهواء المشهور بسوق خان التوتن) (في جنوبه) وفي جانب الباب على يمنة الداخل سبيل مستخرج من الجامع وعلى صفه بعد بضع عشرة خطوة مسجد يقال مسجد ديك العرش له رحبة وقبلية صغيرة يسكنه بعض الفقراء. وفي زقاق الأربعين مسجد يقال له مسجد الأربعين له باب على الزقاق المذكور وآخر من غربيه رحبة وقبلية متوهنة تصلى فيه الجهرية مكتوب. على باب القبلية: أنعم بطيب معبد موطد للمتقين ... أخلص في إنشائه فنعم أجر العاملين نالوا من الله بأن يذكر فيه في كل حين ... جدده آل التقى والبر والخير المبين وقد أتى تاريخه في بيت شعر مستبين ... كان لوجه الله تجديد مقام الأربعين سنة 1147 وفي شرقي الرحبة منه قبور. وفي قبليته مقام يعرف بمقام الأربعين. وفي شرقي الرحبة بئر يقال إن ماءها ينفع من عضة الكلب وفي جنوبه الشرقي مغار يقال إنه أصل مقام الأربعين وله من الأوقاف دار في الزقاق المذكور وقفها من عهد قريب بعض أهل الخير ونصف دكان ودكان من وقفه القديم في سوق خان التوتن ويوجد في زقاق جامع الكيزواني مسجد خراب يقال له مسجد بيت عباتي استولى عليه بعض الناس واستنقذه منه أهل الخير سنة 1304. جامع القيقان يوجد على حافة السور الموجه غربا مسجد يقال له جامع القيقان. وهو قديم ذكره صاحب كنوز الذهب، قيل إن هذا المسجد كان مرقبا يقيم فيه اقاق الذي تكلمنا عليه في الكلام على النصارى في جزء المقدمة ثم جعل مسجدا وكان يصلي فيه الفضل بن صالح وبنوه الذين اختاروا السكنى في هذه المحلة وهو الآن رحبة صغيرة وقبلية وفي وسط رحبته الجزء: 2 ¦ الصفحة: 72 بئر وفي ظاهر جداره الشمالي مما يلي الزقاق حجر منقوش بخط هروكليفي «1» يزعم الناس أن النظر فيه يزيل اليرقان. جامع الكيزواني هو في زقاقه. وهو جامع مرتفع عال له رحبة وقبلية فسيحتان. وله منارة مقطوعة من نصفها تقريبا. وكان له باب جميل يوجه جنوبا هدمه بعض الناس وأعاده على غير صورته الأولى والظاهر أن هذا الجامع قديم بدليل حجرة ظهرت في بئره مكتوب فيها أن نصف سوق الحرير في سرمين وقف عليه ونسبته إلى الكيزواني حادثة بسبب سكنى الشيخ (علي) الكيزواني فيه وهو الآن معمور تقام فيه الصلاة والجمعة. مكتوب على حجرة تحت منارته: طلب الغفران من ربّ رحيم ... يوسف في مصره عدل أمين ابن أحمد الحافظ في عصره ... قد حوى فضلا وعلما ودين صاحب الخيرات في أيامه ... جدد بيتا لقوم عابدين أنزل الرحمن في آياته ... ادخلوها بسلام آمنين في دولة سلطان الزمان ... سليمان له فتح مبين كتب تاريخها بالأبجدية ... الألف واللام والطاسين الزاوية الكمالية محلها الزقاق قرب جامع الكيزواني في شرقيه وهي سماوي متوسط السعة وقبلية بنسبته ولها منارة. ولشريف بن مصطفى السمان وقف تاريخ كتابه سنة 1187 شرط فيه عشرة قراء في هذه الزاوية يدفع لهم في الشهر ثمانية قروش من غلة وقفه. سبلانها سبيل زيدان قرب حمام بزدار: مكتوب على بابه (إن الأبرار يشربون (الآية) أنشأ هذا السبيل المبارك الحاج زيدان وسبيل العصافير في سوق باب أنطاكية وسبيلا تجاه زيدان) وهو بئر لها كوة على الجادة وكوة أخرى على دكان مدخلها من سوق الهواء موقوفة على الجزء: 2 ¦ الصفحة: 73 مسجد إزدمر المعروف في زماننا بمسجد الحاج صديق أفندي الجابري بمحلة الفرافرة حفر البئر المذكورة في هذا المكان المرأة الحاجة كلفدان حظية محمد أفندي الجابري ووقفت له نصف دكان في سوق الباطية ونصفا آخر في سويقة علي وهي التي وقفت الدكان الموجود فيها البئر السبيل على المسجد المتقدم ذكره: سبيل جامع التوبة وسبيل جامع زقاق الخواجه وتقدم الكلام عليهما. خاناتها وقاسارياتها خان التوتن القديم وخان التتن الجديد في سوق الهواء ومجدد الثاني أحد الأغنياء اليهود وقاسارية في زقاق الأربعين. حمّاماتها لا يوجد في هذه المحلة سوى حمام واحد وهو حمام بزدار بذيل العقبة من جهة القبلة وكان بها حمام يقال له حمام الخواجه في زقاقه قد انهدم وصار في محله جنينة لبعض الناس. مدرها مدار واحد في زقاق الأربعين وفرن في هذا الزقاق أيضا. وفيها أيضا كرخانة واحدة ونحو سبع عشرة مصبغة نيل لكن نحو نصفها تابع الجلوم الكبرى وفي زقاق الهواء من العقبة الكائن قرب باب الجنان مزار لأحد الصالحين يعرف بالشيخ إسماعيل أبي السباع ويقال إنه أخو الشيخ معروف المدفون في المدرسة الكائنة في سوق الضرب وابن الدفين بالحوشنيه. (الآثار المندرسة في هذه المحلة) كان في ذيل العقبة في الدرب المتوجه إلى جب أسد الله خانقاه تعرف بالتنبيه أنشأها الأمير جمال الدين أبو الثناء عبد القاهر بن عيسى المعروف بابن المتنبي كان يسكنها فوقفها عند وفاته في رابع عشر المحرم سنة 639 وكان في هذه الخانقاه قبر لعله قبره. قلت: لا أثر للخانقاه الآن. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 74 الأسر الشهيرة في هذه المحلة من الأسر الإسلامية الشهيرة في هذه المحلة أسرة بني مهروسة وعميدهم وجيه هذه المحلة. ومن الأسر المسيحية الشهيرة التي كانت في هذه المحلة، ثم انتقلت منها إلى غيرها من عهد قريب: أسرة بني سابا عائدة وكانوا من أعيان التجار المسيحيين. الدور العظام في هذه المحلة في هذه المحلة عدة دور عظيمة من الدرجة الثانية أكثرها مما بنته وأسسته أسرة بني سابا. وهي الآن جارية في ملك جماعة متعددين آلت إليهم بطريق الشراء من أفراد الأسرة المذكورة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 75 محلة قلعة الشريف (د) عدد بيوتها 132 الذكور/ الإناث/ المجموع/ الأقوام 490/467/957/المسلمون أسلفنا البيان عن هذه القلعة في الكلام على أسوار حلب فراجعه. وهي الآن محلة عامرة بالسكان جيدة الهواء جدا غير أن ماءها المعين سحيق الينابيع مر الطعم كما أشرنا إلى ذلك في الكلام على ماء حلب. حدها الآن قبلة وغربا وشرقا الخندق الذي فيه مغاير بعضها مستعمل مسلخا أي مذبحا للغنم وبعضها الآخر مستعمل لعمل الأوتار ومن غربي شماليها محلة داخل باب قنسرين وشرقيه سراي إسماعيل باشا التابعة محلة ساحة بزه. آثارها جامع العاشورية على حافة الخندق غربي المحلة وهو جامع عامر يدخل من بابه الخارجي إلى مدفن ومنه يرقى في درجات لتصل بالباب الداخلي وفوقه منارة قصيرة وله صحن متوسط في السعة في جنوبيه رواق داخله قبلية عامرة تقام فيها الجمعة. وفي غربي الصحن مصيف فسيح حسن المنظر تقام فيه الجهرية صيفا وفيه صهريج يجمع ماؤه من المطر وهذا المسجد قديم وفيه بعض جهات حديثة عهد عمرها المرحوم نيشنجي محمد باشا. مكتوب على بابه الداخلي قوله تعالى (في بيوت أذن الله أن ترفع الى آخره سنة 1244) وعدة عرصات في المحلة وقف ذلك محمد باشا المذكور. مسجد الشيخ سعيد الأسمر محله ساحة الأعرج وهو مسجد صغير فيه قبلية في غربي شماليها قبر يقولون أن فيه رجلا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 76 يقال له الشيخ سعيد الأسمر يعتقده أهل المحلة ويروون له عدة كرامات والمسجد تقام فيه الجهرية. مسجد العلمي محله زقاق القسطل وهو خراب داثر. مسجد الغندورة محله زقاق الغندورة تقام فيه الجهرية وله ثلاث دور وقف عليه وعلى سبيل الغندورة الآتي ذكره. مسجد الشيخ محمد التابتي محله الزقاق المنسوب إليه تصلي فيه الجهرية وله دار وبعض أحكار. قسطل عين البقرة محله الزقاق المنسوب إليه وهو قسطل حافل عامر ينزل إليه ببضع وثلاثين دركة وقد سعى أهل الخير بتوسيع حوضه فصار أكثر من عشر بعشر وذلك سنة 1311 وله من الأوقاف أربع دور في المحلة المذكورة وأحكار عديدة في جبل السن الكائن في المحلة أيضا ويوجد على الرأس الجنوبي من درج هذا القسطل صهريج يساق إليه الماء من قناة القسطل واسع عميق يبرد فيه الماء جدا حفر وعمر من مال المرحوم (محمد راجي بن محمد علي بيازيد) سنة 1281. سبيل الغندورة ملاصق جامع الغندورة من غربيه والوقف المذكور مشترك بينهما. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 77 محلة داخل باب قنسرين (د) عدد بيوتها 193 الذكور/ الإناث/ المجموع/ الأقوام 611/695/1306/المسلمون قبلة حارة قلعة الشريف وخندق باب قنسرين وغربا الجلوم الكبرى والصغرى وشمالا ساحة بزي وهذا الحد يمتد من المفارق الأربعة الكائنة تجاه قهوة المحمص الملاصقة جامع العدلية مارا من وراء كنيسة الرهبنة الفرنسيسكانية حتى ينتهي إلى أواسط زقاق أبي الدرجين وشرقا ساحة بزّي. آثارها جامع الديري في درب ساحة بزّي على يسرة السائر إليها من هذه المحلة تقام فيه الجهرية وله بستان في خط السعدي وداران في محلة ساحة بزي وله بابان أحدهما في قبليه على الدرب المذكور والثاني في غربي صحنه على بوابة الديري والظاهر عليه القدم. مسجد الشيخ شريف في زقاق الشيخ جوده قديم سعى بتجديده شيخنا الحافظ الصالح (شريف بن إبراهيم الأعرج) تقام فيه الجهرية وفيه حجرة صغيرة. جامع الكختلي تجاه الحمام المالح تقام فيه الجهرية وله قبلية وفي شمالي صحنه ضريح الشيخ أحمد الكختلي ويقال فيه إنه الولي المشهور (عبد الرزاق بن عبد المسلم) المعروف عندنا بالشيخ نمير. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 78 جامع الكريمية محله تجاه حمام الجوهري قرب سوق باب قنسرين وكان يعرف بمسجد المحصب، يقال إنه بني في أيام أحد العمرين وجدد عن يد عبد الرحمن بن عبد الرحيم من بني العجمي واسمه مكتوب عليه ومنارته بناها ابن سوادة وجدده أيضا ووسعه وزاد فيه زيادة كثيرة الشيخ (عبد الكريم الصوفي بن عبد العزيز الخافي) ثم توهن وأشرف على الخراب إلى أن جدد جدار قبليته مما يلي الصحن سنة 1302 من غلة وقفه بسعي أهل المحلة وجصص داخلها، ورمم كثير من جهاته وهو فسيح القبلية والصحن وفيه حوض فوق عشر بعشر وفي شرقيه رواق وغربيه حجرة واسعة تعلم فيها الأطفال وفي شرقي شمالي القبلية مزار الشيخ عبد الكريم الذي جدده وفي الجدار الجنوبي من القبلية في شرقي المحراب رخامة صفراء مرصوفة في الجدار بارزة السطح في وسطها حجر فيه صورة قدم غائض يقولون إنه أثر قدم النبي عليه الصلاة والسلام فيزار ويتبرك الناس به وينقلون عنه الكرامات وإن الذي أظهر هذا القدم هو الشيخ عبد الكريم المذكور وذلك أنه رأى في منامه قائلا يقول له: في اليوم الفلاني تسمع على باب الجامع شقشقة بعير فاخرج إليه وفتش حمولته تجد فيها أثر قدم النبي صلى الله عليه وسلم فلما كان اليوم المذكور سمع بعيرا يهدر على باب الجامع فخرج إليه هو وتلامذته فرأوه باركا تجاه باب الجامع ورجل من الأعجام خلفه يثيره وهو لا ينهض وحينئذ تحقق الشيخ صدق رؤياه وهجم مع تلامذته على الحمولة ففتشوها ووجدوا فيها هذا القدم فأخذوه وقرروه عن شأنه فأخبرهم بأنه سرقه من أحد بيوت مكة المكرمة بقصد أن يضعه في أحد جوامع بلدته لتحرز شرفا جديدا هذا ما أشتهر عندنا في قصة هذا القدم والله أعلم. هذا الجامع له في جهته الغربية بابان أحدهما من شماليها وهو الباب القديم والآخر في جنوبيها وهو حديث وأظن أن الذي فتحه الشيخ عبد الكريم. مكتوب على شباك الحجرة المدفون فيها الشيخ المذكور (أنشأ هذا المكان بعون الله وحسن توفيقه العبد الفقير إلى الله تعالى الراجي عفو ربه مؤملا فضله العميم السالك على المسلك القويم أبو الخير الشيخ عبد الكريم بن عبد العزيز بن عبد الله الحنفي مذهبا الخوافي معتقدا أمتعنا الله ببركته ونفعنا والمسلمين بصالح أدعيته في الدار في سنة 855) وعلى الباب الشمالي الموجه غربا (بسم الله الرحمن الرحيم جددت هذه البنية المباركة في دولة مولانا السلطان الأعظم والملك المعظم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 79 مالك رقاب الأمم سيد ملوك العرب والعجم العالم العادل المجاهد المرابط المظفر المنصور الملك الناصر صلاح الدنيا والدين حافظ بلاد الله ناصر عباد الله معين خليفة الله يوسف بن المظفر محمد خليل أمير المؤمنين خلد الله ملكه وأعز أنصاره بمحمد وآله بتولي مملوكه العبد الفقير إلى رحمة الله عبد الرحيم (بن عبد الرحيم) بن العجمي الشافعي في شهور سنة 654 من الهجرة النبوية) وعلى باب القبلية شعر: بعد الدثور له أتيح تجدّد ... وغدت نضارة حسنه تتوقد بخلافة المنصور سلطان الورى ... عبد الحميد له الثنا والسؤدد وبسعي والينا جميل من له ... فينا جميل صنائع لا تنفد ونظارة الندب الهمام العادلي ... مولي المكارم والمفاخر أحمد مذ صح بعد الوهن أرخ مدحه ... بمحرّم قد جدّ هذا المسجد سنة 1302 ومعنى هذه الأبيات تتضمنه السطور التركية المحررة على باب الجامع الحديث. خلاصة وقف جامع الكريمية الذي وقفه الشيخ عبد الكريم بن زين الدين بن عبد العزيز ابن جمال الدين بن عبد الله الخوافي الحنفي وقف ثلاث دكاكين داخل باب قنسرين بحضرة باب الأسدية واثني عشر فدانا وثلثي الفدان من أربعين من قرية تعوم في قضاء سرمين ونصف خان الجشارية في ظاهر باب انطاكية ونصف اصطبلات متصلات ببعضهما في محلة باب قنسرين بالصف الشرقي الجارية بقيتها بوقف جامع الخليل ظاهر حلب وأربع دكاكين داخل باب انطاكية ودارين بمحلة باب قنسرين ودارا تجاه جامعه ودارا بالبندرة وإحدى وثلاثين حبة من رام وخمس عدسات وثلاثين حبة من أرض معرة مصرين. شروطه شرط وقفه على نفسه ثم على مصالح مسجده وأن يصرف في كل شهر من الدراهم الفضية الخالصة الجديدة معاملة حلب: ثلاثون للخطيب ومائة وخمسون لمدرس البخاري في رجب وشعبان ورمضان وتسعون للإمام ومائة وعشرون لأربعة حفظة يقرأ كل واحد منهم جزءا في كل يوم ويجاورون في جامعه ومائتان وخمسون لأربعة مؤذنين لكل اثنين الجزء: 2 ¦ الصفحة: 80 منهم نوبة وثلاثون لمؤذنين يوم الجمعة ومائة وثلاثون لفراش الجامع وخدامه وقيمة خمسة أرطال زيت في كل شهر للجامع وعشرة لقنوي الجامع وأربعون للجابي وتسعون للناظر وشرط التولية بعده على أرشد أولاده وأعقابهم وبانقراضهم فعلى أرشد واحد من المنتسبين إليه بالتربية والتسليك ثم على نائب القلعة إلى آخره في غرة رمضان سنة 862. ويوجد على باب هذا الجامع مكتب لتعليم الأطفال تجاه المالح من إنشاء شهاب الدين أبي العباس أحمد بن حمزة الزهراوي صاحب الوقف المسجل سنة 715. مسجد الطرسوسي محله في الصف الغربي على يسرة الداخل من باب قنسرين قبالة الكريمية بميلة إلى الجنوب وهو مسجد قديم يسكن فيه بعض الفقراء جدده أحمد بن التاجر سنة 708 وهو فسيح في قبليته قبر يزعمون أن المدفون فيه زين العابدين وفي شرقي صحنه حجرة فيها سبيل ماء لها نافذة على الطريق العام وقد انهدمت وعمرها أهل الخير. ومن أوقافه دار قرب جامع الكختلي وبضع دكاكين في سوق هذه المحلة والمشهور بين أهل المحلة أنه كان كثير الأوقاف. المدرسة الأسدية محلها قرب جامع الطرسوسي المتقدم ذكره وهي مدرسة قديمة بناها أسد الدين شير كوه (بن شادي) بن مروان في حدود الستمائة وقد درس فيها الأفاضل وخرج منها جمع غفير من العلماء، وكان لها وقف بدمشق ووقف بحلب، وهو حصة بقرية سارد وحوانيت خارج بانقوسا استبدلها أحد الأغنياء بحانوت في سويقة حاتم ولها غير ذلك ولم يبق منها الآن سوى القليل ويوجد في دهليزها على يمنة الداخل مطهرة عمرت جديدا بسعي مدرسها الفرضي الشهير الشيخ عبد الله بن الأستاذ الشيخ معطي وفي الجهة الغربية من الصحن قبلية واسعة وفي الشمالية والشرقية حجر للمجاورين عددها ست وفي وسط الصحن حوض كبير مربع فوق عشر بعشر عمر سنة 1311. جامع صفي الدين قديم في الزقاق الكائن تجاه المدرسة الأسدية المذكورة بميلة إلى الجنوبي غربي جامع الجزء: 2 ¦ الصفحة: 81 منكلي بغا بينهما الطريق، فيه قبلية تعلم فيها الأطفال ولها شباك مطل على بوابة الديري، وهو معطل لا وقف له وكان يعرف قديما بالتربة الصفوية. جامع الشيخ حمود حافل تقام فيه الجهرية. ومحله الجادة الكبرى والمعروفة قديما بدرب البنات قرب البيمارستان الكاملي من قبليه وله شيء من الأوقاف. وكان يعرف بمسجد منتخب الدين أحمد بن الإسكافي. على بابه دائرة بها كتابة كوفيه هي: عمر هذا المسجد منتخب الدين أحمد بن الإسكافي سنة 541) . البيمارستان الكاملي ويقال له البيمارستان الجديد بناه (أرغون الكاملي) سنة 755 ووقف عليه وقفا حافلا من جملته قرية بنّش العظمى «1» من ناحية سرمين وطاحونا ومزرعة في العمق. واجتهد في أمره ومهد بماله وإيوانه وأعد له الآلات والخدم ورتب لحفظ الصحة فيه أطباء وأباحه لكل وارد وصادر وأرواه بالمياه وشرط فيه قراء يقرءون طرفي النهار وخبزا يتصدق به. ورتب له جميع ما يحتاج إليه من الأشربة والكحل والمراهم والدجاج وغير ذلك وكان في محله دار لأمير فتوصل إليها بطريق شرعي ولم يغير بوابتها عن حالها إنما كتب عليها وهي عامرة. وهو بالحقيقة بيمارستان عظيم لا نظير له في ديارنا وغيرها من جهة سعته وإتقان عمارته وزخرفته. أحد بابيه تجاه خان القاضي وهو الآن متوهن البناء «2» وأوقافه ما بين مضبوط وضائع وقد أدركناه كحبس للمجانين يعين لأحدهم من الجراية المعينة للمسجونين في سجن الحكومة رغيفان صباحا ومثلها مساء وله خادم يقوم بحراسة المجانين له راتب جزئي من جهة الأوقاف قد سكن فيه هو وأهله والعمارة الداخلية فيه وهي محل المجانين باب صغير إلى بوابة في جنوبيه وهو الآن مغلق وكأن المجانين كانوا يدخلون إليه من هذا الباب ثم في سنة 1338 نقل أحد المجانين منه إلى مستشفى الغرباء وأغلق بابه ولم يبق فيه سوى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 82 بعض الفقراء لحراسته. مكتوب على بابه الكبير (بسم الله الرحمن الرحيم أمر بإنشاء هذا البيمارستان الملك الناصر مولانا السلطان الملك الصالح بن السلطان الملك الناصر محمد ابن قلاون خلد الله ملكه الفقير إلى ربه أرغون الكاملي نائب السلطنة العظيمة بحلب المحروسة غفر الله له وأثابه الجنة في شهور سنة 755) ، وعليه: «لما كان بتاريخ ربيع سنة 825 اطلع مولانا المقر الأشرفي السيفي الملكي الصالحي مولانا الملك الآمر عز نصره وهو الناظر الشرعي على البيمارستان السيفي أرغون الكاملي بحلب المحروسة على ما شرطه الواقف أثابه الله في كتاب وقفه فمنع ما هو بغير شرط الواقف وملعون من يحدث فيه بغير ما شرط الواقف أثابه الله تعالى وغفر له ولمن كان السبب فيه وللناظر فيه بإحسان، وبجانبه: «بحسب المراسم الشريفة العالية السلطانية الملكية الناصرية خلد الله ملكه وأدام اقتداره وملعون بن ملعون من يتعرض إلى وقفه أو يجدد عليه مظلمة ويكون خصمه رسول الله بتاريخ جمادى الأولى سنة 810 هـ» . مسجد ميرو على الجادة الآخذة إلى البيمارستان المذكور للمقبل عليه من جهة سوق النحاسين على صفه وكانت هذه الجادة تعرف بدرب بني سوادة. وهو مسجد منتظم تجاه قبليته رواق قائم على سود وصفر عظيمة وبابه ثلاثة أحجار عظيمة سود وهو مسجد قديم جدد سنة 1238. مسجد داخل بوابة خان القاضي تجاه الخان المذكور في الصف الموجه جنوبا من هذه البوابة والمسجد قديم متوهن تقام فيه الجهرية وأظنه من بناء بني شنقس. وكانت هذه البوابة تعرف قديما ببوابة بيت دريهم ونصف. سبلانها وقساطلها قسطل بحضرة باب جامع الكريمية موجه جنوبا ملاصق اقميم حمام الجوهري: قسطل يعرف ببيت ميرو لصيق قاساريتهم من شماليها موجه جنوبا: سبيل يعرف بكور وزير شرقي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 83 جامع الأصفر المتقدم ذكره في الكلام على محلة الجلوم وهو جرن من الرخام الأصفر: قسطل باتصال خان الصابون شرقيه في جانبه دكان وقف عليه. بقية مبانيها العظيمة خان القاضي: تجاه باب البيمارستان معد لنزل المكارية وهو من إنشاء قاضي حلب كمال الدين المعري المدفون عند الفردوس أنشأه مدرسة فجاءته رسالة من انسان يطلب فيها منه أن يقرر شخصا في إمامتها فقال إنما أسسته خانا ورجع عن نيته وكان إنشاؤه سنة 854 وكان في شمالي البيمارستان الكاملي خانقاه مكتوب على بابها (هذا ما وقفته ست العراق ابنة نجم الدين أيوب بن شادي عن ولدها سيف الدين في سنة 574) . قارسارية بيت ميرو: باتصال الخان من شماليه معدة لبيع الغلات التجارية. (خان الصابون قرب الحمام المالح تباع فيه الغلات) . (الحمام المالح) : تجاه جامع الكختلي. وحمام الجوهري نسبة إلى (أقبغا الجوهري) لأنه هو الذي بناه. مكتوب على نجفة بابها بعد البسملة (أنشأ هذا السبيل المبارك بباب الحمام الأشرفي العلائي أقبغا الجوهري الذي ماؤه من فائض الحمام الواصل من قناة حيلان ... ) فالظاهر أن المراد بهذا السبيل هو السبيل المتصل باقميم هذا الحمام المتقدم ذكره في هذه المحلة (مصبغتان إحداهما وراء خان القاضي والأخرى في زقاق حمام المالح وفرنان أحدهما جار في وقف المدرسة الأسدية ومداران أحدهما فيه عرصة واسعة عليها حكر معلوم للقسطل الملاصق خان الصابون المذكور آنفا. ويلحق بهذه المحلة مقبرة كليب العابد الذي ينتسب إليه بنو طه المعروفون ببني الجلبي وتعرف المقبرة بمقبرة الكليماتي أو الكليباتي وهي مقبرة شهيرة فسيحة المساحة. الأسر في هذه المحلة أسرة بني فنصة التي ترجم المرادي أحد رجالها وسمى أسرته قنصة بالقاف المثناة. والغالب على رجال هذه الأسرة الامتهان بالتجارة وفيهم ذوات محترمون. ومن الأسر القديمة التي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 84 كانت في هذه المحلة أسرة بني ميرو وكان فيهم القضاة والعلماء والمؤرخون وقد تتابعت وفياتهم فلم يبق منهم باقية وأقدم أسرة في هذه المحلة كانت بيت دريهم ونصف وكانوا في زمانهم من أشهر الأسر الحلبية علما وثروة ووجاهة فعمهم الفناء عن آخرهم. وكان في هذه المحلة عدة دور عظام تبدلت معالمها ولم يبق منها ما يستحق الذكر. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 85 محلة ساحة بزه (د) عدد بيوتها 328 الذكور/ الإناث/ المجموع/ الأقوام 969/984/1953/المسلمون 26/0/26/الأرمن 17/24/41/اليهود 125/50/175/الأجانب 1137/1058/2195/الجمع هذه محلة واسعة تعتبرها الحكومة محلة واحدة، والرعية تعتبرها محلتين الثانية منهما السفاحية. ونحن جرينا على اعتبار الحكومة فوحدناهما، يبتدئ خط حدّهما قبلة من حمام ساحة بزه الكائن في جنوبي ساحة بزه ماشيا إلى الغرب حتى يصل إلى قسطل الكبيسي إلى رأس بوابة قلعة الشريف مما يلي الجادة النازلة إلى باب قنسرين ومنه أي من الرأس المذكور يأخذ شمالا مارا من غربي جامع منكلي بغا المعروف بجامع الرومي وشرقي مسجد المحصب المعروف بالكريمية حتى ينفذ من المفارق الأربعة الكائنة عند جنينة جامع العدلية منعطفا من شمالي السوق الجديد المعروف بسوق الجوخ ماشيا شرقا حتى يطلع من وراء قاسارية الفرايين أي من شرقيها نافذا من قرب مستشفى الغرباء في سراي منقار «1» حتى يصل إلى السلطانية ومنها إلى الغوثية ومنها ينعطف جنوبا إلى الغرب إلى حمام الجرن الأسود المعروف بحمام الذهب ومنها يأخذ جنوبا إلى الغرب حتى يصل إلى حمّام ساحة بزة الذي هو أول الجزء: 2 ¦ الصفحة: 86 هذا الخط فالمحلات المحيطة به على الترتيب محلة قلعة الشريف وداخل باب قنسرين والجلوم الكبرى والفرافرة. وحارة التونبغا المعروف بالمزوق وحارة الأعجام داخل باب النيرب والمغازلة. وكان في هذه المحلة درب يقال له الأسفريس «1» فيه مسجد نزله ولي الله العارف إبراهيم بن أدهم الذي ترجمه في فوات الوفيات وغيرها. آثارها جامع البق في زقاق الشيخ حسن، على كتف الخندق في شماليه ملاصق من شرقيه اقميم حمام ساحة بزة. وهو مسجد عامر تقام فيه الصلوات والجمعة وله منارة وفي شمالي صحنه إلى الغرب حوض مربع مساحته فوق عشر بعشر، بني الجامع محمد بن محمود سنة 1047 كما يفهم من أبيات مكتوبة على حجرة فوق قنطرة باب قبليته مطلعها جزى الله خيرا من بنى مسجد التقى وعامله في كل أمر بلطفه. وأوقافه داران أحدهما في هذه المحلة والأخرى في محلة تراب الغرباء كلمة البق يطلقها الحلبيون على البعوض وذكر قدماء مؤرخي حلب في عداد خواصها وعجائبها أن البق ما كان يوجد في حلب إلى أن اتفق عمارة بعض أسوارها ففتح فيه طاقة أفضت إلى مغارة كانت مسدودة فخرج منها بق عظيم عند فتحها وكانت في باب قلعة الشريف فحدث البق وقد كان الإنسان إذا أخرج يده عن السور سقط عليها البق فإذا أعادها إلى داخله ارتفع. اه. قلت لعل باب قلعة الشريف المذكورة كانت في موضع هذا المسجد فسمي جامع البق. جامع الشيخ زين الدين محمد بن الحاج حسن العجمي في الجادة الواسعة النازلة إلى محلة داخل باب قنسرين وهو سماوي مستطيل شرقا وغربا في شرقيه فيها قبران وبجانبها الجنوبي دكة فيها قبر يقال إنه قبر عز الدين العجي وفيه قبلية متوهنة يصلى فيها الجهرية وتعلم بها الأطفال وله وقف يبلغ دخله سنويا بضع آلاف قرش قد تغلب عليه بعض الناس وتاريخ وقفيته سنة 972. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 87 جامع منكلي بغا المعروف بجامع الرومي وهو جامع حافل واسع له منارة عالية تصلى فيه الجهرية والجمعة ولا يعرف الآن له وقف مع ضخامته وحسنه وقد بناه (منكلي بغا الشمسي) سنة 778 وهو غاية بالبهاء والاتقان ومحرابه من الرخام الملون والفسيفساء معتدل على القبلة ومنبره نهاية في الحسن من الرخام الأبيض وكذا سدته. وهو شرقي التربة الصفوية المعروفة الآن بمسجد الشيخ صفي الدين وكانت محلته قبل بنائه مكانا يباع فيه الخمر يقال لها محلة الأرمن فقيض لها هذا الرجل وبناه جامعا وصرف عليه من حلال ماله وكان (الحاج أحمد الصابوني ابن الحاج عبد الله) أنفق عليه مبلغا وافرا وعزم على تجديد ما توهن منه فأعجلته المنية قبل إدراك الأمنية وبقى هذا المسجد العظيم متوهن البنيان في عدة جهات منه. مكتوب على بابه (بسم الله الرحمن الرحيم أنشأ هذا الجامع المعمور المبارك الفقير إلى الله تعالى المقر الأشرفي العالي المولوي المالك المخدومي السيفي أبو عبد الرحيم منكلي بغا الأشرفي كافل المملكة الحلبية حين كسر الأفرنج على إياس في غرة شهر صفر الخير سنة 767 وهو يومئذ أتابك الجيوش المنصورة بالديار المصرية أدام الله مالكها مولانا السلطان الملك الأشرف أعز الله أنصاره) قلت ذكرت خبر كسرة الافرنج في حوادث السنة المذكورة فراجعه. المسجد العمري قرب الحدادية تجاهها بميلة إلى الجنوب بينهما عرض الطريق وأظن أن هذا المسجد هو الذي ذكرنا أنه نزله إبراهيم بن أدهم وأنه هو الذي كان يعرف بمشهد علي. المدرسة الحدادية محلها في السفاحية وراء قاسارية راغب آغا كجك زاده، على يمنة السالك في الجادة إلى سراي إسماعيل باشا ولم أظفر بالاطلاع على محل هذه المدرسة إلا بعد الفحص الطويل وهي التي حول أصلها ابن الخشاب إلى مسجد ثم هدمها حسام الدين محمد بن عمر بن لاجين ابن أخت صلاح الدين وصيرها مدرسة وبناها بناء وثيقا وهي الآن عرصة ضيقة لها باب مسدود بالحجارة المبنية وقد استولى جيرانها على قبليتها وسائر مرافقها وعاد اسمها الجزء: 2 ¦ الصفحة: 88 مجهولا ومحلها مبهما. وكان على باب هذه المدرسة حوض فوقه مسجد جدده أقجا وكان في هذا الزقاق المعروف قديما بدرب الحدادين مسجد آخر جددته زوجة الحمزاوي كافل حلب ثم جدده بعض التجار وهو المعروف بمشهد علي المتقدم ذكره. المدرسة السفاحية قال ابن الخطيب: أنشأها (أحمد بن صالح بن أحمد السفاح) ورتب فيها مدرسا وخطيبا على مذهب الإمام الشافعي. وقال ابن الشحنة: بناها القاضي شهاب الدين سبط بني السفاح ووقفها على الشافعية وشرط أن لا يكون لحنفي فيها حظ إلا في الصلاة. أقول: الأصح ما ذكره ابن الخطيب فقد رأيت كتاب وقفها باسم الأول. وهكذا يفهم من الكتابة التي على بابها وهي (أنشأ هذا المكان المبارك ووقفه جامعا ومدرسة وشرط أن يكون إمامها وخطيبها شافعي المذهب الفقير إلى رحمة الله أحمد ابن السفاح الشافعي في شهور سنة 828) ووقف هذه المدرسة حافل جدا مشتمل على طواحين وقاساريات وحمامات وأراض ومصابن وغير ذلك موقوفة على هذه المدرسة وجامعها وذرية الواقف المذكور وذكرنا في ترجمة (أبي بكر بن عمر بن أحمد بن عمر بن أحمد بن صالح) أن عمر ابن الواقف هو الذي وقف مدرسة أبيه بحلب والجملة فإن هذه المدرسة معطلة ومسجدها معمور تقام فيه الصلاة والجمعة وهو رحبة متوسط في السعة في شماليها حوض ولها قبلية عامرة ولها فوق باب الرحبة منارة جميلة الصنعة غير إنها متشعثة مائلة للخراب لا يصعد إليها أحد وفي جانب القبلية من شرقيها مدفن فيه قبور من جماعة من بني السفاح ورأيت في مسودة تاريخ ابن الملا أنه كان يوجد قبلي السفاحية مدرسة أقجا مملوك يشبك اليوسفي قال وتعرف الآن بالأدهمية. قلت الموجود الآن قبلي السفاحية دار يسكنها الناس. جامع العادلية قريب من المدرسة السفاحية لصيق أقميم حمام ميخان من شرقيه الشمالي بناه (محمد باشا ابن أحمد باشا ابن دوقه كين) في حدود سنة 963 واشتهر هذا الجامع بالعادلية لأنه كان في جوار دار العدل التي هي دار الحكومة في ذلك الزمن وهي سراي منقار وهذا الجامع من مشاهير جوامع حلب فخامة وإتقانا وبهاء وأوقافه على كثرتها لا نظير لها من جهة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 89 قربها من بعضها وشرف بقاعها وهو مبني على نسق جوامع الروم رحبة متسعة في وسطها حوض مدور مسقوف برفرف ومحاط بشباك من الحديد والماء يؤخذ منه بواسطة (مباذل) في أسفله وفي الجهة الجنوبية من هذه الرحبة رواقان ممتدان من الشرق إلى الغرب على عرض القبلية الداخلي منها مسقوف بقباب محمولة على قناطر معقودة على عمد غليظة من الرخام الأصفر وهكذا الخارجي منها سوى أنه مسقوف بالأخشاب ويقطع هذين الرواقين من وسطيهما مسلك يؤدي إلى باب القبلية وهي واسعة جميلة تشبه قبلية البهرامية وصنعة بابها جميلة ولها شبابيك من جهاتها الثلاث الشرقية والجنوبية والغربية مطلة على جنينة محيطة بها في شرقيها قبور جماعة من ذرية الواقف وقد تجدد في الجهة الغربية من الرحبة حوض مربع فوق عشر بعشر. وللجامع بابان غربي تجاه خان البرغل وفي دهليزه الأسفل ميضأة للجامع، ثم في سنة 1322 سد باب الميضأة من الدهليز وفتح عوضه لها باب من رحبة الجامع قرب حوضه المكشوف، ثم يصعد من الدهليز المذكور بدرج إلى الجامع والباب الشرقي منه مساو لسطح الأرض تجاه عرصة المدرسة الأتابكية وقد رأيت كتاب وقف هذا الجامع موقعا بتوقيع أبي السعود أفندي مفتتحة بقوله تعالى بعد البسملة (ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب) وكأنه افتتح كتاب وقفه بهذه الآية تحدثا بنعمة الإسلام وقف في هذا الكتاب خانا قريبا من المدرسة السفاحية (هو خان الفرايين) شمالي دار السعادة (سراي منقار) وغربي سوق العطارين (سوق العبي) وقف اليشبكية وشرقي سوق الواقف (سوق الفرايين) . وهذا السوق مشتمل على صفين شرقي وغربي وعدد دكاكينه خمسة وسبعون دكانا يحده قبلة الطريق وشرقا الخان المذكور وعمارة القاسارية وشمالا سوق الأبارين (سوق العطارين) وغربا حمام الدلبه (محلها سوق الحمام) وتلة عائشة وقاسارية شمالي الخان المتقدم ذكره (هي قاسارية الفرايين) قبلة دار السعادة شمالا سوق العطارين وغربا سوق الواقف وإليه الباب وخانا ثانيا تجاه حمام الست (حمام النحاسين) بالقرب من الجامع الكبير قبلة بيت الكنادي وشرقا السوق الجديد الذي أنشأه الواقف وإليه الباب وشمالا سوق النحاسين وغربا الطريق ومسجد بيت بني الحلفاء (وكان هذا السوق يعرف قديما بسوق الخراطين) وسوقا لصيق هذا الخان مشتملا على ستة عشرة دكانا سوى الدكاكين الأربع في مدخل الخان قبلة الطريق وشرقا حمام الست وشمالا السوق الجزء: 2 ¦ الصفحة: 90 العتيق وغربا الخان المذكور وخانا ثالثا (هو خان العلبية) قبلة الطريق وشرقا سوق جار في الوقف وشمالا سوق جار في الوقف وغربا حمام الست والطريق وسوقين أحدهما (سوق الجوخ) صفين قبلي وشمالي وعدد دكاكينه اثنتان وأربعون دكانا قبلة تلة عائشة وحمام الست وشرقا حمام الدلبة وشمالا قاسارية الواقف والسوق العتيق وغربا سوق الواقف وثانيهما (هو عطفة سوق الجوخ بحضرة خان العلبية) صفين أيضا شرقي وغربي وعدد دكاكينه عشرون قبلة خان الوقف وشرقا دكاكين يدخل إليها من سوق الأبارين (هو سوق القبان) وشمالا سوق الأبارين وغربا قاسارية الوقف وقاسارية (هي قاسارية العلبية) قبلة سوق الوقف وشمالا سوق الأبارين وغربا السوق العتيق وسوق الوقف وشرقا السوق الثالث وإليه الباب (هو سوق العطفة المذكورة) وقاسارية يلاصق طرفها الشمالي حمام الست قبلة حمام الست وشرقا خان الوقف وشمالا سوق الوقف وغربا سوق الوقف وحصة من قرية هيلانة من أعمال حلب تشتمل على أرض معتملة ومعطلة ووعرة وسهلة ومبلغا من النقود قدره ثلاثون ألف دينار ذهب لتكمل بها بعض عمارات شرع بها أو يعمر بها ما أراد ويلحق بالوقف. شروطه شرط التولية بعده لأرشد أولاده الذكور، وبانقراضهم فلأرشد أولاده الإناث وبانقراضهن فلأرشد عتقائه، وبانقراضهم فلرجل دين أمين مستقيم، وأن تصرف غلة وقفه أولا على جامعه الذي يعمره ثم يدفع منها يومية للمتولي خمسون درهما فضة وللكاتب أربعة وللجابي خمسة وللخطيب خمسة وأن يعين ستة حفاظ وسابع رئيسا عليهم يبتدئ بقراءة عشر يوم الجمعة قبل النداء ثم يقرأ كل واحد منهم عشرا ويعطى كل واحد منهم درهم ونصف ولرئيسهم درهمان وأن الرياسة لخطيب جامعه ورتب إمامين يصليان على التناوب يحضر كل منهما عند أداء الصلاة يومية كل واحد منهما أربعة دراهم وثلاثة مؤذنين يومية كل واحد منهم ثلاثة دراهم ورجلا مجودا يقرأ بعد صلاة الظهر والعصر عشرا يوميته درهم ورجلا يدعو بالدعاء المأثور المعروف بعد اختتام الأعشار ويفرق الأجزاء على من يحضر من أهل القرآن يوميته درهم ونصف وفراشين يقومان بخدمة الجامع يوميتهما درهمان وبوابا يوميته درهم ونصف وخادما لبيت الخلاء يوميته درهم وأن يصرف في كل يوم من الدراهم خمسة لزيت قناديل الجامع ودرهمان لحصره وألفا درهم في السنة لشمعتين كافوريتين يحرقان في السنة وشمعتين معمولتين بالدهن يحرقان ليلة البراء وخمسة آلاف درهم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 91 في السنة لترميم الجامع وأوقافه. وشرط إن وجد من ذريته عجزة عن قوت يومهم يعطى لهم بالتوزيع من زوائد وقفه كل يوم عشرون درهما وإن وجد منهم واحدة أو اثنتان يدفع لهما قدر الكفاية من العشرين المذكورة وشرط إن ما فضل عن مصالح جامعه وتعمير أوقافه يقتسمه أولاده الذكور بالسوية فإذا انقرضوا، فلأولاده الإناث وهكذا على ترتيب التولية حتى يؤول إلى رجل دين فيصرف الفضلة على الخيرات تحريرا في مستهل ذي الحجة ختام سنة 963. تنبيه: كان محل أكثر مباني هذا الوقف العظيم ميدانا يعرف بفندق عائشة، قال الصاحب ابن العديم (ويغلب على ظني أنه منسوب إلى عائشة بنت صالح بن علي بن عبد الله بن العباس. اه.) ، وكانت عائشة هذه بارعة في الجمال تزوج بها موسى الهادي. المدرسة الأتابكية هذه المدرسة غير معروفة الآن لأنها ساحة خالية من البناء ومحلها تجاه باب جامع العدلية وباب قاسارية العلبية الذي فتح حديثا في جانب الجامع المذكور وكلا البابين يوجهان شرقا. وفي شماليها خان الفرايين بينهما زقاق ضيق أنشأها شهاب الدين طغريل بك الأتابك عتيق الملك الظاهر غياث الدين غازي نائب السلطنة بالقلعة الحلبية ومدبر الدولة بعد وفاة معتقه انتهت عمارتها في سنة 618 وأول من درس بها العلامة جمال الدين خليفة بن سليمان ابن خليفة القرشي الحوراني الأصل وبعده مجد الدين عبد الرحمن بن كمال الدين بن العديم ولم يزل بها إلى أن خرج من حلب فرارا من أيدي التتار أسوة بمن خرج من بلدته مع من كتب عليهم الجلاء من أهل حلب. واحترقت في زمن التتار ودرست ثم رممت بعد ذلك وكملت عمارتها واستقر في تدريسها العلامة شهاب الدين أحمد بن البرهان وكان مجتهدا في مذهب أبي حنيفة ثم تنازل عنها لكمال الدين أبي الفضل محمد بن الشحنة وقرية كمنون وقف عليها. وهي الآن ساحة خالية عن البناء. مدفن كوهر ملك شاه هذه عمارة تتصل بالأتابكية المتقدم ذكرها من جهتها الجنوبية وهي تشتمل على مدفن فيه (كوهر ملك شاه بنت عائشة السلطانة) وعلى مسجد لصيق مدفنها وكانت عمارته الجزء: 2 ¦ الصفحة: 92 سنة 959 وهو الآن متوهن والنفقة عليه من غلة أوقاف العادلية لأن الدفينة فيه جدتهم. وبقية الكلام عليه في ترجمتها فارجع إليها. الخسروية هذه عمارة عظيمة جدا تشتمل على جامع عظيم ومدرسة وتكية ومطبخ ومحلتها في غربي السلطانية وجنوبي سراي منقار وشرقيها. وكانت محلتها تعرف بمحلة البهائي أوصى بعمارتها (خسرو باشا) مولاه (فروخ بن عبد المنان الرومي) ودخل بعمارتها عدة أوقاف ومدارس ومساجد كما يعلم من ترجمة المذكورين. وكان انتهاء بنائها سنة 951، وهي أول جامع ومدرسة وتكية بنيت في أيام الدولة العثمانية بحلب من قبل رجالها على النسق الرومي ولم يبق الآن من هذه العمارة سوى جامعها ومدرستها. أما كتب وقف هذه العمارة فهي أربعة: الأول: مفتتح بقوله بعد البسملة الحمد لله المحسن القريب السميع المجيب الذي من عامله لا يخيب إلخ. والواقف فيها هو الشيخ عمر ابن الشيخ عمر الإمام بقلعة حلب وكالة عن مصطفى باشا بن سنان أخي المرحوم خسرو باشا وقف فيها بستانا وثلاثة طواحين على نهر عمّر بمزرعة أرتاح من أعمال العمق وطاحونا بقرية تودل من أعمال عينتاب على نهر الساجور وشرط فيها أن يبتدأ من غلة الوقف بعمارته ثم يقبض الناظر لنفسه في كل شهر مائة وخمسين قطعة فضية سليمانية ويصرف في كل شهر خمسة وأربعين قطعة لكاتب على الوقف ومثلها للجابي و 220 لشيوخ ثلاثة في أيامه مسلكين ذكرهم بأسمائهم ليدعوا له في خلواتهم ومن بعدهم فلمن يكون أهلا لذلك و 300 لعشرة حفاظ يجتمعون في كل ضحوة بجامعه ويقرأ كل واحد منهم سورة الأنعام بالترتيل و 30 لحافظ يقرأ سورة يس بعد صلاة الصبح و 30 لحافظ يقرأ سورة النبأ بعد العصر على كرسي بالجامع المذكور و 30 لحافظ يقرأ سورة الملك بعد صلاة العشاء و 600 لثلاثين رجلا يختمون كل يوم بعد صلاة الصبح ختمة بجامعه ويجهرون بصيغة الختم على الطريقة المعروفة و 30 لرجل يفرق الأجزاء عليهم وينقط تحت اسم المقصر منهم و 20 للمؤذنين بالجامع المذكور ليدعوا له بعد الصلاة وشرط النصب والعزل وحساب الوقف لنفسه ثم من بعده فعلى من يكون ناظرا على وقفه وهو الناظر على جامعه أيضا تحريرا في أواخر جمادى الأخيرة سنة 965. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 93 الوقفية الثانية: أولها بعد البسملة الحمد لله الذي شرع الأحكام وجعلها وسائل الانتظام إلخ. وقف فيها مصطفى باشا المشار إليه طاحونا على الساجور في قرية معرنا من أعمال عينتاب وطاحونا بقرية حريص من أعمال منبج على الساجور أيضا وأربعة حوانيت بمدينة عينتاب وشرط أن يصرف بعد التعمير والترميم كل شهر 60 قطعة لأحد المشايخ المتقدم ذكرهم علاوة و 30 لحافظ يقرأ عشرا بعد صلاة الظهر على الكرسي في جامعه وما فضل يصرفه الناظر على أمور شرعية معينة بما في ظاهر الكتاب الشرعي تحريرا في أواخر ربيع الأول سنة 967. الوقفية الثالثة: مفتتحة بعد البسملة بقوله الحمد لله الذي أجرى على يد من شاء من عباده المتصدقين ثوابا إلخ الواقف فيها خسرو باشا ابن سنان وقف فيها المكان الكائن تحت القلعة بحلب بمحلة ساحة بزه بالقرب من دار السعادة الذي هو جامع في قبليه بستان ومدفن فيه قبران أحدهما لقورد بك ابن الواقف وثانيهما لزوجة الواقف والدة ابنه المذكور وفي الجهة الشرقية ميضأة ومطهر لتغسيل الموتى وست حجرات من شمالي هذه إصطبل للجامع. وفي الجهة الغربية مدرسة فيها عشر حجرات ثمان للمجاورين الداشمندين وواحدة للمدرس وأخرى للبواب والجهة الشمالية عشر حجرات معدة للمسافرين وفي شرقي صحن الجامع من خارجه مطبخ بست قباب وكوانين وأثاف قبلة إصطبل الجامع وشرقا بيت المؤنة المخصوص بالجامع وشمالا قاسارية وقف الجامع وغربا رحبة الجامع وفي سماوي هذا المطبخ حجرتان هما بيت المؤنة المذكور ووقف لذلك إصطبلين في غربي الجامع وست دكاكين غربي قبلية الجامع وخمس دكاكين فوقها وست دكاكين مقابلة لها وفوقها خمس دكاكين أخرى وستة بيوت متلاصقات للدكاكين الست المذكورة وعشر غرف فوقها وست حجرات مقابلة لها وقاسارية (هي المعروفة في زماننا باسم الشونة) بعشرين مخزنا سفليا وثلاثين علويا جنوبي السروجيين وشرقي حوش الجوامع وحوانيت معدة للصباغين وفرنا وبيوتا عشرة علو ذلك وعشرة حوانيت ثمانية معدة للنشابين واثنان للسراجين وخانا مجاورا دار السعادة فيه أربعون مخزنا سفليا وخمسة وخمسون علويا وإصطبلا ودكاكين بالجانب الشرقي من باب الخان وثلاث دكاكين من الجانب الآخر ملاصقة بابه وفي وسط الخان رحبة بأدناها حوض ماء وهي مصلى بمحراب وفي شمالي الخان من ظاهره دكاكين تجاه باب دار السعادة وبالجملة فإن أوقاف هذه العمارة كانت مالئة جميع الفضاء المجاور من الجزء: 2 ¦ الصفحة: 94 جهاتها الأربع بحيث كانت ممتدة من قرب البستان المعروف في زماننا بجنينة الفريق الكائن قبلي الجامع إلى قرب المدرسة السلطانية دائرة على دار السعادة وحمام الشيباني (محلها الآن مستشفى الغرباء) إلى سوق الضرب وهي ما بين دكاكين وقاساريات وخانات وكلها دثرت ولم يبق منها سوى المحل المعروف بالشونة الكائن شمالي الجامع المذكور. ومن جملة أوقاف هذه العمارة خان قورد بك في محلة الفرافرة وهو من الخانات العظيمة في حلب وكأنه منسوب إلى ولد الواقف وحدده في الوقفية جنوبا بمسجد المدرسة الأزدمرية وشرقا الطريق وشمالا بيت ابن السفاح وغربا الطريق. ومن جملة أوقافها أيضا حمام الست ولم تزل جارية فيها وعدة دكاكين ودور في الفرافرة وغيرها ومزارع بناحية الجبول وجبل سمعان وطاحون بأرض قرية هيلانة وأرض في قضاء أنطاكية وقضاء حارم وناحية الجوم وعزاز ودكاكين بمدينة عينتاب وثلاثة طواحين وجنينة على نهر الصاروج في قضاء عينتاب ولها في ذلك القضاء عدة مزارع وكان لها على العاصي عدد عظيم من الطواحين والبساتين والمزارع والقرى وغير ذلك من الأوقاف التي يطول الكلام عليها وكان لهذه العمارة أربعة أبواب من كل جهة باب وكان الشمالي منها مسدودا داخلا في الشونة إلى أن كانت سنة 1323 سعى جماعة من أهل الخير بفتحه بعد أن أخذ له من الشونة طريق خاص به. شروطه شرط أن يكون الإمام حنفيّا وأن يقرأ بعد فراغه من صلاة الجمعة صيغة الختم المعروفة وأن يكون المدرس في مدرسته حنفيّا والتولية بعده على الأرشد فالأرشد من ذريته وبانقراضهم فللأرشد فالأصلح من عتقائه وذريتهم وبانقراضهم فلمن يختاره الحاكم الشرعي بحلب وشرط أنه إذا لم يوجد من ذريته أهل للتولية فيولى واحد من عتقائه الموقوف عليهم وأنه متى وجد من ذريته وعتقائه أهل لأي وظيفة كانت من وظائف الوقف وشعائره فإنه يقدم على غيره ويعين بها وتؤول بعده إلى ولده إن كان أهلا وأن يصرف في كل يوم من القطع الفضية خمسون لأولاده تقسم بينهم على الفريضة الشرعية ثم من بعدهم فإلى أولادهم فإذا انقرض أولاد الذكور وذريتهم فلمن يوجد من أولاد البطون ومن العتقاء وذرياتهم وبانقراضهم يصرف ذلك في مصالح الوقف وأن يصرف كل يوم اثنتا عشرة ونصف قطعة لمتولي الوقف و 4 لمباشر النظر على الوقف و 25 لمدرس حنفي و 8 لثمانية رجال من الجزء: 2 ¦ الصفحة: 95 طلاب العلم يقرءون على المدرس بالمدرسة المذكورة و 2 1/1 لخطيب جامعه و 2 1/2 لإمام الجهرية وهو الخطيب و 2 لإمام السرية وأحد عشر درهما عثمانيا لشعرة يقرءون ما تيسر من القرآن في سدة جامعه قبل صلاة الجمعة ويختمون بالصيغة المعلومة درهمان لرئيسهم وتسعة بينهم و 2 1/8 القطعة لأربعة مؤذنين بمنارة جامعه 2 1/3 لرئيسهم والبقية بينهم وواحدة لرجل يدعو بعد قراءة السر محفل بسدة جامعه ويختم بالصيغة المعروفة و 4 لكاتب على الوقف و 3 لرجلين يقومان بجميع خدمة جامعه وأن يصرف في كل سنة قيمة مائة وثمانين رطلا من الزيت بالوزن الحلبي «1» لتنوير الجامع وسائر مرافقه وقيمة حصر وبسط وكراسي وأوان وما هو من لوازم الجامع وقيمة شمعتين توضعان بطرفي المحراب ويصرف كل يوم نصف قطعة لمبخر بجامعه وقطعة لبواب قبليته و 2 1/6 لأربعة جباة اثنان يباشران جباية الجهات الخارجية ولكل واحد منهما قطعة ونصف والثالث يجبي المسقفات وله قطعتان والرابع يكون كاتبا له وله قطعة ونصف و 12 درهما لخمسة عشر قارئا يقرءون ما تيسر من القرآن بالأجزاء في جامعه ويختمون بالصيغة المعروفة وقطعة لرجل يباشر تفريق الأجزاء عليهم وجمعها منهم وحثهم على مباشرة قراءتهم ومن قطع منهم نقط تحت اسمه وقطعتان لكاتب كيلارتكيته ذكرها وقطعتان لبواب إصطبل التكية وقطعة لمباشر مرمات مسقفات وقفه وقطعة لقنوي جامعه ومطهرته ومدرسته وميضأته وبقية مرافقه ونصف قطعة لقنوي الخان الثاني وقطعة ونصف لطباخين بالتكية قطعة ونصف للمعلم وقطعة للتلميذ وقطعتان لرجلين ينقلان الطعام من المطبخ إلى التكية ويخدمان الأواني ونصف قطعة لمن يباشر تنقية الأرز وقطعتان لخبازين بفرن التكية للمعلم قطعة ونصف ونصف للتلميذ وقطعة لبواب مخزن الحطب وشرط أن يكون للقاضي بحلب تقرير المدرس والخطيب والكاتب على حكم ما شرط وأن يخبز في كل يوم مائتان وستون رغيفا وزن كل رغيف 72 درهما كل عشرة رطل من دقيق الحنطة وأن يشتري كل يوم أربعة أحمال حطب كل حمل بقطعتين ونصف وأربعة أواق ملح للخبز وأربعة عشر رطلا من لحم الضأن تطبخ في كل يوم في العشاء وفي الغداء وعشرة أرطال من اللحم المذكور في كل ليلة من ليالي رمضان ويصرف كل يوم ثمانية أرطال من الأرز يطبخ شوربة مع اللحم المذكور ويؤخذ كل يوم ثمن كيلة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 96 من القمح الجيد يطبخ غداء مع اللحم المذكور ولكل يوم أربعة أحمال حمير حطبا ثمن كل حمل قطعة ونصف وقطعتان برسم توابل الطعام ويصرف علاوة على ما ذكر في كل ليلة جمعة عشرة أرطال أرز يطبخ حلوى وهكذا في كل ليلة من ليالي رمضان وأن يصرف في كل ليلة تطبخ فيها الحلوى المذكورة خمسة أرطال عسلا جيدا لطبخ الحلوى وثمن حملي حمار من الحطب بقطعتين وقطعة ثمن زعفران وأن تكون التكية ثلاث عشرة حجرة للمسافرين إلى آخر ما شرط تحريرا في أوائل جمادى الأولى سنة 974. قلت: ضاع أكثر أوقاف هذه العمارة وتعطل معظم شروطها وأشرفت سوى الجامع والمدرسة منها على الخراب وأصبحت حجرات الجامع مأوى للغرباء والفقراء وسكن في حجرات المدرسة خدمة المسجد مع عيالهم واستمرت الحالة على ذلك مدة تزيد على قرن وفي سنة 1266 التي كانت فيها فتنة حلب «1» قصدها الثوار وصعدوا أسطحتها ونزعوا ما كان على قبابها من الرصاص وهو شيء كثير ربما يبلغ مائة قنطار بالوزن الحلبي فصبوه بندقا لأجل الرمي. وفي سنة 1330 نصب متوليا عليها المرحوم الشيخ رضا مفتي الألاي الدمشقي المعروف بابن الزعيم فجمع مقدارا من غلة وقفها وصرفه على تعمير الرواق والحجرات الموجهة إلى الجنوب وعلى تعمير المدرسة الكائنة في شرقيها الشمالي وبعد رحيله من حلب وضعت مديرية الأوقاف يدها عليه. وفي سنة 1338 أهتم مدير الأوقاف السيد يحيى الكيالي بشأنها فرتب فيها مدرسين ومجاورين وجعل لكل واحد منهم معلوما يقوم بكفايته واعتنى بإعمار ما بقى من أوقافها فزادت غلاتها وربما تبلغ بعد قليل ألف ذهب عثماني بعد أن كانت لا تزيد على مائتي ذهب فعاد لهذه العمارة انتعاشها وأمنت على حياتها بعد أن وصلت إلى دور الاحتضار. هذا وإن الوقفيات التي أثبتنا خلاصتها هنا مما سجل في دمشق الشام بمواجهة محمد بك ابن عبد الله بك الوصي على مصطفى جلبي ابن قورد بك لأن الواقف كان قد توفي قبل التاريخ المذكور بعهد طويل ووقفه هذا كان بالإيصاء منه كما أشرنا إليه. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 97 المدرسة الظاهرية هي السلطانية تجاه باب القلعة من الجهة الجنوبية. وكان الملك الظاهر قد أسسها وتوفي سنة 613 ولم تتم وبقيت مدة بعد وفاته حتى شرع بإتمامها شهاب الدين طغريل بك أتابك الملك العزيز ابن الملك الظاهر فعمرها وكملها سنة 620 وقد نشأ بهاجم غفير من العلماء الأعلام. وكان لها شهرة عظيمة في القرن السابع وما بعده إلى العاشر ثم اضمحل حالها وضاعت أوقافها ومعظمها أراض عشرية وآل أمر المدرسة إلى التعطيل والإهمال ومرت عليها الأيام والليال فتوهنت وتهدمت حجراتها وأكثر جدرانها داخلا وخارجا وكادت تعود ركاما إلى أن سعى بعض أهل الخير بترميم بعض جدرانها فصرف عليها نحو عشرين ألف قرش أخذها من الحكومة. قال ابن العديم وكانت مبنية بالحجارة الهرقلية المحكمة ومحرابها من أعاجيب الدنيا في حسنه وإتقانه وأراد تيمور أن يأخذه فقيل له لا يتركب على حالته الأولى فأبقاه وهي كثيرة الخلاوي للفقهاء وبركتها ينزل إليها بدرج. اه. ولها أوقاف غزيرة من جملتها عين دقنا من بلد عزاز العجم «1» وأخرى في خربتا من سرمين ولها جهات في حلب. وهي الآن سماوي يحيط به من جهاته الثلاث حجرات للمجاورين داخل أروقة كلها متهدمة لم يبق منها غير رسومها وفي الجهة الجنوبية من هذا السماوي قبلية عامرة وفي جانبها الشرقي مدفن فيه قبران أحدهما للملك الظاهر بن السلطان صلاح الدين بن أيوب والآخر فيه بعض أخصائه ولها منارة صغيرة مشرفة على السقوط مشادة فوق بابها ومحرابها لم يزل باقيا على حسنه. لا يقام فيها صلاة مطلقا لأنها في محل خال من السكان: مكتوب على بابها بسم الله الرحمن الرحيم وبه نستعين هذه المدرسة قد أمر بعمارتها وإنشائها في أيام السلطان الملك العزيز غياث الدنيا والدين محمد بن السلطان الملك المظفر غازي بن السلطان الملك الناصر صلاح الدنيا والدين منقذ بيت الله المقدس من أيدي الكافرين أسكنه الله مجال رضوانه وفسائح جنانه وخلد سلطان الملك العزيز بالهمة والعدل والإنصاف وأنشأها تكية وتربة ولي أمره وكافل دولته القائم بقوانين حفظه العبد الفقير إلى رحمة ربه الجليل شهاب الدين أبو سعيد طغريل بن عبد الله الملكي الظاهري عفى الله عنه وجعله مدرسة للفريقين ومقرا للمشتغلين بعلوم الشريعة من الطائفتين الشافعية والحنفية والمجتهدين الجزء: 2 ¦ الصفحة: 98 في الأشغال السالكين طريقة الأخيار الأمثال الذين يعينهم المدرس بها من الفريقين مشتملة على مسجد لله تعالى مشيد فيه مدفن السلطان الملك الظاهر قدس الله روحه ليناله ثواب قراءة العلم ودراسته وبركة القرآن وتلاوته فجزاه الله أفضل الأجر عليه وشرط فيها أثابه الله تعالى أن يكون المدرس شافعي المذهب والإمام للصلاة في مسجدها شافعي المذهب وكذا المؤذن غفر الله لهم أجمعين سنة 620. مكتوب على شباك مدفنها (هذه تربة السلطان الملك الظاهر غازي بن الملك الناصر صلاح الدين منقذ بيت المقدس من أيدي الكافرين قدس الله روحهما ورحم من ترحم عليهما) . وظهر من كتاب وقف أن دار المرحوم السلطان صلاح الدين الأيوبي كانت في محلة ساحة بزة قرب جامع السلطانية وقد ذكرنا أن دور بني الشحنة كانت تحت القلعة قرب السلطانية، ومن جملة ما كان في هذا الفضاء خانقاه تعرف بالخانقاه الشمسية في رأس درب هناك كان يعرف بدرب البازيار أنشأها شمس الدين أبو بكر أحمد أخو صاحب الشرفية في حدود سنة 621 وكان في ذلك السمت عدة خانقاهات ومدارس جهل محلها ولم يبق لها أثر من جملتها خانقاه جمال الدولة إقبال الظاهري برأس الدرب تجاه تربة الظاهر بالسلطانية ومن وقفها ربع الحمام العتيق ببانقوسا. الغوثية محلها شرقي السلطانية بميلة إلى الجنوب بينهما عرض الطريق وهي معدودة من زيارات حلب، أدركناها سماويا في جهته الجنوبيه حجرة فيها مزار وبجانبه قطعة عامود حجر في طول ذراع وغلظ نصف ذراع. مكتوب فيه حفرا (علي) وفي جانب هذه الحجرة من شرقيها قبلية صغيرة فيها محراب من النحيت والسماوي يرقى إليه من بابه بدرج والباب كوة متسعة قليلا غلقها حجرة واحدة سوداء كثيفة وفي هذا السماوي أيضا خلوتان عامرتان يسكنهما أسرة تنتسب إلى الطريق نظمت هذا المحل وجعلت في وسط سماويه حديقة وحوضا صغيرا فصار موضعا نزها مفرحا يسمر فيه في ليالي الصيف جماعة من أهل العلم والأدب. ثم في سنة 1332 قررت الحكومة التركية أن تبني في تلك البقعة دارا للحكومة فهدمت الغوثية عن آخرها ونسفت تلال التراب التي كانت حولها وبدأت بالأسس ثم حدثت الحرب العامة ووقف العمل وكان نصب عليها متول واستدعى من الحكومة صرف مبلغ عليها الجزء: 2 ¦ الصفحة: 99 فرخصت له بنحو أربعة آلاف قرش من دخل بعض أراضيها العشرية فصرفها على ترميم القبلية والمزار وجدرانها الظاهرة كل ذلك هدم ولم يبق له أثر. وقد ذكر المؤرخون أن العمود الذي ذكرناه قد خطه علي بن أبي طالب رضي الله عنه بسنان رمحه. قال ابن شداد: (وله حكاية وهي أن أتابك زنكي لما أخذ المدينة وعاد إلى الشام أتفق أنه مر بصفين فاعترته حمى منعته القرار ثم زالت عنه في آخر الليل فنام فرأى في النوم كأن عليا يصف له دواء للحمى ودله على حجر هناك كتبه فلما أصبح استعمل الوصفة وسأل عن الحجر فدل عليه وسأل عن القصة فذكروا له أن عليا لما نزل الرقة شكا إليه أهلها ما يلقونه من السباع وكثرتها فجاء إلى هذا الحجر وكتب عليه شيئا ووضعه خارج الرقة فأمر أتابك بحمل الحجر إلى حلب فحمل على ناقة فلما وصلت به إلى مدينة حلب أرادوا رفعه إلى القلعة فأدخلوا الناقة من باب العراق وأخذوا بها في الطريق المعروف بالمبلط فبركت قريبا من رأسه فأثاروها فلم تقم فضربوها فعجت وأمتنعت من القيام فطرحوا عنها الحجر هناك فأمر أتابك بعمارة مسجد هناك ووضع الحجر فيه في بيت غربيه وذلك سنة 536) . وقيل إن الغوثية منسوبة إلى غوث بن سليمان بن زياد قاضي مصر وكان قدم حلب مع صالح بن علي بن عبد الله بن العباس والله أعلم. مسجد النبي محله في الصف الموجه شمالا في وسط البوابة المنسوبة إليه المعروفة ببوابة النبي تجاه سراي إسماعيل باشا من شرقيها والمشهور أن الدفين في هذا المسجد نبي الله كالب بن يوفنا من سبط يهوذا ولم أر من ذكره من مؤرخي حلب «1» ، وهذا المسجد عمارة ينزل إليها بدركات تشتمل على سماوي صغير في شرقيه بعض قبور في جنوبيه قبلية عامرة في غربيها مزار مفصول عنها بشبكة من حديد داخله ضريح عظيم وفي شرقي السماوي إلى جنوبيه دار صغيرة مشتملة على بيت يسكنه بعض الفقراء الموكلين بخدمة المسجد. مكتوب على صمدية تحت رجلي الضريح قصيدة طويلة غراء من نظم العلامة الشيخ (علي بن مصطفى الميقاتي) وهي: الجزء: 2 ¦ الصفحة: 100 مقام عليه هيبة وجلالة ... تدل على التحقيق ما شاع واشتهر بأن الذي هذا الضريح يضمه ... نبي له في الذكر شأن وفي الأثر وكان لموسى صهره ورسوله ... ولم يخش جبارين إذ خشي النفر وقاتلهم مع يوشع ثم بعده ... أتته من الله الرسالة والظفر وفي اسمه الأقوال زاد اختلافها ... كذا بأبيه لوقيا اختلف الخبر ورجح أصحاب التفاسير كالبا ... وأبلوقيا من ابن لوقي مختصر ولم يدر أرباب التواريخ رمسه ... وثامن قرن فيه ذا الرمس قد ظهر وشاهد من ذاك الظهور ليوقيا ... بنو حلب ما يملأ السمع والبصر فزر لنبي الله يا طالب الهدى ... وصلي عليه مثلما جاء في الأثر وسل عنده الحاجات تظفر بنيلها ... فما خاب عبد بالنبيين انتصر وصل صلاة مع سلام لكلهم ... خصوصا على المبعوث للخلق من مضر عليه صلاة الله ثم سلامه ... تواليهما يربو على القطر والمطر وخص الذي أحيا المقام بدعوة ... يطيب بها عيشا إذ أنزل الخطر تداعي البنا ثم استقام مؤرخا ... يجدده الطيبيّ للأجر ادّخر والطيبي هذا هو (محمد بن معتوق الطيبي) «1» ، قال أبو ذر في تاريخه في فضل الزيارات: منها مزار بلوقيا عليه السلام مذكور في قصص الأنبياء مدفون في محلة التركمان وتعرف الآن بساحة بزه، وقال فيه في محل آخر في عرصة الفراتي نبيّ الله بلوقيا عليه السلام وعبارة الثعلبي هكذا: ولما حضرت الوفاة يوشع عليه السلام بن نون استخلف على بني إسرائيل كالب بن لوقيا من سبط يهوذا وهو أحد الرجلين اللذين أنعم الله عليهما إلخ فأحسن الخلافة حتى قبضه الله إليه وقال ابن عساكر في مبهمات القرآن قوله تعالى قال رجلان هما يوشع بن نون وكوكب بن قنا فأما يوشع فهو ابن أخت موسى وأما كوكب فهو صهر موسى عليه السلام على أخته مريم ابنة عمران واختلف في اسمه فقيل ما تقدم وقيل كالب وكلاب وكالوب وكذا اسم أبيه قيل فيه بوقنا كما تقدم وقيل يوقنا ذكرها ابن عطية قال السيوطي في نوع المبهمات من إتقانه هما يوشع وكالب وكذا قال الدر المنثور في التفسير المأثور ومثله في التعريف والأعلام للسهيلي وأتفق المفسرون وأصحاب السير على نبوة كالب وخلافته الجزء: 2 ¦ الصفحة: 101 وإنه أحد الرجلين المرادين من الآية وظاهر كلام أبي ذر أن المدفون بحلب كالب وأن اشتهاره بلوقيا من تصرفات العامة أو من الاختلاف الواقع في اسمه واسم أبيه هو الصواب إنه كالب بن يوقنا كما ذكرناه ولم يذكر أحد من مؤرخي حلب متى ظهر قبره هذا فلا أدر من أين للشيخ على قوله في القصيدة المذكورة وثامن قرن فيه ذا الرمس قد ظهر. وعلى كل حال فلا بأس من زيارته على توهم من وجوده فقد قال في طبقات الصوفية للعلامة المناوي: إن الأرض لأجسام الأنبياء والأولياء كالماء للسمك فيظهرون بأماكن متعددة ويزار كل مكان قيل عنه أنه فيه نبي كريم أو ولي عظيم ومعلوم أنه لم يثبت قبر من قبور الأنبياء بالتواتر إلّا قبر نبينا عليه الصلاة والسلام وقبر الخليل على ما ذكره صاحب الأنس الجليل. مكتوب على صمدية فوق المحراب في قبلية هذا المسجد: أنشأ هذا الأثر الحميد ووضع هذا المشبك الحديد الوزير بن الوزير ذو الرأي والفكر السديد المحفوف بعون الملك الحميد والمشمول بالنصر والتأييد حضرة الوزير المحترم والدستور المعظم عبدي باشا بن المرحوم الحاج علي باشا ابن المرحوم عبدي باشا والي حلب حالا زاده الله شرفا وجلالا سنة 1195. وعلى باب المسجد مما يلي الزقاق قصيدة تركية طويلة يفهم منها أن الذي جدد الباب المذكور مصطفى مظهر باشا والي حلب سنة 1264، ورأيت في كتاب وقف عبدي باشا المذكور أنه اشترط فيه أن يدفع من غلة وقفه في كل سنة ثمن ثماني عشرة شمعة عسلية «1» وزن كل شمعة ألف وعشرون درهما ست منها توقد تجاه مرقد نبي الله كالب بن لوقيا عليهما السلام والبقية تجاه مرقد نبي الله زكريا عليه الصلاة والسلام. تنبيه: البقعة التي فيها مقام كالب بن يوقنا كانت تعرف بعرصة الفراتي وكان فيها خانقاه تعرف بخانقاه المجدية نسبة إلى مجد الدين أبي بكر المعروف بابن الداية وهو أخو نور الدين الشهيد من الرضاع وكان بطلا شجاعا يحبه نور الدين توفي سنة 565. مسجد زقاق النبي على صف مسجد النبي تقام فيه الجهرية. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 102 مسجد الخريزاتي محله في رأس الصف الغربي من شمالي الجادة المارة تجاه بوابة النبي المتقدم ذكرها وهو مسجد يسكنه بعض الفقراء له صحن في جنوبه قبلية في شرقيها قبر مكتوب على علم مركوز بجانبه هذا (ضريح أبي الحسن الخريزاتي) قلت صوابه أبي بكر فقد ذكره بهذا الاسم الخواجكي في رحلته وأثنى عليه ولم يذكر تاريخ وفاته. والظاهر أنه كان من أعيان القرن الثاني عشر وهذا المسجد قديم مكتوب على بابه: بسم الله أحيا هذا المكان المبارك الأشرفي العالي المولوي قانصو اليحياوي كافل المملكة الحلبية المحروسة أعز الله أنصاره سنة 876. جامع الموازيني محله في غربي الخريزاتي المتقدم ذكره على بعد غلوة منه وهو جامع عظيم في وسط صحنه حوض فوق عشر بعشر وله قبلية متشعثة ومنارة عالية ونسبته إلى الموازيني عارضة وإلّا فبانيه (تغرى بردى الظاهري) وقد ذكرنا في ترجمته ما فيه الكفاية فراجعها وهو الآن متشعث البناء محتاج إلى الترميم وأوقافه قليلة جدا ومعظمها معدوم ما بين خراب وضائع تقام فيه الجهرية والجمعة مكتوب على بابه أنشأ هذا الجامع المبارك في أيام مولانا الغازي المالكي الملك الظاهر أبي سعيد برقوق خلد الله ملكه المقر الأشرفي العالي المولوي الكافلي المالكي الظاهري كافل المملكة الحلبية الشريفة بحلب المحروسة أعز الله أنصاره وألبسه من التوفيق حلة وذلك في سنة 797، وكان يوجد قرب هذا الجامع حمام يعرف بحمام الهذباني وهو خان الشيباني تجاه حمام عتاب وقاسرية ملاصقة للخان المذكور تجاه الحمام الزجاجية مما وقفه العلائي علي بن أحمد بن الناصر محمد بن أقبغا الشيباني وشرط أن يصرف من غلته كل سنة مبلغ من دراهم الفضة على التربة التي أنشأها جده أقبغا خارج باب قنسرين على خندق الروم و 30 درهما على قسطل ملاصق قاعة الواقف في محلة الجلوم تاريخ الوقفية سنة 867 وحمام الهذباني داثر لا أثر له. زاوية الأخضر محلها تجاه جامع الموازيني المتقدم ذكره وهي دار يسكنها الشيخ الأخضر فجعلها زاوية ووقفها ودفن فيها بوصية منه رحمه الله وكان وقفه إياها في حدود سنة 1287. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 103 جامع الخيمي محله في شرقي سراي إسماعيل باشا وهو الآن داثر لا أثر له وأهل المحلة تعرف موضعه وبعض شيوخهم كان يصلي فيه. جامع إسماعيل باشا محله غربي السراي المذكورة وكان داثرا فسعى بعمارته الشيخ حسام الدين الصيني البخاري وجمع له مبلغا من أهل الخير الذين يترددون عليه وقد كملت عمارته سنة 1311 وقد وضع فوق باب حجرته مكتوب دائرها بالقلم الكوفي ووسطها بقلم التعليق تشعر عبارتها بما كان عليه هذا المحل وبما آل إليه وبمن سعى بتعميره وبتاريخ عمارته. زاوية الشيخ تراب محلها جنوبي الخسروية وغربيها وهي دار تشتمل على عدة بيوت وإيوان تجاهه حوض صغير وفي جهتها المتجهة جنوبا مزار الشيخ تراب العينتابي الخلوتي النقشبندي القادم حلب سنة 1193 والمتوفي سنة 1206 والذي وقف عليه الدار المذكورة زاوية هو عبدي باشا والي حلب المتقدم ذكره في الكلام على مسجد النبي ووقف عليها عدة عقارات في محلة ساحة بزه ولما كان الشيخ تراب حيا بايعه الشيخ (محمد وفا بن محمد بن عمر) ولازمه فأحبه الشيخ وخلفه فلما توفي خلفه من بعده في هذه الرواية وأضاف وقفها عدة عقارات وشرط مشيختها وتوليتها من بعده لعقبه ولهذه الزاوية بابان أحدهما موجه جنوبا على الجادة الكبرى وهو حادث الآخر موجه غربا على جادة الخسروية ويوجد تجاه هذا الباب بميلة عمارة متهدمة أظنها خانقاه سنقر شاه. المكتب الرشدي العسكري محله في جنوبي جامع الحيات المعروف قديما بالناصرية يفصل بينهما عرض الطريق وكان في محل هذا المكتب دار جميلة شهيرة يملكها بنو العكام ثم اشترتها الحكومة واستعملتها إصلاح خانه ثم ألغيت الإصلاح خانه وهدمت الدار عن آخرها وعمرت مكتبا وذلك في حدود سنة 1300 وفي هذه السنة نسف التل العظيم الذي كان يضاهي جبلا صغيرا الكائن في الجزء: 2 ¦ الصفحة: 104 جنوبي الدرب الذي يدخل منه إلى سوق الضرب فردم به جانب من الخندق تجاهه وبوشر في محله بعمارة مستشفى للغرباء وجمع للإنفاق عليه إعانة من ولاية حلب ما ينوف على ألف وخمسمائة ذهب ونزلت حجارته من خراب القلعة وبلغ العمل نحو نصفه ثم تعطل وبقى ملجأ للصوص ثم أكملت عمارته أيام الوزير رائف باشا والي حلب وفتح لمرضى الغرباء والفقراء وخصص لنفقاته مقدار كاف من رسوم زوارق بيرجك «1» . سبلانها سبيل سماقية في وسط ساحة بزه بحضرة الحمام وهو بئر عليه شبه قبة مكتوب على قنطرته أن الذي أنشأه السيد محمد بشير سنة 1173 وله دار موقوفة عليه في الساحة المذكورة. (قسطل) في جنوبي هذا السبيل في الساحة المذكورة له دكان ملاصقة له (قسطل الكبيسي) : الفاصل بين المحتلين ينزل إليه بدركات ولم أقف له على خبر وليس له شيء من الأوقاف: (قسطل) ملاصق جامع الرومي من شرقيه (قسطل تجاه جامع السفاحية) لصيق حمام ميخان في جهتها الجنوبية (سبيل) في زقاق النبي في الصف الموجه شمالا (قسطل) في زقاق الخريزاتي تجاه مزاره بميلة إلى الشمال (سبيل) ملاصق زاوية الشيخ الأخضر تجاه جامع الموازيني وسبيل في سوق النحاسين تجاه أقميم الحمام وسبيل في السوق المذكور بين خان العبسي وخان البرغل وسبيل تجاه خان العلبية وسبيل في أوائل سوق الضرب شرقي الشادبختية له شيء من وقف الحاج عبد الرحمن بن صالح المعروف بابن الحداد الأبرادي الذي وقفه سنة 1187. خاناتها وقيسرياتها خان العلبية وهو يضاهي خان الكمرك القديم وخان الفرايين وقاسارية الفرايين وخان النحاسين وكلها مملوك علوها بطريق المرصد وقاسارية العلبية وقد فتح لها باب جديد في جانب باب العدلية العالي من شماليه وكلها جارية في أوقاف محمد باشا دوقه كين المعروف الجزء: 2 ¦ الصفحة: 105 بالعادلي وخان العبسي وهو من أوقاف الأحمدية وخان البرغل وهو من أوقاف الكواكبي وجميع هذه الخانات تجارية وثلاثة خانات متلاصقات في جنوبي سراي منقار عمرها ابن الوكيل أحد التجار المسيحيين وقد احتكر أرضها من متولي أوقاف الحرمين وذلك في سنة 1290 تقريبا وهي معدة لوضع الغلات والصوف ونحوهما من البضائع العظيمة الجرم ثم آلت بطريق الشراء إلى أحد ذوي الأملاك من المسلمين. حماماتها حمام الساحة بزّة في جنوبيها ويقال إن الذي بناه هو سيف الدولة علي بن حمدان. وحمام ميخان تجاه جامع السفاحية. وحمام النحاسين المعروف قديما بحمام الست جار في أوقاف الخسروية كما سلف ذكره. مدرها مدار في شرقي ساحة بزة، ومدار في جادة زقاق ساحة بزة لصيق الزقاق التابع محلة داخل باب النيرب، ومدار في زقاق الفستقة. أفرانها فرن في زقاق ساحة بزة، وفرن السراي لصيق موضع جامع الخيمي، وفرن جامع العجي لصيق زقاق الفستقة، وفرن في زقاق السفاحية. بيوت القهاوي قهوة الحرمي في الساحة المذكورة وقهوة أخرى باتصالها من أوقاف جامع العجي وقهوة المحمص لصيق جامع العدلية من غربيه أحدثت جديدا وألحقت بأوقاف الجامع المذكور وهي من القهاوي المشهورة. تنبيه: كان يوجد تحت القلعة من هذه المحلة دار النيابة ومكتب السلطان حسن وخانقاه القصر ودار لبني الشحنة ومدرستهم ودار الحديث وزاوية الطواشي ودرب الملك الحافظ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 106 والزقاق المبلط وبه الغوثية وخط سوق الخيل ويعرف قديما بباب القوس وفيه الحمام الناصري وحارة البهائي وكان إلى جانب الخندق لصيق دار العدل (موضع مستشفى الغرباء) الخانقاه القديم أنشأه نور الدين سنة 543 وكان خانقاه حافلا وجاور به عدة من السادة الصوفية منهم العلامة شهاب الدين أبو عبد الله عمر بن محمد السهروردي المنتهى نسبة إلى أبي بكر الصديق صاحب عوارف المعارف وقد ترجمه الذهبي ترجمة طويلة وأطنب في عمله وزهده وقال إنه توفي في مستهل محرم سنة 622 وكان قرب المدرسة السلطانية خانقاه القصر أنشأه نور الدين سنة 553 وكان مكانها خانقاه قصر شجاع الدين فاتك وكان في جنوبي دار العدل (مستشفى الغرباء الآن) خانقاه أنشأه الأمير علاء الدين طاي المتوفي سنة 550 وإلى جانبها قاعة مكتوب على بابها (هذا ما وقفه علاء الدين طيبغا على الخانقاه) وكان قرب هذه الخانقاه خانقاه أنشأها سنقرجا النوري مكتوب عليها (عمر هذا الرباط في دولة أبي القاسم محمود بن زنكي مولاه سنقرجا من ماله ووقفه على فقراء العرب وزهادهم سنة 554 صنعه عيسى بن علي) وإلى جانب هذا الرباط قاسارية مكتوب عليها أسست هذه البنية في أيام العادل محمود برسم منافع الخانقاه المجاهدية الملاصقة المتولي شادبخت وقفا مؤدبا سنة 564. الأسر الشهيرة في هذه المحلة من الأسر الإسلامية القديمة في هذه المحلة أسرة بني العادلي المعروفة قديما بأسرة دوقه كين وهي لم تزل أسرة شابة في ثروتها ووجاهتها ومن نبهاء رجالها ووجهائهم المعاصرين فؤاد بك أكبر أنجال المرحوم أحمد بك ابن محمد بك ومن الأسر القديمة التي بلغت طور الهرم والشيخوخة في هذه المحلة أسرة كوجك علي آغا والد مصطفى نعيما صاحب كتاب الروضتين التركي العبارة الذي تكلمنا عليه في ترجمته. ومن وجهاء هذه المحلة السيد راجي جاسر أحد أعضاء مجلس بلدية حلب وهو من الرجال النبهاء وله مشاركة في كتب الأدب ومحاضرات جميلة من النظم والنثر. والدور العظام في هذه المحلة دور بني العادلي ودار المعصراني ودار بني الجالق والأسرتان الأخيرتان كانتا من الأسر التجارية الشهيرة في حلب. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 107 محلة الفرافرة (د) عدد بيوتها 144 الذكور/ الإناث/ المجموع/ الأقوام 510/595/1105/مسلمون وتسميتها بهذا الاسم حادث وكانت تعرف قبل القرن الحادي عشر بالمعقلية يبتدئ خطها من جنوبيها ب المدرسة الإسماعيلية الكائنة شمالي القلعة قرب تكية القرقلار وينعطف غربا ويمشي حتى يصير جنوبي الناصرية المعروفة في زماننا بجامع الحيات فينعطف شمالا ويمشي في هذه الجادة حتى يصل إلى شرقي قسطل السياف المعروف بقسطل أبي شرابة في حضرة المحكمة الشرعية وجامع المهمندار المعروف بجامع القاضي فينعطف شرقا ثم شمالا ثم شرقا حتى يصل إلى آخر زقاق المشنطط فيثب جنوبا إلى الشرق حتى يخرج من تجاه المدرسة القرناصية فيستقيم جنوبا حتى يصل إلى المدرسة الإسماعيلية. آثارها المدرسة الإسماعيلية تقدم ذكر محلها وكان في موضعها قبلا مسجد يعرف بمسجد الصبارة وهي مدرسة جميلة مشهورة عامرة لها باب من شماليها يصعد إليها بدرجات ولها باب من غربي ميضأتها مغلق في أكثر الأوقات: باني هذه المدرسة هو (إسماعيل بك بن محمد أنطرمه لي) وقد وقف لها مزرعة ابن أبي مشكور قرب قلعة خانتومان «1» وعدة بساتين قربها من جنوبيها وأرض المغاير قرب خانتومان من غربيها وعدة أراض قرب المزرعة المذكورة وزيتونا في الجزء: 2 ¦ الصفحة: 108 أرمناز وبستان القبار ودارا داخله وكان جاريا في أوقاف نصوح باشا عظم زآده وهو في شمالي حلب وطاحونا في قرية الشيخ أحمد «1» وطاحون هواء بظهر جبل الخناقية في ظاهر حلب وخمسين نسخة كتاب وغير ذلك وشرط عدة خيرات لمدرسته ذكرنا بعضها في ترجمته. زاوية النسيمي محلها قرب الإسماعيلية في غربيها وكانت مسجدا قديما فلما قتل (عماد الدين النسيمي) سنة 820 دفن فيه. ثم في تاريخ 910 جدده المرحوم السلطان قانصوه الغوري وهو الآن عمارة مستطيلة شرقا إلى الغرب يبلغ سماويها ستين ذراعا في بضعة عشر تقريبا في شرقيه حجرة وفي جنوبيها قبلية وفي غربيها قبلية أخرى في شمالي غربيها قبر عماد الدين المذكور. ووراء هذه القبلية من غربيها سبيل حافل له شباكان على الجادة وفي غربي السماوي قبور جماعة من الخلفاء الخواجكية ومنهم الشيخ (مصطفى بن عبد اللطيف الخواجكي) وغلة أوقاف هذه الزاوية تبلغ الآن بضع آلاف قرش: مكتوب على حجر في ظاهر الجدار مما يلي تحت القلعة وراء القبلية جدد هذا المسجد المبارك وراء خندق القلعة المنصورة مولانا السلطان الملك الأشرف أبي النصر قانصوه الغوري عز نصره سنة 910. مسجد الشيخ فرج على الجادة غربي القلعة قرب حمام السلطان في جنوبيه وهو سماوي فيه حجرتان متهدمتان وفي شماليه قبة فيها قبر يقولون إن الدفين فيه هو الشيخ فرج وهو الآن معطل يسكنه بعض الفقراء ولا نعرف له وقفا. المدرسة الحسامية في غربي القلعة تحتها على الجادة وراء جامع الناصرية أنشأها الأمير حسام الدين (محمود بن الختلو) جد بني الشحنة وأنشأ إلى جانبها من جهة الشمال مسجدا وهي الآن سماوي يبلغ عشرين ذراعا في ثمانية تقريبا وعلى يمنة الداخل إليها حجرة صغيرة وفي الجهة الغربية الجزء: 2 ¦ الصفحة: 109 حجرتان صغيرتان أيضا وفي الجهة الجنوبية قبلية على طول السماوي في عرض ستة أذرع تقريبا ولا يعرف لها الآن وقف ولا يقرأ فيها درس ولها باب ذو ثلاثة أحجار سود وفي سنة 1281 جدد لها باب خارجي مكتوب عليه: جددت مدرسة بني الشحنة في أيام صاحب الدولة حضرة ثريا باشا والي حلب أدام الله تعالى إجلاله عن يد الحاج يوسف والحاج عبد القادر حسبي الحسيني سنة 1281: والمسجد المذكور الذي كان إلى جانبها الشمالي لا أثر له وصار في محله دور مملوكة للناس. جامع الناصرية هو في رأس الجادة الكبرى الآخذة شمالا إلى جهة خان قورد بك وقد تقدم لنا في الكلام على اليهود أنه كان كنيسة لهم وكان يسمى بكنيسة مثقال إلى آخر ما قلناه ولما حكم بهدمها (محمد بن علي بن عبد الواحد الزملكاني) هدمت وجعلت مدرسة ونسبت إلى سلطان الوقت الملك الناصر واشتهرت بالناصرية ثم أقيمت بها الجمعة واستمرت إلى أن أحرق في فتنة تيمور سقفها وتشعث حالها وانقطعت منها الخطبة فأصلحها قاضي القضاة علاء الدين خطيبها وابن خطيبها وأكمل عمارتها وأقام بها الجمعة وفي سنة 833 وقف عليها وقفا عظيما أكثره مسقفات أبو عبد الله خطيبها محمد بن الخطيب الناصري الشافعي الطائي ثم أجرى إليها الماء من قناة حلب (عبد الله بن مشكور) وعمر في وسطها حوضا ينزل إليه الماء بدركات. وأما تسميته بجامع الحيات فلصور حيات في قنطرة بابه. وهو الآن عمارة لها صحن يبلغ بضعة عشر ذراعا في مثلها وفي وسطه الحوض المذكور وفي غربي شماليه صهريج وفي جنوبيه قبلية بنسبته وفي شرقيه رواق في صدره الحجر المحرر بالقلم الآشوري واللفظ العربي الذي قدمنا ذكره في الكلام على اليهود وفي شماليه رواق من شرقيه باب يدخل إلى مطهرة وفي غربيه ثلاث حجرات وفوق بابه منارة صغيرة وجميع مبانيه متوهنة محتاجة إلى الترميم وله أوقاف جزئية تبلغ بضعة آلاف قرش تحت تولية امرأة تزعم إنها من ذرية الواقف خطيب الناصرية وتصلى فيه الخمس والجمعة ويوجد في شمالي باب هذا الجامع بينه وبين العصرونية مكان أشبه ما يكون بالمدرسة مشتمل على بعض الحجرات يسكنها بعض المهاجرين وهو مربع الصحن يبلغ عشرة أذرع في مثلها وأظنه كان مدرسة للناصرية وله باب إليها وفي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 110 تاريخ بن الملا أنه يوجد تجاه الناصرية مدرسة تعرف بالشهابية من مدارس الحنفية وأنه بالقرب منها المدرسة القلقاسية ووقف كل منهما أربعة أفدان بقرية الملوحة وبالقرب منهما المدرسة الكاملية: قلت لا أثر الآن لهذه المدارس بل تجاه الناصرية سبيل يتصل به من شماليه خان الوزير ومن جنوبيه دور يتصرف بها أهلها. العصرونية محلها على الجادة في شمالي الناصرية وشرقي خان الوزير قال ابن شداد في الكلام عليها: كانت دارا لأبي الحسن علي بن أبي الثريا وزير بني مرداس فصيرها الملك العادل نور الدين محمود بن زنكي بعد انتقالها إليه بالوجه الشرعي مدرسة وجعل فيها مساكن للمرتبين فيها من الفقهاء وذلك في سنة 550 واستدعى لها من جبل بناحية سنجار الشيخ الإمام شرف الدين أبا سعد عبد الله بن أبي السري محمد بن هبة الله بن المطهر بن علي بن أبي السري التميمي الحديثي ثم الشافعي وكان من أعيان فقهاء عصره ولما وصل إلى حلب ولي تدريس المدرسة المذكورة والنظر فيها وهو أول من درس بها فعرفت به وصنف كتبا كثيرة في المذهب والخلاف والفرائض مشهورة في أيدي الناس وبنى له نور الدين محمود مدرسة بمنبج ومدرسة بحمص ومدرسة ببعلبك ومدرسة بدمشق وفوض إليه أن يولي تدريسها من شاء ولم يزل متوليا أمر هذه المدرسة تدريسا ونظرا إلى أن خرج إلى دمشق سنة 570 وتوفى بها. اه. قلت وقد تقلبت عليها الأعصار والأدهار حتى ضاع معظم أوقافها وأشرفت المدرسة على الخراب وأغلق بابها مدة قرنين. ثم في حدود سنة 1280 عمر المتولي عليها قبليتها وبقيت مغلقة إلى سنة 1299 فعمر فيها من غلة وقفها مكان واسع على يمنة الداخل إليها اتخذته الحكومة مكتبا ابتدائيا: مساحة سماوي هذه المدرسة الآن عشرون ذراعا في مثلها. وفي الجهة الشرقية منها مصيف على طول السماوي في عرض بضعة أذرع وفي الجهة الغربية أربع حجرات جديدة البناء وفي الجنوبية قبلية في شرقيها حجرة في شرقيها باب يدخل منه إلى ميضأة واسعة وفي غربي القبلية مغارة لها باب إلى السماوي وإذا دخلت من باب المدرسة رأيت فسحة في جنوبيها فيها المكان الذي تعلم فيه الأطفال وفي شماليها الغربي حوض عال تجاهه بئر وقد عمرت على مصيفها دار فتح لها باب على الجادة: وأوقافها الآن أراض جزئية تجبى من قبل محاسبة الأوقاف وذكر بن الشحنة أن من أوقافها نصف سوق التجار بالعصبية الكبرى شركة المؤيدية بالقاهرة وحوانيت سوق الذراع وأحكار دكاكين بسوق السقطية الجزء: 2 ¦ الصفحة: 111 وحكر حمام علي بسويقة علي العريقي وأحكار في ظاهر باب النصر عند أراضي بش قبه تعرف بدرب عزاز وأحكار في ظاهر باب انطاكية بالكلاسه وعشرون قيراطا من قرية مرعناز وغير ذلك. المنصورية محلها في هذه الجادة في شمالي العصرونية تبعد عنها بضعة عشر ذراعا وبابها متوجه إلى الغرب وسماويها يبلغ ثلاثين ذراعا في مثلها تقريبا في وسطه حوض مربع فوق عشر بعشر في جانبه الشرقي والغربي حديقتان وفي شماليه صفة فيها قبران فيهما خليفتان للشيخ منصور وفي الجهة الجنوبية من السماوي إيوان عظيم في صدره وجانبه ثلاث قباب وفي الجهة الغربية قبلية في شماليها قبر الشيخ منصور وفي الجهة الشمالية دار يدخل إليها من السماوي جارية في أوقاف هذه العمارة وفي الجهة الشرقية حجرة واسعة متهدمة تحتها قبو في جانبها الجنوبي باب يدخل منه إلى دار جارية في الأوقاف المذكورة وفي دهليز هذه العمارة على يمنة الداخل حجرة صغيرة وفوق القبلية وقبة الإيوان غرفة واسعة عظيمة أدركناها مكتبا رشديا إلى أن الغيت المكاتب الرشدية في مراكز الولايات سنة 1309 فاستعملت مكتبا ابتدائيا أهليا يأخذ أجرة على التعليم. خلاصة كتاب وقفها الواقف الشيخ منصور بن مصطفى وقف قاسارية المدار في الزقاق الشمالي خارج باب النصر ونصف قاسارية في الزقاق المبلط داخل باب النصر غربي فرن السيد يحيى وشرقا قاسارية الحموي وقاسارية في زقاق عبد الحي خارج باب النصر ودارا بمحلة العقبة وخمس حجرات عليا في قاسارية الحكاكين بسوق الطيبية على مصالح مدرسته والمسجد الواقع بها التي كانت دارا فوقفها مدرسة ومسجدا. شروطه شرط أن يصرف بعد التعمير والترميم في كل شهر 30 قرشا لثلاثين قارئا يختمون في كل صباح ختما في مدرسته وخمسة قروش لرئيس القراء ليقرأ في كل يوم في مدرسته الجزء: 2 ¦ الصفحة: 112 درسا في فن تجويد القرآن الكريم وخمسة عشر قرشا ليدرس في مدرسته سائر الفنون وخمسة قروش لأمين كتب وعشرة قروش لمن يكون شيخا وخليفة في مدرسته على الطريقة القادرية وخمسة قروش لناشد في الخلوة الأربعينية وغيرها من الأذكار التي تكون في مدرسته ويؤذن أوقات الصلوات في أيام الخلوة وغيرها وخمسة قروش لخادم مسجده ومدرسته وفي السنة ستون قرشا يشتري بها الجامع والمدرسة حصر وبسط ومناديل وزيت وشمع وغير ذلك وفي الشهر عشرة قروش لزوجته ما دامت عزبة في قيد الحياة وعشرة للمتولي وهو الذي ينصب الموظف ويعزله بجنحة ولا تفرغ وظيفة ولا تؤول إلى ولد الموظف إذا لم يكن أهلا لها إلى آخر ما سطر فيه حرر في اليوم السابع من شهر ذي القعدة سنة 1206. أقول كانت وفاة الواقف الشيخ منصور في 14 صفر سنة 1208، وأما عمارته فهي الآن معطلة عن إقامة الدروس وغيرها كما شرط وقد ضاع بعض أوقافها واتخذت مكتبا ابتدائيا كما قدمناه. جامع الدليواتي محله تجاه المنصورية بميلة إلى الشمال وهو مسجد قديم يبلغ صحنه خمسة عشر ذراعا في مثلها وفي وسطه حوض صغير وفي شماليه حجرات متهدمة وفي غربيه حجرة صغيرة عامرة يصعد إليها بدرج وفي جنوبيه قبلية في شرقيها قبر الرجل الصالح (أبي بكر المصري الحلبي الصوفي الدليواتي) وإليه ينسب هذا الجامع وقد مرت عليه الأيام والليالي وأشرف على الخراب وأغلق بابه مدة طويلة إلى أن كانت سنة 1320 انتدب لعمارته محمد أسعد باشا ابن (علي أفندي الجابري) فصرف عليه من ماله مبلغا ورمه مرمة تستحق الذكر وزاد فيه عدة خلوات لطلاب العلم أجرى لهم معلوما من ماله. مسجد أزدمر محله قبلي خان قورد بك إلى الشرق وهو مسجد قديم وكان له مدرسة لم يبق لها عين ولا أثر وكأنها دخلت في الدور التي تجاوره وأظنه منسوبا إلى (أزدمر بن مزيد) هو الآن سماوي يبلغ سبعة أذرع في مثلها تقريبا وفي جنوبيه قبلية وعلى بابه سبيل تقام فيه الصلاة وكان محمد أسعد أفندي ابن عبد القادر الجابري شرط له عدة خيرات في وقفه ثم رجع عنها لأن والي حلب ودفتر دارها إذ ذاك عينا له في الشهر 75 قرشا فشرط محمد أسعد الجزء: 2 ¦ الصفحة: 113 المومى إليه أن يدفع له هذا المبلغ من وقفه إذ انقطع ما عيناه له وشرط له قراء وقت الصبح. مكتوب على نجفة باب قبليته الذي يلي السماوي. هذا مسجد الشيخ أزدمر عليه الرحمة والرضوان سعى بتجديده بعد اندثاره الفقير المحتاج لعفو ربه الحاج أحمد الخفاف في غرة رجب سنة 1112. مسجد الشاذلي في زقاق بيت الحاج شفيق وربما عرف بمسجد الشيخ المصري له سماوي يبلغ بضعة عشر ذراعا في مثلها في وسطه حوض صغير وفي جنوبيه قبلية وفي شرقيها مصيف وهو معطل تعلم فيه الأطفال ولا يعرف له وقف. المدرسة الهاشمية محلها في غربي الزينبية تجاه خانقاه الملك الناصر عمرها هاشم أفندي بن مصطفى بن طه آغا الدلالباشي من ذوي الأملاك في حلب على أثر مسجد قديم فبنى فيها اثنتي عشرة حجرة ما بين سفلى وعليا وقبلية وحوضا في وسطها وعزم على أن يقف عليها فطلب منه أحد الطلبة أن يعينه في وظيفة التدريس وأحضر له عدة رقاع من كبار موظفي الحكومة يلتمسون منه تعيينه فأشمئز من ذلك وفترت همته وصرف نظره عن أن يقف على المدرسة شيئا وكانت مباشرته بتعميرها سنة 1308. الزينبية محلها تجاه الخانقاه الناصرية في شرقي المدرسة الهاشمية واتصالها هي عمارة متسعة تبلغ خمسين ذراعا في مثلها تقريبا في وسطها حوض مربع فوق عشر بعشر وفي قبليها مدفن فيه عدد وافر من القبور وله نوافذ على الجادة وفي شمالي هذا المدفن إلى الشرق قبلية وفي شمالي السماوي حجرة ومطهرة فوقهما غرفة تعلم فيها الأطفال وفي غربي القبلية مما يلي السماوي منارة قصيرة. هذه العمارة الآن متوهنة ومعظم شعائرها معطلة وتقام فيها الصلاة والجمعة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 114 خلاصة كتاب وقفها الواقفة زينب خانم زوجة الجانبلاد الخواجه منصور الشهير بابن حطب، وقفت عدة أفدان من قرية أرحايوس في قضاء حارم ونصف مزرعة ثلاش في القضاء المذكور وطاحونا عند جسر الأنصاري ظاهر حلب مشتملا على حجرين ونصف طاحون زنبور على نهر قويق قرب خان طومان، وأرضا في قربه وثلاثة قراريط من طاحون بحورتا في قضاء كلّس، ونصفا من اثنى عشر من مزرعة الورد المعروفة بكفره من أعمال عزاز في قضاء كليس وخمسة قراريط وسدسا وثلاثة أرباع القيراط من مزرعة بارونس في القصير من أعمال انطاكية وربع قيراط وثمنه من كشف برنه في قضاء الزاوية وغير ذلك من الأراضي في قرى متعددة وثمانية عشر قيراطا من حمام الكلاسة بحلب وجميع الحوانيت المتلاصقات في سويقة على قرب المدرسة التفاوية وجميع الفرن الموجه إلى سيدي منصور بن حطب برأس الزقاق الداخل إلى محلة اليهود ودكانين متلاصقين في الصف الشرقي من سوق الصابون وعدة قطع زيتون وتين في عدة قرى. شروطه شرطت أن تصرف غلة هذا الوقف على تعمير جامعها ومصالح المكتب داخله وأجرة الخطيب والإمام والمؤذن والخادم والفراش وثمانية حفاظ يقرأ كل واحد منهم جزءا في جامعها كل يوم وأن يفرق كل يوم على ثمانية أيتام في مكتبها المذكور رطل خبز وثمن زيت الجامع وبقية نفقاته وما فضل بعد ذلك فلأولادها وأولاد أولادها إلخ، وبانقراضهم فإلى الحرمين ثم إلى الفقراء والتولية من بعد انقراض الذرية مفوضة لرأي الحاكم تحريرا في ذي الحجة سنة 1003. الخانقاه الناصرية محلها تجاه الزينبية وهي خانقاه عظيمة واسعة مشتملة على بضع عشرة حجرة وقبلية وحوض ولكنها الآن مشرفة على الخراب يسكنها العتقاء السود ونسبتها إلى الملك الناصر لأنها بقيت في أيامه لا لأنه هو الذي عمرها وإلّا فبانيها غير معروف مكتوب على بابها بعد البسملة (وقالوا الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن إن ربنا لغفور شكور. إلى قوله تعالى: الجزء: 2 ¦ الصفحة: 115 لغوب. أنشئ هذا الرباط المبارك في أيام مولانا السلطان الملك الناصر صلاح الدنيا والدين يوسف بن أيوب ناصر أمير المؤمنين في شهور سنة خمس وثلاثين وستمائة) . المدرسة الشعبانية محلها في الجادة المنسوبة إليها، وهي مدرسة عظيمة عامرة تشتمل على صحن واسع يبلغ خمسين ذراعا في مثلها تقريبا في وسطه حوض مربع يبلغ بضعة عشر ذراعا في مثلها قد حف من شماليه وشرقيه وغربيه بحديقة جميلة وفي جنوبي الحوض إلى شرقيه صهريج واسع حفره وأنشأه المرحوم (تقي الدين باشا) سنة 1269 من وصية والده المرحوم (عبد الرحمن أفندي المدرس) ووقف على مصالحه دكانا في سوق العبي وفي غربي الصحن وشرقيه رواقان ممتدان من الشمال ألى الجنوب داخلهما سبع وعشرون حجرة للمجاورين وفي جهته الشمالية دار للتدريس وهي قبة عظيمة واسعة وفي شرقيها حجرة واسعة وفي غربيها مطبخ في جانبه الغربي حجرتان في غربيهما مطهرة المدرسة وفي جنوبي الصحن قبلية في شرقيها رواق واسع وفي غربيها مدفن ومسجدها تقام فيه الصلوات والجمعة «1» . خلاصة كتاب وقفها الواقف (شعبان آغا محصل أموال حلب بن أحمد آغا) وكان محل المدرسة وجامعها عرصة خالية اشتراها واقفها من محمد بك الجانبلاد فعمرها وعمر في جنوبيها إلى الشرق مكتبا لتعليم الأطفال ووقف لذلك طاحونا على نهر قويق قرب مزرعة لبيبه وآخر في قرية زيتان يعرف بطاحون زنبور وآخر في قرية كفر زيته على عين مبارك كلها في ناحية جبل سمعان وآخر على نهر المضيق قرب قلعة المضيق وآخر قرب قرية دويبق في ناحية عزاز ومن أوقاف هذه المدرسة الفرن المجاور لها في جنوبيها إلى الشرق وخان خارج باب انطاكية يعرف بخان الفاخورة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 116 شروطه شرط التولية من بعده لأرشد أولاده وذريته، وبانقراضهم فللأرشد الأقرب من عصباته وبانقراضهم فللأرشد الأقرب من ذوي أرحامه وبانقراضهم فإلى مفتي حلب وأن يبدأ من غلة الوقف بتعمير وترميم مدرسته ثم يعطي في كل سنة 200 قرش أسدى للمتولي وإذا آلت التولية إلى المفتي يعطى في السنة 100 قرش أسدى ويعطى في كل شهر ثلاثة قروش أسدية للأمام وثمانية للمدرس بشرط أن يكون عالما بالمعقول والمنقول وأن لا يكون مسقط رأسه وتربيته في حلب ولا في إيالتها ويقرأ في المدرسة صباح كل يوم وأسدى ونصف لكل واحد من الطلبة بشرط أن يكونوا ثلاثين شخصا مسقط رأسهم وتربيتهم في غير حلب وإيالتها فيسكنون في الحجرات المذكورة كل واحد بحجرة ويجتمعون بعد صلاة الصبح ويختمون ختما شريفا يهدون ثوابه على الصيغة المعلومة والداعي هو الإمام وشهريته على ذلك أسديان وثلاثة أسديات لمعلم الأطفال في مكتبه المذكور وشرط أن يعين من المجاورين المذكورين حافظ ربعة ونقطه جي ويعطى شهريا أسديا ومؤذنان في مسجده لكل أسدي في الشهر وبواب للباب البراني شهريته أسدي وقيم لقبلية المسجد شهريته أسدي وآخر لصحن المدرسة والجامع المطهرة شهريته أسدي وأن يعطى للقنوي الذي يسوق الماء كل يوم أسدي في الشهر ولبستاني الحديثة الكائنة في صحن المدرسة أسدي ولمعمار الوقف أسديان إن اشتغل في الشهر يومين أو ثلاثا فإن اشتغل أكثر من ذلك فيدفع له أجرة المثل ولوكيل المتولي أسديان ولكاتب له أسدي وللجابي أسدي وأن يشتري بثمانية قروش سنويا زيت للجامع داخلا وخارجا وبستة قروش شمع عسلي يوقد في الجامع في رمضان وبثلاثة قروش مكانس وسطول للمطهرة وأباريق لها وبقرشين قناديل داخلا وخارجا وبأربعة قروش حصر للمدرسة والمسجد وأن يوقد في المطهرة قنديل طول الليل وأنه ما فاض من غلة الوقف يوضع عند أمين ومن تزوج من المجاورين في حلب أو سافر عنها تنحل وظيفته وتوجه على أقدم مجاور بمعرفة وكيل المتولي إلى آخر ما شرط تحريرا في منتصف رمضان سنة 1088: هذه المدرسة الآن من أعمر مدارس حلب بعد المدرسة الرضائية. المدرسة السيافية محلها في رأس الجادة النازلة إلى المدرسة الشعبانية في حضرة مكتب شعبان آغا المتقدم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 117 ذكره وهي من المدارس العامرة وكان في محلها مسجد يقال له مسجد طولون فعمره مدرسة إبراهيم آغا رئيس البوابين بالباب العالي السلطاني بن السيد عبد الله آغا السياف وهي صحن طوله نحو عشرين ذراعا في عرض عشرة في جهته الشمالية والشرقية ست حجرات وفي جهته الجنوبية قبلية تقام فيها الصلوات ولها ميضأت ينزل إليها بدركات ضمنها قسطل. خلاصة كتاب وقفها رأيت صورة الكتاب المذكور في السجل المحفوظ متوّجا بهذه الأبيات وهي: ما فيه من وقف ومن شروط ... جرى على وجه الرضى المبسوط فالله يجزي الواقف الأجورا ... إذ سعيه كان به مشكورا أخبرني به وعنه نائبي ... ومن غدا منتصبا من جانبي وأنه بالوقف تأييدا حكم ... بصحة ومع لزوم ما برم إذ كان فيه عالم الخلاف ... ما بين أهل العلم بالأوقاف وإنني من بعد ما ارتضيته ... نفذت هذا الحكم بل قضيته أنا الفقير رازقي علي ... ابن الشريف مصطفى نوري ابن محمد أمين القاضي ... بحلب صينت عن الأعراض أعطاهما مولاهما خير الطلب ... عفى الإله عنهما في المنقلب والوقفية مفتتحة بعد البسملة بقوله: الحمد لله الذي وفق من شاء لسلوك منهج الخيرات إلخ ثم وقف فيها دار سكناه بمحلة الفرافرة وتعرف بدار الشيخ هاشم الكلاسي قبلة وشرقا الطريق وغربا طريق زقاق القنايات ودارا بزقاق عبد الرحيم بمحلة الجمال (ساحة التنانير) قبلة وشمالا البوابة وشرقا الطريق ودارا بمحلة الأكراد خارج باب النصر شمالا الطريق ودارا بالمحلة المذكورة غربا الطريق ودارا بمحلة الطبلة قبلة بجامع الزكي وشرقا بأوج خان وشمالا بالبوابة وغربا بالقاسارية ونصف دار بمحلة الفرافرة قبلة وشمالا وغربا الطريق وشرقا دار لذويها وتمامه مسجد الشيخ فرج الكائن تحت القلعة ونصف جنينة بالدار المذكورة ونصف مصبنة في البندرة قبلة بجنينة عبد السلام وشمالا الطريق وأحد عشر قيراطا من مصبنة أوج خان في محلة المرعشي شمالا الخان المذكور وشرقا قاسارية وقف جامع الزكي وتسعة قراريط ونصف من الخان المذكور وثمانية قراريط وثلث القيراط من البستان الوسطاني في قرية كفر الجزء: 2 ¦ الصفحة: 118 لاتا «1» في قضاء ريحا وقيراطين من البستان الفوقاني في القرية المذكورة وقيراطين من بستان السطر فيها أيضا وبستان الجوبي في خط الحريري بأرض مزرعة باصفرة بالقرب من عين التل في ظاهر حلب المقدرة بثلاث كدنات «2» وجميع الجفتلك «3» بأرض قرية كفر لاتا وأرض البياض التابعة للجفتلك المذكور وعدة أراض عامرة في هذه القرية ودكانا بسوق العطارين بحلب في الصف الشمالي ودكانا بسوق داخل باب النصر بحلب في الصف الغربي ودكانا بسوق محلة الفرافرة قرب المحكمة الشرعية بالصف القبلي شرقا القسطل المعروف بالواقف وشمالا الطلايق وغربا دكان وقف جامع المهمندار ودكانا بسوق داخل باب النصر بالصف الغربي ودكانا بالزابوق العتيق بسوق البالستان شرقا وشمالا الطريق ودكانا في سوق الصابون بالصف الغربي شمالا باب سوق القاوقجية ودكانا بزابوق سوق القاوقجية المعروف بسوق الطارابيشية بالصف الشرقي شرقا دكان وقف الزينبية. شروطه شرط التولية على نفسه ثم على عمه الحاج أحمد آغا ثم من بعده فعلى أولاد الواقف وأعقابه وبانقراضهم فعلى أتقى رجل من الفقهاء الحنفية وأن يبتدئ من الغلة بتعمير مسجد طيلون وشراء ما يلزمه وتعمير قسطله أي قسطل الواقف بالقرب من المحكمة الشرعية وما فضل يدفع منه في كل شهر 25 قرشا إلى خمسة يقرءون خمسة أجزاء كل يوم في المسجد المذكور و 30 إلى المدرس و 15 إلى المؤذن و 10 إلى مؤدب الأطفال و 5 لقنوي قسطله المذكور و 5 لقنوي سبيل الجالق بالفرافرة و 5 على مصالح جامع القدوري في البندره و 10 لناظر الوقف و 15 لجابيه و 50 على طعام للفقراء وأن يشتري المتولي في كل سنة مائة ذراع من الخام الإنكليزي ويفرقها على الفقراء ويدفع في كل شهر خمسين قرشا لخمسة طلبة في المسجد المذكور و 15 لخادمه و 5 لنقطجي و 3 لقنويه و 60 لأربعة حفاظ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 119 للمقابلة في رمضان في المسجد وما فضل بعد ذلك يقتسمه أولاده بينهم على الفريضة الشرعية تحريرا في سنة 1250 مكتوب على بابه: مجدد هذا المسجد النيّر الذي ... بطيلون يدعى بالمهابة والبها بتوفيق إبراهيم أرخت معهدا ... بتجديده نال السعادة والبها في ر 161 سنة 1249 مسجد الحريري محله في زقاق بني الكتخدا وهو قديم من أيام الملك الظاهر غازي كما يفهم من كتابة على حجرة فوق بابه مما يلي سماويه ثم جدده الملك المنصور قراسنقر الجوكندا ووقف عليه بعض حوانيت كما يفهم من كتابة فوق محراب مصيفه وهو سماوي في غربيه حجرة وفي جنوبيه قبلية في شرقيها مصيف وأوقافه الآن قليلة تصلى فيه الجهرية. مسجد زقاق القنايات يعرف بمسجد الحجار لأن الذي جدده (الشيخ أحمد بن قاسم شنون الحجار) وهو سماوي يدخل إليه من باب متجه إلى الشمال وعلى يمنة الداخل ويسرته حجرتان وفي جنوبيه قبلية فيها محراب من النحيت سقفها مقبو بالأحجار ولها نوافذ وشباكان مطلان على سماوي هذا المسجد قد فرشت أرض صحنه فرشا محكما بالرخام الأصفر تبلغ مساحتها خمسة عشر ذراعا في مثلها وهو مسجد نير عامر تقام فيه الصلوات وأوقافه قليلة جدا لا تقوم بكفايته وله في كل شهر ثلاثون قرشا من أوقاف خيرات المرحوم أسعد أفندي الجابري وفي شرقي السماوي قبر أحد الصالحين. بقية آثارها مزار الشيخ عبد الله يوجد في جنوبي بوابة الأرمنازي المتصلة بالمنصورية من جنوبيها حجرة فيها قبر ولها شباك على الجادة مكتوب في نجفته (هذه حضرة ولي الله الشيخ عبد الله الغازي قدس سره في أوائل شهر الحرام سنة 1017) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 120 سبيل الجالق وكان يعرف بسبيل الخنكازلي وهو صهريج عليه عمارة فيها أجران لصيق خانقاه الملك الناصر من غربيها تجاه المدرسة الهاشمية وهو قديم جدد في سنة 1238 من وصية عمر آغا الجالق على يد درويش أفندي الخطيب وله دكان عند سبيل محرم في سوق خارج باب النصر وقفتها عليه إحدى نساء الخنكاري في رأس زقاق بيت الحاج شفيق على يمنة المتوجه فيه جنوبا سبيل في الجدار جرن أصفر معطل لا يجري فيه الماء له في المحلة دار موقوفة عليه وسبيل النسيمي صهريج عليه عمارة وله أجران وسبيل في غربي جامع الشيخ فرج تحت القلعة صهريج عليه عمارة أسسه سنة 1260 مؤيد بك ومثله سبيل تجاه جامع الحيات وله وقف والمتولي عليه المتولي على الجامع المذكور وفي سنة 1240 وقف محمد بن حسين مشمشان بعض عقارات على هذا السبيل وعلى المدرسة المنصورية المتقدم ذكرها وسبيل مسجد أزدمر على باب مسجده وقسطل أبي شرابة وهو من إنشاء إبراهيم آغا بن السيد عبد الله آغا السياف مجدد مسجد طيلون ومدرسته وتقدم ذكره في كتاب وقف المدرسة السيافية. حماماتها فيها من الحمامات حمام السلطان في شمالي القلعة إلى الشرق على حافة الخندق قديم جدا وحمام مصطفى باشا البيلاني والي حلب سنة 1238 وحمام الخنكارلي تجاه المدرسة الشعبانية نسبة إلى ملاخند «1» كارشيخ الطريقة المولوية المعروف في زماننا بجلبي أفندي وكان أحد هؤلاء المشايخ سكن في حلب مدة وعمر هذا الحمام في دار سكناه فعرف به. مدرها وفيها مدار في شرقي عمارة النسيمي بينه وبين المدرسة الإسماعيلية ومدار شرقي حمام السلطان تحت القلعة على الجادة وفرنان أحدهما لصيق المدرسة الشعبانية في جنوبيها وهو جار في أوقافها وثانيهما فرن (محمد بهاء الدين بن تقي الدين القدسي) عمر هو وبيت الجزء: 2 ¦ الصفحة: 121 القهوة والدكاكين التي في صفهما من ماله بعد وفاته واستخرجت من جنينة داره وبيت القهوة هذا لا يوجد في المحلة غيره وهو أحسن قهوة بحلب. تنبيه: كان يوجد في هذه المحلة غربي خندق القلعة مدرسة اسمها السيفية الشافعية أنشأها الأمير سيف الدين بن علم الدين سليمان انتهت سنة 610 وقد درس بها عدة علماء وأئمة فضلاء ومن جملة أوقافها حصة بقرية إسلامين من عمل سرمين وأخرى بقرية المالكية من عمل عزاز وأخرى بقرية قيبار وأظن أن هذه المدرسة كانت تجاور الحسامية من جنوبيها وقد صارت دورا للناس ولم يبق لها أثر وكان قرب هذه المدرسة خانقاه أنشأتها السيدة أم الصالح إسماعيل بن العادل نور الدين سنة 578 وبنت إلى جانبها تربة ودفنت فيها ولدها الصالح ووقفت عليه عدة أوقاف من جملتها بستان البقعة ووقفت على الخانقاه حصة بكفر كرمين من عزاز وكان عند باب الأربعين خانقاه أنشأها أتابك طغربل سنة 641 وقد سبق الكلام عليها في الكلام على أبواب سور حلب. الأسر الشهيرة في هذه المحلة امتازت هذه المحلة على غيرها من محلات حلب باختصاصها بسكنى أسر من أعيان المسلمين وبما اشتملت عليه من الدور العظام التي تضاهي كل دار منها محلة: فمن الأسر الشهيرة القديمة في هذه المحلة: أسرة بني شريف (بضم الشين وفتح الراء وتشديد الياء) وهي أسرة كانت قبل جيل ذات نفوذ وعظمة وأملاك وافرة وثروة طائلة وأوقاف كبيرة ورجال أجلاء عظماء ذكرنا بعضهم في باب التراجم. ومن الأسر الشهيرة في هذه المحلة أسرة آل إبراهيم قطار آغاسي وأسرة آل الكتخداه وآل المرعشي وآل السياف وآل القدسي وآل الخطيب وغيرهم وسنتكلم على أكثر هذه الأسر في مقدمة باب التراجم. والدور العظام في هذه المحلة مضافة إلى الأسر التي ذكرناها. انتهى الكلام على هذه المحلة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 122 محلة داخل باب النصر (د) عدد بيوتها 58 الذكور/ الإناث/ المجموع/ الأقوام 233/244/477/مسلمون يحدها قبلة حارة الفرافرة وشرقا شاهين بك وشمالا الخندق وغربا سويقة علي وبندرة الاسلام. آثارها أعظمها المدرسة الرضائية المشهورة بالعثمانية محدودة من غربيها وجنوبيها بالطريق السالك ومن شرقيها بطريق غير نافذ ومن شماليها بسراي الواقف الآتي ذكرها أنشأها (عثمان باشا) بن عبد الرحمن باشا ابن عثمان آغا الدوركي الأصل الحلبي المولد والمنشأ وقد ذكرنا في ترجمته متى ابتدأ بتعميرها ومتى انتهى منه، ونقول هنا هذه المدرسة عمارة لها ثلاثة أبواب شرقي يعلو أرض المدرسة وغربي يساويها وهما مستعملان وشمالي ينفذ إلى سراي الواقف وهو مسدود ومحيطها من خارجها 306 ع و 18 ط لأن طول جهتها الشرقية من الجنوب إلى الشمال 94 ع و 12 ط والشمالية من الغرب إلى الشرق 71 ع و 12 ط والغربية من الشمال إلى الجنوب 70 ع و 18 ط والجنوبية من الغرب إلى الشرق 70 ع يدخل في هذه المساحة المدرسة والجامع والسبيل والمكتب والبستان ويخرج عنها ميضأة المكتب الكائنة في جنوبه المنفصلة عنه بالطريق العام وهذه العمارة تشتمل على أربعين حجرة وعلى محل تغسل فيه الأموات وعلى مطهرة وعلى مكتبة وبستان وقاعة للتدريس وعلى قبلية الجامع وإيوانين كسرويين «1» عظيمين في جانبيها لكل منهما شبابيك مطلة على البستان في الجزء: 2 ¦ الصفحة: 123 الغربي منهما باب المنارة وحجرة معدة لوضع زيت الجامع وأدوات التنوير والشرقي منهما فيه حجرة معدة لما ذكر والبستان وراء القبلية والإيوانين وقاعة التدريس وأكثر غراس البستان شجر الكباد. وأما المكتب والسبيل فهما في جنوبي الجهة الشرقية وشرقي الجهة الجنوبية والمنارة مدورة الشكل مضلعة طولها من أرض الجامع إلى موقف المؤذن 41 ع ومحيطها من عند موقف المؤذن 10 ع وطول مكبسها 7 ع و 12 ط تقريبا عدا تاجها المعمول من الرصاص ومراقيها إلى عتبتها مائة وثماني عشرة مرقاة وهي منارة متقنة معقودة حجارتها بكلاليب الحديد والرصاص كبقية منارات حلب وسماوي الجامع مشتمل على دكتين عظيمتين تجاه القبلية من شماليها يفصل بينهما طريق القبلية فوقهما ثلاثة قباب محمولة جهتها البرانية على أربعة أعمدة كبار من الرخام الأصفر يصل بينها أسطوانات الحديد وعلى ثلاث أروقة تجاه كل جهة رواق فرواق الجهة الشرقية سقفه سبع عشرة قبة محمولة جهتها البرانية على خمسة عشر عمودا يصل بينها وبين الجدار الداخلي أسطوانات حديدية وهكذا بقية الأروقة ورواق الجهة الشمالية سقفه ثلاث عشرة قبة مركبة حهتها البرانية على أحد عشر عمودا ورواق الجهة الغربية سقفه اثنتا عشرة قبة مركبة جهتها البرانية على أحد عشر عمودا ويشتمل سماوي الجامع أيضا على حوض عظيم يبلغ أربعة عشر ذراعا في مثلها في عمق ذراع تقريبا في جهته الغربية ثقب يجري فيه الماء إلى الأخلية ليلا ونهارا ويوجد في جانبي هذا الحوض حديقتان فيهما بعض الأشجار من الزيتون والتوت والرمان وفي شمالي الحوض دكة تساويه في الطول والارتفاع يبلغ عرضها بضعة أذرع وجميع أسطحة المدرسة والجامع وقبته العظيمة وقبة قاعة التدريس وقباب الحجرات والمكتب وسقف السبيل وقباب الأروقة مفروش بالرصاص عوضا عن الجص أو الرخام وبالجملة فإن هذه المدرسة من أتقن مدارس حلب وأجملها وناهيك دليلا على إتقان بنائها أنه مر عليها عدة زلازل لم يتصدع منها شيئا سوى زلزلة سنة 1237 اندفع منها هلال المنارة فسقط على قمة قبة القبلية فخرقها على إن جميع جدران قبلية الجامع معقودة بكلاليب الحديد والرصاص فكأن القبلية كلها قطعة واحدة. أوقافها وشروط واقفها جعل الواقف كتاب وقفه عدة أجزاء حرر في كل مدة جزءا أثبت فيه أوقافا وزاد شروطا. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 124 فالجزء الأول مفتتح بقوله بعد البسملة الحمد لله على أن يتلجت تباشير الحقيقة الغراء ودين الإسلام تبلج غرر الصباح عن طرر الكلام إلخ. ثم وقف فيه جميع حمام التوتة بمحلة التوت بأنطاكية (هي الآن داثرة) وطاحون كوجك دكر من على العاصي بأنطاكية قرب حمام الجندي على ثلاث أحجار وبستانا في مزرعة المعشوقية خارج باب بولص أحد أبواب أنطاكية وطاحون الطبقة على نهر قويق قرب عين التل ظاهر حلب ثلاث أحجار وقطعة أرض تجاهه وطاحون المرجة قرب عين التل حجران وقطعة أرض تجاهه ونصف بستان الخوجكي المعروف الآن بالريحاوي نسبة إلى مالكه قبل الوقف وهو نعمة الله الريحاوي، حده من قبلة طريق سالك وشرقا الفلاة وشمالا جسر المعزة وغربا بنهر قويق ونصف الجزيرة المتصلة به و 14 قيراطا من طاحون جغيلات لصيق الجزيرة أربع أحجار وقاسارية بزقاق الطبلة خارج باب النصر بحلب حدها قبلة خان عصيص وشرقا أقميم حمام القواس والحمام المذكور وشمالا طريق سالك وغربا كذلك وقاسارية بزقاق المغربلية خارج باب النصر قبلة بوابة وشرقا جامع زقاق جامع بنقوسا وغربا طريق سالك وأرض فلاحة تعرف بالأرض البيضاء المتصلة بالخناقية من فوق في أرض الحلبة ظاهر حلب قبلة الخناقية وشرقا أرض هاشم جلبي والفاصل بينهما المغارة وشمالا سن جبل القليعة وغربا الطريق وأربع قطع أراضي الحلبة المذكورة وقاسارية بمحلة المرعشي خارج باب النصر قبلة خندق باب النصر وشمالا طريق سالك غربا الخندق المذكور وطابونة غرة في الصف الغربي من سوق داخل باب النصر تجاه سوق الخابية ودارا بالفرافرة (خارجة عن الوقف الآن) ودارا بمحلة داخل باب النصر قبلة زقاق غير نافذ وأشجار قرية معارة عليا في قضاء سرمين مع أراضي هذه القرية وجفتلك وبرج حمام (خارج ذلك عن الوقف الآن) ودكاكين خمس بمحلة باب النصر وشرط أن يكون بمسجده خطيب يوميته ثلاثون عثمانيا فضيا كل مائة وعشرين عثمانيا قرش واحد كما بين الوقفية قلت وقدّروا هذا القرش بأنه يساوي ثمانية قروش من قروش زماننا وشرط أن يكون لمسجده أيضا إمام للأوقات الجهرية يوميته ستة عشر عثمانيا ومدرس جامع بين المعقول والمنقول والفروع والأصول يفيد الطلبة في المدرسة المذكورة خلا يومي الثلاثاء والجمعة يوميته أربعون عثمانيا ومحدث عالم بفن الحديث يقرأ في المدرسة المذكورة كل يوم اثنين وخميس ما شاءه من كتب الحديث يوميته عشرون عثمانيا وواعظ يعظ الناس بعد صلاة الجمعة يوميته ستة عشر ومعلم للمكتب لا يأخذ أجرة من أولياء الأولاد يوميته أربعة وعشرون وأن تعطى ثلاثون حجرة من حجرات المدرسة ثلاثين رجلا من طلبة العلم من الجزء: 2 ¦ الصفحة: 125 أهالي حلب أو غيرها متزوجا أو عزبا على أن لا يكون فيهم رجل يحلق لحيته ولا ينام عند أحدهم غلام أمرد إلا أن يكون ولده أو أخاه وأن لا يخرج الرجل منهم من حجرته ولا تعطى لآخر بشفاعة. وإذا طلب أحد من الحكام أو الولاة والأعيان من المتولي عزل أحد المرتزقة ونصب غيره فلا يجيبه إلا أن يصدر عنه جرم فيعزله المتولي لا غيره وأن يلازم المجاورون حجرهم ليلا ونهارا ويقرءون الدرس بالمدرسة مع المطالعة والكتابة في حجرهم والصلوات الخمس بالجامع ويباح للمتزوج فقط أن ينام في بيته ليلة الجمعة والثلاثاء بشرط أن يأتي المدرسة وقت الفجر ويحضر صلاة الصبح وعين لكل واحد منهم ثماني عثمانيات على أن يقرأ كل واحد منهم في كل يوم بعد صلاة الصبح في قبلية الجامع المذكور جزءا من القرآن الكريم يهدون ثوابه للنبي وآله والأنبياء والمرسلين وآدم والصحابة الكرام ثم لروح الواقف وأبويه ومن يلوذ به ولزوجته عائشة وأخته راضية خانم المتوفاة وزوجها الحاج مصطفى آغا وأن يقرأ معلم المكتب قبل صلاة الجمعة في محراب القبلية سورة الكهف مرتلة جهرا ويقرأ بعدها الفاتحة ويهدي الثواب على نحو ما تقدم وأن يقرأ الفاتحة بعد الفراغ كل من المحدث والمدرس الواعظ ويدعون كما تقدم وأن يقرأ بعد قراءة سورة الكهف قبل صلاة الجمعة شيئا من القرآن في السدة وعشرا بعد صلاة الجمعة عند كرسي الواعظ وأن يكون أربعة مؤذنين حسنة أصواتهم يومية كل واحد منهم ستة عشر عثمانيا وثلاثة بوابين يومية كل عشرة وللمدرس والمحدث معيد مستعد يوميته عشرة وفراشان للقبلية وسطحها والإيوانين وسطحهما يومية كل عشرة وكناسان لحوش الجامع والمدرسة والرواقات وأسطحتها والحجرات والقباب وسطح المكتب وبيوت الأخلية يومية كل عشرة وشعالان يومية كل عشرة وقيم للسبيل يوميته اثنا عشر وأمين كتب يعطى للمحدث والمدرس ما يحتاجانه من الكتب ويفتح المكتبة لأستفادة الناس من طلوع الشمس إلى غروبها في يومي الاثنين والخميس دون إخراج كتب منها وأن ترمم الكتب بمعرفة المتولي ويومية أمين الكتب عشرون وبستاني عارف بأحوال الغراس يوميته عشرة وقنواتي لحوض الجامع وصهريج السبيل يوميته عشرة ونقطجي يضبط ما يتركه أحد الموظفين ليقطع عليه المتولي من معلومه ما يقابل ما تركه ويومية النقطجي ثمانية وكاتب للوقف يوميته عشرون وجاب يوميته عشرون وناظر فطين دين يوميته أربعون. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 126 ومن أخل بوظيفته بغير عذر شرعي يعزله المتولي وتولية الوقف بعد الواقف لزوجته عائشة ثم لولده منها محمد طاهر بك ثم للأسن الأرشد من ذريته ذكورا وإناثا وبانقراضهم فللأرشد الأسن من أولاد أخته المتوفاة راضية خانم ثم للأرشد الأسن من ذريتها وبانقراضهم فللأرشد الأسن من أولاد عتقاء الواقف وبانقراضهم فلأولاد عتقاء شقيقه راضية خانم ويومية المتولي ثلاثمائة وبانقراض جميع المذكورين تناط التولية بقاضي حلب وتكون يوميته ستونا وللمحدث والمدرس والخطيب حينئذ أن يستطلعوا على عمله وأول ما ينفق من غلة الوقف الأحكار المرتبة عليه ثم ترميم الوقف والجامع ثم المرتبات ولا يؤجر محل أكثر من سنة ولا من ذي شوكة ثم يأخذ المتولي معينه بمعرفة هيئة المرتزقة وكلما اجتمع من الريع فضيلة يشتري بها عقارات تلحق وبالوقف وإذا آلت التولية للقاضي فللناظر والمدرس والخطيب أن يفعلوا ما كان يفعله المتولي بمعرفة هيئة المرتزقة والعزل والنصب بعد الواقف للمتولي لا يتداخل بهما وبالوقف أحد من الحكام وولاة الأمور ويشتري من غلة الوقف ما يلزم لتنوير الجامع من الزيت مع أربع شمعات عسلية زنتها ثمانية وأربعون رطلا حلبيا كل واحدة اثنا عشر رطلا اثنتان منها يوضعان على يمين المحراب واثنتان على يساره وكلما احترقت أعيدت على هذه الصفة وكلما فنيت حصر الجامع والمدرسة والمكتب وطنافسها تجدد ويشتري القدر الكافي من سطول ومشربيات نحاس بيض وحبال للسبيل ومكانس وأباريق للجامع ويسرج خمسة وسبعون قنديلا في قبلية الجامع في ليلة المولد النبوي وليالي رمضان والعيدين ونصف شعبان والسابعة والعشرين من رجب وليلة عرفه وعاشوراء والجمعة ومثلها في هذه الليالي في الإيوانين والأروقة وخمسون قنديلا في المنارة تبقى من المغرب إلى الفجر ويحرق من العود الماوردي الجيد ستة دراهم في محراب القبلية ليلة المولد ودرهم عند صلاة العشاء ليلة الجمعة وحين صعود الخطيب يومها وأربعة في ليلتي العيدين ودرهمان وقت صلاة التراويح كل ليلة والليلة التاسعة من ذي الحجة والليلة السابعة والعشرين من رجب وليلة النصف من شعبان وليلة عاشوراء فالجملة مائة وسبعون درهما: تمت الوقفية الأولى بتاريخ غرة ذي القعدة سنة 1142. الوقفية الثانية: أولها بعد البسملة: أحمد ربا ربت سوابق كرمه وربت لواحق نعمه إلخ. وقف فيها نصف بستان الخواجكي المتقدم ذكره ونصف الجزيرة الملاصقة له وعشرة قراريط من طاحون الجغيلات ونصف بستان حجازي بأرض الحلبة وفيه ناعورة قبلة بستان الجزء: 2 ¦ الصفحة: 127 كور مصري وشرقا بستان السحلولية وغربا قويق وشرط فيها أن يعين قارىء يقرأ كل يوم خميس واثنين في القبلية قبل صلاة الظهر سورة الزمر وجميع الحواميم ويختمها بالفاتحة ويدعو كما تقدم ويوميته ثمانية عثمانيات في غرة محرم 1143. الوقفية الثالثة: أولها الحمد لله الذي ترادفت نعمه وعم الوجود جوده وكرمه إلخ وقف فيها نصف بستان حجازي المذكور وقطعة بستان السحلولية قبل بستان حجازي وأرضا ملاصقة للسحلولية تاريخها غرة ربيع الأول سنة 1143. الوقفية الرابعة: أولها الحمد لله المنزه عن الشريك والنظير والولد والوالد إلخ وقف فيها خمسة عشر قيراطا من بستان كور مصري وفيه غرافان من نهر قويق وله حق شرب من ماء القليط قبلة بستان الشهبندر مصطفى باشا وشرقا الطريق السالك وشمالا كذلك وتمامه ببستان حجازي والسحلولية وغربا قويق وتمامه ببستان الشهبندر وشرط فيها واعظا بالتركية بعد صلاة العصر في القبلية يوم الخميس والاثنين يوميته عشر عثمانيات بتاريخ غرة جمادى الثانية سنة 1143. الوقفية الخامسة: أولها الحمد لله وكفى إلخ وقف فيها ثمانية قراريط وخمسة أثمان القيراط وخمسة أسداس ثمن القيراط من بستان كور مصري بخط النصيبي خارج باب الفرج المتقدم ذكره ودكانين بمحلة الأكراد خارج باب النصر ودكانا فوقهما قبلي طابونة «1» غرة المتقدم ذكرها بمحلة داخل باب النصر تاريخها غرة رجب سنة 1150. الوقفية السادسة: أولها الحمد لله رب العالمين إلخ وقف فيها جميع الإصطبل بمحلة داخل باب النصر قبلة أقميم حمام أزدمر وشرقا الطريق وإليه الباب وشمالا الطريق وغربا الأقميم المذكور تاريخها 24 شوال سنة 1150. الوقفية السابعة: أولها الحمد لله وكفى إلخ وقف فيها بستان يحيى الحلواني خارج باب الفرج فيه غراف ودولاب وكرم ملاصق له من شرقيه قبلة بستان حجازي والسحلولية وشرقا الطريق وشمالا بستان العويجا وغربا قويق ووقف المغارة وخان الأكنجي بمحلة الجبيل بزقاق الكلتاوية والفرن والدكاكين والقبو المستخرجات من الخان المذكور شرقا المدرسة الكلتاوية وشمالا الطريق وغربا كذلك تاريخها غرة ربيع الأول سنة 1151. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 128 الوقفية الثامنة: أولها كأول سابقها وقف فيها قاسارية تحت القلعة تجاه سراي الحكومة قرب القرقلار (كانت تعرف بجنينة ويس باشا لأنها كانت جارية بتصرفه بطريق الحكر ثم احتكرها البلدية من ورثته وباشرت بناءها فندقا ومكانا للبلدية وذلك في سنة 1325) : وقف الواقف رحمه الله في شرقي هذه القاسارية أنبارا وآخر في شرقيه يعرفان بعنبر الملح ودارا بمحلة داخل باب النصر قبلة البوابة وشرقا دار ابن الجلبي وسراية الواقف وشمالا كذلك وغربا الطريق الفاصل بينهما وبين الجامع (دخلت في عمارة المطبخ) وشرط فيها أن يزاد في يومية المتولي تسعمائة عثماني فتكون جملتها 1200 وعين يوميا عشرة عثمانيات للمدرس المعين من قبله لقراءة التفسير والأحاديث بالمحل المخصوص من السراي أو في الجامع تاريخها غرة رجب سنة 1151. الوقفية التاسعة: أولها كأول سابقها وقف فيها داره المعروفة بالسراي وكانت تعرف قديما بسراي شعبان آغا بمحلة داخل باب النصر مع جميع الدور التي أضافها إليها الواقف حد ذلك قبلة جامعه وفيه الباب الذي ينزل إلى الجامع وشرقا دار ابن الجلبي والخندق وشمالا الخندق وغربا دار وطريق وإليه الباب الثالث وجعلها وقفا لسكنى أولادهم وأنسالهم وأعقابهم ذكورا وإناثا ولزوجته ثم لأخته لأبويه ثم لأخته لأبيه ثم لعتقائه وأنسالهم واشترط على سكانها أن يقرءوا كل يوم عشرة أجزاء يهدون ثوابها كما تقدم وأن يقوموا بتعميرها وترميمها وإصلاح طريق مائها فإذا انقرضوا تعود وقفا على الجامع الكبير الأموي بحلب ويدفع من أجرتها في كل شهر 1200 عثمانيا لعشرة قراء يقرءون بحضرة نبي الله زكريا كل يوم عشرة أجزاء ويعطى منها في كل سنة لحاكم الشرع بحلب 1440 عثمانيا ليكون ناظرا على الوقف المذكور وما فضل من أجرة السراي المرقومة تصرف في مصالح الجامع المذكور وإذا تعذر الصرف عليه تصرف على فقراء المسلمين بحلب بمعرفة الحاكم الشرعي وشرط تولية السراي بعده على الأرشد فالأرشد من الموقوف عليهم وإذا آلت إلى الجامع فلمن يكون متوليا على وقفه ثم أن الواقف بدأ له أن يرجع عن شروطه في السراي المذكورة وألحقها بوقف جامعه وشرط أن يعطى من غلتها كل شهر 1200 عثمانيا لعشرة قراء يقرءون فيها كل يوم عشرة أجزاء تاريخها غرة رجب سنة 1151. قلت في حدود سنة 1303 أعيدت السراي المذكور وقفا على سكنى ذرية الواقف الجزء: 2 ¦ الصفحة: 129 حسبما شرط وكأنهم لم يعتبروا صحة رجوعه عن وقفها عليهم لعدم اشتراطه الرجوع لنفسه. الوقفية العاشرة: أولها كأول سابقها وقف فيها دارا بمحلة داخل باب النصر قبلة دار الصادقي وشرقا الجنينة الآتي ذكرها وشمالا دار الوقف وغربا كذلك وتمامه بوابة ووقف جنينة بخندق العوينة لصيق الدار المذكورة المذروعة طولا قبلة وشمالا واحد وستون ذراعا وعرضا اثنا عشر ذراعا واثنا عشر قيراطا شرقا الطريق الآخذ إلى العوينة وشمالا زيارة العوينة وغربا دار للوقف تاريخها 17 رجب سنة 1161. الوقفية الحادية عشرة: أولها الحمد لله الذي وفق من اختاره لفعل الخيرات إلخ وقف فيها المكان المعروف بالعمارة المشتملة على مطبخ وفرن وبيت مؤنة وبيت لسكنى الطباخ وحجرة البواب وقسطل ومغارة للحطب وبيت طهارة وحوش سماوي وشرط أن يطبخ في مطبخها كل يوم شوربة مركبة من نصف شنبل حلبي «1» من القمح ورطلين حلبيين «2» من اللحم الضأن طبخا جيدا ما عدا ليلة الجمعة وليالي رمضان فإنه يطبخ فيها عشرة أرطال أرز مع رطلين من لحم الضأن ورطلان ونصف الرطل أرز بخمسة أرطال من العسل البلدي الجيد طعاما يعرف بالزردا «3» ويصرف للأرز مع اللحم والزردا كل يوم رطلان ونصف الرطل من السمن العربي الجيد وأن يخبز في فرن العمارة كل يوم عشرة أرطال دقيق خاص ويجعل وزن كل واحد من الأرغفة خمسين درهما وفي كل يوم تطبخ الزردا يوضع لها خمسة دراهم زعفران خالص ويوضع للشوربة المذكورة عشرة دراهم كمونا ولها وللأرز والخبز في كل يوم رطل من الملح النقي الأبيض ويوضع للشوربة رطل حمص كل يوم ويوضع لها في السنة قنطار بصل ولكل يوم طبخ نصف قطار حطبا وللفرن كل يوم نصف قنطار قشا وأن يكون في مطبخ العمارة وحجرة البواب قنديل وآخر لبيت الطهارة يوقد عند الحاجة ووقف تبعا للعمارة المذكورة عدة أوان نحاسية وهي قدر وزنه ثلاثون رطلا لطبخ الشوربة وآخر وزنه خمسة وعشرون لطبخ الأرز وآخر وزنه خمسة عشر رطلا لطبخ الزردا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 130 وثلاث مغارف وزنها أربعة أرطال ولقن وزنه ثلاثة عشر رطلا وسطلان وزن كل واحد منهما رطلان ونصف الرطل ومصفاة وزنها سبعة أرطال ومائة وخمسون طاسة وزن كل واحدة سبع آواق فجملتها سبعة وثمانون رطلا ونصف الرطل وأن يكون لمطبخ العمارة طباخ مسلم أمين له تلميذان مثله يختارهما لمساعدته وأن تجلا القدور كل يوم بالماء الحار والرماد بحيث لا يبقى لها رائحة زفرة. وللعمارة خازن مسلم أمين وبواب مثله يقوم بفتح باب العمارة وتسكيره وكنس المطبخ وحوش العمارة وما يتعلق بها وفران مسلم للخبز المذكور آنفا وعجان مسلم يعجن ويرغف وللطباخ اثنان وثلاثون ولكل واحد من تلاميذه ستة عشر وللخازن ثلاثون وتلميذة خمسة عشر وللفران عشرون ومثله العجان وللبواب ستة عشر ولقنوي قسطل العمارة أربع عثمانيات يوميا وإذا لزم تجديد آلة تعاد بوزنها الأول أن توزع الشوربة التي تطبخ كل يوم فيقدم منها طاسة مع رغيفين إلى كل واحد من مدرس المدرسة وناظر وقفها وخطيب جامعها ومحدثه وإماميه وواعظيه وأمين كتبه وجابي الوقف وكاتبه ومدرس سرايه وخدام عمارته وسائر مرتزقة جامعه ومدرسته وسبيله ومعلم الأطفال في مكتبه والبوابين والفراش والكناس والمؤذنين وقارىء العشر وحواميم والمجاورين في حجرات الجامع ويقدم إلى كل واحد منهم في يوم الجمعة وليالي رمضان طاسة واحدة من الأرز والزردا مع رغيفين من الخبز ويقدم إلى واحد من الصلحاء مثل ما يقدم إلى أحد المذكورين مما يطبخ في العمارة ليقرأ جهرا كل يوم جمعة تجاه المحراب بجامع الوقف قبل الصلاة كتاب دلائل الخيرات وشوارق الأنوار في الصلاة على النبي المختار ويوميته ثماني عثمانيات وأن يبدأ بتوزيع الطعام المذكور على الوجه المسطور من غرة محرم الحرام افتتاح سنة أثنتين وخمسين ومائة وألف تاريخها: غرة شوال سنة 1151. الوقفية الثانية عشرة: أولها كأول سابقها وقف فيها خمسا وعشرين دكانا بمحلة الجبيل تحت قبوالأكنه جي (هو المعروف الآن بقبو المسلاتيه قرب باب بانقوسا) وفرنا في محلة الكلاسة خارج باب قنسرين قبلة البرج وشرقا السور وشمالا البرج وغربا الطريق: تاريخها غرة ربيع الأول سنة 1152. الوقفية الثالثة عشرة: أولها كأول سابقها وقف فيها بستان العويجا في أرض النصيبي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 131 قبلة بستان الوقف وشرقا الطريق وشمالا الطريق السالك من الجسر وغربا نهر قويق ودارا بمحلة الجبيل: تاريخها ربيع الأول سنة 1152. الوقفية الرابعة عشرة: أولها الحمد لله رب العالمين إلخ وقف فيها بستان خط النصيبي المقدر بثلاث عشرة كدنه فيه دولاب وغرافان من قويق قبلة النهر وشرقا الجسر والطريق وشمالا الطريق وتمامه قطعة أرض يأتي ذكرها وغربا بستان العميان والساقية ووقف قطعة أرض تعرف بأرض المطالبي في أرض الحلبة قبلة البستان المذكور وشرقا وشمالا الطريق وغربا أرض ورثة محرم ووقف سبع قطع بأرض الحلبة: تاريخها 26 ربيع الأول سنة 1152. الوقفية الخامسة عشرة: وقف فيها حماما بزقاق الشهبندر بمحلة سويقة حاتم (هذا الحمام لا أثر له الآن ويقال إنه داخل في سوق التوكل الذي عمره الحاج عبد القادر أفندي الجابري) وبستانا بأرض خط النصيبي يعرف ببستان العميان أيضا بأرض الحلبة قبلة بستان يأتي ذكره وشرقا النهر وغربا الطريق وبستانا في خط النصيبي قبلة قبلة بستان إبراهيم جلبي وشرقا نهر قويق وشمالا بستان العميان المذكور أعلاه وغربا الطريق ووقف قطع أراض تجاه البستان المذكور في مزرعة الحلبة: تاريخها 17 ربيع الأول سنة 1152. الوقفية السادسة عشرة: وقف فيها بستان إبراهيم آغا بخط النصيبي فيه مغارة وغراف من قويق قبلة بستان باقي جاويش وشرقا قويق وشمالا بستان الوقف وغربا الطريق وأرضا تعرف بأرض المطالبي قرب البستان المذكور وطاحونا في قرية هيلانه حجرين على نهر قويق وبستان باقي جاويش المتقدم ذكره وفيه غرافان من قويق قبلة مقابر المسلمين وجسر الناعورة وشرقا قويق وشمالا بستان إبراهيم آغا وغربا الطريق ووقف خمس قطع في أراضي الحلبة وهي أرض الجب والمغارة والصغيرة والبحصا واليكن: تاريخها 9 جمادى الأولى سنة 1152. الوقفية السابعة عشرة: أولها الحمد لله الذي وفق من وقف عند حدود الشرع المبين إلخ وقف فيها محمد علي آغا بن السيد محمد طاهر آغا ابن صالح آغا اليكن دارا في محلة الألماجي في بوابة الساعة عددها في دفتر الأملاك 12 قبلة بوابة وشرقا دار وقف فقراء الروم الكاثوليك ودار فقراء الأرمن الكاثوليك وشمالا دار لأهلها وغربا كذلك. تاريخها 24 شوال سنة 1300. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 132 الوقفية الثامنة عشرة: مفتتحة بعد البسملة بقوله: الحمد لله الذي وفق من وقف عند حدود الشرع المبين إلخ. وقف فيها على المدرسة وتوابعها الوجيه الماجد محمد أمين آغا بن المرحوم علي آغا بن طاهر آغا اليكن إحدى وعشرين دارا أنشأها من غلة الوقف التي اجتمع له معظمها من بدل الأحكار المعجل والمؤجل عن عرصات بساتين الواقف السالفة الذكر التي حكرها في أيام توليته. أنشأ هذه الدور على عرصات تجاور جادة الجسر الجديد التي أشرنا إليها في حوادث سنة 1317 شرقي الجسر في الصف المتجه إلى الجنوب ثماني دور وفي الصف المتجه إلى الشمال اثنتا عشرة دارا والدار الحادية والعشرون في محلة الجميلية مطلة على المكتب الأعدادي المعروف الآن بالمكتب السلطاني يفصل بينهما الطريق. غلة هذه الدور تبلغ في السنة ألفا وسبعمائة ذهب عثماني على أن الفضل في إنشائها خصيص بمتولي هذا الوقف أمين آغا المومى إليه فجزاه الله خيرا وأجزل أجره. كانت أوقاف هذه المدرسة وملحقاتها منذ خمس وعشرين سنة آخذة بالانحطاط وكانت غلاتها في تناقص مستمر حتى نزلت إلى درجة كادت تعجز عن القيام بالنفقات التي وقف هذا الوقف من أجلها ولا سيما حينما ظهرت المطاحن النارية فإن الطواحين الموقوفة لهذه المدرسة أصبحت في رادة العدم إلى أن كانت سنة 1317 وفتحت الجادة المذكورة أقبل الناس على بناء الدور والمنازل إقبالا زائدا خصوصا بعد ما صار الشروع بتأسيس محطة الشام سنة 1323 أو أصبحت هذه الجادة هي المهيع الأعظم إليها فقد تهافت الناس على إقامة المباني العظيمة على طرفيها وأرتفع بدل الحكر على الذراع من خمس الليرة العثمانية إلى ثلاث ليرات وما زال في ارتفاع حتى بلغ سعر كل ذراع من أطراف هذه الجادة خمس ليرات وهو لم يبرح بارتفاع مستمر. وقد حكر من أطراف هذه الجادة وفروعها وبساتين هذا الوقف التي في جوارها عشرات الألوف من الأذرع مع بقاء البساتين على ما كانت عليه بحيث لا تقل مساحة الفاضل منها عن مليون ذراع مربع. فهذه العناية الإلهية هي التي أحيت المدرسة وملحقاتها وأعادت إليها رونق الشباب بعد إشرافها على الهرم هذه الجادة تعتبر الآن أشرف جادات حلب وأنزهها وقد ازدحمت فيها المباني العظيمة من الدور والمطاعم والفنادق وبيوت القهاوي والملاهي والملاعب ومسارح التمثيل وغير ذلك من المباني التي لا يضاهيها غيرها من بقية المباني في مدينة حلب. تنبيه في ماء الجامع والسراي المذكورين: اطلعت على حجة شرعية باللغة التركية متوجه الجزء: 2 ¦ الصفحة: 133 بختم ولي الدين جار الله [قاضي حلب] مذيلة بتاريخ 22 ذي الحجة سنة 1142 مآلها أن لسراي الواقف من الماء قديما من قناة حلب ثلاثة قراريط ونصف القيراط ليلا ونهارا وأن لها من جانبها القبلي ماء من قناة ساروجه مقدر بثلثي القيراط ليلا ونهارا وإن الأرض جامعه وكانت دارين وقاسارية قيراطين نهارا فقط من ماء في الجانب القبلي من جامعه مقدر بخمسة قراريط تجري نهارا فحذف من هذين القيراطين قيراط وأبقى قيراط يجري ليلا ونهارا وضمه إلى ثلاثة القراريط ونصف القيراط وثلثي القيراط فصار مجموع حق ماء السراي والجامع خمسة قراريط ونصف ثلثي القيراط يجري ليلا ونهارا. تنبيه آخر: مما يتعلق بهذا الجامع وقف المرحوم تقي الدين باشا ابن عبد الرحمن أفندي ابن الحاج حسن أفندي الشهير بالمدرس وقد تكلمنا عليه في ترجمته فأغنى عن أعادته هنا. بقية آثارها جامع المهمندار المعروف بجامع القاضي تجاه المحكمة الشرعية (أنشأه حسن بن بلبان) المعروف بابن المهمندار في أواسط القرن السابع ووقف عليه قرى وطواحين وحمام طوغان خارج باب الجنان المحدود من قبليه وشماليه بنهر قويق وهو وقف عظيم أكثره مسقفات في حلب، شرطه على نفسه وذريته من بعده ثم على عتقائه وبانقراضهم يقسّم أثلاثا: ثلث على مدرسته في العريان تنسب لوالده، وثلث على الفقراء. وهو الآن عامر وفيه بعض جهات متهدمة وغلة وقفه تبلغ بضعا وعشرين ألفا ومن أحسن ما فيه منارته التي تستغرق الطرف بصناعة بنائها ومن عجيب أمرها أنها مائلة إلى الغرب وبالجملة فإن هذا الجامع معمور تقام فيه الصلوات والجمعة ورأيت صورة وقفية واقفها محمد بن موسى بن علي مهمندار «1» المملكة الحلبية وقف فيها على هذا الجامع عدة أراض إعشارية من قرى حلب تاريخها 852 وشرط له في وقف الزيني عمر الصارمي بن الشهابي أحمد المؤرخ سنة 868 قراء ومحدثين. مكتوب في جانب باب هذا الجامع على يمنة الداخل (ملعون ابن ملعون من تعاطى تصوير ما فيه الجزء: 2 ¦ الصفحة: 134 روح بقرب هذا الجامع أو برفع صورة ما فيه روح ليجمع الناس عليها أو يبيعها ومن فعل ذلك كان داخلا في عموم قوله صلى الله عليه وسلم إن أصحاب هذه الصور يعذبون يوم القيامة ويقال أحيوا ما خلقتم) والذي يلوح على هذه الكتابة القدم وهي خالية من التاريخ. المدرسة القرناصية محلها أواسط الجادة النازلة من تجاه المدرسة الإسماعيلية إلى قسطل الملك الناصر الكائن في حضرة حمام أزتيمور والمدرسة المذكورة على يسرة المتوجه إلى القبلة في هذه الجادة كانت في الأصل جامعا بناه (بكتمر القرناصي الحلبي) في حدود سنة 770 ثم في سنة 1242 عمر فيه الحاج (إسماعيل آغا ابن عبد الرحمن أفندي شريف) إحدى عشرة حجرة ووقف عليها وقفا شرط فيه أن يصرف من غلته في كل شهر 20 قرشا لمدرس الحديث في مدرسته كل يوم ثلاثاء وجمعة و 100 لعشرة أفراد من الطلبة و 5 للخطيب و 10 للإمام و 15 لإثني عشر حافظا يقرءون مقابلة نصفهم بعد الظهر ونصفهم بعد العصر كل يوم من رمضان وسبعة قروش ونصف للبواب و 15 لمؤدب الأطفال و 10 لقارىء جزء قبل الإمساك في رمضان و 155 لواحد وثلاثين قارئا يقرءون ختما كل يوم بعد صلاة الصبح في الجامع المذكور و 10 للإمام ومؤدب الأطفال في مسجد طيلون أي المدرسة السيافية وقيمة زيت وقناديل على قدر الكفاية وطعاما يوزع على المجاورين والفقراء كل ليلة جمعة إلخ ما شرط تحريرا في سنة 1242 وهي الآن عامرة وشعائرها غير قليل منها جارية ولها بالفتوح على الطلبة شهرة. مسجد في غربي المدرسة الرضائية تجاه بابها الأسفل بميلة إلى الجنوب يقال إنه عمري «1» وهو فسيح له قبلية يتعلم فيها الأطفال، وعلى يمنة الداخل إليه قسطل وصفة، وفي صدر صحنه حديقة فيها شجرات زيتون ولا يصلى فيه سوى التراويح في رمضان يصلونها بالختمة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 135 ومسجد قديم شرقي حمام أزتيمور قرب دور بني شريف يعرف بمسجد الشيخ علي الهندي تصلى فيه الخمس. مكتوب على بابه بعد البسملة (عمر هذا المسجد المبارك العبد الفقير إلى رحمة الله أياز بن عبد الله السماني في أيام مولانا الملك العزيز خلد الله ملكه في سنة 615 على مذهب الإمام أبي حنيفة) وقد وقفت الحاجة آمنة بنت عبد الرحمن آغا شريف خمسة أوقاف تاريخ الوقفية الأولى 12 ربيع الأول سنة 1242 والثانية 2 ذي الحجة سنة 1248 والثالثة غرة محرة سنة 1249 والرابعة 27 محرم سنة 1249 والخامسة 29 شوال سنة 1249 الموقوف في كلها حصص من دور ودكاكين شرطت ريعها بعدها للمسجد المذكور. ومسجد صغير قديم: تجاه حمام النجاشي المعروف بحمام القاضي في محلة البندرة يقال إنه عمري تصلى فيه السرية ولا نعلم له وقفا ويسمى مسجد المضماري. قسطل الناصري قرب مسجد الشيخ علي الهندي المتقدم ذكره تجاه حمام أزتيمور وهو من آثار الملك الناصر يوسف ابن الملك العزيز ابن الملك الظاهر. سبيل في رأس سوق الخابية على يمين السالك فيه إلى جهة البندرة ويؤخذ ماؤه بواسطة أنبوبة. قسطل الجورة قرب باب النصر تجاه المخفرة بميلة إلى الجنوب وهو قسطل قديم أحدث أيام الملك الظاهر غازي، ثم جدده في دولة الأتراك إينال اليوسفي المتوفي في القاهرة سنة 794. ثم جدده والسبيل المتصل به من شماليه (نعمان أفندي شريف) وشرط لهما في وقف أخيه الحاج إسماعيل ما يحتاجانه. وفي جنوبي هذا القسطل سبيل صهريج عليه بناء عمر سنة 1236 وبعد هذا السبيل تكون قهوة العجيمي ثم قاسارية الملقية وهي قاسارية حافلة واسعة ذات علو وسفل، داخلها مسجد تقام فيه السرية وهي والقهوة المذكورة من وقف يعرف بوقف خالصة عثمان أفندي هما الآن مملو كان بطريق الإجارتين وفي جنوبي هذه القاسارية سبيل آخر يؤخذ منه الماء بواسطة أنبوبة وفي هذه المحلة قهوة حافلة معتبرة يقال لها قهوة السياس من أوقاف جامع المهمندار وكانت ضيقة فوسعت في حدود سنة 1309 وفيها أيضا مصبنتان جاريتان في أوقاف المدرسة الرضائية إحداهما تجاه بابها الغربي والأخرى تجاه بابها الشمالي المسدود وفيها حمام قديم يعرف بحمام الزمر تحريف أزتيمور بحضرة قسطل الملك الناصر المتقدم ذكره وفيها مدار واحد تجاه مخفرة باب النصر وراء قسطل الجورة المذكور فوقه معروف بأوتيل كلاهما ملك جماعة من آل المدرس. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 136 الأسر الشهيرة في هذه المحلة أسرة آل المدرس وأسرة آل اليكن وسنتكلم عليهما في مقدمة باب التراجم. والدور العظام في هذه المحلة هي الدور المضافة إلى هاتين الأسرتين ويذكر أن الدار المجاورة لقسطل الناصري قرب مسجد الشيخ علي الهندي في حضرة حمام أزتيمور من آثار المرحوم السلطان صلاح الدين يوسف بن أيوب وهي دار عظيمة غيرانها آخذة بالتوهن وهي جارية في ملك بني المرعشي. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 137 محلة سويقة علي (د) عدد بيوتها 135 الذكور/ الإناث/ المجموع/ الأقوام 487/328/815/مسلمون 71/34/105/أرمن 57/67/124/يهود 165/429/1044/المجموع يحدها قبلة محلة الجلوم الكبرى ومحلة باب قنسرين ومحلة ساحة بزة وغربا محلة الدباغة العتيقة وسويقة حاتم وشرقا الفرافرة والبندرة وهي من أعمر محلات حلب الداخلة في السور وأعظمها موقعا وأكثرها أسواقا وأروجها تجارة جيدة الهواء غزيرة المياه. آثارها جامع الحاج موسى محله في السوق على الجادة. له سماوية تبلغ ثلاثين ذراعا في مثلها في جهته الجنوبية قبلية واسعة جميلة، وفي شرقيه حجرات يسكنها الموظفون بالشعائر، في شماليه رواق فيه حجرات أيضا تجاهه حوض مربع يبلغ بضعة عشر ذراعا في مثلها وفي شمالي غربيه غرفتان إحداهما مكتب للأطفال لهما نوافذ على صحن الجامع وعلى الجادة وفي غربي جنوبيه منارة عالية جميلة وفي شرقي شماليه ميضأة وهو الآن من أعمر جوامع حلب عمره سنة 1177 (الحاج موسى آغا بن الحاج حسن بن أحمد أمير) وسماه جامع الخير. خلاصة كتاب وقفه: افتتحه بعد البسملة بقوله الحمد لله الذي أعز خواص عباده الجزء: 2 ¦ الصفحة: 138 بالتوفيق إلى عمل القربات. وقف فيه دارا بزقاق القناية المفرز من محلة سويقة علي بحلب وهي حرم ومنزل يعرف بأوطه يحده قبلة الطريق وشرقا خان قورد بك ودار الواقف وشمالا خان يأتي ذكره وغربا كذلك وتمامه الطريق ودارا بالزقاق المذكور ودارا أخرى متصلة بها ومخزنا أستخرج منها حد كل ذلك قبلة بوابة وشرقا الطريق وشمالا دار وقف السبيل إنشاء الواقف وتمامه إلخ وغربا دكاكين يأتي ذكرها وخانا يعرف بخان الأعوج في زقاق القناية المذكور قبلة الطريق ودار الوقف وشرقا كذلك وتمامه خان قورد بك وشمالا مصبغة الوقف الآتي ذكرها وتمامه بظهر دكاكين وقف الزينبية وغربا دكاكين سويقة علي وخانا يعرف بالخان الكبير بزقاق القناية المزبور قبلة دار لذويها وشرقا الطريق ودكاكين يأتي ذكرها وشمالا الطريق وغربا دار لذويها ودارا أخرى وخانا تجاه حمام على لصيق القاسارية الآتية الذكر كائن بالزقاق المذكور قبلة بمسجد شجر وشرقا الطريق وشمالا دار الوقف وغربا قاسارية الوقف ودارا ملاصقة له من شماليه قبلة به وشرقا الطريق وشمالا دار لذويها وغربا قاسارية الوقف وقاسارية لذويها وجميع الدارين المتلاصقتين بالزقاق المذكور تجاه محلة بستان اليهود حدهما قبلة قاسارية الوقف وشرقا قاسارية لذويها وشمالا الطريق وغربا دار لذويها ودارا بالزقاق المذكور قبلة دار لذويها وشرقا دار البركة وشمالا وغربا الطريق ودارا بالزقاق المذكور قبلة الطريق وشرقا أقميم حمام علي وشمالا خان الدق وغربا دار لذويها ودارا بمحلة الزقاق المذكور قبلة الطريق وشرقا الزقاق وشمالا دار لذويها وغربا كذلك وستة عشر قيراطا من الدار الكائنة بمحلة السويقة قبلة حمام الواساني «1» وشرقا حصة الدار وشمالا دار الوقف وتمامه دار بني الزهراء وغربا البوابة وحصة الدار وثمانية عشر قيراطا من دار بمحلة السويقة قبلة دار لذويها وشرقا الطريق وشمالا دار الأصيل وغربا دار الوقف وخمسة عشر قيراطا من حمام السكر بمحلة الدباغة العتيقة بحلب قبلة البوابة وشرقا الطريق وشمالا الأقميم وغربا دار لذويها واثنى عشر قيراطا من الدار والجنينة بمحلة السيدا خارج باب النصر بحلب محدود ذلك من جهاته الأربع بدور لذويها وقاسارية بني مزيد بسويقة علي الملحقة بزقاق القناية قبلة وشرقا الطريق وشمالا دار لذويها وخان الوزير وغربا دار بني مزيد وخان الكتان ودارا بمحلة المارودي بزقاق كجك كلاسه خارج باب النصر محدودة من جهاتها الثلاث بأملاك الجزء: 2 ¦ الصفحة: 139 لذويها وغربا بالطريق ودارا بمحلة الألماجي قبلة دار البابي وشرقا الطريق وشمالا دكاكين لذويها ودار البازرباشي وغربا دار لذويها وقاسارية في بوابة بني العجيمي بمحلة سويقة علي الملحقة بزقاق القناية قبلة دار لذويها وجامع الواقف وشرقا البوابة وشمالا دار اللبقى وغيرها وغربا مصبغة الواقف وثلاثة عشر قيراطا ونصف القيراط من دار بمحلة سويقة حاتم المعروفة بدار بني الزهراء قبلة البوابة وشرقا وشمالا دور لذويها وغربا الطريق وواحدا وعشرين قيراطا من البرداغخانه المعدة لصقال الأقمشة بمحلة سويقة علي بزقاق بني العجيمي قبلة قاسارية خان الوزير وشرقا زقاق بني العجيمي وشمالا دار لذويها وغربا جامع الواقف وجميع القاسارية الكائنة بمحلة قسطل عاشور بحلب محدودة من جهاتها الثلاث بدور لذويها وشمالا بقاسارية سليمان آغا ودكانا داخل باب المقام بالصف الشرقي معدة لنسج الأقمشة محدودة من جهاتها الثلاث بأملاك لذويها وغربا الطريق وقاسارية وجميع قاسارية الحمصاني بمحلة الشريعتلي خارج باب النصر قبلة دور لذويها وشرقا دكاكين القرقلار وشمالا مسجد الشيخ جاكير والطريق وغربا أملاك لذويها وقاسارية بزقاق الخان في محلة قسطل الحرمي بحلب قبلة الطريق وشرقا دور وقف القرقلار وشمالا جنينة الديري وغربا دكاكين الواقف وقاسارية تجاه حمام علي بزقاق القناية قبلة الطريق وشرقا الخان الصغير الجاري في الوقف وشمالا دار الواقف وغيرها ومسجد بمحلة الدباغة العتيقة وجميع القاسارية بزقاق القناية المذكور قبلة دور لذويها وشرقا الطريق وشمالا الطريق ودور لذويها وغربا البوابة وحماما بمحلة سويقة علي يعرف بحمام الواساني قبلة الطريق وشرقا دار الوقف وشمالا وغربا دور لذويها وبستانا يعرف بالشريطي ظاهر حلب تجاه المشهد فيه دولاب وغراف وناعورة وعدان قبلة بستان الدبسي وشرقا نهر قويق والجزيرة وغربا الطريق وبستانا بأرض البقعة ظاهر حلب يعرف ببستان محرم فيه غرافان ودولابان وإصطبل قبلة بستان لذويه وشرقا الطريق وشمالا طاحون باقي جاويش ونهر قويق وغربا النهر المذكور وجميع السهمين المتلاصقين داخل بستان التين ظاهر حلب بقرب الفيض فيهما غراف قبلة الطريق الفاصل بينهما وبين السهم الآتي ذكره وشرقا بستان غنام وشمالا الفيض وغربا لذويه وجميع السهم الثالث المعروف بسهم الشعبة قبلي السهمين المذكورين قبلة وشرقا الطريق وشمالا الطريق الفاصل المذكور وغربا قود الطاحون وجميع الأسهم الثلاثة المتفرقات المعروفات بسهم الفستق وسهم الشعبة وسهم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 140 الدولاب وسهم محفوظ وجميع النصف من جنينة الدغلة قبلة وشرقا الطريق وشمالا الفيض وغربا بستان لذويه وجميع جنينة الفيض الملاصقة بستان التين قبلة نهر قويق وشرقا السكر وشمالا الطريق وغربا بستان الأطرش وكرما بالأرض المذكورة وبستانا بأرض جسر باب أنطاكية فيه غراف قبلة الطريق وشرقا النهر وشمالا جنينة الغراف وغربا الطريق وبستانا يعرف باسم ابن عيد أفندي وبستان اليهود بخط الحريري ظاهر حلب بالقرب من الحديقة السلطانية فيه غراف وإيوان وبعض حجرات قبلة ببستان وقف الجبريني ومقابر اليهود وشرقا الطريق وشمالا لذويه وغربا قويق وجميع الحصة المقدرة بأحد عشر قيراطا ونصف القيراط من بستان ابن عيد أفندي ويقال له شيطان بك الكائن بمزرعة الديناري بالقرب من الميدان يشرب من عدان الميدان وقود الطاحون وغراف فيه قبلة الجسر السلطاني وشرقا الطريق وشمالا طاحون السلطان وغربا قويق وجميع الجنينة قرب السيد علي الهمداني وتعرف بجنينة بشور ظاهر حلب قبلة الطريق ومجرى ماء القليط وشرقا أرض الوقف والطريق وشمالا كرم بني عيد وغربا الطريق وأرضا تجاه هذه الجنينة مقدرة بعشر كدنات وبستانا برأس جسر الناعورة ويعرف ببستان الكتاب فيه عمارة عظيمة وغراف قبلة الطريق وشرقا النهر وشمالا الجسر وفيه الباب وغربا الطريق وفيه الباب الثاني الواقع تجاه مسجد المطغاني وبستانا خارج باب أنطاكية ويعرف ببستان قيصر قبلة النهر وشرقا لذويه وشمالا الطريق وغربا جنينة قصبات ومصبغة بزقاق عبد الرحيم خارج باب النصر قبلة البوابة وشرقا الطريق وشمالا وغربا دار ومصبغة لذويها ومصبغة بسوق محلة سويقة علي بالقرب من قهوة نور العين قبلة آخور خان الأعوج الجاري بالوقف وشرقا دكاكين لذويها وشمالا الطريق وغربا دكاكين وقف الزينبية ودكانا شمالي هذه المصبغة باتصالها وجميع الخلو العرفي لصيق الخان الأعوج في غربيه وفرنا في شمالي دكان الحلواني الجارية في الوقف الواقعة بين الفرن وبين السبيل الواقف في سويقة علي لصيق الخان الكبير الجاري بالوقف ودكانين حدهما شمالا وغربا الخان المذكور وجميع الدكاكين المتلاصقات بمحلة السويقة في صفه الشرقي قبلة دكاكين وقف البابي وشرقا السوق وشمالا وغربا الخان الكبير ودكانا بالمحلة المزبورة قبلة دار وقف المسجد وشرقا السوق وشمالا دكاكين وقف البابي وغربا الخان الكبير وجميع الدكانين المتلاصقتين بمحلة سويقة علي شرقا السوق وغربا دار الواقف وجميع الدكاكين الأربع بمحلة سويقة علي تجاه الخان الكبير قبلة الفرن وشرقا دار الواقف وشمالا لذويه وغربا السوق وفرنا بمحلة سويقة علي بالصف الغربي قبلة البوابة وشرقا الدكاكين الأربع المار ذكرها وشمالا دار الواقف الجزء: 2 ¦ الصفحة: 141 وغربا السوق ودكانا بسوق سويقة علي بالصف الغربي قبلة لذويه وشرقا مصبغة وقف القسطل الواقع بالمحلة المذكورة وشمالا لذويه وغربا السوق ودكانا بالسوق المذكور بالصف الغربي قبلة وشمالا مصبغة الواقف وغربا السوق وجميع المصبغة بالمحلة المذكورة غربي الدكان المتقدم ذكرها ودكانين متصلتين بباب جامع الواقف من جنوبه ودكانين في شمالي مصطبة النارنجية وجنوبي دكاكين العادلية ودكانا تجاه النارنجية المذكورة ودكانا شرقي خان الصابون وغربي السوق وشمالي دكان وقف على أمير ودكانا برأس سوق العبي شرقي سوق الصابون. وجميع الدكاكين السبع مع المخزن لصيق سوق الأبرية داخل القنطرة حدها شرقا وشمالا سوق الفرايين وثمانية عشر قيراطا من اثنتي عشرة دكانا في سوق أبي ركاب بالصف الشمالي جنوبي ظهر سوق السقطية ودكانا بالصف القبلي من السقطية شمالي الدكاكين الموقوفة بسوق أبي ركاب ودكانا بالصف الشمالي من السقطية ودكانا بالصف القبلي من سوق الحبالين شمالي سوق الحور ودكانا بالصف القبلي من سوق الهوى شمالي خان الجوره وشرقي دكان للوقف ودكانا بالصف الشمالي من هذا السوق جنوبي جامع الكمالية ودكانا بمحلة ابن يعقوب ببانقوسا قبلة وقف أكوز محمد باشا وتمامه بالمحكمة وشمالا دكان وقف صاري عبد الرحمن باشا وغربا الطريق ومدارا في آقيول مع دكاكين بين المدار وبابه وثلاث دكاكين بظهره وثلاث دكاكين أخرى بغربيه غربا طريق سالك والجهات الثلاث لذويها ودكانا بسوق قسطل الحرامي بالصف الشمالي وأخرى فيه قبلة الطريق وشرقا فرن وقف مدرسة الأحمدية وشمالا دور الشيخ قرقلار وغربا دكاكين الواقف الثلاث وجميع الدكاكين الثلاث بالسوق المذكور بالصف الشمالي شرقا وغربا الثلاث الدكاكين للواقف أيضا وخانا بسوق محلة قسطل الأكراد شرقا الطريق وشمالا كذلك وتمامه دار وقف جامع شرف وغربا كذلك وثلاث دكاكين متلاصقات بالمحلة الجديدة قبلة وغربا الطريق ودكاكين بالقرب من بوابة بطرس شمالا دكان وقف السبيل الموقوفة من قبل الحاج علي الكوله الأميري وغربا الطريق ودكانين بقرب مقام الخضر شرقا وشمالا وغربا السور السلطاني ودكانا بسوق باب النصر شمالي قهوة العجيمي التي بناها أحمد باشا وجميع الطابونة داخل سوق باب النصر في غربي قاسارية العجيمي وجنوبي سبيل هذه القاسارية وثلاث دكاكين داخل سوق باب النصر بالقرب من حمام القاضي تجاه مسجد المضماري شمالا دكاكين جامع الرضائية وغربا قاسارية العريان ودكانا صغيرة تجاه هذه الدكاكين وثلاث دكاكين متلاصقات في سوق سويقة علي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 142 تجاه المدرسة القصماوية بقرب الجامجية شرقا الطريق وشمالا دكان وقف ابن البابي وقاسارية العرب ودكانا صغيرة تجاه خان قورد بك في صف الدكاكين المارة الذكر وجميع العدسة بمحلة سويقة علي قبلة الطريق وشرقا وغربا عدسات وقف بني العداس وشمالا بالمسجد ودكانا خارج باب الجنان بالقرب من الجسر قبلة خان الجورة وشمالا الطريق ودكانا في محلة الصوفا وراء تكية بابا بيرم شمالا الطريق ودكانا في خان الدق بسويقة علي بالصف الشمالي قبلة دكان وقف عادلية بيكى وشرقا أقميم حمام علي وشمالا الطريق وغربا أرض القاسارية ودكانين متلاصقتين في سوق الحبالين بالصف القبلي قبلة سوق الحور وشمالا الطريق وغربا دكاكين وقف محمد باشا النشانجي ودكانين بسويقة حاتم بالقرب من الجامع الكبير ودكانا بالمحلة المذكورة بالصف الغربي قبلة دكان وقف بني البيلوني وشرقا الطريق ودكانا خارج باب أنطاكية قبلة دكان وقف إبراهيم خان وشرقا طابونة ابن غنام وشمالا وغربا الطريق ودكانا في محلة ساحة بزه وشرقا الطريق. شروط الوقف شرط نصف الموقوف على نفسه مدة حياته يصرف ريعه كيفما شاء ثم على أولاده ذكورا وإناثا يقسم بينهم على الفريضة الشرعية ثم على أولادهم وأعقابهم بحيث يكون الاستحقاق بينهم طبقات الطبقة العليا تحجب السفلى على أن من مات منهم عن ولد عاد نصيبه إلى من هو في طبقته وإن كان واحدا فإذا انقرضوا عاد نصف العقار وقفا على عتقائه إن وجدوا وإلا فعلى من وجد من أولادهم وأنسالهم الذكور والإناث على الترتيب في الطبقات المذكورة فإذا انقرضوا عاد النصف المذكور وقفا على مصالح جامعه وشرط أن يفرز من غلة الوقف المذكور ربعها الثالث ويصرف على تعمير جميع العقارات الموقوفة وما فضل من هذا الربع يشتري به المتولي عقارا ويلحقه بأصل الوقف وربع الغلة الرابع يصرفه المتولي في مصالح جامعه المعروف بجامع الخير في محلة سويقة علي لصيق المدرسة النارنجية التي هي الآن محكمة الشافعية (أي في زمان الواقف) فيصرف من غلة هذا الربع في كل يوم 16 عثمانيا فضيا للخطيب و 20 للإمام في الأوقات الجهرية في مقابلة إمامته وقراءته عشرا عقب صلاة الصبح والعشاء وسورة الواقعة عقب صلاة المغرب و 8 لإمام السرية و 14 لمؤدب الأطفال في جامعه على أن لا يأخذ منهم أجرة سوى الحلوان المرسوم لأمثاله الجزء: 2 ¦ الصفحة: 143 و 30 لثلاثة مؤذنين لكل واحد منهم عشرة يؤذنون في منارة الجامع في الأوقات الخمسة. وإذا تخلف أحد منهم يضاف ما يستحقه إلى ريع الوقف و 45 لخمسة عشر من حفظة القرآن يقرءون في جامعه كل يوم بعد صلاة العصر خمسة عشر جزءا يهدون ثوابها على الصيغة المعلومة و 4 لرئيس عليهم يعرف بالنقطة جي و 4 لقارىء سورة الكهف قبل صلاة الجمعة في جامعه و 3 لمن يقرأ النعت النبوي بجامعه في يوم الجمعة قبل الصلاة و 4 لقارىء سورة يس بعد صلاة الصبح في جامعه و 8 لمن يكنس صحن جامعه ويغسل طهارته و 8 لمن يكنس مكان الصلاة داخلا وخارجا و 9 لمن يشعل القناديل في جامعه ومنارته وشرط أن يشتري من ربع الغلة المذكور الزيت والشمع العسلي والعيدان من غير إسراف ولا تقتير وأن يدفع في كل يوم 24 عثمانيا لعالم عامل يقرأ كل يوم في جامعه الفقه والنحو وفي يوم الاثنين والخميس الحديث ويلازم القراءة كل يوم بعد صلاة الظهر في رجب وشعبان ورمضان و 4 لمعيد الدرس العام و 4 لقارىء دلائل الخيرات وشوارق الأنوار قبل صلاة الجمعة في جامعه و 4 لقنوي محلة جامعه ليسوق الماء إليه و 60 لمن يكون ناظرا على الوقف من أولاده أو أولاد عتقائه و 120 للمتولي وإذا آلت التولية لغير أولاده فليس للمتولي حينئذ سوى معلوم النظارة ويلغى الناظر ويعود معلوم المتولي إلى الوقف و 60 لجاب يختاره المتولي و 20 لكاتب. ويدفع من ربع الغلة المذكور في كل سنة مائة قرش للفقراء والمساكين الموجودين بالحرمين الشريفين يدفع ذلك في كل سنة لمن يتولى قبض أمثالها من طرف السلطان وإنه إذا فضل شيء من غلة الربع المذكور بعد إخراج هذه النفقات يشتري به المتولي عقارا يلحقه بأصل الوقف وشرط التولية على جميع وقفه على نفسه مدة حياته ثم بعده فعلى الأكبر فالأكبر من أولاده الذكور دون الإناث مع اعتبار الرشد والأنفعية فإذا كان الكبير غير رشيد فيكون الأرشد من أخوته وكيلا عنه ولا يأخذ الوكيل شيئا من معلوم التولية وإن لم يوجد له أخ رشيد فللأرشد ... وإذا انقرض أولاده الذكور وأولاده الذكور وأولادهم عادت التولية للأكبر سنا من أولاد الإناث مع اعتبار الرشد والأنفعية والتوكيل كما بين آنفا. ويستثنى من التولية مصطفى وزكريا ابنا الواقف فليس لهما فيها حظ وإذا تساوى اثنان أو ثلاثة سنا فتكون التولية لمن يرجح رشدا وأنفعية فإن تساووا فيهما أيضا فتكون التولية مشتركة بينهم مناصفة وإذا انقرضت ذرية الواقف عادت التولية لعتقاء الواقف وأولادهم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 144 من بعدهم مع اعتبار الشرط والترتيب وإذا انقرضوا فتعود التولية لمن كان متوليا على أوقاف الجامع الكبير بحلب ويقبض أجرته في كل يوم ستين عثمانيا وإذا تعذر الصرف على جامعه لاندارسه ووصول المائة قرش لفقراء الحرمين فيعود الربع الموقوف لمن يوجد من أولاد الواقف ذكرا كان أم أنثى أو من أولاد العتقاء يختص به الواحد فما فوقه وإن لم يوجد أحد منهم يعود الوقف جميعه للفقراء المسلمين المقيمين بحلب دون غيرهم وحينئذ يكون المتولي على وقفه من يراه الحاكم الشرعي بحلب وشرط الواقف أن يكون له في وقفه الزيادة والنقص والحجب والحرمان والإدخال والإخراج والعزل والنصب وأن لا يكون ذلك لأحد من بعده وشرط توجيه الجهات لمن يكون بعده متوليا وأن لا يؤجر وقفه أكثر من سنة ولا يؤجر من متغلب ولا ذي شوكة ولا يستبدل ولو بأنفع منه وإن فعل ذلك المتولي يسقط استحقاقه ويعزل من التولية وشرط رؤية محاسبة المتولي لمن يكون مفتشا لأوقاف الحرمين بالدولة العلية العثمانية لا يراها أحد غيره تحريرا في 11 محرم سنة 1177. مسجد النارنجية محله في جنوبي جامع الحاج موسى لصيقه وهو مسجد قديم كان يعرف بمسجد البلاط أنشأه الشريف الزاهد سعيد ابن عبد الله بن محسن بن صالح بن علي أبو منصور وهو جليل القدر عالم باللغة والأدب آمر بالمعروف ناه عن المنكر وذلك في أيام نور الدين زنكي وكان لهذا المسجد شمالية باقية آثارها حتى الآن كان محلها طيارة «1» للأمير حسن بن الداية والي حلب في تلك الأيام فأتفق أنه شرب فيها خمرا فأنكر عليه الشريف فعله ورفع أمره إلى نور الدين فأنكر عليه ذلك وأمره أن يهدم تلك الطيارة فهدمها وبنى مكانها الشمالية المذكورة وعرف هذا المسجد حدود القرن التاسع بمسجد عون الدين بن العجيمي وفي أوائل أيام الدولة العثمانية استعمل محكمة للشافعية واستمر كذلك دهرا طويلا ثم لما دخل المرحوم إبراهيم باشا المصري إلى حلب استعمله مخزنا لأرزاق جيشه وبعد خروجه من حلب بقى المسجد معطلا مغلقا إلى سنة 1293 وفيها سخر الله له جماعة من أهل الخير أجروا عليه بعض الترميم وأغلقوا بابه القديم واستخرجوا له من محله دكانين جعلوهما وقفا عليه وفتحوا له بابا صغيرا من غربيه وعمروا في صحنه حوضا كبيرا فوق عشر بعشر وصارت الجزء: 2 ¦ الصفحة: 145 تقام فيه السرية والجمعة وهو الآن عمارة متوهنة لها صحن يبلغ ثلاثين ذراعا في مثلها في شماليها الحوض المذكور ووراءه رواق صغير وفي جنوبي الصحن بئر ذكرها في كنوز الذهب وقال إن الناس يستقون منها في الصيف قلت لعلها البئر السبيل الذي يلي الجادة وهي لم تزل سبيلا يشرب منها الناس وقفت عليها قدر كفايتها من النفقات الحاجة رقية بنت (الحاج موسى آغا) أميري كما هو محرر في كتاب وقفها المذيل بتاريخ سنة 1229. جامع الفستق محله تجاه خان الوزير وهو مدرسة أنشأها (أحمد بن يعقوب) سنة 750 وأنشأ بقربها مكتبا للأيتام كما حكيناه في ترجمته وفي سنة 813 وقف عليها الناصري محمد بن عبد الله بن القاضي ناصر الدين محمد بن يعقوب ووالده الأمير الكبير الغازي ناصر الدين محمد الصارمي إبراهيم وقفا عظيما أكثره أراض. مكتوب على باب هذه المدرسة (هذا ما أنشأه العبد الفقير المستعيذ بالله من التقصير أحمد بن يعقوب بن الصاحب غفر الله له ولمن كان السبب ولجميع المسلمين سنة 750) وعلى الجدار الموجه غربا في عتبتة باب المدرسة (لما كان بتاريخ نهار الاثنين خامس عشر شهر شوال المبارك من شهور سنة تسع وتسعمائة ورد المرسوم الشريف المطلوبي لكل وقف عليه من ينوب وإن القضاة والحجاب وولاة أمور الإسلام بحلب الخاصكية «1» متوجهون للملكة الحلبية للكشف عن الأوقاف أيدهم الله تعالى ثم بعد التعرض إلى وقف المدرسة الصاحبية من يتوجه للكشف عن الأوقاف ابتغاء لوجه الله ذي الجلال والأكرام طالبا لما عند الله من الأجور وليحيي معالم هذا الجامع. اه.) قلت وقد سمى هذه العمارة هنا مدرسة وجامعا والذي رأيناه في ترجمة بانيها إنها تربة والله أعلم وعلى كل حال فهي الآن متوهنة البناء خالية من الحجرات لها قبلية عامرة تقام فيها السرية والجمعة. المدرسة الجردكية محلها على الجادة في السوق لصيق أصلان دده من شماليه ولها باب على الجادة المارة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 146 من تجاه خان الوزير وهو بابها الأصلي أنشأها الأمير عز الدين جرديك النوري بالبلاط سنة 551 ونشأ بها جم غفير من العلماء. ولها وقف هو نصف قرية كفر نوران من بلاد سرمين ثم تقلبت عليها الأيام والليالي إلى أن أهملت وأغلق بابها وأستبهم أمرها وتهدمت حجراتها ومدرستها فلما كان في حدود سنة 1287 فتح لمدرستها باب من السوق وجعلت بيت قهوة واشتهرت بقهوة أصلان دده واستمرت على ذلك نحوا من خمسة عشر عاما ثم انتبهت الحكومة إليها فأوعزت إلى المعارف بضبطها فضبطتها واستعملتها مكتبا ابتدائيا غير إنها لم تلبث إلا بضع سنين حتى عطلت وأغلق بابها ثم في حدود سنة 1329 استأجرها من المعارف أحد التجار وعملها حانوتا لتجارته. زاوية أصلان دده تكلمنا عليها في ترجمة (أصلان دده المجذوب) فراجعها وهي زاوية عامرة البناء معطلة الشعائر تقام بقبليتها السرية وقبر أصلان دده في شرقي قبليتها ولهذه الزاوية مدخل من تجاه خان الوزير وهو بابها الأصلي ومدخل من تجاه خان الصابون ثم أغلق هذا المدخل وأستأجره أحد التجار من دائرة المعارف وعمله حانوتا لبضاعته وسد ما بينه وبين الزاوية ونسبة هذه الزاوية إلى أصلان دده حادثة وكانت تعرف بخانقاه البلاط وسوق البلاط هو المعروف الآن بسوق الصابون أنشأها شمس الخواص لؤلؤ الخادم عتيق رضوان 509. مسجد معلق في رأس سوق الصابون: على صف مدخل سوق الدهشة قبلية يرقى إليها بدرجات تصلى فيها السرية وكان يعرف بمسجد آق بلاط عمر سنة 931. المدرسة الصلاحية المعروفة في زماننا بالبهائية غربي خان خير بك وهي منسوبة إلى الأمير صلاح الدين يوسف بن الأسعد الدواتدار «1» . وقفها سنة 737 كانت داره وكانت تعرف قبلا بدار ابن العديم وقد وقفها الصلاح المذكور مدرسة على المذاهب الأربعة وشرط أن يكون القاضي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 147 الشافعي والقاضي الحنفي بحلب مدرسيها. لها من دائرة الأوقاف بحلب بدل تخميس يبلغ في السنة نحو 5000 قرش وقد استعملت في أيام الدولة العثمانية محكمة للشافعية زمنا طويلا ثم تركت وأشرفت على الخراب وضاعت أوقافها إلى أن عمرها المتولي عليها المرحوم (بهاء الدين أفندي ابن تقي أفندي القدسي) في حدود سنة 1260 وأعادها مدرسة كما كانت عليه قبلا إلّا أن غلة وقفها لا تزال قليلة جدا بحيث لا تقوم بمعين الموظفين بها من المجاورين والإمام والمدرس وبقية أصحاب الشعائر وفي سنة 1275 وقفت الحاجة بنبه بنت عبد الله بن عبد المنان زوجة المرحوم بهاء الدين المومى إليه على هذه المدرسة دارا في محلة الفرافرة قرب جامع الزينبية والمدرسة الآن سماوي مشتمل على ست حجرات في غربيه وشرقيه وعلى قبلية وعلى حوض مسقوف يؤخذ ماؤه بواسطة أنابيب وعلى غرفة فوق جهته الشرقية هي محل جلوس المدرس وتقام فيها الصلوات الخمس في قبليتها وليست من العمار على شيء لقلة دخلها. تنبيه: كانت دور بني العديم شرقي هذه المدرسة إلى أن انهدمت في حادثة تيمور وصارت تلا وكانت إلى جانب هذه الدور بوابة من الرخام الأصفر ثلاث قطع (وهي باقية حتى الآن) دثر داخلها وعمره الناس أملاكا. قلت من جملة هذه الأملاك دار لبني العكام أدركناها عامرة ثم هدمتها الحكومة وبنت مكانها المكتب الرشدي العسكري. وكانت في ذلك الجوار خانقاه أنشأها سعد الدين كمشتكين الخادم مولى أتابك عماد الدين سنة 573 لم يبق لها الآن أثر ولعلها دخلت في بناء خان خيري بك. الزاوية الجوشنية محلها في سوق السويقة على الجادة عند السيوفية شمالي باب خان قورد بك واسمها الأصلي أقصراوية نسبت لبانيها وكأنها اشتهرت بعد الجوشنية لقربها من صناع الجواشن وهي الدروع فقد كان هذا السوق مختصا بعمل السيوف والجواشن ولهذه العمارة سماوي في جنوبيه قبلية وفي غربيه حجرة لها شباك على الجادة مدفون فيها الشيخ أبو إسحاق إبراهيم الكازروني وفوق هذه الحجرة غرفة صغيرة معدة لجلوس الشيخ. مكتوب على باب هذه الزاوية: (بسم الله أنشأ هذه الزاوية المباركة العبد الفقير إلى الله تعالى الشيخ الصالح العابد الحاج جنيد ابن عمر الأقصروي الأبواسحاقي تغمده الله بالرحمة برسم سلطان الأولياء والأقطاب الجزء: 2 ¦ الصفحة: 148 المرشد إلى طريق الحق والصواب قدوة السالكين وزبدة الواصلين هادي المسلمين خليفة الله في الأرضين سر الله في الأفاق حجة الله على الأطلاق الشيخ المرشد أبو إسحاق إبراهيم شهريار الكازروني قدس الله روحه وعلى خلفائه ومريديه وليس لأحد جلوس على سجادة المسجد بالزاوية المذكورة غير خلفائه وكان الفراغ في شهر ربيع الأول سنة 747. المسجد المعلق محله في أواسط سوق السويقة قرب خان الحاج موسى في جنوبيه وهو مسجد يصعد إليه بدرجات مشتمل على صحن صغير في شماليه حجرة وفي جنوبيه قبلية وهو قديم: مكتوب على حجر في جانب باب قبليته (بسم الله الرحمن الرحيم إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله إلخ الآية) عمر هذا المسجد العبد الفقير الشيخ محمد بن عثمان ... من شهور سنة 710) وهو مسجد نير عامر تقام فيه الخمس وله عدة عقارات دكاكين وقفتها عليه المرحومة السيدة الحاجة صالحة زوجة صاحب الخيرات (الحاج موسى آغا أمير) تاريخ كتاب وقفها سنة 1187 وقد جدده بعد أن أشرف على الدثور في حدود سنة 1290 الحاج محمد أفندي ابن أبي بكر آغا أميري أحد رجال الأسرة الأميرية. مسجد إبراهيم خان محله تجاه زقاق بستان اليهود بميلة إلى الغرب وهو مسجد فسيح جميل تقام فيه الخمس وله من أوقاف الوزير إبراهيم خان ما يقوم بكفايته كما ستعرفه من كتاب وقفه الذي ذكرنا خلاصته في خاتمة الكتاب. مسجد علي محله في رأس سوق التوكل من شرقيه وهو مسجد يصعد إليه ببضع درجات مركب على حوانيت تحته جارية في وقفه وفيه قبر رجل يسمونه عليا ويقولون إن المحلة مضافة لاسمه وفي هذا المسجد تقام الصلوات الخمس وله من الدخل زهاء أربعة آلاف قرش تجبى من دكاكينه المذكورة وفي سنة 1341 شبت النار بفرن في شرقيه فاحترق الفرن وعجل بتخريب هذا المسجد لقطع الطريق على النار كيلا تتصل بالحوانيت التي في شرقيه وهو الآن باق على خرابه. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 149 مسجد: ملاصق خان الكتان من شرقيه متهدم مائل للخراب يسكنه بعض الفقراء لا أعرف له ترجمة. بقية آثارها مكتب الصاحبية: في السوق تجاه الجادة النازلة من أمام باب خان الوزير أنشأه (أحمد ابن يعقوب) المتقدم ذكره وهو مكتب واسع جميل يصعد إليه بدرجات لكنه الآن معطل مائل للخراب يستعمله بعض الباعة لخزن البضائع بأجرة يدفعها لمن يكون متوليا عليه. سبيل النارنجية: على بابها وقد ذكرناه في الكلام عليها وسبيل الصاحبية تحت المكتب المذكور وسبيل خان الصابون على بابه من إنشاء (أزتيمور بن مزيد) وجدده المرحوم رجب باشا والي حلب سنة 1132، وسبيل ملاصق باب خان الحاج موسى من شماليه من إنشاء الواقف الحاج موسى أميري وقد وقف عليه دارا تجاه الخان الأعوج في كتاب وقفه الكبير تاريخ 1177، وسبيل تجاه جامع الحاج موسى له دكان بقربه، وسبيل تجاه المسجد المعلق قرب خان الحاج موسى داخل في وقف المسجد المذكور، وسبيل في أواسط سوق التوكل من إنشاء المرحوم عبد القادر أفندي الجابري، وسبيل آخر في سوق الطيبية تجاه باب الجامع الكبير وفيها من الخانات: الخان الأعوج وخان الحاج موسى الأميري وتقدم الكلام عليهما في كتاب وقفه وخان الدوه لك «1» في سوق التوكل، جدده في زماننا أحد أغنياء اليهود. وخان الوزير أنشأه أحد ولاة حلب سنة 1093 وهو خان عظيم شهير يعد من أعظم خانات حلب وجهة بابه مشتمل على صنعة من البناء والعمارة تستدعي السواح إلى الإقبال عليها لأخذ رسمها والإعجاب بشأنها وخان قورد بك بن خسرو باشا المتقدم ذكره في خلاصة كتاب وقف الخسروية وهو أيضا من الخانات العظيمة بحلب وخان الكتان تجاه المدرسة الصلاحية وهو قديم كان يعرف بخان السيدة وهي السيدة بنت وثاب النميري أخت شبيب زوجة نصر بن محمود بن مرداس يقال إنها جهزت جيش غزاة من مالها وكان هذا الخان مشرفا على الخراب ينزله قوافل الكروان «2» . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 150 ثم في سنة 1330 شرع بإعماره مدير أوقاف حلب ولما حدث النفير العام وقفت العمارة ثم في هذه الأيام شرع مدير الأوقاف الحالي يحيى أفندي بإتمام عمارته وجعله خانا يصلح للتجار نظير باقي الخانات التجارية. وخان الصابون في رأس سوق الطبيبة أنشأه (أزتيمور بن مزيد) وهو من الخانات العامرة العظيمة وخان الجورة قرب الصلاحية من غربيها وخان (خير بك) وهو من مشاهير الخانات أيضا وقاسارية خان الوزير تجاهه وقاسارية خان الكتان وكل هذه الخانات معدة لبيع سلع التجار وفيها فرنان ومصبغتان وثلاث قهاوي وحمام واحد يعرف بالواساني ويقال الواساني قديم جدا. قال صاحب كنوز الذهب في هذا الحمام جرن أسود يذكر أن الخليل عليه السلام اغتسل منه ولم يزل هذا الأمر مشهورا حتى الآن (في زمنه) وهو حمام مبارك يدخله الناس للتبرك بآثار الخليل عليه السلام ويحصل لهم الشفاء من أمراضهم خصوصا النساء. اه.. قلت: ولم يزل يزعم من يستأجر الحمام المذكور أن الجرن موجود فيه حتى الآن وهذا الحمام جار في أوقاف الحاج موسى وقد ذكرناه في خلاصة كتاب وقفه. في هذه المحلة بسوق التوكل فندق يعرف بالأوتل يدخل إليه من خان الدوه لك ورأيت في السجل كتاب وقف وقفه عبد القادر بن عمر بن ناصر العثماني سنة 1172 شرط فيه لسبيل بمحلة سويقة علي وسط السوق تعميره وترميمه وبقية نفقاته وشرط أيضا ثلاثين قارئا وتالي دلائل الخيرات في حجازية «1» الجامع الكبير وأن يشتري في كل يوم خميس خبزة بثلاثة قروش تفرق على الفقراء وقد نبهت على هذا وإن لم أقدر على تعيين السبيل المذكور. ومن الأسر الشهيرة في هذه المحلة أسرة الحاج موسى الأميري وأسرة آل الكاتب وبعض فروع أسرة الجابري ومعظم الدور العظام في هذه المحلة دور الحاج موسى. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 151 محلة الدباغة العتيقة (د) عدد بيوتها 83 الذكور/ الإناث/ المجموع/ الأقوام 131/120/251/المسلمون 253/256/509/اليهود 384 376/760/المجموع يحدها قبلة سويقة حاتم وغربا المصابن المعروفة أيضا بقسطل الحجارين وشمالا بحسيتا والبندره وشرقا سويقة علي. آثارها جامع الدباغة العتيقة محله في شرقيها وهو جامع قديم حافل له منارة مربعة الشكل عالية مبنية بالحجارة الهرقلية وله بابان أحدهما من شرقيه يدخل منه إلى قبليته والآخر من غربي شماليه يدخل منه إلى صحنه وفي شرقي شماليه قبور تاريخ أحدها سنة 807 ولهذا الجامع من الأوقاف أربع دور يبلغ سنويا نحو أربعة آلاف قرش «1» . مسجد شمعون ويقال له مسجد سويقة حاتم مسجد صغير قديم اشتهر أن فيه نبي الله شمعون ولم أر من ذكر ذلك من المؤرخين ومحل ضريحه من هذا المسجد على يمنة الداخل لقبليته قرب بابها وتقام فيه الجهرية وله من الأوقاف دار يبلغ ريعها نحو ثمانمائة قرش في السنة وسيأتي ذكر ما شرط له في كتاب وقف مستدام بك. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 152 مسجد البكفالوني في أواسط الزقاق النازل إلى مسجد شمعون وهو مسجد قديم كان يوجد فيه نخلة سحوق «1» وأظنه مدفنا فقد وجدت في غربيه عدة قبور مدفون ببعضها الشيخ عبد الوهاب البكفالوني المتوفي سنة 1155 ويوجد في هذه التربة من شرقيها شبه قبلية تعلم فيها الأطفال وتجاهها من الشمال مغارة تشتمل على ميضأة. ولم أطلع له على وقف ومن الأسر الشهيرة في هذه المحلة أسرة آل الجابري والدور العظام تنسب إليها. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 153 محلة البندرة (د) عدد بيوتها2 G 25 الذكور/ الإناث/ المجموع/ الأقوام 272/308/580/مسلمون 927/948/1875/يهود 1199/1256/2455/المجموع هذه المحلة يعتبرها أهل البلد محلتين إحداهما يسمونها بندرة الإسلام وهي ما يلي محلة داخل باب النصر والأخرى يسمونها بندرة اليهود وهي ما بعدها ولكن الحكومة تعتبرها محلة واحدة وتطلق عليهما اسم البندرة، حدهما قبلة سويقة علي والدباغة العتيقة وغربا بحسيتا وشمالا الخندق وشرقا داخل باب النصر. آثارها مسجد الحاج تقي الدين باشا ابن عبد الرحمن في غربي زقاق الداية وجنوبي مخفرة باب النصر بميلة إلى الغرب وهو مسجد فسيح عامر وإنما نسب إلى الحاج تقي الدين باشا لأنه رممه وجدد قبلته سنة 1278 وربما أطلق عليه مسجد الملثم نسبة لرجل جاور فيه مدة وقد شرط له الحاج تقي الدين باشا في وقفه ما يقوم بكفايته وقد اشتمل على حجرة في شماليه وقبلية في جنوبيه تصلى فيه الخمس ليس إلا. مسجد القدوري محله في زقاق حمام القاضي في غربي الحمام بينهما غلوة ينزل إليه بدرجات وفي جنوبيه الجزء: 2 ¦ الصفحة: 154 قبلية وفي شرقي شماليه قسطل ماء من قناة حلب أمامها مسطبة في صدرها محراب يصلى فوقها في الصيف وفيه مزار الشيخ القدوري المنسوب إليه وهو غير القدوري مؤلف الكتاب المشهور في الفقه وقد شرط له في بعض أوقاف بني الكواكبي قراء ولوازم وفي سنة 1282 وقفت عليه عائشة بنت موسى ابن حسين آغا الكردي دارا في محلة الدباغة العتيقة وهو الآن عامر تقام فيه الجهرية فقط. المسجد العمري محله شرقي شمالي كنيسة اليهود الشهيرة المعروفة بالكنيسة الصفراء وهو مسجد عامر له قبلية جميلة وفيه حجرة وعلى بابه منارة بديعة الصنعة وفي جانبه الغربي فرن وقف عليه وهو معطل لا تقام فيه صلاة لكونه محاطا باليهود وقد شرط الحاج أحمد أفندي باقي في وقفه الكبير المؤرخ كتابه سنة 1274 لأمام هذا المسجد عشرة قروش في كل شهر ومثلها لأمام جامع الشيخ عبد الله في زقاق السبع عوجات. المحكمة الشرعية محلها تجاه جامع المهمندار هي ثلاث دور نافذة لبعضها إحداها معدة لسكنى حاكم الشرع مع عائلته والأخرى معدة لجلوسه لسماع الخصومات والثالثة معدة لجلوس الكتبة وكان أصل هذه الدور الثلاث دارا واحدة عدها المحب أبو الفضل ابن الشحنة بتاريخه في الدور العظام بحلب وكانت من جملة ما وقفه (الحسن بن بلبان) المشهور بابن المهمندار على جامعه المعروف به ثم في أواسط القرن العاشر استبدلت بالحمزية ووقفها مالكها بطريق الاستبدال نصفين نصفا على الجامع المذكور ونصفا على فقراء الحرمين ثم أضيفت لأوقاف مزرفوني مصطفى باشا الجاري في وقفه أيضا خان الوزير وفي حدود سنة 1285 استخرج من جهتها التي تلي السوق تجاه جامع المهمندار عدة دكاكين معدة للأجرة تجبى غلاتها عن يد متول أقيم عليها وتصرف في مرمات «1» المحكمة. تنبيه: لا يوجد عندنا الآن في حلب غير هذه المحكمة التي تجري أحكامها على المذهب الحنفي وقد أدركنا من الشيوخ من أدرك في حلب أربع محاكم للشافعية كان محلها المدرسة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 155 الصلاحية والنارنجية والجابية الآتي ذكرها في محلة داخل باب النيرب وخان سنوفي محلة الشميصاتية. بقية آثارها مسجد غنام: في زقاق الجرن الأسود عمره (الحاج عبد القادر بن أحمد بن محمد غنام) وقد ذكرناه بترجمته وهو مسجد صغير تقام فيه أحيانا السرية وسبيل العكام باشي «1» على صف سبيل غنام في شماليه ويؤخذ ماؤه بواسطة أنبوب: مكتوب عليه أنه أنشأه الناظر الحاج محمد بن عيسى العكام باشي وأجرة القنوي من أجرة الدار التي بها كل شهر نصف قرش سنة 1193 وسبيل تجاه قهوة السياس على صف المحكمة الشرعية من شماليها يؤخذ ماؤه بأنبوبة في أسفله وبطاسات في أعلاه له دكان يصرف ريعها عليه. مكتوب عليه فوق قنطرته (أنشأ هذا السبيل الشريف أعدل الحكام المتورعين مولانا محمد أفندي بن المولي المرحوم حسام الدين الشهير بقره جلبي زاده كثر الله خيره وزاده قاضي مدينة حلب الشهبا في شهر رجب الفرد من شهور سنة عشر وألف من الهجرة النبوية) وسبيل بحضرة الجوشنية: مكتوب عليه (لا إله إلا الله الملك الحق المبين محمد رسول الله الصادق الوعد الأمين سبيل وقفه العبد الفقير المستعين بربه الجواد المعين على زاده السيد محمد زين الدين القاضي بحلب الشهباء غرة بلاد المسلمين سنة 1200) وسبيل على الجادة موجه شرقا له شبك من الحديد عمر سنة 1002 ويوجد في هذه المحلة مخفرة للحكومة في حضرة باب النصر وفيها أيضا مصبنة وقف السيافية تعرف بمصبنة البندرة في شرقيها قسطل عمر في حدود القرن الثامن وجدده بعد دثوره (يوسف بن إبراهيم بن إسماعيل) في أوائل القرن العاشر وفي جانب هذا القسطل من شرقيه مسجد ومدفن خرب يبلغ 5 ع في 10 ع عمره يوسف المذكور في حدود سنة 900 وفي هذه المحلة أيضا ثلاثة أفران ومداران وفيها دار الجانبلاط الشهيرة وكان في محلها دور بني الأصبع فاشتراها الجانبلاط وعمرها دارا واحدة أنفق عليها في وقته عشرين ألف ذهب وفي هذه المحلة حمام النجاشي المعروف بحمام القاضي ومحله في وسط السوق على يمنة المقبل على جامع القاضي من جهة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 156 باب النصر وهو الآن مملوك لبعض الناس بطريق الإجارتين «1» مكتوب على بابه (في أيام مولانا السلطان الملك الأشرف أبي النصر قانصوه الغوري أعز الله أنصاره أمر بتجديد هذا الحمّام الأشرف الجمالي ابن ربيع الأشرفي عظم الله تعالى شأنه سنة 914) ومن الأسر الشهيرة في هذه المحلة أسرة إبراهيم باشا قطار اغاسي وأسرة آل غنام وفيها دار الجانبلاط «2» الشهيرة وإن كانت مشرفة على الخراب ودور آل غنام. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 157 محلة المصابن (د) عدد بيوتها 138 الذكور/ الإناث/ المجموع/ الأقوام 217/237/554/المسلمون 3/2/5/أرمن كاثوليك 21/14/35/أرمن 5/2/7/لاتين 6/3/9/سريان-/ 2/2/موارنة 377/400/777/يهود 150/76/226/أجانب 779/736/1515/المجموع يحدها قبلة حارة سويقة حاتم وجب أسد الله وغربا جب أسد الله وشمالا بحسيتا وشرقا سويقة علي والدباغة العتيقة وهذه المحلة تعرف أيضا باسم قسطل الحجارين قيل وسميت بالمصابن لكثرة ما كان فيها من المصابن حتى أنه كثيرا ما يظهر في زقاق المصابن آبار للزيت وهي الآن خالية منها لا يوجد فيها مصبنة واحدة. آثارها زاوية الصالحية وتعرف أيضا بالقادرية وكانت تعرف قديما بالبهشنية وربما عرفت في وقتنا بالحلوية وهي من أقدم زوايا حلب وكانت في أواسط القرن الثاني عشر أشرفت على الخراب فتبرع الجزء: 2 ¦ الصفحة: 158 بعمارة بابها وترميمها (عبد القادر بن حسين الشهير بابن الأميري) وفي السنة التي جددها اختلى الشيخ صالح شيخ القادرية «1» فنسبت إليه فيها مزار رجل من أهل الله تعالى يقال له الشيخ علي العنزي وقيل إنه من التابعين. وهي الآن عامرة وأوقافها وافرة يتولى مشيختها وجباية أوقافها السادة القادرية من بني الحلوي وقد وقفت المرأة آمنة بنت الشيخ محمد المواهبي وفاطمة بنت أمين الموقع والمرأة خيزران بنت عبد الله معتقة أحمد أفندي المواهبي دارا تعرف بالأوطه «2» بمحلة المصابن علي شيخ سجادة القادرية من طريق الشيخ قاسم الخاني ثم للحرمين ثم للفقراء تاريخها 1229 ولفاطمة بنت الحاج بكري الكردي ابن الحاج مصطفى وقف على ذريتها وبانقراضهم فعلى شيخ الزاوية الحلوية ثم على الحرمين تاريخ وقفها 1230. بقية آثار هذه المحلة مسجد الشربجي: شرقي قسطل الحجارين بميلة إلى الجنوب قديم فسيح الصحن ضيق القبلية له داران بقربه، مسجد قسطل الحجارين من آثار (عبد القادر بن حسين الأميري) المتقدم ذكره، جامع النحويين له مدار قرب الدوه لك ودكان في ذيل العقبة، مسجد داخل بوابة المصابن، مدرسة الشاذلية وقيل هي دار حديث قرب مسجد النحويين وكانت خفية فأظهرها بعض أهل الخير وجدد قبليتها وبابها واستخرج منها دكاكين وقفهما عليها، المسجد الواطي في زقاق السبع عوجات، مسجد الشيخ بدران في المصابن له دار في المحلة، مسجد رحمة على يمنة السالك في الجادة الآخذة إلى بحسيتا، مكتب للأيتام، وسبيل من آثار عبد القادر الأميري المذكور سابقا مكتوب على بابه: هذا السبيل ومكتب الصبيان ... من خير عبد القادر المحسان أنشأهما وقفا يدوم ثوابه ... عند انقطاع الأهل والأخوان يرجو دعا متعلم ومعلم ... والشاربين الماء بالغفران لبنائه من رام تاريخا يجد ... نعم السبيل ومكتب القرآن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 159 وفي هذه المحلة من السبلان والقساطل: قسطل الحجارين أنشأه (يحيى بن علي معلم سلطان) في حدود سنة 900 وأوصل إليه الماء ثم جدده الأميري المذكور، وسبيل على باب مسجد الشربجي يعرف بسبيل العداس، وسبيل الأميري تجاه حمام الصالحية المعروف بالحمام الجديد وهو باتصال مكتبه المتقدم ذكره، وسبيل لصيق مسجد رحمه وهو من إنشاء يلبغا نائب حلب سنة 753، وقسطل أبي الدرجين في المصابن وفي هذه المحلة الحمام الجديد قرب الزاوية الصالحية جددها الأميري المذكور سنة 1176، وفيها خان الزيت من إنشاء الملك الأشرف كجك سنة 742. تنبيه: هذه المحلة يمر منها جادة إلى ميدان باب الفرج أولها تجاه عقيبة الياسمين وأخرى إلى ميدان باب الجنان أولها رأس الشارع الذي كان يعرف بزقاق السبع عوجات أوله شمالي زاوية الصالحية يمتد من تجاهها ثم يخترق خان دار كوره فيجعله شطرين ويخرج إلى ميدان باب الجنان. هاتان الجادتان كانتا ضيقتين حرجتين جدا خاليتين من الحوانيت ثم في سنة 1331 اقتطع أستاذ التكية الصالحية الشيخ محمود ابن الشيخ محمد خير الدين الحلوي قطعة من الدار الموقوفة على سكنى أساتذة هذه التكية في الجادة الأولى بنى عليها من ماله لنفسه ثلاثة عشر مخزنا كبيرا تهافت التجار على استئجارها بأجور وافرة لأن هذه الجادة هي أقرب سكة يسلكها تجار السوق الكبير المعروف بالمدينة إلى منازلهم في المحلات المتجددة خارج سور البلدة كالجميلية والعزيزية ومحلة التلل والحميدية والسليمانية. وفي سنة 1334 أثناء الحرب العامة اغتنمت الحكومة فرصة ضعف الرعية والأجانب عن معارضتها وهدمت الدور والمنازل من جانبي الجادتين المذكورتين قصد جعلهما عريضتين فأستاء أصحاب المنازل من هذا العمل استياء عظيما وبعد انقضاء الحرب شرعوا بإعمار الدور والحوانيت على ما بقي لهم من عرصاتها فما مضى غير قليل من الزمن حتى انتهى إعمارها وأصبح الملك في هاتين الجادتين ذا قيمة عظيمة تبلغ عشرة أضعاف ما كانت عليه قبل توسيعهما فكان ما أستاء ذووه منه آئلا إلى خيرهم مصداق الآية (وعسى أن تكرهوا إلخ.) أما الأسر القديمة في هذه المحلة فهي أسرة آل باقي وأسرة آل الحلوي وأسرة آل العداس وأسرة آل الدهنة وسنتكلم على بعض هذه الأسر في مقدمة باب التراجم: والدور العظام في هذه المحلة جارية في أملاك هذه الأسر وأوقافهم انتهى الكلام على هذه المحلة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 160 محلة بحسيتا (د) عدد بيوتها2 G 64 يحدها قبلة الدباغة العتيقة ومحلة المصابن وشرقا جادة باب الفرج وغربا البندرة وشمالا الخندق وعدد سكانها: الذكور/ الإناث/ المجموع/ الأقوام 125/238/363/المسلمون 1970/1890/3860/اليهود 2095/2128/7223/المجموع هذه المحلة أكثر سكانها يهود والمشهور أنها كانت في صدر الإسلام مشتملة على كثير من المدارس العلمية الإسلامية وإن اسمها هذا محرف عن باح سيتا أي باح بالسر وهو رجل صالح مدفون بالمسجد الآتي ذكره فنسبت المحلة إليه وقد ذكرها ياقوت في معجمه وسماها باحسيثا وقال هي محلة كبيرة من محال حلب في شماليها ينسب إليها قوم وأهلها على مذهب السنة. اه. أقول هذه الكلمة سريانية مؤلفة من كلمتين هما (بيت حسدا) معناهما محل الرحمة ثم حذفت الباء والياء من الكلمة الأولى وحرفت الكلمة الثانية فصارتا بحسيتا. على أن كل كلمة سريانية تضاف إلى (با) مثل باصفره وبانقوسا تكون مضافة إلى بيت والظاهر من اسم هذه المحلة أنها كان فيها زمن الكلدانيين مكان مقدس عندهم يقصدونه للاعتراف بخطايهم. آثارها مسجد سيتا داخل باب الفرج على يسرة الداخل منه وهو مسجد عامر له منارة جميلة الصنعة جدا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 161 بنيت سنة 751 وفي سنة 1244 وقفت عليه آمنة بنت الحاج أحمد المصري الأرمنازي دارا وفي السنة المذكورة وقفت عليه بعض دار شرف بنت الحاج أحمد ابن السيد عبد القادر وفي سنة 1201 وقف عليه الحاج علي آغا بن عبد الله بن عبد الرحمن دارا وفي سنة 1175 وقف عليه دارا أخرى محمد بن عبد الرحمن وكلها في المحلة ويقال أن فيه مزارا لرجل اسمه سيتا وفي سنة 1330 هدمت البلدية الجهة الشمالية التي تلي الجادة من هذا المسجد ورجعت بها إلى الوراء توسعة للطريق وكانت المئذنة في غربي هذه الجهة فنقصت دورا دورا وأعيدت كما كانت دون خلل في شرقي الجهة المذكورة وطلب مني ما يكتب على بابه فقلت: جدار سما حسنا وجدد بعد ما ... غدا معطيا حق الطريق متمما ومئذنة عادت كما هي أنشئت ... بسالف تاريخ وبالخير تمما سنة 1330 مكتوب على دائر موقف المؤذن تحت الدرابزون (أنشأ هذه المنارة المباركة فقير عفو الله راجي رحمة الله مستجير من عذاب القبر والنار متوسلا بسيد المرسلين أن يمن عليه بالتوبة قبل الموت ويثبته على كلمة التوحيد والإيمان في الدنيا والآخرة تحت رحمة الله محمد بن عبد الله القاري وذلك في اليوم التاسع من شهر شعبان المعظم قدره سنة 751 من الهجرة النبوية على صاحبها أفضل التحية) ومكتوب على زنار هذه المنارة الأول (أنشأ هذه المنارة المباركة العبد الفقير إلى مولاه القدير المقر بالعجز والتقصير محمد بن عبد الله متوسلا بسيد المرسلين وشفيع المذنبين أن يكون خالصة لوجهه الكريم وسببا للفوز بجنات النعيم يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم ومكتوب على الزنار الثاني بقلم كوفي (يا قومنا أجيبوا داعي الله) إلخ الآية. بقية آثارها الجامع العمري «1» قديم فسيح نير معمور بالصلوات ومحله قرب سراي رجب باشا في رأس السوق على يسرة الداخل إليه من جهة البندرة وله أوقاف تقوم بكفايته إلا أنها داخلة في محاسبة الأوقاف وفي شمالي صحنه مدفن واسع فيه عدة قبور منها قبر الشيخ حسن المغربي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 162 يعتقده أهل المحلة. وفي كنوز الذهب أن فيه رجلا اسمه الشيخ سوار يعتقده أهل المحلة اعتقادا عظيما. قلت وهو غير مشهور في زماننا، مدرسة في شرقيه مائلة إلى الخراب يسكنها بعض الفقراء فيها زيارة الشيخ حسن الفول، مدرسة نصر الله تجاه كنيسة اليهود الكبرى في زقاق المدرسة معطلة متوهنة البناء، مسجد القاموسي على الجادة، المدرسة القرموطية على يسرة الداخل إلى السوق من جهة البندرة وهي مستعملة لتربية الأطفال مكتوب على بابها الغربي (إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله واليوم الآخر: أنشأ هذا المكان المبارك العبد الفقير عبد القادر بن قرموط سنة 882 وجدده عبد الرحمن بن قرموط سنة 978، جامع القرمانية تجاه حمام التل (أنشأه إبراهيم بن خضر القرماني) وهو جامع عامر حسن المنظر فيه عدة قبور لبني العلبي وفيه قبر مدفون فيه إبراهيم بن أحمد بن الجانبلاط سنة 971 وفي غربي صحن هذا الجامع حجرة كبيرة تعلم فيها الأطفال وله أوقاف داخلة في محاسبة الأوقاف وقد تكلمنا على هذا المسجد في ترجمة منشئه المذكور فراجعه. مسجد القطان في زقاق القلاية، مسجد الشماع في سوق بحسيتا القبلي وكان مشرفا على الخراب ثم في سنة 1300 سعى بتعميره وترميمه الحاج عبد القادر ابن السيد شعبان ابن السيد أحمد الشعباني المشهور بالأخلاص وحب الخير وقد حج ستا وعشرين حجة وسعى بتعمير خمس دكاكين وجعلها وقفا على المسجد المذكور. ثم في سنة 1325 سعى ولده المرحوم السيد محمد بتعمير غرفة عليا في هذا المسجد لتعليم الأطفال وأخذ له ماء من قناة حلب وكان من الشبان المخلصين توفي سنة 1338 والدكاكين المذكورة مستخرجة من المسجد. وفي هذه المحلة من السبلان والقساطل، قسطل رجب باشا صاحب السراي والي حلب سنة 1132 والقسطل المذكور تجاه باب سرايه، سبيل في سوق بحسيتا القبلي قرب مسجد الشماع وكان في قربه أيضا سبيل العجيمي لكنه الآن مجهول المحل، قسطل بيت العلبي في زقاق المدرسة قرب كنيسة اليهود قبالة المدرسة، قسطل السلطان خارج باب الفرج على مقربة منه عمره السلطان سليمان خان سنة 940 حين قدومه إلى حلب بسعي معتقده الشيخ (روح الله بن عبد الله) كان مكتوبا في صدره بعد البسملة (أمر بإنشاء هذا السبيل المعظم السلطان الأعظم والخانقان الأفخم الآمر أبو المظفر السلطان سليمان خان بن سليمان شاه خان بن بايزيد خان بن محمد خان خلد الله ملكه وسلطانه) ولهذا القسطل الجزء: 2 ¦ الصفحة: 163 من الأوقاف جنينة التوينة تجاهه في جنوبيه وأربع دكاكين في باب الجنان وغير ذلك من الأحكار وكانت غلة هذه الجهات تصرف على هذا السبيل وعلى قسطل أبي خشبة في محلة جب أسد الله وعلى سبيل أبي الدرج في محلة المصابن ثم سنة 1316 هدم قسطل السلطان المذكور وجدد في مكانه حوض مستور بنى عليه برج الساعة وقد بلغت النفقة على ذلك زهاء ألف وخمسمائة ليرا عثمانية جمع نحو نصفها من أهل الخير وبقيتها من صندوق البلدة وقد تكلمنا على برج الساعة في حوادث السنة المذكورة فراجعه. وفي سنة 1325 وضعت المعارف يدها على جنينة التوينة لأنها اعتبرتها من الأوقاف المندرسة أي أن ما وقفت عليه الجنينة غير معلوم لعدم وجود كتاب وقف يشعر بذلك وبعد أن جزأتها المعارف باعتها بالمزاد العلني لجماعة متعددين فبنوها دورا وغيرها. وفي هذه المحلة من الزيارات غير ما ذكرناه، زيارة الشيخ محمد السمرقندي تجاه خان الدوه لك في حجرة لها شباك مطل على الجادة من دار مملوكة لبعض الناس وفيها من الحمامات، حمام التل تجاه جامع القرمانية وفيها بضعة أفران وأما آثار اليهود فيها فهي عدة أماكن تعرف بالمدارش ومكان يعرف بيت الدين وكنيستهم المعروفة عندهم بالكنيسة الصفراء وهي عمارة مستطيلة من الغرب إلى الشرق يبلغ طولها نحو 90 ع في عرض 40 ع تقريبا مسقوفة كلها بأزج سوى أواسطها فإنه سماوي قد رفعت أزجها على عضادات كل عضادة منها عمودان مزدوجان مع بعضهما جملتها اثنان وسبعون عمودا قواعدها العليا بديعة الصنعة والجهة القبلية هي التي يصلون إليها وفي كل ثلث من هذه الجهة حجرة لها باب جميل مرخم بالحجارة المهندمة الصفر البعادينية قد حفظ فيها نسخة من التوراة القديمة المكتوبة في درج على رق يقولون إن إحداها أقدم توراة في العالم «1» مع أنه ليس لها تاريخ وفي الثلث الأخير الشرقي من هذه المحلة حجرة فيها مقام للخضر عليه السلام يوقدون فيه القناديل وينذرون له الزيت وفي الجهة الغربية بضعة شبابيك مطلة على بستان جار في أوقاف الكنيسة والجهة الشمالية فيها بابان عظيمان أحدهما من غربي هذه الجهة والآخر من شرقيها وهما حادثان بدلا عن أبوابها القديمة التي جهل محلها والجدار الكائن في شرقي هذه الجهة قديم جدا يظهر أنه من بقايا جدرانها التي بنيت أول مرة وهكذا الأعمدة المرفوع عليها سقفها وأما جهتها الشرقية فخالية من الآثار إلا أنها في أعلاها غرف يسمونها المدارش لها مدخل مستقل بها الجزء: 2 ¦ الصفحة: 164 وفي أواسط كل ثلث من صحن الكنيسة شبه سدة معدة لوقوف رئيس دينهم يسمونها تبه «1» وفي أواسط الجهة الجنوبية شبه محراب صغير مرتفع يقولون أنه عمر ذكرى للمرحوم السلطان مراد خان لما زار كنيستهم ولهذه الكنيسة من الأوقاف ما يقوم بكفايتها وهو البستان المتقدم ذكره وبضع دور في المحلة. تنبيه: هذه الكنيسة من أقدم الآثار العامرة التي اطلعت عليها في مدينة حلب وبعض اليهود يدعون إنها من آثار أيوب بن سيرويا قائد جيش داود عليه السلام يقولون إنه بناها حينما ضرب داود الآراميين بحلب ووادي الملوحة واستولى عليها تحت راية قائد جيشه المذكور وهو قول يحتاج إلى برهان تاريخي «2» وقد قرأت في حجر مبني في أواخر جهتها الغربية من الشمال عبارة لفظها سرياني وقلمها آشوري ونكتبها نحن بالقلم العربي وهي: ب ش هـ ن و: مه شهتندب ببنيان الوهبنيوت وهتبه مور ور أبراهام هكوهين بر يعقوب هكوهين ن ع شنة (أت ش ي ط) لشيطاروت (بروخ مصيب جبول المانه) . اه. وتعريبها بسم الله وبه نستعين وهي ترجمة الحروف المكتوبة في صدرها لأنها رموز يراد منها نحو ذلك وبقية تعريب العبارة هي المتبرع ببناء هذه البنايات وألتبه السيد الرباني إبراهيم كوهن بن يعقوب كوهن (ن ع) دعاء له بالمغفرة سنة 720 لشيطاروت سبحان مجدد ما أندثر. اه. أقول فعلى هذا الحساب يكون قد مضى على عمارة البنايات وألتبه المذكورة 515 سنة إلى عامنا هذا وهو سنة 1341. تنبيه: اصطلح اليهود على أن يؤرخوا بالحروف الأبجدية بدل الأرقام الهندية وهم يطرحون الألف ويؤرخون بما زاد عنها فالحروف التي هي (أت ش ي ط) تجمع على (720) فإذا أضيف إليها الألف صار مجموعها (1720) وهكذا يقال في باقي التواريخ الآتي بيانها في الكلام على مخطوطات أحجار هذه الكنيسة. اه. وقرأت على حجرة أخرى تدل على تجديد بعضها بعد ذلك بخمسة أعوام وتلك الحجرة ظاهرة أيضا مرصوفة في أعلى إحدى عضاداتها الكائنة في جهتها الشرقية تجاه الهيكل الأول ولفظها على ما ذكرناه هكذا (مه شهتندب ببنيان الوششه هلعموديم هر كبود مور العازار هلوي بر كبود موراليا هلوي سط م ممونو ويروشة بنو يوسف ويشماعيل وهبت هكله رع (ات ش ك د) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 165 لشيطاروت، وتعريبها: المتبرع ببنيان هذه العواميد الست السيد العازار اللاوي بن القديس السيد إليا اللاوي (سط) من ماله وورثة بنيه يوسف وإسماعيل والبنت الفتاة (ن ع) دعا له بالمغفرة بتاريخ أتشكد لشيطاروت أي سنة 725 لشيطاروت وذلك 510 سنين مضت على بناء العمد الست المذكورة إلى عامنا هذا وهو سنة 1341 ورأيت حجرة على إحدى شبابيك الجهة الشرقية فيها كتابة تدل على أنها بنيت قبل ذلك بكثير ولفظها كذلك (ذوها قبه بنه مور على برناثان برمبسر بر حادم ميكيعو وم ممونوشنة، تهلخ صدكمه، لشيطاروت. اه. وتعريبها هذه القبة بناها علي بن ناثان بن مبشر بن حادم من تعبه ومن ماله سنة هـ ص د ك م هـ لشيطاروت وذلك بحساب الجمل 204 وهي بعض الحروف المرادة من كلمتي (تهلخ صدكمه) فيكون مضى على عمارة هذه القبة 1031 سنة ومكتوب على القنطرة الوسطى من مصيف الكنيسة الموجه إلى الشمال وهو الهيكل (بشمه دي راحمانه وأحانينه ما شيهنداب بيبنان ألوها عموديم ويهتكبود ويهتقرا أحارها حربان .... سعدايل ها سوفري رح سيوان شنه أت ش ي ولشيطاروت) تعريب هذه العبارة باسم الرحمن والحنون الذي انتدب لبناء هذه الأعمدة والقناطر والسقف بعد خرابها سعد الله الكاتب في شهر حزيران سنة 711 لشيطاروت (تذييل) لفظة شيطاروت يريدون منها السطور أي الصكوك التي كتبها عليهم إسكندر المكدوني حين دخل بيت المقدس وأراد أى يضع فيه الأوثان التي يعبدها ليبقى له فيه ذكرى فالتمسوا منه أن يعرض عن ذلك وعاهدوه بأن يعوضوه عن تلك الذكرى بجعل دخوله إلى بيت المقدس مبدأ تاريخ لهم وسموه باسم شيطاروت وقد مضى على هذا التاريخ عندهم إلى عامنا هذا وهو عام 1341 هجرية 2235 سنة. تنبيه: الأسر الإسلامية القديمة في هذه المحلة أسرة رجب باشا وأسرة آل الشعباني وأسرة آل عابدين آغا. والأسر الإسرائيلية فيها هي أسرة بني الجداع وأسرة بني نحمات وأسرة ساسون وأسرة دويك وغيرهم. على أن جميع الأسر الأسرائيلية الغنية التي كانت في هذه المحلة قد انتقلت إلى محلة الجميلية بعد إنشائها ولم يبق في محلة بحسيتا سوى فقراء الأسرائيليين وقليل من أغنيائهم. والدور العظام في هذه المحلة مضافة للأسر المذكورة وكان أعظم دار فيها دار رجب باشا التي كانت تشتمل على أبنية ضخمة جميلة وبستان كبير فيه حوض يبلغ عشرين ذراعا في مثلها ثم أنها قسمت إلى دور متعددة وبنى في بستانها منازل كثيرة وفقد منها ذلك الرواء والجمال. انتهى الكلام على هذه المحلة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 166 محلة جب أسد الله (د) عدد بيوتها2 G 43 حدها قبلة الجلوم الكبرى وغربا العقبة والمشارقة وشمالا سويقة حاتم والمصابن وشرقا سويقة علي عدد سكانها: الذكور/ الإناث/ المجموع/ الأقوام 388/416/804/المسلمون 7/14/521/الروم الكاثوليك 24/28/52/الأرمن الكاثوليك 7/6/13/الروم 158/115/273/الأرمن 2/4/6/البروتستان 3/6/9/اللاتين 5/2/7/السريان 10/11/21/الموارنة 104/124/228/اليهود 150/76/226/الأجانب 858/802/1660/المجموع آثارها المدرسة الحلاوية ذكر في التاريخ أن هذه المدرسة كانت كنيسة عظيمة بنتها هيلانه أم قسطنطين وكانت الجزء: 2 ¦ الصفحة: 167 معظمة عند النصارى حتى قيل إنه كان يقف على بابها يوم الأحد كذا كذا بغلة لرؤساء النصارى من الكتاب والمتصرفين ولم تزل على ذلك إلى أن حاصر الفرنج الصليبيون حلب سنة 518 وملكها يومئذ إيليغازي بن أرتق صاحب ماردين فهرب منها وقام بأمر البلد ومن فيه القاضي أبو الحسن محمد بن يحيى بن الخشاب وكان خروج دبيس وجوسلين من أنطاكية فكان بغدوين من الجانب الغربي وجوسلين من الشرقي ويليه دبيس وسلطان شاه رضوان وباغي سنان بن عبد الجبار صاحب بالس مقابلهم وكانت الخيم مائة للمسلمين ومأتين للفرنج فأقاموا يزحفون على حلب ويعيثون فيها فسادا ويفعلون من الفظائع ما نجل كتابنا عن ذكره فلما بلغ القاضي المذكور مع المقدمين ذلك عمد إلى أربع كنائس داخل حلب فهدمها وصيرها مساجد وجعل فيها محاريب منها الحلوية وصارت مسجدا وعرف بمسجد السراجين واستمرت على ذلك إلى أن ملك الملك العادل نور الدين محمود زنكي فجدد فيها إيوانا وبيوتا وجعلها مدرسة لتدريس مذهب أبي حنيفة ووقف عليها أوقافا. وكان انتهاء عمارتها سنة 544 وجلب إليها من أفامية مذبحا من الرخام الملكي الشفاف الذي إذا وضع تحته ضوء بان من وجهه ووضعه فيها وعليه كتابة باليونانية ترجمت فإذا هي عمل هذا الملك دقليطيانوس والنسر الطائر في أربع عشرة درجة من برج المشتري فيكون مقدار ذلك على رأي أصحاب النجوم ثلاثة آلاف سنة إلى زمن الترجمة قال بعض مؤرخي حلب ليست هذه الحجر جرنا إنما هي رخامة بسيطة طويلة عريضة مربعة إلى الطول أقرب إلا أنها لها حافات عالية عنها مقدارا يسيرا نحو ثلاث أصابع وقال أبو اليمن البتروني أن الكتابة التي على حافتها لو فرضناها حروفا أو كلمات لم يبلغ عددها عدد حروف تعريبها ولا عدد كلماته وقد وقع عليه أحد جدران المدرسة فانكسر وصار قطعا وأسف الناس عليه. اه. ويقال إن الملك العادل كان يملأ هذا الجرن في الليلة السابعة والعشرين من رمضان قطائف محشوة ويجمع إليه الفقهاء المرتبين بالمدرسة وهي من أعظم المدارس صيتا وأكثرها طلبة وأغزرها جامكية «1» وقد شرط الواقف أن يحمل للمدرس في كل رمضان من وقفها ثلاثة آلاف درهم يصنع بها الفقهاء طعام وفي ليلة النصف من شعبان يصنع حلواء معلومة وفي الشتاء ثمن بياض لكل فقيه شيء معلوم وفي أيام شرب الدواء من فصلي الربيع والخريف ثمن ما يحتاج إليه من الدواء والفاكهة وفي المواليد أيضا الحلو وفي الأعياد ما ينفقونه دراهم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 168 معلومة وفي أيام الفاكهة ما يشترون به بطيخا ومشمشا وتوتا ولما فرغ من بنائها استدعى إليها من دمشق الفقيه الإمام برهان الدين أبا الحسن البلخي الذي قام بإبطال النداء بحي علي خير العمل في الأذان بحلب بأمر نور الدين الشهيد وبرهان الدين أحمد بن علي الأصولي السلفي ليجعله نائبا عن البرهان البلخي فامتنع فطلبه ثانيا فأجابه بكتاب افتتحه بالبسملة ثم بقوله: ولو قلت طأ في النار أعلم أنه ... رضى لك أو مدن لنا من وصالك لقدمت رجلي نحوها فوطئتها ... هدى منك لي أو ضلة من ضلالك ولم يزل نائبا إلى أن مات فتولى التدريس بعده الامام الفاضل رضي الدين محمد بن محمد أبو عبد الله السرخسي كان قدم حلب فولاه محمود زنكي التدريس وكان في لسانه لكنة فتعصب عليه جماعة من الفقهاء الحنفية فصغروا أمره عند نور الدين فمات يوم الجمعة آخر جمعة من رجب سنة 571 فتولى مكانه إسماعيل الحنفي الغزنوي البلقي وكان بالموصل ثم وليه صاحب التصانيف البديعة في أحكام الشريعة علاء الدين ثم وليه الإمام افتخار الدين عبد المطلب بن الفضل صاحب الرواية العالية الفاخرة والدراية الزاهية الزاهره شرح الجامع الكبير شرحا لطيفا مستوفيا وقام بما شرط ثم وليه العلامة تاج الدين أبو المعالي وكان جامعا بين العلم والكرم خلع في يوم تدريسه عشرين خلعة على من حضر درسه من متميزي الفقهاء واستمر مدرسا إلى أن مات فوليه الإمام العلامة كمال الدين أبو القاسم قاضي القضاة نجم الدين أحمد بن أبي جرادة المعروف بابن العديم ولم يزل المدرسون يتنقلون بها إلى أن آلت إلى محب الدين بن الشحنة. قال ابن شداد في ذكر ما كانت الأمم السابقة تعظمه من الأماكن بمدينة حلب يقال إنه كان بحلب نيف وسبعون هيكلا للنصارى منها الهيكل المعظم عندهم الذي بنته هيلانة أم قسطنطين وهي التي بنت كنائس الشام كلها وبيت المقدس وهذا الهيكل كان في كنيستها العظمى التي هي الآن المدرسة الحلاوية المتقدم ذكرها وكان لهذه الكنيسة بيت مذبح في موضع حمام موغان والدار التي كانت تعرف بدار كوره وكلاهما من إنشاء ذكاء الدين الذي كان متوليا على حلب سنة 292 وكان بين هذا المذبح والكنيسة ساباط معقود البناء تحت الأرض يخرج منه إلى المذبح وكان النصارى يعظمون هذا المذبح ويقصدونه من سائر الجزء: 2 ¦ الصفحة: 169 البلاد وقد صار حمام موغان حماما للهيكل وكان حوله قريب من مائتي قلاية تنظر إليه وكان في وسطه كرسي ارتفاعه أحد عشر ذراعا من الرخام الملكي الأبيض وذكر ابن شراره النصراني في تاريخه أن المسيح عليه السلام جلس عليه وقيل جلس موضعه لما دخل حلب وذكروا أيضا أن جماعة من الحواريين دخلوا الهيكل وكان في ابتداء الزمان معبدا لعباد النار ثم صار إلى اليهود وكانوا يزورنه ثم صار إلى النصارى ثم صار إلى المسلمين وذكروا أيضا أنه كان لهذا الهيكل قس يقال له برسوما تعظمه النصارى وتحمل إليه الصدقات من سائر الأقاليم قالوا وسبب تعظيمهم إياه أنه حصل في أيام الروم وباء في حلب فلم يسلم منهم غيره. الكلام على تشخيصها في الحالة الحاضرة هي الآن عمارة واسعة بابها موجه شرقا كان مكتوبا فوقه (بسم الله الرحمن الرحيم من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها. جدد هذه المدرسة البنية السعيدة المباركة وأنشأها مدرسة للفقهاء على مذهب الامام أبي حنيفة رضى الله عنه مولانا الأمير الأسفهسلار «1» الأجل السيد الكبير الملك العالم العارف العادل المجاهد المؤيد المنصور المظفر الأغر الكامل مؤيد الدين ومظهر الملة الإسلامية بسيفه صفي الأنام بنصره قسيم الدولة وعماد ما اختاره الأنام رضي الخلافة تاج الملوك والسلاطين وجلالها حافظ بلاد المسلمين شمس المعالي وفلكها قاهر المشركين وقامع الملحدين وقاتل الكفرة والمشركين .... أبو القاسم محمود زنكي ابن آق سنقر ناصر أمير المؤمنين على يد عبد الصمد الطرسوسي الفقير لرحمة الله في شوال سنة 543) وعلى حجرة النجف: وأخلص أحمد في الخير فعلا ... وظل لكل محمدة يروم وجدد باب مدرسة تسامت ... فخارا إذ بها تتلى العلوم وأحيا رسمها العالي فأرخ ... جزاه ربنا خيرا يدوم سنة 1140 ولهذا الباب عتبة طول فضائها 3 ع و 9 ط وعرضه 2 ع و 7 ط ثم تدخل من الباب الجزء: 2 ¦ الصفحة: 170 إلى دهليز طول فضائه 11 ع و 7 ط وعرضه 3 ع و 3 ط وينضم إلى طول الدهليز من جهته الجنوبية جهة زائدة على جهته الشمالية ذراع و 19 ط وهي مع الجهة الجنوبية المذكورة تتألف من عرض بنية فيها محل للتدريس وميضأة المدرسة وحجرة في جانبها أما صحن المدرسة السماوي فطوله من الجنوب إلى الشمال 38 ع و 12 ط وعرضه 26 ع وتنخفض أرض الصحن من تجاه الدهليز عن أرض الزقاق الكائن تجاه باب المدرسة 2 ع و 12 ط ثم إن الجهة الغربية من هذا الصحن تشتمل من جهتها الشمالية على إيوان طول فضائه 9 ع و 15 ط وعرضه 6 ع و 13 ط وفيه محراب فتحته 1 ع و 16 ط وتقعيره 1 ع و 7 ط مخشب ظاهره وباطنه بخشب مصنع جميل منقوش حفرا بنقوش لم تر العين أجمل منها مكتوب على دائرة ما صورته (بسم الله الرحمن الرحيم جدد هذا المحراب في أيام مولانا السلطان الملك الغازي المجاهد المرابط المؤيد المنصور الملك الناصر صلاح الدنيا والدين سلطان الإسلام والمسلمين منصف المظلوم من الظالمين رافع ألوية العدل في العالمين قامع الكفرة والملحدين أبي المظفر يوسف بن محمد ناصر أمير المؤمنين خلد الله ملكه وأعز أنصاره وأعلا رايته وأنار برهانه بولاية الفقير إلى رحمة الله تعالى عمر بن أحمد بن هبة الله بن محمد ابن أبي جرادة غفر الله له ولوالديه سنة 643) ومكتوب تحت سقف المحراب (صنعة أبي الجيش محمد ابن الحراني) وتحته (نجارة العبد الفقير إلى رحمة ربه ... ) وفي جانب الإيوان من جنوبه قبلية المدرسة وهي عمارة قديمة يظهر أنها من عمارة الروم وطول فضائها من الشمال إلى الجنوب 27 ع وعرضها 11 ع و 4 ط وسقفها قبة في طرفيها قبو مشادة على أربع قناطر تحت رجلي كل قنطرتين عمود من الرخام الأصفر البعاديني محيطه 2 ع و 6 ط وطول الظاهر منه 4 ع و 8 ط وفوقه قاعدة من الحجر الأحمر السماقي مؤزرة بتأزير عديمة النظير في زاوية من زواياها دائرة منقوش فيها صورة صليب ثم أنه يوجد في الجهة الغربية من هذه القبلية مكان شبيه بالإيوان يقال أنه كان هو الهيكل الغربي طول فضائه 15 ع و 18 ط وعرضه 10 و 4 ط وسقفه قبة نصف دائرة مرفوعة على ستة عواميد من العواميد المتقدم ذكرها وفي الجانب الشمالي والجنوبي من هذا المكان إيوانان طول فضاء كل واحد منهما من الغرب إلى الشرق 5 ع و 21 ط وعرضه 3 ع و 13 ط والذي يظهر أن الجهة الشرقية من هذه القبلية كانت مثل جهتها الغربية أي أنها كانت مشتملة على مكان شبيه بالإيوان في جانبيه إيوانان أيضا ويوجد في جنوبي هذه القبلية محراب وباب هذه القبلية من ظاهره جميل مبني بالرخام الأصفر الجزء: 2 ¦ الصفحة: 171 والأسود. مكتوب في أعلاه (بسم الله الرحمن الرحيم جددت هذه المدرسة المباركة في أيام مولانا السلطان الأعظم والخاقان المكرم الأكرم مالك رقاب الأمم سلطان العرب والعجم مولانا السلطان الغازي محمد خان ابن السلطان إبراهيم خان أعز الله أنصاره بإشارة الدستور المكرم المشير المفخم نظام العالم مدبر أمور الجمهور بالرأي الصائب متمم مهام الأنام بالفكر الثاقب الوزير أبو النور محمد باشا حافظ الديار الحلبية حفظه الله سنة 1071) . وكان في هذه القبلية مغارة تعرف بالخشخاشة «1» معدة لدفن الموتى فهدمها أحد المتولين على المدرسة في أيامنا وملأها ترابا أما الجهة الجنوبية من الصحن فهي جدار يلوح عليه أثر القدم في وسطه محراب وفي أعلاه منافذ مسدودة كأنها تشرف على خان محمد باشا النيشانجي المعروف الآن بخان الحبال وهذه الجهة كانت محل قبلية الجامع التي هي من تأسيس المسلمين وأما الجهة الشرقية ففيها محل للتدريس والميضأة كما تقدم ذكره وقد جدد محل التدريس متولي المدرسة ومدرسها الأسبق حضرة العالم الفاضل الشيخ مصطفى ابن الشيخ محمد ابن الشيخ مصطفى طلس. ويقال إن هذا المحل كان فيه الهيكل الشرقي وطول هذه البنية 24 ع و 15 ط ويوجد في الدهليز على يمنة الداخل باب دار في العلو تابعة وقف المدرسة ويوجد في بقية الجهة الشرقية في جانب الدهليز على يمنة الداخل حجرة هي إحدى الحجرات الثمانية الشمالية والثانية في الإيوان السالف ذكره والحجرة الأخيرة من الجهة الشمالية فيما يلي الإيوان يوجد في صدرها خزانة يظهر أنها في سرداب ولعله هو السرداب الذي كان متصلا من الهيكل إلى المذبح المتقدم ذكرهما ثم أنه يوجد في الجهة المشالية من السماوي حوض مربع فوق عشر بعشر يجري إليه الماء فائضا من حوض في الجامع الكبير ويوجد فوق الحجرات الست وفوق ما وراءها من الأرض داران لكل منهما باب على حدته في الجهة الشمالية الكائن فيها الحجرات المذكورة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 172 الكلام على أوقافها إن الكلام على أوقافها مفصلا مما يطول شرحه بحيث لو ذكرنا كل مسقف أو أرض وأتبعناهما بحدودهما لاستغرق ذلك مجلدا على حدته ولذا اكتفينا بإيراد إجمال في هذا المعنى استخلصناه من دفترين وقعا إلينا مفتتح أحدهما بما نصه.. بيان أحكار بيوت ودكاكين وبساتين أوقاف المدرسة الحلاوية الكائنة بمدينة حلب بمعرفة ذخر الفضلاء والمدرسين مولانا محمد أفندي الكشاف بحلب وتخمين الحاج فتح الله ابن الحاج المعمار السلطاني بحلب وجماعة من المسلمين أهل الخبرة والوقوف وحرر في أوائل ربيع الثاني سنة 1079 مختتم بقوله (صورة الدفتر السلطاني بالتوقيع الرفيع الخاقاني نقلت عن أصل صحيح من غير تعلل ولا ترجيح بعد ما عرضت عليّ وقوبلت لديّ وأنا الفقير إليه تعالى نقيب زاده السيد محمد سعيد الحجازي المولى خلافة محكمة الشافعية بحلب الشهباء) وأما الدفتر الآخر فمفتتح بقوله (بيان إيراد المدرسة الحلاوية في حلب سنة 1219) ثم إن كلا من الدفترين ذكر كل عقار وأرض على حدتهما وأتبع كل واحد منهما بأجرته أو حكره السنوي ونوع النقد في ذلك كله الكسر العثماني وهاك خلاصة ما فيها فأقول: المفهوم منهما أن أوقاف المدرسة الحلاوية أربع دور، يدخل إليها من صحن المدرسة لأنها في علو حجراتها ثلاث منها في الصف الشمالي وواحدة في الصف القبلي قلت الدار الكائنة في الصف القبلي دائرة لا أثر لها وجميع الصف الغربي من سوق البودقجية والمسامرية المتصل به وبعض دكاكين من سوق النحاسين وست في سوق الذراع وخان قرب باب المقام وعشر دكاكين وفرن وبيت قهوة وعشر دور وغير ذلك مما يبلغ 94 بابا في محلة باب المقام ومحلة جامع عبيس. قلت: جميع هذه العقارات الآن مملوكة للغير وعليها أحكار معينة ولم يبق جاريا منها في الوقف سوى بضع دكاكين في سوق المسامرية وجميع قرية فركيا في جبل الزاوية ومزرعة تل عامود قرب قرية تركمان وقرية شغيدله قرب قرية عبطين وقرية أراضي تادف ومزارع تجاه مناشر الزبل خارج باب الفرج (هي التي كانت تعرف بتلات باب الفرج وقد نسفت هذه التلال وعمرت دورا وحوانيت وفتح فيها جادة تعد في الرتبة الأولى من جادات حلب) وأما الأحكار فهي حكر دكان في سوق المسامرية في الصف الغربي ودكان في قفاها الصف القبلي من سوق الحبال وفي زابوق سوق الحبال ودكان تحاذيه في الصف المرقوم وخان محمد الجزء: 2 ¦ الصفحة: 173 باشا النيشانجي وخان البنادقة الجاري في أوقاف جامع العدلية ودكاكين في سوق الأروام وجنينة في الكلاسة ظاهر حلب جارية في وقف بني الكوراني وجنينة ابن الزائغ الحاج حجازي في المحلة المذكورة وجنينة بنت السحار في هذه المحلة وقهوة ابن علوان مع دكاكين في قربها في سوق السقطية ودكان قرب باب سوق الطرابيشية بالصف القبلي وثلاث دكاكين بالصف القبلي من السوق المذكور وجميع الدور والدكاكين والقيصريات والمصابغ والمساجد الجوامع والكنائس والأبنية كلية كانت أو جزئية الكائنة في المحلة الجديدة وما اتصل بها أو قاربها من المحلات والأزقة والشوارع كالصليبة والشمالي وبوابة أم بطرس وزقاق البالي والنازوك وزنده والزقاق التحتاني والمبلط والعطوي الكبير والصغير وزقاق الأربعين والغوري والغطاس والكعكه وعبد الحي وعبد الرحيم وتدريبة عبد الحي ومحلة الأكراد والهزازه والتومايات وساحة التنانير والزقاق الصغير وزقاق مردجان وزقاق المملكات وزقاق بانقوس وزقاق عريان والشابورة والقير والشوربجي وغير ذلك من الأزقة والبوابات. وجميع قطع الأراضي الثلاث المتلاصقات الشهيرات بتلال باب الفرج المحدودات قبلة بالطريق العام وشرقا كذلك ويليه الخانات الجاريات بوقف الحاج عبد القادر أفندين الجابري وشريكه السنيور موسى وتمامه ببوابة القصب وتمامه الآخر بمحلة الصليبة ومحلة التومايات وشمالا بقبور النصارى وغربا ببعض قبور النصارى وتمامه بأرض جارية بأرض المشنقة الجارية بوقف المدرسة التي نحن في صددها وتمامه الآخر بتربة المسلمين المعروفة بالعبارة والفاصل بينهما الطريق وتمامه الآخر ببستان الكلاب الجاري بوقف بوينى إكرى محمد باشا والفاصل بينهما الطريق وقلت إن هذه التلال هي التي كانت تعرف بمناشر الزبل لأنها كان ينشر عليها زبل حمام الواساني والأبرية والبيلوني والجديدة والتل والقواس وبهرام والقاضي وغيرها من الحمامات وهذه التلال الثلاث كان استولى عليها جماعة فاستخلصها منهم المتولي الشيخ مصطفى بعد محاكمة يطول شرحها استمرت نحو عشرة أعوام ثم حكرها بأجرة معجلة ومؤجلة فكان يصرف المعجلة على شراء عقارات يقفها على المدرسة كما سنبينه قريبا وقد عمر منها فيها اثنتي عشرة حجرة ورواقا عظيما في جنوبي المدرسة كان قبله رواق اندثر منذ مائة سنة وأعلى أرض المدرسة وجدد بلاطها وأجرى غير ذلك من الإصلاح في هذا الوقف رحمه الله وأما النفقات المشروطة حسبما اطلعت عليه من الدفتر الطغرائي المؤرخ في شعبان سنة 1189 فهي أربعة عثمانيات للمدرس وثلاثة للجابي وثمانية لثمانية الجزء: 2 ¦ الصفحة: 174 طلاب وثلاثة للأمام وأربعة للكاتب واثنان للفراش يوميا وللقناواتي ثلاثة عشر في كل شهر ووظيفة المتولي حسبية فجملة النفقات شهريا ألف ومائة واثنا عشر عثمانيا. أما الأوقاف الجديدة التي وقفت على هذه المدرسة فقد حرر بها أحد عشر كتابا. الأول: الواقف فيه (مصطفى بن محمد بن مصطفى) طلس. وقف دارا في محلة البندرة في زقاق الجرن الأسود ودارا في محلة جب أسد الله في زقاق عقيبة الياسمين ودارا ودكانا في الشمالي من المحلة الجديدة وربع قاسارية ابن ميرو في محلة باب قنسرين ودكانا ودارا في محلة جب أسد الله ودارا في محلة الجلوم ودكانين في محلة ابن يعقوب في بانقوسا ودكانا في محلة خراب خان ودكانين في القصيلة ودكانين في محلة الأكراد ودكانين في سوق أبي ركاب ونصف دكان في سوق الصابون ودكانا في سوق البادستان ودارا داخل المدرسة الحلوية: تاريخ هذا الكتاب 6 ربيع الأول سنة 313. الثاني: الواقف فيه ورثة الشيخ مصطفى المتقدم ذكره أقروا لدى الحاكم الشرعي بأن الموقوف الآتي ذكره كان مورثهم اشتراه من مال الوقف للوقف وهو بناء خمس عشرة دكانا متصلة ببعضها في سوق المسامرية باتصال المدرسة الحلوية وثلث فرن في ساحة التنانير في المغربلية تاريخ هذا الكتاب 8 محرم سنة 1322. الثالث: الواقف فيه الشيخ محمد ابن الشيخ مصطفى المتقدم ذكره: وقف أبنية الدور الأربع المتصلات ببعضهن في محلة التلل تاريخه 7 جمادى الأولى سنة 1319. الرابع: الواقف فيه الشيخ محمد المومى إليه. وقف دكاكين في سوق الطاربيشية إحداهما في الصف القبلي والأخرى في الصف الشمالي ودارا في زقاق الشيخ غريب من محلة المرعشي تاريخها 3 محرم سنة 1321. الخامس: الواقف فيه الشيخ محمد المذكور. وقف بناء دار في محلة التلل. تاريخه 28 شوال سنة 1325. السادس: الواقف فيه الشيخ محمد أيضا. وقف دارا عليا في خان الحبال من محلة جب أسد الله. تاريخه 9 محرم سنة 1326. السابع: الواقف فيه الشيخ عبد الوهاب ابن الشيخ مصطفى المتقدم ذكره. وقف الجزء: 2 ¦ الصفحة: 175 دارين في بستان كل آب. تاريخه 17 جمادى الأولى سنة 1336. الثامن: الواقف فيه الشيخ عبد الوهاب وقف بناء دكان لها بابان في سوق المسامرية تاريخه 19 جمادى الأولى سنة 1336. التاسع: الواقف فيه الشيخ عبد الوهاب وقف بناء دارين متلاصقتين في كرم حجازي من محلة العزيزية وربع دكان في سوق الصابون. تاريخه 23 رمضان سنة 1336. العاشر: الواقف فيه الشيخ عبد الوهاب. وقف بناء دار في الكرم المذكور. تاريخه 12 ذي العقدة سنة 1336. الحادي عشر: الواقف فيه الشيخ عبد الوهاب. وقف بناء دار في محلة التلل المذكورة. تاريخه 27 ربيع الثاني سنة 1337. هذا وإن المدرسة بعد أن أشرفت على الخراب ولم يبق لها من ريع أوقافها سوى ما يقدر بعشر ذهبات أصبحت الآن غلة وقفها تقدر بألف ذهب عثماني وزيادة وذلك بسعي مدرسها ومتوليها الشيخ مصطفى وولديه المومى إليهم وبعناية القدرة الإلهية التي حببت إلى قلوب الناس البناء في الأراضي الموقوفة على هذه المدرسة وهي مناشر الزبل وأراضي المشنقة التي عهدناها ميدانا لسباق الخيل ليس لها قيمة ولا يلتفت إليها أحد فأصبحت الآن من أهم البقاع التي تعمر فيها الدور والمنازل وبلغ البدل المعجل للذراع منها ذهبين عثمانيين فسبحان القدير الذي يحي الأرض بعد موتها. بقية آثارها مسجد صغير موجه شمالا في جانب الفرن الكائن في الزقاق النازل من سوق سويقة حاتم الآخذ إلى المفارق الأربعة تجاه طلعة العقبة ومسجد الأستاذ المرحوم الشيخ حسن أفندي ابن الشيخ طه أفندي الكيالي سعى بتعميره فنسب إليه وكان يعرف بمسجد المعراوي وهو في أول طلعة العقبة قرب المفارق الأربعة المتقدم ذكرها. وزاوية البيلوني صغيرة معطلة يسكنها بعض الفقراء أنشأها أحد بني البيلوني ووقف (الشيخ فتح الله بن محمود بن محمد البيلوني) وقفا هو حمام موغان المعروف بحمام البيلوني وقد هدمته الحكومة في سنة 1337 توسعة للطريق ثم في هذه السنة وهي سنة 1341 شرعت مديرية الأوقاف تبني على ما الجزء: 2 ¦ الصفحة: 176 فضل من عرصته حوانيت عظيمة تؤجر بأضعاف ما كان يؤجر به الحمام المذكور. ومن جملة أوقاف بني البيلوني أيضا دكان على باب الجامع الكبير من جهة النحاسين وعدة دور في هذه المحلة وشرط هذا الوقف لزاويته بعد انقراض ذريته وقد وقف على هذه الزاوية جميع كتبه والمفهوم من كتاب وقفه أن جده لأمه هو الشيخ (موسى ابن الشيخ الريحاوي) قلت قد ضاعت الكتب وصارت أكثر الدور ملكا ويوجد في دهليز الزاوية المذكورة الداخل حجرة فيها قبر الشيخ فتح الله المذكور، مسجد شريف في زقاق البيلوني في الصف الموجه غربا خراب معطل، ومسجد اليتامى المحول عن أصل قديم ملاصق أقميم حمام البيلوني وهو مسجد صغير كان خربا فعمر سنة 1310 واستخرج منه ثلاث دكاكين وقفت عليه وصارت تجبى عن يد محاسبة الأوقاف بحلب. ثم في سنة 1340 هدمت مديرية الأوقاف هذا المسجد وأنشأت على أرضه حوانيت عظيمة بنت فوقها مسجدا عوض المسجد المذكور، ومسجد (الشيخ شريف) الأعرج نسب إليه لأنه كان يربي فيه الأطفال وهو مسجد قديم عامر مشتمل على قبلية عامرة إلا أنه معطل من الصلوات لخلو جواره من السكان المسلمين وهو في شمالي خان أبرك المعروف بخان القصابية وبابه في الصف الغربي على جادة المخازن والخانات، وجامع بش قبه قرب جب أسد الله وسمي بهذا الاسم لأن سقف قبليته مشتمل على خمس قباب وهو جامع عامر حافل له بابان أحدهما جنوبي والآخر شمالي وكان يعرف قديما بجامع الحوارنه والظاهر أنه من مباني القرن العاشر وقد وقف عليه السيد إبراهيم ابن السيد جمال الدين الهاشمي أحد أعيان المملكة الحلبية سنة 999 دارا بزقاق هذا الجامع وأخرى في زقاق الحكيم وأخرى في زقاق ابن الموصل ودارا ومربعا على قبة إيوان الواقف ودارا في زقاق قيس وكلها في المحلة وهذا الجامع الآن عامر تقام فيه الجهرية، وجامع القصر في رأس سوق باب الجنان على يسرة السالك إلى الباب عامر تقام فيه الصلوات والجمعة وهو صغير قديم رأيت له ذكرا في كتاب وقف الشهابي أحمد بن الزيني عمر المرداسي الشافعي الموقوف سنة 866 وزاوية محي الدين بقربه من جهة الغرب، والجامع العمري في باب الجنان وأظنه كان داخل السور بدليل الحجر الموجود في جداره من غربيه وهو جدار السور والحجر مكتوب فيه (جدد هذا البرج المبارك السلطان المالك الملك قانصوه الغوري عز نصره بتولي المقر السيفي برسباي الأشرفي نائب القلعة بحلب المحروسة سنة 920) وكل هذه المساجد لها من الأوقاف الجزء: 2 ¦ الصفحة: 177 ما يقوم بكفايتها، ومسجد في بوابة قيس له دكان في سوق الصيلة، والجاولية في جانب عقيبة الياسمين بناها محمود بن عفيف الدين سنة 566 وأول من درس بها أبو بكر بن أحمد الكاساني صاحب كتاب البدائع وهي مدرسة واسعة لكنها معطلة وكانت أشرفت على الخراب وكادت تكون تل تراب. ثم في سنة 1300 عمر فيها بضع حجرات وتركت وهي مشروطة على الحنفية وشرط واقفها لمدرسها كفايته وكفاية عياله والآن يسكنها بعض الفقراء وأوقافها مزرعة تل عنب من عزاز وفدانان ونصف من أطعانا من عزاز ونصف مزرعة (لفحار) من عمل معرة مصرين وبستان بأصفرا ظاهر حلب شماليها وحصة من قرية المحطبه من عزاز وثلث طاحون الحارثي خارج باب أنطاكية وغير ذلك من الأراضي وقد ضاعت كلها ولم يبق لها سوى قليل من أراض تجبى من قبل المالية وفيها من الزيارات، زيارة الشيخ محمد التنبي على الجادة شرقي بوابة قيس، وزيارة الشيخ علي الجاولي تجاه مدرسته. ومن السبلان، قسطل أبي خشبة قرب سوق باب الجنان من شرقيه وهو آخر ما ينتهي إليه ماء فرض برد بك وأظنه من آثار المرحوم رجب باشا صاحب السراي المشهورة، وقسطل تجاه جب أسد الله، وسبيل في جدار جامع بش قبه شرقي بابه الشمالي مشروط له في كل يوم 24 عثمانيا في وقفية شريفة بنت عبد القادر أفندي حجازي المؤرخة سنة 1120 وهو وقف عظيم شرطته بعد انقراض ذريتها لأموي حلب، وقسطل القهوة المعلقة في جانب بيت قنصلية فرانسه جنوبي بابه، وسبيل البيلوني في حائط حمامه الشمالي، وسبيل (لويس فيلكروز) على باب خانه. وفيها من الخانات، خان القصابية وكان يعرف بخان أبرك مكتوب على بابه ... (أنشأ هذا الخان المبارك في أيام مولانا السلطان الملك الأشرف أبي النصر قانصوه الغوري عز نصره المقر الأشرفي عين مقدمي الألوف بالديار المصرية وشاد الشراب خانات الشريفة بها ونائب القلعة الحلبية المنصورة المحروسة أعز الله أنصاره ابتغاء لوجه الله تعالى ومن تعرض إليه كان الله ورسوله خصمه وذلك في شعبان المكرم سنة 916) والظاهر أن هذا الخان عمر على أن يكون وقفا على أبناء السبيل فلم يتم للواقف ما أراد فإن غرفه وخلواته الآن يملكها الناس ويبتاعونها من بعضهم بصكوك فيما بينهم دون اطلاع الحكومة ولا أخذ وثيقة منها وهو خان عظيم يضاهي محلة وتجاه هذا الخان، أوتيل جبل لبنان ومنها، خان الجزء: 2 ¦ الصفحة: 178 الحبالين في سوق القطن وهو من إنشاء محمد باشا الذي جدد الميضأة الكائنة في جنوبي الحلاوية وكانت عمارته سنة 1003 كما هو مسطور على بابه، وخان الحرير الموجه شرقا وخان الجاكي تجاهه، وخان (لويس بن فيلروس) ، وخان السيد قرب وخان السيد قرب باب الجنان وخان ميسر أنشأه الحاج محمد والحاج أحمد ابنا (عبد القادر بن عمر ميسر) في حدود سنة 1330 وهو خان جميل عظيم ويعرف أيضا بخان البنك لأن المصرف العثماني فيه وخان باقي جاويش واقفه الحاج عبيد الله ابن الحاج أحمد ابن الحاج إبراهيم غنام سنة 1160 شرط أن تقسم غلة وقفه ثلاثة أقسام قسم لنفسه ولعقبه من بعده وقسمان لمؤذن الجامع الكبير وعشرة قراء تجاه حضرة زكريا عليه السلام، وخان دار كوره كان مما وقفه الحاج زين الدين ابن الحاج رجب ابن الخواجه الكبير الحاج جمال الدين عبد الله الخواجكي ووقف معه قاسارية تحت القلعة قبلي أقميم حمام الناصري (حمام اللبابيدية) وشرط فيه أن يفرق عشرة دراهم فضية على مؤذن في جامع الخواجكي خاصبك ببانقوسا كل شهر وذلك في سنة 877 وخان الصوفي تجاه خان دار كوره وكان مما وقفه أحمد ابن الزيني عمر المرداسي سنة 866 وكل هذه الخانات عامرة بالتجار والتجارة كل خان منها يضاهي محلة وفي هذه المحلة قاسارية قرب خان أبرك كانت مما وقفته فاطمة بنت قاضي القضاة عفيف الدين محمد ابن القاضي علاء الدين سنة 966 وفيها مداران، وفرن، وقهوتان. تنبيه: في هذه المحلة كان قصر مرتضى الدولة وهو أبو نصر بن لؤلؤ أحد موالي بني حمدان وقد تداعى هذا القصر للخراب وبني مكانه دور خربت ثم آلت لعلم الدين قيصر الظاهري فهدمها وبنى فيها قيسارية وصهاريج للزيت وحوانيت انتقلت إلى ورثته ثم انتقل بعضها إلى ملك بدر الدين الخازندار الظاهري سنة 672 ولم يبق من آثار هذا القصر سوى بستان صغير يعرف في زماننا بجنينة شمس لؤلؤ جارية في وقف بني السفاح. والأسر الشهيرة في هذه المحلة هي أسرة بني غنام ووجيهها السيد عبد الرحمن وأسرة آل طلس والدور العظام فيها دور بني البيلوني ودور بني غنام. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 179 محلة سويقة حاتم (د) عدد بيوتها الذكور/ الإناث/ المجموع/ الأقوام 313/423/736/المسلمون 33/30/63/الروم/ الكاثوليك 16/26/42/الأرمن 7/6/13/الروم 262/479/841/المجموع حدها قبلة الجلوم الكبرى وغربا جب أسد الله وشمالا الدباغة العتيقة وشرقا سويقة علي وهي من أشهر حارات حلب وأعمرها وماؤها في آبار وحياض من قناة حلب إلا أن مناخها ليس بجيد لتزاحم مبانيها وكانت هذه المحلة تسمى السهيلية وكانت السكنى فيها مرغوبة لقربها من الجامع الكبير. آثارها الجامع الكبير الأموي خلاصة ما قاله قدماء المؤرخين في جامع حلب. قالوا كان موضع الجامع في أيام الروم بستانا للحلوية ولما فتح المسلمون حلب صالحوا أهلها على موضع الجامع وكانت الجهة الشمالية منه مقبرة للحلوية المذكورة وكان في أول أمره يضاهي جامع دمشق في الزخرفة والرخام والفسيفساء والتأنق ويقال إن سليمان بن عبد الملك هو الذي بناه ليضاهي به ما عمله أخوه الوليد في جامع دمشق وقيل إنه من بناء الوليد أيضا لأنه نقل إليه آلة كنيسة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 180 قورص «1» وكانت من عجائب الدنيا حتى قيل إن ملك الروم بذل في ثلاثة أعمدة كانت فيها سبعين ألف دينار للوليد فلم يسمح له بها وقيل إن بني العباس نقضوا ما كان فيه من الزخارف والآلات ونقلوه إلى جامع الأنبار لما نقضوا آثار بني أمية من بلاد الشام وعفوها ولم يزل على هذه الصفة حتى دخل نيقفور حلب سنة 351 وأحرقها وأحرق جامعها ورحل عنها وعاد سيف الدولة إليها فرم بعض المسجد المذكور ثم لما تولى ولده سعد الدولة بنى فيه قرعويه قبة الفوراة التي في وسطه طول كل عمود منها سبعة أشبار وفي هذه القبة جرن رخام أبيض في غاية الكبر والحسن يقال أنه كان مذبحا في بعض الكنائس التي بحلب وفي حافة الجرن مكتوب (هذا ما أمر بعمله قرعويه غلام سيف الدولة ابن حمدان في سنة 354) . وبنى فيه الجهة الشرقية القضاة بنو عمّار الذين كانوا أصحاب طرابلس الشام فلما كانت ليلة الأربعاء سابع وعشرين شوال سنة 564 في أيام نور الدين بن زنكي أحرقته الإسماعيلية «2» مع الأسواق التي حوله فاجتهد نور الدين بعمارته وقطع الأعمدة الصفر من بعادين ونقل إليه عمد سور قنسرين لأن العمد التي كانت فيه قد تفطرت من الحريق وكانت قواعد العمد في صحن الجامع مع شيء من الرءوس وهي في أرضه فجمعت وبنى بعضها فوق بعض في الغربية التي فيه وكان الصف القبلي من الشرقية التي في قبلي الجامع الآن الملاصقة سوق البز عن يمين الداخل من الباب القبلي سوقا موقوفا على الجامع ولم يكن المسجد على التربيع فأحب نور الدين أن يجعله مربعا فاستفتى في ذلك الفقيه علاء الدين أبا الفتح عبد الرحمن بن محمود الغزنوي فأفتاه بجوازه فنقض السوق المذكور وأضافه إلى الجامع فاتسع به وحسن مرآه. وفي سنة 679 هـ أحرقه صاحب سيس «3» فلما كان قرا سنقر نائب حلب عمره بتولي القاضي شمس الدين بن صقر الحلبي وفرغ منه في رجب سنة 684 هـ ويقال إن الحائط الشمالي من القبلية التي تلي الصحن كان إذ ذاك من بقايا عمارة نور الدين وفي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 181 سنة 824 هـ وقعت الغربية وكان سقفها جملونا خشبا فعزم الأمير يشبك اليوسفي نائب حلب على عمارتها قبوا وشرع في ذلك ثم توفى فعمرت من مال الجامع وعقد سقفها قبوا وكان في صحن الجامع صهريج واسع عظيم جدا يحكى أن السبب في عمارته هو أنه كان بعض السلف من أهل حلب متوليا على أوقافه بحلب فأتاه انسان لا يعرفه فطرق عليه الباب ليلا ودفع له ألف دينار وقال له إصرفها في جهة بر، فأخذها وخطر له أن يصرفها في عمارة مصنع يخزن فيه الماء من القناة فإن منابع حلب مالحة وكان العدو يطرق مدينة حلب كثيرا فإذا قطع عنها ماء القناة تضرر أهلها فرأى أن يعمل مصنعا في صحن الجامع المذكور مدفونا تحت أرضه فشرع في ذلك وحفر حفيرة عظيمة واسعة واشترى الحجارة والكلس وعقد المصنع وفرغ الذهب المحمول إليه فضاق صدره واضطرب مدة في إتمام المشروع فطرق عليه الباب الطارق الأول ودفع له ألف دينار أخرى وقال له أتمم عملك فأخذها وأتم العمل وجاء المصنع واسعا متقنا بحيث كان يكفي السقائين والناس ولا يفرغ من الماء فجعل أهل حلب يطعنون على المتولي المذكور ويقولون إنه أضاع من مال الوقف جملة في عمارة مصنع فطلب منه الحاكم الحساب فرفعه إليه ولم يذكر فيه درهما واحدا في نفقات المصنع المذكور فسأله عن نفقة المصنع فأخبره بالقصة. ويقال إن هذا المتولي هو ابن الأيسر ويحكى أن هذا المصنع وجد في حفرته تمثال أسد من حجر قد وضع مستقبلا بوجهه القبلة، قال ابن الخطيب: «وهذا المصنع اليوم مردوم» ، وفي سنة 482 كان تأسيس منارة الجامع وعمرت على يد القاضي أبي الحسن محمد بن يحيى بن محمد الخشاب عوضا عن منارة كانت قبلها وكان بحلب معبد للنار قديم قد تحول إلى أن صار أتون حمام فأخذ القاضي حجارته لعمارة هذه المنارة فوشى به بعض حساده لأمير البلد قسيم الدولة فاستحضره وقال له قد هدمت معبدا هو ملكي فقال أيها الأمير كان معبدا للنار وقد صار معبدا يذكر عليه اسم الله تعالى وقد كتبت اسمك عليه وجعلت الثواب لك فإن رسمت أن أغرم ثمن الحجارة ويكون الثواب لي فعلت فأعجب الأمير كلامه واستصوب رأيه. وقيل إن المنارة أسست في زمن سابق محمود بن صالح على يد القاضي المذكور والمعمار الذي بناها من سرمين وبلغ بأساسها إلى الماء وعقد حجارتها بكلاليب الحديد والرصاص وأتمها في أيام قسيم الدولة آق سنقر وطول هذه المنارة إلى الدرابزين بذراع اليد سبعة وتسعون الجزء: 2 ¦ الصفحة: 182 ذراعا وعدد مراقيها مائة وأربع وسبعون درجة ولما كانت ليلة الاثنين ثاني عشر شوال سنة 575 زلزلت حلب زلزلة عظيمة هدمت أكثر دورها وأهلكت جماعة من أهلها وحركت المنارة فدفعت هلالا كان على رأسها مقدار ستمائة قدم وشققت ولما استولى التتار على حلب في عاشر صفر سنة 658 دخل صاحب سيس إلى الجامع وقتل خلقا كثيرا وأحرق الجاني القبلية منه وأخذ الحريق قبلة وغربا إلى المدرسة الحلاوية واحترق سوق البزازين فعرف عماد الدين القزويني هولاكو ما اعتمده السيسيون من إحراق الجامع وتركهم كنائس النصارى فأمر هولاكو برفع ذلك وأطفئت النار بسبب مطر صادف وقوعه في تلك الأثناء ثم اعتنى نور الدين يوسف بن أبي بكر عبد الرحمن السلماسي الصوفي بتنظيف الجامع ودفن ما كان فيه من قتلى المسلمين في جباب كانت بالجامع للغلة في شماليه ولما مات عز الدين أحمد الكتبجي أي الكتبي خرج عن جميع ماله فقبضه أخوه وتصدق ببعضه وعمر حائط الجامع منه فأنفق عشرين ألف درهم منها ثمانية عشر لبنائه وألفان لحصره ومصابيحه ولما ملك السلطان الملك الظاهر حلب أمر بتكليس الحائط القبلي وكذا الغربي من جهة صحن الجامع وعمل له سقفا متقنا وكان المحراب الأصفر يعرف بمحراب الحنابلة والمحراب الكبير الكائن في يمين الحضرة ويسار المنبر مختصا بالشافعية والمحراب الغربي الكائن في أواخر قبلية الحنفية مختصا بالحنفية ومحراب الغربية مختصا بالمالكية وفي سنة 931 أمر القاضي عبيد الله بن محمد بن يعقوب أن يصلي الحنفي بالمحراب الكبير ثم يصلي الشافعي بعده وكان يوجد على الباب الشمالي من الجامع مارستان «1» ينسب إلى ابن خرخاز وله بوابة عظيمة وقد أغلق بابه وأدخل في الدور المجاورة له (أظنه الآن مدرسة موقوفة على إمام الأحناف بالجامع وتعرف بدار الكحالة) . حالته الحاضرة: موقع الجامع في غربي القلعة بينها وبينه مسيرة نصف ميل تقريبا على خط مستقيم وهو عمارة عظيمة طولها من الغرب إلى الشرق مع ثخانة جدران الجهتين الخاصتين بها مائة وثلاثون ذراعا وعرضها كذلك من الجنوب إلى الشمال مائة واحد عشر ذراعا واثنا عشر قيراطا فإذا ضربت ذرع الطول والعرض ببعضهما يبلغ المجموع أربعة عشر ألفا وأربعمائة وخمسة وتسعين ذراعا مربعا ثم إن هذه العمارة لها أربعة أبواب. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 183 أولها: موجه قبلة ويعرف بباب النحاسين لأنه كان يخرج منه إلى سوق النحاسين الكائن في قبليه وعلى يمنة الداخل إلى هذا الباب سوق باعة النعال والمعروف بسوق القوافين وعلى يسار الداخل سوق باعة حبال القنب المعروف بسوق الحبالين وهذان السوقان ملاصقان ظهر الجامع وترتفع أرض الزقاق الكائنة تجاه هذا الباب عن أرض صحن الجامع ذراعين. الباب الثاني: موجه شرقا ويعرف بباب سوق الطيبية لأنه يخرج منه إليه وعلى يمين الداخل منه سوق الصرمايتية ويعرف بسوق المروبصين وكان يعرف قديما بسوق الطواقين وعلى يساره سوق إستانبول الجديد ويعرف أيضا بسوق الصياغين وترتفع أرض الزقاق الكائنة تجاه هذا الباب عن أرض صحن الجامع ثلاثة أذرع وتسعة قراريط. الباب الثالث: متجه إلى الشمال ويعرف بباب الجراكسية قد اكتنفه من جانبيه دور تابعة حارة سويقة حاتم ويرتفع زقاقه عن أرض صحن الجامع ذراعين وسبعة عشر قيراطا مكتوب في أعلاه (إنشاء الملك المظفر في عصر السلطان مراد خان عزّ نصره) مكتوب تحته: حضرة الباشا سميّ المرتضى ... نسل الوند ملاذ القاصدين جدد الجامع من غير ريا ... مخلصا لله رب العالمين ولهذا في الورى تاريخه ... صار حقا نعم أجر العاملين الباب الرابع: موجه غربا ويعرف بباب المسامرية لأن في حضرته الحدادين الذين يصنعون المسامير وتجاه هذا الباب باب المدرسة الحلاوية ليس بينهما سوى عرض الطريق وليس على يمين هذا الباب سوق إنما اتصل بيمينه جداره الخالي من الدكاكين وتجاه هذا الجدار صف من الدكاكين يطلق عليها سوق المسامرية وكان يعرف قديما بسوق السلاح ثم بسوق المتعة وعلى يسار الباب المذكور دكاكين تابعة حارة سويقة حاتم وترتفع أرض صحن الجامع ذراعا وخمسة قراريط ثم إن هذا الجامع المعمور قد اشتمل داخله على أربع جهات في كل منها عمارة نورد بها كلاما على حدته فنقول: الجهة الأولى جنوبيه تتجه إلى الشمال وظهرها لصيق سوق الحبالين والقوافين المتقدم ذكرهما يستوعب هذه الجهة من أولها إلى آخرها قبلية السادة الحنفية والشافعية البالغ طولهما مائة وثلاثين ذراعا سوى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 184 ثخانة جداريهما الشرقي والغربي يفصل بينهما ممر من الباب القبلي إلى صحن سقفهما قبو عظيم محمول على ثمانين عضادة مصطفة من الغرب إلى الشرق أربعة صفوف كل صف منها عشرون عضادة مربعة محيط كل واحدة منها 5 ع و 8 ط وتبعد عن التي تليها من صفها 5 ع و 2 ط وبعد ما بين العضادتين من الصف الأول قبالة وجه المصلي وبين العضادة التي تليها من الصف الثاني 5 ع و 14 ط وما بينها من الصف الثاني وما يليها من الصف الثالث 5 ع و 6 ط وما بينها وبين ما يليها من الصف الرابع 6 ع و 15 ط. والأول من هذه الصفوف الملتصقة ظهور عضاداته بجدار القبلية الذي يوجه المصلي وجهه إليه بين العضادة الرابعة والخامسة منه محراب كان مختصا بالحنفية ويعرف في زماننا بمحراب العلمين لأن على جانبيه علمين من أعلام الطريق وبين العضادة السادسة والسابعة مقصورة الوالي وهي حجرة مكشوفة من الخشب المصنع يرقى إليها بدرجتين مكتوب على بابها (بسم الله الرحمن الرحيم جددت هذه المقصورة في أيام مولانا السلطان الملك الناصر عماد الدنيا والدين محمد خلد الله ملكه) وقد جدد في هذه المقصورة خزانة مملوءة من الكتب وقفها على الجامع محمود أفندي ابن الحاج أحمد الجزار ابن عبد الرحمن آغا السياف وفي سنة 1336 هدمت هذه المقصورة وألحقت بأرض القبلية فصارت من جملتها: مكتوب في أعلى الجدار ما بين العضادة السابعة والثامنة ما صورته (جددت هذه المقصورة المباركة في أيام المقر العالي المولوي الملكي الشمسي قرا سنقر المنصوري كافل المملكة الحلبية عز نصره) ويوجد فيما بين العضادة الثامنة والتاسعة حجرة سعتها من الداخل نحو ذراعين في مثلهما وكان لها باب ينفذ من سوق الحبالين المتقدم ذكره فكان الوالي أو الخطيب يدخل منه إلى الحجرة كيلا يتخطى رقاب الناس ثم في حدود سنة 1260 سد هذا الباب وبقي للحجرة باب واحد يلي القبلية وهذا الباب عضادتاه ونجفته من خشب مصنع جميل جدا دائرة عليه كتابة في البسملة وآية الكرسي وغلق هذا الباب فيه رقاع من نوع الرقاع الموجودة في المنبر الآتي ذكرها وفي أعلى نجفة الباب مكتوب (جددت هذه المقصورة في أيام مولانا السلطان الملك الصالح عماد الدنيا والدين أبي الفدا يلبغا بن محمد بإشارة المقر الأشرف العالي المولوي السيفي يلبغا كافل المملكة الثانية الحلبية عز نصره سنة 746) . وبعد بضعة أذرع من هذه الحجرة يكون المنبر ومحله ما بين العضادة التاسعة والعاشرة وهو من الخشب المصنع الجميل العديم النظير في مساجد حلب قد اشتمل على رقاع مخمسة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 185 ومسدسة محيطها بضعة قراريط بديعة صنعة التبخير قد نزل فيها قطع رقاق من العاج والصفر الذي يلمع كأنه الذهب ومن جملة خشب هذا المنبر الأبنوس المشهور وارتفاعه عن أرض القبلية إلى كرسيه الذي هو بعد آخر درجة منه 3 ع و 12 ط ثم تكون قبته وقد كتب على تاج بابه (عمل في أيام مولانا السلطان الملك الناصر أبي الفتح محمد عز نصره) وتحت هذا (عمل العبد الفقير إلى رحمة الله محمد بن علي الموصلي) وعلى مصراعيه (بتولي العبد الفقير إلى الله تعالى محمد بن عثمان الحداد) وعلى صدر معبره (أمر بعمله المقر العالي الأمير الشمسي قرا سنقر الجو كندار الملكي المنصوري عز نصره) وكان هذا المنبر صنع مع منبر نظيره حمل إلى بيت المقدس بعد أن فتحت القدس على يد المرحوم السلطان صلاح الدين ويوسف بن أيوب) ثم يلي المنبر المحراب الكبير الذي كان مختصا بالشافعية ويعرف الآن بمحراب الحنفية ومحله فيما بين العضادتين المذكورتين وسعة فتحته عرضا 2 ع و 4 ط وهو من الحجر الأصفر البعاديني مكتوب عليه (أمر بعمارته بعد حريقه مولانا السلطان الأعظم الملك المنصور سيف الدنيا والدين قلاون) وعلى جانبيه (بالإشارة العالية المولية الأميرية الشمسية قرا سنقر الجو كندار الملكي المنصور كافل المملكة بحلب المحروسة أدامه الله وحرسه في رجب سنة 684) وتجاه المحراب تقريبا توجد السدة مكتوب على بابها بالإشارة العالية العلائية الطنبغا كافل المملكة الحلبية أعز الله أنصاره بإشارة المقر العالي العلائي سيدي عبد الرزاق عز نصره. الحضرة النبوية: محلها فيما بين العضادة العاشرة والحادية عشرة من الصف الأول في حجرة مربعة تبلغ 4 ع وفي مثلها تقريبا يصعد إليها من أرض القبلية بدرجة واحدة سقفها قبة لها على سطح الجامع كوات بشبكات من الحديد وفي قاعدة القبة شبكة كالسقف مفتوحة من النحاس بعيون مربعة تبلغ واحدتها ثلاثة قراريط في مثلها ترتفع عن أرض الحجرة نحو ثمانية أذرع وجدران الحجرة الثلاثة التي هي الغربي والشرقي والجنوبي المقابل وجه المصلى ظهارتها من أرض الحجرة إلى الشبكة المذكورة مبنية بأجمل أنواع الخزف المعروف بالقاشاني وباب هذه الحجرة وهي الجهة الرابعة منها قنطرة مشادة عالية حجارتها سود وصفر محمولة على عمودين عظيمين وارتفاعها من ختمها إلى أرض القبلية ثمانية أذرع في عرض أربعة أذرع وهذه القنطرة العظيمة مع العمودين المحمولة عليهما لها غلق يستوعبها من أرض الحجرة إلى ختم القنطرة من نحاس أصفر مشبك ببعضه على شكل مربع وهو من رأس العمودين الجزء: 2 ¦ الصفحة: 186 إلى أرض الحجرة ذو مصراعين يفتح ويغلق وسعة عيون شبكاته قيراطان في مثلهما ومن رأس العمودين إلى ختم القنطرة واحدة لا تفتح ولا تغلق وسعة عيون شبكاته قيراط واحد في مثله وفي جانب كل من العمودين المذكورين لمعة ظهارتها من الخزف القاشاني المذكور مكتوب على زنار شبكة الباب شعر تركي لنابي الشاعر المشهور ذكره في ديوانه آخر مصراع منه يبلغ بالجمل 1120 هو تاريخ تجديد المرقد الشريف. أما صندوق الجرن الشريف فهو في وسط الحجرة من الخشب على صفة ضريح عليه كسوة من مخمل مزركش بالقصب الفضي فيه بعض سورة مريم وهذه الكسوة أنعم بها المرحوم السلطان عبد العزيز خان سنة 1291 وكان قبلها كسوة سرقت قديمة بالية وضعت سنة 1232 على إثر كسوة سرقت في السنة المذكورة وهذه الكسوة التي هي قبل الكسوة الحاضرة أرسلت إلى إستانبول ووضعت هناك في محل الآثار القديمة وعلى هذه الكسوة الجديدة فوق سنام الضريح عدة شالات ثمينة عجمية وهندية ومما يوجد في الحضرة مصحف شريف مكتوب على قفا أول صفحة منه (هذا المصحف الشريف بقلم المغيرة بن شعبة الصحابي رضي الله عنه بخط كوفي) ومكتوب تحتها (بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد خاتم المرسلين وعلى آله وصحبه أجمعين يقول كاتب هذه الأحرف حسين بن علي الشهير بابن البجاقجي الحلبي الحنفي بأنه وقف هذا المصحف الشريف بالجامع الكبير بحلب المحروسة ابتغاء لوجه الله تعالى وصلى الله على محمد وآله تحريرا في أواخر صفر الخير سنة 1064) على أن خط هذا المصحف مغربي لا كوفي ولا دليل فيه يدل على أنه خط المغيرة ابن شعبة ويوجد في الحضرة عدة مصاحف بخطوط إستانبولية معتبرة وغيرها مع نسخة من صحيح البخاري خطية وعشرة قناديل فضة صغار وقنديلان كبيران من الفضة وقنديل ذهب وشمعدان فضة وقمقم ومبخرة فضة وغير ذلك من البلور والسجادات والبقج والشالات. الدفين بهذه الحضرة: قال ابن شداد وابن الشحنة وابن الخطيب نقلا عن تاريخ ابن العظيمي أنه في سنة 435 ظهر ببعلبك في حجر منقور رأس يحيى بن زكريا عليهما السلام فنقل إلى حمص ثم منها إلى مدينة حلب في هذه السنة ودفن بهذا المقام (يعنون المقام الأعلى في القلعة) في جرن من الرخام الأبيض ووضع في خزانة إلى جانب المحراب وأغلقت ووضع عليها ستر يصونها قال ابن الخطيب: وهو في هذا اليوم في التحتاني في القلعة. وقال علي بن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 187 أبي بكر الهروي في كتابه الاشارات: إن في قلعة حلب في مقام إبراهيم عليه السلام صندوقا فيه قطعة من رأس يحيى ظهر في سنة 434 ثم قال ابن الشحنة نقلا عن ابن بطلان: ولما احترق المقام في حادثة التتار سنة 659 عمد سيف الدولة أبو بكر بن إيليا الشحنة بالقلعة المذكورة والناظر على الذخائر وشرف الدين أبو حامد بن النجيب الدمشقي الأصل الحلبي المولد إلى رأس يحيى بن زكريا عليهما السلام فنقلاه من القلعة إلى المسجد الجامع بحلب ودفناه غربي المنبر وقيل شرقيه وعمل له مقصورة وهو يزار. قلت: هذه الحكاية لا تنطبق على ما قاله ابن الخطيب من أن الرأس الشريف في المقام التحتاني في أيامه التي هي القرن التاسع إذ مقتضى الحكاية المذكورة التي حكاها ابن الشحنة عن ابن بطلان أن الرأس الشريف في الجامع الكبير قبل ابن الخطيب بنحو مائتي سنة والأغرب من هذا ما ذكره ابن الوردي في تاريخه حيث قال وفي سنة 738 في صفر توفى بدر الدين محمد بن إبراهيم بن الدقاق الدمشقي ناظر الأوقاف بحلب وفي أيام نظره فتح الباب المسدود الذي بالأموي شرقي المحراب الكبير لأنه سمع أن بمكانه رأس زكريا عليه السلام فارتاب في ذلك فأقدم على فتح الباب المذكور بعد أن نهى عنه فوجد باب عليه تأزير رخام أبيض ووجد فيه تابوت رخام أبيض فوقه رخامة بيضاء مربعة فرفعت الرخامة عن التابوت فإذا فيها بعض جمجمة فهرب الحاضرون هيبة لها ورد التابوت بغطائه إلى موضعه وسد عليه الباب ووضعت خزانة المصحف الشريف على الباب وقد أثرت هذه الهيبة بالناظر المذكور وابتلى بالصرع إلى أن عض على لسانه فقطع ومات. اه. كلام ابن الوردي، فهذه الحكاية تفيد صراحة بأن المدفون بالجامع هو رأس زكريا عليه السلام لا يحيى مع أن كلام المتقدمين يدل على أن المدفون هو رأس يحيى وذكر المرادي في ترجمة علي بن شداد بن علي أنه في سنة 1120 ظهر في بعض جدران الجامع صندوق من مرمر مطبق ملحوم بالرصاص مكتوب عليه هذا عضو من أعضاء نبي الله زكريا عليه السلام فاتخذوا له هناك في ناحية القبلية في حجرة قبرا في مكانه الآن وحمل الصندوق إليه جميع العلماء والصالحين بالاحترام والتعظيم والتكبير وجدد عليه المرقد. اه. كلام المرادي وهو يؤيد ما قاله ابن الوردي وعليه الشهرة في زماننا وعلى كل حال فليس يخلو الجامع من أثر شريف نبوي جدير أن تفتخر حلب بوجوده ويوجد بين العضادتين الحادية عشرة والثانية عشرة من الصف الثاني مقصورة تعرف من قديم الزمان بمقصورة القاضي مكتوب عليها (جددت الجزء: 2 ¦ الصفحة: 188 هذه المقصورة المباركة في أيام المقر العالي المولوي الملكي الشمسي قرا سنقر المنصوري كافل المملكة الحلبية شمس الدين قرا سنقر الجوكندار) وبهذه العضادة التي هي العضادة الثانية عشرة من الصفوف الأربعة تنتهي قبلية الحنفية وطولها 72 ع و 16 ط سوى ثخانة جداري الجهتين وعرضها 23 ع و 9 ط سوى ثخانة عضادات الصف الأول وبين العضادة الثانية عشرة والثالثة عشرة من الصفوف الأربعة يكون دهليز الباب الجنوبي المتقدم ذكره وهو الباب الأول وفي شرقي هذا الدهليز وغربيه من آخره باب القبلية الحنفية وباب القبلية الشافعية. وفي آخره يكون الباب الكبير الذي ينفذ إلى صحن الجامع وفي شرقي هذا الباب تكون قبلية الشافعية وطولها 45 ع و 16 ط سوى ثخانة جداري الجهتين وعرضها كعرض قبلية الحنفية ومبداها من العضادة الثالثة عشرة من الصفوف الأربعة وتنتهي بالعضادة العشرين من الصفوف المذكورة ولا يوجد في هذه القبلية من الآثار سوى المحراب الأصفر المختص في زماننا بالشافعية ومحله بنيت العضادة السادسة عشرة والعضادة السابعة عشرة. ثم إنه يوجد في قبلية الحنفية ست عضادات مربعة هي من جملة الثمانين لكنها أغلظ من قبلية العضادات إذ أن محيط كل واحدة منها 6 ع و 12 ط، وبعد ما بين الواحدة والتي تليها من صفها 5 ع و 18 ط وهي العضادة العاشرة والحادية عشرة من الصفوف الثلاثة وقد عقد عليها في الصف الثاني والثالث قبة ويوجد فيما بين العضادة التاسعة والعاشرة من الصف الثالث سدة محمولة على أربعة أعمدة من الخشب مكتوب على بابها (بالإشارة العالية العلائية الطنبغا كافل الممالك الحلبية أعز الله أنصاره بإشارة المقر العالي العلائي سيدي عبد الرزاق عز نصره) وقد بدل شكلها بعد ذلك ورفعت الأعمدة من تحتها وحملت على أسطوانات من الحديد مغروسة في الجدار والصف الرابع من صفوف العضادات يوجد بين كل عضادتين منه في قبلية الحنفية والشافعية باب واسع له غلق ينتهي إلى قاعدة قنطرته ثم تكون شبكة جميلة الصنعة من الخشب ويوجد فيما بين التاسعة والعاشرة من هذا الصف باب صغير بالنسبة إلى بقية الأبواب مبني من ظاهره مما يلي الصحن بحجارة صفر وسود له تاج وشرافة قد كتب بأعلى جانبه على يمنة الداخل (جدد هذا الحائط في دولة السلطان مراد خان (ابن أحمد خان عز نصره) وعلى يسرة الداخل (بإشارة الصدر الأعظم خسرو باشا يسر الله له من الخيرات ما يشا) وعلى الجبهة بين هاتين الكتابتين: الجزء: 2 ¦ الصفحة: 189 لقد كان محمود المآثر ماجدا ... وبابا لفعل المكرمات ومعدنا بنى جامع الشهباء لله مخلصا ... وطالب رضوان من الله موقنا فعوضه الله الكريم بفضله ... قصورا بجناب النعيم ومسكنا بدولة ظلّ الله سلطان عصره ... سليل بني عثمان ذي المجد والثنا مراد سلاطين الوجود ومن غدا ... مقام حماه كعبة الجود مأمنا فطوبى له فيما بناه مؤرخا ... بنى المسجد المشهور محمود محسنا ومكتوب تحت الجبهة المذكورة فوق نجفة الباب: من بنى معبدا ... فاز بظل ممدود رحم الرحمن أرخ ... صاحب الخير محمود وفي كل من جانبي هذا الباب شباك وراءه مصطبة يرقى إليها من أرض القبلية بدرجتين معدتين للصلاة وجلوس بعض الوعاظ وفي سنة 1340 جعل أحد الشباكين المذكورين بابا إلى صحن الجامع يدخل منه الوالي توا ليصلي على المصطبة التي وراءه لأنها صارت مختصة بالوالي وأركان الولاية ثم إن كلا من قبلية الحنفية والشافعية قد قطعتا طولا شطرين بقاطع من الخشب المعمول شعرية ارتفاعه نحو 3 ع وفيه عدة أبواب يدخل منها إلى الشقة الداخلة مكتوب بالدهان على الباب الكائن تحت السدة (بالإشارة العالية العلائية الطنبغا كافل الممالك الحلبية أعز الله أنصاره باشارة المقر العالي العلائي سيدي عبد الرزاق عز نصره) وعلى الباب الذي يليه غربا (الحمد لله الذي جعل أحياء هذا الجامع المعظم على أيادي الكرام من سكان حلب الشهباء ليجزيهم أحسن ما عملوا في سنة 1110) . وفي سنة 1170 وعلى الباب الذي يليه ما معناه (إن أحياء الجامع كان على يد عثمان باشا سنة 1152 ثم في سنة 1326 رفع هذا القاطع من القبليتين وصارت كل واحدة منهما شقة واحدة ويوجد مبنيا في أعلى الزاوية الكائنة في الجهة الغربية من جدار قبلية الحنفية الذي يلي صحن الجامع حجرتان سوداوان كل واحدة منهما في طول 5 ط ومثلها عرضا يقال أن أصلهما من الكعبة المكرمة ويوجد في آخر قبلية الحنفية أيضا من جهتها الغربية الشمالية قسطل له مباذل معد للوضوء لكنه غير مستعمل والجهة الشرقية من هذا الجامع المتجهة إلى الغرب رواق طوله 36 ع سوى ثخانة جداري الجهتين وعرضه كذلك 17 ع الجزء: 2 ¦ الصفحة: 190 وسقفه قبو محمول على عضادات تشاكل عضادات الجهة الجنوبية المتقدم ذكرها وبين كل عضادتين من الصف الأخير منها الملاصقة ظهورها جدار الجامع الكائن وراءه سوق الصياغين حجرة مبنية بالحجارة معدة لجلوس بعض المدرسين والأئمة والموظفين بالجامع وفي جداره الجنوبي محراب في يمينه باب يدخل منه إلى قبلية الشافعية وفي يسار المحراب حجرة يسكنها بعض المدرسين وفي جداره الشمالي باب صغير ينفذ منه إلى دهليز الباب الثاني المتجه إلى الشرق وفي الزاوية الموجهة إلى الغرب من هذا الرأس حجرة يسكنها الميقاتي وعرض الدهليز كعرض ما بين العضادتين وطوله كعرض هذا الرواق وترتفع أرض هذا الرواق عن أرض صحن الجامع 16 ط ويصعد إلى هذا الرواق من وسطه مما يلي صحن الجامع بثلاث درجات الثانية منها محزوزة من جنوبيها إلى شماليها حزا مستقيما متى بلغته الشمس أذن الظهر قيل إن الخضر عليه السلام هو الذي حزها والصحيح أن الذي حزها هو عبد الله بن عبد الرحمن بن عبد الله الحنبلي الميقاتي وعرض الدرجة الأولى من هذه الدرجات 1 ع و 16 ط وطولها من الغرب إلى الشرق 1 ع و 22 ط وثخانتها 5 ط وفضلتها عن التي فوقها 11 ط وعرض التي فوقها 23 ط وطولها ذراع و 22 ط وثخانتها خمسة قراريط ونصف القيراط والحجازية مصلى طوله من الشمال إلى الجنوب 29 ع و 6 ط سوى ثخانة جداري الجهتين وعرضه كذلك 18 ع وفيه من آخر جهته الغربية عطفة طولها من الجنوب إلى الشمال 14 ع و 17 ط وعرضها 6 ط و 12 ط وهذا المصلى يشتمل في جهته الشمالية على حوض طوله من الشرق إلى الغرب 7 ع و 5 ط وعرضه 5 ع و 23 ط وعمقه 14 ط جدد من مال الجامع سنة 1304 وجدد فيها تدفيف هذا المصلى جميعه وفي غربيه حوض آخر لخزن الماء وقد وجد تحت حفير الحوضين رمم أموات نقل منها مقدار أربعة أحمال إلى مقبرة العبارة خارج باب الفرج ووراء الحوض الصغير حجرة قديمة فيها رمم سد بابها بما فيها وصار الحوض المذكور قدامها والظاهر أن هذه الرمم هي رمم القتلى في حادثة تمرلنك كما أشرنا إليها في خبر حادثته وكان قبل هذا الحوض حوض في وسط هذا المصلى مساحته عشر بعشر بذراع اليد جدده أحد تجار حلب المعروف (بمحمد شيخ ابن عبد الوهاب السعديه) وكان في محله بركة صغيرة مدورة محيطها نحو 8 ع كانت خاصة بالشرب ثم في سنة 1326 أزيل هذا الحوض وجعل بدله حوض مستور يؤخذ منه الماء بواسطة مباذل وهذا المصلى يدخل إليه من بابين أحدهما في جانب دهليز الباب الثاني للجامع موجه غربا وثانيهما موجه غربا في صدر الرواق الشمالي الموجه جنوبا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 191 وفي يمين الداخل من هذا الباب شباكان لعطفة المصلى المذكور مطلان على هذا الرواق. والجهة الثالثة الشمالية المتجهة إلى الجنوب رواق طول فضائه 74 ع و 9 ط وعرضه كذلك 14 ع و 21 ط وسقفه قبو محمول على عضادات محيط واحدتها وبعد ما بينها قريب من محيط عضادات القبلية وبعد ما بينها. وبين كل عضادتين من الصف الملاصق جداره الشمالي مما يليه حجرة من الخشب يسكنها خدمة الجامع وبين العضادة العاشرة والحادية عشرة والثانية عشرة من هذا الصف قسطل مختص بالوضوء له مباذل وهذا القسطل حادث عمره زين الدين الذي فرش أرض الجامع بالرخام كما سيأتي بيانه وبين العضادة الثانية والثالثة من هذا الصف أيضا يكون باب دار القراءة العشائرية الآتي ذكرها وفي يمين القسطل المتقدم ذكره حجر مكتوب فيه (أمر بإنشائه مولانا المقام الأعظم السلطان الملك الظاهر أبو سعيد برقوق عز نصره في أيام المقر السيفي تغرى بردى كافل المملكة الحلبية عز نصره بتولي العبد الفقير إلى رحمة الله تعالى حمزة الجعفري الحنفي في شهور سنة 777) وتحت الحجر المذكور أثر باب مسدود كان يخرج منه إلى الميضأة ويوجد بين العضادة السادسة والعضادة السابعة من الصف الثالث الذي يلي صحن الجامع إذا عددت عضاداته من جهته الغربية حجرة لها شبكة من الخشب إلى الرواق وأخرى إلى صحن الجامع فيها صهريج يأتي إليه الماء من قناة حلب وينتفع به حين انقطاع ماء القناة لتصليحها وفي الرأس الشرقي الموجه غربا من هذا الرواق باب الحجازية المتقدم ذكرها وفي الرأس الغربي منه باب إلى دهليز الباب الشمالي الذي هو الباب الثالث وطول هذا الدهليز كعرض الرواق وعرضه كبعد ما بين عضادتين وفي زلزلة سنة 1237 سقط الحائط القبلي مما يلي الصحن من هذا الرواق ولم يبق منه سوى قليل في جانبه الغربي فبناه متولي الجامع إذ ذاك وهو أحمد بك آل إبراهيم باشا قطار اغاسي «1» متسلم البلد وكان يتولى الجامع من كان يتسلم البلد ولما بناه لم يعد إليه شرفاته المعروفة بالسجق وكان فوق سطح حجرة الصهريج المذكور قبة تقرأ فيها الأوامر والفرامين السلطانية فلم يعدها أيضا. ومحل منارة هذا الجامع في أواخر الصحن المتجه إلى الجنوب من جهة غربيه لها باب صغير وهي مربعة الشكل يبلغ محيطها 21 ع و 21 ط إذا ذرعت من أسفلها مما يلي سطح الجزء: 2 ¦ الصفحة: 192 الرواق وارتفاعها من أرض الجامع إلى موقف المؤذن 52 ع و 6 ومحيط مكبسها 14 ع و 21 ط وارتفاعها من موقف المؤذن إلى ختم القبة من الداخل 17 ع وموقف المؤذن مربع أيضا يبلغ 6 ع و 9 ط طولا في مثلها عرضا عدا الشرفات المتعلقة في حوافيه التي يبلغ عرضها نحو 4 ط وإذا نزلت من باب المنارة وتوجهت غربا إلى الغرب دخلت في دهليز الباب الرابع من أبواب الجامع وهناك حجرة عظيمة يسكنها بعض شيوخ الجامع وكان فوق سطح هذا الدهليز حجرة يسكنها بعض المدرسين يرقى إليها بدرج بابه في جانب الحجرة الأولى المذكورة. والجهة الرابعة من هذا الجامع متجهة إلى الشرق وهو أيضا رواق فضاءه 53 ع و 17 ط وعرضه كذلك 6 ع و 22 ط وسقفه قبو محمول على عضادات محيط واحدتها وبعد ما بينها وبين التي تليها كمحيط وبعد عضادات القبلية تقريبا وارتفاع أرضه عن أرض صحن الجامع 17 ط ويوجد فيما بين كل عضادتين من عضادات الصف الملاصق الجدار الغربي منه حجرة من خشب يسكنها خدمة الجامع ومؤذنوه وفي الجدار القبلي منه باب قبلية الحنفية وفي جانب هذا الباب مما يلي الرواق على يمنة الداخل محراب وفي رأسه الشمالي باب ينفذ منه إلى دهليز الباب الرابع المتقدم ذكره وكان تجديد هذا الرواق من مال الجامع سنة 1302 لأنه كان قد توهن وأشرف على السقوط فهدم وجدد: مكتوب في حجر مرصوف في وسط جداره مما يلي صحن الجامع (جدد هذا الإيوان بأمر وإرادة أمير المؤمنين حضرة مولانا السلطان الأعظم الغازي عبد الحميد خان الثاني عز نصره بسعي والي الولاية المشير الأفخم السيد حسين جميل باشا أدام الله إجلاله سنة 1302) ثم إن ارتفاع جدران الأروقة وجدار القبليتين والحجازية عن أرض الجامع إلى السطح 10 ع و 18 ط ولم يدخل في هذا الذرع حافية هذه الجدران التي يبلغ ارتفاعها عن السطح 31 ط تقريبا. وصحن الجامع يبلغ طوله من الغرب إلى الشرق 98 ع و 5 ط وعرضه 60 ع و 18 ط وهذه المسافة كلها قد فرشت بالرخام الأصفر الذي يتخلله بلاط أسود على صفة جميلة من النقش إذا نظرت إليه أول وهلة تظنه كتابة كوفية مع أنها ليست كذلك والأروقة مفروشة بالبلاط الأصفر فقط وكان تبليط الصحن والأروقة على هذه الصفة سنة 1042 تبرع به رجل من الأعيان اسمه زين الدين بك لم أظفر له بترجمة إنما رأيت في بعض المجاميع الجزء: 2 ¦ الصفحة: 193 أبياتا منسوبة للشيخ وفا العرضي ضمنها تاريخ التبليط سنة 1042 عن يد المذكور فأثبتها وهي: قد زان زين الدين ماجد عصره ... آثار خير للقيامة باقيه أنشا لجامعنا الكبير بلاطه ... لله مولاه بنفس راضية وبنى له الحوضين يجري منهما ... للمسلمين عيون ماء صافيه هذا له يوم الحساب ذخيرة ... وذخائر الأعمال تبقى زاكيه لقبولها نادى البشير مؤرخا ... صدقات زين الدين يهنا جاريه ورأيت لبعضهم: صاحب الخيرات زين الدين بك ... مذ تحقق أن إلى الله المصير أسبل الخيرات في شهبائنا ... جاره الرحمن من حر السعير زين الجامع في ترخيمه ... جاء في تاريخه خير كبير ثم إن صحن الجامع يشتمل على حوض مدور عليه قبة من الخشب مضلع اثني عشر ضلعا محيطه 8 ع و 15 ط وارتفاعه من أرض بالوعة الدائرة به إلى شفته العليا 2 ع ووسط هذا الحوض قطعة واحدة وعلى حوض في شمالي الحوض المذكور بينهما ممر فقط مسدس الشكل يرتفع عن بالوعته الدائرة به 1 ع و 12 ط وثخانته 16 ط ومحيطه 27 ع و 18 ط وسقفه قبة محمولة على ستة عواميد طول الظاهر من كل واحد منها 3 ع و 14 ط وطول ما ظهر منها وما بطن 5 ع و 2 ط ومحيط كل واحد من العمودين الكائنين في الجهة القبلية من الحوض 1 ع و 14 ط والموجهين غربا 1 ع و 23 ط والموجهين شرقا 1 ع و 20 ط وفي وسط هذا الحوض جرن مرمر مضلع مدور محيطه نحو 6 ع أظنه هو الذي كان يعرف بالفوارة التي أسسها قرعويه غلام سيف الدولة كما سبقت الإشارة إليه وفي سنة 1302 هدمت القبة لتوهنها فعمرت من مال الجامع وطلب مني تاريخ يكتب على رفرف القبة فقلت: قد شاد هذا الحوض بعد توهن ... ملك بما يرضى الإله خبير عبد الحميد العادل الغازي أمير ... المؤمنين له الثنا الموفور من آل عثمان الألى شاد العلى ... للمسلمين لواهم المنصور الجزء: 2 ¦ الصفحة: 194 وبسعي والينا جميل من غدا ... يحيي المحامد سعيه المشكور هو قطب دائرة الوزارة وهو في ... رتب الفضائل والفخار مشير لما تكامل حسنه أرخته ... حوض به للعالمين طهور ويشتمل صحن الجامع أيضا على محراب في جانب الباب الصغير الذي هو أحد أبواب قبلية الحنفية مما يلي الصحن يقف به الإمام في الأوقات الجهرية في الصيف وتجاه هذا المحراب مصطبة طولها من الشرق إلى الغرب 6 ع و 1 ط وعرضها 4 ع و 16 ط وارتفاع أرضها عن أرض صحن الجامع 1 ع و 5 ط ولها درابزين من الحجر وهي معدة لوقوف المؤذنين عوضا عن السدة ويشتمل أيضا على عمود من الحجر الأسود محيطه 2 ع و 8 ط وطول الظاهر منه 5 ع و 14 ط وفي رأسه شبه قفص من أطواق حديدية تعلق بها القناديل قيل إن نور الدين زنكي كان يحرق به العود البخور في المواسم الدينية وتزعم العامة أن هذا العمود كان شجرة اختبأ فيها زكريا عليه السلام حينما أراد اليهود قتله فقفلت عليه وخرج ذيله من طرفها فعلمت به اليهود وأرادوا نشرها فاستحالت حجرا ويشتمل صحن الجامع أيضا على بسيط لمعرفة وقت الظهر والعصر وضعه على نفقة البلدية (عبد الحميد دده ابن حسن بن عمر الحلبي) في حدود سنة 1300 كما تكلمنا عليه في ترجمة المذكور وهذا البسيط الآن مغلق بغطاء من النحاس لا ينتفع به ويشتمل صحن الجامع أيضا على بئر كبيرة معطلة تعرف بالدولاب عليها طابق من الحجر ومحلها في شمالي الصحن إلى غربيه يقال إنها كانت دولابا يسقى منه الجامع حينما كان بستانا وكان البلاط في قرب هذا البئر قد توهن فقلع للتصليح فخرج تحته قطعة أرض مفروشة بالفصوص المعروفة بالفسيفساء فاستبدل منها على أن أرض الجامع كانت مفروشة بالبلاط المتقدم ذكره أو على أن القطعة المذكورة كانت مجلسا في قرب الدولاب والله أعلم ويقال إن فم المصنع الكبير المتقدم ذكره في كلام قدماء المؤرخين كائن تحت درجات الرواق الموجه غربا التي يؤذن الظهر على حز الثانية منها كما أسلفناه ويوجد في صحن الجامع أيضا صفة أولها من تجاه باب الحجازية الموجه غربا الكائن في جانب دهليز الباب الثاني. وفي الزاوية الغربية من هذه الصفة تجاه الباب المذكور حجرة مرصوفة في هذه الزاوية يقال إن عمر بن عبد العزيز كان يجلس عليها ويشارف عملة الجامع وقت عمارته وكان في وجه جدار قبلية الشافعية مما يلي الصحن ووجه جدار الرواق الشرقي الموجه غربا كتابات الجزء: 2 ¦ الصفحة: 195 كثيرة منقوشة في الحجر هي صور فرامين «1» وأوامر كفال «2» حلب أيام الدولة الجر كسية أثبتنا جميعها في باب الحوادث ملحقة بسني تواريخها ثم في سنة 1291 أمر الوالي محمد رشدي باشا الشرواني بنحت وجه الجدران المذكورة ليعود إليها بهاؤها فنحتت وزالت تلك الكتابات وفي سنة 1259 جدد تبليط أسطحة الجامع من غلة أوقافه والناس يمشون في صحن الجامع والأروقة حفاة يخلعون نعالهم متى دخلوا أحد أبوابه. دار القرآن العشائرية: هي في غربي الرواق المتجه إلى الجنوب عمرها علي بن محمد بن محمد بن هاشم بن عبد الواحد الإمام علاء الدين أبو الحسن ابن الشيخ بدر الدين أبي عبد الله ابن عشائر الحلبي الشافعي المتوفي سنة 788 وهي دار يدخل إليها من باب موجه شمالا كائن في بوابة تجاه المدرسة الشرفية قد اشتملت على إيوان في جهتها الشرقية موجه غربا وعلى غرفة في جهتها الغربية في طول 8 ع وعرض 4 ع مركبة فوق دهليز بوابة في الزقاق المذكور يرقى إليها بدرج في شرقي الدار مارا على سطح الإيوان المذكور وفي جهتها الشرقية قاعة عظيمة مفروشة بالبلاط الأصفر سقفها قبة عالية في وسطها بئر ولها شباك وثلاثة منافذ على صحن الدار ولها باب عظيم جميل على الرواق الشمالي من الجامع الكبير الأموي طول القاعة 12 ع و 15 ط وعرضها 10 ع و 10 ط وكانت تعرف بقاعة الحيشية نسبة إلى أبي بكر ابن محمد ابن أبي بكر الحيشي والظاهر من ترجمة المذكور أن بابها المفتوح إلى الرواق الشمالي من الجامع حادث وأنه كان في محله شباك كما أن هذه الدار لم تكن باقية على حقيقتها بل هي مأخوذ منها إلى البيوت المجاورة لها والله أعلم. ولهذه القاعة مدرس يدرس في كل يوم له راتب شهري قدره مائة وخمسون قرشا وقد تواتر عندنا أن قريتي كرت وخيام في قضاء عينتاب موقوفتان على الدار المذكورة تصرف غلتهما على تعميرها وترميمها وعلى راتب المدرس وهما جاريتان الآن تحت تولية المتولي على وقف بيت الخطيب ولا نعلم واقفهما هل هو من بيت بني العشائر أم من بيت الخطيب أم من بيت الشيخ عبد الوهاب العرضي ويوجد في شرقي القاعة باب مسدود ينفذ منه إلى دار في جوارها يدعيها جماعة إنها وقف عليهم لأنهم من نسل الشيخ عبد الوهاب العرضي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 196 الذي جعل القاعة سكنا له كما يفهم من ترجمته وبعض الناس يزعم أن الدار المذكورة وقف على القاعة والحقيقة مجهولة ورأيت في السجل كتاب وقف حافل وقفت فيه بانيها علاء الدين المتقدم ذكره شيئا كثيرا على الدار المذكورة سنة 786. أما مرتبات الجامع فهي: ثلاثة عشر ألفا وستمائة قرش أميرية باعتبار الذهب العثماني 100 قرش في كل شهر منها ألفان ومائة وأربعون قرشا تصرف للمدرسين وعددهم اثنا عشر وألفان وتسعون قرشا للمحدثين وعددهم ستة وعشرون وألف وسبعمائة وخمسة وسبعون قرشا للقراء والحفظة وعددهم سبعة عشر وألف وسبعمائة قرش للأئمة وعددهم أحد عشر للحنفي والشافعي ومنهم إمام قرية بنش وللخطباء وعددهم سبعة منهم خطيب جامع بنش وخطيب دارة عزة وألف وخمسة وسبعون قرشا للمؤذنين وعددهم أربعة عشر وألفان وستمائة وستون قرشا للخدمة وعددهم ثلاثون وباقي المبلغ المذكور يصرف على بقية لوازم الجامع وأقل راتب خمسة عشر قرشا وأكثره ثلاثمائة قرش سوى راتب نائب المتولي فإنه خمسمائة قرش ولشهر رمضان نفقات خصوصية قدرها ثلاثة آلاف وخمسمائة وأربعون قرشا ونفقات المولد في الثاني عشر من شهر ربيع الأول ألف ومائة وخمسة وعشرون قرشا تنفق على الأشربة الحلوة والحلاوي وأجرة قارىء المولد والعشر ومنشد القصيدة والنفقات المتفرقة السنوية قدرها خمسة آلاف وخمسمائة وثمانية قروش تنفق على تنوير الجامع والمكانس والحصر وغير ذلك وقيمة الشمع العسلي الذي يحرق بالجامع أيضا سنويا ثمانمائة قرش فإذا ضربت رواتب الموظفين في اثني عشر شهرا بلغت مائة وثلاثة وستين ألفا ومائتي قرش فإذا جمعت هذا المبلغ إلى بقية النفقات المذكورة بعدها بلغت مائة وأربعة وسبعين ألفا ومائة وثلاثة وسبعين قرشا. وكانت رواتب الموظفين المذكورين سنة 1272 شهريا سبعة ألاف وخمسمائة وثمانية وسبعين قرشا وربع القرش كما يستفاد من دفتر اطلعت عليه ولم تكن فيه مقادير رواتب الموظفين متناسبة مع بعضها فقد كان يوجد بينهم موظف بالتدريس راتبه الشهري خمسة قروش ونصف القرش وموظف آخر مثله راتبه الشهري ثلاثمائة قرش ولا يوجد في هذا الدفتر راتب شهري أكثر من ثلاثمائة قرش ولا أقل من أربعة قروش ونصف القرش وهي وظيفة أحد الخطباء ثم عدلت المرتبات في السنة المذكورة فبلغت في الشهر ثلاثة عشر ألفا وخمسمائة قرش ثم عدلت مرة أخرى فاستقرت على ما قدمناه وفي سنة 1242 كانت الجزء: 2 ¦ الصفحة: 197 المرتبات الشهرية كلها ثلاثمائة وواحدا وسبعين قرشا وثلاثة أرباع القرش وزيادة شهر رمضان مائتي قرش وفي أيام ولاية عصمت باشا سنة 1276 تقريبا كتب إلى الباب الرابع العالي بقطع الوظائف كلها إلا ما لا بد منه وذلك بقصد جعلها منتظمة لأن أكثر الموظفين لم يكن ذا براءة بل كان الموظف يأخذ مرتبه بأمر المتولي فاستمرت مقطوعة إلى آخر أيام ثريا باشا في ولايته الأولى فعادت مرتبة على ما هي عليه الآن وقد زيد في بعضها ونقص من بعض ووظف من لم يكن له حق سابق. أوقاف الجامع: أراض ومسقفات والأراضي منها قرى من أعمال حلب ومنها أراض في نواحي مدينة حلب فالقرى تبلغ نيفا وعشرين قرية تجبى من قبل الحكومة ولسنا نعرف منها سوى القليل وهو حصة من قرية بنش من عمل إدلب وأخرى من دارة عزة من عمل جبل سمعان وأما الأراضي التي في نواحي حلب فكلها خارج باب قنسرين إلى جسر الحاج وهي عشر كدنات خارج محلة المغاير محدودة قبلة باصطاب «1» الخيل وغربا بحد المحلة المذكورة وشمالا بالتلة السوداء وشرقا بدار الشيخ أزرق وثمان كدنات محلها ظهر إصطاب الخيل محدودة قبلة وغربا بالمقبرة التابعة محلة المغاير وشمالا بدار المرأة سالمة وشرقا بجورة الفردوس وكدنتان محلهما بين الدربين تجاه الرام بالقرب من مزار أسد الدين حدهما قبلة جسر الحاج وغربا أرض العليقة وشمالا الرام وشرقا الطريق ونصف كدنة محلها أسفل مأذنة أسد الدين محدودة قبلة بدور المغاير وغربا بالطريق وشمالا دور محلة الكلاسه وشرقا بكرم الحلاق وكدنات خارج باب قنسرين تعرف بأرض الدوار محدودة قبلة بأرض الفلاحة وغربا بالطريق وشمالا بمقبرة الشيخ نمير وشرقا بخندق باب المقام. وأما المسقفات فقد قرأت في الدفتر المتقدم ذكره أن جميع الأسواق المحيطة بالجامع وكثيرا من أسواق المدينة القريبة من الجامع وقف عليه لكن الذي يجبى في زماننا من المسقفات لجهة الجامع هو سوق الصاغة وسوق الطواقين المحيطين بالجامع من جهته الشرقية سوى بضع دكاكين منهما فإنها مملوكة للغير وأكثر سوق الطيبية الكائن في شرقي الجامع أيضا يجبى لجهة الجامع وسوق الحبالين في جنوبي الجامع سوى بضع دكاكين منه وكان يجبي هذه المسقفات متولي الجامع المعروف باسم قائمقام أي نائب المتولي الذي هو السلطان الجزء: 2 ¦ الصفحة: 198 ثم في سنة 1289 قام بعض الموظفين بالجامع والتمس من الحكومة أن تأخذ هذه المسقفات من المتولي وتدخلها في قلم محاسبة الولاية لتجبى بمعرفتها لأن المتولي يضيع غلتها فأجابت الحكومة إلى ذلك وصارت المحاسبة تجبي غلاتها تارة بواسطة ضامن يعرف بالملتزم وأخرى تجبيها مباشرة دون تضمين وكانت غلتها قبل الحرب العامة لا تزيد على ألف ذهب عثماني أما بعد هذه الحرب فقد أصبحت غلتها تربو على ألفي ذهب. وللجامع أراض غير الأراضي التي تقدم ذكرها كان يؤخذ عليها أحكار معلومة محررة في الدفتر السابق ذكره فآثرت ذكرها أيضا وهي حكر أراضي أوقاف المدرسة الرضائية المعروفة بالعثمانية ثلاثة عشر قرشا وحكر بستان القبار ستة قروش ونصف وحكر أرض طاحون عريبه خمسة عشر قرشا وحكر أراضي خمس دكاكين جارية في وقف الجزماتي خمسة وثلاثون قرشا ونصف القرش وحكر مصبغة جارية في ملك ابن سويد في باب أنطاكية ستة قروش وحكر بستان الكشيفي خمسة وأربعون قرشا وحكر دكاكين في سوق الصاغة عشرة قروش ودكان في سوق العطارين ستة ودار قبالة طاحون عريبه ستة ودكان في سوق العطارين ستة وطاحون في السهلة اثنا عشر قرشا ودكان في الصاغة اثنا عشر ودكان في آخر القوافين ستة وطابونة شيخ الحارة اثنا عشر قرشا ودكان في جانبها ستة قروش ودكان في جانب جامع بانقوسا ستة ودكان خارج باب النصر عند سبيل محرم ستة وقاعة الساعاتي في خان القصابية ثلاثة قروش وجنينة الحصرم خارج باب أنطاكية ستة وجنينة العوفي وحكر سوق الذراع وحكر دكاكين في سوق الصياغ ستة قروش وثلاثة أرباع القرش ودكان أخرى فيه حكرها اثنا عشر قرشا وحكر خان العفص وهو جنينة الشيخ طه قرب الدباغة اثنا عشر قرشا والحكر المرتب على العادلية ستة قروش وثلاث بارات وبستان الشاهبندر اثنا عشر وحكر بستان الكلاب اثنا عشر وحكر التكية المولوية العتيقة اثنا عشر وسوق الجوخ القديم (الجاري الآن بتصرف بني الكتخدا) اثنا عشر قرشا وأرض اصطاب الخيل والتلة السوداء وكنز الشحادة خارج باب قنسرين خمسمائة قرش وأرض تجاه بستان حجازي إلى قبور النصارى إلى بستان القبار مع نصف التلة مائتا قرش والحكر المرتب على وقف إبراهيم خان اثنان وثلاثون قرشا وبستان اليهودية وقطعة أرض تجاهه وحكر قيصرية الحكاكين وحكر سوق القوافين وهو تسع وأربعون دكانا أربعمائة قرش تقريبا أقل ما على الدكان ستة قروش وأكثره اثنا عشر قرشا تقريبا معظم هذه الأوقاف من آثار نور الدين الجزء: 2 ¦ الصفحة: 199 محمود بن زنكي منها ما وقفه على الجامع ومنها ما وقفه على البيمارستان النوري الكائن تجاه مزار ومسجد الشيخ عبد الله في محلة الجلوم الكبرى بحلب ومنها ما وقفه على مشهد الحسين في سفح جبل الجوشن ومن أوقافه أيضا جميع المزارع المعروفة بمزارع أبي فضلون في جهة مقر الأنبياء خارج باب النيرب وهي ثلاثمائة وثمان عشرة كدنة كلها الآن في أيدي جماعة يطول بيان أسمائهم ويوجد في تلك الجهة أيضا نحو ثلاثة وخمسين بستان فستق في أيدي جماعة على كل حصة منها حكر سنوي معلوم وجميع ذلك من أوقاف نور الدين رحمه الله. ورأيت في سجل مديرية الأوقاف صورة كتاب وقف هذا الجامع فأوردت هنا خلاصته أوله بعد البسملة: بسم الله المستوقف على سائر المستوقفين وهي خطبة طويلة ثم أن متولي الجامع إذ ذاك مصلح الدين بن مصطفى بك ابن عبد الله ادعى لدى الحاكم الشرعي وهو قاضي حلب محمد ابن المعمار إسحاق بأن الواقف سليمان بن عبد الملك بن مروان هو الذي بنى هذا الجامع ووقف عليه أوقافا عظيمة ثم بتوالي الأدهار والأعصار ضاعت تلك الأوقاف ونشأ بعدها الأوقاف الآتي بيانها ثم أثبت دعواه بشهود شهدوا تواترا يزيد عددهم على عشرين كلهم ثقاة علماء وإن وجوه البر التي تصرف عليها غلتها جار عليها التعامل القديم وحينئذ حكم القاضي بصحة الدعوى وتسجيل تلك الأوقاف بتاريخ غرة جمادى الأولى سنة 924 والأوقاف المذكورة هي 18 دكانا في سوق الصياغين والخياطين والقلانسيين خياطي القلنسوة المعروفة بكوف بحلب و 27 دكانا في السوق المذكور وغير ذلك من دكاكين هذا السوق التي تستوعب أكثره وبعض سوق الحرير وسوق زكريا وسوق الإسكافية وثمانية حوانيت في سوق السقطية وغير ذلك من الأسواق التي ذكرناها سابقا وبستان الأكشافي وجنينة المالح خارج باب الجنان وثلاثة أرباع قرية دارة عزة وكفرتين في جبل سمعان وعدة فدادين في قرية مجاورة لها وقرية حيلونة وأراض فسيحة من قرية كفر حمره وأخرى بعزاز وفدان في طعمع وآخر في جبرين وعدة فدادين في ناحية سرمين معروفة بوقف عبد الرحمن ومقاطعة في سوق العطارين ليشبك ومقاطعة سوق الدهشة والصابون لقيصر وجانيك ومقاطعة الحوانيت من أوقاف تمرتاش بك بسوق الأبارين ومقاطعة عرصة حوانيت سوق النحاسين لابن خطيب الناصرية ومقاطعة سوق السقطية لكمال الدين ابن بر مقسون ومقاطعة إصطبل بسوق حاتم في جنب المدرسة الرواحية وغير ذلك من المقاطعات الجزء: 2 ¦ الصفحة: 200 التي يطول شرحها ومقاطعة أراضي مقر الأنبياء وقد شهدوا بأن غلته تصرف لجماعة بأيديهم براءات من أهل العلم والقرآن وغيرهما وهم سبعة نفر من العلماء الشافعية ورجل فاضل حنفي ورجلان مالكي وحنبلي يدرسون في الجامع في الأوقات المعتادة وواحد وعشرون محدثا وأربعة عشر قارئا وثمانية قراء يقرون بالدور المعتاد وخمسة عشر مؤذنا وغير ذلك من الخدمة والموقتين والمبخرين وثلاثة جباة وأربعة كتاب يكتبون الدخل والخرج ومعماران ومتول وناظر وخطيب والقاضي الناظر وسبعة أئمة واحد أصيل والباقي فروعه. أما مطاهر الجامع فهي أربع: الأولى: محلها الصف الغربي من سوق المسامرية غربي الجامع وجنوبي الحلاوية على مقربة منها وقد ذكرها ابن شداد في الكلام على تقسيم قناة حلب كما ألمعنا إليه هناك وهي مطهرة الجامع الأصلية وكانت أشرفت على الخراب واتفق أن محمد باشا المعروف بالنيشانجي عمر بالقرب منها خانا فأدخلها في بناء الخان وعمر عوضها المطهرة الحالية: مكتوب فوق نجف بابها (جدد هذا المكان صاحب الخيرات محمد باشا نشانجي بمعرفة فرهاد جاويش سنة 1003) والمشهور أن لها نحو ثلاث دكاكين موقوفة عليها وكانت تجبى مع وقف الجامع ثم لما وضعت الحكومة يدها على وقف الجامع بقيت الدكاكين المذكورة في يد بعض الناس يجبيها ويصرف الحكومة يدها على وقف الجامع بقيت الدكاكين المذكورة في يد بعض الناس يجبيها ويصرف غلتها عليها ويدخل إلى هذه المطهرة من دهليز ذو ثنيتين طول الأولى 10 ع وعرضها 1 ع و 8 ط وطول الثانية 8 ع و 12 ط وعرضها 2 ع وصحنها مربع يبلغ أحد عشر ذراعا في مثلها ويدخل في هذه المسافة مساحة الأخلية والمغطس الكائن في شماليها ويشتمل صحنها على حوض مغطى يؤخذ ماؤه بواسطة مباذل وسقفها قبة عالية. الثانية: هي الكائنة في الباب الشمالي للجامع وهي التي أنشأها (سيياي بن عبد الله الجركسي) كافل حلب في حدود التسعمائة وكان غرضه من إنشائها أن ينتفع بها أيضا من بات في الجامع وهي تشتمل على بضعة عشر خلاء في آخر جهتها الشرقية قسطل مستور يؤخذ منه الماء بواسطة مباذل في أسفله وبابها في الدهليز الخارجي للباب الشمالي المذكور وسقفها قبة والنفقة عليها من وقف الجامع وهي أعمر مطهراته وكان لها باب يفتح إلى الرواق الشمالي المتجه إلى الجنوب في الجامع كما أشرنا إليه في الكلام على هذا الرواق وقد سد منذ عهد قديم. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 201 الثالثة: في الصف الشمالي الموجه قبلة من سوق الطيبيه وهي مطهرة عظيمة سقفها قبة متهدمة وفي وسطها حوض مغلق يؤخذ منه الماء بواسطة مباذل ينفق عليها من غلة دكان بقربها ويقال إنها من آثار أزدمر صاحب خان الصابون. الرابعة: في أوائل سوق العطارين على يسرة الداخل إليه من جنوبيه مكتوب على بابها (جدده الفقير إليه تعالى مجد الدين الحنفي بتاريخ ربيع الأول سنة 890 وهي مطهرة كبيرة لها حق من ماء القناة وفيها مغطس وسقفها قبو مكشوف وسطه وكانت عطلت وأغلق بابها منذ ثلاثين سنة لأنبعاث الروائح الكريهة منها ثم في سنة 1325 أهتم رجل من التجار المحسنين بتحويلها إلى مسجد فصرف عليها مبلغا وجعلها مسجدا تصلى فيه السرية والمشهور أن لها ثلاث دكاكين في سوق الضرب وهي مربعة الشكل تبلغ عشرة أذرع في مثلها. تنبيه: في هذه السنة وهي سنة 1341 سعى مدير الأوقاف السيد يحيى الكيالي بإحداث سبيل في جانب باب الجامع في رأس الرواق المتجه إلى الشرق يرفع إليه الماء بواسطة مضخة من قسطل وراء حائط الجامع تجاه باب المدرسة الحلوية يجري فيه ماء عين التل وهو سبيل جميل المنظر بديع الصنعة يؤخذ منه الماء بواسطة مباذل تصب في كؤوس جميلة نظيفة. المدرسة الشرقية الشافعية أنشأها الشيخ الإمام شرف الدين أبو طالب (عبد الرحمن العجمي) وزوجته وأقاربه وصرف على عمارتها ما ينيف عن أربع مائة ألف كذا قال ابن شداد وكان بشماليها قبل فتنة تيمور صندوق من الخشب يسع مكاكيك «1» من الحنطة، ذكر أقارب واقفها أنه أنفق ملئه دراهم برسم مؤنة الخضر لطعام الفقراء قال الذهبي في هذه المدرسة: هي حسنة مليحة غاية بالارتفاع وحسن البناء والصنعة وبوابتها لم ينسج على مثالها وإيوانها فرد في بابه ومحرابها غاية في الجودة ورخام أرضها محكم وبركتها من أعاجيب الدنيا عشرة أحجار مركبة في بعضها تركيبا غريبا وعمقها قامة وبسطة وكان يأتي إليها الماء في زمن واقفها من دولاب تجاه باب المدرسة الكبير وصنع لها واقفها سربا لأجل الخلاء من المدرسة إلى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 202 خارج البلدة لا يشاركه أحد فيه وهي مبنية بالحجارة الهرقلية واسم معلم بنائها مكتوب على محرابها وهو (أبو بكر النصيفه) . واسم النحات مكتوب على بابها واسمه أبو الثناء بن ياقوت وصنع لها طرازا على حائطها الأعظم ليكتب عليه ما أراد وكذلك على إيوانها فلم يتفق ذلك لأن واقفها اخترمته المنية ولم يكملها وكانت مدة عمارتها أربعين سنة وكان بها ثلاثة أدوار من الخلاوي المحكمة البناء والأبواب والخزاين وبها بأعلى الإيوان مع أعلى حاصلها المعروف بالمغارة قاعة مليحة للمدرس ولهذه القاعة باب للإيوان وآخر لصحن المدرسة وبصدر هذا الإيوان بادهنج «1» له ثلاثة أبواب وفيها بئران وصهريجان وعلى بئر منها قنطرة من الحديد عجيبة الصنعة كتب عليها (وقف هذه القنطرة واقف هذه المدرسة عبد الرحمن بن عبد الرحيم ابن العجمي على مصالح الجب في شهر ربيع الأول سنة 640 واسم صانعها علي بن أبي بكر بن مسلم وعليها خط بالكوفي لم أتمكن من قراءته. وإلى جانب هذه المدرسة تربة الواقف دفن فيها بوصيته ولها وقف على حدته وإلى جانب قبلية هذه المدرسة مسجد قديم عمره الواقف وفتح له بابا آخر إلى قبلية مدرسته. وإلى جانب هذا المسجد بيت كان إصطبلا للعجول التي كانت تجر الحجارة إلى المدرسة وكان الواقف إذا عاقه في طريق العجول بناء اشتراه من أهله وهدمه وكان تخشيب هذه المدرسة كالأبواب وغيرها من عجائب صنعة التبخير وقد وقف واقفها على مدرسته كتبا نفيسة من كل فن ووقف لها أوقافا عظيمة من جملتها القرشية في طريق مسكنة وحصة من قرية دادحين وشرط أن لا يتعرض لناظرها وإن اعترض أحد عليه يغلق بابها ويعود وقفها لأهله وقد شرط لها مؤذنين على بابها وشرط لهم حصة من قرية حريبل وكان لها باب من جنوبيها إلى بيوت الخطيب هاشم وقد درس بها العلماء ورحل إليها للأخذ عنهم الحفاظ المشهورون كشيخ الإسلام ابن حجر وشمس الدين ابن ناصر الدين. قلت هذه المدرسة الآن مشرفة على الخراب قد عمر في مكان إيوانها مكتب للأطفال من وقف أحمد موتياب باشا كما ألمعنا إلى ذلك في الكلام على معارف حلب ولم يبق بها سوى المسجد المتقدم ذكره والقبلية بجانبه وهي متشعثة البناء وأما بركتها فلم تزل موجودة إلا أنها مختلفة الوضع عديمة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 203 النفع خالية من الماء والدولاب الذي كان يؤخذ منه الماء إلى هذه البركة قد جهل محله ودخل في خان تجاهها لبعض التجار ولم يزل يوجد فيها بعض خلاو يسكنها الفقراء وقنطرة الحديد على بئرها سرقت من عهد غير بعيد ومطهرتها مائلة للخراب قال ابن شداد وإذا تذكرت ما كانت عليه هذه المدرسة من كثرة الفضلاء وتردادهم إليها للعلوم والفنون وما هي عليه الآن تذكرت قول الشاعر: هذي منازل قوم قد عهدتهم ... في ظل عيش رغيد ماله خطر صاحت بهم نائبات الدهر فانقلبوا ... إلى القبور فلا عين ولا أثر وقد عزم مدير الأوقاف السيد يحيى الكيالي على أن يقتطع من جهتها المتجهة إلى الغرب وجهتها الأخرى المتجهة إلى الشمال قطعة يبني عليها مخازن وحوانيت ذات أجرة وافرة. وفقه الله لذلك وجزاه خيرا. الخانقاه الزينية محلها في رأس زقاق الفرن وكان يعرف هذا الزقاق بدرب السيد حمزة أنشأها (مظفر الدين كوكبوري) المتوفي سنة 630 وفي سنة 796 وقف عليها الزيني عمر عدة مزارع وكانت هذه الخانقاه معمورة مشهورة جدا أما الآن فقد استولى الجيران عليها وركبوا ظهرها وأغلق بابها وكادت تكون مجهولة العين. زاوية بيت الكيالي هي الآن زاوية عامرة وللناس اعتقاد حسن بمن دفن فيها فيقصدونها للاستشفاء من الأدواء وينذرون لها النذور. وهي سماوي يبلغ خمسة عشر ذراعا في مثلها تقريبا في غربيه قبور أساتذة الطريق من هذا البيت وفي جنوبيه إيوان بجانبه حجرتان وفي شرقي شماليه قبلية معدة للصلاة وإقامة الذكر. وفي جنوبي القبلية حجرة فيها ضريح (عبد الجواد بن أحمد الكيالي) واقف القبلية. ثم جاء ولده الشيخ علي فضم إليها بقية الزاوية سنة 1202: مكتوب على بابها بعد البسملة: ضريح أبي الجود الرفاعيّ نسبة ... عبيد الجواد القطب فرد زمانه الجزء: 2 ¦ الصفحة: 204 هو السيد الكيال دونك رمسه ... أضاء على الشهباء وقت بيانه وليّ كبير نسل آل محمد ... ينال به ذو الخوف كل أمانه لقد أظهر القبر المقدس نجله ... على له المقدار أكرم بشأنه يدوم له الاقدام والسعد والهنا ... عطاء من المولى بجود امتنانه فبشراه إذ تم البناء مؤرخا ... يطيب لذكر الله حال مكانه ومكتوب على شباك خلوة الضريح مما يلي صحن الزاوية: جدث عليه مهابة ووقار ... وجلالة تغشى لها الأبصار إذ كان روضة سيد لجماله ... بمقامه تتلألأ الأنوار كم من كرامات له قد شوهدت ... للناظرين وكم بدت أنوار سبيل الجزماتي محله في رأس البوابة المنسوبة إليه أنشأه (أحمد بن خليل الخباز التونسي) المعروف بالجزماتي سنة 1186 وقد وقف عليه خمس دكاكين بسوق البوادقجية قرب الجامع الكبير وواحدة قرب دار الوكالة داخل باب الجنان وواحدة بزابوق سوق البالستان و 2 في سوق الصياغ قرب الجامع الكبير و 2 في سوق العقادين قرب الجامع الكبير و 4 بسوق القوافين و 2 بالسوق المذكور و 2 بسوق داخل باب النصر و 1 بسوق المراياتية داخل باب الحديد و 1 بسوق بحسيتا و 1 بسوق البياضة و 2 بسوق زقاق المنزول في البياضة و 2 بسوق السويقة قرب قهوة نور العين و 1 بسوق داخل باب النصر قرب الخندق و 2 بسوق خارج باب بانقوسا قرب قسطل الجاويش فالجملة 29 دكانا. شروطه شرط أن يصرف كل يوم من الأقجيات «1» 30 لعشرة قراء كل واحد منهم يقرأ جزءا في سبيله المذكور و 40 تدفع عن أحكار الدكاكين المذكورة و 3 إلى نقطجي على القراء وعليه أن يقرأ كل يوم جمعة سورة الكهف في سبيله و 3 لرجل يقرأ فيه الدلائل في يوم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 205 الجمعة و 12 لخادمه ومحافظ أدواته و 5 للجابي و 30 لشعال قناديل السبيل و 3 قيمة زيت له و 3 لتصليح الطاسات والزناجير «1» والسطل و 3 لبقية لوازمه و 8 للمتولي وما فضل بعد ذلك فإلى أولاده ومن بعدهم فإلى عتقائه الذكور ثم الاناث ثم الحرمين. بقية آثار هذه المحلة زاوية في زقاق فرن جقجوقة في شمالي صفة يقال لها الجعفرية نسبة إلى حمزة الجعفري أنشأها سنة 796 كما يفهم من الحجر الكائن فوق شباكها مما يلي الجادة وكان هذا الشباك هو الباب وهي الآن عبارة عن صحن يبلغ عشرة أذرع في مثلها في جنوبيه إيوان في صدره محراب ليس إلا، مدرسة تعرف بالأرغونية على يمين السالك بعد أن يجتاز سبيل الجزماتي في الجادة الآخذة إلى سوق هذه المحلة الكائن في شمالي الجامع الكبير ولهذه المدرسة باب عظيم إلا أنها ليست بذات بال قد اشتملت على مخدعين يسكنهما بعض الفقراء وعلى قبلية في غربيها متهدمة وفي هذه السنة وهي سنة 1341 هدما هذه المدرسة عن آخرها وبني في محلها حوانيت عظيمة وبني فوقها شبه مدرسة وذلك بسعي مدير الأوقاف السيد يحيى الكيالي، مدرسة تجاه زاوية بيت الكيال متهدمة مغلقة الباب لم يشتهر لها في أيامنا اسم يسكنها بعض الفقراء، مسجد في رأس زقاق الزهراوي الجنوبي، مسجد في زقاق الزهراوي من آثار بني زهير تعلم فيه الأطفال، دار الحديث تجاه مسجد البكفالوني بميلة إلى الغرب أنشأها المتولي على وقف (أحمد موتياب باشا) الجندي سنة 1311 بدل دار الحديث التي شرطها في كتاب وقفه وقد كتب على بابها: أعد لأحمد الجندي أجرا ... عطاء الله مولانا المغيث فقد رفعت بشرط منه دار ... مشيدة بإنشاء حديث فبادر إن ترم فوزا وأرخ ... مقاما طيبه نشر الحديث سبيل قسطل محله في الصف الشمالي شرقي القهوة الكائنة في السوق الكائن في شمالي الجامع الكبير، وسبيل قسطل في زقاق الفرن، وسبيل قسطل تجاه سبيل الجزماتي من غربيه داخل في وقفه، وسبيل قسطل في فم زقاق الزهراوي. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 206 تنبيه: لفقراء هذه المحلة وقف وقفه كور وزير المتوفى سنة 1155 وهو فرن جقجوقة ودار في شماليه ودار في بوابة النقلى ودكان في أواخر سوق الصابون ودكان تجاه الواساني شرقي فندق خان الصابون المعروف بالأوتيل وأخرى في شرقيها على جادة السوق وفي المحلة غير ذلك من الآثار الدينية والعلمية المعطلة التي استولى الناس عليها ودخلت في دورهم. مكتب للأيتام من إنشاء الشيخ شرف الدين (عبد الرحمن العجمي) صاحب المدرسة الشرفية المتقدم ذكرها وكان محل هذا المكتب تجاه باب المدرسة والآن صار في محله دار مملوكة، وفيها بيمارستان على باب الجامع الكبير الشمالي وينسب لابن خرخاز ولما تعطل صار يجلس فيه الكحالون فعرف بدار الكحالة وهو من آثار دولة الأتراك وهو الآن محل يسكنه إمام الأحناف في الأموي ولم يبق فيه سوى ثلاث مخادع صغيرة لا يعبأ بها ومنها المدرسة الرواحية كانت مدرسة مشهورة شافعية أنشأها زكي الدين أبو القاسم هبة الله ابن عبد الواحد بن رواحة الحموي سنة 622 وشرط أن لا يتولاها حاكم ولا متصرف وأن يكون مدرسها عالما بالخلاف العالي والنازل وقد تولاها فحول العلماء والأفاضل إلى أن انهدمت في حادثة تمرلنك ثم رممت ثم استولى عليها الناس وأدخلوها في دورهم وهي قرب المدرسة الشرفية من شماليها بينهما الطريق وكان وقفها حصة من تل عرن من عمل الجبول قدرها 14 فدانا وأخرى من قرية تفيحين وأخرى من قرية مشقانين وكان في قرب المدرسة الرواحية خانقاه تعرف بالشمسية جهل الآن محلها: والأسر الشهيرة في هذه المحلة أسرة آل الجمالي وأسرة الخانجي وكانتا من الأسر العلمية التجارية وأسرة آل الميسر وأسرة آل السباعي وأسرة آل الجزماتي من التجار وأسرة آل الكيالي وفيها العلماء والأدباء وأولو الوجاهة وسنتكلم على بعض هذه الأسر في مقدمة باب التراجم. اه. الكلام على هذه المحلة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 207 محلة الكلاسة (خ) عدد بيوتها 353 يحدها قبلة وغربا الفلاة وشرقا مقبرة الكليماتي المعروفة بالكليباتي وهو كليب العابد وشمالا بالبساتين وحارة جسر السلاحف المعروفة بالوراقة. عدد سكانها: الذكور/ الإناث/ المجموع/ الأقوام 1582/1839/3421/كلهم/ مسلمون وقد تجدد في جنوبيها منازل كثيرة لم تدخل في عدد بيوتها وهي محلة جيدة الهواء ماء آبارها قليل الملوحة يستعمل ويشرب حين فقد الماء العذب عمقها أربعة أبواع وماؤها العذب الجاري يأتي إليها في قناة رأسها تجاه الكتاب وبستان إبراهيم آغا. وقد تقدم الكلام عليها في الكلام على قناة حلب. وسميت هذه المحلة بالكلاسة لأن فيها أتانين الكلس وهي تبلغ اثني عشر أتونا وأكثر سكانها يعانون حرفة الكلس وقطع الحجارة من مقاطعها ونحتها وبناءها وكانت أتانين الكلس قبل القرن السابع في شمالي حلب قرب مقابر اليهود وكان اسم هذه المحلة قبل القرن المذكور الحاضر السليماني وكان فيها قصر بناه سليمان بن عبد الملك في أيام ولايته وقد تأنق في بنايته وزخرفه وإليه صار ينسب هذا الحاضر وكان قبل ذلك يعرف بحاضر كلب يجمع أصنافا من العرب من تنوخ وغيرهم وكان فيه بعد أن فتح المسلمون حلب مائة وعشرة مساجد. ذكر ذلك ابن العديم قال: وكان لها وال مستقل وفيها عدة أسواق. آثارها جامع الشيخ عبد الرحيم المصري أنشأه الحاج أبو بكر المصري سنة 859 وجدد فيه حفيدة عبد الرحيم بعض جهات فنسب إليه وهو جامع معمور بالشعائر وله من الأوقاف الجزء: 2 ¦ الصفحة: 208 ما يقوم بلوازمه وفي سنة 1274 اشترى الشيخ محمد خير الدين ابن الشيخ (أحمد الهبراوي) دارا وسع ببعضها صحن الجامع وأنشأ ببقيتها تكية غربي جنوبيه باتصال قبليته وأعدها لإقامة أذكار خلفاء الأسرة الهبراوية المتصدين للإرشاد في هذا الجامع الجاري تحت توليتهم وقد وقف الحاج خليفة بن محمد ابن الحاج محمود المعروف بابن الجربان من أهل محلة الكلاسة بستانا وكرما في أرض الأنصاري سنة 1131 ويعرف بوقف بيت صهريج شرطه بعد انقراض ذريته للجامع المذكور وللقسطل الآتي ذكره في آخر الكلام على هذه المحلة. بقية آثارها مسجد الشيخ حسن الراعي مستعمل زاوية لأحد خلفاء الأسرة الهبراوية وجدد فيه أحدهم سنة 1311 إيوانا جميلا، ومسجد الشيخ شهاب الدين تجاه البوابة الصغيرة على الجادة الكبرى أنشئ في القرن التاسع وفيه مزار لبعض أهل الله، ومسجد الزقاق العالي أنشئ جديدا وتربة الشيخ صانط، ومسجد أبي الرجاء في المقبرة جنوبي المحلة وهو صحن صغير في جنوبيه قبلية وفي شرقيها حجرة فيها مدفن الشيخ أبي الرجاء مكتوب على باب حجرة الضريح إنها عمرت سنة 694 وعلى باب المسجد (أمر بعمارة هذا المسجد المبارك في أيام مولانا السلطان الملك العزيز غياث الدنيا والدين سلطان الإسلام والمسلمين أبي المظفر محمد ابن الملك الظاهر غازي بن يوسف بن أيوب خلد الله ملكه العبد الفقير إلى رحمة الله تعالى علي ابن أبي الرجاء في مستهل رمضان سنة 666) . قلت: هذه العمارة كانت مدرسة تدعى بالمدرسة العلائية نسبة لمنشئها علاء الدين علي ابن أبي الرجاء شادّ ديوان الملكة ضيفة خاتون ابنة الملك العادل صاحبة الفردوس، وجامع حسان يعرف بجامع السلطان خارج المحلة في جنوبيها بميلة إلى الشرق قديم أنشأه سنة 606 علي بن سليمان بن حيدر وجدده أهل المحلة سنة 1299 وهو جامع فسيح نير، وفي هذه المحلة سبيل عليه عمارة أنشأه (محمد راجي بن محمد علي بيازيد) سنة 1259، وفيها قسطل ينزل إليه بدركات قديم عمر سنة 420 وله دكان في المحلة وحصة من طاحون الحاج. ومما يلحق بهذه المحلة مشهد محسن ومشهد الحسين. فأما مشهد محسن فيعرف بمشهد الدكة ومشهد الطرح وهو غربي حلب سمي بهذا الاسم لأن سيف الدولة بن حمدان كان الجزء: 2 ¦ الصفحة: 209 له دكة على الجبل المطل على موضع المشهد يجلس عليها لينظر إلى حلبة السباق فإنها كانت تقام بين يديه هناك وعن تاريخ ابن أبي طي أن مشهد الدكة ظهر في سنة 351 وأن سبب ظهوره هو أن سيف الدولة كان في إحدى مناظره التي بداره خارج المدينة فرأى نورا ينزل على مكان المشهد وتكرر ذلك فركب بنفسه إلى ذلك المكان وحفره فوجد حجرا عليه كتابة «هذا قبر المحسن بن الحسين بن علي بن أبي طالب» فجمع سيف الدولة العلويين وسألهم هل كان للحسين ولد اسمه المحسن فقال بعضهم ما بلغنا ذلك وإنما بلغنا أن فاطمة كانت حاملا فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم في بطنك محسن فلما كان يوم البيعة هجموا على بيتها لإخراج علي إلى البيعة فأحدجت وفي صحة هذا نظر. وقال بعضهم إن سبي نساء الحسين لما مروا بهن على هذا المكان طرحت بعض نسائه هذا الولد فإنا نروي عن آبائنا أن هذا المكان سمى بجوشن لأن شمر ابن ذي جوشن نزل عليه بالسبي والرءوس وكان معدنا يستخرج منه الصفر وإن أهل المعدن فرحوا بالسبي فدعت عليهم زينب بنت الحسين ففسد ذلك المعدن فقال سيف الدولة «هذا الموضع قد أذن الله بإعماره فأنا أعمره على اسم أهل البيت» . قال ابن أبي طي: ولحقت هذا المشهد وهو عليه باب صغير وحجر أسود تحت قنطرته مكتوب عليها بخط أهل الكوفة كتابة عريضة «عمر هذا المكان المشهد المبارك ابتغاء لوجه الله وقربة إليه على اسم مولانا المحسن بن الحسين بن علي بن أبي طالب» الأمير الأجل سيف الدولة أبو الحسن علي بن عبد الله بن حمدان وذكر التاريخ المتقدم. ثم قال: وفي أيام بني مرداس بنى المصنع الشمالي من المشهد ثم بنى قسيم الدولة آق سنقر سنة 582 في ظاهره قبلي المشهد مصنعا للماء وكتب عليه اسمه وبنى الحائط القبلي وكان قد وقع ووقف عليه رحا جندبات وعمل للضريح طوقا وعرائش من فضة وجعل عليه غشاء ثم بنى نور الدين في صحنه صهريجا وميضأة فيها بيوت كثيرة ينتفع بها المقيمون فيه وهدم الرئيس صفي الدين طارو بن علي النابلسي رئيس حلب المعروف بابن الطريرة بابه الذي بناه سيف الدولة ورفعه وحسنه ولما مات ولي الدين أبو القاسم علي رئيس حلب وهو ابن أخي صفي الدين المتقدم ذكره دفن إلى جانب المصنع ونقض أيضا باب المصنع الذي عليه اسم قسيم الدولة وبناه وكتب عليه اسمه وذلك في سنة 613 وكان في المكان المذكور بين الجبل والمشهد ضريح كبير ذكر أنه ضريح إبراهيم الممدوح المنتقل من العراق إلى حلب والله أعلم. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 210 ثم في أيام الملك الظاهر غياث الدين غازي بن صلاح الدين يوسف وقع الحائط الشمالي فأمر ببنائه. وفي أيام الناصر يوسف بن عبد العزيز محمد ابن الظاهر وقع الحائط القبلي فأمر ببنائه وعمل الروشن الدائر بقاعة الصحن. ولما ملك التتار حلب قصدوا هذا المشهد ونهبوا ما كان فيه من الأواني والبسط وخربوا الضريح والجدار ونقضوا الأبواب فلما ملك السلطان الملك الظاهر حلب أمر بإصلاح المشهد ورمه وجعل فيه إماما وقيما ومؤذنا. وأما مشهد الحسين فهو في سفح جبل الجوشن وعن يحيى ابن أبي طي في تاريخه أن راعيا يسمى عبد الله يسكن في درب المغاربة كان يخرج كل يوم يرعى غنمه فأتفق أنه نام يوما بعد صلاة الظهر في المكان الذي بني فيه المشهد فرأى كأن رجلا أخرج نصفه من شقيق الجبل المطل على المكان ومد يده إلى أسفل الوادي وأخذ عنزا فقال له يا مولاي لأي شيء أخذت العنز وليست لك فقال قل لأهل حلب يعمروا في هذا المكان مشهدا ويسموه مشهد الحسين فقال إنهم لا يرجعون إلى قولي فقال قل لهم يحفروا هناك ورمى بالعنز من يده إلى المكان الذي أشار إليه فاستيقظ الراعي فرأى العنز قد غاصت قوائمها في المكان فجذبها فظهر الماء من المكان فدخل حلب ووقف على باب الجامع القبلي وحدّث بما رأى فخرج جماعة من أهل البلد إلى المكان الذي ظهرت فيه العين وهو في غاية الصلابة بحيث لا تعمل فيه المعاول وكان فيه معدن النحاس قديما فخطوا المشهد المذكور. قال ابن أبي طي: ومقتضى هذه الحكاية أن هذا المكان هو المشهد المعروف بمشهد النقطة وهو قبلي المشهد المعروف بمشهد الحسين وهو إلى الخراب أقرب وأما مشهد الحسين فهو عامر آهل مسكون قال وتولى عمارته الحاج أبو النصر ابن الطباخ وكان ذلك في أيام الملك الصالح ابن الملك العادل نور الدين وكان الأمير محمود بن الختلو إذ ذاك شحنة حلب فساعدهم في بنائه ولما شرعوا في البناء جاء الحائط قصيرا فلم يرض بذلك الشيخ إبراهيم بن شداد وعلاه من ماله وتعاضد الناس في البناء فكان كل أهل حرفة يفرض على نفسه عمل يوم وفرض أهل الأسواق عليهم دراهم تصرف في المؤن والكلف وبنى الإيوان الذي في صدره الحاج أبو غانم ابن سويق من ماله فجاء قصيرا فهدمه الرئيس صفي الدين طارو ابن علي النابلسي ورفع بناءه وانتهت عمارته في سنة 585. ولما ملك الظاهر غازي حلب اهتم به ووقف عليه رحى تعرف بالكاملية وفوض النظر فيه إلى نقيب الأشراف الإمام شمس الدين ابن أبي علي الحسين والقاضي بهاء الدين بن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 211 أبي محمد الحسن بن إبراهيم بن الخشاب. ولما ملك ولده العزيز استأذنه القاضي بهاء الدين في ابتناء حرم إلى جانبه وبيوت يأوى إليها من انقطع إلى هذا المشهد فأذن له فشرع في بنائه واستولى التتار على حلب قبل أن يتم ودخلوا إلى هذا المشهد ونهبوا ما كان الناس قد وضعوا عليه من الستور والبسط والفرش والأواني النحاس والقناديل الذهب والفضة والشمع وكان شيئا كثيرا وشعثوا بناءه ونقضوا أبوابه. ولما ملك الظاهر جدد ذلك ورمه. اه. قلت: الذي فهمته من عبارة ابن أبي طي على ما فيها من الاضطراب أن المشهد الذي نسميه الآن بالشيخ محسن بتشديد السين هو مشهد الدكة وأن الذي نسميه هو مشهد الحسين يؤيد هذا الكتابة الموجودة في صدر إيوان المشهد وهي (بسم الله الرحمن الرحيم أمر بعمل هذا الإيوان المبارك العبد الفقير إلى رحمة الله أبو غانم بن أبي الفضل عيسى البزاز الحلبي رحمه الله وذلك في شهور سنة 579) فهذه الكتابة ربما تعضد قول ابن أبي طي (وبنى الإيوان الذي في صدره الحاج أبو غانم سويق) على أن مشهد الشيخ محسن لا إيوان فيه. ومعلوم أن كلا من المشهدين قائم على سفح جبل الجوشن بينهما مسافة غلوة بالقبلي منهما الشيخ محسن والشمالي المشهد ويؤخذ من كلام ابن أبي طي أنه كان يوجد بينهما مشهد آخر يعرف بمشهد النقطة وهو مما لا أثر له قلت ذكر أن سبب بناء مشهد النقطة هو أن رأس الحسين لما وصلوا به إلى هذا الجبل وضعوه على الأرض فقطرت منه قطرة دم فوق صخرة بني الحلبيون عليها هذا المشهد وسمي مشهد النقطة. ولعل هذه الصخرة نقلت من هذا المشهد بعد خرابه إلى محراب مشهد الحسين فبنى عليها. وكان هذا المشهد مهملا ثم منذ نصف قرن أخذت تقام فيه يوم عاشوراء حفلة دينية تتلى فيها قصة المولد النبوي ويطبخ فيه طعام الحبوب وغيره من الأطعمة الفاخرة ويجلس على موائدها المدعوون من رجال الحكومة والعلماء والأعيان والوجهاء وفي اليوم السابع والعشرين من رجب تتلى قصة المعراج ويفرق على الحاضرين المذكورين الملبس وغيره من أنواع الحلوى اليابسة وفي سنة 1302 جددت فيه الجهة الشمالية من القبلية وبعد بضع سنين أهدى السلطان عبد الحميد ستارا حريريا مزركشا بآيات قرآنية وضع على المحراب وفرشت أرض قبلته بالطنافس الجميلة وجدد ترخيم أرض الصحن ورتب له إمام ومؤذن وخادم وموظفون يقرءون كل يوم أجزاء شريفة والنفقات على ذلك كله من صندوق أملاك الجزء: 2 ¦ الصفحة: 212 السلطان عبد الحميد في حلب. وبعد الانقلاب الدستوري العثماني أهملت هذه الحفلات وأبطلت الشعائر وفي أيام الحرب العامة استعمل مستودعا للذخائر الحربية النارية واستمر على ذلك إلى أواخر سنة 1337 وذلك حين خروج الانكليز من حلب ودخول الفرنسيس إليها وكان الحرس الذين يحرسونه من قبل الانكليز قد انصرفوا عنه فهجم عليه جماعة من رعاع الناس وغوغائهم ونهبوا ما فيه من الذخائر والسلاح وبينما كان بعض أولئك الغوغاء يعالج قنبلة لإستخراج ما فيها من البارود إذ أورت نارا فلم يشعر إلّا وقد انفجرت وسرت منها النار بأسرع من لمح البصر إلى غيرها من الأعتاد النارية المتفرقعة فانفجرت جميعها انفجار بركان عظيم سمع له دوي من بعد ساعات وشعرنا ونحن في منازلنا بحلب كأن الأرض قد تزلزلت مصحوبة بدوي كهزيم الرعد القاصف وقد تهدم بنيان هذا المشهد كله سوى قليل منه وتطايرت أنقاضه في الهواء وسقط بعضها على ما فيه من الذعار والشطار فهلكوا عن آخرهم ويقدر عددهم بثلاثين انسانا على أقل تقدير أخرج بعضهم من تحت الردم أمواتا وترك الباقون فيه خشية أن يفاجئ الباحثين عنهم انفجار ما بقي من الذخائر النارية. هذا وإن أوقاف هذا المسجد أراض عشرية تكلمنا عليها في مقدمة الكتاب في فصل تكلمنا فيه عادات الحلبين المسلمين التابعة الأشهر القمرية والأشهر الشمسية فراجعها ولأحمد أفندي وبهاء الدين أفندي الزهراوي وقف عظيم جعلا نهايته إلى هذا المشهد تاريخه 1064: كان مكتوبا في جبهة إيوان هذا المشهد: بسم الله الرحمن الرحيم: اللهم صل على محمد المصطفى وعلى المرتضى وفاطمة الزهراء والحسن المجتبى والحسين الشهيد وعلى زين العادين ومحمد الباقر وجعفر الصادق وموسى الكاظم وعلى الرضى ولد الجواد وعلي الهادي والحسن العسكري ومولانا محمد بن الحسن القائم بأمر الله تعالى. وعلى رأس المحراب صنعه أبو عبد الله وأبو الرجاء ابنا يحيى الكناني. وعلى نجفة الباب الداخلي المؤدي إلى الصحن: (بسم الله الرحمن الرحيم عمر مشهد مولانا الحسين بن على ابن أبي طالب عليهما السلام في أيام دولة مولانا الملك الظاهر العالم العادل سلطان الإسلام والمسلمين سيد الملوك والسلاطين أبي المظفر الغازي ابن الملك الناصر يوسف بن أيوب ناصر أمير المؤمنين سنة 572) . وعلى دهليز الباب بعد البسملة: (اللهم صل على محمد النبي وعلى الوصي والحسن المسموم والحسين الشهيد المظلوم وعلى زين العابدين ومحمد الباقر علم الدين وجعفر الصادق الأمين وموسى الكاظم الوفي وعلى الطاهر الرضى ومحمد الجزء: 2 ¦ الصفحة: 213 البر التقي وعلى الهادي النقي والحسن العسكري وصاحب الزمان الحجة المهدي واغفر لمن سعى في هذا المشهد بنفسه ورأيه وماله) . وعلى نجفة الباب في ثلاث أنصاف دوائر: (اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آل محمد وسلم. وارض اللهم عن سيدنا أبي بكر وعمر وعثمان وعلي. وارض اللهم عن أصحاب رسول الله أجمعين) . قلت: المفهوم مما كتب على جبهة الإيوان وعلى دهليز الباب أن الساعين في بناء هذا المشهد شيعة إمامية اثنا عشرية مع أن الذي أمر ببنائه وهو الملك الظاهر غازي سنّي ابن سني. فلعل الذي حمله على بنائه مجرد مواساة للشيعة واسترضاء لهم ليكونوا من نصرائه أو ليكفي شرهم فقد كان الشيعة في حلب تلك الأثناء مرهوبي الجانب. والمفهوم من قصة مشهد النقطة أنه كان بين مشهد الحسين ومشهد الشيخ محسن عين ماء بني في مكانها مشهد النقطة المذكور وهي الآن مما لا أثر له ولعلها كانت فنضبت والله أعلم. أما مشهد الشيخ محسن فهو ما زال معمورا ولكن شعائره مهملة وقبل بضع سنين رخمت أرضه وأجريت فيه بعض المرمات. مكتوب على بابه بعد البسملة (جدد عمارته في دولة مولانا الملك الظاهر غياث الدنيا والدين ابن الملك الناصر يوسف بن أيوب الفقير إلى رحمة الله تعالى..) وعلى حائط القبلية (بسم الله أمر بعمارة هذا الموضع المبارك مولانا السلطان الملك الظاهر غياث الدنيا والدين أبو المظفر الغازي ابن يوسف خلد الله ملكه سنة 609) ولحسن أفندي ابن أحمد أفندي الكواكبي وقف كبير شرط فيه لهذا المشهد في كل سنة 186 قرشا لأربعة قراء و 12 لخادمه و 15 لطبخ طعام الحبوب يوم عاشوراء تاريخ هذا الوقف سنة 1220. ومما يلحق بهذه المحلة أيضا مشهد في قرية الأنصاري التي كانت تسمى ياروقية قال الهروي في كتاب الاشارات: في هذا المشهد قبر عبد الله الأنصاري كما ذكروا. وقال ابن العديم نقلا عن والده: إن امرأة من نساء أمراء الياروقية «1» رأت في المنام قائلا يقول ههنا قبر الأنصاري صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم فنبشوا فوجدوا قبرا فبنوا عليه مشهدا ثم دثر فجددته نيلوفر عتيقة الأمير سيف الدين علي بن علم الدين سليمان بن حيدر ولما تولى معتقها سنة 622 انقطعت إليه ولما استولى التتار على حلب دخل هذا المشهد في جملة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 214 ما تشعث من أبنية حلب ولما ولى نيابة حلب الأمير سيف الدين قصروه سنة 830 شرع بتوسيع هذا المشهد وبناه بالحجارة الكبار وعقد على الضريح قبة ووسع الصحن وبنى له بابا حسنا بالحجارة الكبار وجعل شماليه إيوانا بشبابيك مطلة إلى جهة الشمال ولما توفيت ابنته دفنها هناك على يمنة الداخل بالقرب من الباب وعقد عليه قبة ووقف عليه وقفا وسبب اعتنائه بهذا المشهد أنه كان قدم إلى حلب قبل ذلك وهو خاصكي بتقليد نائبها فاعتراه قبل دخوله البلد وجع شديد وكانت عادة من يرد من الخاصكية إلى حلب أن يبيت هناك ليدخل البلد بكرة النهار فبات تلك الليلة وهو في غاية الألم فرأى في منامه إن صاحب الضريح وهو شيخ حسن الشكل مسح عليه ودعا له وبشره بأنه يصير نائب هذه البلدة فأصبح معافى وعاهد الله أنه إن ولي حلب أن يجدد بناء هذا المكان ففعل وقف له وقفا. وهذا المشهد الآن يعرف بسعد الأنصاري في قرية الأنصاري. قال ابن الشحنة: ولا أعرف المستند في ذلك إلا أن يكون الاشتباه فإن الجبل الذي هو تجاه هذا الجبل من جهة الشرق والقبلة عليه مشهد يقال له مشهد سعد الأنصاري (في قرية الشيخ سعيد) . وكان هذا المشهد صغيرا جدا وبه صريح صغير فلما ولى نيابة حلب الأمير خيري بك الطويل وسع هذا المشهد وبنى به دارا وقبلية وإيوانا وقبة فيها شبابيك مطلة غربا وقبلة وشمالا ووسع الصحن وبنى له بابا حسنا ومنارة ووقف عليه وصار يخرج إليه في كل سنة ويقرئ به قصة المولد الشريف ويحضر معه الأمراء والأكابر وأعيان البلد. ومن المشاهد أيضا المشهد الأحمر وهو في رأس جبل الجوشن يقصده أهل البلد في مهماتهم ويدعون فيه فيستجاب لهم وهو قبلي المشهد المتقدم ذكره بينهما رمية حجر وقد بنى فيه بعض أهل البلد قبة جليلة عالية البناء وبنى فيها صهريجا. قلت: مشهد الأنصاري ومشهد الشيخ سعيد ما زالا باقيين معروفين أحدهما في قرية الأنصاري والآخر في قرية الشيخ سعيد أما المشهد الأحمر فلا أثر له ولا يعرفه أحد منا ولا حدثنا به أحد شيوخنا. تنبيه: كان يوجد قرب مشهد محسن مدرسة تعرف بمدرسة النقيب متاخمة دار المعز وهي غاية في العمارة يقال لها تاج حلب وكانت كثيرة المساكن والمنافع وهي منتزه حلب وفيها بئر ماء يستقي منه من صحنها ومن درجها ومن أعلاها ولها صف خلاوي في أعلاها وتجاهها رواق وبه قناطر مطلة على قويق وحلب وبساتينها وكانت غاية في السعة والإتقان والزخرفة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 215 وهي الآن مما لا يعرف مكانها والنقيب المنسوبة إليه هو (النقيب الإمام الشريف المرتضى) . ومما كان يوجد في شمالي الفيض مدرسة تعرف بالمدرسة الدقاقية أنشأها مهذب الدين أبو الحسن علي بن عبد الله ابن الدقاق في حدود سنة 600 وهي الآن غير معروفة. وفي المشهد وخارجه عدة قبور لبني الزهراء نقباء حلب وأشرافها منها قبر أبي المكارم حمزة الذي تكلمنا عليه في ترجمة أحمد بن عبد الله بن حمزة فراجعه. وفي هذه المحلة أعني محلة الكلاسة أسرة آل الهبراوي وهم وجهاء المحلة ومرشدوها وفيهم العالم والأديب والتاجر وقد ترجمنا عدة رجال منهم في باب التراجم. اه. الكلام على محلة الكلاسة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 216 حارة المغاير (خ) عدد بيوتها 100 هذه المحلة في جنوبي البلدة إلى الغرب يحيط بها الفلاة من كل جهة وهي قريبة من مغاير الحوار خارج باب قنسرين في غربيها وأكثر سكانها يعانون صنعة حبال القنب وعمل المكانس عددهم. الذكور/ الإناث/ المجموع/ الأقوام 403/332/735/كلهم/ مسلمون لا آثار فيها سوى جامع ومسجد لا يستحقان الذكر وقسطل يهبط إليه ببضع وعشرين درجة مكتوب على حجر في صدره بعد البسملة (إن الأبرار يشربون إلى قوله تعالى تفجيرا. أنشأ هذا السبيل المبارك العبد الفقير إليه تعالى الحاج عبد الله ابن الحاج حسن بن العاجي غفر الله له ولوالديه في أيام السلطان الأمجد أبي المكارم السلطان سليمان خان ابن السلطان سليم خان خلد الله ملكه) . ماء هذه المحلة من آبار عميقة ماء بعضها نبع وماء بعضها الآخر من قناة الكلاسة المتقدم ذكرها وهي جيدة الهواء جميلة المناظر والمغاير التي في شرقيها واسعة يقال إنها متصلة بمغاير حارة المعادي التي سنتكلم عليها. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 217 حارة الفردوس (خ) عدد بيوتها 15 محلها خارج باب المقام عدد سكانها: الذكور/ الإناث/ المجموع/ الأقوام 42/50/92/كلهم/ مسلمون محل هذه الحارة في جنوبي المعادي منقطعة عنها وكانت بعد القرن السادس من أعمر محلات حلب وأعظمها آثارا دينية كالمساجد والمدارس والربط والزوايا والترب. آثارها تربة بني الشحنة: شمالي الفردوس وهي قبة عامرة لها باب موجه شمالا مكتوب عليه البيتان المشهوران اللذان أولهما إذا أمسى فراشي من تراب إلخ وفي جهتها الجنوبية محراب حسن من النحيت وفي وسطها قبور لبني الشحنة. عمارة ضيفة خاتون بنت الملك العادل سيف الدين أبي بكر محمد زوجة الملك الظاهر غازي بن صلاح الدين يوسف بن أيوب والدة الملك العزيز ابن الملك الظاهر بنتها جامعا ومدرسة وتربة ورباطا سنة 633 ووقفت عليها أوقافا عظيمة جميعها أراض من جملتها قرية كفر زيتا وثلث طاحون من النهريات وجامعها حافل عظيم متقن البناء واسع الأرجاء معدود في حلب من الآثار القديمة العظيمة يقصده السواح لما اشتمل عليه من عظمة البناء وضخامة الحجارة والأعمدة وبداعة الطراز صحنه يبلغ ستين ذراعا في مثلها تقريبا وفيه حوض واسع جميل الصنعة على شاكلة حوض السلطانية وفي شماليه إيوان كسروي وعلى جانبيه المدرسة والمطبخ وفي شرقي الصحن وغربيه الرباط والتربة كلاهما الآن مملوءان من قبور جماعة لا تعرف تراجمهم وفي جنوبي الصحن قبلية واسعة على طول الصحن في عرض نحو ثلاثين الجزء: 2 ¦ الصفحة: 218 ذراعا ومنبر هذا الجامع حادث جدد بعد واقفته ومن أجمل ما فيه المحراب فإنه عديم النظير لما اشتمل عليه من حسن الصنعة والنقوش والإتقان والإحكام فيه عدة ألواح من حجر اليشم النادر الوجود وهذه اللفظة فارسية أصلها أشباد جشم قال ابن العديم وهو من أعاجيب الدنيا يرى الناظر إليه وجهه فيه من صفاء معدنه وفي شرقي القبلية حجرة مقتطعة منها فيها قبران يزعمون أن الشمالي منهما مدفون فيه سيدنا علي ابن أبي طالب كرم الله وجهه حتى إنه مكتوب على رقعة في ثوب الضريح هذا قبر أمير المؤمنين علي بن أبي طالب نقل صندوقه سيف الدولة أيام دولته من النجف سنة 317. وهذا كذب ظاهر فقد نص المؤرخون على أن قبر علي رضي الله عنه خفي لا يعرف موضعه. ومنهم من قال إنه دفن في دار الإمارة في الكوفة وأخفي قبره كي لا ينبشه الخوارج. وقيل حملوه على جمل ليدفنوه مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فبينما هم في السير ليلا إذ ندّ الجمل الذي هو عليه فلم يدروا أين ذهب ولم يقدر على رده أحد فلذلك، يقول غلاة الشيعة إنه في السحاب وقيل وقع في بلاد طيىء فأخذوه ودفنوه. وقيل: كان أوصى أن يخفى قبره كيلا يمثل به بنو أمية لعلمه أن الأمر لهم على أن مجيء سيف الدولة إلى حلب كان سنة 333 فكيف يأتي بالصندوق من النجف إلى حلب قبل مجيئه إليها. ثم إن عمارة الفردوس كما قال ابن شداد بناؤها عظيم مرتفع بالحجارة الهرقلية وهي كثيرة الأماكن وبها خشخاشة للموتى وبركة ماء تشبه بركة الظاهرية يأتي إليها الماء من بستانها من دولاب خارجها وفي جانب هذا البستان إيوان عظيم بالحجارة العظيمة وفي هذه المدرسة أعمدة ضخمة من الرخام الأصفر ملقاة في صحنها وفيها قاعة عظيمة لمدرسها وللمدرسة من جهاتها الأربع مناظر وشبابيك إلى بستانها وفيها إيوان مكتوب عليه في طرازه وطرازها (لله در أقوام إذا جن عليهم الليل سمعت لهم أنين الخائف وإذا أصبحوا رأيت عليهم تغير ألوان: إذا ما الليل أقبل كابدوه ... ويسفر عنهم وهم ركوع أطار الشوق نومهمو فقاموا ... وأهل الأمن في الدنيا خشوع أجسادهم تصبر على التعبد وأقدامهم ليلها مقيمة على التهجد لا يرد لهم صوت ولا دعا تراهم في ليلهم سجدا ركعا قد ناداهم المنادي وأطربهم الشادي: يا رجال الليل جدوا ... رب صوت لا يرد الجزء: 2 ¦ الصفحة: 219 ما يقوم الليل إلا ... من له حزم وجد لو أرادوا في ليلتهم ساعة أن يناموا أقلقهم الشوق إليه فقاموا وجذبهم الوجد والغرام فهاموا وأنشدهم مريد الحضرة وبثهم وحملهم على المناجاة وحثهم: حثوا مطاياكم وجدوا ... إن كان لي في القلوب وجد قد آن أن تظهر الخبايا ... وتنشر الصحف فاستعدوا الفرش مشتاقة إليهم والوسائد متأسفة عليهم النوم قرم إلى عيونهم والراحة مرتاحة إلى جنوبهم الليل عندهم أجل الأوقات في المراتب ومسامرهم عند تهجدهم يرعى الكواكب: وزارني طيفك حتى إذا ... أراد أن يمضي علقت به فليت ليلي لم يزل سرمدا ... والصبح لم أنظر إلى كوكبه هجروا المنام في الظلام وقلدوا بطول المقام وناجوا ربهم بأطيب كلام وأنسوا بقرب الملك العلام لو احتجبوا عنه في ليلهم لذابوا ولو تغيبوا عنه لحظة لما طابوا يديمون التهجد إلى السحر ويتوقعون ثمر اليقظة والسهر. بلغنا أن الله تبارك وتعالى يتجلى للمحبين فيقول لهم: من أنا. فيقولون: أنت مالك رقابنا فيقول: أنتم أحبتي أنتم أهل ولايتي وعنايتي ها وجهي فشاهدوه ها كلامي فاسمعوه ها كأسي فاشربوه وسقاهم ربهم شرابا طهورا إذا شربوا طابوا ثم طربوا إذا طربوا قاموا إذا قاموا هاموا إذا هاموا طاشوا إذا طاشوا عاشوا لما حملت ريح الصبا قميص يوسف لم يفضض ختامه إلا يعقوب ما عرفه أهل كنعان ومن عندهم خرج ولا يهودا وهو الحامل. اه. ومكتوب على الباب سطر جيد جدا مدحه الشعراء وهو (أمرت بإنشائه ضيفة خاتون في أيام السلطان الملك الناصر صلاح الدين يوسف ابن الملك العزيز محمد ابن السلطان الملك الظاهري غازي بتولي عبد المحسن العزيزي الناصري في سنة 633) ومن جملته: يطاف عليهم بصحاف من ذهب ومما قاله فيه الشعراء: في باب فردوس حلب ... سطر من الدر عجب فيه صحاف من ذهب ... هن صحاف من ذهب الجزء: 2 ¦ الصفحة: 220 ومما يلحق بهذه المحلة عمارة الهروي: محلها في جنوبي الفردوس بميلة إلى الشرق على بعد غلوة منه أنشأها الشيخ أبو الحسن (علي بن أبي بكر الهروي) السائح ثم في فتنة التتار خرب بعضها ولم يبق بها ساكن وخرب وقفها لأنه كان سوقا بالحاضر وهي الآن خراب لم يبق فيها سوى حجرة الضريح التي على مثال الكعبة وجميع حجارتها مكتوبة حكما ومواعظ وغير ذلك وقد رأيت في كتاب الإشارات في معرفة الزيارات لصاحب هذا القبر صورة ما كتبه على تربته فأحببت نقله. قال رحمه [الله] : نسخة ما على تربة العبد الفقير إلى الله تعالى مؤلف هذا الكتاب (كتاب الاشارات) وهي التي أنشأها لنفسه ظاهر محروسة حلب على الجادة الآخذة إلى محروسة دمشق على نهر غربي هذه التربة منقورة في الصخرة ما هذه صورته (بسم الله الرحمن الرحيم سبحان مشتت العباد في البلاد وقاسم الأرزاق سير قوما إلى الآجال وقوما إلى الأرزاق هذه تربة العبد الفقير الغريب الوحيد علي بن أبي بكر الهروي عاش غريبا ومات وحيدا لا صديق يرثيه ولا خليل يبكيه ولا أهل يزورونه ولا إخوان يقصدونه ولا ولد يطلبه ولا زوجة تندبه آنس الله وحدته ورحم غربته وهو القائل سلكت القفار وطفت الديار وركبت البحار ورأيت الآثار وسافرت البلاد وعاشرت العباد فلم أر صديقا ولا رفيقا موافقا فمن قرأ هذا الخط فلا يغتر بأحد قط: طفت البلاد مشارقا ومغاربا ... ولكم صحبت لسائح وحبيس ورأيت كل عجيبة وغريبة ... ولقيت هولا في رخاء وبؤسي أصبحت من تحت الثرى في وحدة ... أرجو إلهي أن يكون أنيسي (وعليه) بنوا وعلوا ومضوا وخلوا (وعليه) لا ذاك دام ولا ذا يدوم (وعليه) كن من الفراق على حذر (وعليه) هذا الوداع فمتى الاجتماع (وعليه) السلامة في الوحدة والراحة في العزلة (وعلى الجانب الشمالي) لا مفر مما قضاه ولا مهرب مما أمضاه فالسعيد من سلم إليه وتوكل عليه، (وعلى الجانب الشرقي) ما هذه صورته: بسم الله الرحمن الرحيم هذه تربة العبد الفقير إلى رحمة ربه علي بن أبي بكر الهروي وهو القائل ابن آدم دع الاحتيال فما يدوم حال ولا تغالب التقدير فلن يفيد التدبير ولا تحرص على جمع مال يتنقل إلى غيرك من لا ينفعك شكره ويبقى عليك وزره (وعلى عضادة الباب) ما هذه صورته بسم الله الرحمن الرحيم ما مر الزمان على شيء إلا غيره ولا على حي إلّا قبره ولا رفيع إلّا وضعه ولا على قوي إلّا وضعضعه (وعلى الباب) بسم الله الرحمن الرحيم عمر هذه التربة لنفسه الجزء: 2 ¦ الصفحة: 221 العبد الفقير إلى رحمة ربه علي بن أبي بكر الهروي تقبل الله منه ورحمه ورحم المسلمين وذلك في سنة اثنتين وستمائة (وداخل الباب) الطمع يذل الأنفس العزيزة ويستخدم العقول الشريفة (وعلى القبر) بسم الله الرحمن الرحيم إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم هذا قبر الشيخ علي بن أبي بكر الهروي رضي الله عنه ورحمه ورحم جميع المسلمين. (وعلى فرشة اللحد) بسم الله الرحمن الرحيم إلهي ليس لي عمل أتقرب به إليك ولا حسنة أدل بها عليك غير فقري وفاقتي وذلي ووحدتي فأرحم غربتي وكن أنيسي في حفرتي فقد التجأت إليك وتوكلت عليك وأنت أكرم الأكرمين وأرحم الراحمين. (وعلى القبة) الآيتان آخر سورة لقمان وآخر سورة البقرة (وعلى القبر بعد البسملة) يا باقي ارحم الفاني يا حي ارحم الميت يا عزيز ارحم الذليل يا قادر ارحم العاجز (وعليه) اللهم إني ضيفك ونزيلك وفي جوارك وفي حرمك وأنت أولى من أكرم ضيفه ورحم جاره وأجار نزيله فمن غير تربتي أو بدل حفرتي فأنت خصمه يا رب استعنت بك عليه يا رب يا مغيث أنت الله (وعلى أبواب حرم التربة) ما صورته منقورا في الصخر على باب منها داو أمراضك ودع اعتراضك (وعلى آخر) كم ذا العنا ومصيرك إلى الفنا (وعلى آخر) الدنيا مزبلة (وعلى آخر) لو أراد الله بخيرك ما تعبت لغيرك (وعلى آخر) الحذر لا ينفع القدر (وعلى آخر) لو رأيت ما اقتنيت (وعلى آخر) في الموت كفاية (وعلى آخر) الأجل أصدق من الأمل (وعلى آخر) دع الارتياب فمصيرك إلى التراب (وعلى آخر) اتق الله يكفك الله (وعلى آخر) انظر في عيب نفسك ودع أبناء جنسك (وعلى الطهارة) لو تفكرت ما افتخرت (وعلى الحمام) طهارة الجسد إزالة الحسد (وعلى آخر) يا أشعب لمن تتعب (وعلى آخر) ما انتظارك والقبر دارك (وعلى أبواب الرباط وهي المدرسة التي أنشأها لصيق هذه التربة) (وعلى باب منها) استعد للرحيل فقد بقي القليل (وعلى آخر) الحسد يضر بصاحبه (وعلى آخر) الاحتمال موت حاضر (وعلى آخر) اللذة في الخمول (وعلى آخر) العزلة مركب السلامة (وعلى آخر) دعهم واحذرهم (وعلى آخر) من زهد في الدنيا قل تعبه (وعلى آخر) عز القانع وذل الطامع (وعلى آخر) الورع زمام العمل (وعلى آخر) زينة العلم العمل (وعلى آخر) الراحة في الوحدة (وعلى آخر) فرّ من الخلق فرارك من الأسد (وعلى آخر) انتفع بالناس انتفاعك بالنار تنج منهم (وعلى آخر) دع الترهات واستعد للممات (وعلى الطهارة) بيت المال في بيت الماء (وعلى باب التربة) عمر هذه التربة لنفسه العبد الفقير إلى رحمة الله تعالى علي بن أبي بكر الهروي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 222 وذلك في سنة اثنتين وستمائة (وعلى البئر التي ظهرت في هذه التربة ونسبت إلى إبراهيم الخليل) أظهر الله هذه البئر المباركة سنة اثنتين وستمائة. بقية آثار هذه المحلة في جنوبي هذه المحلة خان منقور في الحوار ينزل إليه بدرجات يقال له خان النقر «1» وهو صحن مربع يبلغ أربعين ع في مثلها تقريبا في جهاته الأربع أروقة نافذة إلى بعضها شبيهة بالأروقة المقبوة بالحجارة وكان يضرب المثل في حلب بكثرة دخل هذا الخان وأما الآن فهو معطل وصحنه بستان يشتمل على شجر التين والفستق وكان على مقربة من هذا الخان مدرسة يقال لها الجمالية محلها الآن تل من تراب وهي تنسب لمنشئها جمال الدولة إقبال الظاهري عتيق ضيقة خاتون وفي تلك الجهات أيضا عمارة يسمونها الدرويشية أظنها تربة وهي مشرفة على الخراب أنشأها الملك الناصر سنة 621. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 223 محلة المقامات (خ) عدد بيوتها 86 الذكور/ الإناث/ المجموع/ الأقوام 337/336/673/كلهم مسلمون وهي بين حارة المعادي والفردوس الأولى في شماليها والثانية في جنوبيها سميت مقامات لكثرة ما اشتملت عليه من الترب والمدافن ومقامات الصالحين كما سنبينه. آثارها التربة الكمالية محلها في كرم الحشاش شرقي هذه المحلة بينها وبين تربة السفيري الكرم المذكور وجادة الصالحين وهي صحن واسع وقبلية في غربيها قبر كمال الدين الدمنهوري وهو الذي بناها بعد حادثة تيمور وفيها إيوان مدفون فيه خديجة بنت الباني المذكور وهي مشرفة على الخراب يسكنها بعض الفقراء، جامع قراسنقر هو جامع المحلة الكبير كان في الأصل رباطا بناه (قراسنقر الجو كندار المنصوري) وهو صحن متسع مشتمل على أروقة وله بابان واحد من شماليه وآخر من غربيه وقبلية مبنية بالحجارة العظيمة كأنها حصن في غربيها قبر مكتوب عليه (هذه تربة العبد الفقير إلى رحمة ربه ورضوانه الأمير ناصر الدين محمد ابن الأمير شمس الدين قراسنقر الجوكندار المنصوري توفى في الليلة المسفرة عن الخميس سلخ جمادى الأخيرة سنة 709 غفر الله له ولوالديه) هذه التربة كانت تعرف بالمهمازية في شرقيها قبر آخر مكتوب عليه (هذا قبر المقر المرحوم السيفي قتمر المنصوري مولانا الملك الآمر بحلب المحروسة كان توفى إلى رحمة الله تعالى في يوم الجمعة سابع عشر ذي الحجة الحرام سنة 770) وفي الجانب الشرقي من باب الجامع الشمالي جرنان عظيمان مدفون بعضهما في الأرض أحدهما أسود والآخر أصفر مكتوب على الجدار فوقهما بعد الجزء: 2 ¦ الصفحة: 224 البسملة (أمر بإنشاء هذا السبيل المبارك المولى الأمير الكبير المجاهد المرابط الخاضع لربه المنان المفتقر إلى عفو الله والرضوان شمس الدنيا والدين (قرا سنقر الجو كندار المنصوري الناصري نائب السلطنة الشريفة بحلب المحروسة أثابه الله تعالى وضاعت له الحسنات وجعل زخره الباقيات الصالحات كتب في المحرم سنة 703 من الهجرة النبوية) . تربة شهاب الدين الأدرعي وهي غربي الجادة إيوان كسروي في جانبه الشرقي قبة معتبرة قائمة على جدران جميلة البناء وراء هذه القبة من شرقيها قبر «أحمد بن حمدان شهاب الدين الأدرعي» صاحب التربة مكتوب على نصبة قبره: تعاهد قبور الصالحين مسلّما ... بحسن اعتقاد وانقياد مع الأدب وصاحب هذا القبر أتحفه دائما ... بخير دعاء فهو مما له وجب فهذا الإمام الأدرعي أحمد الذي ... سما وإلى حمدان حقا قد انتسب وهذا أبو العباس يعرف كنية ... وهذا شهاب الدين يشهر باللقب لقد ساد أهل العصر علما وعفة ... وزان بلاد الشام لا سيما حلب فمولده قد كان في عام وارث ... ومدرجه لله صحبته قرب وتجديد هذا القبر في السنة التي ... بخمسين بعد الألف فيما يلي رجب وفيها من الأمراء «عبد الله بن إبراهيم بن أحمد» وراء هذه التربة من غربيها تربة أخرى جميلة فيها قبلية في شرقيها بعض قبور وفي شرقي الجادة تربة حافلة لها شبابيك مطلة على الجادة مبنية بحجارة جميلة بديعة التركيب والنقش وفي تربة «عثمان بن أحمد بن أحمد بن أغلبك» لا أثر لقبره في داخلها مع أنه مدفون فيها كما ستراه في ترجمته وهي الآن مشرفة على الخراب يسكنها بعض الفقراء وفي غربي الجادة قسطل سعى بعمارته الحاج صديق أفندي ابن عبد الحميد الجابري سنة 1285. وفي غربيه سبيل صهريج يجري إليه الماء من هذا القسطل، وفي الجهة الجنوبية الشرقية من المحلة مدرسة تعرف بالظاهرية ذكرها ابن شداد في باب المدارس الشافعية في ظاهر حلب وقال أنشأها السلطان الملك الظاهر غياث الدين غازي صاحب حلب وانتهت عمارتها سنة 616 وشرطها للشافعية ووقف عليها نصف سوق الظاهرية شركة جقمق ولها غالب الجزء: 2 ¦ الصفحة: 225 قرية عين رزه من عمل الباب، وأنشأ إلى جانبها تربة أرصدها ليدفن فيها من يموت من الملوك والأمراء. هذه المدرسة حافلة جدا عظيمة الباب واسعة الرحاب شبيهة بالمدرسة السلطانية الكائنة تجاه باب القلعة كأنما أفرغتا في قالب واحد سوى أن السلطانية أصغر منها وفي شمالي صحنها حوض كبير جميل الصنعة لا يهتدي إلى تركيبه إلا الحذاق وفيها نحو عشرين حجرة للمجاورين ما بين عليا وسفلى وقبليتها طويلة عريضة ولها محراب جميل الصنعة تجاه قبليتها رواق عال وكلها متوهنة المباني وبعضها يسكنها بعض الفقراء والتربة التي في جانبها دثرت ولم يبق منها سوى محراب وصارت شبه دار يسكنها بعض الفقراء وكان يوجد قرب هذه المدرسة مسجد، ورباط، وتربة عمرت في أيام الملك الناصر يوسف ابن الملك العزيز كما يدل عليه كتابة على حجرة وجدتها مكسورة قطعتين مرصوفتين في عضادتي باب التربة الظاهرية وصورة الكتابة (بعد البسملة إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله واليوم الآخر وأقام الصلاة وآتى الزكاة ولم يخش إلّا الله) إلخ. عمر هذا المسجد المبارك والرباط والتربة المباركة في دولة مولانا السلطان ابن السلطان الملك الناصر أبي المحاسن يوسف أدام الله أيامه ونشر في الخافقين أعلامه على يد أضعف خلق الله تعالى وأحوجهم إلى مغفرة ربه الرحيم العبد الفقير إلى عفو ربه عبد الكريم عفا الله تعالى عنهم: وفي الجهة الغربية من المدرسة الظاهرية صهريجان يجري الماء إليهما من قسطل صديق أفندي المتقدم ذكره، وعلى غربي الجادة إيوان في صدره محراب مكتوب على أعلاه بعد البسملة إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله واليوم الآخر أنشأ هذا المكان الفقير لعفو الله على نية الصلاة وشرط أن لا يدفن في هذا الإيوان ميت ومن دفن ميتا كان خصمه الله وتم بتاريخ سنة 911 وفي شرقي الجادة سبيل صهريج مبني فوقه باب أنشأه الحاج ياسين ابن السيد أحمد جاسر سنة 1285. تنبيه: في هذه الحارة كثير من الترب والمدارس والمزارات فمن ذلك تربة ابن الصاحب بالقرب من الظاهرية من شماليها بينهما تربة بني سوادة وكانوا شيعة، وتربة ابن الصاحب أنشأها الأمير شهاب الدين أحمد بن يعقوب الصاحب والتربة القليجية وتربة شمس الدين ابن العجمي وتربة أيدمر الظاهري العزيزي الناصري والي حلب وقفها في ثاني شهر ربيع الأول سنة 618 ولها وقف بقرية دارة عزة، وتربة (موسى الحاجب) قرب باب المقام أنشأها موسى بن عبد الله الناصري في حدود سنة 750 وزاوية الحاج بلاط دوادار الحاج إينال الجزء: 2 ¦ الصفحة: 226 كافل حلب وهي زاوية وتربة ومدرسة وقف عليها ربع سوق الملح وربع قرية معرة دبسه ونصف باسوفان من جبل سمعان وحصة من النيرب قرب حلب، والخلاصة أن هذه المحلة كانت كثيرة المدارس والترب والمساجد والربط بحيث لا يخلو منها بقعة إلا وفيها أثر من ذلك غير أنه لم يبق من تلك الآثار سوى ما أفردناه بالذكر مع كونه مشرفا على الخراب والبقية خربت وخفي مكانها وصار في محلاتها بساتين الفستق والتين وكان كثير من تلك الترب مدافن لملوك حلب وأمرائها وحكامها حتى إني شاهدت عدة قبور في تلك البساتين أصحابها ملوك قد اتخذت معالف للدواب ومنها ما هو مطمور في التراب لا يظهر منه سوى قليل من نصباته ومنها ما اتخذ في جانبه مرحاض تتطرق إليه الأقذار ومنها ما نبت في حويضه شجرة فستق عظيمة ومنها ما هو في أرض قفراء تسفى عليه الرياح فسبحان من أسكنهم هذه القبور بعد القصور وحكم عليهم بالعدم وتفرد بالكبرياء والقدم وجعلهم عبرة لأولي الأبصار. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 227 محلة المعادي (خ) عدد بيوتها 109 الذكور/ الإناث/ المجموع/ الأقوام 444/441/885/كلهم مسلمون هي منفصلة عن البلدة واقعة تجاه باب المقام من ظاهره محاطة بالبرية. آثارها جامع المعادي في جنوبي باب المقام وهو جامعها الكبير له بابان أحدهما من شماليه والآخر من شرقيه وله منارة وفي صحنه حوض فوق عشر بعشر عمره الحاج (عبد القادر بن عمر بن سليم) وقبلية واسعة بالجملة لكنها دون كفاية أهل المحلة خصوصا في الجمعة والعيدين ويوجد وراء قبليته في جنوبيها ساحة مستطيلة في غربيها ثلاثة قبور وله وقف جزىء وفي جانب باب هذا الجامع من شرقيه باب مسدود عليه حجرة مكتوب فوقها «جدد هذا السبيل المبارك العبد الفقير إلى الله تعالى كمال الدين ابن الدغيم ووقف عليه جميع الدكان الكائنة في رأس سوق محلة القلعة المعروفة ... وجعل دخلها للقنوي سنة 904. تربة الشيخ علي شاتيلا هي تربة «خيري بك ابن عبد الله الجركسي» صحن واسع فيه عدة قبور من جملتها قبر الشيخ علي المجذوب والمعروف بشاتيلا وهي قبة عالية مبنية بالرخام الأصفر من غربيها شباكان مطلان على الطريق مكتوب فوقهما بعد البسملة «أنشأ هذه التربة المباركة المقر الأشرفي الكريم العالي المولوي الكافلي السيفي خاير بك الأشرفي كافل الممالك الحلبية الجزء: 2 ¦ الصفحة: 228 المحروسة أعز الله تعالى أنصاره بتاريخ شهر ربيع الأول عام 920» والشيخ علي شاتيلا المذكور مجذوب معتقد ينقل عنه عدة كرامات في حياته ومماته وقبره تجاه قبة التربة المذكورة في شماليها وكانت وفاته سنة 1163. المدرسة البولادية محلها الصف الموجه غربا من الجادة وهي الآن معطلة مائلة للدثور يسكن قبليتها بعض الفقراء. بقية آثار هذه المحلة سبيل صهريج في حضرة جامع المعادي أنشأه «الحاج علي ابن الحاج عبد الله بن محمد علي بيازيد» ، وسبيل الشاوي نسبة «لرجل من خيار أهل المحلة اسمه حسين بن محمد بن حسن الشاوي أنشأه سنة 1288» ، قسطل البولادية لصيقها من جنوبيها موجه غربا، وسبيل ملاصق تربة خيري بك من شرقيها موجه شرقا عمرته إحدى الخواتين سنة 1030، وفيها قهوة واحدة بحضرة جامعها ومن آثار هذه المحلة الخفية مغارة يهبط إليها من فوهة في جبانة الشعلة قرب قبر الشيخ قاسم الخاني في شمالي مقبرة السفيري إلى الشرق وهي مغارة شاسعة لا يكاد يدرك منتهاها وقد نزلناه وصحبنا معنا عدة مصابيح وسرنا فيها من شماليها حتى وصلنا إلى تحت دور حارة المعادي ووجدنا آبار الدور قد اخترقت سقفها ثم أرضها وثخانة سقفها نحو ثمانية أبواع ولما أدركنا العياء من كثرة سيرنا فيها عدنا لنخرج منها ونحن بضعة أشخاص منهم من نزل إليها مرارا فضللنا الطريق عدة مرات والظاهر أن هذه المغارة وما شاكلها من المغائر حارة المغاير كانت مقالع للحوار الذي كانت تبنى به مباني حلب كلها أو بعضها كما هو الحال الآن في مباني عينتاب وأورفه وغيرهما من البلاد التي كانت تتبع ولاية حلب والله أعلم. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 229 محلة جسر السلاحف وتعرف بالوراقة (خ) عدد بيوتها 70 يحدها قبلة حارة الكلاسة وشرقا حارة العقبة وشمالا حارة العينين وغربا نهر قويق عدد سكانها 545 منهم 281 ذكرا و 264 أنثى كلهم مسلمون وهي حارة معرضة للغرق حين طغيان نهر قويق وتمتد من باب الجنان إلى باب أنطاكية فالجهة الشرقية من هذه الجادة على ضفة النهر كلها خانات معدة لبيع الغلات وفيها يكون طاحون عريبة والغربية الكائنة على حافة النهر أيضا تشتمل على دور وحوانيت ولا آثار في هذه المحلة سوى مسجد واحد ويلحق بها مسجد في أواسط الجادة الممتدة من باب أنطاكية إلى جسر الدباغة على يسرة المتوجه إلى الجسر وهو من آثار المرحوم محمد باشا المعروف وقفه بإبراهيم خان وسنتكلم على هذا الوقف ويعرف الآن بمسجد الدباغة له منارة مربعة الشكل مبنية بالحجارة الهرقلية معطل عن الشعائر يسكنه بعض الفقراء ومسجد في قرب جسر الدباغة على طرفه الشرقي يعرف بمسجد أولاد أبي بكر له من الأوقاف كفايته وتصلى فيه السرية وكان يعرف بمسجد الفوعي فاضل غلة وقفه مشروطة للإشراف وسبيل في سوق باب أنطاكية تجاه حمام الويوضي وحمام الويوضي هذا جار نصفه في وقف جامع الزينبية الكائن في محلة الفرافرة وتقدم الكلام عليه قيل إن هذه المحلة كان فيها عدد كبير من المعامل التي تصنع الورق الذي كان لا يضاهيه في جودته ما يعمل منه في غير حلب كما يدل على ذلك وجود كتب مخطوطة قديمة اطلعنا عليها في بعض المكتبات الحلبية القديمة ولأجل هذا سميت هذه المحلة باسمها الحالي. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 230 محلة الشماعين (خ) عدد بيوتها 98 عدد سكانها الذكور/ الإناث/ المجموع/ الأقوام 359/245/604/المسلمون 16/21/37/الروم الكاثوليك 3/-/ 3/الأرمن الكاثوليك 17/13/30/الأرمن 1/-/-/ البروتستان 396/279/675/المجموع هذه المحلة غربي البلدة وراء نهر قويق يحدها قبلة حارة القوانصه وشرقا الكتاب وشمالا تربة الشيخ اللطيفي وغربا البرية والشماعون المضافة إليهم هذه المحلة جماعة كانوا يصنعون فيها الشمع الشحمي المشهور وفيها من الآثار جامع المطغاني وهو زاوية للشيخ محمد الأطغاني البسطامي بناها الخواجه حسين بن مصطفى وجماعة من التجار في حدود 700 وكان الأطغاني أولا يذكر مع جماعته في مسجد كان باتصال الزاوية وفي فتنة تيمور خرب بعض هذه الزاوية وسلمت قبتها فرمها الخواجه عبد الرحمن البلدي وعمر بها إيوانا ودخل نصف المسجد الذي كان يذكر فيه الشيخ أولا في هذا الإيوان ونصفه خارج الإيوان من جهة التربة والزاوية مختصة بجماعة الطريقة البسطامية وكان يتصدى فيها للإرشاد الشيخ حسين البسطامي تلميذ عبد الله البسطامي أحد مشاهير الزهاد. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 231 بقية آثارها جامع الصفي: في بستان الشهبندر لا أثر له وكان هذا البستان من أوقاف خالصه عثمان فدخل بما فيه تحت يد أحد أغنياء اليهود بطريق الأجارتين وفي هذه المحلة قسطل واحد يعرف بقسطل الشربجي يهبط إليه ببضع عشرة دركة ويلحق بهذه المحلة خانقاه كانت تعرف بالسحلولية لا أثر لها الآن كان محلها على شاطىء نهر قويق قرب بستان حجازي أنشأها رجل يدعى الشقيره من مباشري حلب جعلها منتزها ولم يقفها فوصلت إلى كافل حماة الأسعردي فوقفها على عبد الرحمن بن سحلول وبنى محرابا وجعل لها خلاوي برسم الفقراء وأقام لها منارة وشرط لها مدرسا على المذهب الشافعي وكان ابن سحلول المذكور أميرا رئيسا توفى سنة 782 ودفن خارج الخانقاه وكان من جملة أوقافها حصة بقرية كفر متعلا وحصة بحمام أنطاكية وحصة بخان خارج باب أنطاكية بحلب وكانت هذه الخانقاه مشهورة في وقتها بالانتظام واطعام الطعام والعلماء والأفاضل يقصدون زيارة مشايخها لطلاقة أيديهم وحسن مكانتهم ولم تزل كذلك إلى أن كانت حادثة تيمور لنك فهدمت وتفرقت حجارتها وأصبحت أثرا بعد عين. ومن الأماكن الملحقة بهذه المحلة أيضا زاوية الشيخ خضر تجاه بستان الكتاب من شماليه الغربي في جنوبي بستان إبراهيم آغا لا أثر لها الآن أنشأها الرئيس بدر الدين بن زهره منتزها وحين عمارتها أخرج من أرضها أمواتا منهم امرأة بنقشها لأنها كانت مقبرة فرفع فيه قصة منظومة على لسان الأموات إلى السلطان ثم انتقلت بعد ذلك إلى العجمي زين الدين ثم اغتصبها منه جلبان كافل حلب وجعلها زاوية في حدود سنة 770 وشرطها للأحمدية والأدهمية بشرط أن يضاف من نزلها من الطوائف الثلاث ثلاثة أيام وكانت زاوية حافلة بها حوض ليس في حلب مثله في السعة ثم تشعثت في حادثة تيمور فرمها إقباي مملوك المؤيد ووقف عليها وقفا في أنطاكية ثم تقلبت عليها الأيام واستعملت تكية للسادة المولوية واستمرت كذلك إلى حدود الألف وحينئذ أعتيض عنها بتكية المولوية الحاضرة ومن ذلك الوقت أخذت بالخراب ونقلت حجارتها شيئا فشيئا حتى غابت أطلالها. وفي (سنة 1312) قام النزاع بين شيخ المولوية وبين متولي المدرسة الرضائية في أرضها كل يدّعي إنها من جملة أوقافه ثم انتهى النزاع بدخولها إلى يد متولي الرضائية وقد حكر الجزء: 2 ¦ الصفحة: 232 بعضها إلى أحد تجار اليهود وبنى فيه دارا جميلة ويلحق بهذه المحلة أيضا خانقاه الدورية قرب الزاوية المتقدم ذكرها على شاطىء نهر قويق تجاه الناعورة وكانت لطيفة مفروشة بالرخام ولها مناظر على نهر قويق وهي مما لا أثر له الآن أنشأها الخواجه شمس الدين محمد بن جمال الدين يوسف الشهير بالدوري أحد أفراد التجار بحلب في القرن الثامن ووقفها على ولي الله شمس الدين والأطغاني وعلى من يخلفه بعده ووقف عليها والد الواقف وقفا يقوم بكفايتها. بقية آثار المحلة كان بقرب هذه الخانقاه، قرب المقبرة، مسجد تسكنه الطائفة الأدهمية لا أثر له الآن وكان على باب هذا المسجد عمارة فيها بئر يستقي منها الناس لا أثر لها الآن. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 233 محلة العينين (خ) عدد بيوتها2 G 05 يحدها قبلة بستان الكشيفي وشرقا نهر قويق وتمامه البساتين وشمالا نهر قويق وغربا حارة القوانصه ويقال أن العينين محرفة عن العنين وقيل عن عينين من الماء كانتا في هذه المحلة، عدد سكانها: الذكور/ الإناث/ المجموع/ الأقوام 756/808/1564/المسلمون 6/2/8/الروم الكاثوليك 49/50/99/الروم 1/4/5/الموارنة 812/764/1676/المجموع آثارها جامع الشيخ طوغان على الجادة ومسجد الشيخ إسكندر والمسجد الجديد قربه ومسجد على رأس باب الجنان على يسرة الداخل إلى البلدة وهو زاوية للقادرية تنسب إلى الأمير جلبان أنشأها في حدود 770 وقسطل زعيبان في سوق هذه المحلة ولكل أثر منها من الأوقاف ما يقوم بضرورياته وحمام طوغان قرب جسر باب الجنان وكان وقفا على جامع المهمندار وعدة خانات معدة لربط الدواب وبيع الخضر والبقول ومال القبان ويلحق بهذه المحلة تكية الطريقة المولوية المعروفة باسم مولى خان نسبة إلى عظيم أساتذتها مولانا جلال الدين الرومي صاحب كتاب المثنوي ابن بهاء الدين البلخي الصديقي النسب وهو ابن أخت السلطان علاء الدين محمد خوارزمشاه الذي ورد ذكره في كلامنا على أسباب قيام جنكز خان على الإسلام. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 234 هذه التكية خارج باب الفرج على يسرة الجادة الكبرى الآخذة منه إلى نهر قويق وهي من أعظم تكايا الطريقة المولوية وأجملها موقعا وأنزهها منظرا وأمتنها بناء وأوسعها فناء وأكثرها أوقافا وهي تشتمل على خلوات سفلى قديمة يسكنها الأستاذ والدراويش وعليا حديثة تسكنها أسرة الأستاذ أنشأها أستاذها السابق عامل جلبي وفي جهتها الموجهة إلى الجنوب سبيل ماء تشرب منه المارة من خارجها وله مدخل على يمين الداخل إليها من بابها وباتصال السبيل في أعلاه غرف معدة لجلوس الأستاذ وضيوفه أنشأها عامل جلبي المذكور وفي جهتها الموجهة إلى الغرب عمارة قديمة كانت مطبخا للدراويش ومكانا يعرف باصطلاحهم باسم ميدان أو باسم سماحخانه يقام فيه السماح المعروف عند الناس باسم الفتلة اتخذ هذا المكان عامل جلبي سنة 1315 مسجدا جامعا وفي جنوبي جهتها الموجهة إلى الشمال مقبرة فسيحة فيها عدة أضرحة لأساتذة الطريقة ووجهاء الموظفين في الحكومة ويلي هذه المقبرة من غربيها الميدان الكبير الذي أنشأه عبد الغني دده في حدود سنة 1250 أنفق عليه مبلغا عظيما جمعه باسم إعانة من وجهاء الدولة العثمانية وعظمائها في إستانبول وهو ميدان حافل عظيم يشتمل على مصلى ومحل سماح ومقاصير عليا بعضها مستور يجلس فيه النساء للنظارة إلى السماح وفي جنوبي الميدان إلى الشرق حجرة فيها مكتبة التكية وضريح عبد الغني دده ونائبه يمن أفندي وفي غربي الميدان خارجا عنه عمارة تعرف بالمطبخ أنشأها عامل جلبي في حدود سنة 1320 وفي جهة الصحن إلى الجنوب دكة مرخمة للصلاة في صدرها سلسبيل حسن المنظر بديع الصنعة ينحدر منه الماء إلى مجرى لطيف يصب في حوض مكشوف تجاه الدكة مساحته أكثر من عشرة أذرع في مثلها كان الماء يجري إلى هذا السلسبيل من ساقية يصب فيها الماء من ناعورة كانت في غربي التكية أحدثها على نهر قويق أحد أساتذة التكية مضاهاة لناعورة كانت ترفع الماء قديما من هذا النهر إلى الخانقاه الخضرية التي أسلفنا الكلام عليها في محلة الشماعين ثم في حدود سنة 1320 تحطمت الناعورة وأبطلت وأعتيض عنها بدولاب في أواسط صحن التكية تديره دابة ويجري ماؤه إلى الحوض المذكور وباقي مرافق التكية وفي سنة 1339 هدمت إدارة الأمور الصحية هذا الحوض دفعا للتلويث وأعتيض عنه بحوض مستور يأخذ المتوضؤون ماءه من مباذل في أسفله وبحوض آخر مثله قرب الدولاب: باقي سماوي التكية حديقتان فيهما أنواع الأزهار والأشجار. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 235 والمفهوم من كتاب سفينة الطائفة المولوية التركي العبارة أن الذي أنشأ هذه التكية اثنان ميرزا فولاد وميرزا علوان وهما فارسيان من وجهاء أتباع إسماعيل شاه الصفوي الذي كان السلطان سليم العثماني حاربه وكسر جيشه فهرب المذكوران من الشاه ولا ذا بالسلطان وتوطنا حلب وسلكا طريقة أهل السنة وكأنهما تأكيدا لبراءتهما من التشيع لازما أحد مشايخ الطريقة المولوية المعروف باسم سلطان ديوان محمد أفندي وأخذا عنه هذه الطريقة وعمرا بالاشتراك هذه التكية من مالهما وكان في محلها تل من التراب حوله عرصات فسيحة اشترياها من ذويها ووقفاها على التكية ثم سعيا لدى الأستاذ الكبير على هذه الطريقة القاطن في مدينة قونيه المعروف بملا خوند كار بتعيين أحمد مقري دده أستاذا لهذه التكية وهو كلزي الأصل وكان من مريدي الشيخ (أحمد القاري) ، حكي عنه في كتاب سماع خانه أدب التركي العبارة أنه كان من شعراء أساتذة هذه الطريقة وأنه كان في مبدأ أمره من كبار أغنياء مدينة كلز ففرق أمواله على الفقراء وتجرد عن الدنيا وسلك هذه الطريقة. وقد اطلعت على رقعة مستخرجة من سجل هذه التكية ذكر فيها أسماء من تصدى لمشيختها منذ تأسيسها حتى الآن فقال: كان أستاذها سنة 937 مقري أحمد دده وسنة 994 شاطر دده وسنة 1062 حسن دده وسنة 1065 حسن دده الآخر وسنة 1120 موسى دده المدفون في مدخل بابها الحالي وسنة 1126 عمر دده ابن عثمان بن محمد حسام الدين المولوي وسنة 1139 محمد دده وسنة 1134 حسن دده الآخر وسنة 1172 مصطفى دده وسنة 1187 محمد علي دده (جد أساتذة تكية الشيخ أبي بكر الوفائي) وسنة 1219 (عبد الغني دده) وسنة 1298 واجد دده وسنة 1309 عامل جلبي وسنة 1326 سعد الدين جلبي وسنة 1327 أحمد رامز دده وسنة 1338 سعد الدين جلبي أستاذها الحالي. تنبيه: هذه الطريقة تسمى الطريقة الصديقية نسبة إلى أبي بكر الصديق رضي الله عنه مؤسسها بهاء الدين البلخي المتقدم ذكره ولعل غرضه من تأسيسها كان مبنيا على مضاهاة الطريقة القلندرية وغيرها من الطرائق التي ابتدعها طوائف الشيعة باسم سيدنا علي بن أبي طالب رضي الله عنه ولما انتقل بهاء الدين إلى قونية وحظي عند الدولة السلجوقية على ما حكيناه في أخبار جنكز خان السلطان بنى له علاء الدين السلجوقي التكية المشهورة في قونية وكثرت أتباعه ومريدوه ولما ترعرع ولده مولانا جلال الدين الرومي صاحب كتاب الجزء: 2 ¦ الصفحة: 236 المثنوي الشهير ازداد إقبال الناس عليه وعظم اعتقادهم به وصار هو صاحب الحل والعقد في الدولة السلجوقية. ولما مات علاء الدين السلجوقي عن غير وارث يصلح للقيام بالسلطنة بعده نادى جلال الدين باسم الأمير عثمان الغازي الذي تنتسب إليه أسرة الملوك العثمانيين فسلطنه وقلده بيده سيف السلطنة وصار ذلك سنة متبعة في ملوك آل عثمان كل من تولى منهم السلطنة يقلده سيفها خليفة هذه الطريقة إلى أن أبطلها المرحوم السلطان عبد الحميد خان الثاني ومن ذلك الوقت صار يسمى كل واحد من خلفاء جلال الدين ملا خوند كار أي شيخ السلطان: هذه الطريقة لم تعرف في حلب إلا بعد استيلاء الدولة العثمانية عليها وهي تضارع من بعض الوجوه الرهبانية لأن من أصولها وحدة حال مريديها وانقطاعهم إلى العبادة وشدة الفناء في الله والتواضع والخضوع المفرط ولا سيما إلى أساتذتهم وهم يسمون دراويش واحدهم درويش تحريف در بيش كلمة مركبة من در (في) وبيش (طرف) والمراد منهما المنزوون إلى طرف ولهذا ترى تكاياهم في معتزل عن الناس خارج البلدة كالأديرة: على أن الكثير منها كان سببا لتشريف البقاع التي تكون في جوارها فتنشأ العمارات وتعود مأنوسة بالناس هذه الطريقة لو أضيف إلى أصولها بعض تعاليم علمية فيستفيد منهم العالم الإسلامي فوائد يضيق المقام عن بيانها:. اه. الكلام على محلة العينين. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 237 محلة القوانصة (خ) عدد بيوتها 144 هذه المحلة يحدها قبلة جنينة العودي الجارية في أوقاف الحاج موسى الأميري وشرقا السوق الفاصل بينها وبين محلة العينين وشمالا المشارقة. عدد نفوسها: الذكور/ الإناث/ المجموع/ الأقوام 585/631/1216/مسلمون آثارها جامع الشيخ جلال الدين وقسطله في السوق ولهما من الأوقاف ما يقوم بضرورياتهما ليس إلّا. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 238 محلة المشارقة (خ) عدد بيوتها 83 قبلة جنينة العودي المتقدم ذكرها. وشرقا محلة القوانصة. وشمالا الطريق السالك المؤدي إلى حارة الجميلية وغربا أرض جارية في وقف جامع البواكب وتعرف بأرض البيدر، عدد نفوسها: الذكور 390 والإناث 374 فالمجموع 764 نسمة كلهم مسلمون من جملة سكان هذه المحلة جماعة يعانون سياسة القرود والأدباب والحمير والماعز ويعلمونها بعض الألعاب للأسترزاق. آثارها جامع البواكب، ومسجد الشيخ عثمان وفيه زيارته، زيارة سري الدين الأسدي وهي من الآثار العامرة في أيام دولة الأتراك وسري الدين هذا هو غير سري الدين السقطي المشهور. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 239 محلة الكتّاب يحدها قبلة حارة الشماعين وشرقا نهر القويق وشمالا كذلك وغربا البرية. عدد نفوسها: الذكور/ الإناث/ المجموع/ الأقوام 30/21/51/المسلمون 6/-/ 6/الروم الكاثوليك 8/8/16/الأرمن الكاثوليك 4/2/6/الأرمن 14/10/24/اللاتين 5/2/7/الكلدان 4/-/ 4/السريان 11/9/20/الموارنة 82/52/134/المجموع لا يوجد فيها من الآثار سوى كنيسة تابعة الرهبنة الفرنسيسكانية لأنها محلة غير قديمة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 240 الجميلية (خ) عدد بيوتها2 G 20 عدد سكانها الذكور/ الإناث/ المجموع/ الأقوام 523/270/253/المسلمون 1332/700/632/اليهود 65/35/30/الروم الكاثوليك 8/5/3/الأرمن الكاثوليك 28/15/13/السريان الكاثوليك 7/6/1/الروم 17/12/5/الأرمن 14/8/6/الموارنة 3/2/1/اللاتين 1/-/ 1/البروتستان 450/-/ 450/الأجانب 340/-/ 340/مهاجرو ماردين 2788/1053/1735/المجموع هذه الخطة أسست سنة 1300 وعرفت بالجميلية نسبة إلى المرحوم جميل باشا الذي أسست في أيامه واسمها في سجلات الحكومة (سليمية) نسبة إلى سليم أفندي ابن السلطان عبد الحميد خان ثاني. أول بناء أسس في هذه الخطة المكتب الإعدادي المعروف الآن بالمكتب السلطاني ثم بنى فيها جميل باشا قصره تجاه دار المعلمات الكائنة في جنينة بيت الجزء: 2 ¦ الصفحة: 241 الناقوس وهو أول قصر بني في هذه الخطة والقصر الثاني قصر المرحوم علي باشا المشتمل على حديقة واسعة تجاه المكتب السلطاني في شماليه ثم تتابعت المباني والقصور حتى بلغت الآن العدد الذي ذكرناه وأصبحت هذه الخطة من أجمل محلات حلب وأوسعها شوارع ومهايع وأجودها هواء وبناء. تعتبر أرضها من شماليها من خط النصيبي ومن قبليها من أرض الحلبة بفتح الحاء التي تسمى أيضا أرض العقيقة لاحمرار تربتها أو لأن الشقيق يغلب على نباتها أيام الربيع فتبدو للعين من بعد كأنها قطعة عقيق حمراء وهي واقعة غربي مدينة حلب في واد وراء جبل الجوشن وجبل قطيش من شرقيهما يحدها قبلة نهر الفيض وغربا الجبلان المذكوران وشمالا الجادة الكبرى الآخذة إلى محطة الشام. والمفهوم من كتب التواريخ الحلبية وبعض قصائد أبي الطيب المتنبي أن قصر سيف الدولة ابن حمدان كان في هذه الأرض وإن قسما عظيما منها كان مشتملا على عدة مدارس وحمامات ومنازل مما لم يبق له أثر ولا يدل عينه خبر وإن هذا الوادي سمي أرض الحلبة لأن سيف الدولة كان يجري فيه سباق الخيل. ماء هذه المحلة فيه ملوحة يسيرة وبعض أجزاء من تراكيب الحديد وفي كثير من بيوتها صهاريج يجمع فيها الماء من المطر. وكلما اقتربت إلى جهتها الجنوبية كانت الآبار فيها عميقة وربما صادف البئر بقعة صخرية لا يتوصل فيها إلى منبع الماء إلا بعد مشقة وصرف مبلغ يربو على مائة ذهب عثماني. وعمق البئر يتراوح بين عشرة أبواع إلى عشرين باعا. كانت هذه المحلة في نشأتها الأولى أيام دولة السلطان عبد الحميد خان ثاني مختصة بسكنى الأغراب من الموظفين بالحكومة والمنفيين من قبل هذا السلطان، وكان الحلبيون يتحامون السكنى فيها للخوف من اللصوص لبعدها وانقطاعها عن المدينة. وبعد الانقلاب الدستوري العثماني وإطلاق سراح المنفيين تهافت الحلبيون على السكنى فيها لزوال الخوف بسبب اتصالها بالبلدة ولبناء مخفر فيها للشرطة. وكان الذراع المربع من أرض هذه المحلة يباع بقرش إلى عشرة قروش على تقدير الذهب العثماني بمائة وخمسة وعشرين قرشا فصار الآن يباع من نصف ذهب إلى ذهب تام أكبر آفات هذه المحلة كثرة البعوض المنبعث عن الكنف «1» إذ لا مصارف جارية لقاذوراتها ولأن قسم الفيض من نهر قويق ينقطع عنه الماء في أواخر فصل الربيع فيبقى مستنقعا ينشأ منه البعوض. أما آثار هذه المحلة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 242 فهي المكتب الإعدادي الذي أسس فيها سنة 1300 وانتهت عمارته سنة 1316 وهو مكتب عظيم لا يضاهيه في البلاد العثمانية غير إستانبول مكتب بسعته وكثرة غرفه وحسن هندامه وانتظامه أحاط به من جهاته الثلاث فسحات عظيمة منها ما هو بستان يسقى من دولابه معد لزرع الخضر والبقول ومنها ما هو ميدان يقيم فيه التلامذة ألعابا ترييضية. مساحة عرصته تزيد على ستين ألف ذراع مربع وهي محتكرة من وقف المدرسة الرضائية المعروفة بالعثمانية تدفع عنها جهة المعارف إلى متولي المدرسة مؤجلة مبلغا معلوما. وقد بلغت النفقة على بنائه زهاء عشرين ألف ذهب عثماني في تلك الأيام لا جرم أن لو كان بناؤه في هذه الأيام لبلغت ثمانين ألف ذهب. إدارة هذا المكتب ومكتب دار المعلمين والمعلمات الآتي ذكره واحدة وتلامذتهما ذكورا وإناثا يبلغ عددهم أربعمائة منهم ثمانون تلميذا ليليون والباقون نهاريون فالليليون من طلبة المكتب الإعدادي يقدم لهم طعام الفطور والغداء والعشاء ويؤخذ من واحدهم في السنة سبعة آلاف وخمسمائة قرش على حساب الذهب العثماني مائتين وثمانين قرشا ومنهم من لا يؤخذ منه شيء إذا كان فقيرا والنهاريون يقدم لهم طعام الغداء فقط ويؤخذ من واحدهم في السنة خمسمائة قرش والفقير منهم يقبل مجانا، وهو يقبل طلبة الملل الثلاث غير أن طلبة المسلمين فيه أكثر من غيرهم. وهو معدود من المكاتب الثانوية التجهيزية فالعلوم التي تقرأ فيه هي العلوم التي تقرأ في تلك المكاتب. وهو مكتب ناجح منتظم الأحوال سيما في أيام نظارة مفتش المعارف الشاب النجيب النبيه الأديب جميل بك ابن العالم العامل الشيخ عبد القادر الشهير بالدهان. كما أن مدير هذا المكتب السيد الماجد توفيق بك آل الجابري حقيق بالثناء الجزيل لما يبديه من العناية والاهتمام في ترقية هذا المكتب وتحسين أحواله. ومن الآثار العظيمة المستحدثة في هذه المحلة جامع الحميدي أنشأه المغفور له السيد (عبد الرحمن زكي باشا آل المدرس) وهو جامع حافل على طراز جامع المدرسة الرضائية إلا أنه أصغر منه وأنشأ في صحنه بعض حجرات لإقامة أرباب الشعائر وعمل له منبرا لإقامة صلاة الجمعة والعيدين غير أن هذا المنبر بقي معطلا بلا خطيب الجزء: 2 ¦ الصفحة: 243 مدة إحدى عشرة سنة لعدم صدور الإذن السلطاني بالخطبة فيه جريا على ما كان معتادا عليه السلطان عبد الحميد من عدم إعطاء الإذن بالخطب الدينية على المنابر المستحدثة إلى أن كتب عبد الرحمن زكي باشا الواقف المشار إليه إلى السيد الفاضل محمد بهاء الدين بك الأميري يلتمس منه السعي بالحصول على إذن سلطاني بالخطبة في جامعه المذكور وكان محمد بهاء الدين بك أحد المبعوثين عن حلب في إستانبول فسعى بذلك وحصل على إرادة سلطانية بإقامة الخطبة في هذا الجامع. وكان أخي بشير هو الذي عينه الواقف خطيبا فيه فخطب مدة ثم أنابني عنه فقمت بالخطبة مدة ثم تركتها لبعد الجامع فوكل غيري ولم تزل الخطبة وبقية الشعائر تقام فيه. ولما عزم الواقف على تسجيل وقف هذا الجامع كلفني إنشاء خطبة لكتاب هذا الوقف فقلت بعد البسملة حمدا لمن وقف أهل السبق في عنايته على شروط محبته وولائه. وألهمهم العمل بمقتضاها فحازوا شرف قربه واصطفائه. وأمدهم بالتوفيق فانتهجوا مناهج أحبابه وأوليائه. وأعد لهم الهداية إلى سواء الطريق فابتهجوا بالوقوف على مجالي جلاله وبهائه. أولئك الذين أدناهم مولاهم إلى حضرته. وأولاهم ما أولاهم من رضائه وخيرته. وسجل ما وقفوه من الإخلاص على مرضاته في ديوان أهل ولايته وصفوته. فنالوا منه العطاء الأوسع. ونزلوا من حظائر قدسه المحل الأرفع. حيث بسط لهم الدنيا موائد نعمته. ومهد للقائهم في الآخرى مهاد كرامته ورحمته. فعاشوا مغتبطين بفضل هباته. وقضوا فائزين بمشاهدة كريم ذاته. لا يحزنهم الفزع الأكبر يوم القيامة: ولا تلحقهم فيه حسرة ولا ندامة. وصلاة وسلاما على الشافع المشفع. المنزل عليه في محكم الذكر في بيوت أذن الله أن ترفع. القائل لما أسس مسجده الأنوار. هذا الحمال لا جمال خيبر. هذا أبر ربنا وأطهر. وعلى آله بدور التمام. ومصابيح الظلام. وأصحابه الأعلام هداة الأنام. وحفظة الأحكام. وقدوة الحكام. وسلم تسليما كثيرا: أما بعد فإن إنشاء مساجد المسلمين. ومعابد الموحدين من أسنى ما يتقرب به المتقربون. وأسمى ما يتوصل بواسطته المتوصلون. كيف لا وهي الأماكن المطهّرة. والبقاع المقدسة المنورة. التي يوجه بها المصلى وجهة قصده مخلصا إلى مولى الملك والملكوت صاحب العزة والكبرياء والجبروت فيؤدي فيها الصلاة التي هي مفتاح الفلاح وعنوان النجاح وتنويها بعظيم فضل عمار المساجد. الذين أخلصوا لله المآرب والمقاصد. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 244 أنزل الله في كتابه العزيز والذهب الإبريز على قلب إمام المرسلين وسيد الأولين والآخرين إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله واليوم الآخر وأقام الصلاة وآتى الزكاة ولم يخش إلا الله فعسى أولئك أن يكونوا من المهتدين. وقال السيد الأعظم والكنز المطلسم نبينا محمد صلى الله عليه وسلم من بنى مسجدا يبتغي به وجه الله بنى الله له بيتا في الجنة. وقال سيد الأنام عليه الصلاة والسلام من بنى مسجدا ولو كمفحص قطاة بنى الله له بيتا في الجنة إلخ وقف عبد الرحمن زكي باشا في هذا الكتاب جميع بناء الجامع على عرصة محتكرة من وقف جامع بواكب مساحتها 1460 ذراعا مربعا أجرتها المؤجلة السنوية 73 قرشا يشتمل هذا الجامع على قبلية وعلى رواق ومنارة وثلاث حجرات صغيرة ورابعة كبيرة تعلم فيها الأطفال وقسطل يملأ من جب بواسطة مضخة وعلى ثلاث أخلية وفي جانب هذا الجامع سبيل يملأ من ماء المطر حد ذلك قبلة طريق عام وإليه الباب الصغير أحد بابي الجامع وشرقا طريق وإليه باب الجامع وباب السبيل وغربا العرصة الجارية باستحكار الواقف ووقف عليه أبنية أربع دور متصلات ببعضها قرب الجامع من قبليه حدها قبلة جنينة موقوفة على الجامع أيضا وشرقا طريق سالك وغربا دار جارية بملك أحمد بك أخي الواقف وشمالا طريق سالك ودارا في هذه المحلة أيضا حدها قبلة عرصة جارية باستحكار الواقف وشرقا العرصة المتقدم ذكرها وشمالا دار شاكر أفندي الجراح وغربا طريق سالك وبناء وغراس الجنينة التي تقدم ذكرها وإصطبلا في جوارها. شروطه شرط هذا الوقف لنفسه مدة حياته ثم من بعده فعلى الجامع على أن يبدأ المتولي عليه بتعميره وترميمه بعد دفع الأحكار وما فضل بعد ذلك يدفع في كل شهر 150 قرشا للإمام في جامعه و 120 لمؤذن فيه حسن الصوت و 50 لخطيبه و 120 لخادمه وبوابه و 50 لمعلم أطفال في مكتبه و 20 لقارىء سورة الكهف على سدة القبلية جهرا قبل صلاة الجمعة و 20 لقارىء دلائل الخيرات ومشارق الأنوار يوم الجمعة في أي مكان تيسر وأن يشتري المتولي القدر الكافي من الزيت والقناديل والبسط والأباريق وباقي اللوازم و 130 قرشا كل شهر يأخذها المتولي لنفسه وفي كل سنة 500 قرش يشتري بها المتولي خاما وطرابيش ونعالا يفرقها على فقراء أيتام مكتبه فإن لم يوجد فيه يتيم فقير يصرف هذا المبلغ لفقراء أرحام الواقف وما فضل بعد ذلك من الغلة يشتري به عقار أو تبنى به الجنينة ويلحق ذلك الجزء: 2 ¦ الصفحة: 245 بالوقف وشرط تولية وقفه هذا لنفسه مدة حياته ثم من بعده فعلى ابنه محمد فؤاد بك ثم من بعده فعلى ما سيحدثه الله للواقف من الأولاد ثم من بعدهم فعلى الأرشد فالأرشد من أولاد أولاد الواقف الذكور المتولدين من الظهور ثم على الأرشد فالأرشد من أولاد أولاد إلخ تاريخ الكتاب 18 ذي العقدة سنة 1318 ومن الآثار العظيمة المستحدثة في هذه الخطة مستشفى مار لويس أحد ملوك فرنسا أسسته رهبنة مار يوسف في حدود سنة 1325 وقبل أن يتم بناؤه حدثت الحرب العامة فوضعت العسكرية التركية يدها عليه وأتمت فيه بناء عدة جهات واستخدمته في مصالحها ولما انتهت الحرب عاد إلى تصرف الرهبنة المذكورة فأتمت نواقصه واستعملته فيما بني من أجله. محله في شمالي الجامع الحميدي على مقربة منه وهو مستشفى عظيم لا نظير له في ديارنا بعد مستشفى الرمضانية العسكري والدخول إليه بأجرة زهيدة والفقراء يدخلون إليه مجانا وفيه أطباء وجراحون ماهرون. ومن الآثار في هذه المحلة أيضا: محطة السكة الحديدية المعروفة بمحطة الشام محلها في غربي هذه الخطة تمتد من الجنوب إلى الشمال مسافة كيلومتر وراء جبل قطيش المتصل بجبل الجوشن من شماليه وهي محطة عظيمة ذات غرف ومقاصير وأبهاء وأهراء ومعامل ومصانع قد أنبض فيها بئر واسعة ماؤها النبع على أحسن ما يكون من العذوبة والصفاء. هذه المحطة هي السبب الأعظم في ترقي قيم الأرض في محلة الجميلية وإقبال الناس على تعمير المنازل فيها. وكانت الجهات القريبة منها قفرا منقطعا يلجأ إليه اللصوص ويباع الجريب منها المساوي 1600 ذراع مربع بخمسمائة قرش. أما الآن فإن الذراع المربع الواحد يباع في قرب المحطة بذهب عثماني إلى خمس ذهبات. وقد تكلمنا على تأسيس هذه المحطة في حوادث سنة 1323 وسنة 1324 فراجعها. ومن الآثار المستحدثة في هذه المحلة: مكتب دار المعلمات محله في جنينة بيت الناقوس تجاه قصر جميل باشا كانت أنشأتها البلدية لسكنى ولاة حلب في حدود سنة 1311 وهي دار عظيمة ذات طبقات عليا وسفلى مشتملة على حمام لطيف قد أحاط بها حديقة فسيحة وكان ولاة حلب أيام الدولة العثمانية يسكنون فيها بأجرة زهيدة يدفعونها إلى جهة البلدية لكن يكلفونها من الإصلاحات ما تزيد نفقته على أجرتها أضعافا مضاعفة. ثم في أيام الحرب العامة اشترتها جهة العسكرية من البلدية وتنازلت بها إلى المعارف فجعلتها دار معلمات الجزء: 2 ¦ الصفحة: 246 باسم سليمان الحلبي وهي ما زالت دار معلمات حتى الآن تحت إدارة مدير المكتب السلطاني. ومن الآثار في هذه المحلة: الميتم الإسلامي. محله في جنوبي دار المعلمات في دار بيت الناقوس جار في تصرف البلدية وكان افتتاحه في غير هذا المحل سنة 1336 تجمع له النفقات من أهل الخير ثم في سنة 1339 نقل إلى هذا المحل وخصص له مبلغ من صندوق البلدية وآخر من صندوق الحكومة وله مدير ولجنة خصوصية تقوم بتدبير شؤونه وجمع باقي نفقاته من الفطرة وجلود الأضاحي وما تسمح به نفوس أهل الخير. عدد الأيتام فيه 180 يتيما يقدم لهم الطعام والكسوة والفرش للمنامة ويعلمون فيه مبادئ الكتابة والحساب والأخلاق والآداب والعلوم الدينية والعربية. ومن الآثار الجاري إنشاؤها في هذه المحلة كنيسة لليهود عمر منها قسم صغير وفي عزمهم أن يتوسعوا بتعميرها تدريجا والنفقات عليها تجمع من الطائفة الموسوية وستكون بعد انتهاء عمارتها كنيسة حافلة. وللموسويين في هذه المحلة خمسة منازل اتخذت كنائس وقتيا يقيمون فيها شعائر دينهم. وفيها منزل مستأجر مستعمل فرعا من مدرسة إليانس التي تقوم بإسعافها وإكمال نفقاتها جمعية حبراه في باريس وهي مدرسة ناحجة محلها في المدينة منازل تستأجرها لها مفتوحة أبوابها للملل الثلاث إلا أن أكثر تلامذتها موسويون ثم مسلمون وأحسن ما يبرع به طلبتها اللغة الفرنسية وهي نهارية فقط لا طعام فيها تأخذ من التلامذة أجرة زهيدة والفقير منهم تقبله مجانا يزيد عدد طلبتها الذكور والإناث في جميع فروعها على خمسمائة طالب وطالبة. تنبيه: في هذه المحلة خان جار في تصرف بيت نحمات أحد وجهاء اليهود وهو خان كبير مشتمل على أروقة عظيمة ومخازن واسعة وسماوي فسيح كان بناؤه سنة 1300 وكان مشتركا بين (حسام الدين أفندي القدسي) وبين الخواجه عزرا نحمات ثم اختص به عزرا وحده. وفي هذه المحلة ثلاثة أفران ويعمر فيها الآن فرن رابع. والأسر الشهيرة في هذه المحلة بعض أسرة آل الجابري وآل المدرس والجزماتي وميسر وفنصة من الأسر الإسلامية وآل كوهن ونحمات وصفرا وساسون وديان وشعيو وشماع ودويك وجمال وشامه وشلم وبيجوتو وبيجو من الأسر الموسوية. والدور العظام في هذه المحلة هي دور هذه الأسر. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 247 محلة قارلق (خ) عدد بيوتها2 G 25 هذه المحلة في شرقي البلدة خارج باب بنقوسا يحدّها قبلة حارة تاتارلر «1» والفرايين التحتاني وغربا الدلالين وشمالا برية الصفا وشرقا البرية. وكلمة قارلق تركية معناها المثلجة فكأن موضعها كانت تعمل فيها المثالج وسكانها 2368 منهم 1106 ذكور و 1264 إناث كلهم مسلمون. آثارها جامع قارلق فسيح عامر في جنوبي صحنه قبلية جميلة جددت سنة 1307 وفي غربي القبلية زاوية أنشأها أحد أغنياء المحلة سنة 1207 وفي شرقي الشمالي من الصحن قسطل عميق واسع يجري ماؤه دائما. وفي غربي الشمالي منارة جميلة المنظر في أسفلها حجر مكتوب في بعد البسملة (أنشأ هذا الجامع المبارك العبد الفقير إلى رحمة ربه القدير الأمير سيف الدين اسم بك أمير دوا دار المقام العالي المولوي المخدومي السيفي ... كافل المملكة الحلبية المحروسة في غرة صفر الخير من شهور سنة إحدى وسبعين وسبعمائة) يقال إن الذي أنشأ الجامع اسم بك المذكور والذي عمر المنارة أخوه أسن بك ولهذا الجامع من الأوقاف ما تبلغ غلته نحو عشرين ألف قرش سنويا. بقية آثارها مسجد الطيبي في الزقاق المنسوب إليه، زاوية الحربلي في زقاق الشيخ على ابن الشيخ أحمد الحربلي أنشأها سنة 1312 الشيخ علي المذكور. زاوية الشيخ طه بطيخ أنشئت في الجزء: 2 ¦ الصفحة: 248 حدود سنة 1280، سبيل الملك الظاهر بيبرس في سوق قارلق على الجادة في الصف الشمالي قيل لما أنشأه في هذه البقعة كانت برية لم يكن فيها عمارة، سبيل ملاصق جامع قارلق من جهة شماليه موجه غربا وفيها مداران وفرن وقهوة وخانان لربط الدواب. تنبيه: الأسر الشهيرة القدية المحترمة في هذه المحلة أسرة الحربلي وأسرة البابنسي وأسرة كعدان. والدور العظام في هذه المحلة دار عبد الله بك البابنسي الشهير زعيم الفتنة المعروفة باسم قومة حلب. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 249 محلة تاتارلر (خ) عدد بيوتها 125 وعدد سكانها: الذكور/ الإناث/ المجموع/ الأقوام 399/452/851/المسلمون 69/76/145/الروم الكاثوليك 468/528/996/المجموع ليس فيها من الآثار سوى مسجدين يقال لأحدهما مسجد الشيخ جوهر في زقاق هاشم آغا وللآخر مسجد البوابة الصغيرة كلاهما في جنوبي المحلة موجهان شمالا ولهما وقف واحد مشترك بينهما يبلغ ريعه سنويا نحو ستة آلاف قرش وفيها شبه تكية يقال لها تكية الحدادا في قبلي المحلة موجهة شرقا معطلة فيها مزار للشيخ الحداد وفيها فرن واحد. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 250 محلة الدلالين (خ) عدد بيوتها 195 وعدد سكانها الذكور/ الإناث/ المجموع/ الأقوام 794/902/1656/المسلمون 15/27/42/الروم الكاثوليك 809/929/1738/المجموع يحدها قبلة الفرايين التحتاني وشرقا قارلق وشمالا البرية وغربا المشاطية. آثارها جامع الأحمدي كان مسجدا قديما مائلا إلى الخراب ثم في سنة 1294 وسعه وزاد فيه زاوية وعمل له قسطلا للوضوء السيد الفاضل الشيخ (أحمد بن أحمد بن عبد القادر) الصديق. وهذه خلاصة كتاب وقفه الذي وقفه عليه أوله بعد البسملة (الحمد لله الذي وقف جناته على من حبس نفسه لمرضاته إلخ) . ثم وقف جميع الأرض الكائنة في هذه المحلة الملاصقة هذا الجامع التي طولها من الشمال إلى الجنوب ستة عشر وعرضها اثنا عشر ذراعا الكائنة في جنوبي الدكان الجارية وفي وقف الجامع والسبيل وغربي الجامع وشرقي الطريق ووقف معها البناء الذي بناه فيها وجعل ما سامت منها للمسجد القديم جامعا وما زاد منها عن مساحة المسجد زاوية للخلوتية أي أن الرأس الغربي من قبلية الجامع من طرفيه الجنوبي والشمالي علاوة هي الزاوية ووقف البناء الذي بناه فوق بعض الزاوية من الجهة الشمالية وجعله زاوية الجزء: 2 ¦ الصفحة: 251 ومدرسة لتدريس العلوم وقراءة ختم الخواجكان النقشبندي. ووقف في هذه المدرسة مكتبة حافلة تشتمل على عدد عظيم من الكتب المسطرة في العلوم والفنون العقلية والنقلية مشترطا عدم إخراج كتاب إلا لأعقابه وأعقاب أخيه الشيخ عبد القادر إن كانوا طلبة وأن تكون تحت يد من يكون متوليا على هذا الوقف. وبانقراض العقبين المذكورين وخراب المدرسة الزاوية تؤخذ الكتب لمكتبة الحرم المكي. وشرط النظر على الزاويتين والحصة المسامتة للجامع القديم والمكتبة لخليفته الشيخ محمد بن يوسف بن موسى الشويحنة وأذن له أن يخرج ما شاء من الكتب لينتفع به من طلبه وأن لا يبقى الكتاب خارجا عن المدرسة أكثر من ثلاثين يوما وإن مشيخة الخلوتية في الزاوية التحتانية للشيخ محمد المذكور وبعده فإلى من يخلفه وهكذا من يكون بعده واحدا بعد واحد. وبانقطاع الخلافة يعود أمرها لأرشد أولاد الواقف الذكور. وبانقراضهم فلمن يكون متوليا على الوقف أهلا للإمامة وبعده فلمن يراه الحاكم أهلا للإمامة المذكورة من أهل حلب إلى آخر ما شرط. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 252 محلة الصفا (خ) عدد بيوتها 85 هذه المحلة جديدة في شرقي الرباط العسكري سكانها أخلاط من عرب البقارة وغيرهم وكان أكثرهم فيها تحت بيوت الشعر وعددهم 322 منهم 129 ذكر و 193 أنثى وليس فيها شيء من الآثار سوى مسجد صغير له على بابه دكان موقوفة من أهل الخير. محلة المشاطية (خ) عدد بيوتها 73 يحدها قبلة وشرقا محلة الفرايين التحتاني وشمالا محلة الدلالين وغربا الملندي عدد نفوسها ذكورا 287 وإناثا 261 فالمجموع 548 كلهم مسلمون. آثارها جامع المشاطية مشهور قديم يبلغ صحنه ثلاثين ذراعا في مثلها تقريبا. في شماليه مصيف للصلاة كان مسجدا عمره الحاج محرم بن فتح الله سنة 1131 وفي جنوبيه قبلية واسعة بنسبة الصحن في غربيها مزار الشيخ سعد اليماني. وفي شرقي الصحن رواق فيه حجرتان تجاههما قبر إبراهيم المشاطي وفي غربيه زاوية يقيم فيها الأذكار خلفاء الشيخ سعد من بني الناشد وفي غربيه شبه حجازية للصلاة فيها حوض. غلة وقفه في السنة نحو عشرة آلاف قرش. وفي هذه المحلة أيضا سبيل الحاج محرم المذكور محله ساحة المشاطية موجه قبلة وفيها خان يعرف بخان الجلبي أنشأه الحاج عبد القادر الجلبي طه زاده سنة 1301 يوافقها من الجمل هذه الشطرة وهي (خان سما سعدا بعبد القادر) وهو من بيتين طلبا مني مكتوبين على بابه. وفيها خان آخر يعرف بخان التكمجي ومدار وفرن. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 253 محلة الفرايين الفوقاني (خ) عدد بيوتها 70 يحدّها قبلة الفرايين التحتاني وشرقا محلة قاضي عسكر ومحلة تاتارلر وشمالا محلة الدلالين وغربا المشاطية. عدد سكانها 275 ذكرا و 273 أنثى جملتهم 548 نسمة كلهم مسلمون. ليس فيها من الآثار سوى مسجد قاسم النونو مكتوب على حجر فوق شباك مدفن فيه مطل على الجادة من شرقيه (هذا المسجد المبارك عمره العبد الفقير المحتاج إلى رحمة الله تعالى الحاج علي بن محمد غفر الله له ولوالديه ولجميع المسلمين في سلخ شهر ذي القعدة سنة 770) . محلة الفرايين التحتاني (خ) عدد بيوتها 74 يحدها قبلة محلة قاضي عسكر وشرقا محلة تاتارلر وشمالا محلة الفرايين الفوقاني وغربا قاضي عسكر وحمزه بك: عدد سكانها 287 ذكرا و 316 أنثى جملتهم 623 نسمة كلهم مسلمون. ليس فيها من الآثار سوى مسجد علم الشرق. وجيه هذه المحلة الحاج شاهين الختام. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 254 محلة شاكر آغا (خ) عدد بيوتها 107 يحدها قبلة حارة الأبراج وشرقا صاجليخان الفوقاني وشمالا حمزه بك وغربا جقور جق، عدد سكانها 330 ذكرا و 330 أنثى جملتهم 660 نسمة كلهم مسلمون. آثارها جامع شاكر آغا وهو عامر وله من الأوقاف كفايته وسبيل شاكر آغا وفيها مدار واحد وفرن يعرف بفرن ميريك. محلة حمزه بك (خ) عدد بيوتها 131 يحدها قبلة حارة شاكر آغا وقاضي عسكر وشرقا قاضي عسكر والفرايين التحتاني وشمالا المشاطية وغربا شاكر آغا وابن يعقوب. عدد سكانها 525 ذكرا و 524 أنثى جملتهم 1049 نسمة كلهم مسلمون. آثارها مسجد حمزة بك ويعرف قديما بمسجد باباجان في أواسط المحلة. والمسجد الصغير ويعرف قديما بمسجد محمد الباش في زقاق بيت البيطار. أوقافهما مشتركة تقوم بضرورياتهما. وسبيل قرب مسجد حمزة بك متصل به من غربيه، وسبيل آخر في زقاق حمزة بك قرب دار الحاج أحمد العزيزي. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 255 محلة ابن يعقوب (خ) عدد بيوتها 167 ويقال لها حارة الصغار تسمية لها باسم أحد أزقتها. حدّها قبلة سوق بانقوسا وشرقا القوزلية وشمالا برية إعرابي وغربا الشميصاتية: عدد نفوسها ذكورا 541 وإناثا 563 جملتهم 1104 كلهم مسلمون. آثارها مسجد الحمداوي في سوق بانقوسا في الصف الموجه شمالا، ومسجد الطبقة في سوق بانقوسا تجاه زقاق الصغار، وجامع المصلى في ورشة الفعول في السوق المذكور، ومسجد في طليعة اعرابي وآخر في زقاق الصغار، وقسطل الجاويش في بانقوسا ينزل إليه بخمس وثلاثين درجة مكتوب عليه (أنشأ هذا السبيل المبارك العبد الفقير إلى رحمة الله تعالى حمزة الجعفري في أيام مولانا السلطان الملك الظاهر أبي سعيد برقوق ناصر أمير المؤمنين سنة 792) وفي غربي جامع المصلى إلى شماليه سبيل رقبان ومكتب فوقه وقفهما الحاج حسن بن الحاج حسن بن رقبان سنة 981 ووقف لهما جميع الحمام المعروف به الكائن قرب سبيله وجميع الدكاكين الثمان المتلاصقات في المحلة وثمانية مخازن راكبة على الدكاكين كل يوم ستة أجزاء بعد صلاة الفجر ستة قراء يدفع لهم في الشهر مائة وثمانون قطعة فضية ولعشرين من أيتام الفقراء مائتا قطعة ولمربي الأيتام في مكتبه ستون ولبوابه ثلاثون وللمتولي وللجابي ستون ولأحكار الوقف عشرون وما فضل بعد ذلك يشتري بنصفه خبز جيد يفرق على الأيتام والنصف الآخر يدفع للفقراء من ذريته وعتقائه وشرط التولية بعده لأعقابه وبانقراضهم فلقاضي حلب. اه. وفي هذه المحلة الحمام المذكور وثلاث خانات لبيع الغلات ومدار واحد وثلاثة أفران. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 256 والأسر الشهيرة في هذه المحلة: أسرة آل الزرقا وجيهها عالم حلب وفقيهها الأوحد أستاذنا الشيخ (محمد بن عثمان الزرقا) ، وأسرة آل النعساني المتصل نسبهم بولي الله الشيخ رسلان ووجيه هذه الأسرة الأديب الناظم الناثر الأستاذ (بدر الدين النعساني) ، وأسرة بني القباني المنتسبين إلى بيت منقار ووجيه هذه الأسرة الأديب (السيد الحاج ربيع) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 257 محلة البلاط التحتاني (خ) عدد بيوتها 146 وتعرف بالقطانة. حدّها قبلة البرّية. وحارة تلعران وغربا محلة الضوضو وشمالا البلاط الفوقاني وشرقا البرية المعروفة بتربة لالا. عدد سكانها ذكورا 517 وإناثا 533 فالمجموع 1050 كلهم مسلمون. آثارها جامع القطانة شرقي الساحة طول سماويه 30 ذراعا في مثلها عرضا تقريبا في جنوبيه قبلية لها منبر وفي سنة 1305 زيد في قبليته زيادة من وصية أهل الخير وفي غربي الصحن قبلية أخرى تصلى فيها السرية ويقام فيها ذكر وعلى بابه منارة وله من الأوقاف ما يقوم بكفايته.. ومن آثار هذه المحلة مقام الشيخ بلال: محله في جنوبي هذه المحلة وراءه البريّة وهو ساحة فسيحة في شرقيها الجنوبي بنية عامرة بالحجارة الهرقلية في صدرها الجنوبي محراب وفي شماليها قبر الشيخ بلال. وفي السجل أن مزرعة تربة لالا المحدودة قبلة بالعمود ومقر الأنبياء شرقي حلب في ظاهرها وشرقا بأراضي نيرب حلب وأراضي بتياس وشمالا بأراضي باب الله وبتياس وغربا بالدرب الأبيض وجدار البلد والحجر الأسود وقفها بما فيها السيد شمس الدين محمد هلال أفندي الطيار الكيلاني ابن السيد عز الدين أحمد أفندي ابن السيد محمد الطيار الكيلاني المنسوب إلى قطب العارفين الشيخ فخر الدين الأمير ابن الغوث الطاهر محيي الدين السيد عبد القادر الكيلاني سنة 880، وشرط أن يصرف ثلاثة أرباع غلتها على ذريته والربع الرابع على قبره وقبر والده وعلى مقبرتهم بزاويتهم المذكورة المعروفة بزاوية الشيخ بلال الحبشي. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 258 بقية آثارها في وسط ساحة القطانة صهريج سبيل، وفي جنوبيها قسطل ينزل إليه بدرجات هجر وأخذ ماؤه للصهريج المذكور في أوائل القرن الثاني عشر تقريبا، وفي هذه المحلة مدار واحد. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 259 محلة خان السبيل (خ) عدد بيوتها 67 يحدها قبلة حارة ابن نصير وشرقا جب قرمان وشمالا جقور جق وسوق بانقوسا وغربا خندق بالوجه عدد سكانها 285 ذكور و 306 إناث جملتهم 591 نسمة كلهم مسلمون. آثارها جامع بانقوسا هذا الجامع شهير كبير معمور تقام فيه الشعائر في الأوقات الخمس لا سيما في وقت السحر فإنه لا يضاهيه بحلب جامع في ذلك الوقت من جهة قراءة الأوراد وكثرة المصلين ولما كان الحاج (صالح بن مرعي بن حسن الملاح) قيما عليه أثر فيه أثارا حسنة فرمّه وفرشه بالبلاط وزاد في أوقافه. في صدر قبليته من شرقيها إثر باب عال مكتوب على نجفته (أنشأ ... الفقير إلى رحمة ربه أحمد بن موسى السعدي على مذهب .... الفقراء الأفاقية بتاريخ شهور سنة 828) والظاهر أنه كان باب مدرسة. ويوجد في شرقي محرابه خزانة مغلقة على حجر مرصوف مدور يبلغ قطره نصف ذراع محاطا ببيتين صورتهما: لأصابع المختار في هذا الحجر ... آثار خيرات تعاين بالبصر فالثم مواضع كفه إن كنت من ... أهل المحبة مرتج كلأ الضرر وعلى الباب الخارجي الموجه غربا الذي يدخل منه إلى الفسحة التي ينزل منها إلى الميضأة (أنشأ هذا المعروف المقر الأشرفي العالي المولوي المخدومي السيفي الآمر كافل المملكة الحلبية المحروسة يلبغا الناصري عز نصره سنة 788) فالظاهر أنه أراد بالمعروف هو الفسحة المذكورة وتحويلها إلى الميضأة وفتح باب لها، وفي شمالي الرواق الغربي من الصحن قبر كتب عليه فوق سنامه: (يا حضرة نبي الله بانقوس على نبينا وعليه أفضل الصلاة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 260 والسلام قد أخبر بهذا العلامة المحدث الرباني الشيخ مرتضى اليماني شارح الإحياء والقاموس. قال شيخنا العلامة الشيخ أحمد بن التكمجي نزيل مصر إن الشيخ مرتضى إمام في علم التاريخ) . أقول: الشيخ مرتضى هذا هو الإمام العلامة محمد الشهير بمرتضى الزبيدي بحر العلوم ومعدن المنطوق والمفهوم المتوفى في القاهرة سنة 1205 هـ وقد ترجمه الجبرتي في تاريخ مصر بما لا مزيد عليه. وترجمه أيضا علي مبارك باشا في كتابه الخطط المصرية في الصحيفة 94 من الجزء الثالث من المجلد الأول من النسخة التي طبعت سنة 1306 في مطبعة بولاق الكبيرة الأميرية. لا أدري أين قال مرتضى الدين إن بنقوسا المذكور نبي ولا نعلم نبيا اسمه بنقوسا. وقد راجعت في القاموس ما كتبه في كلمة بناقيس فرأيت الشارح قد استدركت على الفيروزابادي بانقوسا وقال: هو جبل في ظاهر حلب وأنشد أبيات البحتري (أقام كل ملثّ القطر رجاس إلخ) وقد ذكرناها فيما مدحت به حلب. فلو كان الشيخ مرتضى هو القائل بأن بانقوسا اسم نبي لكان ذكره لها هنا أولى من ذكرها بغير موضع لأنه كان يجعلها استدراكا على صاحب القاموس كما جرت عادته. ويزعم كثير من الناس أن لفظة بانقوسا أصلها بان قوسها أي ظهر قوسها ويحكون في ذلك حكاية لم نرها في كتاب ولا ديوان. والذي يظهر لي أن هذه اللفظة إن كانت عربية فهي مأخوذة من بناقيس وهي ما طلع من مستدير البطيخ واحدة بنقوس بالضم وبناقيس الطرثوث شيء صغير ينبت معه أول ما يرى كما قاله الشيخ مرتضى وذلك لأن بنقوسا جبل مستدير يتراءى للمقبل على حلب قبل سائر جبالها لما كانت أشجاره قائمة حينما كانت مخشبة لحلب كما ذكره صاحب كنوز الذهب وغيره وكما تدل عليه أشعار البحتري والصنوبري وعبارات المؤرخين الذين تكلموا على الحروب التي وقعت بين سيف الدولة وكافور الإخشيدي وكيف كان كافور يقطع شجر بنقوسا. وإن كانت هذه اللفظة غير عربية وهو الصحيح فالأولى أن تكون سريانية وأصلها بيت نقوشا أي بيت الناقوس فحذفت الياء والتاء من بيت كما هي قاعدة التعريب من السريانية كبحسيتا وباصفره وقلبت الشين سينا كما هي القاعدة أيضا كقنسرين فصارت بنقوسا فالظاهر أنها كانت موضع الناقوس أيام سكنى الكلدان في هذه البلدة هذا إذا كان أصل هذه الكلمة سريانية فإن كانت غير سريانية فالأولى أن يكون أصلها تركي محرفة عن كلمتين هما (بيك قوزه) تقرأ الكاف نونا. ومعنى الأولى ألف والثانية جوزة أي شجرة جوز وذلك لأن هذا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 261 السمت كان قبل تعميره بستانا يشتمل على ألف شجرة جوز أو يكون المراد من الألف مجرد الكثرة كما جرى الأتراك على المراد من هذه اللفظة في كثير من تعبيراتهم كقولهم (بيك ياشا) أي ليحيى كثيرا وقولهم (بيك دره دن صو كترمك) يريدون كثرة الأعذار الواهية والظاهر إن هذا السمت عرف بهذا الاسم في أيام دولة بني طولون إذ أنهم أول قوم من الأتراك الذين حكموا حلب بعد فتحها. يؤيد ذلك أن لفظة بنقوسا لم نرها في شيء من النظم والنثر أقدم من كلام البحتري الشاعر الذي استغرقت حياته جميع أيام الدولة المذكورة. ومما يؤيد أن أصل هذه اللفظة تركي وجود أكثر أسماء محلات تلك الجهة تركية مثل قارلق والقزليه وتاتارلر وجقورجق وصاجليخان والشميصاتية وزعم بعضهم أن لفظة بنقوسا تركية محرفة عن (بيك كوز) أي ألف عين أو ألف غرفة أو عن (بيك قوس) أي ألف قنطرة وكل ذلك بعيد عن الصواب لأنه لا يوجد في هذه المحلة عين واحدة فضلا عن ألف ولأن ألف الغرفة أو ألف القوس يقتضيان أن تكون هذه المحلة عرفت بهذا الاسم بعد تعميرها وذلك في أوائل القرن السابع وقد علمت أنها معروفة بالاسم المذكور في أيام بني طولون والوليد الشاعر البحتري وذلك في القرن الثالث. هذا ما يظهر لي في تحقيق هذه اللفظة والله أعلم. رأيت لوقف هذا الجامع كتابا آثرت نشر خلاصته وهي بعد البسملة (الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين إلخ وقف محمد خاص بك جامعه المشهور بظاهر حلب في محلة بانقوسا المشتمل على رواق في جهته الشرقية فيه مدرسة فيها حجرتان وجب ماء ومدفن وفي جانبها الشرقي سبع دكاكين وفي جهتها الغربية رواق وميضأة يهبط إليها بدركات فيها حوض وللجامع بابان أحدهما في جهته الغربية والثاني في جهته الشمالية يدخل إليه بدهليز على جانبه دكاكين ومخزن وقف على الجامع وفي جهته الجنوبية قبلية وراءها دار محمص البن وفي جهته الشمالية أيضا سبع حجرات ومنارة الجامع وثمان حجرات معدات للفقراء والمساكين ووراء هذه الحجرات إحدى عشرة دكانا ومخزنان للجامع وفي وسط الجامع حوض يهبط إليه بدركات ووقف له أيضا دارا في محلة الأكراد وثلاث دكاكين شرقي خندق الروم وغربيها الطريق ونصف قرية عجار في بلد عزاز وجميع قرية الصفيف في العمق التابعة أنطاكية وثمانية قراريط من أربعة وعشرين قيراطا من قرية حارم من أعمال قلعة حارم وثمانية قراريط من قرية عين زيادة في ناحية جبل سمعان وستة قراريط من قرية الفاتكية في قضاء أنطاكية. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 262 وشرط أن تصرف غلة هذا الوقف على تعمير الجامع وترميمه وشعائره كوظيفة الإمام والخطيب والخادم والمؤذن ومدرس بعد صلاة الجمعة وآخر يدرس في مدرسة جامعه المذكور كل يوم وستة يقرءون ستة أجزاء ليلة الجمعة في حضور المتولي وإن أجور هؤلاء الموظفين يدفعها لهم المتولي على حسب الزمان وأسوة الأمثال إلا القراء الستة فقد شرط لهم في كل شهر عشرين درهما من الفضة تقسم بينهم على السوية وشرط أن يفرّق في كل يوم جمعة على الفقراء والمساكين أربع أقق خبز وأن يكون المتولي من أولاد الواقف الصلبيين والعزل والنصب بيده وعين له عشر غلة الوقف وأن ما فضل من الغلة بعد التعمير والترميم والوظائف ونفقات الجامع يكون لأولاد الواقف من صلبه فإذا انقرضوا فلأولاد البطون وتكون التولية حينئذ على أرشدهم تحريرا في محرم سنة 768، أقول: الذي يظهر من ذكر محمص البن أن كتاب الوقف هذا قد كتب مرة أخرى في غير أيام الواقف ووضع في ذيله تاريخ الوقفية الأولى وذلك لأن استعمال قهوة البن في حلب كان بعد استعمالها في اليمن ضرورة وهي لم تظهر في اليمن إلّا في أوائل القرن التاسع كما ستعرفه وعلى ذلك نورد نبذة في الكلام على القهوة على طريق الفكاهة قال بعض العلماء: القهوة مشتقة من الإقهاء وهو الاجتواء أي الكراهة أو من الإقهاء بمعنى الإقعاد وبعضهم يكسر قافها فرقا بينها وبين قهوة الخمر. واختلف العلماء في حلها وحرمتها والأطباء في نفعها وضرها. والصحيح أنها حلال ما لم تجرّ إلى محرّم كشربها بالدور أو بيوت القهاوي المشتملة على الأمور المحرمة شرعا وإنها معينة على السهر مساعدة على الهضم منعشة للقوى مذهبة للصداع إذا شربت قليلا مضرة إذا شربت كثيرا وأول ظهورها في بلاد الحبشة وما والاها غير معلوم وأما في اليمن فكان ظهورها في أوائل القرن التاسع عن يد الشيخ جمال الدين بن عبد الله العالم الولي ولكن التواتر على أنها ظهرت هناك على يد الشيخ علي بن عمر الشاذلي وأنها كانت قبلا من الكفتة وهي الورق المسمى بالقات لا من البن ولا من قشره ثم أن شجرة البن تنبت باليمن في كورتين منها فوق الجبال التي تعلو زبيدا في مقابلة بيت الفقيه وشجرها مغروس على خطوط مستقيمة وتستمر آخذة بالكبر إلى ثلاثين سنة وغاية ما تبلغ في الارتفاع إلى ثمانية أذرع وزهرها أبيض ويخرج ورق الزهر مثنى وثلاث وهو أكبر ورقا من زهر الكريز وثمرها شبيه بثمره وفي وقت خضرته يكون عفصا بمرارة فإذا احمر يكون في طعم اللبن الحامض وعند الجزء: 2 ¦ الصفحة: 263 إدراكه يكون أحمر يضرب للسواد كالوشنة لا فرق بينهما سوى الطعم والرائحة وشكل الجوزة المنقسمة إلى فلقتين ويجمع قبل استوائه وينشر فوق أسطحة مستوية فينشق ويسود لونه ثم يدش على الأرحية ثم يخلص من قشره بالتذرية وهذا هو البن الذي يباع في جهات الدنيا وأما ما يبقى على أصوله حتى يتم استواؤه فلا يحتاج إلى الدش بل يفصل من قشره باليد وينشف كالزبيب وأهل اليمن يغلونه ويستعملون منقوعه مبردا في الصيف وهو نافع للصحة وهذا النوع يبقى في اليمن ولا يخرج منها إلى غيرها ويكون غالي القيمة وأحسن البن ما كان فيه غلظة مع الخضرة والقشر الذي تكلمنا عليه حار رطب في الأولى والشراب المصنوع منه أن يشرب صيفا يرهل البطن وشربه ينعش القلب ويزيل الثقل والفتور الحاصل في الصباح والأحسن في قلي الحب عدم الجور عليه لئلا تضيع خاصيته وشرب القهوة بعد الأكل بساعة نافع للهضم والزكام وألم الرأس وفي كل سنة يخرج من بلاد العرب ثمانون ألف طرد من البن منها إلى جدة أربعون ألف طرد والباقي إلى البصرة وغيرها والطرد ثلاثة قناطير كل قنطار مائة رطل كل رطل ألف درهم وكان دخولها في بلاد الروم ولا سيما قسطنطينية سنة 962 وأول استكشافها سنة 656 وأما أول استعمالها في اليمن فقد كان ابتداء القرن التاسع كما سبق ذكره. اه. بقية آثارها مسجد الأرمنازي وزاوية بيت خير الله ومسجد الغزولي ومسجد الدرج وسبيل تجاهه بميلة إلى الشمال وسبيل في زقاق بيت حيدر وفيها مصبنتان وخانان وأربعة مدر وفرنان وحمام سوق الغزل وكانت من أوقاف إخلاص. ومن الأسر الشهيرة في هذه المحلة أسرة آل الملاح ووجيهها بل هو أحد وجهاء حلب وعين أعيانها المحترمين محمد مرعي باشا بن صالح بن مرعي. والدور العظام في هذه المحلة هي دور هذه الأسرة. اه.. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 264 محلة جقور جق (خ) عدد بيوتها 48 يحدها قبلة وشرقا حارة الأبراج وخان السبيل وشمالا سوق بانقوسا ولفظة جقور جق تركية معناها الجورة الصغيرة والعامة يسمونها سقرجق. عدد سكانها: الذكور/ الإناث/ المجموع/ الأقوام 172/181/343/المسلمون 12/13/25/الروم الكاثوليك 184/194/378/المجموع ليس فيها من الآثار سوى مسجد الشيخ عثمان وفيه مزاره وقسطل عميق في سوق بانقوسا قرب خان الدبس والخان المذكور وهو خان قديم قيل كان بناؤه لأبناء السبيل قبل أن تعمر هذه المحلات. والروم الكاثوليك في هذه المحلة كانوا يسمون باسم البسارنة. وفي حدود سنة 1325 أخذوا ينتقلون منها إلى محلات النصارى حتى لم يبق منهم أحد في المحلة المذكورة. محلة صاجليخان الفوقاني (خ) عدد بيوتها 148 يحدها قبلة صاجليخان التحتاني وغربا حارة الأبراج وشمالا قاضي عسكر وشرقا المقبرة وعدد سكانها 567 ذكرا 655 أنثى فجملتهم 1231 نسمة كلهم مسلمون وصاجليخان كلمة تركية معناها خان أبي الشعر وهذه المحلة تعرف أيضا باسم هارون دده. ليس فيها آثار سوى مسجد فيه مزار هارون دده ومسجد جب الخواجا وقسطل بجانب مسجد هارون دده وسبيل في زقاق الطبالين. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 265 محلة البلاط الفوقاني (خ) عدد بيوتها2 G 9 حدّها قبلة بالبلاط التحتاني وشرقا البرية المعروفة بتربة لالا وشمالا صاجليخان التحتاني وغربا محلة الضوضو. عدد سكانها 347 ذكرا و 376 أنثى فالجملة 723 نسمة كلهم مسلمون. آثارها جامع البلاط الفوقاني فسيح طول صحنه خمسون ع في مثلها تقريبا. مفروش بالرخام يمشي فيه الناس حفاة وله بابان شمالي وهو الكبير وغربي وهو الصغير وفي شمالي الصحن رواق وفي جنوبيه قبلية واسعة جميلة وفي شرقيه حوض منخفض عن أرضه قليلا وعلى الباب الشمالي منارة صغيرة وفي شرقي قبليته مدفن فيه بعض قبور وفي شمالي جداره الشرقي طاقة يقولون إن تحتها قبورا عظيمة منها قبر رجل اسمه الشيخ ندى يعتقده أهل المحلة ويزعم بعضهم أنه من الصحابة وهذا الجامع بناه الحاج سالم ابن البلاط ووقف له سنة 1061 وقفا يشتمل على دور وأراض وبساتين ومن جملته أرض الحمام المعروف باسم الواقف في حضرة جامعه بالمحلة وشرط أن يكون الموظفون فيه من ذريته وقد تغيرت معالم الحمام وصار حوانيت ينفشون فيها الصوف ويعملونه لبابيد وفي جانب هذه الحوانيت من شرقيها صهريج سبيل تجاهها من جنوبيها الغربي على الطريق صهريج آخر ليس له خرزة ولا عليه بناء وفي هذه المحلة فرن واحد. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 266 محلة جب قرمان (خ) عدد بيوتها 133 قبلة الضوضو. وشرقا صاجليخان التحتاني. وشمالا الأبراج وغربا ابن نصير. وعدد نفوسها 545 ذكرا و 559 أنثى فالمجموع 1104 كلهم مسلمون. آثارها جامع البكره جي فسيح مفروشة أرضه بالرخام له باب موجه إلى الشرق وآخر موجه إلى الغرب. وفي شمالي الصحن رواق مملوك ظهره لدار جارية في وقف الجامع وفي غربيه رواق فيه قسطل في أسفله مبازل وفيه حجرة تعلم فيها الأطفال وفي شرقيه مصلى للصيف وفي جنوبيه قبلية واسعة. وعلى بابه منارة جميلة. وأوقافه تبلغ سنويا نحو عشرين ألف قرش نصفها للجامع السليماني الآتي ذكره في محلة الضوضو. بقية آثارها مسجد اسمه المسجد الصغير محله في زقاق بيت جونا، وفيها بحضرة جامع البكره جي في رأس الزقاق الكائن تجاه باب الجامع الغربي على يسرة الداخل إلى الزقاق سبيل صهريج عليه عمارة يسمونه سبيل بيت الخواتمي، وفيها أيضا خان قرمان، وقرب جامع البكره جي مزار يسمونه مزار الشيخ القرماني وفيها مداران وفرن. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 267 محلة صاجليخان التحتاني (خ) عدد بيوتها 125 وتعرف أيضا بآغاجق يحدها قبلة محلة الضوضو وشرقا البرية المعروفة بتربة لالا وشمالا صاجليخان الفوقاني وغربا جب قرمان عدد سكانها 491 ذكرا و 525 أنثى فالمجموع 1106 كلهم مسلمون. آثارها جامع آغاجق عمر سنة 993 اسم بانيه مكتوب على باب قبلية الجامع لم أتمكن من قراءة جميع ما كتب عليها وهو جامع جميل لطيف فسيح في جنوبيه رواق عال له قباب على أعمدة من الرخام الأصفر داخله قبلية وفي شرقي الصحن حوض ينزل إليه بدرجات يجري إليه الماء من قناة حلب وفوق باب هذا الحوض قبر يقال إنه قبر عبد الواقف ويحيط بالقبلية شرقا وجنوبا ساحة كانت جنينة للجامع على نسق الجوامع الرومية فيها بعض قبور وفوق باب الجامع منارة لطيفة وآغاجق كلمة تركية معناها الآغا الصغير وأهل المحلة يزعمون أن أصلها آغا جوق أي كثير ويحكون في ذلك حكاية خلاصتها أن باني الجامع عمره من ثمن حنطة كانت في مخزن موكل به عبد الواقف فكان كلما سأل عبده عن مقدار ما بقى منها يقول له آغاجوق إلى أن كاد يكمل عمل جامعه من ثمنها وفي بعض الأيام جاء إليها فرأها قليلة جدا فعلم أن الله قد بارك له فيها غير أنها بعد نظره بقليل نفذت فعلم أن البركة قد ذهبت عنها، هذا الجامع له وقف قائم بكفايته. بقية آثارها فيها سبيل عليه بناء قريب من الجامع السليماني على الجادة وفيها خان يعرف بالباكية. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 268 محلة تلعران (خ) عدد بيوتها 112 وعدد سكانها 426 ذكرا و 522 أنثى فالمجموع 948 نسمة كلهم مسلمون. محل هذه الحارة شرقي برية المسلخ يحدها قبلة محلة محمد بك المعروفة أيضا بالتكاشرة وشرقا البلاط التحتاني وتمامه زاوية الشيخ بلال وشمالا الشيخ محمد الضوضو. آثارها جامع برسين محله في الزقاق المنسوب إليه غربي الحارة وهو أكبر مساجدها صحنه في طول 17 ع في مثلها عرضا في شماليه دكة فيها عدة قبور وفي شرقيه الشمالي باب ميضأته يهبط إليها بدركات وفيها حوض يبلغ بضعة ع طولا في مثلها عرضا يجري إليه الماء من قناة حلب وفي شرقيه الجنوبي إيوان فيه قبر من المرمر مكتوب على نصبتيه إنه قبر منشئ هذا الجامع وفي الجهة الجنوبية قبلية الجامع في طول 17 وعرض 11 ذراعا تقريبا في جنوبيها حجرتان إحداهما على يمين المنبر والأخرى على يساره سقفهما قبو وقبة محمولان على عضادات وعمودين من الحجر الأسود وللجامع بابان أحدهما موجه شرقا فوقه منارة وهو المستعمل والثاني موجه غربا يفتح في بعض الأحيان. منشئ هذا الجامع الحاج حسين بن برسين سنة 1095 ووقف عليه وقفا عظيما شرط فضلته لذريته تبلغ غلته الآن بضعة وعشرين ألف قرش سنويا والمتولي على هذا الجامع وأوقافه الآن الحاج محمد علي بن محمد برسين والناظر عليه ولده الشاب النجيب الشيخ محمد ناجي وهو صارف قصارى جهده إلى إعمار الجامع وأوقافه وإصلاح أحوالهما. وفقه الله. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 269 جامع ساحة حمد: محله في زقاق الشيخ جنيد له قبلية تبلغ خمسة عشر ذراعا طولا تقريبا وصحنه بنسبة قبليته سعة في شرقيه حجرة ومدفن فيه قبر رجل يقال له الشيخ حمد ووقفه دار ودكانان في المحلة يبلغ ريعها سنويا ألفي قرش تقريبا وتقام فيه الخمس. مسجد الحاج حمدو بن أبي دان: مسجد صغير سمح الرجل المذكور بأرضه وبعض نفقاته منذ بضعة عشر عاما وله أنوال في دكان بجانبه وقف عليه. بقية آثارها سبيل صهريج يعرف بسبيل الساحة له في المحلة دكان وقف عليه. والأسر الشهيرة المحترمة في هذه المحلة أسرة آل ناصر آغا لها منزل يستقبل الضيوف والمسافرين ومن وجائها الشيخ أحمد ابن الشيخ (علي بن محمد بن محمد) وهو الآن من أعضاء بلدية حلب وأحد أعضاء لجنة الأوقاف. اه. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 270 محلة الضوضو (خ) يحدها قبلة تلعران والصفصافة. وشرقا البلاط التحتاني والفوقاني وشمالا صاجليخان التحتاني وتمامه جب قرمان وابن نصير المشهورة بجب القبة غربا خندق بالوج وفي غربي هذه المحلة الساحة المعروفة ببرية المسلخ القديم وهي الآن سوق الجمال والغنم عدد دور هذه المحلة 125 وعدد سكانها 566 ذكرا و 615 أنثى فالمجموع 1181 نسمة كلهم مسلمون. آثارها الجامع السليماني في شمالي المحلة منسوب إلى الحاج سليمان الأيوبي بانيه سنة 783 وهو جامع عامر نير فسيح مفروش صحنه بالرخام طوله 50 ع في مثلها عرضا تقريبا في غربيه تجاه بابه الغربي حوض يجري إليه الماء من قناة حلب ينزل إليه ببضع عشرة دركة كأنه في مغارة وفي شمالي الصحن مدفون في غربيه الجنوبي قبر أبي الواقف وفيه عدة قبور وفي جانب المدفن من شرقيه حجرة تعلم فيها الأطفال وفي جنوبي الصحن قبلية جميلة عامرة على طول الجامع في عرض عشرين ذراعا تقريبا وفي شرقيه دكة للصلاة صيفا وله بابان غربي فوقه منارة جميلة وفي جنوبيه رواق صغير وشمالي ينفذ إلى محلة صاجليخان وأوقافه مشتركة مع أوقاف جامع البكره جي الذي تقدم ذكرها في الكلام عليه، مسجد مقر الأنبياء في سوق المحلة عمره رجل يقال له شمس الدين سنة 685 وهو مسجد صغير وسعت قبليته في حدود سنة 1290 على يد متوليه وزاد في أوقافه حتى بلغت غلتها الآن نحو عشرة آلاف قرش في السنة. مسجد الظالع: محله شرقي برية المسلخ إلى الشمال بناه المحسن الشهير (محمد بن احمود الظالع النجدي) في رجب سنة 1300 وعملت له بيتين يكتبان على بابه جاءت الجزء: 2 ¦ الصفحة: 271 فيهما شطرة التاريخ (أنشأ المسجد في شهر رجب) وهو مسجد متسع مشتمل على قبلية وحجرة تقام فيه الصلوات الخمس وبقية الكلام عليه في ترجمة صاحبه. بقية آثار هذه المحلة يوجد قبلي هذه المحلة قبة على قارعة الطريق فيها دفين يسمونه الشيخ محمد الضوضو يعتقد به أهل المحلة ويروون فيه كرامات وينذرون له الزيت، وفي شمالي برية المسلخ قبر يسمونه قبر الترمذي يزعم بعضهم أنه الترمذي المحدث الشهير وبعضهم يقول إنه الترمذي الحكيم. والصحيح أنه لا هذا ولا هذا لأن تاريخ وفاته المفهوم من قبره متأخر عن وفاة الاثنين. وأهل المحبة يعتقدون به وينذرون له الزيت. والمشهور عندهم أن الخيول وغيرها من الدواب إذا اعتراها مرض المغص المعروف بالمغلة وطيف بها حول هذا القبر سبعة أشواط برأت من مرضها. وفي سنة 1299 عمر حوله دائر له باب على القبلة وفي هذه المحلة مدار واحد، وفرن واحد، وثلاث خانات أحدها لبيع الفواكه والسمن والصوف ومال القبان والآخران لنزل القوافل والمسافرين، وفيها ستة بيوت قهاوي واحد في سوق المحلة والخمسة في برية المسلخ ومما يلحق بهذه المحلة مشهد في شرقي صحرائها في بساتين الفستق بين حلب والنيرب يقال له قرنيبا قال بعضهم كان يعرف قديما بمقر الأنبياء فحرفته العامة وسبب بناء هذا المشهد أن شيخا من أهل منبج رأى في حلمه عدة مرار كان علي ابن أبي طالب مرّ يصلي فيه وأنه قال له قل لقسيم الدولة يبني على هذه الربوة مشهدا فقال الشيخ لعلي ما علامة ذلك قال أن تكشف الأرض فتظهر أنها مفروشة بالرخام المفصص وفيها محراب وقبر على جانبه فيه بعض ولدى فقص الشيخ ذلك على قسيم الدولة فكشف الأرض ورأى الأمارات فبنى على تلك الربوة مشهدا ووقف عليه وقفا وحكى غير أن النبي صلى الله عليه وسلم رؤي يصلي فيه مع جماعة من الأنبياء. أقول لا أدري ما وجه تسمية هذه الربوة بمقر الأنبياء إذ لم نعلم أن نبيين أو أكثر استقروا به إلا أن يكون ذلك أخذا من الرؤيا في الرواية الأخيرة. ولعل كلمة قرنيبا محرفة عن قرنبى بوزن فعنلى وهي دويبة قدر الجعل إذا لمست انكمشت على نفسها وصارت شبه حمصة وعلى كل حال فإن موضع هذا المشهد مفرح نزه له مناظر جميلة يقصده الناس في فصل الربيع لحسن مناظره وكثرة أزهاره وتغريد أطياره. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 272 محلة السخانة ومحلة البقارة (خ) حدّها قبلة البرية وشرقا محلة كتان وغربا برية الشيخ جاكير وشمالا سور باب النيرب عدد دور الأولى 122 ونفوسها 586 وذكرا و 578 أنثى فالمجموع 1064، وعدد دور الثانية 52 ونفوسها ذكورا 100 وإناثا 152 فالمجموع 252 كلهم مسلمون: حارة البقارة لا آثار فيها وأما السخانة فآثارها: جامع السخانة في الزقاق الضيق على الجادة يقول أهل المحلة إنه عمري وهو صغير الصحن وفيه حوض يبلغ بضعة أذرع في مثلها وفي غربيه قبلية وله منارة تقام فيه الصلوات والجمعة وله وقف قائم بكفايته وفي جنوبي الصحن صهريج وعلى الباب صهريج وقسطل يجري إليه الماء من داخله، مسجد يوسف الآغا هو مسجد قديم جدد قبليته بعد الثلاثمائة والألف يوسف آغا المذكور فنسب إليه ومحله في جنوبي المحلة مجاور بساتين الفستق وهو ساحة واسعة في طرفها قبلية صغيرة وحجرة بقدرها تعلم فيها الأطفال. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 273 محلة محمد بك (خ) وتعرف أيضا بالتكاشرة محلها خارج باب النيرب وعدد دورها 243 وعدد ذكورها 1016 وإناثها 1094 فالمجموع 2110 نسمات كلهم مسلمون حدها قبلة الجادة الكبرى التي لا نظير لها عندنا في العرض والاستقامة التي أولها سوق باب النيرب آخذة شرقا حتى تنتهي إلى بوابة الملك وشرقا البرية وغربا القصيلة وشمالا الشيخ بلال الحبشي وتمامه محلة تلعران والصفصافة. آثارها جامع الطرنطائية ومدرسته محلها في زقاق المدرسة المنسوب إليها غربي قسطل علي بك الكائن شمالي الجادة الكبرى على يمين الداخل من بوابة الملك وهي مدرسة حافلة عامرة متقنة البناء كأنها حصن تشتمل في شرقيها وغربيها على أربعين حجرة عليا وسفلى وفي جنوبيها قبلة تقام فيها الصلوات والجمعة وفي شماليها محل واسع تقام فيه الأذكار كأنه كان محلا للتدريس وفي وسط صحنها حوض تحت الأرض يجري إليه الماء من القناة دائما ولها فوق زاويتها الشرقية الشمالية منارة صغيرة ويوجد على يمنة الداخل من بابها الموجه غربا حجرة فيها قبر له ضريح على رأسه خوذة حديد عليها دوران من الشاش الأخضر يقولون إن المدفون فيه رجل كان يحب الجهاد فكان في أكثر أوقاته لابسا أهبة الحرب يقال له الشيخ أويس أبو طاسة. المدرسة منسوبة إلى (طرنطاي الأمير سيف الدين) وهو الذي جدد بها ووقف عليها وقفا وأما الذي أنشأها وأنشأ الجامع فهو السيد عفيف الدين بن محمد شمس الدين وذلك في سنة 785. أوقافها عشرية مضبوطة يؤخذ منها مقطوعا ما لا يكاد يقوم بكفايتها وهي الآن معطلة ليس فيها مجاور ولا مدرس.. غير أنه تقام في مسجدها الصلاة والأذكار قد اتخذها زاوية العالم العامل الشيخ محي الدين البادنجكي وخلفاؤه من بعده وهو ينتسب إلى ولي الله الشيخ نبهان الجبريني الجزء: 2 ¦ الصفحة: 274 فحجرات المدرسة المذكورة لا تسكن إلا في أيام الخلوة الأربعينية يختلي بها مريدو الخلفاء المذكورين. قسطل علي بك تقدم لنا ذكر محله وهو من أشهر قساطل حلب يجري إليه الماء دائما من قناة خاصة به ويجري فائضه إلى آبار وحياض في المحلة يستقي منها أهلها وقد عهدنا أن أكثر الجمال التي تدخل إلى حلب ترد عليه للشرب يزعم بعض النسوة أن الاغتسال فيه ثلاثة سبوت في تموز قبل الفجر يخلص الجسم من الأمراض في بقية السنة وهو قسطل قديم مكتوب عليه (أنشأ هذا السبيل المبارك في أيام مولانا السلطان الملك الأشرف أبي النصر قانصوه الغوري عز نصره ابتغاء لوجه الله تعالى علي بك السيفي المولوي في شوال سنة خمس عشرة وتسعمائة) وعلى كل من جانبيه دائرة مكتوب فيها (عز لمولانا السلطان الملك الأشرف قانصوه الغوري عز نصره) . جامع قرمط ويعرف أيضا بجامع عفان على الجادة في الصف الموجه إلى الشمال صحنه يبلغ خمسين ع في أربعين تقريبا في غربيه ميضأة بجانبها حجرة وفي شماليه قبلية بنسبة الصحن تقام فيها الصلوات والجمعة وفي جنوبيه مصيف في صدره محراب يقال إنه هو قبليته القديمة وله منارة صغيرة وهو جامع قديم جدد سنة 1237 وله وقف قائم بكفايته ولا أعرف المنسوب إليه ورأيت في السجل أنه في سنة 1263 وقف الحاج عبد الله بن علي المشنوق وقفا حافلا شرط فيه قراء في هذا الجامع وإن وقفه بعد انقراض ذريته يؤول للجامع المذكور. ثم في سنة 1280 وقف وقفا آخر شرط فيه الشرط الأخير. جامع شبارق في جانب قسطله على الجادة في الصف الموجه جنوبا صحنه أربعون ع في مثلها تقريبا وفي شرقيه الشمالي صحن آخر فيه حوض مربع يبلغ بضعة أذرع في مثلها وفي جنوبي الصحن الأول قبلية وفي شماليه حجرة تعلم فيها الأطفال كان تجديد هذا الجامع سنة 1257، يوجد على جانبي بابه مما يلي الجادة سبيلان، وفي غربيه الشمالي قسطل يعرف بقسطل الجزء: 2 ¦ الصفحة: 275 شبارق ومنشئه هو منشئ هذا القسطل مكتوب في أعلى صدر القسطل (أمر بإنشاء هذا السبيل المبارك المقر الأشرفي العالي المولوي المالك المخدومي الكافل السيفي يلبغا الصالحي كافل المملكة الحلبية المحروسة أعز الله أنصاره من ماله ابتغاء لوجه الله تعالى ليقيه العطش الأكبر يوم لا ينفع مال ولا بنون إلّا من أتى الله بقلب سليم. في ربيع الأول سنة 746 بنظر الفقير إلى الله تعالى إبراهيم بن محمد الحراث عفى الله عنه) قلت: يلبغا هذا هو (يلبغا اليحياوي الأمير سيف الدين) . مسجد البدوي ويعرف أيضا بمسجد الشيخ ضاهر على الجادة في الصف الموجه إلى الشمال يبلغ صحنه خمسين ع في مثلها تقريبا في غربيه قبلية تجاهها مما يلي الصحن بعض قبور وفي جنوبيه مصيف وفي شرقيه الشمالي ميضأته. زاوية الشيخ حيدر في الزقاق المنسوب إليها الكائن في الصف الجنوبي من الجادة يبلغ صحنها 50 ذراعا في 40 تقريبا في شرقيه دكة فيها قبور وفي جنوبيه قبلية واسعة لها باب جميل وفي حضرة باب هذه الزاوية في الزقاق قسطل الشيخ حيدر وهو أحد مشايخ الطرائق العلية اتخذ الزاوية محلا لأذكاره فنسبت إليه وإلا فباني هذه الزاوية والقسطل هو (قطليجا الحموي) شرع ببنائهما ومات قبل إكمالهما فأكملهما الأمير (ظاز بن عبد الله الناصري) مكتوب على الزاوية (أنشأ هذه الزاوية المباركة المقر الكريم العالي السيفي قطليجا والمقر الأشرف الكريم طاز كافل المملكة الحلبية سنة 757 وفي أعلى صدر القسطل الآخر (لقطليجا) وهو كلتاجو والظاهر أن أحد الاسمين محرف عن الآخر. جامع التوبة بضم التاء وهي شجر ذكر التين. وكان فيه شجرة توب عظيمة أضيف الجامع إليها والناس يلفظون هذه الكلمة بفتح التاء ويحكون في ذلك كلاما غير مستند إلى أصل، هذا المسجد قديم محلة في الصف الجنوبي من سوق باب النيرب والخندق محيط به من غربيه الجزء: 2 ¦ الصفحة: 276 وجنوبيه وهو صحن واسع يبلغ ثلاثين ذراعا في مثلها تقريبا وفيه حوض مربع فوق عشر بعشر جدده متولي الجامع (علي بن محمد النيرباني) وقد نقله من شماليه معيدا إياه إلى محله الحالي وكان صغيرا نقل إلى محله الحالي من دهليز الجامع وقد نقل إليه الميضأة وفي شمالي الجامع شمالية للصلاة كانت هي قبلية الجامع وكان لها باب على الميضأة ثم في سنة 1180 بنيت في جهته الجنوبية قبليته الحالية وهي صفان طول الأول 15 ذراعا والثاني 18 ذراعا في عرض أحد عشر ذراعا تقريبا وفيها المحراب والسدة وفي شرقيها بعض حجرات وفي غربيها الشمالي قبلية أخرى في جنوبيها باب مغلق ينفذ إلى مدفن سماوي له باب على الخندق: مكتوب على الباب المغلق (أنشأ هذا الجامع المبارك الفقير إلى الله تعالى الشيخ محمد المعصراني في أيام مولانا السلطان الملك الظاهر جقمق عز نصره سنة 846) فالظاهر أن منشئ هذا الجامع هو هذا الرجل وأن ما بناه هو الشمالية والمدفن والميضأة ثم في سنة 1180 أنشئت قبليته الحاضرة وفي سنة 1311 سدت أبواب الشمالية مما يلي الصحن وفتح لها باب على الدهليز وكتب عليه: الزم التقوى تنل كل الأمل ... وبها تنجو إذا حان الأجل مذ بنى مسجدنا أرخ وصف ... فاز من أخلص لله العمل وعلى حجرة مرصوفة في جدار القبلية مما يلي الصحن: لم تزل رحمة الإله على من ... بالتقى يعمر المساجد فضلا إذ به جامع الفضائل لما ... شاده مخلصا تسامى محلا قلت لما جنى المبرة أرخ ... عمل صالح له الخير دلّا سنة 1180 هذا الجامع من أعمر جوامع حلب لا تكاد تنقطع منه العبادة لا ليلا ولا نهارا ويقال إن منارته كانت على بابه الذي يلي السوق الموجه شمالا ثم هدمت وعمرت له منارة جديدة يصعد إليها من دهليزه، دخل وقفه الآن قائم بكفايته، وفي سنة 1300 فرش صحنه بالرخام والناس تمشي فيه حفاة والمشهور أن محرابه أصاب به بانيه عين القبلة. قسطل قرمط في حضرة جامعه والظاهر أن منشئه هو منشئ جامع قرمط المتقدم ذكره في السنة التي جدد بها الجامع أيضا. سبيل صهريج يقال له سبيل أبي دلوين على الجادة في الصف الموجه جنوبا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 277 غربي الزقاق المنسوب إليه، سبيل العطار صهريج عليه بناء في رأس بوابة القرباط تجاه حمام برسين أنشأه أحمد بن حسن العطار وشرط له الكفاية وجزءا من القرآن في كل يوم في وقف محمد بن محمد ابن الحاج مصطفى والحاج يوسف آغا ابن الحاج مصطفى آغا ابن يوسف أفندي عربي كاتبي وهو خمس دكاكين متلاصقات في الصف الشرقي في سوق سويقة علي وقفاه بتاريخ 12 محرم سنة 1204 وشرطا فيه قراء ولإمام العثمانية قروش معلومة في وقف المرأة الحاجة فاطمة بنت شريف آغا القرنة الموقوف سنة 1306 وفي هذه المحلة مداران وثلاثة أفران وأربعة خانات اثنان معاطن للإبل واثنان للغلات والخان الكائن في زقاق القرباط أنشأه المرحوم محمد أسعد باشا ابن (علي بن سعيد الجابري) وأوصى أن يكون بعضه وقفا على مدرسته التي أنشأها في مسجد الدليواتي في محلة الفرافرة المتقدم ذكرها وحمام برسين وقهوة شعبان في سوق باب النيرب. تنبيه: الأسر الشهيرة في هذه المحلة هي بيت أبي الكنج ووجيهها حماده بن كنجو وهو صاحب منزل وكان جده الصعب مقوم الحاج ومن هذه الأسر بيت الصعب ووجيهها خيرو بن محمد الصعب وفيها بيت الحواضرة وأصلهم من قرية الحاضر ووجيهها الآن فارس ابن الحاج ناجي معروف بالسخاء وقرى الضيوف وفيها بيت التلاليني ووجيهها الحاج يوسف ابن الحاج حمدو سخي شهير في محله. ومن وجهاء المحلة عبد الفتاح البيطار وبيت برّي ووجيهه فارس بن حمود بري. يلحق بهذه المحلة مقبرة الشيخ جاكير وهي أعظم مقبرة في حلب تتصل بمقبرة السفيري لا تقل مساحتها عن ثلاثة كيلومتر مربع. حارة كتان (خ) قبلة بساتين الفستق وغربا حارة السخانة وشمالا بادنجك ومحمد بك وشرقا البرية عدد دورها 46 ونفوسها ذكورا 173 وإناثا 195 فالمجموع 368 نسمة كلهم مسلمون. فيها مسجد واحد يبلغ صحنه خمسة عشر ع في مثلها تقريبا في وسطه حوض يجري إليه ماء القناة من فائض حوض جامع بادنجك وفي جنوبيه قبلية بنسبة صحنه. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 278 محلة بادنجك (خ) محلها في جنوبي الجادة الكبرى التابعة جادة محمد بك يحدها قبلة جنينة معروفة وحارة كتان وغربا السخانة وشمالا الجادة وشرقا البرية واسمها هذا محرف عن ميدان جك لفظة تركية معناها الميدان الصغير كأنها سميت بهذا الاسم لميدان صغير في حضرة جامعها عدد دورها 92 ونفوسها ذكورا 437 وإناثا 428 فالمجموع 865 نسمة كلهم مسلمون. وفيها من الآثار جامع بادنجك في الزقاق المنسوب إليه يبلغ صحنه 15 عشر ع في مثلها تقريبا في وسطه حوض مساحته بضعة أذرع يجري إليه الماء من فائض قسطل علي بك وفي شمالي الصحن رواق وفي جنوبيه قبلية فيها منبر وفي غربيها كوة نافذة إلى حجرة مهدوم سقفها مدفون فيها واقف الجامع واسمه يعقوب بن يغمور وهو المكتوب على نجفة باب القبلية وكانت عمارته في أواسط القرن الحادي عشر ولهذا الجامع منارة ومنبر وله من الأوقاف دار في المحلة. وفيها أيضا جامع يقال له مسجد الكسيح في غربي المحلة صغير تقام فيه السرية لا يعرف له وقف. قسطل الجوره في شمالي الميدان ينزل إليه بدركات يجري إليه ماء القناة من فائض قسطل علي بك. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 279 محلة الصفصافة (خ) خارج باب النيرب عدد دورها 138 ونفوسها 471 ذكرا و 518 أنثى فالمجموع 989 نسمة كلهم مسلمون يحدها قبلة سوق باب النيرب التابع محلة محمد بك وشرقا إلى الجنوب محمد بك وإلى الشمال تلعران وشمالا برية المسلخ التابعة محلة الضوضو وغربا الخندق. آثارها مسجد خال من البناء فيه بعض قبور يقال له مسجد زكريا محله الصف الموجه شرقا في أواسط الجادة الممتدة من سوق باب النيرب إلى برية المسلخ ومسجد الكوجك واسع الصحن فيه بعض قبور أيضا في جنوبيه قبلية تبلغ بضعة عشر ذراعا طولا وبضعة أذرع تقريبا وفي شماليه حجرة تعلم فيها الأطفال وهو متوهن جدا تقام فيه بعض الصلوات محله في رأس هذا الصف مما يلي برية المسلخ على الجادة المذكورة. وفيها سبيل صهريج له خزانة في الجدار تجاه مسجد زكريا على الجادة المذكورة يعرف بسبيل الحاج عبدو الخوجه لأنه هو الذي أنشأه في حدود سنة 1300 وفيها خانان أحدهما للقوافل والمسافرين والثاني تباع فيه المأكولات محله جنوبي برية المسلخ وكلاهما أنشئا سنة 1309 وقهوتان في عطفة سوق باب النيرب حادثتان أيضا إحداهما في الصف المتجه إلى الشرق من إنشاء المرحوم الشيخ (مصطفى بن محمد بن مصطفى طلس) والأخرى متجهة إلى الغرب مما أنشأه المرحوم السيد أحمد ابن السيد (محمد راجي ابن السيد علي بيازيد) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 280 محلة الدحدالة (د) داخل باب النيرب عدد دورها 28 ونفوسها 90 ذكرا و 118 أنثى فالمجموع 208 كلهم مسلمون حدها قبلة الجادة الآتي ذكرها في حارة البستان وشرقا الخندق وشمالا حارة الطونبغا وغربا حارة البستان. آثارها تربة العلمي صحن يبلغ بضعة عشر ذراعا في مثلها تقريبا لها دهليز على يمنة الداخل فيه حجرة فيها ضريح العلمي وعلى يسرة الداخل حجرة وفي شمالي الصحن رواق فيه بضع حجرات متهدمة يسكنها بعض الفقراء وفي شماليه قبلية تصلى فيها الجهرية وفي شمالي الصحن إلى غربيه منارة مربعة الشكل وكان بناء هذه التربة سنة 604 وهي معدودة من مدارس الشافعية وكان لها أوقاف وافرة من جملتها قرية دير القاق وقرية الجبول في قضاء الجبول والباب وثلث مشانترة وثلث حول أربعة قراريط من أرض حريتان في قضاء جبل سمعان ومزرعة باصفره الكائنة فيما بين جسر الناعورة «1» وجسر المعزى «2» خارج حلب وكلها ضائعة. وأما أوقافها الآن فهي ثلاثة عشر قيراطا ونصف القيراط من دار في المحلة ونصف دار في محلة البستان في بوابة تجاه القسطل والنصف الآخر من هذه الدار وقف على جامع الطنبغا في ساحة الملح وقفها عليهما مناصفة سنة 1285 عائشة بنت الحاج سليم ابن الحاج حسن البابي ويتبع هذه المحلة خان على الجادة لصيق باب النيرب قرب المخفرة أنشئ في حدود سنة 1290 معد لبيع الغلات. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 281 محلة البستان (د) داخل باب النيرب عدد دورها 84 ونفوسها 262 ذكرا وإناثا 348 فالمجموع 610 كلهم مسلمون يحدها قبلة الجادة الكبرى الممتدة من باب النيرب إلى سوق القصيلة التابعة حارة الأعجام وغربا حارة الأعجام وشمالا حارة الطونبغا وشرقا الدحدالة. آثارها مسجد تقام فيه الجهرية يبلغ طول صحنه عشرين ذراعا في عرض عشرة أذرع تقريبا في وسطه حديقة في غربيها صهريج وفي شماليه مصلى صيفي على طول الجامع في عرض عشرة أذرع تقريبا وفي جنوبيه قبلية في طول بضعة عشر ذراعا وعرض بضعة أذرع تقريبا وفي دهليزه على يسرة الداخل حجرة أرضها قبو معقود على قسطل ينزل إليه ببضع عشرة درجة وهما في شمالي المحلة وللمسجد ثلاث دور في المحلة يبلغ ريعها سنويا عشرين ذهبا عثمانيا وللقسطل دار في أواسط الحارة على الجادة في الصف الموجه غربا يبلغ ريعها سنويا نحو خمس ذهبات في أواخر جنوبي هذه المحلة على الصف المذكور سبيل صهريج عليه بناء عمره (محمد شيخ بن عبد الوهاب) . تنبيه: الأسر القديمة التي كانت في هذه المحلة أسرة آل القرنة وكانت بالغة حد الإفراط من الثروة والغنى. جدّها الأعلى وفد على حلب من مدينة القرنة الكائنة في العراق. وأسرة آل الموقّت التي آخر وجيه منها (محمد وفا ابن الحاج أحمد) . وأسرة آل عيسى وجدهم الأعلى من كبار رؤساء الإنكشارية. وأسرة آل بيازيد التي ترجمنا منها عدة رجال وكانت من أعظم الأسر التجارية في حلب وكان منزلهم في هذه المحلة مفتوح الأبواب ينزل فيه عظماء الناس ووزراء الدولة وكبار الموظفين الغرباء وآخر من أدركناه من وجهاء هذه الأسرة (محمد بشير ابن الحاج علي) وأصل هذه الأسرة من بلدة تدمر. والدور العظام في هذه المحلة هي الدور المنسوبة إلى الأسر المذكورة وكلها الآن متوهنة وبعضها متداع إلى الخراب ومنها ما جعل خانا تباع فيه الغلات. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 282 محلة الأعجام (د) عدد بيوتها 108 يحدها قبلة حارة القصيلة وحارة داخل باب النيرب وشرقا وشمالا حارة البستان وحارة الطنبغا المعروفة وغربا داخل باب النيرب والفلاة المعروفة بسوق الجمعة وعدد سكانها 918 منهم 437 ذكرا و 481 أنثى كلهم مسلمون. آثارها جامع الأطروش ابتدأ بأساسه (آق بغا الأطروشي) نائب حلب ثم دمشق سنة 801، وكان مكانه سوق الغنم وبنى حيطانه وقطع له عمدا من الرخام البعاديني الأصفر وهي أعمدة عظيمة، وبنى له تربة داخل الجامع ووقف عليه أوقافا ثم صرف عن نيابة حلب وانتقل إلى طرابلس ودمشق ثم عاد إلى حلب ثانيا ومات بها سنة 806 قبل أن تكمل عمارة الجامع المذكور فكملها (دمر داش) نائب حلب ووقف عليه وقفا حافلا منه 5 مخازن قربه ومخزنان في بابه الشمالي وآخران تحت حجراته وقاسرية قدامه و 7 مخازن تجاه باب القلعة و 14 في سوق القشاشين ودكاكين في سوق البرادعية شرقي الجامع و 22 في السوق المذكور و 3 في سوق السقطية ودكان في سويقة علي و 7 في سوق السلاح و 5 في سوق الأبارين و 5 في سوق السقطية و 36 في سوق البسط وفدان في قرية تل نصيبين في جبل سمعان وأراضي بقرية معرة مصرين «1» في قضاء سرمين ونصف آسياب خارج باب أنطاكية بحلب وكان هذا الجامع يعرف مرة بجامع الأطروشي وأخرى بجامع تمرتاش وهو جامع حسن وبه كانت تصلى نواب حلب العيدين وكانوا قديما يصلونهما بجامع الطنبغا. اه. وهو جامع الجزء: 2 ¦ الصفحة: 283 حافل عظيم يبلغ طول قبليته سبعين ذراعا في عرض بضعة وعشرين ذراعا قد انفرد بعدة محاسن لم أرها في غيره منها الأعمدة التي بنى سقف قبليته عليها إذ لا نظير لها في الغلظ والطول ومنها محرابه الذي يستغرق المحاسن ببداعة حجره وصناعته ومنها رقاع من الفسيفساء في أعلى جبهة محرابه تراها لإتقانها وحسن صناعتها كأنما بنيت من عهد قريب ومنها منبره الذي بني كله من الحجر المرمر على أجمل طرز وأبدع شكل ومنها جهة جداره الغربي مما يلي الجادة فأنه قد اشتمل على بابه الأول وعدة شبابيك قد حف بها من صنعة البناء والنقوش ما يدهش النظر وفي شمالي هذه الجهة تكون منارته العظيمة ذات الموقفين غير أن أعلاهما لا يستعمل للتأذين لإنهدام مكبسه وخلوه عن الدربزين. ويوجد لهذا الجامع باب آخر في جهته الشمالية موجه شمالا. وفي غربي هذا الباب داخل الصحن تربة الواقف آق بغا وفيها قبره وقبر آخر توفى صاحبه في السنة التي توفى بها آق بغا وهي سنة 806 وهذا الجامع الآن قد انهدمت قبليته وسرقت حجارته وتداعى كله للخراب وله من الأوقاف ما يبلغ ريعه سنويا عشرين ذهبا عثمانيا وكان شرط له محب الدين بن محمد الشحنة في كتاب وقفه المؤرخ سنة 854 مؤذنا وشرط في هذا الكتاب عدة خيرات لتربته التي شرع بعمارتها قرب الأنصاري وللمدرسة التي سينشئها قرب داره وللسبيل الذي سينشئه برأس الدرب تجاه القلعة وكانت داره في شمالي المدرسة السلطانية وأكثر وقف هذا الجامع في هذا الخراب حوالي السلطانية وهو دور وحمام وخانات ومن جملة ما كان قرب جامع الأطروشي سوق البادستان وكان هناك معظم أوقاف الحاج أمير يونس ابن الأمير أحمد الناصري ابن الأمير محمد الحطب. وله في غير هذا الموضع أوقاف منها قاسارية في محلة المرعشي في جنوبي الخندق وشرط أن يفرق ثلث ريع هذا الوقف على جامع المهمندار وتاريخ كتاب وقفه هذا سنة 1105 وكان يوجد قرب جامع الأطروشي زاوية تغري ويرمش كافل حلب تمت سنة 841. مكتوب على باب جامع الأطروش الموجه شمالا (عمر هذا الجامع المبرور ابتغاء لوجه الله تعالى المقر الأشرف العالي المولوي العالمي العادلي المخدومي الكافلي السيفي دمرداش الناصري مولانا ملك الأمراء كافل المملكتين الشريفيتين الحلبية والطرابلسية أعز الله أنصاره وضاعف اقتداره بمحمد وآله بتولي العبد الفقير إلى الله تعالى يوسف الأشرفي وكان الفراغ منه بشهر شعبان المكرم سنة 812) وفي أسفل المئذنة (أنشأه العبد الفقير إلى الله تعالى آق بغا الظاهري غفر له) ومن الحكايات الجزء: 2 ¦ الصفحة: 284 المشهورة عن هذا الجامع أنه كان يوجد في كوة منه مرآة ينظر فيها من له غائب عن وطنه فيراه على الصورة التي هو عليها. وفي يوم ما جاء أرنودي له غائب فنظر إلى المرآة فرآه ميتا قد حمل على النعش ليقبر فثار غضبه وفي الحال أطلق عياره الناري على المرآة فحطمها وبطل هذا الطلسم. قلت: هذه الحكاية من جملة الخرافات. مسجد أشق تمر محله داخل باب النيرب قرب سوق القصيلة على يمنة السالك إليه ويعرف الآن بجامع السكاكيني. وكان أنشأه (أشق تمر) نائب حلب سنة 776 وأنشأ بقربه حماما وفرنا وخانا ومعصرة وحوانيت وقفها عليه وعلى تربته التي أنشأها ظاهر حلب في باب المقام على يمنة الخارج من المدينة وهي تربة عظيمة واسعة لها بوابة من الحجر النحيت الأبيض ذات عقد مصلب له ثلاث قناطر ومساطب رخام أصفر داخلها مدفن معقود عليه قبة كبيرة وله حوش كبيرة وبها بركة كبيرة مرخمة الدائر يصل إليها الماء من القناة في صدر هذا الحوش إيوان كبير ذو شبابيك أحدها مطل على قسطل كبير يجري إليه الماء من فائض البركة وأما المسجد المذكور فإن (محمد راجي ابن محمد علي بيازيد) جدد سقف قبليته وأنشأ في شماليه بضع حجرات برسم مجاورين لطلب العلم ووظف والدي بالتدريس وأقبل عليه الطلبة إقبالا زائدا وانتفعوا به في هذه المدرسة انتفاعا عظيما ونشأ منهم عدة علماء ذكرنا بعضهم في باب التراجم وكان في عزم المرحوم محمد راجي أن يقف لهذا المسجد ومدرسته وقفا يقوم بكفايتهما فأعجلته المنية قبل إدراك الأمنية وبعد وفاة والدي بطلت المدرسة وصارت حجراتها مسكنا للفقراء وعاد المسجد إلى فقره واحتياجه. ولم يكن لخطيبه وإمامه سوى قليل من المعاش لأن ريعه لا يزيد على ستمائة قرش في السنة. وأما أوقافه القديمة التي وقفها عليه منشئه أشق تمر المتقدم ذكرها فقد استولى عليها الناس وجرت في أملاكهم وأشرف الجامع على الخراب ثم آلت خطابته إلى الهمام الفاضل الشيخ عبد اللطيف ابن المرحوم العالم الحافظ الشيخ محمد البشير بالخياط الطيب فصرف عنايته لإعماره واستخراج له من محاسبة الأوقاف مبلغا صرفه على مرمته وإحياء شعائره وتصدى فيه لإرشاد أهل تلك المحلات فعاد للجامع والمدرسة شيء من رونقهما القديمين جزاه الله خيرا. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 285 بقية آثارها يوجد في هذه المحلة في سوق القصيلة في غربي الصف الموجه إلى الجنوب جامع تقام فيه الجمعة والسرية له من الأوقاف كفايته، وفي أواسط حارة الأعجام مسجد ينسب إلى محلة الأعجام، وفي رأس سوق القصيلة من غربيه سبيل أبي زيد، وعلى الجادة النازلة من باب النيرب في الصف القبلي منها تجاه باب حارة البستان بميلة إلى الغرب سبيل عليه بناء في جانبه مدفن ينسب للشيخ بلال وفي قرب جامع الأطروش سبيل عليه بناء أنشأته فاطمة بنت شريف آغا القرنة سنة 1315 وقفت عليه دارا في محلة البياضة وفي جدار أشق تمر قسطل معطل من آثار صاحب الجامع وفيها حمام عاشق تحريف أشق تمر المتقدم ذكره، ومداران، وثلاثة أفران، وقهوتان، وثلاث خانات لبيع الغلات. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 286 محلة داخل باب المقام (د) عدد بيوتها 151 ذكورها 634 وإناثها 621 فالجملة 1255 كلهم مسلمون يبتدئ خطها من جنوبي المحلة من الخندق تجاه الباب آخذا إلى الشرق مقدار غلوة ثم ينعطف شمالا مارا من وراء حارة الحوارنة حتى يجتاز من وراء سبيل البيك مقدار غلوة ثم ينعطف إلى الغرب ويأخذ الجادة الكبرى بصفيها وينعطف إلى الجنوب سائرا حتى يصل إلى باب المقام. آثارها المسجد العمري المضاف إلى أصلان في زقاق الحوارنة صغير تصلى فيه الجهرية ومدرسة بيت العقاد ملاصقة سبيل البيك من شرقيه وهي مدرسة عظيمة واسعة وتعرف أيضا بمدرسة الدفتردار وكانت معطلة متوهنة يسكنها جماعة من البيت المذكور ثم صرفت عليها محاسبة الأوقاف مبلغا رمتها وعينت لها مدرسا. ومسجد الأربعين محله في دهليز باب المقام تصلى فيه السرية ويقام فيه ذكر يوم الأحد. وسبيل البيك نسبة إلى أحمد بك ابن إبراهيم باشا وهو سبيل حافل له شباك كبير على الجادة الكبرى وآخر على زقاق الحوارنة وفي وسطه الصهريج العظيم الذي يستقى منه: مكتوب على جانبي شباكه المطل على الجادة (بسم الله الحمد لله الذي أنشأ هذا السبيل على يد الأمير الجليل أحمد بك أفندي إبراهيم باشا زاده الله الحسنى وزيادة سنة 1243) وفي جانبيها إيضا: لصاحب هذا الخير أجر محدد ... بناه لوجه الله والخير يحمد وقد تمّ بنيانا وحسنا فأرّخوا: ... سبيل يجازى خيره مير أحمد سنة 1243 الجزء: 2 ¦ الصفحة: 287 سبيل أصلان ملاصق مسجده من شرقيه موجه جنوبا وهو صهريج وسبيل باب المقام لصيق قهوة الحصري من شماليها وهو صهريج أيضا عمرته امرأة وقسطل باب المقام لصيقه من شماليه ينزل إليه ببضع دركات وهو قديم مكتوب في صدره (أنشأ هذا السبيل المبارك في أيام مولانا السلطان الملك الأشرف برسباي خلد الله ملكه واقتداره في كفالة المقر الأشرف قصروه كافل الممالك الحلبية المحروسة أعز الله أنصاره المقر السيفي الأشرفي نائب القلعة المنصورة بحلب المحروسة أعز الله أنصاره في العشر الأول من شهر ذي القعدة سنة 831. بقية آثارها خان الدرج على الجادة موجه غربا تباع فيه الغلات وآثار عمارته وحسن بنيانه وإتقانه وتركيبه يدل على أنه كان دارا عظيمة والمشهور عند أهل المحلة أنه كان دار رئيس الحوارنة وهم طائفة من الناس تكلمنا عليهم في حوادث سنة 885 وخان حسين الشاوي على الجادة موجه شرقا تباع فيه الغلات وحمام الصالحية تجاه سبيل البيك المتقدم ذكره مكتوب على بابها: أنعم بحمام مبانيها زهيّه ... وقد ازدهت حسنا معانيها البهيّه كتب السعود لوارديها أرخوا ... ببنائها هذا نعيم الصالحيه سنة 1122 رأيت في السجل أن هذا الحمام مما وقفه الحاج علي بن محمد بن أحمد البولادي وأحمد ابن الحاج حسين بن أحمد المعروف بابن الخليفة وشرطا غلته على خيرات من جملتها أجزاء شريفة في مدرسة الدفتردار المتقدم ذكرها ثم في المسجد العمري المعروف بأصلان السالف ذكره وهذا الحمام من إنشاء (أزدمر بن عبد الله الجركسي) في حدود سنة 890. في هذه المحلة فرن واحد في حضرة باب المقام ومدار تجاه قهوة الحصري وآخر متداع للخراب على الجادة موجه غربا ونحو خمسة عشر نولا وقهوتان إحداهما تعرف بقهوة الحصري على الجادة شمالي بوابة السقائين وجنوبي زقاق الحوارنة والثانية تعرف بقهوة الشرباتي. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 288 تنبيه: مما يضاف إلى هذه المحلة مقبرة الصالحين وتعرف بمقبرة الخليل لأنه يوجد فيها مشهد للخليل فيه قدم من الحجر ينسب إليه وفي هذا المشهد جماعة من العلماء والصلحاء ذكرهم الشيخ وفا الرفاعي في منظومته مع من ذكرهم من العلماء والصلحاه المدفونين في هذه المقبرة وهي من أشرف مقابر حلب وكان في الدرب الواصل من باب المقام إلى مقام الخليل عدة ترب ومدارس منها تربة القليجية ومنها تربة موسى الحاجب قرب باب المقام لها بوابة عظيمة وإلى جانبها حوض ماؤه من قناة حلب أنشأها موسى بن عبد الله الناصري نائب السلطنة بالبيرة ثم حاجب حلب وكان ذا فضل وكرم وسياسة توفي في البيرة سنة 756 ونقل إلى تربته بحلب ومشهد الخليل المذكور يعرف أيضا بمقام إبراهيم عليه السلام وقد أنشأ فيه خانقاها الأمير مجد الدين أبو بكر محمد بن الداية وهي الآن مشرفة على الخراب ولها منارة على باب المقام معطلة مائلة للسقوط وغلق الباب حجر أسود واحد وفي شرقي صحن الخانقاه مغارة تسمى مغارة الأربعين وفي جنوبي الصحن حرم للصلاة في جانبه حجرة في صدرها محراب في أسفل صدره صخرة ناتئة يقال إنها هي الصخرة التي جلس عليها إبراهيم الخليل عليه السلام مستقبلا حلب حين فارقها كأنه يودعها ويتأسف على فراقها وفي هذا المسجد من جهة الشمال قبر الإمام علاء الدين أبي بكر القاشاني الحنفي وقبر امرأته فاطمة بنت شيخه علاء الدين السمرقندي. وفي قبلي المسجد مقبرة جليلة فيها جماعة من الأخيار منهم الأصولي برهان الدين البلخي وكان شيخ الحنفية في عصره ومنهم الزاهد العابد الحسين بن عبد الله بن حمزة الصوفي القدسي وتجاه الخليل تربة بني العشائر. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 289 المغازلة أو محلة جامع بزة (د) عدد بيوتها 142 عدد سكان هذه المحلة 511 ذكرا و 573 أنثى مجموعهم 1084 نسمة كلهم مسلمون والمغازلة تحريف المغازلي نسبة إلى الشيخ محمد المغازل الآتي ذكره وبزة إما أن تكون محرفة عن البز وهو القماش أضيفت المحلة إليه لكثرة ما يوجد فيها من نسج الأقمشة أو هو لفظ تركي معناه نحن ولا أدري حينئذ ما سبب إضافة المحلة إليه. ولعل الذي بنى جامعها كان تركيا يعرف بهذه اللفظة. هذه المحلة يبتدئ خطها من غربيها بميلة إلى الشمال بحمام الحمداني المعروف الآن بحمام ساحة بزة مارا شرقا إلى الجنوب حتى يتصل بخندق قلعة الشريف ثم بخندق المغازلة يفصل بين هذين الخندقين جدار قديم من السور ثم يمشي إلى باب المقام ومنه ينعطف شمالا إلى الجادة وراء جادة باب المقام من غربيها حتى يتصل بالحمام المذكور. هذه المحلة طيبة المناخ مع كثرة قاذوراتها لها حق وافر من قناة حلب التي يصعد ماؤها في بعض المواضع منها نحو ثلاثة أذرع عن وجه الأرض. آثارها مسجد صغير في زقاق المحبك غربي قسطل المغازلة تقام فيه الجهرية ومسجد الشيخ محمد المغازلي في زقاق الجبل شرقي زقاق المحبك وهو مسجد فسيح في صحنه حجرة تعلم فيها الأطفال وفيه قبلية جميلة لكنها محتاجة للترميم وفي غربيها ضريح من الرخام الأصفر يقولون أن الدفين فيه رجل يقال له الشيخ محمد المغازلي منقوش على نصبتي القبر نظم ونثر يفهم منهما أن صاحب القبر اسمه درويش وأنه كان حسيبا نسيبا من بيت ثروة وغنى مات في شرخ شبابه عام 1045. مكتوب على باب هذه القبلية شعر يفهم منه أن باني هذا المسجد ومؤسسه رجل من الأشراف يقال له صلاح الدين أنشأه سنة 1046. جامع بيز أو جامع عبيس أو جامع بزة وهو أعظم مساجد هذه المحلة محله في الجادة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 290 الكبرى الممتدة من ساحة بزة إلى باب المقام على الصف الموجه إلى الجنوب وهو واسع الصحن في وسطه حوض كبير مساحته فوق عشر بعشر وفي شرقيه مكتب تعلم فيه الأطفال وله قبلية عظيمة ومنارة فوق بابه تقام فيه الصلوات والجمعة وأوقافه قائمة بكفايته. سبلانها قسطل قديم في زقاق المحبك المتقدم ذكره يهبط إليه ببضع دركات وفي جانب حوضه من غربيه صهريج كبير ينسب إلى السجان وله خيرات مشروطة في وقفه، وسبيل الحاج خليل الشربجي في زقاق بيت المعصراني قرب جامع بز في جنوبيه وسبيل ملاصق باب الجامع المذكور من غربيه مكتوب على نجفة شباكه أنه من إنشاء أهل الخير سنة 1116 وتاريخه بالجمل (وماء شرابه تسنيم) وسبيل محمد آغا الجاويش الصباهي في جادة المغازلة غربي جامع بز تجاهه دكان وقف عليه ومحمد آغا المذكور من مماليك المرحوم السلطان محمد خان العثماني وكانت وفاته في حدود سنة 1295 وعمر سبيله المذكور سنة 1272. يوجد في هذه المحلة ثلاث كرخانات لطبع المناديل وأربع قاساريات لحياكة الأقمشة الأولى قبالة جامع بز فيها نحو عشرين نولا وتعرف بقاسارية بيت الألجاتي والثانية ملاصقة لها من جنوبيها فيها خمسة أنوال والثالثة على الجادة في سوق المحلة وتنسب لأمين أفندي العطار وفيها أربعة أنوال والرابعة في زقاق المداراتي وفيها ثلاثة أنوال وفي المحلة فرن واحد جنوبي جامعها جار في أوقافه (غريبة) يوجد في زقاق الركبي من هذه المحلة غربي جامعها الكبير بضع عشرة دارا متلاصقة ببعضها يقال إنها كانت تنفذ إلى بعضها بأبواب باقية آثارها إلى الآن والمشهور عند ذويها أن سبب هذا هو استيلاء الخوف في الأجيال القديمة وعدم الأمن فكان أهلها يسهرون عند بعضهم ليلا دون أن يخرجوا إلى الأزقة حذرا من أن يتعرض إليهم أحد. تنبيه: كان يوجد في هذه المحلة غربي جنينة الفريق مسجد ينسب إلى ناصر الدين محمد بك ابن برهان وتربة مطلة على المسجد من انشائه أيضا، ومن جملة أوقافه حمام بمحلة الجرن الأسود يعرف بالواقف وكان قديما يعرف بحمام الذهب وفرن بالمحلة المذكورة ودار قرب المدرسة الصاحبية والمفهوم من كتاب هذا الوقف أنه كان يوجد عند جامع الطواشي محكمة تعرف بمحكمة جبل سمعان وهذا الوقف كبير أكثره مسقفات موقوفة على المسجد الجزء: 2 ¦ الصفحة: 291 المذكور تاريخه سنة 931 وكان قرب سراي إسماعيل باشا مسجد يقال له مسجد عبد الغفار شرطت له خديجة بنت عبد الله بن عبد المنان معتقة إسماعيل باشا ربع غلة وقفها بعد انقراض ذريتها وكان يوجد في سراي إسماعيل باشا جامع يعرف بالروضة أنشأته الحاجة عفيفة بنت الحاج محمد آغا أبازه ابن عبد الله آغا يشتمل على ثلاثين حجرة وقد وقف عليه ولدها الحاج إسماعيل باشا والي حلب بن عثمان باشا وقفا عظيما شرط فيه لكل مجاور شيئا معلوما وشرط أمورا كثيرة تشاكل ما شرطه عثمان باشا الدروكي في وقفه لجامعه الرضائية المتقدم ذكره ووقف إسماعيل باشا عبارة عن قاسارية عظيمة وثمان عشرة دكانا وبستان في محلة بزة تاريخه سنة 1164 وكان يوجد في هذه المحلة مدرستان إحداهما تدعى المجدية الداخلية ومحلها داخل بوابة النبي والأخرى تدعى المجدية البرانية خارج البوابة المذكورة نسبة إلى مجد الدين ابن الداية وكلاهما مما لا أثر له الآن. أما مسجد عبد الغفار فهو باق لكنه مشرف على الخراب وأما مسجد الروضة فلا أثر له كما أن سراي إسماعيل باشا أصبحت قاعا صفصفا ثم في الأيام الأخيرة عمر في طرف منها بعض دور صغيرة وعمر في قسمها الأعظم دار عظيمة ذات جنينة واسعة تشتمل على دولاب وعدة حياض تملأ منه. عمرها السيد عبد الرحمن ابن الحاج أحمد الجوبي وقد جعل فيها دارا للضيوف والزائرين الذين يعد لهم من القرى والإكرام ما يدل على رحب صدره وفرط سخائه والأسر القديمة في هذه المحلة هي أسرة الجوبي والدار المذكورة هي الدار العظيمة في هذه المحلة ليس إلّا. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 292 محلة داخل باب النيرب (د) عدد بيوتها 52 ذكورها 209 وإناثها 203 فالجملة 412 نسمة كلهم مسلمون يبتدئ خطها من شماليها بجنينة الفريق مارا منها وراء حمام الذهب إلى سوق القصيلة إلى وراء جامع الطواشي إلى جادة باب المقام حتى يتصل بخان العرصة. آثارها مسجد زقاق النخلة صغير جدده الحاج (عبد القادر بن عمر بن سليم) تقام فيه الجهرية. جامع الطواشي محل هذا الجامع في رأس الجادة الكبرى الآخذة إلى باب المقام على يمنة المتوجه فيها جنوبا وهو جامع حافل متسع الصحن والقبلية مشتمل على أروقة في جهاته الثلاث وعلى حوض فوق عشر بعشر وله بابان أحدهما على الجادة المذكورة والثاني في غربيه على الجادة الآخذة إلى ساحة بزه وله منارة وتقام فيه الصلوات والجمعة والذي أنشأه صفي الدين جوهر العلائي الطواشي في أواسط القرن الثامن ثم جدده ووسعه (سعد الله بن علي بن عثمان) الملطي. مكتوب على بابه الشرقي (بسم الله الرحمن الرحيم أنشأ هذا الجامع العبد الفقير إلى الله تعالى صفي الدين جوهر بن عبد الله الطواشي ثم جدده الفقير إلى الله الحاج سعد الله ابن الحاج علي ابن الفخري عثمان الملطي غفر الله له ولوالديه وللمسلمين بتاريخ سنة 944) أقول هذا الجامع الآن محتاج للتعمير والترميم وغلة أوقافه غير وافية وكان يوجد باتصاله زاوية يقال لها الجايية نسبة إلى الجاي أمير السلاح في أيام (إشقتمر المارديني) وكان باقيا لها باب مكتوب عليه (أمر بعمارة هذه الزاوية مولانا المقر الكريم المولوي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 293 الملكي المخدومي الأعظمي السيفي الجاي أمير السلاح الأشرفي أعزّ الله أنصاره وأعلى مقامه وجعلها مأوى للفقراء المترددين والصلحاء الواردين وشرط أن تقام فيها صلاة الجمعة والعيدين وذلك في شهر ربيع الأول سنة 744) . وكان في شماليه أي شمالي جامع الطواشي مدرسة أخرى تعرف بالصاحبية أنشأها القاضي بهاء الدين أبو المحاسن (يوسف بن رافع بن تميم المعروف بابن شداد) في سنة 601 وتجاه هذه المدرسة كان يوجد مدرسة لنور الدين زنكي ثم عمر القاضي بهاء الدين في جوار مدرسته دارا للحديث وجعل بين المكانين تربة أعدها لنفسه فدفن فيها بعد وفاته ويوجد في جنوبي الجامع المذكور مدفن لسعد الله الملطي المتقدم ذكره وهو مدفون فيه وفي قرب هذا المدفن أيضا مدفن يعرف بالزعتري وسبيلان أحدهما يعرف بالزعتري والآخر ببركات وقسطل ملاصق جامع الطواشي من شماليه من إنشاء صفي الدين جوهر منشئ الجامع المذكور كما يفهم من كتابة محررة في صدره وقد وقفت خديجة بنت عبد الله بن عبد المنان معتقة إسماعيل باشا وقفا كله بساتين وشرطت أن تقسم غلته بعد انقراض ذريتها بين جامع الطواشي ومسجد عبد الغفار قرب سراي إسماعيل باشا وجامع منكلي بغا والفقراء وذلك في 10 شوال سنة 1189 وشرط الزيني فرج بن العلاء والصارمي إبراهيم ابن القاشاني في وقفيتهما محدثا في جامع الطواشي في الأشهر الثلاثة له 400 درهم فضة في كل سنة وآخر في بقية السنة له 440 في السنة وثلاثة قراء وخادما. بقية آثارها فيها لبيع الغلات على الجادة في الصف الموجه شرقا خان يقال له خان العرصة في شماليه خان ينسب للدلال باشي «1» تجاهه خان ينسب للبيلماني في شماليه خان يعرف بالقبو تجاهه خان يعرف بالقهوة وفيها مصبغتان ومصبنة تنسب لبيت الحلاج على الجادة موجهة إلى الغرب وقاسارية كبيرة جدا مختصة بأنوال النسج واقعة على الجادة موجهة غربا وبيت قهوة تجاه جامع الطواشي كان يجتمع فيها الحماماتية ويتفاوضون بأحوال مهنتهم الخبيثة وفيها حمام واحد يعرف بحمام الذهبي إضافة إلى ولي مدفون في حجرة متصلة بالحمام من شماليه الشرقي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 294 لها شباك على الجادة زعم البعض أنه هو شمس الدين بن محمد بن أحمد عثمان بن قايماز الذهبي الدمشقي المحدث الكبير المؤرخ صاحب كتاب تاريخ الإسلام وكتاب الموت وما بعده المتوفى في دمشق سنة 748 كما ذكره ابن الوردي في حوادث السنة المذكورة ثم أن هذا الحمام عرف بحمام ناصر الدين بك لأنه داخل في أوقافه وكانت المحلة الموجود فيها الحمام تعرف بمحلة الجرن الأسود قلت: وهو الآن جار بأوقاف الحرمين الشريفين وعلى أرضه حكر يدفع إلى متولي وقف ناصر الدين. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 295 محلة الطنبغا (د) عدد بيوتها 172 يحدها قبلة حارة البستان والدحداله وغربا الفلاة المعروفة باسم سوق الجمعة وشمالا حارة أغليبك وشرقا خندق البلدة وتعرف أيضا بالمزوق. عدد سكانها 1431 نسمة منهم 700 ذكر و 731 أنثى كلهم مسلمون. آثارها جامع الساحة وهو جامع الطنبغا الصالحي نائب حلب ثم دمشق سنة 723 وكان محله يعرف بالميدان الأسود وهو أول جامع بني بحلب بعد الجامع الكبير داخل سورها على كتف خندق الروم يشتمل على محاسن كثيرة له بابان أحدهما غربي يستطرق منه إلى صحن الجامع وهو بابه الكبير بجانبه ميضأة كبيرة النفع والآخر شرقي صغير يستطرق منه بواسطة جسر إلى ظاهر البلد وقد ركب عليه الطنبغا باب قلعة النقير لما فتحها وأخربها وهذه المحلة تنسب إليه لأنها عمرت بسبب جامعه وقد جلب له العمد العظيمة التي تضاهي عمد جامع الأطروش من قورس ووقف عليه أوقافا كثيرة بالبر والمدينة ولما كمل بناؤه كان افتتاحه يوم الجمعة فخطب فيه (حسن بدر الدين بن محمد بن حبيب) وقرأ في خطبته الحديث المتسلسل بالأولية مناسبة وتبركا وهو أول حديث قرىء بهذا الجامع وفيه يقول: في حلب دار القرى جامع ... أنشأه الطنبغا الصالحي رحب الذرى يبدو لمن أمّه ... لطف معاني حسنه الواضح مرتفع الرايات يروي الظما ... من مائه بالشارب السارح يهدي المصلي في ظلام الدجى ... من نوره باللامع اللامح الجزء: 2 ¦ الصفحة: 296 من حوله الروض يروى الورى ... من زهره بالفائق الفائح لله بانيه الذي خصه ... بالروح للغادي وللرائح ويوجد باتصال هذا الجامع من شماليه مكان عظيم كان يخزن به الملح والآن يستعمل لطبع المناديل. قال ابن الشحنة: أظنه كان خانقاه للمسجد المذكور وكان المتولي يأخذ أجرته ويصرفها على المرتزقة. قلت: هذا الجامع شبيه بجامع آقبغا بعظمته وإتقان عمارته إلا أنه الآن متوهن محتاج للترميم وأوقافه مضبوطة إلى جهة إدارة الأوقاف وله منها شيء معين في السنة يقوم بضرورياته. مكتوب على بابه (أنشأ هذا الجامع المبارك الفقير إلى الله تعالى المقر الأشرف العالي العلائي الطنبغا الناصري في أيام دولة مولانا السلطان الملك الناصر محمد عز نصره في شهور سنة 718) . بقية آثارها تربة الطنبغا في زقاق ضمامة اللؤلؤ وتعرف الآن بالمدرسة بناها الطنبغا المذكور وكانت تربة حافلة لم يبق منها الآن سوى رسم قبلية في جنوبيها محراب ليس إلّا. قد استولى عليها الناس وجعلت بيتا. قال ابن الشحنة وذكر لي أن بها قبرا لأحد أولياء الله تعالى. مسجد في زقاق وزاوية أبي الجدائل في حارة المزوق أيضا وهي عامرة بالأذكار أستاذها الشيخ عبد السلام ابن الأستاذ الشيخ سالم خليفة أبي الجدائل. ذكر إسماعيل صادق بن كمال باشا شيخ الحرمين في كتابه الذي ألفه في مناقب الأولياء والصالحين أن أبا الجدائل هذا هو الشيخ محمود وأنه كان منزويا عن الناس وله عدة كرامات توفي سنة 1271 وهو مدفون في زاويته التي وقفها سنة 1271 وشرطها لخلفائه. اه. يوجد قرب هذه الزاوية سبيل وبئر على كل منهما قنطرة في جنوبي ساحة الملح ومما يلحق بهذه المحلة حمام اللبابيدية مما أنشأه الأمير (يلبغا الناصري) المتوفي سنة 893 فهو يعرف في الكتب التاريخية بحمام الناصري محله على حافة خندق القلعة في سوق الدواب تجاه برج القلعة الجنوبي وهو حمام عظيم متقن البناء قد عمر حائط بابه بالحجارة السود والصفر صفا صفا. تدلك فيه الآن اللبابيد ويملكه بعض الناس بطريق الإجارتين. وفي جنوبي هذا الحمام تربة (أرغون الدوادار الناصري) المتوفي سنة 731 وهو مدفون بها وتعرف الجزء: 2 ¦ الصفحة: 297 في زماننا بتربة الشيخ قويق وقد تكلمنا على أسباب تسميتها بهذا الاسم في الكلام على نهر قويق وهي الآن متداعية للخراب. وكان في هذه المحلة قرب الحمام المذكور مدرسة للحنفية اسمها الشهابية وأخرى اسمها القلقاسية وقف كل منهم أربعة أفدان من الملوحة. والأسر الشهيرة في هذه المحلة أسرة آل الخياط المعروفة أيضا بأسرة بيت الطبيب وجيهها الشيخ عبد اللطيف ابن الشيخ محمد الذي ألمعنا إليه في الكلام على جامع أشق تمر ومنها أسرة خلفاء الشيخ أبي الجدائل ووجيهها الخليفة في زاويتهم الأستاذ الشيخ عبد السلام المتقدم ذكره. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 298 محلة أوغلبك (د) عدد بيوتها 99 يحدّها قبلة وغربا محلة الطنبغا وشرقا خندق الروم وشمالا محلة البياضة وهي محلة مرتفعة جيدة الماء والهواء يجري الماء إلى آبارها من قناة حلب في أنفاق عظيمة فيلطف ويطيب ويبرد. سميت بمحلة أو غلبك نسبة إلى (عثمان بن أحمد أو غلبك) وتعرف أيضا بمحلة باب الأحمر لأنه يخرج منه إلى الأراضي الحمر إحدى نواحي حلب عدد سكانها 771 منهم 354 ذكرا والباقون وهم 417 أنثى. آثارها جامع أوغلبك المعروف بجامع باب الأحمر تقام فيه الصلوات الخمس والجمعة والعيدين، أنشأه الأمير عثمان المذكور سنة 885 ووقف عليه أوقافا جليلة في حلب وغيرها جميعها مضبوطة لجهة إدارة الأوقاف وهي تنفق عليه قدر كفايته. الزاوية الصيادية بدأ بتأسيسها السيد الشيخ (محمد أبو الهدى ابن الشيخ حسن وادي) الصيادي سنة 1295 ثم تتابع فيها البناء حتى كملت سنة 1327 وهي زاوية حافلة كثيرة الغرف والمقاصير جميلة المناظر في غربي قبليتها ضريح الأستاذ الشيخ حسن وادي. وكان لها باب من داخل محلة أوغلبك ثم هدم هذا الباب وأبطل وفتح لها باب تحت القلعة على شفير الخندق قرب باب محلة الطنبغا. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 299 بقية آثارها سبيل قرب باب هذه المحلة النافذ إلى ساحة الملح وحمام باب الأحمر أنشأه الأمير (عثمان المذكور) وسبيل خارج باب المحلة النافذ إلى محلة البياضة يقال له سبيل الحسبي في حدود سنة 1280 عمر فوقه قصرا له ومسجد السروة في ظهر السبيل المذكور يقال إنه من آثار بني الحسبي وله أوقافهم عدة شروط على الخيرات والقراء. تنبيه: الأسر الشهيرة في هذه المحلة أسرة بني الصياد ووجيهها السيد الشيخ عبد الرزاق أستاذ التكية الصيادية السالفة الذكر ونقيب أشراف حلب وهو ابن السيد حسن وادي الصيادي دفين التكية المذكورة. وأسرة بني الحلاج وأسرة بني قناعة وأسرة بني عيسى والدور العظام في هذه المحلة هي الدور المنسوبة إلى هذه الأسر. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 300 محلة البياضة عدد بيوتها2 G 60 يحدّها قبلة أوغلبك والطنبغا وشرقا خندق الروم وشمالا الجبيلة وغربا خندق القلعة ومستدام بك ويقال إنها سميت بهذا الاسم لأنها كانت تشتمل على خان مختص ببيع البيض وآثاره باقية في سوقها حتى الآن وقيل لأن أرضها كانت حوارا أبيض وعلى هذا يجب أن تلفظ بتخفيف الياء وهي من أعمر محلات حلب وأجودها ماء وهواء عدد سكانها 390 ذكرا و 999 أنثى فجملتهم 1289 نسمة كلهم مسلمون. آثارها جامع الحموي أنشأه الحاج محمد بن داود النوري بضم النون المغربي سنة 968 وهو المدفون في شرقيه ثم في سنة 1183 جدده ووسعه الحاج (حسن بن عبد الرحمن الحموي) وعمر له منارة وأحدث فيه خطبة وشرط له عدة خيرات وهو الآن جامع معمور بالشعائر فسيح الصحن في شماليه دكة واسعة راكب بعضها على فرن جار في أوقافه. وفي شرقي هذه الدكة حجرتان جميلتان غير مسكونتين في أكثر الأوقات وكانت ميضأته في غربي الدكة المذكورة. ثم في حدود سنة 1285 أخرجت إلى ظاهره على بابه في رأس درجه عن يمين الداخل إليه. وقد حكينا خبر انقضاض الصاعقة على منارة هذا الجامع فيما حكيناه من حوادث سنة 1292 فراجعها. جامع الصروي محله في شمالي سوق البياضة مكتوب على بابه بعد البسملة (إنما يعمر مساجد الله إلخ) أنشأ هذا الجامع المبارك العبد الفقير إلى الله تعالى الحاج ناصر الدين بن محمد بن بدر الدين بتلنك الصروي غفر الله له ولوالديه وللمسلمين في شهور سنة 780) أقول كان هذا الجامع الجزء: 2 ¦ الصفحة: 301 صغيرا ليس فيه سوى قبلية وصحن ضيق ثم في حدود سنة 920 أنشأ تتمته التي هي المدرسة الآن (علي بن سعيد الملطي) وجعل بها إماما ومدرسا وطلبة في حجراتها ووقف عليها أوقافا جيدة وكتبا جمة وأعدّ بها مدفنا له وهي الآن معطلة عن الطلبة وأما أرباب الشعائر كالإمام والخطيب والمدرس فإنهم يأخذون معينهم من الأوقاف الأميرية لأن وقفها ضبط إليها. مسجد الخواجه سعد الله الملطي محله في شرقي الجادة تجاه القسطل الطويل أنشأه (سعد الله بن علي بن عثمان الملطي) المتوفى سنة 946 وأنشأ تجاهه قسطلا يهبط إليه ببضع وعشرين درجة يعرف في زماننا بقسطل الطويل وأنشأ فوق هذا القسطل مكتبا لتعليم الصبيان وقف على ذلك أوقافا حسنة ومسجده الآن معمور بالشعائر وأما المكتب فمعطل والقسطل يستقي منه سكان المحلة وللخواجه أحمد بن تيمور الملطي وقف كبير هو طاحون عين اللبن وحمام ودكاكين في عينتاب وحمام الخواجه في سوق الهواء بحلب وطاحون عين مبارك في ظاهر حلب شرط فيه عدة خيرات لأطفال مكتبه وغيرهم تاريخ وقفه 846. التكية الإخلاصية محلها تجاه جامع الصروي بميلة إلى الشمال منسوبة إلى الشيخ (إخلاص الخلوتي نزيل حلب) المتوفي سنة 1074، عمرها له الوزير الأعظم محمد باشا الأرنؤد وهي زاوية جميلة وقف عليها وقفا عظيما تعمل فيها في زماننا الخلوة الرفاعية في فصل الربيع قال أبو الوفا العرضي في معادن الذهب ما حاصله إن الشيخ إخلاص كان له في كل سنة في فصل الشتاء خلوة عامة يجتمع إليها المريدون فيصومون ثلاثة ويأكلون عند المساء مقدار أوقيتين من الحريرة ورغيفا من الخبز أكثر من أوقية ولا يشربون الماء القراح بل يشربون القهوة ويستمرون في الذكر والعبادة آناء الليل وأطراف النهار وباقي الأيام يقومون سحرا ويتهجّدون على قدر طاقتهم ثم يأخذون في الذكر إلى وقت الأسفار ثم يصلون الصبح ويقرءون الأوراد إلى ارتفاع الشمس فيصلون الإشراق. اه. مكتوب على باب قبليتها: لك الحمد يا من أرشد الخلق للهدى ... وسيّر في بحر التقى كل غواص الجزء: 2 ¦ الصفحة: 302 وأرسل للشهبا الوزير محمدا ... فأسدى بها المعروف للعام والخاص وأنشأ فيها مسجدا دام عامرا ... بذكر وتوحيد مدى الزمن القاصي وأخلص في إنشائه متضرعا ... إلى ربه العافي عن المذنب العاصي وقال لسان الحال إذ تم أرخوا ... بنى مسجدا لله داعي باخلاص أقول: محمد باشا هذا لم يكن واليا في حلب إنما حضر إليها لإصلاح بعض أحوالها وأمر بعمارة هذه الزاوية من ماله فعمرت في غيابه عن حلب وكتب له بنجازها فأمر بشراء أملاك وقفها عليها. بقية آثار هذه المحلة مكتب الحموي «1» أنشأه الحاج محمد بن داود المغربي سنة 968 وجدده ووقف عليه الحاج (حسن بن عبد الرحمن الحموي) وهو تجاه جامعه، سبيل الحموي في جنوبي جامعه تجاه بوابة الحموي أنشأه الحاج حسن المذكور وفي غربي هذا السبيل تربة الحموي فيها بعض قبور لا أعرف من هو الذي بناها وهي مشرفة على الخراب، مسجد السنكري في زقاق السنكري في شرقي المحلة قرب باب بالوجه «2» الذي هو أحد أبواب حلب، قسطل السعدي تحت جامع الصروي أنشأه (علي بن سعيد الملطي) المتقدم ذكره، مسجد زقاق الدولاب أي دولاب حمام نفيس المعروف بحمام البياضة، سبيل في شمالي باب تكية إخلاص، جب سبيل في زقاق الجذبة داخل زقاق القسطل الطويل أنشأه (أحمد بن محمد بن صالح الجذبة) وفي المحلة مصبنة الحموي قرب جامعه وهي جارية في وقفه وقاسارية الدولاب قرب قبو المسلاتية، وقاسرية الشهبندر قرب جامع الصروي من شماليه، وفرنان، ومداران، وقهوة، وحمام يعرف بحمام البياضة تجاه جامع الصروى بميلة إلى الجنوب وهو مما أنشأه جمال الدين أبو المحاسن ابن الزيني نفيس بن عبد الصمد أحد أعيان الخواجكية في وقته بحلب سنة 854 وكان من جملة أوقافه على تربته النفيسية الآتي ذكرها في محلة مستادم بك «3» . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 303 تنبيه: الأسر الشهيرة في هذه المحلة- أسرة آل الرفاعي التي منها يكون خلفاء التكية الإخلاصية الرفاعية بالتسلسل عن جدهم الأعلى (محمد وفا بن محمد بن عمر) وأسرة آل الغوري المنسوبة إلى المرحوم السلطان قانصوه الغوري وأسرة آل سلطان وأسرة آل الحموي الذين جدهم الأعلى (حسن بن عبد الرحمن الحموي) صاحب الوقف على الجامع المتقدم ذكره في هذه المحلة. وأسرة آل الكوراني الذين منهم (صلاح الدين) . وأسرة آل الحسبي المنتسبين إلى (عبد الله بن محمد حجازي) والدور العظام في هذه المحلة هي الدور المنسوبة إلى هذه الأسر. اه.. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 304 محلة مستدام بك عدد بيوتها 95 يحدّها قبلة البياضة والجبيلة وشمالا شاهين بك والجبيلة وغربا شاهين بك والفرافرة. عدد سكانها 402 ذكرا و 459 أنثى فجملتهم 861 نسمة كلهم مسلمون. هذه المحلة كانت تسمى حارة البستان، وأما نسبتها إلى مستدام بك فحادث بحدوث تعميره جامع النفيسية الآتي ذكره. آثارها جامع المستدامية في شمالي المحلة كان يعرف بالنفيسية والدمغانية والبيازيدية أنشأه نفيس جمال الدين أبو المحاسن بن الزيني بن عبد الصمد أحد أعيان الخواجكية في وقته بمدينة حلب وأنشأ في داخله تربة لنفسه ودفن بها وشرط لها في وقفه عدة خيرات وكانت وفاته سنة 854، ثم في سنة 920 وقف ابن ابنه محمد بن ناصر الدين وقفا حافلا شرطه بعد انقراض ذريته على تربة جده. ثم إن مستدام بك ابن عبد السلام أحد عتقاء السلطان قانصوه الغوري وقف وقفا كبيرا شرط فيه عدة خيرات ولهذا الجامع وغيره وهذه خلاصتها: وقف مدارا في ظاهر باب النيرب وآخر تحت القلعة وستة عشر قيراطا من طاحون أرتاح في العمق ونصف جنينة زقاق المسك بحلب وبناء حانوتين بصليبة بانقوسا وثلاث حوانيت في السوق الصغير في محلة خراب خان وبناء حانوت بسوق الخريزاتية وبناء حانوت في الصف الشمالي من العطارين ومما هو جار في أوقاف هذا المسجد بستان في ناحية اليهوديات يعرف باسم بستان مصطفى آغا وهو بستان عظيم يؤجر من جهة إدارة الأوقاف بنيف ومائتي ذهب عثماني. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 305 شروطه شرط في كل سنة 100 دينار لتقي يحج عنه نافلة و 100 أخرى لتقي يحج عنه فريضة و 100 تصرف على طعام الصائمين الفقراء في رمضان و 50 فيما يترتب على فقراء محلة أوغلبك من العوارض السلطانية و 50 فيما يترتب على فقراء محلة الجبيلة كذلك و 100 على كسوة العاجزين والأرامل في العيدين وشرط التولية بعده لذريته وبانقراضهم يلحق وقفه بوقف المرحوم السلطان قانصوه الغوري بحلب الموقوف على الحرمين وبيت المقدس والخليل وعلى عتقائه الموجودين وأعقابهم وتوزع غلته كما توزع غلة وقف الغوري ويعطي متولي وقف الغوري حينئذ 60 دينارا في السنة تحريرا في سنة 1020. ثم زاد شروطا أخرى وهي أن يعطي في كل سنة 50 دينارا لفقراء مكة ترسل مع حامل الصرة المقدمة من وقف السلطان الغوري في ولاية حلب و 50 لفقراء المدينة كذلك و 50 لفقراء بيت المقدس والخليل و 20 ثمن الحنطة وزيت للمجاورين بمزار نبي الله بلوقيا و 80 ثمن حنطة وزيت وعدس للتكية المولوية خارج حلب في غربيها و 25 لأربعة قراء في جامع النفيسية الذي جدده وعمل فيه مدرسا و 20 لمؤذنين فيه و 10 لفراشه وشعاله وخادمه و 21 لخطيبه وإمامه ومدرسه و 10 لزيته وشمعه و 5 لحصره وبسطه و 2 لشمع مجاوريه تحريرا في سنة 1021 ثم وقف خمسة آلاف دينار علاوة على خمسة عشر ألف دينارا كان وقفها قبلا وشرط أن يصرف من غلة وقفه وربح الدنانير في كل سنة 62 دينارا لعشرة قراء علاوة على العشرين قارئا الذين شرطهم في جامعه قبلا و 10 لمؤذن ثالث وأن يصرف في كل يوم 10 عثمانيات لواعظ في جامعه يومي الجمعة والاثنين و 360 عثمانيا في السنة لثلاثة رجال يقرأ أحدهم سورة ياسين بعد الصبح والثاني سورة عم بعد الظهر والثالث سورة الملك بعد العشاء و 260 عثمانيا لخطيب جامعه بأرتاح و 360 لإمامه و 300 لمؤذنه و 360 لفراشه و 360 لزيته و 360 لحصره و 360 لإمام مسجد سويقة حاتم قرب الدباغة العتيقة ويعرف بمسجد شمعون و 75 دينارا في السنة لحصر جامع أموي حلب وإذا كان مستغنيا عنها يشتري بها زيت له و 52 دينارا لدرويش مولوي يكون خادما في الأموي المذكور و 100 دينار إلى متولي وقفه علاوة على ما شرط له قبلا تحريرا في سنة 1022: أقول هذا الجامع الآن معمور بذكر الله تعالى إلا أن مدرسته معطلة عن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 306 الطلبة يسكن حجراتها بعض الفقراء كما أن أكثر شروطه مهملة وقد دخل وقفه في إدارة الأوقاف الأميرية والتربة التي أنشأها نفيس ما زالت موجودة في شرقيه إلا أنها مائلة للخراب لم يبق منها سوى الحجرة المدفون بها نفيس المذكور. المدرسة الرحيمية وقفتها الشريفة رحمة بنت عبد القادر بن أحمد بك مدرسة ولها وقف جزئي لا يكاد يقوم بكفايتها تاريخ كتابه سنة 1156 وهي الآن عامرة مدرسها الفقيه النبيه الفاضل المدقق الشيخ إبراهيم ابن علامة عصره المرحوم الشيخ (عبد السلام بن محمد بن عبد الكريم) والطلبة يترددون على هذه المدرسة للأخذ عنه وهو باذل قصارى جهده بإعمارها وإحياء شعائرها. بقية آثار هذه المحلة مسجد بلبان تجاه حمام بلبان مسجد الأكنجي أي المسلاتي في الزقاق النازل من قبو المسلاتيه إلى حمام بلبان على يسار السالك: سبيل البلباني وزيارته لصيق مسجد الأكنجي: قسطل الأكنجي تجاه مسجده بميلة إلى الشرق: سبيل المستدامية في شرقي جامعها مكتب المستدامية قرب جامعها في جنوبيه ميضأة المستدامية لصيق مكتبها من شماليه: سبيل الشيخ إبراهيم مؤذن جامع مستدام بك في الجادة النازلة من الجبيلة إلى جامع المستدامية في الصف الموجه شرقا أنشأ السبيل المذكور سنة 1305 وشرط له كفايته من ريع دار وراءه وقفها على ذريته وكان يوجد في هذه المحلة قرب جامع مستدام بك مدرسة تعرف بالمظفرية واقفها رجل صوفي مدفون في الجبيلة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 307 محلة شاهين بك عدد بيوتها 82 يحدها قبلة وشرقا مستدام بك وشمالا مقبرة الجبيلة وغربا محلة الفرافرة: عدد سكانها 719 الذكور 326 والإناث 393 كلهم مسلمون. هواء هذه المحلة وماؤها كمحلة الجبيلة الآتي ذكرها. آثارها المسجد العمري كان فوق قسطل العوينة وهو مسجد لطيف مشتمل على قبلية تعلم فيها الأطفال مبنية على قبو معقود فوق طريق العوينة وفي سنة 1313 هدم المسجد والقبلية توسعة للشارع المار من تحت المسجد الآخذ إلى الخندق الرومي المتخذ شارعا أعظم في هذه السنة ولهذا المسجد من الريع ما يقوم بضرورياته وهو مسجد قديم جدا جدد عدة مرات وكان آخر من جدده سنة 1142 صاحب الاسم المذكور في الشعر الذي كان مكتوبا على بابه وهو: إن عثمان قطب أفق المعالي ... نجل شيخ الإسلام رفق الله قد بنى مسجدا ونال ثوابا ... ضافي الأجر ليس بالمتناهي شاد أركانه بتاريخ بيت ... فيه بشرى تجل عن أشباه إنما يعمر مساجد الله من ... آمن بالله نص قول الله ثم إن دائرة البلدية عمرت عوض هذا المسجد مسجدا قرب باب دار الحكومة على صفه مشتملا على حجرة لتعليم الأطفال وعلى قبلية للصلاة: ومن آثار مسجد هذه المحلة مسجد شاهين بك في جادتها العامة من الصف الموجه قبلة ووراء مقبرة الجبيلة وفي غربي هذا المسجد باتصاله قسطل شاهين بك يهبط إليه بدركات ومنها تكية القرقلر وهي تكية الجزء: 2 ¦ الصفحة: 308 عامرة وأوقافها وافرة وهي مبنية فوق مغارة الأربعين التي ذكرناها في ترجمة محمد البغدادي فراجعها وفي مسودة تاريخ ابن الملا إن في داخل باب الأربعين المدرسة المقدمية بالقرب من حارة الفرافرة تجاه قسطل الملك العادل غياث الدين وداخلها رباط للقلندرية «1» احتوى عليه الشيخ إبراهيم الأرمنازي ظلما وفي قرب قسطل شاهين بك مسجد صغير على الجادة المذكورة وفي هذه المحلة في الصف الموجه شمالا وكل من المسجدين والقسطل له من الأوقاف كفايته وفي هذه المحلة قسطل العوينة وكان تحت المسجد العمري المتقدم ذكره أما الآن فقد نقل إلى غربي الجادة الجديدة وغير طرزه وانخفض موضعه وصارت شفته مسامتة وجه الأرض وكانت مرتفعة عنها زهاء ذراع ونصف وكان بقرب القسطل القديم عن شماليه مدار وراءه فرن هدما توسعة للطريق المذكور ولم يبق في المحلة سوى مدارين على جادتها العامة وكان على يمنة السالك في الجادة الجديدة الآخذة من قسطل العوينة إلى الخندق في أواسطها عين ماء ضمن كهف في جبل الحوار قد ردمت في عمل الجادة ولم يبق لها أثر وأظنها هي العين التي صغر لفظها ونسبت إليها الجهة قال المرادي في ترجمة المرحوم عثمان باشا صاحب المدرسة الرضائية بحلب وشرقي دار المترجم العين المعروفة بالعوينة يقصدها المرضى يوم السبت قبل طلوع الشمس فيغتسلون بها ولها ذكر في الخواصات التي بحلب قلت قد بطلت هذه العادة وعادت نسيا منسيا وفي هذه المحلة دار الحكومة المعروفة بالسراي وهي بناء فسيح ضخم يشتمل على دوائر الملكية والعدلية ودار البريد والبرق والبلدية وثلاثة حبوس ودار العدلية مما أسسه أحد أغنياء اليهود ثم آلت لبني الجلبي ثم اشتراها المرحوم إبراهيم باشا المصري من بني الجلبي بأربعين ألف قرش وجعلها محلا لسكناه ثم صارت محلا لسكنى الولاة العثمانيين وفي حدود سنة 1391 جعلت دارا للعدلية وصار الولاة يسكنون في دور يستأجرونها من أهلها. والخلاصة أن دار الحكومة التي يطلق عليها الآن سراي الحكومة عبارة عن دور متعددة متصلة ببعضها قد جعلت دارا واحدة ذات غرف ومقاصير وأبهاء خصص كل مكان منها بقسم من الحكومة الملكية والعدلية والضابطة والسجناء ومجموع ذلك يضاهي محلة عظيمة «2» . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 309 محلة الجبيلة (د) عدد بيوتها 137 يحدها قبلة حارة البياضة وشرقا خندق البلدة الذي صار الآن شارعها الأعظم وشمالا حارة خان السبيل وغربا شاهين بك ومستدام بك: عدد سكانها 1058 الذكور 516 والإناث 542 كلهم مسلمون، والجبيلة تصغير جبلة والمراد بها المقبرة لأن شرقيها ناشز كالجبل الصغير أو هي الكلتاوية الكبرى وما جاورها فإن تلك البقعة عالية كالجبل الصغير وعلى كل فإطلاق اسم الجبيلة على كل المحلة مجاز من باب إطلاق اسم الجزء على الكل ومن الناس من يسمي هذه المحلة بالجبيل تصغير جبل وهي محلة مرتفعة طيبة الماء والهواء وماؤها المعين يستقى بجبل طوله عشرة إلى خمسة عشر باعا وشرب أهلها من آبار يجري إليها الماء من قناة حلب. آثارها المدرسة الكلتاوية «1» قرب باب القناة «2» على نشز من الأرض عن يسرة الداخل إلى المدينة بناها الأمير طقتمر الكلتاوي المتوفى سنة 787 وهو مدفون فيها وبنى إلى جانبها دارا كبيرة واسعة مرخمة وجعل تحتها إصطبلات واسعة ظاهرها حوانيت ووقف الجميع وأوقافا كثيرة على المدرسة وشرط أن يكون مدرسها وطلبتها على المذهب الحنفي. أقول: هذه المدرسة قد تغيرت رسومها وانطمست معالمها ولم يبق منها في هذه الأيام سوى ساحة محاطة بأربعة جدران يبلغ طولها 50 ذراعا في عرض 30 وفي جنوبها قبلية صغيرة تقام فيها الجهرية وجميع أوقافها الجزء: 2 ¦ الصفحة: 310 مضبوطة ولها في السنة من جهة محاسبة الأوقاف 750 قرشا تصرف على شعائرها ودار الواقف داثرة لا عين لها ولا أثر ويوجد الآن في جانب المدرسة مقبرة للمحلة وعدة دور حقيرة لها ملاك معلومون وموضع هذه المدرسة من أنزه ما يكون في مدينة حلب داخل سورها لأنه نشز من الأرض يسامت قلعة حلب مقبل على المدينة وبرها إقبال الوجه على المرآة وهذه البقعة تعرف بالكلتاوية الكبرى وعلى صفها من جنوبها وشمالها ربوتان تعرف كل واحدة منهما بالكلتاوية الصغرى وأهل الكلتاوية الكبرى يستقون من آبارها ماء فيه ملوحة قليلة يصعد على وجه الأرض بحلب طوله ثمانية إلى خمسة عشر باعا وفي سنة 1270 هـ أحدث في هذا الزقاق الحاج محمد بن أحمد قازان والحاج عبد القادر بن محمد شيخ القهواتية صهريجا يجري إليه الماء من قناة حلب جعلاه سبيلا ووقفا عليه دارا ملاصقة له وفي الكلتاوية الصغرى الشمالية مكان يعرف بالأتابكية نسبة إلى عبد الله طغريل شهاب الدين الأتابك عتيق الملك الظاهر غياث الدين غازي نائب السلطنة بالقلعة الجبلية ومدبر الدولة بعد وفاة معتقه والمكان المذكور عبارة عن عمارة مبنية بالحجارة الهرقلية العظيمة وله باب عظيم موجه جنوبا قد نقش على نجفته بعد البسملة (هذا ما تقدم بإنشائه العبد الفقير لرحمة الله وكرمه الشاكر .... سعيد طغريل عبد الله الملكي الظاهري .... تقام فيه الصلوات الخمس وفي أوقاتها ويسكنه المدرس والفقهاء الحنفية على ما شرط في كتاب الوقف وإن قدر الله وفاته خارج مدينة حلب وقبر في الموضع المعد له ولابنه المقر المولوي الأعظم على ما شرط فلا يحق لأحد تغييره عما وضع له فمن بدله بعد ما سمعه فإنما إثمه على الذين يبدلونه إن الله سميع عليم وذلك في شهور سنة 620) أقول صحن هذا المكان يبلغ ثلاثين ذراعا في مثلها تقريبا وفي شرقيه قبلية رممت جديدا في جنوبيها قبر يقال إن الدفين فيه السيد علي الجواد ابن الإمام الباقر وفي شمالي الصحن بيت يسكنه أحد مشايخ الطرق ولم نطلع على وقف لهذا المحل. يوجد تحت هذه العمارة مسجد تقام فيه الصلوات الخمس على يسرة الداخل من باب القناة يقال له مسجد الزركشي نسبة إلى رجل مدفون فيه معروف بالزركشي وهو غير شارح البخاري المشهور وليس لنا علم بترجمته ولا بتاريخ وفاته، وهذا المسجد عبارة عن قبلية فقط ليس له صحن وبعض سقف هذه القبلية قبة مبنية من الحجر على صفة مضلعة جميلة الصنعة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 311 في السوق من الصف الموجه شرقا تجاه الكلتاوية الشمالية سبيل مكتوب على قنطرة بابه (فاعل هذا الخير الحاج عمر الطباخ تابع أحمد باشا) وقفه مخزن داخله ودكان في جانبه. وفي الجادة الآخذة من السوق إلى داخل المحلة على يمنة الداخل إليها قسطل منقور في الحوار يقال له قسطل الشعارة وهو من آثار (أحمد بن محمد الحلبي المشهور بابن مهان) المتوفي سنة 939 بذل على حفره وعمله 300 دينار وجعل في أعلاه بعض حجرات منقورة في الجبل برسم بعض الطلبة فلما سكن بها بعضهم أتلفت عليه كتبه بالرطوبة فتركها ولم يسكنها أحد بعده وفي الجدار الكائن على يسرة النازل إلى هذا القسطل مدفن فيه الواقف المذكور وفي شرقي هذا القسطل مدرسة العجمي وهي من إنشاء شمس الدين أبي بكر أحمد ابن أبي صالح عبد الرحيم ابن العجمي أنشأها سنة 595 وأنشأ فيها تربة وشرطها للشافعية والمالكية وقد زحف عليها الجيران بجيوش تعديهم فلم يبق منها سوى صحن تربة وشرطها للشافعية والمالكية وقد زحف عليها الجيران بجيوش تعديهم فلم يبق منها سوى صحن صغير وقبلية حقيرة وخلت من حجرات الطلبة وضاعت أوقافها إلّا قليلا تتداوله أيدي المتولين ويتصرفون فيه كما يريدون. وفي هذه المدرسة حجرة فيها ضريح رجل من العلماء المحدثين يقال له أبو ذر هو (أحمد بن إبراهيم) المحدث المؤرخ صاحب كنوز الذهب في تاريخ حلب المعروف بسبط بني العجمي وهذه المدرسة تقام فيها الجهرية وصلاة الجمعة والعيدين. ومن آثار هذه المحلة مسجد أبي الشامات في الشارع المنسوب إليه تقام فيه الجهرية وتعلم فيه الأطفال وله من الريع كفايته ومنها مسجد بالجبيلة الصغرى وتربة أنشأهما إسكندر بن محمد بن محمد التركماني الحلبي المشهور بابن إيجق المتوفي سنة 897 ولم أعرف محلهما ومنها سبيل على باب مقبرة الجبيلة الشرقي لم أقف على خبر صاحبه وفي هذه المحلة عدة مزارات منها مزار الشيخ صامت في غربي مدرسة الكلتاوية الكبرى المتقدم ذكرها وفي مقبرة الجبيلة قبور جماعة من الأولياء والصالحين والعلماء منهم الحافظ أبو الحسن علي بن سليمان المرادي أحد الأولياء المكاشفين والأستاذ عبد الله بن علوان والشيخ أبو الحسن علي بن يوسف القاسمي والشيخ عبد الحق المغربي وغيرهم. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 312 محلة قاضي عسكر (خ) عدد بيوتها 73 يحدها قبلة وشرقا البرية وشمالا حارة المشاطية وحمزة بك وغربا حمزة بك عدد سكانها 649 نسمة، منهم 311 ذكرا و 338 أنثى كلهم مسلمون. آثارها جامع قاضي عسكر، فسيح جميل عامر بذكر الله تعالى تاريخ إنشائه بالجمل (مطالع النور جامع التقوى) سنة 1068، وفيها المسجد الصغير قرب علم الشرق، وسبيل في غربي جامع قاضي عسكر وقسطل عميق في غربيه، وفرنان، ومداران وثلاثة أتانين كلس ويلحق بهذه المحلة مقبرة قاضي عسكر وهي مقبرة فسيحة ويضاف إليها مذبح المواشي المعروف بالمسلخ وهو في البرية شرقي هذه المحلة. تنبيه: الأسر الشهيرة في هذه المحلة أسرة آل حمزة وهم أهل منزل معد لاستقبال الضيوف والمسافرين ووجيه هذه الأسرة السيد الفاضل الشيخ وحيد أحد أعضاء محكمة الحقوق وهو من الموصوفين بحسن الأخلاق والعفة والاستقامة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 313 محلة ابن نصير (خ) عدد بيوتها 59 يحدها قبلة برية المسلخ التابعة حارة الضوضو وشرقا جادة جب قرمان وشمالا حارة خان السبيل وغربا خندق بالوج عدد سكانها 237 ذكرا و 280 أنثى جملتهم 517 نسمة كلهم مسلمون، ليس فيها من الآثار سوى مسجد ابن نصير، وسبيل جب القبة وهو بئر عليه قبة جميلة الصنعة، وفيها خمسة خانات للغلات وربط الدواب، ومدار واحد. محلة الأبراج (خ) عدد بيوتها 94 يحدها قبلة جب قرمان وشرقا صاجليخان الفوقاني المعروف بهارون دده وغربا خان السبيل وشمالا شاكر آغا عدد سكانها 395 ذكرا و 432 أنثى جملتهم 827 نسمة كلهم مسلمون. ليس فيها من الآثار سوى مسجد الأبراج. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 314 محلة الشميصاتية (خ) وتعرف أيضا بحارة سوق الدجاج حدها قبلة سوق بانقوسا وشرقا حارة ابن يعقوب وشمالا برية تربة الأعرابي وغربا حارة عنتر وهي خارج باب القناة ولفظة الشميصاتية محرفة عن (سميزاتلى) كلمة تركية معناها ذات اللحم السمين وكأن موضع هذه المحلة كان مكانا يباع فيه لحم الأغنام الجيدة عدد دورها 186 وعدد سكانها: الذكور/ الإناث/ المجموع/ الأقوام 678/657/1335/مسلمون 5/7/12/روم كاثوليك 1/1/2/أرمن كاثوليك 7/5/12/روم 1/1/2/أرمن 692/671/1363/المجموع أما آثارها فهي جامع الحدادين هذا الجامع قديم جدا زعم بعض الناس أنه بنى لثمانين من الهجرة والدليل قائم على خلافه فإن جميع المحلات التي هي خارج الباب القناة حادثة في حدود القرن السابع وكان محلها قبل ذلك بساتين حتى إن بانقوسا كانت مخشبة لحلب كما صرح بذلك أبو ذر في تاريخه وقد نسب هذا الجامع للحدادين لأنهم كانوا يوجدون في السوق الذي على بابه وقيل نسبة للشيخ الحدادي الفقيه صاحب الجوهرة لأنه مدفون فيه وقيل المدفون فيه هو الشيخ الحداوي نسبة إلى حدة محل معروف بين جده ومكة المكرمة والله أعلم وعلى كل فهو جامع عظيم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 315 معمور بذكر الله تعالى واسع الصحن والقبلية له بابان أحدهما موجه شرقا ومنه ينفذ إلى سوق الدجاج والآخر موجه غربا وفي شمالي صحنه ثلاث حجرات وعند الباب الموجه غربا حجرة كبيرة وله منارة تحتها حجرة وكان في وسط صحنه حوض بني أو جدد سنة 1247 وكان على ظهره مصطبة فنقل إلى جهته الغربية وراء الباب الغربي سنة 1304 وعمل على ظهر مصطبة وأمام الباب الغربي ميضأة ينزل إليها بدرجات فيها مغسل وحوض يأتي إليه الماء من الجامع وفي سنة 1311 جددت جهة قبليته مما يلي الصحن وطلب مني تاريخ لها فقلت: جهة لها بعد الدثور تجدد ... لا زال فيها ذو المعارج يعبد لما تكامل حسنها أرخته ... هذا جدار بالبهاء مشيد ولهذا الجامع من الأوقاف ما يبلغ ريعه في السنة نحو مائة ذهب عثماني. بقية آثارها مسجد صغير يعرف بالماملي محله طليعة الماملي عامر تقام فيه الجهرية وله في المحلة خمس دور يبلغ ريعها نحو ثلاثين ذهبا عثمانيا، وفي جادة سوق الدجاج مزار رجل من الصلحاء يقال له الشيخ إبراهيم الجركسي، في شرقي القشلة مزار قديم يعرف بمزار الشيخ إعرابي مشتمل على مسجد صغير وصحن واسع فيه عدة أضرحة لأسرة آل خير الله وفيه أيضا قبور بعض الأغنياء والمسجد معطل، وتجاه هذا المزار سبيل صهريج عليه بناء متهدم، وفي حارة سوق الدجاج في الجهة الموجهة قبلة قسطل يقال له قسطل العقرب تحريف الأقرب ينزل إليه بدرجات قديم له وقف يبلغ ريعه في السنة نحو 40 ذهبا جدد فوقه سنة 1277 مكتب لتعليم الأطفال. الرباط العسكري المعروف بالقشلة كان يعرف محله بالجبل الأحمر أسسه المرحوم إبراهيم باشا المصري سنة 1248 وذلك بعد دخوله إلى حلب وقيل إنه أسس قبله من قبل الدولة العثمانية وهو أتمه وعلى كل فإنه في سنة استيلائه على حلب شرع يهتم بعمارته فأمر بهدم ما أبقته الزلزلة من مباني القلعة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 316 وهدم كل بناء في البلدة مشرف على الخراب ليس لأحد فيه حق التصرف كالمساجد والزوايا والمدارس القديمة فهدم من ذلك شيء كثير ونقلت أنقاضه إلى هذا الرباط وحمل الناس على العمل به طوعا وكرها إلى أن كملت عمارته في غضون ثلاثة أعوام وهو بالحقيقة حصن حصين لا نظير له في معظم الممالك العثمانية من جهة تسلط موقعه على البلدة ومن جهة سعته وكثرة حجراته وقد عهدنا أرض صحنه كثيرة الصخور البارزة وقد دام الاهتمام بقطعها مدة طويلة حتى استقامت أرضه. وفي حدود سنة 1297 ابتدأ العمل بتجديد بعض جهاته وتعميرها على النسق الجديد وكانت قبل ذلك بناء ذا طبقتين سفلى وعليا سقفهما خشب فشرعوا في السنة المذكورة بتعمير هاتين الطبقتين عمارة جميلة ذات أروقة عظيمة وأبواب واسعة وغرف جميلة وقصور بارزة وجعلوا سقف ذلك كله أزجا من الحجر الذي نقل إليها من أنقاض القلعة وأسوار البلدة وكملت جهاته الشرقية والجنوبية والشمالية وعمر فيه فرن ورحى ووضعت فيه آلة للعجين تدور بالدواب وبنى فيه مكان لنسج الأقمشة التي يحتاج إليها الجند ومكان لعمل الأحذية فصار كأنه بلدة صغيرة مستقلة له بابان جنوبي لجهة البلدة وشمالي إلى البرية طوله من الجنوب إلى الشمال من ظاهره ثلاثمائة وأربعون ذراعا وعرضه من الشرق إلى الغرب كذلك مائة وتسعون ذراعا تقريبا ومساحته 64700 ذراعا وقد اشتهر هذا الرباط «1» باسم الشيخ يبرق وهو رجل من الصالحين مدفون في زاوية يدخل إليها من أواسط الجهة الغربية من هذا الرباط وكانت زاوية عظيمة أنشأها السلطان الملك الظاهر خشقدم بتولي الشيخ محمد خادم الشيخ يبرق وفوض أمرها إليه وبقي بقية يسيرة من عمارتها ومات السلطان ولم تكمل وكان بها شبابيك من النحاس الأصفر المحكم الصناعة وهي وقف على أهل الطريقة الأحمدية ثم تهدم بناؤها وكاد يبقى أثرا بعد عين واستمر كذلك إلى سنة 1239 وفيها جددها والي حلب محمد أمين وحيد باشا المكتوب اسمه على بابها عمرها عمارة متقنة وجعلها زاوية ومسجدا ورفع لها منارة ثم في حدود سنة 1290 نقل إلى جامعها منبر جامع المقام الأسفل في القلعة وصارت تقام فيه صلاة الجمعة والعيدين. في غربي الجامع إلى شماليه قبة فيها قبر الشيخ يبرق وتجاه باب الجامع قبر كتب على سنامه (هذا ضريح المرحوم الشيخ علي ابن الشيخ مصطفى شيخ التكية البراقية انتقل بالوفاة إلى رحمة الله سنة 1180) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 317 في غربي الجامع إلى جنوبيه قبة فيها دولاب يجري ماؤه إلى حوض متصل بالجامع من غربيه وإلى قسطل في جنوبي الرباط وفي شمالي الجامع إلى الغرب عمارة واسعة لخزن البارود وعتاد الحرب يسمونها جبخانة وتجاه الباب الجنوبي من الرباط إستحاكم عمل بستانا للرباط طوله 190 ذراعا وعرضه 50 تقريبا وفي شمالي الرباط في البرية على بعد غلوة منه رحى تدور بالهواء من إنشاء المرحوم إبراهيم باشا المصري كانت معطلة فصلحت سنة 1295 ثم عطلت. ظفرت بكتاب وقف زاوية الشيخ يبرق فأحببت إثبات صورته هنا كما هي بالحرف إلا ما لابد من حذفه وهو: بسم الله الرحمن الرحيم وبه نستعين: الحمد لله الذي جعل القربات لاكتساب الدرجات داعية. ويسر أسباب النجاة لمن له بصيرة وأذن واعية. ووفق من أحبه فلم ينس له نصيبه من هذه الدنيا الفانية. وتزود منها لسفره البعيد شوقا إلى جنة عالية قطوفها دانية. وتبع قول الرسول صلّى الله عليه وسلّم إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلث صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد يدعو له فنهض إلى العمل بنية غير وانية. وقدم على الكل الصدقة الجارية. نحمده على أن وقفنا لنعمه الغزيرة وندبنا إلى تحصيل حسان الحسنات الأثيرة. فقال في محكم آياته التي بخير الدنيا والآخرة منيرة. من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا فيضاعفه له أضعافا كثيرة. وأشهد أن لا إله إلّا الله وحده لا شريك له شهادة تمحو من السيئات مسطورا وتكتب من الحسنات سطورا. وتسقي قائلها كأسا كان مزاجها كافورا. وأشهد أن محمدا عبد ورسوله أرسله شاهدا ومبشرا ونذيرا وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا. وصلى الله على مولانا وسيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا. صلاة دائمة إلى يوم قيام الأشهاد بكرة وأصيلا. أما بعد فهذا مكتوب شرعي معتبر محرر مرعي مضمونه إنه وكل مولانا المقام الشريف الإمام السلطان الملك الظاهر سلطان الإسلام والمسلمين. محي السنة في العالمين. منصف المظلوم من الظالمين. قاتل الكفرة والمشركين. مبيد الطغاة والمارقين. قاهر الخوارج والمتمردين. جامع كلمة الإيمان. قامع عبدة ... وارث الملك سيد ملوك العرب والعجم والترك ظل الله الوارف رحمته للبادي والعاكف. وناصر دينه الذي قطعت الآراء بتفضيله ولا مخالف. ملك البرين والبحرين. خادم الحرمين الشريفين. أبو سعيد خوش قدم خلد الله تعالى ملكه ونصره. وكبت عدوه وقهره. وجدد له في كل وقت نصرا. وملكه بساط الأرض برا وبحرا. هو مولانا المقر المولوي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 318 العالمي المدبري المشيري المفيدي الأصيلي اليميمني العريقي الأشرفي نخبة الملوك اختيار السلاطين. محب العلماء كهف الفقراء والمساكين أبو عمر بن موسى ابن الجناب المرحوم نوري أبي الحسن علي الأنصاري عظم الله تعالى شأنه ورفع محله الشريف وصانه وكيل مولانا المقام الشريف المنوه باسمه الشريف نصره الله سبحانه نصرا عزيزا وفتح له فتحا مبينا ووكيل بيت المال المعمور الملكي الظاهري المشار إليه أعلاه في الوقف على زاوية الشيخ الصالح الورع الزاهد العابد الناسك شمس الدين محمد بن أحمد بن محمود الرفاعي الأحمدي المعروف بالشيخ يبرق على ما رغب في ابتياعه من بيت المال المعمور وتقويم ذلك ووقفه عليها بمقضى الخط الشريف وهي نصف قرية كفر دريان من حارم وجميع الحصة التي قدرها ثمانية أسهم من 24 سهما شائعا من جميع أراضي قرية معراتا من حارم ولكاملها حدود أربع من القبلة قرية كفر بطره والفاصل بينهما عين علي التل من جهة الشرق ومن الشرق قرية بابليت والفاصل بينهما طريق سالك وتمامه قرية كفر شيد والفاصل بينهما طريق سالك وتمامه قرية كفر شيد والفاصل بينهما أشجار زند في ثلاثة مواضع ورصيف ينزل إلى الوادي ثم شجر زعرور ثم اجتماع النهرين ثم جبل بلان فيه الصخور المنقوشة ومن الشمال قرية الحديدي والفاصل بينهما جبل لقلب الماء ومن الغرب أراضي قرية كفر دار والفاصل بينهما تل حجارة وتمامه شجر زيتون على طريق السالك وجميع الحصة التي قدرها النصف كاملا اثنا عشر سهما من أصل أربعة وعشرين سهما هي جميع أراضي قرية كفر دريان من حارم ولكاملها حدود أربع فمن القبلة أراضي قرية ماعز والفاصل بينهما الوادي ومن الشرق سرفود وسرمدا والفاصل بينهما سلسلة وشمالا أرض بايطه والفاصل بينهما الجبل ومن الغرب بايعيان والفاصل طريق سالك وجميع الحصة الشائعة وقدرها النصف كاملا اثنا عشر سهما من أصل أربعة وعشرين سهما هي جميع القرية وأراضيها المعروفة بعليصه من إعزاز ولكاملها حدود أربع من القبلة مزرعة تل الشعير ومن الشرق كذلك وتمامه مزرعة بعنديد ومن الشمال أرض مزرعة البريج وتمامه مزرعة نابل وتمام الحد الشمالي أرض حاسين وطاحونها ومن الغرب مزرعة فافين وجميع الحصة التي قدرها تسعة أسهم من أصل أربعة وعشرين سهما وهي الربع والثمن من مزرعة طومان من الباب ولكاملها حدود أربع من القبلة أرض مزرعة القبيبات والفاصل بينهما أرض مجمع النهور ووادي الحيات هو من جملة أراضي طومان ومن الشرق أرض قرية عين برزة والفاصل بينهما الجب المعروف بالرومي بأعلاه رجم حجارة وتمامه أرض قرية البيرة والفاصل بينهما تربة الشهيد ومن الشمال أرض مزرعة وادي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 319 التين والفاصل طريق سالك آخذ إلى تادف وتمام الحد الشمالي أرض مزرعة البسلية والفاصل قناة مزرعة طومان ومن الغرب مزرعة دير قاق والفاصل رابية وتمام الحد العين والفاصل الجبل وجميع الحصة التي قدرها الثمن ثلاثة أسهم من أصل أربعة وعشرين سهما من أراضي قرية تلتانة القبلية ومزرعتها المعروفة بالديباجية من إعزاز ولكاملها حدود أربع من القبلة أراضي مزرعة عبلة والفاصل سلسلة حجارة ومن الشرق أرض مزرعة الدوير والفاصل جبل برجوم ومن الشمال أراضي مزرعة تلتانة الشمالية وأراضي الغور والفاصل بين تلتانة الشمالية وتلتانة القبلية سلسلة حجارة ورجمان من الحجر وآثار معصرة ورجم حجارة مستديرة صفة مصلى والفاصل بين الغور وتلتانة القبلية سلسلة حجارة ورجوم صخر منقور يجتمع فيه ماء المطر في الشتاء يسمى برام ومن الغرب أراضي مزرعة التويس والفاصل رجم حجارة وجميع الحصة التي قدرها ربع وثمن فدان من جملة أراضي قرية أطعانا من إعزاز ولكاملها حدود أربع من القبلة أرض مزرعة البريج والفاصل جبل وتل صوص وتمامه أرض قرية جوبه والفاصل سلسلة حجارة ومقطع حوارة ومن الشرق أرض تل عين والفاصل رجم صغير يعرف برجم المقسم وتمامه مزرعة عبلة ومن الشمال أراضي مزرعة عبلة والفاصل أصيار وتمام الحد الشمالي أراضي مزرعة كتيان والفاصل طريق آخذ إلى سروج المضيق ومن الغرب أراضي سروج المضيق والفاصل سلسلة حجارة والحجر المعروف بحجر الدريجات وتمامه أراضي مزرعة قرامل والفاصل سلسلة حجارة وتمام الحد الغربي أرض مزرعة بابل والفاصل تل صوصو وجميع الحصة التي قدرها الثلث ثمانية أسهم من أصل أربعة وعشرين سهما هي جميع القرية وأراضيها المعروفة بمعراتا الخشب من الجومة وشهرتها تغني عن تحديدها وجميع القرية وأراضيها المعروفة بقرية كدلج وتعرف بقرية ماجق من تل صوص وجميع الحصة الشائعة التي قدرها الثلث ثمانية أسهم من أصل أربعة وعشرين سهما هي جميع القرية وأراضيها المعروفة بقرية كجك كسرى وللقريتين المذكورتين شهرة في موضعهما تدل عليهما وتغني عن تحديدهما فالذي وقفه الجناب الشريف مولانا المقر المولوي السلطاني الملكي الظاهري السيفي أعلاه الله تعالى بحقوق ذلك كله وطرقه وأراضيه وسهله ووعره وأقاصيه وأدانيه ومسارحه ومراعيه ومغره وصهاريجه بكل حقوق ذلك وداخل الحد وخارجه معروف به ومنسوب إليه من سائر الحقوق الواجبة وقفا صحيحا شرعيا وحبسا مخلدا مؤبدا مرعيا متصلا للإبتداء والوسط والانتهاء فابتدأ ما شرطه ووقفه على مصالح الزاوية الكائنة بخارج حلب المحروسة ببانقوسة بحارة ابن ماجة التي آنسها المرحوم الشيخ يبرق الجزء: 2 ¦ الصفحة: 320 ووقفها معبدا لله سبحانه وتعالى فيها الصلوات والذكر والعبادات ويأوى إليها الفقراء من أمة سيدنا محمد صلّى الله عليه وسلّم المشتملة على حوش سماوي به بيتان وصهريجان وبئر ماء معين وبئر ماء من قناة حلب بسربس وبغل يدور به ويسقي به أشجار الزاوية وتعين سبيل المسلمين وغير ذلك وحرم مشتمل على بوابة مقنطرة وبوابة مربعة وأربعة أواوين متقابلات وأربع خلاوي سفلية وخلوة علوية بدرج وسقف معلق من نحيت ومحراب وقبة ومائة قنديل بسلاسل نحاس وأعلام وسرج وشبابيك حديد وأبواب ومنافع ولكاملها حدود أربع من القبلة مقام سيدي الشيخ أغلغان خليفة الشيخ يبرق وأخيه الشيخ محمد البراقي وقبره من حجر مكتوب عليه آية الكرسي ويليه ساحة سماوية وشرقا أراضي كشف وتمامه بئر ماء وشمالا أرض خال عن الغراس ذرعها ثمانون ذراعا بالذراع النجاري وغربا طريق سالك وإليه يفتح أغلاق الزاوية المباركة وما فيها من الفرش والتنوير وسماط في ليالي الجمعة وغير ذلك للفقراء الساكنين فيها من أمة محمد صلّى الله عليه وسلّم. وشرط الواقف أسبغ الله سبحانه فضله عليه أن يبدأ المتولي من ريعه بعمارته وما فيه النماء ومصالح الزاوية النفيسة والعمارة الأنيسة حرست آثارها عن الدروس وحفظت أنجمها عن الطموس وما فضل بعد ذلك من ريع الوقف فيصرفه في مصالح الزاوية والفقراء وتنوير القناديل وغير ذلك من لوازم أمور الزاوية وإطعام الفقراء الساكنين بها وما فضل من ذلك يدفعه لأولاد الشيخ المنوه بذكره يستوي فيه الذكور والإناث قرنا بعد قرن ونسلا بعد آخر فمن فعل خلاف ذلك فالله طليبه وحسيبه وآخذه إليه ومخاصم به لديه يوم الطامة يوم الآزفة يوم التناد يوم عطش الأكباد يوم تبيض وجوه الأتقياء الأبرار وتسود وجوه الأشقياء الفجار يوم لا ينفع الظالمين معذرتهم ولهم اللعنة ولهم سوء الدار يوم يتجلى فيه الجبار لعباده المصطفين الأخيار ويجزيهم جنات تجري من تحتها الأنهار فنعم عقبى الدار وكتب ما هو الواقع في الثامن من شهر رجب الفرد من شهور سنة إحدى وسبعين وستمائة. وفي هذه المحلة حمامان أحدهما يقال له حمام الأفندي جار في أوقاف التكية المولوية والآخر يقال له الحمام الجديد عمره خاص بك ابن يوسف سنة 810 ووقفه على الخيرات وفيها أربعة مدر وخان يعرف بخان سنو يقال إنه كان في محله المحكمة الشرعية الشافعية وفيها خان آخر اسمه خان الزهر. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 321 تنبيه: يلحق بهذه المحلة مقبرة إعرابي وتربته التي ألمعنا إليها في الكلام على هذه المحلة ويلحق بها أيضا قرية بابلي المعروفة الآن ببستان الخربة الجاري في أملاك ورثة المرحوم (محمد أفندي الجابري) وهو يشتمل على مسجد كان هو مسجد القرية قبل خرابها وله عدة أوقاف منها ما وقفته الحاجة زليخا بنت الحاج أحمد ابن الحاج خير الدين وهو ست كدنات من ستة بساتين متصلات ببعضها وهي في مزرعة كوكرد ظاهر حلب والخرائر بسهم الغول والدكة وسهم الحاج علي وكلها في مزرعة البريكات تاريخ كتاب وقفها سنة 1159. ويلحق بهذه المحلة مشهد الشيخ فارس وقد تكلمنا عليه في ترجمة (أبي بكر النصيفة) فراجعه. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 322 محلة الملندي (خ) يحدها قبلة حارة المشاطية وشرقا حارة الدلالين وشمالا برية إعرابي وغربا حارة ابن يعقوب عدد بيوتها 111 ونفوسها: الذكور/ الإناث/ المجموع/ الأقوام 422/459/881/مسلمون 12/11/23/روم كاثوليك 434/470/904/المجموع آثارها مسجد الملندي وفيه مزار للملندي وسبيل صهريج عليه بناء يعرف بسبيل سيف الدين داخل الحارة ومزار سيف الدين هذا داخل دار مملوكة وسبيل الملندي في سوق المشاطية صهريج عليه بناء وخان يعرف بخان البصل لبيع الغلات وخانان لربط الدواب. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 323 محلة أغير (خ) عدد بيوتها 313 يحدها قبلة حارة الماجي وكوجك كلاسه وشرقا وشمالا البرية وغربا العاشور. ولفظة أغير محرفة عن آق يول وهي كلمة تركية مركبة من كلمتين آق معناها الأبيض ويول معناها الطريق وتركيبها العربي الدرب الأبيض وسميت هذه المحلة بهذا الاسم لأنها كانت قبل عمرانها طريقا أبيض من الحوار وقيل أصل أغير آغايولى أي طريق الآغا والمراد به أمير سكان تلك المحلات من الأتراك وهي محلة مرتفعة جيدة المناخ كثيرة الماء يجري إليها من قناة حلب والغالب على أهلها الثروة وأكثر باعة الفحم وتجاره في حلب من أهل هذه المحلة وهم يشاركون الأكراد ويجلبون بواسطتهم المبالغ الوافرة من الفحم وهم أهل عصبية وكلمة نافذة أما عدد سكان هذه المحلة فهم: الذكور/ الإناث/ المجموع/ الأقوام 661/676/1337/مسلمون 409/371/780/روم كاثوليك 117/104/221/أرمن 12/9/21/روم 19/19/38/أرمن 14/7/21/لاتين 1/2/3/كلدان 107/95/202/سريان 58/42/100/موارنة 2823 المجموع الجزء: 2 ¦ الصفحة: 324 آثارها تكية بابا بيرام خارج المحلة في شماليها تجاه المقبرة وهي تكية قديمة مشروطة لأهل الطريقة القلندرية عمرت سنة 764 وبابا بيرام هو أحد مشاهير مشايخ هذه الطريقة توفي في السنة المذكورة ودفن في شمالي هذه التكية وعمل على قبره حجرة وكتب على بابها هذا مشهد قطب العارفين بيرام بابا ابن الخواجه أحمد اليسوي ابن يوسف الهمداني انتقل في سنة 764 ورأيت في جانب قبره شمعدانا من النحاس الأصفر منقوشا بعض كلمات بقلم فضى منها (اللهم أبد وخلد دولة السلطان الأعظم والخاقان الأعدل أبو النصر سلطان بهادر) ورأيت أيضا فرمانا من أحد سلاطين العراق الحيدرية مذيلا بتوقيع السلطان حسن الطويل محررا باللغة الفارسية فآثرت تعريبه وإثباته وهو «المقر الحكم ميرزا أبو النصر بهادر» وبعد هذه العبارة (حالا شيخ تكية بابا بيرام) وبعدها. قد أمرنا الدرويش محمد بالرجوع إلى ما عيناه به من طعام الفقراء القلندرية ورفقناه بالدرويش عيسى ليكونا يدا واحدة في حسن القيام ويمن التوجه والسعي كي تدوم الخانقاه معمورة كما كانت ويبقى الفقراء والدراويش محفوظين في الأمان ويكونا كالأخوين في خدمتها فاسعوا باكتساب مرضاتنا ولا تخرجوا عن حدود إشارتنا واعتمدوا على آثار تحريرنا الواصل إليكم المؤرخ في غرة محرم الحرام سنة 877 الختم «الواثق بالملك الرحمن حسن بن علي بن عثمان» ومكتوب على باب التكية «هذه تكية باب بيرام اليسوى أنشأها على ضريحه ملك العراقين وخرسان وفارس جنتمكان السلطان حسن بن علي شاه ابن عثمان خان عليهما رحمة الرحمن في محرم سنة 871» أقول هذه التكية الآن معمورة وهي عبارة عن صحن واسع يبلغ خمسين ذراعا في مثلها تقريبا حجرتان في جنوبيه قبلية يسمونها الميدان وهي محل إقامة الذكر جددت سنة 1046 وفي غربيها حجرتان للدراويش وفي شرقيها بيت لجلوس الشيخ وفي شماليها صفة فيها بعض القبور في غربيها عرصة فيها أشجار وشرب التكية من دولاب في هذه العرصة ماؤه من قناة حلب يأتي في سرداب رأسه من قناة بردبك وللتكية من الأوقاف مزرعة قرية عندان وقليل من الحوانيت في حلب وتبلغ غلة وقفها زهاء خمسة عشر ألف قرش وكان الذي يتولى هذه التكية ووقفها ومشيختها دروايش الطريقة القلندرية فكان أمرها مهملا عند الحلبيين لا يتردد إليها سوى قليل منهم ثم في سنة 1220 اتصل ببعض شيوخها (هاشم ابن الحاج يوسف الكلاسي) وصار بينهما الجزء: 2 ¦ الصفحة: 325 مصاهرة ثم تولى هاشم أمر التكية وبعد وفاته آلت مشيختها لأولاده الذين منهم المرحوم (الشيخ عبد الحميد دده) ففرغ المشيخة على ابن بنته الذي هو شيخها المتوفي هذه السنة وهي سنة 1341. واعلم أن طائفة القلندرية تنسب إلى الشيخ جمال الدين محمد الساوجي الزاهد قدم دمشق وقرأ القرآن والعلم وسكن بجبل قاسيون بزاوية الشيخ عثمان الرومي وصلى بالشيخ عثمان مدة ثم حصل له زهد وفراغ من الدنيا فترك الزاوية والمجلس وأقام بمقبرة باب الصغير قرب موضع القبة التي بنيت لأصحابه وبقي مدة مديدة في قبة زينب بنت زين العابدين فاجتمع فيها بالجلال الدر كزيني والشيخ عثمان كوهي الفارسي الذي دفن بالقنوات بمكان القلندرية ثم أن الساوجي حلق وجهه ورأسه فانطلى على أولئك حاله فوافقوه وحلقوا ثم فتش أصحاب الشيخ عثمان الرومي على الساوجي فوجدوه فسبوه وقبحوا فعله فلم ينطق بشيء ولا رد عليهم ثم اشتهر وتبعه جماعة وحلقوا وذلك في حدود سنة 620 ثم ليس دلق الشعر وسافر إلى دمياط فأنكروا حاله وزيه المنافي للشرع فبقى بينهم ساعة مطرقا ثم رفع رأسه وإذا هو بشيبة كبيرة بيضاء فاعتقدوه وافتتنوا به حتى قيل إن قاضي دمياط وأولاده وجماعة حلقوا لحاهم وصحبوه ثم توفي في دمياط ودفن بها وقبره مشهور وذكر ابن إسرائيل الشاعر أن هذه الطائفة ظهرت بدمشق بعد سنة 610 والله أعلم. ومن آثار هذه المحلة: مدفن يقال له مشهد الصوفية في جنوبي التكية المتقدم ذكرها باتصاله جدد بابه الشيخ عبد الحميد المذكور آنفا سنة 1297 وفيه عدة قبور منها قبر الشيخ محمد بن قاسم بن أوس الصوفي الأربلي ورأيت فرمانا مذيلا بتوقيع صورته (الواثق بالملك الظاهر عبده إسماعيل الملك الظاهر) تاريخه سنة 808 وهو يتضمن أن ثلاثة أرباع قرية تل حبش وقف على هذه التربة. ومن آثار هذه المحلة جامعها الشهير وهو جامع الأجه بك أنشأه المذكور في حدود سنة 966 وأنشأ تحته قسطلا عمل له مجرى وحول إليه ماء القسطل الأسود الآتي ذكره ثم أعاد فائضه إلى القسطل الأسود في مجرى وحول إليه ماء القسطل الأسود الآتي ذكره ثم أعاد فائضه إلى القسطل الأسود في مجرى جدده وهو جامع فسيح عال يصعد إليه بدرجات وله منارة ومحله قرب السوق الجنوبي من المحلة في شرقي الجادة وله من الأوقاف ما يقوم بكفايته وفي زلزال سنة 1237 انهدم معظمه وجدد من أوقافه بمعونة من أهل الخير وهو جامع المحلة. ومن آثارها أيضا مسجد التينة وهو من أقدم مساجد هذه المحلة وله من الأوقاف كفايته الجزء: 2 ¦ الصفحة: 326 وهو في غربي المحلة ويقال أن بانيه هو خالد ابن أبي بكر ابن محمد ابن العالم المشهور بالولاية الشيخ عبس الريحاوي السرجي الصوفي الخرقة نزيل حلب وبيت الطباخ الآن ينتسبون إليه وإن قدوم خالد من سرجه إلى حلب كان في أواخر القرن التاسع وقد توطن هذه المحلة وهو أول من عمر بها وكانت قبل ذلك برية. ومن آثارها أيضا القسطل الأسود لحجرة سوداء مبنية فيه وهو قسطل قديم جدا كان موجودا قبل عمران المحلة حتى قيل أنه كان يسمى قسطل المرجه لما كان يوجد حوله من المرج المنبسط أيام كان موضع هذه المحلة برية وكان مجرى هذا القسطل مختصا به ثم حوله ألاجه بك إلى قسطله كما تقدمت الإشارة إليه. وفي جانب هذا القسطل مسجد كان قبلا مصلى مكشوفا ثم عمره أهل الخير. وفي السوق الجنوبي من هذه المحلة زاوية يفتح بابها إلى الغرب تعرف بزاوية المصريين لها قبلية تعلم فيها الأطفال ولا يعلم لها وقف. وفي هذا السوق أيضا سبيل ينسب لبيت الوتار له من الأوقاف كفايته. ومما يلحق بهذه المحلة مسجد البختي وهو خارج بابها في البرية شرقي تكية بابا بيرم إلى الشمال بينهما قدر غلوة والمشهور أنه من آثار المرحوم السلطان الملك الظاهر البندقداري وكان أشرف على الخراب وكادت تنطمس معالمه إلى أن أمر بعمارته السلطان عبد الحميد خان الثاني وعمل له منبرا ومنارة وصارت تقام فيه الجمعة إلا أنه ليس له من الريع شيء معلوم وقد كتب على بابه بعد انتهاء عمارته تاريخ من نظم أخي الشيخ بشير رحمه الله: انظر إلى آثار رحمة ربنا ... أحيا الموات وعاد بالإحسان وإلى صنيع مليكنا الغازي الذي ... سعد الزمان به وكل مكان فلأمة المختار جدد جامعا ... حتى تقام عبادة الرحمن فلتغتبط إذ أرخوه بعيدها ... قد شاده الملك الحميد الثاني والجهة التي يوجد فيها مسجد البختي كانت تسمى الرمادة وكانت محلة كبيرة كالمدينة متصلة بها وقد ذكر فيها عن ابن شداد أنها كانت تشتمل على 34 مسجدا ومن آثار هذه المحلة مسجد قديم داثر في جنوبي جامع ألاجه بك يعرف بمسجد بلنكو وقيل هو مسجد بكتوت سعى بتعميره أهل الخير. وفي هذه المحلة أربعة بيوت قهاوي ومداران وثلاثة أفران وخمسة خانات وحمام جار بأوقاف ابن عيد. وذكر ابن الحنبلي في تاريخه در الحبب في ترجمة (عز الدين بن يوسف الكردي) أن داخل محلة آق يول حوض كبير من آثار عز الدين المذكور ومحله هو القسطل الأسود الذي تكلمنا عليه. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 327 حارة الألماجي (خ) عدد بيوتها 108 يحدها قبلة تراب الغربا وشرقا الماوردي وشمالا أقيول وكوجك كلاسه وغربا قسطل المشط والشرعسوس عدد سكانها: الذكور/ الإناث/ المجموع/ الأقوام 203/210/413/مسلمون 175/146/321/روم كاثوليك 50/35/85/أرمن كاثوليك 14/18/32/روم 26/33/58/أرمن 4/2/6/بروتستان 4/9/13/لاتين 6/7/13/كلدان 66/55/121/سريان 25/14/39/موارنة 573/528/1101/المجموع آثارها جامع الميداني أكبر جوامع هذه المحلة تقام فيه الصلوات والجمعة وهو جامع واسع معمور يوجد في دهليزه مدفن فيه مزار ولي اسمه الشيخ عبد الله وباني هذا الجامع هو (حسين بن محمد الجزء: 2 ¦ الصفحة: 328 الحلبي الشهير بابن الميداني) لأن أباه كان قيم الميدان الأخضر المتوفي سنة 934 وقد وقف على جامعه هذا أوقافا جليلة وعمر له حوضا في داخله وآخر على بابه وكانت منارة الجامع فوق الحوض الخارجي فلما آلت إمامة الجامع وتوليته إلى العارف بالله (محمد بن خليل المعروف بابن قنبر) المتوفي سنة 961 رأى المنارة قد اختل نظامها فنقضها دورا إلى أن انتهى بها ثم أمر المعمار أن يبنيها دورا إلى تمامها داخل الجامع تجاه باب قبليته. وهو الآن عامر الشعائر وله من الأوقاف ما يقوم بضرورياته ولكنه متوهن البناء محتاج للترميم. وفي سنة 1324 سخر الله له أناسا من أهل الخير فسعوا بجمع إعانة من المسلمين صرفوها على توسيع حوضه وتجديد بابه وفي سنة 1221 وقف الحاج عبد الرزاق ملحيس ثلاث دور ودكان شرطها بعد انقراض ذريته لهذا الجامع. ومن آثار هذه المحلة: مسجد سيه جان «1» في زقاقه أنشأه الخواجه أحمد وجدده ابن ابنه الحاج أحمد ناصر الدين ابن الشيخ إسحاق المعروف بابن سيه جان وشرط له عدة خيرات في وقف كبير وقفه عليه سنة 985 وهو الآن معمور بذكر الله تعالى تقام فيه الصلوات الجهرية وتتلى فيه ربعة بعد صلاة الصبح وهي مما شرطه الواقف المذكور. وهناك عدة شروط خيرية معطلة والوقف لم يبق على حالته بل لعبت به أيدي المغتصبين والمتغلبين. ومن الآثار في هذه المحلة، مسجد الفرّاء المتخذ زاوية لخلفاء الشيخ الأنجق وهو مسجد أنشئ في حدود الألف وله من الأوقاف كفايته وقد وقف عليه سنة 1201 علي بن إبراهيم ابن الحاج طه المشهدي وقفا حافلا شرط أن يصرف من غلته في كل شهر 15 قرشا إلى 30 قارئا يختمون القرآن في كل يوم بعد صلاة الصبح في المسجد الزاوية المذكور وشرط نصف القرش في كل شهر لنقطه جي وهو الإمام وقرشا للجابي وما فضل بعد التعمير والترميم يصرف في وجوه البر والصدقات ومن جملتها طعام للمختلين خلوة الأربعينية في المسجد الزاوية المذكورة وشرط التولية على وقفه هذا لنفسه مدة حياته وبعده لأولاده ثم لأعقابه وأنسالهم فإذا انقرضوا فلشيخ الزاوية وإذا انهدم المسجد فتنقل القراء لجامع قسطل الحرامي ويتولى الوقف إمام جامع قسطل الحرامي وهو النقطه جي وبانهدامه يتولى الوقف حاكم الشرع بحلب. في هذه المحلة حمام يعرف بحمام الألماجي تجاه مسجد الفرا بميلة إلى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 329 الشمال وهو أي الحمام وقاسارية في حارة المحب مما وقفه سنة 955 وسنة 992 الحاج بدر الدين ابن الخواجكي الكبير العريقي الصارمي ابن الحاج رجب بن حميد وشرط في وقفه هذا أن يدفع في كل شهر من العثمانيات 60 لقارئين يقرآن ما تيسر من القرآن في تربة والده بمحلة البندرة و 30 للمتولي ويعمل في كل سنة خمسون رطلا من السميد أقراصا بالسمن والعسل وتفرق على الفقراء ويشتري في عيد الأضحى عدة أضاحي. ومن الآثار في هذه المحلة أيضا مسجد قرب باب محلة الشرعسوس من شرقيه يقال له مسجد الفتال له من الأوقاف كفايته وتقام فيه الجهرية. وفي هذه المحلة أربعة قساطل وهي قسطل الميداني تجاه جامعه وقسطل البازرباشي وقسطل الفرا تجاه مسجده على صف الحمام وقسطل الفتال شرقي مسجده وفيها فرنان ومدار وعدة قياصر. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 330 حارة الشرعسوس (خ) عدد بيوتها 99 يحدها قبلة الألماجي وحارة قسطل المشط وشرقا الألماجي وشمالا قسطل الحرامي وغربا حارة البساتنه وعدد سكانها: الذكور/ الإناث/ المجموع/ الأقوام 55/53/108/المسلمون 196/190/386/الروم الكاثوليك 92/88/180/الأرمن الكاثوليك 9/3/12/الروم 4/1/5/الأرمن 4/1/5/البروتستانت 12/9/21/اللاتين 66/44/110/السريان 9/19/28/المورانة 855/المجموع لا أعرف وجه تسمية هذه المحلة بهذا الاسم قيل هو محرف عن كلمة شريعتلى أي المتشرع والصحيح أن هذه اللفظة كانت تطلق على جميع المحلات الكائنة بين أقيول وساحة التنانير. وأما آثار هذه المحلة فهي قسطل في وسطها يعرف بها. وذكر في بعض الأوراق السلطانية بقسطل بنقوس ولا يعلم له وقف، وفيها أيضا مسجد يعرف بزاوية الشيخ عبد الله محله شمالي المحلة تصلى فيه الجهرية ولا يعلم له وقف. وفيها كنيسة قرب المسجد المذكور لطائفة الروم الكاثوليك بنيت في حدود سنة 1250 على اسم القديس جرجس المعروف بالمار جرجس يزوره جميع طوائف النصارى في يوم معلوم من نيسان وينذرون له النذور وبعض النساء يمشين إليه حفاة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 331 حارة قسطل المشط (خ) عدد بيوتها 53 يحدها قبلة حارة جسر الكعكة وشرقا الألماجي والقواس وشمالا الشرعسوس والبساتنه وغربا حارة الأكراد وعدد سكانها: الذكور/ الإناث/ المجموع/ الأقوام 98/116/214/المسلمون 29/42/71/الروم الكاثوليك 23/18/41/الأرمن الكاثوليك 15/13/28/الروم 16/10/26/الأرمن 3/2/5/البروتستان 2/1/3/اللاتين 14/8/22/السريان 15/10/25/الموارنة 435/المجموع لا يوجد في هذه المحلة من الآثار الخيرية سوى قسطل المشط الذي تضاف المحلة إليه ولا يعرف له وقف ومسجد قسطل المشط تجاهه وله من الوقف ما يقوم بضرورياته وباني المسجد والقسطل واحد وفي المسجد تقام الصلوات الخمس وهو مشتمل على حوض استحدث سنة 1312 من وصية امرأة من المسلمين مكتوب على باب القبلية ما صورته: بنى قاسم بن المشط أكرم ماجد ... ومن يرتقى العليا به والمكارم بصدق لوجه الله أشرف مسجد ... ومن يفعل الخيرات فالله عالم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 332 وهذا له عند الكريم ذخيرة ... وأعظم أجر للقيامة دائم دليل قبول الخير جاء مؤرخا ... بنى مسجد التقوى وللدين قاسم 1047 وفي غربي هذا المسجد داخل المحلة مغار كبير يؤجر للفتالين وتؤخذ غلته للمسجد. وفي شهر رجب سنة 1313 أحدثت في هذا المسجد منبرا وحصلت على إذن الحاكم الشرعي بإقامة الجمعة فيه. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 333 حارة البساتنة (خ) عدد بيوتها 90 الذكور/ الإناث/ المجموع/ الأقوام 248/240/488/مسلمون 57/58/115/روم كاثوليك 47/45/92/أرمن كاثوليك 11/13/24/روم 13/9/22/أرمن 7/8/15/كلدان 38/41/79/سريان 14/18/32/موارنة 867/المجموع يحدها قبلة حارة قسطل المشط وشرقا الشرعسوس وشمالا قسطل الحرمي وغربا حارة الأكراد: لا آثار فيها سوى مسجد على الجادة في الصف المتجه إلى الشرق يقال له مسجد قنبر لا نعرف له ترجمة أوقافه دار في المحلة وحصة من بستان في النهريات يبلغ ريعهما السنوي خمسين ذهبا عثمانيا تقريبا ويقال أن له غير ذلك من الأوقاف غير إننا لا نعرفها. وفي هذه المحلة حمام يعرف بحمام البساتنه وهو قديم وكان جاريا في أملاك السلطان عبد الحميد خان الثاني وبعد الانقلاب الدستوري العثماني الحق بالأملاك الأميرية. وفي هذه المحلة عدة بيوت يعاني أهلها سياسة المعزى وهم يعرفون بالمعازة وكل دار قريبة من دورهم يكون فيها الهواء أوخم والبعوض أكثر. وفيها مدار واحد وعدة مصانع لنسيج الأقمشة. وفي هذه المحلة من مهاجري الأرمن وغيرهم ضعفا أهلها الوطنيين. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 334 محلة قسطل الحرامي (خ) عدد بيوتها 316 وعدد سكانها الوطنيين الذكور/ الإناث/ المجموع/ الأقوام 285/275/560/مسلمون 688/652/1340/روم كاثوليك 296/244/540/أرمن كاثوليك 32/26/58/روم 45/31/76/أرمن 14/14/28/لاتين 7/3/10/كلدان 182/120/302/سريان 114/111/225/موارنة 3139/المجموع حد هذه المحلة قبلة حارة البساتنه وشرقا أغيور وشمالا مقبرة جب النور وغربا الغطاس وهي محلة عظيمة ومهاجرو الأرمن فيها يبلغ عددهم أضعاف المواطنين. أعظم أثر فيها جامع بردبك المعروف بجامع قسطل الحرامي أو الحرمي. وهو جامع واسع عظيم معمور الشعائر واسع القبلية والصحن في جهته المتجهة إلى الغرب حجرة جميلة لجلوس الإمام في شماليها ميضأة يجري إليها الماء دائما وفي جهته المتجهة إلى الجنوب رواق في شرقيه حجرة واسعة سقفها قبة تعلم فيها الأطفال مكتوب على بابها ما يفهم منه أنها بنيت سنة 897 وفي غربي الرواق قبر كتب على نصبة رأسه: هذا قبر المرحوم بردبك التاجر الشهير ابن عبد الله الجزء: 2 ¦ الصفحة: 335 منشئ القسطل ومجري ماءها تغمده الله برحمته. وعلى نصبة الرجل توفي إلى رحمة الله تعالى في شهر رمضان المعظم سنة 897 من الهجرة. وعلى صدر القبر: تعاظم بي ذنبي فلما قرنته ... بعفوك ربي كان عفوك أعظما ولما دنت وفاتي وحانت منيتي ... جعلت رجائي نحو عفوك سلما وعلى باب الجامع تحت منارته مما يلي الجادة: في أيام المقر الكريم السيفي أزدمر مولانا ... ملك الأمراء كافل حلب المحروسة جدد هذه المنارة ... بردبك تاجر المماليك السلطانية أثابه الله الجنة بتاريخ شهر رجب سنة 896، وعلى باب القبلية: جدد حقا مخلصا ... معبدنا الزاكي حسن يا محسنا بالخير دم ... مانح الخير الحسن سنة 1132 وعلى طراز المحراب داخلا (آية الكرسي) وعلى دائر قنطرته (البسملة ثم الآية ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم) وعلى قنطرته: قد أذن الله برفع بيته ... للذكر بالآصال والاشراق قد وعد الحسنى عليه أرخوا ... فحسن جدد خيرا باقي سنة 1133 هذا المحراب من المحاريب التي انفردت بين محاريب جوامع مدينة حلب بالجمال وبداعة الصنعة وحسن الخطوط والنقوش وجوهر الحجر وهو محراب المدرسة الرمضانية التي نتكلم عليها قريبا نقل إلى هذا الجامع سنة 1133. قلت المفهوم مما كتب على باب الجامع تحت منارته إن هذا الجامع قديم لا يعرف من أنشأه وأن بردبك إنما جدد منارته وأنشأ فيه مكتبا وجر إليه الماء من قناة حلب بقناة خاصة، وعلى باب الجامع قسطل يجري إليه الماء دائما من قسطل وراءه في غربي الجامع كلاهما من إنشاء بردبك. ومن الآثار القديمة في هذه المحلة مكان شبيه بالبستان يبلغ طوله 60 ع في عرض 50 تقريبا له باب صغير مهجور متجه إلى الجنوب داخل دار صغيرة قد كتب على نجفته ما يفهم منه أن هذا المحل أنشئ في أيام السلطان الملك الظاهر خشقدم وله باب آخر مستعمل يفتح إلى الجادة متجه إلى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 336 الشرق يظهر أنه حادث وفي هذا المحل حوض كبير يجري إليه الماء من فائض قسطل بردبك الذي على باب الجامع وفي شماليه الشرقي قبر كتب على صدر نصبته يا زائرا قبري بالله ترحم عليّ. واقرأ القرآن عندي. صدقة منك إليّ (وعلى النصبة الأخرى) كم وقفت حول قبر وأنا مثلك حي. لا تأمن من الدنيا. إنما الدنيا كفي. وعلى نصبة الرأس (إلى) - (الله) : هذا ضريح المهدي المرحوم شرف الدين حسن المشهدي. (وعلى النصبة الأخرى) في شهر شوال المبارك سنة 865. وعلى سنام القبر يبشرهم ربهم برحمة منه ورضوان إلخ الآية. والظاهر أن هذا المحلة كان تربة وكان فيه عدة قبور باق أثر بعضها. وفي غربي هذه التربة مسجد لا نعرف له ترجمة في هذه المحلة أيضا جامع يعرف بجامع الابن قديم فوق بابه منارة بناها ثلاثة أخوة وهم حسين وشهاب الدين أحمد وعلاء الدين أولاد الحاج ناصر الدين محمد ابن كونج السارين أحد أمراء حلب والمشهور بين أهل المحلة أن منشئ هذا الجامع هو ابن منشئ جامع قسطل الحرامي ولهذا اشتهر اسمه عندهم بجامع الابن. في صحن هذا الجامع حوض يهبط إليه بدركات يجزى إليه الماء دائما من قناة بردبك ثم يجري منه الماء إلى قسطل محلة الشرعسوس ومنه إلى قسطل المشط. وفي هذه المحلة أيضا مسجد تقام فيه الجهرية يقال له مسجد العاشور لأنه في زقاق العاشور مكتوب في جانب محرابه الصيفي «جدد هذا المسجد المبارك الحاج رسول ابن الحاج علاء الدين الشهير بابن الرسول الكائن بزقاق المزرعة ابتغاء لوجه الله تعالى وذلك بتاريخ شهر رجب سنة 929» وفيها أيضا زاوية تعرف بزاوية الشيخ جاكير مشرفة على الخراب. وفيها مخفرة للشرطة في حضرة جامع قسطل الحرمي وخان تباع فيها الغلة أنشأه (عطاء الله بن عبد الرحمن آل المدرس) في حدود سنة 1300 وخان آخر مستعمل الآن من قبل بلدية حلب مستودعا للمواد الملتهبة أنشأه في حدود هذا التاريخ أحد تجار النصارى. وفيها 13 مدارا وعدة قياصر لنسج الأقمشة وفي أحد المدر مطحنة تدور بقوة الغاز الفقير تستعمل لطحن الحبوب وعمل الجليد. تنبيه: يلحق بهذه المحلة قسطل الرمضانية وهو مما أنشأه بردبك في حدود سنة 890 يجري إليه الماء من قناة بردبك التي رأسها من قناة حلب الكبرى عند القبر الطويل فيخرج من جنوبي قناة بردبك هذه فرع يجري إلى بستان الأقباعي المعروف بجنينة يمش ثم يخرج من شماليه فرع إلى تكية الشيخ بابا بيرم ثم من شماليه أيضا فرع إلى قسطل الرمضانية ومنه يؤخذ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 337 مجرى مغتصب إلى مستشفى الرمضانية المتقدم ذكره ويجري من هذا المجرى ماء يصب في بستان الرمضانية عصبا ثم يصب ماء أصل مجرى قناة بردبك في جرن قرب جامع قسطل الحرمي يسمى المقسم فيخرج منه فرعان (أحدهما) يجري إلى جامع الابن ومنه إلى قسطل الشرعسوس ومنه إلى قسطل الفتال ومنه إلى قسطل نازي ويخرج فرع آخر من قسطل الشرعسوس ينتهي إلى قسطل المشط ومنه إلى جامع قسطل المشط و (الآخر) يجري إلى جرن آخر يسمى المقسم الثاني يخرج منه أربعة فروع. أولها: يجري إلى جامع بشير باشا ومنه إلى قسطل السلطان تحت برج الساعة في حضرة باب الفرج ومنه إلى قسطل المصابن ومنه إلى قسطل أبي خشبة في سوق باب الجنان قرب خان الزيت. وثانيها: يجري إلى جامع شرف ومنه إلى قسطل جامع شرف ومنه إلى قسطل رجب باشا ومنه إلى قسطل محلة بحسيتا ومنه إلى سبيل الألتنجي. وثالثها: إلى جادة التدريبة ومنها إلى سبيل محلة الشمالي ومنه إلى حمام بهرام. ورابعها: إلى جامع الحرمي ومنه إلى حمام البساتنه ومن جامع الحرمي يخرج فرع آخر إلى قسطل جامع الحرمي الكائن على بابه ومنه إلى تربة المعظم ويخرج من قسطل جامع الحرمي فرع آخر إلى مسجد خير الله ومنه إلى قسطل الأكراد ومنه إلى قسطل جادة التدريبة. تنبيه: كان يوجد تجاه قسطل الرمضانية مدرسة أنشأها أحد أمراء الأسرة الرمضانية التي عددناها في جملة الدول التي لها علاقة بحلب غير أن هذه المدرسة بعد انقراض الدولة الرمضانية أهملت وعطلت شعائرها ثم أخذت بالخراب فنقل محرابها إلى جامع قسطل الحرمي الذي تكلمنا عليه ونقلت منارتها إلى تكية الشيخ أبي بكر الوفائي وزالت معالم المدرسة عن آخرها وصارت من جملة بستان يجري في تصرف أشخاص معلومين. وهو البستان الكائن في غربي المستشفى العسكري المعروف بمستشفى الرمضانية الآتي ذكره وفي شرقي شمالي هذا البستان قبر على ضريحه كتابة لم أتمكن من قراءتها. ومما يلحق بهذه الملحة المستشفى العسكري الكائن في غربي تكية الشيخ أبي بكر الوفائي بينهما عرض الطريق. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 338 هذا المستشفى أنشأه المرحوم إبراهيم باشا ابن محمد علي باشا خديوي مصر حينما استولى على حلب وباقي البلاد السورية وقد حمل الناس على العمل به طوعا وكرها ونقل حجارته من القلعة وأسوار البلدة وغيرها من المباني القديمة المتداعية إلى الخراب. ثم في أيام الدولة العثمانية أنشئ تجاهه في غربيه حديقة تسقى من دولاب في جنوبيه متصل به عذب يجري ماؤه إليه من قسطل الرمضانية ثم في أيام الحرب العامة زيد في هذه الحديقة زيادة عظيمة أصبحت بستانا كبيرا وعمر في أطرافها عدة خلاوي على طرز جميل زيدت بها غرف المستشفى فصار من أعظم مستشفيات سوريا بسعته وكثرة غرفه وخلواته وبستانه وحسن موقعه ولطف مناظره وله في جهته الجنوبية حمام كان يفتح في بعض الأحيان إلى الناس غير العساكر. أما الآن فقد هجر واستعمل محلا للأعتاد العسكرية وأثقالها وكانت أسطحة هذا المستشفى مفروشة بالقرميد الذي كان يصنع في معمل مبني في شماله ثم في الأيام الأخيرة رفع القرميد وفرش بدله بنوع من الصفيح. اه. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 339 حارة زقاق الأربعين (خ) عدد بيوتها 91 وعدد سكانها الذكور/ الإناث/ المجموع/ الأقوام 16/13/39/مسلمون 184/174/348/روم كاثوليك 16/24/40/أرمن كاثوليك 4/2/6/روم 5/5/10/لاتين 11/18/29/سريان 6/6/12/كلدان 232/252/484/المجموع يحدها قبلة حارة عبد الرحيم وشمالا الهزازة وغربا عبد الحي وشرقا محلة الأكراد. يقال إن هذه المحلة مما أسس في أيام السلطان سليم خان العثماني بعد استيلائه على حلب أحضر إليها أربعين أسرة من المسيحيين ليقوي بهم تجارة حلب على ما ذكرناه في المقدمة في الكلام على النصارى فبنت تلك الأسر في هذا الموضع أربعين دارا اتخذوها لسكناهم وسميت المحلة بعددهم. لا آثار خيرية في هذه المحلة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 340 حارة بيت محب (خ) عدد بيوتها 47 عدد سكانها الذكور/ الإناث/ المجموع/ الأقوام 29/42/71/مسلمون 80/95/175/روم كاثوليك 17/27/44/أرمن كاثوليك 16/8/24/روم 13/14/27/أرمن 15/9/24/سريان 18/15/33/موارنة 188/210/398/المجموع يحدها قبلة وغربا المبلط التابع العطوي ومحلة المغربلية وشرقا المغربلية وشمالا عبد الرحيم. عرفت هذه المحلة بأسرة قديمة كانت تسمى بيت محب الدين لم يبق منهم أحد يعرف. والمحلة قد تعرف الآن باسم بيت العقيلية. لا أثر خيري فيها سوى زاوية العقيلية وهي زاوية عامرة وأوقافها وافرة أشرنا إلى الكثير منها في جدول الأوقاف الآتي بيانه. على أن هذه الزاوية لم أر لها ذكرا في التاريخ سوى ما حكيناه في ترجمة (عثمان بن عبد الرحمن العقيلي) والأسر الشهيرة القديمة في هذه المحلة أسرة آل العقيلي ووجيهها الأستاذ الفاضل الشيخ عبد الرحمن ابن الشيخ أحمد الحافظ العقيلي رئيس كتاب المحكمة الشرعية الآن وأخوه الطبيب النطاسي السيد عبد القادر وأسرة بني الزنابيلي ووجيهها السيد شريف وأسرة آل والي ووجيهها السيد عبد الله. وفيها ثلاث قاساريات لنسج الأقمشة إحداها من وقف الزاوية المذكورة والأخرى من أوقاف المدرسة العثمانية والثالثة من وقف بني السياف. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 341 حارة ترب الغرباء (خ) عدد بيوتها 58 وعدد سكانها الذكور/ الإناث/ المجموع/ الأقوام 14/24/38/مسلمون 109/106/215/روم كاثوليك 66/56/122/أرمن كاثوليك 19/17/36/روم 66/62/129/أرمن 8/4/12/بروتستان 4/4/8/لاتين 4/4/8/كلدان 35/32/67/سريان 21/25/46/موارنة 346/335/681/المجموع يحدها قبلة وشرقا المرعشلي وشمالا وغربا الماوردي والألمه جي جي كان موضع هذه المحلة تربة تعرف باسم تربة الغرباء كأنها كانت مختصة بدفن أمواتهم ثم هجرت وفي حدود القرن الثامن أخذت تعمر فيها المباني وعلى التمادي عظمت وصارت محلة ولم يبق من أرضها سوى فسحة صغيرة فيها بعض القبور وإليها يفتح أحد بابي كنيسة الرهبنة اليسوعية الآتي ذكرها في الكلام على محلة القواس. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 342 آثارها تكية اسمها تكية المخملجي قرب جادة العريان الكبرى تشتمل على قبلية وبعض حجرات أنشئت سنة 643 يأوي إليها بعض الأسر الفقيرة ولا نعلم لها وقفا ولها إمام يدفع معلومه من جهة محاسبة الأوقاف. مسجد الشيخ وفا في رأس زقاق ابن أبي عطى مما يلي جادة قسطل الجورة وهو مسجد قديم أنشئ في القرن الحادي عشر معطل عن الشعائر يسكنه بعض الفقراء له دكان وقف عليه يتناول أجرتها دراويش تكية الشيخ أبي بكر الوفائي. ومن آثار المحلة مكان في شرق كنيسة الرهبنة اليسوعية يقال له مسجد نور الدين كان معطلا عن الشعائر مائلا إلى الخراب فسعى في هذه السنة وهي سنة 1341 بتجديده جماعة من أهل الخير واستخرجوا من جنوبه الشرقي فرنا وقفوه عليه. والظاهر أن باني القسطل هو باني هذا المسجد. وقد طلب مني تاريخ تجديده ليكتب على بابه فقلت. باسم الكريم الذي جلت مواهبه ... وسعي أصحاب خيرات وإحسان عادت لمسجد نور الدين بهجته ... من بعد وهن فأضحى عالي الشان واستخرج الفرن من شرقيه وغدا ... عليه وقفا صحيحا طول أزمان نادى الإله الألى كانوا لذا سببا ... جزاؤكم كان في التاريخ غفراني كتبت هذه الأبيات على حجرة فوق بابه. قسطل ترب الغرباء في جنوبي مسجد نور الدين المذكور أنشئ في سنة 808 وجدده أحد بني قطار اغاسي سنة 1243 ووقف عليه دكانين. وراء هذا القسطل مدفن فيه بعض القبور يعرف باسم مدفن الملك المظفر على بابه إلى الجنوب غرفة مغلقة مرفوع على بابها راية مكتوب عليها (هذا قبر ولي الله الشيخ غريب) . في هذه المحلة كنيسة للسريان اليعاقبة وأخرى للأرمن البروتستانت وهي دار استعملت كنيسة سنة 1284 هـ و 1867 م وفيها قسطل الجورة وقاسارية أخرى كبيرة وستة مدر وخان لدق القماش. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 343 حارة المرعشلي (خ) عدد بيوتها 77 وعدد سكانها الذكور/ الإناث/ المجموع/ الأقوام 98/103/201/مسلمون 46/45/91/روم كاثوليك 46/56/102/أرمن كاثوليك 25/52/77/روم 143/94/137/أرمن 1/1/2/كلدان 17/24/41/سريان 4/4/8/موارنة 370/379/755/المجموع يحدها قبلة جانب من الخندق المتوسط بين باب النصر وباب الحديد وشرقا حارة قسطل الجورة المعروفة أيضا بالعريان وغربا حارة الطبلة وشمالا ترب الغربا والعريان وهي محلة ذات جادة فسيحة جيدة المناخ ماؤها من قناة حلب يجري إليه بواسطة فرض خاص سميت بالمرعشلي نسبة إلى صاحب القبر الموجود في مسجدها الآتي ذكره. آثارها مسجد المرعشلي في أواسط المحلة في الصف الموجه إلى الشمال على الجادة وهو مسجد تقام فيه الصلوات الجزء: 2 ¦ الصفحة: 344 الخمس وكان مشرفا على الخراب فرمه جماعة من أهل الخير وعمر فيه سنة 1301 منبر للجمعة والعيدين ورفع له منارة فوق بابه وظهر له بعض أحكار من عرصات في قربه إلا أن المنبر بقي غير مستعمل لعدم صدور إرادة سنية تأذن باستعماله. في هذا المسجد حوض ماء جار دائما يهبط إليه بأربع دركات طول المسجد 13 ع وعرضه 10 وفيه حجرة كبيرة فوق الحوض وطول قبليته 25 ع وعرضها 6 ع وفي غربي القبلية قبر الشيخ عمر المرعشي مكتوب عليه ما يفيد أن وفاة صاحبه كانت في أواخر ذي القعدة سنة 1084 ويذكر أن هذا الحوض لما عمر سنة 1302 خرج في حفرته حجرة مكتوب عليها ما معناه إن الذي أنشأ هذا المسجد هو الشيخ ناصر الدين المرعشلي سنة 644 وإنه عاش 95 سنة. ولما رمم المسجد سنة 1301 استخرج من سماويه بحكم فتوى شريفه ثلاث دكاكين جعلت وقفا عليه. بقية آثارها سبيل قبالة باب المسجد المذكور وآخر في جانب خان أوج خان من غربيه وماء كلا السبيلين من قناة يجري ماؤها دائما يتناول باليد وفيها ثلاثة خانات للغلات منها خان أوج خان عرف بهذا الاسم لاشتماله على ثلاثة خانات تتصل ببعضها وهو خان قديم على بابه نقوش حجرية بديعة. وفيها حمام جار بناؤه في ملك بني زبيدة يعرف بحمام أوج خان ومصبنة منقوش على بابها (باسم الله تيمنا بذكره الكريم وهو حسبنا ونعم الوكيل سنة 1250) وفيها قاسارية تجاه أوج خان تشتمل على 55 نولا وبيت قهوة يعرف بقهوة البلور لها بابان أحدهما على جادة المحلة والآخر على جادة الخندق الكبرى جارية بملك ورثة السيد مصطفى غنام. وفي حضرة باب النصر من هذه المحلة سبيل كان يعرف بسبيل محرم عمارة فوقها مكتب لتعليم الأطفال هدمته البلدية سنة 1338 توسعة للطريق. وفيها سوق لعمل النحاس يشتمل على نحو مائة دكان وهو سوق النحاسين الجديد وكان سوق النحاسين قبلا في سوق حمام النحاسين المعروف قديما بحمام الست الجاري بأوقاف جامع خسرو باشا وقد اعتاد صناع النحاس في السوق الجديد من مسلمين ونصارى حينما يشرع مؤذن مسجد المرعشلي بأذان الظهر والعصر على أن يقفوا عن العمل ويضعوا مطارقهم حتى يفرغ المؤذن احتراما لذكر الله تعالى وهي عادة حسنة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 345 حارة جقور قسطل (خ) عدد بيوتها 68 وعدد سكانها الذكور/ الإناث/ المجموع/ الأقوام 126/305/431/مسلمون 57/45/102/روم كاثوليك 32/31/63/أرمن كاثوليك 18/11/29/روم 26/19/45/أرمن 4/6/10/لاتين 3/4/7/كلدان 41/46/77/سريان 5/2/7/موارنة 771/312/459/المجموع يحدها قبلة الخندق وشرقا خراب خان وشمالا الماوردي وغربا المرعشلي: هذه المحلة تعرف أيضا بالعريان وكلمة جقور قسطل تركية معناها قسطل الجورة سميت بهذا الاسم لوجود قسطل عميق فيها يهبط إليه بدركات وعرفت بالعريان نسبة إلى الشيخ العرياني المدفون في المسجد المنسوب إليه وهي محلة فسيحة جيدة المناخ يمر فيها شارع عظيم ومعظم مائها من قناة حلب وماء آبارها النبع لذيذ قليل الملوحة قريب المنال. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 346 آثارها فهي مسجد العريان قبلي المحلة له شبابيك مطلة على الخندق وأخرى مطلة على جادة العريان وهو مسجد جميل تقام فيه الصلوات الخمس طول قبليته 13 ع وعرضها 8 ع وطول سماويه نحو 20 ع في عرض 5 ع وفي غربيه حجرتان إحداهما معدة للإمام والأخرى لتربية الأطفال وفي شماليه حجرة فيها ضريح للشيخ العرياني وهو رجل يعتقده أهل المحلة ويقولون عرف بالعريان لأنه كان في أكثر أوقاته يغلب عليه الحال فيتجرد من ثيابه. وفي قرب الضريح بئر يصب فيه الماء في أبازن تشرب منها السابلة وفي شرقي السماوي قبر (الشيخ أحمد العبه جي) وفوق باب المسجد منارة صغيرة وله من الأوقاف أربع دور ودكان في المحلة يبلغ ريعها سنويا نحو 70 ذهبا. وفي هذه المحلة قسطل عميق فيه ميضأة ومغتسل يجري إليه الماء من قناة المرعشلي وهو قسطل قديم جدده جماعة من أهل الخير سنة 1306 وفيها قاسارية لنسج الأقمشة تعرف بقاسارية كاتو وخان تباع فيه الغلات جار في أملاك بني الدلال باشي مأخوذ من الخندق وقسطل أنشأه بدر الدين السوسي سنة 1276 قيل لما أنشأه كان عمره خمس عشرة سنة فمات ولم يكمله فاكملته عمة له وهو مدفون بجامع الشيخ قاسم النجار وسبيل أنشأه ابن كردو سنة 1226 وجدده أصحاب الخير وفيها حمام قرب بانقوسا وسبيل شهير يعرف بسبيل محرم له دكانان في قربه وقف عليه. وكان يوجد في قبلي هذه المحلة على شفير الخندق مدرسة للحنفية تعرف بمدرسة ذي القدرية أنشأها الأمير ناصر الدين محمد بك بن ذي القدر وقرر فيها الشيخ شهاب الدين المرعشلي. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 347 حارة الماوردي (خ) عدد بيوتها 74 وعدد سكانها الذكور/ الإناث/ المجموع/ الأقوام 98/101/199/مسلمون 73/60/133/روم كاثوليك 21/15/36/أرمن كاثوليك 5/7/12/روم 20/24/44/أرمن 2/1/3/لاتين 2/1/3/كلدان 31/26/57/سريان 3/2/5/موارنة 255/237/492/المجموع يحدها قبلة ترب الغربا وشرقا وشمالا أقيول وغربا الألمه جي. لا آثار فيها سوى مسجد كرمنجك معمور بالأوقاف الجهرية له دار وقف عليه وفيها قسطل في رأس زقاق ابن أبي عطي يعرف بقسطل الماوردي. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 348 حارة خراب خان (خ) عدد بيوتها 86 وعدد سكانها الذكور/ الإناث/ المجموع/ الأقوام 257/261/518/مسلمون 38/25/63/روم كاثوليك 13/12/25/أرمن كاثوليك 4/12/16/روم 9/3/12/أرمن 3/3/6/بروتستان 4/7/11/سريان 327/323/651/المجموع حدها قبلة محلة جقور قسطل وشمالا جادة السوق الصغير وشرقا السوق المذكور وغربا زقاق العنكبوت ومحلة الماوردي وهي محلة مرتفعة متوسطة المناخ أكثر مائها معين على عمق بضعة أبواع. أما آثارها فهي جامع خراب خان ويسمى جامع (الشيخ قاسم النجار) وهو جامع قديم تقام فيه الصلوات الخمس وصلاة الجمعة والعيدين وله منارة فوق بابه، طول قبليته 430 وعرضها 47. مكتوب على منبره إنه من إنشاء الشيخ قاسم المذكور سنة 1112 وفي صحن هذا الجامع عدة قبور منها قبر الشيخ قاسم النجار وفيه أيضا تجاه القبلية ميضأة يهبط إليها ببضع عشرة دركة يجري إليها الماء من قناة حلب وأهل المحلة يقولون إن الذي أنشأها رجل يقال له الحاج إبراهيم العنبرجي سنة 1272. ولهذا الجامع من الأوقاف ما فيه كفايته والمتولون عليه جماعة من بني الحريري القاطنين في حماه. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 349 تنبيه: الظاهر أن الذي أنشأ هذا الجامع هو أحد هذه الأسرة بدليل ما هو مكتوب في صدر ميضأته الأصلية الخارجة عنه على بابه من شرقيه إلى الجنوب وهي ميضأة «1» عميقة يهبط إليها ببضع وعشرين درجة مكتوب في صدرها (أنشأ هذا السبيل المبارك الأجل الحاج محمد المقري المتوفي إلى رحمة الله تعالى ابن الحاج رجب والد المتوفي محمد وله من العمر تسع عشرة سنة جده أمير حاج الحريري السيواسي وذلك في تاريخ شهور سنة 765 والحمد لله. بقية آثار المحلة مدفن الشيخ خليل الرام حمداني في زقاق تجاه باب مسجد الشيخ قاسم يعتقده أهل المحلة ويزورونه وينذرون له قناديل تسرج عند ضريحه ويقولون أنه من ذرية الجيلي وأن وفاته كانت في القرن التاسع وقد رم مكانه أحد المنسوبين إلى الطريق سنة 1304 واتخذه مكانا للذكر والرقية ويقال إن الشيخ كان في حال حياته أنشأ في السوق الصغير سبيلا تهدم بعد وفاته ثم في سنة 1302 أخرج منه أهل المحلة دكانا يصرفون ريعها على السبيل والمزار المذكورين. في هذه المحلة ثلاثة مدر وثلاثة خانات لبيع الفحم والحطب أحدها جار في أملاك بني الدلال باشي والثاني جار في وقف قسطل الجيش المعروف أيضا بقسطل الجحاش وثالثها في وقف بني البيرقدار. وفيها أربعة بيوت قهاوي وقاساريتان في إحداهما 31 نولا وفي الثانية 9 أنوال وفيها مصبغتان إحداهما لصبغ الحرير والأخرى كبيرة تصبغ فيها أنواع البز. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 350 حارة عنتر (خ) عدد بيوتها 65 وعدد سكانها الذكور/ الإناث/ المجموع/ الأقوام 164/146/130/مسلمون 1/11/21/روم كاثوليك 5/3/8/أرمن كاثوليك 161/178/334/المجموع يحدها قبلة الشميصاتية وشرقا الرباط العسكري وشمالا أقيول وغربا جادة أقيول. من آثارها قسطل الزيتون وجامع وراءه وهما من إنشاء (الست حلب بنت عثمان بن أحمد أغليبك) . ومسجد يقال له المسجد الجديد تقام فيه الصلوات والجمعة وقسطل البيرقدار ومسجد على جادة أقيول في الصف الموجه إلى الشرق قبلية ليس لها سماوي. وفي هذه المحلة عدة مصابغ وأماكن لنسج الأقمشة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 351 حارة النوحية (خ) عدد بيوتها 66 وعدد سكانها الذكور/ الإناث/ المجموع/ الأقوام 262/238/500/مسلمون 9/10/19/روم كاثوليك 9/6/15/أرمن كاثوليك 4/2/6/سريان 284/256/540/المجموع يحدها قبلة حارة عنتر وشرقا الرباط العسكري الكبير المعروف باسم الشيخ يبرق وشمالا وغربا محلة أقيول. وهي محلة مرتفعة جدا جيدة المناخ. فيها مسجد واحد تقام فيه الصلوات الخمس طول قبليته 11 ع وعرضها 6 ع له من الأوقاف ما يقوم بكفايته. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 352 حارة الشيخ أبي بكر وجبل الغزالات (خ) عدد بيوتها 15 وعدد سكانها 105 الذكور منهم 48 والإناث 57 نسمة كلهم مسلمون. هذه المحلة عبارة عن تكية الشيخ أبي بكر الوفائي وما في ضمنها من البيوت وعن ثلاث دور في جبل الغزالات. أما التكية فقد كان تأسيسها في القرن العاشر عن يد (أحمد بن عمر القاري على التل الوسطاني المعروف عند الأتراك باسم (أورته تبه) لوقوعه بين جبل الغزالات وجبل العظام والتكية عامرة آهلة يسكن في دور منها دراويش الطريقة الوفائية «1» وهم يملكون هذه الدور ويتناولون ريع وقف التكية رواتب لأن كل واحد منهم له وظيفة في التكية وقد تكلمنا على باقي شؤونها في ترجمة الشيخ أحمد القاري فراجعه. كان ولاة حلب من الدولة العثمانية يقيمون في هذه التكية منذ نشأتها الأولى إلى أواسط القرن الثالث عشر تحصنا من هجمات اليكيجرية «2» وعاديات أرباب الصيال في تلك الأيام وكان كثير من الولاة يعتنون بشأن التكية ويحيرص كل واحد منهم على أن يبقى له فيها أثرا ولهذا ترى فيها بعض أبنية جميلة تستحق الذكر على أن أحسن ما فيها قاعة كانت ظهارتها من الخزف القاشاني قد لعبت بها أيدي الناهبين والمحراب القائم في حجرة الضريح الذي لم يزل باقيا حتى الآن. ولها على بابها منارة كانت للمدرسة الرمضانية فنقلت منها بعد خرابها إلى التكية. وفي حدود سنة 1315 بنى أحد التجار في ظاهر التكية من جنوبها دارا وقصرا ثم تبعه تاجرا آخر فبنى دارا أخرى وهرع الناس إلى احتكار عرصات خارج التكية جارية في أوقافها غير إنهم لم يبنوا فوقها حتى الآن مع أن موضعها عال جميل المناظر جيد المناخ. وفي حدود سنة 1330 قررت مصلحة الصحية في حلب منع دفن الأموات في مقابر المسيحيين المتصلة بمحلة العزيزية فاعتاضوا عنها ببقعة من أرض بعيدة عن البلدة تعرف بحوش الجزء: 2 ¦ الصفحة: 353 البدوية جارية في وقف التكية المذكورة ثم في أثناء الحرب العامة اتخذ الألمان منها أيضا قطعة جعلوها مقبرة لأمواتهم ثم حذا حذوهم الإنكليز ثم الفرنسيين منهم من دفع قيمتها المقدرة إلى متولي التكية ومنهم من لم يدفع شيئا حتى الآن. أما الدور الثلاث في جبل الغزالات فقد كان بناؤها في سنة 1279 كما نوهنا بذكرها في حوادث هذه السنة من باب الحوادث. وقد أشرفت الآن على الدثور وخلت من السكان. وفي حدود سنة 1325 احتكر محمد أسعد باشا ابن (محمد علي) الجابري على سفح هذا الجبل من غربيه عرصة واسعة من وقف التكية المذكورة تبلغ مساحتها نحو ثلاثين ألف ذراع معماري دفع بدل حكرها المعجل نحو 200 ذهب عثماني فبنى عليها حائطا وحفر فيها دولابا عمل في جانبه حوضا وعمر دارا لسكنى الفلاحين وقصرا شامخا لسكناه كثير الغرف واسع الخلوات صرف عليه زهاء عشرة آلاف ذهب عثماني. ولما كانت الحرب العامة تسلط على هذا القصر وباقي المباني الداخلة في هذه العرصة الشطار والدعار فاستلوا كثيرا من أخشابه ودفوفه وأصبح غير صالح للسكنى. وفي سنة 1340 آجرها الورثة من مهاجرة الأرمن فأجروا عليها بعض الإصلاح واتخذوها محلا لسكناهم. الغزالات يلفظها الناس بتشديد الزاي والصواب تخفيفها فقد أضيف إليها الجبل لأنه كان يوجد فيه عدة كنس «1» تقتنص منه الغزلان. مما يضاف إلى هذه المحلة مستودعان لحفظ الأعتاد الحربية النارية في شرقي تكية الشيخ أبي بكر إلى الجنوب يبعدان عنها مسافة ميل أو أكثر أحدها أنشئ من قبل العسكرية العثمانية في حدود سنة 1310 والآخر أنشئ من قبل العسكرية الألمانية في حدود سنة 1325 وكلاهما مما انهدم بانفجار ما فهي من الأعتاد على إثر انسحاب الأتراك والألمان من حلب. يلحق بهذه المحلة أيضا الميدان الأخضر في شمالي حلب ويعرف عند الأتراك باسم (كوك ميداني) أي ميدان المرجة لانبساط المروج الطبيعية عليه وكان ميدانا واسعا فسيحا تخيم فيه جنود الدول حين شخوصهم إلى الحروب ويسرحون فيه أنعامهم وخيولهم للرعي وكان المرحوم السلطان نور الدين بن زنكي يلعب بالكرة والصولجان صحبة أتابكه صلاح الدين حتى إنه كان له قيم خاص به يسمى قيم الميدان ثم بعد دخول العثمانيين إلى حلب احتكرت المسافات الواسعة من أطرافه وغرست حدائق وبساتين حتى لم يبق منه الآن سوى مسافة لا تزيد الجزء: 2 ¦ الصفحة: 354 مساحتها على ميل مربع قد اشتملت في أواسطها على عين جارية. وفي سنة 1280 خطر لوالي حلب ثريا باشا أن يجعل هذا الميدان منتزها عاما فبنى في جنوبيه على ربوة منه بيت قهوة وعمل في وسطه شبه برج من الأخشاب ليقف عليه أصحاب الموسيقى والمطربون فأقبل الناس عليه للإنشراح والانبساط مدة ثم أهملوه لبعده وعلى تمادي الأيام خرب بيت القهوة وسرقت أخشاب البرج وعاد قفرا كما كان غير أنه لم يزل معدودا من جملة منتزهات حلب يقصده بعض الناس أحيانا للإنشراح بمروجه وعين الماء التي فيه. وفي حدود سنة 1307 بنت مصلحة الزراعة في جنوبه مكانا سمته نموذج الزراعة أحضرت إليه أوائل الزراعة الغربية على الطراز الحديث فلم تنجح لضيق الأرض عن استعمالها فانتقلت منه إلى قرية المسلمية واستعمل محلها مكانا لسياسة الحيوانات اللبنية سمته سودخانه أي دار اللبن وجلبت إليه أحسن أنواع البقر وشرع الموظفون فيه يعملون من ألبانها أنواع الجبن والزبدة وأقبل كبار الموظفين على شرائهما إقبالا زائدا لرخصهما ولذتهما غير أنه لم يمض على ذلك غير قليل حتى أهمل وأقفر المكان. وفي أثناء الحرب العامة صدر أمر القائد جمال باشا بأن يبنى في شمالي الميدان مكان يجعل دارا للمعلمين فاهتمت جهة العسكرية بتنفيذ أمره وجمعت له البنائين والحجارين من الجنود وشرعوا بالعمل ثم أضيف إليهم جماعة من مهاجرة الأرمن وغيرهم وجعلت أجرة العامل يوميا رغيفين من الخبز فهرع إلى العمل بهذه العمارة خلق كثير رغبة بهذه الأجرة الزهيدة التي كانت في ذلك الوقت تخلص العامل من مخالب الموت جوعا فما مضى غير أشهر حتى انتهى جل العمل وجاء المكان على غاية ما يرام من حسن البناء وكثرة الخلوات والأبهاء وحينئذ وقعت الهدنة وانسحبت الجنود التركية والألمانية من حلب وسادت فيها الفوضى فقصده الدعار ونهبوا أخشابه وحدائده وأصبح مأوى للصوص وهو ما زال على هذه الحالة حتى الآن. ومما يلحق بهذه المحلة العين البيضاء التي يجري ماؤها إلى المستودع الملحق بحارة الهزازة الذي تكلمنا عليه في المحلة المذكورة. هذه العين شمال الميدان تبعد عنه ربع ساعة وعن حلب نصف ساعة. وكان الأغراب الموظفون يشربون من مائها كيلا يوسموا بحبة حلب فكان الماء ينقل إلى الحكومة وكان ملء تنكة غاز البترول «1» من هذا الماء يباع بقرش الجزء: 2 ¦ الصفحة: 355 ونصف ثم إن بعض السقائين الذين يعانون نقل هذا الماء أخذوا يملأون آنيتهم من مياه آبار في حلب ويبيعونها على إنها من ماء العين البيضاء فشعرت الحكومة بذلك وحينئذ عينت البلدية قيما خصوصيا يقيم نهارا ويأخذ من السقائين عن كل تنكة يملأونها من ماء العين نصف قرش ويسد ثقبها بشمع عليه طابعا خصوصيا منعا للغش. ولما انتبه الناس إلى رداءة قناة حلب وصار الكثير منهم يتحامى ماءها ويرغب أن يكون شربه من ماء العين البيضاء رأت البلدية أن تعتني بهذه العين فوسعت ينابيعها وبنت لها حوضا مسقوفا يؤخذ منه الماء بواسطة مجرى في أسفله دفعا لدخول الدواب إلى غدير العين وتلويث مائها بروثهم، إلى أن كانت الحرب العامة وحدثت قلة المياه سنة 1335 وجفت أكثر آبار البلدة ولقي الناس من قلة الماء شدة وأصبحت العسكرية في حاجة عظيمة إليه فاهتم القائد العام جمال باشا بجر ماء هذه العين إلى البلدة فمد منها إلى الميدان الأخضر كيزانا «1» خزفية وعمل في هذه المسافة حوضين عظيمين يصب الماء لسقاية الجنود والدواب على أن يصرف ما فاض عن الحوض الثاني إلى البلدة فلم ينجح هذا العمل لأن كيزان الخزف قد عجزت عن تحمل ثقل الماء فتشققت وجرى الماء منها هدرا وحينئذ أحضر كيزانا من الحديد في قطر سبعة قراريط ومدها من العين إلى مستودع الماء الذي سلف الكلام عليه في محلة الهزازة وبنى في جانب العين بيتا لوضع محرك يدور بقوة الغاز الفقير وسلط قوته على مضخة لرفع الماء بها من العين ودفعه إلى المستودع المذكور فروى العطاش وأزال تلك الغائلة العظيمة في مدة لا تزيد على شهرين. هذه العين تسمى العين البيضاء والعين الأخرى التي في شماليها على مقربة منها تسمى عين التل عكس المتبادر إلى الذهن فإن التل وراء العين الأولى فهي أولى أن تسمى عين التل. وعين التل هذه قديمة ورد ذكرها في أشعار الصنوبري مشيرا إلى أنه يوجد عليها عمارة فيها مسجد. قلت لم تزل على ما كانت عليه. في هذه السنة حررت مصلحة النافعة عين الميدان ومدت منها كيزانا حديدية إلى حوض بني في ظاهر محلة الطونبغا يصب فيه الماء بواسطة مضخة تدفعه بقوة محرك وذلك قصد إيصال ماء نظيف إلى جميع محلات حلب التي لم يزل بعضها محروما من هذا الماء لقلته. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 356 حارة النيال (خ) عدد بيوتها 95 وعدد سكانها الذكور/ الإناث/ المجموع/ الأقوام 14/16/30/إسلام 115/116/231/روم كاثوليك 33/14/74/أرمن كاثوليك 14/17/31/سريان كاثوليك 12/9/21/روم 40/42/82/أرمن 22/21/43/سريان 30/30/60/موارنة 1/3/4/كلدان 20/25/45/لاتين- 1/1/بروتستان 301/321/622/المجموع هذه المحلة حدثت في حدود سنة 1295 وهي تنسب إلى السيد محمد ابن السيد عمر الشهير بالنيال أحد الموظفين في حكومة حلب أيام الدولة العثمانية وكان يجري في أملاكه بستان صغير في تلك الجهة أنشأ أحفاده في طرف منه دارا لهم يسكنونها في حدود السنة المذكورة فاستلفتوا بهذه الدار أنظار الناس إلى البناء في ذلك البستان وشرعوا يشترون منهم العرصات ويبنونها دورا وتتابع العمل إلى أن استغرق العمار البستان وسرى إلى ما جاوره الجزء: 2 ¦ الصفحة: 357 من الأراضي حتى أصبحت الآن محلة عظيمة ذات شوارع واسعة وأبنية ضخمة قد اشتملت على عدة خانات وحوانيت وبيوت قهاوي وصارت تعد في الدرجة الثالثة من العمران وحسن المباني. وهي واقعة في شمالي ضاحية البلدة إلى الشرق يحدها قبلة حارة الهزازة وشرقا حارة الحميدية الآتية الذكر وشمالا الجادة الآخذة إلى جسر الصيرفي. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 358 الحميدية (خ) عدد بيوتها 509 وعدد سكانها الذكور/ الإناث/ المجموع/ الأقوام 871/949/1820/روم كاثوليك 366/374/740/أرمن كاثوليك 253/252/495/سريان كاثوليك 85/72/157/روم 145/105/250/أرمن 28/27/55/سريان 144/162/306/موارنة 47/42/89/كلدان 46/52/98/لاتين 22/11/33/بروتستان 2007/2036/4043/المجموع هذه المحلة خططت في حدود سنة 1305 وسميت الحميدية نسبة إلى السلطان عبد الحميد خان الثاني العثماني وفي حدود سنة 1325 خطط في قربها محلة سميت الجابرية نسبة إلى أحد بني الجابري الذي كان يتصرف بأرضها وقد أضيف إلى المحلة الأولى، حدها قبلة حارة قسطل الحرامي، وشرقا حارة الشيخ أبي بكر الوفائي وشمالا كرم النصار وبساتين تلك الناحية، وغربا حارة النيال. لا آثار خيرية في هذه المحلة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 359 حارة السليمانية عدد بيوتها 76 وعدد سكانها الذكور/ الإناث/ المجموع/ الأقوام 169/161/330/روم كاثوليك 63/59/122/أرمن كاثوليك 43/28/71/سريان كاثوليك 42/30/72/روم 2/2/4/أرمن 15/11/26/سريان 33/38/71/موارنة 4/1/5/كلدان 11/14/25/لاتين 328/344/726/المجموع يحدها قبلة حارة النيال ومقابر اليهود، وشرقا الحميدية والجابرية وشمالا جسر الصيرفي وغربا نهر قويق. أسست هذه المحلة سنة 1313 وهي تعرف باسم سليمان جلبي صاحب بستان كان في جهة منها. وقد تعرف باسم حارة الخياط والمراد به المحامي الشهير جرجي بن سمعان خياط الحلبي المولد المنشأ الموصلي الأصل فقد كان البستان المذكور جاريا في تصرفه وكان يبيع الذراع منه إلى الفقراء ببضعة قروش ويقسط مجموع القيمة عليهم إلى عدة سنين ويجري معهم من التساهل مالا يفعله غيره. وقد صارت الآن محلة عظيمة تشتمل على أفران وحوانيت وفي سنة 1339 فتحت فيها جادة عظيمة لا نظير لها في جواد حلب من جهة عرضها وما تؤدي إليه من بساتين حلب ومنتزهاتها. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 360 حارة الأكراد (خ) عدد بيوتها 101 وعدد سكانها الذكور/ الإناث/ المجموع/ الأقوام 43/45/88/مسلمون 192/189/381/روم كاثوليك 130/147/277/أرمن كاثوليك 15/13/28/روم 12/39/51/أرمن 11/13/24/لاتين 3/4/7/سريان 120/126/246/موارنة 575/629/1204/المجموع حدها قبلة جسر الكعكة وشرقا قسطل الحرامي وشمالا الحميدية وغربا زقاق الأربعين. آثارها مسجد خير الله تقام فيه الجهرية له سماوية في طول 25 ع وعرض 8 ع تقريبا في جنوبه قبلية في جنوبه قبلية على طول السماوي في عرضه وفي شماليه حجرتان بينهما رواق وله من الأوقاف كفايته وهو والقسطل الذي على بابه مما أنشئ في أواخر أيام الدولة الجر كسية وكل من المسجد والقسطل يجري إليه الماء من قناة بردبك على الوجه الذي أسلفنا بيانه في الكلام على محلة قسطل الحرامي. وفي هذه المحلة قسطل يقال له قسطل التدريبة مما أنشئ في سنة 1159 يجري إليه الماء من القناة المذكورة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 361 جسر الكعكة (خ) عدد بيوتها 50 وعدد سكانها الذكور/ الإناث/ المجموع/ الأقوام 9/9/18/مسلمون 90/96/186/روم كاثوليك 62/50/112/أرمن كاثوليك 15/9/24/روم 8/4/12/أرمن 1/4/5/لاتين 7/6/13/كلدان 48/40/88/سريان 26/16/42/موارنة 256/234/500/المجموع يحدها قبلة حارة الطبلة وشرقا قسطل المشط وشمالا حارة الأكراد وغربا عبد الرحيم سميت بهذا الاسم لأنه يوجد في نقطة منها بالوعة تنصب إليها أربعة أسربة لها غطاء من الحجر مستدير مخرق الوسط كأنه كعكة. لا أثر خيري في هذه المحلة سوى مسجد قديم مهجور مائل إلى الخراب يسمى المسجد العمري. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 362 حارة الطبلة (خ) عدد بيوتها 56 وعدد سكانها الذكور/ الإناث/ المجموع/ الأقوام 62/66/123/مسلمون 39/46/85/روم كاثوليك 43/40/83/أرمن كاثوليك 8/9/17/روم 39/31/70/أرمن 9/6/15/بروتستان 3/2/5/لاتين 27/33/60/سريان 16/12/28/موارنة 247/240/487/المجموع يحدها قبلة محلة داخل باب النصر والعطوي الكبير وشرقا محلة المرعشلي وشمالا محلة القواس وغربا محلة المغربلية وساحة التنانير التابعة لها. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 363 آثارها جامع الزكي قديم أنشئ في حدود سنة 700 طول صحنه من الجنوب إلى الشمال نحو 40 ع وعرضه نحو 25 ع وطول قبليته 25 ع في 15 ع تقام فيه الصلوات الخمس وصلاة الجمعة والعيدين. في غربيه رواق في صدره محراب مكتوب على جبهة الرواق. جدد هذا المكان المبارك الفقير إليه تعالى الحاج محي الدين ابن الحاج عبد القادر محب في غرة شهر رجب الفرد سنة 1137 وفي هذا الرواق بعض حجرات يسكنها الفقراء وفي الجهة الموجهة إلى الجنوب من الصحن حجرات أيضا يسكنها أرباب الشعائر وفي وسط الصحن حوض يجري إليه الماء من قناة حلب وللجامع بابان موجهان إلى الغرب فوق الجنوبي منهما منارة وفي غربي جنوبي الصحن ميضأة يدخل إليها من الباب الشمالي ومن صحن الجامع. ونسبة هذا الجامع آل الزكي حادثة وليس الزكي صاحبه وإنما كان أحد مشايخ الطرق العلية يقيم فيه أذكاره فنسب إليه وهو السيد عمر ابن الشيخ أحمد بن محمد الشهير بابن الزكي المتوفي سنة 946 أما بانيه فهو علي بن سعيد بن سعيد الزيني أحد الأمراء في حلب أيام دولة الأتراك المماليك في حدود سنة 700 وقد وقف عليه أوقافا جليلة ضاع معظمها وبقي منها ما يقوم بضرورياته. في شرقي صحن الجامع قبلية أخرى واسعة تعرف بالشمالية أنشأها حجيج الناصري أمير عرب في حدود سنة 972 وقد اشترى لها عرصة من خان في شرقيها يعرف الآن باسم (أوج خان) وعمرها ووقف لها أوقافا جليلة في حلب وأنطاكية وغيرها فضاعت تلك الأوقاف ولم يبق منها الآن سوى حانوتين قرب هذا الجامع وحصة من طاحون في أنطاكية وقد دخل ذلك في إدارة محاسبة الأوقاف في حلب. ومن الآثار في هذه المحلة أيضا زاوية الشيخ البعاج «1» وهي قرب حمام القواس وكانت أشرفت على الخراب فجددها المتولي عليها الشيخ محمد هاشم ابن الحاج عبد الوهاب الوفائي المتصل نسبه بالشيخ عمر البعاج صاحب هذه الزاوية وقد كتب على حجرة في واجهة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 364 القبلية مما يلي صحن الزاوية. قد أنشأ وعمر هذه الزاوية والمسجد في داخلها أحد علماء القرن التاسع قطب العارفين الحسيب النسيب الشيخ عمر الوفائي الحسيني الشهير بالبعاج المدفون هو وابنه العالم الفاضل الشيخ محمد شمس الدين في حرمهما كما أن مرقد حفيديه الشيخ أبي الوفا والشيخ أحمد في سماويهما وتعلم ترجمة الجميع من كتاب در الحبب لابن الحنبلي وكتاب معادن الذهب للشيخ وفا العرضي وقد جددها أحد أعقاب منشئهما محمد هاشم ابن الحاج عبد الوهاب الوفائي مصادفا لذنبه تاريخ (غفرانه) سنة 1336 أقول السيد محمد هاشم هذا هو المتولي على هذه الزاوية وعلى جامع الزكي المتقدم ذكره وهو من خيرة الرجال يحفظ القرآن الكريم بإتقان ويعتني بإعمار الجامع والزاوية المذكورين ويلازم الصلاة في أوقاتها ولا ينفك عن التمسك بذيل الأمانة والاستقامة. ومن آثار هذه المحلة. مسجد الشيخ صالح الكيلاني مكتوب على قنطرة بابه (الله عوني جابري ميسر عبد القادر) وهو معطل عن الشعائر والغالب على الظن أنه تربة. في هذه المحلة حمام القواس من وقف حسين باشا البابي وعدة مصانع لنسج الأقمشة وعدة خانات لنزل المسافرين وربط الدواب وبيع الأخشاب والدفوف. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 365 محلة القواس (خ) عدد بيوتها 49 وعدد سكانها الذكور/ الإناث/ المجموع/ الأقوام 21/28/49/مسلمون 91/81/172/روم كاثوليك 66/55/121/أرمن كاثوليك 5/2/7/روم 31/24/55/أرمن 3/1/4/بروتستان 1/3/4/لاتين 3/2/5/كلدان 47/47/94/سريان 13/10/23/موارنة 281/253/534/المجموع يحدها قبلة حارة الطبلة وشرقا ترب الغرباء وشمالا قسطل المشط وغربا عبد الرحيم. ليس فيها من الآثار سوى مسجد يعرف بمسجد السيدا بابه متجه إلى الغرب على الجادة العظمى وهو مسجد معطل عن الشعائر له قبلية متوهنة وصحن صغير وله على بابه دكان مستخرجة منه وفي هذه المحلة زقاق عظيم غير نافذ فيه معظم دور هذه المحلة يعرف بزقاق السيدا ويظن كثير من الناس أنه محلة مستقلة وليس كذلك. ومما يلحق بهذه المحلة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 366 كنيسة الرهبنة اليسوعية في شرقي هذه المحلة على حدود محلة ترب الغرباء وهي كنيسة عظيمة ذات غرف وأبهاء وبستان لطيف مبنية على أرض محتكرة من وقف جامع الميداني بدىء بتأسيسها في سنة 1879 م سنة 1297 هـ عن يد الراهب يوسف روز اليسوعي رئيس الدعاة اليسوعيين في حلب بناها على اسم القديس أغناطيوس دي لويولا. طول معبدها 25 ع وعرضه 12 وارتفاعه 18 مترا وهو معبد مستوفي شروط العبادة حسب الديانة المسيحية ومن جملة مشتملات هذه الكنيسة مدرسة كانت قبل الحرب تعلم فيها الأولاد من الطبقة الوسطى ثم في أثناء الحرب أقفلت وبعد أن وضعت الحرب أوزارها مست الحاجة إلى أن تجعل مدرسة تجهيزية عليا يتلقى فيها الشبان العلوم التي لا يستغنى عنها في سبيل الوصول إلى المراتب الرفيعة من العلوم والفنون ففتحت سنة 1920 م سنة 1339 هـ فأقبل عليها من أنهى دروسه في مدارس حلب ورغب أن يحصل على ما هو أسمى منها. والعلوم التي تتلقى فيها هي علم البيان والبلاغة في العربية والإفرنسية والحساب والجبر والهندسة والكيميا والفيزيكا «1» والتاريخ والجغرافية والترجمة وعدد تلامذتها الآن 45 وهم من نخبة الشبان والنوابغ منهم تمتحنهم لجنة مؤلفة من الحكومة قوامها علماء وطنيون وفرنسيون فإذا نجحوا بامتحانهم فإنهم يعطون شهادة تخولهم حق الدخول إلى مدارس الطب والهندسة والحقوق والزراعة وغيرها في فرنسا وبيروت. على أن الدخول إلى هذه المدرسة بأجرة طفيفة وهي نهارية فقط. ليس لهذه الكنيسة من الأوقاف سوى دارين تبلغ غلتهما في السنة ستين ذهبا. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 367 حارة المغربلية (خ) عدد بيوتها 57 وعدد سكانها الذكور/ الإناث/ المجموع/ الأقوام 88/83/171/مسلمون 21/23/44/روم كاثوليك 25/25/60/أرمن كاثوليك 20/16/36/روم 33/19/52/أرمن 2/3/5/بروتستان 1/3/4/لاتين 6/4/10/كلدان 22/40/62/سريان 12/7/19/موارنة 240/322/463/المجموع يحدها قبلة حارة الطبلة، شرقا وشمالا عبد الرحيم وغربا بيت محب لا أثر فيها سوى مسجد الشيخ عبد الله الأكحل تصلى فيه الجهرية وهو قديم بني في حدود سنة 890 والمتولون عليه من أسرة آل الحريري في حلب وله من الأوقاف ما يقوم بكفايته. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 368 حارة العطوي الكبير (خ) عدد بيوتها 7759 وعدد سكانها الذكور/ الإناث/ المجموع/ الأقوام 6/6/12/مسلمون 139/147/276/روم كاثوليك 56/49/105/أرمن كاثوليك 17/17/34/روم 41/35/76/أرمن 6/6/12/لاتين 76/60/136/سريان 34/34/68/موارنة 375/254/729/المجموع حدّها قبلة خندق العطوي الذي أصبح الآن من أعمر جادات حلب وأكثرها حوانيت ومخازن وخانات وشرقا محلة داخل باب النصر والمرعشلي وشمالا المغربلية وبيت محب وغربا الصليبة. لا آثار فيها سوى مسجد في جانبه قسطل مائلان إلى الخراب وقد رممت إدارة الأوقاف المسجد ورتبت له إماما. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 369 العطوي الصغير (خ) عدد بيوتها 97 وعدد سكانها الذكور/ الإناث/ المجموع/ الأقوام 9/14/223/مسلمون 25/27/52/روم كاثوليك 28/30/58/أرمن كاثوليك 27/15/42/أرمن-/ 1/1/لاتين 1/1/2/كلدان 20/26/46/سريان 7/3/10/موارنة 117/117/234/المجموع حدها قبلة خندق العطوي المتقدم ذكره شرقا المرعشلي غربا وشمالا العطوي الكبير فيها مسجد صغير مهجور مشرف على الخراب. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 370 حارة عبد الرحيم (خ) عدد بيوتها 80 وعدد سكانها الذكور/ الإناث/ المجموع/ الأقوام 86/80/166/مسلمون 96/108/204/روم كاثوليك 57/76/133/أرمن كاثوليك 17/23/40/روم 36/28/64/أرمن 6/11/17/لاتين 5/2/7/كلدان 92/78/170/سريان 33/31/54/موارنة 418/437/855/المجموع يحدها قبلة حارة الطبلة وشرقا حارة جسر الكعكة وشمالا حارة الأربعين وغربا حارة بالي برغل. لا أثر فيها سوى مسجد صغير متوهن يعرف بمسجد القدومي. وفيها مكان واسع يعرف بقاسارية البطرك يشتغل فيه بنسج السجاد. اه. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 371 حارة عبد الحي (خ) عدد بيوتها 48 وعدد سكانها الذكور/ الإناث/ المجموع/ الأقوام 6/12/17/مسلمون 95/90/185/روم كاثوليك 45/54/103/أرمن كاثوليك 28/33/61/روم 4/3/137/أرمن 14/24/38/سريان 7/13/20/موارنة 203/822/432/المجموع يحدها قبلة حارة العطوي الكبير، وشرقا بالي برغل، وشمالا الهزازة وحارة الأربعين، وغربا الصليبة والتومايات. آثارها جامع شرف هو جامع فسيح جميل معمور بالشعائر تقام فيه الصلوات الخمس وصلاة الجمعة والعيدين أنشئ في أيام دولة السلطان قانصوه الغوري فقد كتب على بابه ما صورته (عمر هذا المكان المبارك في أيام وسعد مولانا الظاهر الملك الأشرف قانصوه الغوري) هـ. في الجزء: 2 ¦ الصفحة: 372 غربي الجامع حجرة تشتمل على حوض كتب على بابها بعد البسملة قال الله تعالى في كتابه العزيز وهو أصدق القائلين وجعلنا من الماء كل شيء حي أفلا يؤمنون وقال النبي المكرم والرسول المعظم صلّى الله عليه وسلّم إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى رمضان سنة 1200. وفي هذه المحلة مدرسة إناث تحت إدارة راهبات يسوعية يعلمن فيها اللغة العربية والفرنسية وبعض أشغال يدوية. اه. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 373 حارة الهزّازة (خ) عدد بيوتها 135 وعدد سكانها الذكور/ الإناث/ المجموع/ الأقوام 123/116/239/مسلمون 296/294/593/روم كاثوليك 114/113/227/أرمن كاثوليك 32/20/52/روم 2/7/9/أرمن 4/3/7/لاتين 69/52/121/سريان 182/182/364/موارنة 825/787/1612/المجموع يحدها قبلة عبد الحي والتومايات، وشرقا الغطاس، وغربا الصليبة الصغرى وشمالا مقبرة السيد علي والنيال. ليس فيها من الآثار سوى مسجد الشيخ عبد الله وهو مسجد صغير تقام فيه الجهرية، وكان تخطيط هذه المحلة في أواخر أيام الملوك الجراكسة كما يستفاد من كلام بعض الكتب التاريخية الحلبية. يلحق بهذه المحلة مستودع ماء عين التل وهو مكان فسيح لا بناء فيه من قبل يبلغ نحو عشرة آلاف ذراع مربع استوهبه من أصحابه جمال باشا القائد العام في الحرب العامة على سوريا وعمر فيه حوضا كبيرا «1» ذا أروقة مسقوفة بازج عظيمة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 374 يصب فيها ماء عين التل ومنه تتفرع الأقنية الحديدية إلى المباذل المتفرقة في محلات حلب ويجري منه أيضا قناة كبيرة حديدية يرفع فيها الماء بواسطة محرك ناري تصب في حوض العوينة قرب مقبرة الجبيلة الذي تتفرع منه أيضا أقنية لسقاية بعض المحلات الجنوبية من مدينة حلب: كان تأسيس الحوض الأول الملحق بحارة الهزازة 1335 ذكرنا خبر إجراء الماء في حوادث السنة المذكورة من باب الحوادث. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 375 حارة الغطاس (خ) عدد بيوتها 13 وعدد سكانها الذكور/ الإناث/ المجموع/ الأقوام 41/33/74/روم كاثوليك 15/4/19/أرمن كاثوليك 21/14/37/روم 1/-/ 1/لاتين 2/2/4/سريان 37/35/72/موارنة 117/90/207/المجموع يحدها قبلة الأكراد، وشرقا قسطل الحرامي وشمالا مقبرة السيد علي، وغربا محلة الهزازة. لا آثار خيرية في هذه المحلة. ويلحق بها مقبرة السيد علي الهمداني «1» وهي مقبرة فسيحة واسعة تنسب إلى (علي ابن السيد علاء الدين العجمي) وهو مدفون في قبة في هذه المقبرة. وكان جيران هذه المقبرة زحفوا عليها وأخذوا عدة عرصات منها وأدخلوها إلى بيوتهم وبعضهم فتح عليها باب داره واستطرق فيها إلى ظاهرها وفي سنة 1209 قام عليهم أصحاب القبور ومنعوهم عن تعديهم وباعوا بعض قطع منها وصرفوا أثمانها على سياج أداروه عليها وعملوا ضمنها بيتا لسكنى التربى وفتحوا لها بابين كتب على أحدهما من نظمي هذه الأبيات: الجزء: 2 ¦ الصفحة: 376 بالرحمة فاضت مقبرة ... إذ للهمداني نسبوها غصب الجيران لها طرفا ... وبنوه بيوتا سكنوها فأتاهم أهل الحق وما ... برحوا عنها أو هدموها غرموا لهم مائتي ذهب ... وعلى ذا الدائر صرفوها منذ كملت قال مؤرخه ... أهل الخيرات أحاطوها الجزء: 2 ¦ الصفحة: 377 حارة التومايات (خ) عدد بيوتها 86 وعدد سكانها الذكور/ الإناث/ المجموع/ الأقوام 122/116/226/روم كاثوليك 78/111/189/أرمن كاثوليك 6/7/13/روم 7/-/ 7/أرمن-/ 1/1/بروتستان 4/5/9/لاتين 31/52/83/سريان 81/62/143/موارنة 329/382/711/المجموع يحدها قبلة الصليبة الكبرى، وشرقا الهزازة، وشمالا وغربا الصليبة الصغرى. والتومايات محرفة عن تومى هداية اسم رجل شهير كان يسكن هذه المحلة كما يستفاد من حجة شرعية قديمة وقيل إنه كان يوجد فيها عدة رجال تسموا بهذا الاسم فسميت المحلة بمجموع أسمائهم. لا آثار إسلامية في هذه المحلة. أما الآثار المسيحية فيها فهي: كنيسة طائفة الأرمن الكاثوليك لم نظفر بما يدلنا على وجود كنيسة لهذه الطائفة قبل سنة 1247 هـ 1831 م أما بعدها فإن أبناء الطائفة لما كثر عددهم سعى مطرانها إبراهيم كوبه لى بإيجاد معبد يختص الجزء: 2 ¦ الصفحة: 378 بالطائفة فاشترى من بولس بن بطرس قره اللى دارا في هذه البوابة وكانت تعرف بحارة الإفرنجية، ثم في أيام المطران باسيلوس عيواظ اتخذت الدار كنيسة على اسم السيدة مريم المعونات وحينئذ عرفت البوابة ببوابة الكنيسة. طول هذه الكنيسة 32 وعرضها 16 مترا منقسمة إلى ثلاثة أواوين حملت قناطرها وقبابها على أعمدة من المرمر الأصفر في صدرها خوروس «1» مرتفع يشتمل على ثلاثة مذابح. وهي ذات مرافق ومنافع كسكرستيا «2» ودار لسكنى مطران الطائفة. ولها من الأوقاف ما يقوم ريعه بضرورياتها ومرتبات موظفيها. أما وجود طائفة الأرمن الكاثوليك في حلب فقد ذكر بعضهم أنه قديم بدليل وجود بعض أسر أرمنية كاثوليكية مضى عليها في حلب نحو أربعمائة سنة أي منذ حدود سنة 930 هـ 1523 م. قلت إذا كان هذا القول صحيحا فإن تلك الأسر تكون قد أخذت الكثلكة عن الموارنة أو عن الصليبيين حينما كانوا في سوريا أو إنها كانت كاثوليكية قبل أن تتوطن حلب وإلا فإن الكثلكة لم تنتشر في حلب إلا بعد سنة 1036 هـ 1626 م فقد جاء في كتاب عناية الرحمن إن أول من افتتح رسالة الكثلكة في حلب هم الرهبان الكبوشيون في هذه السنة، ثم الكرمليون في سنة 1078 هـ 1667 م ثم اليسوعيون إلخ. وكان يسوس هذه الطائفة دينيا أحد الرهبان المعين وكيلا بطرير كيا يساعده بعض الكهنة في الخدمة الروحية إلى سنة 1122 هـ 1710 م وحينئذ ترأس على الطائفة المطران أبريهام أرزيتيان ومنه تسلسلت هذه الوظيفة حتى اتصلت بنيافة مطران الطائفة الحالي حضرة أوغسطنوس صائغ. أما فروع الطائفة مدنيا فقد كانت بيد رئيس الأرمن الغريغوريين الذي كان وحده معترفا به من قبل الحكومة العثمانية إلى سنة 1245 هـ 1829 م وفيها صدر فرمان شاهاني يقضي باستقلال بطريرك هذه الطائفة بشؤونها المدنية وانفكاكها عن بطريركية الأرمن الغريغوريين. لهذه الطائفة أربع مدارس وميتم واحد: فالمدرسة الأولى يدخلها أبناء الطائفة مجانا: أسست سنة 1260 هـ 1844 م في عهد رياسة المطران باسيليوس عيواظ. تدرس فيها اللغة العربية والفرنسية والأرمنية والعلوم الدينية المسيحية ومبادئ بقية العلوم العمرانية. عدد تلامذتها نحو 400 ومحلها في بوابة السيسي من هذه المحلة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 379 والمدرسة الثانية مدرسة كبرى للذكور أنشأها حضرة أوغسطنوس صائغ سنة 1322 هـ 1904 م في حارة الصليبة الصغرى عدد تلامذتها نحو 500 وهي مفتوحة الأبواب للعموم ويوجد فيها نحو 80 تلميذا من أولاد المسلمين وهي مدرسة تجهيزية ثانوية تدرس فيها اللغة العربية والفرنسية والأرمنية والإنكليزية مع العلوم الدينية المسيحية وغيرها وهي تأخذ على التعليم أجرة معلومة: المدرسة الثالثة مدرسة كبرى للإناث أنشئت سنة 1315 هـ 1897 م في عهد رياسة المطران غريغوروس بليط تحت إدارة راهبات أرمنيات تدرس فيها اللغات وبقية العلوم والفنون التي تدرس في المدرسة الثانية وتعلم فيها الأشغال اليدوية يؤخذ فيها على التعليم أجرة معلومة: محلها الصليبة ولها مدخل من الصليبة الصغرى التي سيأتي الكلام عليها وهذه المدرسة تضم إليها نحو 200 تلميذة. المدرسة الرابعة مدرسة إناث أنشئت سنة 1337 هـ 1918 م على عهد مطران الطائفة الحالي أو غسطنوس صائغ تحت إدارة راهبات أرمنيات كاثوليكية تدرس فيها العلوم الدينية المسيحية والابتدائية وتعلم فيها الأشغال اليدوية والدخول إليها مجانا وهي تضم نحو 30 يتيمة. أما دار مطران هذه الطائفة فقد كان بناؤها سنة 1256 هـ 1840 م في عهد رياسة المطران باسيليوس عيواظ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 380 حارة الصليبة (خ) عدد بيوتها 139 وعدد سكانها الذكور/ الإناث/ المجموع/ الأقوام 199/221/420/روم كاثوليك 89/105/191/أرمن كاثوليك 4/8/12/روم 93/37/130/أرمن 3/15/18/لاتين 70/63/133/سريان كاثوليك 100/133/233/موارنة 555/582/1137/المجموع هذه المحلة في شمالي البلدة إلى الغرب يحدها قبلة جادة بوابة القصب التي في غربيها مزار السهروردي «1» الذي عمر واتخذ محلا لإدارة البرق والبريد، وشرقا حارة الشمالي، وشمالا حارة التومايات، وغربا شارع التلل التابع حارة الصليبة الصغرى. كان يطلق على هذه المحلة وحدها اسم الجديدة بالتصغير ثم صار الناس يطلقون هذا الاسم على محلة الشمالي وبالي برغل والتومايات ويسمون الجديده الحقيقية (الصليبة) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 381 هذه المحلة حادثة في حلب ليس لها ذكر في تواريخها وهي خاصة بسكنى المسيحيين على أننا لم نظفر بقول صريح يعين السنة التي أسست فيها. وغاية ما أمكننا استقصاؤه في هذا الباب ما استدللنا منه على أن هذه المحلة كان تأسيسها في أثناء القرن الخامس عشر م أي في القرن التاسع هـ أواخر أيام الدولة الجركسية المصرية بعد حادثة تيمور لنك فقد نقل صاحب كتاب عناية الرحمن حاشية من كتاب ديني محفوظ في مكتبة الموارنة تدل صراحة على أن كنيسة الموارنة كانت موجودة في هذه المحلة سنة 895 هـ 1489 م وحاشية أخرى محررة على كتاب عربي محفوظ في خزانة الواتكان «1» في رومية العظمى تحت عدد (141) يفهم منه صراحة أن هذه المحلة كانت موجودة في سنة 911 هـ 1505 م. في هذه المحلة عدة دور عظام ذات بهاء وجمال يدلان على ثروة أهلها وعلى ما كانت عليه تجار حلب من النجاح والرباح والغبطة ورخاء المعيشة في ذلك العهد. وهي محلة جيدة الهواء لنظافتها وجفافها لخلوها من مياه جارية فإن الماء الذي يشربه أهلها هو ماء الصهاريج المحرز من المطر والماء الذي يستعملونه في باقي شؤونهم هو ماء الآبار المعينة فإن كل دار من دورها لا تخلو على الغالب من صهريج وبئر ماء معين. ومما كادت تنفرد به هذه المحلة هو أنه في كل دار من دورها على الأكثر مغارة محفورة في الحوار لا يكاد يستغنى عنها في تبريد الفاكهة وحفظ المؤونات التي يفسدها الحر. وقد عهدنا أن هذه المحلة هي المحلة الوحيدة التي يسكنها أعيان المسيحيين ووجهاؤهم ثم لما أسست محلة العزيزية ومحلة الصليبة الصغرى أخذ أولئك الأعيان والوجهاء يتحولون منها إلى المحلتين المذكورتين أسرة بعد أسرة حتى لم يبق منهم الآن في هذه المحلة غير القليل وأصبح معظم سكانها الآن من الأغراب ومهاجري الأرمن وغيرهم. ومن الأسر القديمة المسيحية الحلبية الشهيرة الباقية في هذه المحلة أسرة بني سابا عائدة وأسرة بني جنيدر وأسرة بني الضاهر. آثارها لا يوجد في هذه المحلة أثر إسلامي البتة. فأما آثار المسيحيين فيها فكثيرة بعضها قديم بقدم المحلة وبعضها وهو الأقل حديث، بعد ذلك فلم يذكر في تاريخ قبل هذا وهو كنيسة الروم الكاثوليك وكنيسة الأرمن الكاثوليك. والآثار القديمة التي لها ذكر في التاريخ خمس الجزء: 2 ¦ الصفحة: 382 كنائس: كنيسة الروم الأرثوذكس وكنيسة الموارنة وكنيستا الأرمن وكنيسة السريان. بنيت هذه الكنائس الخمس بعد ما اختطت المحلة في هذه البقعة بقليل يؤيد ذلك ما حكاه صاحب كتاب عناية الرحمن عن السائح الروماني بطرس دي لافالي الذي دخل إلى حلب سنة 1035 هـ 1652 م حيث قال. زرت محلة المسيحيين بحلب فإذا هي في بقعة خارج سور المدينة قيل لها الجديدة لاستحداثها وكنائسها قريبة منها، وهي أربع كنائس متجاورة في بقعة واحدة ولجميعها فناء واحد ومدخل واحد عام فللأرمن كنيستان إحداهما على اسم الأربعين شهيدا والأخرى على اسم العذراء. وللروم كنيسة على اسم نقولا وللموارنة كنيسة واحدة على اسم مار الياس النبي. أما كنيسة السريان ويسميها العامة كنيسة ستنا مريم فمنفردة وقد ألفيتها أجمل وأوسع من سواها وفيها يقيم بطريركهم (بطرس هدايا) . اه. كنيسة الروم الأرثوذكس محل هذه الكنيسة في شرقي جنوب الرحبة التي هي مدخل مشاع بين الكنائس الأربع المتقدم ذكرها في عبارة السائح المذكور. على أن هذه الكنيسة بنيت حينما أتى الملكيون حلب في أواخر القرن الخامس عشر وقد دثرت بعد ذلك وأقيم في محلها على أطلالها كنيسة جديدة سعى بعمارتها المطران كيرللس القبرصي المتوفي سنة 1861 م 1278 هـ بناها على اسم انتقال السيدة العذراء. طولها 35 وعرضها نحو 22 وارتفاعها 5 أمتار تقريبا وهيكلها يرتفع عن الأرض قليلا قد حمل على أربعة أعمدة من الحجر الأصفر البعاديني الذي انفردت به مقالع حجارة حلب مطوقة هذه العمد من أعلاها بأطواق من النحاس الأصفر على طرز جميل. أوقاف هذه الكنيسة إحدى وثلاثون دارا متفرقة في أنحاء شتى من البلد وعشرون دكانا في جوار دار المطران الكائنة في سوق جادة الياسمين من هذه المحلة وخارجها يبلغ ريع هذه الأوقاف في السنة نحو ألفي ذهب عثماني. هذه الطائفة لم تزل على المذهب الأرثوذكسي حتى قام مطرانا عليها أفتيميوس الرابع الساقزي في حدود سنة 1042 هـ 1632 م فاستدعى الرهبان البابويين إلى دمشق وفتح لهم مدرسة وقيل إن الذي فعل ذلك هو البطريرك نيوفيطوس الساقزي صحب معه أولئك الرهبان من وطنه وجعلهم أساتذة معلمين في مدارس دمشق ثم انتشروا في حلب وصيدا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 383 ومركز ولاية سوريا في ذلك التاريخ وغيرهما من مدن سوريا وشرعوا يدعون إلى الكثلكة في هذه البلاد سرا وعلنا حتى كثرت أتباعهم واستفحل أمرهم ونجم عن ذلك النزاع والشقاق بين أشياعهم وبين أبناء الطائفة الأرثوذكسية وكان يساعدهم قناصل دولة النمسا ثم قناصل دولة فرنسة في حلب وسفيرهما في إستانبول ويبذلون لهم أنواع المعونات وكانت الحكومة العثمانية تساعد الأرتودكسيين لأسباب لا تخفى واستمر ذلك زمنا طويلا حتى آل الأمر إلى ما أثبتناه في حوادث سنة 1234 هـ 1815 م. يلحق بهذه الكنيسة مدرستان نهاريتان إحداهما للذكور والأخرى للإناث كل واحدة منهما تضم إليها نحو 200 تلميذ والدخول إليهما مجانا وأبوابهما مفتوحة للعموم إلا أنه لا يوجد فيهما سوى أبناء الطائفة وكل واحدة منهما يشتمل على قسم من الحضانة، والعلوم التي تلقى فيهما مبادئ العلوم الدينية المسيحية واللغة العربية والفرنسية واليونانية ولهذه الكنيسة مكتبة تضم إليها نحو 500 مجلد في علوم شتى أكثرها مطبوع باللغة اليونانية وباقيها باللغة الفرنسية وفيها عدة كتب مخطوطة باللغة العربية. منها نسخة إنجيل طبعت في مطبعة هذه الطائفة في حلب سنة 1126 هـ 1706 م وفي المطبعة التي تكلمنا عليها في المقدمة في الفصل الذي عقدناه في الكلام على مكتبات حلب وللطائفة أيضا ميتم يضم إليه نحو ثلاثين يتيما. و (قلايتها) «1» وهي دار المطران في سوق هذه المحلة تجاه قلاية السريان بميلة إلى الغرب مستحدثة بنيت بسعى المطران كيرللس سنة 1267 هـ 1859 م على أثر قلاية أصيبت بحريق. من أدباء هذه الطائفة الأحياء الأرشمندريت إيليا إسطفان والخوري كيرللس وغيرهما. كنيسة الأرمن للأرمن كنيستان يدخل إليهما من الرحبة المذكورة في عبارة السائح المتقدم ذكرها. فالكنيسة الأولى حادثة بحدوث هذه المحلة بناها على اسم العذراء رجل من أغنياء الأرمن اسمه قوجه مقصود سنة 860 هـ 1455 م مدخل هذه الكنيسة كما قلنا من الرحبة السالف بيانها وبابها متجه إلى جهة الغرب بين باب كنيسة الروم وباب كنيسة الموارنة الآتي ذكرها الجزء: 2 ¦ الصفحة: 384 والكنيسة الثانية يدخل إليها من الرحبة السالفة الذكر بابها متجه إلى الجنوب وهي كنيسة واسعة بنيت علاوة على معبد قديم مبني على اسم الأربعين شهيدا وسيأتي الكلام عليه. محل جرن المعمودية في هذه العلاوة محمول سقفه على عمودين من الحجر الأصفر البعاديني قاعدتهما من هذا الحجر أيضا إلا أن فيها من النقوش ما يشهد ببراعة صانعهما. وفي الجدار المتجه إلى الجنوب من هذه الكنيسة المضافة لوح مفتوح من القماش الكثيف الملون طوله نحو أربعة أمتار في عرض مثلها قد مثل فيها صاحبها الموقف للمناقشة بالحساب يوم الآخرة فرسم عليها صور أشخاص منضمين إلى بعضهم زرافات ووحدانا كأنهم يتسارون ويتحدثون في أمور هامة وفي أسفل القطعة صف من صور أشخاص منضمين إلى بعضهم مثنى وثلاث قد وقف على رؤوس بعضهم الشيطان والتف على بعضهم الآخر أفاع عظيمة تنهش لحومهم وقد كتب تحت كل زمرة منهم عبارة تفصح عن نوع معصيتهم التي يعاقبون من أجلها فكتب تحت صورة زمرة منها (هؤلاء الظلمة) وتحت أخرى (هؤلاء المتكلمون في أعراض الناس) وتحت أخرى (هؤلاء القتلة) وتحت أخرى (هؤلاء السراق) وتحت أخرى (هؤلاء المتكبرون) إلخ ثم كتب في أسفل اللوح هذه العبارة (وكان المجتهد بعمل هذه الدينونة المكرمة المقدسي كركور الشماع ابن المقدسي كرابيد بالمقام الكهنة المسيحيين إلى كنيسة الأربعين شاهد المعظمين في مدينة حلب المحروسة، فيسأل كل من نظرها يترحم علي والديه ويطلب له المغفرة من الله تعالى وذلك بتاريخ سنة 1708 المسيحية صورها بيده الخاطئة قسيس نعمة الله ابن خوري يوسف المصور وابنه حانينا فيسأل كل من نظرها يدعي لهما بالغفران وذلك في تاريخ 7216 لأبينا آدم عليه أفضل التحية والسلام) . ومن الصور الموجودة في هذه الكنيسة صورة العذراء جالسة في حجرها طفلها المسيح عليه السلام يرضع وابن خالته يحيى يقبله وهي تنظر إليهما وهذه الصورة تعد من العاديات العظيمة القيمة لإحكام صنعها الذي يتنافس فيه المشتغلون بصنعة التصوير ويقال إنها لولا طمس في طرفها لكانت قيمتها لا تقل عن 1500 ذهب. أما المعبد القديم الذي تقدم ذكره ووعدنا بالكلام عليه فهو عبارة عن غرفة في الشرق الجنوبي من هذه الكنيسة طولها عشرة أذرع في عرض سبعة تقريبا في صدرها الشرقي شبه هيكل يصعد إليه بدرجة في أطراف هذه الغرفة عدة قبور كتب على نصبة أحدها بالأرمنية ما معناه أن صاحب هذا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 385 القبر كاتوغكس بدروس القلقلي (نسبة إلى أبي قلقل «1» ناحية في شرقي منبج) المتوفي سنة 1017 هـ 1608 م وعلى نصبة أخرى أنه قبر المطران سركيس المتوفي سنة 986 هـ 1578 م: يقول كهنة الأرمن أن هذه الغرفة هي معبد قديم للأرمن مضى على إنشائه نحو من 700 سنة مستدلين على صحة دعواهم هذه بما ورد عندهم في كتبهم التاريخية في أخبار حروب الصليبيين من أن بعض كهنة الصليبيين يقول في كتاب له أنه حينما كان الصليبيون يحاصرون مدينة حلب كان هو وجماعة معه يؤدون واجباتهم الدينية في معبد للأرمن يبعد عن مدينة حلب مسافة نصف ساعة يكون قبالة باب النصر على خط مستقيم. مكتوب على حجر بين بابي هذه الكنيسة ما معناه أنها جددت للمرة الثانية سنة 856 هـ 1452 م في أيام كاتوغكس الكلزي. ويقول كهنة هذه الطائفة أن هذا المعبد وسع وجعل على ما هو عليه الآن في سنة 1049 هـ 1639 م عن يد رجل من وجهاء الأرمن اسمه بدروس العجمي أحد موظفي دائرة الجمرك في حلب بعد أن أخذ إذنا بذلك من السلطان مراد خان العثماني حينما مر من حلب في السنة المذكورة متوجها إلى العراق لغزو العجم وذلك أنه عمل للسلطان ضيافة حافلة تليق به وأنه قدم إلى مائدته التي جلس عليها جميع أنواع الأطعمة في صحون من الخزف الصيني الذي يندر وجوده في غير بيته وإنه بعد أن انتهى السلطان من طعامه أو عز بدروس إلى خدمه بأن يكسروا جميع هذه الآنية الصينية الثمينة فلما أمعنوا بكسرها اغتاظ السلطان من عملهم هذا وسأل بدروس عن سبب كسرها فأجابه بقوله إنها لم يبق لها من لزوم عندي إذ لا يوجد لديّ انسان مثل سيدي يستحق أن يتناول فيها الطعام وقد أعددتها لسيدي خاصة فنالت بذلك غاية الشرف فسر السلطان من كلامه وقال له ماذا تحب أكافئك به على الإخلاص أجابه أحب أن تأذن لي يا مولاي ببناء علاوة «2» أضيفها إلى معبد الأرمن القديم لأن كنيستهم صغيرة لا تكفيهم لإقامة شعائرهم فأذن له بذلك وعمر هذا المحل وأضافه إلى المعبد المذكور. يؤخذ مما كتب على الحجر السالف الذكر أن هذه العلاوة جددت للمرة الثالثة سنة 1268 هـ 1869 م في أيام المطران مكرديج وعهد كاتوغكوس كيراكوس الثاني. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 386 لهذه الكنيسة مكتبة مشحونة بالكتب التاريخية والدينية باللغة الأرمنية بينها نسخة إنجيل مخطوطة تحت عدد (15) حررت في حلب فيها صور مرسومة باليد بمداد ذهبي غاية بالجمال مما يبدل على أن صنعة التصوير كانت راقية في حلب تاريخها سنة 680 هـ 1281 م. لهذه الطائفة في حلب سبع مدارس نهاريات تضم إليها في هذه الأوقات نحو 1200 تلميذا ما بين ذكر وأنثى ولهم ميتم فيه نحو 1200 يتيم ينفق عليهم من صدقات الطائفة ولكنيستهم المذكورة وقف كان يبلغ ريعه سنويا نحو 400 ذهب عثماني وفي سنة 1320 هـ 1902 م تعين الخوري أروتين ياسايان وكيل مطران على طائفة الأرمن في حلب فاجتهد في إعمار وقف الطائفة وبنى لها في أرض المشنقة أبنية عظيمة فصار ريع الوقف يبلغ في السنة نحو 700 ذهب ومما يلحق بهذه الكنيسة مكان في شرقيها شبيه بخان متوهن له مدخل على شارع التلل يسمونه بلغتهم (هيكدون) وهو مركز للمقادسة منهم أنشئ سنة 947 هـ 1540 م. كنيسة طائفة الروم الكاثوليك هي كنيسة حادثة كاتدرائية كبرى أنشأتها الطائفة في أيام المطران غريغوريوس شاهيات الحلبي على اسم سيدة النياح سنة 1260 هـ 1849 م ثم رممت في أيام المطران ديمتريوس الأنطاكي الحلبي قيل وكان الناظر على ترميمها جبرائيل حنا صائغ أحد وجهاء الطائفة: مكتوب على جدار الكنيسة فوق باب معبدها (قد رممت هذه الكنيسة بعد حريقها بأمر مليكنا المعظم السلطان عبد الحميد خان حفظه الله في رياسة المطران دي متريوس سنة 1296 هـ 1852 م. طول معبدها 52 وعرضه 33 ع والايقونسطاس «1» المصنوع من المرمر البديع أنشئ بسعي المطران بولس حاتم الحلبي وهو عبارة عن جبهة الهيكل مصورة بالنقوش المعمارية الحلبية الجميلة التي يندر وجودها مثلها في سوريا: هذه الطائفة أكبر الطوائف الكاثوليكية في حلب وتسمى أيضا الطائفة الرومية الملكية ويقال أن أصلها في سوريا من الغسانيين الذين تمسكوا بمسيحيتهم في بلاد حوران ثم انتشرت فروعهم في بلاد سوريا وقد خرج منها بطاركة كثيرون منهم غبطة البطريرك كيرلس جحى الحلبي والبطريرك ديمتريوس قاضي الدمشقي الذي كان مطرانا على حلب. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 387 استمرت أبناء هذه الطائفة في حلب ناعمة البال على أحسن حال إلى أواسط القرن الثامن عشر مسيحية ثم عرض لها من الكوائن والشؤون ما كانت عقباه حادثة سنة 1234 هـ 1818 م وحينئذ اضطرتها الحالة إلى العزلة ومغادرة الكنيسة والقلاية القديمتين مع أوقافها وصارت أساقفتها تقطن جبل لبنان في أكثر الأوقات ويقيمون عنهم في حلب أفراد فيها لكل طائفة مطرانا وكنيسة كما حكينا ذلك في حوادث السنة المذكورة فنالت هذه الطائفة قسطها من الاستقلال القديم بسعي البطريرك مكسيموس مظلوم الحلبي على ما هو مستفاض معلوم. وكان تمام هذا الأمر لها ولغيرها من الطوائف المسيحية القاطنة في الممالك العثمانية في أيام السلطان عبد المجيد خان العثماني وحظيت منه الطائفة ببراءة عالية تؤيد لها حق الاستقلال. ومن ذلك الوقت بدأت تقوم بشعائر دينها بكل حرية وصارت أساقفتها تقطن في حلب وكان أولهم المطران غريغوريوس شاهيات السابق الذكر. أما أوقاف هذه الكنيسة فيسيرة بالنسبة إلى عدد نفوسها وهي لا تكاد تقوم بنفقاتها ولذلك أسباب تاريخية لا محل لذكرها هنا. وللطائفة مدرستان ناجحتان إحداهما في هذه المحلة في شمالي بوابة القصب أسسها المطران كيرللس جحى سنة 1304 هـ 1886 م على اسم مارنقولا وهي تجهيزية مختصة بالذكور داخلية ونصف داخلية ذات دارين عظيمتين جميلتين تضم إليها نحو 400 تلميذ قد فتحت أبوابها للعموم فيها نحو 70 تلميذا من المسلمين تتلقى فيها اللغة العربية بفروعها والفرنسية والإنكليزية والحساب والجغرافيا والموسيقى وغير ذلك من العلوم والفنون التي تؤهل الطالب إلى الدخول في المدارس العالية. والمدرسة الأخرى في محلة الشرعسوس قرب كنيسة القديس جاورجيوس وهي قديمة يرتقي تاريخ وجودها إلى عهد وجود كنيسة الشرعسوس وكان يناؤها على اسم مارجرجس وهي مختصة بالذكور مفتوحة الأبواب للعموم تضم إليها نحو 250 تلميذا يتلقون فيها اللغة العربية والفرنسية والحساب والدخول إليها مجانا. ولهذه الطائفة مدرسة ثالثة في محلة الصليبة الكبرى مختصة بالإناث أسسها المطران بولس حاتم الحلبي السالف الذكر سنة 1282 هـ 1865 م ثم إن غبطة المطران ديمتريوس القاضي الدمشقي البطريرك الحالي فوض أمر التعليم في هذه المدرسة إلى راهبات القديس يوسف وألحقها بمدرسة الذكور الكبرى ثم إن نيافة المطران الحالي مكاريوس سابا عائدة أفردها ووسع نطاقها ووضعها تحت إدارة راهبات بيزانسون اللواتي سعى حضرته بمجيئهن إلى حلب وهي مدرسة ناحجة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 388 وللطائفة ميتم على اسم سيدة لورد يضم نحو 65 يتيما يتعلمون فيه اللغة العربية والفرنسية والحساب وبعض الصنائع اليدوية. وهو مما أسسه نيافة المطران مكاريوس المومى إليه. أما دار مطران هذه الطائفة فهي عبارة عن دارين جميلتين وقفهما أبناء الطائفة لسكنى المطران في أواسط القرن الثامن عشر وكان المطران في ذلك الوقت لا يأتي إلى حلب إلا إذا ساعدته الفرصة. ومما يضاف إلى رعاية مطران هذه الطائفة النادي الكاثوليكي المشاع بين جميع طوائف الكاثوليك أسسه حضرة المطران الحالي مع نخبة من الشبيبة الكاثوليكية سنة 1338 هـ 1919 م والغرض منه السعي في نشر العلوم والآداب بين الشبيبة المسيحية وهو على غاية ما يرام من التقدم والنجاح. في هذه الطائفة نبغاء في العلوم والأدب نوهنا بذكرهم في باب التراجم. كنيسة الطائفة المارونية ومن الآثار القديمة المسيحية في هذه المحلة كنيسة الطائفة المارونية وكانت قبلا في المكان المستعمل الآن محلا لمطبعة هذه الطائفة يدخل إليها من الرحبة التي ورد ذكرها في عبارة السائح الروماني المتقدم ذكرها وهو مكان فسيح جميل بقي كنيسة للطائفة إلى سنة 1290 هـ 1873 م وفيها اهتم بتأسيس الكنيسة الكاتدرائية على اسم القديس إلياس الحي (الخضر) المطران يوسف مطر الحلبي وحذا حذوه لإتمام هذا المشروع المطران بولس حكيم الحلبي وحضرة القس جرجس منش الوكيل الأسقفي وقد قام هذا بحفلة افتتاحها سنة 1310 هـ 1892 م وشاد المطران يوسف دياب هيكلها الكبير وشرع بتبليطها يوسف أندريا أحد وجهاء الطائفة وجدد قبتها حضرة المطران ميخائيل الحلبي مطران الطائفة الحالي سنة 1333 هـ 1914 م. وهي مبنية على الطرز الروماني شبيهة بكنيسة مريم الكبرى في مدينة رومية العظمى: طول معبدها 2 1/41 وعرضه 2 1/19 وارتفاعه 15 وطول ساحتها بما فيه الأدراج 2 1/17 وعرضها 18 مترا. وهذه الكنيسة بالحقيقة تعد في مقدمة كنائس الطوائف المسيحية في حلب لسعتها وضخامة أبنيتها وإتقان عمارتها على أن العمل في بنائها لم ينقطع منذ تاريخ تأسيسها حتى الآن وهي تابعة محلة التومايات على إننا رأينا عدها من آثار هذه المحلة أقرب للصواب. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 389 أما دار المطران وهي قرب كنيسة الطائفة القديمة التي هي الآن دار طباعة فقد أنشأها المطران (جرمانوس فرحات) وهو أول أساقفة الطائفة الحلبيين وذلك في حدود سنة 1138 هـ 1725 م وهي دار جميلة عامرة. ولهذه الطائفة مدرسة مختصة بالذكور قديمة العهد عني بإنشائها أسطفان الدويهي اللبناني سنة 1077 هـ 1666 م كانت تلقى فيها اللغة السريانية والعربية والإيطالية واللاتينية وتخرج فيها الجم الغفير من نوابغ المسيحيين ثم انحطت عن مقامها في أواخر القرن الثامن عشر حتى اهتم بشأنها المطران يوسف مطر فعادت إلى نجاحها مدة قليلة ثم أقفلت إلى أن سعى بافتتاحها نيافة المطران ميخائيل أخرس مطران الطائفة الحالي وجعلها مجانية لتدريس أولاد الطائفة الفقراء يدرسون فيها اللغة العربية والفرنسية والسريانية: وللطائفة أيضا مدرسة إناث سعى باقتتاحها حضرة المطران الحالي وفي سنة 1333 هـ 1914 م اهتم بشأنها واستحضر إليها معلمات ماهرات يعلمن فيها اللغة الإنكليزية والفرنسية والتصوير والبيانو وتدبير المنزل وإدارة مدرسة للصنائع فأقبلت عليها الطالبات إقبالا زائدا غير إنها لم تلبث غير قليل حتى حدثت الحرب العالمية فأقفلت الحكومة المدرسة. ومما هو جار تحت رعاية مطران هذه الطائفة مطبعة قديمة العهد أسسها المطران يوسف مطر سنة 1274 هـ 1857 م وهي ثاني مطبعة وجدت في حلب بعد مطبعة طائفة الروم الأرتودكس السالفة الذكر اهتم بشأنها المطران يوسف دياب فأحضر إليها مطبعة كبيرة من معمل مارينوني ثم خلفه حضرة مطران الطائفة الحالي فبذل عنايته في تنظيم شؤونها حتى أصبحت الآن من أهم مطابع حلب وأغناها حروفا وأدوات وقد تولى إدارتها عدة رجال يجتهدون بتقدمها ونجاحها آخرهم مديرها الحالي الخواجه سليم مطر الذي لا يألو جهدا في تنظيم أحوالها وتفوقها على غيرها من بقية مطابع حلب وهو ابن أخي المطران يوسف السابق الذكر. وقد طبع فيها عدد كبير من الكتب الدينية المسيحية والعلوم العربية وغيرها من الكتب الأدبية والسالنامات والرزنامات ودفاتر دوائر الحكومة ونشراتها السنوية والشهرية والسجلات والرسائل التي يطول الكلام عليها، محل هذه المطبعة في هذه المحلة كنيسة الطائفة القديمة التي ألمعنا بذكرها في مقدمة الكلام على هذه الطائفة. يوجد في قاعة دار المطران مكتبة حافلة تعد في المرتبة الأولى من مكتبات المسيحيين في حلب وهي قديمة العهد أنشأها المطران جرمانوس فرحات وخدمها خلفاؤه من بعده وهي تشتمل على الجزء: 2 ¦ الصفحة: 390 نحو ألف مجلد في لغات مختلفة وعلوم شتى بينها كتب مخطوطة عربية أهمها شرح المقامات للشريشي وشرح الألفية للمطرزي وشرح ألفية ابن مالك لابن المنصف ودمية القصر للباخرزي ومناهج العبر للوطواطي ودمى القصر لابن طالو الدمشقي وواقعات المفتين لعبد القادر بن يوسف ودعوة الأطباء لابن بطلان البغدادي وغير ذلك يلحق برعاية مطران هذه الطائفة كنيسة سيدة مونليجون في محلة الحميدية على طريق المستشفى العسكري أنشأها نيافة المطران الحالي سنة 1326 هـ 1908 م حينما كان كاهنا وجعلها وقفا على الملة المارونية مساحتها ألف ذراع مربع. وكنيسة مار أنطونيوس الكبير كان اشتراها المطران بولس حكيم وتبرع بقسم كبير من قيمتها آل غنطوزي دي كوبا وحولت في وقت الحرب العالمية إلى مأوى للفقراء لشدة احتياجهم إليها. تنبيه: مما يدل على أن الطائفة المارونية كانت في سنة 107 هـ 725 م ظاهرة في عالم الوجود ما ذكره التلمحري البعقوبي من الخلاف بين الموارنة والملكية على الكنيسة الكاتدرائية الكبرى في هذه السنة. وعلى وجودها في كورة حلب في أواخر القرن 494 هـ 11 م ما رواه توما الكفرطابي في كتابه الذي عنوانه (المقالات العشر) من أنه كان أسقف كورة حلب في ذلك التاريخ. وعلى وجودها في مدينة حلب في سنة 895 هـ 1489 م ما ذكر في حاشية على كتاب ديني مسيحي محفوظ في المكتبة السالفة الذكر تحت عدد 705 من أن طائفة الموارنة دخلت حلب في السنة المذكورة على أن هذه الطائفة في حلب ورد عليها في القرن السادس عشر عدد عظيم من قرى جبل لبنان فزاد عدد أبنائها وكان يتولاها في ذلك التاريخ أساقفة لبنانيون يتعهدونها حين الحاجة. وكانت في التاريخ المعروف بالقرون المتأخرة هي الطائفة الكاثوليكية الوحيدة المساعدة على انتشار الكثلكة الأمر الذي احتملت من أجله مشقات لا تحصى. كنيسة السريان الكاثوليك هذه الكنيسة هي إحدى الكنائس الخمس القديمة التي جاء ذكرها في عبارة السائح الروماني وهي لم تزل في محلها منفردة عن بقية الكنائس الأربع التي تجمعها رحبة واحدة. على أن انفرادها وحدها في محلها وتفوقها بجمالها وسعتها في ذلك العصر على بقية الكنائس لابد وأن يكون لحكمة اكتسبها هذا الامتياز ولعل السبب في ذلك هو أن السريان أتوا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 391 حلب قيل غيرهم فأفرد لهم محل خصوصي أنشأوا فيه كنيستهم وقد قدموا من دمشق وحمص وحماه وتوابعها ومن ماردين وبقية الجزيرة بين النهرين والعراق: محل هذه الكنيسة في أواسط سوق محلة الجديدة المعروق بسوق بوابة الياسمين الذي تباع فيه بضائع النساء الكائن مدخله تجاه قسطل بشير باشا في الصف الموجه إلى الجنوب تجاه كنيسة الروم الأرتودكس بميلة إلى الشرق. وهي كنيسة عامرة جميلة طولها 32 وعرضها 16 مترا بنيت في هذه المحلة على اسم السيدة العذراء في حدود سنة 916 هـ 1510 م ثم جددت في سنة 1269 هـ 1852 م على أثر حريق أصابها. ودار مطران هذه الطائفة متصلة بالكنيسة من غربيها وهي دار جميلة ذات إيوان جميل. ومما هو داخل في رعاية مطرانها مدرسة كبرى تجهيزية للذكور تأخذ على التعليم أجرة زهيدة تضم إليها 160 تلميذا هي في صدر حارة الحصرم من هذه المحلة وكانت تعرف بدار بني صادر وهي من أشهر الدور اشترتها من ريع أوقافها سوى ثلاثة أسهم منها كانت في ملك الحصيف المحامي الشهير (جرجي بن سمعان خياط) الموصلي الأصل الحلبي المولد والمنشأ فإنه تبرع بها على الطائفة ثم وقفت الدار واتخذت مدرسة. ومدرسة أخرى للذكور مجانية تضم إليها 120 تلميذا ومدرسة للإناث تضم إليها 150 تلميذة يجمع 36 يتيما أما أوقاف هذه الكنيسة فهي وافية غير عقاراته مبعثرة في أنحاء البلدة قد وهن أكثرها وانحط شرف مواقعها فانتبه إلى هذا الأمر نيافة المطران جبرائيل تبوني الموصلي مطرانها الحالي وشرع يبيع العقارات المذكورة بمسوغ شرعي ويصرف أثمانها على إحداث أبنية جديدة ذات ريع وافر في أجمل بقعة من محلة العزيزية في حلب وبعد أن يتم له بناء ما أراد في هذه البقعة يزداد ريع هذا الوقف زيادة عظيمة يثبت له فيها الفضل على هذه الطائفة. يلحق بهذه المحلة مكان البرق والبريد بني في فسحة قديمة خربة في طرفها الجنوبي مزار يحيى السهروردي المقتول سنة 578 وقد وضعت إدارة المعارف يدها على هذه الخربة وعمرتها مكانا للإستغلال وأبقت الغرفة التي فيها مزار السهروردي وعملت فوقها مسجدا ثم أجرت ذلك إلى إدارة البرق والبريد وكان انتهاء العمل منها في حدود سنة 1325. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 392 حارة الصليبة الصغرى (خ) عدد بيوتها 266 وعدد سكانها الذكور/ الإناث/ المجموع/ الأقوام 44/63/115/مسلمون 215/217/2/روم كاثوليك 114/131/245/أرمن كاثوليك 75/66/141/سريان كاثوليك 31/32/63/روم 112/117/229/أرمن 23/27/50/سريان 97/102/199/موارنة 45/52/97/كلدان 40/48/88/لاتين 11/15/25/برتستان 200/300/500/يهود 1017/1169/2186/المجموع شرع الناس يبنون في هذه المحلة في حدود سنة 1300 هـ 1882 م وعرفت أولا بمحلة التلل لأن محلها كان تلالا تعرف بمناشر الزبل وهي وقف المدرسة الحلوية كما ألمعنا إلى ذلك في الكلام على هذه المدرسة وكانت الحكومة العثمانية تلحقها في سجلاتها بحارة الصليبة ثم أفردتها عنها وسمتها باسم كوجك صليبه أي الصليبة الصغرى. والذي اسلفت الجزء: 2 ¦ الصفحة: 393 أنظار الناس إلى البناء في موضعها قربه إلى المحلة العزيزية حتى كأنهما بعد أن اتصلا ببعضها محلة واحدة. حد هذه المحلة جادة الناعورة الأخذ إلى جسر الناعورة الكائن في جنوبي بستان الشاهبندر وغربا زقاق الصفي المار في شرقي البستان المذكور والفاصل بينه وبني بستان كل آب وشمالا حارة العزيزية وجادة الجسر الجديد الآخذة إلى محطة الشام وشرقا الجادة الفاصلة بينها وبين الصليبية الآخذة إلى برج الساعة في حضرة باب الفرج. والأراضي التي قامت فيها هذه المحلة هي أراضي بستان كل آب المعروف ببستان الكلاب وأراضي التلال المتقدم ذكرها وبعض أراض تجاور هذا البستان. أهم المباني في هذه المحلة دار (جرجي بن سمعان خياط «1» ) السالف الذكر وهي دار عظيمة غرف ومقاصير عليا وسفلى جميلة المناظر فخمة المباني اتخذت في إبان الحرب العامة مركزا للضباط العثمانيين ثم منزلا للضباط الإنكليز ثم ميتما للفرنسيين ثم محلا لإقامة بعض رجالهم ولها مدخلان قبلي نافذ إلى جادة الناعورة المتقدم ذكره وشمالي نافذ إلى جادة آخذة إلى أوتيل بارون «2» الشهير. ومن الأبنية العظيمة في هذه المحلة أيضا عمارة نصري البلدي وهي عبارة عن قصر ذي خمس طبقات ومنها أوتيل عبد الله صلاحية وشريكه صائم الدهر ويعرف بأوتيل روض الفرج وأوتيل السيد حسني السباعي ويعرف بأوتيل إمريكا ويوجد في جهة بستان كل آب منها غير ذلك من الفنادق والمطاعم والخانات المستعملة لربط الدواب وحفظ العربات والسيارات وبيوت القهاوي والحانات والملاهي ومراسح التمثيل والخيالات المتحركة والمراقص وحوانيت الحدادين والنجارين الذين يعنون بصنع العربات ويصلحون السيارات وغير ذلك من الأماكن العامة التي لا توجد في غير هذه المحلة. تنبيه: من الأسر المسيحية القديمة الشهيرة القاطنة في هذه المحلة أسرة بني سالم وهو الجد الأعلى لهذه الأسرة يقال إنه عرف في زمانه بهذه الاسم لأنه وحده سلم من فتك التتار الذين استأصلوا المسيحيين في حلب. ومن الأسر المسيحية في هذه المحلة أيضا أسرة يوسف وحنا أندريا وأسرة بني المراش وبني الحجاز وبني الكداني وبني الحكيم وإليهم ينسب الخان الكائن في هذه المحلة. اه. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 394 حارة بالي برغل (خ) عدد بيوتها 32 وعدد سكانها الذكور/ الإناث/ المجموع/ الأقوام 1/2/3/مسلمون 29/49/78/روم كاثوليك 31/41/72/أرمن كاثوليك 17/13/30/روم 1/3/4/أرمن 4/11/15/لاتين-/ 1/1/كلدان 22/16/38/سريان 10/4/14/موارنة 115/140/255/المجموع يحدها، قبلة ابن محب، وشرقا عبد الرحيم، وشمالا عبد الحي، وغربا الشمالي وبالي برغل كلمة تركية معناها برغل بعسل. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 395 محلة العزيزية (خ) عدد بيوتها2 G 05 هذه المحلة في الشمال الغربي من حلب حدها قبلة الجادة العامة الآخذة إلى محطة الشام شرقا مقبرة اللاتين ومقابر المسيحيين ومحلة الصليبة الصغرى وشمالا بستان القبار وبستان الريحاوي وغربا بستان الحجازي وبستان كور مصري وبستان العويجة. كانت هذه المحلة صحراء واسعة عهدنا أن في موضع منها يعرف بأرض المشنقة كان يجري سباق الخيل في فصل الربيع وكان الجبل الواقع في الشمال منها المطل على نهر قويق الراكب عليه طاحون الطبقة الجاري في وقف المدرسة العثمانية موضعا يتفسح فيه النساء في فصل الربيع وكان الانسان لا يجسر على المرور في تلك الجهات بعد غروب الشمس خوفا من اللصوص وقطاع الطريق ثم في حدود سنة 1285 هـ 1868 م فتحت الحكومة في مدينة حلب مكتبا لتعليم الناشئة بعض صنائع يدوية كالخياطة والحياكة سمته (إصلاحخانه) فأرادت أن ترصد له جهة دخل يقوم بما تصرفه على إنشائه ولوازمه فأعلنت بأنها تبيع الجبل المطل على النهر وكان يعرف بجبل النهر وهو في ذلك الوقت من الأراضي الأميرية الموات التي لا يتصرف بها أحد فأقبل على شرائه جماعة من تجار المسيحيين واشتروه بقيمة زهيدة إذ لا يرغب بشرائه غيرهم ثم اقتسموه فيما بينهم فكانت قيمة الذراع المربع منه لا تزيد على القرش والقرشين. ثم بدأ فيه بناء الدور والمنازل وتتابع العمران وأصبحت السكنى في هذه المحلة عند المسيحيين عادة متبعة فلم يمض غير قليل من الزمن حتى ازدحمت المباني في تلك العرصات الفسيحة ولم يبق شيء من أرض جبل النهر فمال الناس إلى البناء والغراس في أراض من البساتين المجاورة كبستان الحجازي وبستان مصري وبستان القبار وغيرها وامتد العمار إلى أرض المشنقة الجاري نصفها في أوقاف الحلوية وإلى بعض عرصات من أوقاف الجامع الكبير واتصلت هذه المحلة من بعض جهاتها بالحارات القديمة من حلب وأصبحت كأنها بلدة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 396 مستقلة تعتبر من أعظم محلات حلب وأوسعها شوارع وأفخمها منازل قد اشتملت على دور عظام تجمع بين الطرز القديم وبين الطراز الجديد فترى الدار فيها ذات قصور فخمة مطلة على الشوارع الواسعة والجواد الفسيحة وعلى حوش خاص بها ذي حديقة ومرافق وكثير من دورها ذو طبقات ثلاث يسكن في كل واحدة منها عائلة كبيرة وهي الآن خاصة بسكنى المسيحيين من أعيان وتجار وفيها بعض أسر من أعيان المسلمين. وعدد سكانها الآن الذكور/ الإناث/ المجموع/ الأقوام 18/25/43/إسلام 145/167/312/روم كاثوليك 83/74/157/أرمن كاثوليك 90/88/178/سريان كاثوليك 23/9/32/أرمن 34/44/78/روم 3/2/5/سريان 73/98/171/موارنة 30/38/68/كلدان 18/18/36/لاتين 9/6/15/برتستان 526/569/1095/المجموع آثارها كنيسة الطائفة الكلدانية أنشئت في سنة 1293 هـ 1886 م على اسم القديسين الرسولين بطرس وبولس في أيام الخوري بطرس رسام وكان معظم النفقات عليها من قبل البطريركية وباقي النفقة مما الجزء: 2 ¦ الصفحة: 397 تبرع به أبناء الطائفة ورخم أرضها رزق الله دالاتي. مساحتها ستمائة ذراع معماري. وهي الآن كنيسة عامرة يعتني بشأنها حضرة الخوري ميخائيل شعيا نائب بطريرك الطائفة. مدرسة الراهبات مار يوسف هي من رهبنة (دي لا باريسيون) حضرت إلى حلب سنة 1272 هـ 1855 م وهي التي أسست المكتب الكائن في شمالي جامع العدلية الذي أشرنا إليه في الكلام على محلة الجلوم الكبرى وهو ليس له علاقة بكنيسة الرهبنة الفرنسيسكانية خلاف ما توهمناه هناك بل هو تابع هذه الرهبنة المستقلة. وقد أسست رهبنة ما يوسف هذه عدة مكاتب في محلة الصليبة وغيرها. ثم في سنة 1327 هـ 1907 م أسست مدرستها الكبرى في محلة العزيزية على اسم (جاندارك) . ولما حدثت الحرب العامة رحلت راهباتها مع من رحل من الأجانب ووضعت العسكرية التركية يدها عليها واستعملتها مستشفى ثم لما وقفت رحى الحرب عادت إليها الراهبات واستعملتها فيما أسست من أجله. وهي مدرسة فسيحة جميلة كثيرة الغرف والمقاصير وكانت قبل دارا ذات حديقة فاشترتها الرهبنة من ذويها وأضافت إليها بناية عظيمة فأصبحت من أجمل مباني هذه المحلة. تضم إليها نحو 300 تلميذة ما بين نهارية وليلية بأجرة معلومة يتلقين فيها اللغة العربية والفرنسية والإنكليزية والتاريخ والجغرافية والبيانو والموسيقى. تنبيه: مؤسس هذه الرهبنة مير (الأم) (إيميلي دي يالار) في مدينة مرسيليا وأول رئيسة منها حضرت إلى حلب مير (روزالي إستفانلى) في حدود سنة 1272 هـ 1855 م والتي سعت بتأسيس هذه المدرسة وتوسيعها مير (بلاسيت كوله) وهي رئيستها الحالية. مدرسة الرهبنة البيضاء هذه الرهبنة تعرف بالرهبنة البيضاء لاستعمالها الثياب البيضاء وهي تعرف أيضا باسم الرهبنة الفرنسيسكانية ميسيونير دوماري: أسستها هيلانة دوشابوته دونوفل المولودة في بلدة باط من بريطانيا سنة 1255 هـ 1839 م ولما صارت راهبة دعيت باسم مير (ماري دولابسيون) : محل هذه المدرسة في هذه الحارة عبارة عن دار عظيمة تتصرف بها هذه الجزء: 2 ¦ الصفحة: 398 الرهبنة بطريق الإجارة أسستها مدرسة سنة 1338 هـ 1919 م على اسم (قلب يسوع الأقدس) وهي نهارية وليلية تأخذ من التلمذة أجرة معلومة تتلقى التلميذات فيها فيها ما يتلقين في المدرسة التي ذكرت قبلها ومدة التعليم فيها إحدى عشرة سنة. تنبيه: أكبر محلات هذه الرهبنة في مدينة باريس ولها نحو مائتي محل في الشرق والغرب ويبلغ عدد راهباتها نحوا من أربعة آلاف. كنيسة اللاتين «1» محل الكنيسة في مقبرة المسيحيين وهي مما له علاقة بالرهبنة الفرنسيسكانية وكان تأسيسها عن يد هذه الرهبنة وهي كنيسة صغيرة غاية ما يقصد منها الصلاة على أموات اللاتين وغيرهم من المسيحيين. بقية آثار هذه المحلة مستشفى الطبيب أنطونيان الذي أنشأه المذكور على عرصة اشتراها من وقف الجامع الكبير وهو مستشفى عظيم ربما لا يكون له نظير في مدينة حلب من جهة متانة بنائه وكثرة غرفه وحسن هندامه وتوفر أدواته وهو خاص بالمتطببين عند هذا الطبيب الذي له الشهرة الأولى بين أطباء حلب وجراحيها. ومن آثار هذه المحلة المنتزه العام المعروف بالمنشية المشتمل على أزهار بديعة وأشجار جبلية متنوعة وعلى حوض صناعي على مثال حوض طبيعي مثل به مضيق الدردنيل قام في جهة منه شبه جبل صغير ينبع منه الماء بطريقة صناعية كأنه يتفجر من عين طبيعية أنشئ في سنة 1318 هـ 1900 م بسعى (جرجي بن سمعان خياط) الموصلي الأصل الحلبي المولد والمنشأ وهو الذي سعى بجمع النفقة عليه من أهل هذه المحلة وتبرع من ماله بثلاثمائة ذهب عثماني صرفت عليه أيضا وقد أقيم بجانبه مخفر جميل بنى على نفقة أهل المحلة وتبرعت بمفروشاته الست كليلية حرم جرجي المومى إليه وهي من أسرة بني الخوري فكافأتها الحكومة على ذلك بوسام الشفقة. وكان زعيم إنشاء المنتزه والمخفر علي محسن باشا الذي نوهنا بذكره في حوادث 1319. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 399 ويلحق بهذه المحلة منتزه السبيل ومخفر عسكري تجاهه في شرقيه والرباط العسكري على قمة جبل البختي تجاه السبيل ومحطة سكة حديد بغداد في أرض الخناقية. أما منتزه السبيل فقد بدأت البلدية بتعميره في باحة السقاية القديمة المعروفة باسم سبيل الدراويش سنة 1314 هـ وكان القسم الأعظم من عرصته جاريا في تصرف جرجي السالف الذكر فتبرع بما هو متصرف به من هذه العرصة وبنت البلدية عليها سياجا عظيما وعمرت على ظهر السبيل في رأسي دكته غرفتين جميلتين وملأت باحته بالغراس المتنوع من أشجار وأزهار وعملت في أواسطه حوضا صناعيا يمثل حوضا طبيعيا يجري إليه الماء من بئر في قربه يرفع منه الماء بواسطة دولاب أمير كاني يدور بالهواء وصرفت على بقية شؤونه زهاء عشرة آلاف ذهب عثماني وهي لم تزل تصرف عليه المبالغ الباهظة التي تزيد على ريعه أضعافا مضاعفة. وهو بالحقيقة منتزه جميل لا يكاد يوجد له نظير في غير حلب ولكن بعده عن المدينة قلل فيه رغبة الناس. وقد اتخذ الآن محل للعب بصيد الحمام والناس يقبلون عليه في فصل الصيف مساء ويسهرون في فسحاته الجميلة مع أسرهم. وأما المخفر فقد كان تأسيسه سنة 1316 هـ لحراسة هذا المنتزه وأما الرباط فقد بدىء بتأسيسه سنة 1330 هـ وهو رباط حافل عديم النظير إلا أنه قبل أن يتم حدثت الحرب العامة ثم حين إنجلاء الأتراك عن حلب هجم عليه الغوغاء والأوباش فاستلوا أخشابه وحديده وأصبح معدوم الفائدة ولما دخلت الحكومة المنتدبة إلى حلب أجرت عليه بعض التصليح واستعملته مركزا لجنودها وهو لم يزل غير تام، وأما محطة سكة بغداد التي ذكرنا خبرها في حوادث سنة 1330 فقد بدىء بتأسيسها سنة 1328 وهي محطة عظيمة معدودة من نوع المحطات المعروفة باسم (غار) . ولما كانت الحرب العامة هجم عليها في أثناء انسحاب الحرس منها الشطار والدعار فاستلوا ما فيها من الأخشاب وحطموا غالب زجاجها وأوهوا الكثير من مبانيها ثم لما دخلت الجنود الإنكليزية حلب عنوا بإصلاح شيء منها وتلتهم جنود الحكومة المنتدبة فأتموا إصلاحها وعادت إلى ما كانت عليه. تنبيه: من الأسر المسيحية القديمة الشهيرة في هذه المحلة أسرة بني الحمصي وبني غزالة وبني العجوري وكان عمل العمائم العجورية مختصا بهم وبني العبه جي وبني الكورنلي وبني الخوري وبني الشعراوي وبني الخياط الذي ينتسب إليها جرجي بن سمعان السالف الذكر وبني الأخرس وبني شلحت وبني الأسود وإليهم ينسب خان هذه المحلة. والدور العظام فيها هي الدور المنسوبة إلى هذه الأسر. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 400 حارة الشمالي (خ) عدد بيوتها 29 وعدد سكانها الذكور/ الإناث/ المجموع/ الأقوام 4/3/7/مسلمون 49/57/106/روم كاثوليك 33/29/62/أرمن كاثوليك 6/5/11/روم 11/11/22/أرمن 1/3/4/لاتين 1/1/2/كلدان 27/23/50/سريان 15/11/26/موارنة 147/143/210/المجموع يحدها قبلة العطوي الكبير وشرقا حارة بالي برغل وشمالا حارة الهزازة والتومايات وغربا الصليبة الكبرى. آثارها لا يوجد في هذه المحلة من الآثار الخيرية سوى آثار ابشير مصطفى باشا ابن عبد المنان وهي جامعه الكائن في سوق هذه المحلة في الصف الموجه إلى الشرق وهو جامع عامر تقام فيه السرية والمكتب الموجود فيه خال من الأطفال وإليك من كتاب وقفه خلاصة معربة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 401 يعرف منها معظم ما اشتملت عليه هذه المحلة من الأبنية الخيرية وغيرها والكتاب المذكور محرر باللغة التركية وهو مفتتح بقوله بعد البسملة: أما بعد ذكر جميلي سبق إذن وزير عاليشان إلخ: وقف مسجده المعروف في محلة الجديدة بعد أن بناه على عرصة احتكرها من أوقاف الحلوية بالوجه الشرعي ووقف في هذا المسجد على سطحه مكتبا لتربية الأطفال وعمر مجرى الماء الممتد من قسطل الحرامي الواصل إليه الماء من طريق برد بك إلى قسطل السلطان في حضرة باب الفرج (هو الآن تحت برج الساعة) وقد حول الطريق المذكور عن مجراه القديم دفعا لضرر كان يحصل منه للناس وأخذ منه الماء لعمارته وشرط له من غلة وقفه القدر اللازم لتعميره وترميمه ووقف أيضا قسطلا تحت درج المكتب المذكور وأجرى كثيرا من التعمير والترميم على خان طومان قرب حلب الذي هو من خانات السبل وأجرى إليه الماء من العين المباركة على مسافة ثلاثمائة ذراع وجدد فيه عدة حجرات وعمر مسجده وفرشه وجدد على بابه دكاكين وشرط لمسجده ما يلزمه من الزيت والحصر ولحوضه ما يلزمه من التعمير والترميم ووقف باتصال جامعه من جهة الشرق في محلة الجديدة بحلب سوقا يعرف بسوق النوال ودكاكين ودكان طبيب أخرى باتصاله وقاسرية تشتمل على 13 حجرة فوقانية وعلى 14 حجرة تحتانية وعلى رحبة وبئر ماء معين ووقف باتصالها محلا لبيع السمن والعسل يشتمل على أربعة مخازن عليا وسفلى وعلى جب ماء معين ودكانا مضافة إلى المحل المذكور وثلاثة عشر دكانا وجميع الخان المعروف بخان العرصة المعد لبيع الحبوب ووقف في الجهة الموجهة إلى الغرب قاسريتين مشتملتين على 28 حجرة عليا وسفلى وعلى حوض سماوي وحب ماء معين ووقف مصبغة وفي جانبها دكانا وفرنا ووقف في الجهة الموجهة إلى الجنوب بيت قهوة مرفوعا سقفه على سبعة أعمدة من الرخام ولها ساحة سماوية فيها حوضان كبير وصغير لها 14 شباكا وقاسرية أخرى تنتهي بمسجده تشتمل على 27 حجرة عليا وسفلى يشتغل فيها دولاب الحرير (دواره) وتنسج فيها الأقمشة كالمخمل والأطلس وأجرى إليها الماء من فائض مسجده ووقف 16 دكانا على باب القهوة والقاسرية. هذه العمارة يحدها قبلة عمارة المرحوم بهرام باشا يفصل بينهما الطريق وشرقا الطريق النافذ المعروف بالشمالي وشمالا الساحة وغربا طريق نافذ وزقاق الكنيسة تجاه قسطل الماء والفرن ووقف في مدينة توقات خانا لأبناء السبيل معروفا به وعمر حوضا معروفا به في قرية توقات من ملحقات القضاء المذكور ووقف هناك طاحونا على فقراء الحرمين. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 402 شروطه شرط أن تكون النظارة على وقفه هذا لمن يكون شيخ الإسلام في الآستانة وأن يكون له في مقابل نظره 50 سكة حسنة سنويا من غلة الوقف بعد ترميمة وتعميره. وشرط التولية على وقفه لمن يكون نقيب الأشراف بحلب وشرط له يوميا 20 أقجه «1» ، وأن يدفع في كل يوم 10 أقجيات لكاتب يضبط دخل الوقف وخرجه و 5 لجاب و 3 لأمين صندوق و 8 لإمام مسجده وأقجه واحدة لحافظ يقرأ سورة ياسين في مسجده كل يوم بعد صلاة الصبح وأخرى لحافظ يقرأ سورة عم في مسجده بعد صلاة العصر وأخرى لحافظ يقرأ سورة تبارك بعد صلاة العشاء و 8 لمؤذنين حسنى الصوت و 2 لخادم وفراش وأقجه واحدة لشعال و 2 لكل واحد من عشرة قراء يقرءون عشرة أجزاء في مسجده كل يوم بعد صلاة العصر ويهدون ثواب ذلك على الطريقة المعروفة و 5 لعالم عامل يقرأ في مسجده في الأشهر الحرم العلوم النقلية والعقلية و 5 لحافظ يعلم الأطفال في مكتبه و 1800 أقجه تقسم في اليوم السابع والعشرين من رمضان على أطفال مكتبه بالسوية و 2 لقنوي يسوق الماء إلى مباني الوقف المذكور و 2 لسقاء يخدم سبيله في خانه المذكور و 20 لقنوي يسوق الماء إلى حوض خان طومان. وشرط وللسيد عبد الكافي الزنابيلي الساكن في محروسة حلب وظيفة قدرها في كل يوم عشرون أقجه وبعد وفاته فلأولاده وأولاد أولاده وأولاد أولاد أولاده ما تعاقبوا وتناسلوا بطنا بعد بطن وبعد انقراضهم يقبض المتولي الوظيفة المذكورة ويجعلها في مصارف الوقف وعشرة قروش لكل واحد من ثلاثين شخصا يختمون كل يوم ختما شريفا في الحرم النبوي وعشرة قروش سنويا لرجل يدعو بعد الختم وأخرى لخادم وأخرى لفاتح الأجزاء و 6 قروش لكل واحد من ثلاثين شخصا يختمون بالحرم النبوي كل يوم ختما ويكررون كلمة التوحيد ألف مرة و 6 قروش لمراقب على القراء والذاكرين يحسب أيام انقطاعهم عن الحضور بلا عذر شرعي و 10 قروش لكل واحد من عشرة أشخاص يقرأ كل واحد منهم جزءا شريفا في مسجد سيدنا عمر رضي الله عنه و 100 قرش للأغوات الخدمة في الروضة المطهرة و 40 لأئمة الحرم النبوي و 30 لمؤذنيه و 10 لرئيسهم و 60 لفراشيه و 20 لخادم يوظف الجزء: 2 ¦ الصفحة: 403 في الروضة المطهرة و 10 قروش لناظر يوزع هذه المبالغ على ذويها أو ترسل هذه المبالغ مع رجل من قصاد بيت الله الحرام تقي ورع لتسلم إلى أصحابها بمحضر من شيخ الحرم وحاكمه الشرعي ويحرر بذلك دفتر يختمانه ويدفع لشيخ الحرم عشرة من السكة الحسنة ولحاكمه مثلها و 10 قروش لكل واحد منهم من ثلاثين شخصا يقرءون كل يوم في الحرم المكي ختما شريفا و 30 قرشا لصاحب مفتاح الكعبة المعظمة من بني قريش و 30 قرشا لخطباء الحرم المكي و 10 قروش لنقطه جي الختم وأخرى لخادم الربعة و 5 قروش لكل واحد من خمسة أشخاص يكررون كلمة التوحيد في الحرم المكي كل يوم ألف مرة و 10 لناظر على هؤلاء الموظفين و 10 قروش لخطيب مقام إبراهيم عليه السلام و 10 لخدمة زمزم يسقون بها ماء للحجاج و 10 لبوابي الحرم و 10 لرئيس البوابين و 5 لشعال الحرم و 10 قروش لإمام وخطيب وخادم مسجد مولد النبي صلّى الله عليه وسلّم و 10 لإمام وخطيب وخادم مسجد خديجة الكبرى و 5 لخدمة المحل الذي كان المعراج النبوي منه و 5 قروش لخدمة دار الخضر و 10 لخدمة المحل الذي ولد فيه أبو بكر الصديق رضي الله عنه ومثلها لخدمة محل ولادة عمر القاروق رضي الله عنه ومثلها لخدمة المحل الذي ولد فيه عثمان رضي الله عنه و 5 لخدمة المحل الذي ولد فيه علي ابن أبي طالب كرم الله وجهه و 5 قروش لخدمة دكان أبي بكر الصديق و 5 لخدمة مرقد خديجة الكبرى المعروف بالمعلى و 5 لخدمة مقام المعبد الذي صلى فيه عليه السلام ركعتين حين عوده من الحج و 5 لخدمة المكان الذي نزلت فيه لإيلاف قريش و 10 قروش لإمام وخطيب مسجد الخفيف و 10 لإمام وخطيب مسجد مزدلفة و 10 لإمام وخطيب مسجد إبراهيم في عرفات و 10 لخدمة الحجرات الثلاث في منى و 5 قروش لخدمة المحل الذي نزلت فيه والمرسلات قرب مسجد الخفيف و 5 لخدمة المقام الذي انشق فيه القمر في جبل أبي قبيس و 5 لخدمة الصفا والمروة و 20 قرشا للشيخ عبد الرحمن المغربي في مكة المكرمة. ترسل هذه المبالغ مع رجل دين أمين من الحجاج وتوزع على أصحابها على النسق الذي سبق بيانه في توزيع الخيرات المشروطة في الحرم النبوي ويدفع لحاكم مكة 15 سكة حسنة ومثلها لشيخ الحرم المكي وما فضل بعد ذلك من غلة وقفه يوزع ثلثه على فقراء مكة وثلثه الآخر على فقراء المدينة. حرر هذا الكتاب بعد التسجيل الشرعي في اليوم الخامس عشر من شوال سنة 1046 هـ: هذا المسجد أوقافه ما زالا معمورين وريع هذا الوقف آخذ بالزيادة يوما فيوما وربما يبلغ سنويا في هذه السنين ألفي ذهب عثماني وزيادة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 404 كوجك كلاسه (خ) عدد بيوتها 24 وعدد سكانها الذكور/ الإناث/ المجموع/ الأقوام 22/28/50/مسلمون 18/20/38/روم كاثوليك 18/9/27/أرمن كاثوليك 7/9/16/روم 41/20/61/أرمن 18/16/34/سريان-/ 1/1/موارنة 124/103/227/المجموع يحدها قبلة حارة الماوردي وشرقا الجادة الفاصلة بينهما وغربا حارة الألمه جي «1» وشمالا أقيو. لا يوجد في هذه المحلة من الآثار سوى مسجد واحد معمور قليلا في شرقيه شبه قبلية تعلم فيه الأطفال ويقال له مسجد المحتسب وفي غرب هذا المسجد مسجد آخر لا يوجد فيه شيء عامر سوى محرابه وبقيته تل ويعرف بمسجد الروضة وله في غربيه دكان يستهلك غلتها بعض جيرانه وكوجك كلاسه معناها الكلاسة الصغرى ولا أعرف وجه تسمية هذه المحلة بهذا الاسم. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 405 حارة القصيلة (خ) عدد بيوتها2 G 93 محلها بين باب المقام وبين باب النيرب يحدها قبلة وشرقا الخندق وغربا حارة داخل باب المقام وحارة داخل باب النيرب وشمالا سوق القصيلة ثم الجادة الممتدة منه إلى باب النيرب عدد سكانها الذكور 1190 والإناث 1236 والمجموع 2426 نسمة كلهم مسلمون. آثارها جامع الساحة التحتاني تجاه قسطلها المشهور وهو عبارة عن سماوي يبلغ 20 ذراع في مثلها في غربيه الشمالي حوض يهبط إليه بدركات تزيد مساحته على عشر بعشر أنشئ من وصية بعض أهل الخير سنة 1304 هـ وفي غربيه مصلى صيفي في صدره محراب وفي جنوبيه قبلية لها منبر وعلى بابه منارة وهو عامر تصلى فيه الجهرية والجمعة والأعياد وله في المحلة دور ودكاكين يبلغ ريعها في السنة نحو 30 ذهبا عثمانيا تقريبا والمشهور بين أهل المحلة أن هذا الجامع عمري بدليل وجود منارته فوق بابه زاعمين إن كل جامع منارته فوق بابه عمري وهو زعم باطل فإن كثيرا من المساجد منارته فوق بابه وهو حادث بعد زمن عمر ابن الخطاب رضي الله عنه. على أن هذه المحلة كلها من جملة المحلات التي حدثت أيام المرحوم نور الدين ابن زنكي حين جعل لسور البلدة القديم فصيلا فحصل حينئذ بين السورين ميدان فسيح دعي إذ ذاك الميدان الأسود ثم على تمادي الأيام عمر فيه عدة محلات من جملتها هذه المحلة. وربما كان موضع هذه المحلة يزرع شعيرا لرعي الدواب في أيام الربيع فكان يسمى القصيلة أي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 406 الأرض المزروعة شعيرا على ما هو معروف عند الحلبيين ثم عمرت هذه المحلة وبقي هذا الاسم علما عليها ويحتمل أن تكون كلمة قصيلة محرفة عن فصيلة بالفاء لأن محلها بالفضاء بين السور القديم والفصيل. والغالب على ظني أن إنشاء هذا الجامع كان في سنة 910 وهي السنة التي أنشئ فيها القسطل الكائن تجاهه كما تدل عليه الكتابة المنقوشة في صدره وإن منشئهما واحد كما جرت بذلك عادة أهل الخير عندنا في حلب من أن أحدهم إذا أنشأ معبدا فالغالب أن يوجد ضمنه أو خارجه حوضا أو قسطلا يجري ماؤهما من قناة حلب تتميما للأنتفاع بخيره وتيسيرا على المصلين. مسجد الساحة الفوقاني: محلة الساحة المذكورة وهو أوسع من الذي قبله لكنه دونه في العمار ولا تصلى فيه سوى الجهرية وغلة وقفه نحو عشر ذهبات تقريبا. مسجد الشيخ عمر سم الموت: ويعرف بمسجد الجنينة لأنه تجاه أحد بابي جنينة القصيلة من جهة جنوبها يفصل بينهما الطريق الآخذ إلى جهة الحوارنة وكان محل هذا المسجد تلا من التراب فرأى الشيخ عمر المذكور وهو رجل صالح في منامه قائلا يقول له يوجد في هذا التل مسجد قديم فلما استيقظ حفر شيئا من التراب فظهر له أثر محراب فاهتم بعمارة المسجد وحصل له من أولي الخير مبلغا صرفه عليه وأخذ عمودي مرمر جميلين كانا في محراب داخل الجنينة المذكورة فوضعهما في محراب المسجد المذكور وعمر فيه حوضا أجرى إليه الماء من دولاب الجنينة بالتماس من أصحابها وتم ذلك له في حدود سنة 1287 وهو الآن عامر تقام فيه الجهرية وقد وقف عليه أهل الخير ما يقوم بكفايته. سبلانها يوجد فيها تجاه جامع الساحة التحتانية قسطل يهبط إليه ببضع دركات عمر سنة 910 هـ كما أشرنا إلى ذلك في الكلام على الجامع الكائن تجاهه ثم جدده سنة 1133 هـ الوزير الكبير رجب باشا صاحب قسطل الميدان الأخضر وسراي بحسيتا. مكتوب على حجرة في قنطرة هذا القسطل: جدد هذا القسطل المبارك صاحب الخيرات الوزير الكبير رجب باشا سنة 1133 هـ. ويلاصق هذا القسطل من جنوبه سبيل صهريج عليه بناء حافل والصهريج واسع عظيم يجري إليه الماء من القسطل أنشأه (محمد علي بيازيد) سنة 1246 هـ ويلاصق مسجد الساحة الفوقانية من شماليه سبيل صهريج عليه عمارة أيضا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 407 أنشأه (محمد راجي بن محمد علي) المذكور في حدود سنة 1265 هـ وتجاه هذا المسجد قسطل يهبط إليه ببضع عشرة دركة أنشئ سنة 910 هـ وجدده رجب باشا سنة 1133 هـ ويوجد في أسفل هذا القسطل بجانبي حوضه خروق في الجدار نافذة إلى مغارات واسعة بعيدة ربما اتصلت بمغارات حارة المغاير المتقدم ذكرها وفي زقاق بيت باقو من هذه المحلة سبيل صهريج عليه بناء عمره (محمد بشير أفندي ابن محمد علي بيازيد) وفي هذه المحلة ثلاث مدارات وعدة أفران أقدمها فرن جار في وقف كوجك علي آغا. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 408 حارة القرباط (خ) عدد بيوتها 79 وعدد سكانها 392 الذكور منهم 180 والإناث 312 كلهم مسلمون. هذه المحلة في شرقي جامع التوبة بينهما مسافة غلوة والأتراك يسمون أهلها قبطا وهم بالحقيقة من عرق هندي ولغتهم الخاصة بهم شبيهة ببعض لغات الهنود. وهم مسلمون يقومون بشعائر الدين الإسلامي بتمامها فيصومون ويصلون ويحجون ويتصدقون ويوجد الكثير من أسرهم في هذه المحلة من يسكن في بيت من الشعر وصنعتهم الوحيدة عمل المناخل والغرابيل ورقم الطبول والدفوف والكوبات «1» من أذناب الخيل وجلود الدواب الميتة فمتى هلكت دابة عند أحد في أي ناحية من نواحي البلدة لا تلبث غير قليل حتى يحضروا سراعا فيسلخون أديمها ويسحبون إلى محل القاذورات فيطرحونها فيه وربما أخذ بعضهم شيئا من لحمها فطبخه وأكله وهم يتاجرون بجلود الدواب الميتة وفيهم الأغنياء وأهل اليسار وقد اشتهر منهم عدة رجال بالثقافة ومهارة الرمي والاصطياد بالرصاص والمشهور عنهم أن لغتهم واحدة في جميع أطراف الدنيا بحيث يتفاهم بها الشرقي والغربي منهم تفاهما لا يعتريه نقصان وإنهم متى توطنوا بلدا دانوا بدين العنصر الغالب عليه. على أن الجهل مستول عليهم وشحهم مما يضرب به المثل عندنا لشديد الحرص كأنك قرباطي. على أنه يوجد في بعضهم من السخاء ما لا يوجد في كثير من الأغنياء. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 409 حارة البقّارة (خ) وعدد بيوتها 70 عدد سكانها نحو 350 ما بين ذكر وأنثى محلها في جنوبي حارة القرباط إلى الشرق وليس فيها شيء من الآثار الخيرية. البقارة اسم عشيرة كبيرة تعاني سياسة البقر وتربيتها غير أن أهل هذه المحلة خليط من الأعراب والقرويين يعانون الفلح والزرع وتربية المواشي وغيرها من الأعمال الزراعية. تنبيه: في قرب هذه المحلة شبه زاوية تعرف بمزار الشيخ جاكير لها شيء من الأوقاف وأهل تلك المحلات يعتقدون به اعتقادا زائدا وينذرون له النذور ويقرءون عند الموالد ويفرقون في حضرته الأطعمة ويحلفون به عند ضريحه المظنونين والمتهمين فلا يجسر أحد على الحلف به باطلا لاعتقاده حينئذ أنه لا بد وأن ينكب بجسمه أو ماله أو ولده ويحكون في هذا المعنى حكايات كثيرة مستفاضة فيما بينهم. طالما بحثنا عن ترجمة هذا الوالي فلم نظفر لها بأثر ولا وقفنا له على خبر. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 410 حارة أعراب المشارقة هذه المحلة في ظاهر محلة المشارقة من جهة الغرب شرقي مقبرة الشيخ ثدلب «1» عدد بيوتها 39 وعدد سكانها 71 ما بين ذكر وأنثى وهم خليط من العرب وقرباط العجم بعضهم يسكن بيوتا من الشعر والبعض الآخر يسكن بيوتا مبنية بالحجر والمدر: وفي هذه السنة وهي سنة 1341 أنشأ مهاجرو الأرمن في ضاحية حلب من شماليها بيوتا من الخشب واللبن يربو عددها على الألف وذلك في الفضاء الممتد من قرب دير الرهبنة الفرنسيسكانية إلى الميدان الأخضر. هذا آخر ما سطره يراع التحرير في الكلام على أسوار مدينة حلب وأبوابها وقلعتها وما اشتملت عليه كل محلة من محلاتها من المباني الدينية والآثار الخيرية والمعاهد العلمية غير مول جهدا في استيعاب ما جل منها وما قل ولا وان عن بيان اسم صاحبها وذكر تاريخ حدوثها على قدر ما وصلت إليه يد الاستطاعة وما بلغه رائد البحث والاستقصاء فيما لم أره مسطورا في كتاب تاريخي قبل كتابي فكان معظم ما أثبته في هذا الباب مبتكرا غير محبر ولا منقول عن كتب منضدة في جانبي لا يكلفني النقل منها سوى مد يدي إليها بل كنت أسعى إلى كشف غوامض الكثير منها سعيا حثيثا وأقطع المسافات البعيدة وأمضى في إزالة الغشاوة عنه الأوقاف الوفيرة غير مستعين بأحد سوى ما استمده من القدرة الصمدانية وأعول عليه من التوفيق الإلهي. فعلى من وجد في كتابي هذا نقصا أو خللا أن يعذرني ويعاملني بما يوحي إليه ضميره ويسدل الستر عليه والله ولي التوفيق وهو الملاذ والملجأ في السعة والضيق. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 411 الأوقاف الإسلامية وإليك نبذة مفيدة في الكلام على الأوقاف نجعلها ختام هذا الباب فنقول: أقدم من ينسب إليه الوقف سيدنا إبراهيم الخليل صلوات الله عليه ويقال إنه كان في أول أمره يبذل قراه للضيوف وصدقاته للفقراء ثم أحب أن يتناول بره من يأتي بعده فأوحي إليه بإجراء عمل الوقف فأنشأ كثيرا من الآثار الخيرية في بلاد العرب لم تزل تعرف بأوقاف خليل الرحمن حتى الآن منها وهو أعظمها وأشرفها بيت الله المعظم الذي هو قبلة جميع الموحدين ومن آثاره في مدينة حلب المقام الأسفل في قلعتها ومقام الخليل الذي تكلمنا عليه في محلة باب المقام والبئر التي اختار الهروي أن تكون عمارته في جوارها ثم أن عظماء الأمم السالفة اقتدت بالخليل فأنشأت الكثير من الآثار الخيرية التي ينتفع منها على الدوام والاستمرار ثم جاء الإسلام فتلقى هذه الطريقة بالقبول ورغب فيها الرسول عليه الصلاة والسلام مؤيدا ترغيبه بالعمل فوقف الحوائط السبعة ووقف سيدنا عمر ابن الخطاب أرضا في خيبر كان يعدها من أنفس ماله واقتدى بهما الآل الكرام والصحابة الأعلام فلم يبق أحد من المهاجرين والأنصار له مال إلا ووقفه. وحذا حذوهم الخلفاء الأمويون والعباسيون وجميع ملوك المسلمين ووزرائهم واقتفى أثرهم في ذلك السلاطين العثمانيون فأربوا على الأولين والآخرين بكثرة أوقافهم في مدينة إستنابول وغيرها أما أول وقف كان في مدينة حلب بعد الفتح الإسلامي فهو المسجد العمري الذي عرف بعد بالمسجد الغضائري كما نوهنا بذكره في الكلام على محلة العقبة ثم الجامع الكبير الأموي الذي أفضنا بذكره في الكلام على محلة سويقة حاتم ثم تتابعت الأوقاف في مدينة حلب حتى أصبحت من أكثر البلاد العثمانية أوقافا بحيث صارت تدعى حلب الوقف وهذا ما يدل على علو شأنها وعظيم اعتبارها في القرون الماضية التي هي بعد القرن الرابع ومن أعظم أسباب كثرة أوقافها استعداد مبانيها للبقاء مدة طويلة وتوفر الفتوحات في جهاتها الشمالية وخراب قنسرين فعظمت تجارتها ومعارفها وكثرت الجزء: 2 ¦ الصفحة: 412 فيها الخانات والمدارس لكثرة التجار والطلاب المترددين إليها وتوفر فيها عدد المساجد والمباني الدينية وعظمت ثروة أهلها لما اتصفوا به من العلم ومعرفة التجارة والمهارة في الصنائع فأخذت تكثر فيها الأوقاف المتنوعة بين أهلي وخيري حتى كادت تكون نصف عقارات حلب وأراضيها وقفا على أنه قد فقد من أوقافها في السنين الأخيرة شيء كثير بسبب الدثور أو استيلاء الناس عليه وجعلهم إياه ملكا وأخذه بالإجارتين وتلاعب المتولين بالعقارات وجعلها في يد الأغيار كالملك المطلق بدعوى أنها في أيديهم بطريق المرصد المعروف عندنا بالرقبية «1» وكتلاعبهم أيضا بما في أيديهم من الأوقاف باستبدال عقار بآخر لمنافعهم الذاتية فيستبدلون النفيس بالخسيس والغالي بالرخيص واعلم أن الوقف المشروط للذرية من أحسن الذرائع لطول بقاء شهرة الأسرة واحترام ذراريها وطيب معاشها على شرط أن يكون ريعه منحصرا بأرشد أولاد الواقف أو بطبقة من أولاده الذكور الصلبيين الذين لم تتشعب فروعهم فإن عظماء الإنكليز لا يحصرون ثروتهم بالابن البكر إلا ابتغاء بقاء شهرة الأسرة وحفظ شرفها ولذا ترى في هذه الأمة أسرا مضى على جدها الأعلى مئات من السنين وشهرتها باقية وثروتها متوفرة ومجدها مؤثل كما أنه يوجد عندنا بعض أسر من مرتزقة الأوقاف ساعدتهم الصدف فنالوا هذه المزية وبقي شرفهم متوفرا منذ عدة قرون. فأحسن بالوقف الجاري على هذا الشرط من خير جار ومقصد معقول لولا ما ينشأ عنه في بعض الذريات شيء من الجهل والبطالة والانهماك بالملذات وما يحدث بسببه بين الأقارب من النزاع والشقاق وتفرق الكلمة واستحكام عرى النفور والبغضاء. والأمر الغريب أن كثيرا من الوقوف عندنا اشترط واقفوها أن تكون غلتها مطلقة يتناولها كل من يوجد من ذرية الواقف ذكرا كان أم أنثى سواء كان من أبناء الذكور أم من أبناء الإناث. وبعد أن مضى على ابتداء هكذا أوقاف نحو مائتي سنة مثلا كثرت ذرية الواقف وتشعبت وبلغ عددها على المنوال المذكور زهاء ثلاثة آلاف نسمة فصار يلحق كل واحد من هؤلاء المستحقين من ريع الوقف بضعة قروش في السنة ولصعوبة جمعهم وتوزيع كل حق على مستحقه أو لعدم سؤال المستحق عن حقه إما لجهله به أو لعلمه بأن حقه لا يجديه نفعا ولا يسد له عوزا يستأثر المتولي بجميع الريع ويدلي ببعضه إلى المرتشين ويصرف باقيه في شهواته وهوى نفسه وشيطانه الجزء: 2 ¦ الصفحة: 413 وربما أنكر أن هذا الجمهور من ذرية الواقف فيتعذر عليهم إثبات أنسابهم ويستأثر المتولي بريع الوقف. أما الوقوف الخيرية أي الموقوفة على وجوه البر والخير فإنها نعم العون على تعمير الأوطان وتوفير شرفها وعلو شأنها وذلك كالوقوف المرصدة على أبناء السبيل والعجزة والأيتام والفقراء أو على العلماء العاملين والمرشدين الكاملين والطلبة والمتعلمين أو على وظيفة دينية بشرط أن لا ينال المعين من ريع الوقف إلا من صدق عليه شرطه وشمله تعريفه وإلا كانت الوقوف الخيرية أشد ضررا على الأمة من الوقوف الأهلية. الأوقاف وأقسامها وإدارتها الأوقاف الإسلامية عندنا على قسمين: أحدهما: تقوم مديرية الأوقاف بتوزيع غلته فقط على مستحقيها وهو الأوقاف الإعشارية والموقوف فيها أراض زراعية أكثرها يعتبر من قبيل المخصصات لعدم تحقق صحة وقفه وقليل منها ما هو وقف صحيح. القائم بجباية غلات هذا القسم والإشراف عليه منذ أيام الحكومة العثمانية جهة المالية الأميرية وكانت تدفع مديرية الأوقاف صافي محاصيلها بالغا ما بلغ فتوزعه المديرية على مستحقيه ثم منذ نصف قرن خمست إدارة المالية غلات هذه الأوقاف أي حسبت غلة كل وقف منها مدة خمس سنوات ثم خلطتها ببعضها وقسمت مجموعها على خمسة وصارت تدفع في كل سنة إلى المديرية المذكورة حاصل القسمة مبلغا مقطوعا زادت غلة الوقف عليه أو نقصت عنه. والقسم الثاني: تقوم مديرية الأوقاف بالإشراف عليه وجباية غلاته وتوزيعها على مستحقيها وهو الأوقاف المستغنى عنها والأوقاف المضبوطة والأوقاف الملحقة والأوقاف المضبوطة الإدارة وبعض الأوقاف المستثناة وبعض أوقاف العوارض والأوقاف ذات الإجارتين وبعض الأوقاف ذات الإجارة «1» الواحدة ووقف الكدك والأحكار الوقفية: لكل واحد من هذه الأنواع الوقفية حد وتعريف محرر في كتاب (إتحاف الأخلاف) في أحكام الأوقاف الذي نقلناه من اللغة التركية إلى اللغة العربية: وهناك أوقاف كثيرة تقوم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 414 بإدارتها مديرية الأوقاف وهي أوقاف المساجد والمعاهد العلمية والمباني الخيرية التي ليس لها كتاب وقف معمول به شرعا وكان يقوم بإدارتها متولون أكثرهم غير محسنين في إدارتهم فوضعت مديرية الأوقاف يدها عليها ووحدت غلاتها وصارت تدفع إلى كل مسجد ومعهد قدر كفايته زاد وقفه عليها أو نقص عنها «1» . كان الكثير من المسقفات الموقوفة الجارية إدارتها تحت نظارة مديرية الأوقاف قد أشرف على الخراب لعدم وجود غلة تفي بتعميره وكان يوجد بين هذه المسقفات عدد عظيم من المساجد والمدارس التي شرفت بقاعها وحف بها العمران من كل جانب وساعدت مساحاتها على استخراج حوانيت منها ذات غلات وافرة تفي بعمارتها وإحياء شعائرها ويبقى منها فضلة عظيمة غير إن الحكم الشرعي في المذهب الحنفي وهو (ما كان موقوفا للعبادة لا يجوز جعله مستغلا) كان يغل أيدي المديرين عن أخذ شيء من تلك المباني وجعله للاستغلال فاستمر خرابا يبابا حتى تولى إدارة الأوقاف في مدينة حلب السيد يحيى الكيالي فاهتم بشأنها ونظر إلى ما هو الأنفع والأصلح لها فاستخرج منها حوانيت ذات ريع وافر يزيد على ريعها السابق أضعافا مضاعفة بحيث يقوم بكفايتها ويبقى منه فضلة عظيمة مستندا في عمله هذا على فتوى شريفة أفتي بها بعض علماء المذهب الحنبلي على أنه لم يهمل غيرها من المسقفات التي شرفت بقاعها وأصبحت حرية بالاستثمار فهو يبذل جهده بإعمارها وجعلها في المرتبة الأولى من المسقفات التي تعطي ريعا يربو على ريعها السابق عشرين ضعفا وزيادة لا جرم أن هذا الجد إذا استمر في مسقفات الأوقاف الخيرية المندرسة مدة سنتين فقط فإن ريعها يكفي بلا ريب لأن يعود على الوطن العزيز بفوائد تجل عن الأحصاء كإحداث كلية كبرى وافتتاح مياتم ودور صنائع تعد من الرتبة الأولى بين أنواعها. الكلام على كتابي وقف إبراهيم خان وعلاء الدين بن سليمان بك ذي القدري. نورد هنا خلاصة كتابي هذين الوقفين كنموذج من الأوقاف الخيرية المختصة بالخيرات تنويها بشرف واقفيهما وتخصيصا لهما بالذكر إذ كانا جديرين أن يعتبرا في أول مراتب الأوقاف في البلاد العربية بل في سائر الأقطار الممالك الإسلامية لعظمهما ووفرة خيراتهما وإخلاص واقفيهما اللذين لم يشترطا لجهتهما أقل شيء من ريعهما فأولهما وقف المرحوم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 415 محمد باشا ابن جمال الدين سنان ويعرف عندنا بوقف إبراهيم خان نسبة إلى صاحب الطغراء الآتي ذكرها فيه على إنني طالما بحثت عن نسخة كتاب هذا الوقف فلم أظفر بها إلى أن يسرها لي المولى بطريق الصدفة وهي النسخة الأولى المحررة في زمن الواقف وقد رسم على ظهر أول صحيفة منها طغراء السلطان محمد ابن السلطان إبراهيم خان متوجة بعدة تواقيع من أفاضل قضاة تلك الأيام منها توقيع صورته بعد البسملة (شرعي يقضي بمقتضاه ويعمل بما حواه كتبه أبو السعود الحقير عفي عنه) وتوقيع آخر صورته (وضح ما فيه لدي وصح ما يحويه بين يدي من أصل الوقف وفروعه وشرائطه وضوابطه وإني حكمت بصحته ولزومه في خصوصه وعمومه: وأنا الفقير الشيخ عبد القادر بن عبد الرحيم المؤيدي القاضي بالعساكر المصورة بولاية روم إيلي) . قيل إن صاحب التوقيع الأول هو أبو السعود صاحب التفسير وصاحب التوقيع الثاني ابن صاحب الفتاوي المؤيدية والله أعلم. هذا وإن كتاب هذا الوقف مؤلف باللغة التركية مفتتح بقوله «أما بعد ذكر جميلي إلخ» فأخذت منه خلاصة عربتها وأثبتها هنا على طولها لعدم خلوها عن الفائدة. وهاك بيانها- أنشأ الواقف رحمه الله جامعا قرب قلعة بياس ومسجدا في محلة الدباغة العتيقة بحلب كان يعرف قديما بالمسجد العمري وخانا كبيرا في محلة الجلوم الكبرى بحلب (هو خان الكمرك القديم الشهير) ومسجدا في وسطه تحته حوض وخانا في رأس باب أنطاكية بحلب وتجاهه مسجدا تحته حوض ومسجدا على الباب الشرقي من الدباغة التي بناها خارج باب أنطاكية في حلب ودار تعليم في الشبيكة من مكة المكرمة ومكتبا وخانقاها في حضرة مسجده في بياس ودار شفاء في السوق الشامي من مكة المكرمة وعمارة (مكان للمسافرين) ومطبخا عند جامعه المذكور شرطها لعامة الفقراء والغرباء والمساكين والمسافرين وأنشأ عددا وافرا من الحياض في كثير من البلاد الإسلامية وحفر عدة آبار في الشوارع والطرقات يطول الكلام عنها واشترى بئر النبي وبئر الخاتم من الآبار النبوية في جنوبي مسجد قبا ظاهر المدينة المنورة وأصلح مجرى ماء المدينة المنورة وظهر في ظاهر المدينة عين ماء معين أجرى ماءها للعين الزرقاء واستلمه من مدرسة المرحومة خاصكي سلطان وأجراه في قناة مستقلة إلى داخل المدينة المنورة وأخذ منه مقدارا لحمام أنشأه هناك ومقدارا آخر لعين تعرف بالواقف وصرف بقيته إلى سبيل معلوم أنشأه هناك أيضا ووضع سقاية بباب الرحمة من الحرم النبوي وأجرى لمبانيه في بياس ماء يصب في حوض قربها وأنشأ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 416 في حلب خان الكمرك السابق ذكره مشتملا على 50 مخزنا سفليا و 77 علويا وعلى بابه قاعة فسيحة فيها (4) مخازن وفيه إصطبل فوقه قاسارية تشتمل على 23 مخزنا. وأنشأ على الأسواق المتصلة بالخان من شرقيه وشماليه قاسارية تشتمل على (54) مخزنا وعلى سوق السقطية الذي أنشأه مكانا يشتمل على ميدان فيه (15) مخزنا وإصطبل وأنشأ باتصال الخان سوقا مشتملا على (120) دكانا فجملة المخادع عدا الخان وإصطبله (344) مخدعا ما بين دكان ومخزن وميدان وإصطبل وقد اشتملت هذه المباني على (13) قبة شاهقة تحت كل واحدة منها رحبة فسيحة واشترى ووقف سوق الدهشة وهو (88) دكانا وفي محلة جامع الأطروش قاسارية فيها (20) مخزنا سفليا و (17) مخزنا علويا وفيها بئر ماء واشترى ووقف في هذه المحلة مصبغة وفرنا وفي سوق الدجاج في محلة الملندي خانا ينسب للمرعشي فيه (29) مخزنا علويا و (7) مخازن سفلية وإهرائين و (10) دكاكين استخرجت من جداره الغربي وفي الصف الشرقي من سوق العبه جيه دكانين وفي سوق الهوى فرنا و (3) دكاكين و (6) حجرات عليا وإصطبلا تجاهها وأنشأ الواقف سوق القطن قرب الخان الكبير على سبع قناطر واشترى في سوق السقطية دكانا وحانوتين متلاصقين في سوق بنقوسا ودكانا قرب خانه الكبير من غربيه وبيت قهوة قربه أيضا. وأنشأ في محلة الدباغة العتيقة بناء داخله مخزنان ودكان وإصطبل وبئر ومداران وبنى في هذه المحلة أيضا مكانا فيه فرن وبئر وأحدث فيها دكانا ومكانا فيه مخزنان ودكان ومعصرة فيها بئر واشترى أيضا بستانا يعرف ببستان اليهود واشترى في محلة الشميصاتية قرب بنقوسا دارا وفي محلة جسر السلاحف على نهر قويق دار دباغة فيها (53) دكانا سفلى و (58) مخزنا عاليا وفي بابها الشمالي دكانان وفيها ساقية وحوش وبنى في باب أنطاكية بحلب حمامين أحدهما مختص بالدباغين في شماليه خمس دكاكين وخمس حجرات عليا وفي شرقيه أربع دكاكين وفرن عليه أربع حجرات يتصل بالحمام روشن عال وفي أسفله فرن لخبز المبسوس وفي حوش هذه المباني عدة أشجار توت وحوض ودولاب للحمام والحمام الآخر في رأس الباب المذكور وأنشأ هناك أيضا خانا فيه أربعون مخزنا سفلي وخمسة وخمسون عليا وإصطبل عليه واحد وثلاثون مخزنا وعلى باب الخان قبة تحتها أربعة مخازن وأربع دكاكين وفي وسط الخان حوض عليه قصر مربع وفي ظاهر الخان باتصاله تسع عشر دكانا تجاهها تسع وعشرون دكانا وفي شماليه سبع دكاكين وفي جنوبه أربع دكاكين أخرى فالجملة (30) حجرة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 417 و (63) دكانا وأنشأ هناك خانا آخر لبيع الغلات طوله 80 ذراعا وعرضه 20 وفيه بئر ماء وفي جنوبه (4) دكاكين وفي شماليه حجرة سفلى حد ذلك من شرقيه سور حلب وشماليه جامع زغلي وغربيه نهر قويق واشترى في دار الدباغة المذكورة على نهر قويق مدارا وطاحونين و (3) مخازن وبستانا بين مبانيه المذكورة يعرف ببستان الجحاش وبستانا آخر مفرزا قبلا من بستان الجحاش واشترى هناك أيضا خانا صغيرا فيه (44) حجرة عليا وسفلى وإصطبل وآخر فيه قاعة عليا داخلها حجرتان وثلاثة أواوين ورحبة فيها حوض. هذا ما أنشأه الواقف وما اشتراه في مدينة حلب وأما ما استحدثه في مدينة أنطاكية فهو: سوق البزازين وفيه مائة دكان ودكان وتجاه بابه دكانان واستحدث في محلة ابن دبوس بأنطاكية خانا فيه (22) مخزنا سفلي و (28) مخزنا عليا وفيه إصطبل وفي بابه دكانان وأنشأ حماما قرب الميدان وأربعة طواحين قرب جسر أنطاكية تعرف بالمعالي وجلتك وبالقلاغي ومصبنة في محلة الشيخ واستحدث في مدينة البيره (بيره جك) سوق البزازين وله ثلاثة أبواب من الحديد وفيه (90) دكانا واشترى (13) قيراطا من قرية بسين المقدرة بأربعة وعشرين قيراطا وفي من أعمال قضاء جبل سمعان وقرية سور تبه في ناحية عزاز فيها عدة بيوت وحمام وبستان وبضع إصطبلات و (53) بقرة متنوعة يحد هذه القرية من شماليها مزرعة موقوفة على مقام نبي الله داود الكائن بها واشترى (18) قيراطا من القرية المروانية المقدرة بأربعة وعشرين قيراطا في ناحية عزاز وقرية المحمدية في ناحية الجوم في القضاء المذكور ونصف قرية إيران بناري من أعمال روم قلعه و (14) قيراطا من (24) هي رومداولك في القضاء المذكور وسدس قرية هند من أعمال دير كوش ونصف قرية الزنبقية في ناحية القصير من أعمال حلب ومزرعة البلوط في الناحية المذكورة ومزرعة أترون من مضافات الجبل الأقرع ومزرعة عرابه وقرية غشوم ونصف قرية تفتناز في قضاء سرمين و (5) أسهم من 24 هي قرية تعوم وثلث قرية معصران في قضاء المعرة ومصبنة في قرية إدلب الكبرى «1» في قضاء سرمين وثلاثة طواحين على نهر الساجور في خط قرية الهارونية في ناحية منبج وخمسة طواحين على نهر حلب في خط قرية شاهين في قضاء عزاز وعرصتين لبيع الغلات في مدينة عينتاب ومزرعة ملك في ناحية حصن منصور في قضاء مرعش ومزرعتي أرز على نهر جار قرب مدينة طرسوس وطاحونا في قرية ندل الجزء: 2 ¦ الصفحة: 418 من توابع قضاء بقراص قرب قلعة بياس وآخر في قرية ديراز شهر قرب مدينة قنق من أعمال أضنه ومزرعة أرز قرب هذا الطاحون وطاحونا في قرية كجبك قرب مدينة قنق ومزرعة أرز قرب قرية جوكمز زمنلو في ناحية عزر في لواء عزر ومزرعة مركز ومزرعة جاني ومزرعة صاري أغاج في الناحية المذكورة ومزرعة أغيسناس ومزرعة أو شناك ومزرعة بلاسكوجه ومزرعة سكرجك ومزرعة باد قتل ومزرعة بكجير ومزرعة بش أولوق ومزرعة باغر ساجق ومزرعة شوغلان في دربيساك قرب بياس و (48) دكانا وأفرانا قرب قلعة بياس وحماما في القلعة ومنزلا في لواء عزر وأسكلة قرب بياس وقرية وادي الزيارة في قضاء حصن الأكراد من أعمال لواء حمص وقرية تعزيز في القضاء المذكور وقرية جرينه في قضاء حماه ومزرعة المعلقية في القضاء المذكور وستة طواحين عندها على نهر العاصي وأرضين على العاصي في قرية جرينه وثلاثة طواحين على نهر العاصي في رأس الجسر في القرية المذكورة وأراضي على نهر العاصي في رأس الجسر في القرية المذكورة وأراضي على نهر العاصي مشتملة على (17) بستانا قرب قرية دحسيس وأرضا أخرى فيها (12) بستانا ودولابان وتعرف بزوردنيح وجزيرة في وسط نهر العاصي في القضاء المذكور وطاحونا بين حماه والظاهرية وقرية قبابرية في قضاء حمص وطاحونا يقال له الجديد في ظاهر حمص وزور الظاهرية في قضاء شيزر وطاحون جسر ابن منقذ في القضاء المذكور و 19 من 24 من قرية سقلبية في القضاء المذكور. ومن أوقافه في طرابلس الشام مخازن (4) في شاطيء البحر وطاحون في محلة التبانه بناه جديدا بدور النهر داخل طرابلس ومصبنة السعدي وأربعون حجرة عليا وسفلى في محلة اليهود ودار في محلة الحجارين وطاحون دقيق وزيت في مزرعة أودى في قضاء طرابلس وأراض في الناحية المذكورة وطاحونتان وعدة أشجار زيتون في مزرعة كفور وخان جديد في محلة البحر على شاطئه في صيدا و (16) قيراطا من (24) من قرية جلجوانية في قضاء نابلس وطاحون في القرية المذكورة ومسلخ وكرشيخانه ودار صباغة في محلة دار الأمارة في مدينة دمشق وتشتمل على (47) مخزنا علويا و (15) دكانا سفلى وعلى طاحون وقيسارية في محلة باب الفرج وطاحون في قرية بر الياس في ناحية البقاع في قضاء بعلبك وقربة كفر لاكف في ناحية جيدرو قرب قضاء حوران وقرية العونية في القضاء المذكور وقرية قراد وقرية الزمرين وخمسة قراريط ونصف من قرية منتحه من ناحية جيدرو الجزء: 2 ¦ الصفحة: 419 و (5) قراريط من (24) في قرية صرخد في ناحية بني مالك في قضاء حوران وثمن قرية خيره من أعمال حوران وثلث قرية جريا في ناحية جولان وقيراطان من (24) في قرية ديدى في القضاء المذكور و (8) قراريط من (24) في مزرعة دير الصبح وحديقة في قبلي مسجد قبا خارج المدينة المنورة وفي البستان بئر النبي وبئر الخاتم ويتصل بهذا البستان نخيل بئر النبي ونخيل الشلا ونخيل الدهشمية ودار في حارة الخط في المدينة المنورة وأربعة بيوت متلاصقات في الحارة المذكورة وحمام بناه داخل سور المدينة المنورة يعرف بالواقف وسبع دكاكين وعين وسبيل ينسب للواقف وحمام في مكة المكرمة بناها الواقف غربي باب عمر وبنى ثلاثة بيوت قرب الحمام المذكور وعشر دكاكين تحت دار الشفاء التي بناها الواقف ودكان تجاه دار الشفاء وأربع قبليها وله في مكة غير ذلك من الدكاكين والبيوت التي يطول شرحها. شروط الوقف شرط متوليا يوميته (50) أقجه وإذا اجتهد بزيادة ريع الوقف مائة ألف أقجة عن السنة الماضية تزاد يوميته (5) وإذا زاده أكثر من ذلك تزاد يوميته أقجة وشرط أن يكون لهذا المتولي كاتب يوميته (30) أقجة وأن ينصب كاتب آخر لأوقافه بحلب وأنطاكية والبيره والهارونية وقلعة الروم وعينتاب يوميته (6) أقجايات وأن يكون لأوقافه في سلميه وحمص وحماه وشيزر كاتب يوميته (4) وكاتب لأوقافه في طرابلس يوميته (4) وكاتب للجلجوليه والطواحين يوميته (5) وكاتب لأوقافه في مكة يوميته (10) وجاب لأوقافه بحلب وفي باب أنطاكية بحلب وجاب لكل وقف من أوقافه في أنطاكية والبيره والهارونية وروم قلعه وعينتاب يومية كل واحد من هؤلاء الجباة (5) وجاب لمزارع الرز في طرسوس يوميته (5) وجاب لمزارعه في جهات بياس يوميته (5) وجاب لأوقافه في حمص وحماه وشيزر وسلميه يوميته (6) وجاب لأوقافه في طرابلس يوميته (5) وجاب لقرية الجلجوليه وبقية أعمالها يوميته (5) وجاب لأوقافه في دمشق يوميته (7) وجاب لأوقافه في المدينة المنورة يوميته (5) وجاب لأوقافه في مكة يوميته (5) . وشرط أن يجري المتولي الحساب في كل سنة ويعطى من ريع الوقف ديون المقاطعات وحقوق الإجارات ويعمر الوقف ويرمه وإذا لزم عمل يقدره أهل الخبرة والوقوف ثم يقوم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 420 بالعمل بعد إخراج إرادة سنية ثم يعطى من غلة الوقف رواتب الموظفين ويصرف منه على الخيرات والحسنات التي اشترطها الواقف في مكة المكرمة والمدينة المنورة وحلب وبياس وما فضل بعد ذلك يضعه في كيس ويختم عليه ويرسله إلى ناظر الأوقاف في قسطنطينية وأن يكون نصب الموظفين وعزلهم في يده سوى مرتزقة الحرمين الشريفين ففي يد الشيخ الحرم والحاكم بهما وأن يعين لجامعه في بياس خطيب يوميته (8) أقجايات وإمامان لكل واحد منهما (6) وعليهما أن يقرءا على التناوب سورة ياسين بعد صلاة الصبح وسورة عم بعد صلاة العصر وسورة تبارك بعد صلاة العشاء وثلاثة مؤذنين يومية كل واحد من الاثنين (2) ويومية الثالث (7) وقيمان لكل واحد منهما (5) بشرط أن يلاحظا المصاحف الشريفة وفراش يوميته (3) وشعال يوميته (4) وميقاتي يوميته (3) وأربعة يقرءون يوم الجمعة بالمقابلة يومية كل واحد (2) وأن يكون الخطيب رئيسهم وهو يقرأ عشرا من القرآن الكريم يوميته (3) ومعرف يوميته (2) وأن يقرأ في جامعه كل يوم ختم نصفه بعد صلاة الصبح ونصفه بعد صلاة العصر ويدفع عن كل جزء في اليوم (2) وقراء هذا الختم من خدمة الجامع وشرط لهذا الجامع من الزيت والشمع والحصر والقناديل القدر الذي يراه المتولي. وشرط للجامع العمري الذي بناه بحلب إماما يوميته (5) ومؤذنا يوميته (3) وفراشا وقيما وشعالا يوميته (2) وشرط له في السنة (180) ثمن شمع وزيت وقناديل وحصر وأن يجتمع فيه وقت السحر ثلاثون قارئا يختمون ختما شريفا يومية كل واحد منهم (2) وأن يعين منهم رئيس يعرف بالنقطه جي وخادم أجزاء يومية كل واحد (1) وإمام لجامعه في خان الكمرك في الجلوم يوميته (5) ومؤذن يوميته (3) بشرط أن يقوم بخدمة الجامع أيضا ويصرف لهذا المسجد كل سنة (180) ثمن حصر وزيت وقناديل وأن يعين للمسجد الفوقاني تجاه خان الكمرك المذكور إمام يوميته (3) ومؤذن وخادم يوميته (2) وأن يصرف له كل سنة (60) ثمن زيت وحصر وأن يعين لمسجد الدباغة إمام يوميته (2) ومؤذن وخادم يوميته (2) ويصرف له كل سنة (100) ثمن حصر وزيت وشمع وشرط للخانقاه في بياس مرشدا يوميته (20) بشرط أن يعظ الناس مرتين في الأسبوع وأن تكون يومية كل مجاور في حجراتها (2) وأن يسكن المرشد في دار بناها الواقف قرب الخانقاه وشرط لمكتبه معلما يوميته (5) وخادما لعمارته عارفا بأقدار الناس ومنازلهم يوميته (6) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 421 ووكيلا عالما بالبيع والشراء يوميته (6) وكاتبا يوميته (3) وأمينين على الكلار «بيت المؤنة» يومية الأول (5) والثاني (3) وإذا انحلت وظيفة أحدهما عين الثاني بدله وعين بدل الثاني واحد من الخارج وكاتب كلار يوميته (3) وثلاثة طباخين حاذقين يومية أحدهم (5) والثاني (4) والثالث (3) وثلاثة خبازين يومية الأول (5) والثاني (4) والثالث (3) ومتى انخلت وظيفة الأعلى من هؤلاء الطباخين يعين فيها من دونه وشرط متعمدا يوميته (2) وخمسة خدام للمطبخ يومية كل (2) وخادما لجلي المواعين يوميته (2) واثنين لتنقية الرز والقمح يومية كل أقجة ونصف ورجلا يقوم بخدمة الطاحون والفرن يوميته (4) وكيالا للرز والحبوب في عمارته يوميته (5) وحمالا للحم يوميته (2) وثلاثة فراشين في عمارته يومية كل (4) وخادما لقاعتها يوميته (4) وفراشا لحرم جامعه يوميته (3) وآخر للمطبخ والفرن يوميته (2) وكناسين يومية كل (4) وبوابين اثنين يومية كل (4) وقنويا يوميته (4) ومرمما لرصاص الأسطحة يوميته (2) . وشرط أن يقدم لكل مسافر نزل في عمارته طاسان من الطعام ورغيفان وأن يوضع لكل مسافر ينزل في قاعة عمارته صينية فيها الطاسان والرغيفان وأن يشتري للأطعمة المذكورة كل يوم (40) أقه من لحم الغنم وخمس كيلات من الدقيق المنخول ويكون الطعام مرتين في اليوم مرة في الصباح ومرة في المساء ويكون طعام الصباح مركبا من كيلتين من الرز وأقة ونصف من الملح ومثلها من البصل ومثلها من الحمص وهكذا طعام المساء في كل يوم خميس تطبخ أطعمة حلوة وأطعمة دسمة لذيذة وطبيخ الرز يركب من 10 إلى 20 أقة من الرز النقي و 3 إلى 7 أقق سمن عربي وتطبخ معه الحلوى المعروفة باسم زرده تتركب من 10 إلى 15 أقة رز نقي و 10 إلى 15 أقة عسل مصفى و 300 درهم سمنا وخمسة دراهم زعفران وفي الأسبوع الآخر يطبخ الطعام المعروف باسم زيرباج يتركب من (5) أقق نشا و (4) أقق عسلا و (2) و (5) دراهم زعفران وشرط للأطعمة كل يوم (5) دراهم فلفلا وأن يعطى كل ليلة لكل مسافر شمعة ولكل خادم من خدام عمارته طاسة ورغيفان ويكون عدد الظروف والأواني في العمارة من طاسات وكفات وقدور منوطا برأي أهل الخبرة ومتى فقد منها شيء يعيده المتولي وأن يشعل منها في الجهة اللازمة قناديل ينصب لها شعال يوميته (3) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 422 وشرط أن يكون مرجع جميع الموظفين ومسائل الوقف إلى المتولي على أوقافه بحلب وشرط ثلاثين قارئا يختمون كل يوم ختما في أموي دمشق يومية كل واحد منهم (2) وشرط لقناديله في كل سنة قنطارين من الزيت وأن يعين مدرس في الروضة المطهرة يقرأ التفسير والحديث يدفع له في السنة مائة فلوري ومثلها لطلبته ومثلها لمدرس يشتغل بالفروع الحنفية في الحرم النبوي ومثلها لطلبته ومثلها لمدرس يشتغل بالفروع الشافعية ومثلها لطلبته ومثلها لمدرس يشتغل بالقراءات السبع ومثلها لطلبته ويدفع في السنة 12 فلوريا لخطيب الروضة و 20 لفراش الحرم و 12 لكل واحد من ثلاثين قارئا يختمون القرآن كل يوم ختمة شريفة و 5 للداعي بعد ختمهم ولمن يسمع الفاتحة 6 ويعين ثلاثون رجلا صالحا يكررون كلمة التوحيد في اليوم ألف مرة في موضع قريب من قراء الأجزاء لكل واحد منهم في السنة 9 فلوريات ولخادم سجتهم 6 فلوريات إلى غير ذلك من الشروط والخيرات التي اشترطها في المدينة المنورة ومكة المكرمة مما يطول شرحه وفي هذا القدر كفاية وبلاغ: تاريخ هذا الكتاب أوائل جمادى الأولى سنة 982 وقد حرر في دار السعادة وأما الوقف الثاني فهو وقف علاء الدولة بن سليمان بك ابن محمد بك ابن ناصر بن زين الدين بن ذوي القدرية وقد افتتح كتابه بالبسملة بقوله: الحمد لله على ما أنعم متمم الأخلاق والشيم إلخ وقف فيه العمارة مع بيوتها وحجراتها وإصطبلها للواردين المسافرين من الفقراء والعلماء والمشايخ وهي مدينة مرعش يحدها قبلة الجامع الكبير وشرقا الطريق وشمالا وغربا النهر ووقف لها جميع الحوانيت غربي خان الواقف وجميع قرية هبور المعروفة بكنجوز مع مزارعها وجزية رؤوس أهلها وكرومها وجميع أراضي «كبك سازي» وجميع المزارع المدعوة «أكوز ألاكي» التي مبدأها من قرية طوت وآخرها قيصي بادام كدوكي إلى ملتقى ماء «صارى قبا» مع ما وراء كناس. ومنها إلى الطريق العام السهل ومنها إلى بلان ترلا «بيلان ... » ومنها إلى قره جه ويران ومنها إلى طريق عينتاب إلى قرية جليك ومنها إلى قرية موسى ومنها إلى حصار جق ومنها إلى قره طوت المزبور وجميع المزرعة المسماة (جومان الاكى) وعشرة أشرفيات من جزية أهل قرية قلعة الزيتون وجميع أرض الكرم ومائة من غراس الزيتون المسمى بيك باغي في الجانب الشرقي من قلعة الزيتون مع جزية الذمى الساكن في القلعة المذكورة لإصلاح شأن الكروم وجميع نهر الرز المسمى بيكبولي من توابع كوكر جنلبك ونصق قرية بلاس من توابع قيصرية ونصف مزرعتها الجزء: 2 ¦ الصفحة: 423 وهي كوك آين مع حدودها ورسومها وما يتبعها من الحقوق الديوانية وما يحصل من هذه الأوقاف يصرفه الشيخ لعمارته المذكورة المعدة لنزل الصادرين والواردين والمسافرين والعلماء والفقهاء والطلبة المشتغلين الساكنين في العمارة والمدارس المنسوبة للواقف بمدينة مرعش يصرف ذلك بمعرفة المتولي على العمارة فمن بدله بعد ما سمعه فإنما إثمه على الذين يبدلونه إلخ. ووقف على جهة التدريس بجامعه المذكور جميع مزارع هيك تبه مع حقوقها وبعض الأراضي المسماة قازمه بورني قرب قرية أونكود وجميع الطاحون في إيمالو والطاحون في مدينة مرعش المسمى شاكرد أوغلي وجميع قرية قزان تبه مع جزية أهلها ومزارعها ومائة وعشرين أشرفيا من ساقية الرز الجسرية الجيحانية وعمر الجامع العتيق في محلة قونيولي من مرعش وجعله وقفا على جده سليمان بك ابن ناصر الدين محمد ذو القدر وأول ما صلى به بعد إكماله صلاة الجمعة ثم الصلوات الخمس ووقف على إمامه طاحونا في قرية أوزون أولوق وأرضا خالية الإمام والخطيب والمؤذن والقيم والفراش والشعال والحصر والبسط وسائر مصالح الجامع ووقف لذلك أيضا قرية بنارباشي مع لواحقها التي تنتهي إلى مرعش وتسمى (سنيورى طوشان تبه سي) مع كوستان وإلى (جاي قلا) مع قنديل وإلى (آق دره) مع قنديل تبه ومزرعة بيك هبوري ومزرعة أمرد الاقي مع ييرجه كدوكي في يكيجه قلعه وأراضي مزرعة كيراردلي في كفر ونصف بزستان مرعش وتسع عشرة دكانا في سوق مرعش وقرية أركلوجه في أيا قلوجه أولوق من توابع مرعش وقرية موصال ألاكي من أعمال أندرين ومزرعة باشي قوفش وأما للوميدان وقملاق وبيرجلى من توابع يكيجه قلعه ومزرعة علي قياسى من توابع زيتون وبنى الواقف أيضا باتصال الجامع المذكور في شماليه المدرسة البغدادية ووقف عليها جزية يكيجه قلعه وقرية بلانقوز ومزرعة حسن تبه سي قرب أونكود وساقية رز وطاحونين في القرية المذكورة وعشر دكاكين غربي بزستان مرعش وجزية جماعة خلفوا من أحياء مرعش مع عادة أغنامها وسائر الرسوم الواردة لطلبة هذه المدرسة واثنتي عشرة دكانا في سوق كفشكار جيان (الأساكفه) في مدينة مرعش تقسم أجورها في رأس كل شهر بين الطلبة باعتبار أعلى ووسط وأدنى يأخذ الأعلى والوسط منهم ثلث السهم والأدنى نصف السهم وبنى الواقف في مدينة مرعش أيضا مدرسة طاش مع مسجد يصلي فيه طلبة المدرسة وأهل المحلة ووقف لإمام المسجد طاحونا في جانبها الشرقي ووقف للمدرسة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 424 قرية دنك من قرى أهل الذمة مع سائر حقوقها على وجه «السربست» «1» . ووقف لها أيضا طاحونا في القرية المذكورة وعين لها ساقية من نهر آق صو يزرع بزستان مرعش لطلبة هذه المدرسة بحيث يقسم الربع بينهم أثلاثا على اعتبار الأعلى والوسط والأدنى وعمر الواقف مدرسة جده ناصر الدين محمد ذو القادر المسماة مدرسة قاضي في محلة بكتوتي بمرعش ووقف لها قرية كوكرجنلك في ناحية أبلستين التي أحياها الواقف لأنه بنى فيها أربعين دارا للسكنى مع مائة ثور لحراثة أراضي الرز وقد جعلها كلها وقفا على روح جده المذكور ووقف لهذه المدرسة أيضا ساقية جاغرغان وناحية قره حائط ووقف لها أيضا مزرعة عين العروس في أبلستين وجماعة بكتوتلى مع الأكراد الذين هم فيها ومع عادة أغنامها ورسومها ووقف لمدرسة شمسه خاتون في محلة الخاتونية قسط حمام الخاتونية قرب سوق مرعش وثماني دكاكين باتصاله وست دكاكين قرب السوق ونصف طاحون جومان بنارى وأراضي معلومة الحدود قرب بستان الحاج علي وكرما بقلعة فرنوس ونصف قرية الزور مع قرية زيللوخان من توابع كوكرجنلك وكرما في مزرعة خاتونية تابع عين العروس وطاحونا مع بستان وأرض في قربه ووقف لقارىء الجزء لروح شمسه خاتون نصف قرية جولب أكيز تابع تبك ووقف زاوية السيد مظلوم في قبلية الجامع المذكور مع مطبخها وما يتعلق بها ووقف لها مزرعة إيواجق وحيارجق ويدى أولق وبوغون أولق وطيش بوداق وطوموز جاغردان والماجق جميعها في جبل بلكيلك قوشاغي وحد هذا الجبل قبلة الطريق العام المار من أقجه خان إلى جبل أرسلانلو وشمالا كذلك بالطريق العام المار من جبل هوطو إلى خرابة الهارونية وشرقا طوموز جاغردان كدوكي وغربا دلبنديقاسي وما بين هذه الحدود الأربعة من المزارع والجبال كلها وقف على هذه الزاوية ومزرعة صاري مصطكى وبادملوجه خرطلاب من توابع جاموشل وكربان سراي قرب مرعش وأراضي خالية بينها وبين بزستان مرعش وشرط أن يطبخ في الزاوية المذكورة طعام للفقراء واليتامى والمسافرين وقت الضحى وبعد العصر ويكون ذلك بنظارة المتولي ووقف لزاوية بوم دده في مرعش خمس عشرة دكانا بالجانب الشرقي في البزستان في مرعش متصلات بالزاوية المذكورة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 425 ووقف لها أراضي في أطرافها ومزرعة إسكى جنار وطاحونا في ناحية أرطل ووقف لزاوية أمت دده في جاملو سبيل من أعمال مرعش قرية عين البلوط وثلث يشيل ساري من توابع قره حائط ووقف لزاوية عثمان دده في قرية دبك إيركي تلك القرية ونهر دبك إيركي ووقف لزاوية قزل برك نصف تلك القرية وشرط أن تصرف غلتها إلى الواردين على الزاوية ووقف لزاوية الجزلي علال تلك القرية ولزاوية قره دده المعروفة باسم علي بك زاويه سي مزرعة الحث الحصار وأراضي في كوط الحث ولزاوية مهربان وجامعها مزرعة مهربان في ناحية بزارجق ووقف لجامعها خاصة غير ذلك من القرى والأراضي ووقف لزاوية أرلفان حاجي دده في قاية قلان طاحونا راكبا على نهر أغجه صو وبعض الأراضي ولزاوية عيسى بابا في مرعش عدة كروم وبساتين ولزاوية أموزي كجلي في مرعش خانا قرب الزاوية وأراضي ودكاكين الخواجه جكم ولزاوية جومان بابا في مرعش طاحون بارسلانلو دكرماني في قرية مرعش وكرما ملاصقا للزاوية وأراضي بقربها ولزاوية سعد الدين العزيزي قرب مرعش أراضي قرب الزاوية المذكورة وكرما متصلا بها وطاحونا في ناحية كمر وأراضي بقربه وعمر في أبلستين جامعها الكبير وبنى البزازيه والحوانيت وأنشأ الزاوية الباباشيته ونصب لها مدرسا وإماما وشيخا ووقف للمدرس نصف مزرعة أوزون أيوكي من عمل أبلستين وطاحونا وحصة معينة من قرية كرون مع جزية أهلها ورسومها وعين للطلبة أربعة طواحين. ووقف على الإمام والمؤذن حصة معينة من قرية كورون مع جزية أهلها ورسومها ووقف لقارىء الجزء ألف درهم من جزية قرية جوغلوخان ووقف لشيخ الزاوية الهابائية جميع قرية خاتون مع جزيتها وحقوقها الشرعية وطاحونا في مزرعة القرية ونصف قرية كثير مع حقوقها وطاحونين آخرين في الدرب ووقف على الزاوية أيضا جميع الأراضي الكائنة بقربها وجدد الواقف مكان أبيه سليمان بك ابن ناصر الدين في مزار أهل الكهف مع مسجد ومدرسة ووقف لها قرية بنارباشي ونصف قرية أفسوس وغيرها وبنى جامعا حافلا في مدينة عينتاب ووقف له أوقافا وافرة في عينتاب ووقف له أوقافا وافرة في عينتاب وغيرها ووقف على مدرسة الأمير ناصر الدين محمد بن ذي القادر في عينتاب ووقف في مدينة أنطاكية عين ماء ووقف غير ذلك من الجوامع والمساجد والزوايا والمدارس في مرعش وأبلستين وغيرها ووقف لها من الأوقاف ما يطول شرحه وشرط لها كثيرا من الخيرات والمبرات وجعل الجزء: 2 ¦ الصفحة: 426 التولية بعده لأصلح وأرشد أولاده وكان الحاكم بصحة هذه الأوقاف عبد الغني بن يوسف بن بكثوم الحنفي قاضي العسكر القادري. والشهود: على الواقف وحكم القاضي هم عبد الرحيم بن أمت وأمر الله بن بكثوم وإمام الواقف محمد بن إسرافيل وعلى فقيه ابن خليل ولطف الله ابن ديوان وصاري بك ابن كونداز وعلي بك بيشان وغيرهم. تاريخ كتاب الوقف محرم سنة 906 هـ. قلت: الظاهر أن الواقف رحمه الله تعالى شعر بقرب انحلال دولته عن يد المرحوم السلطان سليم خان العثماني فعجل هذه الأوقاف لتكون له ولمن بعده من أعقابه عونا على معاشهم فإن الواقف رحمه الله قتل سنة 922 عن يد الوزير سنان بك العثماني وأخذت دولته بالانحلال من بعده إلى أن تلاشت عن آخرها سنة 928 ودخلت في السلطنة العثمانية وقد أطلعنا على عدة أوقاف شرطها وأقفوها بعد انقراض ذريتهم إلى مكة أو المدينة أو بعض المساجد والجوامع أو الفقراء. فانقرضت الذرية وآلت بمقتضى شرط واقفها ما اشترطها له إلا أن يد المتغلبين وضعت عليها وصارت تتصرف بها طبق إرادتها ووفق مشيئتها فقصدا للتنبيه إلى ذلك أملا أن يسخر الله إناسا لإنقاذ الأوقاف المذكورة من أيدي المتغلبين استخرجنا من سجلات المحكمة الشرعية الجدول الآتي ذكره المشتمل على الإشارة إلى أكثر الأوقاف الموقوفة بعد القرن العاشر والمشهور أن سجلات المحكمة الشرعية المحررة قبل هذا التاريخ مفقودة من المحكمة الشرعية بسبب حريق طرأ على المحكمة في ذلك التاريخ. على أن السجلات التي تجددت بعد الألف يوجد في كثير منها تشويش واضطراب وتقديم في صكوكها وتأخير وربما يوجد فيها كثير من السجلات قد فقد منها عدة وقفيات خانتها أيدي الأمناء الذين يتولون حفظها ومن جملة السجلات المضطربة نحو عشر مجلدات تتضمن صكوكا مختلفات التاريخ بحيث يوجد فيها تباين فاحش يوجب عدم اعتبارها شرعا أما دائرة الأوقاف فيوجد فيها عدة دفاتر قد جمعت فيها الوقفيات من أيدي الناس فهي غير معول عليها شرعا وها نحن الآن شارعون برسم جدول يتضمن. الإشارة إلى كل ما ظفرنا به بعد الاستقصاء في سجلات المحكمة الشرعية المصانة المعمول بها شرعا ثم نتبعه بجدول آخر نشير به إلى الوقفيات التي ظفرنا بها في السجلات المختلفة المتقدم ذكرها ثم نثلث بجدول نشير به إلى ما في دفاتر دائرة الأوقاف من الوقفيات وقد اصطلحنا على أن نبدأ من الوقفية بتاريخها ثم باسم واقفها ثم ببيان نوع الوقف هل هو مسقفات أم أراض الجزء: 2 ¦ الصفحة: 427 مغروسة ثم ببيان مرتبة الوقف أي عظمه معتبرين الأوقاف في ذلك على سبع مراتب مشيرين إلى الأكبر منها برقم (1) وإلى الذي يليه برقم (2) ثم وثم إلى رقم (7) ثم ببيان الموقوف عليه ثم ببيان مآل الوقف وقد اصطلحنا بالإشارة إلى هذه الأمور وغيرها على رموز يأتي بيانها استغناء عن التكرار وجعلنا جدول كل مجلد من السجلات مستقلا وحده راسمين في صدر جدوله بيان تاريخ أول صك منه وتاريخ آخر صك وهذه هي الرموز الموعود بذكرها «1» . ع مسقفات- ر أراض- عر مسقفات وأراض- مح محلة- ج جامع- م مسجد- ز زاوية- تك تكية- س سبيل- ق فقراء- حن حرمين- حم حرم مكة- حد حرم المدينة- مد مدرسة- ذ ذرية- خ خيرات- ط قسطل. جميع الرموز التي بعد رمز المحلة أي من الجيم إلى آخر الرموز حيث ذكرت مجردة عن الفاء كما هي مذكورة هنا فالإشارة بها إلى الموقوف عليه في الدرجة الأولى وحيث اقترنت بالفاء فالإشارة بها إلى الموقوف عليه في الدرجة الثانية بالنسبة إلى ما قبله فإذا قلت مثلا ذ فحم فق حلب فكأني أقول الموقوف عليه ذرية الواقف فإذا انقرضوا عن آخرهم عاد الوقف إلى الحرم المكي فإذا انقطع الطريق والعياذ بالله تعالى عاد الوقف إلى فقراء حلب وقد تصفحت في استقصاء هذه الوقفيات نحو مائة مجلد من سجلات المحكمة الشرعية فليعذرني الواقف منها على سهو أن تقصير فإن العصمة لله وحده وهذا أوان الشروع بالمقصود: من محرم 990 إلى رجب منها «2» (990) الشيخ محمود بن محمد البيلوني ع- 7- ذ فم البيلوني فق. (990) جمال الدين بن محمد الكردي ع- 7- ذ فق حلب. (990) يوسف بن أحمد عر- 5- ذوخ في أموي حلب. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 428 من شوال 995 إلى رجب 999 (996) ناصر الدين بن الشمالى ع- 4- حن فق حلب. (996) فتح الله بن يونس جربوع ع- 7- حن فق حلب. (996) مصطفى بن إيدى ع- 6- م العمري في القلعه فحن فق حلب. (996) إسماعيل آغا بن عبد الله ع- 6- خ في القلعة فحن فق. من شعبان 998 إلى ج 999 (999) سليمان بن يوسف العمري عر- 5- ذفم العمري في القلعة. من صفر 1032 إلى شعبان منها (1032) عبد الرحمن البتروني ع- 7- ذ فحن. من صفر 1033 إلى رجب 1034 (867) علي بن أحمد أقبغا الشيباني عر- 2- ذ فط الواقف في مح الجلوم وغير ذلك فق حلب. ج 1033 إلى شعبان 1039 (1039) نازين بنت عبد الله ع- 7- عتقاؤه فحن (1039) بنت الشيخ علي الخياط ع- 7- ذ فحن. من محرم 1046 إلى ذي 1046 (1046) أحمد الجوبي عر- 3- ذ فعتقاؤه فحن فق (1046) درويش جاويش ر- 7- ز الكلنشيه. من رجب 1035 إلى رمضان 1046 (1047) أبو الجود بن عبد الرحمن البتروني ع- 7- ذ فحن فق حلب الجزء: 2 ¦ الصفحة: 429 (1043) حليه بنت حافظ ع- 7- ج الكبير في قلعة حلب (1045) يعقوب ابن يونس ع- 7- كسابقه. ج 1050 ر 1051 (1050) حليمه بنت عبد القادر ع- 7- م العمري في باب المقام (1050) حسن بن ناصر القواس حن فق حلب. ر 1050 شوال 1052 (1052) قتلى المسيحي ع- 7- ق النصارى. ذى 1054 ص 1055 (1055) ناصر الدين بك ع- 5- خ بداره ومسجد في ساحة بزه وق حن. و1058 ص 1059 (1058) سليمان بن يوسف ع- 3- خ في تك الكلشنيه فحن (1058) علي علوان بن محيى الدين ع- 7- ذ فحد. ذى 1071 محرم 1074 (1071) قدملى بنت أبي طالب وفاطمة ع- 3- ذ فق الكلشنية فق حلب (1072) حسين بن حسين الكواكبي ع- 6- خ في الكلشنية فق (1072) فرح بنت تاج الدين الكوراني ع- 5- ذ فحن. محرم 1067 رجب 1072 (1067) محمد آغا بن محمود دوزدار ع- 7- خ في قلعة حلب. شعبان 1072 رجب 1075 (1074) جاملة بنت شعبان ع- 7- ذ فحن فق حلب (1074) أحمد بن إبراهيم ع- 7- خ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 430 و 1073 محرم 1075 (1073) درويش بن محمد الأصيل ع- 7- ج العمري في سوق الكميني فق فحن (1073) شرف بنت عبد الرحمن ر- 7- ذ وحن فق حلب (1073) شرف بنت عبد الرحمن ر- 7- ز الرام حمداني (1073) الحاجه ليلى بنت علي الأصيل ر- 7- ذ فحن فق حلب (1074) عايشة بنت ياسين ع- 7- دراها. جا 1095 ج 1097 (1075) فاطمة بنت عبد القادر ر- ج- المشاطية. محرم 1098 ر 1099 (1099) نور الدين بن فتح الله ر- 7- س قرب الشيخ نمير. رمضان 1111 شوال 1112 (1110) حسين بن محمد قرمده ر- 7- ذوخ. رمضان 1123 ص 1126 (1124) إسماعيل بن محمد الأقصاصي ع- 6- ذوخ فج خاصبك. (1124) يحيى بن إبراهيم وفائي- 7- ذفم العمري بزقاق الكعكة. (1124) عبد الرحيم بن الحاج خلفه ع- 7- ذ فج عبد الرحيم في محلة الكلاسه فق (1124) درويش بن نعمه عر- 6- ذ فحن. ذا 1129 رمضان 1131 (1131) عفيفه بنت محمد ع- 6- خ فق. (1131) عفيفه بنت محمد ع- 7- خ تكية القرقلار فق الطريق بحلب (1121) عفيفه بنت محمد ع- 7- خ في تكية الكلشنيه فق محلة داخل باب النيرب. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 431 سنة 1130- 1139 (1130) مصطفى ابن البستاني الخربابيدي ر- 7- م بنى البعوه في الجلوم الكبرى (1131) وسيله بنت عبد الله ع- 7- خ في ج الكبير (1131) عثمان ابن عبد الرحمن بن عثمان ع- 5- خ في العثمانية (1131) إبراهيم بن علي ع- 7- س الواقف الملاصق إكريجه محراب في بنقوسا (1131) عثمان وأخوه ابنا محمد درويش ع- 7- ج الكازرانيه في محلة العقبه (1131) حسين بن محمد ع- 7- س الواقف بتربة الناعوره ظاهر حلب فق. ج 1131 ذى 1133 (1131) أمينه بنت إبراهيم ع- 6- ذ فحن (1131) عائشة بنت إبراهيم ع- 7- إمام حجازية أموي حلب (1131) زيدان بن حسن فراع- 7- ذ فج أموي حلب (1131) رجب باشا ابن رجب بن حسن ع- 7- ذ فج المشاطيه (1131) إخلاص بن حسن وزوجته آمنة ع- 7- م تجاه حمام الغزل (1131) شمونه بن سليمان ع- 7- ذ فكنيسة السريان (1131) محمد ابن أبي بكر الوفائي ع- 4 ذ فخ فج أموي حلب (1131) يوسف بن إبراهيم ع- 6- ذ فج الميداني (1131) محمد بن عبد النبي ع- 7 سبيله في بحسيتا قرب جامعها (1131) عبد الحي بن عبد الله ع- 7- خ (1131) الحاجة رابية بنت رجب آغا الكلاري ع- 6- ذ فحن (1132) عبد الوهاب الحريري ع- 7- خ (1132) إسماعيل بن عبد الله الصباغ ع- 5- ط الحجارين (1133) عائشة بنت إبراهيم جاويش ع- 7- خ (1133) آسيا بنت محمد الموصلي ع- 7- ذ وخ على سبيلها فق المحلة (1133) عبيد بن معتوق ر- 6 مصالح م القدومي في محلة عبد الرحيم. را 1135 شوال 1137 (1135) عبد الحي وأبوه عبد الله ع- 7 (1136) قروسين بنت حنا ع- 7- ق كنيسة الروم (1136) شمونه ع كنيسة السريان (1137) فتح الله الجزء: 2 ¦ الصفحة: 432 ع- 7- ق كنيسة الروم (1137) مصطفى بن عبد اللطيف الخواجكي ع- 3- ذ فزا النسيمي. و1135 ذى 1137 (1135) مترح بنت مصطفى عران ع- ذ فخ (1135) فاطمة بنت عبد الكريم حماده ع- 7- خ. (1135) فاطمة بنت عبد الكريم حماده ع- 7- خ فم عبسى فحن. (1137) شريفة بنت أحمد عر- ذ فق حن فأموي حلب. (1137) سعده بنت عبد الرحيم ع- ذ فق حن فزا عبد الرحيم. را 1138 ر 1142 (1138) رومية بنت يوسف بك ع- ذ (1138) عزيزه بنت مصور ع- 7 كنيسة الروم (1138) فاطمة بنت علي ع- 7- ذ فحن. (1138) نعمه ولد أصلان ع كنيسة الروم بحلب (1137) باكيه بنت يوسف ع- 7- ذوخ فس قرب البختي (1138) عطا بن عقيل بن عبد النبي ع- 7- ذ فج شرف (1138) عائشة بنت علي نعمه في ع- 6 قراء في س تربة الكليباتي (1138) قدسية بنت سليمان ع- 7 كنيسة السريان بحلب (1139) صفيه بنت عبد الوهاب ع- 6- خ علي ذ ومرقد زكريا (1139) عبد القادر بن أحمد بك روحي عر- 3 ذ وخ في أموي حلب وحن (1139) محمود بن خليل ع- 7- ذ فم الشيخ جاكير (1139) بوليس ولد حنا ع- 7- كنيسة الموارنه (1140) عجميه وبرباره بنتا عبد الأحد ع- 7 كنيسة السريان بحلب (1140) رضى ابن أبي بكر حجيج ع- 4 ذ وس الواقف في محلة أقيول فحن فق حلب. (1140) أبراهام ولد خليفة اليهودي ع- 7 ذ وكنيسة اليهود بحلب (1140) داود ولد مصر شد ع- 7 ذ وكنيسة السريان (1140) حنه بنت موسى ع- 7 ذ وكنيسة السريان (1141) فاتى بنت مصطفى طه زاده ع- 6 حن فق حلب (1141) عبد الله بن عبد العزيز قصبجي ع- 7 ذ وخ في ط تجاه ج السفاحيه (1141) عبد الوهاب بن مصطفى العمادي عر- 2 ذ وخ فج أموي حلب وم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 433 بلوقيا والقلعه (1141) كريمة بنت مصطفى طه زاع- 4 ذ وخ في مدفن عمر أفندي طه زاده. من جا 1139 إلى جا 1143 (1140) نصر بن نصير بن نصر الصحصاح ع- 6 ذ حلب (1140) عثمان ابن علي وزوجته فاطمه عز الدين ع- 6 م كجك بخشي في تاتار (1139) أحمد بن حسين ابن أبي يزيد ر- 7 ج قاضي عسكر وم محمد أفندي فق المحلة (1142) جمعه ابن جمعه بن بكر ع- 7 خ في ج المشاطيه (1143) أرسان قطان ع- 6 س يوسف العريان في محلة جقور قسطل فحن. من رجب 1141 إلى را 1144 (1142) إبراهيم بن خليل ع- 7 س سوق محلة محمد بك. (1142) فاطمة بنت عبد الكريم ع- 7 ذ فحن فق. (1142) بجان بنت ملكون ع- 7 كنيسة دير مار يعقوب. (1143) فاطمة بنت حامد ع- 7 ج محلة باب الجنان. من محرم 1151 إلى ذي القعدة منها في هذا الجزء وقفيات عثمان باشا وقد أثبتنا خلاصتها في الكلام على مدرسته في محلة باب النصر. من ص 1147 إلى ص 1153 (1147) حسن بن حسين الجزماتي ع- س في المشاطية. (1148) تقلا بنت يوسف ع- 7 كنيسة السريان بحلب. (1148) محمد خليل غنام ع- 7 ذوق فق (1149) صالح الحواري وبنته فاطمه عر- 7 ذوق (1149) الشيخ طه اليوسفي بن مصطفى ع- 6 خ في ج أموي حلب وج أوغليبك وج الصغير في سوق القصيلة وز الهلالية فذ فحن فق (1149) نسليخان بنت أحمد ع- ذ فخ (1105) حسب الله بن محمد ذ فق محلة أو غليبك الجزء: 2 ¦ الصفحة: 434 (1150) بكري بن سليمان المكحول ر- 7 ذ وج قارلق فج المذكور. (1151) أبو بكر بن قاسم ر- 7 تك الشيخ أبي بكر بحلب كتاب هذا الوقف أرجوزه (1152) إبراهيم بن سليمان بن يوسف بك- ر 7 ذ فج بردبك وج الابن (1153) فاطمه بنت أحمد ع- 7 ذ فق حن. من ص 1152 إلى را 1154 (1152) حسن بن ياسين قباني- 5 ذ فحن فق حلب. (1152) صالح بن محمد عفان ع- 7 ذ فمصالح محلة البساتنه. (1153) محمد بن خليل الغنا ع- 7 ذ فخ. من محرم الحرام 1149 إلى ج 1154 (1149) فاطمه بنت مصطفى الزريدي ع- 7 زا الهلاليه وخ. من محرم 1151 إلى ذي القعدة منه في هذا الجزء أيضا وقفيات المرحوم عثمان باشا صاحب المدرسة الرضائية. من شوال 1153 إلى ج 155 (1153) سلحدار يعقوب باشا ع- 6 تك النسيمي فج الكبير. (1154) سلحدار يعقوب باشا ع- س بمحلة باب النيرب. ر 1153 إلى شعبان 1157 (1152) قاسم بن محمد ع- 7 ذ فمدرس خاص بك وغيره فق. (1154) محمد بن نصر ع- 7 ج الفستقيه في محلة السخانه. (1155) محمد بن عبد الكريم منصور ع- 7 م السليمانيه ودولاب الشيخ أبي بكر وإمام تركانجك (1155) يوسف الصانع بن مصطفى ع- 7 س الواقف بسوق البياضه فق (1155) رحمه بنت شرف الدين ع- 7 تك أبي بكر الوفائي فق (1155) زاهده بنت سعد الدين ع- 7 م محلة الدلالين (1155) نعمه وأخواه الجزء: 2 ¦ الصفحة: 435 أبناء يعقوب ع- 7 ق كنيسة السريان (1155) عبد القادر بن رجب الدهان ر- 7 ذ فحن فق (1156) ياسين بن منصور ر- 7 خ في ج قسطل الحرامي (1155) عبد الرحمن بن عبد القادر حطب ع- 7 ج قسطل الحمي (1156) عائشه بنت محمد ع- 7 ذ فج مروان في بنقوسه فحن (1156) فاطمه بنت الدرويش حسن ع- 7 تكية الشيخ أبي بكر فق. (1156) حسين باشا ابن حسن البابي عر 3 ذ وخ في ج الحدادين وج تركمانجق فق (1156) شريف بن عبد الوهاب العمادي ع 7 خ في ج قرية بابلي (1157) عثمان وأحمد بن حيدر ع 7 م وس قره باش في سوق الصغير فحن فق. (1157) عبد القادر بن رجب الدهان عر 7 خ. من ذي سنة 1155 إلى را 1159 (1155) أحمد الصائغ بن البطال ع- 7 ذ فحن (1156) محمد القباني ع- 7 ذ فحن (1158) عثمان وأحمد بن حيدر ع- 7 زا الهلالية فق (1158) عثمان وأحمد بن حيدر ع- 7 ذ فق محلة الجلوم (1158) مهنا بن محمود الجوخى ع- 7 ذ فق حن. من ذا سنة 1153 إلى ج سنة 1158 (1158) صفيه بنت أحمد ع- 7 مصالح محلة الشيخ بلال فق المحلة. من ر سنة 1157 إلى محرم سنة 1158 (1157) ملا محمد بن مصطفى العينتابي ر- 7 ذ فج أموي حلب فق (1157) مصطفى بن محمود العينتابي عر- 5 ذ فحن فق محلة بعينتاب. ج 1158 شوال 1159 (1159) حسن بن رمضان العطار ع- 7 ذ فحن (1159) سليمان بن هاشم عر- 5 خ فج بردبك. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 436 ص 1158 ر 1159 (1158) رجب بن مراد ع- 6 ذ وط ترب الغربا فحن فج أموي حلب ففقرائها (1158) صالحة بنت صالح قضيب البان ع- 7 ذ فحن فق (1159) أحمد ابن الحاج أمير ع- 6 ترب الغربا وذ فس بلابان (1159) حسين باشا البابي عر- 5 ذ فج الحدادين (1159) أحمد ابن الحاج أمير ع- 7 مصالح بئر جب القبه. ذى 1155 جا 1159 (1157) حسب الله بن محمد ع- 6 ذ وخ فق محلة أوغليبك. (1158) عبيد بن محمد ملقي ع- 7 خ في ج الآجه بك فق المحلة (1158) محمد بن أحمد أبو أحمد أبو زيد ع- 5 ذ فق محلة ط الماوردي (1157) ياسين بن منصور عر- ذ فحن (1158) عبد القادر شريف ع- 7 خ في دار الواقف باب النصر. (1157) محمد بن عبد الجليل عر- 6 ذ فج بنقوسه (1158) محمد بن أحمد أبو زيد عر- 5 ذ فق محلة ط الماوردي. شعبان 1157 ر 1160 (1159) أحمد ابن أبي السعود الكواكبي عر- 4 ذ فج أبي يحيى. را 1161 رجب 1162 (1161) محمد بن يحيى جباره ع- 5 خ في ج العمري تجاه باب الجنان فأقرب ج إليه وغيره (1162) سالمه بنت شاهين ع- 7 خ فق المحلة (1162) فخرى وأمهان بنات محمد ع- 7 ذ فج العمري بقلعة حلب (1162) رحمة بنت زبيدى ر- 7 زا الهلالية فق حن. ر 1160 ذى 1162 (1160) عبيد الله بن أحمد ع- 6 ذ فخ في ج أموي حلب. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 437 (1160) كاترين بنت جبرائيل ع- 7 ق الروم بدير الجمره في طرابلس الشام (1161) محمد بن كمال الدين الرام حمداني ع- 5 ذ فحن فق (1162) نعامه بنت عز الدين ع- 7 ج بلابان خارج باب أنطاكية ويعرف بجامع الحدادين (1162) حسن ابن أبي بكر النجار ع- 7 خ فق محلة الشريعتلى. شعبان 1159 رجب 1163 (1159) زليخا بنت أحمد خير الدين عر- 6 خ وج بابلي فحن فق حلب (1161) محمد بن علي ع تك أبي بكر الوفائي (1161) آسية بنت حسين جاويش ع- 7 خ (1161) طيبه بنت رجب ع- 7 م مح الدلالين (1161) عبد اللطيف ابن علي القنواتي ع- 7 ذو مصالح مح النوحيه (1162) فاطمه بنت حسين ع- 7 ذ فمجاوري المدرسة الشعبانية فق حلب (1162) فاطمة بنت الحاج موسى- 7 ذ فق حن فق حلب (1162) علي البصير بن عبد القادر ع- 5 خ في ج الحريري في مح خراب خان (1162) نسلى خان بنت الحاج بكداش مهملات ع- 5 خ وج ق الحرمي فحن (1163) طيبه بنت سلامه ع- 7 م العنابه في مح بن يعقوب فق مح (1163) عازار ولد فضول ع- 7 ذ فكنيسة الروم بحلب. ج 1159 را 1163 (1159) أحمد باشا والي حلب بن جعفر آغا ع- 5 ذ وخ في ج الأصغر (1159) أحمد باشا المذكور ع- 7 ذ فحن (1160) أحمد باشا المذكور عر- 7 ذ فج الأصغر (1160) أحمد باشا المذكور- 5 ذ فحن (902) الزينى سالم ر- 7 ذ فحن. ص 1163 شعبان 1164 (1163) فاطمه بنت رمضان ع- 7 ذ فج أبي يحيى في الجلوم فق (1163) أبو بكر بن محمد السرميني ع- 3 ذ فق مح العقبه (1164) هبة الله بنت يوسف المفتي ع- 7 ذ فق حلب (1164) صالحه بنت حسين أميري ع- 6 خ في س الصالحيه في مح المصابن (1164) محمد بن عمر قشعم ع- 7 ج المشاطيه وسبيله في المحلة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 438 جا 1160 را 1165 (1166) أبو بكر بن أحمد الصباغ ع- 6 خ (1166) حمود بن إبراهيم شبه ر- 7 ج عبد الغني في مح الكلاسه (1161) أمهان بنت حسب الله ع- 5 ذ فق مح أوغليبك (1161) ليلى بنت أحمد الرزاز ع- 7 خ (1162) آمنة بنت يوسف ع- 7 ذ فم الشيخ عبد الله بالهزازه (1163) علي بن ياسين ع- 7 رواق جامع بحسيتا (1163) عبد الرحيم بن محمد ع- 7 خ (1163) حجازي بن صالح الصابوني ع- 6 ذ فج أموي حلب وج الكلاسه وحن (1163) نور الشرف بنت عبد الحميد ع- 7 ذ فق مح العقبه (1163) شرفخان بنت حسن ع- 7 ذ فق مح العقبه. (1163) الشيخ عبد الله بن الدكمه جي ع- 7 فحن فق قلعة حلب (1163) رحمة بنت عبد القادر بك ع- 7 خ (1163) طيبه بنت عبد القادر ع- 5 ذ فحن (1164) آمنة بنت علي ع- 7 ج بن يعقوب بمحلة ميدانجك فق المحلة (1164) كوهر بنت حجازي ع- 7 ذ فم الخواجه سعد الله وقسطله تجاه المسجد (1164) عبد الحي بن محمد ع- 7 ج أموي حلب (1164) طيبه بنت عبد القادر ع- 7 ذ فج بردبك. رجب 1163 ر 1165 (1163) الحاجة ساتجار بنت فتحي ع- 7 خ (1163) رحمة بنت مزرا ع- 7 خ في ج الميداني (1164) آسيا بنت حسين آغا ع- 7 ذ فق (1164) محمد بن خليل جبريني ر- 5 ذ فخ على أقاربه فق (1165) الحاج إخلاص بن محمد ع- 7 ذ فج خاص بك فحن فق (1164) عبد القادر بن محمد ع- 7 خ في مح الجبيله (1165) محمد بن خليل جبريني عر- 4 ذ فخ فق (1165) محمد بن عمر شاهين ع- 7 م بخشى بك وم تاتارلر. ج 1165 ص 1167 (1165) هاشم بن محرم 1165 ع- 7 خ في م درويش باشا في محلة النوحيه (1165) زمزم بنت إبراهيم ع- 7 فج سعد الله وط فحن (1166) حسين بن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 439 شرف الدين ر- 7 زا الشيخ أبي بكر (1166) محمد شيخ أفندي بن خليل ر- 7 ذ فج في م ما جه (1166) ليلى مصطفى ع- 7 ج ألاجه بك في أقيول. ر 1165 ذا 1167 (1165) مصطفى بن شعبان ع- 7 م الشيخ حسن السرميني في محلة العقبه (1165) حسن بن أحمد ورفقاه ر- 7 م دوغان في مح العينين فق (1165) شرمخان بنت عمر ع- 7 خ في س سوق الدهشة (1166) عائشة بنت مصطفى الإدلبي ع- 7 ذ (1166) سيده بنت نصري ع- 7 كنيسة الروم بحلب (1166) عفيفه بنت محرم ع- 7 ذ فزيارة الشيخ شهاب فق محلة الكلاسه (1167) رحمه بنت البشناق ع- 7 ذ فخ في ج السروه فق حن (1167) صفيه بنت رجب الإسكاف ع- 7 تك الأربعين فق. ص 1167 شعبان 1168 (1167) أحمد بن عبد القادر ع- 7 ج الأجه بك فق أقيول (1167) زليخا بنت أحمد ر- 6 ذ فق (1167) خضير بن إبراهيم ع- 5 ذ فج الميداني فالمدينة فق (1167) أسما بنت بكداش ع- 7 م مالك باشا بالفرايين. رجب 1167 ص 1169 (1168) أحمد بن أمين ع- 4 ذ فج الكبير وج البلاد (1168) عبد الوهاب ابن محمد شريف ع- 7 ذ فحن فج الكبير فق (1168) الحاجه وضحه بنت حمزه آغا عر- 3 ذ وخ في حن (1169) علي بن عبد الله معتق إسماعيل أمير ع- 5 في الحجازية. ص 1166 ذا 1170 (1166) رحمة بنت عبد القادر بك ع- 7 مدرس مدرستها في مح مستدام بك فحن فق (1166) أبو بكر بن مصطفى الكلزي ر- 7 ذ فحن فق كلز (1166) الحاجه قمر بنت الحاج عمر ع- 7 خ (1167) نعمة الله عمر للبقى ع- 6 ذ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 440 فعتقائه فق محلة سويقة علي (1167) خديجه بنت أبي بكر المعرى ع- 7 تك النسيمي فق مح جب أسد الله (1167) خضر بن محمد ع- 7 خ (1168) عمر ابن أبي بكر الطباخ ع- 6 س ومكتب داخل باب بنقوسه فق محلة الجبيلة (1168) الحاج ناصر بن عبد الباقي ع- 5 ذ فق مح المصابن. جا 1169 ذى 1170 (1170) إسماعيل بن يوسف الحموي ع- 7 ج بردبك. شوال 1168 ر 1172 (1169) يوسف بن الدرويش أحمد ع- 7 م ألاجه بك فق المحلة. (1169) شرفخان بنت حسن عر- 5 خ وذ فخ في ج المشاطيه (1169) مرتضى بن عبد القادر ع- 7 مصالح محلة الحجاج. (1169) حسين ابن أبي بكر ع- 7 م ألاجه بك في أقيول فق المحلة (1170) علي بن أحمد كاتب الجزيه ع- 6 ذ فخ في ج ألاجه بك وتك الشيخ أبي بكر فق أقيول وط الحرمي (1170) ليلى بنت مصطفى جاويش ع- 7 ذ فج ألاجه بك (1170) ياسين بن جمعه ع- 5 ذ وخ فم الدلالين فق المحلة (1171) أبو بكر ابن عبود البيطار ع- 7 ذ وخ على سبيله في قارلق (1171) عبد الرحمن بن فتحي الزنابيلي ع- 7 ذ فحن فق حلب (1170) موسى بن إبراهيم غنام عر- 6 ذ فحن فق الحسين (1171) عبد الرحمن بن فتح الزنابيلي ع- 7 ذ فحن فق حلب (1171) أحمد بن عبد القادر ع- 7 خ في ج ألاجه بك فحن (1171) محمد بن إبراهيم غنام عر- 4 ذ فم ماجه في مح البلاط ظاهر حلب. رجب 1171 ص 1173 (1171) يحيى بن عبد الحميد ع- 7 ذ فحن فق حلب (1172) فاطمه وآمنة بنات رجب ع- 6 ذ فج ط الحرمي (1172) إبراهيم ابن علي الدر كزنلي ع وكتب 7 ذ وخ في ج الكبير. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 441 محرم 1172 شوال 1173 (1172) زليخا بنت عبد الله ع- 7 حن فق مح تاتارلر (1172) مصطفى بن محمد ع- 7 م الأصفر داخل سوق باب الجنان فزا أبي السماع في محلة جب أسد الله (1172) عبد الرحيم بن محمد شيخ الشيوخ ع- 7 ذ فمسجد الأشرفية فق أشراف حلب (1172) علي وعبد الله ابنا قاسم غريب ع- 7 ج التوبة فس تجاهه فق محلة كتان. ج 1172 ص 1174 (1172) ليلى بنت مصطفى جاويش ع- 7 خ (1172) أحمد ابن عبد القادر الزيتوني ع- 6 د فج ألاجه بك فق المحلة (1173) صالحه بنت عمر أفندي طه زاده ع- 7 خ في مدفن عمر أفندي (1173) عبد الحي بن عبد الله عزو ع- 7 ج بردبك فق الشريعتلي (1173) أحمد بن عبد الرحمن زقزوق ع- 7 تك أبي بكر. ذا 1173 ذى 1175 (1173) عبد القادر بن محمد مهملات ع- 6 م خير الله في مح الأكراد (1174) عبد الله بن محمد هيكل ورفقاه ع- 7 مصالح مح الدباغة العتيقة (1174) يحيى بن بكري ع- 7 مصالح ط تدريبة العطار (1174) أحمد بن علي القاضي ر- 7 ذ فحن (1174) بكري الحلواني بن علي ع- 6 ذ فج خاص بك فحن فق حلب (1175) رابية بنت محمد صادق ع- 7 ذ فمؤذني ج الكبير. ص 1174 ص 1176 (1174) الحاج عبد الملك بن حجازي عر- 5 ذ فحن وتك أبي بكر وق مح مستدام بك: وللمذكور وقف آخر في التاريخ المذكور ذ فج بانقوسا وق مح الجبيله وله وقف آخر في هذا التاريخ 6 ذ فحن وق مح الجبيلة. (1175) عبد الله بن أحمد ع- 7 م الشيخه صبحه دم بغجلك في مح تاتارلر فق المحله (1175) حسن بن عبد الله البخشي ع- ذ فق مح باب قنسرين (1176) خديجه بنت أحمد ع- 7 خ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 442 ج 1174 ذى 1177 (1174) حنا ولد تادرس الطبيب ع 7 ذ فق كنيسية الروم بحلب (1174) ناصر ابن يوسف عيسى ع- 7 طعامية فقراء تك بابا بيرم فق هذه الطائفة (1174) حسن ابن عبد الله ع 5 ذ فم تركمانجك بالماوردي فحن فق المح (1175) فاطمه بنت أحمد ع- 7 ذ فحن فق. (1175) أمين وزوجته صالحه ع 7 ذ فخ في ج ط الحرامي فق المحله. (1177) خديجه بنت إبراهيم عروق ع 7 ذ فزا العقيلية فق حلب. شعبان 1176 ذى 1177 (1177) صالحه بنت زين الدين ع 7 م بني الربيعه وط باتصاله فم سويقة الحجارين فحن فق حلب. رجب 1176 ربيع الأول 1179 (1177) محمد صالح بن عبد المنان الأسلمى ع 7 ج الرومي فق مح ساحة بزا (1177) عائشة بنت محمد ع 7 ج القصب في سوق الضرب فق مح البلاط (1177) مصطفى بن عبد الفتاح الحمصي ع 7 هو في حمص ذ فحن (1177) خديجه بنت يوسف المغربي ع 7 ق مح سويقة حاتم (1177) رقية بنت حسب الله ع 7 خ في ج الكبير (1178) رقية المذكوره ع 7 ذ فتك القرقلار (1178) عطاء الله بن محمد الخياط ع 7 ثمن عود يوقد أمام مرقد زكريا بحلب (1178) محمد حسن بن عبد الله البخشي ع 7 ذ فق مح باب قنسرين (1178) زمزم بنت جودى العطار ع 7 ط البندره وط داخل باب النصر (1178) عبد الله وحسن بن أسعد الموقع ع 7 ذ فق مح الطبله (1178) المذكورين ع- 7 ذ فق مح داخل باب النصر (1178) محمد بن حسين باشا الأرنوط- ر في سلقين 7 ذ فج سلقين (1178) ياسين بن سعيد بكداش العطار ع 7 ج المناركه في مح القصيلة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 443 ر 1178 ذا 1179 (1178) أحمد بن طه أفندي ع- 6 ذ فق مح أوغليبك (1179) فاطمة بنت محمد الزنابيلي ع- ذ فحن فق (1179) عبد الحي بن عبد الله عزو ع- ذ فحن فق (1179) يحيى بن الشيخ باكير ع- 7 م الشيخ خير الله فحن فق. ذي 1178 ذي 1180 (1180) إسماعيل بن عبد الله عفش ع- 3 ذ فج سليمان في مح دكاكين حجاج وج البكره جي فق المح. ذي 1180 را 1182 (1180) زمزم بنت أحمد الغطاس ر- ذ فتك الشيخ أبي بكر فق مح الشيخ إعرابي (1180) عبد اللطيف بن محمد البسنه لى ر- ذ فكسابقه (1171) عبيد وعلي ابنا قاسم عريب ع- زا الشيخ جاكير فذ الشيخ أحمد جاكير الكتان (1181) مريم بنت عبد الله ع- 8 ج بردبك فق مح المرعشلي (1181) حسين بن علي ع 7 زا الشيخ جاكير فذريته فق مح محمد بك (1181) فاطمة بنت علي بركات ع- 7 كسابقه (1180) حسين بن علي كسابقه (1182) جمعه بن محمد كسابقه (1182) حنا الطبيب ولد تادوس ع 7 فق كنيسة الروم. را 1180 را 1182 (1183) حسن بن عبد الرحمن بنى ع 3 ذ وخ في ج النوري فعتقاؤه (1183) محمد حموي ذ فج الحموي المعروف بالنوري. شوال 1179 شعبان 1184 (1180) عابده بنت محمد العداس ع- 7 خ (1180) نعمة الله بن عمر لبق ع 5 ذ فعتقاؤه فق مح سويقة على وج الحيات (1180) إبراهيم بن عبد الله شحود ع 7 تك المولوية فخ (1180) عائشة بنت إسماعيل زماج ع 7 ج الشيخ يعقوب خارج باب النيرب (1181) يونس بن إبراهيم الحافظ ع 6 ذ فمجاوري الشعبانية (1182) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 444 عبد القادر الحلاق ع 6 ذ فج الميداني (1182) عائشة بنت حسن النقطه جي ع 7 ذ فحن فق مح الفرافره (1183) عائشة بنت حسن النقطه جي كسابقه (1183) ياسين بن ناصيف ع 7 س مح أوغليبك فق المح (1184) يحيى بن عمر الشلهومي ع 5 خ في ج الحاج موسى. را 1182 محرم 1185 (1182) عائشة بنت حسن النقطه جي ع 7 خ فحن فق حلب. (1182) بكري بن رستم ع 7 م مح الشيخ عربي فق حلب. (1183) أحمد آغا بن محمد آغا ع 7 ذ فم العمري في مح الجبيلة. (1183) أمهان بنت إسماعيل ع- 7 خ. رمضان 1172 ر 1187 (1044) الحاجه قمر ع 7 ذ فخ في ج مستدام بك (1183) فاطمة بنت محمد رمضان ع 7 ذ وخ فج مح الكلاسه. ج 1185 محرم 1187 (1186) عزت قاضين بنت شاهين ع 5 حافظ مكتبة الرضائية (1184) يحيى ابن عمر الشلهومي ع 5 ذ فخ في ج الحاج موسى (1186) مصطفى بن عبد الرحمن ترلماز ع 5 خ في ج الحاج موسى (1186) عمر بن محمد جباره ع 5 خ في ج البكره جي. رجب 1185 ص 1187 (1187) فاطمه بنت عبد الله عسكر ع 7 ح في س المغربلية فأهل المح (1186) أبو بكر بن عبد القادر النجار ر- 7 ذ فج بردبك فق مح قسطل الحرمي (1186) مكيه بنت حجازي ر- خ (1186) فاطمة بنت دالي أحمد ع 7 ج خاص بك فق المح (1187) عفيفه بنت أحمد ع 7 خ على س برأس زقاق محلة ابن يعقوب. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 445 محرم 1185 جا 1190 (1185) رابيه بنت مصطفى البابي عزا الهلالية فق مح الجلوم. (1185) عبد الرزاق بن أشرف ع 7 ذ فج الطواشي فق مح باب النيرب (1187) بريخان بنت محمد شماع ع 7 ذ وخ (1187) بريخان بنت محفوظ ع 7 ق قمامة القدس (1187) عبد القادر بن عبد الكريم ع 6 خ في زا العقيلية فج الزكي (1187) صالح ابن قبلان حمدون ع 7 ذ فق مج باب قنسرين (1187) عائشة بنت محمد ع 7 ذ فزا العقيلية فق الزقاق الشمالي. (1187) صفيه بنت محمد الأنطاكي ع 5 مجرى طريق ماء ج الزخرية في أنطاكية بمحلة حلاب النحله (1187) عبد الرحمن بن صالح الحداد الأبرادي ع 6 س م القصب في سوق الضرب من إنشاء الواقف فق مح البياضه (1187) عبد الوهاب بن عبد القادر ع 6 خ في تك الأربعين. (1187) صفيه بنت محمد الأنطاكي عر- 3 ذ فج الزخرية وخ فيه في أنطاكية (1188) محمد حسن بن عبد الله البخشي ع- 7 خ. (1188) عبد القادر بن محمد جباره ر- 7 ذ فحن (1188) عرابي بن إبراهيم ر- ذ فحن (1188) عبد القادر بن مصطفى الأصيل ع- 7 ذ فج مح سويقه على فق المح (1188) زينب بنت محمد النحوي ع 7 ثلاثة قساطل بمحلة الفرافره وعجائز خانقاه وخ (1189) عائشة بنت عبد القادر الخال ع 5 خ (1189) صفيه بنت حسب الله ع 5 خ (1189) فأتى بنت أحمد الدهان ع 7 ذ فزا العقيلية فق مح سويقة الحجارين (1189) عبد الرحمن بن مصطفى ع ذ فالشعبانيه والمهمندار والعقيلية (1189) مصطفى بن محمد جاويش عر- 7 ذ فحن فق حلب (1190) أحمد بن قاسم ع 5 ج الزينبية وج السيدة وج الحيات. محرم 1188 جا 1190 (1189) صالحه بنت علي ع 7 خ في ج المشاطيه (1187) طيبه بنت على ع 7 ذ فق مح حمزه بك (1187) كلثوم بنت مصطفى ع 7 ج المشاطيه. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 446 رجب 1190 جا 1192 (1191) أحمد بن عبد القادر الزيتوني ع 7 ذ فحن فق مح أقيول (1191) المذكور كسابقه (1192) مصطفى الحلاق بن محمد عوده ع 7 ذ فزا العقيلية فحن فق زقاق الأربعين. ج 1189 را 1192 (1189) عبد القادر بن عبد الوهاب ع 7 ج بني المحب في زقاقه. (1189) خليل الإعزازي ع- 7 خ وفق حلب (1190) أبو بكر بن أويس ع 5 ثلاثون قارئا بمقام الأربعين بمحلة العقبه (1191) خديجه بنت عبد الكريم ع- 7 ذ وخ فحن. جا 1190 شعبان 1193 (1191) حجازي بن نعمة الله الأبري ع 7 خ في دار الواقف داخل باب النصر (1191) عبد الرحمن بن إسماعيل السخني ع 7 س السخانه فق المح (1191) أحمد خنكرلي ع 5 خ في ج الزينبية (1191) عبد الله بن نعمة الأبري ع 6 خ في ج أموي حلب (1191) أحمد بن محمد الحلوي ع 7 ذ فج القرناصية فق محلة داخل باب النصر (1191) عبد القادر بن عبد الوهاب شريف ع 6 ذ فق محلة الفرافره (1191) شرف ابن إبراهيم ع 7 ذ فج الكبير (1191) عمر بن مصطفى الأبري ع 7 شيخ مشايخ العقيلية (1191) نعمة بن مصطفى الأبري ع 6 خ في دار حجازي أفندي وخ في ز العقيلية (1192) فاطمة بنت شاهين حلاق ع 7 خ وذ (1193) مروه خان بنت محمد أمير ع 7 ذ فخطيب ج السباغين في مح سويقة علي (1193) علي بن إبراهيم المشهدي ع 5 ذ فم خير الله في مح الأكراد فق المحلة. را 1192 را 1194 (1192) كاتري بنت حنا ع 7 دير يعقوب بالقدس (1193) طيبه بنت عثمان ع 5 ذ وخ في الحن (1192) محمد هلال ابن أبي بكر ع 7 ذ فزا الهلالية فحن فق الجزء: 2 ¦ الصفحة: 447 الجلوم (1193) يوسف ولد فرنسيس ع 7 ق كنيسة الموارنة بحلب. جا 1192 شوال 1194 (1192) رحمة بنت إبراهيم ر- 7 ذ فحن فق مج قاضي عسكر (1192) عبد الله شهبندر ع 7 ذ فج ألاجه بك في أقيول (1193) سعدية بنت أحمد ر- 6 ج المشاطية (1194) عبد الله بن محمد جمعه ع 7 ذ فق حن فق مح خرابخان. ر 1195 جا 1197 (1195) رقيه بنت أحمد ع 7 ذ فج الكبير فحن فق. ر 1195 محرم 1196 (1195) علي بن محمد البصراوي ع 7 ذ فق مج بن يعقوب. ر 1195 شوال 1196 (1195) فاطمه بنت محمد ع 7 تك الأربعين فق حلب (1196) أحمد بن سليمان الإعزازي ع 7 ذ فق الخانقاه بمح الفرافره. جا 1196 ص 1197 (1196) آمنة بنت محمد ع 7 ذ فحن فق مح الكلاسه. ذى 1196 جا 1198 (1197) حسين بن محمد البازرباشي ع 6 ذ فحن فق (1197) مصطفى الترجمان ع 6 في زا العقيلية (1198) يوسف بن مصطفى عربي كاتبي ع 6 زا الهلالية وتك النسيمي وتك اليماني فق (1198) أحمد بن قاسم ع 6 ثم يلحق بوقفه الأول (1198) عطاء الله بن محمد الخياط ع 7 خ وط بمح سويقة على فق المح. ذى 1193 ص 1198 (1193) مريم بنت عبد الله الوراق ع 7 ط في أسفل أوطه أبري زاده في الفرافره الجزء: 2 ¦ الصفحة: 448 فم متصل بداره (1194) عفيفه بنت أسعد ع 7 ذ فج الكبير فزا العقيلية فق حلب (1194) علي بن داود الحافظ ع 7 ذ فق مح الجلوم (1194) عبد الله بن محمد ع 7 ذ فمصالح م البندره فق. (1195) إبراهيم بن عبد الوهاب الأبري ع 7 ذ فق مح الفرافره. (1195) زينب بنت إبراهيم آغا رامي عر- 5 ذ وخ في الزينبيه فوقف زوجها محمد آغا خنكرلى (1196) عبد الرحمن بن عبد القادر ع 8 خ في ج أوغليبك (1196) فرج ولد إلياس ع 7 ق كنيسة الموارنة فق الطائفة (1197) عطاء الله بن محمد الخياط ع 3 ذ وخ على ق المدينة وط قرب حمام البيلوني من إنشاء الواقف فمصالح مساجد حلب التي لا وقف لها (1197) المذكور ع 7 ذ فملحق بوقفه الثاني. (1197) جعفر بن محمد البازرباشي ع 6 ذ فق حن فق المح. (1197) عبد الكريم بن محمد الحريري ع 7 خ في زا العقيلية. ذى 1197 محرم 1199 (1197) حسين بن محمد البازرباشي ع 6 ذ فق مح الألمه جي. (1198) علي بن علي الأنجق ذ فق مح البساتنه (1199) محمد بن عبد الرزاق الشعباني ع 2 ذ وخ في سجن باب قنسرين وخانقاه الفرافره وغيرها (1109) خديجه بنت يوسف العثماني ع 5 خ في ج الحاج موسى وغيره (1199) مصطفى بن أحمد الجابري عر- 3 ذ فزا القادرية فق حن فق المحلات الأربع خارج باب الجنان. شوال 1199 را 1200 (1200) أمة الله بنت مصطفى أمها أخت عثمان باشا ع 5 ذ فج العثمانية بشروط واقفه (1200) الحاجه صالحه بنت محمد الطيبي ع 5 ذ فج الحاج موسى (1199) عبد القادر بن خليل قطرميز ع 7 ذ فزا العقيلية فق المسلمين. ر 1200 را 1201 (1200) رقيه بنت علي بن محمد ع 7 خ (1200) محمد ويوسف ابنا محمد ع 7 إمام ج الكلاسه (1200) خديجه بنت عبد الرحمن زوجة إسماعيل باشا- ر 5 الجزء: 2 ¦ الصفحة: 449 ذ فخ فق (1201) عبد الرحمن بن عبد الكريم كوجك ع 5 ذ فج قرطه فق مج محمد بك (1201) محمد نوري بن فيض الله قاضي حلب ع 7 س في سوييقة على بحلب (1201) حامده قادين بنت مصطفى آغا كوجك- ع 5 ذ فق مح ساحة بزه (1201) نفيسه بنت عبد الله ع 7 ذ فمجرى ماء ج شرف فق الشابوره في الهزازه (1201) المذكوره كسابقه (1201) عبد الله بن عبد القادر الجابري ذ فجهات مذكورة في وقف أبيهما (1201) مصطفى بن خضر بن محمد ع 7 ذ فق الطريقة العقيلية (1201) آمنة بنت الحاج موسى ع 7 في ج والدها وغيره. را 1201 را 1202 (1201) فاطمه بنت إبراهيم الغوري ع 7 ذ وخ فملحق بوقف الغوري (1201) أحمد بن قاسم الخطيب ع 7 ذ فملحق بوقفه المؤرخ في 1183 (1201) زمزم بنت إبراهيم الغوري ع 7 ذ فحن فق حلب. (1202) أحمد بن سليمان ع 7 خانقاه الناصري في محلة الفرافره فق المح (1202) ياسين بن عبد الله التوتنجي ع 7 ذ فتك النسيمي فق الفرافره. را 1201 ر 1203 (1201) آمنة بنت الحاج عبد القادر قابل ع 6 خ في خانقاه الفرافره وغيرها (1201) عائشة بنت أبي بكر غنام ع 7 فج الفستقية في مح العقبة فق المح (1201) عبد القادر بن حسن الحموي ع 6 ذ فج النوري في مح البياضة فق المح (1201) أحمد ابن أبي بكر الجوربجي وأخوه وأخته محمد وعفيفه- ع 6 قراء (1202) فاطمه بنت ناصر العثماني المذكورة- ع 7 فحن فق حلب (1202) المذكورة ع 7 ذ وخ في ج الكبير وغيره (1202) نفيسة بنت عبد الله ع 7 فج ذ شرف (1203) عمر السراج بن سليمان الكلسي ع 7 ذ فج شرف فق المح. ص 1202 محرم 1204 (1202) محمد بن أحمد عربي كاتبي ع 6 فج الكبير فق مح سويقة حاتم (1202) خليل ابن أبي بكر العزازي ع 7 إمام ج الحرامي ومؤذنه وخادمه ومتوليه (1203) علي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 450 ابن مراد بن علي الأشقر ع 7 خ وج قارلق (1203) مصطفى بن يوسف سعاد ع 7 خ في ج الكبير بقلعة حلب. ربيع الثاني 1204 ربيع الأول 1205 (1204) آمنة بنت عبد الجواد الكيالي ع 7 خ وذ فوقف الحارة. (1205) فاطمه بنت مصطفى عطاء الله ع 7 م الشيخ صالح الكيلاني خارج باب النصر (1205) أحمد بن أحمد السردار ع 7 تك الشيخ أحمد البراقي فق مح الشيخ براق (1205) خديجه بنت عبد الله ع 7 ذ فم الكختلي في باب قنسرين فق المح (1205) المذكور ذ فج الكبير فق مح سويقة حاتم. ر 1203 را 1206 (1203) صالح بن حسين ع 7 طريق ماء ط رجب باشا في مح القصيلة فم البشرى في المح فق (1204) الشيخ علي وإسحاق ابنا عبد الجواد الكيالي ع 5 زاويتهم (1204) محمد بن مصطفى بك كنج علي باشا- ع 7 م الأعجام وم القصيلة وتربي الواقف خارج باب المقام بحلب. ربيع الثاني 1205 ربيع الثاني 1206 (1206) محمد بن عمر الرفاعي ع 7 ذ فم الأكراد (1206) فاطمه بنت حجازي غنام ع 6 خ في مقام الأربعين في ذيل العقبه. شوال 1203 ر 1206 (1204) أحمد بن عثمان ع 7 ذ فتك النسيمي فج الزينبية فق مح الفرافره (1203) منصور بن مصطفى القادري ع 5 خ هي المنصورية (1203) أحمد بن عمر ع 5 ذ فزا الصالحية فق المح (1203) عفيفه بنت أحمد آغا ع 7 خ فق حلب (1203) آمنة بنت عبد الله ع 7 ذ فق حلب (1203) صفيه بنت عبد القادر ع 5 خ حن وحلب (1206) لوسيه بنت خجادور ع 7 كنيسة برباره بجبل كسروان فق الدير فق أرمن حلب (1200) علي بن مصطفى بن عبد الله ع 7 ذ فق حلب- (1200) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 451 جرجس ولد إلياس ع 7 كنيسة الموارنة بحلب فق الطائفة- (1200) فرج الله ولد إلياس ع 7 كنيسة الموارنة فق الطائفة. محرم 1204 رجب 1207 (1204) يوسف بن مصطفى عربي كاتبي ع 7 خ في زا الهلالية. (1204) المذكور ع 7 في س ملاصق ج التوبة (1204) المذكور خ في ج الكبير وغيره (1204) عبد القادر أبلق بن حسن إقبال ع 6 ج الشيخ داود بمح المعادي (1204) خديجه بنت علي ع 7 خ (1204) سلمه بنت محمد الموصلي ع- 5 ذ فحن فق المح (1204) حسن الصباغ بن محمد المغايري ع 7 ذ فحن (1204) خديجه بنت محمد الصوفي ع 7 خ (1204) عبد القادر بن عبد الوهاب شريف ع 7 ذ وخ (1207) عثمان باشا ابن أبي بكر آغا ر- 7 مزار أخته في ج أرمناز وج المذكور (1207) أسما بنت حسن الزيات ع 7 م الفرا بمج الألمه جي (1207) أحمد آغا درويش ر 5 ج السلطان سليمان في قصبة بيلان (1207) عايشه بنت حسن بن رمضان ع 7 ذ فالخانقاه الناصرية فق مح سويقة علي. ر 1207 را 1208 (1207) حسن بن عبد الرحيم خطيب وإمام جامع شرف- ع 7 ذ وخ في زا العقيلية (1207) صالح بن أحمد النقانقي ع 7 إمام ج العثمانية فذريته فم خير الله فق (1207) المذكور ذ فم السلمانية في السوق الصغير فق مح البساتنه (1208) آمنة بنت عبد القادر النشار ع 5 زا الحلوية في المصابن فق. را 1208 شوال منها (1208) أحمد بن رجب المعراوي ع 7 خليفة القادرية فزا الصالحية. (1208) خديجه بنت يوسف العثماني ع 5 خ وحن وط بمح جب أسد الله وخانقاه الجلوم والحبس فيلحق بوقف الحاج موسى. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 452 شوال 1208 شعبان 1209 (1209) كريمه بنت إبراهيم ع 7 خ في م الفرا فق المح (1209) شريفه بنت عبد الرحيم الحبال ع 7 ذ فق (1209) المذكوره كسابقه. (1209) عمر بن عبد القادر قديد أله جاتي- ع 7 ذ فزا العقيلية. شعبان 1209 را 1210 (1209) عمر بن عبد القادر أله جاتي ع 7 فزا العقيلية فق (1209) إسماعيل ابن محمد مواهب ع 7 خلفاء المواهبيه فملحق بوقف حوا بنت عمر- (1210) مريم بنت حنا بنا ع 7 دير مار حنا بجبل كسروان فق طائفة الروم (1210) عطاء الله بن محمد عطاء الله عر- ذ فم مح جب أسد الله وباب قنسرين فق (1210) زمزم بنت يحيى بك ع 6 م خير الله بمح الأكراد. صفر 1206 محرم 1210 (1206) خديجة بنت عقيل ع 7 خ في زا الأنجق بمح ألمه جي. (1206) محمد علي وأحمد ابنا هاشم الأغيورلي الألاجاتي ع 7 خ. (1207) عفيفه بنت حجازي غنام ع 7 ذ وخ فقناة حلب فحن فق. (1208) مريم بنت ناصر الدين ع 7 ج عبد الرحيم في الكلاسه فحن فق (1208) عبد القادر بن ملا مصطفى ع 5 خ في الحجازية بج الكبير. ر 1210 را 1211 (1210) عايشه بنت الحاج ياسين ع 7 ذ فق المح (1211) عبد الرحمن بن محمد الموقت ع 7 خ في ج أوغليبك فأقرب ج إليه. رجب 1207 صفر 1211 (1207) إبراهيم بن وليد قاسم ع 7 ذ فإمام ج عبد الرحيم بالكلاسه. (1208) زمزم بنت الشيخ محمد أفندي عر- 6 ذ فالثلث لم إعرابي والثلثان لج الحدادين فحن (1207) يوسف آغا بن محمد عرب كاتبي- ع 5 زا العقيلية وخ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 453 في ج الكبير وغيره (1208) المذكور زا الهلالية فق المحلة (1209) عبد الرحيم بن عبد الوهاب الحمصي ع 4 مقام عبد الرحمن بن عون فق حن (1207) عفيفه بنت يوسف السرميني ع 7 ذ فق البيمارستان النوري في الجلوم الكبرى فق المج. (1207) شرف بنت مصطفى الطيبي ع 7 م سعد الله في مح الشريعتلي. ر 1211 شعبان 1212 (1212) إبراهيم وعبد القادر ابنا حسن الشامي- ع 7 خ (1211) شريف ابن حسن البابي ع 7 م بنى البابي في مح الماوردي (1212) خديجه بنت عمر النقانقي ع 7 ملحق بوقفها تاريخ 1211 (1212) حنيفة بنت عبد الله معتقة محمد آغا حنكاري ع 7 ذ ثم يلحق بوقف زينب تاريخ 1195. صفر 1211 جا 1213 (1211) عبد القادر بن عبد الوهاب شريف ع 7 ذ فم ملاصق دار العمادي في الفرافره فق المح (1211) رقية بنت أمين القنواتي ع 7 ذ فج الميداني فق مح الألماجي (1212) علي بن ياسين صرماياتي ع 7 خ في دكان الواقف في الجراكسيه وس في الدكان فج شمعون فحن فق الدباغة العتيقة (1212) علي بن إبراهيم المشهدي ع 7 ذ فزا الشيخ سعد في مح الشريعتلي فق المح (1212) عطاء الله بن الدرويش عر 3 ذ فتك الشيخ أبي بكر فق باب قنسرين (1212) محمد بن عبد القادر قيسون ع 7 ذ فزا عمر آغا في شابورة الأكراد فحن فق مح الشريعتلي. (1212) آمنة بنت صالح الجوبي ع 7 الهلالية فحن فق مح الجلوم (1212) فاطمه بنت محمد المداري ع 5 ذ وخ في س بحسيتا. (1212) عايشه بنت عمر البنى ع 7 د فط السردار في مح جب أسد الله قرب خان الحرير بحلب فق المح. محرم 1210 محرم 1213 (1212) أحمد بن إبراهيم خطاب ع 7 جب في مح تلعران فم ونس في هذه المح. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 454 ج 1213 ذي الحجة 1214 (1213) خديجه بنت محمد علوش ع 7 ذ فزا الهلالية فحن فق مح باب النيرب. ربيع الثاني 1214 شوال 1215 (1214) طيبه بنت ياسين الصابوني ع 7 زا الأنجق فق مح الأبراج. (1215) رحمه بنت حسين رمضان ع 7 فق خانقاه الناصري فج سيجر. شوال 1212 ر 1214 (1212) جبرائيل ولد إلياس كنيدر ع 7 ق كنيسة الموارنة بحلب فق الطائفة (1214) آمنة وفاطمه بنات صالح نعمه ع 7 تك أبي ذر في الجبيله فق المح. جا 1210 1215 (1210) عطاء الله الجابي ابن محمد ع 7 ج العمري في القصيلة. (1210) محمد بن بكري الشيخه وعايشه ع 7 جب ساحة حمد فق. (1214) آمنة بنت الحاج أرسلان ع 7 م ط المشط. شعبان 1213 ج 1216 (1214) زينب بنت سعيد ع 7 خ (1215) عثمان بن مصطفى صيرفي ع 7 ذ فج أغاجه بك فق المح (1216) زمزم بنت ياسين ع 7 ذ فج الطون بغا (1216) مصطفى بن محمد ع 7 ذ فحن فق جب أسد الله (1216) موسى بن عبد القادر كنعان ع 7 خ. ر 1217 رمضان منها (1217) عمر الخفاف بن عبد الله ع 7 ذ فمد الأحمدية فق الجلوم. (1217) شرف بنت علي بن منصور ع 5 ذ فمد الأشرفية. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 455 شوال 1217 را 1218 (1217) عبد الرزاق بن عبد الله جعاره ر 7 ج بنقوسا وج حمام الغزل فق المح- (1218) إبراهيم بن محمد الخانجي ع 5 ذ وخ فق حد فق مج سويقة حاتم (1218) زينب بنت محمد الزنابيلي ع 7 وقف زوجها إبراهيم الخانجي (1218) أحمد ابن محمد الخانجي ع 7 ذ فق حد فق مح سويقة حاتم. ربيع الثاني 1218 محرم 1219 (1218) نفيسه بنت محمد بن مصطفى البنى ع 5 ذ وخ في الحجازية فحن فق (1218) عاشور بن عابدين ع 7 ج السخانه فق المح. (1218) المذكور ع 7 ذ فج التوبة خارج باب النيرب (1218) محمد بن أحمد ابن جعفر ع 7 خ وس مح صاجليخان فق (1218) عايشه بنت أبي بكر غنام ع 7 ذ فحن فق مح جب أسد الله (1218) محمد بن محمد الخيمي ع 7 ذ فس في زقاق المزوق فج ساحة الملح فق. (1218) عاقلة بنت أحمد أفندي كواكبي ع 7 ذ فج أبي يحيى في الجلوم فق المح- (1218) برباره بنت بطرس فانوس ع 7 دير الأرمن الكاثوليك في جبل كسروان فق الطائفة- (1218) تريزيه بنت جرجس ع 7 دير الزمار في جبل كسروان فق الطائفة. ربيع الثاني 1218 جمادى الأولى 1219 (1219) أمة الله بنت أمين ع 7 م في الجلوم فق المح (1225) مكيه بنت محمد آغا والي ع 7 م حيدر في مح الأبراج. ربيع الثاني 1219 شوال منها (1219) حسن دهده شيخ تكية بابا بيرم ع 5 تكية بابا بيرم وله وقف آخر. ربيع الأول 1215 صفر 1219 (1215) أنطون ولد جرجس قنديل ع 7 كنيسة زمار في جبل كسروان فق أرمن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 456 حلب (1215) حسن بن محفوظ ع 7 س ط البقره وم الغندوره في قلعة الشريف (1215) عايشه بنت أحمد ع 7 س قرية بابلي وجامعها فق القرية (1216) أبو بكر ابن عبد الله ميري ع 7 خ في أوطة الواقف بمح باب قنسرين (1219) فاطمه بنت إسماعيل أسود ع 7 ذ وخ (1219) فاطمه بنت مصطفى بطحيش ع 7 حن فق المح. ربيع الثاني 1219 ذي الحجة 1220 (1220) صفيه بنت يوسف الصابوني ذ تك المنصوريه في الفرافره. (1220) فاطمه بنت عطاء الله الجابي ع 6 تك بابا بيرم (1220) سالمه بنت مصطفى الزبيدي ر 7 زا الهلالية (1220) محمد بن عبد العزيز عزو ع 7 ذ وخ فق المسلمين. ذي القعده 1220 جمادى الأولى 1221 (1221) مروم بنت عمر أفندي طه زاده ع 5 قراء في مدفن والدها (1221) زليخا بنت صادق طه زاده ع 6 ذ وخ (1221) عبد الرحمن آغا خنكارلي ع 6 ذ وخ (1221) محمد بن أحمد جزماتي ر 7 ذ فق الحرمين فق مح سويقة حاتم بحلب (1221) آمنة بنت أحمد الجزماتي ع 7 قراء في س الجزماتي وق حن فق سويقة حاتم (1221) مصطفى بن أحمد الجزماتي ر 7 قراء في س الجزماتي فق حن فق المح. ربيع الثاني 1221 شعبان منها (1221) إسبير بنت عبد الله ع 7 ذ فحن. رجب 1221 جمادى الثانية 1222 (1221) رقيه بنت الحاج عبد الرحمن ع 7 الشيخ عبد الرحمن العقيلي وذريته فط المغربلية فق زقاق ابن مشط (1222) محمد بن مصطفى المعصراني ع 7 قراء في ج بنقوسا (1221) الشيخ هاشم بن يوسف ع 4 ذ فقراء في ج الحاج موسى فق (1222) فاطمه بنت عبد الواحد أمير زاده ع 5 ذ ومصالح زا النسيمي فق حلب (1222) عايشه بنت عبد الرحمن شراباتي ع 7 ذوم خير الله في مح الأكراد فق المح (1222) إبراهيم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 457 ابن خضر الكامجي ع 7 قراء فج بنقوسا فق مح ابن نصير (1222) صفيه بنت إبراهيم ع 7 شيخ العقيلية بحلب فق حلب (1222) صالحه بنت محمد ع 7 شيخ زا سعد اليماني فج المشاطية فق المح (1222) طوبي بنت عبد الله ع 5 زا النسيمي فق المسلمين. ذي الحجة 1222 منه (1222) آمنة بنت مصطفى جريك ع 7 ج التوبة فق المح (1222) آمنة بنت محمد فرحات ع 7 ج آسن بك في قارلق وج الأحمدي في الدلالين فق المح (1222) خديجه بنت إبراهيم آغا ع 7 ج مج بنقوسا وج الحدادين فق المح. ذي الحجة 1222 رجب 1223 (1222) شرف بنت الحاج عمر جراب ع 7 مد الطرنطائية فجامعها فق المح (1223) محمد بن حسن السعديه ع 7 خ وزا السعدية وطريق مائها (1223) صفية بنت محمد البنى ع 7 خ (1223) عايشه بنت عبد اللطيف وغزاله بنت طه ع 7 ج التوبة فق المج (1223) آمنة بنت محمد ع 7 خ في ج التوبة فق المح (1223) زينب بنت بكر آغا يكن ع 5 خ في دار الواقفة. ذي القعدة 1219 جمادى الثانية 1223 (1220) حجازي بن عبد الباقي الإدلبي ع 6 ذ وخ في ج الطواشي قق حن (1228) عبد الرزاق بن عبد الله حوكان ع 7 ذ فج بانقوسا فق المح. ذي الحجة 1220 محرم 1223 (1221) علي بن إبراهيم المشهدي ذ فم زا الأنجق بمح ألماجي قط الحرامي (1222) محمد طالب مكناس عيد ع 7 زا الفرا فمسجده فق المح (1222) عبد الرزاق بن خضور ع 7 ق مح الهزازه (1222) مصطفى بن عبد الرحمن أبري ع 7 ذ وخ في خانقاه الناصرية فق المح (1222) صالحه بنت محمد بازرباشي ع 7 ذ فخ وج ط الحرامي وج الكبير في بنقوسا فق مح الماجي (1222) فاطمه بنت قاسم ع 6 ذ وخ في ج ط الحرامي (1222) زليخا بنت أمين الحفار ع 7 ذ فق مح الشيباني (1222) آمنة بنت محمد ع 7 ذ فس الحاج عمر الطباخ فم أبي ذر فق المح وخ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 458 (1222) زليخا بنت أمين الحفار ع 7 ذ فمد أبي ذر فق المح وخ. (1222) زمزم بنت يوسف ع 6 تك المولوية فق مح المصابن. (1222) عايشه بنت عبد القادر الغزولى ع 7 ذ فق مح سويقة حاتم وخ- (1222) المذكوره كسابقه (1222) آمنة بنت عبد الوهاب الشيخ سعد ع 7 زا الهلالية فج التوبة فق مح الواقف (1222) بمحمد بن بكري الحبال ع 7 ج عبد الرحيم وج المغاير الفوقاني فق المح (1222) أحمد الدرويش الخروجي ع 7 ذ فم الدباغة العتيقة فق (1222) زليخا بنت عبد الله زين الدين ر 7 ج قرية بابلي وط القرية وفقرائها (1222) طه بن عبد الله اليسقى ع 7 ذ فج قسطل بن مشط فحن فق. شعبان 1123 رجب 1224 (1223) طيبه بنت أحمد الشامي ع 7 ج سليمان بمح صاجليخان الفوقاني فق المح (1223) عمر الحبال بن يحيى عر 5 ذ وج المغاير فق المح. رمضان 1225 رجب 1228 (1223) محمد بن باكير بن جمعه آغا ع 7 س الواقف بمح ساحة بزه. (1228) نفيسه بنت أحمد موصليه ع 7 ذ فج بلبان. محرم 1219 شعبان 1224 (1219) عايشه بنت أسعد ع 7 ذ فج الموازيني بساحة بزه فق المح. (1219) طه بن عثمان العقاد وزوجته فاطمه ع 4 ذ فمرقد زكريا وبلوقيا وج بزه فحن- (1221) المذكوره صهريج مح المغازله (1221) عبد الرزاق بن عثمان ملحيس ع 5 ذ فج الميداني فق المسلمين (1218) إبراهيم بن عبد القادر أمير زاده ع 7 ذ فج الحاج موسى (1076) بوينى أكرى محمد باشا الصدر الأسبق ع 3 ذ فخ في ج الكبير. رجب 1224 صفر 1225 (1224) حسن ده ده بن عمر ع 7 تك بابا بيرم (1224) فاطمه بنت قاسم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 459 ع 6 في م المصلي في بنقوسا وغيره- (1224) نصر الله ولد أنطون حوا ع 7 كنيسة الموارنه فق الطائفة- (1224) حنا ولد إلياس كنادر كسابقه- (1224) يوسف ولد عبد الله الفجال كسابقه. (1224) جرمانوس ولد أنطون حوا كسابقه- (1224) حنا ولد جبور فراري كسابقه- (1224) مريم بنت بشاره الطرابلسي كسابقه (1225) نائله بنت مصطفى المهردار ع 5 خ (1225) عبد الرحمن بن .... ع 5 خ (1224) محمد شريف الحريري ع 7 ج شرف فق الحسين. ربيع الأول 1225 رجب 1225 (1225) فاطمه بنت ياسين آغا الدرويش ع 7 تك النسيمي فق المح. (1224) عفيفه بنت قاسم الجبريني ع 7 ذ فج ألماجي فحن فق المح. (1225) طيبه بنت حسن بن أحمد ع 7 ط السليمانية فمسجدها فق المح (1225) ياسين بن عبد الله الإدلبي ع 5 ذ فج بنقوسا فق مح خان السبيل. شعبان 1223 صفر 1225 (1223) مصطفى بن يوسف الزيتوني ع 4 فج مح النوحيه وج الزيتون وج الميداني فق مح النوحيه ومح الزيتون (1223) عبد الفتاح بن يوسف الدهنه ع 7 خ (1225) محمد بن حسن السرميني ع 7 خ في زا الهلالية فج العمري بالجلوم. محرم 1223 شعبان 1225 (1223) عايشة بنت الحريتاني ع 7 ذ فزا الشيخ جاكير بمح الشريعتلي فق المح- (1224) يوسف بن جرجس ع 7 دير الزمار بجبل كسروان فق الأرمن بحلب- (1224) عبد القادر بن عيسى الغزال ع 7 ج بانقوسا وج الحدادين فق الشميصاتية (1224) صالحه بنت عبد الله ع 7 ذ فم الشيخ صالح بساحة الجمال فزا الأنجق فق (1225) عايشه بنت محمد المحضر ع 7 زا الهلالية وج عبد الرحيم في الكلاسه وزا العقيلية فق. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 460 شوال 1225 محرم 1226 (1225) أسما بنت علي باشا ر 7 ذ فق الحن فق مح الفرافره (1225) مريم بنت علي بن سليمان ع 7 خ في ج قاضي عسكر (1226) شرف بنت أحمد بن صالح ع 7 خ في م صاجليخان. شعبان 1226 جمادى الأولى 1226 (1226) قاسم بن علي فنصه ع 2 ذ فج البهراميه فق الجلوم وزا الهلالية. ربيع الثاني 1226 رجب منها (1226) طه بن عثمان السجان ع 4 ذ وخ في م المغازله ثم يلحق بوقفه تاريخ 1219 (1226) المذكور ع 5 كسابقه (1226) محمد بن عبد الرزاق ع 7 ذ وخ في م الفرا فق المح (1226) المذكور كسابقه. (1226) كاترينا وأختها بنات يوسف دياب ع 4 فقراء كنيسة الموارنة فق حلب. شوال 1226 صفر 1227 (1185) منور ومرمره بنتا حسن جلبي بش قبة بمح جب أسد الله فحن (1226) عايشه بنت طه النقانقي ع 7 خ وتعمير طريق ماء ج الزكي (1217) عايشه بنت محمد الجهجاه ع 7 خ (1226) أحمد بن علي بن صالح ر 7 ذ وخ فج الألماجي فحن (1137) طاهر بن علي بن سعيد ر 6 ج السفاح. جمادى الثانية 1227 ذي الحجة منها (1227) الحجه خضره بنت محمد علي ناصر ع 7 إمام ج السخانه فق المح (1227) المذكوره ع 7 إمام ج التوبة فق مج خارج باب (1227) خديجه بنت عمر خانطوماني ع 7 ذ فج الكبير فقناة حلب فق مح المصابن (1227) فاطمه بنت حسين الحكيم ع 7 ذ فج بردبك فق مح البساتنه (1227) سعيد ابن أبي بكر المسلاتي عر 5 ذ مج بنقوسا (1227) فاطمه بنت الحاج محمد ر 7 ذ فج بنقوسا فق مح بنقوسا. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 461 ذي القعده 1227 ربيع الثاني 1228 (1151) زينب بنت أحمد ابن الكوراني عر 5 ذ فج الرومي في مح باب قنسرين فق حلب. ربيع الأول 1228 جمادى الثانية منها (1228) محمد عارف بن عبد القادر الجابري ع 6 خ في زا النسيمي فق مح الفرافره (1228) فاطمه بنت قاسم الجندي ع 7 ذ فزا الشيخ عبد الجواد الكيالي فق المح. رجب 1229 جمادى الثانية منها (1229) عبد الكريم بن وزان الحرير ع 4 ذ وخ فحن وج زكريا وج بلوقيا (1229) محمد بن أحمد القحطاني ع 7 ذ وج سيتا والعمري فالجامعين فق المح (1229) فاطمه بنت أحمد ع 7 ذ فم عفان بمح محمد بك فق المح (1229) زينب بنت أحمد ع 7 خ وجب م عفان فق المح. (1229) روح الحياة ر 6 خ في ج قصبة دير كوش (1229) محمد بن حجازي ششمان ع 7 الشيخ قاسم بمحلة خرابخان فالسبيل. (1229) المذكور ع 7 ج الميداني فط الملاصق له (1229) المذكور ع 7 ج السليمانية فق المح (1229) المذكور ع 7 ج الحدادين فط الأقرب فق المح (1229) مريم بنت حسين ع 7 خ فيج الفرا. (1229) موسى بن حمزه الحلاق ع 7 س دلى محمود فج الحدادين فق (1229) مصطفى بن علي ع 7 ج خاص بك فق المح (1229) محمد بن الحلوي ورفقاه ع 7 ذ فزا الحلوية فحن فق المح (1229) المذكور كسابقه (1229) المذكور كسابقه (1229) أحمد القصيري بن إسماعيل ع 7 زا الهلالية فق الجلوم (1229) فاطمه بنت عمر ع 7 ج خاص بك فط الأقرب (1229) مصطفى بن عبد الرحمن أبري ع 7 خ (1229) المذكور ذ فق خانقاه الناصرية فق المح (1229) عبد القادر بن مصطفى الجابري ر 7 بابلي وهو ط عصمت بك وج القرية- (1229) المذكور مدرسة الرضائية وخ فيها فق حلب. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 462 رجب 1229 صفر 1230 (1229) مريم بنت محمد الزنابيلي ع 7 ذ وخ فج ألماجي فحن فق المح. (1229) حليمه بنت بنبر ع 7 م مقر الأنبياء بمح الضوضو فق المح. (1230) فاطمه بنت عبد الله عزو ع 7 خ (1230) عايشه ع 5 كسابقه. محرم 1230 شعبان منها (1230) نعوم بن أنطون غضبان ع 4 دير جبل كسروان فق الروم بحلب (1230) آسيا بنت عبد الله الدباغ ع 6 ذ وخ في ج الحاج موسى فق ذرية الحاج موسى فق حلب (1230) زبيده بنت أبي بكر يكن ع 7 ج الرضائية- (1230) حسيده بنت كسبار ع 7 فق الأرمن بدير الزمار فق الأرمن- (1030) أندراوس ولد حنا كسابقه (1230) علي بن ياسين صلاح الدين ع 7 س في الجديده متصل بقاسارية الشمالي فق بحسيتا. صفر 1231 جمادى الثانية منها (1231) القس يوسف ولد جربوع ع 7 كنيسة السريان بحلب. (1231) مريم بنت جرجس التركماني (الموقوف جرخ) على دير الزمار فق الأرمن- (1231) حنا بنت بطرس سمعان كسابقه. (1231) صالحه بنت عبد القادر ع 7 ج بنقوسا فق الشميصاتيه. (1231) عبد القادر بن مصطفى شهبندر ع 7 ذ فج الزينبية فق البياضه (1231) آمنة بنت محمد ع 7 خطيب ج قارلق فق المح. شعبان 1230 صفر 1231 (1230) الحاجه زمزم بنت الشيخ حسن ع 7 مصالح م سلامش العادلي في مح الفرايين فق- (1230) مريم بنت فرج الله نجم ع 7 ق ديري مار حنا بجبل كسروان فق الروم بحلب- (1230) كتر بنت إلياس قصاب كسابقه (1231) قاسم بن علي فنصه ع 7 ذ فج بهرام باشا فق مح الجلوم. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 463 رجب 1231 محرم 1232 (1231) سيده بنت عبد العزيز ع 7 ق كنيسة السريان بحلب. (1231) عايشه بنت الجبوقجي ع 6 ذ فق ذرية الحاج موسى. محرم 1232 جمادى الأولى منها (1232) عايشه بنت عبد الله عبد الحي ع 7 فم خير الله بمح الأكراد. (1232) رجب بن عبد الله الضابط ع 7 ذ فرا النسيمي (1232) مصطفى إبراهيم كوجك ع 7 تك النسيمي- (1232) مريم بنت توما أعرج ع 7 نصارى الروم بحلب. صفر 1233 جمادى الثانية منها (1233) ياسين بن حسين الكتبجي ع 7 ج سيتا فق المح (1232) عبد الرحمن بن الحريري ع 7 خ في زا العقيلية وج في الجديده (1233) مصطفى بن محمد سعيد آغا ع 5 ذ فز دوقه كين فق مح ساحة بزه وخ. (1233) دير كيورك ولد دير مار كار ع 7 ق كنيسة الأرمن بحلب (1233) عايشه بنت علي حجازي ع 7 خ في ج بزى فق المح. رجب 1232 صفر 1233 (1230) الشيخ إبراهيم الهلالي ع 7 زا الهلالية فق مح البستان بحلب. رجب 1233 محرم 1234 (1233) مصطفى بن صادق نوايى ع 7 خ في ج الكبير فق المسلمين. (1233) فاطمه بنت مصطفى ع 7 ذ فق الحن فق جقوجق. (1233) فاطمه بنت مصطفى العبه جي ع 7 خ في ج مح الأكراد وج المشاطيه فق المح. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 464 رجب 1234 شوال 1234 (1234) عايشه بنت عبد الله عزو ع 7 خ في زا خير الله بمح الأكراد فاحدم المح (1234) شرف بنت أحمد الشربجي ع 7 ج البكره جي. (1234) كسابقه ج السليمانية بالضوضو فق المح (1234) فاطمه بنت عبد القادر فنيش ع 7 جب قرمان فق المح (1234) كسابقه ج البكره جي. (1235) آمنة بن عبد القادر فتحي ع 7 م الأيوبية بمح البلاط. (1235) برباره بنت جرجس أستاد ع 7 كنيسة السريان بحلب. جمادى الثانية 1236 (1236) شروف بنت مصطفى الجابري ع 5 ذ فق مح المصابن. شوال 1235 جمادى الثانية 1236 (1236) خديجه بنت محمد بن محمد ع 7 ذ فج أوغليبك. محرم 1237 جمادى الثانية منها (1237) شرف بنت محمد بن حسين ورفقاه ع 7 زا الشيخ يوسف القرلقي (1237) فاطمه بنت مصطفى الحمصاني ع 4 ذ فج بانقوسا. (1237) أحمد بن مصطفى المعصراني ع 7 ذ وخ فج الكبير في بانقوسا. شعبان 1240 رجب منها (1240) إسماعيل آغا بن عبد الرحمن شريف ع 3 ذ وخ في ج القرناصيه فج الكبير (1240) محمد بن مشمشان ع 7 خ وس تجاه ج الحيات وزا المنصورية (1240) يوسف بن مصطفى الشعال ع 7 ج الحدادين في بنقوسا فحن فق. رمضان 1240 ربيع الثاني 1241 (1240) صالحه بنت رسلان ورفقاها ع 7 ذ فج الميداني (1240) إسماعيل بن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 465 عبد الرحمن شريف ع 7 خ في القرناصيه ثم يلحق بالوقف السابق. رمضان 1242 محرم 1243 (1242) مريم بنت كسبار نرسيس ع 7 كنيسة الأرمن بحلب. (1242) آمنة بنت صالح البويضاتي ع 7 ج بنقوسا وج الحدادين فق مح بنقوسا (1242) إسماعيل بن عبد الرحمن شريف ع 5 ملحق بأوقافه (1243) أحمد بن علي الشلهومي ع 6 ذ فزا العقيلية فحن فق (1242) حسن بن خليل المعري ع 5 ذ فزا الهلالية وزا الصالحية فق المسلمين (1242) بكري بن إبراهيم الشربجي ع 7 ج الكبير فحن فق حلب (1242) علي بن مصطفى بن محمد ع 7 ذ فج ط الزيتون فق المح (1242) رقيه بنت أحمد الزيك ع 7 إمام ج ط الحرامي فحن (1242) مصطفى ابن طه الدلال باشي وأخته أسما ع 7 م النوري بمح الفرافره فحن فق (1242) عمر ابن عبد الرحمن ملحيس كسابقه. محرم 1243 جمادى الأول منها (1243) شرف بنت عبد اللطيف هيكل ع 7 في دار الواقف وغيرها (1243) إسماعيل بن إسماعيل المرعشي ع 7 ذ وم اليروه بمح الفرافره فق خان السبيل. شعبان 1244 ذي الحجة منها (1244) حنا السيوفي ع 7 كنيسة الأرمن بحلب (1244) أحمد بك ابن إبراهيم باشا ع 6 سبيله في جادة باب المقام. رجب 1245 صفر 1246 (1245) عايشه بنت يحيى العلاك ع 7 ج العريان فق (1246) آسيا بنت محمد زينو ع 7 ذ فج الميداني فق المح- (1246) مريم بنت جبرا نحاس ع 7 دير السريان الكاثوليك بجبل كسروان فق الطائفة بحلب- (1246) مرغريتا بنت نعمة الله بلدي ع 7 ق الروم الكاثوليك بحلب- (1246) أنطون ولد يوسف باسيل ع 7 كسابقه. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 466 (1246) أمرتا بنت نعمه شعراوي كسابقه- (1246) نصري ولد عبد الله وأخوه كسابقه (1246) عايشه بنت محمد على المنلا ع 7 زا الشيخ سعد اليماني فج المشاطيه فحن- (1246) وأنيس ولد أوهان السيوفي ع 7 كنيسة الأرمن بحلب (1246) عبد الوهاب بن عبد الرحمن ع 7 ميضأة سوق الطيبيه فتك الصالحيه. صفر 1248 جمادى الثانية منها (1248) آمنة بنت عبد الرحمن شريف ع 7 إمام م الشيخ على الهندي فق مح داخل باب النصر (1248) شرف بنت محمد القليعة ع 7 ج المشاطيه وشيخ القادرية فيه وس بمح الزبالين فق مح المشاطيه. (1248) مريم بنت خليل أشكجي ع 5 ذ فج عثمان باشا ومد الشعبانية وم في الفرافره فق المح (1248) شرف بنت محمد القليعة ع 7 ج المشاطيه وشيخ القادرية فيه وس بمح الزبالين فق مح المشاطيه. (1248) مريم بنت خليل أشكجي ع 5 ذ فج عثمان باشا ومد الشعبانية وم في الفرافره فق المح (1248) فاطمه والحاجه نائله بنتا أحمد آغا شريف ع 5 م الشيخ علي الهندي فيلحق بوقف إسماعيل شريف. (1248) آمنة بنت أحمد ع 7 ج البلاط وهو وقف ثبت ضمن دعوى (1248) عفيفه بنت مصطفى ع 7 شيخ تك الصالحيه. (1248) ميخائيل ولد أنطون مشتى ع 7 ق كنيسة الموارنه فق النصارى. ذي القعدة 1248 شوال 1249 (1248) إبراهيم بن عبد الله السياف عر 3 ذ وخ في مد السيافية فق. (1248) آمنة بنت عبد الرحمن شريف ع 7 م الشيخ علي الهندي. (1249) صوفيا بنت يوسف حكيم ع 7 ق الموارنه بحلب. (1249) آمنة بنت عبد الرحمن شريف ملحق بوقفها السابق. (1249) المذكوره كسابقه- (1249) أنطون ولد جرجس ع 7 ق السريان- (1249) حسيده بنت فرج الله كسابقه- (1249) المذكوره كسابقه- (1249) يوسف وأخته غره ابنا أنطون طارو ع 7 ق الروم الكاثوليك بحلب. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 467 شوال 1249 جمادى الثانية 1250 (1249) آمنة بنت بنت عبد الرحمن شريف ع 7 م الشيخ علي الهندي فق المح (1249) عبد الكريم بن هاشم البغدادي ع 3 خ على قبر الواقف في دمشق وفي المدينة المنورة (1250) محمد زين بن عمر عباس وأخوه ع 7 م علم الشرق فق حلب (1250) شريف بن ياسين ع 7 ج العمري خارج سوق الجنان وس ملاصق للدكان الموقوفة فق (1250) إبراهيم آغا ابن عبد الله آالسياف ع 5 ذ فق حلب وخ في م طيلون (1250) جورجي بن يوسف بصال ع 7 ق السريان الكاثوليك بحلب (1250) نفيسه بنت حميده الموصلية ع 7 فج بلبان وخ في فق حلب (1250) المطران غريغوريوس ديمتري شاهيات ع 7 الروم الكاثوليك بحلب (1250) مرتا بنت قسطنطين فتال ع 7 جبل كسروان (1250) كتر بنت قسطنطين فتال كسابقه (1250) أنطون ولد جبره مارديني ع 7 ق السريان بحلب (1250) يوسف ولد يغيا أصلان وأخته مريم ع 7 ق الأرمن الكاثوليك- (1250) أنطون ولد يوسف باصيل ع 7 ق الروم الكاثوليك بحلب- (1250) مريم بنت فرنسيس فقير ع 7 ق الأرمن الكاثوليك- (1250) سوسان بنت أنطون كسابقه. (1250) أحمد بن عبد الله جابري ع 6 ذ وخ فحن فق جب أسد الله والمصابن- (1250) سيده بنت إليان عجاقه ع 7 السريان الكاثوليك بحلب (1250) محمد عارف بن عبد القادر جابري وزوجته نفيسه بنت عبد القادر باقي عر 5 ذ وس الواقف بمح الدباغة العتيقة وخ في ج الكبير فق حلب (1250) محمد بن أحمد ربيع ع 7 م د س باباجان في محله حمزه بك فق المح- (1250) مريم بنت حنا صباغ ع 7 ق السريان بحلب. شوال 1252 جمادى الثانية 1253 (1252) سالمه بنت نصري صعب ع 7 ق الروم بحلب (1253) حامده بنت أحمد آغا القلعة ع 7 م الشيخ على داخل باب النصر فق. (1253) فاطمه بنت عبد القادر قبا سفر ع 7 بابا جان بحمزه بك. (1253) نفيسه بنت مصطفى نوايى ع 7 زا الأنجق في مح ألماجي فق المح الجزء: 2 ¦ الصفحة: 468 (1253) علويه بنت أحمد ع 7 ج بزى فق المح (1253) أحمد بن مصطفى المصبني ورفقاه ع 7 زا القرلقي فج قارلق فج الحاج موسى فق المح (1253) مرعي وأخوه بن عمر الملاح ع 7 ج الحدادين فج بنقوسا فق المح 1253 كسابقه. سنة 1255 (1255) صالح بن أحمد الصابوني ع 7 ذ فم الشيخ صالح الكيلاني بمح الطبله وم ابن مشط وقسطله وس دار الواقف بمح ط المشط فق المح (1255) محمد ياسين صفر ع 7 تك المولوية فحن- (1255) أنطون ولد جبرا عجور ورفقاه ع 7 ق نصارى الروم الكاثوليك بحلب. (1255) يوسف ولد نعوم وكيل ع 7 كسابقه (1117) محمد بن حسن بن محمد الكلاسي ر 7 ذ فحن فق المح (1156) رحمه بنت عبد القادر بك عر 3 مدرستها في مح مستدام بك- (1255) سوسان بنت جبرا خياط ع 7 ق الروم الكاثوليك بحلب (1255) محمد بن حماده ع 7 م الشيخ دوغان بمح العينين فج العمري تجاه باب الجنان. (1256) عايشه بنت محمد العلاك عر 7 ذ فج بنقوسا فق المسلمين. (1256) عبد الرحمن بن إبراهيم خانجي ع 7 ذ فج الماجي فق مكه. (1256) فتح الله ولد جرجي طباخ ع 7 ق الأرمن الكاثوليك بحلب- (1256) فتح الله ولد أنطون شعراوي ق الروم الكاثوليك بحلب. (1256) محمد وفا بن محمد الرفاعي ع 7 ذ فتكية الشيخ شراب فتك الإخلاصية فم خير الله بمح الأكراد فق المحلة- (1256) سوسه بنت عبد الله غزاله ع 7 ق الأرمن الكاثوليك بحلب (1256) زبيده بنت إسماعيل ع 7 ج بندى. صفر 1257 ربيع الأول 1258 (1257) مصطفى بن خليل رستم ع 7 ج الحاج عثمان قرب حمام رقبان فج المصلي في بنقوسا فق المح- (1257) غريغوروس ديمتري ع 7 ق الروم الكاثوليك الجزء: 2 ¦ الصفحة: 469 (1257) عبد الرحمن بن عبد الله خادم الشيخ جاكير ع 7 ذ فزا الشيخ جاكير فق المح (1253) محمد الصباغ بن القلعه جي وأخوه ر 7 ج شرف فق المح. رمضان 1258 ربيع الأول 1259 (1258) ترزيا بنت جرجس ع 7 ق السريان. جمادى الثانية 1262 (1262) كتر بنت جبرا نقاش ع 6 ق الروم الكاثوليك بحلب. ذي الحجة 1261 ربيع الأول 1262 (1262) المطران ديمتري ولد حنا ع 7 ق الروم الكاثوليك بحلب. رجب 1263 ذي القعده 1263 (1263) محمد علي بن عبد القادر جركسي ع 7 خ- (1263) بطماز ولد شكري جروه ع 7 ق السريان (1263) آمنة بنت عبد الرحمن شريف ع 7 ذ فق حلب- (1263) بطماز جروه ع 7 ق السريان بحلب (1263) حمزه المالكي الجعفري ر 7 مد الجعفرية في مح السويقة بحلب. ذي القعدة 1263 رمضان 1264 (1264) وانيس وكركور ع 7 دير كسروان (1264) مصطفى بن محمد الشربجي ر 5 زا الكيالية فحن فق (1264) محمد أمين دده بن يوسف البوشي ع 6 تك المولوية بكلز فتك قونية- (1264) مريم بنت أبراهام خاراتي ع 7 الروم الكاثوليك- (1264) جرجس ولد أنطون حمصي كسابقه- (1264) خوري ولد توما كسابقه. (1264) يوسف ولد نعمان كسابقه (1264) حميده بنت صالح العطري ع 4 ذ وخ وزا الكيالية (1264) عبد الرحمن بن محمد المحلول ع 7 م ميرو فق مح باب قسرين (1264) عبد القادر بن أحمد غنام الوكيل عن آمنة بنت عبد الرحمن آغا شريف الجزء: 2 ¦ الصفحة: 470 ع 5 ذ فق حلب (1264) نفيسه بنت علي عويله ع 7 خ (1264) آمنة بنت صالح الغزال ع 7 ج الشيخ شاتيلا بالمعادي. شعبان 1264 جمادى الثانية 1265 (1264) آمنة بنت محمد مخلوطه ع 6 ذ فج مقر الأنبياء فق مح الضوضو. (1264) أسعد بن عبد القادر جابري ع 7 م نبي الله كالب فامين فتوى حلب (1265) خليل كامل باشا والي حلب ع 7 م كالب فق مح ساحة بزه (1265) علي بن خليل كامل باشا: الموقوف ثلاثة مصاحف على ج الحاج موسى ومدرسة الصلاحية ومدفن نبي الله كالب. (1265) المذكور: الموقوف أربعة مصاحف في ج بنقوسا وم العمري (1265) المذكور الموقوف مصحف واحد في مدرسة السيافية (1265) مصطفى بن خليل كيلارجي وأخوه ع 7 خ (1264) عايشه بنت محمد المداري ر 5 ج الزكي وج المطعاني في الشماعين وج جلال الدين في القوانصه وج الجانبولاط في البندره فق (1265) أحمد عطا بك الطيار مدير مال حلب: الموقوف صحيح البخاري في ج الكبير (1264) حفصه وعاتكه بنتا حسين الجزماتي ع 7 ذ فس الجزماتي فزا الكيالية فحن فق المح (1265) أمين بن يوسف البوسني ر 7 ذ فتك المولوية بحلب فقونية فق المولوية (1265) نفيسه بنت ياسين صفر ر 5 ذ فكسابقه- (1265) القس أنطانيوس ولد نعوم التركماني ع 7 دير ميخائيل بكسروان فروم حلب (1265) صالح بن تاج الدين ع 6 ذ وخ في مكة والمدينة فحن فق (1265) عمر بن محمد العطار ع 6 ذ فج التوبه فق المح (1265) عايشه بنت عبد الله الحلاج ع 6 س في صليبة الجلوم وخ فيه فمد الإسماعيلية فق حلب (1264) حفصه وعايشه بنتا حسين الجزماتي ع 7 ذ فس الجزماتي فزا الكيالية فحن فق حلب (1265) خليل بن عبد الله الجابري ع 5 ذ وخ فالقساطل والمساجد المحتاجة. جمادى الثانية 1265 ذي القعده 1266 (1265) نعوم ولد أنطون ورفقاه ع 7 طائفة السريان الكاثوليك بحلب (1266) إبراهيم بن محمود حريري ع 7 مكتب زا السعدية ومصالح مسجدها فق- (1266) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 471 سركيس ولد إصطفان ع 7 ق الأرمن في أنطاكية- (1266) تودوري ولد يوسف صباغ ع 7 ق الروم الكاثوليك بحلب- (1266) ولد يوسف خياط كسابقه. (1266) فاطمه بنت أحمد عيد ع 7 زا سعد اليماني فج المشاطيه فحن فق المح (1266) مصطفى بن علي التاتار ع 7 زا السعدية ومسجدها ومكتبها- (1266) يوسف ولد يوسف البراتلي ع 7 ق الروم الكاثوليك بحلب- (1266) غره بنت أنطون أيوب ع 7 ذ فق الأرمن الكاثوليك- (1266) صبره بنت مخول ع 7 ذ فق الروم الكاثوليك. جمادى الثانية 1266 جمادى الأولى 1267 (1266) أبو بكر بن أحمد القلعه جي 7 م بلبان فق مح مستدام بك. (1266) غره بنت فريج دبسيه ومدول عمادى ع 7 الروم الكاثوليك (1267) أسعد بن عبد القادر الجابري عر 2 ذ وخ فق حلب. (1267) آمنة بنت طالب الفاخوري ع 7 ج الدباغة العتيقة فق المح. (1267) محمد بن مصطفى الرواس ع 7 ج بنقوسا فق المح. جمادى الثانية 1267 جمادى الأولى 1268 (1268) فتح الله ولد يوسف دياب ورفقاه ع 7 ق الموارنه بحلب (1268) آمنة بنت عبد الرحمن شريف ع 7 ملحق بأوقافها الخمسة تاريخ 1259 و 1260 و 1262 و 1263 و 1264. جمادى الأولى 1268 رمضان منها (1201) فاطمه بنت إسماعيل الحجار ع 7 خ في ج الكبير. (1268) عبد الغني دده بن علي ع 5 ق تك المولوية في أنطاكية ثم في حلب فتك جلال الدين الرومي في مدينة قونية فق مولوية حلب- (1268) غره بنت يوسف كحال ع 7 ق الأرمن الكاثوليك بحلب- (1268) مدول بنت أنطون جبلي ع 7 كسابقه (1267) عايشه بنت عثمان الفتال ع ذ فم العمري في جسر الكعكه فق مح ط الحافظ (1268) عبد الغني دده ع 5 تربة تك مولوية حلب فتك قونيه فق مولوية الجزء: 2 ¦ الصفحة: 472 حلب- (1268) فتح الله ولد شكري ع 7 الأرمن الكاثوليك- (1268) ترزيا بنت رفول شبشول ع 7 ق الموارنه بحلب. رمضان 1268 جمادى الأولى 1269 (1268) ميخائيل ولد يوسف فرا ع 7 ق الأرمن الكاثوليك بحلب (1268) عايشه بنت عبد الرحمن ع 7 ذ فج قلسون فق المح- (1269) موسى بن جرجي هندي ع 7 ق السريان بحلب. (1269) رأفت سليمان باشا ع 7 ج الكبير في البيره فج آخر فيها. جمادى الأولى 1269 ربيع الثاني منها (1269) صالح بن مرعي الملاج ع 7 مكتب بمح خان السبيل. جمادى الأولى 1269 ربيع الأول 1270 (1269) شرف بنت محمد علي ع 7 ج ألاجه بك فق المح (1269) آمنة بنت عبد الرحمن شريف ع 7 ملحق بأوقافها السابقة. ربيع الأول 1270 جمادى الأولى منها (1270) عمر بن بكري الجابري ر 6 ذ فملحق بوقفه تاريخ 1267. (1269) يوسف بن محمد بكتاش ع 7 ط الأقرب فق المح. (1269) خديجه بنت قاسم البابللي ع 7 زا سعد اليماني وجامعه وذ فق المح (1270) عمر بن بكري الجابري ر 6 ملحق بوقفه تاريخ 1267. (1270) فاطمه بنت أحمد المعصراين عر 5 خ (1270) رقيه بنت محمد كرزون ع 7 ذ فج شاكر وزا الكيالي وزا اليماني فق- (1270) كتر بنت نعمان فرا ع 7 ق الأرمن الكاثوليك بدير زمار- (1270) متري ولد جورجي شامي ع 7 الروم الكاثوليك بحلب (1270) عايشه بنت رشيد البابي ع 7 م بلبان. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 473 جمادى الثانية 1270 محرم 1271 (1270) محمد قاظان ورفيقه ع 7 س مح الكلتاوية فق المح- (1270) نعوم ولد قندلفت ع 7 ذ فق الروم الكاثوليك بحلب (1270) عايشه بنت محمد المداري عر 5 خ وذ (1270) مريم بنت أحمد الإخلاصي ع 7 خ في م سعد الله الملطي في البياضه (1270) حسين بن محمد البغدادي ع 7 ذ فج التوبة فق محمد بك- (1270) جبرا ولد يوسف سائس ع 7 ق الروم الكاثوليك بحلب (1271) فاطمه بنت عبد الرحيم كسار ع 7 ج القصيله تجاه القسطل في محلة القصيلة. (1271) فاطمه بنت يوسف جمال ع 7 ذ وخ فحن فق المسلمين. (1271) كتر بنت يوسف هب الريح ع 7 طائفة الموارنة بحلب. (1271) محمد حميد بن صالح العطري ملحق بوقفه السابق. جمادى الثانية 1271 رمضان 1272 (1271) عاتكة بنت نعمان شريف ع 6 خ (1271) محمود بن رشيد ع 7 زاويته وهي داره في المزوق (1271) صالح بن أحمد ألاجاتي ع 7 م سعد الله في مح الشريعتلي فحن فق- (1271) رينه بنت أنطون صباغ ع 7 ق السريان الكاثوليك- (1271) أفرام ولد جرجي مداراتيع 7 ق دير جبل كسروان. شوال 1272 جمادى الثانية 1273 (1273) سوسان بنت عبد الله رباط ع 7 ذ فق السريان الكاثوليك بحلب (1273) آمنة بنت عبد القادر عردوك ع 7 ذ فم الكيلاني بمح الطبله فق المح (1273) مريم بنت حسين ع 7 ج الساحة في القصيلة فم الفوقاني (1272) ألف بنت مصطفى ع 7 ذ فحن فق حلب- (1273) ميخائيل ولد نعمه كبه وزوجته مريم ع 7 طائفة الروم الكاثوليك بحلب- (1273) خليل ولد جرجي ع 7 الروم الكاثوليك بحلب- (1273) عبد الله ولد إلياس وزوجته سيده كسابقه (1273) مريم بنت شريف بيري ع 7 م ملاصق لاوطة البيري في الجلوم فق المح. (1273) عبد الرؤوف بن عبد الوهاب القسطلي ع 7 ذ فج الابن فق المح الجزء: 2 ¦ الصفحة: 474 (1273) عبد الله بن صالح سلطان عر 5 ذ فج النوري في البياضة فق المح (1273) طيبه بنت عبد الله النحاس ع 7 م الصغير في جب قرمان فق المح (1273) آمنة بنت محمد الحنون ع 7 ج الميداني فق المح. (1273) كول قرار الجركسية المعتقة ع 7 م أزدمر بسويقة علي فخ. (1273) عبد الوهاب بن مصطفى السمان عر 5 ذ فج التوبة وج التون فق المح (1272) مصطفى بن أحمد الفحام ع 7 خ في ج بحسيتا وغيره (1273) خديجه بنت أحمد البابنسي ع 7 خ في زا القارلقي فق. (1271) أحمد بن درويش القصاب ع 7 خ في م الشيخ إسكندر فج موغان فق المسلمين (1271) المذكور كسابقه- (1273) ميخائيل ولد حنا ع 7 ق الروم الكاثوليك بحلب- (1273) مريم بنت جرجي ماردوس كسابقه- (1273) ديمتري ولد حنا أنطاكي كسابقه. (1273) المذكور كسابقه (1272) أسعد بن عبد القادر جابري ع 7 ملحق بوقفه الكبير (1271) رحمه بنت طالب الرواس ع 7 ذ فج ط الحرامي فق المح (1021) مستدام بك (1022) المذكور (1022) المذكور (1020) المذكور- (1271) مريم بنت يوسف سمان ع 7 ق السريان الكاثوليك بحلب- (1271) لوسيا بنت إلياس إسلامبولي كسابقه (1274) خديجه بنت حجازي ع 7 خ في ج المشاطيه. ذي القعدة 1273 محرم 1275 (1273) خديجه بنت حسين البابنسي ع 7 زا القرلقي فج قارلق فق المح- (1273) حنا ولد ميخائيل أصلانع 7 ق الروم الكاثوليك بحلب- (1273) مريم بنت جرجي كسابقه- (1273) ديمتروس ولد حنا ع 5 كسابقه (1274) خديجه بنت حجازي البابللي ع 7 ج المشاطيه وشيخ الزاوية ( .... ) مدول بنت إلياس ع 7 دير كسروان فسريان حلب (879) زين العابدين بن حسن ر 3 ذ فالحرم النبوي. (1169) عطاء الله بن محمد الخياط ر 5 خ في ج الكريميه. (1274) مريم بنت ميخائيل ع 7 ق الروم الكاثوليك بحلب. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 475 (1274) مريم بنت موسى الصباغ كسابقه- (1274) سيده بنت جرجي طيار كسابقه (1274) زينب بنت محمد شريف جمالي ع 7 خ في الحجازية فحن فق (1264) فاطمه بنت محمد المعموري ع 6 خ (1274) أسما بنت إبراهيم بجك ع 5 ذ فزا الكيالي فق الحن. (1274) فاطمه بنت عبد الرحيم أبو الكنج ع 7 ط البقرة في قلعة الشريف- (1274) يوسف ولد أكوبجيان الكورنلي ع 7 ق الروم الكاثوليك بحلب (1274) أحمد بن عبد القادر بن عبد الباقي ع 2 ذ فزا الصالحيه وم الشيخ عبد الله فق المح- (1275) رفول ولد جبرا ظريف ع 7 دير كسروان فق- (1275) يوسف ولد الكسان كسابقه. ذي القعدة 1274 شوال 1275 (1275) إلياس ولد متري شاهيات ورفيقه ع 7 ق الروم الكاثوليك في دير مار ميخائيل في جبل كسروان فق الطائفة بحلب. (1275) رمضان بن نبهان تلقراحيه ع 7 ج الحدادين فق حلب. (1275) عايشه بنت محمد ناصر النيرباني ع 7 ذ فق حلب. (1275) بنبه بنت عبد الله زوجة أحمد أفندي القدسي ع 7 مد الصلاحيه فق حن (1275) غره بنت جرجي شلحت ع 7 ق السريان الكاثوليك بدير كسروان (1275) عبد القادر بن أحمد غنام ع 7 ذ فحن فم العمري قرب كنيسة اليهود فأقرب ج فق الجلوم (1275) أحمد بن عبد الرحمن السياف ع 3 ذ وخ الهلالية وخ فق الجلوم (1275) محمد ديب بن عبد الله الصائغ ع 7 ج بزى فق المح. ذي القعدة 1275 شعبان 1276 (1275) كسبار ولد كرابيت ورفيقه ع 7 ق السريان الكاثوليك بحلب- (1275) خوري جرجس ولد ميخائيل شلحت ع 7 كسابقه- (1275) مريم بنت حنا بليط كسابقه- (1276) شكري ولد خوري سابا ع 7 دير الحمره في الجبل التابع لحماه فق روم حلب- (1276) مريم بنت حنا بليط ع 7 الأرمن الكاثوليك ودير زمار (1295) محمد بن إبراهيم آغا السياف ع 4 ذ فق حلب وخ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 476 في م طليون (1273) محمد بن محمد الكيلاني مفتي حماه عر 2 ذ فج الشيخ إبراهيم في الحاضر وج درايزون في الحاضر وج الشيخ علوان في العليليات وج الربط تجاه حمام الدرويشية وج الأحدب وج العتال في الباشوره وح الدنوك في محلة الحوارنه فذرية الكيلاني بحماه فق حماه (1276) نفيسه بنت بكري الشربجي ع 7 م المزوق وذ فالحجرة النبوية. (1276) ترزيا بنت جرجي ع 7 ق قسيس الموارنه فق الطائفة (1276) حاج عبد القادر غنام ذ وخ. شعبان 1276 شوال منها (1276) محمد بن عبد الله كسار ع 7 ج ألاجه بك فق المح- (1276) مرتا بنت يوسف بلوص ع 7 م الروم الكاثوليك بحلب- (1276) كتر بنت إلياس حاتم ع 7 الروم الكاثوليك بحلب (1276) مريم بنت شكري حكيم ع 7 الأرمن الكاثوليك بحلب (1276) طه بن علي الكيالي ع 3 ذ فزا الكيال فق المح- (1276) مريم بنت إلياس يوسف عريس ع 7 الأرمن الكاثوليك بحلب (1286) علي بن أحمد الشعباني ع 7 ذ وخ في ج بحسيتا فق (1276) عايشه بنت قاسم فنصه ع 7 خ. رمضان 1278 شوال منها (1278) فاطمه بنت عبد الله بن عبد المنان ع 7 ذ فج القدوري فج العمري تجاه كنيسة اليهود فالمساجد الفقيرة (1278) عمر بن طه السواح ع 7 ذ فحن فق المح (1278) آسيا بنت إبراهيم آغا متسلم عينتاب ع 6 ذ فق الحن مح ساحة بزه- (1278) زبيده بنت عبد الله الفردوسي ع 7 م تاتالر وم آخر في المح فق المدينة (1278) عايشه بنت محمد البازرباشي ر 6 خ في ج الميداني ففي أقرب جامع. ذي القعدة 1279 جمادى الثانية 1280 (1279) شكر الله ولد جبرا ناقوس ع 7 ق السريان الكاثوليك بحلب (1280) أسما بنت محمد راغب ع 7 ذ فج السفاحية وخ فق (1280) إحسان الدين بن عبد الرحمن مدرس الموقوف نقود خ في زا الهلالية- (1280) غره بنت أنطون فارس الجزء: 2 ¦ الصفحة: 477 ع 7 ق القس من طائفة الموارنه- (1280) غره بنت جرجي بليط ع 7 الروم الكاثوليك بحلب- (1280) فرنسيس ولد جرجي ع 7 الأرمن الكاثوليك بحلب. ذي القعدة 1280 رمضان 1281 (1281) صالح بن مرعي الملاح ع 7 ج بنقوسا فق المح- (1281) سوسان بنت ميخائيل نصره ع 7 ق الروم الكاثوليك (1281) أحمد بن عبد القادر باقي ع 4 ملحق بوقفه الأول (1281) زبيده بنت موسى الخاراتي ع 7 ذ فزا الكيالي فق حلب (1281) حفصه بنت عبد الله القصاب ع 7 زا القارلقي فزا الجيلي ببغداد فق حن- (1281) خليل ولد جرجس طيارة ع 7 ق الأرمن بحلب- (1281) مريم بنت نعوم لاذقاني ع 7 ق الروم الكاثوليك بحلب- (1281) كتر بنت يوسف زرزور ع 7 ق الأرمن بحلب (1281) زكي بك بن محمد شريف بك ع 7 خ في ج الزينبية وج الكبير وج الشعبانية- (1281) مريم بنت إنطانيوس أستاد ع 7 ق السريان الكاثوليك بحلب (1835) إقبال بن عبد الله متولي الحجر ع 3 ذ وخ في ج بنقوسا والحرم النبوي والمسجد الأقصى فق- (1281) سوسان بنت جبرا سيقان ع 7 ق الأرمن الكاثوليك (1281) عبد الغني دده بن علي البوش ع 5 ذ فتك المولوية (1281) سعده بنت حسن العلواني ع 7 ج بواكب في المشارقة فج جلال الدين في القوانصه فأقرب ج فق مح المشارقة (1281) مصطفى بن حجازي الخلوه ع 7 مدرسة الشعبانية فق حلب. ذي القعدة 1282 شوال 1283 (1282) خديجه بنت حجازي الغزال ع 7 ج المشاطيه فزا اليماني فحن. (1283) الناصري محمد الشهير بحجيج ع 7 خ في الزكي وذ فحن. (1283) أبو بكر بن مصطفى الشهاب البابي ر 6 المدرسة والمسجد من إنشاء الواقف في الباب فحن فق الباب- (1283) غره بنت إلياس شامي ع 7 طائفة الموارنه. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 478 ذي القعدة 1281 صفر 1282 (1281) آمنة بنت أحمد الحموية ع 7 زا القارلقي فزا الجبلي ببغداد فق حلب (1281) رقيه بنت عمر قهواتي ع 7 خ (1282) عايشه بنت موسى الكردي ع 7 خ في م القدوري وغيره (1282) مصطفى بن طالب الشاوي ع 7 الأحمدي في الدلالين فق المح- (1282) كتر بنت عبد الله ع 7 ق الروم الكاثوليك بحلب (1282) محمد شيخ السعديه بن عبد الوهاب ع 5 ذ فج السكاكيني فج حارة البستان فق المح. (1282) عبد الغني دده ع 7 تربة في السماح خانه فق حضرة جلال الدين- (1282) مريم بنت إنطانيوس أستاد ع 7 طائفة السريان الكاثوليك (1282) يوسف ابن أحمد حسبي ع 6 ذ وس الحسبي فم السروه وم أوغليبك فق المح (1282) زبيده بنت سعيد الجزماتي ع 7 خ (1282) فاطمه بنت أحمد شريف ع 4 خ وذ فق حلب. (1282) عايشه بنت محمد سلطان ع 5 خ وذ فق حلب (1282) أحمد بن محمد الجذبة ع 6 خ في م سعد الله (1282) محمد بن محمد سلطان ع 7 خ- (1282) كتر بنت حنا بكماز ع 7 طائفة الموارنه. ذي القعدة 1283 صفر 1285 (1283) زينب بنت محمد علي البرنجي ع 7 زا الهلالية فق مح الجلوم (1284) خديجه بنت محمد صالح التربي ع 7 م جب الحلو في مح الشماعين فج جلال الدين وغيره (1284) عايشه بنت محمد أمين الميسر ورفقاها ع 7 ج المصلى فق مح ابن يعقوب (1283) أحمد بن عبد القادر باقي ع 7 ملحق بوقفه السابق- (1284) مريم بنت يوسف هندي ع 7 ق الأرمن الكاثوليك بحلب (1285) عايشه بنت سليم البابي ع 7 العلمية وج الطونبغا فمجاوري المدرسة السيافية فق مح البستان. ذي القعده 1286 شوال 1288 (1286) جرجس ولد يوسف ع 7 الروم الكاثوليك. (1288) ترزيا بنت جرجس عداد ع 7 ق الموارنه بحلب. (1287) صوفيا بنت جورجي إدلبي ع 7 ق الروم الكاثوليك بحلب- الجزء: 2 ¦ الصفحة: 479 (1288) مريم بنت نصري ديمتري ع 7 كسابقه. (1288) غره بنت يوسف سكياس ع 7 ق الأرمن الكاثوليك بحلب- (1288) هيلانه بنت خاج أنكيل ع 7 ق الروم بحلب. (1288) فاطمه بنت محمد مشمشان ع 7 ذ فزا سعد الله بمح الشريعتلي فج ط الحرامي (1288) عبد القادر بن أحمد غنام ع 7 ذ فم غنام تجاه داره فق المح وله في هذا السجل ثلاثة أوقاف آخر ملحقة بوقفه السابق. رجب 1290 ذي القعدة 1292 (1290) جرجي ولد مدول وكتر أولاد إبراهيم كلال ع 7 كنيسة جرجس في مح الشرعسوس- (1290) سوسان بنت ميخائيل طرابلسي ع 7 كسابقه (1290) آمنة بنت ناصر القراشقلي ع 7 خ. (1290) هبة الله بنت أحمد باقي ع 6 ذ وخ في ج البهرامية فق. (1290) عايشه بنت الحاج يونس يونسو ع 7 مدرسة الطرنطائية فق مح محمد بك (1289) محمد هلال بن عبد القادر الأزون ع 7 ج حمزه بك فق المح (1291) عايشه بنت عمر قرقلار ع 7 خ في مدرسة العثمانية فتك القرقلار فق المح (1289) محمد هلال بن عبد القادر الأزون ع 7 ج التوبة فق مح محمد بك (1291) آمنة بتن سراج طالب الكلزي ع 7 خ في تك الشيخ الترابي (1291) نفيسه بنت ياسين صفر عرتك المولوية في أنطاكية فتك مولوية حلب- (1292) صوفيا بنت جرجس إدلبي ع 7 ق الروم الكاثوليك (1292) سرور بن محمد صالح الحموي ع 7 ذ فج الحموي فق مح البياضة (791) محمد خاص بك ع 4 ذ وخ فج خاص بك (1292) فاطمه بنت عبد الرحمن فنصه ع 7 ذ فق حلب (1292) خالد بن بكري شهواني ع 5 ذ وخ في مقر الأنبياء وغيره. ذي الحجة 1292 جمادى الأولى 1294 (1293) إلياس ولد عبد الله فجله ع 7 ذ فق السريان الكاثوليك بحلب- (1294) مريم بنت عبد الله طنوز ع 7 ق الأرمن الكاثوليك بحلب (1293) عبد القادر بن أحمد غنام ع 4 ذ فم الواقف في البندره فق (1294) المذكور ع 7 الجزء: 2 ¦ الصفحة: 480 كسابقه- (1294) ميخائيل ولد نصري دب ع 7 ق الروم الكاثوليك- (1294) كتر بنت نعوم سنكي ع 7 ق رهبان الروم الكاثوليك الحلبيين في جبل كسروان- (1294) الخوري بولص ولد عيسى الصباغ ع 7 ق السريان الكاثوليك بحلب- (1294) كتر بنت نعوم سنكي ع 7 ق الرهبان الكاثوليك (1294) أحمد بن أحمد الصديق الموقوف كتب في ج الأحمدي وزايته (1295) مريم بنت عبد الرزاق الخانجي ورفقاها ع 7 ذ فج قاضي عسكر وج باباجان وج محلة محلة شاكر آغا فق (1295) آمنة بنت علي عرب ع 7 ج الساحة الفوقاني فج الجنينة فج الساحة التحتاني فق مح القصيلة (1294) صفيه بنت أحمد حسبي ع 6 ذ فج النوري فق مح البياضة- (1295) غره بنت يوسف شماس ع 7 ق الأرمن الكاثوليك بحلب- (1295) جرجس ولد إلياس خوام ع 7 ق رهبان الروم الكاثوليك بجبل كسروان. ربيع الثاني 1295 محرم 1296 (1295) علي بك ابن عبد القادر بك ع 7 ذ فحن فق حلب (1295) مصطفى ابن إسماعيل صفر عر 3 ذ فج أفيول فق المح- (1592) إلياس ولد يوسف خوام ع 7 الروم الكاثوليك بحلب (1295) زليخا بنت عبد القادر كيال عر 5 خ (1295) عبد الله بن محمد أبري ع 7 ذ فق مح داخل باب النصر. محرم 1296 ذي القعدة 1297 (1296) بطرس راهب ولد ميخائيل ع 7 رهبان الروم الكاثوليك بجبل كسروان فرهبان هذه الطائفة بحلب- (1296) أنطون ولد يوسف بهار ع 7 كسابقه- (1296) ميخائيل ولد نصري دب ع 7 كسابقه (1296) حسينه بنت عبد الله الجابري ر 6 ط صديق أفندي في المقامات فم مح العينين ملاصق نهر قويق فالنارنجيه فق المسلمين في سويقة علي (1296) شريف بن محمد لبنيه ع 5 ج البكرجي فق جب قرمان (1296) محمد بن الدهان الموقوف نقود ألف قرش على إمام مح المزوق فق مح البستان (1296) عايشه بنت محمد الماملي ع 5 ذ فج ألاجه بك فق الحن فق أقيول (1296) طالب بن رسول المزيك ع 7 زا الشيخ جاكير فق حلب- (1296) القس حنا ولد جبرا إستانبوليه ع 6 رهبان الروم الكاثوليك الحلبيين بجبل لبنان فق الطائفة بحلب الجزء: 2 ¦ الصفحة: 481 (1296) فاطمه بنت أبي بكر الجزماتي ع 6 ذ فخ- (1296) كتر بنت جبرائيل ناقوس ع 7 ق رهبان اليسوعيين (1296) كلفدان بئرها في باب أنطاكية لصيق الكمالية وط مح المقامات وصهريجان قربه والفضلة للفقراء (1297) عايشه بنت محمد الماملي ع 7 ذ فج ألاجه بك فق أقيول (1296) حليمه بنت محمود حبو ع 7 زا هارون دده فق مح صاجليخان الفوقاني- (1297) نصري ولد بطرس اليان ع 5 ق الروم الكاثوليك بحلب (1297) مصطفى بن إسماعيل صفر عر 4 ذ فج ألاجه بك فق أقيول- (1297) صدقه ولد موسى اليهودي ع 7 ق اليهود (1297) فاطمه بنت محمد آغا رستم ع 7 ذ فق مح المصابن- (1297) مريم بنت فتح الله وأخواتها ع 4 ق الروم الكاثوليك (1297) عبد الحميد دده ع 5 ق تك بابا بيرام فق حلب (1297) محمد علي بن ياسين جركس ع 7 شيخ القادرية يح قرط بك فالجامع المذكور فحن فق المح. وهذا جدول الوقفيات الموجودة في السجلات المشوشة التاريخ. [الوقفيات الموجودة في السجلات] السجل الأول (1099) عبد الله بن عبد الله الأسلمي ع 7 ذ فحن فق. السجل الثاني (1017) الحاج رضوان بن عبد الله التاجر ع 7 ذ فحن فق- (1017) يحيى بن يوسف الزنات السلقيني عر 7 ج الكبير في سلقين (1007) أحمد بن حسن ع 7 م زكريا في محلة السويقة. (1007) سليمان بن شمس البغدادي الطباخ ع 7 الحن فق- (1016) عصيص النصراني ولد قور يك ع 7 جب ماء كنيسة النصارى بمح الجديدة (1017) ظريفه بنت نور الدين الطرابلسي ع 7 الحن فق (1017) أنس بنت صلاح الدين الأعمى ورفقاها ع 7 فق الحن فق حلب (1017) زينل بك بن علي مشد قناة حلب ع 7 ذ فحن فق. (1017) يحيى ابن الشيخ عبد الرزاق بن علم ع 6 م زا ابن علم فق حلب (1017) أحمد بن محمود الطحان و 7 ذ فحن فق (1017) جان حبيب بنت عبد الجزء: 2 ¦ الصفحة: 482 الله ع 7 الحن فق (1017) مصطفى آغا بن عبد الله ر 7 مزار الشيخ أبي بكر فق حلب (1017) أحمد بن خضر ع 7 ذ فحن فق حلب (1017) مستدام بك بن عبد الله ع 6 خ في النفيسية. (1002) صدر الدين المرطاني ع 7 م قرب حمام أوغليبك فحن فق. (1002) حليمه بنت أحمد عر 6 ذ فحن فق حلب (995) فاطمه بنت عز الدين ع 7 ذ فحن فق حلب (1016) محمد بن يوسف الدروكي ر 7 خ (1017) علي بن حمزه السرميني ورفقاه ع 7 ط علي بك فق. السجل الثالث (1167) أحمد بن إبراهيم بيان ع 7 ذ فج مح الشميصاتية فق. (1135) محمد بن عبد الحموي ع 7 ذ فج شرف (1149) أعمام بنت درويش ع 7 ذ وخ في ج برد بك فج بردبك فق حلب (1189) خديجه بنت عبد المنان ر 7 ذ فج الطواشي ومنكلي بغا فق (1165) علي بن عبد الله الزنجي ر 6 ذ فحن (1183) أحمد بن قاسم ع 7 ذ فج الزينبية والحيات وج السيدة (1183) المذكور ع 6 ذ فط المغربلية وتراب الغربا الجاري منه الماء إلى الزاوية العنبرية وط داخل باب النصر غربي قيصرية العجمي. السجل الرابع (1118) مرمره بنت خليل بيطار ع 7 ذ فخ (1118) إبراهيم جاويش ع 7 س السنان في قارلق- (1118) كور كيز ولد عبد الكريم ع 7 كنيسة السريان بحلب- (1118) إلياس ولد حنا كسابقه- (1118) فرج ولد عبد الله كسابقه. (1181) أبو بكر بن حسن النجار ع 7 ذ فتك الشيخ أبي بكر. (1125) أطاناسيوس ع 7 ق النصارى. السجل الخامس (1198) عطا الله بن محمد الخياط ع 3 ذ فمساجد حلب الفقيرة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 483 (1199) آمنة بنت الشيخ إسماعيل ع 7 فج آغا جق فق حلب (1199) صفيه بنت سعيد ع 7 ق مح جقورط (1199) محمد بن حسب الله ع 7 خ (1204) أبو بكر بن محمد خليفه ع 7 خ في مدرسة العقاد في مح الحوارنة (1204) أحمد بن مصطفى ع 7 خ في ج قاضي عسكر وس محلتها (1204) محمد بن محمد بن محمد الجيمي ع 7 خ في س المزوق فم المزوق (1204) فاطمه بنت ياسين القطنجي ع 7 خ في ج العقيلية في زقاق بنقوس فأقرب م للدار الموقوفة ولها في هذا السجل وقفان آخران مؤرخان بالتاريخ المذكور. (1205) صالحه بنت يوسف العطار ع 7 خ في زا العشائرية فج الكبير (1203) سعيد آغا بن مصطفى ع 5 خ في حرم المدينة المنورة فخ في حلب (1010) رقيه بنت الحاج أمير آغا ع 5 ذ فخ في ج النوري بمح البياضة (1010) أمين آغا بن إبراهيم قلاقسز ع 5 ذ فج النوري (1010) خديجه بنت بال بن محمد ع 7 خ (1010) مريم بنت مصطفى القرباطي ع 7 خ ومتولي م عفان المعروف بمسجد حسن بك. السجل السادس (1163) شهباز بنت عبد الله الخطيب ع 7 ذ فج ط الحرامي وج سعد الله في مح الشريعتلي (1163) علي بن خليل جورباجي ع 4 ذ وخ فج الكبير فق حلب (1163) فيض الله بك ابن عارفي أحمد باشا ع 6 مج منكلي بغا ع (1162) فاطمه بنت باكير بن ناصر ع 7 خ (1162) نسليخان بنت مكتايش ع 7 خ في م خير الله في مح الأكراد بحلب. السجل السابع (1192) مريم بنت أحمد ع 7 ذ فق حلب (1193) حوى بنت عمر العطار ع 3 ذ وخ فشيخ الحلوية وفقراؤها (1194) رابعه بنت حسين ع 7 ذ وخ (1194) صفيه بنت إبراهيم الدوري ع 7 ذ فج الكلاسه لصيق دكان الواقفة (1195) عبدي باشا ع 6 تك الشيخ محمد ترابي (1193) محمد بن أحمد المعرتمصريني ع 6 ذ فحن. (1194) فرج الله ولد سركيس ع 7 كنيسة الموارنة بحلب. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 484 (1194) الشيخ محمد ترابي ع 7 زاوية فج الكبير (1195) عبدي باشا ع 7 خ في م بلوقيا وج الكبير فق حلب (1192) محمد آغا بن علي أمين دفتر السباهيه ع 6 ذ وخ (1192) ميخائيل ولد منصور ع 7 رهبان دير ماري حنا في جبل كسروان. (1171) أحمد باشا ابن الحاج أمير ع 6 مصالح سبيله (1178) مريم بنت أصلان ابن عمر ع 7 تك الشيخ أبي بكر. السجل الثامن (1130) مروه بنت عبد الرحيم المصري ر 5 ذ فحن (1135) عايشه بنت مصطفى ر 7 خ (1135) حسن بن مصطفى باشا ع 7 ط الحجارين (1201) نفيسه بنت عبد الله ع 6 خ في ج شرف في الجديده فق (1137) عثمان أفندي بن عبد الرحمن باشا ابن عثمان آغا ع 4 ذ وخ في ج العثمانية. السجل التاسع (1009) شاه بنده بن قيلديز ع 7 ذ فق حن فق حلب (995) محمد بن الخناجري السرميني ع 7 حن (995) فرح بنت الحاج موسى ع 7 م سعد الله في البياضه (1065) عطا الله باشا ابن يوسف بن خشان ع 6 ذو دولاب وط في الأنصاري الموقوف عليهما أيضا من قبل أبشير باشا 900 قطعة فضية (1065) أيوب وإخوته أبناء رجب باشا الموقوف دراهم تعمر بربعها دراهم في باب قنسرين (1066) أحمد وبهاء الدين ابنا إبراهيم الزهراوي ع 5 ذ وخ في ج الكبير فمشهد كربلا ومشهد الحسين بحلب فق حلب. السجل العاشر (913) شرف الدين أيوب بن يونس الصابوني ر ع ذ فق حلب. (956) محمد بن أحمد ع 7 ذ فإمام ج الخسروية (974) حسن جاوش بن سليمان ع 7 ذ فحن فق حلب (974) فاطمه بنت محمد المرعشلي ع 7 ذ فحن فق حلب (974) فضل بن محمد ر 7 حن فق حلب. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 485 (974) حسن بن عبد العزيز سخان الموقوف دراهم (974) حسن بن سلامة ع 7 ذ فمقام الخليل (971) علي بك المعروف بابن عيد ع 7 ذ فحن فق. وهذا بيان ما هو محرر في سجلات الأوقاف من الوقفيات (1250) إبراهيم بن عبد الله السياف عر 6 م طليون فذ (1003) زوجة منصور حطب عر 6 الزينبية (1189) خديجه بنت عبد المنان عر 6 ذ فج الطواشي وج عبد الغفار (1167) زليخا بنت أحمد البابللي ر 6 ذ فحن (1167) حسين بن ناصر البابللي ر 6 ذ فحن زليخا بنت أحمد البابللي ر 5 ج في قرية بابلي فحن (1076) بويني أكري محمد باشا ر 5 ذ وخ فحن (1141) عبد الوهاب عمادي عر 5 ذ وخ فج في القلعة وج بلوقيا (1020) مستدام بك ابن عبد الله ع 4 ذ وخ فوقف الغوري (1021) المذكور عر 4 خ (1022) المذكور عر 4 جامعه وخ (981) حسن بن حسن رقبان ع 5 خ (786) علي شهاب الدين عشائر عر 2 ذ ودار القراءة فحن (1186) أحمد بن خليل الجزماتي ع 6 وذ فحن (862) عبد الكريم الخوافي عر 5 ج الكريمية فحن (922) شمس الدين منقار عر 5 ذ وخ فق حلب. (1177) الحاج موسى عر- 1 ذو جامعه فحن (890) زين الدين المعري ر 4 ذ فحن (1172) عبد القادر العثماني ع 5 س في سويقة علي (1201) علي بن إبراهيم المشهدي ع 5 زا الأنجق (867) فرج القاشاني عر 4 ذ وخ في ج الطواشي فق (1205) قطلو بك خزينة دار ع 6 ذ وس قرب خان الزيت (863) محمود متولي الحجر ر 3 ذ فحن. (864) المذكور كسابقه (1077) أحمد باشا المرعشلي عر 4 ذ وخ فق (1193) موسى بن عمر العطار ع 6 ذ وخ فزا الصالحية. (1208) آمنة بنت النشار ع 7 زا الصالحية. (1229) آمنة بنت محمد المواهبي ع 7 زا الصالحية فحن (1131) . (1121) فاطمه بنت أبي بكر الكردي ع 7 ذ فزا الصالحية. (1209) إسماعيل بن أحمد المواهبي ع 7 زا الصالحية فوقف المرأة حوى (1203) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 486 عفيفه بنت أحمد ع 7 خ (1231) قاسم فنصه ع 3 ذ فج البهرامية (1226) المذكور ع 3 ذ وخ فج البهرامية (937) شهاب الدين بن عبد الله عر 5 ذ وخ فج الزكي (1159) ياسين بن منصور ر 5 ذ فحن (1122) آمنة بنت عبد الوهاب ع 7 زا الهلالية. (1232) إبراهيم بن محمود ع 7 كسابقه فق حارة البستان. (1168) يوسف بن مصطفى الصباغ ع 7 كسابقه فحن (1286) يوسف بن مصطفى عربي كاتبي ع 7 كسابقه (854) محمد بن محب الدين الشحنة عر 3 ذ وخ فاعلم حنفي في حلب (1216) حسين بن صالح قباني ر 5 ذ وخ فج الأربعين في العقبه (810) ضاحي بك ابن يوسف ع 7 خ فق (854) محمد بن محب الدين الشحنه ع 5 ذ. (877) المذكور ر 5 كسابقه (1041) فتح الله بن محمود البيلوني ع 4 ذ وخ فزا البيلوني (920) عمر ابن الأعدل ابن العجمي عر 6 ذ فق (615) محمد بن أحمد الأغزيليه عر 5 ذ فق (563) عبد الرحيم بن عبد الرحمن ر 6 ذ (855) أحمد ابن أحمد العجمي ر 6 ذ وخ. (836) خضر بن عبد الله الجركسي عر 5 ذ فحن (1062) سالم البلاط عر 6 ذ وج البلاط (855) محمد العجمي عر 6 ذ (681) عبد الرحمن بن عبد الرحمن ر 6 ذ (1244) آمنة بنت موسى الأرمنازي ع 7 ج بحسيتا فق (1244) شرف بنت أحمد ع 7 كسابقه. (1175) محمد بن عبد الرحمن ع 7 كسابقه (1165) عبد الرحمن باشا عر 2 ذ فحن (1167) حجازي بن غنام ع 4 ذ وخ فق مح جب أسد الله (1180) عبد الرحمن قصار ع 7 م خير الله في مح الأكراد فق. (1186) خليل بن بكري عزازي ع 7 كسابقه (1189) محمد إدلبي عر 6 كسابقه (1210) زمزم بنت أحمد ع 7 كسابقه. (1211) محمد بن عبد الرحمن ع 7 كسابقه (1160) عبد الله بن إبراهيم ع 7 الجزء: 2 ¦ الصفحة: 487 ذ وخ (1163) أبو بكر غنام السرميني ع 6 ذ فق العقبة وس قدام قهوة باب أنطاكية (1174) عبد الملك عاشوري عر 6 ذ فج بنقوسا ومصالح مح الجبيلة (1174) المذكور عر 6 ذ فحن وفق الجبيلة. (1164) محمد الجبريني عر 5 ذ وخ (1245) علي رضا باشا ع 6 زا الشيخ تراب فم خير الله (1197) عيسى أميري زاده عر 5 خ في ج والده فحن (1217) مريم بنت محمد الزنابيلي ع 6 ذ فق المدينة المنورة. (1151) يوسف بن إبراهيم ع 5 ذ مج الميداني وس للواقف في سوق بنقوسا (1141) الحاجه سعاده بنت محمد عر 5 خ في ج الشعبانية فق (1220) حسن أفندي الكواكبي عر 2 ذ وخ فج أبي يحيى فق المح. (1229) عبد الكريم الوزان ع 4 خ فج الكبير وج بلوقيا فق. (1201) علي بن عبد الله ع 7 كسابقه (920) محمد بن جمال الدين نفيس ر 2 ذ فج مستدام بك (854) جمال الدين نفيس ر 6 ذ فج مستدام بك (813) محمد الناصر ابن الصاحب عر 2 ذ وم الصاجيه ورباطه ومكتبه وعتقاه (833) محمد ابن الخطيب الناصري عر 2 ذ وج الحيات فحن (567) محمد بن إلياس أرتق عر 3 ذ فحن. (992) رجب بن حميد ع 5 ذ وخ فحن (1120) عبد القادر جبريني ر 4 ذ فحن (1175) أبو بكر الدبوسي ع 4 خ (867) أقبغا الشيباني عر 2 ذ وخ فق (976) درويش بن رجب بن محمد ر 7 ذ فق (1045) محمد باشا ع 5 بك الإخلاصية والشيخ أبي بكر. (1221) شرف وفاطمه بنتا عبد الله ع 6 زا العقيلية فق (1189) عبد الحي عزو ع 6 ذ وخ فحن (1220) محمد بن عبد العزيز عزو ع 6 ذ وخ فزا العقيلية (1189) عبد العزيز بن عبد الحي ع 7 ذ وخ في زا العقيلية فج شرف فحن (1230) فاطمه بنت عبد الله عزو ع 7 زاوية العقيلية فجامع شرف (1157) حسين باشا البابي عر 5 ذ وخ فج الحدادين وج تركمانجك (1165) صارى عبد الرحمن باشا عر 5 ج الرحمن في نيكده وذ (1077) البستاني عر 6 زا العدوله في زقاق بنقوس فق (1186) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 488 مريم بنت محمد الصابوني ع 7 زا العقيلية (1192) مصطفى الحلاق ع 7 ذ فزا العقيلية (1191) عمر أبري ع 7 زا العقيلية. (1197) محمد العبه جي ع 7 زا العقيلية (1188) زينب بنت محمد المنجد ع 7 زا العقيلية وغيرها (1176) محمد الحرمي كسابقه. (1197) عبد الرحيم الحريري كسابقه (1201) مصطفى بن خضر كسابقه (1201) محمد شريف الحريري كسابقه (1207) حسن الخطيب كسابقه (1225) صالح السمان كسابقه (1201) عبد القادر القفال كسابقه (1159) أحمد أفندي الكواكبي عر 5 ذ فج أبي يحيى. (1160) المذكور كسابقه (1167) المذكور ذ وخ في ج أبي يحيى فج أبي يحيى (925) جمال الدين التادفي عر 4 ذ وخ في خانقاه أم الملك السعيد على حافة الخندق تحت القلعة غربيها (1157) عبد القادر الدهان ع 7 ذ فحن فق حلب (1155) عبد القادر الدهان عر 6 ذ فحن فق حلب (1249) عبد الرحمن البغدادي عر 3 خ (1880) أمير جايى عر 4 ذ فحن (911) إبراهيم بن خطط ع 5 خ وذ فج الصروي فحن (1064) أبشير مصطفى باشا ع 4 جامعه وألحن (1242) إسماعيل آغا شريف ع 3 ذ والقرناصية فج الكبير (1197) أمة الله يكن ع 6 ج العثمانية (1300) علي آغا يكن كسابقه (1230) زبيده يكن كسابقه (1223) المذكورة كسابقه (1133) مصطفى الشمرجي عر 6 ذ فحن فق حلب (1167) خضر صائم الدهر ذ فج الميداني. (1026) حسن المقاطعه جي عر 5 ذ فحن (1184) يحيى الشلهومي ع 5 خ في ج الحاج موسى (1227) سعيد المسلاتي ر 6 ذ فج بانقوسا فق المح (1227) زوجة سعيد المسلاتي ر 7 كسابقه (1030) كمال الدين البستاني عر 7 ذ فحن (853) الزيني عبد الرحمن ر 6 ذ فإمام م علم الدين في قلفة الشريف إنشاء الحاج يوسف التل عراني فحن. (1199) محمد طالب العثماني ع 2 ذ فخ في ج الحاج موسى. (1141) عمر أفندي طه زاده ع 4 مدفنه في الجلوم فذ وخانقاهات في حلب الجزء: 2 ¦ الصفحة: 489 (1178) أحمد بن طه عر 1 ذ وخ في مدرسته (1187) خديجه بنت مصطفى سمان ع 7 إمام ج شرف وخ فيه فحن فق. (1243) عايشه وفاطمه بنات عبد القادر ع 7 مجرى ماء ج شرف فحن (1167) نعمة الله ملقي ع 6 ذ فحن فق سويقة علي (1107) سليمان آغا ع 6 م في صاجليخان (1131) محمد الوفائي ع 3 ذ فج الكبير (1147) تاج الشرف ع 3 ذ فج الكبير (1169) على معتق إسماعيل آغا ع 3 خ في ج الكبير وغيره (1163) فاطمه الحلبية ع 5 ذ فج الأطروش فحن (897) محمد بن دغيم ع 4 ذ فخ بالسفاحية. (1113) أسد ابن العجان عر 4 ذ فحن (1125) خليل عواد ع 5 خ. (1187) عبد الرحمن الأبرادي ع 6 سبيله في سوق الضرب فم القصب بالسوق المذكور فق محلة البياضة (818) بدر الدين التاجر عر 6 زا بالجلوم وذ وحم (1004) موتياب أحمد باشا ع 3 ذ وخ. (992) زوجته همايون خاتون ع 5 خ (1185) عبد القادر أمير زاده ع 4 مكتبه والصالحية فذ (1183) حسن الحموي ع 4 خ في ج الحموي وذ (881) شمس الدين ولي ر 6 ذ فحن (1092) حسين برسين ع 5 ذ وجامعه (1223) مصطفى الزيتوني ع 5 ذ فج الحدادين. (1116) نعمة الله جلبي ر 7 ذ فحن فق (1031) عبد الله بن محمود ر 5 سبيله في بحسيتا وخ فذ (1210) عائشة الجبقجي ر 7 ذ وخ فحن. (1221) عائشة المذكورة ع 6 ذ فق (1230) عائشة الدباغ ع 4 ذ وخ فق الحاج موسى فق (1200) صالحه الطيبي ع 5 ذ وخ فج الحاج موسى (1153) عبد الرحمن إمام الأموي ع 7 ذ فزا الهلالية والطرنطائية والكيالية والمشاطية (1221) مصطفى زعفرانجي ع 7 ذ. (1156) رحمة ع 4 مدرستها الرحيمية (1234) عائشه عزو ع 7 خ في زا خير الله (1232) عائشه المذكورة ع 7 ذ وخ في زا خير الله. (1228) علي بن أحمد ع 7 ذ فقراء في ج المهمندار (1232) عبد الرحمن حريري الجزء: 2 ¦ الصفحة: 490 ع 6 ذ وخ فحن (1163) علي بن خليل جوربه جي ع 5 ذ فج الكبير (1241) إسماعيل الطيبي ع 7 خ (1191) عبد الله الأبري ع 7 خ (944) الحاج سلطان تيماري عر 5 إمام م الفرايين وغيره فذ. (1234) رقيه بنت سعيد الطيبي ع 6 زا العقيلية فق (1152) عبد الوهاب عمادي ر 6 ذ فج الكبير (1223) يوسف الزيتوني ع 4 ذ فم أقيول والحدادين والزيتون ونوحيه (1240) محمد مشمشان ع 7 س تجاه جامع الحيات (1186) محمد جباره ع 7 س ملاصق ج البكره جي (1204) علي البولادي ع 6 م أصلان بمح الحوارنه فحن (1255) إبراهيم العرياني ع 6 ذ (1203) محمد السراج وزوجته ع 7 ذ فج شرف (1203) فاطمه بنت حسين عر 6 ذ فتك أبي بكر الوفائي (1216) المذكورة ع 7 ذ فق مح البساتنه (1227) المذكورة ع 7 ذ فج ط الحرمي (1256) شرف بنت أحمد علاك عر 7 ذ فج بانقوسا (1116) إسماعيل فنصه ر 5 ذ فحن فق مح الجلوم. (1154) سليمان الحافظ ع 7 ذ (868) محمد بن الزيني ر 6 ذ. (1163) شهناز خاتون ع 7 ذ فحن (1214) بنت سعيد ع 7 خ فج قسطل الحرمي (1197) مصطفى آغا الترجمان ع 7 خ فذ فط في رأس زقاق المغربلية (1187) عايشه بنت محمد باشا ع 7 ذ فزا العقيلية فق (1209) عمر الأجاتي ع 7 ذ فزا العقيلية فق (1085) الحاج محفوظ 7 ر ذ فق (1073) محمد بن خير الدين 7 ر ذ فق (1168) أحمد بن أمير ع 6 ذ فج الكبير وخ (1291) محمد آغا حنكاري ع 5 خ (1229) الشيخ أحمد القصيري ع 7 زوجته (1201) كوسا السيد علي المشهدي ع 4 الأنجق فق ط الحرمي (1204) الحاج أبو بكر الحبال ع 6 قراء في مدرسة عبد الغفار في الحوارنه فم ملوقيا. (1191) أحمد الزيتوني ع 5 ذ فخ في ج الأجه بك في أقيول. (1091) سنان باشا ع 5 ذ فحن (1195) إبراهيم الأبري ع 7 ذ فق مح الفرافره (1188) محمد النجار ع 4 ذ فج بالبندره وفق العقيلية. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 491 (827) أحمد ابن السفاح ع 3 مدرسته وجامعه (1132) أحمد النقانقي ع 7 خ (1129) أسعد بن محفوظ ع 4 ذ وخ (1157) عبد القادر الدهان ع 7 خ (1210) عطاء الله الجابي عر 4 ذ فمساجد جب أسد الله وباب قنسرين (833) محمد القباني ع 5 ذ فحن. (1219) فاطمه نت إسماعيل أسود ع 7 ذ فحن (1178) محمد باشا الأرناوط ر 7 ذ فج في قصبة حارم (1208) عبد القادر بن علاء الدين ع 5 خ (1128) أبو بكر النجار عر 5 ذ فتك الوفائية (966) فاطمه بنت عفيف الدين عر 4 ذ فحن (803) محمد الزيني ر 4 خ فذ فحن (916) شمس الدين صدقه ع 7 ذ فحد (1234) رقيه بنت سعيد الطيبي ع 6 خ فزا العقيلية (1216) طالب الحريري ع 7 ذ فج شرف (1216) زليخا حموي ع 7 خ وذ فج الحموي (1216) ليلى الحموي ع 7 خ وذ وزا العقيلية (1225) ليلى الحموي ع 7 خ وذ فزا العقيلية. (833) السيفي عبد الله عر 4 ذ فق الحن (1231) كريمه خاتون عر 6 ذ فحن فج الكبير فق (875) المقر الأشرفي أنيال ر 4 ذ فق. (1262) محمد بن بعد الله ر 7 ذ (1162) محمد بن إبراهيم باشا ر 7 ذ وخ فحن فق الكلاسه (867) عمر بن جكجوك ر 5 ذ. (1145) عايشه الداديخى ع 7 خ فق (1225) محمد علي الجركس ع 7 خ (715) أحمد بن حمزة الزهراوي عر 2 ذ وخ (810) محمد بن زهرا الحسيني ر 4 ذ فالمشهد (1205) فاطمه بنت عطاء الله ع 7 م الشيخ صالح الكيلاني في المعربلية (1064) أحمد أفندي الزهراوي عر 3 ذ فمشهد الحسين ومحسن وكربلا (1216) محمد شريف البيري ع 5 ذ فزا الهلالية والعقيلية والمواهبي (985) الوزير مصطفى لالا باشا عر 2 ذ وخ فحن فج الكبير (1189) عايشه بنت عبد القادر ع 7 خ. (1216) صفية قمري ع 5 فالزوايا الثلاث وخ (685) يوسف العباسي صاحب شيزر را ذ فق (1151) زينب كوراني عر 5 ذ فج الرومي (1177) حسن بن عبد الله البخشي ع 5 ذ فق مح باب قنسرين. (1202) أسعد الوفائي ع 7 خ في ج الزكي (1264) محمد أمين دده ع 7 الجزء: 2 ¦ الصفحة: 492 تك المولوية في كلس (987) الشيخ عيسى الكيلاني ر 5 مزار الشيخ ياعو فذ (862) السيفي طوغ ر 5 ذ فحم (890) علاء الدين بن الأمير على ر 7 ذ فحن (933) رستم باشا ر 6 ذ وخ فحن. (922) المرحوم السلطان سليم خان ر 5 ذ محيى الدين وأولاده في عينتاب فحن (906) علي قليج بن عبد الله الظاهري ر 5 ذ فحن. (673) ضيفه خاتون ر 3 ج الفردوس (953) يحيى بن موسى الأريحاوي عر 4 ذ فج أبي الدرجين (989) موسى بن يحيى الأريحاوي عر 5 ذ وج أبي الدرجين وفق (868) الزيني عمر ر 5 ذ وخ. (926) أبو بكر مغلطاي ر 6 ذ فمقام الخليل في القلعة وج الكبير وحن (881) رجب الخواجكي ر 5 فحن (876) سراي خاتون ر 4 حن وم العمري في القلعة (1079) محمد بن حسب الله ع 7 ذ وخ في ج الحموي والسروه (1264) حميدة العطري ع 5 ذ فزا الكيال. (869) شهاب الدين بن أحمد وأخوه وابنه ر 3 ذ فحن (931) ناصر الدين بك عر 1 ذ وخ فمسجده (796) الزيني عمر ر 6 زا الزينية (1258) عايشه بنت عبد القادر ع 7 ذ (1222) عايشه بنت عبد القادر ر 6 ذ فق مح سويقة حاتم (834) أحمد المحبي وولده علي ر 4 ذا بقرية مرعيان وذ (1207) عفيفه بنت حجازي غنام ع 5 ذ فقناة حلب (876) الناصري محمد بن إبراهيم الحرمي عر 2 ذ وم بالصليبه وخ فحن (1246) محمود بن عبد الرحمن طيبي ع 7 ميضأة سوق الطيبه فتك الصالحية (806) أبو سعيد لولو ع 6 ذ فحن. (906) فتح الله بن عبد الكريم عر 4 خ في عينتاب وذ (884) محمد حماده ر 7 ذ فحن (877) زين الدين الخواجكي عر 4 ذ وخ بم الخواجكي في بنقوسا فحد (1187) يوسف بن علي السرميني ع 6 خ في زا الكمالية (811) السيد حمزه ر 5 مدرسته في القرب من أموي حلب وذ (825) طقتمر الكلتاوي عر 4 مدرسته (1166) أحمد جابري ع 6 ذ وخ فحن (903) بير حسن صدقه ر 5 خ وذ فحن. (1145) مصطفى الشمره جي عر 5 ذ فحن (1105) يونس الحطبي عر 4 الجزء: 2 ¦ الصفحة: 493 ذ فحن وج المهمندار (1209) صالحه بنت البازرباشي ع 7 ذ فج قسطل الحرمي وج بنقوسا (1222) كسابقه (1197) حسين بن البازرباشي ع 5 ذ فحن (1139) عبد القادر بك في سلقين عر 5 ذ فحن. (814) محمد الحويري ر 7 زاوية قرب كرى في معاملة شيزر فحن. (1149) خالصه عثمان عر 1 ذ وخ فحن (1134) أبشير آغا في إدلب ر 7 م في المح الغربية (1157) حسب الله أفندي ع 5 ذ وخ فق مح أوغليبك (1245) شرف بنت مصطفى جابري ع 5 ذ فق مح المصابن (1250) محمد شريف بن ياسين ع 7 ج العمري وس خارج باب الجنان (681) عبد الرحمن علوان ر 5 زاويته فذريته فق. (1128) الحاج موسى ابن الترزي ع 7 خ (1147) ناجية خاتون ع 7 خ وذ فحن (827) محمد بن أحمد الأشرفي عر 4 شرقية ج الزكي وذ فحن (909) محمد بن عثمان أوغليبك عر 4 خ وذ فحن. (1054) عبد السلام بن فتح الله ع 6 ذ فحن (1168) محمد أمين وعمر ومراد في كلس ع 6 ذ فج البلاط وج الكبير في حلب (1199) عايشه بنت قاسم أمير ع 4 ذ فج الحاج موسى (985) أحمد بن ناصر الدين سيه جان ع 3 ذ ومكتبه وجامعه وج الميداني فحن (1189) زينب بنت الحاج موسى أمير ع 7 خ (1122) زليخا بنت خير الدين ع 7 خ في س وج بابللي (1195) رقيه بنت أحمد بن محمد ع 7 ذ فج الكبير فحن (1140) إسماعيل آغا الإسلامبولى ع 7 خ وقراء في ج الحرمي (1121) محمد في إدلب ع 7 ج جبلاذ وج الحمصي في إدلب (929) تقي الدين بن غفيل المنبجي عر 4 زا في منبج (879) زين الدين الخواجكي عر 4 ذ فحن (1275) عبد القادر بن قليو عر 5 ذ فخانقاه في الفرافره وفق المح (1201) عبد الله الجابري عر 5 ذ وط في سويقة على فخ (1241) عايشه بنت عبد القادر غزولي ع 7 ذ فق المح (974) محمد بن زين الدين ع 4 ذ فج الزكي (1120) شريفه بنت عبد القادر حجازي ع 3 ذ وخ فحن فج الكبير (846) أحمد بن تيمور بن سعيد الملطي عر 3 ذ وخ ومكتبه (939) فتح المرعشي عر 3 ذ وخ ( ... ) محب الدين أجار 4 (930) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 494 يحيى بن أجاره ذ وتربته (1131) محمد بن الجربان ر 6 ذ وخ فج عبد الرحيم في الكلاسه (1168) وضحه خانم ع 2 ذ وخ فحن (783) أبو بكر الكيكلدي ر 4 ذ وخ (865) عماد الدين الكيكلدي ر 4 ذ وخ (911) السلطان قانصوه الغوري را ذ وخ (1221) عبد الرزاق ملحيس ع 7 ذ وخ فج الميداني (1134) أسما بنت علي باشا عر 6 ذ فحن (1271) حسن البغدادي ر 7 ذ فج التوبة (1248) (1248) (1249) (1249) (1249) آمنة بنت عبد الرحمن شريف م الهندي في الفرافره (1259) (1260) (1262) (1264) (1268) (1269) المذكوره ذ (1265) ذي الحياة عتيقة إسماعيل شريف ع 7 ذ (1225) نائله بنت مصطفى مهردار ع 6 خ (1201) خالده بنت مصطفى كوجك على ع 5 ذ فحن (1203) سعيد بن كوجك على ع 5 خ فحن (1133) مصطفى بن كوجك على ع 5 ذ وزا الصالحية (1200) خديجه زوجة إسماعيل باشا ر 7 ذ (972) زين الدين ابن حسن العجمي عر 4 م القصب والمارستان النوري وذ فحن (1279) أسما بنت معلم القفل ع 7 خ وزا الكيالية (1151) جانبولات باشا في كلس عر 5 جامعه في كلس (1270) محمد قاظان ورفيقه ع 7 بئر في الكلتاوية (1265) صالح العطار ع 7 سبيله في باب النيرب وذ فج التوبة (1165) المذكور ع 5 ذ (962) محمد سعدي الأنبالي ع 4 ذ فحن (881) شمس الدين دغيم عر 2 ذ فق الباب (1277) رقيه بنت عبد الله في عينتاب ر 6 خ وذ ( ... ) أحمد الخانجي ع 6 ذ وخ فحن فق ( .... ) عبد الله المالندي عر 5 ذ وخ (1093) ناجية بنت نور الله الكوراني ع 7 ذ فحن فق (1154) نعمة الله بنت رجب ورفيقتها ع 7 ذ فحن فق (976) درويش بن محمد وأخوه عر 6 ذ فحن (1144) سراج حسن بن عابدين في عينتاب ذ (1110) الخواجه بهادر في كلس ر 7 ذ فحن (1229) عبد الكريم وزان الحرير ع 5 ذ وخ فحن وم بلوقيا (1189) خديجه بنت عبد المنان معتقة إسماعيل ر 4 ذ فج الطواشي وج الرومي وق (1020) يوسف مزيك ر 7 ذ فحن (928) شمس الدين محمد ورفيقه عر 6 ذ فحن ( ... ) علاء الدين بن المعلم ناصر الدين ر 7 ذ فحن (1119) شرف الدين البواطي ع 6 ذ فق مح الطونبغا (1271) عاتكه بنت نعمان شريف ع 6 خ (1274) أحمد أفندي ع 4 ذ وخ في مساجد مح المصابن فزا الصالحية (1168) ناصر آغا باقي ع 5 ذ فحن (1014) أحمد القادري الوفائي ر 5 تك أبي بكر الوفائي (1218) عايشه الجزء: 2 ¦ الصفحة: 495 بنت أبي بكر غنام ع 6 ذ فحن (1133) عثمان بن أحمد عر 4 جامعه ومدرسته في عينتاب فحن (913) يونس الخواجكي ر 4 ذ وخ (1236) شرف بنت مصطفى جابري ع 4 ذ فق مح المصابن (1224) عفيف بن قاسم الجبريني ع 6 ذ فج الماجي (1163) أبو بكر غنام ع 4 ذ وخ فق. (1281) عبد الغني دده عر 4 تك المولوية (1128) محمد ويوسف غربي كاتبي ع 6 ج التوبة فق مح باب النيرب (1291) آمنة بنت السراج الكلسي ع 7 شيخ زا شيخ تراب (1274) زينب بنت محمد الجمالي ع 7 قراء في الحجازية (1282) خديجه بنت عبد الله القصيري ع 7 ج الطونبغا وم العلمية فمجاوري المدرسة السيافية فق مح البستان. (1290) سرور حموي ع 7 ذ فج الحموي (1076) بويني اكرى محمد باشا عر 4 ذ وخ فق الحد (790) الشيخ محمد البزاز عر 4 وخ فزا البزازية (1212) عطاء الله الجابي عر 4 ذ وخ فتك الشيخ أبي بكر (1289) عبد الغني دده مولوية أنطاكية فتك قونيه فق الحن (1199) عطاء الله بن محمد ع 2 ذ فمساجد حلب التي ليس لها أوقاف (1226) مصطفى بن شريف سمان ع 7 ذ فج شرف (1290) هبة الله بنت محمد باقي ع 7 خ فق سويقة حاتم (1176) هاشم بن أحمد البغدادي ع 6 ذ فق مح باب قنسرين (1113) أسد بن محمد جورباجي ر 5 ذ فحن (1183) أحمد أفندي قاوقجي ع 7 ذ وخ فج الزينبية وج الحيات وج السيدة في باب سراي حلب. (1178) المذكور ع 6 ذ فالجوامع المذكورة (1190) المذكور ع 6 ذ وخ في م أصلان (1198) المذكور ع 6 ذ (1190) عفيفه بنت عبد القادر ع 6 ذ فم أصلان (1201) أحمد أفندي قاوقجي ع 7 ذ. (1094) حسن بك بن رجب ع 4 ذ فحن (1260) حفظه بنت أقنجي ع 7 ذ (1250) نفيسه بنت عبد القادر باقي ع 6 ذ وخ في س العدسات (1219) الحاج طه سبحان ع 4 ذ فج الكبير وحن (1163) أحمد بن إبراهيم سياف ع 7 ذ فج مح الشميصاتيه (1260) حفظه بنت التونجي ع 7 ذ فحن (1136) عبد القادر أفندي الكيلاني عر 3 ذ فحن (1189) عايشه بنت قاسم أمير زاده ع 5 ذ وخ فحن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 496 (1274) أسما بنت أبحاهيم بجك ع 5 ذ وخ فزا الكيال (1294) الشيخ أحمد أفندي الصديق و 7 زاويته المعروفة بالمسجد الأحمدي (1234) الحاج أسد الله عر 5 ذ فتك الشيخ أبي بكر (1126) المذكور ع 7 خ. (1278) الحاجه آسيه بنت إبراهيم ع 7 فحن فق مح ساحة بزه. (1295) زليخا بنت عبد القادر كيالي عر 4 خ (1395) الشيخ محمد بن شريف رزاز (نقود) على إمام ج الرومي (1295) عبد الله أبري ع 6 ذ فسكنى فقراء محلة داخل باب النصر (1199) شرف بنت الحاج حسن عر 6 ذ وخ (1162) عفيفه بنت محمد أبازه عر 3 ذوم الروضة في سراي إسماعيل باشا (1196) محمد قرنه (نقود على إمام محلة المزوق فق مح البستان (872) عبد السلام ناصري عر 5 ذ فحن (971) علي بك بن عيد ع 5 ذ وخ وج بيكون في مح أقيول فحن (2294) الشيخ تراب ع 7 تكيته (880) صالح بن أحمد عرب ر 3 ذ وخ في زا لالا فحن ( ... ) جامع المهمندار ع 3 ذ وخ (893) الأرجحي ر 6 خ (896) أحمد بن محمد الأرجحي ر 6 ذ فحن (1282) هاشم بن محمد بيازيد ع 7 ذ فج مح البستان وج السكاكيني (893) الأمير مقبل بن عبد الله عر 5 ذ وخ فحن (1120) حسن بن علي افتخار عر 6 ذ فتك الشيخ أبي بكر (1128) المذكور ع 7 خ سكان داره الموقوفة (1106) أبو بكر حسن النجار عر 6 ذ فتك الشيخ أبي بكر (929) عقيل المنبجي عر 3 زاويته في منبج (1126) طه بن عثمان ع 5 داخل في وقفه السابق وج المغازلة (1292) خالد بن بكري بن جنيد ع 4 ذ وخ في م مقر الأنبياء فق (1212) حنيفه زوجة الخنكارلي عر 6 ذ فوقف زوجها (913) شرف الدين يوسف العادلي الخواجكي ر 6 ذ فحن فق (913) المذكور كسابقه (1214) زمزم بنت قاسم بن عبد الله ع 7 فم أبي ذر في الجبيلة (1275) أحمد آغا السياف ع 7 ذ وخ لتعمير منزله (1279) عبد القادر غنام ع 7 مسجده وسبيله (1278) فاطمه بنت عبد المنان ع 5 فم غنام وخ (1275) عبد القادر غنام ع 5 ذ فق المدينة (1293) عبد القادر غنام ع 5 فمسجده (1276) المذكور ع 5 ذ فالمساجد والجوامع (990) شهاب الدين عمر ع 5 ذ فحن (1166) عمر بك ابن الحاج سليمان ع 6 ذ (1229) آمنة وفاطمه بنتا المواهبي ع 6 ذ فسجادة القادرية من طرقية الخاني (1248) محمد بن عبد القادر الجزء: 2 ¦ الصفحة: 497 عليقه ع 7 ذ وخ في زا المشاطية وسبيلها فج المشاطية (1169) علي الأميري معتق بنت الأميري ع 2 خ فق يثررب (1217) شرف بنت علي بن منصور ع 5 ذ وخ فمدرسة الشرقية (1261) عبد الغني دده ع 7 خ (1201) نفيسه بنت عبد الله ع 7 خ في ج شرف الدين في ساحة الجديدة وصهريج الحريري فق المح المسلمين (1282) يوسف الحسبي ع 7 سبيله وذ فم السروه وج أوغلبك (1298) هاشم بن محمد بيازيد ع 7 ذ فج الكريمية وحن (1298) الشيخ حسن أفندي وادي ع 7 زاويته (1193) حوى بنت عمر العطار ع 6 ذ وخ فالصالحية (1209) إسماعيل بن محمد المواهبي ع 7 الصالحية ثم يلحق بوقف حوى (1231) فاطمه بنت بكري الكردي ع 7 أبو اليمن شويخه فالصالحية فق الحن (1228) صندل آغا بن عبد الكريم ع 6 فق تك المولوية فالشيخ صالح سلطان وأولاده (1288) عبد القادر غنام ع 6 ذ وخ فمسجده (1288) المذكور كسابقه (1255) إسماعيل بن محمد علي بك أنطرمه لي ع 4 مدرسته (1218) محمد علي بن الحاج حجازي ع 6 ذ فج التوبة (1223) عمر الحبال ع 7 ذ فق الح المغازله (1270) فاطمه بنت أحمد المعصراني ع 7 خ (1274) المذكور كسابقه (1265) آمنة بنت خالد ع 7 ج الطرنطائية (1298) درويش بن ناصر عر 6 ج الطرنطائية (1298) آمنة بنت طالب ع 7 ج بادنجك فق مح محمد بك (1290) عايشة بنت يونس بكري ع 7 شيخ زاوية الطرنطائية فمدرستها (1277) خديجه بنت إبراهيم ع 7 ذ فزا العقيلية (1187) عبد الله وحسب الله موقع ع 7 ذ فق مح باب النصر (1178) المذكورين كسابقه (1226) عايشه بنت طه النقانقي ع 7 خ ودرب ماء ج الزكي فق مح باب النصر (1176) محمد بن حسن حريري ع 7 خ وزا العقيلية (1231) عبد القادر شيخبندر ع 7 ذ فج الزينبية (1256) بكري الأرمنازي ر 7 عبد القادر كيال وابنه طه وأعقابهما فزاوية الكيال (1256) يوسف بن باكير الأرمنازي ر 7 عبد الجليل وإسماعيل كيال وأعقابهما فزاوية الكيال (1264) مصطفى بن محرم العنبرجي ر 5 كسابقه (1204) آمنة بنت عبد الجواد كيال ع 6 خ في زا الكيال (1168) عبد الوهاب شريف ع 7 ذ فحن (1167) المذكور ع 7 خ (1299) خليل بن عبد الكريم عقاد ع 7 ج الأربعين في العقبة فق (1206) فاطمه بنت حجازي غنام ع 7 خ (1208) أحمد بن رجب المعرواي ع 7 ذ فشيخ الصالحية. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 498 (1271) وحيد بن محمود جمال ع 7 ذ فق الحن (1279) مصطفى بن محمد الزهراوي ع 5 خ في الحجازية وج الكبير فق (1168) أحمد بن أمير ع 6 ذ فج البلاط وج الكبير (1191) آمنة بنت أحمد الجوخه جي ع 7 ذفق الحن (1296) شريف ابن محمد لبنيه ع 5 ج البكره جي فق المح (1276) إسماعيل بن عبد الجواد كيال عر 4 ذ فزا الكيال (1277) محمد بن مصطفى علبي عر 4 ملحق بوقفه الآخر. (1256) وفا بن محمد الرفاعي ع 7 ذ فزا الشيخ تراب (1222) زليخا بنت أمين الحفار ع 7 ذ وخ فق مح البستان (1263) فاطمه بنت محمد الفحام ع 7 خ (1131) محمد وعبد الرحمن ابنا بكر ع 7 س في مح سويقة علي وخ فيه (1230) علي بن ياسين ع 7 س في الجديده. (1204) علي بن عبد الجواد ع 7 خ (1276) رشيد بن أحمد شريفه ع 6 خ في الشعبانية (1218) إبراهيم أمير زاده ع 6 خ. (902) الزينبي سالم بن سالم ر 6 ذ (1204) ملا أحمد بن مصطفى ع 5 خ في ج قاضي عسكر وس في محلته (1300) محمد صديق بن عبد الحميد الجابري ع 7 مد النارنجية فأقرب جامع إليها (1185) عثمان معتق علي آغا أميري ع 7 خ (1144) عبد الوهاب عمادى عر 5 ذ. (1274) صفيه بنت محمد حسبي ع 7 ذ فج الحموي (852) عمر بن موسى ابن علي المهمندار ع 6 ذ فج المهمندار (1040) فاطمة بنت محمد ع 7 ذ (1206) عفيفه بنت عبد الرحيم ع 7 خ في ج بردبك. (963) محمد باشا دوقه كين عر 1 جامعه في حلب وأركلى وذ. (1185) عبد القادر بن حسين أميري ع 6 سبيله ومكتبه (1306) الشيخ محمد ابن محمد كحيل ر 7 ذ فج الإسماعيلية (1133) عبد الله بن محمود الرهاوي ع 7 خ وذ (835) إقبال بن عبد عبد الله بن متولي الحجر ع 2 ذ فم المدينة ومكة والقدس (1212) صالح بن محمد قطان ع 7 عبد القادر الرفاعي وأعقابه فم خير الله (1141) عبد الله بن عبد العزيز ع 5 خ (1275) بنبة بنت عبد الله بن عبد المنان ع 6 مد الصلاحية. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 499 (1282) عايشه بنت موسى الكردي ع 6 خ في م القدروي. (1202) محمد بن يحيى نقيب ع 5 خ في ج قسطل الحرامي. (1175) محمد بن قاسم وزوجته صالحه ع 7 ذ فخ في ج قسطل الحرامي (1282) أحمد بن محمد جنديه ع 7 خ في م سعد الله الملطي (1189) صفيه بنت حسب الله ع 7 خ (966) نور الدين بن عمر العزيزي ع 7 ذ فحن (1305) محيي الدين بن سعد البادنجكي ع 6 ذ فزا الطرانطائية (1306) فاطمه بنت شريف قرنه ر 7 خ في سر القرنه في سوق باب (1307) محمد رأفت بن أحمد المدني ع 7 ذ. (1303) عايشه بنت رجب ع 6 ذ فق مح الأكراد (1264) حميده بن صالح العطار ع 6 ذ فق مح الأكراد (1264) حميده بن صالح العطار ع 6 ذ فزا الكيال (1263) عبد الله بن علي المشتوق عر 6 ذ فج قرمط (1194) عبد الله بن محمد جمعه ز 7 ذ فق فق الحن (999) عثمان بن أحمد علبي عر 3 ذ فق الحن (1162) محمد بن كمال الدين رام حمداني ع 5 ذ (1171) عبد الرحمن فتحي زنابيلي ع 7 ذ فق مح الطبله (1286) ياسين بن صالح طيبي ع 7 زا سعد اليماني فج المشاطيه (1304) صالح بن محمد جاوش ع 7 س في ج الترسوسي (1274) علي بن يحيى الصرماياتي ع 7 ذ (1267) أسعد أفندي الجابري عر 4 ذ وخ (1270) المذكور 7 ذ وخ (1272) المذكور خ في م أزدمر وغيره (1195) عبدي باشا ع 7 خ في ج الكبير وج بلوقيا (1306) محمد بن بكري «نقود» 7 خ في اليشبكية. (1198) يحيى بن درويش ع 6 ذ فق الشيخ أبي بكر وخانقاه الفرافره (868) محمد الزيني عمر ر 6 ذ فحن (1218) زينب بنت محمد زنابيلي ع 7 ذ فق المدينة المنورة (1297) حسن بك بن إبراهيم باشا عر 4 ذ وخ في ج القدوري فج أبي يحيى في الجلوم (1073) محمد ناصر الدين عر 5 ذ فق (1191) محمد بن كمال الدين رام حمداني ع 4 ذ فحن (1215) محمد بن ياسين بن مصطفى ع 6 ذ وخ فج الموازيني (1186) محمود جباره الأوسط ع 6 س في درب ج البكره جي وج البكره جي (1180) إسماعيل ابن عبد الله ع 4 ذ وخ فج البكره جي وج سليمان (1195) محمد بك بن عبدي باشا ع 5 زا الشيخ تراب (1131) عفيفه بنت محمد آغا ع 7 خ فج الطواشي (1289) حليمه بنت خليل ع 7 ذ فج الأصفر في الجلوم (1297) عبد الله بن محمد الجزء: 2 ¦ الصفحة: 500 ع 6 ذ وخ (1148) مريم بنت خليل أشكجي ع 7 ذ فج العثمانية وج الشعبانية. انتهى الجزء الثاني المشتمل على الباب الأول بعد المقدمة ويليه الجزء الثالث المشتمل على الباب الثاني في ذكر الدول التي تداولت مدينة حلب أو شيئا من مضافاتها والأمم التي توطنت في حلب وأصقاعها من قديم الزمان وحديثه. ثم أتبع ذلك بذكر ما كان من الحوادث والكوائن في زمن كل دولة وأمة وهو مفتتح بقولي: الحمد لله الدائم الباقي، وكل ما سواه فان، المحيط واسع علمه بما يكون وما كان إلخ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 501 فهرست الجزء الثاني من كتاب نهر الذهب في تاريخ حلب الموضوع الصفحة مقدمة المؤلف 5 خلاصة ما قاله المتقدّمون في أسوار مدينة حلب وأبوابها وقلعتها 7 أسوار مدينة حلب 7 أبواب مدينة حلب 10 قلعة الشريف 12 خلاصة ما فهمناه من كلام المتقدّمين ودلّنا عليه الاستقصاء في أسوار حلب وأبوابها 13 هيئة السور والأبواب في زمن المؤلف 18 خندق البلدة 23 قلعة حلب 23 ما قاله المتقدّمون في قلعة حلب 23 الكلام على تشخيص القلعة وما آل إليه أمرها 29 بعض ما مدحت به القلعة 36 في معنى الحارة والخطّة 38 حارة الجلّوم الكبرى 39 حارة الجلّوم الصغرى 39 آثار الجلّوم الصغرى 40 جامع أبي يحيى 40 الجزء: 2 ¦ الصفحة: 503 الموضوع الصفحة سبيل هبة الله الكواكبي، مدرسة الكواكبي، مسجد أبي النور 41 سبيل زهير آغا 41 آثار الجلّوم الكبرى 41 جامع البهرامية، وخلاصة كتاب وقفه 41 المدرسة الأحمدية وخلاصة كتاب وقفها 45 البيمارستان النوري وفيما كان بحلب من البيمارستانات 53 مسجد الشيخ عبد الله 54 مسجد أبي الدّرجين، التربة الخشابية 55 جامع الأصفر، سبيل الأصفر، الزاوية الهلالية 56 المدرسة المقدمية 57 مدفن الجلبي 58 الخانقاه الكاملية، سبيل الست منور، مسجد خان الطاف، مدفن أحمد باشا مطاف 59 البزازية، مسجد في سوق الغزل، مسجد بني الحلفا 60 مسجد زقاق الشيخ نعسان، مسجد الحرام، مسجد تحت باب أنطاكية، مسجد القمري، المسجد العمري 61 مسجد جادة البرقة، مسجد الزيتونة، جامع الكميني 62 المدرسة اليشبكية، مسجد الشيخ معروف، كنيسة الرهبنة الفرنسيسكانية 63 سبلان هذه المحلّة 64 خاناتها وقياصرها (قيسارياتها) حماماتها 65 مدرها، أفرانها، كرخاناتها 66 بيوت القهوة فيها، بقية الآثار القديمة في هذه المحلة «حمام الزجاجين» ، المدرسة الزجاجية 67 الأسر الشهيرة في هذه المحلة 68 الجزء: 2 ¦ الصفحة: 504 الموضوع الصفحة دورها العظام 69 محلة العقبة 70 آثارها: جامع التوتة، مسجد في رأس زقاق الخواجة 71 مسجد ديك العرش، مقام الأربعين، جامع القيقان 72 جامع الكيزواني، الزواية الكمالية، سبلان المحلّة 73 خاناتها وقاسارياتها وحمّاماتها ومدرها، الآثار المندرسة فيها 74 الأسر الشهيرة فيها والدور العظام 75 محلّة قلعة الشريف 76 آثارها: جامع العاشورية، مسجد الشيخ سعيد الأسمر 76 مسجد العلمي، مسجد الغندورة، مسجد الشيخ محمد التابتي، قسطل عين البقرة، سبيل الغندورة 77 محلّة داخل باب قنّسرين 78 آثارها: جامع الديري، مسجد الشيخ شريف، جامع الكختلي 78 جامع الكريمية، وخلاصة كتاب وقفه 79 مسجد الطرسوسي، المدرسة الأسدية، جامع صفي الدين 81 جامع الشيخ حمود، البيمارستان الكاملي 82 مسجد ميرو، مسجد داخل بوّابة خان القاضي 83 سبلان المحلة وقساطلها بقية مبانيها العظيمة، الأسر في هذه المحلة 84 محلة ساحة بزّة 86 آثارها: جامع البقّ، كلمة في البق، جامع الشيخ زين الدين 87 جامع منكلي بغا «المعروف بجامع الرومي» ، المسجد العمري، المدرسة الحدادية 88 المدرسة السفاحية، جامع العادلية وكتاب وقفه 89 الجزء: 2 ¦ الصفحة: 505 الموضوع الصفحة المدرسة الأتابكية، مدفن كوهر ملك شاه 92 المدرسة الخسروية وخلاصة كتب وقفها 93 المدرسة الظاهرية الجوانية المعروفة بالمدرسة السلطانية 98 المدرسة الغوثية 99 مسجد النبي، ومدفن كالب بن يوفنا 100 عرصة الفراتي، مسجد زقاق النبي 102 مسجد الخريزاتي، جامع الموازيني (جامع تغري بردي) ، زاوية الأخضر 103 جامع الخيمي، جامع إسماعيل باشا، زاوية الشيخ تراب، المكتب الرشدي العسكري 104 سبلان المحلّة وقساطلها وخاناتها وقيسرياتها 105 حمّاماتها ومدرها وأفرانها وبيوت القهاوي فيها 106 الأسر الشهيرة في هذه المحلة 107 محلّة الفرافرة 108 آثارها: المدرسة الإسماعيلية 108 زاوية النسيمي، مسجد الشيخ فرج، المدرسة الحسامية 109 جامع الناصرية 110 العصرونية 111 المنصورية، وخلاصة كتاب وقفها 112 جامع الدّليواتي، مسجد أزدمر 113 مسجد الشاذلي، المدرسة الهاشمية، جامع الزينبية 114 خلاصة كتاب وقف الزينبية، الخانقاه الناصرية 115 المدرسة الشعبانية، وخلاصة كتاب وقفها 116 المدرسة السّيافية وخلاصة كتاب وقفها 117 مسجد الحريري، مسجد زقاق القنايات، مزار الشيخ عبد الله 120 الجزء: 2 ¦ الصفحة: 506 الموضوع الصفحة سبيل الجالق، سبيل مؤيد بك، سبيل تجاه جامع الناصرية وغير ذلك، حمامات المحلة ومدرها وأفرانها والآثار المندرسة فيها 121 الأسر الشهيرة في هذه المحلة 122 محلة داخل باب النصر 123 المدرسة الرضائية وخلاصة كتب أوقافها الثمانية عشر 124 ماء هذه المدرسة ووقف المرحوم تقي الدين باشا 133 جامع المهمندار 134 المدرسة القرناصية، المسجد الذي يقال إنه عمري 135 مسجد الشيخ علي الهندي، مسجد المضماري، سبلان المحلة وقساطلها 136 الأسر الشهيرة فيها 137 محلّة سويقة علي 138 آثارها: جامع الحاج موسى وخلاصة كتاب وقفه 138 مسجد (مدرسة) النارنجية 145 جامع الفستق، المدرسة الجردكية 146 زاوية أصلان دده، مسجد معلّق، المدرسة الصلاحية 147 الزاوية الجوشنية 148 المسجد المعلق، مسجد إبراهيم خان، مسجد علي 149 مسجد خان الكتّان، مكتب الصاحبية، سبلان هذه المحلة، خانات هذه المحلة وبقية آثارها 150 حمّام الواساني، أسر هذه المحلة 151 محلة الدباغة العتيقة 152 جامع الدباغة، مسجد شمعون 152 مسجد البكفالوني 153 محلة البندرة 154 الجزء: 2 ¦ الصفحة: 507 الموضوع الصفحة مسجد الحاج تقي الدين باشا، مسجد القدوري 154 المسجد العمري، المحكمة الشرعية 155 مسجد غنام وسبيله، وبقية سبلان هذه المحلة وغيرها من الآثار، دار الجانبلاط 156 محلة المصابن 158 الزاوية الصالحية 158 مسجد الشربجي، مسجد قسطل الحجارين، مسجد النحويّين، مسجد بوابة المصابن، المدرسة الشاذلية، مسجد الشيخ بدران، مكتب الأيتام وغيره 159 قسطل الحجارين، سبيل العداس، سبيل الأميري، سبيل يلبغا وقسطل أبي الدرجين والحمام الجديد، جادتان في هذه المحلة، أسر هذه المحلة 160 محلة بحسيتا 161 مسجد سيتا 161 الجامع العمري 162 المدرسة القرموطية، مسجد القرمانية، مسجد القطان، مسجد الشماع قسطل رجب باشا، قسطل السلطان 163 جنينة التوينة، برج الساعة، كنيس اليهود 164 أسر هذه المحلة 166 محلّة جب أسد الله 167 المدرسة الحلاوية 167 الكلام على تشخيصها في الحالة الحاضرة 170 أوقافها 173 بقية آثار هذه المحلة 176 حمام البيلوني المعروف بحمام موغان 176 جامع بش قبة، الجامع العمري 177 الجاولية، بقية آثار هذه المحلة وخاناتها 178 الجزء: 2 ¦ الصفحة: 508 الموضوع الصفحة خان الصوفي، قصر مرتضى الدولة، وأسر هذه المحلة 179 محلة سويقة حاتم 180 الجامع الأموي الكبير، خلاصة ما قيل فيه، حالته الحاضرة، الحضرة النبوية، الدفين في هذه الحضرة وبقية الكلام على جهات الجامع 180 دار القرآن العشائرية 196 مرتبات الجامع 197 أوقافه 198 كتاب وقفه 200 مطاهر الجامع 201 المدرسة الشرفية 202 الخانقاه الزينبية 204 زاوية بيت الكيّالي 204 سبيل الجزماتي 205 الزاوية الجعفرية 206 المدرسة الأرغونية، مسجد في زقاق الزهراوي وغيره ودار الحديث وغيرها 206 المدرسة الرواحية، أسر هذه المحلة 207 محلة الكلاسة 208 جامع الشيخ عبد الرحيم 208 مسجد الشيخ حسن الراعي، مسجد الشيخ شهاب الدين وغيره، مسجد أبي الرجاء، جامع حسّان، مشهد الشيخ محسن ومشهد الحسين 209 مشهد عبد الله الأنصاري (أو: سعد الأنصاري) 214 مشهد الشيخ سعيد، الآثار المندرسة قرب مشهد الشيخ محسن، والأسر في هذه المحلة 215 حارة المغاير 217 الجزء: 2 ¦ الصفحة: 509 الموضوع الصفحة حارة الفردوس 218 عمارة ضيفة خاتون 218 عمارة الهروي 221 بقية آثار هذه المحلة 223 حارة المقامات 224 آثارها وهي كثيرة 224 محلّة المعادي 228 جامعها وغيره، بقية آثارها ومغايرها 228 محلّة جسر السلاحف 230 محلة الشماعين وبقية آثارها 231 محلة العينين وآثارها 234 تكية مولى خان (المولى خانة) 234 محلة القوانصة 238 محلة المشارقة وآثارها 239 محلة الكتّاب وآثارها 240 محلة الجميلية وآثارها 241 المكتب الإعدادي 243 الجامع الحميدي وكتاب وقفه 243 مستشفى مارلويس ومحطة الشام، مكتب دار المعلمات 246 دار الأيتام، كنيس اليهود، بقية آثار هذه المحلّة وأسرها 247 محلة قارلق، وآثارها 248 محلة تاتارلر، وآثارها 250 محلة الدلالين 251 جامع الأحمدي وكتاب وقفه 251 الجزء: 2 ¦ الصفحة: 510 الموضوع الصفحة محلة الصفا، محلّة المشاطية وآثارها 253 محلة الفرايين الفوقاني وآثارها 254 محلة الفرايين التحتاني 254 محلة شاكر آغا 255 محلة حمزة بك وآثارها 255 محلة ابن يعقوب، وآثارها وأسرها 256 محلّة البلّاط التحتاني وآثارها 258 محلة خان السبيل 260 جامع بانقوسا 260 قبر بانقوس 260 كلمة بانقوسا 262 كتاب وقف جامع بانقوسا 262 الكلام على قهوة البن 263 بقية آثار هذه المحلة وأسرها 264 محلة جقورجق 265 محلة صاجليخان الفوقاني 265 محلة البلّاط الفوقاني وآثارها 266 محلة جب قرمان وآثارها 267 محلة صاجليخان التحتاني وآثارها 268 محلة تلعران وآثارها 269 محلة الضّوضو وآثارها 271 محلة السخانة، ومحلة البقّارة 273 محلة محمد بك وآثارها 274 جامع الطرنطائية، قسطل علي بك، جامع قرمط، جامع شبارق، مدرسة البدوي، زاوية الشيخ حيدر، جامع التوبة 274 الجزء: 2 ¦ الصفحة: 511 الموضوع الصفحة حارة كتّان وآثارها 278 محلة بادنجك وآثارها 279 محلة الصفصافة وآثارها 280 محلة الدحدالة وآثارها 281 محلة البستان وآثارها 282 محلة الأعجام وآثارها 283 جامع الأطروش 283 مسجد أشق تمر 285 بقية آثار المحلة 286 محلة داخل باب المقام وآثارها 287 مقبرة الصالحين 289 محلة المغازلة وآثارها 290 جامع بيز (بزة) 290 محلة داخل باب النيرب 293 جامع الطواشي وبقية آثارها 293 محلة ألطنبغا 296 جامع ألطنبغا (جامع الساحة) 296 بقية آثار المحلة، حمام الناصري، تربة أرغون الدودار الناصري، الأسر في هذه المحلة 297 محلة أوغلبك 298 جامع أوغلبك، الزاوية الصيّادية 299 بقية آثار هذه المحلة وأسرها 300 محلة البياضة وآثارها: 301 جامع الحموي، جامع الصروي 301 الجزء: 2 ¦ الصفحة: 512 الموضوع الصفحة مسجد سعد الله الملطي، التكية الإخلاصية 302 بقية آثاره هذه المحلة وأسرها 303 محلة مستدام بك، جامع المستدامية وأوقافه 305 المدرسة الرحيمية وبقية آثار هذه المحلة 307 محلة شاهين بك 308 المسجد العمري وغيره، تكية القرقلار 308 عين العوينة، دار الحكومة 309 محلة الجبيلة وآثارها: 310 المدرسة الكلتاوية 310 الكلتاوية الصغرى والأتابكية 310 آثار هذه المحلة، مسجد إسكندر وتربته وغيرها 312 محلة قاضي عسكر وآثارها 313 جامع هذه المحلة، أسرها 313 محلة ابن نصير وآثارها 314 محلة الأبراج وآثارها 314 محلة الشميصاتية وآثارها: 315 جامع الحدادين 315 بقية آثارها، الرباط العسكري «القشلة» 316 زاوية الشيخ يبرق وكتاب وقفها 318 تربة اعرابي، قرية بابللى ومسجدها، مشهد الشيخ فارس 322 محلة الملندي 323 آثار هذه المحلة 323 محلة أغير 324 تكية بابا بيرام 325 الجزء: 2 ¦ الصفحة: 513 الموضوع الصفحة طائفة القلندرية، مشهد الصوفية 326 جامع الأجه بك، مسجد التينة 326 القسطل الأسود 327 بقية آثار هذه المحلة، مسجد البختي 327 محلّة الرمادة 327 حارة الألماجي 328 جامع الميداني 328 مسجد سيه جان 329 مسجد الفرّاء، حمام الصارمي وقاساريته، بقية آثار هذه المحلة 329 حارة الشّرعسوس 331 كنيسة طائفة الروم الكاثوليك 331 حارة قسطل المشط 332 قسطل هذه المحلة ومسجدها 332 حارة البساتنة 334 مسجد قنبر 334 حمام البساتنة 334 محلة قسطل الحرامي 335 جامع بردبك 335 تربة شرف الدين، جامع الابن، مسجد العاشور 337 بقية آثار هذه المحلة: قسطل الرمضانية، قناة بردبك، الرمضانية، مستشفى الرمضانية العسكري 338 حارة زقاق الأربعين 340 حارة بيت محب 341 زاوية العقيلية 341 الجزء: 2 ¦ الصفحة: 514 الموضوع الصفحة حارة ترب الغرباء وآثارها: 342 تكية المخملجي، مسجد الشيخ وفا، مسجد نور الدين، قسطل ترب الغرباء، كنيسة السريان اليعاقبة، كنيسة البروتستان 343 حارة المرعشلي 344 مسجد المرعشلي 344 بقية آثارها 345 حارة جقور قسطل 346 آثارها: مسجد العريان وغيره 347 حارة الماوردي وآثارها 348 حارة خراب خان: جامع الشيخ قاسم النجار 349 بقية آثار هذه المحلة 350 حارة عنتر 351 قسطل الزيتون 351 حارة النوحية وآثارها 352 حارة الشيخ أبي بكر وتكيته 353 مستودعات لحفظ الأعتاد الحربية، الميدان الأخضر 354 نموذج الزراعة، دار اللبن، دار المعلمين، العين البيضاء 355 عين التل، عين الميدان 356 حارة النيّال 357 حارة الحميدية 359 حارة السليمانية 360 حارة الأكراد 361 جسر الكعكة 362 الجزء: 2 ¦ الصفحة: 515 الموضوع الصفحة حارة الطبلة 363 جامع الزكي، زاوية البعاج 364 بقية آثار هذه المحلة 365 محلّة القوّاس 366 مسجد السيدا 366 كنيسة الرهبنة اليسوعية 367 حارة المغربلية 368 مسجد الأكحل 368 حارة العطوي الكبير ومسجدها 369 حارة العطوي الصغير ومسجدها 370 حارة عبد الرحيم 371 حارة عبد الحي 372 جامع شرف 372 حارة الهزازة 374 مستودع ماء عين التل 374 حارة الغطاس 376 مقبرة الهمداني 376 حارة التومايات 378 كنيسة طائفة الأرمن الكاثوليك 378 حارة الصّليبة (الكبرى) 381 أسرها وآثارها 382 كنيسة الروم الأرثوذكس 383 كنيسة الأرمن 384 الجزء: 2 ¦ الصفحة: 516 الموضوع الصفحة كنيسة طائفة الروم الكاثوليك 387 كنيسة الطائفة المارونية 389 الكلام على الموارنة 391 كنيسة السريان الكاثوليك 391 حارة الصليبة الصغرى 393 حارة بالي برغل 395 محلة العزيزية 396 كنيسة الطائفة الكلدانية 397 مدرسة الراهبات مار يوسف 398 مدرسة الرهبنة البيضاء 398 كلمات حول هذه الرهبنة 399 كنيسة اللاتين، مستشفى الطبيب أنطونيان والمنشية 399 المخفر العسكري، منتزه السبيل، الرباط العسكري 400 محطة بغداد، والأسر المسيحية 400 حارة الشمالي (الجديدة) 401 جامع ابشير مصطفى باشا وكتاب وقفه 401 كوجك كلاسة، مسجد المحتسب وغيره 405 حارة القصيلة وآثارها 406 حارة القرباط 409 حارة البقّارة 410 مزار الشيخ جاكير 410 حارة أعراب المشارقة 411 الأوقاف الإسلامية 412 الأوقاف الذرية والأوقاف الخيرية 414 الجزء: 2 ¦ الصفحة: 517 الموضوع الصفحة الأوقاف وأقسامها وإدارتها 414 خلاصة كتاب وقف إبراهيم خان وعلاء الدين ذي القدري 415 خلاصة كتاب وقف علاء الدين 423 جدول مستخرج من سجلات المحكمة الشرعية يتضمن الإشارة إلى نحو 1300 كتاب وقف 427 الرموز المستعملة في الجدول الآنف الذكر 428 الجدول المستخرج من سجلات المحكمة الشرعية 428 جدول الوقفيّات الموجودة في السجلات المشوشة التاريخ 482 الوقفيات المحررة في سجلات إدارة الأوقاف 486 خاتمة هذا الجزء 501 الفهرس 503 الجزء: 2 ¦ الصفحة: 518 [ الجزء الثالث ] كلمة لا بد منها بهذا الجزء الثالث من «نهر الذهب» ينتهي الكتاب، وقد تأخر ظهوره قليلا بسبب عزم الناشر على طباعة الكتاب بطريقة التنضيد الضوئي بدلا من طريقة التصوير التي تبقي متن الكتاب كما كان عليه قبل سبعين سنة خلت. وهكذا قمت بتحقيق الجزء الأول ومراجعته والتعليق عليه. كما قام الدكتور شوقي شعث بمثل ذلك في الجزء الثاني، على ما تقتضيه الطرائق العلمية. هذا، وقد تابعت العمل في هذا الجزء الثالث- الذي ينتهي به الكتاب- بالطريقة نفسها التي سرنا عليها في الجزءين السابقين، وحرصت على تقسيم المتن إلى فقرات رئيسية، وعلى الاهتمام بعلامات الترقيم في مواضعها المناسبة، لأن الكتاب أصلا يكاد يخلو منها. وقد تكونت لديّ خلال ذلك جملة من الملاحظات المتعلقة بهذا الجزء خاصة. رأيت ذكرها ضروريا، وأنا أجملها فيما يلي: 1- يلاحظ القارئ ضخامة الجزء الثالث، بالقياس إلى سابقيه، وسبب ذلك أن المؤلف- رحمه الله- تحدث فيه عن تاريخ حلب والحوادث التي طرأت فيها منذ الفتح الإسلامي، سنة سنة، على طريقة الطبري وابن الأثير في تاريخيهما، حتى سنة 1338 هـ، الموافقة لسنة 1920 م. زد على ذلك أنّ المؤلف استطرد كثيرا إلى ذكر حوادث لا تتصل بتاريخ حلب، مثل كلامه على الإنكشارية، وأسباب الزلازل، والحرب العامة «الأولى» ، وتاريخ بني عثمان، والدولة الفرنسية. وكذلك إفاضته في الكلام على الحوادث التي عاصرها، أو كانت قريبة من عصره. 2- في هذا الجزء أغلاط مطبعية كثيرة، غير ما ذكره المؤلف في جدول إصلاح الغلط، المثبت في آخر الجزء. وبعضها كان ترخصا من المؤلف في الكتابة، وعدم الالتزام بطريقة واحدة في الرسم. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 5 وقد صححت الأغلاط المطبعية والإملائية كلها، ولكني لم أشر في الهوامش إلا إلى المهمّ منها. أما ما كان من أسلوب المؤلف في الكتابة، ومن لغته وإنشائه، فقد أبقيته كما هو؛ لأن المؤلف أشرف على طباعة الكتاب بنفسه فهو بمنزلة النسخة الخطية الخاصة به. ولذا علقت على تلك المواضع، أو أشرت إليها، لئلّا يظن القارئ أنها أغلاط مطبعية. ولم أبدّل في النص أو أتصرف فيه إلا إذا كان شعرا مضطرب الوزن، أو كان نثرا منقولا، أصابه التحريف أو النقص في النقل، فعندئذ أقوّم الوزن أو أصلح التحريف والنقص بعد العودة إلى المصدر الأصلي، مع الإشارة إلى ذلك في الهوامش. وقد وضعت بين مربعين ما زدته من أجل تقويم النص واستقامة التركيب. 3- ينفرد هذا الجزء الثالث بأن المؤلف أثبت فيه بعض الحواشي، وهي قليلة، فذيلتها بكلمة «المؤلف» لئلا تختلط بغيرها مراعاة للأمانة العلمية. 4- لا يلتزم المؤلف برسم واحد معتمد لأعلام المدن والأشخاص، أو للكلمات الأعجمية، فتقرأ في هذا الجزء مثلا: «الإنكشارية، واليكجرية» وهما اسمان، أو لفظان، لمسمّى واحد، وكذلك بلدة «أدنة» التركية، ترد عنده بعدة أشكال أخرى: «أذنة، آذنة، أطنة ... » . ومثل ذلك: «الأرناووط، الأرناوود، الأرناود، الأرناوط» و «طولمبة، طلنبة» يعني المضخّة ... إلخ. وقد تركت ذلك كله على ما هو عليه واكتفيت بالإشارة إليه هنا، بغية الاختصار، وإزالة لما قد يعتري القارئ من شكّ أو التباس، إزاء تعدد الصور في رسم الكلمة الواحدة. 5- بعض الكلمات الغريبة- وهي قليلة جدا- كانت تتكرر في صفحات هذا الجزء، فكنت أعيد شرحها ثانية باختصار بدلا من الإحالة على صفحة سابقة، خدمة للقارىء المتعجّل. تلك هي جملة الملاحظات التي بدت لي في هذا الجزء. والله الهادي إلى سواء السبيل. حلب 5/12/1991 محمود فاخوري الجزء: 3 ¦ الصفحة: 6 [ مقدمة المؤلف ] بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله الباقي وكل ما سواه فان، المحيط واسع عمله بما يكون، وما قد كان، والصلاة والسلام الأتمّان الأكملان على خيرة بني الإنسان وتابعيهم بإحسان، ما توالى الجديدان وتعاقب الحدثان. وبعد، فيقول العبد الفقير إلى الله كامل بن حسين بن محمد بن مصطفى الغزّي البالي الحلبي: هذا هو الجزء الثالث من كتابي (نهر الذهب في تاريخ حلب) وهو الجزء الضّامّ بين دفتيه الباب الثاني المخصص بذكر ما طرأ في مدينة حلب وبعض أعمالها وما نشأ فيهما من الحوادث والكوارث التي هي تنقّل الدول وتبدّل الحكام والحروب والزلازل والصواعق والحرائق والأوبئة والطواعين والفتن والقحط والغلاء والمجاعات، وغير ذلك من الكوائن والنوازل المعدودة من غرائب الأمور وعجائب المقدور. افتتحت هذا الباب بإجمال أشرت به إلى الأمم التي أوطنت حلب وأصقاعها، والدول التي تولتها قبل الفتح الإسلامي. وأعقبته بإجمال آخر ألمعت به إلى الدول والرجال الذين تولوا حلب وحكموا فيها بعد الفتح. ثم أتيت بفصل ذكرت فيه خلاصة من خبر فتحها عن يد المسلمين. ثم أفضت بذكر ما كان فيها وفي بعض أعمالها من الحوادث في زمن كل دولة من الدول التي تولت أحكامها مرتبا إياها على السنين، بادئا بذكرها منذ سنة (16) هـ منتهيا منها بالسنة التي يصدّ فيها القلم عن شوطه صادّ محكم وقضاء محتّم. وكنت أعددت لهذا الباب مسودة يربو مجموعها على ألفي صحيفة، نحوت بها منحى الإسهاب والإطناب، ثم عدلت عن هذا المنحى إلى سبيل الإيجاز والاختصار إرضاء لأكثر الناس الذين تميل رغباتهم إلى الوجازة وتملّ من الإطناب والإطالة. ومن الله أستجدي الإمداد وأستهدي بنور هدايته إلى سنن الرشاد والسداد. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 7 إجمال في ذكر الأمم التي أوطنت حلب وأصقاعها والدول التي تولتهما قبل الفتح الإسلامي أول من أوطن هذا الصقع الآراميون، أي بنو آرام بن سام، وهم الكلدان ثم السريان. وفي أثناء وجودهم في هذا الصقع كان فرار الخليل من النمرود فجاء إلى حلب وبقي فيها مدة ثم قصدت حلب إحدى طائفتي الحثيين، وهم من ولد حث بن كنعان، رابع أبناء حام، وكانوا يسكنون جبال أمانوس فتغلبوا على الآراميين وطردوهم من صقع حلب وأسسو في هذه النواحي مملكة قوية كادت تضاهي المملكة المصرية في وقتها. والحثيّون مختلف في جنسيتهم: فالجراكسة يزعمون أنهم هم الحثيّون، وبعضهم يرى أنهم هم اللاتين، ومن الناس من يزعم أنهم عرق تاتاري. والله أعلم. امتدت سطوة الحثيين إلى جميع سوريا والجزيرة وبلاد اليونان وآسيا الصغرى وبلاد إيطاليا وتغلبوا على مصر. ويقال إن الملوك الرعاة فيها كانوا منهم. ثم إن ملوك مصر تغلبوا على الحثّيين في هذه الجهات وملكوها منهم، وهم تدمس الأول وتدمس الثاني، وذلك قبل الهجرة المحمدية بنحو 3708 سنة، أو أقل بنحو 15 سنة. ومن آثار أولئك المصريين في حلب الحجر الأسود المحرر بقلم الهيروكليف بجدار جامع القيقان الذي أشرنا إليه في الكلام على محلة العقبة في الجزء الثاني. ثم إن الحثيين حاربوا المصريين وأخرجوهم من حلب وأصقاعها، فمشى عليهم تدمس الثالث وملك منهم صقع حلب وغيرها من بلاد سوريا فصالحوه على ما ملكه من بلادهم. وبقيت بأيديهم إلى أن نقضوا الصلح في أيام رعمسيس الثاني فقصدهم مع من اجتمع إليه من سكان سوريا وتألب عليه بقية ملوكها وحشدوا لقتاله جيشا جرارا كان منه مع ملك حلب فقط ثمانية عشر ألف مقاتل. ونشبت الحرب بين الفريقين قرب بحيرة قادس أو الجزء: 3 ¦ الصفحة: 9 قدس، وهي بحيرة حمص، فكان الظفر لرعمسيس، وتمزق جيش الحثيين وغرق الكثير من حاميته. وكان من جملة الغرقى ملك حلب غير أنه نشل من الماء ونكس فعاودته الحياة. ثم وقع الصلح بين الأمتين وبقي صقع حلب في يد الحثيين إلى أن اكتسح خلفاء موسى أريحا وسبوا وأحرقوا وخربوا ثم فتحوا عمان فارتفعت العماليق إلى أرض سوريا وهي قنسرين وتغلبوا على مدينة حلب واتخذوها حصنا لهم وما برحوا منها حتى قصدهم إيواب ابن سيرويا وزير داود وأخذها منهم، وذلك قبل الهجرة المحمدية بنحو 1665 أو أقل بنحو 42 سنة. حكى بعض أحبار اليهود في كتاب له أنه وجد في قلعة حلب سنة 1220 هـ حجر مكتوب فيه بالعبرانية ما ترجمته: (أنا إيواب بن سيرويا أخذت هذه القلعة) . لم تزل هذه الأصقاع تحت سلطة الفلسطينيين حتى أخرجهم منها ملوك بابل قبل الهجرة بنحو 1303 سنة. وعلى رأي فينكلار الألماني: بنحو 1476 سنة. وكانت هذه الأمة تعبد الأصنام وكان لهم في جبل سمعان صنم يعبدونه اسمه نبو (ذكرناه في الكلام على الملل والنحل في حلب وجهاتها قبل الفتح الإسلامي في الجزء الأول من المقدمة) . وقرأت في كتاب «بابيلونيا وشيريا» لمؤلفه فينكلار الألماني أشهر علماء التاريخ، وكتابه هذا مطبوع باللغة الألمانية سنة 1892 م، أنه في سنة 854 ق. م خرج سلمناصر من نينوى وسار إلى وادي البليخ واستولى على ملك شيخ جمو الذي قتله شعبه لضعفه. ولما بلغ سلمناصر الفرات اجتازه على سفينة من الجلود وأتى الموضع المعروف باسم سور أو تيراسباط، وهو على ضفة الفرات، فعقد هناك جمعية دعا إليها جميع الملوك الذين يدفعون إليه الجزية، وهم سنكار وأمير قاركمش وقوندابيسبى، وأمير كمخ وأرامي وأمير غوزي ولاللي وأمير ملتينه، وخيماني أمير دولة كبر، وكلبرودا أمير باتين وكركم التي عاصمتها مركاسى (مرعش) . وبعد انقضاء هذه الجمعية فارق سلمناصر أو تيراسباط وقصد خلمن (حلب) ودخلها وقرب فيها الذبائح للوثن (رمن) وهو على رأي فينكلار معبود الحلبيين إذ ذاك. ثم قال فينكلار: «قال بعض المؤرخين: كانت حلب في أيام الدولة البابلية مدينة تجارية حرة مستقلة، مستدلا على ذلك بعدم ورود ذكرها في الحروب التي نشبت بين الجزء: 3 ¦ الصفحة: 10 البابلية وبين دول سيريا وفلسطين، وإن سبب استقلالها هو خطورة موقعها الجغرافي المتوسط بين آسيا الكبرى والصغرى فكانت مستقلة باتفاق سائر الدول. وقال بعض المحققين: إن سوريا كانت في تلك الأيام ذات حضارة تفوق ما كانت عليه منها جميع المملكة الآشورية، مستدلا على ذلك بنقل الوثن (رمن) من سوريا إلى نينوى وعبادة أهلها إياه مع معبودهم الوطني. فلو لم تكن سوريا في ذلك الزمن أرقى من نينوى حضارة ومدينة وصناعة لما اختار أهل نينوى الوثن (رمن) ونقلوه إلى عاصمتهم واتخذوه معبودا لهم مع وجود معبودهم. واستدل بعض علماء التاريخ من الآثار العاديات على أن الوثن (رمن) هذا كان آله العواصف في سوريا وأنه سنة 2000 ق. م بني له هيكل في نينوى» . اه كلام فينكلار. قلت: لم تزل حلب تحت سلطة البابليين حتى ملك الساسانيون في أيام الملك دارا «نينوى» وامتدت سطوتهم إلى سوريا وبقيت في أيديهم حتى أخذها منهم إسكندر المكدوني، وصارت حلب موطنا لليونانيين وأحسنوا إلى أهلها فتخلّقوا بأخلاقهم واعتنى اليونانيون بسورية الشمالية وجددوا فيها عدة بلدان كأنطاكية وأفامية والسويدية. ثم إن سليقوس نيكادور أحد ملوك اليونانيين لما استولى على أنطاكية بعد 21 سنة من جلوسه قبل الهجرة بنحو 945 سنة- جدد بناء مقدار النصف المتهدم من حلب، وهو الذي بنى القلعة على التل المشهور بإبراهيم الخليل، وأمر اليهود بأن يترددوا للتجارة إلى هذه البلدة ويقيموا فيها وفرض عليهم بعض الضرائب، فاستوطنوها وكثر عددهم فيها حتى بلغت مساحة دورهم مقدار نصف ساعة طولا وكان لهم فيها عدة معابد. لم تزل حلب في حوزة اليونانيين إلى أن انتزعها منهم الرومان سنة 64 أو 65 ق. م، وملكوا معها سوريا وأنطاكية وجعلوا حلب عاصمة ملكهم. وقبل الهجرة المحمدية بنحو 498 سنة أمر الإيمبراطور تريان اللاتيني بضرب السكة بحلب، وكان مرسوما على أحد جانبيها صورته وعلى الجانب الآخر كلمة (برويا) . وقبل الهجرة بنحو 52 سنة حاربت الفرس الملك كيروليس الشرواني في أنطاكية وحلب وقنسرين ومنبج وأحرقوا منبج وأنطاكية وقنسرين. أما حلب فقد كان فيها من قبل الملك كيروليس بطريق يقال له موغان (وإليه تنسب الجزء: 3 ¦ الصفحة: 11 كنيسة موغان وحمام موغان في حلب) صالح الفرس على حلب بدراهم دفعها إليهم، ثم جدد الملك كيروليس ما تهدم من سورها وقت المحاربة وذلك من باب الجنان إلى باب النصر، وكان بناؤه من القرميد الغليظ. ولم تزل بأيدي الرومان حتى فتحت تحت راية المسلمين في خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 12 إجمال في ذكر الدول والرجال الذين تولوا حلب بعد أن فتحها المسلمون أول دولة حكمت حلب دولة عمر بن الخطاب ثاني الخلفاء الراشدين، ثم بقية الراشدين ثم الدولة الأموية ثم المروانية ثم العباسية العراقية. ثم استقل بها أحمد بن طولون في سنة 264 واستمر بها هو وأعقابه من بعده إلى أن ضبطها منهم الأفشين. ثم عادت لبني طولون وكانوا هم والأفشين يخطبون باسم خلفاء الدولة العباسية العراقية. وفي سنة 286 عادت لحكم الدولة العباسية المذكورة. ثم في سنة 329 استولت عليها الدولة الإخشيدية فلم تطل مدتهم بها وانتقلت إلى الدولة الحمدانية سنة 333 ثم استولت عليها الدولة الإخشيدية مدة ثم عادت إلى سيف الدولة 336 وكانت الدولة الإخشيدية والحمدانية يخطبان فيها بأسماء خلفاء الدولة العباسية العراقية. وفي أيام سيف الدولة استولى عليها الروم مدة قليلة ثم بارحوها وعاد إليها سيف الدولة. ثم استولت عليها الدولة العلوية المصرية فلم تطل مدتها، وانتقلت منها إلى الدولة المرداسية سنة 414 وبعد مدة عادت لحكم الدولة العلوية المذكورة. ثم في سنة 433 عادت للمرداسيين. ثم في سنة 449 عادت للدولة العلوية. وفي سنة 452 رجعت للمرداسيين وخطبوا فيها باسم خلفاء الدولة العلوية المصرية. ثم في سنة 462 صاروا يخطبون باسم خلفاء الدولة العباسية العراقية. وفي سنة 473 دخلت تحت سلطة شرف الدولة مسلم بن قريش صاحب الموصل وفي سنة 478 اقتتل مسلم المذكور مع سليمان بن قطلمش السلجوقي صاحب قونيه، فانكسر مسلم وقتل وانهزم عسكره. وكان الشريف أبو علي الحسن بن هبة الله مقدم الأحداث في حلب ورئيسها، فانفرد بها. وكان سالم بن مالك العقيلي بقلعتها وهو ابن عم مسلم المذكور، وكان أخو مسلم إبراهيم بن قريش محبوسا فقصده بنو عقيل وأخرجوه وملّكوه حلب. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 13 ثم دخلت تحت سلطة السلجوقية وأقاموا فيها عاملا من قبلهم (أقسنقر) جدّ نور الدين محمود زنكي. وفي سنة 490 كان واليها رضوان بن تتش السلجوقي، فخطب للمستعلي بأمر الله العلوي المصري أربع جمع ثم أعاد الخطبة باسم الخلافة العباسية العراقية. وفي سنة 511 دخلت في حوزة الدولة الأرتقية حكّام ماردين وهم من أتباع السلاجقة. ثم نزعت منهم إلى أقسنقر البرسقي صاحب الموصل سنة 515 واستناب بها ولده إلى سنة 522 وفيها استولت عليها الدولة الأتابكية الزنكية. ثم في سنة 578 انتقلت إلى الدولة الأيوبية. ثم في سنة 657 استولى عليها التتر المنسوبون إلى جنكزخان ثم بارحوها. ثم عاودوها في سنة 658 ثم فارقوها. ودخلت بعدهم في دولة الأتراك مماليك الدولة الأيوبية. وفي سنة 892 استولت عليها الدولة الجركسية مماليك دولة الأتراك، واستمر فيها إلى سنة 922 وفيها دخلت في المملكة العثمانية القائمة على أنقاض أحد فروع الدولة السلجوقية. وفي سنة 1014 عصي علي باشا الجانبولاد على الدولة العثمانية واستقل بحلب وغيرها سنتين ثم أخضعته الدولة واستردت ما كان استولى عليه من بلادها التي من جملتها حلب. وفي سنة 1235 استولى عليها أهلها مدة أشهر ثم رجعت لحكم الدولة، وفي سنة 1248 استولى عليها مع غيرها إبراهيم باشا ابن محمد علي باشا خديوي مصر، واستمرت بأيدي المصريين إلى سنة 1255 وفيها عادت إلى الدولة العثمانية مع بقية ما أخذته منها خديوية مصر. وفي سنة 1266 استولى أهلها عليها عدة أيام ثم أعيدت إلى الدولة. وفي سنة 1337 خرجت من حكم الدولة العثمانية ودخلت تحت حكم الدولة العربية الفيصلية المسيطرة على سوريا. وبعد سنة انضمت إلى الوحدة السورية تحت الانتداب الفرنسي. خبر فتح حلب عن يد المسلمين فتحت حلب في خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه سنة 15 من الهجرة النبوية أيام الخريف، سنة 633 ميلادية، عن يد خالد بن الوليد وأبي عبيدة رضي الله عنهما وكان فتحها صلحا وفتح قلعتها عنوة. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 14 قال الواقدي ما ملخصه: بعد أن صالح أهل قنسرين أبا عبيدة وخالدا على مال معيّن ودخلا قنسرين واختطّا بها مسجدا، بلغ ذلك أهل حلب فخافوا، وكان رئيسا عليهم «يوقنا» و «يوحنا» أخوان يسكنان القلعة، وكان أبوهما قبلهما يملك حلب إلى الفرات. وكان هرقل ملك الروم يهابه لشجاعته ودهائه وقد انتزعه من رومية خوفا منه فجاء إلى العواصم واستخلص قلعة حلب لنفسه وحصّنها وسكنها. وكان ولده الصغير منزويا عن الرئاسة إلى الترهب، ولما بلغه خبر قدوم أبي عبيدة أشار على أخيه بالصلح فأبى إلا الحرب وسار بجيوشه الجرارة التي منها 12 ألف فارس إلى كفاح أبي عبيدة قبل أن يصل إلى حلب. وكان أبو عبيدة بقنّسرين غير عالم بالحال قد جهز كعب بن ضمرة ومعه ألف فارس وسيّره إلى حلب لفتحها. فسار كعب حتى إذا صار على نحو ستة أميال من حلب دهمه يوقنا واشتعلت الحرب بينهما. وكان أبو عبيدة مشغولا مع مشايخ أهل حلب ورؤسائهم قدموا عليه إلى قنسرين يطلبون منه الصلح والأمان بعد أن سار يوقنا لقتاله وسلكوا إلى قنّسرين غير الطريق الذي سلكه يوقنا. ولما صالحهم أبو عبيدة وأمّنهم رجعوا إلى حلب. وقبل أن يصلوها فشا خبر صلحهم حتى بلغ يوقنا وهو يحارب كعبا، وكعب في غاية القلق الضجر، وقد تلف من عسكره زهاء مائتي رجل من أعيان الصحابة. فلما سمع يوقنا خبر الصلح اضطرب جيشه وارتد على عقبه. ثم إن أبا عبيدة لما أبطأ عليه خبر كعب نهض بعسكره يريد حلب وعلى المقدمة خالد ابن الوليد. فما كان غير قليل حتى أشرف على كعب وعلم بما دهمه ثم ساروا جميعا إلى حلب فرأوا يوقنا وجنوده قد أحدقوا بأهل البلد يريدون قتلهم وهم يقولون: ويلكم صالحتم العرب ونصرتموهم علينا. ثم أدخل يوقنا عبيده على أهل البلد وجعلوا يقتلونهم على فرشهم وأبواب منازلهم. فنظر يوحنا من القلعة إلى البلد ورأى القتل في أهله فعارض أخاه يوقنا فلم يفعل، فأغلظ له الكلام فغضب عليه وقتله. وكانت رايات المسلمين قد أشرفت عليهم ولما سمع خالد ضجيج أهل البلد وبكاءهم قال لأبي عبيدة: هلك أهل ذمتك. وحمل على جماعة يوقنا فلم ينج منهم سوى من لجأ إلى القلعة. ودخل المسلمون حلب من باب أنطاكية وحفّوا حولهم بالتراس داخل الباب وبنوا ذلك المكان مسجدا. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 15 وكان يوقنا تحصن بالقلعة مع شرذمة من جنده واستعدوا للحصار ونصب المجانيق ونشر السلاح على الأسوار. ثم إن خالدا وأبا عبيدة سألا عن يوقنا فأخبرا بشأنه مع أخيه يوحنا وأنه قتله وألقاه في رأس سوق الساعة (محلة سوق الضرب) فكفنه أبو عبيدة وصلى عليه ودفنه في مقام إبراهيم (مقبرة الصالحين) . ثم إن المسلمين جدّوا في حصار القلعة وشنّت غاراتهم في بقية البلاد إلى الفرات. ثم زحفوا على القلعة فلم يفوزوا منها بطائل لحصانتها. وصادف الروم غرّة فهجموا على المسلمين ووضعوا السيف فيهم. ثم جدّ المسلمون في قتالهم فدحروا الروم واقتطعوا منهم زهاء مائة رومي. ثم خرج علّاقة المسلمين إلى وادي بطنان ليأخذوا الميرة منه وقد صالحهم أهله فاختار يوقنا ألفا من فرسانه وسيّرهم في الليل فالتقوا بالمسلمين قرب الصبح واقتتل الفريقان قتالا شديدا وقتل من المسلمين ثلاثون رجلا، كلهم من طيّئ وانهزم الباقون، وملكت الروم أثقالهم ومواشيهم، ثم عقروا المواشي وكمنوا في الجبل خوفا من المسلمين وقد عزموا على الرجوع إلى القلعة ليلا. ولما رجع المسلمون إلى أبي عبيدة وأخبروه بما جرى سيّر لقتال الروم الكامنين خالدا ومعه بعض رجال صناديد، فسار إليهم وكمن لهم حتى خرجوا من مكمنهم في أوائل الليل فوثب خالد عليهم فدهشوا وولّوا منهزمين. وغنم المسلمون جميع أثقالهم ورجعوا إلى أبي عبيدة وقد انتبه لمكايد الروم وسدّ عليهم المسالك حول القلعة حتى لو طار طائر لاقتنصوه. وأقام القوم على ذلك مدة حتى ضجر أبو عبيدة وكتب إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه يخبره الخبر ويستأذنه بالانصراف عن قلعة حلب لصعوبة مأخذها وقلة العسكر. فبعث إليه عمر عصبة من حضرموت وأقاصي اليمن من همدان ومدان وسبأ ومأرب زهاء أربعمائة فارس وثلاثمائة مطية مردوفين، ومائة وأربعين ماشيا. فأخذ لهم من مال الصدقات سبعين بعيرا ليتعقبوا عليها وكتب إليه ينهاه عن الانصراف عن القلعة أو تسلّم إليه، وأن يبث الخيل في السهل والوعر والضيق والسّعة وأكناف الجبال والأودية، ويشنّ الغارات في حدود الغارات ويصالح من صالحه ويسالم من سالمه. وكان من جملة هذه العصبة مولى من موالي بني طريف من ملوك كندة، يقال له الجزء: 3 ¦ الصفحة: 16 دامس، ويكنى أبا الأهوال، كان أسود بصاصا كالنخلة السّحوقة «1» إذا ركب الفرس العالي تخطّ رجلاه بالأرض. وكان شجاعا قويا ذا حيلة وبراعة فطلب من أبي عبيدة أن يؤمّره على ثلاثين فارسا فأمّره. وقال له دامس: ترحل أنت بجيشك على فرسخ منا وتأمر جماعتك بقلة الحركة والاستتار ما استطاعوا، ويكون لك رجال ثقات يتجسّسون عن أخبارنا، فإذا بشّروك بظهورنا على أعدائنا «2» فتلحق بنا إن شاء الله تعالى. فأجابه أبو عبيدة إلى ما طلب ونهض لوقته بجيشه وسار مسافة فرسخ كأنه يريد الانصراف. ونهض دامس بجماعته حتى أتوا كهفا في الجبل وكمنوا فيه ففرح الروم وظنوا أن المسلمين قد انصرفوا عن قتالهم وأرادوا أن ينزلوا من القلعة ويتبعوا المسلمين فنهاهم يوقنا. ولما كان الليل عمد دامس إلى جلد ماعز فألقاه على ظهره وأخرج كعكا يابسا وقال لأصحابه: اتبعوني. فسار نحو القلعة وأطار رجلين إلى أبي عبيدة ليبعث لهم الخيل عند طلوع الفجر. وصعد دامس ومن معه إلى الجبل تحت الظلام يمشي على أربع، وكلما أحس بشيء قرض في الكعك كأنه يقرض عظما، وأصحابه من ورائه يقفون أثره حتى لاصقوا السور، وكان الظلام شديدا، فأتى من السور مكانا قريبا قد نام حرسه واختار سبعة من رجاله أقوياء وجلس القرفصاء وأمر أحدهم أن يجلس على منكبيه ويعتمد بقوّته على الجدار، ففعل وأمر الثاني أن يفعل مثله. ثم لم يزل يصعد واحدا بعد واحد إلى أن صعد الثامن فأمر أن يستوي قائما ثم أمر الثاني من تحته واحدا بعد واحد إلى أن قام هو، فإذا الثامن قد وصل إلى شرفة السور فتعلق بها واستوى على السور، فوجد حارس ذلك المكان نائما ثملا، فرماه إلى أصحابه ثم أدلى عمامته لصاحبه ونشله إليه ثم حذف لهما دامس حبلا وجعلوا ينشلون بعضهم إلى أن تكاملوا على السور، وكان آخرهم دامس، فاستبقاهم مكانهم وقصد بابي القلعة فرأى الحرس سكارى نائمين، ففتح البابين وتركهما مردودين وعاد إلى أصحابه وقد قرب الفجر، فأقام خمسة منهم على الباب وأرسل واحدا يستعجل خالدا، ومشى بالباقين نحو دار يوقنا، فصاحوا، وجاءتهم الأبطال وصاح يوقنا بأصحابه فأتوا من كل جانب وقاتلوا قتالا شديدا فلم يفدهم ذلك شيئا واشتبك الفريقان ببعضهما. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 17 وبينما هم في هذه المعمعة إذ دخل عليهم خالد بن الوليد في جيشه وحينئذ طلبت الروم الأمان. وكان قد وصل أيضا أبو عبيدة فأمّنهم. وأسلم يوقنا وجماعة من ساداتهم فردّ عليهم أموالهم وأهاليهم واستبقى الفلاحين وأخذ عليهم العهود ألّا يكونوا إلا مثل أهل الصلح والجزية وأخرجهم من القلعة وغنم المسلمون من القلعة ما لا يحصى. وأخذ الناس في حديث دامس وحيله وعجائبه وعالجوا جراحه الكثيرة حتى برئت. اه. حوادث حلب أيام أمير المؤمنين عمر بن الخطاب ولما كان أبو عبيدة في حلب نقض أهل قنّسرين، فردّ إليهم السمط بن الأسود الكندي فحصرهم ثم فتحها فوجد فيها بقرا وغنما فقسم بعضها فيمن حضر، وجعل الباقي في المغنم. وكان في حاضر قنسرين قديما بنو طيّئ، نزلوه بعد حرب الفساد التي كانت بينهم حين نزل الجبليين من نزل منهم فلما ورد أبو عبيدة عليهم أسلم بعضهم وصولح كثير منهم على الجزية. ثم أسلموا بعد ذلك بسنين إلا من شذّ منهم. حاضر حلب: وكان بقرب مدينة حلب حاضر يجمع أصنافا من العرب، من تنوخ وغيرهم، فصالحهم أبو عبيدة على الجزية ثم أسلموا وجرت بينهم وبين أهل حلب حرب أجلاهم فيها أهل حلب فانتقلوا إلى قنّسرين. قال البلاذري ما خلاصته: كان بقرب حلب حاضر يدعى حاضر حلب، يجمع أصنافا من العرب من تنوخ وغيرهم. جاء أبو عبيدة بعد فتح قنسرين فصالح أهله على الجزية ثم أسلموا بعد ذلك، وكانوا مقيمين وأعقابهم به إلى بعيد وفاة أمير المؤمنين الرشيد. ثم إن أهل ذلك الحضر حاربوا أهل مدينة حلب وأرادوا إخراجهم عنها فكتب الهاشميون من أهلها إلى جميع من حولهم من قبائل العرب يستنجدونهم، فسارعوا إلى إنجادهم وأجلوا أهل الحاضر عنه وأخربوه، وتفرق أهله في البلاد، وذلك في فتنة الأمين بن الرشيد. وقال ياقوت: والذي شاهدناه من حاضر حلب أنها محلة كبيرة كالمحلة العظيمة بظاهر حلب بين بنائها وسور المدينة رمية سهم من جهة القبلة والغرب، ويقال لها الحاضر السليمانية، ولا نعرف السليمانية، وأكثر سكانها تركمان مستعربة من أولاد الأجناد. وفيه الجزء: 3 ¦ الصفحة: 18 جامع حسن منفرد تقام فيه الخطبة والجمعة والأسواق الكثيرة من كل ما يطلب، ولها وال يستقلّ بها. أول مدربة في الإسلام: وفي سنة 16 أدرب «1» خالد وعياض بن غنم. وهي أول مدربة كانت في الإسلام. تأمير خالد: ورجع خالد من مدربته، وأتته الإمارة من عمر رضي الله عنه على قنسرين. فأقام خالد أميرا من تحت يده، أبا عبيدة، عليها إلى سنة 17. عزل خالد بن الوليد عن قنّسرين: في سنة 17 عزل خالد عن قنّسرين لأنه تدلّك بدرديّ «2» الخمر وأسرف بإجازة الأشعث بن قيس. أقول: أرى أن عزله كان من الخليفة سياسة، حينما رأى القلوب تميل إليه لشجاعته ودرايته وسخائه فخشي أن يستولي على أهواء الناس فتميل قلوبهم لاستخلافه فيحدث ما لا تحمد عقباه. على أن ما أراه كاد يكون صريحا في كلام أمير المؤمنين حيث قال له مستعطفا: «يا خالد إنك عليّ لكريم وأنت إليّ لحبيب» . وكتب إلى الأمصار: «إني لم أعزل خالدا عن سخطة ولا خيانة، ولكن الناس فخّموه وفتنوا به فخفت أن يوكلوا إليه، فأحببت أن يعلموا أن الله هو الصانع وألّا يكونوا بعرض فتنة» . اه. كيف يكون عزله مسببا عن التدلّك بالدّرديّ؟ وهو جائز شرعا، وعن توسعه بإجازة الأشعث، وأمير المؤمنين يعلم أن ذلك من ماله وأن خالدا في منزلة من العفاف تجعله بعيدا عن الغلول، وعزة نفسه وتمسّكه في دينه يأبيان عليه أن يكون غالّا. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 19 خبر من جلدوا في الخمر: في سنة 18 كتب أبو عبيدة إلى عمر كتابا يذكر فيه أن نفرا من المسلمين أصابوا الشراب فأمر بجلدهم فلم يعودوا إلى شربه. طاعون عمواس: فيها كان طاعون عمواس بالشام مات فيه خمسة وعشرون ألف صحابي. وهو أول طاعون بالإسلام، واستقام شهرا. ولما بلغ عمر رضي الله عنه خبر هذا الطاعون خشي منه على أبي عبيدة فكتب إليه يستقدمه، فلم يرض أبو عبيدة أن يفوز بنفسه ويترك جنده عرضة للطاعون، وكتب إلى عمر بهذا المعنى، فكتب إليه عمر بأن يرفع المسلمين عن تلك الأراضي، فرفعهم منها. ثم طعن «1» رضي الله عنه وقد نزل الجابية وقبل أن يموت استخلف على الجيوش والعمال معاذ بن جبل فطعن ابنه عبد الرحمن ومات. ثم طعن معاذ براحته ومات. وكان أبو عبيدة قد استخلف على قنّسرين، حين طعن، عياضا «2» بن غنم، فأقره عمر بن الخطاب رضي الله عنه. خبر عام الرّمادة: فيها أصاب الناس بالمدينة المنورة مجاعة عظيمة وقحط، وسفت الريح ترابا كالرماد واشتد الجوع حتى آوت الوحوش إلى الإنس. فكتب عمر إلى العمال يستمدهم لأهل المدينة، فكان أول من قدم عليه أبو عبيدة بأربعة آلاف راحلة طعام فولّاه قسمتها فيمن حول المدينة، فقسمها وانصرف إلى عمله. بقية الحوادث في أيام سيدنا عمر: وفي سنة 20 مات عياض بن غنم واستخلف عمر بن الخطاب بعده، على حمص وقنسرين، سعيد بن عامر بن جذيمة الجمحيّ، فمات فيها. وقيل مات سنة 19 وقيل الجزء: 3 ¦ الصفحة: 20 سنة 21 وعلى كل فقد كان الأمير على دمشق وحوران وحمص وقنسرين والجزيرة في سنة 21 عمير بن سعد بن عبيد الأنصاريّ، وكان الأمير فيها- على البلقاء والأردن وفلسطين والسواحل وأنطاكية ومعرّة مصرين- معاوية. أيام عثمان رضي الله عنه وفي سنة 25 غزا معاوية الروم فبلغ عمورية فوجد الحصون بين أنطاكية وطرسوس خالية، فجعل عندها جماعة من أهل الشام والجزيرة حتى انصرف. ثم غزا الصائفة يزيد ابن الحرّ العبسي وفعل فعل معاوية، وهدم الحصون إلى أنطاكية. وفي سنة 26 غزا معاوية قنّسرين، وكان عمير بن سعد قد طال مرضه فاستعفى عثمان فأعفاه وضم حمص وقنّسرين إلى معاوية، فاجتمعت له في هذه السنة ولاية الشام كلها، فولّى معاوية على حمص عبد الرحمن بن خالد، وعلى قنّسرين حبيبا «1» بن مسلمة بن مالك الفهريّ. أيام علي بن أبي طالب وفي سنة 36 فرّق علي رضي الله عنه عمّاله على الأمصار، فبعث سهلا بن حنيف على الشام وكان معاوية متغلبا عليه، فلما وصل إلى تبوك لقيته خيل فقالوا له: من أنت؟ قال: أنا أمير. قالوا له: على أي شيء؟ قال: على الشام. قالوا: إن بعثك عثمان فحيّهلا بك «2» وإن كان غيره فارجع. قال: أوما سمعتم بالذي كان؟ يعني استشهاد عثمان. قالوا: بلى. فرجع إلى عليّ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 21 حوادث أيام بني أمية أيام معاوية سنة 42 مات حبيب بن مسلمة الفهري بأرمينية، وكان أميرا عليها لمعاوية. قلت: أظن أن معاوية استعمل حبيبا هذا على أرمينية في هذه السنة وضم قنّسرين إلى حمص، وعاملها عبد الرحمن بن خالد. وهذا غير بعيد لأن الذي مصّر قنسرين يزيد ابن معاوية لا معاوية، إنما معاوية رتّب خراج قنسرين في هذه السنة أربعمائة ألف وخمسين ألف دينار، ورتّب حلب للخلفاء من بني أمية لمقامهم في الشام، وكون الولاة في أيامهم بمنزلة الشّرط لا يستقلّون بالأمور والحروب، وولاة الصوائف «1» ترد كل عام إلى دابق، وأقام منهم جماعة بنواحي حلب، منهم سليمان بن عبد الملك أقام بدابق حتى مات. تجنيد قنّسرين وتسمية حلب بالعاصمة: حكى الطبري في تاريخه أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه لما عزم على فتح الشام سمّى لكل أمير أمّره على الجيوش كورة «2» ، فسمّى لأبي عبيدة كورة حمص وليزيد بن أبي سفيان كورة دمشق، ولشرحبيل بن حسنة كورة الأردن، ولعمرو بن العاص وعلقمة ابن محمد كورة فلسطين. فدلّ هذا على أن الشام لما كان بأيدي الروم كان منقسما إلى هذه الكور الأربع، وكانت قنّسرين مضافة إلى كورة حمص. اه. ثم لم تزل الشام كذلك حتى ولي الخلافة يزيد بن معاوية فجعلها خمسة أجناد: جند فلسطين، وجند الأردن، وجند دمشق، وجند قنّسرين. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 22 قال ياقوت في معجمه: وسمي الجند جندا لأنه جمع كورة، والتجنيد التجميع، وقيل: سميت كل ناحية جندا لأنهم كانوا يقبضون فيه أعطياتهم، وكانت الجزيرة مع قنسرين جندا فأفردها عبد الملك وصارت الجزيرة جندا برأسه، وكان من جملة جند قنّسرين أنطاكية ومنبج وتوابعهما فلما استخلف الرشيد أفرد قنسرين بكورها فصيّرها جندا، وأفرد منبج ودلوك ورعبان وقورس وأنطاكية وتيزين، وما بين ذلك من الحصون، فسمّاها العواصم لأن المسلمين كانوا يعتصمون بها من العدو إذا انصرفوا من غزوهم. وجعل مدينة العواصم منبج وأسكنها عبد الملك بن صالح بن علي بن عبد الله بن عباس في سنة 173 فبنى فيها أبنية مشهورة، وذكرها المتنبي في مدح سيف الدولة فقال: لقد أوحشت أرض الشام طرّا «1» ... سلبت ربوعها ثوب البهاء تنفّس، والعواصم منك عشر ... فيوجد «2» طيب ذلك في الهواء قال ياقوت في موضع آخر: العاصم هو المانع، ومنه قوله تعالى لا عاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ وهو صفة، فلذلك دخله الألف واللام. والعواصم: حصون موانع، وولاية تحيط بها بين حلب وأنطاكية، كان قد بناها قوم واعتصموا بها من الأعداء، وأكثرها في الجبال. وربما دخل في هذا ثغور المصيّصة وطرسوس وتلك النواحي. وزعم بعضهم أن حلب ليست منها، بدليل قولهم: قنّسرين والعواصم، وحلب من أعمال قنّسرين، والشيء لا يعطف على نفسه. عمّال قنّسرين وحمص من سنة 45 إلى سنة 59: وفي سنة 45 توفي عبد الرحمن بن خالد عامل حمص وما والاها، وكان أهل الشام قد مالوا إليه فدس إليه معاوية سما فمات. قلت: ومن هذه السنة إلى حدود سنة 86 لم أطلع على أسماء عمّال الخلفاء على قنّسرين وحمص، ولعل العمال عليهما في هذه المدة هم أمراء الصوائف والمشاتي، يخرجون إلى الروم ويرجعون إلى إحدى البلدتين بعد انقضاء غزوهم، فإن البلدتين من أعظم ثغور الجزء: 3 ¦ الصفحة: 23 الروم، فلا يستبعد أن يكونا محل إقامة الأمراء المذكورين أيام تقاعدهم عن الغزوات، وأنهم كانوا يقومون بوظائف العمال في أثناء ذلك ويستخلفون إذا غزوا. ولما كان هذا من المحتمل عقلا أدرجت ضمن الحوادث أسماء الأمراء المذكورين في سني خروجهم إلى الغزوات إلى سنة 86 المذكورة. وعلى هذا المنوال رتبت ذكرهم في سنوية ولاية حلب المعروفة باسم السالنامة، فأقول: في سنة 46 كان مشتى مالك بن عبد الله بأرض الروم ومثلها في سنة 47 وسنة 49 ولم يغز سنة 48 وفي سنة 50 كانت غزوة بسر بن أرطاة وسفيان بن عوف الأزدي بأرض الروم. وفي سنة 51 كان مشتى فضالة بن عبيد بأرض الروم، وغزوة بسر بن أرطاة الصائفة. وفي سنة 52 كانت غزوة سفيان بن عوف الروم وشتّى بأرضهم وتوفي بها، في قول، فاستخلف عبد الله بن سعد الفزاري. وقيل الذي شتّى بأرضهم هذه السنة بسر بن أرطاة ومعه سفيان المذكور. وعزا الصائفة محمد بن عبد الله الثقفي. وفي سنة 53 كان مشتى عبد الرحمن بن أم الحكم الثقفي بأرض الروم. وفي 54 كان مشتى محمد بن مالك بأرض الروم وصائفة معن بن يزيد السّلمي. وفي سنة 55 كان مشتى سعيد بن عوف، وقيل عمرو بن محرز، وقيل عبد الله بن قيس الفزاري، وقيل مالك بن عبد الله. وفي سنة 56 كان مشتى جناد بن أبي أمية، وقيل عبد الرحمن ابن مسعود، وقيل عياض بن الحرث. وفي سنة 57 كان مشتى عبد الله بن قيس. وفي سنة 58 غزا الروم مالك بن عبد الله الخثعمي «1» وفي سنة 59 كان مشتى عمر بن مرّة الجهني. أيام يزيد بن معاوية وصول رأس الحسين رضي الله عنه إلى حلب: وفي سنة 61 قتل الحسين بن علي رضي الله عنهما بكربلاء، واحتزّ رأسه الشريف شمر بن ذي الجوشن، وسار به وبمن معه من آل الحسين إلى يزيد في دمشق، فمر بطريقه الجزء: 3 ¦ الصفحة: 24 على حلب ونزل به عند الجبل، غربيّ حلب، ووضعه على صخرة من صخراته فقطرت منه قطرة دم عمر على أثرها مشهد عرف بمشهد النقطة. وقد ألمعنا إلى ذلك في الكلام على المشهد في باب الآثار. أيام معاوية بن يزيد بن معاوية، ومروان بن الحكم وعبد الملك بن مروان غزوات بني أمية الروم وغير ذلك: وفي سنة 66 كان على الشام عبد عبد الملك بن مروان. والظاهر أنه كان يقوم بإدارة البلاد الشامية بنفسه لضيق مملكته حينئذ، لوقوع أكثرها تحت يد المتغلبين. وفي سنة 73 غزا الروم صائفة محمد بن مروان، ومثلها في سنة 74 وسنة 75 و 76 و 77 غزا الروم صائفة الوليد بن عبد الملك. وفي سنة 78 أصاب أهل الشام طاعون شديد حتى كادوا يفنون فلم يغز تلك السنة أحد. قيل: وفيها أصاب الروم أهل أنطاكية وظفروا بهم. وفي سنة 81 سيّر عبد الملك بن مروان ابنه عبيد الله ففتح قاليقلا. وفي سنة 82 غزا محمد ابن مروان أرمينية. وفي سنة 85 غزا الروم مسلمة بن عبد الملك. أيام الوليد بن عبد الملك وفي سنة 87 غزا مسلمة المذكور الروم وفتح عدة حصون، وقيل هشام بن عبد الملك. وفي سنة 88 غزا مسلمة بن عبد الملك والعباس بن عبد الملك الروم وفتحوا الجزيرة وعدة حصون من عمورية، وغزا العباس الصائفة من ناحية البذندون. وفي سنة 90 غزا مسلمة الروم وفتح الحصون الخمسة التي بسورية. قال ابن العديم ما ملخصه: إن الوليد بن عبد الملك لما ولي الخلافة سنة 86 أبقى محمد بن مروان على ولايته حتى عزله سنة 90 بأخيه مسلمة، فدخل مسلمة حرّان. وكان محمد بن مروان يتعمم وبيده المرآة فبلغه الخبر أن مسلمة يخطب على المنبر فارتعد وسقطت المرآة من يده وقال: هكذا تقوم الساعة بغتة؟ فقام ابن محمد للسيف يثب على مسلمة فقال له أبوه: مه يا بني ولّاه أخوه وولّاني أخي. وكان أكثر مقام مسلمة بالناعورة بنى فيها قصرا بالحجر الصّلد وحصنا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 25 بقى منه برج إلى زماننا (زمان ابن العديم) . قلت: ذكر ياقوت الناعورة فقال: الناعورة الدولاب، موضع بين حلب وبالس، فيه لمسلمة بن عبد الملك قصر من حجارة وماؤه من العيون وبينه وبين حلب ثمانية أميال. اه. وفي سنة 91 غزا الصائفة عبد العزيز بن الوليد، ومقدّم الجيش مسلمة بن عبد الملك. وفي سنة 92 غزا مسلمة بن عبد الملك الروم وفتح ثلاثة حصون. وفي سنة 93 غزاهم وفتح ماسيه وحصين الحديد وفيها كان الزلزال بالشام ودام أربعين يوما فخربت البلاد وكان معظم ذلك في أنطاكيّة. وفي سنة 95 انتقضت قنّسرين، وكان العباس بن الوليد يغزو الروم، ففتح هرقلة وغيرها وعاد إلى قنسرين وفتحها. أيام سليمان بن عبد الملك وعمر بن عبد العزيز وفي سنة 99 ولّى سليمان بن عبد الملك من قبله على الأحصّ هلالا بن عبد الأعلى ثم ولي عليها الوليد بن هشام المعيطي. أيام يزيد بن عبد الملك وهشام أخيه وفي سنة 101 عزل الوليد هذا من قبل يزيد بن عبد الملك لأنه كان مرائيا، وولّي على قنسرين الوليد بن القعقاع بن خليد العبسي. وقيل: الذي ولي العمل على قنسرين من قبل يزيد هو عبد الملك بن قعقاع بن خليد العبسي، وإليهم كان ينسب حيار بني عبس «1» ، وإلى أبيهم كانت تنسب «القعقاعية» قرية في بلد الغايا. وفي سنة 108 كان طاعون شديد بالشام. وفي سنة 113 غزا معاوية بن هشام أرض الروم فرابط من ناحية مرعش ثم رجع. وفي سنة 115 وقع طاعون بالشام وسرى إلى العراق وامتد إلى السنة بعدها. وفي سنة 119 غزا الوليد بن القعقاع أرض الروم. أيام الوليد بن يزيد بن عبد الملك وفي سنة 125 ولّى الوليد الخليفة على قنّسرين مكان الوليد بن القعقاع يزيد بن عمر الجزء: 3 ¦ الصفحة: 26 ابن هبيرة لوحشة بين الوليد الخليفة وبين بني القعقاع. وبعد أن عزله الخليفة بعث به إلى يزيد بن عمر بن هبيرة المذكور فعذبه وأهله حتى مات. أيام يزيد الناقص بن الوليد بن عبد الملك وإبراهيم المخلوع ومروان بن محمد وفي سنة 126 خرج يزيد الناقص على الوليد الخليفة، ووثب عليه فقتله وأخذ عامله في دمشق وسيّر أخاه مسرور بن الوليد إلى قنسرين. وقيل: سيّر أخاه بشر بن الوليد. وفي سنة 127 قبض مروان بن محمد بن الحكم، الخليفة، على مسرور بن الوليد والي قنسرين وعلى أخيه بشر وقتلهما بحلب، وولي حلب وقنسرين عبد الملك بن الكوثر الغنوي. وفي سنة 128 خرج على مروان الخليفة: سليمان بن هشام بن عبد الملك، فأمسكه مروان بخساف «1» واستباح عسكره، وفيها كان الحكم وعثمان ابنا الوليد بن يزيد محبوسين بقلعة قنّسرين، حبسهما أخوهما يزيد الناقص، فنهض إليهما عبد العزيز بن الحجاج ويزيد «2» ابن خالد القسري وقتلاهما وقتلا معهما يوسف بن عمر الثقفي، فقبض مروان على القاتلين المذكورين وصلبهما. وفي سنة 130 غزا الصائفة الوليد بن هشام فنزل العمق وبنى حصن مرعش. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 27 حوادث أيام الخلفاء العباسيين أيام عبد الله السفاح في ربيع الآخر سنة 132 بويع أبو العباس السفاح، واسمه عبد الله بن محمد بن علي. فجهز عبد الله بن علي بن عبد الله بن العباس في جيش عظيم لقتال مروان بن محمد الخليفة الأموي، فالتقى معه بالزاب من أرض الموصل، فهزم مروان، وتبعه عبد الله بن علي حتى نزل بمنبج، فبعث إليه أهل حلب بالبيعة، وقلد عبد الله المذكور أخاه عبد الصمد حلب وقنسرين. ثم سارا إلى حلب فبايعه أبو الورد مجزأة بن الكوثر بن زفر الكلابي، وكان من أصحاب مروان. ثم انصرف عبد الله من حلب وأرسل قائدا من قواده في مائة وخمسين فارسا إلى «الناعورة» ، وكان بها مسلمة بن عبد الملك وكان معه أهله، فاستجار مسلمة بأبى الورد الكلابي فلم يلتفت إليه، واغتاظ الكلابي وخرج من مزرعته «خساف» في عدّة من أهل بيته وخالف وبيّض (لبس البياض الذي هو شعار الأمويين) وقتل القائد ودعا أهل حلب وقنسرين لنقض البيعة العباسية فقصده من دمشق عبد الصمد في زهاء عشر «1» آلاف فارس، فقتل أبو الورد وانهزم أصحابه وأمّن عبد الله أهل حلب وقنّسرين فبايعوا وسوّدوا (لبسوا السواد الذي هو شعار العباسيين) . وفي سنة 133 لبس الحمرة بحلب العباس بن محمد المعروف بالسفياني. وجده معاوية ابن أبي سفيان. فقصده من قبل السفاح العباسي عطاء العكي فانهزم السفياني وفتح العكي حلب عنوة ولم يبق فيها من الأمويين أحد. وفي هذه السنة تغلّب عبد الله بن محمد بن علي على حلب وقنّسرين وديار ربيعة ومضر وسائر الشام. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 28 أيام أبي جعفر المنصور وفي سنة 137 ولّى عبد الله على حلب أبا عبد الله زفر بن عاصم بن عبد الله بن يزيد الهلالي. وفيها سيّر المنصور أبا مسلم الخراساني لقتال عبد الله، فانتصر عليه أبو مسلم وكتب إليه المنصور بولاية الشام جميعه وحلب وقنسرين، وأن يقيم له نوابا في بلاده ففعل. ثم استوحش المنصور من أبي مسلم فعزله وولّى على حلب وقنسرين وحمص صالحا بن علي بن عبد الله بن العباس، فنزل حلب وابتنى بها خارج باب النيرب قصرا بقرية بطياس، بالقرب من النيرب. قال ابن العديم: وآثاره باقية إلى الآن. قلت: محل هذا القصر يعرف الآن بكرم القصر وهو بستان فستق مملوك لبعض الأهلين. اه. قال ابن العديم: ومعظم أولاد صالح بن علي ولدوا ببطياس. وقد ذكره البحتري وغيره في أشعارهم. قلت: تقدم فيما جاء بمدح حلب شيء من ذلك. وفي سنة 139 غزا صالح بن علي الصائفة مع ابنه الفضل بأهل الشام وهي أول صائفة في خلافة بني العباس، وغزا مع صالح أختاه أم عيسى ولبانة بنتا علي، وكانتا نذرتا إن زال ملك بني أمية أن تجاهدا «1» في سبيل الله. وفي سنة 141 خرج بحلب وحرّان قوم يقال لهم الراوندية، زعموا أنهم كالملائكة وصعدوا تلا بحلب وقد لبسوا الحرير فطاروا منه وكسروا وهلكوا. وفيها حج بالناس صالح ابن علي. ضرب النقود في حلب: وفي سنة 146 ضرب صالح بحلب سكّة «2» ، على أحد جانبيها: (ضرب هذا الفلس بمدينة حلب سنة 146) وعلى الجانب الآخر: (مما أمر به الأمير صالح بن علي أكرمه الله) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 29 وفي سنة 152 مات صالح وتولى مكانه حلب وقنسرين ابنه الفضل، واختار العقبة فسكنها. وفي سنة 154 ولّى المنصور على حلب وقنسرين موسى بن سليمان الخراساني. وفي سنة 157 ضرب السكة بقنسرين وعلى أحد جانبيها: (ضرب هذا الفلس بقنسرين سنة 157) وعلى الآخر: (مما أمر به الأمير موسى مولى أمير المؤمنين) . وفي سنة 162 خرج على الخليفة المهدي عبد السلام بن هاشم الخارجي فأرسل له المهدي جنودا كثيرة، فهرب منهم إلى قنسرين، فلحقوه وقتلوه فيها. قدوم المهدي الخليفة إلى حلب وفي سنة 163 قدم الخليفة المهديّ إلى حلب عازما على الغزو، فتلقاه العباس بن محمد والي الجزيرة وأنزله في عمله. ثم وصل المهدي إلى حلب ونزل بقصر بطياس، وولّى على حروب حلب وقنسرين والجزيرة وخراجها وصلاتها عليا بن سليمان بن علي بن عبد الله ابن العباس، وولّى حلب والشام جميعه هارون، وأمر كاتبه يحيى بن خالد أن يتولى ذلك كله بتدبيره. ثم عرض المهدي العسكر بحلب وأغزى ابنه هارون الروم. قتل الزنادقة في حلب، ووصول رأس المقنع إليها: في هذه السنة جمع محتسب حلب عبد الجبار الزنادقة من الأطراف إلى المهدي فقتلهم وقطع كتبهم بالسكاكين. ووصل إليه وهو بحلب رأس المقنّع وكان زنديقا مبتدعا، ظهر في خراسان سنة 159 واستغوى جماعة وكثرت أتباعه وعاثوا في الأرض فسادا إلى أن هلك في هذه السنة، وهي سنة 169. أيام الهادي والرشيد وفي سنة 173 ولّى الرشيد حلب وقنّسرين عبد الملك بن صالح بن علي، فأقام بمنبج وابتنى فيها قصرا لنفسه وبستانا إلى جانبه كان يعرف به. وقد سبق لنا في الكلام على منبج منادمة الرشيد مع عبد الملك حين زاره في قصره. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 30 عمّال حلب من سنة 175 إلى سنة 193: وفي سنة 175 عزل الرشيد عبد الملك عن حلب وقنسرين وبعد سنة ولّى عليها سليمان ابن عيسى، ثم ولّى الشام جميعه موسى بن يحيى بن خالد. وفي سنة 178 ولّى الرشيد الشام جميعه جعفر بن يحيى بن خالد، فتوجه إليه سنة 180 واستخلف عليه عيسى بن العكّي. وفي سنة 182 ولّى الرشيد حلب وقنسرين إسماعيل بن صالح بن علي، وأقطعه الحوانيت التي بباب أنطاكية إلى رأس الدلبة وكانت له، ثم عزله وولى مكانه عبد الملك بن صالح. وفي سنة 187 بلغه عنه أنه يحدث نفسه بالخلافة فعزله وولى على حلب وقنسرين ابنه القاسم ابن الرشيد. وفي سنة 188 رابط القاسم بن الرشيد بدابق. وفي سنة 190 خرج الروم إلى عين زربة والكنيسة السوداء وأغاروا، فاستنقذ أهل المصّيصة ما كان معهم من الغنيمة. وفي سنة 193 ولى الرشيد على حلب وقنسرين من قبل ابنه القاسم: خزيمة بن خازم، وفيها جعل الأمين مع أخيه القاسم قحافة بن أبي يزيد، وولى خزيمة بن خازم الجزيرة. حوادث أيام الأمين في حلب وفي سنة 194 عزل الأمين أخاه القاسم عن حلب وقنسرين والعواصم وسائر الأعمال وولاها خزيمة بن خازم. ثم في سنة 196 عزله وولى عليها عبد الملك بن صالح بن علي ثالثة. وفي ذي القعدة سنة 196 مات عبد الملك بن صالح بالرقة. حوادث أيام المأمون في حلب وفي سنة 197 ولّى المأمون خزيمة بن خازم حلب وقنسرين، وقيل الوليد بن طريف. ثم ورقة بن عبد الملك ثم يزيد بن يزيد. وفي سنة 198 ولى المأمون حلب والشام جميعه طاهر بن الحسين. وفي سنة 206 ولى المأمون مصر والشام جميعه عبد الله بن طاهر. وفي سنة 213 ولى المأمون حلب وقنسرين والعواصم والثغور ابنه العباس وأمر له بخمسمائة ألف درهم. وفي سنة 214 ولى المأمون حلب وقنسرين وبقية ما كان بيد ولده اسحاق الجزء: 3 ¦ الصفحة: 31 ابن إبراهيم بن مصعب بن زريق، نيابة عن ولده العباس. ثم عزله في هذه السنة وولى ورقة الطريفي نيابة عن ولده العباس. قدوم المأمون إلى حلب: وفي سنة 215 قدم المأمون حلب للغزاة ونزل بدابق وولى حلب عيسى بن علي بن صالح نيابة عن ابنه العباس، وولى قضاء حلب عبيد بن جنّاد بن أعين مولى بني كلاب بعد أن امتنع عبيد عن القضاء وهدده المأمون. وفي سنة 218 أناب المأمون عن ابنه العباس عبيد الله بن عبد العزيز بن الفضل بن صالح صاحب قصر بطياس. حوادث أيام المعتصم بحلب وفي سنة 223 كان المعتصم عائدا من غزاة الروم فقبض على العباس لما بلغه من عزمه على مخالفته. ثم استطعم العباس فأطعم طعاما كثيرا وحبس عنه الماء وأدرج في مسح فمات في منبج ودفن بها، وولى المعتصم حلب وقنّسرين حربهما وضياعهما، عبيد الله بن عبد العزيز. وفي سنة 225 ولى المعتصم الشام جميعه والجزيرة ومصر أشناس التركي، وكان نائب أشناس على حلب وقنسرين عبيد الله بن عبد العزيز. وفي سنة 230 مات أشناس وولي حلب وقنسرين عبيد الله بن عبد العزيز. وبعده ولي عليهما وعلى العواصم في هذه السنة عبيد الله محمد بن صالح بن عبد الله بن صالح، فكانت سيرته غير محمودة وكان أحمر أشقر فلقب بالسمّاقة لشدة حمرته. ويقال إنه أول من أظهر البرطيل بالشام وأوقع عليه هذا الاسم، وكان يعرف بالرشوة يعطى على غير إكراه، وكان صموتا لا يسمع له كلام إلا بالأمر والنهي. حوادث حلب أيام الواثق وفي سنة 231 ولّى الواثق على الثغور والعواصم وأعمالها أحمد بن سعد بن مسلم ابن قتيبه وأمره بحضور الفداء مع خاقان وميخائيل صاحب الروم فأمضى الفداء في هذه الجزء: 3 ¦ الصفحة: 32 السنة ثم غزا شاتيا، فأصاب الناس شدة فوجد الواثق عليه «1» وعزله، وولى على ما ذكر نصر بن حمزة الخزاعي. حوادث حلب أيام المتوكل وفي سنة 232 ولى المتوكل حلب وقنسرين والعواصم «الشارباميان» أحد قواد المتوكل، وكان الوالي على جند قنّسرين، من قبل الشارباميان، علي بن إسماعيل بن صالح ابن علي فكانت أيامه حسنة. ثم ولى الشارباميان مكانه عيسى بن عبيد الله بن عبد العزيز ابن الفضل. وفي سنة 235 ولّى المتوكل علي مظالم جند قنسرين والعواصم والنظر في أمور العمال طاهرا بن محمد بن إسماعيل بن صالح. ولما وافاه مرسوم الخليفة بالتولية كان في مرضه الذي مات فيه فولّى على قنسرين والعواصم والثغور وديار ربيعة ومضر والموصل، وغير ذلك، ابنه المنتصر بن المتوكل، فكانت الولاة تأتي من قبله وفيها أمر المتوكل أن يكتب إلى الآفاق بأن يؤمر أهل الذمة باستعمال الغيار «2» . حادث غريب: وفي سنة 242 وقع طائر أبيض دون الرّخمة على دلبة «3» بحلب لسبع مضين من رمضان، فصاح: يا معشر الناس، الله الله، أربعين مرة. ثم طار وعاد من الغد وصاح أربعين صوتا. فكتب صاحب البريد بذلك محضرا وأشهد فيه خمسمائة إنسان سمعوه. قال ابن العديم بعد أن حكى هذه الحادثة: ولا يبعد عندي أن تكون الدّلبة هي التي ينسب إليها رأس الدّلبة. قلت: كان محلها سوق الحمام. وسمع في هذه السنة أصوات هائلة من السماء وتزلزلت نيسابور وتقلعت جبال من أصولها ونبع الماء من تحتها ووصلت الزلزلة إلى الشام والثغور. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 33 وفي سنة 245 كثرت الزلازل في الدنيا وتهدم من أنطاكية كثير من الدور وأبراج السور. ولاة حلب أيام المنتصر والمستعين والمعتز وفي سنة 247 ولّى المنتصر الثغر الشامي وصيفا التركي. وفي سنة 250 مات وصيف المذكور، وولّى المستعين حلب وقنسرين موسى بن بغا. وفي سنة 251 ولّى حلب والعواصم أبا تمام ميمون بن سليمان صدقة بن عبد الملك بن صالح. وفيها بويع المعتز بالله وامتنع عليه أهل حلب وأقاموا على الوفاء للمستعين فحاصرهم أحمد المولد فلم يجيبوا ثم أجابوا وبايعوا للمعتز. وفي سنة 252 ولّى أحمد المولد على جند حلب وقنسرين والعواصم صالحا بن عبيد الله. وجده صاحب قصر بطياس. وفي سنة 253 ولي حلب وقنسرين والعواصم أبو تمام ميمون بن سليمان ثانية. وفي سنة 254 مات أبو تمام المذكور بالرقة وولى صالح بن وصيف، أحد قواد المعتز، على عمله أبا الساج ديوداد في ربيعها الأول. وفي سنة 255 تغلب أحمد بن عيسى بن شيخ علي الشامات. أول العمال الأتراك في الشام: وفي سنة 256 مات أحمد المذكور وولي الشام أحمد بن طولون مع أنطاكية وطرسوس وغيرهما من البلاد. عمّال حلب أيام المعتمد وفي سنة 258 عقد المعتمد لأخيه أبي أحمد، الملقب بالموفّق، على حلب وقنسرين والعواصم، فاستناب فيها «سيما الطويل» ، أحد قواد بني العباس ومواليهم، فابتنى بظاهر حلب عند باب أنطاكية دارا حسنة لها بستان كان يعرف ببستان الدار، وبهذه الدار سميت محلة باب أنطاكية «الدارين» تثنية دار، إحداهما هذه، والثانية دار بناها قبله محمد بن عبد الملك بن صالح. وإحدى الدارين تعرف بالسليمانية على حافة نهر قويق، وحاضر السليمانية يعرف بها وهو حاضر حلب. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 34 وجدد سيما الطويل الجسر الذي على نهر قويق قريبا من داره وركّب عليه بابا أخذه من قصر بعض الهاشميين بني صالح بحلب، يقال له قصر البنات، وبه كان يعرف بدرب البنات، والقصر يعرف بأمّ ولد اسمها «بنات» كانت لعبد الرحمن بن عبد الملك الهاشمي. وسمى «سيما» باب الجسر المذكور باب السلامة. وفي سيما الطويل يقول البحتري شعرا: فردّت إلى سيما الطويل أمورنا ... وسيما الرضى في كل أمر نحاوله «1» حوادث أيام بني طولون: وفي سنة 264 عصى أحمد بن طولون على مولاه أبي أحمد الموفق وأظهر خلعه ونزل إلى الشام، فجفل «2» منه سيما الطويل إلى أنطاكية فنزل عليها ابن طولون وحاصرها وفتحها عنوة وقتل «سيما» ، واستولى على حلب والشام. وفي سنة 265 توجه أحمد ابن طولون إلى مصر وولّى على حلب مملوكه لؤلؤا. سنة 267 خبر الزلزلة: فيها كانت زلزلة عظيمة بالشام ومصر والجزيرة وأفريقيا والأندلس، وكان قبلها هدّة عظيمة قوية. وفي سنة 268 خرج بكّار الصالحي، من ولد عبد الملك بن صالح، بين حلب وسلمية، ودعا لأبى أحمد الموفق، فوجه إليه لؤلؤ قائدا يقال له يوذر فأخفق سعيه. ثم ظفر لؤلؤ ببكّار وقبض عليه سنة 268. عصيان لؤلؤ على مولاه: فيها عصى لؤلؤ على مولاه أحمد بن طولون، وكاتب أبا أحمد الموفق بالمسير إليه وقطع الدعاء لمولاه في مدنه جميعها: حلب وقنسرين وحمص وديار مضر، ووافقه أهل الثغور على ذلك وأخرجوا نواب مولاه منها. فوافاه مولاه من مصر سنة 269 في مئة ألف وقبض الجزء: 3 ¦ الصفحة: 35 على حرمه وباع ولده، وكان لؤلؤ هرب إلى أبى أحمد الموفق. قصد ابن طولون الثغور وموته: في سنة 270 قصد ابن طولون الثغور فأغلقها أهلها في وجهه فعاد إلى أنطاكية ومرض. وولى حلب عبد الله بن الفتح ثم شخص إلى مصر ومات بها. ثم ولّى ابنه أبو الجيش، خمارويه، أبا موسى محمد بن العباس الكلابي. ثم كاتب خمارويه أبا أحمد الموفق بأن يقره على حلب ومصر وسائر البلاد التي كانت في يد أبيه، ويدعى له على المنابر، فلم يجبه الموفق إلى ما طلب، فاستوحش خمارويه وولّى حلب القائد أحمد بن دوغباش عامل الرقة. وفي هذه السنة تواقع إسحاق بن كنداج عامل الموصل والجزيرة للخليفة مع ابن دوغباش عامل حلب لخمارويه. سنة 271 اتفاق إسحاق مع محمد بن ديوداد بن أبي الساج المعروف بالأفشين: فيها طمع المذكوران في الشام، فسارا إليها باتفاق مع الموفق وملكا دمشق. وولى الموفق ابن ديوداد حلب وأعمالها. ثم قدم أحمد بن الموفق إلى حلب بجيشه الجرار فدخلها في ربيع الآخر منها، ثم سار إلى قنسرين وهي لأخي الفصيص التنوخي، وحاضر طيئ لطيئ، وعليها سور وقلعة. ثم سار إلى شيزر فكسر العسكر المقيم بها. ثم تواقع مع خمارويه على الطواحين قرب بلد الرملة، فكانت الغلبة أولا لابن الموفق، ثم انعكس الحال وكسر وتفرقت عساكره، وخرج عليه ابن ديوداد قبل وقعة الطواحين وجاء إلى حلب واستولى عليها ومعه إسحاق بن كنداج. وفي سنة 273 نزل خمارويه إلى حلب وصالحه ابن ديوداد ودعا له على المنابر وحمل خمارويه لوجوه أصحاب ابن ديوداد مائتي ألف دينار، ولكاتبه نيفا وعشرين ألف دينار، ثم راسل خمارويه أبا أحمد الموفق فأجابه وأقره على ما بيده. وفي سنة 275 صعد خمارويه من الشام إلى مصر فعاد ابن ديوداد إلى فساده، فقصده خمارويه فهرب منه وعبر الفرات وخمارويه في طلبه، فهرب إلى الموفق بن المتوكل، فأحسن إليه. وفي سنة 276 ولى خمارويه حلب غلام أبيه طغج بن جفّ، والد الإخشيد. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 36 عود حلب إلى العباسين وحوادثهم فيها [أيام المعتضد] «1» وفي سنة 286 قلّد المعتضد حلب وقنسرين ولده أبا محمد علي، وولى أبو محمد بن المعتضد من قبله على حلب ابنه الحسن بن محمد المعروف بكوره الخراساني، وإليه تنسب دار كوره داخل باب الجنان بحلب والحمام المجاورة لها، وكانت خربت ولم يبق منها أثر. وكان كاتب محمد بن المعتضد يومئذ الحسين بن عمرو النصراني فقلده النظر في هذه النواحي. وفي سنة 287 خرج وصيف خادم الأفشين على الخليفة المعتضد فضم المعتضد الثغور إلى «كوره» وكان قد أسر وصيفا المذكور وأتى به إلى حلب فأقام بها يومين، ووجد في بستان من بساتينها مالا أقرّ به وصيف أنه كان دفنه بذلك البستان أيام مولاه الأفشين، وقدره ستة وخمسون ألف دينار، فحمل إلى المعتضد. حوادث أيام المكتفي وفي سنة 289 صرف المكتفي الخليفة الحسن بن كوره عن ولاية حلب وولى عليها أحمد بن سهل النوتجاني، وذلك في جمادى الآخرة منها. ثم في سنة 290 صرفه عنها وولّى مكانه أبا الأغر خليفة بن المبارك السلمي، ووجّهه لمحاربة القرمطيّ «2» صاحب الخال، فإنه كان قد عاث في البلاد وغلب على حمص وحماة ومعرة النعمان وسلمية وقتل أهلها وسبى النساء والأطفال. فقدم أبو الأغر حلب في عشرة آلاف فارس، وأنفذ القرمطيّ سرية إلى حلب فخرج إليها أبو الأغر، إلى وادي بطنان، فكبسه غلام القرمطي وقتل عامة أصحابه، وسلم أبو الأغر في ألف رجل ولجأ إلى قرية من قرى حلب. وأقام القرامطة كالمحاصرين لحلب. فلما كان يوم الجمعة سلخ «3» رمضان سنة 290 تسرع أهل حلب للخروج للقاء الجزء: 3 ¦ الصفحة: 37 القرامطة فمنعوا، وكسروا قفل الباب وخرجوا، ووقعت الحرب بين الفريقين ونصر الله الحلبيين وأعانهم أبو الأغر، فقتل من القرامطة خلق كثير وعاد الحلبيون يوم عيد الفطر. وفي سنة 290 ولى المكتفي حلب عيسى غلام النوشري، وفي آخر هذه السنة توجه عيسى إلى مصر لمحاربة الطولونية واستخلف على حلب ولده. ولما رجع إلى حلب صرفه المكتفي منها إلى مصر وولى حلب أبا الحسن ذكاء بن عبد الله الأعور سنة 292 وكان كريما يهب ويعطي، وإليه كانت تنسب دار ذكاء، وإلى جانبها دار حاجبه فيروز، انهدمت وصارت تلا نسفه الملك الظاهر وظهر في بقايا من الذخائر كالزئبق وغيره، وكان موضع سوق الصاغة، وكان وزير ذكاء وكاتبه أبا الحسن محمد بن عمر بن يحيى النّفري، وإليه كانت تنسب حمّام النّفري، وداره هي المدرسة النفرية. حوادث أيام المقتدر وفي سنة 295 عاثت بنو تميم في بلد حلب وأفسدوا فسادا عظيما وحاصروا ذكاء في حلب، فكتب المقتدر الخليفة إلى الحسين بن حمدان في إنجاد ذكاء في حلب، وكان ابن حمدان بالرحبة فسار إلى بني تميم ولقي منهم جماعة بخناصرة وأوقع بهم وأسر بعضهم، وانصرف ولم يجتمع بذكاء. وفي سنة 302 ولى المقتدر الشام ومصر مؤنسا الخادم نيابة عن ابنه أبي العباس بن المقتدر، فاستناب مؤنس الخادم عنه في حلب أبا العباس أحمد بن كيغلغ في هذه السنة، وهو الذي مدحه المتنبي بقوله (كم قتيل كما قتلت شهيد) «1» . وكان أحمد المذكور أديبا ظريفا. ومن شعره قوله: قلت له والجفون قرحى ... قد أقرح الدمع ما يليها: ما لي في لوعتي شبيه ... قال: وأبصرت لي شبيها؟ ثم ولّى مؤنس الخادم على حلب في هذه السنة أبا قابوس محمودا بن جك الخراساني، وكان جبارا عنيدا منحرفا عن أهل البيت. وفي سنة 312 عزل مؤنس الخادم أبا قابوس، وولى مكانه وصيفا البكتمري الخادم. وفي سنة 316 عزل وصيفا وولّى مكانه هلالا ابن بدر أبا الفتح غلام المعتضد. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 38 وفي سنة 317 عزل هلالا وولى مكانه وصيفا، ثانية، فمات في حلب يوم الثلاثاء ثامن ذي الحجة منها، وكان كاتبه عبد الله والد أبي العباس أحمد بن عبد الله الشاعر المعروف بابن الكاتب. وفي سنة 318 ولى على حلب الأمير أحمد بن كيغلغ ثانية. وفي سنة 319 ولّى على حلب غلام مؤنس الخادم، وهو طريف بن عبد الله السبكري الخادم، وكان شهما كريما حاصر بعض حصون اللاذقية وقهر أهلها وأحضرهم معه إلى حلب مكرمين، وأضيفت إليه حمص مع حلب. حوادث أيام القاهر وفي سنة 321 قبض الخليفة القاهر مولاه مؤنس الخادم، وولى حلب ودمشق بشرى الخادم، فأقر بشرى طريفا على عمله وسار إلى حمص لقتال ابن طغج فكسر بشرى وأسر وخنق، ووصل الأمير ابن كيغلغ إلى حلب واتفق مع محمد بن طغج. حوادث أيام الراضي الخليفة وفي سنة 324 قلّد الراضي حلب وأعمالها بدرا الخرشني، فبلغ خبره طريفا وكانت حلب وأعمالها بيده فأنفذ صاحبا له إلى ابن مقلة ليتوسل له بتجديد العهد وبذل له عشرين ألف دينار، وكان الخرشني وصل إلى حلب فدافعه طريف رجاء أن يقضي أربه، فزحف الخرشني على طريف في أرض حلب فانهزم طريف. وتسلّم حلب الخرشني فأقام بها مدة ثم طلبه الخليفة فسار إليه واستناب طريفا وقلده حلب وأعمالها. وفي أواخر هذه السنة قلد الراضي أبا بكر الإخشيد محمدا بن طغج مصر وأعمالها مضافا إلى ما بيده من الشام. وفي سنة 325 استناب الإخشيد بحلب أبا العباس أحمد بن سعيد بن العباس الكلابي، وفيها وردت بنو كلاب من نجد وأغاروا على المعرة وأسروا واليها وأكثر جنوده، فخرج إليهم أبو العباس والي حلب وخلص منهم والي المعرة. وفي سنة 327 دخل حلب واليا عليها أبو بكر محمد بن رائق، وقيل كان دخوله إليها سنة 328 ولما وصل إليها استناب بها خاصة محمد بن يزداذ وسار لقتال الإخشيد، فهزم الإخشيد وسلّم دمشق إلى ابنه مزاحم. ثم جرى بين أبي بكر وبين الإخشيد وقعة ثانية الجزء: 3 ¦ الصفحة: 39 في «الحفار» أسر فيها مزاحم، فرجع ابن رائق وخلّص ولده فقتل أخو الإخشيد فكفنه ابن رائق ووضعه في تابوت وبعث به إلى الإخشيد أخيه مع ابنه مزاحم الذي كان مأسورا وقال: ما أردت قتل هذا، وهذا ولدي لتقيده «1» به. فأحسن الإخشيد إلى محمد المذكور ورده على أبيه. حوادث أيام المتقي استيلاء الدولة الإخشيدية على حلب وحوادثهم فيها: وفي سنة 329 سيّر الإخشيد كافورا من مصر ومعه عسكر ضخم، وفي مقدمته أبو المظفر مساور بن محمد الرومي. فوصل إلى حلب هو وكافور والتقيا مع محمد بن يزداذ والي حلب من قبل رائق، فكسراه وأسراه وأخذا منه حلب، وتولاها مساور بن محمد الرومي ممدوح المتنبي بقوله: أمساور أم قرن شمس هذا ... أم ليث غاب يقدم الأستاذا «2» يريد بالاستاذ كافورا. وإلى كسرة بن يزداذ أشار بقوله: هبك ابن يزداذ حطمت وصحبه ... أترى الورى أضحوا بني يزداذا «3» ومساور هذا هو صاحب الدار التي كانت تعرف بدار ابن الرومي بالزجّاجين بحلب، وتعرف أيضا بدار مستفاد، وهي شرقي المدرسة العمادية التي جددها سليمان بن عبد الجبار بن أرتق، وتنسب إلى بني العجمي. ثم إن الإخشيد اتفق مع ابن رائق على أن يبقي بيد ابن رائق حمص وحلب ويحمل إلى الإخشيد مالا معلوما ويزوجه ابنته. وفي سنة 330 قتل أبو بكر بن رائق المذكور، وكان شهما مقداما سخيا لكنه عظيم الكبر مستبد برأيه غير موفق للصواب، وكان نائبه بحلب أحمد بن علي بن مقاتل ومعه مزاحم بن رائق. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 40 حوادث أيام المتّقي وابتداء أمر بني حمدان في حلب: ولما قتل ابن رائق، كان أمير الأمراء، عند المتّقي الخليفة العباسي، ناصر الدولة بن حمدان، أخو سيف الدولة، فقلد ناصر الدولة ديار مضر عليا بن خلف وأنفذ معه عسكرا وكتب إلى يانس المؤنسي أن يعاضده وكان واليا على ديار مضر من قبل ناصر الدولة. فسارا إلى أحمد بن مقاتل ومزاحم وانتصرا عليهما في وادي بطنان وملكا منهما حلب. ثم إن عليا بن خلف سار إلى الإخشيد وصار وزيرا عنده، ثم عتا عليه فاعتقله الإخشيد ومات في حبسه. وبقي يانس واليا على حلب سنة 331 واتفق مع الإخشيد ودعا له على المنابر. وفي هذه السنة في ربيع الآخر منها وصل الروم إلى قرب حلب ونهبوا وخربوا البلاد وسبوا خمسة عشر «1» ألف نسمة. سنة 332 وابتداء أمر بني حمدان في حلب وأعمالها: وفي هذه السنة تقرر بين «تورون» أحد قواد الخليفة وبين ناصر الدولة بن حمدان أن يكون للأول أعمال البصرة وما إليها، وللثاني الموصل وأعمال الشام. فاستعمل ناصر الدولة على طريق الفرات وديار مضر، وجند قنسرين والعواصم وحمص، أبا بكر محمدا ابن علي بن مقاتل ثم استبدله بابن عمه أبي عبد الله الحسين بن سعيد بن حمدان. فأقبل هذا من الموصل ومرّ في طريقه على الرّقّة، فمنعه أهلها فقاتلهم وظفر بهم وأحرق بعض البلدة وأسر أميرها محمد بن حبيب البلزمي. ثم سار إلى حلب، وكان فيها يانس المونسي وأحمد بن العباس الكلابي من قبل الإخشيد، فهربا إلى حمص. واستولى أبو عبد الله على هذه البلاد وأقام في حلب ووافاه الإخشيد أبو بكر محمد بن طغج فأجفل عنه أبو عبد الله إلى الرّقة لضعفه عن لقائه. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 41 حوادث أيام المتّقي بالله والمستكفي «1» بالله سنة 333 ولما وصل أبو عبد الله إلى الرقة وجد فيها الخليفة المتقي بالله فلم يأذن لأبي عبد الله بالدخول إليها، واستدعى المتّقي الإخشيد، فأتى إليه وأكرمه، كما أن الإخشيد برّه، ووصله، ثم كتب الخليفة له عهدا على الشام ومصر على أن يكون له ولابنه أبي القاسم أنوجور إلى ثلاثين سنة. وعاد الإخشيد إلى حلب. استيلاء سيف الدولة على حلب وفيها «2» سار الإخشيد إلى مصر، وولّى حلب أبا الفتح عثمان بن سعيد الكلابي. فحسده إخوته الكلابيون واستدعوا سيف الدولة عليا بن حمدان ليولّوه على حلب. فقدم إليها سيف الدولة برضاء أخيه ناصر الدولة وقد عرف اختلاف الكلابيين وضعف أبي الفتح عن لقائه، فاستولى على حلب وهو الاستيلاء الأول في هذه السنة، ولم ير كيدا من الكلابيين ولا من غيرهم. ولما دخل إلى حلب عزل قاضيها ابن ماثل وولّى مكانه ابن الهيثم الرقّي، وكان ظالما يأخذ تركة من مات إلى سيف الدولة. غزو سيف الدولة أرض الروم: فيها غزا سيف الدولة أرض الروم فهتك بلد الصفصاف وعرسوس، وغنم وعاد. قصد جيوش الإخشيد حلب واستيلاؤه عليها: وما كاد سيف الدولة يستقر في حلب بعد عوده من غزو أرض الروم حتى بلغه زحف جيوش الإخشيد على حلب مع قائده وخادمه كافور ويانس المونسي، فبدرهما سيف الدولة وهما في الرّستن وأوقع بهما وبعساكرهما، وأسر منهم أربعة آلاف وغنم جميع ما معهما. ثم أطلق الأسرى وتوجه إلى دمشق، ثم خرج منها إلى الأعراب، ولما عاد إليها منعه أهلها الجزء: 3 ¦ الصفحة: 42 فبلغ الإخشيد ذلك فقصده فخام «1» سيف الدولة عن لقائه لقلة عسكره، لأن أكثرهم استأمن إلى الإخشيد. ثم تواقعا بأرض قنسرين فدارت الدائرة على سيف الدولة وولّى منهزما إلى الرقة، ودخل الإخشيد حلب وعاث أصحابه في نواحيها وقطعوا أشجارها الكثيرة وبالغوا بإيذاء الناس لميلهم إلى سيف الدولة. سنة 334 عود سيف الدولة إلى حلب وهو الاستيلاء الثاني: ثم في ربيع الأول من هذه السنة تقرر الصلح بين الأميرين على أن تكون حلب وحمص وأنطاكية لسيف الدولة، ودمشق للإخشيد، على أن يدفع عنها إلى سيف الدولة إتاوة سنوية «2» . استيلاء سيف الدولة على دمشق: ثم إن سيف الدولة اغتنم فرصة خلوّ دمشق من الحامية، لانسحاب جيوش كافور وأنوجور منها إلى مصر لكفاح المغربي الذي استولى عليها. فتوجه سيف الدولة إلى دمشق واستولى عليها. ثم تبين فيها لأهلها أمارات الطمع فكاتبوا كافورا فحضر إليهم ومعه أنوجور ابن الإخشيد. سنة 335 حرب سيف الدولة مع كافور: فتحارب في هذه السنة سيف الدولة في أكسال مع كافور، فانكسر سيف الدولة وولّى منهزما إلى حمص، فحشد وعاد إلى مرج عذراء وتواقع فيه مع كافور فانكسر أيضا وانهزم إلى الرقة. ودخل كافور إلى حلب وولّى عليها يانس المونسي. الفداء بالثغور بين المسلمين والروم: فيها كان الفداء بين المسلمين والروم على يد عامل سيف الدولة في الثغور، وكان عدد الأسرى 2480 وفضل للروم على المسلمين 230 أسيرا، فوفّاهم سيف الدولة من ماله. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 43 سنة 336: وفي شهر ربيع الآخر من هذه السنة أقبل سيف الدولة إلى حلب وكبس يانس المونسي فانهزم إلى سرمين. فأرسل سيف الدولة إليه من يتعقبه فانهزم وحده إلى أخيه بميّافارقين. ثم تجدد الصلح بين سيف الدولة وابن الإخشيد على الصفة التي كانت بينه وبين الإخشيد دون الإتاوة السنوية. واستقر سيف الدولة بحلب، وهو الاستيلاء الثالث، وعمر داره في أرض الحلبة وأجرى إليها الماء من قويق. وفيها كان الغلاء بالشام وأكلت الحمير والهررة والصبيان، ومات خلق كثير. سنة 337 غزو سيف الدولة الروم وانكساره وغير ذلك: فيها غزا سيف الدولة الروم فانكسر، وأخذ الروم مرعش وأوقعوا بأهل طرسوس. وفيها ملك سيف الدولة حصن برزيه. وفي ذلك يقول أبو الطيب «وفاؤكما كالرّبع أشجاه طاسمه» «1» . وفيها استنقذ سيف الدولة أبا وائل تغلب بن داود بن حمدان لما أسره الخارجي الذي نجم في شعبان هذه السنة. وفي ذلك يقول أبو الطيب «إلام طماعية العاذل» «2» . سنة 339 غزو سيف الدولة الروم: فيها غزا سيف الدولة الروم وأوغل وفتح حصونا كثيرة وسبى وغنم. ثم أخذ الروم عليه المضايق فهلك من كان معه، ونجا سيف الدولة في عدد يسير. سنة 340 موت يماك التركي: فيها مات يماك التركي مملوك سيف الدولة وكان مقدم مماليكه، وكانوا أربعة آلاف مملوك شراء ماله. ورثاه أبو الطيب بقوله «لا يحزن الله الأمير فإنني» «3» . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 44 سنة 341 قصد الروم مدينة سروج: فيها قصد الروم مدينة سروج وسبوا وغنموا وخربوا مساجدها وانصرفوا. فتبعهم سيف الدولة وظفر بهم وبنى مرعش. وفي ذلك يقول أبو الطيب «فديناك من ربع وإن زدتنا كربا» «1» . مدّ نهر قويق: وفي شتاء هذه السنة مدّ نهر قويق حتى أحاط بدار سيف الدولة، ودورها سبعة آلاف ذراع، وسماها السيفية. فخرج أبو الطيب من عنده فبلغ الماء إلى صدر فرسه فقال في ذلك الأرجوزة التي مطلعها: «حجّب ذا البحر بحار دونه» «2» . سنة 342 خروج سيف الدولة إلى ديار مضر وإيقاعه بالدمستق، وأسره ابنه: في حاشية من ديوان للمتنبي مخطوط، محفوظ عندي، ما صورته: «فيها رحل سيف الدولة من حلب إلى ديار مضر لاضطراب البلاد بها. فنزل حرّان فأخذ رهائن بني عقيل وقشير وعجلان، وحدث له بها رأي في الغزو فعبر الفرات إلى دلوك، إلى قنطرة صنجة، إلى درب القلّة، فشنّ الغارة على أرض عرقة وملطية، وعاد ليعبر الفرات من درب موازد فوجد العدو قد ضبطه عليه فرجع، وتبعه العدو فعطف عليه فقتل كثير من الأرمن. ورجع إلى ملطية وعبر قباقب، وهو نهر، حتى ورد المخاض على الفرات تحت حصن يعرف بالمنشار، فعبر إلى نهر هنريط وسمنين، ونزل بحصن الران، ورحل إلى سميساط فورد عليه بها من خبّره أن العدو في بلد المسلمين. فأسرع إلى دلوك وعبرها، فأدركه راجعا على جيحان فهزمه وأسر قسطنطين بن الدمستق، وجرح الدمستق في وجهه. وكان الإيقاع به يوم الاثنين لعشر خلون من ربيع الأول. فقال أبو الطيب يصف ما كان في جمادى الآخرة من هذه السنة «لياليّ بعد الظاعنين شكول» «3» . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 45 سنة 343 سير سيف الدولة إلى الحدث وإيقاعه بجيوش الدّمستق: وفي الحاشية المذكورة ما صورته: «في هذه السنة سار سيف الدولة نحو حصن الحدث لبنائها، وكان أهلها أسلموها بالأمان إلى الدمستق سنة 337 فنزلها سيف الدولة يوم الأربعاء لإحدى عشرة ليلة بقيت من جمادى الآخرة من سنة 343 وبدأ في يومه فخطّ الأساس وحفر أوله بيده ابتغاء ما عند الله تعالى. فلما كان يوم الجمعة نازله ابن النقاس، دمستق النصرانية، في نحو خمسين ألف فارس وراجل من جموع الروم والأرمن والروس والبلغر والصقلب والخزرية. ووقعت المصادمة يوم الاثنين انسلاخ جمادى الآخرة من أول النهار إلى وقت العصر، وإن سيف الدولة حمل عليه بنفسه في نحو خمسمائة من غلمانه وأصناف رجاله فقصد موكبه وهزمه وظفر به وقتل نحو ثلاثة آلاف رجل من مقاتلته وأسر خلقا من استخلاديّته وأراخيته، فقتل أكثرهم واستبقى البعض، وأسر نوذس الأعور بطريق سمنذوا والقنذوا، وهو صهر الدمستق على ابنته، وأسر ابن بنت الدمستق، وأقام على الحدث إلى أن بناها ووضع آخر شرافة منها بيده في يوم الثلاثاء لثلاث عشرة ليلة خلت من رجب. فقال أبو الطيب في ذلك وأنشده إياها بعد الوقعة بالحدث: «على قدر أهل العزم تأتي العزائم» . أقول: هذه النبذة ساقها العكبري في شرح هذه القصيدة مع تصرف قليل ببعض ألفاظها. وقد غلط ابن الأثير فذكر أسر ابن الدمستق في هذه الواقعة. ولعل الذي أوقعه بهذا الوهم قول المتنبي في هذه القصيدة: وقد فجعته بابنه وابن صهره ... وبالصهر حملات الأمير الغواشم على أن الفجع بابنه في هذا البيت لا يستلزم حصوله في هذه الوقعة، إنما هو إخبار عنه في الوقعة الأولى. وقد غلط بعض المؤرخين في هاتين الوقعتين غلطتين، إحداهما: توهّمه أنهما وقعة واحدة، وثانيهما: فهمه من عبارة العكبري أنها أفادت أن ابن الدمستق أسر في هذه الوقعة. مع أن عبارة العكبري لا يستفاد منها أنه أسر ولا قتل في هذه الوقعة كما يظهر ذلك بداهة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 46 لمن قرأها. على أن ذكر أسره في قصيدة المتنبي التي أنشدها في الوقعة الأولى صريح حيث يقول: على قلب قسطنطين منه تعجّب ... وإن كان في ساقيه منه كبول «1» إيقاع سيف الدولة ببني كلاب: وفيها أحدث بنو كلاب حدثا بنواحي بالس «2» ، وسار سيف الدولة خلفهم فأدركهم بعد ليال على بعد 120 ميلا من حلب، فأوقع بهم ليلا فقتل وملك الحريم وأبقى وأحسن. فقال أبو الطيب «بغيرك راعيا عبث الذئاب «3» » . سنة 344 ورود رسول ملك الروم: في محرّم هذه السنة ورد على سيف الدولة فرسان طرسوس وأذنة والمصيصة ومعهم رسول ملك الروم في طلب الهدنة والفداء، فقال أبو الطيب «أراع كذا كلّ الأنام همام» «4» . خروج سيف الدولة إلى الأعراب وإيقاعه بهم: في الحاشية المذكورة ما خلاصته: في هذه السنة تجمعت عامر بن صعصعة وعقيل وقشير والعجلان، أولاد كعب بن ربيعة بن عامر، بمروج سلمية وكلاب بن ربيعة ومن ضامّها، بماء يقال له الزرقاء بين خناصرة وسورية، وتشاكوا بما لحقهم من سيف الدولة وتضافروا على حربه وكانوا في كثرة من عددهم وعددهم، وقد زين لهم ذلك قواد من كعب كانوا في عسكر سيف الدولة، فركضوا على أعماله فقتلوا صاحبه بناحية زعرايا يعرف بالمربوع من بني تغلب الجزء: 3 ¦ الصفحة: 47 وقتلوا الصباح بن عمارة والي قنّسرين. ثم إن سيف الدولة اشتغل عن النهوض إليهم بوفود طرسوس فتمادت أيام مسيره وزاد ذلك في طمع البوادي. ثم قدّم مقدّمة إلى قنّسرين في يوم السبت لليلة خلت من صفر هذه السنة. فأقامت المقدمة أحد عشر يوما أملا أن ترعوي البادية فلم يرتدعوا. فبرز سيف الدولة إلى ضيعة يقال لها الراموسة على ميلين من حلب في يوم الثلاثاء لإحدى عشرة ليلة خلت من صفر، وسار عنها في يوم الأربعاء فنزل تل ماسح وراح منه فاجتاز بمياه الحيار فطواها وتلقته مشيخة من بني كلاب وغيرهم فطرحوا نفوسهم بين يديه وسألوه قبول تسليمهم إليه. وقصد سلمية فلما كان سحر يوم الجمعة لأربع عشرة خلت من صفر تجمعت الأعراب، كعب ومن ضامّها من اليمن، في عدّتها وعدّتها، وحبسوا ظعنهم بماء يقال له حيران، على نحو مرحلة من سلمية، وبعضهم بماء يقال له القرقلس وراءه. ووافت خيولهم مشرفة على عسكر سيف الدولة من كل ناحية. فركب لهم ووقع الطراد فلم يمض إلا ساعات حتى ركب أكتافهم وولّوا واستحر القتل والأسر بآل المهيا ووجوه عقيل وقوادها، وأسر خويلد بن عوسجة بن منصور بن المهيا، وشداد النعمي، وجه بني نعمة. فأطلق جمعهم منّا عليهم مع عدد كبير وأسروا وأطلقوا، وقتل من جمعهم نيّفا وخمسين رجلا، وأخذ منهم نحو مائتي فرس، ودروع من كان عليها. ورحل سيف الدولة ضحوة نهار الجمعة متبعا لهم فأسرعوا لترحيل بيوتهم فوافى ماء حيران بعد الظهر فوجد آثار جفلتهم، وسار إلى ماء القرقلس وأمر بالنزول عليه. ثم عنّ له رأي في اتّباعهم فرحل لوقته إلى ماء الغنثر يوم السبت النصف من صفر، وتسع بقين من حزيران، وقدّم خيلا فلحقت ما لهم وحازته، فنزل على الغنثر قبل نصف الليل وقد امتلأت الأرض من الأغنام والجمال والهوادج والرحال، وقد تفرقت خيولهم واشتبهت عليهم الطرق، فوقع أصحابه على عدة منهم فقتلوهم. وسار وقت السحر إلى تدمر فنزل ماء الجباه على سبعة وعشرين ميلا من الغنثر، وتفرقت خيله في طلب الفلول فساقت الماشية وقتلت عدّة، وسار سيف الدولة من تدمر نحو السماوة فقتل وأسر وصفح عما ملكه من الحريم، ثم رجع من السماوة شفقة عليهم من الاستئصال لأن الكثير منهم يموتون عطشا وجوعا. وقد قصد فريق منهم جهة القلمون مما يلي دمشق. ثم عاد سيف الدولة إلى الجزء: 3 ¦ الصفحة: 48 معسكره ومر بطريقه على جماعة من تلك الجموع أسروا وعجزوا عن الهرب فبرّهم وزوّدهم. وأقام بتدمر يومين وبثّ الخيل ليتعرف أخبارهم فظفرت خيوله بمال منقطع وأقوام فصفح عنهم ورحل نحو أركة ثم نحو السخنة ثم نحو عرض والرصافة والرقة فتلقاه أهلها. ثم نحو حلب فوصل إليها يوم الجمعة لست خلون من شهر ربيع الأول من هذه السنة فقال أبو الطيب يمدحه ويذكر ما جرى: «تذكّرت ما بين العذيب وبارق» «1» . مسير سيف الدولة إلى الدّمستق في حصن الحدث: في جمادى الأولى من هذه السنة نهض سيف الدولة إلى الثغر لما ورد عليه من الدمستق وجيوش النصرانية قد نزلوا على حصن الحدث ونصبوا عليه مكايد، وقد أنجدهم ملكهم بأصناف العسكر من البلغر والروس والصقلب في عدد وعدد، فسار سيف الدولة من حلب فلما قرب من الحدث رحل العدو إلى حصن رعبان. وخرج أهل الحدث وأخذوا آلة سلاح العدو وأعدّوه في حصنهم، وعاد سيف الدولة إلى حلب فقال أبو الطيب «ذي المعالي فليعلون من تعالى» «2» . أقول: ذكر العكبري أن هذه الحادثة كانت في سنة 340 وهو غلط والصواب أنها كانت في هذه السنة وهي سنة 344. سنة 345 غزو سيف الدولة الروم: في الحاشية المذكورة ما خلاصته: أن سيف الدولة غزا من حلب ومعه أبو الطيب، وقد أعدّ الآلات لعبور أرسناس، فاجتاز بحصن الران ثم اجتاز بحيرة سمنين ثم بهنريط. وعبرت الروم والأرمن أرسناس وهو عظيم الجرية والبرد، فسبح الخيل حتى عبرته خلفهم إلى تل بطريق وهو مدينة لهم، فغرق جماعته وأحرق تل بطريق وقتل من وجد فيها. وأقام أياما وعقد بها سمريّات «3» ليعبر السبي الجزء: 3 ¦ الصفحة: 49 فيها ثم أقفل، فاعترضه البطريق في الدرب بالجيش، وارتفع في ذلك الوقت سحاب عظيم وجاء مطر جود «1» ، ووقع القتال تحت المطر ومع البطريق نحو ثلاثة آلاف قوس، فابتلّت أوتار القسيّ فلم تنفع فانهزم أصحابه. ثم انهزم بعد أن قاتل وأبلى، وعلقت به الخيل فجعل يحمي نفسه حتى سلم. واتصل بسيف الدولة خبر يانس، سبط الدمستق شمشقيق البطريق، في متابعته الغارة على أطراف ديار بكر وتقديره أنه آمن ببعد سيف الدولة. فسار سيف الدولة في يوم الاثنين لأربع عشرة ليلة خلت من محرّم سنة 345 ولما وصل إلى حرّان لقيته وجوه بني نمير لائذين به وسألوه العفو عن كل شيء كان أنكره عليهم، فأجابهم إلى ذلك وتنكّب طرق الجادة وأخذ على حصن الران إلى حصن الحمة إلى حصن بارقبين، وجميعها له وفي يده، ودخل منه غازيا في يوم السبت لأربع بقين منه. وقد كان البطريق ومن تجمع إليه من البطارقة ورد الدرب للغارة على بلد آمد، فلما أشرف سيف الدولة ولّوا منهزمين ونزل سيف الدولة بشاطئ بحيرة سميساط وخيوله تركض وتأسر وتحرق وتسبي. ثم سرى في يوم الأحد بغلامين من غلمانه إلى شط أرسناس وسار في أثرهما فنزل ضيعة تعرف بأنحى في لحف «2» حصن زياد. وعادت سريته غانمة سالمة. وبكّر فسار إلى شط أرسناس فنزل على حصن أشوان بإزاء مدينة يقال لها الأشكونية وهي مسكن البطريق وكان أخذ معه سفنا مخلّعة وأطوافا، فلما خيّم بشاطئ النهر يوم الاثنين لليلتين بقيتا من المحرم عبر بعض خيوله سابحة إلى ناحية الأشكونية فسبت وغنمت، وابتدأ بعمل السفن والأطواف ففرغ من عدّة منها في بقية يومه وباكر تعبير «3» الرجال فيها في يوم الخميس، فقصد مدينة تل البطريق فأحرقها وانكفأ إلى أخرى يقال لها أسفوان فألحقها بأختها، وشنّ الغارات في تلك الأطراف، وبلغ ذلك من الروم مبلغا عظيما وعاد إلى سواده وعسكره ظافرا غانما، ورحل يوم السبت لثلاث خلون من صفر فقصد بلدا يقال لها هورى فأحرقه وما اجتاز به من بلاد الروم وسبى وقتل. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 50 ورحل في يوم الأحد فنازل حصنا يقال له دارم وفيه مقاتلة للروم من يوم الثلاثاء إلى يوم الخميس حتى قارب فتحه، فبلغه تجمّع الروم في عددهم ومددهم وأخذهم الدروب وتقديرهم اعتراضه في يوم الجمعة فنزل منزلا ببطن سمنين بعد عبره عقبة هاموته وبكر في يوم السبت لعشر خلون من صفر قافلا إلى الدرب المعروف بدرب باقسايا. فلما توسط وظهرت قوافل أعدائه أنفذ إليهم من ناوشهم فاستظهر عليهم ثم كرّوا وصبروا. وأمر سيف الدولة بضرب خيمة بموضعه وصعد إلى جموعهم وهم عند أنفسهم مستظهرون في مواضعهم فخمل عليهم فولوا ووضع السيف فيهم فقتل فيما قتل أربعة آلاف رجل، منهم ابن بلنطس البطريق، وابن فشير فارس النصرانية، وزروان مرح قلزور وأرجوزان وعدد يطول ذكرهم وغنم الرجال ما يفوق الإحصاء من الدوابّ والبغال والحلي والديباج. وسار طالبا لفلّهم «1» في طبراش وصعوده وهبوطه واحتاج في بعضه إلى الترجل والمشي. وكان انصرافه عن الفل بعد العصر، وسار نحو آمد فدخلها في آخر نهار يوم الأحد لعشر خلون من صفر سنة 345 فأنشده أبو الطيب في آمد قصيدته التي مطلعها «الرأي قبل شجاعة الشجعان» «2» . سنة 347 الزيادة في الأذان: قال المقريزي في الخطط المصرية: أول من أذّن بالليل: «محمّد وعليّ خير البشر» : الحسين، المعروف بأمير أشكنبة، ويقال أسكنبة، وهو اسم أعجمي معناه الكرش، وهو ابن علي بن إسماعيل بن الحسن بن زيد بن الحسن بن علي بن أبي طالب. وكان أول تأذينه بذلك في حلب أيام سيف الدولة سنة 347 ولم يزل الأذان بحلب يزاد فيه: «حيّ على خير العمل، ومحمد وعليّ خير البشر» إلى أيام نور الدين محمود زنكي. فلما فتح المدرسة الكبيرة المعروفة بالحلوية استدعى أبا الحسن عليا بن الحسن بن محمد البلخي إليها فجاءه ومعه جماعة من الفقهاء وألقى بها الدروس، فلما سمع الأذان أمر الفقهاء أن يصعدوا المنارة وقت الأذان، وقال لهم: مروهم أن يؤذّنوا الأذان الشرعي، ومن امتنع منهم كبّوه على رأسه. ففعلوا ما أمرهم به وبطلت هذه الزيادة. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 51 قلت: سيأتي ذكر هذا في حوادث سنة 543 وذكر ابن الوردي حادثة ابتداء الزيادة في الأذان سنة 369 أيام سعد الدولة أبي المعالي شريف بن سيف الدولة، لا في أيام أبيه، كما ذكره المقريزي، فليحرر. أما زيادة الصلاة والسلام عقيب كل أذان فقد التزمت في حلب سنة 792 قال أبو ذر في تاريخه، في ترجمة الملك الظاهر برقوق الجهاركسي: وفي أيامه سنة 792 أحدثوا في حلب السلام على النبي عليه السلام عقيب كل أذان، ويقال إن ذلك عن أمره، وكان هذا قد أحدث في العام الأول. ثم قال: وأخبرني والدي أنهم كانوا يصلون على آدم عقيب الأذان، وسببه أن شخصا زعم أنه رأى في منامه آدم، فقال له: أنا أبو كم ولا تذكروني ولا تصلّون عليّ. فأخبر بذلك الحاكم فأمر بالصلاة عليه. اه. سنة 348 غزو الروم طرسوس والرّها: في هذه السنة غزت الروم طرسوس والرّها فقتلوا وسبوا وعادوا سالمين. سنة 349 غزو سيف الدولة الروم: فيها غزا سيف الدولة الروم فأبلى فيهم وفتح عدة حصون وسبى وأسر وغنم وبلغ خرشنة. ثم إن الروم أخذوا عليه المضايق واستردوا جميع ما معه ووضعوا السيف في أصحابه، وتخلص هو في ثلاثمائة رجل بعد جهد ومشقة. وفي ذلك يقول المتنبي «غيري بأكثر هذا الناس ينخدع» «1» . الجليد والبرد: وفيها جاء الجليد والبرد حتى جمد الفرات والقدور على النار، ويبس الزيتون في المعرة وكفر طاب. وفي سنة 350 خرج كمين من الروم على قفل «2» بين أنطاكية وطرسوس فأخذ الرجال وقتل كثيرا منهم، وكان معهم صاحب أنطاكية فتخلص منهم. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 52 سنة 351 استيلاء الروم على عين زربة: فيها زحف الدمستق بجيوشه الجرارة على مدينة عين زربة، وتسلّمها من أهلها بعد أن أمّنهم، ثم غدر بهم فقتل الرجال والنساء والصبيان ومات كثير من أهلها في الطرقات، ونهب الروم جميع أموالهم واستولوا على أربعة وخمسين حصنا. ثم انصرف الدمستق على أن يعود بعد عيده، وخلّف جيشه بقيسارية. وكان ابن الزيات صاحب طرسوس خرج في أربعة آلاف طرسوسي، فقتل الدمستق أكثرهم وقتل أخا ابن الزيات. فعاد ابن الزيات لطرسوس وكان قطع بها الخطبة لسيف الدولة فأعادها أهل البلد له وراسلوه وعلم ابن الزيات بذلك واشتد عليه هذا الأمر، فصعد إلى روشن «1» في داره وألقى منه نفسه إلى النهر تحته وغرق. وراسل أهل بغراص الدمستق وبذلوا له مائة ألف درهم فأقرهم وترك معارضتهم. وفي هذه السنة أعاد سيف الدولة بناء عين زربة. وفيها بعد أن انصرف الدمستق إلى بلاده وقضى صومه وعيده بها، خرج إلى قيسارية جريدة ولم يعلم به سيف الدولة. استيلاء الدمستق على حلب: فتوجه الدمستق إلى حلب وكبسها، وقد أعجل الأمر سيف الدولة عن الجمع والاحتشاد فخرج إليه بمن معه فقاتله ولم يكن له به قبل لقلة عسكره، فقتل أكثرهم وقتل جميع أولاد داود بن حمدان، وانهزم سيف الدولة في نفر يسير، وظفر الدمستق بدار سيف الدولة المعروفة بالدارين «2» خارج حلب، فوجد فيها لسيف الدولة ثلاثمائة بدرة «3» دراهم، وأخذ له ألفا وأربعمائة بغل، وسلاحا لا يحصى، وخرب الدار وملك الحاضر وحاصر المدينة فقاتله أهلها من ثلمة من السور ثلمها الروم، فقتل من الروم خلق كثير وفي الليل عمر الحلبيون هذه الثلمة فتأخر الروم إلى جبل الجوشن «4» . ثم إن رجال الشرطة قصدوا منازل التجار لينهبوها فلحق الناس أموالهم ليمنعوها وخلا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 53 السور منهم، فاغتنم الروم الفرصة وتسوروا ونزلوا وفتحوا الأبواب ودخلوا البلد بالسيف يقتلون من وجدوا حتى ضجروا وتعبوا. وكان في حلب ألف وأربعمائة أسير رومي، فخلصوهم وجمعوا السلاح وسبوا بضعة عشر ألف صبي وصبية وأخذوا من الأموال ما قدروا على حمله وأحرقوا المساجد والجامع الأعظم واحترق معه مكتبته التي كانت تشتمل على عشرة آلاف مجلد في فنون شتى. وكانت عدة عسكره في هذه الواقعة مائتي ألف رجل، منهم ثلاثون ألف مدرّع وثلاثون ألفا للهدم وإصلاح الطرقات وتنحية الثلوج عنها، وأربعة آلاف بغل تحمل الحسك «1» من الحديد. ولما دخل الروم البلد قصد الناس القلعة فمن دخلها نجا بنفسه. وأقام الدمستق تسعة أيام وأراد الانصراف عن حلب، ثم بدا له أن ينزل على القلعة فأنفذ ابن أخت الملك وكان معه، وبقي الدمستق بعسكره على باب البلد، فتقدم المذكور ومعه سيفه وترسه وتبعه الروم. ولما قرب من باب القلعة ألقي عليه حجر فسقط ورمي بخشب فقتل، فأخذه أصحابه وعادوا إلى الدمستق فلما رآه قتيلا قتل جميع من كان معه من أسرى المسلمين وكانوا ألفا ومائتي أسير، وعاد إلى بلاده ولم يعترض لسواد حلب، وأمر أهله بالزراعة والعمارة ليعود إليه في العام الثاني. وفي هذه السنة أسرت الروم أبا فراس الحمداني من منبج، وكان متقلدا لها. امتناع أهل حران على عاملها: وفي سنة 352 امتنع أهل حرّان على صاحبها هبة الله بن ناصر الدولة الحمداني، وكان متقلدا لها ولغيرها من ديار مضر من قبل عمه سيف الدولة، فعسفهم وظلمهم. وكان هبة الله عند عمه بحلب حين قيامهم على نوابه، فسار إليهم سيف الدولة وابن أخيه وحصروهم واقتتلوا أكثر من شهرين. ثم لما رأى سيف الدولة شدة الأمر أجابهم إلى ما طلبوا ودخل هبة الله البلد. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 54 الإيغال في بلاد الروم: وفيها دخل أهل طرسوس بلاد الروم غزاة. ودخل أيضا «نجا» غلام سيف الدولة من درب آخر، فأوغل أهل طرسوس في بلاد الروم حتى دخلوا قونيه وعادوا. وكان سيف الدولة ينتظر الغزاة على رأس درب من تلك الدروب ولم يسر معهم لأنه كان مريضا ولما صحّ خاف هبة الله وهرب إلى حرّان وأشاع أن عمه مات وتحالف مع أهلها على الحرب والسلم، فأرسل سيف الدولة غلامه «نجا» إلى حرّان وهرب هبة الله إلى الموصل ونزل «نجا» على حرّان وقبض أهلها وصادرهم على ألف ألف درهم وشرط عليهم تأديتها بخمسة أيام بعد الضرب المبرّح بحضرة عيالاتهم وأهليهم، فباعوا ما يساوي دينارا بدرهم لعدم وجود من يشتري غير أصحاب «نجا» . ثم افترق أهل حرّان وبقيت بلا وال وسار «نجا» إلى ميّافارقين حيث كان سيف الدولة. سنة 353 عصيان «نجا» على سيف الدولة: فيها عصى «نجا» على سيف الدولة بطرا بما صار معه من الأموال التي أخذها من أهل حرّان، وانضم إليها ما أخذه بعد من أبي الورد المستولي على كثير من أرمينية حينما قصده «نجا» وقتله وأخذ أمواله وقلاعه وبلاده: خلاط، وملا ذكرد، وموش. فتمكن بهذه الأموال وأظهر العصيان على مولاه سيف الدولة، فقصده سيف الدولة ليقاتله على عصيانه فهرب منه واستولى سيف الدولة على بلاده ثم كاتبه يرغبه ويرهبه حتى حضر عنده فأكرمه وأعاده إلى مرتبته. ثم وثب عليه غلمان سيف الدولة لأنه تعرض إلى أحدهم، فقتلوه وطرحوه في مجرى الماء والأقذار إلى الغد ثم دفن. سنة 354 استيلاء نقفور على المصيصة: فيها حاصر نقفور ملك الروم المصيصة وفتحها عنوة، ثم رفع السيف عمن بقي من المسلمين ونقلهم إلى الروم وكانوا مائتي ألف، ثم أمّن أهلها وكان بها أربعون ألف فارس، وسار أهلها عنها في البر والبحر، وجهز معهم من يحميهم إلى أنطاكية، ولقيهم أهل أنطاكية بالبكاء والنحيب وكان في مقدمة الطرسوسيّين «1» رجل يقرأ: أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقاتَلُونَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 55 بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا إلى قوله تعالى: رَبُّنَا اللَّهُ «1» . مخالفة أهل أنطاكية سيف الدولة: وفيها أطاع أهل أنطاكية أحد مقدّمي الطرسوسيّين وخالفوا سيف الدولة. واسم المقدّم رشيق. فساروا إلى حلب وقاتلهم قرعويه غلام سيف الدولة وحاجبه وعامله بحلب، وكان سيف الدولة بميّافارقين فأرسل سيف الدولة عسكرا مع خادمه بشارة وقاتلا رشيقا، فقتل رشيق وهرب أصحابه إلى أنطاكية. ولما عاد سيف الدولة إلى حلب اجتمع على حربه ابن الأهوازي، رجل كان يضمن الأرحاء «2» بأنطاكية، وهو الذي كان أمدّ رشيقا بماله وزين له العصيان على سيف الدولة. وكان مع ابن الأهوازي في هذه الوقعة دزبر الديلمى خليفة رشيق، فقتل ابن الأهوازي ودزبر، وقتل من ولاتهما خلق كثير. وفيها خرج مروان عامل سيف الدولة على السواحل وهو رجل من القرامطة كان استأمن إلى سيف الدولة فأمّنه واستعمله على السواحل، فلما تمكن قصد حمص وملكها وملك غيرها فسار إليه بدر، غلام قرعويه، وواقعه عدة وقعات. واتفق أن بدرا رمى مروان بنشّابة مسمومة وأن بدرا أسره أصحاب مروان، فخلص مروان من النشابة وقتل بدر. وبعد أيام مات مروان. سنة 355 الفداء بين سيف الدولة وبين الروم: فيها تم الفداء بين الروم وبين سيف الدولة، فسار سيف الدولة بالبطارقة الذين هم في أسره إلى الفداء ففدى بهم أبا فراس وغلامه روطاس وجماعة من أكابر الحلبيين. ولما لم يبق معه من الأسرى أحد اشترى الباقين، كل نفس باثنين وسبعين دينارا، حتى نفذ «3» ما معه من المال فاشترى الباقين ورهن عليهم بدنته الجوهر، المعدومة النظير. ثم لما لم يبق أحد من أسرى المسلمين كاتب نقفور الملك الرومي على الصلح. وهذه من محاسن سيف الدولة. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 56 سنة 356 وفاة سيف الدولة وبقية حوادث دولته في حلب: فيها مات سيف الدولة بحلب ونقل إلى ميّافارقين. وهو أول من ملك حلب من بني حمدان، أخذها من ابن سعيد الكلابي نائب الإخشيد كما تقدم. وملك البلاد بعده ابنه أبو المعالي سعد الدولة شريف. وفي ربيع الآخر سنة 357 قتل الحارث أبو فراس الحمداني ابن عم سيف الدولة، كان مقيما بحمص فجرى بينه وبين أبي المعالي بن سيف الدولة وحشة وطلبه أبو المعالي فانحاز إلى «صدد» من قرى حمص فأرسل أبو المعالي عسكرا مع قرعويه إلى صدد وكبسوه وقتلوه. وفي سنة 358 دخل ملك الروم الشام بلا ممانع، وسار إلى طرابلس وأحرق حمص وكان أهلها أخلوها. وأقام بالشام شهرين وأتى على الساحل نهبا وتخريبا وملك ثمانية عشر منبرا وعاد بالأسرى والأموال. وفيها استولى قرعويه على حلب وأخرج ابن أستاذه أبا المعالي فأقام عند والدته بميافارقين ثم بحماة. وفي سنة 359 ملك الروم أنطاكية بالسيف وقتلوا أهلها وسبوا عشرين ألف صبي وصبية وقصدوا حلب فتحصن قرعويه بالقلعة وملكوا المدينة، وكان أبو المعالي محاصرا حلب فتباعد عنهم. ثم حصروا القلعة فخرج إليهم جماعة من الحلبيين. وتوسطوا الصلح واستقر الأمر على هدنة مؤبدة على مال يحمله قرعويه إلى الروم وعلى ألّا يمكّن أهل القرى من الجلاء ليبتاع منهم الروم لوازمهم إذا مروا عليهم في الغزوات، وكان مع حلب حماه وحمص وكفر طاب والمعرة وأفامية وشيزر وما بين ذلك من الحصون والقرايا. وسلّم الحلبيون الرهائن إلى الروم وعاد الروم عن حلب وتسلمها المسلمون. وفيها صالح قرعويه ابن أستاذه أبا المعالي وخطب له. وكان أبو المعالي بحمص وخطب هو وقرعويه بحلب للمعز العلوي صاحب مصر. وفي سنة 362 حدث في بلاد الشام زلزال هدم الحصون من أنطاكية وغيرها وهلك به خلق كثير. وفي سنة 366 قوي أمر بكجور بحلب، وكان استنابه مولاه قرعويه فاستفحل أمره وقبض على مولاه قرعويه وحبسه في القلعة. فكتب أهل حلب إلى أبي المعالي، وكان مقيما في حماة. فسار إلى حلب وحصر قلعتها أربعة أشهر ثم ترددت الرسل بين أبي المعالي وبكجور، واستقر الصلح بينهم على أن يكون بكجور أمينا ويوليه أبو المعالي حمص. فاستلم أبو المعالي القلعة وسيّر بكجور إلى حمص كما اتفقا. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 57 قلت: هذه الحادثة ذكرها في ذيل المختصر في حوادث سنة 365 وفي سنة 373 كتب بكجور إلى العزيز بمصر أن يوليه دمشق فأجابه. وتسلمها بكجور وانتقل إليها من حمص. سنة 378 عصيان بكجور وقتله، ووفاة أبي المعالي: في هذه السنة عصى بكجور بدمشق، وأرسل العزيز عسكر العزلة، فهرب منها ثم أمّنه العزيز. فسار بكجور إلى الرقة واستولى عليها. وفي سنة 381 سار بكجور من الرقة لقتال أبي المعالي بحلب. فاقتتلا قتالا شديدا وانكسر بكجور وهرب، ثم أخذ أسيرا في بعض بيوت العرب وأحضروه إلى أبي المعالي فقتله. ثم سار أبو المعالي إلى الرقة وبها أولاد بكجور وأمواله، فحصرها فاستأمنوا فأمنّهم وحلف ألّا يتعرض إليهم ولا إلى مالهم. فسلّموه الرقة فغدر بهم وأخذ أموالهم وعاد إلى حلب فلحقه فالج في جنبه الأيمن فأحضر الطبيب ومد إليه يده اليسرى، فقال الطبيب: هات اليمنى، فقال: ما تركت لي اليمين يمينا. ومات بعد ثلاثة أيام في هذه السنة، وعهد إلى ولده أبي الفضائل وجعل مولاه لؤلؤا مدبّر أمره. وفيها استضعف العزيز بالله- خليفة الفاطميين في مصر- أبا الفضائل وطمع في تملك حلب منه، فجهز بقيادة منجوتكين جيشا جرارا، فكتب أبو الفضائل إلى ملك الروم يستعينه على جيش العزيز فأقبل إليه أحد قواده في خمسين ألفا. ولما التقى الجيشان لم يثبت جيش الروم وشدد الجيش المصري الحصار على حلب حتى اضطر أبو الفضائل إلى طلب الصلح من منجوتكين فصالحه على مال دفعه. ولما وصل خبر الصلح إلى الخليفة لم يرضه ذلك وأمر منجوتكين أن يعود إلى حصار حلب فاضطر أبو الفضائل أن يعود إلى الاستنجاد بملك الروم فأقبل إليه بجيش عظيم أجفل منه جيش الخليفة إلى دمشق. ومرّ ملك الروم بحلب فتلقاه أبو الفضائل بالإكرام ثم سار ملك الروم إلى بلاد الشام فهدم وأحرق وسبى. 399 وفاة لؤلؤ وخلفه ابنه: فيها توفي لؤلؤ مدبّر أمر أبي الفضائل، وخلفه مرتضى الدولة بن لؤلؤ، وكان ظالما. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 58 سنة 402 انقراض دولة بني حمدان من حلب: في هذه السنة أغار صالح بن مرداس في 500 فارس على حلب وطالب مرتضى الدولة بجوائز الكلابيين مستضعفين إياه بسبب تسلط حكومة مصر عليه. فاحتال مرتضى الدولة على الكلابيين وأدخلهم إلى حلب وأغلق عليهم أبوابها وقتل منهم نحو 200 وأسر 120 بينهم صالح، وتزوج «جابرة» امرأة صالح بإكراه أهلها على زواجها. وقيل: بل أكره صالح على طلاقها. ثم إن صالحا نقب حائط السجن وألقى نفسه من سور القلعة وهرب واجتمعت عليه بنو كلاب ونزلوا على قرية تل حاصد فألف مرتضى الدولة جندا من أهالي حلب، فيهم اليهود والنصارى وأخلاط من الناس، ووقعت المصادمة عند تل حاصد فانكسر جيش مرتضى الدولة وأسر وقيده صالح بالقيد الذي كان في رجله ثم افتدى نفسه بمال وعاد إلى حلب. سنة 406 عصيان فتح على مولاه مرتضى الدولة: فيها عصى فتح على مولاه مرتضى الدولة، وكاتب الحاكم وأظهر طاعته وخطب باسمه ولقب بمبارك الدولة، والتجأ مرتضى الدولة إلى الروم في أنطاكية. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 59 سنة 414 استيلاء المرداسيين على حلب في هذه السنة ضعف أمر الدولة الفاطمية بمصر وطمع عرب البادية بالشام والجزيرة وتحالفوا على اقتسامهما فيما بينهم، على أن تكون حلب- إلى عانة- لصالح، والرملة إلى مصر لحسان بن مفرّج «1» الطائي، ودمشق وأعمالها إلى سنان بن عليان. فزحف صالح إلى حلب وقاتل عليها ابن ثعبان أو شعبان الكتامي، والي حلب من قبل المصريين، فاستولى صالح على حلب. حوادث الدولة المرداسية في حلب سنة 415: دفن قاضي حلب حيّا: في هذه السنة قبض صالح على قاضي حلب ابن أبي أسامة، ودفنه حيا في القلعة. فقال بعضهم في ذلك: وأد القضاة أشدّ من ... وأد البنات عمى وعيّا أدفنت قاضي المسلمين م ... بقلعة الشهباء حيّا؟ سنة 416 إسناد صالح الوزارة إلى تاذرس النصراني: فيها استوزر صالح بن مرداس تاذرس النصراني وكان عنده صاحب السيف والقلم. سنة 418 خروج صالح إلى المعرة واجتماعه بأبي العلاء: وفي هذه السنة خرج صالح إلى المعرة للإيقاع بأهلها لأنهم خربوا الماخور. فحضر إليهم صالح واعتقلهم وصادرهم واستدعى أبا العلاء إلى ظاهر المعرة. ومما خاطب به أبو العلاء صالحا قوله: مولانا السيد الأجل أسد الدولة ومقدّمها وناصحها، كالنهار الماتع الجزء: 3 ¦ الصفحة: 60 اشتد هجيره وطاب إبراده، وكالسيف القاطع لان صفحه وخشن حدّاه، خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين. فقال صالح: قد وهبتهم لك أيها الشيخ. فقال أبو العلاء بعد ذلك في اللزوميات هذه الأبيات: تغيّبت عن منزلي برهة ... ستير العيوب فقيد الحسد فلما مضى العمر إلّا الأقلّ ... وحمّ لروحي فراق الجسد بعثت شفيعا إلى صالح ... وذاك من القوم رأي فسد فيسمع منّي سجع الحمام ... وأسمع منه زئير الأسد فلا يعجبنّي هذا النفاق ... فكم نفّقت محنة ما كسد سنة 420 قتل صالح وولده الأصغر وولاية ابنه نصر حلب: في هذه السنة جهز الظاهر صاحب مصر جيشا لقتال صالح صاحب حلب، وحسان صاحب الرملة. فاقتتلوا على الأردنّ عند طبرية وقتل صالح وولده وحمل رأسهما إلى مصر، ونجا ابنه نصر فحضر إلى حلب وملكها ولقب شبل الدولة. وفي هذه السنة خرج الروم من أنطاكية للزحف على حلب، فحاربهم أهلها وهزموهم. سنة 421 خروج ملك الروم من القسطنطينية إلى حلب: في هذه السنة خرج ملك الروم من القسطنطينية في ثلاثمائة ألف مقاتل، وقيل في ستمائة ألف، للزحف على الشام، معهم ملك البلغار وملك الروس والألمان والخزر والأرمن والبلجيك والفرنج. ولما اقتربوا من حلب لحقهم عطش شديد ووقع الخلف بين أمرائهم وملوكهم، فرحل الملك وتبعهم شبل الدولة والعرب وأهل السواد حتى الأرمن، يقتلون وينهبون حتى لم يسلم من أموالهم شيء، وأسر جماعة من أولاد ملوكهم. وكان اسم ملك الروم أرمانس. وفي ذلك يقول الأمير أبو الفتح بن أبي حصينة المعرّي قصيدة طويلة، أنشدها شبل الدولة بظاهر قنّسرين، مطلعها: ديار الحيّ مقفرة يباب ... كأن رسوم دمنتها كتاب الجزء: 3 ¦ الصفحة: 61 سنة 429 قتل شبل الدولة: في هذه السنة زحف الدزبري (وهو قائد العلوي صاحب مصر) على حلب فتغلب عليها وقتل شبل الدولة. سنة 433 موت الدزبري واستيلاء أبي علوان على حلب: فيها مات الذزبري بحلب، فأسرع إليها أبو علوان، ثمال بن صالح المرداسي الملقب بمعز الدولة وملكها. وفيها نقل رأس يحيى عليه السلام من بعلبكّ إلى مقام إبراهيم في القلعة. سنة 440 وصول عساكر مصر إلى حلب: فيها وصلت عساكر مصر إلى حلب في جمع عظيم فخرج إليهم «ثمال» بجموعه وقاتلهم إلى الليل ثم عاد إلى المدينة. ثم في الغد والذي بعده خرج إليهم وقاتلهم فرحلوا عن حلب ولولا رحيلهم في تلك الليلة لأغرقهم المطر. سنة 441 زحف المصريين على حلب: فيها وصل عسكر من مصر إلى حلب بقيادة «رفق» فهزمهم الحلبيون وأسر رفق ومات عندهم. سنة 449 تنازل ثمال عن حلب إلى المصريين: فيها تنازل ثمال عن حلب إلى المصريين فسلموها إلى الحسن بن ملهم. سنة 452 و 453 و 454: فيها أساء ابن ملهم السيرة في أهل حلب فكاتبوا محمودا بن صالح المرداسي فحضر وتسلم حلب وسيّر المصريون إليها ناصر الدولة بن حمدان فجرح وأسر، واستتب ملك حلب وقلعتها لمحمود. وفي سنة 453 استولى ثمال على حلب مرة ثانية بمعاونة المصريين. ثم في سنة 454 ملكها منه أخوه عطية فقصده ابن أخيه محمود بن نصر وغلبه عليها فملكها منه. وفيها جاءت برقة وتبعها صيحة سقط لها الناس لوجوههم، ومات فيها كثير من الطيور بمعرّة. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 62 وفي سنة 457 أقطعت معرة النعمان للملك هارون بن خان ملك الترك فيما وراء نهر جيحون، أخذها حربا وخراجا فأقام بها يسيرا ثم انتقل إلى حلب وولى المعرة الأمير فارس الدولة يانس الصالحي. وفي سنة 459 كان بالبلاد سوى الروم غلاء عظيم وموت لا سيما في حلب، فإنه مات فيها في رجب خاصة زهاء أربعة آلاف، ومات جماعة من ساداتها. وفي سنة 460 فتح من الإفرنج حصن أرتاح على يد الملك هارون بن خان، حاصره خمسة أشهر، وهو فتح عظيم كانت أعماله بمقدار أعمال الشام من الفرات إلى العاصي، إلى أفامية إلى باب أنطاكية، إلى الأثارب. وأحصى قوم المفقودين من الفرنج في هذه السنة إلى رمضانها في الدرب إلى أفامية قتلا وأسرا، فكانوا ثلاثمائة ألف. وفي سنة 461 أخذ ملك الروم حصن منبج وشحنه رجالا وعدّة. ثم وقف على عزاز ساعة ورحل عنها، وفتك في جماعته الموت والغلاء فرجع خائبا. وفيها جمع قبطان أنطاكية وقسّها المعروف بالبخت جموعا وطلع إلى حصن أسقوبا من قرى المعرة، حسّن له ذلك قوم من بني ربيع من أهل «الجوزق» ، ففتحوه وقتلوا وأسروا رجاله وواليه نادر التركي. فبلغ الخبر الأمير عز الدولة محمود بن نصر المرداسي وهو يسير في ميدان حلب فسار إليهم ولم يدخل حلب ومعه نحو خمسين ألفا من الترك والعرب، وأخذه من النصارى وقتل منهم ألفين وسبعمائة نفس. وهذا الحصن عمره حسين بن كامل بن سليمان العمري المرشدي الكلابي، ومعه جماعة من المعرة وكفر طاب وضياعهما في سنة 456 وأكمل عمارته بمدة يسيرة فتعجب الناس لسرعة عمارته. ثم في سنة 461 اقترض محمود بن نصر المرداسي من الروم أربعة آلاف دينار ورهن ولده نصرا عليها وعلى هدم الحصن المذكور. فجمع الناس من المعرة وكفر طاب على هدمه وهدموه. فقال بعضهم: وهدّوا بأيديهم حصنهم ... وأعينهم حزنا تدمع عجبت لسرعة بنيانه ... ولكنّ تخريبه أسرع وفي سنة 462 استولى الروم على منبج وقتلوا أهلها ونهبوها ثم رحلوا عنها لجوعهم. وفي سنة 463 قطع محمود بن نصر المرداسي والي حلب خطبة المستنصر العلوي بمصر وخطب للقائم العباسي، فثار الشيعة في حلب ونهبوا حصر الجامع وقالوا: هذه حصر عليّ، فليأت أبو بكر بغيرها. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 63 وفيها وصل السلطان محمد ألب أرسلان إلى حلب فبذل له محمود بن نصر الطاعة ولم يطأ بساطه، فلم يرض ألب أرسلان بذلك، فدخل محمود ووالدته عليه فأحسن إليهما وأقرّ محمودا على حلب وشرط عليه إزالة أفعال الشيعة، فإن أكثر أهل حلب صاروا شيعة من وقت مجيء الفاطميين إليهم. وفي سنة 467 مات محمود بن نصر المرداسي، وكان ظالما غاشما يصادر الناس وقد ملك بعده ابنه نصر فمدحه ابن حيّوس بقصيدة منها: ثمانية لم تفترق مذ جمعتها ... فلا افترقت ما افترّ عن ناظر شفر ومنها: فجاد ابن نصر لي بألف تصرّمت ... وآلى عليهم أن سيخلفها نصر فأجازه نصر بألف دينار في طبق فضة وقال: لو قال عوض «سيخلفها» : «سيضعفها» لأضعفتها له. وقد اجتمع الشعراء بباب نصر وامتدحوه وتأخرت صلته عنهم، وفيهم أبو الحسن أحمد بن محمد بن الزبيدة المعرّي الشاعر، فنظم أبياتا وسيّرها إلى نصر مطلعها: على بابك المحروس منّا عصابة ... مفاليس فانظر في أمور المفاليس وقد قنعت منك الجماعة كلّهم ... بعشر الذي أعطيته ابن حيّوس وما بيننا هذا التفاوت كلّه ... ولكن سعيد لا يقاس بمنحوس فأعطاهم مائة دينار وقال: والله لو قالوا: «بمثل الذي أعطيته ابن حيوس» لأعطيتهم مثله. سنة 468 ملك نصر منبج وقتله في حلب: في يوم عيد الفطر قتل نصر هذا وهو في أحسن زيّ، وكان الزمان ربيعا واحتفل الناس في الفطر وتجملوا بأفخر ملابسهم، ودخل ابن حيوس فأنشد نصرا قصيدة منها: صفت نعمتان خصّتاك وعمّتا، ... حديثهما حتّى القيامة يؤثر الجزء: 3 ¦ الصفحة: 64 فجلس نصر وشرب إلى العصر، وحمله السّكر على الخروج إلى التركمان في «الحاضر» «1» ، وهم الذين كانوا ملّكوا أباه حلب، فأراد نصر نهبهم، وحمل عليهم، فرماه تركيّ منهم في حلقه فقتله في اليوم المذكور وملك بعده حلب أخوه سابق. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 65 انقراض دولة بني مرداس، ودخول حلب تحت سلطة شرف الدولة، ثم حكم الشريف بها، ثم دخولها تحت سلطة الدولة السلجوقية وغير ذلك من الحوادث إلى سنة 491 وفي سنة 472 حصر حلب أبو المكارم شرف الدولة مسلم بن قريش بن بدران المقلد ابن المسيّب، صاحب الموصل. ودام حصاره لها إلى ابتداء سنة 473 وكان الشريف أبو علي الحسن بن هبة الله الحسيني الهاشمي، مقدّم الأحداث بحلب، هو رئيس المدينة، فتمكن وقويت يده وسلّم المدينة إلى أبي المكارم المذكور، فتسلمها ثم تسلم قلعتها واستنزل منها (سابقا، ووثّابا) ابني محمود المرداسي. وفيها كان انقراض ملك بني مرداس من حلب. وفي سنة 477 سار سليمان بن قطلمش السلجوقي، صاحب قونيه وأقسراي وغيرهما، إلى الشام وملك أنطاكية بمخامرة الحاكم بها من جهة الروم، وكانت بيدهم من سنة 358 فافتتحها سليمان في هذه السنة. ولما سمع شرف الدولة صاحب الموصل وحلب بذلك أرسل إلى سليمان يطلب منه ما كان يحمله إليه أهل أنطاكية، فقال سليمان: كان ذلك على سبيل الجزية، ولم يعطه شيئا. ثم اقتتلا في الرابع والعشرين من صفر سنة 478 في طرف أعمال أنطاكية فانهزم عسكر شرف الدولة وقتل في المعركة بعد أن قتل بين يديه أربعمائة غلام من أحداث حلب. وعند ها انفرد الشريف أبو علي الحسن بن هبة الله بولاية المدينة وسالم بن مالك العقيلي بقلعتها، فبنى الشريف قلعته خارج حلب في هذه السنة وسكنها خوفا على نفسه، ولما قتل شرف الدولة قصد بنو عقيل أخاه إبراهيم بن قريش وهو محبوس فأخرجوه وملكوه. ثم إن سليمان بن قطلمش أرسل إلى ابن الحتيتي العباسي مقدّم أهل حلب يطلب منه تسليم حلب إليه، فاستمهله ابن الحتيتي إلى أن يكاتب ملك شاه وأرسل ابن الحتيتي يستدعي تتش السلجوقي صاحب دمشق، فسار تتش إلى حلب وجرت بينه وبين ابن عمه سليمان الجزء: 3 ¦ الصفحة: 66 ابن قطلمش وقعة انهزم فيها عسكر سليمان بن قطلمش وقتل سليمان نفسه وقيل قتل في المعركة. ومن المصادفة الغريبة أن سليمان هذا لما قتل نفسه لفّه تتش بكساء في صفر هذه السنة وأرسل به إلى ابن الحتيتي ليسلّم إليه حلب، نظير ما فعل المقتول سليمان المذكور بشرف الدولة في صفر السنة الماضية. ولما وصلت جثة سليمان إلى ابن الحتيتي أجاب تتش بالمطاولة إلى أن يرسم ملك شاه في أمر حلب. فحاصر تتش حلب وملكها واستجار ابن الحتيتي بالأمير دانق بن أكسك، وكان من مقدّمي تتش فأجاره. وأما القلعة فكان بها، منذ قتل مسلم بن قريش، سالم بن مالك بن بدران ابن عم مسلم المقتول، فحاصر تتش القلعة سبعة عشر يوما ثم بلغه خبر وصول أخيه ملك شاه فرحل عن حلب. وأما ملك شاه فإنه أقبل إلى حلب من أصفهان، لمكاتبة ابن الحتيتي له. وفتح في طريقه حرّان والرّها وكانت بيد الروم، وسار إلى قلعة جعبر، واسمها الدوسرية، وعرفت بجعبر سابق الدين القشيري، شيخ أعمى طال مكثه في هذه القلعة وكان يقطع الطريق هو وأولاده ويخيف السابلة فأمسكه السلطان ملك شاه وأمسك أولاده وملك منهم القلعة. ثم سار السلطان ملك شاه إلى منبج وملكها وسار إلى حلب وتسلمها وتسلّم قلعتها من سالم بن بدران العقيلي ابن عم شرف الدولة المقتول، وعوّض السلطان ملك شاه سالما عن قلعة حلب قلعة جعبر. ثم إن السلطان ملك شاه سار عن حلب واستخلف بها قسيم الدولة أقسنقر جد نور الدين زنكي الشهيد. وفي سنة 481 سار أقسنقر صاحب حلب بعساكره إلى قلعة شيزر وفيها صاحبها نصر ابن علي بن منقذ وضيّق عليه ونهب الربض ثم صالحه وعاد إلى حلب. وفي سنة 482 عمرت منارة جامع حلب وقام بعملها القاضي أبو الحسن بن الخشّاب، وكان بحلب بيت نار قديم ثم صار أتون حمّام، فأخذ ابن الخشاب حجارته وبنى بها المئذنة المذكورة، فسعى به بعض حساده إلى أقسنقر زاعما أن هذه الحجارة لبيت المال، فقال ابن الخشاب لأقسنقر: يا مولانا إني عملت بهذه الحجارة معبدا للمسلمين وكتبت عليه اسمك، فإن رسمت غرّمت ثمنها وكتبت عليها اسمي. فأجابه أقسنقر إلى إتمام مشروعه دون أن يغرّمه شيئا. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 67 وفي سنة 484 نزل أقسنقر مساعدا تتش صاحب دمشق- بأمر أخيه ملك شاه- على فتح حمص، فملك تتش حمص وعرقة وأفامية. وفيها كان بالشام وغيرها زلازل كثيرة ففارق الناس مساكنهم وانهدم بأنطاكية كثير من المساكن وهلك تحتها عالم كثير وخرب من سورها تسعون برجا. وفي سنة 486 و 487 طلب تتش السلطنة لنفسه بعد أن توفي أخوه ملك شاه مقتولا في السنة قبلها. واتفق تتش مع أقسنقر صاحب حلب وخطب له باغي سيان صاحب أنطاكية، وبوزان صاحب الرها، وفتح- ومعه أقسنقر- نصيبين عنوة، وملك الموصل واستولى على ديار بكر وسار إلى أذربيجان وكان ابن أخيه بركياروق بن ملك شاه قد استولى على كثير منها، فلما علم أقسنقر أن ملك شاه له ولد يصلح للسلطنة تخلى عن تتش ولحق ببركياروق، فضعف تتش وعاد إلى الشام. وكان أقسنقر قد جمع في الشام جموعا كثيرة وأمد بركياروق بالأمير كربغا، فاقتتل مع تتش عند نهر السبعين قريبا من تل السلطان، فانحاز بعض عساكر أقسنقر إلى تتش وانهزم الباقون، وثبت أقسنقر فأسر، فقال له تتش: لو ظفرت بي ماذا كنت تصنع؟ فقال: كنت أقتلك. فقتله صبرا وسار إلى حلب وملكها وأسر بوزان وقتله، وأسر كربغا وسجنه بحمص. واستولى على حرّان والرها ثم على البلاد الجزيرية. ثم استناب على حلب أبا القاسم حسن بن علي الخوارزمي وسار لقتال ابن أخيه بركياروق فالتقيا بالري وقتل تتش في سنة 488 فجاء ولده رضوان إلى حلب ولحقه جماعة من قواد أبيه ولحقه أخوه دقاق وكان مع رضوان أخوان صغيران أبو طالب وبهرام وكلهم مع أبي القاسم نائب أبيهم في حلب كالضيوف وهو المستولي على البلد. ثم كبس رضوان أبا القاسم ليلا واحتاط عليه، ثم طيبّ قلبه فخطب لرضوان بحلب وكان مع رضوان باغي سيان صاحب أنطاكية، فسار باغي إلى أنطاكية ومعه أبو القاسم الخوارزمي. وأما دقاق أخو رضوان فكاتبه والي قلعة دمشق سرا ليملّكه دمشق فسار إليها وملكها واستقر رضوان في حلب بلا منازع. وفي سنة 489 كان رئيس الأحداث بحلب رجلا يعرف بالمجنّ بركات بن فارس الجزء: 3 ¦ الصفحة: 68 الفوعي، وكان في مبدأ أمره لصا محتالا. فاستتابه قسيم الدولة وولاه رياسة حلب فوشى بيوسف بن أبق فسلطه عليه فأخذه وقتله. ثم عصى المجنّ على الملك رضوان فحبسه ثم قتله بعد أن عذبه. وفيها اقتتل رضوان مع أخيه دقاق عند قنّسرين وانكسر دقاق وولى مهزوما. وفي سنة 490 خطب رضوان في حلب للمستعلي بأمر الله العلوي المصري أربع جمع، ثم قطعها وأعاد الخطبة العباسية خوف العاقبة. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 69 وصول الفرنج الصليبيين أنطاكية وغيرها من بلاد حلب للحروب الصليبية أسباب كثيرة وأخبار طوال يضيق كتابنا هذا عن استقصائها. وإنما نأتي منها هنا على ذكر نبذ يسيرة تتعلق بحلب وبعض أعمالها. فعلى من أحب الاطلاع على تفاصيل أخبار تلك الحروب الطاحنة- التي استغرق أمدها نحو مائتي سنة- أن يرجع إلى الكتب والأسفار المتداولة المؤلفة فيها خاصة بمختلف اللغات ما بين عربي وأعجمي، فنقول: في سنة 491 وصل الإفرنج الصليبيون إلى أنطاكية وحصروها، وكان بها باغي سيان، فظهر له شجاعة عجيبة. ثم هجم الإفرنج على أنطاكية وأخذوها عنوة وقتلوا بها مقتلة عظيمة، وأجفل عنهم باغي في الليل. ثم في الصباح ندم على الهرب وتذكر أهله والمسلمين في أنطاكية، وغشي عليه من الأسف حتى عجز عن الركوب، فمر به أرمني يقطع الخشب فقطع رأسه وحمله إلى الإفرنج بأنطاكية. ولما شاع أخذ أنطاكية سار كربغا صاحب الموصل ومعه عساكره إلى مرج دابق، وجاء دقاق من دمشق وطغتكين أتابك وجناح الدولة صاحب حمص، وغيرهم من الأمراء والعرب، وحصروا أنطاكية وتضايق الفرنج حتى طلبوا من كربغا أن يطلقهم فامتنع. ثم إن كربغا أساء السيرة فيمن معه وخبثت نياتهم، وكان اشتد الخناق على الفرنج فخرجوا من أنطاكية واستماتوا في قتال المسلمين، فهرب المسلمون وقوي الفرنج بما غنموه من القوت والسلاح. وفي سنة 492 سار الفرنج الصليبيون إلى المعرة وملكوها وقتلوا فيها زهاء مائة ألف وسلبوا وأقاموا فيها أربعين يوما. وفي ذلك يقول بعض المعرّيين: معرّة الأذكياء قد حردت ... عنّا، وحقّ المليحة الحرد في يوم الاثنين كان موعدهم ... فما نجا من خميسهم أحد الجزء: 3 ¦ الصفحة: 70 وفي سنة 493 كان الغلاء شديدا في حلب وفيها توجه الملك رضوان إلى الفرنج لقتالهم وإخراجهم من بلاد حلب، فكسر وعاد إلى حلب. وفي سنة 494 ملك الفرنج «سروج» من ديار الجزيرة وأكثروا قتلا وأسرا. وفي سنة 495 قتل الإسماعيلية فضل الله الزوزني قاضي حلب لأنه كان يندّد بمعتقدهم فأعاد رضوان القضاء إلى أبي غانم. وفيها أغار الفرنج على بلاد حلب الشمالية وعاثوا فيها فسادا وبلغوا «كفر لاثا» فكبسهم بنو عليم وظفروا بهم، وانجلى الفرنج عن بلاد حلب الغربية. وفي سنة 496 أغار الفرنج على الرقّة وقلعة جعبر وبعض جهات الرها، فخرج إليهم معين الدولة سقمان وشمس الدولة جكرمش وأوقعا بهم وأجلياهم عن مواقعهم بعد أن فتكا بهم فتكا ذريعا. وفي سنة 497 أغار الفرنج على قلعة جعبر فساقوا المواشي وأسروا من وجدوا. وكانت قلعة جعبر والرقة لسالم بن بدران سلمها إليه ملك شاه لما تسلم منه قلعة حلب كما مر. وفي سنة 498 تقاتل الملك رضوان صاحب حلب مع الفرنج عند يبرين، فانهزم المسلمون وقتل منهم وأسر، وملك الفرنج «أرتاح» . وفي سنة 499 ملك الفرنج حصن أفامية. وفي سنة 504 ملك الفرنج حصن الأثارب، على ثلاثة فراسخ من حلب، وقتلوا فيه ألفي رجل وأسروا الباقي. ثم ملكوا «زردنا» ففعلوا كذلك وقصدوا منبج ومسكنة فوجدوهما خاليتين فعادوا. وصالح رضوان- صاحب حلب- الفرنج على اثنين وثلاثين ألف دينار يحملها لهم مع خيل وثياب. وبذلت أصحاب البلاد للفرنج الأموال وخافوهم لأنهم لم يبق لهم ممانع عن البلاد، إذ الملوك السلجوقية مشغولون ببعضهم فصالحهم أهل صور على سبعة آلاف دينار، وابن منقذ صاحب شيزر على أربعة آلاف، والكردي- صاحب حماة- على ألفي دينار. وفد من حلب إلى بغداد للاستغاثة بالخليفة وطلب النجدة منه على الصليبيين ولما اشتد خطب الفرنج بالبلاد الشامية وعظمت شوكتهم سار جماعة من أهل حلب وساداتها إلى بغداد مستنفرين على الفرنج. فلما وردوا بغداد اجتمع معهم خلق كثير من الفقهاء وغيرهم وقصدوا جامع السلطان واستغاثوا ومنعوا الناس من صلاة الجمعة وكسروا المنبر. فوعدهم السلطان محمد بن بركياروق السلجوقي بإنفاذ العساكر للجهاد. فلما الجزء: 3 ¦ الصفحة: 71 كانت الجمعة الثانية قصدوا جامع القصر بدار الخلافة ومعهم أهل بغداد فمنعهم صاحب الباب فغلبوه ودخلوا الجامع وكسروا شباك المقصورة والمنبر وبطلت الجمعة أيضا. فأرسل الخليفة إلى السلطان إشارة يأمره بالاهتمام بهذا الفتق ورتقه. فتقدم السلطان إلى من معه بالمسير إلى بلادهم والتجهز للجهاد، وسيّر ولده مسعودا مع الأمير مودود صاحب الموصل. وانقضت السنة. وفي سنة 505 سارت العساكر التي جهزها السلطان لقتال الصليبيين بالشام. فساروا إلى سنجار وفتحوا عدة حصون وحصروا مدينة الرها. ثم رحلوا عنها ليطمع الفرنج ويعبروا إلى الفرات فيتمكن المسلمون منهم، فكان هذا خطأ من المسلمين لأن الفرنج لما عبروا الفرات جاؤوا بالميرة والقوت إلى أهل الرها فتقوّوا بعد أن ضعفوا وكاد المسلمون يأخذونهم. ثم إن الفرنج رجعوا إلى الشام وطرقوا أعمال حلب ونهبوا وأفسدوا وأسروا. وسبب ذلك أن رضوان صاحب حلب لما عبر الفرنج إلى الجزيرة قام إلى ما أخذه الفرنج من أعمال حلب فاستعاد بعضه ونهب منهم وقتل، فلما عادوا قابلوه بعمله. وأما العساكر السلطانية فإنهم لما سمعوا برجوع الفرنج إلى الشام رحلوا إلى الرها وحصروها فرأوها أمرا محكما قد قويت نفوس أهلها بالذخائر التي تركت عندهم، فلم يجد المسلمون فيها مطمعا، فرحلوا عنها وعبروا الفرات فحصروا قلعة تل باشر خمسة وأربعين يوما لم يقدروا عليها، فوصلوا إلى حلب فأغلق الملك رضوان أبواب البلد في وجوههم ولم يجتمع بهم، فرحلوا إلى المعرة. ثم خبثت نياتهم وتفرقوا ولم يحصل بهم الغرض. سنة 507: وفاة رضوان وما جرى بعده في هذه السنة مات الملك رضوان بن تتش السلجوقي صاحب حلب، وقام بعده ابنه ألب أرسلان الأخرس وعمره ست عشرة سنة. وكان رضوان غير محمود السيرة قتل أخويه أبا طالب وبهرام، ولما ملك الأخرس استولى على الأمور لؤلؤ الخادم ولم يكن للأخرس معه إلا اسم السلطنة، ومعناه للؤلؤ. وسمي أخرس لحبسة «1» في لسانه. وقتل الأخرس الجزء: 3 ¦ الصفحة: 72 أخويه كما فعل أبوه، وجرى على قاعدة أبيه في أمر الإسماعيلية وأعطاهم قلعة الشريف، فقبّح فعله القاضي ابن الخشاب وحمله على كبتهم وردعهم، فأجابه إلى ذلك وقتل منهم كثيرا في هذه السنة. وكانوا قد كثروا في حلب في أيام أبيه رضوان لأنه كان يستعين بهم لقلّة دينه حتى خافهم ابن بديع رئيس حلب وأعيان أهلها. وممن قتل الأخرس من الإسماعيلية مقدّمهم أبو طاهر وعدّة جماعة من أصحابه، وأخذ أموال الباقين وأطلقهم فتفرقوا في البلاد. وفي سنة 508 قتل الأخرس بعض غلمانه بقلعة حلب وأقاموا أخاه السلطان شاه بتدبير لؤلؤ الخادم. وفيها كانت زلزلة شديدة بديار الجزيرة والشام وغيرها فخرّبت كثيرا من الرها وحرّان وسميساط ومسكنة وغيرها، وهلك خلق كثير تحت الردم. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 73 انتهاء الدولة السلجوقية بحلب ودخولها تحت سلطة بني أرتق وحوادثهم فيها، وهم من فروع الدولة السلجوقية وفي سنة 511 قتل لؤلؤ الخادم، وكان قد حكم في دولة سلطان شاه ودولة أخيه الأخرس من قبله كما أراد، ثم عزم على أن يقتل سلطان شاه كما قتل أخاه من قبله، ففطن لذلك أصحاب سلطان شاه ورصدوا فرصة يقتلون بها لؤلؤا، حتى إذا خرج يوما إلى قلعة جعبر ليجتمع بالأمير سالم بن مالك العقيلي قصدوه وصاحوا: أرنب أرنب، وأوهموا أنهم يتصيدون ورموه بنشّاب فقتل وهو يبول عند قلعة نادر ونهبوا خزانته ثم استعيدت منهم. وولّي أتابكيّة «1» سلطان شاه: شمس الدين الخواجي ياروقطاش، وبقي شهرا وعزلوه وولّوا أبا المعالي بن المقلمي الدمشقي ثم عزلوه وصادروه. وكانوا خائفين من الفرنج فسلموا البلد إلى نجم الدين إيلغازي أرتق صاحب ماردين. ولما تسلمها لم يجد فيها مالا ولا ذخيرة لأن لؤلؤا الخادم كان قد فرّق الجميع فصادر إيلغازي جماعة من الخدم وصانع الفرنج وهادنهم وسار إلى ماردين وخلّف بحلب ابنه حسام الدين تمرتاش. وفي سنة 513 سار الفرنج إلى نواحي حلب وملكوا بزاعة «2» وغيرها وخربوا بلد حلب ونازلوها، ولم يكن فيها من الذخائر ما يكفيها شهرا فخافهم أهلها وصانعوهم على أن يقاسموهم أملاكهم حتى الأملاك التي بباب حلب. ثم أرسل أهل حلب رسولا إلى بغداد يستغيثون ويطلبون النجدة فلم يغاثوا. وكان إيلغازي بماردين يجمع العساكر فسار إلى الفرنج والتقى بهم عند تل عفرين في نصف ربيعها الأول فهزمهم «3» وقتل منهم كثيرا، وممن قتل سرخال صاحب أنطاكية. وفتح عقيب الوقعة الأثارب وزردنا. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 74 وفي سنة 514 سار إيلغازي إلى الفرنج واقتتل معهم عند دانيث البقل، من بلد سرمين، وظفر بهم ثم اجتمع إيلغازي وأتابك طغتكين صاحب دمشق وحصروا الفرنج في معرّة قنسرين يوما وليلة، فضايقهم. ثم أفرج عنهم خوفا أن يستقتلوا ويخرجوا للمسلمين فيظفروا بهم. وكان إيلغازي يخاف من التركمان الذين يحاربون معه لأنهم كانوا يجتمعون للطمع، فيحضر أحدهم ومعه جراب «1» فيه دقيق وشاة ويعد ساعات الغنيمة، فإذا طال مقامهم تفرقوا، ولم يكن مع إيلغازي ما يفرقه فيهم. وفي سنة 515 عصى سليمان بن إيلغازي على أبيه بحلب فبغته أبوه، وسمل عيني من حسّن له العصيان وقطع لسانه، وهو أمير اسمه ناصر، وكان التقطه أرتق والد إيلغازي ورباه. وقطع إيلغازي أطراف رجل حموي من بيت قرناص وسمل عينيه لأنه من جملة المزيّنين لولده العصيان. والحموي المذكور كان محسنا إليه إيلغازي ومرئّسه «2» على حلب، فجزاه بهذا الجزاء. ثم أراد إيلغازي أن يقتل ولده فمنعته رحمة الوالديّة فأفلته فهرب إلى دمشق. واستناب إيلغازي بحلب سليمان ابن أخيه عبد الجبار الملقب ببدر الدولة. وفي سنة 515 أغار الفرنج على حصن الأثارب وأسروا وغنموا. وفيها هدمت قلعة الشريف. وفي سنة 516 بنيت مدرسة بحلب لأصحاب الشافعي، وهي مدرسة الزجاجية التي تكلمنا عليها في باب الآثار في الكلام على محلة الجلوم. وفي سنة 517 أغار الفرنج على حلب وأعمالها وعجز عن مقاومتهم بدر الدولة وسلمهم حصن الأثارب ليكفّوا عن بلاده ويهادنوه. فبعد ذلك استقام أمر الرعية بأعمال حلب وجلبت الأقوات وغيرها. ولما سمع بلك بهرام- ابن عم بدر الدولة- أن ابن عمه سلم الأثارب للفرنج سار من حرّان- وكان قد ملكها- إلى جهة حلب ونازلها في ربيع الأول منها وضايقها وأحرق زروعها فسلّمها والقلعة إليه ابن عمه بدر الدولة بالأمان في غرة جمادى الأولى منها. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 75 انتهاء دولة بني أرتق بحلب ودخولها في حوزة أقسنقر البرسقي صاحب الموصل، وحوادث أيامه فيها، وهو من رجال الدولة السلجوقية وفي سنة 518 قبض بهرام الأرتقي على حسان البعلبكي صاحب منبج وملك منه منبج وحصر قلعتها، فأتاه سهم فقتله ولم يعرف الرامي وتفرق عسكره، وخلص حسان وعاد إلى منبج. وكان مع بلك بهرام ابن عمه حسام الدين تمرتاش صاحب ماردين، وهو ابن إيلغازي بن الأرتق، فحمل تمرتاش بلك بهرام إلى ظاهر حلب وتسلمها واستناب بها وعاد إلى ماردين وفيها اجتمعت الفرنج وانضم إليهم دبيس بن صدقة صاحب الحلّة، وهو شيعي، صحبهم أملا أن يستميل لنفسه أهل حلب لتوافقهم بالمذهب. فحاصروا حلب وأخذوا ببناء بيوت لهم بظاهرها فعظم ذلك على أهلها ولم ينجدهم صاحبها تمرتاش لإيثاره الرفاهية وأقاموا يزاحفون حلب ويقطعون الأشجار ويخربون المشاهد وينبشون القبور ويحرقون من فيها بعد أن نبشوا ضريح مشهد الدكّة «1» ولم يجدوا فيه شيئا فأحرقوه وعبثوا بالمصاحف واستخفّوا بها وسخروا من الإسلام وفعلوا غير ذلك من الفظائع التي نجلّ كتابنا عن ذكرها. ولما اشتد الخطب على الحلبيين كاتبوا أقسنقر البرسقي صاحب الموصل فسار إليهم وخام الفرنج «2» ومن معهم عن حلب لقدوم البرسقي، وتسلّم حلب وقلعتها. وعلى أثر حادثة هذا الحصار عمد القاضي أبو الحسن بن يحيى بن الخشاب إلى أربع كنائس وصيرها مساجد وهي كنيسة هيلانة والحدادين وموغان والمقدمية. وبه كان انتهاء دولة بني أرتق من حلب. وفي سنة 519 أخذ البرسقي كفر طاب من الفرنج ثم سار إلى عزاز فهزمته الفرنج الجزء: 3 ¦ الصفحة: 76 وقتل من المسلمين خلق كثير، فرجع إلى حلب واستناب بها ولده عزّ الدين مسعود «1» ورحل إلى الموصل. وفي سنة 520 كان البرسقي يصلي الجمعة بجامع بالموصل إذ وثب عليه بضعة عشر رجلا من الإسماعيلية فقتلوه. وكان البرسقي مملوكا تركيا شجاعا ديّنا حسن السيرة. ولما سمع ابنه مسعود بمقتله في حلب فارقها وسار إلى الموصل واستقر بملكها. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 77 دخول حلب في حوزة الدولة الأتابكية وحوادثها فيها وهي من فروع الدولة السلجوقية وفي سنة 522 في محرمها ملك أتابك عماد الدين زنكي مدينة حلب. وذلك أن البرسقي لما قتل وسار ابنه مسعود إلى الموصل، استناب بحلب قيماز ثم عزله بقتلغ «1» . فلما قدم «قتلغ» من الموصل إلى حلب امتنع قيماز من تسليم حلب إليه وقال له: بيني وبين مسعود علامة لم أرها، ولا أسلّمك حلب إلا بها. وكانت العلامة بينهما صورة غزال وكان مسعود حسن التصوير. فعاد «قتلغ» لإحضار العلامة من مسعود فوجده قد مات، فرجع إلى حلب وعرّف الناس، بموت مسعود، فسلّم البلد إليه رئيسها فضائل ابن بديع وأطاعه المقدّمون واستنزلوا قيماز من القلعة وأعطوه ألف دينار، فتسلم القلعة في الرابع والعشرين من جمادى الأولى سنة 521 وبعد أيام ظهر منه جور وعسف عظيمان، ومدّ يده إلى الأموال- لا سيما التركات- وقرّب إليه الأشرار فنفرت منه القلوب. وكان بالمدينة بدر الدولة سليمان بن عبد الجبار الأرتقي- الذي كان صاحبها قديما- فأطاعه أهل البلد وأقاموه واليا عليها ليلة الثلاثاء ثاني شوال سنة 521 وقبضوا على كل من كان بالبلد من أصحاب قتلغ- وكان أكثرهم يشربون في البلد صبيحة العيد- وزحفوا إلى القلعة فتحصن قتلغ فيها بمن معه، وحصروه ووصل إلى حلب حسان صاحب منبج، وحسن صاحب بزاعة لإصلاح الأمر فلم يصلح. وسمع الفرنج بذلك فتقدم جوسلين بعسكره إلى حلب فصونع بمال وانصرف عنها. ثم وصل صاحب أنطاكية في جمع من الفرنج فخندق الحلبيون حول القلعة ومنع عنها الداخل والخارج، وأشرف الناس على خطر عظيم إلى منتصف ذي الحجة سنة 521. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 78 وكان عماد الدين زنكي قد ملك الموصل والجزيرة وسيّر إلى حلب الأمير سنقردراز، والأمير حسن قراقوش ومعه توقيع عماد الدين بالشام، فأجابه أهل حلب وتقدم عسكر عماد الدين زنكي إلى سليمان وقتلغ بالمسير إلى عماد الدين زنكي فسارا إليه وهو بالموصل فأصلح بينهما ولم يردّ أحدهما إلى حلب. وكان قراقوش في مدة غيابهما كالوالي على حلب. ثم إن عماد الدين زنكي سار إلى حلب وملك في طريقه منبج وبزاعة وطلع أهل حلب لتلقيه واستبشروا بقدومه ودخل حلب ورتب أمورها. ثم قبض على قتلغ وسلمه إلى ابن بديع فكحله فمات. وكان ملك عماد الدين زنكي لحلب وقلعتها في محرم سنة 522. وفي سنة 524 جمع عماد الدين زنكي عساكره وسار من الموصل إلى الشام وقصد حصن الأثارب لشدة ضرره على المسلمين، فإن أهله الفرنج كانوا يقاسمون أهل حلب على جميع أعمالها الغربية، حتى على رحى بظاهر باب الجنان، بينها وبين سور حلب عرض الطريق، والغالب على الظن أنها رحى عربية. فنازل عماد الدين الحصن واجتمع عليه الفرنج، فارسهم وراجلهم، فرحل عماد الدين عن الأثارب إلى حيث اجتمع الفرنج والتقى بهم واقتتل معهم أشد قتال، فانتصر عليهم وانهزم الفرنج وأسر كثيرا من فرسانهم، وقتل منهم مقتلة عظيمة بقيت منها عظام القتلى على سطح الأرض زمنا طويلا. ثم عاد المسلمون إلى حصن الأثارب وأخذوه عنوة وقتلوا وأسروا كل من فيه وخرب عماد الدين ذلك الحصن من ذلك اليوم. وفي سنة 530 سارت عساكر أسوار- نائب عماد الدين زنكي بحلب- ومعه عساكر حلب وحماه إلى بلاد الفرنج بنواحي اللاذقية، وأوقعوا بمن هناك من الفرنج وكسبوا من الجواري والمماليك والأسرى والدوابّ ما ملأ الشام من الغنائم وعادوا سالمين. وفي سنة 531 نازل عماد الدين حصن بعرين- وكان به الإفرنج- فضيق عليهم وطلب الفرنج منه الأمان فقرر عليهم تسليم الحصن وخمسين ألف دينار يحملونها إليه، فرضوا بذلك وأطلقهم وتسلم الحصن والدنانير. وكان عماد الدين مدة إقامته على الحصن المذكور قد استخلص المعرة وكفر طاب من الفرنج، وحضر أهل المعرة وطلبوا أملاكهم التي كانت لهم قبل أن يأخذ الإفرنج المعرة، فطلب عماد الدين منهم كتب أملاكهم، فذكروا أنها عدمت. فكشف في ديوان حلب عن الخراج وردّ كل ملك لصاحبه حسب مفهوم الديوان. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 79 وفي سنة 532 وصل الروم إلى بزاعة- وهي على ستة فراسخ من حلب- وحاصروها وملكوها بالأمان ثم غدروا بأهلها وقتلوا منهم وأسروا وسبوا وتنصّر قاضيها. وجملة من تلف بها من أهلها أربعمائة نسمة. ثم رحل الروم إلى حلب ونزلوا على قويق وزحفوا على حلب، وجرى بين أهلها وبينهم قتال كثير قتل فيه من الروم بطريق كبير، وعادوا خاسرين وأقاموا ثلاثة أيام ورحلوا إلى الأثارب وملكوها وتركوا فيها سبايا بزاعة، وتركوا عندهم من الروم من يحفظهم. وسار الروم جميعهم من الأثارب إلى شيزر فخرج أسوار- نائب زنكي بحلب- بمن معه وأوقع بمن في الأثارب من الروم فقتلهم وفك أسرى بزاعة وسباياها. وفي سنة 533 جاءت زلزلة عظيمة بالشام والعراق وغيرهما من البلاد فخرّبت كثيرا وهلك تحت الردم عالم كثير، وهدمت الدور والمنازل، وتوالت بالشام وخرّبت كثيرا من البلاد لا سيما حلب، فإن أهلها فارقوا بيوتهم وخرجوا إلى الصحراء. ودامت من رابع صفر إلى تاسع عشره. وفي سنة 539 فتح أتابك عماد الدين زنكي مدينة الرّها واستردها من الفرنج الصليبيين مع غيرها من البلاد الجزرية، وكان فتحا عظيما. وفي سنة 541 قتل عماد الدين زنكي، قتله جماعة من مماليكه منازلا قلعة جعبر، ودفن بالرقة. ولما قتل كان ولده نور الدين محمود زنكي حاضرا عنده فأخذ خاتمه من إصبعه وجاء إلى حلب وملكها. وفيها راسل جوسلين الفرنجيّ- صاحب تل باشروما جاورها- أهل الرها، وكلّهم من الأرمن، بأن يمتنعوا عن المسلمين ويسلموا البلد إليه، ففعلوا وملك جوسلين البلد دون القلعة. فأسرع نور الدين الرحيل إليه من حلب، ولما قارب الرها خرج منها جوسلين هاربا ودخلها نور الدين ونهبها وسبى أهلها فلم يبق منهم أحد. وفي سنة 542 دخل نور الدين صاحب حلب بلاد الفرنج وفتح منها مدينة أرتاح بالسيف وحصر مابولة وبصرفوت وكفر لاثا. وفي سنة 543 كان بين نور الدين وبين الفرنج مصاف بأرض يغرى من العمق، فانهزم الفرنج وقتل وأسر منهم جماعة كثيرة، وأرسل نور الدين إلى أخيه سيف الدين غازي صاحب الموصل من الأسرى والغنيمة. قال في الروضتين في أخبار الدولتين: وفي رجب هذه السنة ورد الخبر من ناحية حلب بأن صاحبها نور الدين أمر بإبطال: «حيّ على خير العمل» في أواخر تأذين الغداة، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 80 والتظاهر بسبّ الصحابة، وأنكر ذلك إنكارا شديدا وساعده على ذلك جماعة من أهل السنة بحلب. وعظم هذا الأمر على الإسماعيلية وأهل التشييع وضاقت صدورهم به. اه وقد تقدم في هذا كلام في أيام سيف الدولة الحمداني. وفي هذه السنة أيضا كان الغلاء العام من خراسان إلى العراق، إلى الشام، إلى بلاد المغرب. سنة 544 حصر نور الدين قلعة حارم وغير ذلك: فيها حصر نور الدين حصن حارم، فجمع البرنس صاحب أنطاكية الفرنج وسار إلى نور الدين فاقتتلوا وانتصر نور الدين وقتل البرنس وانهزم الفرنج وكثر فيهم القتل. وملك بعد البرنس ولده بيمند وهو طفل وتزوجت أمه بآخر تسمّى البرنس. ثم إن نور الدين غزاهم ثانية فقتل منهم كثيرا وأسر، وكان فيمن أسر: البرنس الثاني زوج أم بيمند. وفيها زلزلت الأرض زلزالا شديدا. سنة 545 استيلاء نور الدين على أفامية: فيها سار نور الدين إلى أفامية وحصر قلعتها وملكها من الفرنج، وكان الفرنج قد اجتمعوا وساروا لنور الدين ليرحّلوه عنها فملكها قبل وصولهم. سنة 546 انهزام نور الدين وأسر حامل سلاحه ثم أسر جوسلين وغير ذلك: فيها عزم نور الدين على قصد بلاد جوسلين أحد فرسان الفرنج ودهاتهم، فجمع جوسلين جموعا كثيرة وسار نحو نور الدين فهزمه وقتل وأسر من عسكره جمعا كثيرا، وكان من جملة الأسراء السلاح دار ومعه سلاح نور الدين. فأرسله جوسلين إلى مسعود ابن قلج أرسلان صاحب قونيه وأقسراي وقال: هذا سلاح زوج ابنتك، وسآتيك بما هو أعظم منه. فعظم ذلك على نور الدين وهجر الملاذّ وفكر في أمر جوسلين وجمع التركمان وبذل لهم الوعود إن ظفروا به. فاتفق أن جوسلين طلع للصيد فكبسه التركمان وأمسكوه، فبذل لهم مالا فأجابوه إلى إطلاقه. فبلغ ذلك نور الدين وأرسل عسكرا كبسوا التركمان الذين الجزء: 3 ¦ الصفحة: 81 عندهم جوسلين وأحضروه إلى حلب. ولما أسر جوسلين حبسه نور الدين في قلعة حلب وسار لفتح بلاده وقلاعه فملكها، وهي: تل باشر وعين تاب ودلوك وعزاز وتل خالد وقورس والراوندان وبرج الرصاص وحصن الباره وكفر سود وكفر لاثا ومرعش ونهر الجوز وغير ذلك. وفي هذه السنة حضر مجير الدين مع خواصه إلى حلب- وهو صاحب دمشق- ودخل على نور الدين وبذل له الطاعة فأكرمه نور الدين غاية الإكرام وأقامه نائبا عنه في دمشق، فرجع إليها مجير الدين فرحا مسرورا. سنة 547 انكسار الفرنج عند دلوك: فيها احتشد من الفرنج جيش كثيف وقصدوا نور الدين وهو ببلاد جوسلين ليمنعوه عن ملكها، فالتقوا به عند دلوك «1» وجرى بينه وبينهم قتال عنيف انتهى بانهزامهم، وقتل وأسر منهم عدد عظيم، وعاد نور الدين إلى دلوك فملكها. سنة 549 ملك نور الدين دمشق وغيرها: فيها كاتب نور الدين أهل دمشق واستمالهم بقصد أن يملكها خوفا عليها من الفرنج، لأنهم تغلبوا بتلك الناحية وأطلقوا من دمشق من أرادوا إطلاقه من النصارى. فسار نور الدين إلى دمشق وحاصرها ففتحت له من الباب الشرقي، وملكها وحصر مجير الدين صاحبها في قلعتها وبذل له اقطاعا، من جملته مدينة حمص، فسلم مجير الدين القلعة وسار إلى حمص فصرفه نور الدين عنها بمسكنة. وفيها ملك نور الدين قلعة تل باشر من الفرنج. سنة 551 حصار نور الدين حارم ومصالحته الفرنج على نصف أعمالها: في هذه السنة حاصر نور الدين قلعة حارم وضيّق عليها. فاجتمع الفرنج وساروا نحو نور الدين، فكتب إليهم بطريق الحصن يعرّفهم بقوة المسلمين ويقول لهم: إن لقيتموهم هزموكم وأخذوا حارم وغيرها، وإن حفظتم أنفسكم منهم قدرنا على الامتناع «2» . ففعل الفرنج ما أشار به عليهم وراسلوا نور الدين في الصلح، واستقر الأمر بينهم على مناصفة ولاية حارم بين الإفرنج وبين نور الدين. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 82 خبر الزلزال وغيره: وفي سنة 552 في تاسع عشر صفر وافت زلزلة عظيمة، وتلاها عدة زلازل أثرت في حلب تأثيرا أزعج أهلها، وهدمت عدة حصون من حمص وحماة وكفر طاب وأفامية. ولم يسلم من عطب هذه الزلازل في البلاد الشامية إلا النادر. وكان معظم هذه الزلازل بحماة ثم بحلب، وكان يتبع الزلزلة صيحات مختلفة كالرعود القاصفة، وقد هلك بها كثير من الخلق حتى حكي أن بعض المعلمين بحماة فارق المكتب لمهمّ فجاءت الزلزلة فأخربت الدور وسقط المكتب على الصبيان جميعهم. قال المعلم: فلم يأت أحد يسأل عن صبيّ كان في المكتب. وجملة من هلك في إحدى هذه الزلازل عشرة آلاف نسمة. وهلك أكثر بني منقذ تحت الردم بشيزر، وهم حكامها. فسار إليها نور الدين وملكها وفيها اهتم نور الدين بعمارة القلاع والأسوار التي هدمتها الزلزلة وأغار على الفرنج ليشغلهم عن قصد البلاد. سنة 554 مرض نور الدين وغير ذلك من الحوادث: في هذه السنة مرض نور الدين مرضا شديدا أرجف بموته «1» بقلعة حلب. فجمع أخوه أمير ميران بن زنكي جمعا وحصر قلعة حلب. وكان شيركوه بحمص، وهو من أكبر أمراء نور الدين، فسار إلى دمشق ليستولي عليها وبها أخوه نجم الدين أيوب، فأنكر أيوب عليه ذلك وحسّن له الرجوع إلى حلب وقال له: إن كان نور الدين حيا خدمته وإن كان قد مات فأنا في دمشق، فافعل ما تريد. فعاد شيركوه إلى حلب مجدّا وجلس نور الدين في شبّاك يراه الناس، فلما رأوه تفرقوا عن أخيه أمير ميران واستقامت الأحوال. أخبار الحوادث من سنة 555 إلى نهاية سنة 558: في سنة 555 قصد «ربنلد» ملك إيطاليا البلاد التي استولى عليها نور الدين من جوسلين، ونهب فيها من يقطنها الأرمن والسريان، وعاد إلى أنطاكية. وقبل وصوله إليها خرج إليه مجد الدين نائب حلب وأخذه أسيرا وقيده وأحضره إلى حلب. وفي سنة 558 كان نور الدين نازلا في البقيعة تحت حصن الأكراد، فكبس عسكره الفرنج وهجموا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 83 على خيمته فركب نور الدين مسرعا وساق [فرسه] «1» ورجله في السنجة «2» ، فنزل كردي وقطعها، وقتل الكردي ونجا نور الدين فأحسن إلى مخلّفيه ووقف لهم أوقافا. ثم سار نور الدين إلى بحيرة حمص ونزل عليها وتلاحق به من سلم من المسلمين. سنة 559 أخذ قلعة حارم: فيها أخذ نور الدين قلعة حازم من الإفرنج وقتل وأسر منهم كثيرا. وكان من جملة الأسرى البرنس صاحب أنطاكية، والقومص صاحب طرابلس. وفيها سار نور الدين إلى بانياس وأخذها من الفرنج وكانت بأيديهم من سنة 543 وفي سنة 562 عصى غازي بن حسان صاحب منبج على نور الدين، فسير إليه عسكرا أخذوها منه وأقطعها نور الدين قطب الدين نيال بن حسان، أخا غازي المذكور، فبقي فيها إل أن أخذها منه صلاح الدين يوسف بن أيوب سنة 572. وفي سنة 563 أقام نور الدين بقلعة الرها مدة ثم عاد منها إلى حلب وضربت خيمته في رأس الميدان الأخضر وكان مولعا بضرب الكرة وربما دخل الظلام فلعب بها بالشموع. وكان صلاح الدين الأيوبي يركب بكرة كل يوم لخدمة نور الدين في لعب الكرة لأن صلاح الدين كان عارفا بآدابها. وفي سنة 565 كانت زلزلة عظيمة خربت بلاد الشام لا سيما حلب، فقد فعلت بها ما لم تفعله بغيرها، وبلغ الرعب بمن نجا من أهلها كل مبلغ فكانوا لا يقدرون على أن يأتوا إلى بيوتهم السالمة خوفا من الزلزلة، فإنها عاودتهم غير مرة، ولا أن يقيموا بظاهر حلب خوفا من الفرنج. ثم إن نور الدين قام بعمارة القلاع والأسوار من غير حلب، وبعده جاء إلى حلب وباشر عمارتها بنفسه وكان يقف على البنائين بشخصه حتى أحكم عمارتها. وأما الفرنج فإن الزلزلة أثرت في بلادهم أشد تأثيرا من بلاد الإسلام فاجتهدوا في تعميرها واشتغل كل من المسلمين والفرنج بعمارة بلاده عن صاحبه. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 84 اتخاذ حمام الزاجل: وفي سنة 567 أمر نور الدين باتخاذ الحمام الهوادي «1» التي تحمل البطائق وتطير بها إلى أوكارها. وكان سبب ذلك اتساع بلاده التي تستوعب ما بين النوبة إلى حد همذان ولا يتخللها سوى بلاد الفرنج، فربما نازلوا بعض الثغور ولا يصل خبرهم إلى نور الدين إلا وقد بلغوا الغرض. فحينئذ أمر بتعليم الحمام ورتّب لها ولمعلميها أرزاقا وافية، فوجد بها راحة كبيرة فإن الأخبار صارت تصل إليه بوقتها لأنه كان في كل ثغر رجال مرتبون ومعهم من حمام المدينة التي تجاورهم، فإذا رأوا أو سمعوا أمرا كتبوه لوقته وعلقوه على الطائر وسرّحوه إلى المدينة التي هو منها في ساعته فتنقل الرقعة منه إلى آخر، من البلد الذي يجاورهم في الجهة التي فيها نور الدين، وهكذا إلى أن تصل الأخبار. فانحفظت الثغور بذلك حتى إن طائفة من الفرنج نازلوا ثغرا لنور الدين فأتاه الخبر ليومه، فكتب إلى العساكر المجاورة لذلك الثغر فكبسوا العدو وظفروا به والفرنج آمنون لذلك، لبعد نور الدين عنهم. وهذه الطيور وصفها بعضهم بقوله: «الطيور ملائكة الملوك» يشير إلى أنها تنزل على الملوك من جو الهواء نزول الملائكة من السماء مع فرط ما فيها من الأمانة. قلت: ولا أدري متى بطل استخدام الحمام من بلادنا، غير أن جاك سواري دي بورسلون ذكر في الصحيفة 1018 هـ من الجزء الأول من كتابه القاموس التجاري العام- في أثناء الكلام على تجارة حلب- أن من جملة ما امتاز به تجار حلب استخدامهم الحمام بنقل الأخبار إليهم من إسكندرونة. قال: وهي حمام يعانون تربيتها وتعليمها في بيوت مخصوصة من حلب وينقلونها إلى إسكندرونة بالأقفاص، فإذا حدث لديهم في إسكندرونة خبر مهمّ كتبوه في بطاقة وعلقوها في رقاب الحمام وسرّحوها نحو حلب، فتأتيها طلبا لفراخها في برهة ثلاث ساعات. اه. (وكان طبع قاموسه المذكور سنة 1723 م، وهي سنة 1136 هجرية) . وفي سنة 568 فتح نور الدين مرعش وأخذ بهسنا. وفي سنة 569 توفي الملك العادل الجزء: 3 ¦ الصفحة: 85 نور الدين محمود بن عماد الدين زنكي، صاحب الشام وديار الجزيرة وغيرها، وجلس مكانه على سرير الملك ابنه الملك الصالح إسماعيل، وكان لم يبلغ الحلم فتولى تربيته الأمير شمس الدين محمد بن المقدم. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 86 ملك صلاح الدين يوسف بن أيوب دمشق وغيرها في سلخ ربيع الأول سنة 570 ملك صلاح الدين بن أيوب مدينة دمشق وحمص وحماة. وسببه أن شمس الدين بن الداية المقيم بحلب أرسل لسعد الدين كمشتكين دزدار «1» قلعة الموصل من قبل المرحوم نور الدين إلى الملك الصالح يستدعيه من دمشق إلى حلب لإخماد الفتن التي قامت في حلب بين الشيعة وأهل السنة، وليكون مقامه في حلب. فسار الملك الصالح مع سعد الدين المذكور إلى حلب. ولما استقر بها قبض على شمس الدين ابن الداية الذي طلبه، وقبض على إخوته وعلى رئيس الشيعة ابن الخشاب وإخوته. واستبد سعد الدين كمشتكين بتدبير الملك الصالح فخافه أتابكه الأمير شمس الدين محمد بن المقدم وبقية الأمراء في دمشق وكاتبوا صلاح الدين بن أيوب صاحب مصر ليملّكوه دمشق، فأقبل إليهم على الفور وسلّموه إياها دون أدنى مشقة. ولما سمع من في حلب أن دمشق صارت لصلاح الدين خافوا منه وأرسلوا يهددونه فلم يأبه بتهديدهم ونادى بعسكره بالاستعداد لقصد الشام الأسفل، ورحل متوجها إلى حمص فتسلمها ثم إلى حماة فأطاعه صاحبها جرديك، والتمس منه أن يكون واسطة صلح بينه وبين أهل حلب، فأجابه صلاح الدين إلى ذلك فجدّ جرديك إلى حلب واجتمع بالملك الصالح والأمراء وأشار عليهم بصلح السلطان صلاح الدين، فاتهموه بالمخامرة معه «2» ، وحبسه سعد الدين كمشتكين مدبر الملك مع أولاد الداية المقدم ذكرهم، فبلغ الخبر السلطان وهو بحماة فرحل من وقته وسار إلى حلب ونزل على أنف جبل الجوشن فوق مشهد الدكّة «3» ثالث جمادى الآخرة، وامتدت عساكره من الخناقية إلى السعدي، فخاف الحلبيون أن يسلموه البلد كما فعل أهل دمشق فأمر الملك الصالح أن ينادى باجتماع الجزء: 3 ¦ الصفحة: 87 الناس إلى ميدان باب العراق، فاجتمعوا حتى غص الميدان بالناس، فوقف الملك الصالح في رأس الميدان من الشمال وقال لهم: يا أهل حلب أنا ربيبكم ونزيلكم واللّاجئ إليكم، كبيركم عندي بمنزلة أبي، وشابّكم كأخي، وصغيركم كولدي. وخنقته العبرة وعلا «1» نشيجه. فافتتن الناس وماجوا ورموا عمائمهم وضجوا بالبكاء والعويل، وقالوا: نحن عبيدك وعبيد أبيك، نقاتل بين يديك ونبذل أموالنا وأنفسنا لك. وأقبلوا على الدعاء والترحم على أبيه. وكان الشيعة منهم اشترطوا على الملك الصالح أن يعيد إليهم شرقيّة الجامع يصلّون فيها على قاعدتهم القديمة، وأن يجهر «بحيّ على خير العمل» والأذان «2» ، والتذكير في الأسواق وقدّام الجنائز بأسماء الائمة الاثني عشر، وأن يصلوا على أمواتهم خمس تكبيرات، وأن يكون عقود الأنكحة إلى الشريف الطاهر أبي المكارم حمزة بن زهرة الحسيني، وأن تكون العصبية مرتفعة والناموس «3» وازعا لمن أراد الفتنة. وأشياء كثيرة اقترحوها مما كان أبطله نور الدين رحمه الله فأجابهم الملك الصالح إلى جميع ما طلبوا. وأما السلطان صلاح الدين فإنه أرسل إلى حلب رسولا يعرّض بالصلح، فامتنع كمشتكين فاشتد السلطان حينئذ في قتال البلد. فتفاوض الملك الصالح وجماعته في إعمال الحيلة فقر رأيهم على أن يراسلوا سنانا صاحب الحشيشة- ويقال لهم الإسماعيلية والباطنية- في أن يدس إلى السلطان من يغتاله، ووعدوه على ذلك بأموال جمّة وعدّة من القرى. فجاء نفر من الإسماعيلية إلى جبل الجوشن واختلطوا بالعسكر، فعرفهم أحد من كان مجاورهم في بلادهم، فوثبوا عليه وقتلوه في موضعه، وجاء قوم للدفاع عنه فجرحوا بعضهم وقتلوا البعض. وبدر من الإسماعيلية أحدهم وبيده سكينة مشهورة ليقصد السلطان ويوقع به، فلما وصل إلى باب الخيمة اعترضه طغريل أمير جاندار فقتله، وطلب الباقون فقتلوا بعد أن قتلوا جماعة. فلما يئس» الحلبيون من مرادهم في السلطان كاتبوا قمص الإفرنجي- صاحب طرابلس- وضمنوا له أشياء كثيرة متى رحل السلطان عن الجزء: 3 ¦ الصفحة: 88 حلب، فأغار «قمص» على حمص وألجأ السلطان صلاح الدين أن يسير إليه فنكص «القومص» راجعا إلى بلاده. وتم الغرض من رحيل السلطان عن حلب. ملك صلاح الدين بزاعة وعزاز ثم منازلته حلب: في سنة 571 ملك صلاح الدين بزاعة، ثم نازل عزاز. وفي ليلة الأحد حادي عشر ذي القعدة وثب عليه من الإسماعيلية أحدهم في زي جندي من جند صلاح الدين، وضرب الإسماعيلي رأس السلطان بسكينة صدّتها صفائح الحديد المدفونة في رأسه لكنها لفحت خده فخدشته. فقوي قلب السلطان وحاش رأس الإسماعيلي «1» وجذبه إليه ووقع عليه وركبه، وأدركه سيف الدين بازكوح فأخذ حشاشة الإسماعيلي وبضعه. وجاء آخر فاعترضه أحد الأمراء وجرح الإسماعيلي- ومات بعد أيام- ثم جاء آخر فعانقه الأمير علي بن أبي الفوارس وضمه من تحت إبطيه وبقيت يد الإسماعيلي من وراء ويد الأمير من ورائه، لا يتمكن من الضرب. فنادى الأمير: اقتلوني معه فقد قتلني وأذهب قوتي. فطعنه ناصر الدين بن شيركوه بسيفه، وخرج آخر من الخيمة منهزما فثار عليه أهل السوق فقتلوه. وبعد هذه النازلة رجع السلطان إلى خيمته خائفا مذعورا والدم يسيل من خدّه وأخذ بالتحرز من ذلك اليوم. ثم بعد أن تسلم السلطان قلعة عزاز بالأمان رحل عنها ونازل حلب في منتصف ذي الحجة وحصرها، وبها الملك الصالح الذي كان حالف السلطان صلاح الدين في السنة قبلها ثم نكث عن محالفته وحالف صاحب الموصل. فسار صلاح الدين لفتح بلاده ونازل حلب وبقي محاصرها إلى تمام السنة، ثم طلبوا منه الصلح فأجاب وأخرجوا إليه بنتا صغيرة لنور الدين فأكرمها وأعطاها شيئا كثيرا وقال لها: ما تريدين؟ فقالت: أريد عزاز. وكانوا علّموها ذلك، فسلّمها إليهم، واستقر الصلح ورحل السلطان صلاح الدين عن حلب في عاشر المحرم سنة 572. وفي سنة 573 قبض الملك الصالح على سعد الدين كمشتكين أحد أمرائه لاستبداده بالأمور، وكانت حارم له فطلبها منه الملك الصالح فأبى فعذبه عذابا أليما حتى مات ولم يجبه لطلبه. ثم وصل الفرنج إلى حارم وحاصروها أربعة أشهر فأرسل الملك الصالح إليهم الجزء: 3 ¦ الصفحة: 89 مالا وصرفهم عنها. أما أهلها فلم يزالوا ممتنعين عن الملك الصالح فحاصرهم وتسلّمها منهم. وفي سنة 577 توفي الملك الصالح وكان أوصى بملك حلب إلى ابن عمه عز الدين مسعود بن مودود بن زنكي- صاحب الموصل- فسار مسعود المذكور من الموصل إلى حلب وملكها فكاتبه أخوه عماد الدين بن مودود صاحب سنجار في أن يعطيه حلب ويأخذ منه سنجار، فأجابه وتسلم كل منهما بلد الآخر. استيلاء السلطان صلاح الدين الأيوبي على حلب: وفي سنة 578 سار السلطان صلاح الدين من مصر إلى الشام وقصد تل باشر وتسلمها، ثم عينتاب فحاصرها وتسلمها. ثم قصد حلب ونزل في صدر الميدان الأخضر في سادس عشر المحرم سنة 579 وسيّر المقاتلة يقاتلون ويباسطون عسكر حلب ببانقوسا وباب الجنان غدوة وعشية، وكان مع السلطان جيش ضخم. ولما تحقق عماد الدين بن مودود صاحب حلب أن ليس له قبل بالسلطان- وكان قد ضجر من اقتراح الأمراء عليه وجبههم إياه- أرسل إلى السلطان رسولا وهو حسام الدين طمان يلتمس منه إعادة بلاده عليه، وهو يسلم حلب إلى السلطان صلاح الدين. فأجاب السلطان إلى ذلك. وفي يوم السبت ثامن عشر صفر منها نشر سنجق السلطان الأصفر على القلعة وضربت له البشائر. وفي ذلك الوقت باشر عماد الدين نقل أمتعته من القلعة ولم يترك بها شيئا وباع في السوق ما لم يقدر على حمله. وكان السلطان شرط على نفسه أنه ما يريد سوى الحجر، وأطلق السلطان لعماد الدين بغالا وخيلا وجمالا برسم حمل ما يحتاج إلى حمله. وفي يوم الأحد تاسع عشر صفر اصطنع عماد الدين للسلطان في الميدان الأخضر دعوة حافلة سرّ منها السلطان سرورا زائدا. وبينما هو في غاية مسرته ولذته إذ أخبره شخص بموت أخيه «بوري» وكان جرح في أثناء محاصرة حلب. فلما علم السلطان بموته- وهو مسرور في الدعوة المذكورة- وجد عليه في قلبه «1» ولم يظهر الأسف والحزن وأمر بتجهيزه سرا لئلا يتكدر المدعوون، ودفن في مقام إبراهيم بظاهر حلب. ثم حمله إلى دمشق الجزء: 3 ¦ الصفحة: 90 ودفنه بها. وبعد أن انقضت تعزية الناس للسلطان بأخيه خلع على الناس وفرّق في وجوه الحلبيين الأموال، وقدم لعماد الدين عشرين بقجة صفر، فيها مائة ثوب من العنّابي والأطلس والمعتّق والممرّس، وغير ذلك، وعشرة جلود قندس «1» ، وخمس خلع خاص برسمه ورسم ولده، ومائة قنباز ومائة كمّة، وحجرتين عربيتين بأداتهما، وبغلتين مسروجتين، وعشرة أكاديش «2» ، وخمس قطر بغال، وثلاث قطر جمال عربيات وقطار بخت «3» . ولما فرغ السلطان من الهدية قدم الطعام فأكل عماد الدين ونهض للركوب، وخرج السلطان معه إلى قرب بابلّى وودعه. وسار عماد الدين لبلاده ورجع السلطان وصعد القلعة من باب الجبل، وسمع منه وهو يصعدها قوله تعالى: قُلِ اللَّهُمَّ مالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشاءُ إلى آخر الآية. وقال: ولله ما سررت بفتح مدينة كسروري بهذه، وقد تبينت الآن أني أملك البلاد، وعلمت أن ملكي قد استقر وثبت. ثم صار إلى المقام وصلى ركعتين ثم عاد إلى المخيم في الميدان وأطلق المكوس والضرائب، وسامح بأموال عظيمة وجلس للهناء بفتح حلب، فهنأه جماعة من الشعراء بعدة قصائد ذكرها العماد صاحب كتاب الروضتين. ومن عجيب الاتفاقات أن محيي الدين بن الزكي قاضي دمشق مدح السلطان بقصيدة منها قوله: وفتحكم حلبا بالسيف في صفر ... مبشّر بفتوح القدس في رجب فكان الأمر كما ذكر، فإن السلطان فتحت له القدس في رجب سنة 583. فتح حارم وغير ذلك من الحوادث: ثم إن السلطان طلب حارم من صاحبها سرخك- الذي كان ولاه الملك الصالح- فامتنع عليه وكاتب سرخك الفرنج، ففطن أهل حارم بذلك ووثبوا عليه وأمسكوه وسلّموا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 91 حارم إلى صلاح الدين، فتسلمها وقرر أمرها وأمر حلب وبلادها، وأقطع «عزاز» سليمان بن جندر أحد الأمراء، وجعل في حلب ولده الملك الظاهر. وسار عنها في غرة ربيع الأول من السنة المذكورة. وبعد مضي ستة أشهر طلب الملك العادل- وهو أخو السلطان صلاح الدين- أن يوليه على حلب فولاه عليها واستدعى ولده الملك الظاهر إلى دمشق فخرج من حلب في غاية الأسف عليها، فقد كان أحبها حبا شديدا ووافقه ماؤها وهواؤها. وكان خروجه منها واستلام عمّه لها في رمضان منها. وفي سنة 582 أخذ السلطان حلب من أخيه الملك العادل وأقطعه عنها حرّان والرّها وأعاد ابنه الملك الظاهر إليها. استيلاء صلاح الدين على بيت المقدس وأخذه من حلب منبرا للمسجد الأقصى: وفي سنة 583 في رجب فتح بيت المقدس على يد السلطان صلاح الدين، فدخلها ورتب أمورها وأعاد جامعها إلى ما كان عليه، ثم أمر أن يكتب إلى حلب بإحضار منبر كان هيّأه لبيت المقدس الملك العادل نور الدين محمود زنكي، اشتغله له نجار بحلب يعرف بالأختريني، من قرية أخترين، لا نظير له في البراعة والصنعة. فأحضر المنبر المذكور وجعل في الجامع الأقصى. استيلاء الملك الظاهر على سرمينية من الفرنج واستيلاء أبيه على دربساك: وفي سنة 584 أرسل السلطان ولده الملك الظاهر صاحب حلب إلى سرمينية فحصرها وضايقها وملكها من الفرنج، واستنزل أهلها على قطيعة قررها عليهم، وهدم الحصن وعفّى أثره، وأطلق جما غفيرا من أسرى المسلمين الذين كانوا بهذا الحصن وما جاوره من الحصون. وفيها سار السلطان صلاح الدين فنزل على جسر الحديد بالقرب من أنطاكية فأقام عليه أياما حتى تلاحق به من تأخر من العسكر ثم سار إلى دربساك وحاصرها ثم تسلمها بالأمان على شرط أن يخرج منها أهلها بثيابهم فقط. ثم سار إلى بغراس وتسلمها على شرط دربساك. ثم أرسل بيمند صاحب أنطاكية الفرنجي يطلب منه الصلح بشرط أن يطلق كل الجزء: 3 ¦ الصفحة: 92 أسير مسلم عنده، فأجابه السلطان لذلك وتهادنوا ثمانية أشهر. وفي ثالث شعبان منها دخل السلطان حلب وسار منها إلى دمشق وجعل طريقه على قبر عمر بن عبد العزيز ليزوره. وفي سنة 587 قتل يحيى السّهرورديّ الفيلسوف بقلعة حلب على ما يذكر في ترجمته. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 93 وفاة صلاح الدين وولايات البلاد بعده وما كان من الحوادث إلى سنة 600 وفي سنة 589 توفي السلطان صلاح الدين يوسف بن أيوب بدمشق- على ما يذكر بترجمته- وترك سبعة عشر ولدا ذكرا وبنتا واحدة. وكان أكبر أولاده صاحب دمشق الملك الأفضل نور الدين علي، وكان الملك العزيز عثمان صاحب مصر أصغر منه، والملك الظاهر صاحب حلب أصغر منهما. فاستقر بحلب- بعد وفاة السلطان صلاح الدين- ولده الملك الظاهر غياث الدين غازي. وبحماة وسلمية والمعرة ومنبج وقلعة نجم: الملك المنصور ناصر الدين محمد بن الملك المظفر تقي الدين. وبحمص والرحبة وتدمر: شيركوه بن محمد بن شيركوه بن شاذي. وبشيزر: سابق الدين عثمان بن الداية. وبصهيون وحصن برزيه: أبو قبيس وناصر الدين بن كورس بن خمار دكين. وبتل باشر: بدر الدين دلارم بن بهاء الدين ياروق. وببعرين وكفر طاب وأفامية: عز الدين إبراهيم بن شمس الدين. وفي سنة 596 كان الملك الأفضل والملك الظاهر محاصرين دمشق، وفيها الملك العادل ابن أيوب. ثم وقع بين الأفضل والظاهر وحشة أفضت إلى انصرافهما عن دمشق، وتوجه كل واحد منهما إلى مقرّه. وبعد أن انصرفا خرج الملك العادل في أثر الملك الأفضل ووقع بينهما مصافّ، انكسر فيه الملك الأفضل وأخذ منه الملك العادل مصر صلحا على أن يعوضه عنها ميّافارقين وغيرها. ولما استقر الملك العادل بالملك كاتبه ابن أخيه الملك الظاهر صاحب حلب وصالحه وخطب له بحلب وبلادها، وضرب السكّة باسمه. واشترط الملك العادل على الظاهر أن يكون خمسمائة فارس من خيار عسكر حلب في خدمة الملك العادل كلما خرج إلى البيكار. والتزم الظاهر بذلك. وفي سنة 597 كان الملك الظاهر مجدّا في تحصين حلب خوفا من عمه الملك العادل. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 94 وفيها توفي عز الدين إبراهيم بن محمد وصارت بلاده بعده- وهي منبج وقلعة نجم وأفامية وكفر طاب- لأخيه شمس الدين عبد الملك. فسار إليه الملك الظاهر وملك منه منبج، وعصى عليه شمس الدين بالقلعة فحصره الملك الظاهر واستنزله بالأمان واعتقله وملك منه القلعة. ثم سار الملك الظاهر إلى قلعة نجم فملكها، وبها نائب شمس الدين المذكور. ثم أرسل الملك الظاهر إلى الملك المنصور صاحب حماة يبذل له منبج وقلعة نجم على أن يصير معه على عمه الملك العادل صاحب مصر، فاعتذر إليه صاحب حماة بيمين في عنقه للملك العادل على أن يواليه. فلما أيس منه سار إلى المعرة وأقطع بلادها واستولى على كفر طاب، وكانت لشمس الدين المتقدم ذكره. ثم سار إلى أفامية وبها قراقوش نائب شمس الدين أيضا فلم يتيسر له تملكها، فرحل عنها وتوجه إلى حماة وحاصرها في اليوم السابع والعشرين من شعبان هذه السنة وبقي عليها إلى أيام من رمضان، وجرى بينه وبين الملك المنصور قتال شديد وجرح الملك الظاهر بسهم أصابه في ساقه، ثم صالح الظاهر المنصور على ثلاثين ألف دينار صوريّة ورحل عنها إلى دمشق وبها الملك المعظم بن الملك العادل فنازلها الظاهر وأخوه الملك الأفضل، وانضم إليهما عدة من أمراء الصالحية. واتفق الملكان الظاهر والأفضل على أنهما إذا فتحا دمشق يتسلمها الملك الأفضل، ثم يسيران معا إلى مصر ويأخذانها من الملك العادل ويتسلمها الملك الأفضل، وحينئذ يتسلم دمشق الملك الظاهر. ولما قرب على الملكين افتتاح دمشق حسد الملك الظاهر أخاه الأفضل على ملكها، ووقعت الوحشة بينهما وتفرق عسكرهما وأبطلا القتال وراسلا الملك العادل وصالحاه، ورحل كل منهما إلى مستقرّه وفيها كان بالجزيرة والشام والسواحل زلزلة عظيمة هدمت عدة مدن. وفي سنة 598 خرب الملك الظاهر قلعة منبج خوفا من انتزاعها منه، وأقطع منبج عماد الدين أحمد بن سيف الدين علي بن محمد بن أحمد المشطوب. وفيها أرسل قراقوش نائب شمس الدين بأفامية إلى الظاهر بتسليم أفامية بشرط أن يعطى شمس الدين اقطاعا يرضاه. فأقطعه الملك الظاهر الراوندان وكفر طاب ومفردة المعرة، وهو عشرون ضيعة معينة من بلاد المعرة، وتسلم أفامية. ثم عصى شمس الدين بالراوندان فسار إليه الظاهر وأخضعه. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 95 وفيها سار الملك العادل من دمشق ووصل إلى حماة ونزل على تل صفرون. وبلغ الظاهر وصوله إلى حماة بقصد حلب ومحاصرتها فاستعد للحصار وراسله وتم الصلح بينهما على أن يأخذ من الظاهر أماكن معلومة وتدفع لمن اختار الملك العادل. وفي سنة 599 أخرج الملك العادل من مصر الملك المنصور محمد بن الملك العزيز إلى الشام فسار بوالدته وإخوته وأقام بحلب عند الملك الظاهر. قصد ابن لاوون الأرمني أنطاكية وغير ذلك وفي سنة 600 نازل ابن لاوون ملك الأرمن أنطاكية فتحرك الظاهر ووصل إلى حارم، فارتد ابن لاوون على عقبه. وفيها كانت زلزلة عظيمة عمّت مصر والشام والجزيرة وبلاد الروم وصقلية وقبرس والعراق وغيرها، وخرّبت سور مدينة صور. وفي سنة 602 كثر فساد ابن ليون الأرمني صاحب الدروب في ولاية حلب، فنهب وخرب وأسر وسبى، فسار إليه الظاهر بجموع كثيرة وحصل بينهم عدة وقعات كانت عاقبتها وخيمة على عسكر المسلمين. ثم جدّ الظاهر في قتاله فهرب منه وتحصن بمساكنه من الجبال. مجيء الملك الأشرف إلى حلب وفي سنة 605 وصل إلى حلب الملك الأشرف موسى أخو الظاهر- وكان راجعا من دمشق إلى بلاده- فتلقاه الملك الظاهر بالترحاب وأنزله بالقلعة وبالغ في إكرامه وقام بجميع لوازمه ولوازم عسكره أتم قيام. وكان يحمل إليه في كل يوم خلعة كاملة وهي غلالة وقباء وسراويل وكمّة وفروة وسيف وحصان ومنطقة ومنديل وسكّين ودلكش، وخمس خلع لأصحابه. وأقام على ذلك خمسة وعشرين يوما، وقدم له تقدمة وهي مائة ألف درهم ومائة بقجة مع مائة مملوك، منها عشر بقج، في كل واحدة منها ثلاثة أثواب أطلس وثوبان خطاي، وعلى كل بقجة جلد قندس كبير. ومنها عشر في كل واحدة خمسة أثواب عنّابي بغدادي وموصلي، وعليها عشرة جلود قندس صغار. ومنها عشرون في كل واحدة خمس قطع مرسوسي وديبقي، ومنها أربعون في كل واحدة خمسة أقبية وخمس كمام. وحمل إليه خمسة حصن عربية بعدّتها وعشرين إكديشا، وأربعة قطر بغال وخمس بغلات فائقات الجزء: 3 ¦ الصفحة: 96 بالسروج واللّجم، وقطارين من الجمالين. وخلع على أصحابه مائة وخمسين خلعة، وقاد أكثرهم بغلات وأكاديش. ثم سار الملك الأشرف إلى بلاده الشرقية. وفيها أمر الظاهر بإجراء القناة على ما تقدم بيانه في الكلام على القناة. وفي سنة 606 نقض الظاهر الصلح مع الملك العادل. وفي سنة 608 أرسل الظاهر القاضي بهاء الدين بن شداد إلى الملك العادل يستعطفه ويخطب بنته ضيفة خاتون، فتزوجها الملك الظاهر وزالت الإحن بين الملكين. وفي سنة 609 في المحرّم عقد الظاهر على ضيفة خاتون، وكان المهر خمسين ألف دينار، وتوجهت من دمشق إلى حلب، واحتفل الظاهر لملتقاها وقدم لها أشياء كثيرة نفيسة. وفي سنة 610 ولد للظاهر من ضيفة خاتون ولده الملك العزيز غياث الدين محمد. وفي سنة 613 توفي الملك الظاهر. ولما اشتد به مرضه عهد بالملك بعده إلى ولده الصغير الذي ولد له من ضيفة خاتون بنت الملك العادل، وكان عمر الولد إذ ذاك ثلاثة أعوام، فجعل أتابكه ومربيه خادما روميا اسمه طغريل الطواشي، ولقبه شهاب الدين، وهو من خيار عباد الله، أحسن السيرة بعد وفاة الظاهر وعدل في الأحكام وأزال المكوس والضرائب التي كانت مرتبة في أيام الظاهر. وفي سنة 615 قصد عز الدين كيكاوس بن كيخسرو- صاحب بلاد الروم- ولاية حلب. وسبب ذلك أنه كان بحلب رجلان يسعيان بالناس إلى الملك الظاهر فلما مات الظاهر أبعدهما طغريل، وكسد سوقهما وخشيا على نفسيهما من الناس فقصدا كيكاوس المذكور وزيّنا له قصد حلب. فعزم على ذلك وأشار عليه بعض أصحابه أن يصحب معه أحدا من بيت أيوب لأن أهل البلاد تحبهم فيسهل عليه مقصده، فصحب معه الملك الأفضل وسارا معا متفقين على أن ما يفتحانه من بلاد حلب يكون للملك الأفضل وما يفتحانه من بلاد الجزيرة يكون لكيكاوس. ولما وصلا إلى قلعة تل باشر وفتحاها أخذها كيكاوس لنفسه خلاف ما اتفقا عليه، فاشمأز الملك الأفضل وقال: هذا أول الغدر. ثم فترت همته وتوانى عن المسير معه. أما شهاب الدين طغريل فإنه لما بلغه تحرك كيكاوس المذكور كتب إلى الملك الأشرف ابن صلاح الدين- وكان صاحب الجزيرة- يستدعيه ليدين له بالطاعة ويخطب باسمه ويجعل السكة باسمه ويأخذ ما اختاره من أعمال حلب. فأجابه إلى ذلك وسار بعسكره الجزء: 3 ¦ الصفحة: 97 لقتال كيكاوس، فلقي عسكر كيكاوس عند منبج واشتد القتال بينهم وانهزم عسكر كيكاوس وشتّت شملهم. وسار الملك الأشرف إلى قلعة تل باشر واستردها وأرسلت عساكر كيكاوس إلى حلب أسرى ودقّت البشائر. وفي سنة 616 كان الملك الأشرف بظاهر حلب يدبر أمرها ويرتب جنودها وإقطاعاتها. وفي سنة 619 فوض طغريل مدير المملكة الحلبية أمر الشّغر وبكاس إلى الملك الصالح أحمد بن الملك الظاهر بن صلاح الدين، فسار الملك الصالح إليهما وملكهما وأضاف إليه الرّوج والمعرة ومصرين. وفي هذه السنة استفاض بحلب نبأ عظيم جدير أن يعدّ من الأقاصيص الخرافية، حكاه ياقوت في كتابه معجم البلدان في الكلام على كلّز. خلاصته: أن أهل تلك الناحية شاهدوا هناك تنّينا «1» عظيما كالمنارة أسود اللون، ينساب على الأرض والنار تخرج من فيه ودبره، فأحرق عدة مزارع ونحو أربعمائة شجرة لوز وزيتون وبيوت وخرّكاهات «2» للتركمان. ومرّ كذلك نحو عشرة فراسخ ثم ظهرت سحابة رفعته حتى غاب عن العيون وقد لفّ بذنبه كلبا ينبح. قلت: لعل التنين هشيم «3» ممتد على مسافة طويلة اشتعل ورآه الناس على بعد فحسبوه تنّينا، فإن اشتعال الكلأ اليابس كثير الوقوع، فقد حدث في سنة 1298 وأنا في مدينة «ويران شهر» اشتعال هشيم في صحراء الخابور استمر عدة أيام. وفي سنة 620 وصل الملك الأشرف من مصر ومعه خلعة وسنجق سلطاني من أخيه الملك الكامل لابن أخيه الملك العزيز بن الملك الظاهر صاحب حلب، وعمره يومئذ عشر سنين. فخلع على الملك العزيز وأركبه في الدست. وفيها اتفق كبراء الدولة الحلبية مع الملك الأشرف على تخريب قلعة اللاذقية فأرسلوا عسكرا هدمها. وفي سنة 624 انتزع طغريل الشّغر وبكاس من الملك الصالح وعوّضه عنهما عينتاب والرواندان. وفيها ظفر جمع من التركمان بأطراف أعمال حلب بفارس مشهور من الفرنج الداويّة بأنطاكية فقتلوه فعلم الداويّة بذلك فساروا وكبسوا التركمان وقتلوا منهم وأسروا وغنموا من أموالهم. فبلغ ذلك الجزء: 3 ¦ الصفحة: 98 طغريل فراسل الفرنج وتهددهم بقصد بلادهم. واتفق أن عسكر حلب قتلوا فارسين كبيرين من الداوية أيضا فأذعنوا بالصلح وردوا إلى التركمان كثيرا من أموالهم وحريمهم وأسراهم. وفي سنة 626 أشخص الملك العزيز صاحب حلب إلى الملك الكامل- وكان بدمشق- يخطب بنته فاطمة خاتون التي هي من الست السوداء أم ولده أبي بكر العادل ابن الكامل. وفي سنة 627 ولد الملك الناصر يوسف بن الملك العزيز صاحب حلب. وفي سنة 628 قلّت الأمطار بديار الجزيرة والشام ولا سيما حلب وأعمالها، فإنها كانت قليلة جدا، وغلت الأسعار بالبلاد وكان أشدها غلاء حلب، فأخرج طغريل كثيرا وتصدّق بصدقات دارّة، وساس البلاد سياسة حسنة بحيث لم يظهر للغلاء أثر. وفيها قصد الفرنج الذين هم بالشام مدينة جبلة من المدن المضافة إلى حلب ودخلوها وأخذوا منها غنيمة وأسرى، فسيّر إليهم طغريل عسكرا استردها منهم وفك الأسرى. وفي سنة 629 استقل الملك العزيز بن الملك الظاهر بملك حلب. وفيها وصلت زوجة الملك العزيز بنت الملك الكامل وكان يوم دخولها إلى حلب يوما مشهودا. وفي سنة 630 أخذ الملك العزيز شيزر، تسلّمها من شهاب الدين يوسف بن سابق الدين، وقد هنأه بها يحيى الخالد القيسراني بقوله: يا ملكا عمّ أهل الأرض نائله ... وخص إحسانه الداني مع القاصي لما رأت شيزر آيات نصرك في ... أرجائها ألقت العاصي إلى العاصي وفي سنة 631 توفي شهاب الدين طغريل الطواشي أتابك حلب. وفي سنة 632 توفي الملك الظاهر داود صاحب البيرة ابن السلطان صلاح الدين، وملك البيرة ابن أخيه الملك العزيز صاحب حلب. وفي سنة 634 خرج الملك العزيز إلى حارم للصيد ورمى البندق واغتسل بماء بارد، فحمّ ودخل حلب وتوفي في ربيع الأول من هذه السنة وكان عمره ثلاثا وعشرين سنة وشهورا، وكان حسن السيرة في الرعية وتقرر في الملك بعده ولده الملك الناصر يوسف وعمره نحو سبع سنين، وقام بتدبيره وبتدبير الدولة شمس الدين لؤلؤ الأرمني، وعز الدين عمر بن مجلي، وجمال الدولة إقبال الخاتوني. والمرجع في الأمور إلى والدة الملك العزيز ضيفة خاتون بنت الملك العادل. وفيها توجه عسكر حلب مع الملك المعظم توران شاه عم الملك العزيز فحاصروا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 99 بغراس، وكان قد عمرها الفرنج الداويّة بعد ما فتحها صلاح الدين وخربها، وقد أشرف العسكر على أخذها ثم رحلوا عنها بسبب الهدنة مع صاحب أنطاكية. ثم إن الفرنج أغاروا على ربض دربساك وهي حينئذ لصاحب حلب، فوقع بهم الحلبيون وولّى الفرنج منهزمين وكثر فيهم القتل والأسر، وعاد عسكر حلب بالأسرى ورؤوس الفرنج. وكانت هذه الوقعة من أجل الوقائع. وفي سنة 635 توفي الملك الكامل صاحب مصر ولما سمع الحلبيون بوفاته اتفقوا على أخذ المعرة وحماة من الملك المظفر صاحب حماة، وهو جد أبي الفداء المشهور صاحب التاريخ والجغرافية. وسبب ذلك أن الملك المظفر كان وافق الملك الكامل على قصد حلب فمشى عسكر حلب إلى المعرة وانتزعوها من يد الملك المظفر وحاصروا قلعتها ثم ساروا إلى حماة وحاصروها وبها الملك المظفر ونهب العسكر الحلبي بلاد حماة، واستمر الحصار على حماة حتى خرجت هذه السنة. وفيها عقد لسلطان الروم غياث الدين كيخسرو بن كيقباذ بن كيخسرو على غازية خاتون بنت الملك العزيز صاحب حلب سابقا وهي صغيرة حينئذ. ثم عقد للملك الناصر يوسف بن الملك العزيز على أخت كيخسرو وهي ملكه خاتون بنت كيقباذ، وخطب لغياث الدين بحلب. وفي سنة 636 كتبت ضيفة خاتون صاحبة حلب بنت الملك العادل إلى عسكر حلب أن يرحلوا عن محاصرة حماة، فرحلوا عنها وكان قد طال حصارهم لها ولحقهم الضجر واستمرت المعرة في أيدي الحلبيين. وفي سنة 638 نزل الملك الحافظ أرسلان شاه بن الملك العادل عن قلعة جعبر وبالس وسلّمها إلى أخته ضيفة خاتون صاحبة حلب وعوّضته عنها «عزاز» وبلادا معها تساوي ما نزل عنه. وسبب ذلك أن الملك الحافظ أصابه فالج فخشي على نفسه من تغلب أولاده فاقترب من حلب كيلا يمكنهم التعرض إليه. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 100 إجمال في الأتراك نتكلم بهذا الإجمال على الأتراك لأن حلب دخلت تحت حكم الكثير من دولهم، كما علمت مما أسلفناه ومما نثبته بعد، فوجب أن نعرف شيئا من أحوالهم فنقول: أجناس الترك ومساكنهم: اتفقت كلمة أهل التاريخ على أن أجناس الترك أكثر أجناس العالم، وأن مساكنهم بلاد الشرق. منهم أمة تقطن فيما بين البحر المتجمد إلى أصفهان يقال لأولهم (ياقوت) ولأخرهم (تركمان) . ومنهم أمم تقطن فيما بين سواحل (هوانغ هو) إلى أواسط روسيا في آسيا يقال لأولهم (يغور) ولأخرهم (تاتار) ثم الأتراك العثمانيون. وأمم تقطن أواسط آسيا وشرقي أوروبا وكثير منهم من يعيش في ليتوانيا. ويمكن أن تقسم هذه الأمم إلى ثلاثة أقسام: القسم الأول: شعوب شرقية، أي سكان شرقي آسيا. القسم الثاني: وسطية. القسم الثالث: غربية. فالشعوب الشرقية يقال لهم (ياقوت) و (التاي) «1» ويقال لهم (يغور) و (بولو) و (تارانج) و (سبيريا) . والشعوب الوسطية يقال لهم قيز غير وهم القازاق. وكلمة خير سز مأخوذة من هذه الكلمة و (أزبك) وهم من نسل أويغور المعروفين الآن في أوربا باسم (أوار) وهم الجزء: 3 ¦ الصفحة: 101 يسكنون بلادا قريبة من ختن وكاشغر وتورقان وخاميل، جنوبي جبال هملايا، وهم يميلون إلى العثمانيين وإن كانوا منفكين عنهم. وكلمة «أويغور» اسم للصحراء المعروفة بآسيا العليا وتركستان هي المحاطة شرقا بالخطاي- وهي الصين الشمالي- وغربا بخوارزم وبحيرة آرال، وشمالا بسبيريا، وجنوبا بالتّبت وبخارى الكبرى، ولغة أويغور من لغة الأتراك الأصلية وتسمى جغتاي نسبة إلى جغتاي بن جنكزخان. ومن الشعوب الوسطية أيضا: تاتار نهر (وولغا) و (باشقير) أو (باشقرد) تحريف (بوزقير) وهي البرية البيضاء. ومن تلك الشعوب أيضا (قاراجاي) و (جوواش) و (جرمش) وهي شعوب تحكمها الروس، نصارى ومسلمون ووثنيون. والشعوب الغربية يقال لهم تركمان و (أذربايجان) و (يوروك) . تركستان وتاتارستان: في كتاب تلفيق الأخبار أن القبائل المعروفة باسم تركستان وتاتارستان يحدّها شرقا مملكة الصين، وجنوبا ممالك الهند والفرس والروم والبحر الأسود، وشمالا منتهى المعمور، وغربا نهر الطونه ودنيستر وويستولة. على أن من كان من هذه القبائل في إقليم ما وراء النهر وفرغانة وكاشغر وتبت، وفي حدود الفرس والروم وأوربا، لم يزل يوجد فيهم طوائف رحالة نزالة، خصوصا من كان منهم باقيا في إقليمهم الأصلي المعروف باسم دشت قبجق، وهو المشهور بصحراء قزاق وقزغير، فهم حتى الآن في حالة البادية يسكنون خركاهات، أي خياما على هيئة قباب بيض مخروطة الشكل، قطر المتوسط منها ثمانية أذرع وارتفاعها ما بين سبعة أو ستة أذرع، مصنوعة من قضبان صلبة مشبكة ببعضها على طرز جميل مغشاة بلبد بيضاء متينة ملونة في كل قبة منها سرير مفروش بديع مزين بعظام الجمل على شكل جميل. وهي تقوّض في كل خمسة عشر يوما إلى ثلاثين يوما وتضرب في مروج يجاورها غدران، فما هي إلا رياض مزدانة بأنواع الزهور صحيحة الهواء لا يحسّ فيها بقمل ولا ببرغوث ولا نمل ولا بعوض ولا ذباب، كأنها نموذج من جنة الخلد تسمع في أشجارها تغريد الأطيار التي تسبح في غدرانها، فالنوم فيها لذيذ واليقظة ألذ وأجمل. وسكان هذا الإقليم يعانون تربية المواشي كالغنم والبقر والجمال والخيل. وأعز ماشية عندهم الخيل لأنهم يتغذّون من لحمانها وألبانها. وهم على جانب عظيم من السخاء وقرى الجزء: 3 ¦ الصفحة: 102 الضيوف والعطف على الفقراء. هذا مع تسلط الدولة الروسية عليهم واستئثارها بكثير من خيرات أراضيهم الخصبة دونهم، وسلبها منهم حقوقهم المدنية وحريتهم القومية والوطنية والشخصية، وتداخلها في معتقداتهم وعاداتهم وأخلاقهم بحيث ماتت هممهم وذهب نشاطهم وتساوت عندهم الحياة والممات. كلمة تورك: قال بعض الباحثين في طبقات الأمم: إن كلمة «تورك» مأخوذة من كلمة توكو وهي اسم أمم كانت في العصر السادس من الميلاد تسكن قرب (التاي) وحوالي أو يغور. وإن هذه الأمة من نسل (هونغ نو) المذكورين في تواريخ الصين الذين كانوا قبل عصرين من الميلاد يشنون الغارات على ممالك الصين مدة أربعة قرون حتى اضطرت ملوك الصين إلى بناء السد الكبير. وإن أمة التوكو هذه أقامت في هذه المدة دولة عظيمة انقسمت بعد ذلك إلى قسمين: أحدهما التوكو، ومنها تناسل جميع أمم الترك. والقسم الآخر: الأويغور، ومنها تناسلت أمم المجر، والفينوا وهم أهل فينلانديا. لغة الأتراك: لغة الأتراك ولغة المغول والفينوا: كل منهما متفرع من لغة التاتار الذين يقال لهم (أولو التاي) أي الخطاي، أو يقال لهم (توران) أو (أويغور) وهي قريبة من لغة التركمان. وكانت هي لغة السلاجقة والعثمانيين وقد صارت الآن هي اللغة التركية. على أن الشبه بين لغة العرق التركي وبين لغة العرق المغولي بعيد، غير أن تشابه الأوصاف البدنية بينهما يدل على قربهما من بعضهما. توران أو طوران: الأتراك العثمانيون يقولون إنهم من أصل توراني، نسبة إلى توران وهو- كما قال صاحب تلفيق الأخبار، نقلا عن العمري- اسم مملكة الخواقين، كانت بيد أفراسياب التركي ملك الترك، وهي من نهر بلخ إلى مطلع الشمس على سمت الوسط فما أخذ عنه جنوبا كان بلاد الهند، وما أخذ عنه شمالا كان بلاد القفجق، والجراكسة والروس والماجار ومن جاورهم من طوائف الأمم المختلفة سكان الشمال. ويدخل في توران ممالك الجزء: 3 ¦ الصفحة: 103 كثيرة وأمم مختلفة منها غزنة والباميان والغور وما وراء النهر وهو جيحون نحو بخارى وسمرقند والخجند والخوقند وغير ذلك. وبلاد تركستان وأستروشنة وفرغانة وبلاد صاغون وسرام وبلاد الخطا والمايغ إلى قراقوم، وهي قرية جنكزخان، وفيها كان مولده ومنشؤه، ثم ما وراء ذلك من بلاد الصين وصين الصين، كل هذه الممالك العظيمة: سلاطينها وملوكها مسلمون (أي في عصر العمري، المنقولة عنه هذه المقالة) . أصل الأتراك ودياناتهم: الأتراك من نسل يافث، وكانوا بادية رحّلا نزّلا يعيشون عيشة البدو ويأكلون الكلاب والفأر وما يجدونه من الصيد، ويدينون بالوثنية المعروفة باسم (بت برست) . ومنهم من يعبد النار، وبعضهم يعبد إلها في الشمس، ويسمون رهبانهم شامان. ومن هؤلاء بقية تقطن في شمال سبيريا والجزائر الملحقة بالمحيط الهادي. ورهبانهم يشدون في أوساطهم أذناب الخيل ويعلقون عليها الطبول أحيانا ليطردوا بها الشيطان على زعمهم، ويدّعون علم السحر ويعتقدون الجن والملائكة ويسمون أكبرهم الشيطان. متى بدأ الدين الإسلامي ينتشر في الأتراك لم أظفر بقول صريح يبين التاريخ الذي بدأ فيه بزوغ شمس الإسلام على عالم الأمم التركية. وأنا لا أستبعد أن يكون بدأ نجم الإسلام يسطع في سماء الممالك التركية منذ سنة 22 هـ في خلافة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وذلك حينما فتحت قزوين وزنجان عن يد البراء بن عازب، وأذربيجان عن يد سماك بن خرشة الأنصاري، والباب عن يد عبد الرحمن بن ربيعة الباهلي. ثم حينما غزا عبد الرحمن هذا بلنجر وهي المدينة البيضاء وراء الباب في بلاد الخزر- وقيل هي بلدة حاجي طرخان وهو الصحيح- غزاها عبد الرحمن بأمر الخليفة عمر ولم يجسر أحد من أهلها على لقائه فهربوا منه واعتصموا في الجبال وقالوا: ما اجترأ علينا إلا ومعه الملائكة تمنعهم من الموت. ثم تتابعت غزوات المسلمين على الخزر والترك فتذامروا سنة 32 في خلافة عثمان رضي الله عنه وقالوا: كنا لا يقرن بنا أحد حتى جاءت هذه الأمة القليلة فصرنا لا نقوم لها. فقال بعضهم: إن هؤلاء لا يموتون وما أصيب منهم أحد، فلهذا ظنوا أنهم لا يموتون. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 104 فقال بعضهم: أفلا تجرّبون؟ فكمنوا لهم في الغياض فمرّ بالكمين نفر من الجند فرموهم منها فقتلوهم. قال ابن الأثير في كتابه «الكامل» : ثم غزا عبد الرحمن نحو بلنجر، وكان الترك قد اجتمعت مع الخزر فقاتلوا المسلمين قتالا شديدا وقتل عبد الرحمن، فأخذ أهل بلنجر جسده وحملوه في تابوت فهم يستسقون به. وفي معجم البلدان أن الذي قتل في هذه الوقعة: سليمان بن ربيعة الباهلي لا عبد الرحمن، فليحرّر. والقصة مذكورة في المعجم في الكلام على باب الأبواب. وسطع نجم الإسلام في الأتراك أيضا حينما فتحت الجبال المحيطة بأرمينية، وقد قيل في أهلها إنهم استحلوا الإسلام وعدله، إذ من المستبعد عقلا أن يحترم أهل بلنجر جسد عبد الرحمن- أو سليمان على الرواية الأخرى- ويعتقدوا فيه البركة والكرامة ويضعوه في تابوت ويستسقوا به، وأن يكون أهل الجبال المحيطة بأرمينية قد استحلوا الإسلام وعدله وألّا يكون الإسلام خامر قلوب بعض أناس منهم طابت سرائرهم وصفت قرائحهم، وتنورت بصائرهم فميزوا الرشد من الغي واتضح لهم ما هم عليه من العمى وما عليه دين الإسلام من الهدى فاستهجنوا نحلتهم واستحسنوا ذلك الدين فقبلوه ودانوا به. وأنا لا أدعي بأنهم في ذلك التاريخ ارتضوا هذا الدين ودخلوا فيه أفواجا، وإنما أقول: إنه لا بد وأن يكون دخل فيه أفراد منهم فأخفوا إسلامهم حين لا يمكن إعلانه. على أن عدم تصريح المؤرخين ببدء انتشار الإسلام في الأمم التركية لا يستلزم عدم انتشاره فيهم في ذلك التاريخ، وإلا للزم ألّا يكون الإسلام انتشر إذ ذاك في الفرس أيضا لأن المؤرخين لم يصرحوا ببدئه فيهم ولا في غيرهم، كأنهم استغنوا عن ذلك لأن شيوع هذا الدين قديما في الأمم التي حاربها المسلمون كان معلوما بالضرورة، إذ كانت الدعوة إلى التدين بالإسلام أو بذل الجزية تتقدم كل مناجزة، فكانت الأمة التي يحاربها المسلمون لا تخلو عمن يرضى منها بالإسلام أو بالجزية فيقبل منه ويناجز الباقون من الأمة الذين لا يرضون بأحد الأمرين. ومما يستبعده العقل أيضا أن تكون الأمم التركية خالية عمن اتبع هدى الإسلام واتخذه دينا في جميع الحروب التي أدار رحاها عليهم قتيبة بن مسلم وابنه مسلم ويزيد بن المهلب ومسلم بن سعيد الكلابي ونصر بن سيّار وغيرهم من قادة المسلمين، مع أنه لم يصرّح الجزء: 3 ¦ الصفحة: 105 أحد من المؤرخين بإسلام أحد من الأتراك في أثناء جميع تلك الحروب. هذا وإن كثيرين من الأتراك كانوا ينشؤون على دين الإسلام وهم مماليك الخلفاء والوزراء وأهل الوجاهة من المسلمين، وقد التفت إليهم الخلفاء العباسيون واعتنوا بشأنهم وأحلّوهم لديهم المنزلة العليا لما كانوا يرونه من شجاعتهم وصدقهم، حتى إن الخليفة المعتصم ومن بعده من الخلفاء صار لا يثق ولا يعتمد إلا على الجندي التركي. وقد بنى الخلفاء للأتراك بلدة خصوصية وصاروا يزوجون رجالهم بنسائهم ويدرّون عليهم الإنعامات، فنموا وكثروا ونالوا من الدولة العباسية الرتب العالية، ونشأ منهم رجال أولو كفاءة واقتدار فتولّوا باستعدادهم الولايات والإقطاعات، وشاع ذكرهم في الأقطار، وغبطهم إخوانهم الأتراك في أصقاعهم وشاهدوا حسن أحوالهم، وتحققوا بأن تدينهم بدين الإسلام هو الذي رفعهم إلى تلك المراتب العالية وبدّل ما كانوا عليه من الهمجية بالمدنية الحقّة والرقي إلى معارج الكمالات الإنسانية، فاعتقدوا صحة الإسلام وأقبلوا عليه يدخلون فيه أفواجا. وفي سنة 349 أسلم منهم دفعة واحدة نحو مائتي ألف خركاه «1» على ما ذكره ابن الأثير في كتابه الكامل في حوادث السنة المذكورة، وهو عدد عظيم لا شك. ولا ريب أنه لم يدخل «2» في الإسلام إلا اقتفاء لآثار غيره من قومه. وذكر في تاريخ الدولة العثمانية- الذي ترجمه من النمسوية محمد عطاء الله أفندي أحد أفاضل الأتراك العثمانيين- أن سالور من أعقاب طاغ خان دان بدين الإسلام مع ألفي بيت من قومه بعد سنة 350 هـ وأن سالور تسمى من ذلك التاريخ بجناق خان، أو قره خان، وسمى من تبعه على الإسلام (تركمان) . وقد يؤاخذ محمد عطا الله أفندي بعدم ذكره مائتي ألف بيت التي ذكر إسلامها ابن الأثير، واقتصاره على ذكر إسلام ألفي بيت، إلا أن يكون غلط في بيان العدد وظنه ألفي بيت. وهذا الاحتمال يصح فيما لو كان تاريخه الذي بينه موافقا للتاريخ الذي بينه ابن الأثير وليس الأمر كذلك كما علمت. كما أن ابن الأثير قد قصّر بالإفصاح عن اسم زعيم تلك الطوائف العظيمة التي أسلمت في التاريخ المذكور وعن بيان اسمها وسبب إسلامها. وذكر الجزء: 3 ¦ الصفحة: 106 ابن الأثير في كتابه المذكور في حوادث سنة 351 أن طائفة من الأتراك نزلت في هذه السنة على بلاد الخزر فانتصر الخزر بأهل خوارزم فلم ينصروهم وقالوا لهم أنتم كفار فإن أسلمتم نصرناكم. فأسلموا إلا ملكهم، فنصرهم الخوارزميون وأزالوا الأتراك عنهم ثم أسلم ملكهم بعد ذلك. قال محمد عطاء الله أفندي ما معناه: إن كلمة «تركمان» مركبة من «ترك إيمان» أو من «ترك مان» أي إنسان ترك، لأن «مان» معناه الإنسان، ونظيره: قره مان وششمان، أي «1» إنسان أسود وإنسان سمين. ثم إن هؤلاء التركمان نزح بعضهم إلى غربي أرمنستان، والبعض الآخر إلى السواحل الشرقية من بحر خزر، وانقسموا إلى تركمان غربيين وإلى تركمان شرقيين، والمواضع التي أقاموا فيها تسمى اليوم بلاد التركمان. وقد خلف جناق خان ابنه موسى خان فنشأ على الإسلام واجتهد في رقيّ قومه وجمع إليه العلماء وأنشأ الجوامع والتكايا والمكاتب. اه كلام محمد عطاء الله أفندي. قلت: ثم خلف موسى خان ابن عمه شهاب الدولة هارون بغرا خان بن سليمان إيلك خان، وكان خيّرا دينا يحب أن يكتب عنه: مولى رسول الله. وهو الذي استولى على بخارى من يد السلالة السامانية. وفي سنة 435 حارب إيلك خان الأتراك الباقين على الوثنية فأسلموا وضحّوا يوم عيد النحر بعشرين ألف رأس غنم، وكانوا عشرة آلاف خركاه وكانوا قبل الإسلام يطوفون البلاد بنواحي بلاد ساغون وكاشغر ويفسدون في الأرض، ولا يأوون المدن لخوفهم. فلما أسلموا أمنوا على أنفسهم فتفرقوا في البلاد ودخلوا مدنها. قال ابن الشحنة ما ملخصه: وفي سنة 695 قدمت الفورانة إلى بلاد المسلمين هاربين من قازان بن أرغون بن بغا بن هلاكو، وكانوا نحو عشرة آلاف إنسان، فأنزلهم السلطان كتبغا بالساحل وأحسن إليهم لأنهم جاؤوا مسلمين وأعطاهم الإقطاعات. وسيأتي لنا أن سلجوق أسلم هو وقومه وأن أكثر أولاد جنكز خان وأحفاده أسلموا متتابعين وأسلم معهم الجزء: 3 ¦ الصفحة: 107 أكثر شعوبهم. وسنذكر ذلك مفصلا في الفصل الآني الذي عقدناه في الكلام على جنكز خان. والخلاصة أن الأتراك قد نشطوا إلى الإسلام منذ أوائل القرن الثاني إلى أواخر القرن السابع من الهجرة فدخلوا فيه أفواجا، ولم يبق منهم من لم يسلم سوى التاتار والخطاي في نواحي الصين، وسوى أمة ياقوت وجوواش المتقدم ذكرهما. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 108 السلاجقة والعثمانيون من أصل واحد السلاجقة والعثمانيون ينتسبون إلى أب واحد وهو «أوغوز خان بن قره خاه» . وهو أول من وضع للأتراك قوانين واعتنى بمدينتهم. ومن جملة آثاره الهلال الذي هو شعار الدولة العثمانية، وكان العلم الذي يركز فيه الهلال يقال له «ماهجه توغ» أي العلم الهلالي، والعرب يسمونه «طوق» . وكان مرفوعا على أعالي دار الملك، في مدينة سراي، هلال من ذهب زنته قنطاران بالمصري. وكان أوغوز خان معاصرا لخليل الرحمن إبراهيم عليه السلام، وكان يدين بالوثنية ثم دان بدين إبراهيم وخرج على أبيه وحاربه مدة أربعين سنة. ثم ترك مقر أبيه «قره قوم» وقيل «أور» وسار إلى الجنوب واستقر في مدينة (ياسي) أشهر مدن تركستان في ذلك الزمان، وهي البلدة التي ينسب إليها المرشد الشيخ أحمد الياسوي النقشبندي. ثم إن أوغز خان عظم شأنه وامتدت فتوحاته من سيروم إلى بخارى فقسم مملكته بين أولاده الستة، وهم كون خان، وكوك خان، وآي خان، ويلديز خان، وطاغ خان، ودكز خان. وخرج أولاده مرة للصيد على نيّة أن يصطادوا شيئا يتفاءلون به على مستقبلهم، فظفروا بقوس وثلاثة أسهم فقدّموها إلى أبيهم، فأعطى الأسهم كوك خان ودكز خان، وأعطى القوس أولاده الآخرين، فأخذوه وكسروه ليقتسموه فيما بينهم، فسمى الأوّلين (أوجوق) أي الأسهم الثلاثة، وسمى الآخرين (بوزيجيلر) أي المخربين، وأعطى ميسرة جيشه الأولين، وميمنته الآخرين. وبعد وفاته اقتسم أولاده مملكته فيما بينهم: فأخذ أصحاب الميسرة عشائر الأتراك الشرقيين، وأصحاب الميمنة عشائر الأتراك الغربيين. ويقال إن كل واحد من أولاده المذكورين ولد له أربعة أولاد وصار كل واحد منهم أبا عشيرة. فانقسم الأوغوزيون إلى أربع وعشرين عشيرة. ثم إن أمراء الميمنة المقيمين قبلا في تركستان استولوا على ما بين سيحون وجيحون في الغرب، وتقدموا إلى داخل المضايق حتى بلغوا نهر الطونة. وذكر الجزء: 3 ¦ الصفحة: 109 مؤرخو الأتراك أن الملوك من الأغوزيين و السلاجقة والعثمانيين منسوبون إلى خانات الميمنة: الأغوزيون من أعقاب طاغ خان، والسلاجقة من أعقاب دكز خان، والعثمانيون من أولاد كوك خان. وكان الأغوزيون قبل الإسلام يحاربون الأكاسرة، وبعده صاروا يحاربون خلفاء المسلمين إلى أن دانوا بدين الإسلام. السلاجقة الدولة السلجوقية تنسب إلى سلجوق بن تقاق، أي القوس الجديد. وكان تقاق شهما عاقلا، وكان مقدّم الأتراك الأوغوز عند ملك الترك بيغو، وقد أراد الملك أن يسير إلى بلاد الإسلام ليوقع بها فنهاه تقاق ووبخه وشج رأسه ثم اصطلح معه. وولد له سلجوق، ولما كبر قدمه ملك الترك لنجابته، ثم سعت به امرأة الملك إلى زوجها فخافه سلجوق وسار بجماعته ومن أطاعه من الجند من ديار الحرب إلى دار الإسلام فأسلموا جميعا واستمروا على غزو كفار الترك. وتوفي سلجوق عن 107 سنين من عمره وترك من الأولاد: أرسلان وميكائيل وموسى. ومن هؤلاء الأولاد وأعقابهم نشأت الدولة السلجوقية التي عم حكمها المملكة العباسية سوى قليل منها وامتد حكمها في العالم الإسلامي من حدود الصين إلى آخر حدود الشام مدة 270 سنة وذلك من سنة 419 إلى سنة 699 وقد تفرع منها فروع، بعضها من أصل آل سلجوق: وهي الفروع التي حكمت في كرمان وحلب ودمشق وبقية بلاد الشام والعراق وكردستان وآسيا الصغرى المعروفة بالأناضول وهي أطول الفروع عمرا. وبعضها متفرع عنها من مماليكها ووزرائها وهي عشرون فرعا أشهرها: الفرع الزنكي الذي منه نور الدين محمود زنكي، والأرتقيّة حكام ماردين وديار بكر، والخوارزمية حكام خوارزم. وقد امتد حكم هذا الفرع من سنة 498 إلى 703 ثم دخلت في حوزة العثمانيين وغيرهم. جنكز خان قال في كتاب تلفيق الأخبار وغيره ما خلاصته: لما مات كون خان بن أغوز خان خلفه أخوه آي خان. ثم خلف هذا يلدز خان أحد أحفاد أوغوز خان، ثم ولده نيكز خان، ثم ولده منكلي خان. ولما أسن هذا فوض أمر السلطنة إلى ولده إيل خان. جميع الجزء: 3 ¦ الصفحة: 110 هذه الملوك تعد من ملوك المغل. وإن إيل خان هذا هو الذي تحارب مع ملوك التاتار وانجلى الحرب بينهم عن قتله وتشتت شمل أمة المغل وأسر التاتار ولده قيان وولدا آخر لأخي إيل خان اسمه نكوز، فهربا من الأسر مع زوجتهما ولجأ إلى الجبال ودخلا إليها من شعب «1» ضيق لا يمكن أن يسلكه سوى إنسان واحد، وداخل هذا الشعب فضاء واسع فيه مياه غزيرة ومروج واسعة وأشجار ملتفة. فأقاما هناك وتناسلا وكثرت أعقابهما حتى ضاق بهم ذلك الفضاء. وقد مضى عليهم مدة أربعمائة سنة وكانوا يتناقلون عن أسلافهم أن وراء هذا الشّعب ممالك واسعة كانت وطنهم، فعمدوا إلى مكان من الجبل فيه معدن الحديد والنحاس فجمعوا فيه الأحطاب وأضرموا فيها النار حتى ذاب ما فيها من الحديد والنحاس وانفتح الممر (وهذا هو السدّ على رأي بعضهم) فخرجوا من هذا الممر كالجراد المنتشر إلى فضاء واسع وملكهم يومئذ (برته جينه) من أعظم ملوك الأتراك المغل قوة وبأسا فتحارب مع التاتار هو وأعقابه من بعده أدهارا طويلة إلى أن كانت الغلبة للمغل على التاتار. ولما آلت سلطنة المغل إلى يولدز خان بن منكلي خان بن تميرتاش خان- من نسل قيان المأسور الهارب ابن إيل خان- كان له ولدان فماتا وخلّف أحدهما ولدا اسمه (ديون بيان) وترك الآخر بنتا اسمها «ألان قوا» فتزوج ديون بيان ابنة عمه ألان قوا وتسلطن على المغل بعد جده. ثم مات ديون بيان فخطب زوجته كثيرون من كبراء قومها فلم تجبهم. فزعم مؤرخو المغل بأن ألان قوا بينما كانت ذات ليلة نائمة مع طائفة من النساء إذ ظهر لها نور ساطع في خلاله شخص أبيض اللون مشرب بصفرة فلامسها- وقيل بل رأت النور فقط قد دخل فمها أو جيبها- فحملت منه وولدت ثلاثة أولاد، أحدهم بوزنجر خان وهو الجد الأعلى لجنكز خان وجميع خواقين التاتار والمغل. ويقال لذرية هؤلاء الأولاد الثلاثة (نيرون) أي الأصيل. والقازاق يسمون ذرية جنكز خان (آق سوياك) أي العظم الأبيض. ومن نسل بوزنجر خان بيسوكا خان والد جنكز خان وهو أكبر أولاده. وكانت ولادة جنكز خان في غرة محرّم سنة 549 والطالع في الميزان والسبعة السيارة كلها مجتمعة في البروج المذكورة. ولما ولد كان كفّه مملوءا من الدم، فقال العراف: سيكون سفّاكا للدماء، ويملك أكثر الربع المسكون. وسماه والده تموجين. ولما بلغ من الجزء: 3 ¦ الصفحة: 111 العمر ثلاث عشرة سنة مات أبوه بيسكا، فتسلطن تموجين بعده إلا أن قبائل المغل استضعفته لصغر سنه فتفرقوا عنه، وقامت الفتن فيما بينهم. وتقلبت الأيام على تموجين وجرّعته مرارتها عدة مرات ثم ساعدته الأقدار وتغلب على من ناوأه من الأعداء والأغيار، وكسر أكبر أعدائه في ذلك الزمان وهو علي أونك خان، أكبر خواقين تركستان. ومن ذلك الوقت تلقب بلقب جنكز خان ومعناه ملك الملوك، وذلك في سنة 599 وكان بلغ من العمر 49 سنة وقد غلب على ممالك الخطا وألتون خان وكان خوارزم شاه محمد خان أوقع بهم وأضعفهم. وغلب جنكز خان على الصين واستولت هيبته على القلوب وانتشر صيته في العالم، وكان أميا لا يقرأ ولا يكتب وليس له قانون ولا كتاب شرعي، فأمر وزراءه وخواصّه أن يضعوا له خطا وكتابا قانونيا سماه «اليسق» ، من أحكامه: صلب السارق وخنق الزاني والاكتفاء بشهادة الواحد عليه، وأن الحقّ لمن سبق بالشكوى إلى الحكومة صادقا كان أم كاذبا، واستعباد الأحرار، وتوارث الفلاح، وتوريث نكاح الزوجة لأقارب الزوج، وعدم العدّة والاقتصار على زوجات معدودات، والعمل بقول الجواري والصبيان، وأخذ الجار بالجار، ومعاقبة البريء بالمجرم، ومنع عفو الحاكم وإن عفا المحكوم له، وغير ذلك. أسباب خروجه إلى الممالك الإسلامية: وأما أسباب خروجه إلى الممالك الإسلامية فهي أن السلطان محمد خوارزم شاه خالف الخليفة الناصر لدين الله وحاربه. وأراد الخليفة أن ينتقم منه فأرسل إلى جنكز خان يحرّضه على خوارزم شاه، غير أن جنكز خان لم يجب الخليفة لطلبه، لعهد سابق بينه وبين خوارزم شاه لم يرد نقضه، وذلك أنه لما ضخم ملكه واستولت على الأرض هيبته أراد أن يمضي باقي عمره بالراحة والدعة وأن يسالم من حوله من الملوك ويلتفت إلى تعمير ملكه ورفاهية رعيته. وكان يحب المسلمين ويعظم شعائر الدين الإسلامي، فأرسل في حدود سنة 612 رسلا إلى خوارزمشاه وهم محمود بلواج الخوارزمي، وعلي خواجه البخاري، ويوسف الانزاري، فعقدوا مع خوارزمشاه معاهدة وأسسوا بين المملكتين مودة ومحبة، ثم عادوا إلى جنكز خان فسرّ بما فعلوا. وبسبب ذلك لم يجب الخليفة على طلبه. وبعد ثلاث سنوات على هذه المعاهدة قدم جماعة من بلاد جنكز خان إلى أنزار (بلدة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 112 بثغر بلاد خوارزمشاه فيها وال من قبله اسمه إينالجق، له قرابة من خوارزمشاه ثم غيّر اسمه وسماه غاير خان) فلما وصل التجار الجنكيزيّون إلى هذه البلدة وهم زهاء أربعمائة رجل، معهم الأموال الكثيرة، خاطب بعضهم غاير خان باسمه الأول لأنه لم يعرف أن اسمه قد تبدل، فغضب عليه غاير خان وعلى من معه وطمع فيما لديهم من الأموال، فأرسل إلى خوارزمشاه يقول له: ورد على ثغرنا من أطراف مملكة جنكز خان جواسيس بزيّ التجار. فأمره بقتلهم، فقتلهم جميعا وكانوا مسلمين ولم يسلم منهم سوى واحد عاد إلى جنكز خان وأخبره بالحال، فأرسل جنكز خان يطلب من خوارزمشاه غاير خان ليقتصّ منه فقتل خوارزمشاه الرسول. ولما علم بذلك جنكز اشتد غضبه وعزم على قصد خوارزمشاه فخرج أولا إلى فضاء واسع وصعد على تلّ وكشف رأسه ووضع خده على التراب وتضرع إلى الله تعالى وطلب منه النصر على خوارزمشاه. فعل ذلك مدة ثلاثة أيام حتى سمع صوت هاتف يبشره بنيل مراده. وهكذا كان دأبه كلما عزم على أمر يهمه. ولهذا يقول بعضهم إن جنكز كان مقرا بوجود الباري تعالى. ثم إن جنكز خان مشى على بلاد الإسلام واستولى على جنديسابور وأندر كان وبخارى وغيرها من بلاد فارس وتركستان، وأزال مملكة خوارزمشاه وشتّت شمله، فمات شرّ ميتة، وقتل وسبى وعظمت بليّته على الإسلام حتى قال بعضهم: ما دهي الإسلام بداهية أعظم منها. وذكر بعضهم أن جملة من قتل جنكز خان وولده هولاكو من المسلمين سبعة عشر ألف ألف نسمة. ولما مات جنكز خان قام بعده حفيده هولاكو بن تولي خان بن جنكز خان واستولى على العراقين، وقوّض «1» الخلافة العباسية ببغداد، وملك الموصل وديار بكر والجزيرة والشام وغير ذلك من البلاد. وذكر بعضهم لقيام جنكز خان على بلاد الإسلام، وتسلطه على خوارزمشاه وبلاده، سببا آخر روحانيا. وهو أن المولى بهاء الدين البلخي- والد المولى جلال الدين الرومي صاحب كتاب المثنوي «2» - كان ابن أخت السلطان خوارزمشاه، وكان مريدوه وأتباعه الجزء: 3 ¦ الصفحة: 113 في طريقته لا يحصون كثرة، وكان فخر الدين الرازي صاحب التفسير الكبير ينكر على البهاء طريقته ومسلكه. فقال الفخر يوما لخوارزمشاه: إن لك اسم السلطنة ولابن أختك معناها. فاغتاظ خوارزمشاه من هذا الكلام وأرسل يقول لابن أخته: ليتفضل علينا مولانا باستلام الملك منا والجلوس مكاننا. ففهم البهاء المقصود من كلامه وقال للرسول: قل لمن أرسلك: نحن نذهب، ولكن يجيء مكاننا قوم آخرون ولا يتركون خوارزمشاه أيضا. ثم خرج البهاء بأهله وعياله وكثير من أتباعه إلى بلاد الروم (برّ الأنضول) وتوطن في قونية، وأكرمه سلطانها علاء الدين السلجوقي. ثم كان ما كان من قيام جنكز خان على خوارزمشاه واستيلائه على بلاده بسبب انكسار قلب بهاء الدين وتأثره من خاله. وهناك سبب آخر روحاني يذكرونه لمصيبة خوارزمشاه بحادثة جنكز خان: وهو أن تركان خاتون- أم السلطان علاء الدين محمد خوارزمشاه- كانت تحضر مجلس وعظ الشيخ مجد الدين البغدادي، وكان له أضداد يحسدونه على ذلك فأخبروا خوارزمشاه وهو سكران بأن والدته تزوجت بالشيخ مجد الدين فقال في الحال: ارموه في البحر، فرموه في جيحون. فلما بلغ خبره الشيخ نجم الدين البكري دعا على خوارزمشاه وخر ساجدا ثم رفع رأسه وحمد الله وقال: طلبت من الله دية ولدي مجد الدين فأعطاني ملك خوارزمشاه. ولما سمع بذلك خوارزمشاه- وكان قد صحا من سكره- ندم على ما فعل وسار حافيا مكشوف الرأس حاملا فوقه طستا مملوءا ذهبا، وقابل الشيخ في المسجد، ووقف في صفّ النعال وقال للشيخ: هذا الذهب دية مجد الدين وهذا السيف ورأسي إن أردت القصاص. فقال الشيخ نجم الدين: كان ذلك في الكتاب مسطورا، دية مجد الدين جميع ملكك ويذهب فيه رأسك ورؤوس كثيرين من الأكابر والأعيان ونحن على إثرك فرجع خوارزمشاه مغتما مكسوف البال. ثم كان من أمر جنكز خان ما كان. هذا وإن جنكز خان- بعدما فعله ببلاد الإسلام من القتل والتخريب مدة سبع سنين- عاد إلى بلاده فمرّ في طريقه على بخارى وطلب من صدر جهان قاضي القضاة وشيخ الإسلام أن يرسل له عالما بشريعة المسلمين، فأرسل إليه اثنين من العلماء فسألهما جنكز خان عن حقيقة دين الإسلام فذكرا له الشهادتين والصلاة والصوم والحج والزكاة، فاستحسن الجميع وصدّق به، إلا أنه لما ذكرت له الكعبة باسم «بيت الله» قال: إن جميع الدنيا بيت الله وبيته لا يختص بمكان. ولما رجع الاثنان من عنده إلى شيخ الإسلام الجزء: 3 ¦ الصفحة: 114 أخبراه بما كان من جنكز خان فحكم بإسلامه. ثم مات جنكز خان عن ذرية كثيرة تبلغ أربعين ولدا ما بين ذكر وأنثى، إلا أن المعتبر من أولاده أربعة فقط وهم جوجى- والعرب يقولوه له طوشى أو دوشى- وجغتاي، وتولى، وأو كداي. وقبل وفاته قسم ملكه بينهم فأعطى «جوجى» دشت قفجق بأسرها وبلاد داغستان وخوارزم وبلغار وقسقسين والروس وسواحل البحر المحيط الغربي وما يؤمل أخذه إلى منتهى المعمور. وأعطى «جغطاي» بلاد إيغور وما وراء النهر بأسرها. وأعطى «تولى» خراسان وما يؤمل أخذه من ديار بكر والعراقين إلى منتهى حوافر خيولهم. وأعطى «أو كداي» بلاده الأصلية والخطا والصين إلى منتهى المعمور من طرف الشرق. إسلام أولاد جنكز خان: أول من أسلم من أولاد جغطاي بن جنكز خان: مبارك شاه بن قرا هلاكو، ثم أسلم بعده براق خان، ثم طرما شيرين خان. وأسلم بعده جميع أولاد جغطاي وسائر طوائف المغل والتاتار الغربيين بما وراء النهر. ثم أسلم توغلق تمير خان ببلاد كاشغر والمغل، وأسلم معه مائة وستون ألفا من المغل. وفي سنة 694 أسلم محمود غازان خان وأسلم معه جميع قومه وسبعون ألفا وقيل أربعمائة ألف من أكابر المغل وأعيان التاتار. وكان جوجى مات قبل أبيه جنكز خان وآل ملكه إلى ولده أبي المعالي ناصر الدين السلطان بركه خان ابن جوجى بن جنكز خان وذلك في سنة 652. وكان بركه خان اختار الإسلام دينا. وسبب إسلامه أن سيف الدين الباخرزي كان مقيما في بخارى فبعث إلى بركه خان يدعوه إلى الإسلام، فأسلم. وبعث إليه كتابه بإطلاق يده في سائر أعماله بما شاء، فرد عليه كتابه ولم يقبله. فأعمل بركه الرحلة إلى لقائه فلم يأذن له في الدخول عليه حتى تطارح عليه أصحابه وسهّلوا الإذن لبركه فدخل عليه وجدّد إسلامه، وعاهد الشيخ على إظهاره فأنجز بركه وعده وحمل سائر قومه على الإسلام فأسلموا جميعا، واتخذ المساجد والمدارس في جميع بلاده، وقرّب العلماء والفقهاء ووصلهم، وكان يحملهم إليه من أقطار العالم الإسلامي ويبالغ بالإحسان إليهم. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 115 وروى غير واحد أن بركه خان هو أول من دخل في دين الإسلام من أعقاب جنكز خان، وأنه هو الذي أتم بناء بلدة سراي وكان أخوه باتو بدأ ببنائها وهي عاصمة دشت قفجق، ويقال عنها إنها هي البلدة المعروفة الآن باسم أردهان- المحرّفة عن أوردي خان- وكانت من أعظم المدن وضعا وأكثرها للخلق جمعا، مبنية على شط من نهر أتل (وولغا) الذي لا نظير له في العظم وعذوبة الماء، وهو قدر النيل ثلاث مرات وأكثر. كان عند بركه خان وعند أوز بك خان- وجان بك بعده- العلامة فخر الدين الرازي، والشيخ سعد الدين التفتازاني، والشيخ جلال الدين شارح الحاجبية، وغيرهم من الفضلاء الحنفية والشافعية. وكانت بلدة سراي مجمع العلماء والأدباء. وكان انتهاء بنائها سنة 655 وابتداء خرابها عن يد تيمورلنك سنة 798. ومن أعظم حسنات بركه خان وأكبر أياديه على الإسلام أنه قام على ابن عمه هولاكو الكافر الطاغية ينتقم منه مما فعله بالمسلمين والاستيلاء على بغداد وقتله الخليفة. فإن بركه خان أشهر عليه حربا طاحنة قصد إشغاله بها عن حرب المسلمين في البلاد الشامية فأهلك من جنود هولاكو مئات الألوف، وكسره كسرة شنيعة كانت هي السبب الحقيقي في انكسار جيوش هلاكو أيضا في الوقعة الشهيرة التي كانت بينهم وبين السلطان الملك الظاهر ببيرس سلطان مصر على عين جالوت، ولولا هذه الكسرة لكان هولاكو استولى على سائر بلاد الشام ومصر وغيرها وأباد العالم الإسلامي عن آخره. وكان بين بركه خان والسلطان الملك الظاهر مكاتبات عديدة ومودة صادقة أكيدة. ومن جملة ما وصل منه إلى الملك الظاهر كتاب مسهب يذكر فيه من أسلم من قبائل التاتار وعشائرهم وعظمائهم وذراريهم وحشمهم وجيوشهم الجرّارة. ثم يقول: هؤلاء أسلموا بأسرهم وقاموا بالفرائض والسنن والزكاة والغزو والجهاد في سبيل الله، وقالوا: الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنّا لنهتدي لولا أن هدانا الله. وقرأنا: «آمن الرسول بما أنزل إليه من ربّه والمؤمنون» الآية. فليعلم السلطان أني حاربت هولاكو الذي هو من لحمي ودمي لإعلاء كلمة الله العليا تعصبا لدين الإسلام لأنه باغ والباغي كافر بالله ورسوله إلخ ... وتاريخ هذا الكتاب سنة 661 ومات هولاكو مقهورا من بركه خان في ربيع الأول الجزء: 3 ¦ الصفحة: 116 سنة 663 وكان قد ارتدع قليلا عن أذيّة المسلمين وخفض من عداوتهم وقد خامر قلبه شيء من أحوال الدين الإسلامي وشاهد من جماعة الرفاعية بعض الكرامات، فأعطاهم ولده نكودار للتربية فأسلم على يدهم وتسمى أحمد وصار سلطانا بعد أخيه أبغا، وكتب إلى السلطان الملك الظاهر البندقداري كتابا مسهبا أخبره فيه بإسلامه وبغير ذلك من المسائل السياسية والدينية، وأجابه عنه السلطان بكتاب مسهب أيضا أثبتهما ابن العبري في كتابه مختصر الدول فليراجعه من أحب الاطلاع عليه. اه. وكانت وفاة بركه خان سنة 665 وجميع سلسلة ملوك المغل الذين جلسوا على سرير السلطنة كانوا مسلمين إلا أنهم لم يكونوا مثل بركه خان في التعصب للدين والحرص على أحكامه، إلى أن جلس على كرسي سلطنة دشت قفجق السلطان الملك غياث الدين محمد أوز بك خان، وهو من أعقاب جوجى بن جنكز خان، وكان شابا حسن الصورة حسن الإسلام شجاعا قتل عددا عظيما من الأمراء والأعيان أهل البطش والاستبداد، وقتل كثيرا من الايغورية وهم البخشية، أي الكهنة والسحرة، وأظهر كلمة الإسلام، وكان جلوسه على سرير على سرير الملك في أواخر رمضان سنة 712 وكان يعد من الملوك السبعة الذين هم كبراء ملوك الدنيا وعظماؤهم، وكان عظيم المملكة شديد القوة قاهرا أهل القسطنطينية العظمى مجتهدا في جهادهم وبلاده متسعة والمؤرخون يطلقون عليها مملكة القريم وليست هي القريم وحدها وإنما من جملتها القريم والكفا والمجر وأوزاق وخوارزم وحاصرته سراي. وجميع من كان في جواره من ملوك طوائف الجركس والروس واللاز كانوا كالرعايا له وكثيرا ما كان يسبي نساءهم وذراريهم ويحملها تجار الرقيق إلى أقطار الأرض ويبيعونها. وكان بينه وبين ملوك مصر مراسلات حبّية، والرسل بينهما تتردد دائما، وهداياهما إلى بعضهما في تواصل مستمر. وكان ملوك الروس يقدمون إلى أزبك خان عبوديتهم ويهابونه ولا يخرجون عن أوامره، وكان هو الذي ينصب عليهم الكيناز ويعطيه منشور تملكه، ومتى أراد عزله عزله ونصب غيره وكان الكيناز عند الروس كالإمبراطور. وكان أزبك خان مع هذه السطوة يرفق بالروس ويحترم كهنتهم وقد ظل الروس تحت سلطة التاتار ملوك الدشت والقريم مدة 150 سنة إلى أن وقع الخلف بينهم ودخل بلادهم تيمورلنك واستولى على قسم عظيم منها وتفرقت كلمة ملوكهم واشتغلوا بقتال بعضهم، فاغتنم الروس هذه الفرصة وقاموا نحو بلاد الدشت فطمت بحار غلبتهم عليها وكادوا يعمّونها بالاستيلاء لولا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 117 أن بزغت في ذلك الوقت شمس الدولة العثمانية على العالم الإسلامي فوقفت تيار غلبة الروس عليه من جهة القفقاس، واستولت على كثير من بلاد خانات القريم المسلمين الذين هم من بقايا أعقاب جنكز خان. ومن الملوك الجنكزية أو كداي خاقان بن جنكز خان جلس على سرير السلطنة في القريم سنة 626 وكان ملكا عادلا محبا للمسلمين، ولكنه كان كآبائه غير متدين. وفي أيام سلطنته وسلطنة من بعده من أولاد جنكز خان- مثل منكو خان وقبلاي خاقان- انتشر الإسلام في ممالك الصين قاطبة، ودامت قطعة الصين في تصرفهم إلى سنة 769 والجوامع الموجودة الآن في بيكين وغيرها من دواخل الصين بنيت في عصر أولئك الخواقين «1» وطائفة «دونكان» المسلمين من أهل الصين هم من الذين أسلموا في تلك المدة على أن معظم أهل الأصقاع التركية في القريم وغيرها ما زالوا من ذرية جنكز خان وأتباع أولاده وأعقابه وهم القزاق والتتار وبقية أصناف الترك الذين لم يزالوا على جانب عظيم من التمسك بالدين رغما عما تنصبه لهم روسيا من الغوائل والعراقل. وخلاصة الكلام أن الإسلام بواسطة الخواقين الجنكزية قد امتد من الصين إلى بلاد الغرب وأنهم قد خدموا الإسلام خدمات يحق لها كل مدح وثناء ويجدر بها أن تكون كفارة عما صدر من جدهم الأعلى جنكز خان وهلاكو ابن ابنه في حق المسلمين مما هو محتم مقدور، وفي الكتاب محرر مسطور. شجاعة الأتراك اتفقت كلمة الباحثين في طبقات الأمم- وما يخص كل أمة من النعوت والطباع- على أن الأتراك موصوفون من قديم الزمان بالشجاعة والبطولة والفروسية ومعاناة الحروب ومعالجة آلاتها والصبر على ركوب الخيل والحذق بالرمي، وغير ذلك من الأمور التي يرافقها الظفر والغلبة على العدو مما لا يوجد إلا في الجندي التركي. ونحن نأتي هنا بخلاصة في ذلك من رسالة للجاحظ، وكتاب تلفيق الأخبار، وغيرهما فنقول: الجزء: 3 ¦ الصفحة: 118 من صفات الجندي التركي أنه يدور حول العسكر فوق الخيول ويحيط بعدوّه بأسرع ما يكون ويشتت شمله، لا يعرف الفرار فهو في الحرب طالب غير مطلوب. لا يغتر بعظم جثة الفرس بل هو ينتقي خيولا مدربة لا يسبقها غيرها يستنتجها عنده ويركبها وهي فلوّ «1» ويسميها بأسماء يناديها بها فتتبعه. كل واحد من فرسان الأتراك فارس وسائس وبيطار وحدّاد وراع. وكل واحد منهم ماهر في هذه الصنائع لا يحتاج فيها إلى غيره. إذا اجتمعت قوة الجندي الفارسي والعراقي والخارجي في شخص واحد لا يعادل ذلك الشخص واحدا من الأتراك. الجيش التركي يقطع مسافة عشرين ميلا في زمن يقطع فيه غيره عشرة أميال، فإنه يفارق سائر العساكر ويميل إلى اليمين والشمال وينزل إلى بطون الأودية ويصعد إلى قمم الجبال ويصيد بهذه الكيفية الهاربين من أعدائه ولو كانوا من مشاهير الأبطال. متى وقع اليأس من الصلح والمسالمة وتقرّر الحرب فإن الأتراك يدافعون عن أنفسهم بتحصين مواقعهم العسكرية ويبذلون في ذلك غاية جهدهم من غير أدنى فتور. ومن علو همتهم وصفاء مداركهم لا يخطر بخواطر أعدائهم انتهاز الفرصة عليهم أو التشبث بحيلة ما لإغفالهم «2» . قال يزيد بن مزيد في وصف الأتراك: لا ثقلة لأبدان الأتراك على الفرس والأرض. والتركي يدرك الشيء الذي يجيء من ورائه كما يدركه من أمامه، حال كون فرساننا لا يرون الذي يجيء من أمامهم. والجندي التركي يعدّنا صيدا ويعدّ نفسه أسدا وفرسه حيّة. وإذا ألقي الجندي التركي في بئر مربوط اليد يخلّص نفسه منها من غير أن يتشبث بحيلة. والجنود الترك يميلون بالطبع إلى الكفاف، ويرجحون ما ينالونه بسهولة على كل شيء سواه، ويحبون أن يكون قوتهم من الصيد وأموال الغنائم، ويثبتون فوق ظهور خيولهم طالبين أو مطلوبين من غير هرب ولا فرار. قال ثمامة بن الأبرش «3» : حينما كنت أسيرا بأيدي الأتراك رأيت منهم لطفا وإكراما الجزء: 3 ¦ الصفحة: 119 ورأيت أسبابهم مكملة. الجندي التركي لا يخاف قط بل هو يخيف غيره. والأتراك لا يطمعون في غير مطمع ولا يقعدون عن طلب شيء يريدون تحصيله فمتى حصلوه لا يضيعون شيئا منه. ويبذلون غاية جهدهم في أمر يقدرون عليه إلى أن ينالوه، وكل أمر لا يقدرون عليه لا يضيعون وقتهم في تحصيله. وهم لا ينامون إلا إذا غلبهم النوم ومع ذلك لا يكون نومهم ثقيلا بل هو خفيف جدا بحيث ينامون بالتيقظ والانتباه. وقال ثمامة: رأيت مرة في بعض محاربة المأمون صفوف الخيل في طرفي الطريق: في اليمين مائة خيل من الأتراك، وفي الشّمال مائة من الفرسان المختلطة منتظرين مجيء المأمون، وكان الوقت حارا وقد قرب نصف النهار واشتدت الحرارة، فنزل الفرسان المختلطة عن أفراسهم سوى ثلاثة أو أربعة منهم، ولم ينزل من الأتراك سوى ثلاثة أو أربعة. قال الجاحظ ما خلاصته: والجندي التركي من أشد الناس تحملا للأسفار، وأصبرهم على قشف المعيشة وقلة النوم. يخرج غازيا أو مسافرا أو متباعدا في طلب الصيد فتتبعه رمكته وأفلاؤها «1» ، إن أعياه اصطياد الناس اصطاد الوحش، وإن احتاج إلى طعام فصد دابة من دوابّه وتغذى من دمها، وإن عطش حلب رمكة من رماكه، وإن أراح واحدة ركب أخرى من غير أن ينزل إلى الأرض. وليس أحد في الأرض يصبر عن اللحم كالتركي، وكذلك دابته تكتفي بأصول النبات والعشب والشجر لا يظلّها صاحبها من شمس ولا يكنّها «2» من برد. وهو أصبر من جميع أصناف العساكر على ركوب الخيل وقطع المسافات بحيث إذا طال السّرى «3» واشتد الحر أو البرد على بقية أجناس العساكر وأعياهم التعب- حتى صمتوا عن الكلام وتمنوا أن لو كانت الأرض تطوى لهم وأخذ كلّ واحد منهم يئنّ أنين المريض ويتداوى مما به بالتمطي والتضجع- ترى التركي في هذه الحالة وقد سار ضعف ما سار غيره، يرى قرب المنزل ظبيا أو ثعلبا أو غيره من الأوابد فيركض خلفه كأنه استأنف السير في ذلك الوقت. وإذا ازدحم الناس على مسلك واد أو قنطرة ضرب التركي بطن برذونه «4» فأقحمه النهر، أو الوادي، ثم طلع من الجانب الجزء: 3 ¦ الصفحة: 120 الآخر كأنه كوكب. وإذا انتهى الجيش إلى عقبة ترك السير عليها وذهب في الجبل صعدا وتدلّى من موضع يعجز عنه الوعل «1» مع ما يبدو على محيّاه من النشاط والجد. قال الجاحظ: والتركي يحب القتال طبعا وطلبا للغنم ثم لما دان بالإسلام صار يحب القتال طبعا وطلبا للغنيمة وتدينا ودفاعا عن الوطن فصار لا يباريه في الحرب أحد ولا يدانيه في الصبر على الحر والبرد وقشف المعيشة مدان. حكى ثمامة بن الأبرش «2» قال: خرجت من بغداد فرأيت فصيلة من الفرسان الخراسانيين والأعراب وغيرهم قد عجزوا عن إمساك فرس ندّ «3» منهم فمر بهم فارس تركي راكب على فرس هزال ضعيف فلما رآهم عجزوا عن إمساكه تصدى هو له فشرعوا يضحكون عليه ويسخرون به قائلين: إن الأمر الذي قد عجز عنه هؤلاء الأسود كيف يقدر عليه هذا المسكين؟ فلم يمض غير قليل حتى أمسك الفرس مع قصر قامته وهزال فرسه وأسلمه إليهم، ومضى لسبيله غير ملتفت إلى دعائهم ولا إلى حسن ثنائهم ومكافأتهم، ولا متفاخرا إزاء احتقارهم إياه، كأنه لم يصدر منه شيء قط. قلت: إن الجندي التركي الآن غير الجندي التركي في تلك الأزمان، غير أنه مع ذلك لم تزل له ميزة على سائر أجناس العساكر، فهو ما برح معروفا بالصبر على الحر والبرد وقشف العيشة ومعاناة مشاقّ السفر، والطاعة لقواده والجرأة على أعدائه، والقناعة بالزهيد من الأكل والشرب وقلة الهجوع. وحسبك شاهدا على تفوق الجندي التركي بمزاياه الجندية قول نابليون بنابرته: أعطوني الجندي التركي أفتح لكم الدنيا. كنا نسمع من الجندي العربي في أثناء الحرب العامة تذمرا كثيرا وشكوى مرة من قلة الأكل والشرب ورداءة الطعام وظلم القادة ورداءة الكسوة وغير ذلك من المشقات التي يبديها لنا في صورة ينبو تحملها عن طوق البشر لأنها من المهلكات التي يحرم على الإنسان أن يلقي إليها بنفسه، وإن ذلك من أعظم الأعذار التي تبيح الهرب من الجندية. أما الجندي التركي فإننا كنا نراه في تلك الحرب الضّروس في حالة مألوفة له غير مخالفة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 121 لعادته فلا يتذمر منها ولا يدعي ما يدعيه الجندي العربي من سوء الحالة، ولا يراها صالحة أن تكون عذرا يبيح له الهرب من الجندية. تراه يهجم على عدوه الذي يمطره وابلا من الرصاص والقنابل وهو جائع عريان غير هيّاب ولا وجل، لا يحدث نفسه بمخالفة أمر قائده ولا بالهرب من الجندية مهما اقترب منه الخطر وحاق به الهلاك. قيل: إن أول من مدح الترك وأثنى على شجاعتهم علي بن عباس الرومي في قوله: إذا ثبتوا فحصن من حديد ... تخال عيوننا منه تحار وإن برزوا فنيران تلظّى ... على الأعداء يضرمها استعار وقال آخر في حق القفجق: وفتية من كماة الترك ما تركت ... للرعد كبّاتهم صوتا ولا صيتا قوم إذا قوبلوا كانوا ملائكة ... حسنا وإن قوتلوا كانوا عفاريتا قال الجاحظ في آخر رسالته: وقد انتظمت للتركي جميع معدّات الحرب ففاق بها جميع الأمم، ومن حاز هذه المحاسن فقد حاز مزايا ينطوي تحتها الكرم وبعد الهمة وأصالة الرأي والفطنة والحكم والعزم والحزم والكتمان والثقافة والبصر في الخيل والسلاح والخبرة بالرجال والبلاد، إلى آخر ما يحتاج إليه المحارب من أساليب القيادة وتعبئة الجيوش والخدع الحربية. معارف الأتراك كل من كتب شيئا عن أحوال الأتراك أقرّ بشجاعتهم وشدة بأسهم، حتى قال القاضي صاعد بن أحمد الأندلسي في كتابه طبقات الأمم: إن ملوك الترك يسمون ملوك السباع لما اتصفوا به من الشجاعة وشدة البأس. غير أن جميع من وصفهم بهذه الأوصاف وخصهم بتلك المزايا قد سكت عن بقية صفاتهم الحميدة ومنهم من عدّهم من الأمم التي لم تعن بالعلوم والفنون. وقد نشأ ذلك من عدم التدبر «1» والتبصر في أحوال هذه الأمة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 122 العظيمة وقلة استقصاء أخبارها من منابعها الحقيقية. إن عدم اطلاع المؤرخين على ما للأتراك من المعارف والفنون ناشئ عن كون هذه الأمة كانت في الأزمان الغابرة أميّة، لا تعرف الكتابة ولا القراءة ولا يوجد عندها كتاب مدوّن ولا كتابة، وحسبنا دليلا على ذلك أن جنكز خان وضع لها كتابا في شريعة استنبطها وقلم اخترعه. ولو كان للأتراك قلم يكتبون به أو قانون يتعاملون بأحكامه لما احتاج جنكز خان إلى ما وضعه واخترعه من الكتاب والقلم اللذين ذكرناهما. ولا يستغرب ذلك فإن الأمة الجركسية التي قام منها عدة ملوك لم يكن لهم بلغتهم كتاب يقرءونه، ولا قلم يكتبون به. إن من نظر إلى عظمة الأمم التركية، وما كان لها من الحكومات القاهرة في الصين والهند الفرس وبعض جهات أوربا، يضطره العقل إلى أن يقول: إن هكذا أمة لا يمكن أن تبلغ سطوتها هذا المبلغ العظيم دون أن يكون لها قدم راسخ في العلوم والفنون. كيف لا يكون ذلك وقد اشتهر من فلاسفة الأتراك في أوربا الفيلسوف أنخرسيس الأسكتي التاتاري، المعاصر لسولون رئيس فلاسفة اليونان، كما حكى ذلك صاحب كتاب تلفيق الأخبار، قال: وسبب شهرة هذا الفيلسوف قدومه على أثينا واشتهاره بين أهلها دون غيره من فلاسفة الأتراك الذين لم يفارقوا أوطانهم ولا وضعوا في حكمهم وفلسفتهم كتابا، بل كانوا يتلقون الحكمة من بعضهم شفاها ويتناقلونها فيما بينهم تلقينا. هذا كله قبل أن يدينوا بالإسلام ويستنيروا بنوره ويتعلموا الكتابة والقراءة بالقلم العربي، فقد ظهر منهم بعد ذلك رجال أحرزوا القدح المعلّى والنصيب الأوفر في الفنون والعلوم من منطوق ومفهوم. علماء الإسلام الذين هم من عرق تركي زعم بعض المتشيعين للأتراك، المتشبعين من موالاتهم ومحبتهم، أن طائفة عظيمة من علماء الإسلام وأئمة الدين السادة الأعلام هم من عرق تركي، وأن الحامل الذي كان يحمل أولئك الأعلام على وضع مؤلفاتهم الدينية باللغة العربية- مع أن لغتهم الأصلية تركية- أمران: أحدهما كون الدين الذي يضعون فيه مؤلفاتهم مستمدا «1» من مصدر عربي الجزء: 3 ¦ الصفحة: 123 هو القرآن والحديث اللذان لا يمكن إدراك حقيقة مفاهيمها ولا يتسع البحث بهما لاستنباط الأحكام الشرعية منهما إلا بلغتهما التي ولدا فيها وسطّرا على مقتضى قواعدها وضوابطها. والأمر الآخر كون اللغة التركية الأصلية المعبّر عنها باسم جغطاي أو باسم قفجق لغة ضيقة مضطربة القواعد، لا تصلح لأن تكون لغة علمية دينية وأدبية، أما بعد أن لطّفها العثمانيون وأدخلوا إليها ألوفا من الألفاظ العربية والفارسية، صارت حينئذ صالحة لأن يضع بها طائفة من العلماء العثمانيين مؤلفاتهم. يقول أولئك المتشيعون: إن علماء الإسلام الذين هم من عرق تركي، وإن كانت مؤلفاتهم باللغة العربية أو الفارسية، إلّا أن لغتهم التي كانوا يتفاهمون بها بين أهليهم وعوامّهم كانت هي اللغة التركية المعروفة باسم جغطاي، حتى إن سكان تركستان- الذي من جملته بخارى- ما برح أهلها «1» حتى الآن يتفاهمون بين أهليهم وعوامّهم بلغة جغطاي، وما زال أهل العلوم الدينية- الذين يقصدون بخارى من الأقطار التركية- يتلقون علومهم باللغة العربية ويتكلمون فيما بينهم بلغتهم التركية جغطاي أو قفجق. وعليه فإن العلامة الزمخشري مثلا هو من عرق تركي بلا شك، لأنه من زمخشر «2» - إحدى قرى بخارى التي هي من أمهات تركستان- لكن أكثر مؤلفاته باللغة العربية. وله عدة مؤلفات باللغة الفارسية، وليس له شيء من المؤلفات باللغة التركية للسبب الذي ذكرناه. وهكذا يقال في العلماء الذين هم من عرق تركي ومؤلفاتهم باللغة العربية. وهاك أسماء بعض المشتهرين منهم على رأي المتشيعين المذكورين: الرئيس- ولا أزيده مدحا على هذه اللفظة التي صارت علما عليه حيث أطلقت- وهو أبو علي حسين بن عبد الله بن سينا. وتلميذ الرئيس بهمانيار. والإمام الحافظ الحجة أبو عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري، الذي قيل في كتابه «أصحّ كتاب بعد كتاب الله تعالى» . والإمامان الحجّتان مسلم والترمذي صاحبا الصحيحين المنسوبين إليهما. والإمام الحجّة العلامة محمود الزمخشري جار الله، صاحب الكشاف وغيره من المصنفات الجزء: 3 ¦ الصفحة: 124 الشهيرة. والعلامة الأستاذ يوسف السكاك «1» صاحب مفتاح العلوم. وقد قيل فيه وفي الزمخشري: لولا الكوسج والأعرج لعرج القرآن كما نزل. يراد بالكوسج: السكاك» وبالأعرج: الزمخشري. والإمام المطرّزي صاحب كتاب المغرب وغيره، وهو أحد تلامذة الزمخشري «3» . وناشر العلوم العربية الشيخ عبد القاهر «4» الجرجاني. وصدر الافاضل رشيد الدين الوطواطي «5» . وعبد الجبار التفتازاني. والإمام حجة الإسلام محمد الغزالي، الذي قيل في حق كتابه الإحياء: إذا فقدت كتب الشريعة أغنت «6» عنها الإحياء. والعلامة صاحب التصانيف الكثيرة أبو حاتم محمد بن حبّان البخاري المعروف بغنجار البستي. والشيخ أبو الوليد أحمد بن أبي الرجا الأزداني، شيخ البخاري صاحب الصحيح. وأبو محمد بن جرير الطبري صاحب «التفسير» و «التاريخ» المشهورين. وأبو بكر محمد ابن عبد الله الأوداني إمام أصحاب الشافعي في عصره. وأبو نصر إسماعيل بن حماد الجوهري صاحب كتاب الصحاح في اللغة. وأبو معشر البلخي- جعفر- من مهرة المنجمين، المشهور بالفلكي المتوفى سنة 272 وأبو نصر محمد بن محمد الفارابي الحكيم الفيلسوف صاحب التصانيف. في فنون الفلسفة والموسيقى. ونصر بن محمد الختلي شارح القدوري. ومن أدبائهم المبرزين إبراهيم بن العباس الصولي، والصولي الشطرنجي، وغيرهم من العلماء الأعلام والأئمة الفضلاء الفخام الذين يضيق المقام عن ذكر أسمائهم. هذا كله عدا العلماء والفضلاء الذين نشؤوا في أحضان الدولة العثمانية وتخرجوا في مدارسها ومعاهدها العلمية كشمس الدين المعروف بابن كمال باشا، المشهور بمفتي الثّقلين المنسوب لأدرنة، وبها كانت وفاته سنة 940 وأبي السعود صاحب التفسير وناظم القصيدة المشهورة التي نوّه بذكرها الشهاب الخفاجي في كتابه «ريحانة الألبّاء» وأثبتها برمتها ومطلعها: «أبعد سليمى بغية ومرام؟» وعلي أفندي الزنبيلي والأنقروي صاحب الفتاوي، وعلي أفندي صاحب الفتاوي الأخرى، والحاج خليفة المعروف بكاتب جلبي صاحب كتاب الجزء: 3 ¦ الصفحة: 125 كشف الظنون وغيره من المؤلفات الجليلة. وغيرهم ممن لا يساعدنا المقام على استقصاء أسمائهم. على أن صاحب كتاب الشقائق النعمانية، وصاحب تاج التواريخ، وصاحب كتاب (أسامي) ، وصاحب كتاب قاموس الأعلام، وغيرهم من أدباء الأتراك وعلمائهم الذين ألفوا بالتاريخ، قد ذكروا في كتبهم طائفة صالحة من علماء الأتراك وأدبائهم الخريجين في مدارس الدولة العثمانية. فليراجع هذه الكتب من أحب الاطلاع على أولئك الفضلاء. أقول: ما ذكره المتشيعون للأتراك من العلماء المتخرجين في مدارس الدولة العثمانية بأنهم أتراك فأمر مسلم به، وأما من ذكروه قبلهم من العلماء والفضلاء بأنهم من عرق تركي فليس يصح ذلك في جميعهم، ولنا فيه كلام في غير هذا الكتاب نورده حين الاقتضاء. هذا آخر الإجمال الذي أوردناه استطرادا في الكلام على الأتراك. ولنرجع إلى سرد الحوادث التي لها علاقة في حلب وملحقاتها فنقول: الجزء: 3 ¦ الصفحة: 126 سنة 637 وفاة شيركوه فيها توفي الملك المجاهد شيركوه صاحب حمص وقد استقام ملكا عليها 56 سنة واستقر بالملك بعده ابنه الملك المنصور إبراهيم. سنة 638 وصول الخوارزمية إلى حلب وما جرى من الحوادث إلى سنة 641 الخوارزمية طائفة من المسلمين الساكنين في بلاد خوارزم، هربوا من بلادهم حينما استولى عليها جنكز خان وجاؤوا إلى هذه البلاد وقويت شوكتهم وملكوا بعض مدن وقصبات، وظاهرهم بعض ملوكها للاستعانة بهم على نواياه. وفي هذه السنة أعني سنة 638 سار الخوارزميون إلى حلب فخرج إليهم عسكرها مع الملك المعظم توران شاه بن صلاح الدين، ووقع بينهم القتال فانهزم الحلبيون وقتل منهم خلق كثير، منهم الملك الصالح ابن الملك الأفضل بن صلاح الدين، وأسر مقدّم الجيش الملك المعظم توران شاه المذكور. واستولى الخوارزميون على أثقال الحلبيين وأسروا منهم عدّة وكانوا يقتلون الأسير ليشتري غيره نفسه منهم. ثم نزل الخوارزميون على حيلان وكثر عيثهم «1» في بلاد حلب، وجفل أهل الحواضر والبلاد ودخلوا مدينة حلب واستعدوا للحصار، وارتكب الخوارزميون من الزنى والفواحش والقتل ما ارتكبه التتر في بلادهم. ثم ساروا إلى منبج وفعلوا فيها من القتل والنهب مثلما تقدم ذكره. ثم رجعوا إلى بلادهم وهي حرّان وما معها، بعد أن خربوا بلد حلب. ثم رحلوا من حرّان وقطعوا الفرات إلى الجبّول ثم إلى تل عزاز، ثم إلى سرمين ثم إلى المعرة، وهم ينهبون ما يجدونه. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 127 وكان قد وصل الملك المنصور إبراهيم بن شيركوه- صاحب حمص- ومعه عسكر من عساكر الملك الصالح إسماعيل المستولي على دمشق نجدة للحلبيين، فاجتمع الحلبيون مع صاحب حمص وقصدوا الخوارزمية. واستمرت الخوارزمية على ما هم عليه من النهب حتى نزلوا على شيزر، ونزل عسكر حلب على تل السلطان. ثم رحلت الخوارزمية إلى جهة حماة ولم يتعرضوا إلى نهبها، لانتماء صاحبها الملك المظفر إلى الملك الصالح أيوب محالفهم. ثم سار الخوارزمية إلى سلمية ثم إلى الرصافة طالبين الرقة. وسار عسكر حلب من تل السلطان إليهم ولحقتهم العرب فأرمت الخوارزمية ما كان معهم من المكاسب وسيّبوا الأسارى. ووصلت الخوارزمية إلى الفرات في أواخر شعبان هذه السنة، ولحقهم عسكر حلب وصاحب حمص قاطع صفين، فعمل لهم الخوارزمية ستائر ووقع القتال بينهم إلى الليل، فقطع الخوارزمية الفرات وساروا إلى حرّان وسار عسكر حلب إلى البيرة وقطعوا الفرات منها. وقصدها الخوارزمية والتقوا قريب الرها لتسع بقين من رمضان هذه السنة، فولى الخوارزمية منهزمين، وركب صاحب حمص وعسكر حلب أقفيتهم يقتلون ويأسرون إلى أن حال الليل بينهم. ثم سار عسكر حلب إلى حرّان فاستولى عليها وهربت الخوارزمية إلى بلد عانة، وبادر بدر الدين لؤلؤ صاحب الموصل إلى نصيبين ودارا- وكانتا للخوارزمية- فاستولى عليهما وخلّص من كان بهما من الأسرى، وكان منهم الملك المعظم توران شاه بن صلاح الدين، أسر في كسرة حلب. ثم استولى عسكر حلب على الرقة والرها وسروج ورأس العين وما مع ذلك. ثم سار عسكر حلب ومعه نجدة وصلت إليه من الروم وحاصروا الملك المعظم بن الملك الصالح أيوب بآمد وتسلموها منه. وفي سنة 639 توفي الملك الحافظ بن الملك العادل بعزاز، وهي التي تعوّضها عن قلعة جعبر ونقل إلى حلب ودفن في الفردوس. وتسلم نواب الملك الناصر صاحب حلب قلعة عزاز وأعمالها. وفي سنة 640 كان بين الخوارزمية، ومعهم الملك المظفر غازي صاحب ميافارقين، وبين عسكر حلب ومعهم الملك المنصور صاحب حمص، مصافّ قرب الخابور عند المجدل في يوم الخميس لثلاث بقين من صفر. فولى الملك المظفر والخوارزمية منهزمين أقبح هزيمة، ونهب منهم عسكر حلب شيئا كثيرا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 128 ونهبت وطاقات «1» الخوارزمية ونساؤهم أيضا. ونزل الملك المنصور في خيمة الملك المظفر، واحتوى على خزانته ووطاقه. ووصل عسكر حلب وصاحب حمص إلى حلب في مستهل جمادى الأولى مؤيدين منصورين. وفيها توفيت ضيفه خاتون بنت الملك العادل ودفنت بقلعة حلب، وهي محل مولدها سنة 581 ولما توفيت كان عمر ولدها الناصر بن الملك العزيز نحو ثلاث عشرة سنة، فأشهد عليه أنه بلغ، واستلم زمام المملكة الحلبية، والمرجع في الأمور جمال الدين إقبال، الأسود الخصي الخاتوني. وفي سنة 641 تحرك طائفة من التتر نحو بلاد حلب. ففي مختصر الدول لابن العبري أنه في هذه السنة غزا يساور نوين الشام ووصل إلى موضع يسمى حيلان على باب حلب وعاد عنها لحفى «2» أصاب خيول التتر، وأنه بعد ذلك اجتاز بملطية وخرب بلادها ورعى غلّاتها وبساتينها وكرومها وأخذ منها أموالا عظيمة حتى خشل النساء وصلبان البيع «3» ووجوه الأناجيل وآنية القدّاس المصنوعة من الذهب والفضة. ثم رحل عنها وطلب طبيبا يداويه في سحج «4» عرض له، فأخرج إليه والده وسار معه إلى خرتبرد فدبّره حتى برىء، ثم جاء ولم يطل المقام بملطية ورحل بأهله إلى أنطاكية فسكنوها، وأقحطت البلاد بعد ترحال التتر ووبئت الأرض فهلك عالم، وباع الناس أولادهم بأقراص الخبز. اه. سرد الحوادث من سنة 641 إلى آخر سنة 656 في هذه السنة وهي سنة 641 سارت نجدة من حلب مع ناصح الدين الفارسي إلى صاحب الروم غياث الدين كيخسرو، واجتمعوا معه وقاتلوا التتر فلم ينجحوا. وفي سنة 644 كان الخوارزمية يحاصرون دمشق فسار إليهم الحلبيون ومعهم الملك المنصور، فانكسر الخوارزمية وقتل مقدّمهم بركه خان وحمل رأسه إلى حلب، وجاء الملك الصالح إسماعيل صاحب بعلبك مستجيرا بصاحب حلب الملك الناصر لأنه كان معتضدا مع الخوارزمية. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 129 وفي سنة 646 أرسل الملك الناصر صاحب حلب، وحاصر حمص وأخذها من الأشرف موسى وعوّضه عنها تل باشر مضافا لما بيده من الرحبة وتدمر. وفي سنة 647 وقع الحرب بين بدر الدين لؤلؤ صاحب الموصل وبين عسكر الملك الناصر صاحب حلب بظاهر نصيبين وانهزمت المواصلة أقبح هزيمة، واستولى الحلبيون على أثقالهم وتسلموا نصيبين، ثم ساروا إلى دارا وتسلموها بعد حصار ثلاثة أشهر، ثم تسلموا قرقيسيا ثم عادوا إلى حلب. وفي سنة 648 كاتب أمراء دمشق القيمرية بها الملك الناصر صاحب حلب ليسلموه دمشق، وذلك لأنهم أنفوا من أن يتسلطن عليهم امرأة وهي شجرة الدر زوجة الملك الصالح بعد وفاته بمصر. وكان صاحب مصر- وهو آخر الأيوبية- بها، فسار الناصر إلى دمشق وملكها لثمان بقين من ربيع الأول وعصت عليه بعلبكّ وعجلون وشميس، مدّة، ثم سلمت إليه. وبلغ ذلك أهل مصر فقبضوا على من بها من القيمرية وكلّ من اتّهم بالميل إلى الحلبيين. وفي منتصف رمضان منها سار الناصر صاحب حلب ودمشق إلى مصر ومعه من بني أيوب أهل بيته نحو العشرة وسائر عساكرهم، وخرج إليهم المصريون والتقوا بالعباسية وانكسر المصريون وخطب للناصر في تلك الجمعة بمصر وقلعة الجبل، ثم انعكس المقدور وكسر الشاميون وقتل عدة أمراء منهم. وفي سنة 649 جهز الملك الناصر صاحب الشام عسكرا إلى غزة وخرج المصريون إلى السبائخ وأقاموا كذلك حتى خرجت السنة. وفي سنة 651 استقر الصلح بين الملك الناصر وبين البحرية بمصر، على أن يكون للمصريين إلى نهر الأردنّ، وللملك الناصر ما وراء ذلك. وكان واسطة الصلح بينهما نجم الدين الباذراني رسول الخليفة. وفي سنة 652 قدمت ملكة خاتون بنت كقباد ملك الروم إلى زوجها الملك الناصر صاحب الشام. وفي سنة 653 مشى نجم الدين الباذراني في الصلح بين المصريين والشاميين، واتفق الحال أن يكون للملك الناصر الشام جميعه إلى العريش، ويكون الحد بئر القاضي- وهو بين الواردة والعريش- وبيد المعزّ أيبك الديار المصرية، ورجع كل لمحله. وفي سنة 654 توجه كمال الدين بن العديم الحلبي رسولا من قبل الملك الناصر صاحب الشام إلى الخليفة المستعصم بتقدمة جليلة، وطلب الخدمة لمخدومه. ووصل شمس الدين الجزء: 3 ¦ الصفحة: 130 سنقر الأقرع من مماليك المظفر غازي صاحب ميّافارقين من جهة المعزّ أيبك صاحب مصر إلى بغداد بتقدمة جليلة، وسعى بتعطيل خلعة الناصر. فتحيّر الخليفة برهة أيام، ثم أحضر سكينا من اليشم «1» كبيرة، وقال للوزير: أعط هذه السكين رسول صاحب الشام علامة على أن له خلعة عندي في غير هذا الوقت، أما الآن فلا يمكنني. فعاد كمال الدين بالسكّين بلا خلعة. وفي سنة 655 وصل من الخليفة المستعصم الخلعة والطوق والتقليد إلى الملك الناصر صاحب الشام. وفي سنة 656 اشتد الوباء بالشام وخصوصا بدمشق حتى قلّ مغسّلو الموتى. وصول التتر إلى حلب وما جرى عليها منهم في سنة 657 تقدم هولاكو بن تولي بن جنكز خان إلى البلاد الشرقية ونازل الجزيرة وحرّان واستولى عليهما. ثم أرسل إلى الملك الناصر رسالة مسهبة يتهدده بها، أثبتها ابن العبرى في كتابه «مختصر الدول» وأجابه عليها الملك الناصر بجواب يظهر فيه القوة وعدم المبالاة، قرأته في رقعة مخطوطة عند صديقنا السيد محمد أسعد أفندي العينتابي. ولما اطلع عليه هولاكو أخذ منه الغيظ كل مأخذ وأمر ولده «أشموط» بالإغارة على الشام، فقطع الفرات في جمع كثيف ونزل على نهر الجوز وتل باشر ووصل خبره إلى حلب من البيرة، ونائب الملك الناصر في حلب الملك المعظم فخر الدين توران شاه، فجفل الناس من التتر إلى جهة دمشق، وعظم الخطب واحترز نواب حلب وجمعوا أهل الأطراف والحواضر في داخل البلد وكانت حلب في غاية الحصانة والقوة. فلما كان العشر الأخير من ذي الحجة قصد التتر حلب ونزلوا على قرية يقال لها المسلميّة وامتدوا إلى حيلان، وسيّروا جماعة من عسكرهم أشرفوا على المدينة، فخرج عسكر حلب ومعهم جماعة من العوامّ والسوقة فأشرفوا على التتر وهم نازلون على هذه الأماكن وقد ركبوا جميعهم إرهابا للمسلمين. ولما تحقق المسلمون كثرتهم كرّوا راجعين إلى المدينة وتقدم الملك الأعظم بأن لا يخرج أحد بعد ذلك من المدينة. وفي الغد رحل التتر من منزلتهم الجزء: 3 ¦ الصفحة: 131 يطلبون المدينة واجتمع عسكر المسلمين بالبواسير وميدان الحصى وأجالوا الرأي فيما يعتمدونه، فأشار عليهم الملك المعظم ألّا يخرجوا أصلا لكثرة التتر وقوتهم وضعف المسلمين عن لقائهم، فأبوا إلا الخروج إلى ظاهر البلد لئلا يطمع العدوّ فيهم. فخرج العسكر إلى ظاهر البلد وخرج معهم العوام والسوقة واجتمعوا كلهم بجبل بانقوسا ووصل جمع التتر إلى أسفل الجبل وأوكبوا على القرية «1» المعروفة ببابليّ. فنزل جماعة من العسكر إليهم ليقاتلوهم فلما رآهم التتر اندفعوا بين أيديهم مكرا وخداعا فتبعوهم ساعة من النهار ثم كرّ التتر عليهم فولوا منهزمين إلى جهة البلد والتتر في إثرهم. فلما جاؤوا جبل بانقوسا وعليه بقية عسكر المسلمين والعوام اندفعوا كلهم طالبين البلد، فاختنق من المسلمين خلق كثير في أبواب البلد والتتر في أعقابهم فقتلوا من المسلمين جمعا كثيرا ونازلوا المدينة في ذلك اليوم إلى آخره. ثم رحلوا طالبين عزاز فتسلموها بالأمان. ولما بلغ الملك الناصر خبرهم وهو بدمشق أشخص كمال الدين بن العديم رسولا إلى الملك المنصور صاحب مصر يستنجده عليهم فرجع بالخيبة. وأما الملك الناصر فإنه خرج من دمشق إلى برزة في أواخر هذه السنة وجفل الناس بين يدي التتر، وسار من حماة إلى دمشق الملك المنصور صاحب حماة، ونزل مع الناصر ببرزة. وكان ببرزة بيبرس البندقداري صاحب الكرك، فاجتمع عند الملك الناصر ببرزة أمم عظيمة من العساكر والجفّال «2» ، غير أن الملك الناصر بلغه أن جماعة من مماليكه قاصدون اغتياله، فهرب إلى قلعة دمشق وخافه مماليكه فهربوا إلى جهة غزّة، وسار البندقداري معهم. وأما التتر فإنهم في صفر سنة 658 عادوا إلى حلب، لأن هولاكو بن تولي بن جنكز خان كان قد عبر الفرات بجموعه ونازل حلب، وأرسل إلى الملك المعظم نائب حلب يقول له: إنكم تضعفون عن لقاء المغل ونحن قصدنا الملك الناصر والعساكر فاجعلوا لنا عندكم بحلب شحنة «3» وبالقلعة شحنة ونتوجه نحن إلى العساكر، فإن كانت الكسرة على عسكر المسلمين كانت البلاد لنا وتكونوا قد حقنتم دماء المسلمين، وإن كانت الكسرة علينا كنتم الجزء: 3 ¦ الصفحة: 132 مخيّرين في الشحنتين إن شئتم طردتموهما وإن شئتم قتلتموهما. فلم يجب الملك المعظم إلى ذلك وقال: ليس لكم عندنا إلا السيف. وكان رسول هولاكو في ذلك صاحب أرزن الروم، فتعجب هولاكو من هذا الجواب وتألم لما علم من هلاك أهل حلب بسبب ذلك. ثم سار هولاكو وأحاط بحلب ثاني يوم من صفر وفي الغد هجم التتر على حلب وقتلوا من المسلمين جماعة كثيرة منهم أسد الدين بن الملك الزاهر بن صلاح الدين. واشتدت مضايقة التتر للبلد وهجموا من عند حمّام حمدان في ذيل قلعة الشريف في يوم الأحد تاسع صفر وبذلوا السيف في المسلمين، وصعد خلق كثير إلى القلعة ودام القتل والنهب من نهار الأحد إلى يوم الجمعة، رابع عشر صفر، فأمر هولاكو برفع السيف ونودي بالأمان، ولم يسلم من أهالي حلب إلا من التجأ إلى دار شهاب الدين بن عمرون، ودار نجم الدين- أخي مردكين- ودار البازيار، ودار علم الدين قيصر الموصلي، والخانكاه «1» التي فيها زين الدين الصوفي، وكنيسة اليهود، وذلك لفرمانات كانت بأيدي المذكورين. وقيل إنه سلم بهذه الأماكن خمسون ألف نسمة. ثم إن التتر نازلوا القلعة وحصروها وكان بها الملك المعظم ومن التجأ إليها من العسكر. وفي أثناء محاصرتها وثب جماعة من أهلها على صفي الدين بن طرزة- رئيس حلب- وعلى نجم الدين بن عصرون، فقتلوهما لأنهم اتهموهما في المواطأة «2» مع التتر واستمر الحصار على القلعة واشتدت مضايقة التتر نحو شهرين ثم سلّمت بالأمان يوم الاثنين حادي عشر ربيع الأول. ولما نزل أهلها- وكان بها جماعة من البحرية الذين حبسهم الملك الناصر- سلّمهم هولاكو وباقي الترك إلى رجل من التتر يقال له سلطان جق، وهو رجل من أكابر القفجاق، هرب من التتر لما غلبوا على القفجاق وقدم إلى حلب فأحسن إليه الملك الناصر فلم تطب له تلك البلاد فعاد إلى التتر. وأما العوام والغرباء فإنهم نزلوا إلى أماكن الحمى المذكورة. وأمر هولاكو أن يمضي كل من سلم إلى داره وملكه وأن لا يعارض، وجعل النائب بحلب عماد الدين القزويني. ووصل إلى هولاكو- وهو على حلب- صاحب حمص الملك الأشرف موسى بن الجزء: 3 ¦ الصفحة: 133 إبراهيم بن شيركوه فأكرمه هولاكو وأعاد عليه حمص، وكان أخذها منه الملك الناصر وعوضه عنه تل باشر كما تقدم. وقدم عليه أيضا محيي الدين التركي نائب دمشق، فالتفت إليه وخلع عليه وولاه قضاء الشام. وقدم عليه أيضا جماعة من أكابر حماة وسلموه مفاتيح بلدهم فأمّنهم. ثم رحل هولاكو عن حلب إلى حارم وطلب تسليمها من أهلها فامتنعوا أن يسلموها لغير فخر الدين والي قلعة حلب، فأحضره هولاكو وسلموها إليه، فغضب هولاكو وأمر بهم فقتلوا عن آخرهم وسبى النساء. ثم رحل عنها إلى الشرق وأمر عماد الدين القزويني بالرحيل إلى بغداد وجعل مكانه بحلب رجلا أعجميا، وأمر هولاكو بخراب أسوار قلعة حلب وأسوار المدينة فخربت عن آخرها. وألقى السيسيون المنضمون إلى التتر النار في الجامع الكبير ثم في كنائس النصارى وقتلوا في الجامع خلقا كثيرا دفنوا في جباب كانت بالجامع، للغلّة، في شماليّه. أما الملك الناصر فإنه لما بلغه أخذ حلب- وهو بدمشق هاربا من مماليكه كما تقدم- رحل من دمشق بمن معه من العساكر إلى جهة الديار المصرية ومعه الملك المنصور صاحب حماة، فأقام بنابلس أياما ورحل عنها إلى غزة فاصطلح مع مماليكه الذين كانوا أرادوا قتله ومع أخيه الملك الظاهر، ثم رحل غزّة إلى العريش لما بلغه أن التتر استولوا على نابلس أيضا. وسيّر رسولا إلى الملك المظفر صاحب مصر يطلب منه المعاضدة على التتر. ثم سار الملك الناصر ومن معه إلى قطبة وبقي بها أياما خوفا من أن يدخل مصر فيقع القبض عليه، ففارقته العساكر والملك المنصور صاحب حماة إلى مصر وبقي معه جماعة يسيرة منهم أخوه الملك الظاهر والملك الصالح صاحب حمص وغيرهما، فسار بهم إلى جهة تيه بني إسرائيل. وكان التتر في هذه المدة قد استولوا على دمشق وجميع الشام عدا غزّة فبقي الملك الناصر في التيه متحيرا إلى أن عزم على التوجه إلى الحجاز، وكان معه طبردار «1» له اسمه حسين الكردي فحسّن له المسير إلى التتر وقصد هولاكو، فاغتر بقوله ونزل ببركة زبر وسار حسين الكردي إلى كتبغا نائب هولاكو وعرفه بموضع الملك الناصر، فأرسل كتبغا إليه وقبض عليه وأحضره إلى عجلون، وكانت عاصية فأمرهم الملك الناصر بتسليمها فسلمت للتتر وهدمت. ثم إن كتبغا بعث بالملك الناصر إلى هولاكو فوصل إلى دمشق ثم إلى حماة ثم إلى حلب فلما عاينها الملك الناصر وما حل بها وبأهلها تضاعفت حسراته وأنشد: الجزء: 3 ¦ الصفحة: 134 يعزّ علينا أن نرى ربعكم يبلى ... وكانت به آيات حسنكم تتلى ثم سار إلى الأوردو- وكان بها هولاكو- فأقبل على الملك الناصر ووعده بردّ مملكته إلى ما كان عليه. دخول حلب في حوزة دولة الأتراك المماليك وحوادثهم فيها ثم إن الملك المظفر- مملوك المعز أيبك صاحب مصر- جهز جيشا كثيفا لإخراج التتر من الشام وقصدهم والتقى معهم في الغور عند عين جالوت التي هي بليدة بين بيسان ونابلس من فلسطين- وكانت وصلت إليهم الأخبار بانكسار جيوش هولاكو وهلاك معظمها بحرب ضروس دارت بينه وبين ابن عمه بركة خان، ففتّ ذلك في أعضادهم وهالههم الأمر فانهزموا من أمام جيش الملك المظفر أقبح هزيمة، وقتل منهم خلق كثير وهرب من سلم منهم لرؤوس الجبال، فتبعهم المسلمون وأفنوا أكثرهم وبعد أن دخل الملك المظفر دمشق ورتب أمورها جهز عسكرا إلى حلب لحفظها وفوّض نيابتها إلى الملك السعيد بن بدر الدين لؤلؤ صاحب الموصل، وهو أول نائب بحلب من قبل دولة الأتراك والمفهوم من تاريخ أبي ذرّ أن أول نائب بحلب من قبل الدولة المذكورة هو الملك الناصر صاحب الشام أولا. وعلى كل فإن الملك السعيد لما جاء حلب نائبا سار سيرة رديئة وكان دأبه التحيل على أخذ المال من الرعية، فأبغضه العسكر لسوء فعله. وكان بلغه أن التتر ساروا إلى البيرة فجرد إليهم جماعة قليلة من جهة العسكر وقدم عليهم سابق الدين- أمير مجلس الناصر- فأشار كبراء العزيزية والناصرية بأن هذا غير موافق للمصلحة وأن هؤلاء الجماعة قليلون فيحصل الطمع بسببهم في البلاد. فلم يلتفت إلى ذلك وأصر على مسيرهم، فسار سابق الدين المذكور بمن معه حتى قارب البيرة فوقع عليهم التتر فهرب سابق الدين منهم ودخل البيرة بعد أن قتل غالب من كان معه. فازداد غيظ الأمراء على الملك السعيد، فاجتمعوا وقبضوا عليه ونهبوا وطاقه، وكان قد برز إلى بابلّي. ولما استولوا على خزانته لم يجدوا فيها طائلا فهددوه بالعذاب إن لم يقرّ لهم بالمال. فأقر لهم ونبش من تحت أشجار الجزء: 3 ¦ الصفحة: 135 حائط في قرية بابلّي جملة من المال قيل كانت خمسين ألف دينار مصرية ففرّقت بالأمراء، وحمل الملك السعيد إلى الشّغر وبكاس معتقلا. ثم اتفق الأمراء العزيزية والناصرية وقدّموا عليهم حسام الدين الجو كندار. ولما شاع بحلب أن التتر معاودون إليها خام «1» عنهم حسام الدين المذكور بمن معه من العساكر إلى جهة حماة. أما التتر فإنهم ساروا إلى حلب وعاودوها في أواخر هذه السنة أعني سنة 658 وكان مقدّم عسكر التتر بيدرا. فأجفل أهل حلب إلى البلاد القبلية وأخرج التتر من بقي من أهلها بعيالهم وأولادهم حافين مجرّدين إلى المحلّ المعروف بمقر الأنبياء، وبذلوا فيهم السيف فأفنوا أكثرهم وسلم القليل منهم. ثم تراجع من أفلت بأسوإ حال. ولما عاد كمال الدين عمر بن أحمد بن عبد العزيز إلى حلب بعد أن خربها التتر- وكان جافلا منهم- رأى أحوال حلب فقال في ذلك قصيدة، منها: هو الدهر ما تبنيه كفّاك يهدم ... وإن رمت إنصافا لديه فتظلم أباد ملوك الفرس جمعا وقيصرا ... وأصمت لدى فرسانها منه أسهم «2» وأفنى بني أيوب مع كثر جمعهم ... وما منهم إلا مليك معظّم وملك بنى العباس زال ولم يدع ... لهم أثرا من بعدهم وهم هم وأعتابهم أضحت تداس، وعهدها ... تباس بأفواه الملوك وتلثم وعن حلب ما شئت قل من عجائب ... أحلّ بها يا صاح، إن كنت تعلم ومنها: فيا لك من يوم شديد لغامه «3» ... وقد أصبحت فيه المساجد تهدم وقد درست تلك المدارس وارتمت ... مصاحفها فوق الثرى وهي ضخّم ولكنما لله في ذا مشيئة ... فيفعل فينا ما يشاء ويحكم ولعمر [بن] إبراهيم الرّسعني «4» مقامة في هذه الحادثة أثبت بعضها ابن الوردي في كتابه الجزء: 3 ¦ الصفحة: 136 تتمة المختصر المطبوع، فاستغنينا بذلك عن ذكرها هنا للاختصار. وفي محرّم سنة 658 انكسر جيش التتر على حمص وحماة فأتى فلّهم إلى حلب وأخرجوا من فيها من الرجال والنساء ولم يبق إلا من اختفى، ثم قتلوا من كان في حلب من الغرباء فقتل منهم جماعة من أهلها ثم عدّوا من بقي من الحلبيين وأعادوهم إلى حلب وأحاطوا بها ومنعوا الخروج والدخول إليها. فغلت أسعار الأقوات غلوا فاحشا حتى بيعت التفاحة بخمسة دراهم، والبطّيخة بأربعين درهما، وأكل الناس الميتة سنة 659. وذكر ابن العبري الملطي في تاريخه المدني السرياني أن أهل بعلبكّ خربوا سقف كنيسة السريان الحلبية، وكان هو مطرانها في هذه السنة وهي سنة (659) فاستحوذ عليه الجنون فذهب إلى هولاكو ملك الملوك فزجوّه في السجن في قلعة نجم. وهكذا ظلت طائفته الحلبية دون راع ولكنهم كانوا يجتمعون في بيعة الملكين فهجم عليهم التتر وقتلوهم وسبوهم. اه. وقال صاحب كتاب عناية الرحمن ما خلاصته أنه في أواسط القرن الثالث عشر لم يرد من الآثار السريانية ذكر لأساقفة حلب حتى أواخر القرن الخامس عشر. قال: ولعل سبب ذلك هو أن هولاكو وخلفاءه أبادوا المسيحيين قاطبة من حلب ونواحيها ومن سوريا. اه. قلت: قدمنا ذكر هذه العبارة في الكلام على النصارى بعد الفتح الإسلامي فليراجع. وفي هذه السنة وصل البرنلي إلى حلب وكان التتر قد رحلوا عنها. وحين قدوم البرنلي إليها كان بها فخر الدين الحمصي، جهزه إليها علاء الدين إيدكين البندقداري نائب السلطنة بدمشق للكشف على البيرة، فإن التتر كانوا قد نازلوها. فلما قدم البرنلي إلى حلب قال لفخر الدين: نحن في طاعة الملك الظاهر صاحب مصر فامض إليه واسأله أن يتركني ومن معي في هذا الطرف. فلما سار فخر الدين ليؤدي هذه الرسالة تمكن البرنلي واحتال على ما في حلب من الحواصل «1» واستبد بالأمر وجمع العربان والتركمان واستعد لقتال عسكر مصر، فالتقى الحمصي في الرمل مع جمال الدين المحمدي الصالحي متوجها لقتال البرنلي المذكور، فانضم إليه ولحق بهما علم الدين سنجر الحلبي ثم عز الدين الدمياطي، وساروا جميعا بمن معهم من العسكر إلى حلب وطردوا البرنلي عنها. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 137 وفيها قتل الملك الناصر يوسف بن الملك العزيز بن الملك الظاهر بن السلطان صلاح الدين الأيوبي، قتله- وأخاه وعدة أمراء- هولاكو في بلاد العجم لما بلغه خبر كسر عسكره بالشام وكانوا معتقلين معه. وفي سنة 660 جهز الملك الظاهر عسكرا إلى حلب ومقدّمهم شمس الدين سنقر الرومي، فأمنت بلاد حلب وعادت إلى الصلاح. ثم تقدم الملك الظاهر إلى شمس الدين المذكور، وإلى الملك المنصور صاحب حماة وإلى الملك الأشرف صاحب حمص، أن يسيروا إلى أنطاكية وبلادها للإغارة عليها وإقلاق صاحبها البرنس بيمد، فساروا إليها ونهبوا بلادها وضايقوها. ثم عادوا فتوجهت العساكر صحبة شمس الدين سنقر الرومي إلى مصر ومعهم ما ينوف عن ثلاثمائة أسير. مبايعة الخليفة في حلب: وفي هذه السنة وهي سنة 660 قدم حلب أبو العباس أحمد بن علي الذي لقب الحاكم بأمر الله الأول- وكان غائبا وقت الفتنة ببغداد- فقدم حلب وبايعه بالخلافة كثير من الناس. ثم كاتب الملك الظاهر بيبرس فاستقدمه إلى مصر وبايعه، واستمر بها خليفة إلى أن توفي سنة 706 وفي سنة 663 أو التي بعدها أمسك الملك الظاهر زامل بن علي أمير العرب بمكاتبة عيسى بن المهنا. استيلاء الملك الظاهر على يافا وأنطاكية وغيرها من البلاد الشامية: في سنة 666 في مستهل جمادى الآخرة منها توجه الملك الظاهر من مصر إلى الشام وفتح يافا- في العشر الأوسط من الشهر- من الفرنج الصليبيين. ثم سار ونازل أنطاكية في مستهل رمضان وزحف إليها وملكها بالسيف يوم السبت رابع رمضان، وقتل وسبى وغنم وأسر منها شيئا عظيما، كانت للبرنس بيمند، وله معها طرابلس الشام، وكان بطرابلس لما فتحت أنطاكية. وفي ثالث عشر هذا الرمضان استولى الملك الظاهر على بغراس، وكانت خالية لانهزام أهلها منها عندما فتحت أنطاكية، فاستولى عليها وشحنها بالرجال والعدة. وفي سنة 670 أغار التتر على عينتاب والرّوج وقميطون إلى قرب أفامية، ثم عادوا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 138 وقد وصل الملك الظاهر مع معسكره إلى حلب. وفي هذه السنة ملك التتر البيرة فقصدهم السلطان وأوقع بهم فقتل وأسر منهم عدد كبير. وفيها أوقع السلطان بطائفة من التتر كانوا على شاطىء الفرات. وفي سنة 673 قصد السلطان ابن هيثوم الأرمنيّ ملك سيس والمصيصة وفتك بالأرمن فتكا ذريعا وأحرق وسبى وهدم وكان فتحا عظيما، ثم عاد إلى الديار المصرية. وفي سنة 674 نازل التتر البيرة- واسم مقدّمهم أقطاي- فتوجه إليهم الملك الظاهر من دمشق فرحلوا عنها، وبلغه خبر رحيلهم وهو بالقطيفة فأتم السير إلى حلب ثم عاد إلى مصر. وفي سنة 675 قدم أمراء الروم وفودا على الملك الظاهر وهم بيجار الرومي وولده بهادر وأحمد بن بهادر وغيرهم، فاجتمع بهم الملك الظاهر بحلب وأكرمهم وعاد إلى مصر. وفي يوم الخميس العشرين من رمضان وصل الملك الظاهر لحلب وسار منها إلى النهر الأزرق ثم إلى أبلستين والتقى بجمع من التتر فانهزموا وقتل مقدمهم وغالب كبرائهم، وأسر منهم جماعة كثيرة من أمرائهم ومن جملتهم سيف الدين قلجق وسيف الدين أرسلان. ثم سار الملك الظاهر إلى قيسارية واستولى عليها وخطب له في منابرها ثم رحل عنها وحصل للعسكر شدة عظيمة من نفاذ «1» القوت والعلف حتى وصلوا إلى العمق، فأقاموا شهرا ورحلوا إلى دمشق. وفي سنة 678 عزل عن نيابة دمشق أيدمر أقوش الشمسي وولي نيابة السلطنة بحلب. وفي سنة 679 توفي أيدمر أقوش الشمسي نائب السلطنة بحلب، وولي مكانه علم الدين سنجر الباشغردي. عود التتر إلى حلب: وفي يوم الجمعة حادي عشر جمادى الآخرة من هذه السنة وصل من عساكر التتر طائفة عظيمة إلى حلب، وقتلوا من كان بها ظاهرا وسبوا وأحرقوا الجوامع المعتبرة ودار السلطان ودور الأمراء الكبار وأبدوا فسادا كبيرا. وكان أكثر من تخلف بحلب قد استتر في المغاير وغيرها. وأقاموا بحلب يومين على هذه الصورة. وفي يوم الثلاثاء ثالث وعشرين منه رحلوا عن حلب إلى بلادهم، وكان السلطان الملك المنصور سار إليهم من مصر ووصل إلى غزّة فلما سمع برجوعهم عاد إلى مصر. وفي سنة 681 ولّى السلطان مملوكه شمس الجزء: 3 ¦ الصفحة: 139 الدين قراسنقر نيابة حلب، فسار إليها واستقر بها. وفي سنة 682 كاتب الحكام بقلعة الكحنا قراسنقر نائب حلب وسلموها لعسكره وصارت من أعظم الثغور الإسلامية. وفي سنة 688 جمع تنقرا نائب التتر بملطية جمعا كثيرا وأغار على بلد كركور فجهز إليهم قراسنقر نائب حلب عسكرا وأمراء إلى بلاد الروم فوصلوا قلعة قراسار- وهي من أحصن القلاع- فحاولوها فيسّر الله فتحها عليهم، وأخذ النائب بها غرس الدين أسيرا وهو من أعيان أمراء المغل. ثم قصد العسكر قلعة زمطر ففتحوها عنوة وقتلوا من فيها من المقاتلة. ومن العجائب أن من سلم من هذه الوقعة من أعيان المغل وهرب التجأ إلى ملطية فنزلوا بدار كبيرة فسقطت عليهم فماتوا تحت الردم. وفي سنة 690 كملت عمارة القلعة وكان قد شرع قراسنقر بعمارتها في أيام السلطان الملك المنصور فتمت في أيام الملك الأشرف فكتب اسمه عليها، وكان خربها هولاكو سنة 658 فلبثت خرابا نحو ثلاث وثلاثين سنة. انقراض دولة الصليبيين من سوريا وفلسطين: وفي هذه السنة أعني سنة 690 فتح الملك الأشرف صلاح الدين خليل بن الملك المنصور قلاوون مدينة عكا وأخذها من الصليبيين. وغنم منها ما لا يكاد يحصى. وقد ضعف أمر الصليبيين الذين هم بساحل سوريا فأخلوا صيدا وبيروت وصور وغيرها مما كان باقيا في أيديهم. وبذلك انتهت دولتهم من سوريا وسواحلها بعد أن كادوا يستولون على مصر. وصول الملك الأشرف إلى حلب وفتحه قلعة الروم: وفي سنة 691 وصل إلى حلب الملك الأشرف صاحب مصر ومعه جيش كبير من العساكر قاصدا فتح قلعة الروم من الأرمن. فسار إليها ونازلها ونصب عليها المجانيق ودام الحصار عليها حتى فتحت بالسيف يوم السبت حادي عشر رجب، وقتل من أهلها وسبى من ذراريها عدة كثيرة، واعتصم كتاغيكوس خليفة الأرمن فيها وغيره في القلعة، ثم طلبوا الأمان فأمنهم على أرواحهم خاصة وأن يكونوا أسرى عن آخرهم، ورتب السلطان علم الدين سنجر لتحصينها وإصلاحها وعاد إلى دمشق. وفي مرور السلطان من حلب عزل نائبها قراسنقر المنصوري وولّى مكانه سيف الدين بلبان المعروف بالطباخ، وكان نائب الفتوحات ومقامه بحصن الأكراد، فولّى مكانه عز الدين أيبك الخزندار المنصوري. وفي الجزء: 3 ¦ الصفحة: 140 سنة 692 كتب الملك الأشرف لبعض عسكره بحمص، وإلى صاحب حماة وإلى عمه الملك الأفضل، بالمسير إلى حلب والمقام بها إرهابا للتتر. فساروا جميعا ودخلوا حلب يوم الثلاثاء تاسع وعشرين شعبان الموافق رابع شهر آب. افتتاح بلاد سيس: وفي سنة 697 قدم إلى حلب يكناس بدر الدين الفخري- أمير سلاح الملك الصالح- وتوجه إلى بلاد سيس، وصحبته الأمير علم الدين سنجر الدوادار وصاحب حماة ونائب صفد وعساكر مصر والشام، ومقدّم الجميع يكناس المذكور. فوصلوا إليها في رجب وشنوا عليها الغارات ونادوا في أطرافها بالثارات فأمروا وحكموا وأسروا وغنموا ونازلوا قلاعها وأخلوا من السكان بقاعها ولم يزالوا مقيمين عليها حتى أخذوا حموص وتل حمدون وسعلان والنفير وسودان ومرعش وما هو من جنوبي جيحان، ثم رجعوا إلى حلب فرحين مسرورين فأقاموا بها مدة ثم ساروا إلى أماكنهم. عود التتر إلى حلب وما حدث فيها من سنة 697 إلى 713: وفي سنة 698 قويت الأخبار بتحريك التتر نحو البلاد الشامية وجرد الملك المظفر عسكر حماة إلى حلب حتى وصل إلى المعرة، فبعث إليهم سيف الدين بلبان الطباخ نائب حلب كتابا بتراخي التتر فعادوا، ثم بعث إليهم كتابا آخر يستحثهم على الحضور فساروا إلى حلب ودخلوها في الثالث والعشرين من رمضان. ولما قويت هذه الأخبار استخرج السلطان من غالب الأغنياء بمصر والشام ثلث أموالهم لاستخدام المقاتلة. وفي سنة 699 سار قازان بن أرغون بجموع عظيمة من المغل والكرج والمزندة وغيرهم وعبروا الفرات، ووصل بجموعه إلى حلب ثم إلى حماة ثم سار ونزل على وادي مجمع المروج، وسارت إليه عساكر السلطان الملك الناصر واشتبك القتال بين الفريقين، وتمت الهزيمة على المسلمين، واحتوى التتر على أثقالهم وتبعوا العساكر إلى غزة واستولوا على عدة بلاد أعظمها دمشق، واستمروا فيها إلى أن سمعوا برجوع عسكر مصر إليهم ففارقوها وساروا إلى الشرق. وفيها دخل قراسنقر إلى حلب نائبا بها عن السلطان. وفي سنة 700 عاد التتر إلى الشام وخلت بلاد حلب وسار قراسنقر بعسكر حلب الجزء: 3 ¦ الصفحة: 141 إلى حماة وأقام التتر ببلاد سرمين وتيزين والعمق وغيرها، ينهبون ويقتلون. وسارت إليهم العساكر، وصادف في هذه المدة تدارك الأمطار وكثرة الوحول بحيث عجز عسكر المسلمين عن الإقامة في تلك المحالّ لتعذر وصول القوت إليهم فرجع إلى مصر كما أتى، ودام التتر على إفسادهم في بلاد حلب نحو ثلاثة أشهر ثم ارتدوا على أعقابهم دون سبب يعلم. ورجع عسكر حلب مع قراسنقر إلى حلب وتراجعت الجفّال إلى أماكنهم. وفيها ألزم السلطان الملك الناصر محمد أهل الذمة أن يلبسوا الغيار، فلبس اليهود عمائم صفرا، والنصارى زرقا، والسامرة حمرا، بعد أن اجتهدوا في دفع ذلك ببذل الأموال لأرباب الدولة فما أفادهم. وفي سنة 703 سارت عساكر مصر وحماة إلى حلب وانضم إليهم عسكرها، وقصدوا بلاد سيس وحاصروا تل حمدان وفتحوها بالأمان من أيدي الأرمن وهدموها إلى الأرض. وفي سنة 705 في أوائل المحرّم المصادف عشرين من تموز أرسل قراسنقر نائب حلب مملوكه قشتمر إلى بلاد سيس، وكان المملوك المذكور أخرق سكّيرا، ففرّط في حفظ العسكر ولم يطالع العدو، فجمع صاحب سيس جموعا كثيرة من التتر والأرمن والفرنج وكبسوا قشتمر ومن معه، فولى الحلبيون منهزمين وتمكن التتر والأرمن منهم وأفنوا غالبهم. ومن سلم منهم اختفى في تلك الجبال، ولم يصل منهم إلى حلب إلا قليل حفاة عراة. وفي سنة 710 ولي نيابة حلب سيف الدين قبجق عوضا عن قراسنقر، فلم تطل مدته بها ومات قبل انتهاء السنة وولى مكانه أسندمر، وولي نيابة السلطنة بالفتوحات بحلب جمال الدين أقوش الأفرم. ثم إن أسندمر المذكور استقر بحلب وصدر السلطان متوغر عليه لجرائم سبقت منه، فلم يشعر إلا ووصل إليه جمّ غفير من العساكر المصرية وعساكر حماة وحمص فقبضوا عليه وجهزوه إلى مصر مقيدا وضبط ماله إلى بيت المال، وكان ذلك في اليوم الحادي عشر ذي الحجة. وفي سنة 791 لما قبض على أسندمر سأل قراسنقر نائب دمشق من السلطان أن يعيده إلى نيابة حلب لتعوّده عليها، فرسم له بما طلب وحضر قراسنقر إلى حلب واستقر بها إلى أوائل شوال، واستأذن للحجاز فأذن له فخرج من حلب وأضمر في نفسه العصيان، واجتمع بأمير العرب مهنّا بن عيسى واتفقا على المشاققة. فبلغ السلطان ذلك فسيّر إلى الجزء: 3 ¦ الصفحة: 142 قراسنقر ومهنا يطيّب خاطرهما، فلم يرجعا عن إصرارهما. فجرد إليهما عسكرا فخاما عن لقائه إلى جهة الفرات، وبقي العسكر بحلب والحاكم عليها المشدّون والنّظّار «1» وليس لها نائب. وفي سنة 712 في العشر الأول من ربيع الأول وصل نائب السلطان إلى حلب وهو سيف الدين سودي الجمداري الأشرفي الناصري عوضا عن قراسنقر المذكور، وفيها قويت أخبار التتر وجفل أهل حلب وبلادها. وكان وصل إلى حلب- لمدافعتهم- الملك المؤيد أبو الفداء مع عساكره وعسكر دمشق، ثم وصل التتر إلى بلاد سيس والفرات. فعندها رحل الأمير سيف الدين سودي مع العساكر إلى حماة ودخلها يوم السبت سابع رمضان وأقام بظاهر حماة ونزل بعض العسكر في الخانات. وكان البرد شديدا والجفّال قد ملؤوا البلد، وكان التتر نازلين على الرحبة مجدّين في حصارها. فلما طال حصارهم لها وقع بهم الغلاء ورحلوا عنها في السادس والعشرين رمضان، واستولى أهل الرحبة على آلات حصارهم، وعاد سودي نائب حلب بمن معه من العساكر الحلبية. وفي هذه السنة سعى سيف الدين سودي بجرّ ماء من نهر الساجور إلى نهر حلب، ففتح له مجرى أنفق عليه نحو ثمانمائة ألف درهم، نصفها من ماله والنصف الآخر من بيت المال. وقبل أن يتم العمل قيل له إن من يسعى بجرّ ماء من الساجور إلى قويق يموت بغتة، فترك العمل وذهب ما صرفه سدى. وفي سنة 713 خرجت معرة النعمان من معاملات حماة وأضيفت إلى معاملات حلب. وفي رجب سنة 714 توفي الأمير سيف الدين سودي نائب حلب، وكان مشكور السيرة وولي السلطان مكانه الأمير علاء الدين ألطونبغا الحاجب، فوصل إلى حلب في أوائل شعبان. وقد انتفعت حلب بهذا النائب وعمر جامعه بالميدان الأسود ونقل إليه أعمدة عظيمة من قورس. وعمرت بسبب هذا الجامع أماكن كثيرة وقد سبق الكلام عليه في محلة ألطونبغا في الجزء الثاني. وفي سنة 715 في شعبان سار شطر جيش حلب لحصار قلعة عرقينة- من أعمال آمد- فتسلموها بالأمان بلا كلفة وقتلوا بها طائفة وسلخ أخو مندوه وعلّق على القلعة. وأغار العسكر على قرى الأرمن والأكراد ورجعوا سالمين. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 143 وفي سنة 716 في نيسان ترادفت الأمطار في بلاد حلب وحماة وحمص وحملت السيول وغرقت ضيعة من بلاد حمص، ووقع مع المطر في بعض الجهات برد، الواحدة في حجم النارنجة، وصحبه شيء من السمك والضفادع وطمى السيل على الوهاد، وأغرق ما مر به وخرب كثيرا من الأماكن، وحمل عدة بيوت من العرب والتركمان والأكراد. غزو بلاد سيس وفي سنة 720 قدم على حلب عساكر دمشق وساروا جميعا صحبة ألطونبغا «1» نائب حلب- إلى بلاد سيس، واقتحموا نهر جيحان وكان زائدا، فغرق به بعض العساكر. ثم نازلوا قلعة سيس وزحف العسكر حتى بلغ السور وغنموا منها وأتلفوا البلاد والزروع وساقوا المواشي- وكان شيئا كثيرا- ثم عادوا وقطعوا جيحان، وكان قد انحطّ، ودخلوا حلب وفي أواخر ربيع الآخر وسار كلّ لبلده. وفي سنة 722 قدم إلى حلب عسكر مصر ودمشق والساحل وانضم إليهم عسكر حلب وساروا جميعا صحبة ألطنبغا «2» نائب حلب إلى إياس من بلاد سيس ونازلوها وملكوها بالسيف، وعصت عليهم القلعة أولا ثم هرب منها الأرمن وألقوا فيها النار، وملكها المسلمون وهدموا منها ما أمكنهم. وفي سنة 723 أجدبت الأرض من دمشق إلى حلب وانحبس المطر ولم ينبت إلا القليل، واستسقى الناس فلم يسقوا. وفي سنة 724 رسم السلطان بإبطال المكوس عن سائر أصناف الغلة بالشام فأبطلت وكان شيئا كثيرا. وفي سنة 725 أفتى قاضي القضاة كمال الدين بن محمد بن علي الزملكاني بتحريم الاجتماع بمشهد روحين ودير الزربة وأشباههما ومنع من شدّ الرحال إليها، ونودي بذلك في المملكة الحلبية فإنه كان يشتمل على منكرات وبدع، وعملت في تحريم ذلك المقامة المشهدية. وفي سنة 727 في آخر المحرم طلب ألطنبغا إلى الديار المصرية. ثم في صفر وصل إلى حلب مكانه الأمير سيف الدين أرغون الناصري. وفيها انتزع القاضي ابن الزملكاني كنيسة اليهود المجاورة للعصرونية. وقد تكلمنا على ذلك في ترجمته، وفي الكلام على اليهود في المقدمة. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 144 وفي سنة 731 نهار الأربعاء تاسع صفر، وصل نهر الساجور إلى حلب فزيد به نهر قويق بساقية بناها الأمير أرغون الدوادار، وكان يوم وصوله يوما مشهودا خرج لتلقّيه ملك الأمراء وسائر الناس مشاة مكبرين مهللين، وكان قبله الأمير سودي شرع بإجرائه إلى حلب فقيل له: من جرّه يموت في عامه، فتركه. وقيل مثل ذلك لأرغون فلم يلتفت إلى هذا القول فمات بعد أربعين يوما وذلك في ربيع الأول، وخرجت جنازته مكشوفة عليها كساء خلق من غير ندب ولا نياحة «1» ولا قطع شعر، ولا لبس جلّ، ولا تحويل سرج، طبق ما أوصى به، ودفن بسوق الخيل قبليّ القلعة وعملت له تربة حسنة سقفها السماء «2» . وقبره دارس. وكان متقنا لحفظ القرآن الكريم مثابرا عليه متشرعا في أحكامه كتب بخطه صحيح البخاري- بعد ما سمعه على الشيخ أبي العباس أحمد بن الشحنة الحجّار، وويزة بنت عمر أسعد النجا بمصر في سنة 715 بقراءة الشيخ أبي حيان- واقتنى الكتب النفيسة وكان فيه ديانة رحمه الله. وفي جمادى الأولى سنة 731 عاد الأمير علاء الدين ألطنبغا إلى نيابة حلب وفرح الناس به وأظهروا السرور. وفي سنة 733 في خامس [عشر] «3» شعبان وصل حلب شادّا «4» : الأمير بدر الدين لؤلؤ القندشي وعلى يده تذاكر وصادر المباشرين وغيرهم ومنهم النقيب بدر الدين محمد بن زهرة الحسيني، والقاضي جمال الدين بن ريان ناظر الجيش، وناصر الدين محمد بن قرناص عامل الجيش، وعمه المحبّي عامل المحلولات، وعدة ذوات من الحلبيين، واشتد به الخطب وانزعج الناس كلهم [حتى] البريئون، وقنت «5» الناس في الصلاة يدعون عليه وقال ابن الوردي فيه: قلبي لعمر الله معلول ... بما جرى للناس مع لولو يا ربّ قد شرّد عنّا الكرى ... سيف على العالم مسلول وما لهذا السيف من مغمد ... سواك يا من لطفه سول الجزء: 3 ¦ الصفحة: 145 لولو، هذا: كان مملوكا لقندش ضامن المكوس في حلب، ثم صار ضامن العداد، ثم صار منه ما صار وعزل ونقل إلى مصر، ففعل بها أعظم ما فعله بحلب، وعاقب حتى المخدّرات «1» . وفي سنة 735 في شوال عاد عسكر حلب ونائبها من غزاة بلد سيس وقد خربوا بلد أدنة وطرسوس وأحرقوا الزرع واستاقوا المواشي، وأتوا بمائتين وأربعين أسيرا وما عدم منهم سوى شخص واحد غرق في النهر وكانوا عشرة آلاف سوى من تبعهم. فلما علم أهل إياس بذلك أحاطوا بمن عندهم من المسلمين التجار البغاددة وغيرهم نحو ألف نسمة، وحبسوهم في خان وأحرقوهم، وقليل من نجا منهم، وذلك في يوم عيد الفطر، واحترق في حماة مائتان وخمسون حانوتا، واحترقت أنطاكية إلا القليل منها. وفي سنة 736 وصل الأمير سيف الدين أبو بكر الباشري إلى حلب وصحب معه منها الرجال والصنّاع لعمارة قلعة جعبر، وكانت خربة من زمن هولاكو، وهي من أمنع القلاع. وقد لحق المملكة الحلبية وغيرها- بسبب عمارتها ونفوذ ماء الفرات إلى أسفل منها- كلفة كثيرة. وفي صفر طلب من البلاد الحلبية رجال للعمل بنهر قلعة جعبر ورسم أن يؤخذ من كل قرية نصف أهلها فخلت عدة ضياع بسبب ذلك. ثم طلب من أسواق حلب رجال استخرجت أموالهم، وتوجه نائب حلب إلى القلعة المذكورة مع قريب من عشرين ألف رجل. وفي سنة 737 توفي الأمير الشاب الحسن جمال الدين خضر ابن ملك الأمراء علاء الدين ألطنبغا نائب حلب، ودفن بتربة حسنة بالمقام عملها له والده عند جامع المقام خارج حلب. وفي رمضان قدم إلى حلب أمراء من مصر ودمشق وطرابلس وحماة ومعهم عسكرهم والمقدّم على الكل ألطنبغا نائب حلب، ورحلوا إلى بلاد الأرمن وحاصروا ميناء إياس ثلاثة أيام. ثم قدم رسول الأرمن من دمشق بكتاب نائبها يتضمن طلب الكف عنهم على أن يسلموا البلاد والقلاع التي في شرقي نهر جيحان. فتسلموا منهم ذلك وهو ملك كبير وبلاد كثيرة: كالمصيصة وكوبرا والهارونية، وسرفند كار، وإياس ونجيمة والنقير، فخرب المسلمون برج إياس الذي في البحر واستنابوا في البلاد وعادوا منها في ذي الحجة. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 146 وفيها ورد الأمر بالسماح في جميع مراكز المملكة عما يؤخذ على الأغنام الدغالي» الداخلة إلى حلب، وأن يقتصر بأخذ الرسم على الأغنام الكبار، وفيها وقف صلاح الدين يوسف ابن الأسعد الدواتدار «2» داره النفيسة بحلب- المعروفة أولا بدار ابن العديم- مدرسة على المذاهب الأربعة، وشرط تدريسها على القاضي الشافعي والقاضي الحنفي. وفي سنة 738 في صفر توفي بدر الدين بن محمد بن إبراهيم بن الدقاق الدمشقي ناظر الأوقاف بحلب. وفي أيام نظره فتح الباب المسدود الذي بالأموي شرقيّ المحراب الكبير، لأنه سمع أنّ بمكانه رأس زكريا عليه السلام فارتاب في ذلك، فأقدم على فتح الباب بعد أن نهي عنه، فوجد بابا عليه تأزير رخام أبيض، ووجد فيه تابوت رخام أبيض فوقه رخامة بيضاء مربعة. فرفعت الرخامة عن التابوت فإذا فيها بعض جمجمة فهرب الحاضرون هيبة لها وردّ التابوت بغطائه إلى موضعه وسد عليه الباب، ووضعت خزانة المصحف الشريف على الباب وقد أثرت هذه الهيبة بالناظر المذكور وابتلي بالصرع إلى أن عض على لسانه فقطع ومات. وفي العشر الأوسط من ربيع الآخر عزل ملك الأمراء علاء الدين ألطنبغا عن نيابة حلب. وفي العشر الأول من جمادى الأولى قدم إلى حلب الأمير سيف الدين طرغاي نائبا بها. وفي سنة 739 نادى مناد في جامع حلب وأسواقها- وقدامّه شادّ الوقف «3» بدر الدين تيليك الأسند من أمراء العشرات- بما صورته: «معاشر الفقهاء والمدرسين والمؤذنين وأرباب الوظائف الدينية، قد برز المرسوم العالي أن كل من قطع منكم وظيفته وغمز عليه، يستأهل ما يجري عليه» . فانكسرت لذلك قلوب الناس لأن هذا النداء يدل على بغض أهل العلم والدين. ثم نكب بدر الدين لكلمة صدرت منه وعقد له بدار العدل يوم العيد مجلس مشهور، وأفتى العلماء بتجديد إسلامه وعزله وضربه، فشمت به الناس. وفي سنة 741 عزل طرغاي عن حلب وكان- على طمعه- يصلي ويتلو كثيرا. وفيها وصل إلى حلب نائبا عليها طشتمر سيف الدين الناصري المعروف بحاجي خضر. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 147 وفيها وصل إلى حلب فيل وزرافة جهزهما الملك الناصر لصاحب ماردين. وفي سنة 742 نهب ألطنبغا مال طشتمر حاجي خضر نائب حلب لأنه لم يوافقه على رأيه في خلع السلطان، وهرب طشتمر المذكور إلى الروم وفيها عوقب بحلب لولو القندشي المكّاس المتقدم ذكره، وعذب بدار العدل حتى مات واستصفي وشمت به الناس. وفي ذي الحجة وصل الأمير علاء الدين أيدغش الناصري إلى حلب نائبا في حشمة عظيمة، وخلع على كثير من الناس وأقام إلى صفر ثم نقل إلى نيابة دمشق وتأسف الحلبيون عليه. وفي هذه السنة وهي سنة 742 توفي أحد أمراء حلب، بدر الدين محمد بن الحاج أبي بكر، ودفن بجامعه الكائن قرب جسر الدباغة المعروف بمسجد أولاد أبي بكر. وقد أسلفنا الكلام عليه عند ذكر محلة حسر السلاحف من الجزء الثاني. وفي هذه السنة ولي حلب الأمير سيف الدين طقزتمر الحموي، ودخلها في عاشر صفر سنة 743 وفي رجب هذه السنة نقل طقزتمر إلى نيابة دمشق وولي مكانه حلب الأمير علاء الدين ألطنبغا المارداني. وفيها وصل علاء الدين القرع إلى حلب قاضيا للشافعية. وأول درس ألقاه بالمدرسة قال فيه: «كتاب الطهارة باب الميّات» «1» ، بإبدال الهاء تاء، قال ابن الوردي: فقلت للحاضرين: لو كان باب الميّات لما وصل «القرع» إليه ولكنه باب الألوف. ثم قال القاضي: قال الله تعالى: وجعلها كلمة باقية في عنقه، مكان «عقبه» ، فقال ابن الوردي: لا والله ولكنها في عنق من ولّاه. فاشتهر عن ابن الوردي هاتان التنديدتان في الآفاق. وفيها توفي بحلب الشيخ كمال الدين المهمازي وكان مقبولا عند الملك الناصر ووقف عليه حمّام السلطان، وسلم إليه تربة ابن قره سنقر، وبه سميت هذه التربة. وفيها اعتقل القرع بقلعة حلب معزولا، ثم فك عنه الترسيم وسافر إلى القاهرة. وفيها توفي بحلب الحاج معتوق الدبيسري، وهو الذي عمر الجامع بطرف بانقوسا ودفن بتربة بجانب الجامع. وفي سنة 744 في صفر توفي الأمير علاء الدين ألطنبغا المارداني نائب حلب ودفن خارج باب المقام. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 148 تمزيق كتاب فصوص الحكم قال ابن الوردي: وفيها مزّقنا كتاب «فصوص الحكم» بالمدرسة العصرونية بحلب عقيب الدرس وغسلناه- وهو من تصانيف ابن عربي- تنبيها على تحريم قنيته ومطالعته. وفي ربيع الأول وصل الأمير سيف الدين يلبغا اليحياوي نائبا إلى حلب وكان حسن السيرة، وفيها حاصر يلبغا نائب حلب زين الدين قراجا بن دلغادر التركماني بجبل الدلدل- وهذا الجبل ممتنع، موقعه في جانب جيحان- فلم ينل منه يلبغا طائلا بل قتل كثير من عسكره وأسر. واشتهر اسم زين الدين وعظم على الناس شرّه. وكانت هذه الحركة من يلبغا في غير محلها. وفيها كانت الزلزلة العظيمة المزعجة العميمة، أخربت كثيرا من الأماكن ودخلت إلى مصر والشام، وتواتر بعدها الزلزال مدة فسكن الناس في الصحاري، وتشعّث في جامع حلب بعض الجهات وانفتحت منارته ثم التأمت، وتهدم كثير من القلاع والحصون، ومات تحت الردم خلق كثير وكاد الخراب يعم مدينة منبج. وفيها يقول ابن الوردي: منبج أهلها حكوا دود قزّ ... عندهم تجعل البيوت قبورا ربّ نعّمهم فقد ألفوا من ... شجر التوت جنة وحريرا وقال أبو محمد الحسن بن حبيب الحلبي، فيمن خرج إلى برّ حلب خوفا من الزلزلة: يا فرقة فرقوا وعن حلب نأوا ... وتباعدوا لما رأوا زلزالها ما زلزلت شهباؤنا وتحرّكت ... إلا لتخرج عامدا أثقالها وفي سنة 746 في ربيع الآخر نقل يلبغا نائب حلب إلى نيابة دمشق، وخلفه الأمير سيف الدين أرقطاي، فأبطل الخمور والفجور بعد اشتهارها، ورفع عن القرى الطّرح وكثيرا من المظالم، ورخّص السعر، وسرّ به الحلبيون. وفيها كتب على باب القلعة وغيرها من القلاع نقرا «1» في الحجر ما مضمونه مسامحة الجند بما كانوا يدفعونه لبيت المال بعد وفاة الجندي والأمير، وذلك علوفة أحد عشر يوما عن كل سنة أمضاها المتوفّى في الجندية، وهذا القدر هو التفاوت بين السنة الشمسية والقمرية. وهذه مسامحة بمال عظيم. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 149 وفي محرم سنة 747 طلب أرقطاي نائب حلب إلى مصر فسار إليها. وفي ربيع الأول وصل إلى حلب الأمير سيف الدين طقتمر الأحمدي نائبا عليها. ثم في رجب منها سافر إلى مصر لوحشة بينه وبين نائب دمشق لأنه لم يساعده على خلع السلطان الكامل صاحب مصر والشام. ثم في شعبان منها وصل إلى حلب نائبا عليها الأمير سيف الدين بيدمر البدري وكان عنده حدّة وقسوة: كرهت فتاة زوجها قبل أن يدخل عليها، فلقّنت كلمة الكفر لفسخ نكاحها، وهي لا تعلم معناها. فأمر بيدمر فقطعت أذناها وشعرها وعلّق ذلك على عنقها وشق أنفها وطيف بها على دابة بحلب وتيزين، وهي من أجمل البنات وأحياهن، فشق ذلك على الناس وعمل النساء عليها عزاء في كل ناحية حتى النساء اليهود وأنكرت القلوب قبح ذلك. قال ابن الوردي: وضجّ الناس من بدر منير ... يطوف مشرّعا بين الرجال ذكرت، ولا سواء، بها السبايا ... وقد طافوا بهن على الجمال وفي محرّم سنة 748 وصل إلى حلب شهاب الدين بن أحمد بن الرياحي على قضاء المالكية بحلب، وهو أول مالكي استقضى بحلب. وفيها ظهر بين منبج والباب جراد عظيم صغير من بزر السنة الماضية، فخرج عسكر من حلب وخلق كثير من فلاحي النواحي الحلبية- نحو أربعة آلاف نفس- لقتله ودفنه، وقامت عندهم أسواق وصرفت من الرعية أموال. وهذه سنة ابتدأ بها ألطنبغا الحاجب من قبلهم. وفي المحرّم سافر الأمير ناصر الدين المحبّي من حلب بعسكر لتسكين فتنة ببلد شيزر بين العرب والأكراد، قتل فيها من الأكراد نحو خمسمائة نفس ونهبت أموال ودوابّ. وفيها ثار الأرمن في «إياس» فنكّل بهم أمير إياس حسام الدين الشيباني وأرسل من رؤوسهم إلى حلب. وفي منتصف ربيع الأول سافر البدري نائب حلب إلى مصر معزولا. أنكروا عليه فعله في البنت المتقدم ذكرها وندم على ما فعل. وفيه وصل إلى حلب نائبا أرغون شاه الناصري في حشمة عظيمة. وفي ربيع الآخر قدم على كركر ولختا عصافير كالجراد المنتشر فسار الناس إلى شيل غلّات البذر وهذا ممّا «1» لم يسمع بمثله. وفيه وصل تقليد القاضي شرف الدين موسى بن فياض الحنبلي بقضاء الحنابلة بحلب، فصار القضاة أربعة. ولما بلغ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 150 بعض الظرفاء أن حلب تجدد بها قاضيان مالكي وحنبلي، أنشد قول الحريري في الملحة «1» : ثم كلا النوعين جاء فضله ... منكّرا بعد تمام الجمله وفي جمادى الآخرة نقل أرغون شاه نائب حلب إلى نيابة دمشق، وهو في غاية السطوة، مقدم على سفك الدماء بلا تثبّت، قتل في هذه المدة اليسيرة خلقا كثيرا ووسّط وسمّر «2» ، وقطع بدويا سبع قطع بمجرد الظن، وغضب على فرس له ثمينة «3» ، مرح بالعلافة فضربه حتى سقط، ثم قام فضربه حتى سقط. وهكذا عدة مرات حتى عجز عن القيام. فبكى الحاضرون على هذا الفرس فقيل فيه: عقلت طرفك حتى ... أظهرت للناس عقلك «4» لا كان دهر يولّي ... على بني الناس مثلك وفي أواخر هذه السنة أعني 748 وصل إلى حلب نائبا فخر الدين إياز، نقل إليها من صفد، ثم في شوال منها إلى مصر معتقلا. وفي ذي الحجة وصل إلى حلب مكانه سيف الدين الحاج أرقطاي الناصري، ولما دخل إلى حلب أعفى الناس من زينة الأسواق لأنها تكررت حتى سمجت. وفي شوال وصل إلى حلب- من قبل السلطان- أسود ليأخذ على كل رأس غنم تباع بحلب وحماة ودمشق درهما. فيوم وصوله إلى حلب وصل خبر قتل مرسله السلطان، فسرّ الناس بذلك. وفيها كان الغلاء بحلب وحماة ودمشق. وحلب أخفّ غلاء من غيرها، وأشدّه بدمشق، حتى انكشف الحال وجلا كثير من أهلها إلى حلب وغيرها، وصلت فيها غرارة الحبّ إلى ثلاثمائة درهم، وبيع البيض كل خمس بدرهم، واللحم: الرطل بخمسة دراهم وأكثر، والزيت: الرطل بستة أو سبعة. وفي العشر الأوسط من آذار في الجزء: 3 ¦ الصفحة: 151 هذه السنة وقع بحلب وبلادها ثلج عظيم وتكرر، فأغاث الله به البلاد واطمأنّت قلوب العباد، وجاء عقيب غلاء الأسعار وقلة الأمطار. وفيها توفي الحاج إسماعيل بن عبد الرحمن العزازي، كان له منزلة عند ألطنبغا الحاجب نائب حلب، وبنى بعزاز مدرسة وساق إليها القناة الحلوة وانتفع الجامع وكثير من المساجد بهذه القناة. وله آثار غير ذلك. وفي سنة 749 أسقط القاضي المالكي الرياحي بحلب تسعة من الشهود ضربة واحدة فاستهجن منه ذلك، وأعيدوا إلى عدالتهم ووظائفهم. وفيها قتل بحلب زنديقان أعجميان كانا مقيمين بدلوك. وفي ذي القعدة ظهر بمنبج- على قبر النبي متّى، وقبر حنظلة بن خويلد، أخي خديجة رضي الله عنها (وهذان القبران بمشهد النور خارج منبج) وعلى قبر الشيخ عقيل المنبجي، وعلى قبر الشيخ ينبوب، وهما داخل منبج، وعلى قبر الشيخ علي، وعلى مشهد المسيحات شمالي منبج- أنوار عظيمة، وصارت الأنوار تنتقل من قبر بعضهم إلى قبر بعض وتجتمع وتتراكم، ودام ذلك إلى ربع الليل حتى انتبه لذلك أهل منبج وكتب قاضيهم بذلك محضرا وجهزه إلى دار العدل بحلب. طاعون كبير وفيها كان الفناء العظيم والطاعون العميم الذي جاز البلاد والأمصار ولم يسمع به في سالف الأعصار وأخلى الديار والبيوت وأوقع الناس في علة السكوت. وكان إذا طعن به إنسان لا يعيش أكثر من ساعة رملية، وإذا عاين ذلك ودّع أصحابه وأغلق حانوته وحضّر قبره ومضى إلى بيته ومات. وقد بلغت عدّة الموتى في حلب في اليوم الواحد نحو خمسمائة، وبدمشق إلى أكثر من ألف، ومات بالديار المصرية في يوم واحد نحو العشرين ألفا. هكذا ورد الخبر واستمر نحو سنة وفني به من العالم نحو ثلثيهم. وفيه يقول ابن الوردي: سألت بارىء النّسم «1» ... في رفع «2» طاعون صدم فمن أحسّ بلع دم ... فقد أحسّ بالعدم الجزء: 3 ¦ الصفحة: 152 وقد كثرت فيه أرزاق الجنائزية، فهم يلهون ويلعبون ويتقاعدون على الزبون، ولو رأيت بحلب الأعيان وهم يطالعون من كتب الطب الغوامض، ويكثرون في علاجه من أكل النواشف والحوامض، ويستعملون الطين الأرمني وقد بخّروا بيوتهم بالعنبر والكافور والصندل، وتختموا بالياقوت وجعلوا الخل والبصل من جملة الأدم والقوت. قيل: إن هذا الوباء ابتدأ من الظلمات قبل وصوله إلى حلب بخمسة عشر عاما، وهو سادس طاعون وقع في الإسلام، وعنه قيل: إنه الموتان الذي أنذر به عليه السلام. وفي سنة 750 نقل الحاج أرقطاي الناصري إلى نيابة دمشق فخرج إليها فمات بعين المباركة وحمل إلى حلب ودفن بتربة سودي. وولي حلب قطليجا الحموي فمات بعد شهر من ولايته، فوليها بعده الأمير أرغون الكاملي. وفي سنة 751 كثر طغيان العرب والتركمان في بلد سنجار وتمادى بغيهم وفسادهم ونهبوا أموال التجار وقطعوا الطريق فركب إليهم الناصري نائب حماة مع العساكر الشامية وجدّ في حصارهم بقلعة سنجار حيث تحصنوا بها وضيّق عليهم إلى أن نفذ «1» زادهم وطلبوا الأمان فأمنوهم وأنزلوهم وانقطع فسادهم، وزيّنت حلب يوم قدوم الناصري منصورا عليهم مظفرا بهم. وفي سنة 752 ولي نيابة حلب الأمير سيف الدين بيبغاروس القاسمي. وفي سنة 753 أظهر بيبغاروس العصيان وانضم إلى نائب صفد وحماة وطرابلس والأمير زين الدين قراجا بن دالغادر، وساروا إلى دمشق وحصروها إلى أن مشى عليهم الملك الصالح فساروا عنها إلى حلب. وفي هذه السنة ولي نيابة حلب ثانية سيف الدين أرغون الكاملي. وفيها في سلخ شعبان ورد على حلب نائب صفد وحماة وطرابلس- ومعهم عدة عربان وتركمان- وكانت خالية من العسكر والنوّاب، وذلك قبل أن يصل إليها نائبها أرغون الكاملي المذكور. وكان عسكر حلب في تجريدة «2» فنزل النواب المذكورون بظاهر حلب من جهة القلة وعسكرهم قد أحاطوا بهم. ثم زحفوا على المدينة فقتلوا جماعة من المسلمين وأشرفوا على فتح حلب ثم انصرفوا عنها وكانت عاقبة نائبي صفد وحماة القتل في دمشق، وعاقبة بيبغاروس القتل تحت قلعة حلب صبرا. وفيها ظهر شخص بحلب يعرف الجزء: 3 ¦ الصفحة: 153 بوضاح الخياط وادعى النبوة وذكر أنه قيل له: يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعا. فسجن واستتيب. وفي سنة 754 توجه أرغون الكاملي نائب حلب مع العساكر الحلبية إلى مدينة البستان في طلب الأمير قراجا بن دلغادر مقدم التركمان، ليقبض عليه بسبب اتفاقه مع بيبغاروس، فلما وصلوا إليها وجدوها مقفرة خالية وقد انهزم قراجا المذكور، فجاسوا خلال الديار وهدموا الحصون والأسوار. وفي ذلك يقول ابن حبيب الحلبي مخاطبا لأرغون: نازلت «أبلستين» يا ليث الشّرى ... ونزيلك التوفيق والتمكين أقوت معالمها وأقفر أهلها ... وكذا ديار الظالمين تكون ثم سار النائب المذكور يتتبع آثار المنهزمين حتى أدرك قراجا المذكور بأطراف الروم وقد التجأ إلى صاحبها، فأمسكه وجهزه إلى السلطان بمصر فقتله. وعاد أرغون إلى حلب. وفي سنة 755 ولي نيابة حلب الأمير سيف الدين طاز الناصري فاعتقل بعد ثلاث سنين. وفي سنة 758 مات أرغون الكاملي بالقدس الشريف، وهو صاحب المارستان بحلب داخل باب قنسرين، وقد وقف عليه قرية بنّش من الغربيات. وقد سبق الكلام عليه عند ذكر محلة باب قنسرين في الجزء الثاني. وفي سنة 759 ولي نيابة حلب سيف الدين منجك الناصري. ثم في هذه السنة وليها الأمير علاء الدين المارديني. وفي سنة 760 اجتمع أولاد مهنّا ومن تبعهم من العرب، وانضم إليهم جمع من بني كلاب، وغزوا التركمان في العمق ونهبوا منهم ما يزيد على عشرين ألف بعير. وتواترت الحروب بينهم وانقطع الطريق واضطرب الناس. وفيها ولي نيابة حلب الأمير سيف الدين بكتمر المؤمني، ثم وليها الأمير سيف الدين بيدمر الخوارزمي. غزو بلاد سيس وفي سنة 761 توجه النائب المذكور صحبة العساكر الحلبية لغزو بلاد سيس فوصلوا إليها ونازلوا أكثر مدنها وأسروا وغنموا. ثم أتوا إلى طرسوس المدفون بها عبد الله المأمون ابن هارون الرشيد ففتحوها من أيدي الأرمن ومهدوها وأصلحوا جوامعها وأخذوا ما وجدوا من الخيول والأسلحة. ثم دنوا من المصيصة- وهي بلدة قديمة يجري بوسطها الجزء: 3 ¦ الصفحة: 154 نهر جيحان- فاستولوا عليها، ثم فتحوا عدة قلاع في تلك البقاع، ثم عادوا إلى حلب سالمين. وفي هذه السنة ولي حلب الأمير شهاب الدين أحمد بن القشتمري. وفي سنة 762 وليها سيف الدين قطلوبغا الأحمدي. وفي سنة 763 وليها سيف الدين منكلي بغا الشمسي. وفي هذه السنة ولي قضاء المالكية بحلب أحمد بن عبد الظاهر الدّميري عوضا عن القاضي شهاب الدين الرياحي، وبقي إلى أن توفي سنة 769 وفي سنة 764 وليها ثانية قطلوبغا الأحمدي المذكور فمات بها بعد ثلاثة أشهر. وفي سنة 765 وليها الأمير سيف الدين أشقتمر المارديني. إبطال وكلاء الدعاوي وفيها أمر السلطان الملك الأشرف بإبطال الوكلاء المتصرفين بأبواب مصر والشام لأنهم يتغلبون على الخصوم ويؤذونهم بما هو من كتب صناعتهم، ويقبلون على إبطال الحقوق بقواعد معلومة بينهم، ويلجئون موكليهم إلى الإنكار فقوبل المرسوم الشريف بالطاعة وبطل ما كانوا يعملون. وفي سنة 766 ولي حلب سيف الدين جرجى. وفي سنة 767 توجه المذكور ومعه العساكر إلى جزيرة من ديار بكر لمنازلة صاحبها الأمير خليل بن قراجا دلغادر «1» التركماني، وهي من أخصب الجزائر وأحسنها، وفيها قلعة أحكمها صاحبها. فشرع جرجى في حصارها وتردد إليها مدة أربعة أشهر فلم يظفر منها بطائل. ثم إن صاحبها الجزء: 3 ¦ الصفحة: 155 نزل بالأمان من السلطان وتوجه إلى الديار المصرية فقوبل بالإحسان. وفي هذه السنة وهي سنة 767 توجه الأمير سيف الدين منكلي بغا- وهو أتابك الجيوش بالديار المصرية- وصحبته العساكر الحلبية إلى مدينة إياس حين بلغهم أن الإفرنج قصدوها في مائة قطعة من المراكب وأقبلوا عليها، فلما وصلوا وجدوهم قد برزوا إلى الساحل ودخلوا المدينة وانهزم أهلها ونهبوا الأمتعة والأقوات، فتقدمت العساكر لقتالهم ومحوا أثر من هجم على المدينة. وتواتر قدوم العساكر الإسلامية من القلاع وهرب الإفرنج إلى جهة البحر فأدركوا وقتل منهم جماعة وأخذت خيلهم وسلاحهم وتألم كل الإفرنج بسبب ذلك. واستمرت العساكر في إياس إلى أن يئسوا من عود الإفرنج. ثم رجعوا سالمين غانمين. وفي سنة 768 ولي منكلي بغا نيابة حلب، وفيها تم بناء جامعه ونقش على بابه العبارة التي سبق ذكرها في الكلام عليه، عند ذكر محلة ساحة بزّة. وفي سنة 769 طمى نهر قويق وقلع الغراس وأخرب بيوتا كثيرة على شطه وأهلك عدة مواش، ووصل إلى أماكن لم يصل إليها فيما مضى من الأزمان. وفي سنة 769 ولي حلب علاء الدين طنبغا الطويل الناصري ومات مسموما في آخر هذه السنة، دسّ إليه السمّ السلطان لما بلغه أنه يحاول السلطنة. وفي سنة 770 ولي حلب سيف الدين أسن بغا بن أبي بكر، ونقل إلى مصر بعد ستة أشهر. ووليها مكانه سيف الدين قشتمر المنصوري فقتل في أواخر هذه السنة بوقعة جرت بينه وبين العرب الكلابيين وغيرهم، حيث كثر فسادهم في البر وأخافوا السابلة ونهبوا عدة قبائل واستاقوا مواشيهم، فقصدهم قشتمر المذكور واشتبك الحرب بينهم وانجلى عن قتله وقتل ولده وتشتت شمل العسكر، واستولت العرب على سوادهم وقتلوا منهم جمعا كثيرا ومن سلم عاد إلى حلب بأسوإ حال. وفي سنة 771 ولي حلب سيف الدين أشقتمر المارديني. وفي سنة 772 في جمادى الأولى ظهر في السماء نور ساطع في لون الشفق الأحمر وضحت به مفارق الطرق واستمر من أول الليل إلى قرب الثلث الأخير. وفي سنة 773 ولي حلب عز الدين أيدمر الدوادار الناصري، وفيها رسم الملك الأشرف شعبان أن كل الجزء: 3 ¦ الصفحة: 156 شريف من أشراف الديار المصرية والشامية يسم عمامته بسمة خضراء، توقيرا لهم ورعاية لحرمتهم وحفظا لنسبهم، فقال في ذلك الشيخ أبو عبد الله المغربي، محمد بن جابر الهواري الأندلسي نزيل حلب: جعلوا لأبناء الرسول علامة ... إن العلامة شأن من لهم يشهر نور النبوة في كريم وجوههم ... يغني الشريف عن الطراز الأخضر وقال ابن حبيب: ألا قل لمن يبغي ظهور سيادة ... تملّكها الزّهر الكرام بنو الزّهرا لئن نصبوا للفخر أعلام خضرة ... فكم رفعوا للمجد ألوية حمرا وقال محمد بن إبراهيم الدمشقي: أطراف تيجان أتت من سندس ... خضر كأعلام على الأشراف والأشرف السلطان خصّهم بها ... شرفا لتعرفهم من الأطراف وفي سنة 774 ولي حلب سيف الدين أشقتمر ثانية. وفيها وقع بالشام وبلاده طاعون بلغت فيه عدّة الموتى في اليوم نحو مائتي نفس. وفي سنة 775 ولي حلب سيف الدين بيدمر الخوارزمي، وبعد أربعة أشهر وليها مكانه سيف الدين أشقتمر ثالثة. غزو سيس وفي سنة 776 وردت المراسيم الشريفة السلطانية من قبل الملك الأشرف شعبان إلى نائب حلب أشقتمر بأن يغزو سيس ويستخلصها من يد الأرمن. فتوجه النائب صحبة العساكر الحلبية حتى وصلوا إليها ونازلوها واجتهدوا في حصارها، حتى طلب أهلها الأمان ودخلها المسلمون ورتبوا فيها نائب السلطان، وكان فتحا عظيما طال عهد المسلمين بمثله. ثم رجع النائب المشار إليه إلى حلب ومعه تكفور صاحب سيس وجماعة من أمرائه وأجناده، فجهزهم إلى القاهرة حسب المرسوم السلطاني. وقد عظم هذا النائب بهذا الفتح وامتدحته الشعراء بما يطول شرحه. وفي سنة 777 استمر الغلاء بالشام مبتدئا من سنة 776 ففتك بأهل حلب وأهلك الجزء: 3 ¦ الصفحة: 157 كثيرا من الضعفاء. وقد بيع مكّوك القمح «1» بثلاثمائة درهم، ورطل الخبز بدرهمين. فانكشف الستر وانهتك الحجاب وأقدم الناس على أكل الميتة والقطط والكلاب، وغلت جميع الأقوات والمطعومات، ووصلت إلى سعر لم يسمع بمثله. ولم يبرح الحال على ما ذكر حتى فرّج الله عن المخلوقات في أواخر السنة. وفي سنة 780 ولي حلب سيف الدين منكلي بغا الأحمدي البلدي، وعزل بعد خمسة أشهر وولي مكانه سيف الدين أشقتمر رابعة. وفي سنة 781 ولي حلب سيف الدين تمرباي التمرداشي وعزل في أواخرها. قصد تمرباي سيس لردع التركمان: وفيها توجه تمرباي المذكور صحبة العساكر الحلبية إلى جهة بلاد سيس لردع طائفة من التركمان عاثوا في تلك البلاد وأظهروا فيها الفساد. فلما وصل تمرباي إلى قرب مدينة إياس سمع به التركمان ففزعوا منه وهابوه وراسلوه بالأمان، وعاهدوه بالتوبة عن جميع أفعالهم الشنيعة وأرسلوا إليه جملة من أعيانهم وأمرائهم لعقد العهد، فلم يقبل منهم بل أمر باعتقالهم وركب إلى بيوتهم فسبى نساءهم وأخذ أموالهم وأخرب ديارهم. وعند ذلك تأثر التركمان واستوحشوا، وأعملوا الحيلة والخديعة وكمنوا للعسكر بمضيق هناك يقال له باب الملك على شاطىء البحر، وأوقعوا بهم وكسروهم كسرة شنيعة أتت على أكثرهم وأخذوا جميع ما معهم بعد أن فرقوهم شذر مذر. وكان ما أخذه التركمان من الحلبيين في هذه الوقعة ثلاثين ألف جمل بأحمالها، وثلاثة عشر ألفا من الخيل المسرجة وغير ذلك. قلت: ولاية سيف الدين تمرباي المذكور على حلب ووقوع غزوته المذكورة أخذتهما من درّة الأسلاك في دولة الأتراك لابن حبيب الحلبي، ذكرهما في حوادث سنة 781 وذكرهما ابن الخطيب في حوادث 780 فليحرّر. وفي أواخر سنة 781 ولي حلب سيف الدين منكلي بغا الأحمدي البلدي. وفي سنة 782 توفي منكلي بغا المذكور ودفن بتربة له صغيرة خارج باب المقام. وبعد سنين قليلة نبش ونقل إلى دمشق. وفي سنة 783 ولي حلب سيف الدين إينال اليوسفي. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 158 ردع خليل بن دلغادر: وفيها توجه إينال اليوسفي المذكور بمن معه من النواب والعساكر إلى جهة خليل بن دلغادر وإخوته ومن معهم من التراكمين الذين تجاهروا بالعصيان ببلاد مرعش وما والاها، فوصلوا إليهم وأجلوهم عن ديارهم ونهبوا أموالهم وهزموهم وركبوا آثارهم إلى حدود الممالك العثمانية وأمّنوا السابلة من شرّهم. كل ذلك وبنو الغادر يكاتبون إينال وجماعته ويطلبون منهم الدخول في الطاعة، وإينال لا يلتفت إليهم، حتى ورد له المرسوم السلطاني بالعود إلى وطنه مع جماعته. وفي هذه السنة أيضا ولي حلب سيف الدين يلبغا الناصري عوضا عن إينال اليوسفي. عزل القضاة الأربع: وفي سنة 785 رفع كتاب من عامل حلب إلى القاهرة أن القضاة الأربعة في حلب تخاصموا وتشاتموا، وأرسل الأربعة كتبا تتضمن سب كل واحد منهم للآخر. فقال الملك الظاهر: لا تحلّ تولية الفسّاق. وعزلهم. الحرب مع ابن رمضان: وفي هذه السنة تجاهر بالعصيان أحمد بن رمضان «1» التركماني أمير التركمان بأذنة وإياس وسيس. فتوجه إلى جهته يلبغا الناصري نائب حلب ومعه العساكر الحلبية وفرقة من العساكر الشامية، ومقدّمهم إينال اليوسفي وعسكر طرابلس ونائبها ونائب حماة بعسكرها، ونواب القلعة ومقدّمهم على الجميع يلبغا الناصري. ولما وصلت هذه الجموع إلى بلاد ابن رمضان الجزء: 3 ¦ الصفحة: 159 أنزل الثقل يلبغا الناصري بباب إسكندرون وأبقى عنده الأمير جلبان الحاجب بحلب والأمير شجاع الدين خالد بن كليكلدي نقيب النقباء بحلب، وركب من ساعته بالعساكر جريدة «1» وقت العشاء فأصبح ثاني يوم قبل الظهر بالمصيصة فحشد التركمان واجتمعوا وتقاتلوا على الجسر فانكسر التركمان وتملك العسكر الجسر وأقام به إلى حين أن حضرت الأثقال وحضر مملوك نائب سيس وأخبر بأن سيده الكبير طشبغا أمسك إبراهيم بن رمضان أخا أحمد المذكور وأمه ونائبه. فركب يلبغا الناصري مع عساكره جريدة إلى أذنة ليقرر أمرها، فاجتمع التركمان وحشدوا واستوحشوا لجماعتهم والتقوا مع الناصري في مكان وعر وتقاتلوا فانكسر العسكر وقلعت عين الناصري ووقع عن فرسه فعرفه شخص من التركمان فأخذه وآواه وأحسن إليه. فركبت العساكر الذين كانوا مع الأثقال ومن بقي منهم واجتازوا الجسر وباتوا بالقرب من إياس وأصبحوا عليها. ثم بعد يومين أخبروا أن الناصري حي قادم عليهم، فركبت العساكر وتلقوه وبه جراحات ولم يفقد من العساكر إلا القليل. وفي ساعة حضوره نادى بالركوب فركب العسكر وطردوا التركمان وقتلوا منهم جماعة. ثم انثنى نحو الباب الأسود وباتوا به حتى مضى الليل وحشد التركمان وجمعوا وجاؤوا من نحو الجبل عن يسار العسكر والرجّالة من وراء العسكر، وصار اللّجى من غربيّهم، فاشتبك بينهم القتال وكرّ الناصري بمن معه من العساكر على التركمان كرّة هائلة كسرهم بها وقتل منهم ما ينوف عن سبعمائة رجل. ثم ركب الناصري وعساكره إلى بياس ونزلوا شط البحر واستمر القتال بينهم وبين التركمان ليلا ونهارا. وقد جاء الناصريّ نجدة من الأمير سودون صاحب الحجاب ونائب غيبته، فانكسر التركمان كسرة قبيحة وعولوا على الفرار، ورجع الناصري بمن معه إلى حلب. وفي سنة 787 أمسك الناصري وحبس بالإسكندرية، واستقر عوضه بحلب سودون المظفري وأساء السيرة في أهل حلب. وفي سنة 788 عصى أحمد المعروف بمنطاش بملطية واتفق مع مقدّم تيمورلنك فاستضعف السلطان سودون فعزله وأعاد الناصري إلى حلب. وفي سنة 789 توجه الناصري بعساكره إلى سيواس لإخضاع منطاش وصاحب الجزء: 3 ¦ الصفحة: 160 سيواس ومن معهما من التتر، فكسر الناصري أولا ثم ثبت هو ونحو ألف جندي معه، وكسروا منطاش ومن معه وكانوا نحو عشرين ألفا. وفيها حدث في حلب وأنطاكية زلزلة عظيمة هلك تحت الردم في أنطاكية خلق كثير. عصيان الناصري على السلطان وفي أوائل سنة 791 عصى يلبغا الناصري وخرج عن طاعة السلطان فأرسل السلطان عسكرا لمحاربته، والتقى الجمعان بظاهر دمشق فانهزمت العساكر السلطانية وتبعهم يلبغا بمن معه إلى مصر وانحاز إليه أكثر الأمراء واختفى السلطان وطلب الأمان من يلبغا فأمنه، ثم قبض عليه وأرسله إلى الكرك مقيّدا وأعاد السلطان صالح حاجي كمشبغا الحموي الأمير سيف الدين. قتال بين أهل بانقوسا وكمشبغا وفي شوالها ظهر أحمد بن عمر بن محمد أبي الرضا شهاب الدين، أحد قضاة حلب السابقين في زمن الملك برقوق، وكان مستخفيا بحلب فاتفق مع أهل بانقوسا وبعض الأمراء وركبوا على كمشبغا الحموي نائب حلب، فقاتلهم ثلاثة أيام في البياضة وانتصر عليهم وأمسك القاضي وأخذ ماله وسيره معه إلى دمشق ومات في الطريق، كما سنحكيه في ترجمة القاضي المذكور. وسنة 792 أطلق الأمير كمشبغا نائب حلب الأمير طرنطاي الذي كان نائبا بدمشق، وبكلمس- أحد الأمراء المصريين- وكانا محبوسين بالقلعة من قبل يلبغا الناصري، وبعد أن أطلقهما اتفق على قتال البنقوسيين لأنهم كرهوا فعله هذا ولم يحبوا توليته على حلب لظلم سابق منه. فاستمر القتال بينه وبين البنقوسيين بالبياضة ثلاثة أيام ثم جدّ في قتالهم وقتل منهم جماعة، وبعدها استماتوا في قتاله وحاصروه في القلعة فلم يتمكنوا منه وبقي الحصار أربعة أشهر إلا يومين. ثم تصالحوا أياما قلائل. وجدّ القتال بينهم وظفر بهم وقتل من أعيانهم وجندهم جمعا كثيرا ونهب بانقوسا كما نهبها قبلا في غير هذه المرة. وفيها نزل على حلب منطاش بمن معه من العساكر والعربان في نحو عشرين ألف مقاتل، فجدّوا بالحصار وقطعوا القناة بحلب واجتهدوا في قتال الحلبيين قريبا من عشرين يوما فلم ينجح سعيهم، وذلك لأن الأمير كمشبغا كان بنى بعض أسوار القلعة وأصلحها وعمل الجزء: 3 ¦ الصفحة: 161 لها أبوابا ورمم أسوار حلب وأحكمها وكانت خرابا من زمن مجيء هولاكو بن جنكز خان. قلت: منطاش المذكور أحد الأمراء الذين وافقوا يلبغا الناصري على خلع الملك الظاهر برقوق وإعادة الملك الصالح حاجي، ثم لما تغيرت نية الناصري على الملك الصالح ورجع الملك إلى الظاهر برقوق- كما تقدم- أظهر منطاش مخالفة الناصري لكونه صار من حزب برقوق، وسار إلى البلاد بالخراب والفساد وقصد دمشق وحمص وحماة وحلب وغير ذلك. وفي هذه السنة ولي نيابة حلب من قبل الظاهر برقوق الأمير سيف الدين قراد مرداش الأحمدي. وفي شوال سنة 793 وصل الظاهر برقوق إلى حلب بعد أن مر على دمشق وغيرها. وفي العشر الأخير من ذي القعدة من هذه السنة بلغ السلطان عن يلبغا الناصري أمور رديئة، أوجبت اعتقاله هو وجماعة من أصحابه ومماليكه فقتلهم في قلعة حلب. وفي مستهل ذي الحجة من هذه السنة ولّى السلطان نيابة حلب سيف الدين جلبان رأس نوبة الظاهري، وخرج من حلب عائدا إلى الديار المصرية ونزل على العين المباركة بظاهر حلب ثم سار منها إلى جهة منحاه. القبض على منطاش وقتله: وفي سنة 794 قبض الأمير محمد نعير بن مهنا أمير العرب على منطاش وكان السلطان وعده بنيابة إن قبض عليه، فأحضر منطاش إلى حلب وحبس بقلعتها ثم قتل بها بعد أن عذب وأرسل رأسه إلى مصر. وباء عظيم: وفي سنة 795 حصل بحلب فناء عظيم بلغت فيه الوفيات اليومية خمسمائة نسمة. ثم تناقص في آخر السنة ومات فيه كثير من الأعيان والعلماء، وكان غالبا في الصغار. قدوم السلطان إلى حلب لحرب تيمورلنك: وفي سنة 796 بلغ السلطان الملك الظاهر برقوق أن تيمور تحرك نحو بلاده ووصل إلى الرها. فتوجه السلطان من مصر إلى جهة البلاد الشامية ووصل إلى حلب وأقام بها أربعين يوما ومهد أمور الملك ورجع إلى مقر سلطنته بمصر وصحب معه الأمير جلبان نائب الجزء: 3 ¦ الصفحة: 162 حلب وولى مكانه الأمير سيف الدين تغري بردي صاحب جامع الموازيني الذي تكلمنا عليه في محلة ساحتبزّة في الجزء الثاني. وفي سنة 799 ولي نيابة حلب أرغون شاه، نقل إليها من طرابلس فبقي في حلب مدة قليلة ومات. وفي سنة 800 ولي نيابة حلب الأمير علاء الدين أقبغا الجمالي الهذباني ثم خرج على السلطان. وفي سنة 801 ولّى السلطان الملك الناصر أبو السعادة فرج نيابة حلب الأمير دمرداش المحمدي الخاصكي. أول تحرش العثمانيين بالمملكة المصرية: في هذه السنة 801 استولى السلطان بايزيد يلدم خان على ملطية، وتقدمت طلائع جيوشه إلى البستان للزحف على حلب. فاهتمت حكومة مصر بهذا الأمر وأعدت جيشا لكفاح السلطان با يزيد وقررت أن يؤخذ من الأملاك أجرة شهر تنفق على الجيش. ثم رجع السلطان إلى بلاده دون أن يحصل منه ضرر، فعدلت الحكومة المصرية عن إرسال جيشها. اقتراب شرور تيمورلنك من حلب: وفي سنة 802 قصدت طلائع جيش تمرلنك بغداد، فكسرهم سلطانها السلطان أحمد قان فصحبوا معهم قره يوسف بن محمد التركماني، صاحب ديار بكر وماردين وما والاهما، وقدموا حلب بمن معهم من العساكر ونزلوا على نهر الساجور، فخرج إليهم الأمير دمرداش نائب حلب واستنجد بالأمير دقماق نائب حماة، وتوجّها بعسكرهما إلى الساجور فالتقى الفريقان هناك واقتتلا قتالا شديدا انجلى عن كسر دمرداش، وأسر دقماق ونهب جميع ميرة «1» العسكر وخيوله وأثاثه وقماشه، وجفلت البلاد الحلبية، ورجع دمرداش في نحو عشرة أشخاص. ثم افتدى دقماق نفسه ولحق بمكانه. إجمال في تمرلنك هو تيمور بن طرغاي بن جغتاي. ونسبه بعضهم إلى جنكز خان من جهة النساء، وكان طويل القامة عريض الأطراف أبيض مشربا بحمرة أعرج اليمناوين، جبارا عنيدا قهر الجزء: 3 ¦ الصفحة: 163 الملوك والجبابرة، وهو من غلاة الشيعة وكان في ابتداء أمره يقطع السبيل هو ورفقاء له فظفر بهم حاكم هراة «1» السلطان غياث الدين، فضرب تيمور وأمر بصلبه، فشفع به ولده وأخذه ووكل به من داوى جراحه حتى برىء وقربه إليه وزوّجه شقيقته. ثم إن تيمور غاضبها في بعض الأيام فقتلها وخرج على السلطان واستصفى ممالك ما وراء النهر ثم صاهر المغل وقصد مخدومه الملك غياث الدين ليدخل في طاعته فظفر به وقتله في الحبس جوعا لأنه حلف له ألّا يريق له دما. ثم عاد إلى خراسان ووضع السيف في أهل سجستان فأفناهم عن بكرة أبيهم، وخرب المدينة واستخلص جميع ممالك العجم، واستولى على بغداد وقتل أهلها وبنى من رؤوسهم مآذن، ولم يترك كبيرا ولا صغيرا ولا ذكرا ولا أنثى إلا قتله. ثم خرب المدينة بعد أن نهبها ثم مشى منها إلى الجزيرة وديار بكر وإلى الفرات. واستعد الظاهر برقوق لمدافعته ونزل تيمور بالرها وأخذها ونهبها. وبلغه أن طقتمش خان سلطان دشت قفجق في جهات القريم قد وصل في جموع المغل إلى الأبواب فأحجم تيمورلنك وتأخر إلى قلاع الأكراد وأطراف بلاد الروم وأناخ على قره باغ ما بين أذربيجان والأبواب، ثم قوي على طقتمش وأخذ بلاده وانضمت جموع التتر إليه. ثم مشى على الهند واستولى عليها، وبلغه خبر وفاة الملك الظاهر برقوق ووفاة أحمد حاكم سيواس، فاستناب في الهند وقصد بلاد الإسلام فأتى بغداد وفتحها ثانيا وقصد سيواس وفتحها عنوة وحلف لأهلها أنه لا يريق لهم دما، فغدر بهم وألقى منهم في الحفر نحو ثلاثة آلاف إنسان. ثم نهب البلد وخربها ومشى إلى بهسنى فحاصر قلعتها مدة طويلة وفتحها صلحا مع ما هو عليه من العتوّ والعناد. ولذلك سببان أحدهما متانة القلعة وحصانتها وثانيهما أن نائب قلعة المسلمين التي كانت تعرف بقلعة الروم- وهو الناصري محمد بن موسى بن شهري- كان يخرج للغارات على معسكر تيمور عندما كان مقيما على حصار قلعة بهنسى. وكان الناصري المذكور ذا قوة وشجاعة ورأي وتدبير، فلم يسع تيمور إلا الانصراف عن قلعة بهسنى إلى قلعة المسلمين فكاتب نائبها الناصري المذكور بقوله: إني أتيت من أقصى بلاد سمرقند ولم يقف أحد أمامي وسائر ملوك الأرض حضروا إليّ، وأنت سلّطت على جموعي من يشوّش عليهم ويقتل من ظفر بهم، والآن قد مشينا عليك الجزء: 3 ¦ الصفحة: 164 بعساكرنا فإن أشفقت على نفسك ورعيّتك فاحضر إلينا لترى من الرحمة والشفقة ما لا مزيد عليه وإلا نزلنا عليك وخربنا بلدك، وقد قال تعالى إِنَّ الْمُلُوكَ إِذا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوها وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِها أَذِلَّةً وَكَذلِكَ يَفْعَلُونَ فاستعدّ لما يحيط بك إن أبيت الحضور. فلم يلتفت الناصري إلى كلامه وحبس رسوله. فمشى إليه تيمور وبرز له الناصري في أوائل عسكره وقاتله قتالا شديدا رأى فيه تيمور من الناصري شدة حزم، فرجع عن محاربته وأخذ في مخادعته فطلب منه الصلح وأن يرسل له مالا وخيلا فلم ينخدع وتنازل معه إلى أن طلب منه جانبا فلم يعطه، وعاد عنه تيمور خائبا وعساكر الناصري في أواخر عسكر تيمور قتلا ونهبا وأسرا مع أنهم كانوا زهاء ثمانمائة ألف عسكري. كل ذلك وباب قلعة الناصري لم يغلق يوما واحدا وفيه يقال: هذا الأمير الذي صحّت مناقبه ... ليث الوغى عمّت الدنيا مفاخره ولّى تمرلنك مكسورا أوائله ... منه فارا ومذعورا أواخره كان الناصري من السلالة العمرية ذا مروءة وصدق ودين وعلم. ثم إن تيمور استولى على حلب ودمشق، وما بينهما على الوجه الذي نبسطه، ثم رجع إلى ممالك الروم فكاتب سلطانها السلطان با يزيد خان الغازي فلم يلتفت إلى كتابه وتوجه لقتاله وجمع العساكر على ميل من مدينة أنقرة، ونشبت الحرب بينهم وكانت وقعة عظيمة انكشفت عن أسر السلطان يلدرم با يزيد خان ولما أيقن بالهلاك قال لتيمور: أوصيك ألّا تترك التتر بهذه البلاد فإنهم يفسدونها وألّا تقتل رجال الأروام فإنهم ردء الإسلام، وألّا تخرب قلاع المسلمين، ولا تجلهم عن مواطنهم. قال هذا وهو مكبل بقفص من حديد قد فغر الموت له فاه لابتلاع حياته بعد سويعات، فلم يذهله هذا الموقف الرهيب عن المحاماة عن رعيته، ولم تضطره الأثرة بروحه إلى التوسل بالدفاع عنها دون الدفاع عن رعاياه. وقد قبل منه تيمور تلك الوصايا. وبعد سويعات توفي السلطان با يزيد في قفصه ورجع تيمور إلى بلاده فمرض في مدينة أنزار وجعل يشرب من عرق الخمر إلى أن تفتت كبده ومات في ليلة الأربعاء سابع عشر شعبان سنة 807 وحملوا عظامه إلى سمرقند وعمره فوق الجزء: 3 ¦ الصفحة: 165 الثمانين، وخلّف ولدين أمير شاه وشاه رخ، ولم يكونا معه. فجلس على سرير الملك حفيده خليل بن أمير شاه، وكان أبوه واليا على ممالك تبريز فقتله قره يوسف حاكم أذربيجان ولما مات خليل المذكور تولّى الملك عمه الشاه رخ. ثم سطا على ملكهم الفاتحون وتلاشت دولتهم سوى بعض أعقاب لتيمور كانوا سلاطين في جهات من الهند. والناس في أمر تيمور مختلفون: فمنهم من يعدّه كافرا باغيا لإفراطه بإراقة دماء المسلمين، وتسلّط جيوشه على نهب الأموال والأرواح وهتك الأعراض. ومنهم [من] يقول بإسلامه ويعدّه عاصيا ويكل أمره إلى الله تعالى. ومنهم من يزعم أنه مصلح كبير لم يقصد من غاراته على بلاد المسلمين غير ردع ملوك الإسلام وجهادهم كي يكفوا عن مظالمهم التي كانوا يعاملون بها رعاياهم، ويرعووا عن قتل بعضهم البعض، حتى إنني سمعت من بعض علماء الأتراك القاطنين في بخارى- وقد جمعتني وإياهم باخرة كنت ركبتها في سفري إلى جهات غزّة- أن عددا كبيرا من علماء تركستان وخواصهم يعدّون إيقاع تيمور بالبلاد الإسلامية جهادا مقدسا، ويعتقدون فيه الولاية والكرامة ويترضون عنه كما يترضون على أولياء الله وأصفيائه، وأن ما كان يصدر من جيوشه وعساكره من قتلهم البريئين وهتك أعراض المخدّرات لم يكن عن علم منه ولا رضاء به. وقد وضع العلماء والمؤرخون كتبا قيمة وأخبارا طوالا في سيرة تيمور وترجمته، أكثرها مطبوع متداول، وأعمّها كتاب «عجائب المقدور في أخبار تيمور» لابن عربشاه. وقد اقتصرنا على ذكر هذه النبذة في الكلام عليه طلبا للإيجاز. مجيء تيمور إلى حلب وما أحله فيها من الويل والصخب هذه الحادثة من أعظم الحوادث التي دهت حلب قديما وحديثا وأضرّت بها ضررا مخلّدا، محت آثارها وأطفأت أنوارها وأخذ بها تيمور من الأموال وأفنى من النفوس، وأسر من العلماء وأرباب الحرف والصناعات ما لا تحصيه الأقلام ولا يعلم عدده إلا العليم العلام، وذلك أن تيمور بعد أن أقلع عن قلعة الروم- كما حكيناه- تقدّم إلى عينتاب فأجفل أهل القرى بين يديه وجفل أهل البلاد الحلبية. ثم اجتاز بمرج دابق، وفي يوم الخميس تاسع ربيع الأول سنة 803 نازل حلب، وكان نائبها المقرّ السيفي دمرداش الخاصكي الجزء: 3 ¦ الصفحة: 166 وقد حضرت إليه عساكر الملكة الشامية كعسكر دمشق مع نائبها سودون، وعسكر طرابلس مع نائبها المقرّ السيفي شيخ الخاصكي، وعسكر حماة مع نائبها دقماق، وعسكر صفد وغزّة فاختلفت آراؤهم فمن قائل: ادخلوا المدينة وقاتلوا من الأسوار، وقائل: اخرجوا إلى ظاهر البلد تلقاء العدو بالخيام. فلما رأى نائب حلب اختلافهم أذن للناس في إخلائها والتوجه حيث شاؤوا، وكان نعم الرأي لو فعلوا، فلم يوافقوا على ذلك وضربوا خيامهم في ظاهر البلد تلقاء العدو، وحضر قاصد تيمورلنك فقتله نائب دمشق قبل أن يسمع كلامه، وبئسما فعل. ثم إن النواب ومعهم بعض العساكر والعامة خرجوا إلى جهة بابلّي تحت مشهد الشيخ فارس، وسمع بعضهم دمرداش وهو يقول للتتر: إنا إذا حملتم أنكسر، أو كلاما مثل هذا. ولما وقف الحلبيون والتقى الجيشان قرأ ابن القلعيني قوله تعالى: يا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتالِ الآية وكان صيّتا. واستمر القتال يوم الخميس والجمعة. ولما كان يوم السبت حادي عشر الشهر المذكور ركب تيمور وجمع وحشد، والفيلة تقاد بين يديه وهي ثمانية وثلاثون فيلا وزحف على حلب فانخذل دمرداش وانحاز إليه سرا يعلمه المخازي، وانهزم المسلمون بين أيدي التتر وجعلوا يلقون أنفسهم من الأسوار والخنادق، والتتر في أثرهم يقتلون ويأسرون وقد أحالت العساكر بالحوافر أجساد العامة، وجرى من دخول المنهزمين بالأبواب من فساد الأجساد وذهاب المهج ما أذهب العقول. وأما سودون نائب دمشق فإنه قاتل على باب النيرب قتالا عظيما وحمل عليه معظم جيش تيمور وهو ثابت صابر، إلا أنه لما شاهد الغلبة دخل حلب. ودخلها جيش تيمور ينهبون الأموال ويحرقون المباني ويخربونها ويقتلون الكبار والصغار ويفتضّون الأبكار، ويأخذون المرأة ومعها ولدها الصغير على يدها فيلقونه من يدها ويفسقون بها. فلجأ النساء عند ذلك إلى الجامع الكبير ظنا منهنّ أن هذا يقيهنّ من أيدي الكفرة، وصارت المرأة تطلي وجهها بطين أو بشيء يشوّه محاسنها، فيأتي ذلك العلج إليها ويغسل وجهها ويتناولها ويتمسح بالأوراق الشريفة. ودام هذا الحال من يوم السبت إلى يوم الثلاثاء. ومع ذلك فإن طائفة من عساكر التتر لم يزالوا يشتغلون بنقب القلعة وبها جميع النواب وخواص الناس وأكثر أموالهم ونفائس أمتعتهم. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 167 وفي يوم الثلاثاء المذكور- وهو رابع عشر ربيع الأول- أخذ تيمور القلعة بالأمان، ونزل إليه دمرداش، وخلع تيمور عليه وصعدها في اليوم الثاني فدخل مقام الخليل وأسفّ رأسه «1» عند عتبته وقبّلها. ثم جلس في المقام وطلب علماء حلب وقضاتها، فحضر إليه القاضي شرف الدين موسى الأنصاري، والعلامة محب الدين بن الشحنة. وكمال الدين بن العديم، وعلاء الدين أبي الحسن «2» علي بن خطيب الناصرية وغيرهم فوقفهم ساعة ثم أمر بجلوسهم وطلب من كان معه من أهل العلم وقال لأميرهم وهو المولى عبد الجبار ابن العلامة نعمان الدين الحنفي، وكان والده من العلماء المشهورين بسمرقند: قل لهم إني سائلهم عن مسألة سألت عنها علماء سمرقند وبخارى وغيرهما من البلاد التي فتحتها، فلم يفصحوا عن جوابها فلا تكونوا مثلهم، ولا يجاوبني إلا أعلمكم وأفضلكم، وليعرف ما يتكلم فإني خالطت العلماء ولي بهم اختصاص وألفة، ولي في العلم طلب قديم. قال ابن الشحنة: وكان بلغنا عنه أنه يعنّت العلماء في الأسئلة ويجعل ذلك سببا لقتلهم أو تعذيبهم، فقال القاضي شرف الدين عن ابن الشحنة: هذا شيخنا ومدرّس هذه البلاد وفقيهنا اسألوه والله المستعان. فقال عبد الجبار لابن الشحنة: سلطاننا يقول إنه بالأمس قتل منّا ومنكم فمن الشهيد: قتيلنا أم قتيلكم؟ فوجم الجميع وقالوا في أنفسهم: هذا الذي بلغنا عنه من التعنّت. فسكت القوم. قال ابن الشحنة: وفتح الله عليّ بجواب سريع بديع وقلت: هذا سؤال سئل عنه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأجاب عنه، وأنا مجيب بما أجاب به رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. قال ابن الشّحنة: قال لي صاحبي القاضي شرف الدين بعد انقضاء الحادثة: والله العظيم، لما قلت: هذا سؤال سئل عنه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأجاب عنه، وإنك لمحدّث زماننا وعالمنا، قد اختل عقله. وهو معذور؛ فإن هذا سؤال لا يمكن الجواب عنه في مثل هذا المقام. ووقع في نفس عبد الجبار مثل ذلك، وألقى تيمور سمعه وبصره إلي، وقال لي: عبد الجبار يسخر من كلامي كيف سئل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وكيف أجاب؟ قلت: جاء أعرابيّ إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: يا رسول الله إن الرجل يقاتل حميّة ويقاتل شجاعة ويقاتل ليعرف مكانه، فأيّنا في سبيل الله؟ فقال عليه السلام: من قاتل لتكون كلمة الله هي الجزء: 3 ¦ الصفحة: 168 العليا فهو في سبيل الله، ومن قاتل منّا لإعلاء كلمة الله فهو الشهيد. فقال تيمور: خوب. وقال عبد الجبار: ما أحسن ما قلت. وانفتح باب المؤانسة، وقال تيمور: إني رجل نصف آدمي وقد أخذت بلاد كذا وكذا وعدد سائر ممالك العجم والعراق والهند وسائر بلاد التتر. فقلت: اجعل شكر هذه النعمة عفوك عن هذه الأمة ولا تقتل أحدا. فقال: إني والله لم أقتل أحدا قصدا وإنما أنتم قتلتم أنفسكم في الأبواب، وو الله لا أقتل منكم أحدا وأنتم آمنون على أنفسكم وأموالكم. وتكررت الأسئلة منه والأجوبة منّا، وطمع كل أحد من الفقهاء الحاضرين، وجعل يبادر إلى الجواب ويظن أنه في المدرسة، والقاضي شرف الذين ينهاهم ويقول: اسكتوا ليجاوب هذا الرجل فإنه يعرف ما يقول. يريد بالرجل ابن الشحنة. وآخر سؤال سأل عنه: ما تقولون في عليّ ومعاوية ويزيد؟ فأسرّ شرف الدين إلى ابن الشحنة- وكان إلى جانبه- أن أعرف كيف تجاوبه فإنه شيعي. فلم يفرغ ابن الشحنة من سماع كلام تيمور إلا وقد قال القاضى علم الدين بن القفصي الصيفي المالكي كلاما معناه أن عليا اجتهد وأصاب وله أجران، ومعاوية اجتهد وأخطأ وله أجر واحد. فتغيظ تيمور لذلك. ثم أجاب القاضي أبو البركات موسى الأنصاري الشافعي بأن معاوية لا يجوز لعنه لأنه صحابي. فقال تمرلنك: ما حدّ الصحابي؟ فأجابه: إنّه «1» كل من رأى النبي صلّى الله عليه وسلّم فقال تمرلنك: فاليهود والنصارى رأوه. فأجابه: بشرط أن يكون [الرّائي «2» ] مسلما. وأجاب شرف الدين أيضا بأني رأيت حاشية على بعض الكتب أنه يجوز لعن يزيد فقط. فتغيظ لذلك ووعدهم بالقتل وقال: علي على الحق ومعاوية ظالم ويزيد فاسق وأنتم حلبيون تبع لأهل دمشق، وهم يزيديون قتلوا الحسين. فأخذ ابن الشحنة في ملاطفته بالاعتذار عن المالكي بأنه أجاب بشيء وجده في الكتاب لا يعرف معناه. قال في كنوز الذهب: فلم يقبل وقال: أريد منكم مالا وأنتم أعلم ببعضكم بعضا. فأخذوا الورقة وكتبوا فيها أسماء من عليهم المال، وقدر ما على كل واحد. وقصد بذلك أن يعلم درجتهم في المال. ثم أخذ بعد ذلك في مصادرة الناس وعقوبتهم. ثم إن الجزء: 3 ¦ الصفحة: 169 تيمور عاد حلمه في ذلك المجلس. قال ابن الشحنة: وأخذ عبد الجبار يسأل مني ومن شرف الدين، فقال عن ابن الشحنة: هذا عالم مليح، وعن شرف الدين: هذا رجل فصيح. قال ابن الشحنة: فسألني تيمور لنك عن عمري فقلت: مولدي سنة تسع وأربعين وسبعمائة وقد بلغت الآن أربعا وخمسين. وقال للقاضي شرف الدين: كم عمرك؟ قال: أنا أكبر منه بسنة. فقال تيمور لنك: أنتم في عمر أولادي، أنا عمري اليوم بلغ خمسا وسبعين سنة. وحضرت صلاة المغرب وأقيمت الصلاة وأمامنا عبد الجبار وصلّى تيمور لنك إلى جانبي قائما يركع ويسجد ثم تفرقنا. وفي اليوم الثاني غدر بكل من في القلعة وأخذ جميع ما كان فيها من الأموال والأقمشة والأمتعة مما لا يحصى. قال ابن الشحنة: أخبرني بعض كتابه أنه لم يكن أخذ من مدينة قطّ مثل ما أخذ من هذه القلعة ولا ما يقاربه، وعوقب غالب المسلمين بأنواع العقوبات وحبسوا بالقلعة ما بين مقيّد ومزنجر ومسجون ومرسم عليه. ونزل تيمور لنك من القلعة بدار النيابة وصنع وليمة على زي المغل ووقف سائر الملوك والنواب في خدمته وأدار عليهم كؤوس الخمر، والمسلمون في عقاب وعذاب وسبي وقتل وأسر، وجوامعهم ومساجدهم ومدارسهم وبيوتهم في هدم وحرق وتخريب ونبش إلى آخر ربيع الأول. ثم طلبني ورفيقي القاضي شرف الدين وأعاد السؤال علينا فقلت له: الحق كان مع علي، وليس معاوية من الخلفاء، فإنه صح عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أنه قال: الخلافة بعدي ثلاثون سنة. وقد تمت بعلي. فقال تيمور لنك: قل على عليّ الحق ومعاوية ظالم. فقلت: قال صاحب الهداية: يجوز تقلّد القضاء من ولاة الجور، فإن كثيرا من الصحابة والتابعين تقلدوا القضاء من معاوية وكان الحق لعلّي في نوبته. فانسرّ لذلك وطلب الأمراء الذين عينهم للإقامة بحلب وقال لهم: إن هذين الرجلين نزول عندكم بهذه البلدة فأحسنوا إليهما وإلى ألزامهما وأصحابهما ومن ينضم إليهما ولا تمكّنوا أحدا من أذيتهما ورتّبوا لهما علوفة ولا تدعوهما في القلعة بل اجعلوا إقامتهما بالمدرسة، يعني السلطانية التي تجاه القلعة. وفعلوا ما أوصاهم به إلا أنهم لم ينزلونا من القلعة، وقال لنا الذي ولي الحكم منهم بحلب الأمير موسى ابن الحاجب طغاي: إني أخاف عليكما، والذي فهمته من نسق تيمور أنه إذا أمر بسوء فعل بسرعة ولا محيد عنه، وإذا أمر بخير فالأمر فيه لمن وليه. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 170 وفي أول يوم من ربيع الآخر برز إلى ظاهر حلب متوجها نحو دمشق، وثاني يوم أرسل يطلب علماء البلد، فرحنا إليه والمسلمون في أمر مريج وقطع رؤوس، فقلنا: ما الخبر؟ فقيل: إن تيمور يطلب من عسكره رؤوسا من المسلمين على عادته التي كان يفعلها في البلاد التي أخذها. فلما وصلنا إليه أرسلنا رسولا يقول له: إننا قد حضرنا وهو حلف ألّا يقتل أحد منا صبرا. فعاد إليه ونحن ننظره وبين يديه لحم سليق في طبق يأكل منه، فتكلم معه يسيرا ثم جاء إلينا شخص بشيء من ذلك اللحم فلم نفرغ من أكله إلا وزعجة قائمة، وتيمور صوته عال، وساق شخصا هكذا وآخر هكذا وجاءنا أمير يعتذر ويقول: إن سلطاننا لم يأمر باحضار رؤوس المسلمين وإنما أمر بقطع رؤوس القتلى وأن يجعل منه قبة إقامة لحرمته على جاري عادته، ففهموا عنه غير ما أراد وإنه قد أطلقكم فامضوا حيث شئتم. قلت: وحكى القرماني عن بعض الثقات أنه شاهد بظاهر حلب قد بني شبه المآذن من رؤوس الرجال مرتفعة البناء، دورها نيّف وعشرون ذراعا وعلوّها في الهواء نحو عشرة أذرع بارزة وجوهها تسفي عليها الرياح وعدّتها عشرة. ثم قال ابن الشحنة: وركب تيمور لنك من ساعته وتوجه نحو دمشق فعدنا إلى القلعة ورأينا المصلحة في الإقامة بها. وأخذ الأمير موسى في الإحسان إلينا وقبول شفاعتنا وتفقد أحوالنا مدة إقامته بحلب وقلعتها، وتأتينا الأخبار بأن السلطان الملك الناصر فرج قد نزل إلى دمشق وأنه كسر تيمور، ومرة نسمع بالعكس، إلى أن انجلت القضية عن توجه السلطان إلى مصر بعد أن قاتل تيمور قتالا شديدا أشرف منه تيمور على الكسرة والهزيمة. ولما كان سابع عشر شعبان المعظم من السنة المذكورة وصل تيمور عائدا من الشام إلى الجبّول شرقي حلب ولم يدخل حلب بل أمر المقيمين بها من جهته بتخريب القلعة وإحراق المدينة ففعلوا ونزلوا من القلعة، وطلبني الأمير السيد عز الدين، وكان من أكبر أمرائه وقال: إن الأمير «تيمور قان» يسلم عليك ويقول: إن عنده مثلك كثيرا وهذه البلاد باب مكة وليس بها عالم فلتكن أنت بها، وقد رسم بإطلاقك ومن معك من القضاة، فاطلب من شئت وأكثر لأروح معكم إلى مشهد الحسين وأقيم عندكم حتى لا يبقى من عساكرنا أحد. وكان القاضي شرف الدين لا يفارقني، وطلبنا من تأخر من القضاة في القلعة واجتمع منا نحو ألفي مسلم، وتوجّهنا صحبة المشار إليه لمشهد الحسين وأقمنا به الجزء: 3 ¦ الصفحة: 171 ننظر إلى حلب والنار تضرب في أرجائها. وبعد ثلاثة أيام لم يبق من التتر أحد ونزلنا إلى بيوتنا بالمدينة فاستوحشنا منها ولم يقدر أحد منا على الإقامة ببيته من النّتن والوحشة، ولم يمكن السلوك في الأزقة من ذلك، كما قال: كأن لم يكن بين الحجون إلى الصّفا ... أنيس، ولم يسمر بمكة سامر «1» قال أبو ذر في تاريخه: وأما الجامع الكبير فكانت القتلى فيه من الباب الشرقي إلى البركة، وصار الناس يمشون على القتلى إلى بعد ذهاب هذه المحنة فدفنوا بالحجازية «2» من الجامع. قال ابن خطيب الناصرية في تاريخه: وقال الشعراء في هذه الحادثة المدلهمة عدة قصائد، فمن ذلك ما قاله بعض أهل الأدب: يا عين جودي بدمع منك منسكب ... طول الزمان على ما حلّ في حلب من العدوّ الذي قد أمّ ساحتها ... ناح الغراب على ذاك الحمى الخرب ويلاه ويلاه يا شهبا عليك وقد ... كسوتني ثوب حزن غير منسلب من بعد ذاك العلا والعزّ قد حكمت ... بالذل فيك يد الأغيار والنّوب وحين جاء قضاء الله ما دفعت ... عنك الجيوش ولا الشجعان بالقضب وأصبح المغل حكّاما عليك ولم ... يرعوا لجارك ذي القربى ولا الجنب وفرقوا أهلك السادات وانتشروا ... في كلّ قطر من الأقطار بالهرب وبدّلوا من لباس اللين ذا خشن ... نعم، ومن راحة الأبدان بالتعب وكلّ ما كان من مال لديك غدا ... في قبضة المغل بعد الورق والذهب وخرّبوا ربعك المعمور حين غدوا ... يسعون في كل نحو منك بالنكب وخرّقوا من بيوت الله معظمها ... وحرّقوا ما بها من أشرف الكتب كذا بلادك أمست وهي خالية ... وأصبحت أهلها بالخوف والرعب لكن مصيبتك الكبرى التي عظمت ... سبي الحريم ذوات الستر والحجب من كل آنسة لا شمس تنظرها ... ولا يراها سوى أم لها وأب يأتي إليها عدوّ الدين يفضحها ... ويجتليها على لاه ومرتقب الجزء: 3 ¦ الصفحة: 172 غلّت يمينك يا من مدّها لسنا ... ذاك الجمال وشلّت منك بالعطب ولا نقول سوى سبحان من نفذت ... أحكامه في الورى حقا بلا كذب قضى وقدّر هذا الأمر من قدم ... بحكم عدل جرى في اللوح والكتب فنسأل الله بالمختار سيدنا ... محمد ذي التقى والطهر والحسب أن لا يرينا عدوا ليس يرحمنا ... ولا يعاملنا بالمقت والغضب صلى عليه إله العرش خالقنا ... والآل والصحب سادات الورى النجب قال ابن الشحنة: وكانت نواب الشام مع تيمور مأسورين فانفلتوا منه أول بأول. وذكر في كنوز الذهب أن تيمور عرض أسرى بلد الشام ونواحيها فكانوا ثلاثمائة ألف أسير وستين ألف أسير. قال ابن الشحنة: وكان السيفي دمرداش الخاصكي حين انفلت منه من حماة- حال توجهه إلى نحو دمشق- توجّه نحو السلطان واتفق معه وجاءه تقليد شريف من السلطان باستمراره في نيابة حلب، فدخلها وأخذ في عمارتها ورمم دار النيابة وسكن بها وتراجعت الناس. نزول أمير العرب على حلب وفي هذه السنة نزل على حلب الأمير نعير بن جبار- أمير العرب- قاصدا إخراج الأمير دمرداش منها لوحشة سبقت بينهما. فحاصرها مدة أيام وضايقها. وغلا السعر وحصل لأهل حلب شدة عظيمة، وكان العسكر بحلب قليلا جدا فاستنجد الأمير دمرداش بأحمد بن رمضان أمير التركمان فلباه وأقبل إليه بخيله ورجله، وجاء حلب ودخلها من باب النصر وخرج من باب قنسرين لأن القتال بين الحلبيين وبين العرب كان فيما بين حلب وجبرين. فاشتد القتال بين الفريقين وأشرف الحلبيون والتركمان على النصرة فحال الليل بينهم، فرجع الحلبيون والتركمان إلى المدينة وعوّل نعير أمير العرب على الهزيمة. ولما أصبح الحلبيون والتركمان خرجا للقتال فلم يروا أحدا. فتتبع التركمان آثار العرب فلم يظفروا بهم غير أنهم صادفوا بعض أغنام استاقوها ودخلوا بها إلى حلب. وفي سنة 804 ولي حلب دقماق عوضا عن دمرداش لأنه أظهر العصيان بحلب، فأرسل السلطان عسكرا مع دقماق وحاربه وقبض عليه وأرسله إلى القاهرة. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 173 وسنة 806 ولي حلب الأمير علاء الدين أقبغا الجمالي الهذباني، عائدا إليها، فأقام بها أربعين يوما ومات ودفن بتربة أنشأها بسوق الخيل. واستقر في نيابة حلب السيفي دمرداش عائدا إليها. قتال فارس بن صاحب الباز وفيها استفحل أمر فارس بن صاحب الباز التركماني- أمير التركمان- بناحية العمق فاستولى على أنطاكية والقصير ودركوش، فخرج إليه دمرداش ومعه العساكر الحلبية ووصل إلى جب الحيّات في العمق بين القصير وأنطاكية والتقى الفريقان هناك، فكسر الأمير دمرداش وقتل من عسكره وأمرائه جماعة وعاد إلى حلب بكرة عيد الأضحى، وقوي أمير التركمان جدا. ثم جمع دمرداش العسكر وتوجه إلى أنطاكية لقتاله، وكتب إلى الأمير علي باك بن دلغادر، وإلى أحمد بن رمضان مقدّمي التركمان في البلاد يستنجدهما عليه، فوافياه وهو على أنطاكية وابن صاحب الباز بها ومعه الأمير جكم. فأقام العسكر عليها مدة فلم يظفروا بطائل ورجعوا عنه خائبين. واستفحل أمره وعظم خطره واستولى على البلاد الغربية بأسرها ووصل إلى جبل سمعان، وتوجه إليه من حلب جماعة أقاموا عنده لأجل إقطاعاتهم، واستولى على جانب من بلاد طرابلس كصهيون وصار له من باب الملك إلى صهيون وأطراف بلد سرمين. وبقي نواب حلب ليس لهم حكم في تلك البلاد بالكلية وصاروا كالمحصورين، فإن هذه البلاد التي استولى عليها هي التي كانت عامرة من أعمال حلب وهي: أنطاكية والقصير والشّغر ودير كوش وحارم وبغراس والحلقة وسائر أعمالها وبرزيه وصهيون واللاذقية وجبلة وتلك النواحي، وعجز النواب عن دفعه، للخلف بينهم وقلة العساكر فيهم، وصار ابن صاحب الباز في عسكر عظيم إلى أن قدّر الله كسره على يد جكم حينما تولى نيابة حلب، فاستنقذ منه البلاد وأراح منه العباد، ثم تبعه إلى أنطاكية وقطع جسر الحديد ونزل شرقيّه واستمر يحاصره أياما، ثم شرع في حفر نهر لتحويل العاصي إليه ففر التركماني إلى جهة القصير، وتبعه الأمير «جكم» بمن معه حتى حاصره في قلعة هناك فطلب الأمان فأعطاه فنزل، ثم سلمه إلى عدو له فقتله. وكان على شجاعة عظيمة محبا للخير، بنى بحضرة سيدي حبيب النجار بأنطاكية مدرسة. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 174 قصد دمشوخجا بلد حلب وفي هذه السنة أعني سنة 806 نزل على حلب دمشوخجا بن سالم التركماني- نائب قلعة جعبر- فأفسد القرى ونهبها وقطع السبل، وعاقب الرجال ببلد عزاز وارتكب أمورا عظيمة من المفاسد، ولم يأخذه رأفة على المسلمين. فقدم عليه عدوه نعير ابن جبار بن مهنا أمير العرب من ناحية الشرق، واشتبك القتال بينهما أياما فانتصر نعير عليه وفرق حزبه ونهب أمواله ومزقه كل ممزق. وكان دمشوخجا من المفسدين في الأرض رئيس اللصوص وقطاع الطريق، فأراح الله منه البلاد والعباد. زلزال عظيم: وفي صبيحة يوم الخميس عاشر شعبان من هذه السنة زلزلت حلب زلازل كثيرة، منها واحدة مزعجة أخربت كثيرا من الأماكن والمساجد بحلب، وأخربت كثيرا من مدينة الشّغر ولم يعهد من قديم الزمان زلزلة مثلها، فاجتمعت الفتن والزلازل. تملك جكم: وفي سنة 807 هرب «جكم» من السجن في قلعة دمشق وتوجه إلى حلب وأقام بها مدة يسيرة. فلما قويت شوكته قبض على دمرداش نائب حلب وعلى الحاجب وعلى نائب القلعة، وملك المدينة وقلعتها وقطع اسم الملك الناصر من الخطبة، وركب بشعار السلطنة، وباس له الأمراء الأرض بحلب وتلقب بالملك العادل. تواتر الزلازل: وفيها زلزلت حلب يوم الجمعة ثالث جمادى الأولى وقت الاستواء زلزلة عظيمة فزع الناس لها ولجؤوا إلى الله تعالى، ثم سكنت بعد لحظة. ثم زلزلت زلازل كثيرة في السنة المذكورة ولطف الله بعباده. وفي سنة 808 ثار نائب القلعة بحلب والحاجب وجماعة من التركمان على «جكم» وأخرجوه من حلب، فبلغ السلطان ذلك وأرسل تقليدا إلى علان اليحياوي بنيابة حلب. وفي جمادى الآخرة أتى «جكم» وهجم على حلب وقتل دقماق المحمدي الذي كان نائبا بها قبلا ونهبها الجزء: 3 ¦ الصفحة: 175 وملك قلعتها. وسمع السلطان ذلك فأرسل له تقليدا بنيابة حلب ونيابة طرابلس مضافة لنيابة حلب فعدّ ذلك من النوادر. وفي رمضان هذه السنة تحارب جكم مع الباز التركماني الذي سلف ذكره في حوادث سنة 806 فملك جكم جميع أمواله وقبض جكم على العجل ابن النعير أمير العرب بعد أن جرى بينهما مقتلة عظيمة عند قرية زيتان على النهر، وولى جكم على العرب ابن العجل. أصل قبيلة آل المهنا: كانت هذه القبيلة من العرب تعرف بآل المهنا، وينتهي نسبه إلى بدر بن ربيعة. وكانت مساكنهم صحراء حلب وحماة وبعض صحراء الخابور. وكانوا أولي شوكة وصولة، كثيرا ما كان نواب حلب وحماة ودمشق يستعينون بهم على من عاداهم فيجدون منهم قوة ونجدة فوق مأملهم. وقد ذكر ابن الخطيب عدة رجال منهم يستحقون الذكر لما عندهم من الشجاعة والكرم والشهامة. وفي ذي القعدة من هذه السنة ولي حلب دمرداش عوضا عن جكم. وفي سنة 809 وصل السلطان إلى حلب وقرر في نيابتها جركس القاسمي، فلما خرج السلطان من حلب رجع «جكم» إليها وملكها وفرّ القاسمي. ثم ملك «جكم» دمشق وتلقب بالملك العادل. فعند ذلك تحرك عليه قره بلك نحو آمد فتبعه «جكم» في عسكر قليل ودخل مضيقا لا يسعه الفرار فيه، فسقط عن فرسه فقبض عليه بعض التركمان وقطع رأسه وجهزه إلى مصر. قصد ابن دلغادر حلب: وفي سنة 810 قدم إلى حلب علي بن خليل بن قراجا بن دلغادر، الشهير بعلي باك التركماني، أمير التركمان ببلاد مرعش وما والاها. قدم إليها لإنقاذ ولده المحبوس بقلعتها من قبل الأمير جكم فصادف وقت قدومه خلو حلب عن نائب، لأن نائبها جكم كان قد قتل ولم يقم مكانه نائب. ولما وصل ابن خليل إلى دابق سيّر إليه أهل حلب بالرجوع عنهم فطلب ولده منهم، ثم جاء إلى الميدان الأخضر شمالي حلب ونزل بمن معه من جموع التركمان الأزرعية والبياضية وغيرهم- وكانوا زهاء خمسة آلاف نفر- فخرج أهل حلب الجزء: 3 ¦ الصفحة: 176 لقتاله وجرت بينهم وقعة انكسر بها أهل حلب ودخلوا البلد. واستمر يحاصر حلب وكان بالقلعة جماعة عصوا ووافقوا ابن خليل المذكور وجعل الحلبيون يقاتلون ابن خليل والتركمان خارج السور، ويقاتلون أهل القلعة داخله، وأهل القلعة يرمون الحلبيين. وأصر ابن خليل والتركمان على حصار حلب أياما فجهزوا إليه ولده فلم يفد شيئا ولم يزده إلا بغيا، فنهب القرى التي حول حلب وأفسد في البر فسادا كبيرا، ثم انتقل من الجهة الشمالية ونزل قبليّ حلب على السعدي وما حوله وجدّ في الحصار واشتد أهل حلب لقتاله ولم يكن عندهم من الجند سوى عشرين فارسا، وحصل لأهل حلب ضيق عظيم وطال عليهم ذلك نحو اثنين وأربعين يوما حتى فرج الله عليهم بقدوم نجدة لهم من طرف حماة وانهزم ابن خليل. قتال أمير التركمان: وفي هذه السنة ولي حلب تمربغا المشطوب. وفيها عظم شأن كردي باك أمير التركمان بالعمق، فتوجه لقتاله تمربغا المشطوب نائب حلب وقاتله أياما فانكسر ورجع خائبا. وتمادى كردي باك في غلوائه حتى خرج عليه الملك المؤيد شيخ فقاتله بالقرب من بقراص- تحت جبل اللكام- فغلبه وكسره كسرة شنيعة وعاد المؤيد شيخ ظافرا غانما. وفي ربيع الأول سنة 811 استقر في نيابة حلب الأمير دمرداش. وفي هذه المرة أكمل بناء جامع الأطروش الذي قدمنا ذكره في الكلام على محلة الأعجام من الجزء الثاني. إبطال مكس البيض: وفيها نقش على جدار الجامع الأموي ما صورته: «لما كان بتاريخ سنة 811 ورد المرسوم الكريم العالي المولوي كافل المملكة الحلبية الملك دمرداش بإبطال مكس البيض من المملكة الحلبية، وملعون ابن ملعون من يعيده ويجدده» . وفي أوائل سنة 813 جاء إلى حلب شاهين بن عبد الله من قبل ملك الأمراء شيخ فنزل ببانقوسا يوم الجمعة وزحف على المدينة وبها نواب الأمير دمرداش وحاصرها إلى أن أخذها ثاني يوم نهار السبت في العشر الأول من المحرم، واستمر بها حاكما إلى العشر الأول من ربيع الأول من السنة المذكورة، فصالح شيخ الأمير نوروز وجاء نوروز إلى حلب الجزء: 3 ¦ الصفحة: 177 من قبل شيخ لأنه ملك الشام جميعه. وكان سلطان مصر ولّى حلب نوروز المذكور سنة 812 إلا أنه لم يستطع أن يدخلها خوفا من شيخ. وفي ربيع الآخر من السنة المذكورة أعني سنة 813 قرر السلطان في نيابة حلب قرقماش بعد أن قهر شيخ ونوروز وغلبهما. وفي ذي القعدة منها تصالح شيخ مع السلطان وتولى شيخ من قبل السلطان نيابة حلب، ونوروز نيابة دمشق. وفي ربيع الآخر سنة 814 اتفق شيخ ونوروز على العصيان وخرجا. وفي سنة 815 وصل السلطان لدمشق لمحاربتهما وصار يطردهما من بلد إلى بلد، وكان مع هذا منغمرا في السكر فأعيت العسكر وشغبت عليه العامة وخلعوه وقتلوه في دمشق. وكان في هذه البرهة قد ولي دمرداش حلب، فأتى إليها نوروز في الربيع الآخر وهرب منه دمرداش وعّين نوروز لنيابة حلب يشبك بن يزدمر. وكان بين نوروز وشيخ عهود، منها أن يكون شيخ أتابك العساكر بمصر، والخليفة هو السلطان، ونوروز هو نائب البلاد الشامية. ثم لما تسلطن شيخ وخان العهود أظهر نوروز العصيان فحاربه السلطان في دمشق وقتله وسار إلى حلب وولى نيابتها إينال الصصلاقي وذلك سنة 817 وفي سنة 818 أظهر العصيان نائب دمشق قاني باي، ووافقه الصصلاقي نائب حلب. فحضر السلطان إلى حلب وكان النائبان المذكوران فيها ففرا منه فتبعهما إلى العمق وقبض عليهما وذبحهما. ثم ولى نيابة حلب أقباي الدوادار وذلك كله في السنة المذكورة. وفي سنة 820 سافر نائب حلب «أقباي» إلى القاهرة وكان أشيع عنه العصيان ففرح به السلطان وقرره في نيابة دمشق وقرر في نيابة حلب الأمير قجقار القردمي. ثم في رجب هذه السنة تغير خاطر السلطان على قجقار القردمي فسجنه وقرر في نيابة حلب يشبك اليوسفي، وقرر في نيابة قلعتها شاهين الأعور شاوي. وفي هذه السنة قتل علي عماد الدين النسيمي بحلب. وقد تكلمنا عليه في باب التراجم. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 178 قصد قرا يوسف حلب وفي سنة 821 قصد قرا يوسف التركماني- ملك بغداد- غزو قره بلك أحد أمراء التركمان في نواحي الموصل وما والاها، فجفل منه قرا بلك. وجاء الخبر إلى حلب فجفل أهلها. ثم إن قرا بلك قطع الفرات فساق خلفه قرا يوسف جريدة «1» وكبسه على عينتاب فنهبها وأحرقها. ووصل الخبر بذلك إلى حلب فخاف أهلها خوفا شديدا وخرجوا جرائد على وجوههم النساء والأولاد مشاة حفاة. ومنهم من اعتصم في القلعة وسير نائب حلب إلى السلطان يخبره بذلك فتهيأ السلطان لمدافعة قرا يوسف والتوجه إلى الشام. وأما قرا يوسف فإنه وصل بنفسه إلى ناحية تل باشر ووصل قسم من عسكره إلى حلب- وكانت خالية- فتلقاهم الأمير يشبك في شرقي بابلّي وهو في نحو أربعين فارسا وهم في نحو الخمسمائة، فنصر الله الأمير يشبك على عسكر قرا يوسف ورجع إلى حلب منصورا. ثم أرسل قرا يوسف إلى حلب رسولا يقول لهم: إني لم أرد حلب وإنما أطلب قرا بلك. فأخبره أهل حلب أن المذكور توجه من حلب منذ أيام، وعندها أقلع عن حلب ورجع الحلبيون إلى أوطانهم. مجيء الأمراء إلى حلب وقتل يشبك اليوسفي وفي سنة 823 دخل ألطنبغا القرشي الأمير يوسف حلب وصحبته عدة أمراء مظهرين أن السلطان جهزهم إليها لحفظ البلاد من قرا يوسف، لأن السلطان بلغه أن قرا يوسف جمع من العساكر ما لا يحصى وقصد محاربة نائب حلب. فاستوحش منهم يشبك اليوسفي نائب حلب وتحفظ منهم ولم يجسروا عليه. ولما كان يوم الخميس ثاني عشر المحرم سنة 824 ورد هجّان «2» وبيده كتاب يخبر بوفاة السلطان الملك المؤيد شيخ. فاضطرب ألطنبغا وجماعته وتوجهوا إلى جهة مصر وخرجوا من حلب من باب المقام، والأمير يشبك اليوسفي يراهم ولم يخرج لتوديعهم. ولما أبعدوا عن حلب قليلا ركب اليوسفي في أثرهم فلما بصروا به رجعوا عليه وتقاتلوا ساعة، فانتصر الأمير ألطنبغا وانكسر اليوسفي وقتل الجزء: 3 ¦ الصفحة: 179 وجيء برأسه وعلق على باب القلعة. ومن العجيب أن السماط الذي أعده اليوسفي لغدائه صار غداء الأمير ألطنبغا وجماعته. واستقر ألطنبغا في نيابة حلب. وفيها عزل ألطنبغا عن نيابة حلب ووليها إينال الجكمي. ثم في رجب منها وليها تغري ويردي. ثم في رابع ذي الحجة منها عزل تغري ويردي لأنه شاع عنه العصيان وولي نيابة حلب مكانه قان بك، فتسلم حلب في المحرم سنة 825 بعد أن حصل بينه بين تغري ويردي حرب شديدة وانكسر تغري ويردي وهرب. وفي سنة 826 ولي حلب جارقطلو. وفي ربيع الآخر سنة 830 ولي نيابة حلب قصرو، وهو الذي احتفل بمشهد عبد الله الأنصاري الذي أسلفنا ذكره في الكلام على محلة الكلاسة في الجزء الثاني. وفي سنة 833 كان الوباء بحلب والشام ومصر وما بينهما، وتلف فيه خلق كثير وبلغت فيه الوفيات اليومية في مصر عشرة آلاف نسمة، ثم صرفه الله بفضله ولطفه. وفي سنة 836 سار السلطان من الديار المصرية إلى الديار الشامية إلى حلب ودخلها في يوم مشهود، وخلع على القاضي محب الدين بن الشحنة وأقرّه في قضائه. ثم توجه نحو البيرة ونزل على آمد وجرى بينه وبين «قرا بلك» وقعة عظيمة. ثم بلغ السلطان أن قرا بلك سار إلى جهة حلب ليأخذها على حين غفلة من السلطان فجهز له عسكرا وأدركوه بالقرب من الفرات فحصل بينهم وقعة عظيمة ورجع قرا بلك وعاد السلطان. وفي سنة 837 في رجب ولي حلب قرقماش الشعباني حاجب الحجاب. وفي سنة 839 ولي حلب إينال الجمكي ثانية ثم في رجبها وليها تغري ويرمش التركماني. وفي أواخر هذه السنة سار تغري ويرمش ومعه ثمانية مقدّمين «1» - وكان من جملتهم الأمير جقمق الذي صار بعد سلطانا- ساروا جميعا إلى طرد ابن دلغادر عن البلاد الحلبية، فطردوه ثم عادوا إلى حلب. ثم عاد الأمراء إلى الديار المصرية حسب المرسوم السلطاني. وفي سنة 842 أظهر العصيان تغري ويرمش نائب حلب. وفي شعبانها ثار عليه أهل حلب ورجموه بالحجارة ونهبوه وأخرجوه. والسبب في ذلك أن تغري ويرمش حاصر القلعة واطلع على أن أهل حلب مائلون مع نائبها، فنادى مناديه بنهب البلد فثاروا عليه. ثم في شوال سارت العساكر إلى حلب لقتال تغري ويرمش نائبها، فلما وصلوها وجدوه الجزء: 3 ¦ الصفحة: 180 في جموع كثيرة من التركمان، فوقع بينهم مقتلة عظيمة. ثم قبض بعض التركمان الذين مع تغري ويرمش عليه وكاتبوا السلطان بذلك، فأمر بقتله فقتلوه وأرسلوا رأسه للقاهرة. وفي شوال هذه السنة ولي حلب الأمير جلبان. ثم في سنة 843 وليها قانباي الحمزاوي ثم نقل منها إلى دمشق. إبطال مكس الكتان وتكسير الخوابي وفي سنة 846 نقش على جدار الجامع ما صورته: «لما كان بتاريخ سابع عشر ربيع الآخر سنة 846 ورد المرسوم الشريف السلطاني من الملك الظاهر جقمق- خلّد الله ملكه- بإبطال مكس الكتّان من خان الكتّان، وملعون من يجدده» . ونقش أيضا: «لما كان بتاريخ سابع وعشرين ربيع الآخر سنة 846 ورد المرسوم الشريف السلطاني من الملك الظاهر جقمق- خلد الله ملكه- بإبطال ما كان يؤخذ من أهل مدينة سرمين عن تكسير الخوابي إبطالا دائما ابتغاء لوجه الله تعالى، والله يجزيه الثواب العظيم» . وفي سنة 849 ولي حلب تغري ويردي الجركسي. وفيها حدث بحلب طاعون عظيم لم تعلم وفياته اليومية. وفي سنة 851 تقرر في نيابة حلب آق ويردي الساقي الخاصكي، ثم استبدل بقان بك البهلوان فتوفي في ربيع الأول، وولي حلب برسباي الناصري فتوفي في جمادى الآخرة وولي حلب «تنم» . وفي سنة 852 أعيد قان باي الحمزاوي إلى نيابة حلب. إبطال ما كان يؤخذ من الدلالين: وفيها نقش على جدار الجامع ما صورته: «لما كان بتاريخ جمادى الأولى سنة 852 ورد المرسوم من الدولة الشريفة العالية الظاهرية مولانا الملك جقمق- خلّد الله ملكه- كافل المملكة الحلبية المحروسة، أعز الله أنصاره، في إبطال ما كان يؤخذ ظلما من الدلالين في سوق الحراج وأن لا يتعرض لهم أحد من خلق الله. وملعون ابن ملعون من يجددها أو يعيدها أو يسعى بها» . طاعون: وفي مسودة كنوز الذهب ما خلاصته: في هذه السنة حدث في حلب وأطرافها طاعون الجزء: 3 ¦ الصفحة: 181 سرت جراثيمه إلى غدير خندق القلعة فأفنى ما فيه من السمك، وطفت جثثه على وجه الماء، وفتك في المحلات الخارجة عن السور، لا سيما محلة الكلاسة وبانقوسا أكثر مما فتك في سكان غيرهما من محلات حلب الداخلية وكثرت الوفيات منه في القرى القريبة من حلب حتى نتن هواؤها وبلغت وفياته اليومية في حلب نحوا من خمسمائة نسمة. إبطال مكس الزيتون من قرى عزاز: وفيها نقش على جدار الجامع ما صورته: «لما كان بتاريخ خامس شهر ربيع الأول سنة 857 رسم المقرّ الكريم العالي يوسف الخاقاني- بإشارة مخدومه المقرّ الكريم العالي السيفي المنصوري، مولانا الملك الآمر أعز الله أنصاره- بإبطال مكس الزيتون من قرى عزاز ومعاملتها وملعون ابن ملعون من يعيدها أو يجددها» . وفي سنة 859 ولي حلب جانم الأشرفي. احتفال الناس بماء السمرمر: قال في مسودة كنوز الذهب ما خلاصته: في هذه السنة 859 احتفل الناس بوصول ماء السمرمر إلى حلب، أحضر إليها من عين ماء في واد من بلاد العجم وهو محفوظ في إبريق من الصفيح، فوضع على مئذنة جامع القلعة زعما بأنه يجلب طير السمرمر، الذي هو عدوّ الجراد. قلت: سيأتي لنا في حوادث سنة 964 ما فيه البيان لبطلان هذا الزعم. وفي سنة 863 ولي حلب إينال اليشبكي. طاعون جارف: وفيها وقع طاعون بحلب أهلك الحرث والنسل، وأقفل دورا كثيرة ومحى عدة بيوت، وتوفي فيه حم غفير من العلماء والأعيان. ومات فيه بحلب وضواحيها زيادة عن مائتي ألف نسمة. إبطال خانية قلعة القصير: وفي سنة 864 نقش على جدار الجامع ما صورته: «لما كان بتاريخ سلخ شهر محرّم سنة 864 رسم حضرة مولانا السلطان الملك الأشرف إينال- خلد الله ملكه- بإبطال الجزء: 3 ¦ الصفحة: 182 ما تجدّد على المصعة بقلعة القصير عن كل خانية عشرة دراهم وأن لا يؤخذ منهم سوى كل خانية درهم واحد، على جري عادتهم في الزمان القديم. وملعون ابن ملعون من جدد هذه المظلمة» . وفي سنة 865 توفي إينال اليشبكي نائب حلب ووليها جاني بك التاجي. إبطال مكس الزيت من قرى عزاز: وفيها نقش على جدار الجامع ما صورته: «لما كان بتاريخ سادس شهر ربيع الأول سنة 865 رسم الكريم العالي المولوي الملكي المخدومي السيفي- كافل المملكة الحلبية الشريفة المحروسة- بإبطال مكس الزيت من قرى عزاز وتوابعها وملعون ابن ملعون من يجدده إلى يوم الدين» . وفي سنة 868 ولي حلب بردبك الجمدار. وفي سنة 871 ولي حلب يشبك البجاسي. قتال أمراء ذي القدرية مع بعضهم: وفي جمادى الآخرة سمع السلطان بمصر أن رستم بن دلغادر قد تحارب مع قريبه شاه سوار، كلاهما من أمراء الدولة الغادرية. فرسم السلطان أن يخرج عسكر حلب لمساعدة رستم، وهذا أول باب فتح للشر مع شاه سوار. وفي سنة 872 قويت شوكة شاه سوار فقصده عسكر الشام وحلب فكسرهم وقتل كثيرين من الأعيان واستولى على عدة مدن وقلاع. وفي جمادى الأولى ولي نائب حلب عائدا إليها بردبك الجمدار. وفي سنة 873 ولي حلب إينال الأشقر. محاربة شاه سوار: وفيها أمر السلطان أولاد الناس أن يخرجوا لمحاربة شاه سوار. لأنه عزم على أخذ حلب. وأمر السلطان أن من لم يسافر لمحاربة شاه سوار فليحمل إلى بيت المال مائة دينار بدلا. وفي شعبان هذه السنة سار العسكر من مصر لمحاربة شاه سوار، فلما وصلوا إلى حلب هرب منهم فتبعوه ودخلوا في مواضع ضيقة فخرج عليهم في سواده الأعظم وقتل منهم الجزء: 3 ¦ الصفحة: 183 ومن أمرائهم ما لا يحصى، وكانت وقعة مشهورة. ثم رجع العسكر المصري في أسوأ حال. وفي 874 ولي حلب قانصوه اليحياوي. وفي سنة 876 وصلت العساكر التي جهزها السلطان لمحاربة الشاه سوار فالتقوا معه وأخذوا منه عينتاب وغيرها. ثم في الآخرة التقوا معه ثانية وكسروه كسرة شنيعة حتى التجأ إلى قلعة زمنطوا فساروا إليه وحاصروه. ثم طلب أحد الأمراء ليخاطبه في الصلح فصعد إليه ومعه القاضي شمس الدين بن أجا، قاضي العسكر، وتكلما معه فيما قصد وضمنا له إن أصابه شيء. فلم ينزل فخرجا من عنده وأتيا المعسكر وضيقا عليه الحصار، فطلبهما ثانيا وتكلم معهما كلاما طويلا ونزل معهما، ثم غدر به نائب الشام وزنجره واستصفى بلاده وأمواله وسيّره معه إلى القاهرة، فشنقه السلطان مع عدة من أصحابه. وفي سنة 878 ولي حلب قايتباي الحمزاوي. إبطال مكس السلاح وغيره: وفيها نقش على جدار الجامع ما صورته: «لما كان بتاريخ أول رجب الفرد سنة 878 رسم الكريم العالي السيفي خاير بك أمير السلاح المقر الكريم العالي السيفي قايتباي الحمزاوي- كافل المملكة الحلبية المحروسة- بإبطال مكس جميع السلاح في سوق السلاح. وملعون ابن ملعون من جدّد هذه المظلمة. ومن سعى بتجديدها كان الله ورسوله خصمه يوم القيامة» . وفي سنة 882 نقش ما صورته أيضا: «الحمد لله، لما كان بتاريخ رجب سنة 882 رسم الأمير الشريف العالي المولوي الملكي الأشرفي قايتباي- خلّد الله ملكه وأدام اقتداره بمحمد وآله- بإبطال ما على الدباغين بدير كوش من المكس والمظلمة» . ونقش أيضا ما صورته: «لما كان بتاريخ ثالث عشر ذي الحجة سنة 882 ورد المرسوم الشريف من حضرة مولانا المقرّ العالي السلطاني الملكي الظاهري قايتباي الحمزاوي- كافل المملكة المحروسة أعز الله أنصاره- بإبطال مكس الملح الداخل مدينة حلب وملعون ابن ملعون من يتعرض له أو يعيده» . وفي سنة 884 ولي حلب أزدمر بن مزيد. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 184 البطش بالحوارنة: وفي سنة 885 بطش الحوارنة ببعض أعوان أزدمر، فصار يتبعهم ليقتلهم. فحصروه مرة بدار العدل فخشي شيخهم ابن سيرك عاقبة أمرهم فأمرهم أن يطردوه بالسلاح والحجارة صورة، ففعلوا فهرب إلى دار العدل وقال لأزدمر: إن لم تنادهم بالأمان قتلوك وقتلوني ومتى اطمأنوا فتتبّع واقتل. فناداهم أزدمر بالأمان، ثم أمسك منهم بعد مدة طائفة وأمر بإحضارهم إليه في يوم الموكب حيث القضاة الأربعة حضور عنده، وذلك ليوهم أن قتلهم كان شرعا. فأحضروا إليه في اليوم المذكور وأمر الجلاد بقتل واحد منهم فضربت عنقه، وكان القضاة قد شعروا بخداعه فعارضوا بقتل البقية وحقنت دماؤهم. والحوارنة المذكورون هم طائفة من عتاد الأبطال كانوا بالدولة الجركسية ذوي بطش وسفك لدماء أعوان الظلمة. وكانوا يقولون: نحن نقتل فلانا ونعطي ديته معلاقا «1» ، لأنهم كانوا قصّابين، أو من «2» ذريتهم ومساكنهم أطراف باب المقام وحارة القصيلة. قلت: وإليهم تنسب حارة الحوارنة في ذلك السمت «3» . وفي هذه السنة ولي حلب ورديش أحد المقدّمين. وفي ذي الحجة منها ثار أهل حلب فقتلوا نائب قلعتها لمظالم أحدثها، وقتلوا معه حاجب الحجاب. محاربة علي دولات: وفي سنة 888 عين السلطان تجريدة لحلب لمحاربة علي دولات أخي شاه سوار بن دلغادر. ثم في سنة 889 عين السلطان تجريدة ثانية تقوية للعسكر، فإنه بلغه أن المرحوم سلطان بيازيد خان الثاني العثماني قد أمد علي دولات بالعساكر العثمانية. وهذا أول تحرك السلاطين العثمانيين على السلطنة الجركسية. وفي ربيع الأول وقع الحرب بين علي دولات والعساكر الجركسية فانكسر العسكر الجركس وقتل منهم مقتلة عظيمة. ثم في شعبان خرج إلى علي دولات ورديش نائب حلب وتحارب معه، فانكسر العسكر الجركسي وقتل الجزء: 3 ¦ الصفحة: 185 ورديش وغيره من الأمراء. ثم خرج إلى علي دولات الأمير تمراز ومعه عدة أمراء، فتحاربوا معه وكسروه واستولوا على ما كان معه من الألوية العثمانية ودخلوا بها حلب. وفي ذي القعدة ولي حلب عائدا إليها أزدمر أمير مجلس. استرضاء السلطان المصري السلطان العثماني: وفي ذي الحجة اتفق رأي السلطان وأمرائه أن يرسلوا رسولا إلى السلطان العثماني لإزالة الوحشة بينهما. فأرسلوا تقليدا من الخليفة بأن يكون مقام السلطان على بلاد الروم وعلى ما سيفتحه الله على يده. وقد شاع أن سبب الفتنة بين السلطانين أن أحد ملوك الهند أرسل على يد بعض التجار إلى السلطان العثماني هدية حافلة، من جملتها خنجر قبضته مرصعة بالأحجار الكريمة، فلما وصل التاجر بالهدية إلى جدّة احتاط عليها عامل السلطان في جدّة وأرسلها إلى مخدومه السلطان الجركسي فاستحوذ عليها. فحقد السلطان العثماني عند ما بلغه ذلك، ثم أمد علي دولات بالعساكر وجرى ما تقدم ذكره. غير أن السلطان الجركسي بعد ذلك أرسل الهدية والخنجر إلى السلطان العثماني واعتذر منه. وقيل: السبب في ذلك أن السلطان قايتباي الجركسي آوى «جم» أخا السلطان بايزيد الثاني، وكان «جم» قد خرج على أخيه فحقد على السلطان قايتباي وكان من أمره ما كان. الحرب بين العسكرين العثماني والمصري: وفي سنة 891 في صفر وقع القتال بين العسكر السلطاني العثماني والمصري، فانكسر العسكر العثماني وقبض على أحمد بيك بن هرسك قاضي العسكر العثماني وعلى عدة أمراء معه وسيّروا إلى القاهرة. إبطال إقامة المكّاسين: وفيها نقش على جدار الجامع ما صورته: «لما كان بتاريخ عشر من جمادى الأولى سنة 891 رسم بإشارة الكريم العالي المولوي المالكي المخدومي الكافلي السيفي الأشرفي، كافل المملكة الحلبية المحروسة أعز الله أنصاره، بإبطال ما كان بمدينة حلب من إقامة المكّاسين. وملعون ابن ملعون من يجددها» . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 186 إبطال رسم الحنّة: وفي سنة 893 نقش على جدار الجامع ما صورته: «لما كان بتاريخ رابع عشر شهر جمادى الآخرة سنة 893 رسم مولانا المقر العالي السلطان المالكي الظاهري قايتباي الحمزاوي، مولانا الملك الآمر كافل المملكة الحلبية أعز الله أنصاره، بإبطال ما كان يأخذ ناظر الحنّة من سوق الحنّاوية وملعون من يجدده» . وفي هذه السنة خرجت تجريدة من مصر لم يخرج منها مثلها فوصلت إلى أذنة وشرعت في حصارها لاستردادها من يد ابن عثمان، فقتل من الفريقين ما لا يحصى وأخذ العسكر المصري أذنة بالأمان. الصلح بين السلطانين: وفي سنة 896 تم الصلح بين السلطان العثماني وبين المصري، وردّ العثماني جميع القلاع التي استولى عليها من المملكة المصرية، وأطلق المصري جميع أسراه. وفي شوال هذه السنة وقعت فتنة كبيرة بين أهل حلب وبين نائبها أزدمر، وقتل من مماليكه سبعة عشر مملوكا وقتل من الحلبيين خمسون رجلا، وأحرقوا جماعة من حاشية النائب، وكادت حلب تخرب عن آخرها لو لم يتدارك الأمر قانصوه الغوري صاحب الحجاب وقتئذ بحلب. وفي سنة 891 حدث طاعون عظيم بحلب لم تذكر وفياته. وفي سنة 899 توفي أزدمر نائب حلب ووليها مكانه إينال السلحدار، نقل إليها من طرابلس. منع السقي من ماء الساجور: وفي سنة 901 نقش على جدار الجامع ما صورته: «لما كان بتاريخ رابع جمادى الآخر سنة 901 ورد المرسوم الكريم العالي المولوي الملكي المخدومي الكافلي السيفي الأشرفي مولانا الملك الناصر كافل المملكة الحلبية بأن لا يسقى من ماء الساجور الواصل إلى حلب زرع حاسين وفافين وملعون من يزرع على ماء الساجور زرعا» . إبطال مكس القطن وغيره من المكوس: وفي سنة 902 نقش على جدار الجامع ما صورته: «لما كان بتاريخ رجب الفرد سنة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 187 902 رسم الجناب العالي المولوي الملكي المخدومي الكافلي السيفي الأشرفي مولانا الملك الناصر كافل مملكة حلب المحروسة- أعز الله أنصاره- بإبطال ما كان يؤخذ من مكس القطن من سوق القطن وملعون بن ملعون من يجدد غيره» . ونقش أيضا في السنة المذكورة أمر بإبطال مكس المسك والزعفران، وآخر بإبطال مكس السّماق من خان السماق، وآخر بإبطال ما هو معيّن عن ختم القماش العراقي والدمشقي والقدسي، وآخر بإبطال ما كان يؤخذ من وقف نهر الساجور الواصل إلى حلب. وصورة كل هذه الأوامر على المنوال السابق فلا حاجة إلى ذكر نصها. وفي سنة 903 خرج آق بردي وهرب إلى دمشق وحاصرها ونهب ضياعها، ثم سار إلى حلب فنهب ضياعها وحاصرها نحوا من شهرين. فأراد إينال السلحدار صاحب حلب أن يسلمه المدينة فثار عليه أهلها ورجموه وطردوه عنها وحصنوها. فانضم إينال السلحدار نائب حلب إلى آق بردي وتوجّها إلى علي دولات والتجأ إليه. وفي ربيع الآخر من هذه السنة ولي حلب جان بلاط. وفي سنة 904 ولي حلب قصروه بن إينال. حصار آق بردي حلب: وفيها رجع «آق بردي» إلى حلب وحاصرها أشد المحاصرة وأحرق ما حولها من الضياع وأشرف على أخذ المدينة، ثم تم الصلح بينه وبين الأمراء الذين قدموا لمحاربته من مصر إلى حلب، وفيها ولي حلب دولات باي بن أركماس. وفي سنة 905 ولي حلب الأمير قرقماش بن ولي الدين. ثم في سنة 906 وليها أركماس بن ولي الدين. وفي سنة 908 ولي حلب سيباي بن عبد الله الجركسي المعروف بنائب سيس. وفي سنة 909 حاصر القلعة سيباي المذكور لوقوع وحشة بينه وبين نائب القلعة، وخرق المدرسة السلطانية من جهتين: جهة للدخول، وأخرى جعلها نصب القلعة، فلم يقدر عليها. وبلغ فعله هذا الغوري فتغير عليه ثم عفا عنه. وفي سنة 910 ولي حلب خير بك أخو قانصوه البرجي. هجوم الشيعي على منلا عرب: في سنة 915 قدم إلى حلب محمد بن عمر الأنطاكي الواعظ، المعروف بالروم بمنلا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 188 عرب، ووعظ في جامعها الأعظم. وكان كثير القدح في شاه إسماعيل سلطان تبريز وفي شيعته. فحضر في مجلس وعظه شيعي متسلح من أصحاب سفير العجم الوارد إلى الغوري صاحب مصر، جاء من عنده إلى حلب فهمّ الشيعي بإشهار السيف ليقتل الشيخ المذكور فعاجله الحلبيون وقتلوه وأحرقوه. فاضطرب السفير وعرض الحال على الغوري وسبقه خيري بك وعرض على الغوري أنّ قتله أحمد فتنة عظيمة أوقدها السفير. فطاب خاطر الغوري ورضي عن الشيخ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 189 نبذة من الكلام على دولة الأتراك المعروفة أيضا بدولة الأملاك، وعلى دولة الجراكسة في مصر والشام دولة الأتراك أكثر ملوك هذه الدولة مماليك لصلاح الدين الأيوبي ولأولاده من بعده. وهم يعرفون بالمماليك البحرية نسبة إلى بحيرة في أراضي مصر. وكان الباعث على تمليكهم ضعف أعقاب صلاح الدين وبلوغ دولتهم طور الشيخوخة والهرم، وشيوع أخبار التتر الجنكزيين ووشك قصدهم بلاد الشام. فخشي أهل الحل والعقد من المصريين سوء المغبة وسلطنوا المعزّ عز الدين أيبك مملوك الملك الأشرف بن صلاح الدين، وذلك في سنة 648 فقتل سنة 655 وتسلطن ولده الملك المنصور نور الدين علي وقتل سنة 657 وتولى الملك بعده وزيره الملك المظفر قطمز المعزي وقتل سنة 658 وتولى الملك بعده الملك الظاهر بيبرس البندقداري العلائي ومات سنة 676 وتولى بعده ولده الملك السعيد محمد بركة خان وخلع نفسه سنة 678 وتولى بعده أخوه الملك العادل سلامش فخلع نفسه وخلفه الملك المنصور قلاوون الصالحي النجمي ومات سنة 689 وتولى بعده صلاح الدين خليل وقتل سنة 693 وقام بعده أخوه الملك الناصر وخلع في سنة 694 وخلفه الملك المنصور لاجين المنصوري وقتل سنة 698 وتولي بعده الملك الناصر محمد بن الملك المنصور قلاوون ثانية، وخلع نفسه سنة 708. وقام بعده الملك المظفّر بيبرس الجاشنكير، فقبض عليه بعد أحد عشر شهرا. وتسلطن بعده الملك الناصر محمد ثالثة ومات سنة 741 وتولى بعده ولده الملك المنصور أبو بكر فخلع سنة 842 وتولى بعده الملك الأشرف علاء الدين كوجك فخلع. وتولى بعده الملك الناصر شهاب الدين أحمد ومات سنة 743 وتسلطن بعده أخوه الملك الصالح عماد الدين الجزء: 3 ¦ الصفحة: 190 إسماعيل ومات سنة 746 وخلفه أخوه الملك العادل شعبان ومات سنة 747 وقام بعده أخوه الملك المظفر زين الدين حاجي وقتل سنة 748 وخلفه أخوه الملك الناصر حسن، وخلع نفسه سنة 752 وتولى بعده الملك الصالح صالح بن الملك العادل محمد بن قلاوون، وفقد سنة 762. وخلفه الملك المنصور محمد بن الملك المظفر حاجي بن محمد قلاوون، وخلع سنة 764 وخلفه الملك الأشرف شعبان بن حسين بن الناصر بن قلاوون وخنق سنة 777 وتولى بعده أخوه الملك الصالح حاجي وخلع سنة 784 وهو آخر ملوك دولة الأتراك المماليك، وبه كان انقراض دولتهم وكان ابتداؤها سنة 648 وانتهاؤها سنة 784 فكانت مدتها 136 سنة وعددهم 25 ملكا، وقد بلغت طور الشيخوخة والهرم واستفحل أمر مماليكهم الجراكسة ونبغ منهم رجال بالبطولة والشجاعة وجودة التدبير، فانتقلت الدولة إليهم وعرفت ب دولة الجراكسة المماليك. دولة الجراكسة ابتدأ سلطان هذه الدولة في مصر والشام سنة 784 وانقرضت سنة 922 فكانت مدتها 138 وعدد ملوكها 23 أولهم السلطان الملك الظاهر سيف الدين برقوق بن نص العثماني الجركسي، تولى الملك سنة 784 ثم قبض عليه في سنة 791 ثم أعيد إلى السلطنة سنة 790 وفي سنة 801 تسلطن ولده الملك الناصر فرج. وفي سنة 808 تولى ولده المنصور عبد العزيز. ثم في سنة 815 أعيد والده الملك الناصر فرج فقتل، وأضيفت السلطنة إلى الخليفة المستعين بالله العباسي فجمع بين الخلافة والسلطنة ستة أشهر، ثم خلع منهما وتسلطن الملك المؤيد شيخ. وفي سنة 820 حضر الملك المؤيد شيخ إلى حلب وأمر بعمارة سورها الجوّاني وكان خرب معظمه في حادثة تمرلنك. وقد جمع الملك المؤيد شيخ القضاة واستشارهم في أمر السور، وكان في ذلك خراب مساجد وجوامع وأسواق. قال علاء الدين بن خطيب الناصرية في تاريخه الدر المنتخب: فأشرت عليه ألّا يفعل فأصرّ على بناء السور الجوّاني ورسم به، ثم سافر نحو القاهرة ورسم بإخراج دراهم من حلب ومعاملتها وغيرها وجهز الدراهم لحلب لعمارة السور الجواني. فشرع بعمارته وعمر جانب كبير أشار به، ولما الجزء: 3 ¦ الصفحة: 191 مات بطل العمل. مات الملك المؤيد شيخ سنة 824 فتسلطن بعده ولده الملك المظفر أحمد وقبض عليه في هذه السنة. وتسلطن بعده الملك الظاهر ططر فمات في هذه السنة أيضا. وتسلطن بعده ولده الملك الصالح محمد وخلع سنة 825 وتسلطن بعده الملك الأشرف برسباي. وفي سنة 841 عهد بالسلطنة إلى ولده الملك العزيز أبي المحاسن يوسف فخلع سنة 842 وخلفه الملك الظاهر أبو سعيد جقمق وخلع نفسه سنة 857 وتولى بعده ولده الملك المنصور عثمان. وخلع في هذه السنة وخلفه الملك الأشرف أبو النصر إينال. وفي سنة 865 خلع نفسه وعهد بالسلطنة إلى ولده الملك المؤيد أبي الفتح أحمد. فخلع في هذه السنة وتولى الملك بعده الملك الظاهر أبو سعيد خوشقدم وهو غير جركسي توفي سنة 872 وخلفه الملك الظاهر بلباي الأتابكي فخلع بعد مدة وتسلطن بعده الملك الظاهر أبو سعيد تمربغا الأتابكي وخلع بعد شهرين، وولي الملك بعده أبو النصر قايتباي المحمودي الظاهري سنة 872 ومات سنة 891 فولي ولده الملك الناصر محمد بن قايتباي وقتل سنة 904 وولى مكانه خاله الملك الظاهر أبو سعيد قانصوه فاعتقل، وولي بعده صهره الملك الأشرف جانبلاط سنة 905 فقتل وتسلطن بعده الملك العادل طومان باي سنة 906 فقتل. فتولى بعده الملك الأشرف قانصوه الغوري وهو آخر ملوك الدولة الجركسية ولما أراد المماليك أن يولوه السلطنة شرط عليهم ألّا يقتلوه إذا أرادوا غيره بل يعلموه بإرادتهم فيخلع نفسه متى شاؤوا. وقد بقي في السلطنة إلى سنة 922 وفيها كان مقتله في محاربة السلطان سليم العثماني على ما نبينه. مقتل السلطان قانصوه الغوري واستيلاء السلطان سليم العثماني على مصر والشام: في سنة 922 تقدم السلطان سليم العثماني بجيوشه إلى البلاد الشامية ليستولي عليها ويستخلصها من يد السلطان قانصوه الغوري. وقد اختلف في أسباب قيامه فقيل: هي أن السلطان سليم «1» لما غزا العجم مرّ بعساكره على البيرة فمنع علي دولات أهل مرعش الجزء: 3 ¦ الصفحة: 192 من أين يبيعوا الأقوات عساكر سليم، وأباح لأهل مرعش أن ينهبوا أحمال أقوات العساكر العثمانية، فمات أكثرهم جوعا، فاستاء السلطان سليم من ذلك وكتب إلى الغوري يستأذنه بحرب علي دولات فكتب إليه بأنك إذا أمكنك أن تقتله فافعل. وكتب إلى علي دولات يحرّضه على السلطان سليم. وكان قصده من تحريض الطرفين أن يتخلص من أحد عدوّيه. ففطن السلطان سليم لذلك وقصد حرب الغوري. وقيل: إن السبب هو أن السلطان قانصوه أظهر أن مجيئه إلى حلب لم يقصد منه سوى إيقاع الصلح بين السلطان سليم وبين الشاه إسماعيل الصفوي. وقد كتب إلى الشاه مع رسول بعثه خفية كتابا يعده فيه بالنجدة على السلطان سليم. فوقع الكتاب بيد السلطان سليم وتجرد لمحاربة الغوري. وقيل: إن مجيء السلطان سليم إلى هذه البلاد كان باستدعاء من أهلها تخلصا من الحكومة المصرية لما كانت تجريه على أهل هذه البلاد من العسف والظلم ومصادرة الأموال، حتى كثرت العوانية «1» لكثرة ما يصغى إليهم، وسلب كثير من الأغنياء أموالهم حتى عادوا فقراء. وكانت التركات تأخذها الحكومة وتبقي ورثة الميت فقراء. وقد أشار إلى هذه المظالم القرماني في تاريخه، والشيخ زنبل، ورضي الدين الحنبلي في كتابهما «2» ، وغيرهم من المؤرخين. وقال بعض المفكرين من الأتراك: إن سبب مجيء السلطان سليم إلى البلاد الشامية والقطر المصري عارض، وإن السلطان سليم لم يكن في حملته هذه قاصدا فتح سورية، بل كان الغرض منها أن يقصد بها حرب الشاه إسماعيل ويزيل دولته ويستولي على مملكته لغرضين: أحدهما تخليص الناس من كفره وظلمه، وثانيهما- وهو المقصد الأعظم- فتح الطريق إلى الشرق الأقصى واستيلاؤه على ما فيه من الدويلات الإسلامية المتبعثرة، وجعل العالم الإسلامي جميعه تحت راية واحدة لا تقوى على تمزيقها عواصف الأيام والليالي مهما كانت عظيمة. هذا هو الذي كان يقصده من هذه الحملة وبقية الحملات التي كان الجزء: 3 ¦ الصفحة: 193 يجهزها لغزو بلاد العجم. غير أنه لما تحقق أن السلطان الغوري حليف الشاه إسماعيل وظهيره، بدأبه قبل أن يبدأ بمقصده الأصلي لأنه عدّ سلطان مصر عقبة كؤودا «1» تعوق سيره إلى تلك البلاد. والله أعلم. هذا وإن السلطان الغوري- قبل أن يخرج من مصر- أعدّ من جهاز السفر وآلات الحرب ولوازمه ما لم يسمع بمثله، بحيث كان عدد جيشه وعدد محاربيه يفوق عدد وعدّة الجيش العثماني أضعافا مضاعفة. ثم خرج السلطان الغوري من مصر- ومعه الخليفة والقضاة الأربع- يوم السبت 16 ربيع الآخر سنة 922 وكان معه 944 أميرا. وبينما هو في الطريق ورد عليه من نائب حلب خيري بك كتاب يقول فيه: إن ابن عثمان أرسل قاصدا ومعه كتاب لمولانا فأبقيت القاصد وأرسلت الكتاب. فلما فكّه السلطان وقرأه فإذا فيه عبارة حسنة وألفاظ رقيقة منها أنه أرسل يقول له: أنت والدي وأسألك الدعاء، وإني ما زحفت على بلاد علي دولات إلا بإذنك وإنه كان باغيا عليّ وهو الذي أثار الفتنة بين والدي والسلطان قايتباي حين جرى بينهما ما جرى، وإن البلاد التي أخذتها من علي دولات أعيدها لكم. فانشرح الغوري وجماعته من هذا المكتوب واستبشروا بالصلح. وكان ذلك كله احتيالا من ابن عثمان. ثم ورد عليه من سيباي نائب دمشق كتاب آخر، فيه: إن العبد سمع بأن حضرة السلطان يريد السفر إلى قتال ابن عثمان، وإن المملوك يقوم بهذا الأمر وتمدّوه بالعساكر المنصورة، وإن خيري بك ملاح علينا، ومكاتيبه لا تنقطع من عند ابن عثمان في كل وقت. فلم يلتفت الغوري إلى مكتوب سيباي حذرا منه، لأنه كان له رمّال يقول له: يلي الحكم بعدك حرف السين فكان يحاذر من «سيباي» ظنا منه أنه هو المراد بالسين. ولما دخل الغوري دمشق زيّنت له سبعة أيام، وفرش سيباي تحت حوافر فرسه شقق الحرير، وازدحمت عليه المماليك بسبب نثر الذهب والفضة. ثم رحل إلى حمص ومنها إلى حلب فدخلها يوم الخميس عاشر جمادى الآخرة سنة 922 وكان دخوله إليها من باب المقام متوجها إلى الميدان الأخضر في موكب عظيم وأبهة زائدة، ومعه أمراؤه والقضاة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 194 الأربعة والخليفة المتوكل على الله العباسي، وجماعة من مشايخ الصوفية ذوي الأتباع ومعهم الأعلام، وخيري بك- كافل حلب- حامل بجانبه القبة والطير، فنزل بالميدان المذكور ثم حضرت إليه كفّال مملكته بعساكرها. ولما بلغ السلطان سليم «1» نزول الغوري إلى حلب عجب من ذلك وخفي عليه السبب، فأوفد على الغوري- لكشف خبره- قاضي عسكره زيرك زاده، وقراجا باشا، ومعهما هدية حافلة. ولما مثلا بين يديه سألهما عن السلطان سليم فقال له القاضي: هذا ولدك وتحت نظرك. فقال له الغوري: لولا أنه مثل ولدي ما جئت من مصر إلى هنا بأهل العلم حتى أصلح بينه وبين إسماعيل شاه، ثم أجزل عطاءه وصرفه. ثم إن الغوري نادى بالرحيل لمقابلة السلطان سليم، ورحل في النصف الآخر من رجب من السنة المذكورة وقد أودع جميع أمواله وأموال أمرائه عند أهل حلب، وصحب معه قضاة حلب وجماعة من الصوفية ومعهم الربعات والأعلام، وأظهر أنه بصدد الإصلاح بين السلاطين. وكان الغوري قد أرسل مغلباي الدوادار قاصدا إلى السلطان سليم وصحبته عشرة عساكر من خيار عسكره لابسين أحسن الملابس وعلى رؤوسهم الخوذ، ومع مغلباي كتاب يتضمن طلب الصلح فيما بين السلطان سليم وشاه إسماعيل. فلما وصل القاصد المذكور إلى السلطان سليم ودخل عليه ومعه العساكر العشرة اغتاظ السلطان سليم وقال لمغلباي: ألم يكن عند أستاذك رجل من أهل العلم يرسله لنا؟ وإنما أرسلك بهؤلاء العشرة ليرعب بهم قلوب عسكري ويخوفهم، ولكن أنا أكيده بأعظم من هذا. ثم أمر بالعساكر العشرة فضربت رقابهم وحبس مغلباي. وبعد يومين أراد أن يلحقه بهم فشفع به متصرف عينتاب، فتركه حيا ولكنه حلق لحيته وأخلق ثيابه وأركبه على حمار معقور أعرج، وقال له: قل لأستاذك يجتهد جهده وأنا سائر إليه. ولم يقرأ كتاب الغوري لشدة غيظه. ولما رجع مغلباي إلى الغوري على هذه الحالة عسر عليه ذلك وصمم على قتال السلطان سليم، وأمر كربتاي بأن يكشف خبر السلطان سليم ويرجع على الفور. فلما وصل كربتاي إلى قيصرية وجد أهلها قد قفلوا أبوابها وتأهبوا لقتال الجراكسة لما بلغهم عنهم ما فعلوه الجزء: 3 ¦ الصفحة: 195 بحلب وأهلها، ووجد نائب عينتاب قد انحاز إلى السلطان سليم فرجع كربتاي وأخبر الغوري بعصيان قيصرية وعينتاب، وأن عسكر السلطان سليم قد أقبلت طلائعها. فارتج عسكر الجراكسة لمّا فشا فيهم هذا الخبر ووقع فيهم الخلل. وعند ذلك انتبه الغوري وجمع الأمراء والأعيان وتحالفوا على الصدق فيما بينهم، وقام من بينهم الأمير سيباي نائب دمشق وقبض على خيري بك نائب حلب وجرّه من طوقه بين يدي الغوري قال: يا مولانا إذا أردت الظفر بعدوك فاقتل هذا الخائن. فقام الأمير جانبردي الغزالي وقال: يا مولانا إن قتلته افتتن العسكر وقتل بعضهم بعضا وطمع العدوّ وضعفت شوكتكم. وكان هذا الكلام مكيدة من الغزالي. ثم إن الغوري أمر أن ينادى بالرحيل والنزول على حيلان. وفي اليوم الحادي والعشرين رجب ركب الغوري وخرج من ميدان حلب وبات بمن معه في حيلان. وفي الغد أمر العسكر بالرحيل إلى مرج دابق حيث جعله موعدا للسلطان سليم. فرحلوا وأقاموا به. فلما كان اليوم السابع والعشرين رجب لم يشعروا إلا وقد دهمتهم عساكر السلطان سليم. وعندها ركب الغوري وصار يرتب العسكر بنفسه، وكان حوله أربعون مصحفا مغلفة بالحرير الأصفر على رؤوس جماعة من الأشراف، وفيهم مصحف بخط الإمام عثمان بن عفان (رضه) . وكان على الميمنة سيباي وعلى الميسرة خاير بك. ثم التحم الفريقان للقتال فما كان غير ساعة حتى لاحت الغلبة على العثمانيين وأخذ الجراكسة منهم سبعة سناجق «1» . وكاد السلطان سليم يهرب أو يستأمن، غير أن الغوري أراد أن يمكر بالقرانصة الذين طالما حاول نكبتهم وهم جند الدولة العام، فنادى بمماليكه الجلبان (وهم عسكره الخاص) - الذين نوى في استحداثهم قهر القرانصة- أن يكفوا عن القتال ويتركوا القرانصة يقاتلون وحدهم. فكفّوا وقد شعر القرانصة بمكره فتغيرت نياتهم، وقد جدّ الجيش العثماني بإطلاق نيران المدافع فصارت تمطر على الجيوش المصرية وابلا من القنابل المهلكة فاضطربوا وخافوا وصاروا ينادون العثمانيين بأعلى أصواتهم: لسنا ممن كفر بالله حتى تحرقوننا «2» بالنار. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 196 وبينما هم في هذا الاضطراب والارتباك إذا بالسلطان سليم قد رمح بجواده وشق الصفوف وبيده سيف عمر بن الخطاب (رضه) ، وصاح في أمرائه صيحة ردوا بها على الجراكسة كالبحر إذا سال بعرض الوادي. وما زال السلطان سليم وعسكره سائرين حتى جاؤوا إلى صف الغوري، وهرب خاير بك والغزالي ومن معهما، ونادوا بأعلى أصواتهم- تجاه خيام الغوري- بأن السلطان سليما قد أحاط بكم والغوري قد قتل وانكسر وانكسرنا. فتبعهم الجلبان وتشتت العسكر وظنوا أن الغوري قتل حقا. وكان هذا الفعل من خاير بك وصاحبه مكيدة للغوري. أما الغوري فصار ينادي الهاربين: يا سادات! الشجاعة صبر ساعة. فلم يلتفتوا إليه. ولما تحقق الغوري أن الكسرة عليه نزل عليه خلط فالج أرخى حنكه، فطلب ماء فأتوا به فشرب قليلا وألفت فرسه ليهرب فسقط على الأرض وطلع الدم من فمه. فأمر الأمير علان عبدا من عبيده أن يقطع رأسه ويرميه في الجب خوفا من أن يظفر به السلطان سليم فيمثّل به في البلاد. ففعل العبد ما أمره به الأمير علان. وقيل إن الغوري لما شعر بنزول الخطب مات فجأة فمرّ به بعض عسكر السلطان سليم فحز رأسه وأحضره إلى السلطان فأمر بقطع رأس هذا العسكري وقال له: ليس لك أن تدخل بين الملوك. وعلى كل حال فلم يعلم للغوري خبر ولم يوقف له على أثر. ولما شاع خبر موت الغوري زحف عسكر السلطان سليم على من كان حول الغوري وقتلوا عدة أمراء من الجراكسة وغيرهم، وفقد المصحف العثماني ونهب عسكر الغوري وجلس السلطان سليم في مخيم الغوري وأخذ جميع ما فيه، وكان شيئا يفوق العدّ والإحصاء من الذهب والفضة والملبوس وغير ذلك، وهو كالقطرة من بحر بالنسبة لما أبقاه الغوري وأمراؤه عند أهل حلب. ثم إن السلطان سليمان بقي ليلة في مرج دابق وذهب أكثر عسكر الغوري قاصدين حلب فمنعهم أهلها لما قاسوه منهم عند مجيئهم. وأما خاير بك فإنه دخل حلب وزيّن لمحمد بن الغوري- وكان أبقاه أبوه على خزائنه بقلعة حلب- أن يسافر بالعسكر إلى مصر ويتبوأ موضع أبيه ووعده المساعدة على ذلك. وكان هذا من خاير بك تمام المكيدة ليأخذ حلب إلى السلطان سليم بغير حرب. فصدقه محمد بن الغوري وتوجه بالعسكر قاصدين مصر، وسار معه خاير بك. فلما وصلوا حماة بقي بها خاير بك وفارق محمد بن الغوري معتذرا له. وأما السلطان سليم الجزء: 3 ¦ الصفحة: 197 خان فإنه سار من مرج دابق إلى حلب وخرج أهلها لملاقاته عند الميدان الأخضر، ومعهم العلماء والصلحاء حاملين المصاحف على رؤوسهم يستقبلونه ويهنّونه بالفتح ويسألونه الرفق والصفح فقابلهم بالجميل. حوادث الدولة العثمانية في حلب: ودخل السلطان حلب في رجب سنة 922 وتسلم قلعتها بالأمان وطلع إليها فرأى فيها ما أدهشه من الذهب والفضة وغيرهما. ثم جمع بأمره من تجار حلب مال كثير سموه «مال الأمان» وصاروا يبذلونه بطيب خاطرهم لخوفهم يومئذ على النفس. ولم يحصل بحلب- وجيشه مقيم عليها- من القحط أدنى شيء مع كثرة جيوشه. ورام منلا زيرك قاضي عسكره أن يعرض للسلطان في مدارس حلب لنزول العسكر، فلم يقبل منه السلطان عرضه بل أمرهم أن لا يبيت منهم بحلب ديّار. ثم برز أمره بالتفتيش على ودائع الجراكسة التي كانت عند بعض الناس فجمعوا منها ما لا يحصى واتهموا الأصيل صلاح الدين بن السفاح بشيء منها وعذبوه عليه. ولما كان يوم الجمعة نزل السلطان إلى الجامع الكبير وصلى فيه ودعا له الخطيب وسماه «حامي الحرمين» . ولما فرغ من صلاته أرسل إلى الخطيب يأمره بأن يبدل بعد هذا كلمة حامي «بخادم» ثم خلع عليه واستمرت عادة هذه الخلعة مع ولاة حلب إلى أواخر أيام العثمانيين في أول جمعة يصلونها بجامع حلب. وكان إطلاق كلمة «خادم الحرمين الشريفين» على السلاطين العثمانيين لأول مرة في مدينة حلب. وقد سر السلطان سليم من هذه الكلمة وتفاءل بها خيرا. وقد بقي في حلب عشرين يوما وجعل عليها أحمد بن جعفر- المشهور بقراجا باشا- واليا، وكمال الدين ابن الحاج الياس الرومي الحنفي- المعروف بابن الجكمكجي- قاضيا. وأمر كريم جلبي عبد الله باشا زاده أن يحرر أملاك لوائها ليعين ضريبة الأملاك بموجبها. ثم رحل السلطان من حلب إلى دمشق في العشرين من شعبان فلما وصلها تلقّاه أهلها كما فعل الحلبيون، فأمّنهم وصلى بها الجمعة وتصدق بها سرا وعلنا. ثم حسّن له خاير بك أن يتوجه إلى مصر للاستيلاء عليها. فسار نحوها واستولى عليها في خبر يطول شرحه. ثم عاد إلى دمشق وأمر ببناء التكيّة الصالحية ثم إلى حلب إلا أنه نزل بمرج دابق وأقام به نحو شهرين ثم سار إلى تخته قسطنطينية. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 198 صلب حبيب بن عربو: وفي هذه السنة صلب تحت القلعة الأمير حبيب بن عربو، من طائفة معتبرة من أمراء القصير، من أهل السنة والجماعة، لاتهامه بأنه جمع بين تسعة نسوة في آن واحد. قتل طومان جماعة السلطان سليم: وفي سنة 923 أرسل السلطان سليم خان جماعة من الأمراء والقضاة إلى طومان باي في مصر بالأمان فقتلهم عن آخرهم. وكان من جملتهم أبو بكر بن عبد البر بن محمد، ويتصل نسبه بمحب الدين بن الشحنة. نفي جماعة من الحلبيين إلى طربزون «1» : وفي سنة 925 ورد أمر السلطان لوالي حلب بسوق ستين رجلا من تجار حلب إلى طربزون، فحصل القبض عليهم في ليلة واحدة بحيث صاروا يأتون بالرجل وهو لا يشعر بما أريد فيه، ثم سيقوا إلى طرابزون. ثم ورد أمر آخر بنفي من في حلب من الأعاجم إلى القسطنطينية فسيقوا إليها. وبرز أمر آخر بسوق أهل بيوت القلعة لاتهامهم بأنهم أخفوا خزانة مال الغوري بعد ما كان السلطان أقر القلعيين على ما كانوا عليه من المكث فيها، فسيقوا إلى القسطنطينية أيضا. الاستئذان عن عقود الأنكحة: وفي هذه السنة صدرت أوامر القضاة إلى العلماء أن يأخذوا إذنا منهم إذا أرادوا عقد نكاح، وذلك بقصد أخذ رسوم معلومة جعلوها لصندوق المحكمة الشرعية. هبوب عاصفة شديدة: وفيها هبت ريح عاصفة ذهبت برأس منارة زاوية الاطغاني «2» ، وطرابزون جامع الصيفي وبعض حجارتها وتاج الشرافة الكائنة فوق باب قبلية جامع الأموي بحلب، وبعض الجزء: 3 ¦ الصفحة: 199 جدران متوهنة. وقلبت كثيرا من الأشجار العظام ورفعت رجلا كان في الفلاة قدر ذراعين عن الأرض ثم ألقته في مكان آخر. إشهار جان بردي العصيان وقتله: وفي سنة 926 أشهر العصيان جان بردي الغزالي ابن عبد الله الجركسي، وكان واليا على دمشق من قبل الدولة العثمانية. وقد خلصه السلطان سليم من أيدي الغوريين وولاه دمشق فلم يظهر معه هذا المعروف العظيم، بل عندما توفي السلطان سليم وجلس مكانه ابنه السلطان سليمان نبذ العهود والمواثيق وتجاهر بالعصيان وتسلم قلعة دمشق. ثم وجه جماعة مع مملوكه قانصوه المقرفع فقبض على والي حمص وقتله. ثم دخل حماة وقد فرّ قاضيها وواليها إلى حلب، وأوقع الحمويّين في أمر مريج. ثم حضر جانبردي بنفسه وجمع من الأعراب والتركمان جمعا عظيما وأخذ في محاصرة حلب، وكان واليها قراجا باشا المتقدم ذكره. فلم ينل من فعله هذا طائلا، وآل أمره إلى أن حزّ رأسه في سنة 927 في معركة كانت بينه وبين قراجا باشا المرسل بعسكره إليه قبلا. ولما حز رأسه اشترته زوجته بمال جزيل ودفنته. عزل قراجا باشا عن حلب وبيان أغلاط في سالنامة سنة 1303: وفي أواخر هذه السنة أعني سنة 926 عزل عن ولاية حلب قراجا باشا وأمره السلطان سليمان بسوق السفن إلى جهة بلغراد. فساقها وقتل على حصار بلغراد شهيدا سنة 928 ذكر هذا في درّ الحبب «1» . تنبيه: لم نعلم من ولي حلب بعد قراجا باشا المذكور؟ وما ذكره في سالنامة الولاية المطبوعة في حلب سنة 1303 من أن الوالي بعده خسرو باشا سنة 952 فهو غلط محض «2» لما عرفت من أن قراجا باشا توفي في سنة 928 اللهم إلا أن تكون حلب بقيت بدون وال طول هذه المدة. على أن خسرو باشا نقل من ولاية حلب إلى مصر سنة 941 كما أفاده في درّ الحبب. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 200 واعلم أن مثل هذا الغلط الفاحش وقع كثيرا في السالنامة المذكورة، وفي ذكر أسماء الولاة العثمانيين، بحيث قدّم بعضهم على بعض، وذكر منهم من لم يتولّ حلب بالمدة «1» ، وأهمل من تولاها زمنا طويلا. ولهذا لم نعول عليها في ذكر الولاة إلا من لم نقدر على تحرير زمنه ذكرناه وعزوناه إليها لتكون العهدة عليها. وبعد أن حررنا أسماء الولاة على قدر ما في وسعنا صححنا جدول الولاة في سلنامة الولاية على مقتضى ما حررناه، وذلك منذ فتح حلب إلى يومنا هذا. ومن يراجع السالنامة المطبوعة سنة 1303 وما قبلها يظهر له ذلك جليا. وفي سنة 930 حدث طاعون مهول لم يبق ولم يذر. صلب نائب حلب أي قاضيها: وفي سنة 931 دخل إلى حلب- مجتازا منها إلى آمد- إبراهيم باشا ابن عبد الله باشا الرومي، وأمر بصلب نائبها محمد بن حمزة لما بلغه عنه من الظلم والتجاهر بالرشوة وشرب الخمر وحضوره إلى المحكمة ورائحته مشمومة منه. مقتل قرا قاضي: في سنة 934 كان قرا قاضي علي بن أحمد علاء الدين الرومي متوليا على خطة تفتيش أوقاف حلب وأملاكها والنظر على الأموال السلطانية. فبالغ في جمعها وتثميرها حتى أخرج حكما سلطانيا بمنع توريث ذوي الأرحام من الشافعية بخصوصهم، وضبط التركة لبيت المال. وأراد أن يجعل ملح المملحة المضبوط لبيت المال أغلى من الفلفل، زاعما أن الناس أحوج إلى الملح منه، ومنع بيع حنطة كانت مخزونة للسلطان سليمان خان مع أن السنة كانت مجدبة والقحط والغلاء مستوليين. ولما اجتمعت هذه الأسباب وأراد الله إنفاذ أمره فيه حضر لصلاة الجمعة خامس شعبان من السنة المذكورة في الجامع الكبير، فقام عليه غوغاء الناس وأسافلهم وكثر لغطهم فيه، ثم كبّروا ووثبوا عليه وقتلوه ضربا بالنعال ورجما بالحجارة وقتلوا معه أحمد بن أبي بكر الأصلي العريقي الحلبي لأنه كان يعضده في أعماله. ومن العجب أن قصابا شق بطن أحمد الجزء: 3 ¦ الصفحة: 201 المذكور وأخذ من شحمه شيئا بيده والناس يرونه ولم يردعه أحد عن فعله. وقد سحبوه إلى تلة عائشة بالقرب من السفاحية ليحرقوه، فترامى عليه أهله وسحبوه وخلصوه. كما أن السفلة المذكورين جرّوا جثة قرا قاضي وجردوه من ثيابه ليحرقوه، فخلصه جماعة من أهل الخير وخبئوه في الميضأة إلى ثاني يوم ثم غسلوه ودفنوه. ولما بلغت هذه الفعلة مسامع الدولة أرسلت للتفتيش على قاتليه- والانتقام منهم- عيسى باشا حفيد إبراهيم باشا المتقدم ذكره. وعندما قارب حلب حصل للناس فزع عظيم وقلق جسيم، وذلك أنه نزل بالميدان الأخضر في غرة محرم سنة 935 ودعا إليه سائر الأكابر والأعيان والتجّار وحبس مشايخ المحلات وأئمتها إلا من عصم الله. ثم أطلق الأئمة وقبض على بعض الموظفين بالجامع الكبير وشدد عليهم ووضع بعضهم في السلاسل وأخذ في الفحص عن المتهمين، فمنهم من أقرّوا ومنهم [من] «1» اضطرب، ومنهم من عرّاه ليضربه فلم يقرّ. ثم استخرج من السجلات أسماء آخرين وجمع المتهمين عن آخرهم وأمر بتقييد جميع الحاضرين من الخواص والعوام. ثم عفا عن الخواص إلا أنه لم يطلق منهم أحدا بل كلهم باتوا عنده في الميدان، ورجعت خيولهم إلى دورهم لا يدرون ما يفعل بهم. ولم يزل العسكر متسلحين واقفين بين يديه حتى ظن أنه يضرب أعناق الجميع. وفي ثاني يوم أرسل شرذمة من العسكر إلى سجن حلب وأحضروا منه بضعا «2» وعشرين إنسانا من المتهمين بهذه الحادثة فقتلهم في نهار واحد وسجن الباقين. وبقي الأكابر من العلماء وغيرهم عنده إلى عصر اليوم الثاني وهم في وجل عظيم بحيث لا يجسر أحد من المتخلفين من أهل حلب على أن يأتي بخبر المرسم عليهم عنده أو يصل إليهم من بعيد. ثم أطلق طائفة منهم وأخرى من المتهمين وأبقى عنده العلماء ليلة ثانية لكن مع الإكرام والاحترام في الغداء والعشاء. ثم أمر أن يسجن في سجن القلعة وجامعها طائفة من العلماء وغيرهم بعد أن عيّن معهم طائفة من عسكره متسلحين، يسوقونهم إلى القلعة ما بين ماش مربوط اليدين وآخر مسلسل العنق على وجه، لا يعلمون عاقبة أمرهم، ثم كان مآله أن نفى أكثرهم إلى رودس وأقاموا بها أعواما حتى أطلق سراحهم بشفاعات وكفالات إلا البعض منهم. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 202 عيسى باشا وحالته: وفي سنة 935 استقر عيسى باشا واليا في حلب، وكان عالما فاضلا في عدة فنون حتى في الطب إلا أنه كان عنده قوة غضبية بحيث إذا اشتد غضبه خمش يديه بيديه فأدماها. وهو لا يشعر بذلك، فإذا سفك دم المغضوب عليه سكن ما به. وكان يعتاد لبس الثوب الأحمر يوم الغضب كما كان ذلك عادة لبعض المتقدمين من الجراكسة. ولم أعلم من تولى حلب بينه وبين قراجا باشا. وفي سنة 939 حدث طاعون شديد أهلك خلقا كثيرا. مجيء السلطان سليمان إلى حلب: وفي سنة 940 عاد السلطان سليمان خان من فتح تبريز، ومرّ بطريقه على حلب وطاف على مزاراتها، وكان بركابه إبراهيم باشا الوزير الأعظم المتقدم ذكره. وفي سنة 941 نقل خسرو باشا من ولاية حلب إلى كفالة مصر، ولم أر من صرّح بتاريخ دخوله واليا على حلب. ويفهم من در الحبب أن والي حلب قبله موسى بك، المشهور بابن أسفنديار الخالدي «1» . وعلى هذا فيكون موسى بك بين خسرو باشا وبين عيسى باشا. وفهم من در الحبب أيضا أن الوالي على حلب بعد خسرو باشا حسين بك. قال «2» : «وكان كثير القتل بغير سجل شرعي، سفاكا للدماء على صورة قبيحة من تكسير الأطراف والإحراق بالنار والمحرق حيّ متناولا للرّشا «3» لا نفع له. توفي وهو وال على حلب في جمادى الأولى سنة 949 ودفن خارج الكلاسة» ، ولم أقف على من تولى حلب بعده إلى أن دخلها واليا مصطفى باشا البيوقلي، كما يأتي. وفي سنة 950 حدث طاعون جارف لم تعلم وفياته اليومية. وفي سنة 951 دخل حلب واليا عليها مصطفى بن بيوقلي باشا الرومي، فتتبع قطاع الطريق ليلا ونهارا بنفسه وعسكره، وأظهر سطوته في اللصوص وربما جاءه النذير عن طائفة من دعّار الأكراد وغيرهم من مكان كذا، فركب عليهم في الحال بثياب البذلة. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 203 حريق: وفي هذه السنة وقع الحريق ليلا بالحوانيت الكائنة تجاه جامع الأطروش والسوق الذي وراءه. فحضر الوالي بنفسه ووقف ونادى مناديه ألّا يقرب الحوانيت إلا أربابها وقطع النار عنها. ثم نادى أن يرفع أهل حلب السقائف المعمولة من البواري «1» لسرعة عمل النار فيها وأن يعملوا السقائف من الخشب. ففعلوا وجدّد في أيامه سقائف لم تكن قبلا حتى ارتفع ثمن الخشب لكثرة العمل بحلب. طاعون وغلاء وغيرهما: وفي هذه السنة وقع طاعون جارف توفي فيه ما لا يحصى من الأشراف والأعيان والعلماء. وحصل مع هذا الطاعون غلاء عظيم. واحترق نهر قويق بحيث صار الناس يمرون به، وخاف الناس من اللصوص خوفا شديدا بسبب سطوة مصطفى باشا والي حلب، وقامت زوبعة عظيمة قصمت ظهور الناس رعبا. ووقع مطر غزير في عينتاب والناس في صلاة الجمعة فلم يشعروا إلا والسيول حفّت بهم وأغرقت كثيرا من بيوتهم. وفي سنة 952 «2» قدم إلى حلب عمر بن محمد بن محمد الحصكفيّ الأصل متوجها إلى الباب العالي بقطعة من خشب، ذكر أنها من قدح النبي صلّى الله عليه وسلّم، وأخبر أن القدح كان في بيت أبيه برمّته فأخذ منه السلطان الغوري نصفه وسيباي نائب دمشق ربعه وبقي منه ربع شرب به بعض أركان الدولة الرومية مستغيثا «3» به من فالج اعتراه فشفي، فأخذ منه قطعة ثمّ وثمّ «4» ، إلى أن بقي منه أحد عشر قيراطا طلبها من أبيه السلطان سليمان خان، فأرسلها معه بعد أن رفقه بحجة شاهدة بصحّة أنها من القدح الشريف. ودخل بها الشيخ المذكور إلى الحضرة السلطانية ثم عاد وهو منعم عليه ذاكرا أن ربع القدح الذي كان أخذه سيباي وصل إلى الخزائن المعمورة السليمانية، وجعل في رأس رايته التي تصحبه للجهاد. وفي أثناء هذه السنة عزل عن ولاية حلب مصطفى باشا ووليها سنان باشا بن عبد الله الخادم الرومي، كان في أول أمره خادما عند السلطان سليم خان. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 204 توريث ذوي الأرحام من الشافعية: وفي هذه السنة حكم قاضي حلب بتوريث ذوي الأرحام من الشافعية من مورثهم مخالفا للحكم السلطاني الذي أخرجه قرا قاضي المتقدم ذكره. وفي سنة 956 عاد السلطان سليمان خان من غزو بلاد العجم ودخل حلب وأمر بعمارة القسطل المنسوب إليه في ظاهر باب الفرج بحلب. وكان مع السلطان ولده جهانكر فمرض بحلب وتوفي بعد أيام من مرضه. فأمر والده بغسله فغسل وصلّي عليه تحت القلعة وأم بالناس إمام السلطان الذي كان معه، ثم ساروا بالنعش إلى الفردوس تفاؤلا بأن يسكنه الله جنة الفردوس، وهناك شقوا بطنه وجوفوه ودفنوا أمعاءه ووضعوه في صندوق، فساروا به إلى القسطنطينية فدفنوه بها. قدوم كوهر ملكشاه إلى حلب: وفي سنة 959 قدمت إلى حلب كوهر ملكشاه ابنة عائشة السلطانة بنت السلطان بيازيد خان، وكان قدومها من الحج الشريف على ولدها محمد باشا ابن توقه كين والي حلب، صاحب جامع العادلية. فخرج الحلبيون لملاقاتها وأدخلوها حلب في أبهة زائدة ومشهد عظيم. ثم توفيت في السنة نفسها «1» ودفنت ببيت اشتراه لها ولدها المذكور قرب السفاحية. ثم حصل بجواره بعد خرابه مسجد رتب فيه ثلاثون قارئا يقرءون في كل يوم ختمة، ولكل قارىء درهم. والمفهوم من هذه الحادثة أن والي حلب في هذه السنة هو محمد باشا عادلي «2» وغلط في السالنامة المتقدم ذكرها، إذ ذكره في سنة 972 فإنه في هذه السنة لم يكن حيا، فضلا عن كونه واليا في حلب، فقد توفي بالروم سنة 964 كما نبّه على ذلك في در الحبب. ولم أقف على من كان بينه وبين سنان باشا من الولاة، ولم أطلع على تاريخ انفصال سنان باشا وابتداء ولاية محمد باشا في حلب. وفي سنة 960 ولي حلب بيربك بن خليل أخو قباد باشا الآتي ذكره قريبا. وفي سنة 961 ولي حلب قباد باشا بن خليل بن رمضان القرماني. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 205 طاعون: وفي سنة 962 حدث طاعون جارف أهلك العباد وأطار الرقاد وتلف فيه ما لا يعدّ ولا يحصى. وقدر بعضهم أنه هلك فيه عشر سكان حلب. إحضار ماء السمرمر إلى حلب: وفي سنة 964 أرسل قباد باشا والي حلب رجلا أعجميا إلى ما وراء أصبهان لإحضار ماء السمرمر «1» إلى حلب بسبب جراد مهول كان بها، وحقيق عوده إليها. وحسّن قباد باشا لأرباب الأموال أن يجمعوا للرسول مالا فجمعوا له ما ينوف على مائتي دينار سلطاني، ودفعوا له بعضها ووعدوه بالباقي إذا عاد بالمراد. فذهب وعاد في سنته ومعه الماء فخرج الناس إلى لقائه ودخلوا به بالتهليل والتكبير. ولما كان من تمام خاصّة هذا الماء ألّا يدخل تحت سقف- كما زعموا- كان مستصحبه إذا وصل إلى بلدة يسحبه بحبل من فوق بابها، حتى وصل إلى حلب، فسحب من فوق سور باب قنّسرين إلى أن أريد سحبه من أعلى سور القلعة فعارض دوز دارها «2» ومنع ذلك. وعندها وضعوه على قبة التكية الخسروية، وكان الجراد قد غرس في الأرض، فأخذت الحكومة بجمعه من أطراف حلب وهو كالذباب «3» فجمعوا منه- بضبط قاضي حلب- مائتي ألف كيل استانبولي، على كل بيت كيلان فيما زعموا، وألقوه في الحفر والآبار المهجورة. فلم يمض القليل من الزمان إلا وكبر ما بقي وزحف على البساتين، فحرّك الماء المذكور ليجيء السمرمر بتحريك الشيخ محمد الكواكبي ومعه مريدوه فلم يفد، فزعم الناس أن خاصيته انقطعت إذ لم يكن الوارد به من أهل الصلاح والشرط أن يكون منهم. قلت: أدركنا في زماننا أن جماعة من الدراويش المنسوبين إلى الطريقة البكداشية يحضرون إلى البلاد الشامية في أكثر السنين التي يشيع فيها غرس الجراد، ويحضرون معهم الجزء: 3 ¦ الصفحة: 206 أباريق من الصفيح ضمنها ماء السمرمر، فيعلقونها على جبهة منبر الجامع الكبير ويأخذون عليها من ولاة حلب عطية جرت العادة على أخذها منهم. وقد لاحظتها في سنين كثيرة فلم أر منها أقل فائدة. غدر والي حلب بالحلبيين: وفي هذه السنة أيضا انفصل قباد «1» باشا. فسرّ الناس بذلك سرورا عظيما إذ تخلصوا من ظلم صوباشيّه «2» . وأظهر واحد من الحلبيين لقاضي حلب أمرا بالتفتيش على الصوباشي المذكور، فأرسله القاضي مع الأمر صحبة المحضرباشي «3» إلى قباد باشا، وتبعه باقي المدعين على الصوباشي وجماعة من غوغاء الناس، ينتظرون ماذا يؤول إليه حال المتخاصمين، ووقفوا بباب دار الحكومة ودخل المدعي المذكور والمحضرباشي إلى قباد باشا، فأمسكه عنده يومين ثم جدع أنفه وأطلقه، وأظهر أن القاضي أشار إليه بذلك مع المحضرباشي، وأنه لو لم يفعل به ذلك لهجم الناس عليه وقتلوه كما قتلوا قرى قاضي السالف ذكره. ثم كتب قباد باشا إلى الباب العالي أن الحلبيين اجتمعوا متسلحين بباب الحكومة ليقتلوه ويدخلوا منزل الحضرة السلطانية الذي حلّ ركابها فيه قديما. وأما قاضي حلب فإنه حامى عن الحلبيين وكتب عكس ما كتب الوالي، غير أن عرض الوالي وصل إلى الباب العالي قبل عرض القاضي، وشاع في حلب أنه سينفي منها جماعة إلى بغداد. ولما وصل عرض القاضي طلب المحضرباشي إلى الباب العالي، فأحضره القاضي لديه وأشهد على إقراره جماعة ثقات بأنه لم ير أحدا متسلحا بباب الحكومة. ثم توجه إلى الباب العالي وبرّأ الحلبيين عن تهمة قباد باشا ثم أمر الباب العالي فرهاد باشا أن يسير إلى حلب ويفحص عن حقيقة هذه المادة فحضر وفحصها من دوزدار القلعة وغيره، وظهر له أن الحلبيين مظلومون فيها. وفي هذه السنة استقر فرهاد باشا واليا في حلب. وكان عادلا عفيفا ظريفا مطّرح الكلفة، له ولع بالحديث حتى إنه كان يقول: أنا أحفظ ثلاثمائة حديث. إلا أنه أكب الجزء: 3 ¦ الصفحة: 207 على صنعة الكيمياء. ولما كان يوم الجمعة بعد دخوله إلى حلب صلى الجمعة بالجامع الكبير، وبعد فراغ الصلاة طلب الخطيب وأمره أن يذكر في الخطبة الحسن والحسين قبل الستة الباقين من العشرة فاضطرب الناس لذلك. خروج الجراد: وفي سنة 965 شاع أن الجراد خرج في بعض القرى فخرج بعض الناس لجمعه بأمر فرهاد باشا. وكان الناس في قحط عظيم وصل فيه رطل الخبز إلى عشرة دراهم. وبينما هم على هذه الحالة إذ نادى مناد من قبل الوالي بخروج أهل حلب إلى ظاهر المدينة لاستقبال ماء السمرمر فخرج الناس إلى قرية بابلّي ورجعوا كأنهم جراد منتشر مع الماء، فرفع إلى مئذنة القلعة دون أن يدخل تحت سقف لئلا تزول خاصيته، وبات أهل حلب في سرور عظيم. وبعد أيام ظهر الجراد في بعض معاملات حلب، فخرج الوالي بنفسه إليه وأخرج خلائق كثيرة ما بين عوامّ يجمعونه وخواص يناظرونهم. وبقي الجمع نحو أسبوع إلى أن دفنوا منه بالحفر والآبار ما لا يدخل تحت حصر، وانتفع الناس بذلك منفعة بالغة. وفي سنة 967 ظهر جراد صغير في حلب العتيقة، فنادى القاضي أحمد بن محمود ابن عبد الله الخالدي بالصيام ثلاثة أيام والتوجه إلى الله تعالى بالدعاء لرفعه، بعد أن خرج والي حلب فرهاد باشا إلى المكان الذي هو فيه، في خلائق من أهل حلب ونواحيها يزيدون على عشرة آلاف رجل، يجمعون الجراد في قلاع التوت والبسط ويدفنونه في الأرض بعد قتله. وبقوا هناك نصف شهر وهم في مسافة نصف يوم، وعندهم سوق وبينهم لهو ولعب. وبينما هم كذلك إذ مطرت السماء لا على ناحيتهم بل على ناحية حلب بردا كالبندق والعفص، وربما وقعت واحدة نحو وقية في ساعة كادت الصواعق تقع بها، فأتلف كثيرا من الخضر والبقول وما بدا انعقاده من الفواكه. وفي سنة 972 ولي حلب أرناود سنان باشا كما في حديقة الوزراء. تنبيه: لم أظفر بمادة تسفر عن حوادث حلب من سنة 968 إلى سنة 988 أما ولاة حلب في هذه المدة فإني ذاكرها نقلا عن سالنامة الولاية، وإن كان بعضها خطأ فإن العهدة على مرتبها. حرر في سالنامة سنة 1303 أن والي حلب سنة 973 عاد إلى محمد باشا وقد علمت الجزء: 3 ¦ الصفحة: 208 ما فيه. قلت: ذكر المجبّي في الخلاصة أن حسن باشا ابن محمد باشا صرف من كفالة حلب إلى دمشق سنة 985 ولعل والي حلب سنة 987 ألوند علي باشا، كما يستفاد مما كتب على الباب الشمالي، أحد أبواب الجامع الكبير. وفهمت من كتاب وقف جامع البهرمية أن بهرام باشا كان واليا في حلب سنة 991 ولم أعلم متى عيّن ثم متى انقضت ولايته. اه. قال في السالنامة المذكورة: وفي سنة 994 ولي حلب رضوان باشا. وفي سنة 995 حسن باشا. وفي سنة 999 الحاج أحمد باشا. وفي سنة 1002 محمد باشا. اه. الشركة الشرقية في حلب: قال في محلة المقتطف: وفي سنة 989 تشكلت الشركة الشرقية بأمر الملكة إليصابات الإنكليزية، وبعد ذلك بزمن يسير فتحت محلا للتجارة في حلب مع بلاد فارس والهند في الطريق البري، وعيّن للدولة الإنكليزية قنصل عرفه السلطان مراد خان الثالث. وكان في حلب وغيرها من الممالك العثمانية كثير من المحلات التجارية الفرنسوية. اه. وفي سنة 1008 كانت وفاة «أحمد بن موتياب باشا» أمير الأمراء بحلب وواليها، ودفن بمحلة الجلوم. حريق في حلب وفساد من العرب: وفي إبّان ولاية «موتياب أحمد باشا «1» » وقع الحريق في سوق العطارين وذهب للناس أموال كثيرة. قيل: سببه أن بعضهم نسي في الكانون بعض النار. وقيل: إن جماعة الباشا فعلوا ذلك ليغرّموا الناس بالأموال. والأول أولى. وفي أيام هذا الوالي أيضا وقع من العرب فساد كثير لم يعهد مثله. وقد بنى الوالي المشار إليه مدرسة وشرط لمدرّسها في اليوم عشر قطع فضية، وقيل عشرين عثمانيا صحيحا، ورتب ثلاثين قارئا يختمون في كل يوم ختما، وبنى له مدفنا ووقف على ذلك خانا وبعض دكاكين. اه. ذكر ذلك كله الشيخ أبو الوفا العرضي في معادن الذهب، ولم يذكر متى ولي الباشا المذكور حلب، ولا عيّن مكان الجزء: 3 ¦ الصفحة: 209 مدرسته وما وقفه عليها وعلى المدفن. وفي هذه السنة أعني سنة 1008 عين واليا على حلب أمير الأمراء الحاج إبراهيم باشا. فتك إبراهيم باشا بالانكشارية وذكر شيء من فظائعهم: وفي ربيعها الآخر فتك إبراهيم باشا بالانكشارية الدمشقيين، وكانوا قد استطالوا على فقراء حلب وأفحشوا في ظلم الرعايا جاعلين وسيلة ذلك تحصيل الأموال السلطانية فيتوصلون إلى أغراضهم الفاسدة، حتى تزوجوا النساء في حلب وصارت لهم قرى وأملاك. فعرض الوالي ذلك إلى السلطان فورد أمره بإجلائهم عن حلب إلى بلادهم دمشق، فأمرهم بالرحيل فلم يرحلوا وجمعوا جموعهم بالقصير واستعدوا للمحاربة ونهبوا الأموال، فتمكن إبراهيم باشا منهم وقتل سبعة عشر من أعيانهم ورفع رؤوسهم على الرماح. ثم عرض على الدولة أن تجعل قولا- أي جيشا- لمدينة حلب، فلم تجبه، وعزل عن ولاية حلب في اليوم الحادي عشر شوال سنة 1009 صرح بعزله مصطفى نعيما في تاريخه «الروضتين» . وبعد أن عزل إبراهيم باشا من ولاية حلب ولي مكانه علي باشا، وكانت الدولة استصوبت رأي إبراهيم باشا- الذي سبق ذكره- بتخصيص حلب بقسم من الجنود. ولما دخل حلب علي باشا الجديد كتب «القول» الجديد ورتبه على هيئة «قول» الشام وغيرها فلم يجد ذلك نفعا، وزاد الدمشقيون في عتوّهم وغلوائهم وبقيت في أيديهم خدمة الدفتردار ودار الوكالة وأبواب قناصل الإفرنج. وكان من جملة أعمالهم الفظيعة أنهم يعطون مال السلطنة عن القرية ويأخذون من أهلها أضعافا مضاعفة، وتبقى أهل القرية جميعا خدمة لهم يأخذون منهم جميع محاصيلهم. ولما وصل ضررهم إلى هذه الرادة جمع علي باشا زعماءهم بمحضر من العلماء والأمراء وأمرهم بالخروج من حلب، ونادى الناس عليهم ألّا يستوطنوا بحلب. فخرجوا وقوي عليه الحلبيون وطردوهم وأساؤوا إليهم، حتى إنهم قتلوا منهم عسكريا. فتوجه الدمشقيون إلى الشام وحشدوا وجمعوا واستعانوا ورجعوا إلى محاربة الحلبيين. وفي أثناء غيابهم عيّن واليا على حلب بشير باشا، ثم سعى بولاية حلب شريف باشا كافل دمشق، فعيّنه إليها السردار حسن باشا ورفقه بعساكر دمشق وسيّره معهم إلى حلب. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 210 فوصل شريف باشا إليها ودخلها من باب المقام وخرج من باب بانقوسا إلى الميدان. فوجد بشير باشا والعساكر الحلبية ناصبين خيامهم هناك وهم على عزم التوجه إلى حسن باشا، السردار المذكور- وكان في دمشق- فنزل شريف باشا مع الدمشقيين في قرية بابلّي، وإذا بالمساء ورد تقرير بشير باشا بولاية حلب من جانب السردار المذكور متأخر التاريخ. ففي اليوم الثاني وقعت محاربة عظيمة بين الأميرين واتخذ كل منهما متاريس وأمر بشير باشا بإطلاق المدافع من قلعة حلب على شريف محمد باشا والدمشقيين فتوقف شريف باشا عن المحاربة وارتحل بعسكره ليلا. ولما وقعت هذه الفتنة عرض بشير باشا إلى حسن باشا السردار واقعة الحال وطلب منه الاستعفاء، فأجابه إلى ما طلب وأرسل إلى حلب متسلما من قبل شريف باشا. وكان الدمشقيون رجعوا إلى دمشق وتقوّوا وعادوا إلى حلب ومعهم نحو عشرة آلاف عسكري، ولم يكن عند الحلبيين سوى نحو ألف وخمسمائة عسكري، فخرج الحلبيون لمحاربة الدمشقيين وهم في قرية الراموسة، ودام الحرب بينهم من الصباح إلى قرب العصر، فانكسر الحلبيون ورجعوا وأكثرهم مثخن بالجراح. وفي الليل دخل الدمشقيون إلى المحلات الخارجة عن السور. فلما طلع النهار أغلق الحلبيون أبواب المدينة- سوى باب قنسرين- ووضعوا عليها المدافع. واتخذ الدمشقيون المتاريس عند باب النصر وباب بانقوسا وصاروا يرمون بعضهم بالمدافع. وفي كل ثلاثة أيام يخرج الحلبيون إلى جانب باب قنّسرين ويحاربون الدمشقيين. وقد خرج غالب أكابر حلب إلى القلعة خوفا من هجوم الدمشقيين على أسوار حلب. وكان معظم ذلك في شهر رمضان سنة 1010. ولما قدم حلب يحيى أفندي ابن بستان- قاضيا عليها- أنزله الدمشقيون عندهم خارج البلد ونسبوا الحلبيين إلى العصيان على السلطان، فأحضر القاضي علماء حلب وأمراءها وكتبوا محضرا إلى حسين باشا الجانبلاط- كافل كلّز- يطلبون حضوره ليصلح بينهم وبين الدمشقيين. فحضر بعد ثلاثة أيام بعساكر كثيرة ودخل الجامع الكبير وأحضر العلماء والأعيان وقال: هذه فتنة لا تنطفىء إلا بقتل خليل كيخيه كبير «القول» الحلبي، ومحمد جاويش من الشوربجية، وجمال الدين منهم أيضا. فأبى الحلبيون أن يعطوا واحدا منهم، وطال الكلام وكثر اللغط حتى رضي الدمشقيون بوضع الثلاثة في القلعة ساعة من النهار إهانة لهم وإطفاء للفتنة. فرضي الحلبيون بذلك وحلفوا بالله على المصحف الجزء: 3 ¦ الصفحة: 211 أن الدمشقيين الذين لهم دور في حلب يقيمون في دورهم، ومن لم يكن له دار منهم يرجع إلى وطنه. ثم فتحوا باب الفرج لقضاء حوائج الدمشقيين ووقف به ثلاثون رجلا من «القول» الحلبي حرسا ورقباء على من دخله من الدمشقيين بسلاح. وفي ثالث يوم هجم الدمشقيون وقتلوا من كان بباب الفرج وأخذوا في نهب دار محمد جاويش المتقدم ذكره. فثار الحلبيون وخرجوا إلى القلعة. فأرسل يقول لهم حسين باشا الجانبلاط: كان عند الدمشقيين حرارة فانطفأت بنهب دار محمد جاويش وعفا الله عما مضى. فانخدع الحلبيون وسكنوا. أما الدمشقيون فإنهم زادوا في طغيانهم واستطالوا على نهب دور الحلبيين. ولما رأى حسين باشا أن الداء عضال ولّى إلى كلّز وقال: سلّط الله الكلاب على البقر. وأخذ الدمشقيون في محاصرة القلعة ووضعوا المتاريس في سوق السراجين، وكان الحلبيون يهجمون على الدمشقيين ويقتلون منهم. فدخل الدمشقيون ليلا من تحت القسطل المقارب لباب القلعة ووضعوا النفط والقطران وأحرقوا جسر باب القلعة. وعجز الحلبيون بعده من الوصول إلى الدمشقيين. وفي غضون ذلك ورد حلب واليا عليها حسن باشا ابن علي باشا ألوند، فرشاه الدمشقيون بخمسين ألف قرش فأمر برفع القتال حتى يصدر أمر الدولة باستخدام أحد القولين في حلب. ثم لما نزل الحلبيون من القلعة ورأوا دورهم متهدمة وأموالهم منهوبة وأمارات الغدر تلوح على الدمشقيين، قالوا في أنفسهم: تغدّوا بهم قبل أن يتعشّوا بكم. فهجموا عليهم وأثخنوهم بالجراح والقتل ثم وقع الفشل فيهم وعادوا إلى حصار قلعتهم، وشدد الدمشقيون الحصار عليهم حتى رضوا بترك الخدمة بالكلية إلى الدمشقيين. فرفع الدمشقيون عنهم الحصار وأمنّوهم إذا نزلوا. فانخدع الحلبيون ونزلوا من القلعة فلم يشعروا إلا والدمشقيون قد هجموا عليهم وأخذوا في قطع رؤوسهم بحضور الوالي والقاضي وهما ساكنان، حتى جمعوا من رؤوس الحلبيين مقدار القبة وكان ذلك في يوم عرفة من السنة المذكورة وهي سنة 1010 وصفا الوقت للدمشقيين، وأخذوا استخدام بيت القاضي وبيت الصّوباشي وبيت القنصل وبيت الدفتردار، واستولوا على حلب أكثر من استيلائهم الأول، وتزوجوا ببنات أعيان حلب، وعاد ظلمهم وعسفهم. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 212 وفي أوائل سنة 1011 قدم حلب واليا عليها نصوح باشا المشهور بناصيف باشا فأخذ يمهد أسباب إزالة ضرر الدمشقيين سرا ويستعدّ لكبتهم خفية، لأنهم صاروا أولي قوة ومنعة، وطغوا وبغوا وخافهم الكبير والصغير من أهل حلب، واستولوا على أكثر قراها بحيث قلّت الأموال السلطانية وصار أهل القرى كالأرقّاء لهم. ولما استحكم نصوح باشا من أمره واستعد لكبحهم أخذ في رفع أيديهم عن القرى وإجلائهم إلى بلادهم، وحصل بينه وبينهم وقعة عظيمة وكان مساعده عليهم حسين باشا كافل كلّز، ففروا بين يديه هاربين إلى حماة ثم جمعوا وحشدوا وجاؤوا إلى كلّز وحاصروها وخربوا ما حواليها من القرى كالباب وعزاز وقرى حلب ونهبوا الأموال وهتكوا النساء وافتضت عدة أبكار، ودخل بعض أشقيائهم بكلّز الحمّام وفعلوا أفاعيل جاهلية. ثم تلاقوا مع نصوح باشا وابن الجانبولاط خارج كلّز يوما واحدا ثم انهزموا وعادوا إلى دمشق. ثم رجعوا إلى قرب حماة وتظاهروا بقطع الطريق وضربوا على حمص وحماة ضرائب من المال، واعترضوا القوافل وجرّموهم. فتقدم إليهم نصوح باشا وأطلق عليهم المدافع، فلم يكن غير ساعة حتى انهزموا وعادوا إلى دمشق ونهبوا قراها وعاثوا خلالها في الفساد. وكان ذلك في سنة 1012 ولما استهلت سنة 1013 تفرقوا عن بعضهم لعجزهم وانقطع أمرهم عن حلب، وكفى الله المؤمنين القتال. تبييض القلعة: وفي هذه السنة بيض نصوح باشا قلعة حلب وأجرى عليها بعض الترميم، فقال بعضهم مؤرخا: يمينا قلعة الشهباء أضحت ... عروسا عرفها مسك يفوح وقالت: أرّخوا، أعني بياضي ... فأرّخها مبيّضها نصوح قيام نصوح باشا على حسين باشا الجانبولاط وما جرى بينهما: ولما صفا الوقت لنصوح باشا والي حلب صار يشيع بين الناس أنه يريد قتل حسين باشا الجانبولاط والي كلّز زاعما أنه عاص على الدولة، مع أن حسين باشا المذكور لا يستحق من نصوح باشا هذا الجزاء بعد أن ساعده على انكشارية دمشق، وليس هو الجزء: 3 ¦ الصفحة: 213 عاص «1» على الدولة- كما زعم نصوح باشا- بل كانت الدولة تراعيه نظرا لما عنده من الشهامة والشجاعة، وبقاؤه في كلّز واليا زمنا طويلا لا لعصيانه على الدولة إنما كانت الدولة ترى في عزله بعض الصعوبة، وتخشى من وقوع فتنة من عشيرة الجانبلاط إذا هي عزلته، فكانت تغضي عنه الطرف وتقنع منه بالمال وهو في غاية الطاعة. ولما بلغه تهديد نصوح باشا إياه أخذ في جمع العساكر فسمع بذلك نصوح باشا وخرج بعساكره جريدة إلى كلّز فقابله حسين باشا بعساكره الكثيرة وكسره كسرة شنيعة، وانهزم نصوح باشا في عسكر قليل إلى حلب. وبعد أيام قلائل أخذ في الاستعداد ثانيا لمحاربة حسين باشا وبذل الأموال وحشد الأبطال. وبينما هو كذلك إذ ورد على حلب قبجي باشي من قبل السردار سنان باشا ابن جفال يخبر نصوح باشا بالأوامر السردارية أنه قد صار حسين باشا كافل الممالك الحلبية، وعزل نصوح باشا منها. فغضب لذلك نصوح باشا غضبا شديدا وامتنع عن تسليم حلب لحسين وقال: إذا ولّوا حلب عبدا أسود فإني أطيعه إلا ابن الجانبولاط. وكتب إلى الدولة أن أمراء العشائر لا تصلح أن تكون ولاة للدولة. فما مضى أسبوع إلا وقد أقبلت عساكر حسين باشا إلى قرية هيلانة فاستقبلهم نصوح باشا فانكسر وعاد إلى حلب. ونزل حسين باشا مع عساكره في محلات حلب خارج السور، وأغلق نصوح باشا أبواب المدينة وسدّها بالأحجار وفتح باب قنّسرين وحرسه بعساكر وقفهم هناك، وقطع حسين باشا الماء عن حلب ومنع الميرة والطعام عن داخل حلب ونصب المتاريس على أسوار البلد، وحفّ نصوح باشا عساكره على الأسوار مع المدافع، وقام بين الفريقين حرب مهولة وأخذ حسين باشا في حفر اللّغوم والاحتيال على أخذ البلد، وأخذ نصوح في حفر السراديب لدفع اللغوم، وعمّ الحلبيين أنواع الكدر من المبيت على الأسوار وحفر السراديب ومصادرة الفقراء والأغنياء كل يوم لطعام السكبانية وعلافتهم «2» ، وإغلاق الدكاكين وتعطل الصناعات وحرق الأخشاب للطعام والقهوة بسبب قطع حسين الميرة حتى الحطب، ونزل البلاء من جانب السماء على حلب، فبيعت الحنطة: المكوك بمائة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 214 قرش ريالي، وجرّة الشيرج بثمانية قروش، ورطل لحم الخيل الكدش بنصف قرش، والتينة الواحدة بقطعة، وأوقية بزر البطيخ بأربع قطع. وأعظم من في البلد يجد أكل البصل والخل من أحسن الأطعمة. وكان بعضهم يأخذ الشمع الشحمي ويضعه في طعام الأرز والبرغل، وكانت العساكر لا تجد التبن بل كانوا يأخذون الحصر وينقعونها في الماء ويطعمونها للخيل. وكان كل فقير يغرّم في اليوم قرشين والمتوسط عشرة والغني عشرين. واستمر الحصار نحو أربعة أشهر، وأيام كل ذلك كان في سنة 1013 وبينما كان الحال كذلك إذ قدم إلى حلب قاضيا عليها السيد محمد المشهور بشريف أفندي، فنزل خارج المدينة وأخذ يسعى في الصلح فتم على يده، ولم يثق نصوح إلا بأيمان السّكبانية وعهودهم، فحلّفهم جميعا بالسيف على أن يكون آمنا على نفسه وأمواله، وأنه إذا تعرض لها حسين باشا يقاتلونه معه. ثم أمر القاضي نصوح باشا أن يذهب بنفسه إلى حسين ويصالحه فأجابه، وتوجه نصوح إلى منزل حسين فأكرمه وسقاه شربة سكّر بعد أن شرب منها حسين أمامه تأمينا له، فشرب نصوح ثم خرج من البلد بعساكره وطبوله وزموره دون أن يتعرض له أحد بسوء. واستولى حسين باشا على ولاية حلب وشحنها بالسكبانية وصادر الأغنياء والفقراء لأجل علوفتهم. قتل حسين باشا: وفي سادس عشر جمادى الآخرة سنة 1014 كانت كسرة الوزير سنان باشا ابن جفال ببلاد العجم، وكان قد أرسل إلى حسين باشا بالتوجه إليه ليكون معه في محاربتهم، فتثاقل حسين باشا عن التوجه وتباطأ. ولما رجع سنان باشا من الكسرة تلاقى مع حسين باشا في «وان» فاتهمه بالمخامرة على الدولة وخنقه في الحال وقطع رأسه. وكان ذلك في السنة المذكورة. عصيان علي باشا على الدولة وما آل إليه أمره: ولما سمعت عشيرته بحلب أنه قتل ظلما وعدوانا ثارت فيهم الحمية وقاموا على قدم وساق، لا سيما ابن أخي المقتول علي باشا، فإنه استشاط غضبا وتحرّق غيظا، وكان هو وكيل غيبة المقتول، فحشد إليه أخلاط الناس وغوغاءهم وتغلّب على حلب. ولما الجزء: 3 ¦ الصفحة: 215 اتصل الخبر بالدولة أرادت أن تتدارك الخرق وتجبر الكسر، فأرسلت بمنشور إيالة حلب إلى علي باشا فازداد عتوا، وجمع جمعا عظيما من السّكبان حتى صار عنده ما يزيد على عشرة آلاف فارس، ومنع المال المرتّب عليه ونهب في تلك الأطراف، ودبّر على قتل والي حلب حسين باشا، وكان ولاه السلطان عليها لما بلغه خروج علي باشا عن الطاعة. وكان حسين باشا المذكور وصل إلى أذنة فأرسل علي باشا إلى حاكمها الخارجي أيضا المعروف بجمشيد أن يصنع لحسين باشا ضيافة ويقتله فيها، ففعل. ونما خبره إلى الأقطار واستمر علي في حلب يظهر الشقاق إلى أن أرسل الأمير يوسف ابن سيفا صاحب عكا إلى باب السلطنة رسالة يطلب فيها أن يكون أميرا على عسكر الشام، والتزم بإزالة ابن الجانبولاط عن حلب. فجاءه الأمر على ما التزم. فجمع عساكره والتقى مع ابن الجانبولاط في قرب حماة فانكسر ابن سيفا، واستولى ابن الجانبولاط على أثقاله وفرّ ابن سيفا إلى دمشق. وسار ابن الجانبولاط إلى طرابلس واستولى عليها وضبط ما وجده فيها من الأموال. وفي يوم السبت من أواسط جمادى الآخرة سنة 1015 التقى ابن الجانبولاط بعسكره مع عساكر دمشق في وادي دمشق الغربي، فما مرّ مقدار جلسة خطيب إلا وانكسر عسكر دمشق وتقدم ابن الجانبولاط لنهب دمشق. ثم صالحوه على مائة وعشرين ألف قرش ورحل عنهم عائدا إلى حلب. وفي طريقه صالح ابن سيفا وصاهره ثم سار إلى حلب وجاءته الرسل من جانب السلطنة تقبّح عليه ما فعله بالشام، فكان تارة ينكر فعله وتارة يحيل الأمر على عسكر الشام. وشرع بسد الطرقات وبقتل من يعرف أنه سائر إلى طرف السلطنة، وأخاف الخلق ونفذ حكمه من آذنة إلى نواحي غزة. وانقطعت أحكام السلطنة من البلاد المذكورة سنتين ووقعت الوحشة وانقطعت الطرقات، إلى أن أمر السلطان وزيره الأعظم قويجي مراد باشا السردار بالمسير إلى ابن الجانبولاط وغيره من العصاة في نواحي آذنة وسيواس وغيرهما. فخرج الوزير من «إسكدار» ومعه من العساكر الرومية ما يزيد على ثلاثمائة ألف، ما بين فارس وراجل. فمر في طريقه على الخوارج المذكورين وأبادهم. ثم قصد جهة حلب ولما بلغ خبره مسامع ابن الجانبولاط وضع أثقاله بقلعة حلب وحصّن أسوار البلد وتأهب لملاقاة العساكر، وأرسل فرقة من أجناده لتحصين جبل بقراص ليمنعوا العساكر من المرور. غير أن مراد باشا لم يأت من هذا الطريق الضيق إنما أتى من جبل قاز فلم يشعر ابن الجانبولاط إلا وعساكر الجزء: 3 ¦ الصفحة: 216 الوزير قد دهمته، وكان الحرب نهار الثلاثاء ثالث رجب سنة 1016 بأرض مرج دابق من أعمال قنّسرين، وكان مع ابن الجانبولاط من العسكر زهاء أربعين ألفا، وقد انضم إلى الوزير ذو الفقار رستم باشا حاكم مرعش ومعه عساكر ذي القدرية «1» . فلما اشتبك الحرب بين الفريقين كادت تكون الغلبة لابن الجانبولاط ثم عادت الكرة عليه وقتل من عسكره نحو سبعة وعشرين ألفا وولى منهزما لا يلوي على أحد حتى وصل إلى مسقط رأسه كلّز. فلم يقرّ له قرار فيها وجاء إلى حلب وصادر عدّة من أغنيائها وصعد القلعة ومعه بعض رؤساء عسكره فاستقام ليلة ونزل منها معوّلا على الفرار. فخرج من باب بانقوسا فصاحت عليه النساء من الأسطحة بالويل والثبور وعظائم الأمور وصرن يقذفن عليه القذر والنجاسات. وبعد أن خرج من حلب اختفى ببعض بساتينها. أما مراد باشا فإنه في ثاني يوم من الوقعة توجه إلى حلب واجتاز بطريقه إلى كلّز للتفتيش على ابن الجانبلاط فلم يره، فضبط جميع أمواله لبيت المال، وتوجه منها إلى حلب فوصل إليها في التاسع عشر رجب وضرب خيامه في الميدان الأخضر، واستقبله أعيان البلدة ووجهاؤها وهنّؤوه بالظفر والنصر. ثم التفت الوزير إلى استخلاص القلعة من أيدي بعض أعوان الجانبولاط فرام محاصرتها، فتحقق من فيها بأن كل محصور مأخوذ فطلبوا من الوزير الأمان فأنزلهم بأمانه، وكانوا نحو ألف رجل وكان منهم نساء ابن الجانبولاط. فلما نزلوا بادروا إلى تقبيل ذيل الوزير فأشار إلى النساء أن يسكنّ في مكان معلوم، وفرق الرجال على أرباب المناصب، وطلع إلى القلعة ورأى فيها ما لا يدخل تحت الحصر من أموال ابن الجانبولاط فضبطه كله إلى بيت المال. ثم شرع يتجسس في حلب على الأشقياء وأتباعهم فقتل منهم جماعة، وقرر الراحة في حلب وولّى عليها حسين باشا وولّى قضاءها جشمي أفندي قاضي العسكر. ونظم أمور العسكر وأكمل الشتاء في حلب ثم أقلع عنها. وأما ابن الحانبولاط فإنه هرب إلى ملطية ثم سار منها إلى الطويل الخارج على الدولة في بلاد الأناطولي، وأراد أن يتحد معه فقال له الطويل: أنا وإن كنت مسمّى بالعاصي لكني ما وصلت في العصيان إلى رتبتك. فرحل عنه بعد ثلاثة أيام وسار إلى العبد السعيد ومعه ابن قلندر، فتلقوه وعظموه وأرادوا أن يجعلوه رئيسا عليهم فشرط عليهم شروطا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 217 لم يقبلوها فخرج من عندهم وتوجه إلى «برصة» ودخلها ليلا واتصل بحاكمها وعرّفه بنفسه، فتحير منه وقال له: ما سبب وقوعك؟ فقال: ضجرت من العصيان، فأوصلني إلى السلطان. فوصله وسأله السلطان بقوله: ما سبب عصيانك؟ فقال ما أنا بعاص إنما اجتمعت عليّ فرق الأشقياء وما خلصت منهم إلا أن ألقيتهم في فم جنودك وفررت إليك فرار المذنبين، فإن عفوت فإنت أهل لذلك، وإن أخذت فحكمك الأقوى. فعفا عنه وأعطاه حكومة طمشوار داخل بلاد الروم، فبقي بها سنة ثم عاد إلى ديدنه الأول وتجاهر بالعصيان فبرز الأمر بقتله وأرسل رأسه إلى باب السلطنة، وكان ذلك في حدود 1020. قال مصطفى نعيما الحلبي في تاريخ الروضتين: إن عشيرة الجانبولاط من عشائر الأكراد في سنجق كلّز في قرب حلب، وإن حسين باشا المقتول- عمّ علي باشا المذكور- هو أكبر رجالهم، وكانت له أعمال تستحق الذكر لأن الدولة العثمانية كانت تأمره بالسفر شرقا وغربا فيسرع الإجابة هو وعشيرته ويبلي في عدوها بلاء حسنا. قلت: ذكر في «درّ الحبب» في ترجمة أحد أجداد المذكور- على ما أظن- أن أصل هذه العشيرة من جبال القصير وأنهم كانوا في مبدأ أمرهم منحرفين عن السنّة. ذكر في السالنامة أن الوالي في حلب سنة 1017 حسن باشا، والظاهر أنه تحريف حسين باشا الذي عينه مراد باشا السردار كما تقدم. وذكر في السالنامة أن الوالي على حلب في السنة المذكورة ملك محمد باشا. قتل ملحد: وفي سنة 1018 قتل في حلب أبو بكر الأرمنازي، شهد عليه جماعة بالكفر فضربت عنقه تحت القلعة، وجاء الناس بالنفط والقطران وحرقوه حتى صار رمادا. وفيها ولي حلب سنان كجك باشا. وفي سنة 1019 توفي سنان باشا المذكور بحلب. وفي أوائل سنة 1020 ولي حلب قره دده باشا. وفي سنة 1024 في شعبان وصل إلى حلب داماد محمد باشا الوزير الأعظم السردار متوجها إلى «وان» فبقي في الميدان هو وعسكره إلى انقضاء الشتاء. وفي ابتداء الربيع رحل عنها وكان ذلك في ربيع الآخر سنة 1025 وفيها ولي حلب كمكجي أحمد باشا. ثم في سنة 1026 وليها محمود باشا. ثم في سنة 1027 وليها قره اقش محمد باشا. ثم في سنة 1028 وليها حسن باشا. وفي سنة 1029 قدم الجزء: 3 ¦ الصفحة: 218 حلب منفيا داماد محمد باشا المتقدم ذكره، فتوفي بها ودفن في تكية الشيخ أبي بكر. وفي سنة 1030 ولي حلب يوسف باشا. وفي سنة 1033 وليها كوسا مراد باشا. شغب الإنكشارية: وفي سنة 1035 طغت الإنكشارية في حلب وقد حضر إليها حافظ باشا، وكان في ديار بكر، فتواطئوا على قتل رئيس كتابهم مالقوج أفندي، فعوّل على الفرار وسعى في تهريبه من بين أيديهم أحمد آغا المعروف بقره مذاق من الرجال الأقدمين في الوجاق الواقفين أنفسهم في خدمة السلطان عثمان. فوثب الإنكشارية وحزّوا رأسه بالموسى وطرحوا جسده في مزبلة الخندق. وفيها أعني سنة 1035 ولي حلب مصطفى باشا. ووليها في سنة 1037 سليمان باشا. وفي سنة 1039 محمد باشا مرة ثانية. وفي سنة 1040 مرتضى نوغاي باشا. وفيها وصل إلى حلب السردار الأعظم محمد باشا فتلقاه واليها مرتضى نوغاي باشا إلى قرب قلعة بقراص، وعمل له ضيافة حافلة عند جسر مراد باشا. وبعد سبعة أيام من دخوله إلى حلب رتب في دار الحكومة ديوانا حضره أعيان البلدة وأركان استانبول وألقى خطابا بيّن فيه حسن قيام مرتضى نوغاي باشا بخدمة الدولة والملّة إلا أنه اتهمه بقصور كان منه في تأخير بعض جماعة أمر السلطان بقتلهم. ثم في الليلة الثالثة من مجيئه إلى حلب قتل رجلا أمر السلطان بقتله وأرسل رأسه إلى استانبول، ثم عزل نوغاي باشا عن حلب ووجه رتبة الوزارة إلى أحمد باشا أحد الأغوات السلحدارية، وجعله واليا في حلب. وفي اليوم التاسع عشر من السنة المذكورة وصل إلى حلب أحمد باشا المذكور وتسلم زمام الأمور. شغب الإنكشارية: وفي عشرين شعبان اجتمعت الإنكشارية بوسيلة طلب أرزاقهم ورفضوا عدة مستخدمين، منهم آغاتهم محمد آغا الكوسه وكاتبهم وكتخداهم. ثم تجمهروا وهجموا على المأمورين المذكورين وقتلوا آغاتهم المذكور. ثم كفّ شرهم وقتل بعض زعمائهم ورد كيدهم في نحورهم. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 219 إبطال التدخين بالتبغ: وفي سنة 1045 وردت الأوامر السلطانية المشددة بإبطال التدخين بنوعي التتن والتنباك ونودي على من يشربهما بجزاء القتل. استطراد في الكلام على هذه الحشيشة: قيل إن وصول هذه الحشيشة الخبيثة إلى البلاد الشامية كان في حدود سنة 1000 ويستدل القائل على ذلك ببيتين هما: قال خلّي عن الدّخان أفدني ... هل له في كتابكم إيماء قلت: ما فرط الكتاب بشيء ... ثم أرخت يوم تأتي السماء جملة «يوم تأتي السماء» تبلغ بالجمّل (1000) أو (999) إذا لم تحسب الهمزة. أما منشأ هذا النبات فهو جزيرة اسمها (تبغو) في أميركا أحضر بزره منها إلى بلاد البورتكيز بعض نوتية الإسبان، ثم نقل منها إلى فرنسا بواسطة رجل اسمه (ثيفت) فزرع في فرنسة إلا أن الناس لم يلتفتوا إليه لأن النساء تكره ريحته. وبعد عشرة أعوام قدم إلى فرنسة إلا أن الناس لم يلتفتوا إليه لأن النساء تكره ريحته. وبعد عشرة أعوام قدم إلى فرنسة سفير البورتكيز- واسمه يوحنا ثيكوت- وأهدى الملكة كاترينا شيئا من بزر هذا النبات، وزعم أن التدخين به له فوائد عجيبة. فأقبل الناس في فرنسة على استعماله وذلك في سنة 1560 من الموافقة سنة 968 هـ وسماه الناس حشيشة الملكة، أو حشيشة السفير، أو حشيشة الرئيس الأعظم، أو حشيشة الصليب، أو الحشيشة المقدسة. فلم ترق هذه الأسماء للرجل (ثيفت) واحتج على دار الفنون بتسميته باسم السفير دون اسمه مع كونه هو أول من أحضره إلى فرنسة. وحينئذ ألغى الفرنسويون اسمه ثيكوت وسموه تبغا باسم الجزيرة التي هي منشؤه. ثم حرف هذا الاسم إلى تباكو عند التليان وتبا عند الفرنسيس، وتوبوكو عند الإنكليز، والتبغ عند العرب، وتنباكو عند الفرس، وتوتون عند الأتراك، وتتن أو دخان عند عامة العرب. اه. وفي سنة 1045 عزل عن حلب أحمد باشا ووليها يوسف باشا ابن أمير كونه، فأساء السيرة في أهل حلب واستنفر قلوبهم يصبروا له واضطربوا منه لأنه صادر كثيرين منهم، فسمعت الدولة بذلك وعزلته وأعادت أحمد باشا المتقدم ذكره. وكانت ولاية يوسف الجزء: 3 ¦ الصفحة: 220 باشا لحلب شهرين. وفي سنة 1047 كان والي حلب بويني أكري محمد باشا صاحب الوقف المشهور به في حلب. وفي سنة 1048 في حادي عشر ربيعها الأول وصل إلى حلب السلطان مراد خان وبقي فيها ستة عشر يوما ثم رحل عنها إلى استانبول. وكان قدومه إلى حلب من بغداد. وفيها قتل في حلب عشرون شخصا أحس بهم الحاكم أنهم يشربون الدخان سرا. وفي سنة 1050 ولي حلب حسين باشا نصوح باشا زاده. وفي سنة 1053 عزل عن حلب حسين باشا المذكور، وسبب عزله أنه صار ذا ثروة عظيمة فحسده بعض أقرانه وأشاع لدى الحضرة السلطانية بأنه عازم على العصيان فعزله عن حلب وجرى له بعد عزله مصافّ في قرب «أسكدار» مع العساكر السلطانية. انكسر عسكره وقتل. وولي حلب بعده سبارش باشا. فبقي في حلب أياما وأساء السيرة جدا حتى جهز الحلبيون وفدا إلى استانبول للشكاية عليه، فعزل عن حلب في رمضان هذه السنة، ووليها جعته لرلي عثمان باشا. وفي سنة (1054 هـ) قدم السلطان إبراهيم خان إلى أدرنة وولي حلب إبراهيم باشا سلحدار الخاصة. فساد العرب والإيقاع بهم: وفيها كثر فساد العرب في نواحي حلب وانقطعت السابلة، وكان أمير هؤلاء العرب المتمردة الأمير عساف، وكان له من قبل الدولة راتب معلوم. ولما زاد طغيانهم أراد إبراهيم باشا والي حلب أن يعمل الحيلة في القبض على عسّاف المذكور، وكان يريد أن يعزله عن إمرة العرب إلا أنه رأى ذلك لا يجديه نفعا فإن عسافا لا يعترف بالعزل في ذلك الحين. ثم إن إبراهيم باشا خطر له أن يرسل إلى عساف رسولا يدعوه إلى ضيافة يصنعها له في حلب، فقال له الرسول: إن عرب البادية لا تأوي المدن بل ولا ما قاربها. فأمر إبراهيم باشا أن تصنع وليمة حافلة في قرب حلب على بعد خمس ساعات منها تقريبا. ثم سار الباشا إلى محل الضيافة بالمهمات والعساكر ومعه الهدايا، وأشاع أن هذه الوليمة مصنوعة إلى سلطان البر يعني به عسافا. وكان الرسول قد سبق إلى الأمير عسّاف ودعاه إلى هذه الضيافة فأجابه إليها بعد أن استوثق منه على عدم الغدر، وعاد الرسول إلى ابراهيم باشا وأخبره وحذّره من الغدر بالأمير الجزء: 3 ¦ الصفحة: 221 عساف في خصوص هذه الضيافة. وكان الأمير عساف قد تجهز للقدوم على هذه الضيافة ومعه جمّ غفير من العربان خوفا من أن يغدر به الباشا. ولما وصل إلى محل الضيافة غدر به الباشا وأراد أن يقتله، فاستدرك الفرط «1» وانفلت من قبضته وعاد إلى أشد ما كان عليه من الإفساد وقطع الطريق. ولما سمعت الدولة بغدر إبراهيم باشا وعدم وفائه وسوء تدبيره عزلته عن حلب وولّت مكانه درويش باشا المعزول عن ولاية بغداد. فقدم حلب وتلافى خطر العربان الذي كان من أهم الأمور في ذلك الزمان، وأرسل من قبله رسولا يدعو عسافا بالرفق واللين إلى طاعة السلطان، وجهز معه هدايا ثمينة لعساف. وكان الرسول في ذلك علي آغا كجك، جدّ مصطفى نعيما الحلبي صاحب تاريخ الروضتين (وجدّ الأسرة الشهيرة في حلب باسم راغب زاده القاطنة في محلة السفاحية) . فوصل الرسول المذكور إلى عساف وبسط له الكلام وتلطف به ووبخه على عصيانه وعظّم من أمره وأمر هذه العشيرة المعروفة بعشيرة أبي ريش، وقال له: لا ينبغي ولا يليق بأدنى فرد من أفراد هذه العشيرة أن يشهر على السلطان العصيان. فأجابه عساف بقوله: يا علي والله ما لي ذنب في هذا العمل وإنما الذنب فيه لإبراهيم باشا. ثم إن عسافا استدعى بثلاثة دروع كان لبسها في يوم الضيافة وصار يري علي آغا الثقوب التي حصلت من إطلاق الرصاص، وكانت إحدى الرصاصات قد ثقبت الدرع ووصلت إلى بدنه، فحلف له الأمير عساف أن جرح هذه الرصاصة بقي يبصق منه الدم شهرين. فسلّاه علي آغا وذكر له أن الدولة لم تعزل إبراهيم باشا إلا لما أجراه معك من الغدر. فرضي حينئذ عساف وتعهد لعلي آغا بالأمن والأمان، وأهداه مقدار عشرة خيول وجهز معه إلى الدولة عدة خيول وأعطاه حوالة على حلب بألفي ذهب للدولة. وفي سنة 1056 ولي حلب ملك أحمد باشا كما يفهم من حديقة الوزراء. وفي شعبان سنة 1057 ولي حلب أحمد باشا الدباغ كتخدا موسى باشا. وفي أواخر هذه السنة ولي حلب أبشير باشا، نقل إليها من دمشق فبقي بها أشهرا، ثم صرف عنها في أوائل سنة 1058 وولي مكانه موستاري مصطفى باشا. وفي ذي الحجة سنة 1060 ولي حلب أبشير باشا وهذه هي الولاية الثانية، ولم يتيسر له أن يتناول منشور الولاية إلا في أوائل سنة 1061 الجزء: 3 ¦ الصفحة: 222 وعند ما أخذه كان في استانبول فتوجه إلى حلب ودخلها في ربيع الأول من السنة المذكورة. قال نعيما في وقائع سنة 1062 ما معناه: إن أبشير باشا كان في مبدأ أمره على جانب عظيم من الصلاح حتى كان يظن فيهه أنه ولي من أولياء الله تعالى، ومع هذا فقد كانت أتباعه غاية في الظلم والجور ولاقى الناس في زمانه من الجور والعسف ما لم تلقه في زمن غيره. ثم إن أبشير باشا سرى مسرى أتباعه وشغب في جمع المال وصادر الناس، وساءت سيرته واشتهر ظلمه وانعكست أفكاره وصار يظهر منه حمق عجيب، وفشا الظلم في أيام ولايته الصدارة العظمى، وجارت الولاة ولاقت حلب من طيار باشا ظلما عريضا. وفي سنة 1065 قتل أبشير باشا بعد أن ولي الصدارة، وكان على جانب عظيم من الغنى والثروة بحيث لم يكن له مثيل في عصره. ومع هذا فلم يبق له أثرا غير الوقف الذي أسلفنا ذكره في الكلام على محلة الشمالي من الجزء الثاني. ولم يزل أبشير باشا واليا بحلب حتى اجتمعت رجال الدولة على أن يكون صدرا أعظم وذلك في أواخر سنة 1064 ووافق السلطان على ذلك وأرسل إليه الختم مع أمنائه، فوصلوا إلى حلب في غرة محرم سنة 1065 وفي أواخر محرّم توجه إلى دار السعادة وتقلد منصب الصدارة، وعندما رحل من حلب ولي عليها مكانه مصطفى باشا طيار زاده بدراهم أخذها منه لنفسه ولغيره. حصار السيد أحمد باشا حلب: وفي سنة 1066 ولي الصدر الجديد حلب السيد أحمد باشا، وكان من المشهورين بالجور والظلم. فسمع به الحلبيون ولم يقبلوه وزادهم فيه بغضا مصطفى باشا والي حلب الذي لم يبرح منها، فإنه لما سمع بقدوم السيد أحمد باشا إلى حلب جمع إليه أعيان البلدة ورؤساءها وكبارها وصغارها وحذرهم من السيد أحمد باشا وخوّفهم من ظلمه وجوره ومصادرته الناس، وذكر لهم غير ذلك مما انطوى عليه من الأمور المنفّرة للقلوب. فنفروا من السيد أحمد باشا ووعدوه بالمساعدة والمعاضدة عليه. أما أحمد باشا فإنه أرسل متسلّما من طرفه إلى حلب فطرده الحلبيون عنها وشحنوا القلعة بالمهمات والعدّة والعدد واستعدوا لمدافعته أو تذهب أرواحهم. وكان أحمد باشا قد وصل إلى حلب فأخبره متسلّمه عن جميع ما فعله الحلبيون فغضب غضبا شديدا وحاصر حلب وقطع القناة وضايقها مضايقة شديدة وخرب أكثر مباني البلدة الخارجة عن السور وأحرق شيئا كثيرا من البساتين وكان الجزء: 3 ¦ الصفحة: 223 يقاتل حلب قتال مكتف مؤنة الأكل والشرب وغيرهما، والحلبيون يقاتلونه قتال مضطر إلى شربة ماء فضلا عن الطعام. وامتدت المحاصرة شهرين كاملين فاضطرب الحلبيون اضطرابا عظيما وقد أصبحت الأمور قوضى في حلب، وقام الدعّار ينهبون الدكاكين ويتعرضون لبعض البيوت، وكان رؤساء البلدة قد كتبوا إلى الدولة يلتمسون منها غير هذا الوالي ويشتكون من فعله معهم، فكتبت الدولة إليه تردعه عن هذا الفعل القبيح فلم يرتدع وزاد في طغيانه، فكتب الحلبيون إلى الدولة ثانيا يتضجرون منه ويرجون غيره. فكنت إليه الدولة بالانصراف عن حلب وولّته سيواس وولت حلب مرتضى باشا المنفصل عن بغداد. وفي نصف ربيع الآخر من سنة 1067 نقل مرتضى باشا إلى دمشق فامتنع أهلها من تسليمها إليه، فولّي ديار بكر وولّي حلب مكانه جلالي أبازه حسن باشا، وهو من أولاد السباهية، وكان ظالما غاشما وكان حاكم التركمان قبل أن يولى حلب. وفي سنة 1068 خرج على الدولة أبازه حسن باشا ووافقه عدة ولاة. ثم اجتمعوا في صحراء قونيه وحشدوا إليهم عسكرا ضخما من مشاة وفرسان وعاثوا وأفسدوا وصادروا الغني والفقير، فتداركت الدولة ردعهم وولّت حلب أدرنه لى سوخته محمود باشا في السنة المذكورة، وطرد الحلبيون متسلم أبازه ومن معه من العساكر إلى خارج المدينة وتلقوا محمود باشا بالترحاب. ثم سيرت الدولة لردع أبازه وحزبه مرتضى باشا السردار وكان أبازه ومن معه في بلاد قونيه فقصدهم مرتضى باشا بعسكره ولما سمعوا بقدومه رجعوا نحو حلب وخيموا في عينتاب فوصل السردار إلى حلب وتوسط الصلح بين أبازه وجماعته وبين مرتضى، مفتي عينتاب، فحضر أبازه بمن معه إلى حلب لإتمام الصلح وعقد شروطه، فتمكن منهم السردار وقتلهم عن آخرهم داخل حمام في السراي وقطع رؤوسهم وحشاها تبنا وأرسلها إلى استانبول ورمى جثثهم أمام قسطل السلطان خارج باب الفرج. وممن قتل في هذه الوقعة أبازه حسن باشا وأحمد باشا ابن الطيار وأخوه مصطفى باشا، وصاري كنعان باشا وكتخدا مصطفى باشا وعبد الوهاب قاضي معسكر أبازه، وغيرهم ما ينوف عن ثلاثين رجلا. وكان قتلهم في سنة 1069 وكان معه السردار مرتضى باشا قوناقجي علي باشا، صحبه معه من الأناضول، وبعد قتل المذكورين ولاه حلب وعزل عنها سوخته محمود باشا المتقدم ذكره. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 224 وفي سنة 1070 ولي حلب خصكى محمد باشا وذلك بعد أن حصّلت الدولة منه سبعمائة كيس من الدراهم كانت في ذمته من مال بغداد ومصر، وكان ولي عليهما. وفي هذه السنة طغى نهر قويق وهطلت السماء بالمطر الغزير حتى طافت أكثر المحلات المجاورة للنهر وغرقت البساتين وتهدمت عدة بيوت داخل البلد وخارجها. وفي سنة 1071 عزل عن حلب خاصكى محمد باشا وأشخص إلى استانبول. وسبب عزله أنه غش سكة النقود التي كان يضربها بحلب وسعى في رواجها بين الناس، فتداولتها الأيدي وفشا الفساد وتعطلت التجارة واختل نظامها. فعرض الصدر الأعظم ذلك على مسامع السلطان فأمر بعزل الوالي المذكور وإحضاره إلى استانبول فعزل وأحضر. وفي عشرين شوال منها ضربت عنقه وعنق كتخدا كاتب ديوانه وصرّافه أمام قصر الموكب في استانبول. وفيها حصل غلاء كبير في حلب بيع فيه رطل الخبز بست بارات. ذكر في سالنامة الولاية أن والي حلب في هذه السنة: أبو النور محمد باشا. ورأيت في بعض المجامع أن واليها في هذه السنة ميراخور يوسف باشا، وفي سنة 1075 صاري حسين باشا، وكان في هذه السنة مع المحاصرين قلعة قندية على ما حكاه راشد في تاريخه. وفي سنة 1080 كان بحلب طاعون كبير، أحصى بعضهم الجنائز التي خرجت من باب المقام في أحد أيامه فقط فكانت ألف جنازة إلا واحدة، فعلق بعض الناس على باب المقام كلبا ليكون تمام الألف. وفيها ولي حلب إبراهيم باشا وكان يعرف بإبراهيم آغا وعين سلفه حسين باشا سر عسكر، وكان إبراهيم باشا مع المحاصرين قلعة قندية فأرسل إلى حلب متسلما كسلفه. ثم في أواخر هذه السنة ولي حلب حسين باشا سلحدار السلطان وولي سلفه مصر. وفي أوائل ذي الحجة سنة 1082 ولي حلب قبلان مصطفى باشا وكان مع العساكر في محاربة القرم فعين متسلما من طرفه كأسلافه. وفي سنة 1083 عين سردارا أكرم علاوة على ولاية حلب. وفي سنة 1085 ولي حلب إبراهيم باشا نقل إليها من دمشق، وولى سلفه قبلان مصطفى باشا ديار بكر ولا أعرف متى عزل إبراهيم باشا المذكور عن حلب غير أن واليها في ابتداء سنة 1089 كان حسين باشا وكان ظالما غاشما. وفيها حررت بيوت الأشراف واليكجرية ولم أحقق عددهما. وفي أواخر هذه السنة ولي حلب قره محمد باشا وكان يعرف بقره محمد بك. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 225 فساد العربان والتنكيل بهم: وفي سنة 1093 كثر فساد العرب في برية دمشق وحلب، وعظم ضررهم وأفحشوا بالسلب والإغارة على القوافل حتى ضجت منهم الولايات، وصدرت أوامر الدولة إلى وإلى حلب ودمشق وبغداد وطرابلس أن يبذلوا جهدهم بالقبض على أميرهم ملحم. فعندها عزم قره محمد باشا والي حلب على أن يأخذ ملحما بالحيلة، فوسّط حاكم المعرة أخا شريف مكة بينه وبين ملحم، فاجتهد المذكور في إحضار ملحم إلى حلب وحلف له على أنه يطلب له العفو من السلطان ويجعله أميرا على العربان. وكان حاكم المعرة داهية وكان متهما بأنه يقاسم الأمير ملحما بالغنائم ويسعى له في بيع ما يلزمه منها، فأراد أن ينفي الظنة عن نفسه بمكيدة ملحم وسعى في إحضاره واجتهد غاية الجهد، إلى أن رضي معه ملحم للحضور بعد أن استوثق منه بالأيمان المغلظة. فحضر معه إلى قرية جبرين، وكان قد أرسل إلى الوالي يخبره بذلك، فأنفذ له الوالي خلعة وخيلا ليغريه بالدخول إلى حلب على أنه يحلف له فيها على ما تقدم. فركب ملحم إلى حلب، ولحقه من عشيرته خمسون فارسا ينهونه عن الدخول إلى حلب وألحوا عليه بالرجوع، فقبل منهم ورجع إلى مخيمه، وقال لأخي الشريف المتقدم ذكره: لا سبيل إلى دخولي المدينة فإني آليت على نفسي ألّا أدخل بين الجدران وتحت السقوف لأنها تضيق صدري، فاذهب وقل للوالي إن كان يريد محالفتي فليأت إلى هنا. ولما لم ينجح سعي أخي الشريف في إقناع ملحم رجع إلى الوالي وأخبره بما جرى، وحين رجوعه أصحبه ملحم باثنين من بني عمه وبمستشاره- وهو أعرابي طاعن في السن- فلما تمثلوا بين يدي الوالي قابلهم بالبشاشة وخلع عليهم وأحسن مثواهم، ثم أرسلهم إلى بيت أخي الشريف وركب في الليل سرا ومعه خمسمائة عسكري بالعدّة الكاملة وقصد مخيّم ملحم في جبرين وكان ملحم قد رحل من مخيمه وأبقى فيه خمسين من قومه، فحاربهم الوالي وبعد أن دافعوا عن أنفسهم دفاع الأبطال قتل بعضهم وأسر منهم ثمانية عشر وفر الباقون. ثم استدل الوالي من الفلاحين على الأمير ملحم وتبع أثره إلى أن دهمه بغتة عند الصبح في واد بين جبلين بحيث لم يره الأمير إلا عند ما وصل إليه، وكان مع الأمير عدد يسير الجزء: 3 ¦ الصفحة: 226 من جماعته، فأركن إلى الفرار وأراد أن يجتاز من نهر هناك فتوحلت به فرسه فتوكأ على رمحه لانتشالها من الوحل فانكسر الرمح. وكان الوالي قد أدركه والبندقية في يده وأحاطت به العسكر وقبضوا عليه وساقوه أسيرا إلى حلب، فكبلوه بالحديد ومن أسروا معه من قومه. ثم قتلوا الجميع صبرا سوى الأمير. وكانوا عندما يقتلون أحدهم يخرقون أكتافه ويغرسون فيها فتائل مشعلة مصنوعة من المرخ «1» والشمع ويطوفون به البلد ثم يقطعون رأسه ويرمون جثته في مستنقع الخندق. واتفق أن واحدا من هؤلاء الأسراء كان شاعرا عند الأمير ملحم لم يغمس يده في دم ولم يشنّ غارة قط، فبينما كانوا يطوفون به على تلك الحالة إذ لمح ضابطا سبقت له يد عنده فذكّره بها وقال له: إنني لم أكن لصا ولا قاطع طريق، إنما كنت شاعرا عند الأمير، فتضرع له الضابط عند الوالي وخلّصه من العقاب والقتل. ثم إن الوالي أرسل ملحما إلى أدرنة حيث كان السلطان إذا ذاك، فبعد أن نظر السلطان إلى ملحم مليا أمر بقتله وقد صعب ذلك على رجال الدولة لأنهم كانوا يرجون خلاصه والعفو عنه ليكون كافلا قمع غارات العرب حسب شجاعته المفرطة. وفي هذه السنة أعني سنة 1093 كملت عمارة خان الوزير. وفيها نقل قره محمد باشا إلى ديار بكر ومحمود باشا والي ديار بكر إلى حلب. ثم في هذه السنة نفسها ورد الأمر إلى محمود باشا بالحضور إلى استانبول ليكون قائم مقام الصدارة في استانبول، وولي حلب قره بكر باشا. وفي سنة 1094 كان قره بكر باشا مع المجاهدين في بلاد بلغراد وله متسلم في حلب. وفي سنة 1096 ولي حلب مع السردارية مصطفى باشا قره حسين باشا وكان في حرب بلغراد فجعل متسلما في حلب. وفي سنة 1096 ولي حلب مع الوزارة إبراهيم باشا محافظ إيالة بدون، وكان مع المجاهدين في بلغراد فجعل متسلما في حلب. غلاء، وقتل ابن حجازي: وفي هذه السنة حصل غلاء بحلب وارتفع سعر اردبّ الحنطة إلى خمسة وعشرين قرشا. فنادى المتسلم أن يباع الإردبّ «2» بخمسة قروش. وكان عبد الله بن محمد حجازي- نقيب الأشراف- قد ارتشى من المحتكرين بألف قرش على أن يباع الإردبّ بخمسة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 227 وعشرين قرشا. فلما نادى المتسلّم بما ذكر أسرّها له في نفسه. وبعد أيام قلائل دعا المتسلم إلى منزله وسقاه شرابا مسموما مات منه المتسلم بعد ثمانية أيام. فخرج ابن حجازي في جنازته إلى مقبرة الصالحين، وكان الناس قد سئموا من ابن حجازي لظلمه وجوره، فبينما هو منصرف من الجنازة إذ صاحت امرأة: هذا قاتل المتسلم. فتبعها رجل من العوام واتصل الصوت بالرجال والصبيان والنساء، وضربه رجل بحجر أصاب رأسه وعثرت به فرسه فانكب على وجهه، فهجم الناس عليه وقتلوه رجما بالحجارة في قرب المكان المعروف بقبّة الصوت شمالي مقبرة الصالحين، وذهب دمه هدرا وذلك في يوم الأربعاء سابع عشر جمادى الأولى من السنة المذكورة. وفي سنة 1097 ولي حلب عبدي باشا. وفيها حصل في حلب طاعون خفيف لم تطل مدته. وفيها شبّت النار بسوق بانقوسا، وامتد الحريق من باب بانقوسا إلى المكان المعروف بالورشة حتى أصبحت هذه المسافة من الجانبين رمادا. وفي سنة 1098 ولي حلب الوزير سباوش باشا وكان في محاربة القرم وله متسلم في حلب. وفيها صار الوزير سباوش باشا صدرا أعظم، وولي حلب عثمان باشا. وفي سنة 1100 احترق روشن القلعة «1» وكانت ساعة مفزعة جدا. ولا أعرف متى عزل عثمان باشا غير أن والي حلب سنة 1101 كان خليل باشا وكان مع العسكر في حصار قلعة شهر كوي وله متسلم في حلب. وفي سنة 1102 حصل بحلب طاعون عظيم بلغت فيه الوفيات اليومية نحو سبعمائة نسمة. وفي سنة 1104 ولي حلب جعفر باشا محافظ بغداد وله بحلب متسلم. ثم في هذه السنة وليها مكانه طورسون محمد باشا فعيّن له متسلما في حلب. وضع حدّ لقرى المقاطعات: وفي هذه السنة صدرت أوامر الدولة إلى ولاتها- في حلب ودمشق وديار بكر وماردين وأذنة وملطية وعينتاب وغير هذه الولايات من بقية الممالك العثمانية- أن تكون قرى المقاطعات الأميرية كالملك لذويها مدة حياتهم. ويجوز لمن أراد منهم بيع قرية من قراه ممن شاء فتوجه على المشتري بمنشور سلطاني، وإذا مات أحد منهم يقع ما يملكه منحلّا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 228 فيعرض للمزايدة العلنية وتقدم أولاد الميت على غيرهم إذا تساويا بالقيمة. وقد جعلت الدولة على كل قرية من القرى المذكورة مالا مقطوعا سنويا يأخذه صاحبها من أهل القرية على ثلاثة أقساط وكان هذا العمل من الدولة مساعدة عظيمة للفلاحين واستنفاذا لهم من الظلم والجور لأن أرباب المقاطعات كانوا يدفعون مقاطعاتهم في كل سنة التزاما لمن رغب ذلك منهم فيخرج الملتزم إلى القرية ويتسلط على أموال أهلها فلا يبقي ولا يذر. وفي سنة 1107 ولي حلب ثانية جعفر باشا محافظ بلغراد، وعيّن سلفه طورسون محمد باشا إلى سيواس. وفي سنة 1108 ولي جعفر باشا محافظة طمشوار وولي حلب مكانه عثمان باشا قائم مقام استانبول. ثم في هذه السنة نفسها ولي حلب عثمان باشا والي دمشق وهو غير عثمان باشا القائم مقام. غلاء عظيم: وفيها كان الغلاء العظيم بحلب، وقلّت الأقوات، وصار الناس يزدحمون على الأفران لأخذ الخبز ازدحاما عظيما بحيث يؤذون بعضهم. فأمر الوالي بسدّ أبواب الأفران وأن يبقى فيها طاقة صغيرة يتناول الناس منها الخبز على قدر سدّ الرمق، فسمي «غلاء الطاقة» ، وامتد أربعة أشهر. وفي سنة 1109 عين عثمان باشا والي حلب لمحافظة قلعة الروملّي وولي حلب مكانه حسن باشا السلحدار قائم مقام أدرنة. وفي سنة 1110 في غرة شعبان منها أبطل قاضي حلب محمد بن عبد الغني بدعة قديمة، وهي أن مشايخ قرى جبل سمعان كانوا يجمعون بأمر نائب محكمة جبل سمعان من القرى في كل ثلاثة أشهر مبلغا من الدراهم يشترون به دجاجا يقدمونها إلى مطبخ قاضي حلب. وفي هذه السنة ولي حلب حسن باشا والي قرمان. ثم في سنة 1111 وليها علي باشا. وفي سنة 1112 عين علي باشا لمحافظة البصرة وكان وقع فيها اختلال عظيم فسار إليها لإصلاح الخلل، وولي حلب يوسف باشا قائم مقام وفي جمادى الأولى سنة 1115 ولي حلب جور ليلى علي باشا السلحدار- وكان في أدرنة- فسافر إلى استانبول ليتناول منشور الولاية فولاه السلطان على عمل خاص به، وولى حلب مكانه محمد باشا الجركس متصرف لواء القدس الشريف وفي سنة 1116 ولي حلب الحاج قيران حسن باشا المعزول عن حانية وولي سلفه محمد باشا الجركس الرقة. ثم في هذه السنة ولي حلب أبازه سليمان الجزء: 3 ¦ الصفحة: 229 باشا السلحدار وكان يعرف بسليمان آغا. وفي سنة 1117 ولي حلب إبراهيم باشا والي شهر زور وولي سلفه أبازه سليمان باشا أغربيوز. وفي سنة 1119 ولي حلب عبدي باشا والي سيواس وولي سلفه إبراهيم باشا أرضروم. وفي سنة 1120 ولي حلب تبراد محمد باشا الصدر السابق وولي سلفه عبدي باشا الأناطول. وفيها جدد مرقد نبي الله زكريا في أموي حلب. وفي شعبان سنة 1122 ولي حلب ثانية إبراهيم باشا السلحدار والي شهر زور. وفي سنة 1125 ولي حلب والرقة معا طوبال يوسف باشا، وولّته الدولة عليهما ليتمكن من تنكيل نصوح باشا أمير الحاج لأنه كان عازما على مشاققة الدولة والخروج عليها. وفي أوائل سنة 1127 ولي حلب ثانية محمد باشا الجركس، ثم فيها طلب إلى استانبول وعين قائم مقام، وولي حلب علي باشا مقتول زاده وكان في استانبول فعين متسلما إلى حلب، وسافر هو للمحاربة في المورة بعد أن عين سردارا، وكان من معه في المحاربة عبد الرحمن آغا الحلبي باش جاويش، فأبلى هذا الرجل في العدو بلاء حسنا. وسمعت الدولة خبره فعينته واليا على حلب وولت سلفه علي باشا على الأناطول. وفي هذه السنة زحف على حلب من الشرق جراد عظيم أتلف الزروع وغلت الأسعار وعز القوت. وفي سنة 1128 ولي حلب مصطفى باشا وكان في محاربة المجر، فعين متسلما في حلب. ثم وليها في هذه السنة سليمان باشا السلحدار وهو الصدر الأسبق. وفي سنة 1130 وليها عثمان باشا فسافر إلى أدرنة ومنها إلى موقع المحاربة في جهات صوفية وترك متسلما في حلب، وهو غير عثمان باشا صاحب المدرسة الرضائية المنسوبة إليه. وفي أوائل سنة 1131 ولي حلب موره لى علي باشا. وفيها وقع في حلب طاعون جارف أهلك خلقا كثيرا واستمر مدة على حذو واحد، واختبأ الوالي وحاشيته. وفي أواخر هذه السنة حوّل الوالي المذكور إلى محافظة قندية، وولي حلب رجب باشا وكان في دمشق أميرا على الحاج، وقد ضجر الدمشقيون من ظلمه وجوره، وهو صاحب السراي في محلة بحسيتا، والبستان الكائن في شرقي الميدان الأخضر المشهور ببستان الباشا، وحوض الماء الذي بجانب البستان من غربيه. وفي سنة 1133 زاد طغيان العرب المعروفين بالعباسيين في صحراء حلب وكثر ضررهم الجزء: 3 ¦ الصفحة: 230 على السابلة وعسر على الولاة ردعهم فعيّن الباب العالي حسن باشا والي بغداد رئيس عسكر إلى شهر زور والموصل وديار، وعيّن علي باشا مقتول زاده والي الرقة رئيس عسكر إلى حلب وقرمان. ثم أنفذت إلى هؤلاء الولاة الأوامر المؤكدة بشن الغارات ومتابعتها على العربان المذكورين، فتناوشتهم العساكر من كل جانب وأذاقوهم أنواع المعاطب والمصائب فكفّ ضررهم ومنع خطرهم. وفي هذه السنة وقع في حلب طاعون كبير لم تذكر وفياته. وفيها ولي رجب باشا مصر القاهرة فسافر إليها وبقي بها أشهرا ولم يستقم أمره فأعيد إلى ولاية حلب وولي في غيبته عارف أحمد باشا رئيس الكتاب. وفي سنة 1135 أصيبت حلب بزلزلة مهولة دمرت أكثر بيوتها وقتلت كثيرين من أهلها. وفي سنة 1136 ولي رجب باشا تفليس وولي حلب مكانه كورد إبراهيم باشا نقل إليها من طرابلس الشام. وفي سنة 1137 ولي حلب علي باشا بن نوح أفندي رئيس الحكماء متصرف أدرنة، وشرطت عليه الدولة في توليتها إياه حلب أن يسافر مع العسكر إلى الجهة الشرقية أي ناحية تبريز في بلاد العجم. وولي سلفه إبراهيم باشا لواء «خوى» على هذا الشرط أيضا. وفي سنة 1138 رأت الدولة من علي باشا ما سرّها في سفره إلى جهة العجم وفتح تبريز، فأنعمت عليه بالوزارة وولته إيالة الأناطول، وولت على حلب مكانه محمد باشا سلحدار، سلفه في إيالة الأناطول. وفي ثامن جمادى الأولى من هذه السنة ولي حلب ثانية عارفي أحمد باشا، نقل إليها من ولاية سيواس، وشرطت عليه الدولة أن يبذل الجهد في تنظيم حالة الموالي العربان في ضواحي حلب ويتكفل في محافظة ما حول الرقة والقدس الشريف، وعينت سلفه محمد باشا السلحدار سر عسكرا. وفي سنة 1140 وفد على حلب من الشرق جراد كثير أتلف الزروع وغلت الأقوات وعزّت البقول والخضر. وفي أواسط محرم سنة 1141 ولي حلب علي باشا صهر الحضرة السلطانية. وفي سنة 1142 ولي حلب الوزير كوجك مصطفى باشا. وفي ربيع الآخر سنة 1143 وليها إبراهيم باشا والي أرزن الروم سابقا. وولي سلفه كوجك مصطفى باشا لواء إيج إيل. ولما ولي إبراهيم باشا المذكور ولاية حلب كان في استانبول، فاستثقل من بقائه بها الصدر الأعظم محمد باشا، واستحثّه على السفر إلى محله فعزم على ذلك وخرج من استانبول إلى اسكيدار بنيّة التوجه نحو حلب فاجتمع أكابر الدولة وأهل الديوان على أن يسند إليه منصب الصدارة وأجابهم السلطان على ذلك، وأرسل له ختم الصدارة وعين الجزء: 3 ¦ الصفحة: 231 سلفه الصدر السابق محمد باشا واليا لحلب. وكان ذلك في اليوم الثالث عشر من رجب الفرد من السنة المذكورة. وفي هذه السنة تمت عمارة جامع الرضائية المعروف بالعثمانية وصار لذلك يوم مشهود. وفي شعبان سنة 1145 ولي محمد باشا ولاية ديار بكر. ولم أحقق من جاء بعده. وفيها وقع في حلب طاعون عظيم أقفل دورا كثيرة. وفي سنة 1146 نزلت صاعقة في بستان القبار وقتلت ثلاثة أشخاص. غلاء شديد وقتل شيخ المداراتية: وفي سنة 1147 كان الغلاء بحلب شديدا وهاج الناس وقاموا لنهب ما يرونه من الخبز في الأفران، وصادفوا خليلا المرادي شيخ المداراتية يقبض ثمن الطحين من الخبازين ومعه صرة دراهم، فطمعوا به ولحقوه لأخذها فأحس بمرادهم وحرّك دابته للهرب منهم، فلحقوه وأدركوه عند جامع قسطل الحرامي. ولما ضايقوه أراد الدخول للجامع ليحتمي به منهم، فمنعه قوّامه خوفا من أن يقتل فيسألوا عن دمه. فهرب إلى البرية فتبعوه وقتلوه رجما بالحجارة ولم يعلم قاتله. ثم في هذه السنة قدم إلى حلب واليا عليها أحمد باشا بولاد فاشتكى إليه أولاد خليل المقتول فأخذ بالفحص عن قاتليه ولم يظفر بهم، وآل أمره إلى أن أخذ جريمة وافرة من المحلة المذكورة. وفي سنة 1150 ولي حلب عثمان باشا المعروف بوقته بمحصّل حلب صاحب المدرسة الرضائية بحلب. وصول سفير العجم إلى حلب: وفي أوائل سنة 1135 ولي حلب يعقوب باشا وولي عثمان باشا أذنة. وفي شوال هذه السنة وصل إلى حلب سفير طهماس قولي المدعو بنادر شاه من مملكة إيران مجتازا منها إلى استانبول، واحتفلت له الدولة العثمانية إظهارا لأبهة السلطنة، ومعه تسعة أفيال على ظهورهم التخوت، فدخلوا من باب النيرب وشربوا من قسطل علي بك، وهم أمام السفير المذكور، كل هنيّة يقفون لسلامه، ويأمرهم الفيال فيطأطئون خراطيمهم حين السلام. وكان يوم قدم سفير آخر من طهماس المذكور واجتاز بحلب عاشر شوال سنة 1145 لجمع الأسارى إلا أنه لم يكن بهذه الأبهة، وخرجت إليه نساء الأعاجم اللاتي أسرتهن الدولة العثمانية قبلا واستولدن في حلب وغيرها من الممالك المحروسة، فمنهن من أبى اتباعه ومنهن من تبعه لارتكاب القبائح علنا. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 232 النّزالة الإنكليزية في حلب: وفي هذه السنة أعني سنة 1153 كانت النّزالة من الإنكليز في حلب. فكان لهم فيها قنصل وعشرة تجار وقسيس وكاتب أسرار وطبيب. وفي سنة 1155 ولي حلب حسين باشا. وفي هذه السنة كثر ظلم القاضي وتظاهر بالفسوق والرشوة فتألب عليه العامة وهجموا عليه وهو في المحكمة ورجموه ونهبوا المحكمة. وفي سنة 1156 وقع بحلب طاعون عظيم أهلك خلقا كثيرا، واشتد فساد العربان في البر. وفي ذي القعدة سنة 1157 ولي حلب الحاج أحمد باشا الصدر الأسبق السر عسكر. وفي أوائل سنة 1158 قتل الباشا من اليكجرية «1» مقتلة عظيمة بسبب ظلمهم وفسقهم، وتحصن البهلوان في القلعة وبقي بها إلى أن ولي حلب علي باشا حكيم باشي زاده الصدر الأسبق، وهذه الولاية الثانية نقل إليها من بوسنة. وولى سلفه الحاج أحمد باشا إيالة الأناطول، فكان ذلك في هذه السنة أعني سنة 1158 ثم فيها أعيد لولاية حلب الحاج أحمد باشا الصدر الأسبق لما ظهر للدولة من لزوم وجوده فيها لقمع العربان وتحرك العجم في ممالك إيران. وفي شهر ذي الحجة سنة 1159 ولي حلب أحمد باشا كوبريلي زاده متصرف قندية، وولي سلفه الحاج أحمد باشا الصدر الأسبق قندية. وقبل أن ينتقل أحدهما لمحله الجديد صدرت إرادة سلطانية بإبقاء كل منهما في محله الأول، فبقي الحاج أحمد باشا الصدر الأسبق في حلب، وبقي أحمد باشا كوبريلي زاده في قندية. وفي جمادى الآخرة سنة 1160 ولي حلب حسين باشا والي «وان» وولي سلفه الحاج أحمد باشا الصدر الأسبق ديار بكر. وفي هذه السنة أمرت الدولة أن يجلب من أذنة إلى قلعة حلب ستون مدفعا. وفيها جاء إلى حلب «كور وزير» وقتل جمعا كثيرا من اليكجرية. ولم أحقق هل جاء كور وزير لقمع اليكجرية خاصة، أم جاء واليا في حلب بعد عزل واليها حسن باشا؟ وفي سنة 1161 كسفت الشمس بين الصلاتين إلى وقت الغروب وظهرت عدة نجوم. وفي سنة 1161 ولي حلب إسماعيل باشا عثمان باشا زاده. وفي محرم سنة 1164 ولي حلب سعد الدين باشا ابن العظم، ونقل إليها من طرابلس الشام وولي سلفه إسماعيل باشا ولاية طرابلس المذكورة. وفي هذه السنة كان الغلاء بحلب شديدا حتى ثار الناس في يوم الجزء: 3 ¦ الصفحة: 233 الجمعة وتعطلت الصلاة والأذان وطلعت النسوة إلى المآذن. وفي محرم سنة 1165 نقل سعد الدين باشا إلى صيدا ووليها على وجه المالكانه «1» ، وولي حلب مكانه السيد أحمد باشا والي صيدا وآغاة اليكجرية سابقا. ولما استقر بحلب أخذ بالظلم والجور وصادر كثيرين بلا حقّ، ونفى عددا وافرا من أعيان حلب إلى بيان لمعارضتهم إياه لظلمه، فاضطرب الحلبيون وحرروا به محضرا عاما إلى الدولة ذكروا فيه ظلمه وجوره والتمسوا تبديله ومجازاته، فأجابتهم الدولة إلى ما طلبوا وعزلته عن حلب وولته «القارص» تبعيدا له، وولّت حلب صاري عبد الرحمن باشا مير ميران، وذلك في شعبان السنة المذكورة. ثم في شوالها توفي عبد الرحمن باشا بحلب وعينت الدولة لتحرير تركته علي بك ميراخور مصطفى باشا زاده، وولّت حلب مكانه الحاج أحمد باشا الصدر الأسبق، نقل إليها من آذنة وهذه الولاية الرابعة. وفي ثاني عشر شوال سنة 1166 توفي أحمد باشا بحلب وولي مكانه عبد الله باشا الصدر الأسبق. وفي أواخر سنة 1168 وليها راغب باشا العالم الكبير صاحب سفينة الراغب كما يفهم ذلك من تاريخ واصف. ثم في ربيع الأول سنة 1169 عين راغب باشا لمنصب الصدارة وجاءه ختمها إلى حلب، فسافر إلى استانبول. وولي حلب بعده أمير الحاج: الحاج أسعد باشا ابن إسماعيل باشا عظم زاده. ثم في سنة 1170 وليها عبدي باشا فراري. ثم في اليوم الثاني عشر رجب ولي حلب علي باشا قائم مقام الصدارة. برد وغلاء: وفي هذه السنة وقع في حلب برد شديد وجمد الماء واستقام الجليد من أول كانون الثاني إلى آخر آذار. وفيها كان الغلاء شديدا. وبيع شنبل «2» الحنطة فيه بعشرة قروش، والشعير بسبعة، والحمّص والعدس بستة، ورطل الدّبس بنصف القرش، والعسل بقرش وربع، والسمن بقرش وثلاثة أرباع، والخبز باثنتي عشرة بارة. قال في السالنامة: إن والي حلب سنة 1171 حسين باشا عبد الجليل زاده. وهكذا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 234 رأيت في بعض المجاميع، لكن ذكر في حديقة الوزراء وفي تاريخ واصف أن واليها في السنة المذكورة محمد باشا محسن زاده، فلعله بدل واليان في هذه السنة. وفي هذه السنة وقع في حلب كساد عظيم حتى لم يبق في المدينة سوى أربعة آلاف نول مشتغلا، وتعطل قدرها أضعافا مضاعفة. قال واصف: وفي شوال هذه السنة سافر محمد باشا والي حلب إلى استانبول ليكون زفافه على بنت السلطان. وفي عشرين من الشهر المذكور حول محمد باشا إلى ولاية ديار بكر وولي مكانه عبد الله باشا جتجي الصدر الأسبق ابن إبراهيم الحسيني الجرمكي، نسبة إلى جرمك، بليدة من أعمال ديار بكر، فوصل إلى حلب في محرم سنة 1172 ونزل بالميدان الأخضر ثم سافر إلى عينتاب وكلّز وعاد إلى حلب فعزل عنها إلى دمشق، وولي مكانه عبدي باشا فراري وهي الولاية الثانية. غلاء عظيم: وفيها اشتد الغلاء في ديار بكر وعم تلك الديار بل سرى إلى جميع البلاد، وبيع شنبل الحنطة بحلب بأحد عشر قرشا. وأما نواحي ديار بكر وأورفة وماردين فإنهم أكلوا الميتة بل أكل بعض الناس بعضهم. وثبت ذلك لدى الحاكم حتى إن قسطنطين الخوري الحلبي الطرابلسي ذكر في مجموع له أن جملة من مات جوعا في حلب (87) ألف إنسان منهم 12 ألفا نصارى و 5 آلاف يهودي والباقي مسلمون، سوى من ترك البلاد ونزح إلى غيرها. وفي أواخر هذه السنة ولي حلب مصطفى باشا الوزير محصل التوقيع في موره سابقا. ثم في رجب سنة 1173 ولي حلب عبد الله باشا فراري وهي الولاية الثالثة. زلزال مهول: وفي فجر يوم الثلاثاء من ربيع الأول من هذه السنة، المصادف لابتداء كانون الأول، حصل زلزلة عمّت جميع البلاد الشامية بحلب ودمشق وحمص وحماة وأنطاكية وشيزر وحصن الأكراد، وجميع بلاد الساحل كصيدا وصفد وغزة والقدس، فخربت البلاد وتدحرجت الصخور من أعالي الجبال، وانفتحت في الأرض الأخاديد، ونضبت عيون وانفتح أخرى، واضطربت السفن في مياه عكا حتى زحف بعضها إلى البر وخرجت الأسماك إلى الرمل ونقل منه الناس ما لا يحصى، وكان هذا الزلزال أخف ما يكون في الجزء: 3 ¦ الصفحة: 235 حلب. وقد اتصلت الزلازل في كل أسبوع مرتين وثلاثة إلى ليلة الاثنين سادس ربيع الثاني فزلزلت بعد العشاء المحالّ المذكورة بأسرها واستقامت بدمشق ثلاث درج، وخرب غالب دمشق وأنطاكية وصيدا وقلعة البريج. ولم تزل الزلازل متصلة إلى انتهاء السنة المذكورة. ثم أعقبها بدمشق وقراها- وما والاها- طاعون جارف غمرت غالب مساجد دمشق التي هدمتها الزلزلة من وصايا الأموات في هذا الطاعون «1» وفي سنة 1174 توفي عبد الله باشا فراري في حلب ودفن بتكية الشيخ أبي بكر، ووليها مكانه بكر باشا وكان يعرف ببكر أفندي أمين المطبخ. وفي سنة 1175 ولي حلب مصطفى باشا الصدر الأسبق وكان مقيما في مصر بلا منصب، وولي مصر بكر باشا والي حلب قبله، وفيها وقع بحلب طاعون شديد بلغت وفياته اليومية مائة وتسعين نسمة. وفي الرابع والعشرين من ربيع الآخر سنة 1177 أسند لمصطفى باشا منصب الصدارة فسافر إلى استانبول. ولاية محمد باشا العظم حلب وإبطاله بدعة الدومان وغيرها: وفي هذه السنة ولي حلب محمد باشا بن مصطفى باشا بن فارس بن إبراهيم، الشهير بعظم زاده، نقل إليها من ولاية طرابلس الشام ودخلها في رابع عشر شعبان. وكانت مجدبة فحصل بقدومه كثرة أمطار ورخاء أسعار ورفع عن أهلها من البدع ما كان ثلما في الإسلام. فأثلج بذلك الصدور وأحيا معالم السرور، منها منكر كان حدث بها سنة 1171 وذلك أنه جرت العادة في بعض محلاتها أن تفتح حانات القهوة ليلا ويجتمع بها أوباش الناس إلى أن زاد البلاء وفجرت النساء، مع ما انضم إلى ذلك من شرب الخمور وفعل المنكرات وأنواع الفساد، فحانت منه التفاتة إلى ذلك فقصده متخفيا وأزاله في ثاني يوم، حيث نبه على الحانات ألّا تفتح ليلا. ومن جملة ما رفع من المظالم بحلب أيضا بدعة الدومان عن حرفة الجزارين وكان حدوثه بحلب سنة 1161 والدومان اسم لمال يجمع من ظلامات متنوعة، يستدان من بعض الناس بأضعاف مضاعفة من الربا ويصرفه متغلبو هذه الحرفة في مقاصدهم الفاسدة. وطريقتهم الجزء: 3 ¦ الصفحة: 236 في وفائه أن يباع اللحم بأوفى الأثمان للناس من فقراء وأغنياء وتؤخذ الجلود والأكارع والرءوس والكبد والطحال بأبخس ثمن من فقراء الجزارين جبرا وقهرا. كل ذلك يصدر من أشقياء الجزارين ومتغلّبيهم إلى أن هجر أكل اللحم الأغنياء فضلا عن الفقراء وأعضل الداء. واتفق أنه في سنة ست وسبعين كان قاضيا بحلب المولى أحمد أفندي الكريدي فسعى في رفع هذه البدعة فلم تساعده الأقدار، فباشر بنفسه محاسبة أهل هذه الحرفة الخبيثة ورفعها، وكتب عليهم صكوكا ووثائق وسجلها في قلعة حلب، فلما عزل عاد كل شيء إلى ما كان عليه. فلما كان أواخر محرم سنة 1178 قبض الوالي المذكور على رئيسهم المعروف بكاور حجي وقتله وأبطل تلك البدعة السيئة وصار لأهل حلب بذلك كمال الرفق والإحسان وامتدحه شعراؤها بعدة قصائد ذكر المرادي بعضها. وفي جمادى الأولى سنة 1177 ولدت امرأة من عشيرة الموالي طفلين ملتصقين ببعضهما، شاهده ألوف من الناس، ثم مات أحدهما وعاش الآخر ساعتين ومات. وفي السنة المذكورة أعني سنة 1178 اجتمع أكابر أهل حلب وقدموا للدولة محضرا في سوء حال قاضيهم مصطفى أفندي ابن أحمد أفندي داماد، غير المذكور آنفا، وبينوا فيه ظلمه وحرصه وارتكابه، وبرهنوا على ذلك، فعزلته الدولة عن حلب ونفته إلى قونية. وفي شوال هذه السنة ولي حلب أحمد باشا مير ميران وسماه في تاريخ ابن ميرو «محمد باشا» وقال إنه حاز رتبة الوزارة في حلب لظفره بعصاة من أهل بياس. وقد ولي سلفه عظم زاده ولاية الرقة. وفي خامس ذي القعدة منها هجم خنزير بري على المدينة نهارا ولما دخلها اشتد عدوه ولم يزل هكذا حتى دخل الجامع الكبير والناس والكلاب يركضون وراءه فأغلقوا أبواب الجامع وعاجلوه برجم الحجارة حتى قتلوه. وفي جمادى الآخرة سنة 1179 أنعم حضرة السلطان برتبة الوزارة على أحمد باشا والي حلب. وفيها كان الغلاء شديدا بحلب، بيع فيه رطل الخبز باثنتي عشرة بارة. وفي شوال سنة 1180 ولي حلب علي باشا كور أحمد باشا زاده. نفي نقيب الأشراف محمد أفندي طه زاده: وفي محرّم هذه السنة صدر الأمر السلطاني بنفي السيد محمد طه زاده نقيب أشراف حلب. وسبب ذلك أنه بقي زمنا طويلا في نقابة حلب واكتسب شهرة عظيمة واتسعت الجزء: 3 ¦ الصفحة: 237 دنياه، وصار نافذ الكلمة مسموع الأمر رئيسا بين أقرانه، فاعتصب عليه عدة من رجال حلب وأعيانها ورؤسائها، وزعموا أنه طغى وبغى وجار وظلم وعاقب وعذّب وسلب الأموال بغير حق، وفعل ما لم يكن جائزا في الشرع المطهّر. وقدموا في هذه المثالب محضرا إلى الدولة يلتمسون فيه من عدلها عزله ومجازاته على فعله. فصادف هذا المحضر قبولا وعزلته الدولة ومحت اسمه من جريدة الموالي- وكان حائزا باية «1» إزمير- ونفته إلى أدرنة. ولما صدر الأمر بنفيه كان والده أحمد أفندي في استانبول فأخذ يدافع عن ولده حسب الشفقة الأبوية، ويقيم الحجة على أخصامه في دحض ما زعموه في ولده حتى خيف من وقوع فساد بينه وبينهم، فأمرت الدولة أن يلحق بولده وينفى إلى أدرنة. وقد رأيت في بعض المجاميع أنه استقام في المنفى ستة أعوام ونقل فيه إلى عدة بلدان كقبرص وغيرها. وفي ذي القعدة من هذه السنة ولي حلب حمزة باشا السلحدار وفوضت إليه التحصيلات فكان بحلب واليا ومحصّلا، وولي سلفه علي باشا محافظة القارص. وفي شوال سنة 1181 ولي حلب باغلقجي زاده محمد أمين باشا. ثم في سنة 1182 ولي الصدارة وولي حلب مكانه رجب باشا. وفيها حصل وقعة عظيمة بين اليكجرية والدالاتية وخرب عدة محلات بهذه الوقعة. وفي سنة 1183 محت الدولة اسم رجب باشا من دفتر الوزارة ونفي إلى ديمتوقة. وسبب ذلك أنه لما دخل حلب استأجر دارا فسيحة وأسكنها خمسا وعشرين جارية واشتغل بهن ليله ونهاره، وأهمل أمر الحكومة وبقي الناس فوضى. وقد ولي حلب بعده محمد باشا أحمد باشا زاده متصرّف سلانيك سابقا. ثم بعد مدة قليلة نقل إلى محافظة ودين وولي حلب مكانه محمد باشا، نقل إليها من ولاية روملي. فتنة بين الأشراف والإنكشارية: وفيها حصل بين الأشراف واليكجرية وقعة عظيمة واشتد القتال والنهب، ونهبت قيسرية العرب تحت القلعة ونفيت عدة أشراف. وفي رمضانها المصادف لتموز وقع مطر غزير أخرب أماكن عديدة، من جملتها مكتب في محلة باحسيتا انهدم على عشرة أولاد من اليهود وحاخام وامرأة. وفي محرم سنة 1184 عين محمد باشا والي حلب سر عسكرا ووليها مكانه عبد الرحمن باشا فوصل إليها في رجب. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 238 فتنة بين الأشراف والدالاتية: وفيها كانت الفتنة قائمة بين الأشراف والدالاتية، والأشراف هم الغالبون، فحاصر الوالي حلب وقطع القوافل عنها ثم دخلها وقت الفجر من باب قنّسرين، وهاج الأشراف وأطلقوا عليه الرصاص. وعظمت الفتنة بينهم وبين الدالاتية واستمر الحرب أربعا وعشرين ساعة ثم هرب الأشراف، وهجم الدالاتية على سوق الجمعة ونهبوا البيوت والدكاكين وقيسرية العرب وأحرقوا جملة من بيوتها. وقبض الوالي على نقيب الأشراف وحبسه ثم نفاه. وفي جمادى الآخرة منها اجتمع جم غفير من العلماء والعوامّ ودخلوا المحكمة الشرعية وطلبوا رفع بعض بدع وأمور منحرفة عن الدين، فأجيبوا إلى ما طلبوا. وفي سنة 1185 ولي حلب محمد باشا عظم زاده، وكان الأشراف في قيام وثورة فأغلقوا دونه أبواب حلب ومنعوه من الدخول إليها، واشتعلت نار الحرب بينهم نحوا من أربعين يوما. ثم في غرة ربيع الثاني منها وصل إليه المدد فغلبهم ودخل حلب وجازى المفسدين. وفيها ولي حلب حسين باشا الداماد، ثم وليها في سنة 1186 الحاج عثمان باشا، وسنة 1188 محمد باشا. وفي سنة 1189 ولي حلب محمد باشا بن محمد عثمان بك زاده، وكان سكيرا فبقي بها أياما قلائل وحول عنها إلى ولاية الرقة، وولي حلب مكانه جتالجه لي علي باشا، وكان ظالما غاشما أضر بالناس ضررا فاحشا فتشكى منه الحلبيون إلى الدولة فأجابتهم بعزله عنهم وولّت حلب عزت باشا محافظ القارص. وفي ذي الحجة سنة 1991 تحول عزت باشا إلى متصرفية القدس، وإبراهيم باشا المير ميران متصرف القدس إلى حلب. وفي محرم سنة 1193 المصادف كانون الأول وقع في حلب ثلج عظيم، واشتد البرد حتى تلف كثير من شجر الرمان والزيتون والتين. وفيها كان والي حلب مراد باشا ثم عزت باشا ثانية. وفيها اشتد الغلاء بحلب وبيع رطل الخبز بزلطه وهي ثلاثون بارة. وفي جمادى الأولى منها المصادف أيار وقع برد كثير، الواحدة منه في حجم الجوزة، فأتلف ثمر الشجر وبعض المزروعات. وفي سنة 1194 ولي حلب عبدي باشا الكبير كما يستفاد من تاريخ جودت. وفي السالنامة أنه وليها في السنة الماضية. وسنة 1195 وليها يوسف باشا أكبر أولاد محمد باشا عظم زاده. وفي سنة 1196 وليها إبراهيم باشا ثم صرف عنها إلى القارص ووليها مكانه الجزء: 3 ¦ الصفحة: 239 خزينه دار شاهين علي باشا. ثم في سنة 1197 وليها مصطفى باشا والي قرمان. وفي سنة 1198 وليها أحمد باشا متصرف لواء أوخري. وفي ثاني يوم من ربيع الأول سنة 1199 ولي حلب ثانية شاهين علي باشا ثم عبدي باشا. ثم في شوالها وليها أرحاجي مصطفى باشا. وفي اليوم الرابع من شعبان هذه السنة، المصادف شهر تموز، في الساعة الثالثة منه كسفت الشمس وظهرت عدة نجوم وامتد كسوفها نحو ساعتين. وفي شوال سنة 1200 ولي حلب بطال حسين باشا ابن الحاج علي باشا والي إيالة أرضروم، وولي أرحاجي مصطفى باشا إيالة أرضروم. غلاء عظيم: وفي هذه السنة ابتدأ الغلاء في حلب لانقطاع المطر، ويبس نهر قويق ودام يبسه إلى الأربعينية، وغلت أسعار القوت أولا ثم فقدت من البلدة بالمرة، فاضطر الناس لأكل حب الخرّوب وحب القطن وعجو المشمش المرّ، يحلّونه ويأكلونه. ومن الناس من أكل الدفل الذي يخرج من النشاء المعروف بالدوسة. ومنهم من أكل أمعاء الحيوانات وأحشاءها. وبيع شنبل الحنطة بخمسة وعشرين قرشا، ورطل الخبز بثلاث عشرة بارة إلى القرش، والزبيب بقرش، واللحم بقرش ونصف، والسمن بربع القرش. وفي محرم سنة 1201 ولي حلب عثمان باشا محافظ أبرائيل وولي سلفه بطال حسين باشا دمشق الشام. وفيها وقع في حلب طاعون جارف هلك فيه خلق كثير. وفي سنة 1202 ولي حلب مير عبد الله باشا. وفي السالنامة أنه وليها في السنة قبلها وهو غلط. وفي سنة 1204 ولي حلب كوسه مصطفى باشا. وفي رابع ذي القعدة سنة 1205 قام الحلبيون على الوالي وحاصروه في قصره أربعة أيام ثم في ثامن هذا الشهر أخرجوه من باب الفرج فأقام في ظاهر حلب، وكانت الدولة عينت مكانه سليمان باشا ترنج زاده. فتن في عينتاب وكلّز: وفي سنة 1206 كتبت الدولة إلى كوسه مصطفى باشا- المقيم في ظاهر حلب- أن يسيّر على نوري باشا بطال آغا زاده، وكان عاصيا على الدولة في عينتاب. وذلك أن نوري باشا كان من وجهاء عينتاب وبيده مقاطعتها فظلم وبغى، حتى اضطر أهل عينتاب إلى أن يستعينوا عليه بمحمد علي باشا طبان زاده متصرف كلّز، فدعوه إليهم وسلموه قيادتهم الجزء: 3 ¦ الصفحة: 240 فهرب منه نوري باشا، واستقر هو في عينتاب وصفا له الوقت وسلك سنن من قبله من الظلم والعسف، حتى أسف الناس على نوري باشا. ولما عيل صبرهم منه هجموا على ولده الذي كان بيده مقاليد أموره وقتلوه شر قتلة وتخلصوا من جوره. ولما سمع بذلك نوري باشا اغتنم الفرصة وحشد أخلاطا من التركمان وقصد عينتاب وحصرها، وقطع طريق حلب وصار ينهب الأموال ويقتل النفوس. واتصل خبره بالدوله فعينت درويش عبد الله بك عزت بك زاده، فمشى نحوه بالعساكر الوفيرة واتفق في هذه البرهة أن مر بتلك الأطراف ككى عبدي باشا قائد الجيش السلطاني وكان معزولا من مصر، فدخل عليه نوري باشا واستشفع به للدولة، فضمن له العفو بشرط أن يكون بمعيته. وكان عبد باشا متوجها إلى ديار بكر فتوجه نوري باشا معه وأقام بها إلى أن توفي عبدي باشا. وعندها خرج نوري باشا من ديار بكر وعاد إلى فساده وقصد عينتاب، واتفق مع زمرة السادات واستولى على اليكجرية وأحرق دورهم ونهب أموالهم، ثم حصن القلعة وأقام بها كالمتحصن لأنه خاف عاقبة فعله، إلى أن كتبت الدولة إلى كور مصطفى باشا بالمسير عليه في السنة المتقدم ذكرها، فتوجه نحوه وحاصره في القلعة خمسة أشهر إلى أن ظفر به وقتله مع جماعة من حاشيته وقطع رؤوسهم وأرسلها إلى حلب ومنها إلى استانبول. وفي أواخر هذه السنة ولي حلب عثمان باشا. وفي سنة 1207 وقع في حلب قحط وغلاء. صلح اليكجرية مع أهل حلب: وفي سنة 1208 ولي حلب عبد الله باشا عظم زاده، وكانت شرور اليكجرية فيها قد عظمت، واستبدوا بالأمور حتى لم يبق للوالي حكم نافذ وكان ضعيفا. فولت الدولة حلب سليمان فيضي باشا وشرطت عليه إصلاح البلد من غير إقامة حرب. فحضر إلى حلب وأحضر إليه كبراء اليكجرية وتلطف بهم وعاهدوه على الراحة والسكون ونذر عليهم نذورا ثقيلة لأهل حلب إن نكثوا العهد، فلم يمض غير أيام قلائل إلا ونبذوا العهود وهجموا بلا سبب ظاهر على محمد أفندي غوري زاده وشتموه وضربوه ضربا مبرحا، وعادوا إلى ما كانوا عليه ومدوا أيديهم للأرزاق الواردة إلى حلب من خارجها، فخافهم الوالي وخرج إلى ظاهر حلب بوسيلة أنه يريد تبديل الهواء، ثم أرسل إليهم رجلا من خاصته ذا نجدة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 241 وشجاعة ورفقه بمباشر من زعماء اليكجرية وطلب منهم النذور التي نذروها أو يوقع بهم، وكتب إلى الدولة واقعة الحال. ثم في أواسط هذه السنة وقع الصلح وتمت الألفة بين أهل حلب واليكجرية. تخفيض عدد تراجمة قناصل الدول الأجنبية: وفي هذه السنة أيضا كتب سليمان فيضي باشا إلى الدولة أن قد بلغ عدد تراجمي القناصل في حلب نحو ألف وخمسمائة رجل. والسبب في ذلك أن الدولة سمحت لكل سفير في استانبول، ولكل قنصل خارجها، بشخص وترجمان استثنته من جميع التكاليف الأميرية. فانفتح بسبب ذلك باب لمن أراد الدخول في الترجمانية، حتى بلغ عدد من كان يلبس قلانس السّمّور «1» ألفا وخمسمائة، دخلوا بالخدعة والحيلة وامتنعوا عن دفع التكاليف الأميرية وكانوا تجارا، فعينت الدولة للفحص عنهم رجلا يقال له كسبي أفندي، فحضر إلى حلب وأحضرهم جميعا وراجع أسماءهم في سجل الترجمة فلم يظهر له غير ستة بحقّ، فحذف ما عداهم وأرسلهم لاستانبول للمجازاة بعد أن دفعوا له وللكمرجي ولمحصّل الأموال خمسة آلاف ذهب، وللوالي مثلها. فلم يقبلوها. وفي هذه السنة كانت وفاة سليمان فيضي باشا. ولم أقف على من ولي حلب بعده إلى سنة 1211 وفيها وليها شريف باشا والي مرعش. ثم في أواخرها وليها حقي باشا والي روم إيلي، فتحرك من مكانه إلى حلب وعبر في طريقه من معبر كليبولي. ولما قارب قرية سكود أفسد أتباعه وحاشيته الكثيرة مزروعات تلك القرية وأضروا ضررا فاحشا. فابتدر الناس هناك مدافعتهم بالتي هي أحسن فكرّ أتباع الوالي عليهم وأوسعوهم جراحا وقتلوا منهم عدة أشخاص. وعندها رفعوا أمرهم للدولة فأصغت إليهم وغضبت على حقي باشا ومحت اسمه من الوزارة، ونفي إلى جزيرة استانكوي. وولي حلب مكانه في أوائل سنة 1212 حسن باشا محافظ بندر. وبعد بضعة أشهر وليها درويش مصطفى باشا والي الروم إيلي. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 242 واقعة جامع الأطروش: في رمضان هذه السنة عظمت الفتنة بين السادات واليكجرية في حلب، وجرى بينهما منازعة وقتال، وتغلّب اليكجرية على السادات فالتجؤوا إلى جامع الأطروش وحاصروا فيه، ومنع اليكجرية وصول الماء والقوت إليهم وشددوا عليهم الحصار، ونفذت «1» أقواتهم وعيل صبرهم وأشرفوا على الهلاك من الجوع والعطش، فاستأمنوا اليكجرية فأمّنوهم على أنفسهم وحلفوا لهم الأيمان المغلظة على ذلك. فوثق السادات منهم وفتحوا أبواب الجامع فما كان إلا أن هجم اليكجرية عليهم وفتكوا بهم قتلا وجرحا وسلبا وسبيا، والسادات يستجيرون بهم ويستغيثون بالنبي وآله فلا يلتفتون إليهم. وكانوا يقتلون السادات على أنحاء شتى: فمنهم من يقتلونه نحرا في عنقه، ومنهم من يبقرون بطنه، ومنهم من يفلقون بالسيف هامته، ومنهم من يذبحونه من قفاه أو من عنقه، ومنهم من يطرحونه في البئر أو في حفيرة حيا. وكان السيد يستغيث بشربة من الماء قبل أن يقتلوه، فلا يغيثوه بل يقتلوه «2» ظمآن. ومن الغريب أن يكجريا ظفر بأخيه السيد وأراد أن يقتله فاستغاث بشربة ماء قبل القتل، فبال في فمه وقتله. جرى ذلك والوالي غائب عن حلب لمحاربة بعض الخوارج على الدولة. ولما اتصل الخبر بالدولة ولّت حلب شريف باشا والي مرعش- وهذه الولاية الثانية- فأسرع الكرّة إلى حلب وتدارك الحال وأطفأ نار الفتنة. وقد نظم شعراء العصر في هذه الوقعة عدة قصائد نعوا فيها السادات وهجوا اليكجرية. فمّما قاله الشيخ محمد وفا الرفاعي- من قصيدة- قوله: كلّ المصائب قد تسلى نوائبها ... إلا التي ليس عنها الدهر سلوان هي المصيبة في آل الرسول فكم ... سرى بأخبارها في الناس ركبان من آل بيت رسول الله شرذمة ... من النوابغ أحداث وشبان آووا لبعض بيوت الله من فرق ... من العدو، وللأعداء عدوان فجاء قوم من الفجّار تقصدهم ... فآمنوهم، ولكن عهدهم خانوا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 243 وحالفوهم على فوز بأنفسهم ... لكنهم ما لهم عهد وأيمان وكيف صحّ قديما عهد طائفة ... ضلّت وليس لهم في القلب إيمان سلّوا عليهم سيوف البغي واقتحموا ... كما تهجّم جبّار وشيطان وباشروا قتلهم بما بدا لهم ... فبعضهم ذابح، والبعض طعّان أو باقر لبطون أو ممثّل أو ... ضرّاب سيف وفتّاك وفتان أو مقتف إثر مهزوم ليقتله ... وقلبه لدماء الآل ظمآن أو خائض بدماء القوم مفتخر ... بالسيف مستولع بالهتك ولهان أو كاسر عظم مقتول وقاذفه ... كما تكسّر أصنام وأوثان وكل هذا وآل البيت ما رفعت ... لهم عليهم يد والربّ ديّان إن يستجيروا بجاه المصطفى شتموا ... أو بالصحابة سبّوا البيت، لا كانوا أو يستغيثوا يغاثوا من دمائهم ... أو يستقيلوا الردى فالقلب صوّان فلو سمعت عويل القوم من بعد ... إذ يستغيثوا لهدّت منك أركان يا ربّ والدة كبّت على ولد ... فمزقوه، وما رقّوا وما لانوا يا ربّ أرملة ريعت بصاحبها ... وحولها منه أيتام وصبيان وهي طويلة. وقال محمد أفندي الخسرفّي في هذه الواقعة أيضا من قصيدة: أهكذا تفعل الإسلام في نفر ... المصطفى حبّهم من قبل ما كانوا «1» سلّوا عليهم سيوف الكيد وابتدروا ... سلبا وقتلا، وما دانوا وما لانوا ماذا التباغض للأشراف مع حسد؟ ... هل جاءكم فيه قبل الآن قرآن؟ هل عندكم أنّ خير الخلق سامحكم ... أم عند ربّكم في ذاك غفران؟ هدرتمو دم أبناء الرسول فهل ... فرعون أوصاكم فيه وهامان؟ ومن دنا منكم لا عفو عندكم ... إذا قدرتم، ألا دنتم كما دانوا؟ يتّمتمو كلّ طفل لا لسان له ... كأن والده للهول نشآن وكم مخدّرة للوجه حاسرة ... «2» يهتزّ من نوحها للعرش أركان يزيد أوصاكم في ذاك يا سفل ... بموت نسل نبيّ، وهو ظمآن «3» الجزء: 3 ¦ الصفحة: 244 وقال بعضهم في هذه الحادثة أيضا: يا مصطفى إن القلوب منغّصه ... لبنيك في الشهباء حلّت منقصه في جامع الأطروش سال نجيعهم ... فغدت به أرجاؤه متقمّصه أدرك فجسم الدين أنهكه الضّنى ... وكوى بني السادات ابن الحمّصه أقبل وقل للحربليّ: الحرب لي ... فأذق إلهي ذي العصابة مخمصه أبدت إلى الأشراف شرّ خيانة ... وغدت إلى داعي الضلالة مخلصه عهدت إليهم بالأمان وأصبحت ... أعلامها بيد الخداع منكّصه يا سينها في النازعات أحلّه ال ... مولى وعمّهم العذاب وخصّصه أدماء أعداء الإله ثمينة ... ودماء أبناء الرسول مرخّصه؟ فلأنت أولى بالجميع، وهذه ... شكواهم رفعت إليك ملخّصه سفر المتطوعة من حلب إلى مصر لإخراج الفرنسيين منها: في غرة جمادى الأولى سنة 1214 سافر سبعة آلاف فارس من يكجرية حلب مع أحد زعمائهم أحمد آغا حمّصة، وكان معهم اللواء الكبير، وتوجهوا إلى مصر لإخراج طائفة الفرنسيس منها. وفي غرة جمادى الأولى سنة 1215 سافر إبراهيم باشا قطاراغاسي- من عظماء رجال الدولة الحلبيين- إلى مصر لمحاربة الطائفة المذكورة، وخرج معه متطوعا نقيب الأشراف محمد قدسي أفندي، ومعه من الأشراف نحو أربعة آلاف رجل. ثم في شهر ربيع الأول سنة 1216 زينت حلب سبعة أيام لرجوع مصر ليد الدولة العثمانية. وفي جمادى الثانية منها عاد إلى حلب قدسي أفندي ومعه الأشراف فزينت لقدومهم أيضا. وفي ذي القعدة منها- المصادف الليلة الخامسة عشرة من آذار- حدث بحلب زلزلة أخربت عدة أماكن من جملتها ست حجرات من خان اللبن. وفي الخامس والعشرين ذي الحجة منها المصادف اليوم السادس عشر من نيسان وصل إلى حلب إبراهيم باشا قطاراغاسي قافلا من مصر، وبعد برهة ولي حلب. وغلط في السالنامة إذ جعل ولايته حلب في سنة 1214 وفيها عمرت منارة جامع العدلية، وكانت هدمتها عاصفة خرجت في هذه السنة وهدمت معها عدة أبنية. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 245 إصلاح ذات البين بين اليكجرية والسادات: وفي غرة محرم سنة 1217 قدم حلب يوسف باشا الوزير لحسم الفساد بين اليكجرية والسادات وكان كل منهما حنقا على الآخر. فأحضر الباشا المذكور وجهاء الأشراف وسردار حلب عبد الرحمن آغا التل ارفادي وأولاد الجانبلات وخطباء الجوامع والأعيان وإبراهيم باشا الوالي وأغوات اليكجرية، وأخذ من الطرفين عهودا ومواثيق على استمرار الصلح والسكون بينهم، ونذر على الأشراف ثلاثمائة كيس ومثلها على اليكجرية أن يدفعوها للحكومة إن ابتدأ أحدهم بما يخلّ بالراحة العمومية، وأخذ من الفريقين صكوكا على ذلك. وفي محرّمها أيضا صدر أمر الدولة لوالي حلب أن ينفي ثلاثة وأربعين شخصا من زعماء اليكجرية، وأن يضبط منهم القلعة ويضع فيها مكانهم جماعة من الأرناوود ففعل. وفي سنة 1218 ولي إبراهيم باشا قطاراغاسي إمارة الحاج مع إيالة دمشق وطرابلس، وولى ولده محمد بك حلب مع رتبة الوزارة. وفي محرّم سنة 1219 خرج إبراهيم باشا من حلب متوجها إلى دمشق لمباشرة وظيفته، وترك ولده محمد باشا واليا في حلب. وبعد ثلاثة أيام من خروجه قام الحلبيون وأشهروا العصيان على الوالي وأخرجوه من حلب. وكانت الدولة في ذلك الوقت مرتبكة جدا لا يمكنها أن تسوق عسكرا لحلب ولا أن توافق الحلبيين على عزل الوالي الذي رفضوه صونا لشرفها. فرأت الأوفق بالحال أن ترسل من استانبول مباشرا خاصا «1» لصلاح ذات البين، وكتبت بمساعدته إلى أحد بني الجابري. وفي سنة 1220 ولي حلب علاء الدين باشا وهو الذي أحدث مدافع رمضان والعيدين. وفي سنة 1221 ولي حلب عثمان باشا ابن أحمد باشا الحلبي، وولي معها محافظة الحرمين الشريفين. غير أن حلب في ذلك الوقت كانت أحوالها مضطربة والفتن قائمة فيها على ساق وقدم، بحيث كانت النفقات اللازمة لإدارة الوالي يعسر عليه استحصالها، فضلا عن استحصال النفقات اللازمة لمحافظة الحرمين الشريفين اللذين كانا تحت خطر الوهابية ومهاجماتهم، ولذا سلخت عنه محافظة الحرمين وبقي واليا على حلب فقط. وفي ثامن شوال سنة 1223 ولي حلب يوسف ضيا باشا الصدر الأسبق. ثم في أواسط سنة 1224 جاءه ختم الصدارة- وكان في جهة ملاطية- لردع بعض عشائر الجزء: 3 ¦ الصفحة: 246 الأكراد، وكانت الدولة في ارتباك عظيم، داخلا من اليكجرية وخارجا من جهة روسية. فأراد أن يستعفي من الصدارة لخطر موقعها إلا أنه خاف غضب السلطان فقبلها وسافر إلى استانبول. وفي الخامس من جمادى الأولى عيّن لولاية حلب- التي لم تزل بعهدته- سروري باشا مع رتبة الوزارة. وفي سنة 1226 ولي حلب راغب باشا. وفي سنة 1227 أنهى راغب باشا إلى الدولة بوجوب قتل أبي براق محمد باشا، وكان منفيا بحلب. فصدر الأمر السلطاني بقتله فقتل. وسبب ذلك أنه أثار بعض الناس لإيقاع فتنة أملا أن يحصل على غرض يريده فلم ينجح. ولاية محمد جلال الدين باشا ابن جوبان حلب، وما كان في أيام ولايته من الحوادث: في سنة 1228 ولي حلب محمد جلال الدين باشا المعروف بابن جوبان. فوصل إلى حلب في اليوم السادس من رجب الفرد من هذه السنة، وكان اليكجرية في هيجان عظيم وقد طغوا وبغوا واستكبروا وعتوا على أن حالتهم هذه في حلب وغيرها من البلاد العثمانية منذ مئات من السنين كما ستقف عليه في الإجمال الذي نثبته في اليكجرية سنة 1241 وكانوا لعظمة سطوتهم وقوة عارضتهم يخيفون الولاة فكان معظم ولاة حلب ينزلون خارج البلدة، إما في تكية الشيخ أبي بكر أو في غيرها، خوفا من مهاجمات اليكجرية. ولهذا نزل محمد جلال الدين باشا حين قدومه إلى حلب في التكية المذكورة أسوة بالولاة السابقين. كان اليكجرية يسمعون بهذا الوالي ويعرفون ما عنده من الشدة والصرامة على اليكجرية. فلما بلغهم خبر تعيينه واليا على حلب أخفوا ما كان عندهم من الحلي والأمتعة الثمينة عند التجار الأجانب وقناصل اليهود، فإن هذا الوالي كبقية الولاة أمثاله اعتادوا في معاقبة اليكجرية مصادرة الأغنياء منهم بالتعذيب ثم بالقتل. ولما وصل جلال الدين إلى حلب طاف في شوارعها ومعه الجلّاد وقطع رؤوس خمسة من اليكجرية إرهابا للنفوس. ثم أظهر الاطمئنان وأقبل على الصيد والنزهة، وكان في صحبته رجل ذو حيلة ودهاء هو عنده كتخداه «1» فحسّن له قمع هؤلاء اليكجرية بإعمال الحيلة والخدعة بمباشرة الحرب الجزء: 3 ¦ الصفحة: 247 والضرب. فعمل الوالي برأيه واختار واحدا من وجهاء اليكجرية ودعاه إليه بالرفق واللطف- وهو إبراهيم آغا ابن خلاص- وجعل كلما حضر عنده يكرمه ويتودد إليه ويدنيه من مجلسه ويعده بما يسرّه. وما زال يعامله هذه المعاملة الحبيّة حتى تأكد أن إبراهيم آغا أيقن أن محبة الوالي إياه محبة صادقة لا يشوبها غش ولا يشينها تدليس. وحينئذ عمل الوالي وليمة في تكية الشيخ أبي بكر دعا إليها بواسطة إبراهيم آغا ثمانية عشر شخصا من كبراء اليكجرية وزعمائهم، وصار كلما حضر واحد منهم يدخل إلى التكية على انفراده ويقطع رأسه ويوضع على طرف الحوض حتى أبادهم جميعا. وكان من جملتهم صفيّه وحبيبه إبراهيم آغا ابن خلاص. ويحكى أن أحد المقتولين في هذه الوليمة الدموية كان ينصح إبراهيم آغا ويحذره من غدر الوالي، ويذكر له أن ما يراه منه من التودد والمحبة هو محض خداع وتغرير، فكان إبراهيم لا يلتفت إلى كلامه ويقول له: إن حضرة الوالي يحبني محبة خالصة. فلما كان يوم تلك الوليمة المشؤومة كان آخر من أدخل للتكية وقدم للقتل ذلك الناصح النبيه. وكان إبراهيم آغا واقفا بين يدي الوالي فأقبل ناصحه على الوالي وقبّل الأرض بين يديه وسأله: هل في نيتك قتل هذا الحمار؟ وأشار إلى إبراهيم آغا، فأجابه الوالي بقوله (هاي هاي) أي نعم نعم، فقال له: أرجوك أن تقتله قبلي حتى أرى رأسه بين هذه الرءوس فيطيب طعم الموت عندي ثم تقتلني. فأمر الوالي بقطع رأس إبراهيم آغا فقطع ووضع على طرف الحوض، وحينئذ تقدم الناصح المذكور إلى الجلاد وقال له: الآن طاب الموت. ولوى عنقه فضربه. وكان آخر قتلاء هذه الضيافة الحافلة. ثم إن الوالي جعل يتتبع زعماء هذه الطائفة ويقتلهم بعد أن يصادر أموالهم بالتعذيب القاسي، حتى استقصى أكثرهم. عزل قاضي حلب: وفي أوائل جمادى الأولى من هذه السنة وهي سنة 1228 عزل قاضي حلب عزّت زاده دلى أمين أفندي. وسبب ذلك أنه كان يعامل أشراف البلدة ووجهاءها معاملة العامة، وربما عامل الوالي على هذا النمط. وكان الوالي يتحمله تكريما لعلمه وفضله ويصبر عليه لانقضاء مدته العرفية. لكنه لما كان في بعض الأيام نهر القاضي بالمفتي ووكزه في رأسه الجزء: 3 ¦ الصفحة: 248 فسبّب فعله هذا لغطا بين الناس، فخاف الوالي من حدوث فتنة بين العلماء فأنهى به إلى الدولة فعزلته ونفته إلى طوسية. طاعون جارف: في ربيع الآخر سنة 1229 حصل في حلب طاعون جارف بلغت وفياته اليومية ثمانمائة إلى الألف من المسلمين، وأربعين إلى الستين من النصارى، وعشرين إلى ثلاثين من اليهود. خروج مناد من قبل الحكومة: وفيها خرج من قبل الحكومة مناد طاف في محلات حلب وهو ينادي بقوله: (يا أهل هذه المحلة إذا كان في محلتكم يكجري ولم تخبروا عنه فجزاؤكم خمسمائة كيس) . الكيس اسم لخمسمائة قرش. ورود أمر سلطاني بقتل جماعة من زعماء اليكجرية: وفيها ورد أمر سلطاني بقتل حسن آغا السيد خلاص، والحاج علي آغا البيلماني، والحاج محمد بن إبراهيم اشبيب، فقتلوا وبيعت أملاكهم بواسطة مأمور خصوصي ورد من الآستانة يقال له إبراهيم آغا سلحشور في الباب العالي. والحاج محمد المذكور هو والد محمد آغا بازو الذي من جملة أولاده الأحياء السيد محمد بازو أحد وجهاء محلة الجبيلة الآن. وفي هذه السنة قتل أيضا أحمد آغا ابن عبد القادر حمّصة وإبراهيم آغا الحربلي- كلاهما من زعماء اليكجرية- والحاج عمر بن عيسى الجربان من شجعانهم، وبعد قتلهم بيعت أملاكهم. أمر النصارى بالغيار: وفي ثلاثين من ربيع الأول أمرت الحكومة النصارى أن يعتموا بعمائم سماوية اللون، وأن يلبسوا بأرجلهم النعال الحمر. وسبب ذلك أن كثيرين منهم كانوا يتزيّون بزيّ اليكجرية ليتسنى لهم التسلط على الناس كاليكجرية. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 249 تأديب حيدر آغا مرسل، وغيره من الخوارج: وفي سنة 1231 صدرت أوامر الدولة بتأديب حيدر آغا مرسل، وطوبال علي، وسعيد آغا، وعمر آغا ابن عمو وغيرهم من الخوارج في بلاد البستان. ولما ساق نحوهم العسكر جلال الدين باشا والي حلب خام عن لقائه حيدر آغا وهرب إلى الرقة ووقع دخيلا عند عربانها. وأما طوبال علي آغا وسعيد آغا فإنهما فرّا إلى جهة الزور وقطعا طريق حلب، فاضطر جلال الدين باشا أن يخرج العسكر إلى أطراف البرية، غير أن طوبال وسعيد «1» تغيرت أفكارهما وتوجها مع الحجاج إلى المدينة المنورة واستغاثا بشيخ الحرم قاسم آغا، فرقّ لهما ووعدهما بالشفاعة عند الدولة، ثم استرحم من السلطنة العفو عنهما فأجيب إلى ما طلب بشرط أن يقيما في مصر، وفي خلال هذه السنة ولي حلب السيد أحمد باشا والي الأناطول وولي مكانه جلال الدين باشا. وفي سنة 1232 كثر فساد الأعراب في جوار حلب وجهات ريحا وأنطاكية، وكان الأمير مهنّا البدوي هو الزعيم الأكبر على الأعراب، وقد فرض على كل داخل إلى أرضه مبلغا من النقود، وضرب على القرى المجاورة مضاربه جريمة سماها «الأخوّة» فكانت سببا لخراب عدة قرى وجلاء أهلها عنها. وتفاقم أمر هؤلاء الأعراب وتعطلت السبل وفقد الأمن. وذكر في الجزء الخامس من المجلد العاشر من محلة الجامعة الأميركية أن علي آغا رستم قتل ابن عمه واستولى على جسر الشغر واللاذقية، وصادر أغنياءهما حتى قنصلي بريطانيا وفرنسا. وكان اليكجرية في حلب مع هذه الحالة في قيام ومخالفة على الوالي. وفي صفرها صدر أمر الدولة لوالي حلب السيد أحمد باشا أن يقصد الأعراب في الصحراء ويوقع بهم، وأنفذ إليهم كتخداه عثمان آغا ورفقه بمقدار وافر من العساكر، وكان العربان على ثمان عشرة ساعة عن حلب، فوصل إليهم وكسرهم وظفر منهم بأربعة وثلاثين شخصا قطع رؤوسهم وجهزها إلى استانبول. فسرت الدولة من ذلك وأرسلت لوالي حلب تشكّرا واستقلالا بولايته. وفيها أيضا ثارت عشيرة براق وهجموا على أطراف كلّز، فساق إليهم والي حلب وقاتلهم وظفر منهم ببضعة أشخاص قطع رؤوسهم وأرسلها لاستانبول. وفيها قدم نفر من يكجرية إدلب وقطعوا الطريق من جهة خان طومان، فظفر الجزء: 3 ¦ الصفحة: 250 الوالي بهم وأرسلت منهم أربعة رؤوس إلى استانبول. وفي اليوم السابع من تشرين الثاني سنة 1816 م مسيحية- المصادفة هذه السنة- كسفت الشمس وقت الاستواء وبقيت مكسوفة نحو ساعتين وأظلم الأفق وظهر نجم الزهرة. ولاية خورشيد باشا على حلب: وفي اليوم الثاني والعشرين من ربيع الثاني سنة 1223 ولي حلب خورشيد باشا. وفي سنة 1224 هـ/ 1818 م قتلت الحكومة 17 شخصا من الروم الكاثوليك، وسريانيا، ومورانيا «1» . والسبب في ذلك أن الروم القديم كان لهم بحلب مطران هو المعترف به عند الدولة بالسيادة على جميع الروم القديم والكاثوليك، أسوة أمثاله من قديم الزمان، وكانت طغمة كهنوت الروم الكاثوليك تأنف من سيادته وتنقاد إليه انقياد مكره، وكانت كنيسة الملّتين في حلب واحدة. فلما كانت السنة المذكورة استحصل المذكور من الدولة أمرا بنفي جميع كهنة الروم الكاثوليك إهانة لهم، وعندها امتعط «2» منه جميع طائفة الكاثوليك واحتشدوا، وكانوا زهاء سبعة آلاف شخص وهم أكثر عددا من طائفة الروم القديم. ثم ساروا يريدون الإيقاع بالمطران المذكور، ثم بدا لهم أن يحضروه إلى الوالي ويلتمسوا منه كفّ سلطته عليهم استنادا على أنه لا إكراه في الدين. وكان نمي الخبر إلى الوالي وهو في تكية الشيخ أبي بكر، فلما رأى جموع الكاثوليك مقبلين عليه إقبال هجوم وتألّب أمر أن يفرق جمعهم ويقتل منهم بعض أفراد تسكينا للفتنة. فنفذ أمره وفرق جمعهم وقتل منهم الأفراد المذكورون. وبقيت سيادة مطارنة الروم على عموم الروم إلى أن دخل المصريون حلب فأفردوا لكل طائفة مطرانا وكنيسة. وبعدهم حذت الدولة العثمانية حذوهم واستمر الحال على هذا المنوال إلى يومنا هذا. هذه الحادثة مذكورة في كتاب عناية الرحمن مفصّلة فلتراجع. حصار حلب المعروف بحصار خورشيد: ألمعنا- فيما تقدم قريبا- عن حادثة قتل اليكجرية وتشتتهم في البلاد عن يد محمد الجزء: 3 ¦ الصفحة: 251 جلال باشا جبار زاده، وأن حلب من ذلك اليوم أخذت بالسكون والراحة غير أنه لم يمض على تلك الحادثة زمن يسير إلا وقد اعتصب في حلب زمرة من السادات وأخذوا يدأبون بإخلال الراحة وانضباط البلد، ثم سولت لهم أنفسهم أن يقوموا على الحكومة ويخلعوا طاعتها. واستعدوا للقيام وكاتبوا جماعة اليكجرية الذين كانوا مشتتين في البلاد هربا من جبار زاده، فحضروا خفية ولازموا البيوت سرا، وقوي بهم حزب السادات وزادوا استعدادا وصاروا يتوقعون أدنى باعث للثورة. فاتفق أن حاشية الوالي خورشيد كانت من أعظم الأسباب التي عجّلت قيام الثائرين، المترقبين أدنى فرصة تسنح لهم. وذلك أن الوالي المشار إليه كان على جانب عظيم من الصلاح والدين، وبالعكس حاشيته وجماعة دائرته فكان إمامه لا ينفك عن السكر إلا قليلا، وأما كتخداه سليمان بك فإنه يتناول المسكرات ليلا ونهارا وكثيرا ما كان يرى كالمجنون عند المساء لكثرة ما يشرب، فلربما كان يغضب على بعض أتباعه فيضربه بالبلطة أو بالخنجر في أي محل وقع الضرب، وكان يدور في شوارع حلب على هذه الحالة إلى نصف الليل. وغضب مرة على رئيس ساسة الدواب وهدده بالضرب والقتل فخاف بقية السّاسة من شرّه وعولوا على الفرار وكان في الإصطبل عدد وافر من الخيول والبغال فعمد إليها سليمان بك وقطع مقادوها وقيودها واستنفرها إلى خارج الإصطبل فحصل بسببها غلغلة عظيمة في أسواق حلب. فهذه حالة الكتخدا، وأما بقية رجال الدائرة فإنهم كانوا على أشد انهماك من الفسق والارتشاء، وكان خورشيد باشا ليس عنده خبرهم بل كان يحسن ظنه بجميعهم. كانت هذه الأحوال تزيد من الحاشية يوما فيوما والحلبيون المتعصبون في دينهم يزدادون نفورا إلى أن ثاروا بغتة في إحدى الليالي من محرّم سنة 1235 وكان الوالي في أطراف نهر الساجور يعاني مكاشفته لجرّه إلى نهر قويق، ومشوا نحو منزل الكتخدا المدكور فكبسوه وقتلوه، ثم انتقلوا منه إلى غيره من جماعة الدائرة المنهكمين في المعاصي وأعدموهم عن آخرهم، ثم التفتوا نحو عسكر الوالي وبغتوهم بالقتل. حتى إني رأيت في بعض المجاميع أن جملة من قتلوا من حاشية الوالي وأتباعه في تلك الليلة سبعة آلاف نسمة، وهو مبالغة فيما أظن. ثم إن هؤلاء الثائرين كبسوا بيت الإمام المتقدم ذكره فأخذوه مع جميع ما كان عنده من آلات اللهو واللعب وأدوات الفسق والفجور، وجاؤوا به إلى المحكمة الشرعية كأنه مشهّر، ونادوا القاضي قائلين وهم يشيرون إلى الإمام: يكفي أن تعلم بحالته استانبول الجزء: 3 ¦ الصفحة: 252 فقط. فتلطف بهم القاضي واستعمل أنواع الحيل والمداهنة ودفع عنه هذه الجمهرة، ثم أحضر إليه جماعة من العلماء وذوي الوجاهة وسار معهم إلى خورشيد باشا في تكية الشيخ أبي بكر وأثبتوا لديه رضاهم ومزيد صداقتهم. وكان خبر الحادثة نمي إليه «1» وعاد من سفره فابتدر في الحال قطع القناة عن حلب ومنع عنها دخول الميرة والأقوات، وشدد حصارها وكتب إلى المتسلّمين بأطراف حلب فأحضرهم مع عساكرهم وأطار المكاتيب لاسترجاع عسكر كان أرسله قبل بضعة أيام لجهة ديار بكر، وكتب لوالي سلانيك أن يرسل له ألفي عسكري موظف تخرج من ميناء اللاذقية. وحرّر واقعة الحال يعلم بها استانبول. فوصلت مكاتيبه إليها في اليوم الثامن عشر من محرّم. وبينهما كانت الدولة مشغولة بإطفاء نار الفتنة المشتعلة في ديار بكر في تلك الأيام إذ ورد إليها خبر حلب أيضا، فوقعت في حيرة عظيمة. ثم بدا لها أن تكتب لأبي بكر باشا متصرف قيصرية أن يسرع الكرّة مع مقدار يتداركه من العسكر لإعانة والي حلب، وكتبت إلى جلال الدين باشا جبار زاده- والي أطنة- بأن يخابر والي حلب ويعاونه حسب الإمكان، بحيث إذا لزم حضوره بنفسه لا يتأخر. وكتبت إلى جماعة من المدفعية وأصحاب العربات الذين أرسلتهم لإخضاع أهل بغداد أن يكونوا أعوانا لوالي حلب لأنهم لم يبق لسفرهم إلى بغداد لزوم، لرجوع السلام إليها. أما خورشيد باشا فإنه كان وصل إليه المتسلمون الذين هم في أطرافه- كما تقدم- ثم وصل العسكر الذي أرسل لديار بكر، ثم عسكر الجبل والأرناووط ثم جلال الدين باشا ثم لطف الله باشا والي الرقة. فاشتدت قوته وقوي عزمه ومشى بالعساكر الوفيرة لمحاربة الحلبيين، والتقى الفريقان في محلة قسطل الحرامي خارج السور، واشتعلت نار الحرب فلم يمض غير ساعات إلا وتقهقر الحلبيون وولوا منهزمين إلى داخل البلد، واستمروا على تمردهم. وعندها اتفق رأي الوزراء الثلاثة على أن يدخلوا البلد جبرا، فرتبوا جيشا عظيما للهجوم على حلب في غرة ربيع الثاني. وفي سحرة يوم منه أطلقت المدافع على أسوار المدينة من عدة جوانب، وانفتح فيها بضع ثلمات هجم منها عسكر الجبل والأرناوط ودخلوا البلد، والتقى الفريقان في الأزقة والشوارع وجرت بينهما محاربة مهولة أريق فيها الجزء: 3 ¦ الصفحة: 253 دماء كثيرة. ثم انجلت الوقعة عن كسرة الحلبيين وانهزامهم، ودخل الوزراء الثلاثة المدينة وضبطوها بعد أن دام حصارهم أياها نحوا من أربعة أشهر. وهو آخر حصار جرى على مدينة حلب إلى يومنا هذا، وقد ظفر الوزراء الثلاثة بسبعة من رؤساء الثائرين قطعوا رؤوسهم وجهزوها إلى استانبول مع تحرير مشترك منهم، فوصلت إلى الباب العالي في أوائل جمادى الأولى وصارت موجبة للمسرة الزائدة وأرسل لكل واحد من الوزراء فروة سمّور، ولخورشيد باشا خنجر مرصع. غير أن هذه الحادثة كانت قد شاعت في استانبول وكثر بها لغط الناس، ودار على الألسن أن سببها ظلم حاشية خورشيد باشا وفسادهم. ولذا اضطرت الدولة لكشف الحقيقة وإزالة الشبهة، وعينت لذلك رجلا يقال له مصطفى نظيف أفندي كاملي زاده وأرسلته إلى حلب للتحقيق، فوصل إليها بعد أن ضبطها الوزراء بيومين، ونزل في محل قريب من تكية الشيخ أبي بكر، وكان بينه وبين خورشيد عداوة قديمة، فكتب للدولة أن سبب الحادثة المذكورة هو ظلم جماعة الوالي وارتكابهم الرشوة وانهماكهم في المعاصي وما في معنى ذلك. كما أن خورشيد باشا كتب للدولة بأن نظيف أفندي رجل مفسد محرك للسواكن، له أغراض فاسدة يحاول الوصول إليها بزمرة من المفسدين الذين يترددون إليه، وما في معناه. ولما وصل الكتابان للباب العالي رأوهما متضادين فنبذوهما ظهريا. غريبة: حكى شاني زاده في تاريخه- والعهدة عليه- قال: لما انتهت هذه الحادثة وصار الوالي يأمر بقتل الرجال، قياما بواجب السياسة، جاء أحد المأمورين في هذا الشأن إلى صالح آغا قوج متسلّم حلب من قبل الوالي وقال له: سيدي، مساء أمس الماضي تنازع أحد الفقراء الذين يصنعون الكراسي مع واحد من عساكر الدراويش المولوية بسبب مشلح، فحبس الفقير وعند المساء أدخل إلى محبس الدم وأصبح ميتا. وفي صبيحة هذا اليوم جاءت زوجته ومعها أربعة أيتام لباب الوالي وقدمت له عريضة تذكر فيها أنها محتاجة لعشاء ليلة فهي تسترحم أن يعطوها ما وجد على زوجها المقتول من الثياب لتبيعها وتنفقها على أيتامه. فأخذت منها العريضة وقدّمتها للوالي، وعندما بينت له الكيفية أسف للغاية ورقّ للمرأة ورثى لحالها وأحسن إليها بنصف كيس من الذهب. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 254 أما صالح قوج فإنه لما سمع هذه الحكاية قال: هذا شيء عجيب، كيف يقتل هذا ظلما؟ والذين صدر الأمر بقتلهم ثلاثة أشخاص، والمدافع التي أطلقت بإعلان قتلهم ثلاثة، وجثث القتلى التي أصبحت مطروحة في خندق القلعة ثلاث! فإن كان هذا الرجل قتل غلطا وخطأ فإني أفحص عن الرجل الذي كان يستحق القتل وأوقع القبض عليه. مع أن هذا الظالم الماكر قتل في تلك الليلة أربعة أشخاص دون ذنب ولا جناية بدل أربعة أشخاص صدر الأمر بقتلهم، فرشوه وخلّى سبيلهم، وقتل عوضا عنهم من لا ذنب لهم وألقى جثثهم في خندق القلعة، كما أخبر بذلك من كان عالما بحقيقة الحال. انتهى ملخصا من تاريخ جودت باشا، مع زيادة قليلة وقفت عليها في بعض المجاميع، وقد ذكر فيها أن زعماء الثائرين في هذه الحادثة هم من السادات وأن الصلح وقع أخيرا مع اليكجرية فقط بسبب مخامرة السادات عليهم، ولذا كان معظم من قتل في تلك الوقعة من السادات. قلت: هذه الحادثة كانت من أهم الحوادث التاريخية وأعظمها بحلب، حتى إني رأيت في بعض الفهارس الإفرنجية الواردة من باريس أنه يوجد في حانوت صاحبها كتاب مخطوط يشتمل على زهاء ثلاثمائة صحيفة، كله في خبر هذه الواقعة. وفي الحال كتبت في طلبه إلى باريز فرجع الجواب إليّ بأنه بيع قبل وصول كتابي. وفي أواخر هذه السنة 1235 حول خورشيد باشا إلى إيالة المورة، وولي حلب مصطفى باشا البيلاني صاحب الحمّام المنسوب إليه في محلة الفرافرة تجاه مزار النسيمي بحلب، وهو الذي جدد هذا المزار، وزوجته ماهلقا مدفونة فيه، وهي صاحبة السبيل الكائن في أواخر سوق العبي في حضرة المفارق الأربعة. وفي سنة 1237 ولي حلب إبراهيم باشا. الزلزلة الكبرى في حلب وأعمالها: في نحو الساعة الثالثة من ليلة الأربعاء بعد العشاء الأخيرة ثامن وعشرين من شهر ذي القعدة من هذه السنة 1237 هـ الموافق آب سنة 1821 م زلزلت حلب زلزالا شديدا امتد حكم سلطانه الرهيب إلى مسافات بعيدة عن حلب، انتهت حدوده شمالا إلى مرعش، وجنوبا إلى حمص، وشرقا إلى الفرات، وغربا إلى إسكندرونة. زحفت جيوشه الجرارة إلى جميع هذه البلاد وما في ضواحيها وصحاريها من البلدان والقرى. وكان أعظمها مصيبة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 255 به وأشدها نكبة وبلاء مدينة حلب ثم أنطاكية وبلاد القصير الأعلى والأسفل. حدثني الشيخ المعمّر محمد آغا مكانسي أحد أعيان حلب ووجهائها في القرن الثاني عشر المولود سنة 1202 والمتوفى سنة 1309- وكان دقيق الفكر حسن التعبير قوي الحافظة لا يشذّ عن ذهنه كلّي ولا جزئي من الحوادث والكوارث التي مرت عليه مدة حياته بعد طور طفوليته- وكنت أسمر عنده في مصيف منزله الكبير الكائن في محلة محمد بك، في ليلة من شهر تموز طاب نسيمها وسطع بدرها. وقد سألته عن أعظم فزعة عرته في حياته، بمناسبة حديث كان يحدثنا به عما قاساه من الأهوال والأخطار في بعض أسفاره إلى الحجاز حينما كان إسباهيا «1» يرافق ركب الحاج فقال مجيبا لي عن سؤالي: إن أعظم فزعة عرتني مدة حياتي فزعة ارتعدت لها فرائصي وأوقعتني في مهاوي اليأس من الحياة، كانت في ليلة الزلزلة الكبرى التي حدثت في سنة كذا (وذكر الليلة التي قدمنا ذكرها) . ثم طفق يقص علينا نبأ تلك الحادثة فقال: بينما كنت جالسا في مصيف داري القديمة في ذلك الوقت أسمر مع جماعة من خلّاني وألتذ بمنادمتهم وحسن حديثهم- والنسيم البليل يحيينا بأنفاسه وينعشنا بلطيف هبوبه- إذ انقطع عنا بغتة واشتد الحر حتى شعرنا بضنك في صدورنا وضيق بأنفاسنا، وما مرّ علينا سوى نحو عشرين دقيقة في هذه الحالة المضنكة إلا وسطع في جو الفضاء ضوء أشرقت به الدنيا إشراقها بالشمس تتجلى في ذروة الفلك الأعلى، فرفعنا أبصارنا إلى العلاء فرأينا هذا النور الساطع صادرا من كوّة مفتوحة في كبد السماء كأنها نافذة من نوافذ جهنم، وما كدنا نرجع أبصارنا إلى الحضيض حتى أوقر أسماعنا دويّ كهزيم الرعد، وإذا بالأرض قد مادت بنا يمنة ويسرة والنجوم أخذت تتناثر وتتطاير في أفق السماء كشرر يتطاير من أتون. ثم انتفضت الأرض أربع مرات متوالية أزاحتنا عن مقاعدنا، فنهضنا على أقدامنا وما منّا أحد إلا وقد أحسّ بدنو أجله كأن السماء وقعت عليه، أو الأرض كادت تنخسف تحت قدميه. فصرنا نكرر الشهادتين ونضرع إلى الله تعالى بقولنا: يا لطيف، والجدران تتداعى وتخرّ السقوف وتتدهده الحجارة على الأرض فيسمع لها جلبة ودويّ تقشعر منهما النفوس. كل هذا جرى في برهة من الزمن لا تزيد على نصف دقيقة وقد اشتد غواش الناس وضجيجهم يستغيثون بالله، وعلا صراخ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 256 النساء وعويلهن، وطفقت الخلائق تركض إلى الصحراء وهم يتدافعون ويتزاحمون في الشوارع والأزقة هائمين على وجوههم، لا يلوي والد على ولد، كلّ يهرع مهرولا إلى ساحل السلامة يطلب النجاة لنفسه حتى كأن القيامة قد قامت وآذن حبل الحياة بالانصرام، وكان القتام شديدا حلك منه الظلام وحجب النجوم عن العيون. أما الجماعة الذين كانوا يسمرون عندي فقد أسرعوا الكرّة إلى منازلهم ليتفقدوا أهلهم. وأما أنا فقد كان أهلي حين وقوع هذا القضاء جالسين في صحن الدار، وكانت الدار فسيحة وجدرانها قصيرة لم يؤثر بها الزلزال ولا انهدم منها شيء، فجمعتهم في وسط الصحن وبتنا ليلتنا في قلق زائد، لأن الأرض كانت في كل برهة ترتجف وتختلج، ونحن نستغيث بالله ونتعوذ به من سخطه. فلما طلع الفجر أحضرنا جماعة من العتّالين فحمّلناهم من البيت ما يقوم بسدّ حاجاتنا من الفرش والمؤنة وخرجنا بالأهل والعيال إلى أحد بساتين الفستق التي في جوار محلتنا، وكان الناس قد خرجوا إليها في الليل وبات أكثرهم على الأرض بلا غطاء ولا وطاء. أما بقية جهات البلدة: فمن ناسها من خرج إلى البرية في جوار محلته، ومنهم من قصد الكروم والبساتين ثم تداركوا الخيم وبيوت الشعر. والأغنياء منهم عملوا بيوتا من الدفّ، ومنهم الفقراء الذي ظلوا تحت السماء بلا كنّ «1» ولا ملجأ. واستمر الزلزال يتردد نحوا من أربعين يوما تارة خفيفا وأخرى شديدا. وحين حدوث الزلزلة الأولى كان أكثر الناس على أسطحة منازلهم وفي فسحات دورهم جريا لعادتهم في موسم الصيف، فسلم بهذه الواسطة العدد الكبير من عطب الزلزلة، ولولا ذلك لكان السالم منهم قليلا. ومع هذا فقد مات تحت الردم في حلب زهاء خمس عشرة «2» ألف نسمة. وكان معظم تأثير الزلزلة في محلة اليهود والعقبة وسوق العطارين وأبراج القلعة وما اشتملت عليه من البيوت والمنازل، وما جاور القلعة من المباني التي كانت قائمة في ذلك الفضاء المعروف باسم (تحت القلعة) . قال: ومما يدل على شدة نفضات الزلزلة في أول مرة أن هلال مئذنة جامع العثمانية اندفع من محلّه وسقط على قبة القبلية فخرقها ووقع على أرض القبلية فحفرها. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 257 كان الناس يتكبدون مشقة زائدة وهم في الصحراء والبساتين بالحصول على الأقوات التي لم يبق الباعة لها سعرا محدودا، فإن كل واحد من باعة الخبز واللحم وغيرهما يبيع بضاعته بالثمن الذي تسنح له به الفرصة، وكان الدعّار والمتشردون يقصدون الدور والمنازل وينهبون ما فيها من الأثاث والمؤنات، فاضطر أهل كل محلة إلى أن يتعاونوا على إقامة حراس يحرسون أموالهم. وكانت جماعة الحكومة كالوالي والقاضي قد تركوا منازلهم وأقاموا في البرية تحت الخيام وبيوت الخشب، وشغلهم الخوف والفزع عن القيام بمباشرة وظائفهم. فاختل نظام الحكومة وكثرت حوادث النهب والسلب. أما جثث القتلى التي كانت تحت الردم فكان أهلها المتموّلون أخرجوهم على الفور ودفنوهم بثيابهم، وقد استخرج البعض منهم وفيهم رمق من الحياة فعاشوا، ومنهم من مات بعد ساعات، واستخرج بعض من خرّت عليهم السقوف أحياء لم يصابوا بشيء من الضرر لأن بعض السقوف انهدم جدارها الواحد فقط، فبقيت رؤوس الأخشاب الأخرى معلقة بالجدار الباقي فتكوّن منها وقاء لمن كان مقيما تحتها فسلم. أما الفقراء الذين لا مال عندهم فقد بقيت قتلاهم مدفونه تحت الردم في الخرابات الكبيرة فكانت هناك قبورهم إلى الأبد. كانت الأرض في هذه المدة- وهي أربعون يوما- لا تنقطع حركتها، غير قليل، فكان الناس يحسّون من وقت إلى آخر برجفات تحت أقدامهم. وقد شاع أن قطعة كبيرة من الأرض في ناحية قرية الأثارب قد خسفت، ولهذا كان كثير من الناس لا ينفك عنهم الفزع والقلق لأنهم قد تسلط على واهمتهم بأن الأرض ربما خسفت بهم وإن كانوا آمنين من سقوط الجدران عليهم لإقامتهم في بيوت خشبية. وكانت السنة كثيرة البقول والفواكه قد أكثر الناس من أكلها فكثرت فيهم الأمراض، ومات منهم عدد كبير. وفي سنة 1238 ولي حلب ثانية مصطفى باشا البيلاني. وبعد أيام حول إلى محافظة لواء صيدا وبيروت وصفد، وولي حلب بهرام باشا والي الرقة إلحاقا. مقتل نعمان أفندي ابن عبد الرحمن أفندي شريف: في هذه السنة 1238 قتل نعمان أفندي. وسبب ذلك أن بهرام باشا لما قدم على حلب واليا عليها طلب من نعمان أفندي أن يقرضه مائتي ذهب إلى حين، فاعتذر له بضيق اليد، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 258 وسمع بذلك أحمد بك قطاراغاسي فأسرع الحضور إلى الوالي وأعطاه المائتي ذهب، فسر منه وقرّبه إليه وحقد على نعمان أفندي. ثم وشى واش بنعمان أفندي إلى السلطان بأنه يحاول إثارة فتنة بين الأشراف- وكان هو نقيبهم- وبين اليكجرية. فأصدر السلطان إلى بهرام أمرا باغتياله. فأرسل إليه يطلبه فامتثل الأمر وخرج من منزله قاصدا منزل الوالي وهو لا يعلم بما أضمر له. ولما وصل إلى منزل الوالي كانت الخيول واقفة بانتظاره، فأمره الوالي بركوب أحدها موهما إياه بأنه يريد قمع بعض الفلاحين في جهات كلّز لأنهم في صدد الفتنة. فسارت الخيول بهما وبمن معهما من الجند حتى وصلوا إلى قرية تل الشعير من أعمال كلّز وهناك نزل الوالي ومن معه- وكان وقت الظهر قد مضى- فابتدر نعمان أفندي أداء فريضة الصلاة فتوضأ ووقف يصلي فما شعر إلا وقد خرط في رقبته حبل معقود، واثنان يشدان طرفيه حتى زهقت نفسه. فتركوا جثته ملقاة في العراء، وعاد الوالي ومن معه إلى حلب. وشاع الخبر فخرج أهل نعمان أفندي وواروا جثته هناك. وفي خامس جمادى الأولى من هذه السنة 1238 ولي حلب حسن باشا الدرنده لي، والي الأناضول. وفي الثالث والعشرين من رمضان سنة 1239 وليها محمد أمين وحيد باشا، وهو مولود في كلّز. لقاح الجدري البقري: في سنة 1240 وصل لقاح الجدري البقري إلى حلب عن يد طبيب من الفرنج المولودين في حلب اسمه منتوره، وأصله من إيطاليا. فلم يقبل أهل حلب على هذا اللقاح كما ينبغي إلا بعد دخول إبراهيم باشا المصري إلى حلب. وأصل هذا اللقاح كان ظهوره في البلاد العثمانية من الأناضول، اكتشف بواسطة الفلاحين الذين يقتنون البقر ويعانون حلبها. وفي سنة 1241 كان إلغاء حزب اليكجرية وانقراضهم. نبذة في الكلام على هذه الطائفة قال في دائرة المعارف وغيرها ما خلاصته: كانت عساكر الدولة العثمانية في بدء تأسيسها رجالا يتخذون القتال واسطة لاكتساب معايشهم، منتقلين بجميع ما لهم من المال والعيال عند الخروج للغارات والغزوات. ثم صار إذا حاربوا أياما قليلة ولم يفوزوا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 259 بسلب تبددوا وعسر جمعهم، فاضطرت الدولة في أيام السلطان أورخان بن عثمان إلى أن تستبدلهم بجنود لهم رواتب معلومة غير أنهم لم يمض عليهم غير سنيّات قليلة حتى تمردوا على السلطان أورخان، وربما قاتلوه إذا حملهم على أمر لا يريدونه. فبدا له حينئذ أن يقيم عسكرا من أولاد الأسراء الروم، وذلك بأن يفصلهم عن والديهم ويعلمهم العقائد الإسلامية ويمرّنهم على الحروب فيشبون على الغزو والجهاد. وبعد سنيّات قليلة تكوّن جيش من العسكر المذكور مؤلف من ألف رجل ما منهم إلا بطل صنديد. فأخذ السلطان أورخان ذلك الجيش إلى ولي الله الحاج بكطاش، وطلب منه أن يسمّيه ويدعو له فوضع يده على رأس جندي منه وقال: ليكن اسمه يكجريا. ثم قطع كمّ لبادته ووضعه على رأس ذلك الجندي ودعا لهذا الجيش بالفوز والظفر. ومعنى يكجري: العسكري الجديد فحرفته العامة إلى انكشاري. ثم لما كثرت فتوحات السلطان مراد وكثر عدد الأسراء- حتى بيع الأسير بكأس من البوزة «1» - قال بعض العلماء: إن الحكم الشرعي بإعطاء خمس الغنيمة للسلطان يتناول الأشخاص أيضا، وإنه إذا جرى هذا الأمر يرتفع ثمن الأسراء ويزداد عدد اليكجرية بسرعة. فأعجب السلطان هذا الرأي وأمر بإجرائه. وقد جرى اصطلاحهم في ذلك الزمان على أن يقسموا أولئك الأولاد إلى أجواق يسمونهم عجم أوغلان، أي أولاد أعجام، ويعلمونهم القرآن الكريم ثم التمرن على الأشغال الشاقة، ثم يدخلونهم في السلك العسكري، وبعضهم يتخذون حرسا وأعوانا للسلطان. وينقسم هذا العسكر إلى أرط ثم إلى أوض (مفرده أوضة محرفة عن أوطاق معناه الحصن) ثم وجاقات. والأرطة مؤلفة من عشرة أشخاص. وبلغت في أيام السلطان محمد خان الرابع مئة وتسعين شخصا. ولهم قائد عام يعرف باسم آغا، له سلطة مطلقة على وجاقه وحقّ تأديب من أذنب من عساكره ورؤسائه بالحبس والضرب دون معارض. وكان راتب الآغا في أول الأمر فوق أربعة آلاف قرش في الشهر، ثم زاد كثيرا. وله أن يبقى في مأموريته ما لم يرتكب ذنبا يستحق به العزل، وإذا عزله السلطان ولم الجزء: 3 ¦ الصفحة: 260 يقطع رأسه يجعله واليا في إحدى الإيالات كأنه منفي، وللمأمورين من هذا الوجاق ألقاب شتى: كشربجي باشي، وعشي باشي، وساقي آغاسي، وأوطه باشي، إلى غير ذلك مما يدل على أن أولئك الجنود كانوا عائشين من إنعامات السلطان وأنهم كأولاد له. وكانوا يحترمون القدور والمراجل التي توزع عليه بها تعييناتهم ويأخذونها معهم إلى الحروب فإذا خسروها عدّ ذلك عارا عليهم. ثم في أواخر أيامهم صاروا إذا أرادوا رفض أمر يضعونها أمام منازلهم مقلوبة علامة على العصيان، ولكل واحد منهم وشم خاص على يده اليسرى فوق الكوع مستدير، قطره نحو قيراط وربع بأحرف تدل على اسم صاحبه وسنّه، وتحته عدد فرقته. وإذا عجز أحدهم بسبب جراح أو كبر سنّ يعتزل وجاقه تحت اسم «متقاعد» ، ويعطى شهرية المتقاعدين ويؤذن له بالتروج. وعلى هذه الترتيبات البسيطة امتدت فتوحات تلك الطائفة من أبواب برصة إلى أبواب فينّا، وحافظوا على ذلك النظام مدة خمسمائة سنة، حتى إنهم بعد أن صارت طريقتهم ثقيلة على البلاد والعباد وأوصلوا المملكة إلى أقصى درجات الانحطاط، كانوا لم يزالوا من الأمة كالروح من الجسد حتى كاد سقوطهم يتهدد وجودها، وهم- قبل اختلال نظامهم- أحسن جنود العالم ضبطا وانتظاما وأشدهم بأسا وإقداما. وهاك نبذة في ذكر معركة من معاركهم، بها تعلم ما كانوا عليه من القوة والنجدة: وهي أن السلطان با يزيد يلدرم خان سار في أيامه بعسكره الجرار المؤلف من اليكجرية وغيرهم إلى حدود هنكاريا قاصدا الاستظهار على أوربا بأسرها. وكان السلطان مراد خان الأول قد صادم عساكر الصّرب والبشناق بعساكره من اليكجرية فهزمهم وبدد شملهم، فألقي النفير العام في ممالك أوربا قاطبة أن النصرانية أمست في خطر التلاشي من مهاجمات المسلمين، وقامت دعاة النصرانية في كل صقع وإقليم يدعون بالغيرة الدينية، فأجاب الجميع صوت النفير وأخذت الأبطال تتهيأ للحرب، وأرسلت فرنسا وألمانيا أحسن رجالهما وخرجت فرسان مار يوحنا من حصونها في رودس، وثارت رجال هنكاريا بحمية لا مزيد عليها. ولم يمض إلا القليل حتى اجتمع عند الملك سيجسيمند مئة ألف مقاتل من الأبطال، وكان الجميع يمدون يد المساعدة في دفع العثمانيين عن بلادهم واستئصالهم عن آخرهم. وكان السلطان با يزيد خان قد استعد لمقابلتهم وجمع نحو مائتي ألف مقاتل ونزل بهم الجزء: 3 ¦ الصفحة: 261 متحصنا بالقرب من بيكويوليس. فلما أقبلت عساكر سيجسيمند على جيوش الإسلام ظنوا أن الغلبة سهلة عليهم جدا لأنهم رأوا تلك الجيوش خالية من كل ترتيب وإن كانت أسلحتهم كاملة. وكان يظن الناظر في اليكجرية أن ملابسهم الطويلة الواسعة تعوقهم عن خفة الحركة والرشاقة في استعمال الحراب، وعمائم الصباهية الكبيرة وقلانسهم الضخمة تزيد مناظرهم ضخامة في عين الناظر إليهم وتجعله يتهاون بمصادمتهم. فتقدم فرسان من فرنسا وأنشبوا الحرب مع فئة قليلة من اليكجرية لا يبلغ عددهم 4000 فبدد شملهم الفرسان وفتحوا فيهم طريقا ساروا منه إلى بقية جيش المسلمين المجتمع وراءهم، وإذا بجيش عرمرمي من الرجال الأشداء لا يلتفتون إلى الهاربين من عساكر تلك الشرذمة ولا يبالون بما وقع عليها من الكسرة، كأنهم الأسود ثباتا ومنظرا ينتظرون هجوم عساكر الأعداء عليهم فما كان غير قليل حتى سمع من عساكر المسلمين جلبة هائلة وفي أثرها ثارت اليكجرية على ذلك العدو فخام عن لقائهم فتبعوه وأعملوا فيه السيف ولم يفلت منه إلا الشريد الهارب، وقد جعل ذلك الظفر العظيم اسم اليكجرية مهيبا جدا في أوربا بأسرها. وكانت طريقة اليكجرية في القتال أن يحيطوا صفوفهم بجيش من العساكر الجاهلة، ويفتحون بها باب الحرب ويشتغل بها العدو مدة ولا يتيسر له الوصول إلى معظم عساكرهم إلا بعد أن يكلّ من القتال، حتى إن تلك الجنود الجاهلة كانوا يملؤون بجثثها الخنادق، وربما جعلوها تلالا يتسلقون عليها إلى الحصون والقلاع التي يحاصرونها. ولما كان اليكجرية يباشرون الحروب دائما ويرزقون الفوز والظفر وينالون الغنائم العظيمة، داخلهم التيه والكبرياء وصاروا يعدّون أنفسهم هم المحامون عن بيضة الإسلام وحوزة الملك، والعلة الوحيدة لوجودهما. ثم تمادوا في غلوائهم حتى صاروا يتجاسرون على خلع الملوك وتبديل الوزراء وقد بالغ بعض سلاطين آل عثمان في تعظيمهم وإكرامهم، مستندا في ذلك إلى أنهم هم الذين شادوا الملك وبهم امتد في أوربا وآسيا وأفريقية وجزائر البحر حتى استحق مالكه أن يلقب بسلطان البرّين وخاقان البحرين. ولما أحرزت المملكة هذه الشهرة العظيمة بواسطة اليكجرية ازدادوا عتوّا وتعديا وضعفت شجاعتهم وإقدامهم، وصاروا رعبا للسلاطين بعد أن كانوا رعبا للعدو، وصاروا يجاهرون بالعصيان لأدنى سبب حتى اضطر السلطان عثمان الثاني إلى العزم على ملاشاتهم، وأمر بجمع عساكر جديدة في آسيا وتعليمهم أصول الحرب الحديثة. فاستاء اليكجرية من الجزء: 3 ¦ الصفحة: 262 ذلك وهاجوا واجتمعوا في ساحة آت ميدان وقلبوا مراجلهم أمام القشلة، وضربوا الطبول. فانزعج السلطان لذلك وأشاع بأنه كان يستعد للحج الشريف وأن العساكر التي أمر بجمعها في آسيا لم تكن إلا للمحافظة عليه في طريق الحج، وأمر بتجهيز سفن لأجل تلك الغاية. فلم يقنعهم هذا الاعتذار وقاموا قومة رجل واحد وقتلوا عددا عظيما من الحرس والحجاب وأفرجوا عن السلطان مصطفى وبايعوه وأزالوا السلطان عثمان. وهكذا طغوا وبغوا وذاقوا لذة السلطة وحرصوا على إبقائها فيهم. وتاريخهم مدة قرنين بعد هذا العمل ليس هو إلا سلسلة متصلة مؤلفة من حلقات العصيان والتمرد والعبث بالنفوس الزكية، ثم صاروا يمتنعون عن الدخول في العسكرية إلا بالاسم ويؤذن لهم بالإقامة دائما كالمحافظين. ثم حصلوا على إذن بالتزوج والإقامة مع عيالهم، فاضطرتهم العيلة «1» إلى الدخول في التجارة والصنائع وأهملوا سيوفهم وبواريدهم ولم يبق بهم من صفات الجنود سوى المحافظة على أخذ رواتبهم في أوقاتها. ولم يكفهم ذلك حتى صاروا يأخذون مرتّبات لعيالهم، وقيدوا أسماء أولادهم في سلك الجنود الأمناء مستبدين لا يؤدون شيئا لخزينة الحكومة. وصار ينخرط في سلكهم جماهير غفيرة من الناس، وبعضهم ينفق مبالغ باهظة ليحرز شرف الانتظام في مسلكهم وأن يوشم على يده اليسرى بالوشم المتقدم ذكره، الذي كان صاحبه يستبد بجميع أعماله، صالحة كانت أم طالحة. وقد دخل في تلك الزمرة كثير من اليهود والنصارى طمعا في السلب والغنائم في أوقات العصيان. واستولى عليهم الكسل والجهل باستعمال السلاح حتى إن كثيرا منهم من يضع في البارودة الرصاص قبل البارود، وكثيرا منهم من يكون في المؤخرة ويطلق بارودته على من في المقدمة. وربما حاول قوّادهم ردعهم عن ذلك فيجيبونهم بقولهم: إن رصاصة اليكجري تعرف العدو من الصديق. وقد انتشبت مرارا مقاتلات شديدة في أزقة القسطنطينية بينهم وبين الصباهية الذين كانوا أعداء لهم، فكانوا يطوفون في الأسواق وبين البيوت ويوسعون الناس ضربا وافتراء، ويسلبون ما صادفوه من الأمتعة ويرتكبون شرورا كثيرة ويسبون النساء والبنات من دون مانع ولا معارض. وكانت القسطنطينية بجملتها في قبضة يدهم يفعلون فيها ما يشاءون الجزء: 3 ¦ الصفحة: 263 من دون حساب ولا عقاب، وإذا قدم مركب موسوق «1» حطبا أو فحما إلى الميناء يذهبون حالا إليه ويسمونه بسمة أرطتهم «2» ، إشعارا بأنه قد دخل تحت ظل حمايتهم وبأنه قد صار لهم حق بيعه وقبض ثمنه، وجميع الخضر الواردة إلى السوق تحت مطلق تصرفهم يبيعونها بما شاؤوا ويعطون أصحابها من الثمن ما سمحت به أنفسهم. وهم في كل يوم يذهبون جميعا باحتفال لأجل أخذ مرتّباتهم، ويتعدون في طريقهم على كل من صادفوه، وقائدهم يمشي أمامهم وبيده مغرفة ضخمة طولها ذراعان وهم يتبعونه حاملين مراجلهم العظيمة على عتلات ومعهم جمهور من المحافظين بأيديهم سياط ضخمة. فإذا اتفق أن أحدا لم يحد عن الطريق- الذي يمرّون فيه- حالما يسمع قولهم: صاغ (أي ظهرك أو احذر) فإن القائد يضربه بتلك المغرفة العظيمة فيرميه إلى الأرض، ثم يأتي أصحاب السياط ويوجعونه ضربا. وإذا رأى الحمّال منهم مع رجل رزمة يجبره أن يسلمه إياها لكي يحملها له، طالبا منه أن يدفع له الأجرة سلفا، التي ربما تساوي قيمتها. ثم بعد قبض الأجرة يسمح له بحملها إن شاء، بشرط أن يعطيه شيئا على ذلك. وكان إذا بنى أحد بيتا يأتي إليه نجار من اليكجرية ويطرد نجّاريه، ثم يتمم هو العمل متى شاء، وبالطريقة التي يستحسنها. وكان الأمر والنهي في الدواوين والمحاكم والمأموريات بيد أولئك القوم العتاة في جميع بلاد المملكة العثمانية. وكانوا ينصبّون ويعزلون متى شاؤوا. ولم تزل الأمور جارية على هذا المنوال حتى كادت المملكة تسقط تحت نير تلك القوة الهائلة التي كانت أوربا بأسرها ترتعد من مجرد ذكر اسمها. وفي سنة 1208 ابتدأ السلطان سليم الثالث يتخذ عسكرا جديدا وسماه بالنظام الجديد. فهاج اليكجرية ومن يتعصب إليهم، فاضطر السلطان إلى إرسال ما كان عنده من العسكر المذكور إلى آسيا ثم أرجعه إلى استانبول حينما اشتغلوا في الحرب خارجا مغتنما تلك الفرصة. ولما أخذ هذا العسكر الجديد يزيد عدّة، قام الجميع عليه بصوت واحد مدّعين أن ذلك بدعة تضادّ الدين، فاضطره الأمر إلى التسليم لهم أيضا. ثم انتهز فرصة أخرى وأرجع النظام وجعل منه عسكرا محافظين على المدينة وأحضر من آسيا عساكر غير منتظمة لتكثير العدد. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 264 فأخذ اليكجرية في إضرام نيران الاختلاف بين عساكر النظام وتلك العساكر التي هي غير منتظمة، فحدثت حركة شديدة من بين الفريقين دارت فيها الدائرة على عساكر النظام فهربوا إلى القشل «1» ، وأما العساكر التي هي غير منتظمة فذهبوا إلى اليكجرية وأخرجوا المراجل المشهورة وجعلوها صفوفا في ساحة القشلة، فاجتمع جمهور من اليكجرية المستوطنين وثار معهم جمهور من رعاع المدينة وحينئذ لم يسع السلطان إلا الأمر بإبطال النظام. غير أن اليكجرية لم يرضوا إلا بخلعه وسجنه عند الحريم جزاء لما ابتدع في الإسلام من العادات والملابس الفرنجية على زعمهم، ونادوا باسم السلطان مصطفى. ولما أجلسوه على تخت السلطنة أصدر أمرا بإبطال النظام الجديد. ثم في السنة التالية قام مصطفى باشا بيرقدار ووقف بعساكره على باب السرايا وطلب متهدّدا إرجاع السلطان سليم إلى تخت الملك. فلما رأى السلطان مصطفى ذلك الأمر خنق السلطان سليما وطرح جثته من كوة القصر إلى العصاة الذين كانوا محيطين بالسرايا. فساءهم ذلك جدا وهجموا على السرايا وخلعوا السلطان مصطفى ووضعوه في السجن الذي كان فيه السلطان سليم، ونودي باسم السلطان محمود الثاني، وكان السلطان محمود يتردد دائما على السلطان سليم وهو في السجن، ويسرّ جدا بما كان يطلع عليه من تدابير ابن عمه بما يرجع المملكة العثمانية إلى ما كانت عليه من النجاح والسطوة، ولم يكن أقل بغضا منه لطريقة اليكجرية، وكان يحسب نفسه قادرا على قهرهم، فحلف مقسما أنه لا بد من أن يهلك تلك القوة الفظيعة التي كانت قابضة على زمام السلطنة بأيديها الخبيثة. فتولى مصطفى باشا بيرقدار منصب الصدارة العظمى وأخذ ينتقم من أعداء السلطان سليم، وأما السلطان محمود فصرف همته في اتخاذ التدابير والوسائل اللازمة لقرض زمرة اليكجرية. وبعد أن تسلح بفتوى من شيخ الإسلام أمر بإجراء نظام اليكجرية القديم بكل صرامة وتدقيق وإبطال علائق المتزوجين منهم، وإجبار المتزوجين بأن يتركوا حوانيتهم ويسكنوا في القشلة، ويتعلموا هناك فنون الحرب ويخضعوا لأصول طريقتهم. فلما نشرت هذه الأوامر هاج اليكجرية وأظهروا العصيان في شهر رمضان وأضرموا النار في بيوت مجاورة لقصر الصدر الأعظم، فاحترق وهو نائم على سريره، ثم ساروا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 265 هاجمين على السرايا، حيث كان السلطان محمود، فجمع السلطان حالا الطّوبجية ومن عنده من العساكر الجديدة، وانتشب القتال بين الفريقين مدة يومين، وأصبحت المدينة في خطر عظيم من تلك النيران التي أضرمها اليكجرية. وكانت عساكر السلطان محمود قليلة ضعيفة ورعاع المدينة قد اتحدت مع اليكجرية والمتعصبون لهم يحركون العامة ويهيجونهم، فرأى السلطان أنه لم يبق له إلا وجه واحد للتخلص من أيدي أولئك القوم العصاة، وهو أن يقتل السلطان مصطفى فيبقى وحده من سلالة بني عثمان، ففعل ثم خرج ووقف وحده أمام ذلك الجمهور الهائج فلم يجسر أحد أن يمد إليه يدا، وسلم قواد العساكر الذين قاتلوا عنه في السرايا للعدو لكي ينتقموا منهم بحسب إرادتهم، وأقسم بأنه لا يجدد إلى الأبد ذلك النظام الجديد المكروه. وأجاب اليكجرية إلى كل ما طلبوه، وأطلق لهم العنان كجاري عادتهم حتى إنه قيّد اسمه يكجريا في إحدى أورطهم. ومن ذلك الوقت وقع القضاء على اليكجرية لأن انقياد السلطان محمود وتسليمه لهم في كل شيء لم يكن إلا بقصد الغلبة عليهم، فأخذ من ذلك الوقت بعزم شديد يستخدم التدابير اللازمة المؤدية إلى المرغوب، ودام مدة ثمان عشرة سنة منتظرا الفرصة لتنكيس تلك السيطرة وإنقاذ السلطنة من مخالبها الحادة. وكان جماعة من الطّوبجيّة قد تعلموا من عدة سنين طريقة الإفرنج في استخدام المدافع، إلا أنهم لقلة عددهم وقصر معرفتهم في استعمال المدافع كان اليكجرية يزدرون بهم. وأما السلطان فكان يزيد عددهم ويقويهم شيئا فشيئا لكي يعتمد عليهم عند الاقتضاء. وفي تلك الأثناء حصلت حركة الأروام فصارت حجة لتعليم تلك الزمرة أصول العسكرية وزيادة عسكرهم، وكانوا شديدي البغضة لليكجرية، وكان السلطان لا يألو جهدا عن اتخاذ كل الوسائل لتقوية تلك الحماسة فيهم نحو اليكجرية. وفي سنة 1241 بلغ عدد الطوبجية في القسطنطينية أربعة عشر ألفا، وكانوا جميعا خاضعين خضوعا تاما للسلطان، خبيرين بأمور الحرب، خلافا لليكجرية الذين كانوا دائما يجلبون عارا على الراية العثمانية بعدم انقيادهم إلى قوادهم عند القتال، ورغبتهم الوحشية في سفك الدماء والسلب عند الانتصار، وكانوا قد أغضبوا الناس بمظالمهم وتعدياتهم، والعلماء بإدعائهم السيادة عليهم، وقوادهم بما كانوا يبدونه من الجبن والتمرد على أوامرهم. ولما ظهرت- من انتصارات عساكر إبراهيم باشا في حرب المورة- القوة التي يكسبها الجزء: 3 ¦ الصفحة: 266 التعليم الإفرنجي العساكر، رأى السلطان محمود خان أن الوقت الذي كان ينتظره منذ سنين كثيرة قد أتى، وأنه قد حان الزمان الذي يجب فيه بأن يخلص من مخالب اليكجرية بإيجاد قوة جديدة منظمة كافية لدفع قوتهم وإنقاذ السلطنة منهم، وقادرة على المدافعة عن المملكة إذا مسّت الحاجة. وإذ كان لا بد له من التخلص قبلا من الارتباكات الخارجية، اضطره الحال للتسليم إلى طلب اقترحته روسيا، ولم يكن لها قصد بذلك إلا جعله وسيلة لإضرام نار الحرب بينها وبين الدولة العلية. ثم عقد مجلسا من رجال الدولة العظام لأجل النظر في قوة العسكر وإصلاح الأحوال وأخرج فتوى بجواز تزيّي جنود المسلمين بزي أهل الكتاب، وبأن يتخذوا ما لهم من العوائد فيستخدمونها لمدافعتهم ويقاتلونهم بسلاحهم. وفيما كان المجلس ملتئما، قال رجل من أعضائه، وكان شيخا مسنا: إن اليكجرية أشبه بعجائز ذوات عجب، وقد علاهن الكبر يفتخرن كثيرا بما كان لهن من الجمال منذ سنين كثيرة. وقال آخر: إنهم لا يعتبرون الآن العلماء، مع أنهم كثيرا ما حاموا عنهم وساعدوهم. وقال آخر: إنهم طالما جلبوا العار على الراية العثمانية بواسطة تجاوزهم حدود الشريعة وعدم انقيادهم لأوامر السلطنة. فقر رأي ذلك المجلس على وجوب إصلاح أحوال العسكر، وحكم بأن يؤخذ رجال من كل فرقة من فرق اليكجرية ويجعلوا عسكرا جديدا وأن يكون لهم لباس خاص على نسق واحد وأن يتعلموا أصول الحرب على طريقة الإفرنج، مع المحافظة على الواجبات الدينية الإسلامية وعين ذلك المجلس مرتبات ذلك العسكر الجديد وكل ما يتعلق به من النظامات بكل تدقيق وتفصيل. وبعد أن حكم شيخ الإسلام أن ذلك جائز شرعا تعهد المجلس بإجرائه بالفعل. ثم عرضت تلك الأحكام على قواد العساكر فقبلوها وختموا على تلك العهود، ولكن حالما ابتدأت الحكومة في إجراء ذلك النظام الجديد وتعليم ذلك العسكر الطريقة الإفرنجية استفاق اليكجرية من غفلتهم فجاهروا بالعصيان وصفوا المراجل كجاري العادة وأخذ أصحابهم والمتعصّبون لهم من رعاع الناس يتواردون إليهم من كل أطراف المدينة. وكان ذلك في اليوم الخامس من شهر حزيران سنة 1825 م مسيحية المصادفة سنة 1241 هـ وكانت الدراويش تتقدم تلك الجماهير وتهيجهم لمقاومة تلك البدع الجديدة الإفرنجية، وذهبوا بهم إلى منزل كبير اليكجرية قاصدين قتله فنجا من أيديهم، فنهبوا منزله ومنزل الصدر الأعظم فوقعت المدينة ثانيا في قبضة أيديهم. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 267 وأما السلطان محمود خان فإنه استحضر إلى سراياه جميع الطوبجية، وبعث رسولا إلى اليكجرية العصاة يأمرهم بإلقاء السلاح والتسليم فرفضوا الأوامر واستهزءوا بها. فجمع العلماء وأخبرهم بما كان فقالوا جميعا: إن اليكجرية هم أعداء الدين. فجلس السلطان تلك الليلة في السرايا في نفس الموضع والحالة التي جلس عليها منذ ثمان عشرة سنة، وكانت المدينة بأيدي جنود هائجة قد علا ضجيجهم إلى الجو وملؤوا الأسواق حتى وصلوا إلى باب السرايا وأخذوا يجلبون ويتهددون. وفي صباح اليوم السادس عشر من شهر حزيران من السنة المذكورة أخرج السلطان علم النبي صلّى الله عليه وسلّم من الخزينة وسار بكل جنوده إلى ساحة آت ميدان. وبعد تقديم الدعاء في جامع السلطان أحمد نشر هناك العلم الشريف فأخذت الجماهير تتقاطر إليه، ثم أخذت الجيوش تتقدم نحو اليكجرية وتدفعهم إلى الوراء، إلى أن وصلوا إلى تل مشرف على معسكرهم بقرب جامع السلطان محمود، وكنت ترى جماهير كثيرة من المسلمين يبادرن بسرعة إلى معسكر السلطان لأجل المدافعة عن العلم الشريف. ثم ثار جماعة من الطوبجية نحو ساحة آت ميدان من دون مصادمة كثيرة، ولم يمض إلا القليل حتى أحاطت الجنود المظفرة بتلك الساحة الفسيحة من كل جهة، وجعلت المدافع على كل مرتفع وفي كل شارع مقابل ذلك الموضع. وعند ذلك خرجت اليكجرية من القشل قاصدة الهجوم على عساكر السلطان فأرسل السلطان رسولا يأمر اليكجرية أن يسلموا، فقتلوا الرسول وللحال أشعلت الطوبجية المدافع وكان عددها مائة مدفع وأخذت تطلق الكرات والقنابل على ساحة آت ميدان والقشلة، فهجمت اليكجرية على الصفوف السلطانية فدفعتهم العسكر المظفرة دفعة هائلة وذبحوا منهم عددا غفيرا، فرجع من سلم هاربا إلى القشلة، وحينئذ تحولت المدافع نحو القشلة بأسرها، وأشعلت النار الدائمة فلعبت بالقشلة. فصرخ اليكجرية من داخلها طالبين العفو والرجمة فلم يلتفت إلى صراخهم، وذلك أن ألوفا من الشيوخ والنساء والعذارى طالما كانوا يصرخون إليهم في أيام سطوتهم طالبين الرحمة فلم يرحموهم ولا التفتوا إلى صراخهم. ولم تزل المدافع تعج والبواريد ترسل الرصاص من دون انقطاع حتى سقطت حيطان القشلة إلى الداخل على من سلم فيها من نيران القتال فهلكوا عن آخرهم، ولم ينج أحد من جميع الذين كانوا قد وقفوا في تلك المعمعة لمحاربة سلطانهم وولي نعمتهم، فسحق ذلك العصيان سحقا فظيعا في أول ظهوره، ولكن لم يكن ذلك نهاية العمل لأنه كان لم يزل ألوف من الجزء: 3 ¦ الصفحة: 268 اليكجرية باقين متفرقين في أماكن مختلفة من المدينة، وكانت الإيالات أيضا مملوءة منهم. وفي اليوم الثاني خرج فرمان شريف بإبطال تلك الزمرة وملابسها ومصطلحاتها وقشلها حتى واسمها من كل المملكة، ونادى به المنادون. وهذه ترجمته: «بموجب حكم الكتاب والشريعة، إصلاحا لحال أمة محمد، وإحياء للدولة والدين، تلغى أرط اليكجرية من الآن وصاعدا وتبطل كليا. وبموجب اتفاق العامة مع جميع العلماء حرر أنفار عساكر محمدية منصورة مكان هؤلاء، وعلى أهل العرض بعد هذا أن يفتحوا دكاكينهم ويكونوا في أشغالهم ومكاسبهم» . اه. فوقع الرعب على كل زمر اليكجرية وهربوا متبددين في كل صقع وناد. وكانت الحكومة تفتش عليهم في كل مكان من المملكة وتلقي القبض على كل من وجدته منهم وتعاقبهم بالقتل بالسيف أو بالخنق أو بالسجن أو النفي، بحسب أحوالهم وذنوبهم. وكنت ترى خليج قسطنطينية مملوءا من جثث القتلى الذين كانت تلقى فيه «1» . فبلغ عدد الذين قتلوا ثلاثين ألفا. وهكذا كانت نهاية هؤلاء العساكر المنكودة الحظ، والوبال الذي جلبه لنفسها بغيها وعدم مراعاتها النعمة. وقد أرخ بعضهم هذه الحادثة بقوله: غزاي أكبر، وذلك سنة 1241. قلت: إن الفظائع التي كان اليكجرية يجرونها في استانبول، كانوا يجرونها بل أعظم منها في حلب وغيرها من البلاد الخارجة عن استانبول، فقد كانوا قابضين فيها على الحرف والصنائع، وكانوا يعاملون الناس بالجبروت والقسوة ويهينون الأشراف ويهتكون الأعراض. وكانت جميع الفتن والثورات في حلب- التي أسلفنا ذكرها- هم السبب الأعظم بإثارتها وكان زعماؤهم في الدرجة القصوى من الثراء والغنى، وهم على جانب عظيم من العتوّ والكبرياء. وكان ولاة حلب يعجزون عن إخضاعهم وردعهم إلا من لجأ منهم في قهرهم إلى الحيلة والخدعة معهم، كما فعل باستئصال عدد كبير من طواغيهم جلال الدين باشا. وكانوا يجرون في حلب من الفظائع والمخازي ما يقف اليراع خجلا عن تحريره وتسطيره: يهتكون شرف العذارى في حضور أوليائهم وفي منازلهم، ثم يبصقون بوجه الرجل ويأخذون منه ما يوجد عنده من النقود وما عند نسائه من الحلي، ويخرجون من الجزء: 3 ¦ الصفحة: 269 بيته وهم يودعونه باللعن والشتائم. ومن فظائعهم أيضا أنهم كانوا يدخلون رأس الكلب في بطيخة خضراء فارغة ويرسلونه في الأسواق والشوارع، ووراءه واحد منهم ينادي بقوله: تنحّوا عن طريق السيّد (لأن السادة كانوا يلبسون في رؤوسهم العمائم الخضر) . ومما كانوا مستولين عليه من الحرف والمهن حرفة اللحّامين، فقد كان معظمها في أيديهم، وكان الرجل لا يقدر أن يطبخ في بيته إلا نوع الطعام الذي يأمره به لحّامه، فلربما أمره عدة أيام بأن يطبخ نوعا واحدا من الطعام لأن اللحمة التي عند لحامه لا تصلح لغير ذلك النوع، ولا يستطيع الرجل أن يشتري من لحام آخر مطلوبه من اللحم، لأنه إذا فعل ذلك فربما يقضي لحامه عليه. فاتفق أن رجلا كان اسم لحامه رحمون آغا فكانت زوجة الرجل إذا سألته: ماذا نأكل في هذه الليلة؟ يجيبها بقوله: «الإرادة لرحمون آغا» . فسارت هذه الكلمة مسير المثل في حلب يتمثل به من كانت إرادته تبعا لإرادة من هو أقوى منه. والخلاصة أن الفظائع التي كانت تجريها هذه الطغمة الشريرة كثيرة جدا يحتاج استقصاؤها إلى مجلّد على حدته، وأن جميع ما كان يجريه عليهم الولاة من العقوبات والمصادرة والتعذيب قليل من كثير مما كانوا يستحقونه. فالحمد لله الذي أراح منهم البلاد والعباد. انتهى ما قصدنا إلى إيراده من الكلام على أحوال الطائفة اليكجرية. ولنعد الآن إلى سرد الحوادث فنقول: في سنة 1242 ولي حلب سيروزي يوسف مخلص باشا ابن إسماعيل بك من أعيان سيروز. وفيها حدث بحلب طاعون جارف بلغ عدد وفياته اليومية نحو أربعمائة نسمة. وفي سنة 1243 ولي حلب الصدر الأسبق رؤوف باشا. وقرأت في السجل المحفوظ في المحكمة الشرعية أنه في هذه السنة رفع مفتي حلب أحمد أفندي الجابري، ونقيب أشرافها عباس أفندي طه زاده- وغيرهما من وجهاء حلب- إلى الحاكم الشرعي أن بكير آغا ابن كعدان، وعبيد بن الجذبة وأتباعهما- وهم مصطفى وعواد وأحمد بن هاشم- عازمون على العود إلى حلب والإضرار بأهلها، فهم- أي المفتي ونقيب الأشراف ورفقاؤهما- يطلبون من الحاكم الشرعي أن يحكم بقتلهم: فأحضر الحاكم أهل المحلات الجزء: 3 ¦ الصفحة: 270 ونبه عليهم بأن كل من وجد في محلته واحد من هؤلاء فعليه أن يدفع للخزينة العامرة 1500 قرش. اه وفي سنة 1244 ولي حلب علي رضا باشا. مقتل أحمد بك قطاراغاسي: في هذه السنة (1244) قتل أحمد بك ابن إبراهيم باشا أمير الحاج ووالي حلب سابقا. وسبب قتله أن الدولة أرادت أن تستعين به على إخضاع عصابة من المتمردين عليها في جهات أرضروم، فكلفته الشخوص إليها مع مائة وخمسين شخصا من أتباعه (على أن تكون النفقة على هذه الحملة من ماله أسوة بغيره من وجهاء البلاد العثمانية الذين كانوا في تلك الأيام يساعدون الدولة على أعدائها فيجهزون إليهم الحملات على نفقاتهم) . ولما ورد هذا التكليف على أحمد بك اعتذر بانحراف صحته وطلب المهلة ريثما تعاوده صحته، وكتب على الفور إلى أخيه مصطفى بك المقيم في استانبول- وهو صاحب رتبة (ميراخور) - كتابا يذكر له فيه خبر هذا التكليف ويستشيره بالسفر إلى أرضروم. وأرسل الكتاب مع ساع خصوصي. فكتب إليه أخوه في جوابه يحذره فيه من هذه السفرة، ويأمره بأن يماطل بالإجابة على قدر استطاعته. وأرسل له هذا الكتاب مع ساع خاصّ استحثّه على السرعة والاستعجال. ولما وصل الساعي إلى حلب سأل عن منزل أحمد بك فقيل له: هو في الفرافرة. فلما وصل الساعي إليها وقيل له: هذه هي محلة الفرافرة، رأى رجلا عليه سيماء العظمة واقفا بباب منزل فخم يحفّ به الخدم والحشم. فلم يشك بأنه هو صاحب الكتاب فقدمه إليه فتناوله منه وأعطاه جائزته وانصرف. ثم نظر ذلك الرجل في عنوان الكتاب فإذا هو لأحمد بك مرسل إليه من أخيه مصطفى بك. ففضّ ختامه وقرأ ما فيه، وكان هذا الرجل العظيم- الذي وقع الكتاب بيده غلطا- يوسف باشا شريف زاده، الذي كان يتحين الفرص ويرقب الدوائر تدور على أحمد بك الذي كان يوسف باشا لا يشك ولا يرتاب بأنه هو ذلك الواشي الذي كان سببا لاغتيال والده نعمان أفندي، الذي أسلفنا خبر خنقه في حوادث سنة 1238 وقد ظفر الآن يوسف باشا بضالته المنشودة وأيقن بأنه قد نال أمنيته التي هي أخذ الثأر من قاتل أبيه. فأسرع إلى منزل الوالي علي رضا باشا وقدم إليه ذلك الكتاب واستحثه على تقديمه إلى حضرة السلطان ليرى رأيه في أحمد بك الجزء: 3 ¦ الصفحة: 271 وأخيه مصطفى بك. فما كان من الوالي سوى أن أرسل الكتاب مع ساع خاص إلى السلطان ولما قرأه السلطان استشاط غضبا وأصدر أمره إلى الوالي بقتل أحمد بك وتجهيز رأسه إليه بكل سرعة. ولما ورد هذا الأمر إلى الوالي كان أحمد بك متمارضا قد أقام في قصر بستان المفتي للاستشفاء بطيب هواه، ينتظر من أخيه جوابه عن كتابه وهو غافل عما خبأته له يد الأقدار. وفي يوم الثلاثاء 27 ذي القعدة من هذه السنة أشاع الوالي أنه يقصد أن يعود أحمد بك. ثم توجه هو وأتباعه إلى بستان المفتي، وكان قد نمي خبر زيارته إلى أحمد بك، فخرج لاستقباله إلى باب القصر وتلقاه بالترحاب، وبعد أن جلس معه جلسة العائد للمريض وحادثه بلطيف عباراته ودعا له بالصحة والعافية نهض للانصراف، وتبعه أحمد بك ليشيّعه، وبينهم هو نازل على الدرج إذ أتته طلقة غدارة وتبعتها ثانية وثالثة فلم تخطىء رصاصاتهما جسمه فوقع قتيلا يتخبط بدمه. فتقدم أحد الرماة إلى جثته الهامدة وحز رأسه وبعد أن حشاه تبنا قدمه إلى الوالي الذي لم يتأخر لحظة واحدة عن إرساله إلى السلطان. ولما وصل الرأس إلى السلطان أحضر مصطفى بك أخا المقتول وأطلعه على الكتاب وسأله عن كاتبه، فأقر بأنه خط يده، ثم أخرج له رأس أخيه وسأله: هل تعرف هذا الرأس؟ فأجاب: نعم هذا رأس أخي. وفي الحال التفت السلطان إلى الجلاد وأشار إليه بأن يقطع رأس مصطفى بك، فامتثل الأمر وقطع رأسه. ثم وضع الرأسان في كيس من البزّ ودفنا في حفرة واحدة. وصدر أمر السلطان إلى والي حلب بمصادرة جميع أملاك الأخوين وأموالهما، وأن ينفي كل حالم من أولادهما وأتباعهما. فنفى من يصدق عليه أمر السلطان إلى جهات متعددة، ثم وضع أملاكهما في المزاد العلني فلم يرغب أحد بشرائها إما احتراما لأصحابها وإمّا تشاؤما «1» بها. وكان الحاج بكور آغا كتخدا الآتي ذكره قريبا قفل من بغداد وعزم على التوطن في حلب، وكان في الغاية القصوى من الثراء والغنى، فاشترى جميع أملاك الأخوين المومأ إليهما في حلب وخارجها. وكان من جملة تلك الأملاك الدور الكائنة في محلة الفرافرة، وهي دور عظيمة فخمة، كل دار منها تضاهي محلة لما اشتملت عليه من الجزء: 3 ¦ الصفحة: 272 الأبهاء والمقاصير وكثرة الغرف والمرافق والحدائق ومتانة البناء وزخارف النقوش، وهي لم تزل تعدّ من بدائع الآثار البنائية القديمة التي يقصدها الأثريون للتفرج. وبعد أن اشتراها الحاج بكور آغا وتصرف بها مدة من الزمن أعادها جميعها إلى ورثة الأخوين بالثمن الذي أخذها فعدّ ذلك منه شهامة وكرم أخلاق، وظهر للناس أنه لم يقصد من شرائها إلا حفظها لورثة الأخوين وإعادتها لهم حين سنوح الفرصة. ولم يبق له منها سوى داره المقيم بها الآن بعض فروع أعقابه. ومن غريب الاتفاق أنه كان لأحمد بك جارية كالحظيّة عنده، كانت تندد بالحاج بكور وتطعن به وتتحايل عليه لأنه حاز الزعامة لدى الولاة وصار نافذ الكلمة عندهم، فوقعت هذه المسكينة في قبضة الحاج بكور آغا، أخذها شراء مع جملة ما أخذه من تركة أحمد بك وجعلها خادمة في مطبخه بعد أن كانت حظية أعظم رجل في حلب يأتمر الخدم بأمرها ولا ترد لها كلمة. سفر علي رضا باشا إلى بغداد: وفي سنة 1246 تمرّد داود باشا والي بغداد على الدولة وخرج عن طاعتها. فأصدر السلطان أمره إلى علي رضا باشا بأن يكون واليا في بغداد، وشرط عليه أن يخضع واليها المتمرد وينكل به. فسافر إلى بغداد في أواخر هذه السنة وصحب معه (أبا بكر بن محمد ابن إبراهيم الكردي) أحد رجالات العمق وأمرائه، وجعله مستشارا له ووكيلا عنه في إدارة أمور الجيش وسماه كهيا أو كتخدا. ومن ذلك اليوم عرفت هذه الأسرة بآل الكتخدا. وفي هذه السنة 1246 ولي حلب إينجه بيرقدار زاده محمد باشا. وفي سنة 1248 استولى على حلب إبراهيم باشا ابن محمد علي باشا خديوي مصر. إجمال بهذه الأسرة: لهذه الأسرة تاريخ حافل يسمى «المناقب الإبراهيمية» وهو مطبوع متداول استغنينا به عن إطالة الكلام في بيان أخبار هذه الأسرة واكتفينا بالإلماع إليها بهذا الإجمال فنقول: إن الجد الأعلى لهذه الأسرة هو المرحوم محمد علي باشا، وأصله من مدينة قولة إحدى بلاد الأرناوود وبها كانت ولادته سنة 1183 ومات والده عنه وهو صغير فكفله أحد أصدقاء أبيه وأحسن تربيته، ونشأ على محبة الفوز والظفر بمقاصده وصحب الغزاة، واشتهر الجزء: 3 ¦ الصفحة: 273 بين أقرانه بالحزم والعزم. ثم لما دخلت طائفة الفرنسيس مصر وألقت الدولة العثمانية النفير العام لإخراجها، كان من جملة من امتثل أمر الدولة ونهض من بلده متوجها إلى مصر، فدخلها وحارب الطائفة المذكورة في عدة وقائع واشتهر بالشجاعة وجودة الرأي ولما خرجت تلك الطائفة من مصر ولت عليها الدولة العثمانية محمد خسرو باشا، وكان محمد علي باشا قد استمال علماء مصر ووجهاءها فمالوا إليه وأظهروا له من المحبة ما أطمعه أن يكون واليا عليهم. واتفق في ذلك الأثناء «1» أن محمد خسرو باشا جهز جيشا لقتال بقية المتمردين من المماليك حكام مصر، وكان محمد علي باشا من جملة ضباط ذلك الجيش. وبقضاء الله وقدره انكسر الجيش المذكور وتغلب المماليك، واتّهم القائد محمد علي باشا بممالأتهم ووشي به إلى الوالي، فقصد أن يوقع به غير أن محمد علي باشا فطن لما أراد وانضم إلى المماليك حذرا منه، وجرى بينه وبين الوالي وقعة كان هو الغالب فيها، ووقع الوالي بقبضته. واتصل الخبر بالسلطان سليم خان فعظم عليه الأمر وأرسل علي باشا ليتولى مكان خسرو باشا ويكبت العصاة. فلما وصل إلى مصر لم تدن له المماليك بل خلعوا طاعته وقتلوه، ثم وقع النزاع بين اثنين من رؤسائهما وكان لعسكر الأرناوط مال مكسور عند أحدهما فطالبوه به باتفاق مع محمد علي باشا وحصروه في داره عدة أيام، ثم سنحت له فرصة هرب بها إلى الصعيد وانحلّ عزم المماليك بعده، ولم يبق منهم إلا رئيس واحد. وكان محمد علي باشا قد استمال العلماء والرؤساء وأحبوه محبة مفرطة وأقاموه مقام الوالي على مصر، وأرسلوا محمد خسرو باشا إلى القسطنطينية وولوا مكانه رشيد باشا ولقبوه نائب السلطنة على مصر. ولم يمض إلا قليل من الزمان حتى مات الرئيس الذي بقي من المماليك وصفا الوقت لمحمد علي باشا وتولى مصر. ولما سمع حضرة السلطان بهذا الأمر تكدر منه جدا وأمر في الحال مصطفى باشا قبطان أن يسير إلى مصر ويسلمها إلى من بقي من المماليك بشرط أن يدفعوا للدولة في كل سنة خمسة آلاف كيس، وأن يأمر محمد علي باشا بالتوجه إلى سلانيك. فلما وصل مصطفى باشا إلى مصر وعلم علماؤها ورؤساؤها بمراده اجتمعوا عنده وتلطفوا بتعريفه أنهم لا يرضون الجزء: 3 ¦ الصفحة: 274 واليا عليهم إلا محمد علي باشا. فأجابهم إلى ما طلبوا وكتب بواقعة الحال إلى الباب العالي، وعندها صدرت الأوامر السلطانية بإقرار محمد علي باشا واليا على مصر بشروط معلومة وذلك في صفر سنة 1220 ولما تمكنت ولايته ورسخ قدمه بدأ ببقية المماليك فأبادهم ثم شرع بإصلاح أحوال مصر وإقليمها حتى استقام له ما أراد، وانتشرت فيها الصنائع والفنون وارتقت إلى أعلى ذروة في الكمال. وأما سبب مسير ولده إبراهيم باشا إلى الديار الشامية: فهو أن عبد الله باشا والي عكّة لما أشهر العصيان على الدولة وأرسلت له درويش باشا وحاصره وضيق عليه، استغاث بمحمد علي باشا فشفع له عند الدولة وخلصه من عقابها. غير أنه بعد مدة يسيرة حجد معروفه وشرع يطعن به ويذكر مثالبه، فتكدر منه محمد باشا وكتب للدولة بعزله فلم تجبه. وعظم عليه ذلك فجهز ولده إبراهيم باشا لمحاربته فخرج من الإسكندرية في غرة جمادى الأولى سنة 1247 وفي خمسة أيام وصل إلى حيفا وخيّم بها وسيّر باقي الجيش برا إلى عكا، فوصلوها في عشرين تشرين الثاني سنة 1831 م وبعد بضعة أيام وصل إليها إبراهيم باشا وبنى تجاهها المتاريس وكاتب عبد الله باشا بالصلح فلم يفعل، وحينئذ أمر إبراهيم باشا بإطلاق المدافع على أسوار عكا وذلك في رابع يوم من رجب سنة 1247 وكتب للأمير بشير حاكم لبنان أن يحضر لمعاونته، فامتنع أولا ثم أجاب وحضر، فسرّ به إبراهيم باشا وأقره على حاكمية لبنان. وكان إبراهيم باشا قد أرسل أحد قواده لافتتاح بلاد الساحل فافتتحها. ولما بلغت القضية مسامع الدولة العثمانية عظم عليها الأمر وكتبت لوالي حلب بيرقدار محمد باشا أن يجهز جيشا تحت قيادة حسين باشا لمحاربة إبراهيم باشا. فحصن حلب وجمع العساكر وتوجه إلى حمص في سبعة آلاف فارس من الأرناوود والهواري والعربان، وصحب معه أمين النزل يوسف باشا شريف زاده، السالف الذكر، ودخلها وحصّن قلعتها وعسكر في نواحيها ينتظر قدوم العساكر من دار السلطنة، وأرسل أمامه عثمان باشا مع أربعة آلاف مقاتل لمحاربة المصريين، فسار إليهم واستولى على اللاذقية وتقدم إلى جهة طرابلس والتقى بشرذمة من العساكر المصرية وكان مقدمتهم الأمير خليل بن الأمير شهاب، وجرت بينهم وقعة عظيمة انكشفت عن انهزام عثمان باشا. ولما بلغ إبراهيم باشا هذا الخبر وأن محمد باشا معسكر بحمص، مشى نحوه وترك نفرا من عسكره عند عكا وقد كاد أن يفتحها، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 275 فأدرك عثمان باشا في القصير وقد أمده محمد باشا، فاشتبك الحرب بينهما وانجلى عن كسرة عثمان باشا والتجأ إلى حمص، ورجع إبراهيم باشا إلى عكا وجدّ في حصارها حتى فتحها حربا في اليوم السابع والعشرين من ذي الحجة، ثم توجه إلى دمشق فوصلها في حزيران سنة 1248 هـ والتقاه واليها علي باشا الأسعد، وجرت بينهما وقعة انكسر فيها الوالي المشار إليه وعمد إلى الفرار ودخل إبراهيم باشا البلد واستولى عليها. وكان في هذا الأثناء وصل إلى أنطاكية حسين باشا السردار الذي عينته الدولة مع عسكر ضخم لقتال إبراهيم باشا، وقد أرسل حسين باشا طليعة إلى حمص. وعلى بعد نصف مرحلة منها التقى الجيشان وشبت بينهما نار حرب هائلة انتهت بانتصار إبراهيم باشا ورجوع حسين باشا ومحمد باشا إلى حلب خائفين مذعورين، فدخلاها وجمعا الأعيان والوجهاء وطلبا منهم المدد فلم يجيبوهما، فرحلا عن حلب وقد تركا فيها أموالا وأمتعة لا تدخل تحت حصر، فنهبت جميعها ووقع الضعف فيمن معهما من العسكر فتبعهم أهل القرى وسلبوا أكثر ما كان معهم. وأما إبراهيم باشا فإنه بعد هذا الفوز توجه إلى حلب على طريق تل السلطان ودخلها بعد خروج الوزيرين المتقدم ذكرهما دون منازع ولا معارض، وذلك في ثامن يوم من صفر سنة 1248 الموافق اليوم السابع عشر من تموز سنة 1812 م فبقي بها مدة ثم نهض لقتال حسين باشا السردار وتوجه إلى جهة بيلان، وذلك في اليوم السابع والعشرين من صفر المذكور، وكان حسين باشا قد سد طريق الجبل على إبراهيم باشا فأرسل عسكرا صعدوه من جهة كلّز وأقام هو بواد قريب من الجبل. ولما وصلت العساكر المذكورة والتقوا بعساكر حسين باشا علقت بينهم حرب شديدة كانت عاقبتها فوز إبراهيم وإقلاع حسين باشا إلى جهة قونيه ورجوع إبراهيم باشا إلى حلب. وبعد مدة سافر منها إلى أدنة، وكانت قد سلمت إليه فخيم فيها بعسكره. ثم وردت له أوامر أبيه بالتقدم نحو قونية فامتثلها وشخص إلى قونية. وقبل دخوله إليها أخلاها أمين رؤوف باشا الصدر الأسبق، فاستولى عليها إبراهيم بغير منازع ولا معارض بعد أن جرى له في الطريق بعض وقائع. ثم في اليوم السابع والعشرين رجب علقت نار الحرب بين الفريقين وكان عسكر كل منهما وافرا جدا. وبعد وقعات تشيب ناصية الوليد انتهت الحال بنصر إبراهيم وأسر رشيد باشا الصدر. ولما تفاقم الأمر توسط سفير فرنسة بالصلح بين الجزء: 3 ¦ الصفحة: 276 الدولة والمصريين على أن يكون لهم كريد وسورية وولاية أدنه. وعلى هذا استقر الحال ووقفت الحروب ورجع إبراهيم باشا إلى الديار الشامية. ثم في سنة 1255 صدر الأمر السلطاني إلى حافظ باشا أن يسير إلى سورية ويستخلصها من المصريين، فامتثل وسافر إليها بسبعين ألف مقاتل. وسمع إبراهيم بقدومه فتقدم لملاقاته إلى «نزب» بأربعين ألف مقاتل وهناك التقى الجيشان وجرت بينهما معركة عظيمة أفضت إلى فوز إبراهيم وإنهزام حافظ باشا. وبعد هذه الواقعة خافت الدول الأجنبية سوء العاقبة وتداركت رتق هذا الفتق بإشارة الدولة العثمانية واتفقت إنكلترة والروس والنمسا وبروسة على إخراج المصريين من سوريا طوعا أو كرها، وأن لا يتركوا لهم سوى مصر وأقطارها مع قسم صغير من الديار الشامية وعقدوا على ذلك وثائق الاتفاق فيما بينهم بمدينة لندن عاصمة إنكلترا سنة 1840 م ثم كاتبوا الحضرة الخديوية بالتصديق على اتفاقهم فلم يقبل منهم، وعندها أشهروا الحرب عليه وأرسلت إنكلترا عمارة بحرية إلى سواحل سوريا فاستولت على جميعها وشحنتها بالمهمات، فضعف إبراهيم باشا عن مقاومتها وأوعز إلى عساكره بالهرب، فاجتمعوا إليه من سائر البلاد وتوجه بهم إلى جهة مصر من طريق البر لأن إنكلترا ربطت عليه المسالك البحرية، وقد نفذت «1» أقوات حاميته ومات منهم الكثيرون جوعا وأكلوا لحوم الخيل والبغال والحمير حتى أكارعها وأخسّ ما فيها. وفي قرب مدينة غزّة احترق بضع صناديق من البارود، وهلك بسببها عدد غير قليل من العساكر المرضى والنساء والأطفال الذين كانوا بمعية الجيش. ويروى أن هذه الحريق كانت مفتعلة «2» من إبراهيم ليخفف عنه الناس الذي أقلقوه بشكوى الجوع. والله أعلم. حوادث حلب أيام إبراهيم باشا المصري ولما دخل إبراهيم باشا إلى حلب- على ما تقدم ذكره- نزل في تكية الشيخ أبي بكر، وبعد بضعة أيام انتقل إلى منزل بني العادلي، فأقبل عليه قناصل الدول وأعيان البلدة يسلمون عليه ويهنّونه بالسلامة. فتلطف بهم وأعطاهم الأمان مما يخافون. وبعد بضعة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 277 أيام صار يقبل عليه أعيان البلاد الحلبية ويدخلون في طاعته. ثم شرع بتنظيم أمور حلب وبلادها، وعيّن لها متسلّما أحمد أفندي ابن عبد القادر أفندي حسبي زاده، ثم غضب عليه وضربه بالسياط فمات بعد يومين. وكان متسلما حلب- قبل دخول إبراهيم باشا- إبراهيم آغا سياف زاده، وعين في مكان حسبي زاده عبد الله بك البابنسي. وفي سنة 1249 رأى الحلبيون صرامته في أحكامه وشدته في انتقامه وعقوبته وشاهدوا ما يعامل به العسكري من الإهانة والشتم واللعن، فعزموا على مناضلته. واجتمع من زعمائهم جمّ غفير، منهم عيسى آغا وبكور آغا كعدان وأحمد بن هاشم ومحمد آغا حطب- وهم من بقايا زعماء اليكجرية- وعقدوا بينهم اتفاقا وكتبوا به ميثاقا ختموه، سوى قليل منهم. فاتصل الخبر بإبراهيم باشا بواسطة محمد آغا حطب، فقتل بعضهم ونفى الباقين وأمر بجمع السلاح من البلد، فجمع منه ما لا يحصى، وارتفع سعره حتى بيعت نصلة بندقية بثلاثمائة قرش. وفي هذه السنة أمر أيضا بجمع العسكر فثقل هذا الأمر على الناس لعدم اعتيادهم عليه وهرب منهم خلق كثير وتشتتوا في البراري، ومنهم من مات تحت المطر والجليد وأكلتهم الوحوش، وكانت تكبس البيوت ويؤخذ منها العسكر دون مراعاة شريف أو وضيع، حتى إن الأولاد الصغار كانوا يؤخذون ويدخلون المكتب ويكسون بملابس الجندية. وفي سنة 1250 صار الشروع بتعمير الرباط الكبير المعروف بالشيخ يبرق، الذي أسلفنا الكلام عليه في محلة الشميصاتية من الجزء الثاني، ورباط آخر في نواحي الكلاسة شرقي مشهد الشيخ محسّن، وغير ذلك من المباني. وكانت الفعلة والنجارون والمجصّصون يقادون للعمل في هذه المحلات بالسلاسل ويساقون بالضرب والشتم، ويدفع لهم قليل من الأجرة، ومنهم من لا يعطى شيئا. وكان أكثر أنقاض هذه الأبنية وحجارتها من المساجد القديمة والجوامع المهجورة والخانات المهملة. وفي ابتداء رمضان سنة 1253 تجدد طلب العسكر واشتد التفتيش عليهم، حتى صارت النساء يحبسن في بيوت القهوة ويضربن الضرب المبرّح ليقررن عن رجالهن. فجمع مقدار وافر وبقي بعض أفراد لم يشددوا في طلبهم رعاية لرمضان. ثم في أول يوم من عيد الفطر صدرت الأوامر بإتمام جمع من بقي من العسكر، فذاقت الناس أمرّ من الصاب، وانقلب عيدهم مأتما. ثم في ثالث يوم من شوال ورد العفو عن بقية الأشخاص المرتبة على البلد. وفي اليوم الثامن عشر من شوال الجزء: 3 ¦ الصفحة: 278 سنة 1254 وقع ثلج كثير سقط به مقدار نصف الشجر، وكان معظم ذلك في إدلب وريحا وأرمناز. وفي غرة ذي الحجة توجه الاصباهية إلى استانبول من سائر البلاد الشامية بأمر المرحوم السلطان محمود خان. وفي اليوم الثالث عشر من هذا الشهر وقع القبض والتفتيش على أولاد المسلمين ليدخلوا في النظام العسكري، ومن لم يوجد منهم قبض على أبيه أو أمه أو زوجته وعذبوا إلى أن يحضر الرجل المطلوب. ومن هرب منهم أو أحجم عن السفر يجعل هدفا للرصاص في أرض عوّاد، فكان لا يخلو يوم من عسكري مقتول. وقد استصفت الجندية شبّان أهل حلب وملحقاتها، فلم يبق منهم سوى الكهول والعجزة ووقفت حركة الأشغال وعزّ القوت وتهتكت الحرائر في الحصول على ما يقيتهنّ. وفي اليوم الرابع عشر منه صدر الأمر بالعفو عن بقية المطلوبين. وفي هذه السنة كان الشتاء شديدا والأمطار غزيرة تعطّل بسببها أكثر العمران واستمرت نحو سبعة أشهر لم تنقطع إلا قليلا. وفي غرة محرّم سنة 1255 خرج العسكر من حلب وبلادها إلى جهة الرّها لمحاربة حافظ باشا المرسل من قبل الدولة العثمانية، وصارت الأمتعة والميرة تنقل من حلب وغيرها إلى تلك الجهة. ثم كانت الوقعة بين الجيشين في المحل المعروف بنزب وقد مرّ خبرها. وفي ليلة الأحد ثاني عشر شعبان زرق «1» بين العشاءين نجم غلب ضوءه القمر، واستمر شعاعه في السماء نحو عشر دقائق ثم أخذ في الذهاب نحو الجنوب. ثم في الليلة الرابعة عشر من الشهر المذكور وهي ليلة الثلاثاء رجفت الأرض رجفة قوية غير أنها لم يحصل منها ضرر. وفي سلخ رمضان سنة 1256- المصادف لليوم السابع والعشرين تشرين الأول سنة 1840 مسيحية- خرج العسكر المصري من حلب وبلادها وخلت الأرض منهم. وقدم على حلب الحاج يوسف باشا شريف زاده ومعه جماعة من الجند، فاستبشر الناس بقدومه، ثم قدم عليها من قبل الدولة العثمانية زكريا باشا مع عسكر كثير محافظة لها إلى أن يحضر الوالي الجديد. وبعد أيام قلائل حضر واليا عليها محمد أسعد باشا وأبقى عبد الله بك متسلّما. وقبل خروج إبراهيم باشا من بلادنا أمر بإحراق بعض البيوت الكبار الجزء: 3 ¦ الصفحة: 279 لانحياز ذويها إلى الدولة العثمانية، من جملتها منزل يوسف باشا شريف، فقد احترق هذا المنزل كله وأصبح رمادا كأن لم يكن. مجيء عسكر الأرناود إلى حلب: وفي سنة 1257 وفد على حلب نحو ثلاثة آلاف من عسكر الأرناود، وكان قدومهم من بلاد أشقودرة، وقد جاؤوا إليها بإشارة من الدولة إرهابا للحلبيين لما كانت الدولة تتخيل منهم إحداث بعض الفتن، ومن ثم كانوا يفعلون أمورا فظيعة تدل على عتّوهم وتوحشهم ليعظموا في أعين الحلبيين، منها أنهم كانوا يخرجون الجرذان من المراحيض ويشوونها في الأتون ويأكلونها، وربما وضعوها في مقلاة السمك، وكانوا يأكلون الفأر وأجراء «1» الكلاب على هذا النسق. ومنها أنهم كانوا يفعلون الفاحشة والزنى بالعجائز والشيوخ. ولما تمادى فسادهم وضجر منهم الحلبيون قاموا عليهم وحصروهم في خان البيرقدار- بالقرب من السوق الصغير- وكثر إطلاق الرصاص من الطرفين. وخاف كبراء البلد من تفاقم الحال فحضر إليهم المتسلم عبد الله بك وأمرهم بالرحيل قبل أن يفتك بهم الحلبيون، فسمعوا مقاله وأقلعوا من حلب ليلا. وفي سنة 1258 ولي حلب محمد وجيهي باشا. ثم في سنة 1261 وليها عثمان باشا. غلاء شديد: وفيها كان الغلاء شديدا، بيع فيه شنبل الحنطة بمائة وخمسين قرشا. وكان قبل البيدر بخمسة وعشرين قرشا. وكان كلما اشتد البرد واقترب الشتاء تقلّ الأقوات من البلد حتى انعدمت، وهاج الناس وصاروا يأكلون الحشيش والعشب. ومع شدة الغلاء في الحبوب كانت بقية المأكولات رخيصة: فكانت قيمة رطل الأرز بثلاثة قروش وربع قرش، ورطل اللحم الخالص بسبعة قروش ونصف، ورطل التين بقرش ومثله الزبيب، ومائة الجوزة بثلاثين بارة. ولما اشتد الخناق بالناس ونفذت المؤنات أمر الوالي المحتكرين أن يفتحوا مخازنهم ويبيعوا ما فيها من الغلّة ففعلوا، واشتغلت الأفران وازدحم الناس عليها وبيع رطل الخبز فيها بثلاثة قروش ونصف. وبالجملة فإن الناس قاسوا شدة عظيمة في شتاء هذه السنة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 280 بحيث بيعت عدة بنات بأكلهن إلى أن أتى الحصاد وأقبل الخير. وكانت السنة مخصبة وبيع رطل الخبز بأربع وعشرين بارة وشنبل الحنطة بعشرين قرشا. وفي أواخر هذه السنة ولي حلب مصطفى مظهر باشا الشيروزي. وفي سنة 1263 حصل في حلب وباء عظيم وكثرت الوفيات حتى ضاق النهار على الجنائزية وصاروا يشتغلون في الليل، والتزم الناس البيوت خوفا من أن يدرك أحدهم الأجل وهو خارج عن بيته. وفي سنة 1264 ولي حلب كامل باشا وفيها حضر إلى حلب نامق باشا رئيس العسكر وأحصى عدد أهلها الذكور دون الإناث، فبلغ عددهم نحوا من ستين ألفا. وفي سنة 1265 وليها مصطفى ظريف باشا وفيها شحّت المياه وجفّ قويق وعين التل والعين البيضاء. ثم في شتائها وقع مطر غزير وطغى قويق وارتفع حتى غطّى قنطرة باب طاحون جبل النهر. وفي هذه السنة أسست دائرة إحصاء النفوس في حلب. الفتنة المعروفة بقومة حلب: هذه حادثة عظيمة لم يحدث بعدها من الثورات الأهلية في حلب أعظم منها. وكان حدوثها في عشية ليلة اليوم الثاني من عيد الأضحى سنة 1266 وامتدت وقائعها إلى نحو اليوم الخامس عشر من شهر محرم سنة 1267. أسباب هذه الفتنة: اختلف الناس في أسباب هذه الفتنة. فقال بعضهم: سببها فرس اغتصبها عبد الله بك البابنسي- متسلّم حلب- من يوسف باشا شريف زاده فقام أتباع الثاني على الأول للانتقام منه، وانتقلت القضية من طور خاص إلى طور عام، وجرى على مدينة حلب وأهلها ما جرى. قلت: حدثني عبد القادر بك بن يوسف باشا المومأ إليه- وهو أدرى الناس بماجريات هذه الحادثة وأعظمهم وقوفا على أسرارها، لأن والده أحد بطلي روايتها كما ستعرفه- أن قصة الفرس كانت على غير هذه الصورة، وأن قضيتها لم تكن سببا لهذه الفتنة بل سببها الحقيقي غير هذا. قال: وأما قضية الفرس فحقيقتها أن عبد الله بك كان يملك فرسا أصيلا معدودا في وقته من عتاق الخيل يعرف باسم (صقلاوية ابن سودان) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 281 وكان علي بك- ابن أخي يوسف باشا- مولعا بالخيول الأصائل، فطلب من عمه أن يستخلص له هذا الفرس من عبد الله بك هبة أو شراء، فلم تسمح نفس عبد الله بك أن يهبه أو يبيعه كله بل وهب عليا نصفه وقاده إليه بطوعه ورضاه. وصادف إذ ذاك أن عباس باشا- الذي صار خديوي مصر بعد عمه إبراهيم باشا- كان مولعا بالخيول العربية، قد أرسل إلى سائر الجهات التي توجد فيها الخيول رسلا جمعوا له منها عددا عظيما حتى استصفى منها أجناسا كثيرة من عتاق الخيل في بلاد حلب وصحاريها، وكان عبد الله بك معروفا عند المصريين لأنه كان متسلم حلب أيام دولتهم فيها، فطلب رسول عباس من عبد الله بك فرسه الذي وهب نصفه لعلي بك، فطلب عبد الله بك من يوسف باشا- عمّ علي بك- أن يبيعه النصف الآخر من الفرس أو يهبه إياه فأخذه يوسف باشا من ابن أخيه وقدّمه إلى عبد الله بك بطوعه واختياره، وهو قدّمه إلى رسول عباس باشا هدية. فلما وصل إليه أنعم على عبد الله بك بسيف مرصع وعباءة وسرج مزركش. قال عبد القادر بك: وقد رأيت السرج المذكور تحت عبد الله بك وهو يتجول على فرسه في أثناء الحادثة التي نحن في صدد الكلام عليها. قلت: وحدثني غير واحد في بيان أسباب هذه الفتنة حديثا طويلا خلاصته: أن عشيرة من عشائر البادية المخيمة في جهات الجبّول تمردت في هذه السنة 1266 على الحكومة وامتنعت عن أداء ما عليها من الضرائب فندب الوالي لإخضاعها يوسف باشا، وقصدها في عدد كبير من الجند والأتباع فلم يفلح وعاد بالفشل، فندب الوالي إليها عبد الله بك فقصدها وليس معه سوى ستة نفر من أتباعه، غير أنه ما كاد يصل إلى مضارب العشيرة حتى أحدق به رجالها وأنزلوه ومن معه عن خيولهم وشدوا وثائقهم وطرحوا الحديد في أرجلهم وعاملوهم معاملة الأسراء. واتصل الخبر بالوالي فأمر بتجهيز حملة قوية للتنكيل بتلك العشيرة وقبل أن تخرج الحملة من حلب نمي خبرها إلى العشيرة فارتاعت واضطربت فسكّن عبد الله بك روعها وقال لشيوخها: لا بأس عليكم فكّوا القيد عن كاتبي وأنا أكفيكم بطش هذه الحملة. ففكوا القيد عن كاتبه فأمره عبد الله بأن يكتب على لسانه إلى قائد الحملة كتابا أرسله مع ساع خصوصيّ يقول له فيه: إن العشيرة قد طاعت ودفعت ما عليها من المرتبات فلم يبق لتجريد الحملة عليها من لزوم. ثم إن العشيرة فكت القيود عن عبد الله بك وعن أتباعه وتداركت جمع ما عليها من الجزء: 3 ¦ الصفحة: 282 المرتبات وقدمتها إلى عبد الله بك، واعتذر شيوخها إليه عما أجروه معه ومع أتباعه من الأسر والتقييد وأفهموه أن السبب الذي حملهم على ذلك كتاب ورد إليهم من يوسف باشا قبل قدوم عبد الله عليهم يقول لهم فيه: إن عبد الله بك قادم عليكم ليخدعكم ويوقعكم في قبضة الحكومة لتنكّل بكم فاحذروا منه. ثم أبرزوا له الكتاب فقرأه كاتبه فوجد فحواه طبق ما قالوا. ثم إن عبد الله بك ودع العشيرة وقفل راجعا إلى حلب وقبل وصوله إليها خرج لاستقباله جمهور عظيم من زعماء محلة قارلق وأهلها الذين هم أتباعه، وآلوا عليه أن يدخل المدينة من باب النيرب، فدخل منه بهذه الأبهة الزائدة إرغاما لزعماء هذه المحلة الذين هم أتباع يوسف باشا، ومشى أمامه أتباعه وهم شاكو السلاح ينشدون الزّجلات الحماسية المشتملة على تهاني زعيمهم بعوده من سفره سالما غانما، وعلى التنديد بيوسف باشا وفشله في سفره والحط من كرامته. فشق ذلك على أتباعه وأضمروا في نفوسهم الشر لعبد الله بك. وبعد أيام تجمهروا في عشية الليلة المذكورة وقصدوا الإيقاع بعبد الله بك وجرى منهم ما جرى كما سنبينه قريبا. قلت: هذه الحكاية تشتمل على عدة أمور يستبعدها العقل السليم: (1) يستبعد العقل من يوسف باشا داهية عصره أن يطوّح بنفسه ويرسل هذا الكتاب إلى جماعة من العرب البسطاء الذين لا ينبغي للعاقل أن يأمنهم على سره لا سيما وقد سبق منه قصده إياهم للإيقاع بهم فكيف يتصور العقل ائتمانهم على كتابه وعدم إيصاله إلى الوالي الذي يكون أدنى جزائه عنده النفي؟ (2) يستبعد العقل أن يتجرأ أتباع يوسف باشا في ليلة الحادثة على الإيقاع بعبد الله بك وهم يعلمون أن أتباعه أكثر منهم عددا وأقوى شكيمة، وأن عرب البادية كلهم أنصاره وأعوانه. (3) يستبعد العقل انتقال القضية فجأة من طور خاص وهو قصد الإيقاع بعبد الله بك إلى طور عام وهو تهديد سلامة البلد وإحداث ما كان فيها من الويل والنكد. (4) يستبعد العقل أن يكون أتباع عبد الله بك الذين جاؤوا للدفاع عنه في تلك الليلة قد اتفقوا مع أعدائهم أتباع يوسف باشا في هذه البرهة من الزمن، وصاروا جميعا يدا واحدة بإثارة هذه الفتنة العامة على غير رضاء من عبد الله بك. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 283 السبب الحقيقي لهذه الكارثة: إذا علمت هذا تبين لك أن السبب الحقيقي لهذه الفتنة العمياء غير قضية الفرس وغير حكاية العشيرة، بل السبب الصحيح أمر مستور دبّر بليل خفيّ على الناس في وقته فصاروا يرجمون به الظنون، وكلّ يتكهن عنه حسب عقليته وحسبما شاهده من ظواهر الماجريات دون البحث عن بواطنها. إن السبب الحقيقي لهذه الكارثة قد بالغ من أوثق عقدته في ستره وإخفائه، وأسدل عليه حجبا كثيفة من الكتمان صونا لحياته، إذ لو كشف الستار عنه في تلك الأيام لما أحجمت الدولة قيد لحظة واحدة عن قتل ناسج برده ونافخ ناره. وإليك في بيان الحقيقة جملة استخلصتها من كلام المكانسي الذي كان في ذلك الزمن من خاصة الرجال المنتمين إلى يوسف باشا شريف، المخلصين في محبته والمطّلعين على أسراره. قال: إن الدولة المصرية لما دخلت هذه البلاد أناطت متسلمية حلب بعبد الله بك البابنسي، وهو من قدماء اليكجرية وله أتباع كثيرة في حلب وبرّها، فكان عبد الله بك يأخذ المقاطعات الأميرية ويصرف أموالها على أتباعه وأعوانه من الحضر والبدو، والحكومة المصرية لا تعارضه في ذلك ولا تطالبه بأموال المقاطعات لعلمها بأن صرفها على أتباعه مما يعود نفعه إليها، فكأنها كانت تعتبر أتباعه كجند لها. ثم لما انسحبت الحكومة المصرية من حلب وعادت إليها الحكومة العثمانية أبقت متسلّميتها في عهدة عبد الله بك، فكان يأخذ المقاطعات ويصرف أموالها على أتباعه كما كان معتادا عليه في عهد الحكومة المصرية. غير أن الحكومة العثمانية لما رسخ قدمها في حلب وغيرها من البلاد التي عادت إلى حكمها جعلت تطالب عبد الله بك وبقية رؤساء البلاد- ومنهم يوسف باشا- بما تأخر في ذممهم من أموال المقاطعات، وهي مبالغ طائلة تعدّ بألوف الألوف، وكان جل ثروات رؤساء البلاد مجموعة من تلك الأموال، وكان ولاة حلب يتقاضون الرؤساء هذه الأموال فيما طلونهم بأدائها فيتساهلون معهم ولا يشددون في طلبهم، إلى أن ولي حلب مصطفى ظريف باشا فرأى أن أموال المقاطعات المتأخرة في ذمم الرؤساء قد بلغت ألوفا مؤلفة، وأن الدولة في ذلك الحين على أشد الحاجة إلى المال فجعل الوالي يشدد على الرؤساء الطلب حتى بلغ من تشديده أن هددهم ببيع أملاكهم وحبسهم وكسر شرفهم. فاضطربوا وذلّت الجزء: 3 ¦ الصفحة: 284 أنفسهم فمنهم من وفى شيئا من ديونه وعجز عن وفاء الباقي عليه، ومنهم من لم تسمح نفسه بوفاء ديونه التي تستغرق ثروته وهو يوسف باشا. وأما عبد الله بك فقد كانت ديونه أكثر من ديون جميع المدينين لكنه ليس عنده ما يفي بعشرها، لأنه كان- كما قيل- نهابا وهابا. فاضطرته الحالة أن يستعين بذي رأي وتدبير على إيجاد وسيلة تدفع عنه هذه الغائلة، فلم يركفؤا لهذه المهمة غير يوسف باشا، فحضر إليه سرا وبعد أن تعاتبا وطرحا ما كان بينهما من التعاكس والتشاكس- اللذين تتطلب وحدة المصلحة طرحهما- تذاكرا في التماس وسيلة تدفع عنهما هذه المهمة المدلهمّة، فقر رأيهما على أن يدبرا إحداث ثورة إرهابية وقتية تضطر الوالي إلى أن يستعين بهما إلى إطفاء نائرتها، وعندها يرى من واجبه مسامحتهما بأموال المقاطعات المتأخرة بذمتهما. فقررا أن يذاع سرا بين الناس- بواسطة دهاة من سماسرتهما- تصميم الحكومة على أخذ عسكر بالقرعة، وإضافة ضريبة الأملاك المعروفة في تلك الأيام باسم (ترابيّة) وأن يجسّم ضرر هاتين البدعتين في أفكار العامة من أتباعهما تجسيما يحملهم على أن يثوروا في طلب رفضهما من تلقاء أنفسهم دون أن يدعوهم إلى الثورة أحد، تفاديا من وقوع تبعة الثورة على فرد معين. قال المكانسي: وقد جرت هذه التدابير كلها من عبد الله بك ويوسف باشا على صورة خفية جدا، بحيث كان الثائرون أنفسهم لا يعرفون سببا لثورتهم سوى معارضتهم لتصميم الحكومة على أخذ القرعة وإضافة ضريبة الأملاك، وهم يجهلون كل الجهل اليد المحركة لثورتهم، وأن يوسف باشا وعبد الله بك لم يقصدا في تدبير ما دبّراه سوى ثورة بسيطة إرهابية لا تبلغ درجة التفاقم وتصل إلى الحد الذي وصلت إليه، ولو أنهما علما بما تجرّه هذه الثورة من الفظائع والمصائب وتعقبه من طائل المسؤولية، لما كانا اقترفاها، غير أنهما لما وصلت إلى ما وصلت إليه من الخطورة والتضخم لم يبق في قدرتهما منعها. كيف كانت الثورة؟: بعد عشاء الليلة الثانية من عيد الأضحى سنة 1266 تألب جماعة من العوامّ وزعمائهم في سوق باب النيرب، وعولوا على إحداث ثورة ضد الحكومة. وأول عمل باشروه أنهم قصدوا جماعة الدرك في مخفرة باب الحديد، وهددوهم بإطلاق عيارات نارية اضطرت الجزء: 3 ¦ الصفحة: 285 جماعة الدرك إلى الهرب منهم والالتجاء إلى الرباط العسكري (القشلة) . ونمي الخبر إلى الوالي فحضر إلى محل الثوار بنفسه لإخماد ثورتهم، لكنه لما رأى جموعهم تجاه جامع التوبة، وما هم عليه من العربدة والهيجان وإطلاق الرصاص، هاله الخطب وانصرف عنهم ولسان حاله يقول: الهزيمة نصف الغنيمة. ولو أنه أظهر لهم الثبات وسطا عليهم بعض السطو لفلّت جموعهم وكفي شرّهم، لكنه لما قدم عليهم ظنوه هو ومن معه جماعة العسس «1» ، ولم يعلموا أنه هو الوالي إلا بعد انصرافه. فلما علموا بخوفه ورخاوته زاد شغبهم وقويت نفوسهم. وفي نحو الساعة الثالثة من الليلة المذكورة مشوا بطبولهم وزمورهم إلى محلة الفرافرة ليوقعوا ببعض الأعيان لأنهم لم يدفعوا عنهم غائلة البدعتين المذكورتين، مع قدرتهم على دفعهما على زعمهم. وكان الأعيان قد بلغهم قيام هؤلاء الغوغاء فتركوا منازلهم والتجئوا إلى الرّباط العسكري. ولما وصل الثائرون إلى محلة الفرافرة لم يجدوا في منازل الأعيان سوى الحريم والخدم فرفعوا أصواتهم بالسب والشتم وأطلقوا بعض العيارات النارية، ثم توجهوا إلى محلة قارلق لمواجهة عبد الله بك ومطالبته بدفع البدعتين المذكورتين، لأنه هو متسلم البلد وهو المسؤول عن دفع الحيف والظلم عن أهلها. وبينما هم عند سبيل الدلي محمود في قرب بانقوسا إذ تقابلوا مع تقي الدين أفندي المدرس. حدثني خادمه محمد آغا الفراش- وقد وظف بعد فراشا في المدرسة العثمانية وكنت مجاورا فيها- أن الثائرين لما قبضوا على تقي الدين أفندي- قال: وكنت معه- أضجعوه إلى الأرض وأرادوا ذبحه، فقال بعضهم يحرم امتهان دم العالم وإراقته على الأرض كدم شاة. ثم تجرّد القائل من عباءته ومدّها تحت تقي الدين وقال: اذبحوه فوقها. وبينما هو يستعيث بهم ويطلب منهم الكفّ عنه إذ مرّ بهم الشيخ أحمد شنون- المعروف بالحجار- فتشفع به فعفوا عنه. قال خادمه محمد آغا: وقد أثر الرعب في تقي الدين حتى قطع نسله. ثم إن الثوار أخذوا معهم تقي الدين إلى عبد الله بك ليرى رأيه فيه. فلما وصلوا إليه أنكر عليهم عملهم وبعث به إلى الرباط العسكري ومعه من يحفظه وقال عبد الله بك للثائرين: ماذا تريدون؟ فقالوا: لا نعطي عسكرا ولا ضريبة، وأنت في قدرتك إبطال الجزء: 3 ¦ الصفحة: 286 هاتين البدعتين. فأجابهم بأن هذا مما أمرت به الدولة ولا قدرة لي على ردّه. فقالوا: إذا نحن نحارب الدولة ونجبرها على إبطالهما. فقال لهم: أنتم قوم فجّار، اذهبوا عني حيث شئتم. وكان قد انضم إليهم أتباعه وأحزابه فقالوا له: نريد أن نقصد النصارى ونطلب منهم مالا نشتري به ذخيرة لأن النصارى يشاركوننا بالاستفادة من نتيجة قيامنا، فتسقط عنهم أيضا ضريبة الأملاك وغيرها من الضرائب التي تصمم الدولة على طرحها. فقال لهم: أنتم قوم أشرار اذهبوا عني حيث شئتم. فتوجهوا إلى جهة محلات النصارى وقد كثر جمعهم وانضم إليهم البدوي والقروي وعلت ضوضاؤهم وهم يضربون طبولهم وينشدون زجلاتهم ويرفعون أصواتهم بقولهم: (عسكر ما نعطي فردي ما نعطي) . ولما وصلوا إلى محلة الألماجي والماوردي قصدوا بطريرك طائفة الروم مكسيموس مظلوم وأرادوا القبض عليه لأنه كان منذ أيام إبراهيم باشا المصري وما بعدها يدور أحيانا بشوارع حلب وهو راكب بأبهة زائدة وموكب حافل، يتلقى المسلمون منه ذلك كإرغام لهم وتعال عليهم، فكانوا ينقمون عليه هذا الصنيع ويحملونه منه على قصد إهانتهم. ولما أحسّ بقدوم الثائرين على محلته هرب منها إلى خان العلبية واختبأ عند بيت الركوبلي، ثم سافر من غده. أما الثوار فقد أخذوا بإطلاق الرصاص وتكسير الأبواب والنهب في محلة الألماجي والماوردي إلى قرب طلوع الشمس ثم توجهوا إلى محلة الصليبة، وكان عبد الله بك قد أرسل إلى أكابرها يطلب منهم ألف ذهب عثماني بشرط ألّا يتعرض لهم أحد بسوء. فلم يجيبوه على طلبه وقالوا: إن أصابنا ضرر طلبنا تعويضه من الحكومة فعلام ندفع للثوار ألف ذهب؟ وحينئذ دخل الثوار إلى محلة الصليبة وشرعوا بتحطيم الأبواب والنهب، وكان أكثر أغنيائها قد تركوا بيوتهم وتحصنوا بالخانات مع عيالهم، ومنهم من أخذه لبيته بعض معارفه من المسلمين وحماه عنده، ومنهم من دعا إلى بيته بعض أصحابه من المسلمين ليحامي عنه، فسلمت بذلك بيوت كثيرة وسلم من كيد الثوار عدة جهات كحارة المحبّي والشرعسوس، لأن بعض سكانها كانوا من وجهاء المسلمين فدافعوا عن جيرانهم النصارى فلم يصب أحد منهم بسوء. لم يزل النهب مستمرا ومتعاطوه في كثرة وازدياد حتى انضم إليهم الفلاح والبدوي ورعاع الناس من أهل حلب، وكان يتقدم الثائرين طبل لتجميع الناس إليهم فكانوا كلما مروا على رجل ولم يتبعهم أوسعوه ضربا وسبا. وأخبرني بعض تلامذة والدي أن والدي الجزء: 3 ¦ الصفحة: 287 بينما كان واقفا على باب مسجد أشقتمر- المعروف بجامع السكاكيني- إذ مرت عليه شرذمة من الثوار فنادوه: «شيخ امشي معنا» . فقال لهم: اسبقوني حتى ألبس ثيابي وألحقكم. ثم دخل إلى الجامع وأغلق بابه ولم يخرج منه إلا بعد أيام. هذا وإن النهب لم يزل يجري أحكامه إلى اليوم الثاني عشر من شهر ذي الحجة وكان البدوي قد ينهب الشيء من أثاث المنزل وهو لا يعرف ماذا يراد من استعماله. وصادف أن بدويا نهب ساعة دقاقة ظنها صندوقا فيه نقود، وبينما هو سائر بها إذ دقت الساعة فارتاع منها وحسب أن فيها جنيا فبصق عليها وطرحها إلى الأرض فتحطمت. ورأى بدوي في بعض البيوت كيسا فيه لؤلؤ ظنّه رزا فحمله فلما كان في أثناء الطريق ذاقه فلم تقطعه أسنانه فحسبه خرزا فرماه إلى الأرض فتبعثر وسحق تحت الأقدام. في اليوم الثاني عشر من ذي الحجة وقف النهب لأن الأعيان والحكومة أرسلوا إلى زعماء الثائرين يؤمنونهم مما يخافون، ويتعهدون لهم بما يطلبون. وفي اليوم الثالث عشر من هذا الشهر ترددت الرسل بين الطرفين واستقرت القاعدة على أن يكون عبد الله بك هو المفوض بالأمور، وأن تستثنى حلب من القرعة العسكرية ومن عدة ضرائب أميرية، وأن يسامح عبد الله بك ورفقاه من أموال المقاطعات المتأخرة في ذممهم، وأن لا يسترق النصارى الإماء والعبيد المسلمين، وأن يمتازوا عن المسلمين بعلامات فارقة، إلى غير ذلك من الطلبات والاقتراحات. والذي اضطر الحكومة أن تجيبهم إلى ما طلبوا خلوّ القلعة والرباط العسكري من الحامية، إذ لم يكن موجودا فيهما سوى مائتي جندي. وبعد أن استقر الصلح على الشروط المذكورة أقام الثوار سلطانا عليهم ابن حميدة، فجعل وزيره عبد الله بك وصار ابن حميدة يأمر وينهى كسلطان قاهر. وكان الأعيان والوجهاء قد نزلوا من الرباط إلى تكية بابا بيرم، وبقي الوالي في الرباط لشدة جبنه وخوفه. ولم يقتل من النصارى في هذه الحادثة سوى خمسة نفر قتلوا لا عن قصد انتقام سوى واحد منهم: فالأول: القس جبرائيل الكلداني استمات على حفظ أمانات للكنيسة كانت عنده فقتل وأخذت الأمانات. الثاني: أخو القسيس السرياني، احترق في كنيسة السريان تبعا لها لأنها احترق معظمها. وكان المسبب بإحراقها شماس موكل بحفظ ما فيها من الآثار الفضية فسرقها وألقى النار في الكنيسة وادعى أن النار هي التي أتت على الآثار. الثالث: رجل يقال له ابن القصاب، وهو الذي قتل عمدا لأنه كان يؤذي المسلمين بما كان يجريه الجزء: 3 ¦ الصفحة: 288 من التيه والعجرفة والازدراء بهم وسبّهم وشتمهم، مستندا في ذلك على أنه كان من عساكر النمسا. الرابع والخامس: نعمة الله الحمصي وخادمه. أما نعمة الله فسبب قتله أن عبد الله بك حينما أرسل إلى أهل محلة الصليبة يطلب منهم ألف ذهب رضي أكثرهم بإعطاء هذا المبلغ وأرادوا تقديمه إليه فمنعهم عن ذلك نعمة الله، وأجاب رسل عبد الله بك بما تقدم بيانه. فقتل وقتل خادمه معه لمحاماته عنه. بعد أن تم الصلح على الشروط المتقدم ذكرها كتب الوالي بالخبر مع بريد خاص إلى الآستانة. وكان قد أنفذ الرسل إلى حكام أنطاكية وأذنة وعينتاب وأغوات العمق يطلب منهم الإمداد وإرسال ما تيسر لهم من العساكر. فما مضى على ذلك سوى بضعة أيام حتى أخذت العساكر والمتطوعون من فرسان ومشاة يتواردون من الجهات المذكورة من جهة سيورك، فيدخلون القلعة والرباط خفية حتى اجتمع فيهما قوة كافية لخذل البغاة وكبتهم. وحينئذ كتب الوالي والأعيان إلى عبد الله بك بأن يحضر إلى دار الحكومة زعماء الثائرين ليعطيهم الأمان على أنفسهم وأموالهم ويحرر أسماءهم في دفتر يرفعه إلى الدولة لتقرر كل واحد منهم بوظيفته ويستقر الحال على ذلك. فأجابهم عبد الله بك إلى هذا الطلب وعيّن لهم اليوم الذي يجمع فيه الزعماء المذكورون ويعمل فيه هذا العمل. وكان الوالي والفريق عبد الكريم باشا انتخبا نحو مئة وخمسين عسكريا من ذوي البسالة والنجدة وسيّراهما «1» ليلا إلى دار بني الجلبي حيث كان يسكن الوالي، وهي اليوم تعرف بدار العدلية داخل دار الحكومة، فخبّأ العساكر المذكورين في تلك الدار وأمراهم متى جاءهم النذير أن يخرجوا بغتة ويحيطوا بكل من رأوه في دار الحكومة ويوقعوا القبض عليه ويسقوه «2» إلى الرباط العسكري. فلما كان الغد وهو يوم الثلاثاء رابع محرم الحرام سنة 1267 حضر الزعماء المذكورون إلى دار الحكومة ليأخذوا الأمان وتحرر أسماؤهم على الصفة المتقدم ذكرها. سرى الخبر إلى العساكر المخبوءة بدار بني الجلبي فأسرعوا الكرّة بأسلحتهم، ولم يشعر الزعماء إلا والعساكر قد أحاطت بهم وخالطتهم وأوقعت القبض عليهم ومشت بهم إلى الرّباط وأودعوهم فيه، وكان من جملتهم عبد الله بك. ولما اتصل الخبر الجزء: 3 ¦ الصفحة: 289 بأتباعهم وحواشيهم وبقية أحزابهم قامت فيهم الحمية الجاهلية وهاجوا وماجوا وأخذوا يطلقون الرصاص على الرباط والقلعة، وذلك في صبيحة يوم الأربعاء خامس محرّم هذه السنة 1267 فقابلهم الجنود بإطلاق البنادق والمدافع واشتدت الحرب وكانت من الرباط أشد، وكلّ من الحصنين صوّب أفواه مدافعه على محلة النيرب ومحلة قارلق وبانقوسا. وكان كثير من سكان هذه المحلات قد لجؤوا إلى المحلات الداخلة في البلد لأنهم لم يكونوا من حزب الثوار. وما زال الحال سائرا على هذا المنوال إلى ظهيرة اليوم المذكور. ثم أخذت الحرب تخف حسب اشتداد الحرّ وبقي الحال هكذا إلى وقت العصر. وقد أظهر الجنود أنهم قد انكسروا لعلمهم أن الثائرين يقاتلون من غير رئيس يقدّم لهم الذخيرة من البارود والرصاص، فقصدوا بإظهار الكسرة أن يستصفوا ما عند الثوار من الذخيرة. وفي تلك الأثناء تسلّق جماعة من الثوار سطح الجامع الخسروي، وقلعوا ألواح الرصاص الذي صفحت به القبة ليصبوه بندقا. ولما كان بعد العصر سكن إطلاق الرصاص من الجانبين المتحاربين وعرض أعيان البلد الصلح عليهما فرضيا به. وقرأت في أحد مجاميع والدي أنه لما كان بعد غروب هذا اليوم (يوم الأربعاء) أقبلت العربان على حلب من فرق شتى كالعنزة والحديديين والبقّارة والعساسنة وغيرهم، ما ينوف على أربعة آلاف رجل نجدة للثوار، فقويت نفوس الثائرين ونكثوا عن الصلح. وفي صبيحة الغد وهو يوم الخميس سادس محرم هذه السنة (1267) نشبت الحرب بين الفريقين وحمي وطيسها، وصبر كل منهما للآخر. واستمر الحال هكذا إلى وقت الظهر، فتقهقر الثوار ودهشت العربان ثم عوّلوا على الفرار، وانكسر الثائرون كسرة شنيعة وانحلّت جموعهم. فنزلت العساكر من الحصون في أثر الثوار وأسعرت النار في سوق بانقوسا وسوق باب النيرب وقارلق، فالتهمتها النار عن آخرها بعد أن غنم الجند أكثر ما فيها من الأموال والبضائع وألقوا النار في كثير من بيوت المنهزمين وقتلوا عددا كبيرا من الثائرين وغيرهم الذين لا دخل ولا تصنّع لهم بإحداث الفتنة. وكانوا يقتلون كل من صادفوه حتى العميان والأولاد الصغار. وهكذا أخذ المظلوم بجريمة الظالم. وهذا مصداق قوله تعالى وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً . وكان أكثر القتل في رجال تلك المحلات ووقع القبض على كثير منهم وكسبت بيوتهم وبيوت أخر اختبئوا فيها داخل الجزء: 3 ¦ الصفحة: 290 البلدة، وتبعتهم العساكر إلى القرى يقبضون عليهم وينكّلون بهم تنكيلا. اه. قال صاحب كتاب «محررات نادرة» التركي العبارة ما خلاصته بعد التعريب: لما وصل خبر هذه الحادثة إلى استانبول انعقد في اليوم الخامس والعشرين من ذي الحجة هذه السنة 1266 مجلس خاص لتلافي ما يقتضيه الحال في هذه الحادثة. وبعد مفاوضة طويلة استقرّ رأي المجلس على إرسال أربعة كتائب (طوابير) من العساكر: اثنتين منهما من عساكر استانبول، واثنتين «1» من العساكر؛ لأنه لا يوجد سوى هذين العسكرين صالحا للإرسال إلى حلب، لأن جميع عساكر الدولة في ذلك الوقت كانت مشغولة بما هو أهم من هذا. ولما استقرّ رأي المجلس على إرسال تلك العساكر كانت بواخر الدولة المعدة لحمل العساكر والأعتاد الحربية مشغولة، بعضها مسافر وبعضها متصدّع، وقسم منها في محافظة المواني. فاضطرت الدولة أن تنتظر باخرة من بواخرها إلى أن حضرت فأرسلت فيها العساكر المذكورة ومعها ستة مدافع، وعزلت والي حلب ظريف باشا وعينت بدله محمد باشا القبرصي، وتوجه مع العساكر فوصل إلى حلب في محرّم سنة 1267 وكانت الأمور قد هدأت وشمل البغاة قد تشتّت. ومع هذا فإن محمد باشا أخذ من يوم وصوله إلى حلب يستقصي حقائق الأمور ويفحص عن السبب والمتسبب، حتى ظهرت له جلية الحال فنفى نحو 800 شخص إلى جهات مختلفة- كعكّا وكريد وقبرص- وأمر بعقد مجلس خاص لتحصيل أموال النصارى وجعل رئيسه محمد آغا المكانسي، وأعلن أن المال المتحصّل يدفع لذويه بعد أن يبرهنوا عليه، وأن ما لم يتحصل من أموالهم تقدر له قيمة وتوزع على أهل البلد وتجمع منهم بواسطة الحكومة، كما أنها هي التي توزع القيمة على النصارى الذين لا تظهر أعيان ما نهب لهم من الأموال في هذه الفتنة. وبعد أن فرغ الوالي من تقرير هذه المهمة شرع بأخذ العسكر من ذوي الاختلال بلا قرعة، ثم شرع يأخذ العسكر بالقرعة الشرعية من عامة أهل البلدة، وهي أول قرعة كانت في حلب أيام الدولة العثمانية. وما زال الوالي يدبر أمور البلدة ويقطع دابر المفسدين حتى استتبّ الأمن وعادت المياه إلى مجاريها. اه. قال شيخنا المكانسي: وقبل وصول محمد باشا القبرصي إلى حلب صدر أمر الدولة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 291 بإرسال ظريف باشا والي حلب وعبد الله بك البابنسي ومعه بعض أقاربه إلى استانبول، فأرسلوا إليها. وبينما هم في الطريق مات عبد الله بك مسموما، وقيل مات حتف أنفه. ثم إن والي حلب الجديد نفى تقي الدين أفندي إلى القدس. وقبل وصوله إليها عفت الدولة عنه، فسار إلى الحجاز وحج وتوجه إلى استانبول واستقر في منصب إفتاء حلب، فعاد إليها. ونفى والي حلب أيضا يوسف باشا إلى قونية فسار إليها. ثم صدر العفو عنه فتوجه إلى استانبول ومنها إلى حلب. وقد حاز على رتبة مير ميران. انتهى ما قصدنا إلى إيراده من أخبار فتنة حلب، وقد أسهبت الكلام عليها خلافا لما ألزمت به نفسي من الإيجاز في غيرها من الحوادث والكوارث؛ لأن هذه الفتنة الفاجعة آخر الفتن الأهلية في حلب، ولأن التحدث بها لا يزال يدور على الألسن بين حين وآخر لقرب عهدها بكثير من الناس الذين كان آباؤهم يحدثونهم بنتف من أخبارها وهم في توق شديد إلى سماعها مفصلا. استطراد في الكلام على احترام رابطة اللسان و رابطة الجوار عند أمة العرب في جاهليتها وإسلاميتها إن قيام الغوغاء في هذه الحادثة على النصارى- إخوانهم باللسان والجوار- مما لم يسبق له نظير من يوم فتح المسلمون مدينة حلب إلى يوم ظهور تلك الحادثة. فما كان قيامهم هذا بالحقيقة إلا نزعة شيطانية أثارها في أدمغتهم عاصفة الطيش والجهل، الذي «1» يأباها الدين وترفضها حقوق رابطة اللسان والجوار. إن كل من يتصفح وجوه التاريخ ويستقصي أخبار العرب في جاهليتها وإسلاميتها يتضح له جليا أنه لا يوجد على وجه البسيطة أمة تضاهي أمة العرب من جهة احترامها الرابطة اللسانية وحقوق الجار: الرابطة اللسانية: أما الرابطة اللسانية فقد جعلتها الأمة العربية هي الجامعة الوحيدة للوحدة القومية التي الجزء: 3 ¦ الصفحة: 292 تدعو الأمة إلى التحابب والتوادد والتناصر والتعاضد، بحيث يكون كل فرد من أفراد هذه الأمة راقدا بواسطة هذه الجامعة في مهاد الوفاق والوئام مع باقي إخوته العربيين مهما اختلفت مللهم ونحلهم. فقد يتجلى لك من ملامح وجوه التاريخ أن العرب المسيحيين والموسويين والوثنيين في البلدان والقرى والصحاري، من اليمن والحجاز والحيرة والعراق، والجزيرة والشام الجنوبية والشماليّة، كانوا في الأزمنة الغابرة راتعين مع بعضهم في بحبوحة الأمان والسلام على السواء، وكانوا لا يعرفون التعصب للدين ولا النعرة الدينية، بل كانت عصبياتهم لا تنعقد إلا للجنسية والحلف والولاء والجوار، كما أن الحرب التي تقع بينهم كانت لا تثور إلا بسبب التنافس على مادة الحياة والتنازع على الرئاسة، لا لاختلاف الملة والدين. فكانت قبيلة غسان مثلا فيها المسيحيّ والموسوي والوثني، تحارب قبيلة غفار التي يوجد فيها من الملل الثلاث لعداوة دنيوية أو تنافس قومي يقع بين القبيلتين ليس إلا. ولم ينقل إلينا التاريخ أنه جرى بين أمتين عربيتين حرب أثارتها حمية دينية سوى الطفيف النادر الذي ربما كان سببه أمرا خارجيا عن العرب، صادرا بتحريض من جاورهم وملك السيادة عليهم من الأمتين الفارسية والرومية. هكذا كانت الرابطة اللسانية مرعيّة عند الأمة العربية القحطانية والعدنانية. ثم لما جاء الإسلام بقيت هذه الرابطة محترمة بين العرب المسلمين وغيرهم، يعتمد العربي على العربي ويركن إليه لمجرد كونه عربيا، غير ناظر إلى ملّته ونحلته. حتى إن هذه العاطفة العالية كانت من جملة العواطف الشريفة التي تحلت بها شمائل النبي العربي محمد بن عبد الله بن عبد المطلب صلّى الله عليه وسلّم، فإنه لما اضطهده قومه الأقربون حسدا وحرصا على الرئاسة اضطر إلى الهجرة عن وطنه والالتجاء إلى قوم آخرين يأوي إليهم ويستنصر بهم على أعدائه، فخيّر بالهجرة إلى البحرين أو المدينة أو قنّسرين، فقال: أوحي إليّ: أيّ الثلاثة نزلت فهي دار هجرتك: المدينة والبحرين وقنّسرين. ومعلوم أن هذه الجهات كانت مسكونة بالعرب، فالمدينة كانت مأوى أبناء قبيلة الأوس والخزرج، وكان يسكن في ضواحيها قبائل سليم وكلهم أهل أوثان، وكان القاطنون جهة البحرين بطونا من عبد القيس بن ربيعة وبكر بن وائل، ومنهم كان أمير هذه الجهة من قبل الدولة الفارسية- حين مجيء الإسلام- المنذر بن ساوى، من بني حنظلة بن مالك بن زيد مناة بن تميم، وكان فيهم النصراني والوثني. أما قنّسرين- وهي الآن قرية الجزء: 3 ¦ الصفحة: 293 على مقربة من حلب وكانت بلدة عظيمة وإليها كان يضاف الجند فيقال جند قنّسرين- فقد كان في جهاتها كثير من القبائل العربية التي أشهرها تنوخ، وهم من ذرية النعمان الذي تضاف إليه المعرة، وكانوا نصارى. ولا ريب أن النبي لم يخيّر بالهجرة إلى إحدى هذه الجهات إلا لأن أهلها عرب يحدبون عليه وينصرونه على أعدائه قياما بحق الرابطة المرعيّة بينهم وهي وحدة اللسان. وهكذا بقيت هذه الرابطة محترمة بين العرب بعد انتقال النبي من هذه الدار إلى دار القرار، فإن الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه- الذي هو أعظم خلفاء الإسلام- احترم الرابطة اللسانية وبنى عليها صرح نجاحه فيما يتوخاه من مآربه ومقاصده، فأمر العرب المسلمين في مبدأ خلافته أن يبدؤوا بقصد العراق والشام دون غيرهما لأن فيهما عربا يتّحدون معهم وينصرونهم وإن كانوا على غير دينهم. وقد صدّقت الوقائع حسن رأيه وحققت الماجريات صحة تفرّسه، وذلك أن قائده الوليد بن عقبة لما قدم على عرب الجزيرة نهض معهم مسلمهم ونصرانيهم، واستخلصوا الجزيرة من الروم. ولما تقدم عبد الله بن المعتمّ «1» - قائد العرب المسلمين- إلى فتح تكريت والموصل انضم إليه عرب إياد وتغلب والنمر والشهارجة، وكلهم نصارى، فكان فتح هذين البلدين بواسطتهم. ولما قصد المثنى فتح البويب بعث إلى من يليه من العرب المنتصرة يستنصرهم، فوافى إليه منهم جمع عظيم، وكان فيمن جاءه أنس بن هلال النمري في جمع عظيم من النمر النصارى، وقالوا: نقاتل مع قومنا. وقال المثنى لأنس: إنك امرؤ عربي وإن لم تكن على ديننا، فإذا حملت على مهران (وهو قائد من الفرس) فاحمل معي. فأجابه إلى ما طلب وحمل معه هو وقومه على مهران، وكان قاتل مهران غلاما نصرانيا قتله واستولى على فرسه. وحارب زبيد الطائي مع العرب في واقعة الجسر حتى قتل وكان نصرانيا. وكثيرا ما كان عرب الشام والعراق عونا لإخوانهم العرب المسلمين في حروبهم يرشدونهم وينصحونهم ويحملون إليهم أخبار أعدائهم. من ذلك أن الوليد بن عقبة خرج غازيا إلى الروم فجاءه رجل من العرب النصارى وقال له: إني لست من دينكم ولكنني أنصح، للنسب، فالقوم يقاتلونكم إلى نصف النهار فإن رأوكم ضعفاء أفنوكم، وإن صبرتم الجزء: 3 ¦ الصفحة: 294 هربوا وتركوكم. ومن هذا القبيل أن حمص بينما كانت في ذمة المسلمين إذ شغلوا عن حفظها فردّوا على أهلها ما كانوا أخذوه منهم من الجزية، فقال أهلها: لولاؤكم «1» وعدلكم أحبّ إلينا مما كنا فيه من الظلم والضيم، ولندفعنّ جند هرقل عن المدينة معكم. على أن الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه عرف حق هؤلاء العرب النصارى وكافأهم على حسن صنيعهم ونصرتهم للمسلمين وعاملهم بكل رفق ومواساة. من ذلك أن الوليد بن عقبة أبى أن يقبل من تغلب إلا الإسلام فكتب إليه عمر بأن يتركهم وما يدينون به. وكان في تغلب عزّ وامتناع، وقد همّ بهم الوليد فخاف عمر أن يسطو عليهم فعزله وأمرّ عليهم فرات بن حيان. ولما همّ قواد المسلمين أن يضعوا الجزية على أهل الذمة- وفيهم جماعة من تغلب وإياد والنمر وهم نصارى- أبى هؤلاء الجزية. وبلغ عمر ذلك فاستشار أصحابه فقال له بعضهم: إنهم عرب يأنفون من الجزية. فوافق ذلك ما في نفسه، ففرض عليهم الصدقة كما تفرض على المسلمين. هذه هي الرابطة القومية العربية وهذه حرمتها ورعايتها بين العرب في جاهليتهم وإسلاميتهم. رابطة الجوار: وأما رعايتهم حرمة الجوار ومحافظتهم على حقوق الجار مهما جار، فإن الرجل من العرب كان قبل الإسلام متى قبل جوار إنسان وجب عليه حميّة أن يجيره من عدوه ولو ضحّى عنه نفسه، وأن يفديه ولو بروحه ويقوم بحمايته من أعدائه مهما كانوا، ويصونه من كل غائلة ويسعفه بكل طلب. وحسبنا شاهدا على ما قلناه قصة الكلابي مع عمير ابن سلمّي. وخلاصتها أن رجلا من بني كلب كان جارا لعمير، وكان لعمير أخ اسمه «قرين» بغى على الكلابي فقتله، فجاء أخو الكلابي واستجار بقبر أبي عمير وطلب من عمير أن يقتصّ من أخيه قرين، فاجتهد عمير هو وقبيلته بالكلابي أن يقبل دية أخيه جميع ما تملكه القبيلة ويعفو عن قتل قرين، فلم يفعل، فقتل عمير أخاه قرينا بالكلابي وأنشد: قتلنا أخانا للوفاء بجارنا ... وكان أبونا قد تجير مقابره الجزء: 3 ¦ الصفحة: 295 وأنشدت أم قرين: تعدّ معاذرا لا عذر فيها ... ومن يقتل أخاه فقد ألاما هذا حال الجار عند العرب الجاهلية وهذه هي حرمة الجوار ورعايته فيما بينهم. ولما جاء الإسلام بقي الجوار محترما عند المسلمين، وأرشد النبي إلى احترامه بقوله: «ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورّثه» . وقد قدمنا في الجزء الأول من هذا الكتاب «نبذة من حقوق الجوار» فراجعها تجد فيها ما يقنعك بأن الجوار عند المسلمين لا يقل احترامه عما كان عند العرب قبل إسلاميتهم. رجعنا إلى سرد الحوادث: وفي سنة 1268 ولي حلب عثمان نوري باشا. النفير العام: وفي سنة 1269 كان النفير العام في البلاد العثمانية لمحاربة المسكوب (الروس) . فخرج من حلب خمسمائة متطوع، وكان قائدهم علي بك بن سعيد أفندي شريف. ومن جملة المتطوعين المرحوم الشيخ علي بن محمد النيرباني، الشهير بابن ناصر آغا. وهذه الحرب هي المعروفة بحرب القريم، كانت الغلبة فيها للدولة العثمانية بمساعدة حليفتيها فرانسة وإنكلترا. وقد عاد المتطوعون بعد ستة أشهر ولم ينقص منهم غير القليل وكان من أعظم المشوقين إلى المتطوعين الحلبيين والدي كما أخبرني بذلك تلميذه الشيخ علي المومأ إليه. وفي هذه السنة (1269) ولي حلب سليمان رأفت باشا بن مصطفى آغا، وكان لطيفا ظريفا محبا للعلماء والأدباء، ومدحه والدي بقصيدة أجازه عليها توجيه وظيفة التحديث عليه في أموي حلب. وصول السكاير إلى حلب: وفي سنة 1270 وصل إلى حلب استعمال التبغ باللفافات المعروفة بالسكاير، فأنكر الناس التدخين بها أولا ثم ألفها أكثرهم وهجروا التدخين بالقصبات المعروفة بالغليون. وكانوا قبل ذلك يتغالون بالغلايين، والأكابر منهم يتخذونها من عود الياسمين، وربما بلغ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 296 طولها ثلاثة أذرع أو أكثر وكان الأغنياء وأولو الوجاهة من الناس يجعلون في فم القصبة حلمة عظيمة قد تكون قدر بيضة الحمام من الكهرباء يسمونها (أمزك) أو (طقم) وربما تبلغ قيمة البعض منها ألف قرش وزيادة، لأنها قد يكون بين قطعها خواتم مرصعة بالألماس والأحجار الكريمة، وكان لصنعة قصبات التدخين في حلب عدة حوانيت، واشتهر بهذه الصنعة عدة بيوت يعرف أحدها ببيت الجبوقجي، كما أن البوادق- التي يحرق فيها التبغ المدخّن بالغليون- كان لها عدة حوانيت يعرف أصحابها بالبوادقجية وهم يعملونها من الطين، ولأهلها براعة في عملها. وقد أشرنا إلى هاتين الحرفتين في الكلام على صنائع حلب من الجزء الأول من هذا الكتاب. وفي سنة 1271 ولي حلب إسماعيل رحمي باشا. ظهور بقلة الطماطم في حلب: في هذه السنة ظهر في حلب بقل عرف باسم (باذنجان أفرنجي) أو باسم (بنادورة) أحضر بزره من مصر أحد التجار وزرع في حلب فأنجب وأخصب، غير أن الحلبيين لم يألفوا أكله في أوائل ظهوره بل كان بعضهم ينفر منه، حتى إن بعض البسطاء كان إذا رآه أو ذكر في حضوره ينطق بالشهادتين توهما منه أنه من الخضر المحرّمة التي اخترعها الفرنج. وكان النادر من الناس إذا رضي بأكله يقتصر على الأخضر مطبوخا ويتحامى الناضج الأحمر منه زاعما أن هذا (وخم) مضرّ يسبب الأمراض. ثم على تمادي الأيام ألف للناس أكله وصاروا يتحامون الأخضر منه ولا يستعملونه إلا مخلّلا، وأقبلوا على استعمال الأحمر الناضج إقبالا زائدا حتى صاروا يعملون من عصيره دبسا يدخرونه للشتاء لتطبيب أطعمتهم التي لا تلذ في أذواقهم إلا بعد أن يضاف إليها شيء منه. وفي سنة 1272 ولي حلب حمدي باشا فبقي فيها مدة وكثرت شكوى الناس منه، فندبت الدولة لفحص أحواله رجلا يقال له أمين أفندي محاسبه جي، فحضر إلى حلب وفحص أحواله فثبت لديه ظلمه وتجاوزه على أموال الدولة. فأنهى بعزله، فعزل وولى حلب مصطفى باشا الأشقودري. وفي سنة 1274 وليها الحاج محمد كامل باشا. وفي سنة 1275 وليها محمد رشيد باشا. وفي شتاء هذه السنة أثلجت السماء في حلب وضواحيها أربعين يوما، فخربت عدة بيوت ومات ما لا يحصى من الأغنام وتعطلت الطرق. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 297 قطع الماء عن قسطل الرمضانية: وفي هذه السنة 1275 حكم بسدّ ثقوب مجرى برد بك إلى قسطل الرمضانية، وصدر بذلك حجة شرعية محررة صورتها في سجل المحكمة الشرعية المحرر على ظهره: «من سنة 1273 إلى 1275» . وفي سنة 1276 هـ ولي حلب إسماعيل باشا. ثم في سنة 1377 وليها عصمت باشا الشهير بدالي عصمت، وكان الناس يهابونه حتى الأجانب. وفي سنة 1278 وفد من الشرق جراد كثير واستمر يعيث ويفسد في حلب وبلادها إلى سنة ست وثمانين. تمديد السلك التلغرافي: في هذه السنة (1278) أو التي قبلها صار الشروع بتمديد السلك البرقي في حلب وبعض ملحقاتها. وكان البسطاء من الناس إذا قيل لهم إنه ينقل الأخبار من بلد إلى أخرى مهما كانت بعيدة بلحظة- كطرفة عين- ينكروا ذلك ويقولوا «1» : لا شك أن الذي ينقل هذا الخبر شيطان مارد منبث في التيّل «2» . وفي سنة 1279 ولي حلب ثريّى باشا. بناء دور في جبل الغزالات: وفيها أنشأ الوالي في قمة جبل الغزالات دارا ذات غرف كثيرة، وتبعه المرحوم الشيخ محمد بهاء الدين أفندي الرفاعي- مفتي حلب- فأنشأ في ذيل الجبل قصرا، وذو الكفل بك دفتردار الولاية فأنشأ في جواره دارا عظيمة. لم تزل أطلال هذه المنازل باقية حتى الآن. وصول استعمال زيت البترول إلى حلب: وفي سنة 1280 وصل إلى حلب استعمال زيت البترول- المعروف بالكاز- في المصابيح المعروفة باللّنبات واحدها (لنبة) . وقد تحامى الناس استعماله في أول ظهوره زاعمين أن ريحه يؤذي الصدر، وأن سطوع نوره يضر البصر، وكان من يستعمله من الجزء: 3 ¦ الصفحة: 298 الناس يقتصد بصرفه جدا بحيث كان ملء (اللّنبة) منه يسهر عليها عدة ليال إلى منتصف الليل. وهو معذور بذلك فإن ضوء هذا المصباح مهما كان ضعيفا فهو أسطع بكثير من ضوء السراج والقنديل والشمع وغيرهما من الظروف التي يكون الاستصباح بها بواسطة زيت الزيتون. ولا شك أنه أقل ضررا من هذه الظروف التي ينبعث منها العثان والسّخام فيضرا بالصحة ويسوّدا المنزل وأثاثه ويضعفا «1» البصر وقد ظهرت للناس فوائد الكاز بعد مدة قليلة فعم استعماله وبطل استعمال جميع ظروف الاستصباح وتركت في زوايا الاهمال حتى أصبحت نسيا منسيا. وفي هذه السنة (1280) حدث في حلب غلاء شديد وبرد قارس أدهش العقول. وفي سنة 1281 ولي قضاء حلب قاض عرف عند الناس باسم (أبي دية) لأن يده مقطوعة من مفصل ذراعها. وكان ظالما منهمكا بالمعاصي متجاهرا بتناول الرشوة. وفي 24 جمادى الأولى من هذه السنة أبرقت السماء وأرعدت ثم قذفت بردا كبارا واحدته في حجم البيضة أو أكبر، واستمر نحو 15 دقيقة فهلك به ألوف من الطير وانكسر للناس من زجاج نوافذ البيوت ما قيمته خمسمائة ألف قرش، وكان من غريب أمره أنه لم يتجاوز مدينة حلب. تشكيل لواء الزور: وفي ابتداء فصل الربيع من هذه السنة توجه الوالي ثريّى باشا ومعه شرذمة من العساكر لردع الأعراب المتمردين على الدولة في جهة الزور، فأخضعهم وأجرى عليهم قوانين الدولة وعيّن عليهم قائم مقام وشكّل مصرفيّة الزور بالدير الحمراء، ورجع إلى حلب. وفي أواخر هذه السنة كثر تعسف القاضي أبي دية وضجر منه الناس، ورفعوا بسوء حاله محضرا إلى الدولة، فعزلته وولت مكانه عثمان أفندي وكان غاية بالصلاح. وفي سنة 1282 وفي المحرّم عاد الحاجّ من الحجاز، وأخبروا أنه مات هناك بالهواء الأصفر نحو مئة ألف نسمة. وكان ابتداؤه في تلك البلاد يوم عيد الأضحى. ثم في هذه السنة وصل هذا المرض إلى حلب وكان معظم سطوته في ربيع الأول، وبلغت وفياته اليومية ثلاثمائة نسمة، وقد أصبت به ونجوت، وأصيبت والدتي فتوفيت. وكان الناس يدورون في الأزقّة ليلا ويستغيثون الجزء: 3 ¦ الصفحة: 299 بالله ويخرج بعض القراء إلى المآذن ويقرءون سورة الدخان. وفي سنة 1283 شكلت ولاية حلب وفيها حرّرت نفوس ولايتها. وفيها وليها جودت باشا صاحب التاريخ المشهور. وفي محرّم سنة 1284 صدرت الإرادة بتخفيض البدل العسكري إلى 80 ذهبا عثمانيا وكان مئة ذهب. وفيه قسمت الحكومة محلات حلب إلى اثنتي عشرة منطقة سمّت كل واحدة منها قولا ألفت له مجلسا من مختاريه واختياريته. صدور جريدة الفرات: في محرّم هذه السنة (1284) صدرت صحيفة الفرات الرسمية الأسبوعية باللغتين التركية والعربية. وهي أول جريدة صدرت في مدينة حلب. ثم صدر العدد الخمسون منها باللغات الثلاث التركية والعربية والأرمنية. ثم صدر العدد ال 101 باللغتين التركية والعربية فقط. وكان في بعض الآنات «1» يصدر لها ملحق تحت عنوان «علاوه فرات» أو «غدير الفرات» . أسس هذه الصحيفة مكتوبيّ الولاية حالت بك، وهو الذي تولى تحريرها. واستمرت هذه الوظيفة تناط بمكتوبي الولاية يتناولون راتبهم الشهري عليها من ريع المطبعة. وأول مترجم لها من التركية إلى العربية (أحمد حمدي أفندي ابن محمد بن عبد المعطي زوين الحلبي) وكان أديبا شاعرا. وفي سنة (1290) هاجر إلى الحجاز. وتولى ترجمة الجريدة بعده (عبد القادر أفندي ابن تقي الدين أفندي) الذي تولى بعد الكتابة الثانية عند السلطان عبد الحميد خان الثاني. ثم تولى الترجمة بعده فقيد الوطن السيد الفاضل عبد الرحمن أفندي الكواكبي. ثم في حدود 1300 أنيطت هذه الوظيفة بي وبقيت في عهدتي نحو عشرين سنة، استقلت منها في خلالها عدة مرات، وكنت أعود إليها بطلب من المكتوبية سنة، استقلت منها في خلالها عدة مرات، وكنت أعود إليها بطلب من المكتوبية وإلحاحهم. وفي حدود سنة 1324 وكلت بها العالم الشيخ محمد خير الدين أفندي الحنيفي، فبقي قائما بها إلى أن ألغيت في أيام النفير العام سنة 1334 وآخر ما صدر منها العدد ال (2420) ثم صدر بعدها عوضا عنها جريدة عنوانها (حلب) وهي تصدر الآن باللغة العربية فقط، يتولى تحريرها الأديب الفاضل السيد محمد منير المدوّر البيروتي، وهو الجزء: 3 ¦ الصفحة: 300 مدير مطبعتها أيضا. وقد دخلت غلّتها إلى مالية الدولة وصار مستخدموها يتناولون رواتبهم من صندوق المال العام بعد أن كانوا يتناولونها من صندوق المطبعة الخاص. سالنامة الولاية: كلمة سالنامة فارسية مركبة من كلمتين (سال) سنة و (نامه) ورقة. وقد تطلق على كتاب يصدر في آخر كل سنة يشتمل على إحصائيات الولاية المالية وغيرها، وعلى أسماء موظفيها وعلى بعض شؤون تاريخية سياسية ومدنية قديمة وحديثة تتعلق بمركز الولاية وبعض أعمالها، وعلى جغرافية الولاية وما فيها من الجبال والغابات والمعادن والبحيرات، وعلى غير ذلك من المسائل والمقاصد التي تفيد الراغب بالاطلاع على أحوال الولاية فائدة إجمالية لا يستغنى عنها. وقد دعيت في أول صدورها باسم (فهرست السنة) . ولعل تسميتها (سنوية الولاية) يكون موافقا. أول من أصدر هذا الكتاب في حلب حالت بك المكتوبي في هذه السنة (1284) وقد صدر المرة الأولى صغيرا وطبع على مطبعة الحجر وما زال يتّسع حجمه وتزاد مسائله إلى حدود سنة 1300 وإذ ذاك أنيط تحرير صحيفة الفرات بعارفي بك، أحد موظفي قلم المكتوبي الذي صار بعد رئيس الكتاب في مجلس إدارة الولاية. فاجتهد المومأ إليه بتوسيع السالنامة وتوفير أبحاثها، وطلب مني مساعدته على ذلك، وكنت وليت ترجمة صحيفة الفرات فبذلت جهدي في مساعدته وقدمت له عدة كتب تاريخية لاستخراج ما فيها من المسائل التي لها علاقة بحلب، فتوفرت فوائد السالنامة وعظم حجمها وصارت تصدر كل سنة مطبوعة بالحرف. ثم في سنة 1304 تحوّل عارفي بك إلى جدّة قائم مقام عليها. وبقيت السالنامة تصدر تارة بترتيب مكتوبي الولاية وأخرى بترتيب صديقنا المحترم السيد أسعد بن ناجي أفندي إمام زاده، الشهير بالعينتابي، وكان قائما بوظيفة مديرية أوراق الولاية، وكان يحرر صحيفة الفرات في أكثر الآنات «1» بالنيابة عن المكتوبي. وفي أيام قيامه بترتيب السالنامة صححت منها جدول عمال حلب وكفّالها وولاتها بطلب منه، وكان فيه أغلاط كثيرة. على أنه لم يزل يوجد فيه أغلاط أحدثتها أيدي عملة المطبعة، ولم تزل السالنامة تصدر الجزء: 3 ¦ الصفحة: 301 إلى سنة 1326 وفي هذا التاريخ قلّت مداخيل المطبعة وعجزت عن النفقات المقتضية للسالنامة فأهملت وما زالت مهملة حتى الآن. عارفي بك هذا أول من قال في السالنامة: إن نهر قويق سمي باسم قويق آغا الذي جرّه من منبعه إلى حلب. وقد آخذته بهذه الغلطة وشافهته بها حين مرّ من حلب متوجها إلى مرعش متصرفا في لوائها وقلت له: إن كلمة قويق محرفة عن قواق التي يطلقها الأتراك على شجر الحور، وإن هذا النهر سمي بنهر قويق لما يزرع عليه من هذا الشجر حتى إنه ليوجد في نفس مدينة عينتاب منتزه يعرف باسم (قواقلق) أي مزرعة الحور. فأقرّ رحمه الله بغلطه وصوّب رأيي فيما رأيته بهذه الكلمة. غرائب الخلق: في هذه السنة (1284) ولد في أنطاكية مولود برأسين، أحدهما بشعر وأذن وأنف وفم، والآخر بعين واحدة فقط. وقد ولد حيّا ومات بعد دقائق. وفيها اهتمت الحكومة بجمع بزر الجراد من أطراف الولاية فجمعت منه نحو عشرين ألف شنبل، الشنبل وزن خمسين أقة. وقد وزعت على كل فرد مقدارا معلوما من البزر، وفتح لشرائه من التجار مسواق، فاشتغل الفقير وربح التاجر وخفّ الضرر في تلك السنة. الشروع بفتح طريق إسكندرونة: وفيها كان الشروع بتعبيد طريق إسكندرونة وقد فرض على كل ذكر بالغ عمل أربعة أيام إما بنفسه وإما ببدل نقدي عن كل يوم عشرة قروش. وكان ابتداء العمل به في اليوم الثاني عشر ربيع الأول تبركا وتيمنا. وحضر وقت الابتداء به عدة من أشياخ حلب وعلمائها وصلحائها ومن جملتهم العالم الكبير الشيخ أحمد الترمانيني، وهو أول من أعطى عن نفسه البدل النقدي أربعين قرشا فاستبشر الناس بنجاح المشروع فيه وتفاءلوا خيرا. وفي هيار هذه السنة اختنق تسعة حجارين من الملة المسيحية في مغارة البختي خارج حلب إلى شماليها وذلك أن المذكورين التجئوا من المطر إلى المغارة المذكورة فلم يشعروا إلا وقد كبسهم السيل فاختنقوا عن آخرهم. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 302 وفي ليلة الجمعة سابع وعشرين صفر منها المصادف حزيران الرومي تغير الجو في قصبة ريحا وبرد الهواء بردا شديدا لم يعهد مثله في الشتاء الشديد حتى اضطر الناس للتدثر بالملابس الشتوية وإيقاد النار في بيوتهم وفيها صدرت إرادة سنية بمنع زرع التبغ المعروف بالتوتن. وفيها كان إخضاع الأعراب المتمردين على الدولة في صحراء حلب بعد مقاومة شديدة وكثرة القتل والأسر في رؤسائهم. وقد أخذت منهم قرعة شرعية واستفلحوا وعانوا الزرع والفلح. وفي ربيعها الثاني زينت البلدة زينة حافلة فرحا بعود المرحوم السلطان عبد العزيز خان من سياحته في أوروبا إلى العاصمة. حريق أسواق حلب: وفي الساعة السادسة من ليلة الأحد ثالث جمادى الأولى، المصادف الليلة الحادية والعشرين من آب سنة 1287 رومية، شبّت النار من دكان في وسط سوق الصاغة ولم يدركها رجال الدرك إلا وقد سرت إلى ما جاورها، ثم انتقلت إلى الأسواق المتصلة بذلك السوق فاستعرت والتهبت وانفتحت منها أبواب جهنم، وأخذ الناس يفرّغون حوانيتهم إلى الجامع الكبير حتى صار فيه تلال من الأرزاق ومنهم من لم يتمكن من تخليص رزقه. وكان الدخان يعلو في الجو طبقات متراكما بعضه فوق بعض، أسود حالكا كأنه قطع السحاب المكفهرّ، وقد ارتفع من أسفله مارج النار يتلظى كالطّود العظيم الذي يسمع منه دوي وفرقعة تقشعر منها النفوس. ولم تزل هذه النار الحاطمة في اضطرام وهيجان حتى أتت على سوق الصيّاغين والبزازين المعروف بسوق البالستان، مع جميع تشعباته وزواياه وخلاياه، وسوق العقّادين وسوق الطرابيشية وسوق القوّافين، وبعض سوق استانبول الكائن وراء شرقية الجامع الكبير. وقد أحصي ما احترق من الحوانيت والدكاكين فكانت 323 دكانا وحرر ما احترق من الأموال المنقولة تقريبا فكان يساوي ما قيمته عشرة آلاف كيس (الكيس خمسمائة قرش) . ومن لطف الباري تعالى على عباده أن النار لم تصل إلى سوق العطارين، مع أنها لم يبق بينها وبينه إلا مسافة بضعة أذرع. ورأيت عند بني المركوبلي مكتوبا مذيلا بنحو مائتي توقيع من تجار الملل الثلاثة في حلب يتضمن عبارات الشكر من الخواجه نقولا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 303 المركوبلي على ما أبداه من الرأي والإشارة إلى هدم زابوقي «1» سوق الذراع وسوق الباطية لقطع الطريق على النار منعا لها من الوصول إلى سوق العطارين، فإنها لو اتصلت به لانعدمت حلب حرقا وهدما، لما اشتمل عليه هذا السوق من أنواع البضائع الملتهبة كالبارود والنفط والسّندروس «2» والزفت والقير وغير ذلك، بحيث كان فيه من هذه البضائع قناطير مقنطرة. وقد اختلف الناس في أسباب هذا الحريق العظيم: فمنهم من قال إنه مفتعل من الحكومة بقصد التمكن بعده من توسيع هذه الأسواق لأنها كانت غاية في الضيق. ومنهم من زعم أن السبب نار تركها بعض الصاغة في كانونه، فطارت منها شرارة على مفرش فيها وعلقت «3» . والله أعلم بحقيقة الحال. وفي الساعة السابعة والدقيقة العاشرة من الليلة الخامسة عشرة من جمادى الأولى ابتدأ القمر بالخسوف وكمل انجلاؤه في الساعة العاشرة والدقيقة العاشرة. وفي هذه السنة كان تشكيل كثير من أقضية حلب وألويتها. ميت عاش: في رمضان هذه السنة توفي لرجل يقال له الشيخ محمد- من سكان محلة مستدام بك في حلب- ولد صغير عمره ثمانية أعوام، فجهز وحمل إلى المقبرة، وبينما الحمالون سائرون به لم يشعروا إلا وقد تحرك وأخذ بالبكاء. فرجعوا به إلى بيت أبيه وعاودته الصحة. وفيها كان الشتاء شديدا والمطر غزيرا، ولا سيما في شباط، فقد طغت فيه الأنهار وضجر الناس من كثرة المطر والثلج والجليد والبرد القارس. وفي أواخر محرّم سنة 1285 وصل إلى حلب واليا عليها ناشد باشا. وفي اليوم الرابع عشر صفر خرج الوالي مع الهيئة المرتبة لترميم القناة وكاشفوا أحوالها ورتبوا عملها. وقد تكلمنا على ما كان منه في قناة حلب عند الكلام عليها في الجزء الأول فراجعه. وفيها صدرت إرادة سنية بجواز زرع التبغ بشرط أن يأخذ الزرّاع رخصة من إدارة الرسومات. وفيها أمر الوالي بتوسيع حجرة الميقاتي بإضافة حجرة أخرى إليها على باب الجزء: 3 ¦ الصفحة: 304 الجامع من جهة سوق الطيبية، وأمر بجلب ساعة كبيرة توضع فيها. وفي جمادى الأولى أمر الوالي بتبديل سقوف أسواق حلب بالسقوف المعروفة بالجملون، وكانت قبلا من الحصر المنسوجة من البردي والقصب، كثيرة الاستعداد للالتهاب. فشرعوا بذلك مبتدئين من باب النصر. وفي هذا الشهر كان تعديل الأوزان ورسمها بطابع البلدية. وفيه كان افتتاح دار الإصلاح المعروفة باسم إصلاحخانة. سفر الوالي إلى طريق إسكندرونة وما أجراه من الإصلاح: وفي أواخر جمادى الثانية سافر الوالي لمشارفة طريق إسكندرونة. وفي التاسع والعشرين منه ورد منه إلى وكيله حسني باشا الفريق العسكري محرّرات، مثالها أن الطريق المذكور تبلغ مسافته 32 ساعة، وفيه عدة محلات تحتاج إلى جسور وخنادق، ومنها عفرين فإنه محتاج إلى جسر يعسر بناؤه. قال: ولذا عوّلنا على سلوك طريق آخر هو بالجانب الفوقاني من ذلك الطريق في مسافة 22 ساعة، ويكون تمديده من جهة قلعة الكوبة لي، وبسلوكه تقرب المسافة عشر ساعات ويكتفى بجسر جزئي على عفرين، ثم قال: ووجدت الجبل الكائن فوق خان العسل المتوسط بين عدة قرايا كالأثارب وإبزمو وتلعدة، على مسافة سبع ساعات من حلب، خاليا من الشجر، فحملنا أهل تلك القرى على غرسه بشجر التين والعنب والزيتون وأخذنا منهم كفلاء على ذلك. ووجدت إدارة الريحانية غير منظمة لخلوها عن مركز حكومة واستبداد أغواتها، فعزمنا على بناء مركز للحكومة في تلك الجهة ورفعنا عنها سلطة أغواتها وفرقنا أراضيها المملوكة لهم بحق عن غيرها، ومكنت الفقراء من العمل فيها. وفي هذه السنة فرش مقدار كبير من أزقة حلب بالبلاط على نسق الجملون. وهذه أول مرة فرش فيها البلاط على هذه الصفة. وفي اليوم الثاني عشر من شعبان رجع الوالي إلى حلب. وفي شوالها بدأ الوالي أن يجعل «1» بعض الخرائب الكائنة تجاه باب القلعة منتزها عاما وأناط إجراء ذلك بحسني باشا. فغرست الأشجار وحوّط بدائر، وحفر لسقايته دولاب في شرقي باب القلعة على غلوة منه فلم يمض سنة إلا وتعطّل وأهمل وعاد كما كان. وفي الجزء: 3 ¦ الصفحة: 305 الساعة التاسعة من الليلة الخامسة عشرة ذي «1» الحجة هطلت السماء في مرعش بالأمطار الغزيرة وأعقبها زلزال انهدم به هناك منزلان. تولي الحكومة بريد إسكندرونة: وفي اليوم الرابع عشر ذي القعدة أنيط البريد- الذي كان يتردد من حلب إلى إسكندرونة- بالحكومة العثمانية. وكان قبلا يسافر عن يد قنصل فرنسة المقيم في حلب. وفي ذي الحجة قصدت جماعة البغّالة- من الفرقة النظامية- الأعراب بسبب كثرة فسادهم، وأوقعت بعشيرة المهيد وهريب والشميلات والعجاجرة والسباعة. وكانت الوقعة في مفاوز الزور فانخذل الأعراب، واستولى العسكر على نحو عشرين ألف رأس غنم ومئة وخمسين جملا، وأتوا بها إلى حلب. وفي يوم الاثنين ثاني عشر ربيع الأول سنة 1386 سافر الوالي إلى جهة المعرة التي ألحقت في تلك الأيام بولاية حلب، فرتّب أمورها وكاشف قراها، وكانت قبلا ملحقة بولاية دمشق مضافة إلى حماة. وفي الساعة التاسعة من ليلة الاثنين، غرّة شوال المصادف اليوم الحادي والعشرين من كانون الأول سنة 1285 رومية حصل زلزلة بحلب مرتين من الشمال إلى الجنوب، فانهدم بها بعض جدران في ظاهر حلب مشرفة على الخراب، ولم يحدث منها ضرر غير ذلك. وفي هذه السنة ولي حلب درويش باشا. ابتداء العمل في محلة العزيزية: وفيها كان ابتداء تأسيس الأبنية في حارة العزيزية على جبل النهر. وسببها أنه لما فتحت دار الإصلاح المتقدم ذكرها أرادت الحكومة أن تجعل لها جهة دخل تقوم بالنفقات التي صرفت عليها، فباعت جبل النهر لجماعة من المسيحيين، وعمروه محلة لهم على نسق جديد من الأبنية وسعة الشوارع. وفي هذه السنة كان الجدب مستوليا على حلب وبرّها بحيث لم ينبت فيها حبّة ولا نزل من السماء قطرة، واشتد الغلاء حتى بيع رطل الخبز بتسعة قروش ونصف القرش، بدل قرش وربع القرش. واستمر هذا الحال إلى دخول سنة 1287. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 306 زلزلة أنطاكية: في آذار الرومي هذه السنة (1287) في ضحوة يوم من أيامه زلزلت حلب زلزلة قوية بحيث أيقظت من كان نائما وسقط بها بعض شرفات من سور القلعة وعدة جدران متوهنة. ولم يمض غير بضع ساعات حتى ورد من أنطاكية للوالي تلغراف يفيد أنه في الوقت المذكور حدث هناك زلزال قوي أتى على جميع أبنية أنطاكية، بحيث لم يبق منها إلا القليل النادر، فانهدمت البيوت والجوامع والخانات وبعض الحمّامات، ومات تحت الردم خلق كثير، والأحياء كلهم خرجوا على وجوههم إلى الصحراء ليس عندهم قوت ولا خيمة يأوون إليها مسلمين أنفسهم لحر الشمس وبرد الليل. ثم أخذ يتوارد من التجار وغيرهم المقيمين في أنطاكية تلغرافات، مثالها ما ذكر. فشاع الخبر عند الحلبيين فضجوا واضطربوا، وخرج كثير منهم إلى البساتين والبرية، فمنهم من ضرب خياما وأقام تحتها هو وأهله وولده، ومنهم من باشر عمل بيوت من الخشب ليقيم بها كذلك. ثم بعد ليلة أو ليلتين في أواسط الليل اهتزت الأرض مرة ثانية هزة خفيفة لم يحدث منها ضرر. وهكذا استمر الحال في كل بضع ليال تهتزّ هزة خفيفة دون أن يحصل منها ضرر. وكانت في أنطاكية كلما اهتزت أضرّت، حتى بقي أهلها في أسوأ حالة. وأخذت الحكومة تتدارك لهم الإعانة من القوت والخيم وأرسلت ذلك إليهم، إلى أن فرّج الله عن عباده، ودخل شهر نيسان وانقطع الزلزال واطمأن الناس ورجع أكثرهم إلى منازلهم وباشر أهل أنطاكية تعمير بيوتهم. وفي سنة 1288 ولي حلب ثريّى باشا ثانية. ثم في سنة 1289 وليها الحاج علي باشا، ثم سامح باشا. وفي سنة 1290 وليها كورد أحمد باشا. وفي سنة 1291 وليها رشدي باشا الشرواني، الصدر الأسبق، فلم يلبث غير تسعة أيام واليا وصرف عنها إلى ولاية الحجاز، وصحبني معه إماما. وولي حلب مكانه محمد رشيد باشا ثانية وكان وليها سنة 1275 وفي سنة 1292 وليها سامح باشا ثانية، ثم أسعد مخلص باشا. انقضاض صاعقة: وفي نيسان الرومي من هذه السنة انقضت صاعقة في محلة البياضة فقطّت «1» نحو الجزء: 3 ¦ الصفحة: 307 النصف من منارة جامع الحموي، وكأنما انفصل منها شظيّة فصدمت جدار قبلية الجامع المذكور من أعلاه، فغاصت به وثقبته ثقبا منتظما، وخرجت من نجف الشباك وأصابت رجلا يصلي المغرب فقتلته دون أن يبقى لها أثر به، وأصابت رجلا في رجله فلم يمت لكنه بقي في رجله أثر كأنه كي نار. وكانت المنارة قد سقطت على سّواس مارا «1» من تحت القلعة فقتلته أيضا. وفي سنة 1293 ولي حلب أمين باشا وفيها حصل بحلب هيضة «2» ابتدأت من شعبان واستمرت إلى أواخر شوال وبلغت وفياتها اليومية مئة وخمسين نسمة. وفي 27 ربيع الأول من هذه السنة خلع السلطان عبد العزيز وجلس مكانه السلطان مراد خان، فبقي سلطانا ثلاثة أشهر وثلاثة أيام، ثم خلع وجلس بدله على عرش السلطنة السلطان عبد الحميد خان الثاني. وفي محرّم سنة 1394 رفعت رتبة كامل باشا إلى الوزارة وعين واليا على قوصوه. وقبل أن يسافر إليها حوّل إلى ولاية حلب، فقدم عليها في اليوم ال 14 صفر واستقام بها سنتين وشهرا. ذكر ذلك في ترجمة حاله وغلط في السالنامة إذ ذكر ولايته سنة 1295 وقد اختارني إماما له في صلاة التراويح. صدور جريدة في حلب: وفيها صدر في حلب جريدة عربية عنوانها «الشهباء» لصاحب امتيازها السريّ الماجد الحاج هاشم العطار المعروف أيضا بالخراط. وقد تولى تحريرها الكاتب البارع المرحوم عبد الرحمن أفندي الكواكبي بمساعدة جماعة من أدباء حلب. غير أن الجريدة ما لبثت سوى أيام قلائل حتى أمر بإبطالها والي حلب كامل باشا المعروف بكراهية صحف الأخبار. النفير العام: في هذه السنة 1294 أعلنت الدولة العثمانية في بلادها النفير العام لمحاربة روسيا. فحشدت العساكر من جميع بلادها، ومن جملتها حلب التي جندت منها عددا عظيما حتى كادت تخلو من الشبيبة. ولذا أصبحت الحكومة تخشى من قيام الغوغاء للنهب والسلب، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 308 فجعل كامل باشا شيخنا محمد آغا المكانسي كمتسلّم لحلب لأجل حفظها، فجمع محمد آغا عصابة من شبيبة محلة باب النيرب وجعل يطوف بهم ليلا في شوارع حلب ومحلاتها إلى أن انتهت الحرب، وعاد المتجندون إلى أوطانهم ولم يحصل في حلب ما يخل بالسلام. شتاء شديد: في سنة 1295 كان الشتاء شديدا وتوالى سقوط الثلج على حلب وأكثر أعمالها نحوا من أربعين يوما، حتى هجمت الظباء والذئاب على العمران وانقطعت الطرق والمواصلات ومات في البر عدة أوادم وهلك ألوف من الغنم والمواشي. تشكيل عدلية حلب: وفي هذه السنة (1295) شكلت عدلية حلب. وقد أسلفنا ذكر (محكمة البداية) في الجزء الأول من هذا الكتاب. وفي سنة 1296 ولي حلب غالب باشا ثم سعيد باشا. غلاء شديد: وفيها ارتفع سعر الحبّ في تشرين الأول، واستمر إلى حزيران، واشتد الغلاء وبيع رطل الخبز باثني عشر قرشا بدل قرش ونصف، وارتفع سعر بقية المأكولات على هذه النسبة كالرز والعدس والبرغل واللحم، فاضطرب الفقراء وثاروا في أحد الأيام، ومشى منهم جمهور إلى السوق الكبير المعروف باسم (المدينة) وأخذوا يتخطفون المأكولات من سوق العطارين، وبعض البضائع من بقية الأسواق، فأسرع الناس إلى إغلاق حوانيتهم وخيف من حدوث ثورة عامة. وكان الفريق على الجندية جميل باشا ابن نامق باشا، فنزل من الثكنة العسكرية مع ثلّة من الجنود وهددوا الثوار فارتاعوا وسكنت الثائرة. وهذا أول عمل اشتهر به جميل باشا بين الحلبيّين فأحبوه ومالت نفوسهم إليه، وقدموا له محضرا عاما يتضمن طلبهم منه أن يكون واليا عليهم. وكان سعيد باشا يرى ولاية حلب دون مرتبته فكان قيامه بأمور الولاية قياما يصحبه سآمة وفتور. ثم لما علم بميل الناس إلى جميل باشا الفريق العسكري استقال من خدمته. وكان جميل باشا قد أرسل محضر أهل حلب- الناطق بطلبه واليا عليهم- إلى استانبول فقبله الباب العالي وجعله واليا على الجزء: 3 ¦ الصفحة: 309 حلب علاوة على وظيفته الفريقية العسكرية، فجمع بين الوظيفتين وكان ذلك في سنة 1297. صدور جريدة في حلب: في هذه السنة صدر في حلب جريدة عنوانها (الاعتدال) أحد وجهيها عربي والآخر تركي، لصاحب امتيازها السيد هاشم الخراط السالف الذكر. وقد تولى تحريرها المرحوم عبد الرحمن أفندي الكواكبي وسعيد بك ابن علي باشا شريف، أحد أدباء حلب فلم تلبث الصحيفة غير قليل حتى أمر جميل باشا بتعطيلها. حريق في مرعش: في ليلة الجمعة ثالث شوال سنة (1301) شبت النار من أحد أفران مدينة مرعش وسرت إلى ما جاوره، وكان الهواء شديدا فقوي استعارها ولم تخمد إلا بعد أن التهمت ألفا ومائتي دكان، وأربعين دارا وخمسة جوامع وحماما وخانين والرباط العسكري ودائرة البلدية وقدرت قيمة ما أتت عليه هذه النار بمائة وخمسين ألف ذهب عثماني. وقد تدارك أهل حلب جمع إعانة وافرة لإسعاف المنكوبين من أهل مرعش بهذا الحريق. سقوط نيزك من الجو: في يوم الخميس ثالث عشر ذي الحجة من هذه السنة 1301 المصادف الحادي والعشرين أيلول سنة 1300 رومية، في رادة «1» الساعة الثانية عشرة منه صباحا، سقط حجر من الجو على تل قريب من قرية قره دينك في بعد خمس ساعات عن عينتاب، وعند سقوطه كان الجو خاليا من الغيم بالكلية والهواء معتدلا. وقبله بنحو عشر دقائق سمع له دوي شديد كأنه رعد قاصف، ولما سقط غاص في الأرض نحو نصف ذراع فلما أرادوا إخراجه على أثر سقوطه لم يتمكنوا من القبض عليه لشدة حرارته، فلمسه بعضهم بثوبه فأحرقه. وهو حجر أسود صلب شديد شكله على هيئة السلحفاة، وثقله نحو ألف وثمانمائة درهم. وقد أرسل من عينتاب إلى حلب، وشاهدته ثم أرسل إلى استانبول. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 310 فتح الجادة العظيمة: وفي هذه السنة كان افتتاح الجادة العظيمة المعروفة بجادة باب الفرج بحلب. وكان في العزم أن يجعلوها مسامتة طريق العربية، مبتدئة من جسر الناعورة ثم تقطع بمرورها بستان الكلاب حتى تتصل بالخندق الكبير فتمتد مستقيمة إلى محلة العوينة، ومنها تنعطف حتى تنتهي إلى تجاه دار الحكومة. ثم إن هذا العزم لم يتيسر إنفاذه وفتحت الجادة المذكورة من جسر الناعورة إلى باب الفرج فقط. وفي ليلة الأربعاء ثالث عشر صفر سنة 1302 المصادف اليوم الحادي والثلاثين من تشرين الأول سنة 1300 رومية هطلت السماء بالأمطار الغزيرة وانكفأت كأفواه القرب في جهات الجوم، ثم حملت على جسر عفرين فهدمت منه قنطرتين، وكان السيل قد اقتلع ألوفا من الشجر وساقها، وهدم طاحونين عن آخرهما، وأغرق شخصين وبعض جمال. وفي هذه الليلة أيضا حمل نهر الذهب وأغرق شخصين ومقدارا عظيما من الحبوب والأمتعة. ودخل السيل طاحونا في قرية من أعمال منبج يقال لها «عرب حسن» فهدمه عن آخره بعد أن اختطف منه سبعين عدلا من الدقيق والحبوب. إنشاء جامع منبج: في هذه السنة كمل تعمير الجامع الحميدي في قصبة منبج وكانت نفقاته من الخزينة الخاصة بالسلطان عبد الحميد خان الثاني، وتوجه للحضور في حفلة افتتاحه والي الولاية ورؤساء الحكومة وإدارة الجفتلك السلطاني، فاجتمع هناك جمّ غفير من الأكابر والأعيان وسكان القرى المجاورة، وأحرقت الملاعب الناريّة، ودارت كؤوس المرطبات. وفي اليوم الخامس والعشرين رمضان المصادف لمثله من حزيران سنة 1301 وقع مطر خفيف وانتشر معه جراد كثير من الشمال إلى الشرق، وهذا الجراد لم يزل يتردد على حلب وبلادها إلى سنة 1308 وفي ليلة السبت 28 صفر سنة 1303 المصادف الثالث والعشرين تشرين الثاني سنة 1301 رومية في رادة الساعة الخامسة منها، سطع شيء في السماء كالكوكب المحترق، ثم أخذت الكواكب الصغار تتطاير ألوفا، ثم انعكس الهواء بغتة واشتد إيماض البرق وانكفأت السحب كأفواه القرب. وفي شهر ربيع الأول سبق رديف ولاية حلب إلى جهة الروملّي الشرقي وقدره أحد عشر طابورا. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 311 تقديم كتاب المجلة إلى القاضي: وفي اليوم 26 من هذا الشهر أهدى أعيان حلب من المسلمين والنصارى نسخة من كتاب مرآة المجلة إلى حسين توفيق أفندي، حاكم الشريعة الغراء في حلب، مكافأة له على عدله في أحكامه واستقامته وعفّته. وكان جلد هذه النسخة من المخمل الأحمر مزركشا بالقصب الذهبي، وفيه صورة قمر ونجمة مرصعة بالماس مكتوب تحتها بالزركشة هذه العبارة: «تهدى لحضرة الفقيه العلامة فضيلتلو حسين توفيق أفندي، حاكم الشريعة الغرّاء تذكرة من أهالي الشهباء لالتزامه جانب العدل والاستقامة في مدة مأموريته في حلب سنة 1303» . وفي ربيع الآخر من هذه السنة كانت حفلة افتتاح طريق إسكندرونة. وفي غرة جمادى الأولى ورد وسام الامتياز من رتبة مدالية إلى والي الولاية جميل باشا مكافأة له على إكمال تمهيد طريق الإسكندرونة، فجرت له حفلة عظيمة في ذلك اليوم. وفي اليوم الثامن والعشرين رجب المصادف اليوم السابع عشر نيسان سنة 1302 رومية وقع في جهة قلعة الروم مطر شديد وبرد كبار، حصل منه سيل أتى على اثنتي عشرة قرية فهدمها، وأهلك سبعين رأسا من البقر وخمسة خيول، ومئة وأربعين من الغنم والمعز، وهدم ثمانية طواحين. وفي شهر شعبان كان الشروع بتمهيد الطريق الكائن بين كلّز وطريق إسكندرونة وأوله من قرية قاطمة من أعمال كلّز. عزل جميل باشا من حلب وما يتعلق به: في يوم الثلاثاء ثالث وعشرين ذي الحجة سنة 1303 قدم إلى حلب صاحب بك رئيس دائرة المحاكمات في شورى الدولة، ومعه معاون مدعي العموم في تمييز شورى الدولة، وأحد كتاب محكمة تمييز الحقوق في دائرة العدلية. والسبب في قدومهم هو أن الوالي جميل باشا شدّد على جماعة من أغنياء حلب- ومن جملتهم آل الكتخدا- بطلب إعانة لتسديد بدل تحويلات الاستقراض الداخلي، فامتنعوا عن دفع المبلغ المطلوب منهم لأنه فوق ما طلب من أمثالهم، فتوصل بذلك لحبسهم وضيّق عليهم لغرض يقصده، فلم يفعلوا ورفعوا قصتهم إلى الباب العالي والسلطنة السنية، وورد الأمر بإطلاقهم فأطلقوا. ثم انضم إليهم عدة أفراد واسترحموا من الدولة أن تتكرم عليهم بإرسال حكم ينظر في أحوالهم مع الوالي، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 312 ويقف على حقيقة الظالم من المظلوم، فأجابت الدولة استرحامهم وصدرت إرادة سنية بإرسال «صاحب بك» ومن معه لأجل ما ذكر. ولما وصلوا إلى حلب أخذوا بتحقيق المسائل واستقصاء الأحوال، وأقبل المتظلمون عليهم يقدّمون إليهم اللوائح في ظلاماتهم إلى أن مضى عليهم شهران ولم يظهر أثر لفعلهم. قصد زيرون اغتيال الوالي: وفي يوم الثلاثاء سادس عشر صفر سنة 1304 وهو اليوم الحادي عشر تشرين الثاني سنة 1302 بينما كان الوالي متوجها من دار الحكومة إلى منزله في جنينة البلدية قرب العبارة، وذلك في الساعة الحادية عشرة ونصف مساء اليوم المذكور، إذ وثب عليه- وهو في ظاهر باب الفرج على بعد نحو مئة قدم منه- رجل يقال له زيرون جقماقيان المرعشي، وخاطبه بقوله: «قف كيف تتخلص مني؟» ثم أطلق عليه الرصاص من مسدس كان بيده فأخطأه، فأطلقه ثانية وثالثة فأخطأه أيضا. وكان قد هجم عليه ياور الوالي وجاويشيّته فقبضوا عليه وأرسلوه للسجن. وذكر بعض من كان حاضرا هذه الحادثة أن زيرون المذكور لم يطلق الرصاص على الوالي، إنما الوالي لما رأى بيده المسدس خاف منه وأمر جنديا كان معه أن يطلق عليه الرصاص تهديدا له، ففعل فظن الناس أن الرصاص خرج من المسدس. قال: والدليل على ذلك أن جماعة الوالي لما أخذوا المسدس من زيرون وجدوا جميع عويناته مملوءة مع أنه لم تسنح له فرصة بإملائها. أما السبب في وثوب هذا الرجل على الوالي فهو أنه كان أحد وكلاء الدعاوي في عدلية حلب، وكان مشهورا بالعلم والصدق والاستقامة، فصادف أن بعض الناس وكلّه في خصام بينه وبين الوالي فاغتاظ منه الوالي ومنعه من وكالة الدعاوي في حلب، فسافر إلى بلده مرعش فمنعه من وكالة الدعوى أيضا. فترك مرعش وسافر أنطاكية فكاتب الوالي الحكومة فيها بمنعه من الوكالات أيضا. ولما رأى هذا الرجل أن الأرض قد ضاقت عليه بما رحبت ولم يبق له وجه يسترزق به، خولط في عقله وزينت له الماليخوليا «1» أن يعترض الجزء: 3 ¦ الصفحة: 313 للوالي ويهدده بالقتل لعله ينفك عنه. ففعل ذلك فأخفق سعيه واتسع الخرق عليه، لأنه بعد أن بقي مدة محبوسا في حلب نقل إلى دمشق وحكم عليه بالحبس مدة خمس عشرة سنة فمات محبوسا بعد ثلاث سنين من حبسه. ثم إن الوالي بعد أن مرّت عليه هذه الحادثة في ذلك اليوم توجه إلى منزله وأقبل عليه الناس يهنّونه بالسلامة وأمر بإيقاع القبض على جماعة من الوجهاء كانوا يتصدون لمناضلته، وقد زعم أنهم هم الذين أغروا زيرون وحملوه على ما فعل. فوقع القبض عليهم في تلك الليلة وهم في منازلهم لم يبرحوا منها، لأنهم كانوا على غفلة لا يدرون الخبر، فأودعوا السجن وأمر الوالي بالتضييق عليهم وأن يوضع كل واحد منهم في حجرة على حدته، وأن لا يدخل إليه أحد من ظاهر السجن ولا من داخله ولا من رفقائه، ولا يمكّن من أداة كتابة ولا من أخذ خبر من ظاهر الحبس، لا كتابة ولا شفاها. فكان خدمة الحبس يشقّون رغيف الخبز المبعوث إلى المحبوسين المومأ إليهم خوفا من أن يكون فيه ورقة، ويفتشون جميع ما يدخل إليهم من الطعام والملبوس. وكان الوالي قد أحضر من الثكنة عساكر نظامية أمرهم بأن يقف على كل حجرة من حجر المحبوسين المذكورين جنديان متأبطان سيوفهما معتقلان بنادقهما. ولما اطلع «صاحب بك» على هذه الأحوال عرف بها استانبول وأظهر أنه عازم على السفر من حلب لينظر ماذا يكون من الوالي. فسار إلى تكية المولوية لينام ليلته هناك ويتوجه من الصباح إلى جهة استانبول. فلما سمع الوالي خبر سفره ظنه صحيحا فاغتنم الفرصة وأمر بإحضار دوابّ المكارية «1» ليركب عليها المحبوسين وينفيهم، وحينئذ فهم «صاحب بك» نيته وأظهر أنه عدل عن السفر فتوقف الوالي عن نفي المشار إليهم، لكنه لم يبرح عن إصراره في حبسهم والتضييق عليهم، بل كان يزيدهم تضييقا يوما فيوما. فلما كان اليوم السابع من ربيع الأول من هذه السنة (1404) أبرق «صاحب بك» للدولة يقول: أنا عازم على الشخوص لاستانبول لأنني لا أستطيع البقاء في بلدة لا يعرف فيها النظام ولا القانون. وأبرق قائد الجندية النظامية في النهار المذكور للدولة يقول ما معناه: إنني غير مسئول إذا حدث في حلب ما يخلّ بالسلام لأنني لم يبق لي نفوذ على القوة العسكرية. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 314 فلما اطّلعت الدولة على هاتين الرسالتين رأت أن الأمر قد أخذ بالتفاقم، وحينئذ اتفق رأي أولياء الأمور على تلافي القضية وصرف جميل باشا عن حلب، وأنفذت إلى شاكر باشا- أحد الفرقاء في دمشق- أن يسافر إلى حلب في أسرع مدة ويتسلم بها زمام العسكرية ويعرّف استانبول. فركب شاكر باشا في الحال وذلك في صباح اليوم الثامن من ربيع الأول وتوجه إلى جهة حلب، فوصلها بغتة عشية يوم الثلاثاء ثاني عشر ربيع الأول، ونزل في رباط الشيخ يبرق رأسا وتسلّم زمام العسكرية وعرّف بذلك استانبول. وكان الخبر بلغ جميل باشا فأمر العسكر الذين كانوا يحافظون المحابيس بالصعود إلى الرباط. ثم في صبيحة يوم الأربعاء ثاني عشر ربيع الأول ورد التلغراف من استانبول بأن يكون جميل باشا واليا على ولاية الحجاز، وعثمان باشا والي الحجاز يكون واليا على حلب، ويكون شاكر باشا وكيلا عنه إلى أن يحضر الوالي. في الحال حضر وكيل الوالي المشار إليه وصاحب بك، وخلّيا سبيل المحبوسين، وبعد يومين ورد الأمر إلى جميل باشا بتعجيل الانصراف عن حلب، فبارحها يوم الخميس سادس وعشرين ربيع الأول متوجها إلى مكة المكرمة. ثم في يوم الخميس تاسع عشر ربيع الثاني وصل إلى حلب عثمان باشا واليا عليها. وفي يوم الاثنين سابع جمادى الأولى أزمع صاحب بك الرحيل من حلب إلى استانبول، فأسف الناس على فراقه ودعوا بسلامته. تأسيس محلة الجميلية: وفي هذا الشهر ورد الإذن بإحداث محلة في أرض الحلبة، مما يلي طريق عربية إسكندرونة، وأن تسمى بمحلة السليميّة، نسبة إلى نجل السلطان عبد الحميد خان الثاني. فأخذ الناس بشراء الأراضي هناك وتأسيس الدور. وكان قد أقيم بها قصران عظيمان في السنة الماضية، أحدهما لجميل باشا وثانيهما للمرحوم علي محسن باشا، القائد العام فوق العادة على حلب وأطنه وضواحيها. وهو أول قصر عمر في هذه المحلة. وفي هذا الشهر- أعني شهر جمادى الأولى- كان الشروع بتسليط ماء رأس العين إلى قصبة إسكندرونة، وهي على مقربة من إسكندرونة وتعرف باسم (بيكار باشي) فأجريت إلى الإسكندرونة بكيزان من الحديد وبنيت لها الحياض والقساطل، وكانت النفقة عليها من سكان إسكندرونة. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 315 التباس بين مولودين: في شهر جمادى الثانية اتفق أن امرأتين من اليهود وضعتا في بيت وآن واحد طفلين ذكرين. وكانت القابلة ومن حضر من النسوة يشتغلن بأمهاتهما، فلما فرغن منهن وطلبت كل واحدة ولدها التبس عليهن تعيين كل ولد إلى أمه، ولم يظهر لهن ذلك إلا بعد مشقة زائدة. وفي هذه السنة جمع مقدار وافر من بزر الجراد. وفي الساعة السابعة والدقيقة الخامسة عشرة من يوم السبت حادي وعشرين محرم سنة 1305 سادس والعشرين أيلول سنة 1303 رومية، وقع في حلب، وعينتاب وكلّز ومرعش، والبستان وأورفة وسروج، زلزال من الغرب إلى الشرق، وامتد نحو نصف دقيقة دون أن يحدث منه خطر. وفي هذا الوقت نفسه حصل زلزال شديد في بعض قرى عينتاب فهدمت عدة دور وهلك بها تحت الردم طفلان وبعض مواش. وفي أوائل صفر كان قدوم حسن باشا والي حلب وسفر سلفه عثمان باشا. حريق في مرعش وبيادر حلب: وفي السادس والعشرين حزيران سنة 1304 حدث في مرعش حريق عظيم قوّم ضرره باثني عشر ألف ذهب عثماني، التهمت ناره (520) دكانا و 21 دارا و 11 فرنا وقسما من جامع وخان وتكية المولوية بتمامها. وفي يوم الخميس 17 ذي القعدة و 14 تموز شبت النار في بيادر قارلق بحلب فأحرقت 217 بيدرا. تفشّي حمى التيفوس في المحابيس: وفي رجب الفرد سنة 1306 وشباط سنة 1304 فشا بالمحابيس في سجن الحكومة حمّى قتّالة يقال لها حمى تيفوس، وصار يموت بها كل يوم بضعة محبوسين. فعيّنت لهم الحكومة مستشفى في جبل الغزالات أفردتهم به. وبعد ثلاثة أشهر صرفها الله عنهم. وفي شهر ذي القعدة وحزيران شبّت النار في إحدى محلات مرعش ولم تخمد حتى أتت على عشرين دارا، وامرأة وطفل. وفي اليوم الحادي والعشرين رمضان سنة 1306 الثالث عشر أيار سنة 1305 بين الصلاتين، وقع في حلب وأطرافها مطر غزير يصحبه برق ورعد الجزء: 3 ¦ الصفحة: 316 وصواعق وبرد كبار في شمالي حلب، حتى حملت السيول وساقت عدة مواش من بساتين حلب وأراضيها وأغرقت محلة الوراقة، واختنق بها بضعة أوادم. وفي أوائل ربيع الثاني سنة 1307 المصادف شهر تشرين الثاني سنة 1305 ورد الأمر من النظارة الصحية بإقامة منطقة الحجر الصحي في حدود الولاية، مما يلي الموصل، لما شاع من ظهور الهيضة «1» في الموصل، فأقيمت المنطقة المذكورة في جهة الرّها وحرّان والبيرة والرقة خمسة عشر يوما على كل مارّ من هناك إذا لم يكن معه تذكرة مشعرة بنظافته. وفي هذا الشهر قدم من استانبول إلى حلب الشيخ وفا ابن الشيخ بهاء الدين ابن الشيخ «محمد وفا الرفاعي» ومعه من حلية رسول الله صلّى الله عليه وسلّم شعرة أعطته إياها امرأة من أكابر نساء استانبول. فتلقاه الناس بالتكريم، ووضعت الشعرة في زاوية الشيخ تراب المتصلة بجامع خسرو باشا. وفي الساعة الثامنة بعد ظهيرة يوم الثلاثاء ثامن عشر شعبان المعظم من هذه السنة المصادف لليوم 27 آذار سنة 1306 بدأ المطر ينهلّ كأفواه القرب، واستمر بهذه القوة العظيمة إلى الساعة الأولى ليلا، حتى طافت الشوارع وبعض جوامع وحمّامات ودكاكين، وأغرق نحو ثلاثين حملا من الأرزّ والملح وغيرهما في خانات باب الجنان، وخسفت الأزقّة، وسقط صاعقة في محلة ساحة بزّة فصدّعت أربعة جدران. وفي يوم الخميس 12 رمضان سنة 1307 وصل إلى حلب واليا عليها عارف باشا. وفي صيف هذه السنة ظهر في حلب ونواحيها مرض وافد سماه الناس باسم «أبي الرّكب» وكان وفوده من الممالك الإفرنجية، وكانت أعراضه في حلب أن يبتدئ مع الإنسان بقشعريرة خفيفة تارة وسخونة أخرى، ثم تطبق السخونة ويلزم المريض الفراش، ويشتد معه وجع الرأس والصداع والغثيان بضعة أيام، ثم يشعر بوجع في مفاصله وفي ركبه إلى أن يمضي عليه نحو خمسة عشر يوما تقريبا، فينقه من مرضه. وفي شتاء هذه السنة أيضا انقلب هذا المرض إلى علّة سماها الناس «الفولانزا» وفدت من البلاد الإفرنجية، وهي نزلة صدرية شديدة يصحبها سخونة في الجسم، تستمر نحو عشرين يوما وتنتهي بالشفاء غالبا. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 317 وفي يوم الثلاثاء 29 شوال المصادف اليوم الخامس حزيران سنة 1306 في الساعة الرابعة والدقيقة الثالثة والثلاثين ابتدأت الشمس بالكسوف وانتهى الكسف في الساعة الخامسة والدقيقة الرابعة والثلاثين، وبدأ بالانجلاء في الساعة الخامسة والدقيقة الخامسة والثلاثين، فكانت مدة الكسوف من الابتداء إلى انتهاء الانجلاء ساعتين ودقيقتين، ومقدار ما انكسف من قرص الشمس تسع أصابع من اثنتي عشرة أصبعا. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 318 سنة 1308 هـ في يوم الخميس 26 محرّم هذه السنة 29 آب سنة 1306 تواردت الأخبار من جهة مسكنة بأنه أصيب فيها بالهيضة خمسة عساكر بواسطة ثلاثة أفراد من البدو، وقدموا إلى مسكنة من بلد الجزيرة، المنتقل إليها هذا المرض من ديار بكر فبغداد فالبصرة فالهند. ثم في يوم السبت 28 محرم أصيب بالمرض المذكور بضعة أشخاص من النصارى في زقاق أبي ناصر في محلة قسطل الحرامي بحلب. وفي ثاني يوم مات أكثرهم فوضعت الحكومة الحجر على هذا الزقاق عشرة أيام، وفشا المرض في أنطاكية وحمص وحماة وكلّز وعينتاب والبيرة، ولم تزد وفياته اليومية على خمسين نسمة في حلب. فاهتمت الحكومة بالأسباب التحفظية وبالغت بنظافة البلد، وحظرت بيع الخضر والبقول المضرة، ووضعت في عدة جهات داخل البلد مقدارا عظيما من الزبل اليابس. ثم في الساعة الحادية عشرة من يوم الاثنين 28 ربيع الأول أمرت أن تضرم النار في هذا الزبل، فعلا الدخان إلى طبقات الجو وانتشر ريحه في جميع البلدة. وكان الغرض من ذلك تنقية الهواء به من المكروبات التي يزعم الأطباء أنها السبب في مرض الهيضة. ثم نبهت الحكومة على مختاري المحلات أن يحملوا كل ساكن في محلتهم على أن يبخّر بيته كل يوم بالقطران والكبريت، ويطرح في المراحيض مقدارا من الزاج والكلس، ويرشّ البيوت بروح الفحم، ويحرق عند باب داره مساء كل يوم مقدارا من الزبل. فامتثل البعض منهم الأمر، فلم يفد ذلك شيئا. إلى أن كان أواخر كانون الثاني تقلّص ظل هذا المرض الذي وقف دولاب التجارة ورفع أسعار العقاقير الافرنجية كالقينا وروح الفحم والكونياك، لانقطاع جلبها من أوروبا، لعدم مجيء البواخر إلى ميناء إسكندرونة بسبب الحجر الصحي المضروب فيما بين أنامور وإسكندرونة برا وبحرا. وكانت مدته خمسة أيام، واستمر ذلك إلى اليوم الثاني والعشرين من كانون الثاني، فألغي الحجر وعادت التجارة إلى ما كانت عليه، ورجع الناس من هربهم. على أن السبب الأعظم لتكرر هذا الداء الوبيل في حلب الجزء: 3 ¦ الصفحة: 319 ماء قناتها ونهرها. يؤيد ذلك فتكه بسكان المحلات التي تشرب من ماء القناة والنهر أشدّ من فتكه فيمن يشرب من ماء غيرهما. وفي آذار هذه السنة انجس المطر عن بلاد حلب، حتى عدم نصف الموسم. وفي شوال هذه السنة أعني 1308 المصادف شهر مايس، عادت الهيضة إلى حلب وأنطاكية والعمق، وضرب النطاق الصحي على حلب وبلادها. وفي رابع عشر مايس سنة 1307 وقع في البيرة برد واحدته في حجم البيضة واستمر سقوطه نحو ربع ساعة، فكسر زجاجات البيوت وأضرّ بالزروع وحمل سيله فاقتلع بلاط محلّة وادي جنك، وهدم بضعة جسور، ونحو عشرة بيوت، وقتل أربعة أوادم وأهلك مقدارا عظيما من الدوابّ والأمتعة. وفي هذا اليوم وقع نحو هذا في الحمّام الغربي وقرية أربه لي، من قضاء بيلان، فأتلف جميع الزروع، وانقضّت صاعقة فقتلت دابتين وإنسانا. وكذا وقع في عدة قرى من قضاء عينتاب فأتلف زروعها وهدم بيوتها وأهلك كثيرا من دوابها. وفي حزيران هذه السنة كان الجراد في ولاية حلب كثيرا أكل فيها مبلغا عظيما من زروعها، فاجتمع في هذا العام الوباء على الناس والبرد والجراد على الزرع، فارتفعت أسعار القوت وتعطلت التجارة. وفي ذي الحجة من هذه السنة بعث قائمقام قضاء أنطاكية إلى ولاية حلب عاديّات وجدت قرب الجبل بالموضع المعروف هناك باسم «بين الخراب» يبعد عن أنطاكية مسافة ربع ساعة، وهي تمثال من الصّفر يمثل متصارعين، وشمعدان عليه صورة رأسين مقطوعين متصلين ببعضهما من طرفيهما. وقد فحصها بعض العارفين بالعاديّات فزعم أنها مضى على وجودها في الدنيا ثلاثة آلاف سنة، وقد أرسلت إلى نظارة المعارف. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 320 سنة 1309 هـ في محرّم هذه السنة خفّت وطأة الهواء الأصفر في حلب وحارم وأنطاكية. بعد أن بلغت وفياتها اليومية في حلب مائة شخص وزيادة، ولكنها في هذا الشهر أيضا فشت في عينتاب وكلّز. وفي محرّم هذه السنة أيضا بوشر بستر مجرى المياه القذرة في الخندق الكبير، الذي صار جادة عامة بعد أن قطعت منه الأشجار وثقّف «1» بالتراب من باب حديد بانقوسا إلى حضرة مزار السهرودي. وفي هذا الشهر أيضا فشت علة الهيضة في أورفة فأخذت تحت المنطقة الصحية. ثم في شهر ربيع الأول فشت في إسكندرونة. وفي أواخر شهر رجب تقلص ظل الهيضة من سائر بلاد الولاية ورفع الحجر الصحي عنها. وفي آذار منها وصل إلى حلب جراد كثير طبّق السهل والجبل وملأ قناة حلب وأفسد ماءها، فطبّقتها البلدية بالحجارة الكبيرة من قرية هيلانة إلى قرب ناحية بعادين، منعا لسقوط الجراد فيها. وقد ترك من القناة بعض مواضع مكشوفة للشرب والوضوء. وطول ما طبق منها ثلاثة عشر ألف ذراع معماري، وجمع من بزر الجراد- قبل أن ينقف- زهاء ستة ملايين أقّة. وفي هذه السنة بلغت رسوم عدّ الغنم عن سنة 1308 رومية في ثلاثة عشر قضاء ملحقة بحلب (7193242) قرشا موزعا هذا المبلغ على رأس كل شاة ومعزى: ثلاثة قروش ونصف القرش عملة أميرية، سعر الذهب العثماني مئة قرش. وفي ذي القعدة من هذه السنة بوشر بتنظيم جادة الخندق من باب دار الحكومة إلى باب الفرج. وفيها فتح مستشفى الغرباء تحت القلعة قرب سوق الضرب، وسمي مستشفى الغرباء الحميدي، وفرش من أموال إعانة جمعت من أهل الخير. وفيها طبق كثير من مجاري المياه القذرة في حلب، وكانت مكشوفة تنبعث منها الروائح الكريهة وتشوه مناظر الشوارع. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 321 سنة 1310 هـ في محرّم هذه السنة مات ولدان من أهل محلة أقيول، لأكلهما لب عجو المشمش، لسمّ يوجد فيه يقال له حامض الكيالوس. وفي صفر هذه السنة شرع بتعمير المدرسة الحلوية عن يد لجنة خصوصية بنقود مجموعة من أحكار أراضي التلل خارج باب الفرج، قرب السّهروردي. وكانت تعرف قبلا بمناشر الزبل، وهي من جملة أوقاف الحلوية التي وقفها نور الدين الشهيد، وكانت قبلا تلالا عظيمة كالجبال لا يشتريها أحد بقرش واحد. فلما كثر الناس بحلب وانتشر الأمان خارج سورها أخذ الناس يشترون كل ذراع مربع من التلل المذكورة من متولي المدرسة بعشرين قرشا. ثم تصاعد السعر حتى بيع الذراع على طريقة التحكير الشرعية بذهبين عثمانيين، فأثرى وقف المدرسة المذكورة وكثرت عقاراته، وعمرت المدرسة ظاهرا وباطنا. ومن هذا التاريخ أخذت محلة التلل بالسعة والعمران حتى أصبحت في هذه الأيام من أجمل محلات حلب وألطفها موقعا وأغلاها قيمة. وقد أسلفنا ذكرها في الكلام على محلة الصليبة الصغرى من الجزء الثاني. وفي اليوم الخامس من شهر ربيع الأول حدث في سوق رأس الجسر من مدينة أنطاكية حريق أتى على 65 بناء ما بين دار ودكّان. وفيه أيضا كان ستة أشخاص من السامسونيين يشتغلن في طاحون في جهات كلّز أكلوا نباتا يعرف بالفطر فمات منهم ثلاثة. وفي رجب بوشر بتعمير مستودع لزيت البترول المعروف بالكاز في مدينة إسكندرونة. وفيها حول المكتب الإعدادي الملكي في حلب إلى ليلي فبلغت طلبته نيفا وثمانين. وفيها قبضت الحكومة على رجل يستخرج من قرية قرق مغارة (أربعين مغارة) ملح البارود فصادرته وحبسته. وفي شعبان- المصادف شباط الرومي- حدث عدة هزات أرضية في حلب والرّها ومرعش والبستان وعينتاب والبيرة. وفيها ارتفع سعر التنباك بسبب دخوله تحت شركة الانحصار، فصار المدخنون بالماربيج يستعملون فيه بدل التنباك حب الرز وعرق السّوس، ويزعمون أنه يغني عن التنباك. فلم يقيموا على ذلك غير القليل ثم عادوا إلى التنباك. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 322 وفي ربيع هذه السنة كانت الأمطار كثيرة غزيرة في جميع الجهات، فكبست السيول بعض المنازل في الرّها وأنطاكية وغيرهما من البلدان، وطغت المياه على سهول العمق فأغرقت كثيرا من قراه، وكان ذلك ناشئا عن ضيق مصائد السمك المبنية في نهر العاصي، المعروفة في أنطاكية باسم (داليان) . وفيه قذف بحر السويدية قرب «الجوليك» حوتا عظيما طوله- عدا رأسه- ثلاثون ذراعا معماريا، فأخذ الأرمن هناك رأسه واستخرجوا منه مقدارا عظيما من الدهن. وفيها وزعت الحكومة على بعض الزراع حب ذرة صفراء وبيضاء أحضرت من أميركا قصد تجربة محصولها فلم تنجح. وفي صيف هذه السنة في آب منه اشتد الحر في حلب حتى صعد الزئبق في مقياس السنتغراد في الظل الشمالي إلى الدرجة الأربعين. وفيها تواردت الأخبار من الرقّة بأنه فشا في غنم بعض قراها مرض سببه دودة في كبدها تحصل من رعيها حشيشة اسمها البور. وفيها عاد لدين الإسلام عشيرة فلجلو في قضاء بازارجق، بعد أن صارت إباحية من الطائفة المعروفة باسم قزل باش (الرأس الأحمر) . وفي يوم الثلاثاء 15 جمادى الثانية وصل إلى حلب واليا عليها الحاج عثمان باشا، وهي ولايته الثانية، وكان كسيحا يحمل بين يدي الرجال ويوضع في عربته ويحمل منها إلى محل جلوسه. وهو من أعظم وزراء الدولة عند السلطان عبد الحميد، محبوبا لديه، لأنه هو الذي سعى بقتل بطل تركيا الفتاة مدحت باشا حينما كان محبوسا في الطائف، وعثمان باشا واليا في الحجاز. وكان هذا الوالي في منتهى درجات السخاء إلا أنه أيضا كان في منتهى درجات قبول الرشوة. وفيها نقل مركز قضاء جبل سمعان إلى قرية خان تومان. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 323 سنة 1311 هـ في ربيع الثاني منها تم افتتاح جادة الخندق، وبدأ الناس يسيرون فيه بكل سهولة. وكان هذا الخندق بستانا كما بينا ذلك في الكلام على أسوار حلب. وفيه تم بناء القنطرتين المضافتين إلى جسر الناعورة تعريضا له. وفيه ورد من قضاء إدلب أن رجلا في قرية «شلاية» في ناحية «ريحا» ذبح ماعزا مريضة وباع لحمها فكلّ من أكل منه مرض، ومنهم ثلاثة ماتوا. وفيها مدّ السلك البرقي من حلب إلى الرقة على طول 180 ميلا (كيلومتر) . وفيها وضع أساس مسجد وتكية في قرية «حيش» من أعمال قضاء المعرة لزعم مرقد لوليّ هناك اسمه علي خزام. وفيها أحدث في حلب مكتب للإناث تدفع نفقاته من جهة المعارف. وفيها مدّ السلك البرقي من حلب إلى دير الزور. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 324 سنة 1312 هـ في سادس محرّمها توفي الشيخ حسن وادي، ودفن في حجرة غربي قبلية مسجد الزاوية تحت القلعة، قرب باب محلة ألطون بغا. وفي 11 محرّم منها ولي حلب حسن باشا الأشقودري ثانية. وفي جمادى الأولى منها المصادف تشرين الثاني سنة 1310 احترق سوق بيلان. وفيها كان تأليف كتائب الحميدية من عشائر البوادي مضاهاة لعساكر القوزاق عند الدولة الروسية لأنهم من عشائر بواديها. وفيها جعل مركز قضاء حارم في قرية كفر تخاريم تفاديا من وخامة هواء حارم وضيقها، ورغبة في جودة هواء كفر تخاريم وسعتها. وقد تعهد جماعة من أهلها أن يعمروا فيها من أموالهم دارا للحكومة ومستودعا للرديف ومحلا للتلغراف، فوفوا بوعدهم. عصابات الأرمن: وفيها استفاضت الأخبار من أنطاكية وإسكندرونة وجسر الشغر أن جماعة من عصابات الأرمن ظهروا في الجبال المتوسطة، بين ناحية السويدية في قضاء أنطاكية وبين ناحية أرسوز في قضاء إسكندرونة، وأنهم تحرشوا ببعض قرى المسلمين والمسيحيين وتعدّوا على أهلها. فلم يلتفت الوالي- وهو حسن باشا الأشقودري- إلى هذه الأخبار وأراد أن يبقي هذه الحادثة في حيّز الكتمان لغرض لا نعلمه. ولكن هذه القضية لم تقف على حدّ يمكن كتمانها عنده فقد عادت تلك العصابة الأرمنية إلى تعدّيها واشتهر أمرها ثم تعلقت بشعف الجبال «1» وسلكت منها في الشعوب والمضايق حتى وصلت إلى الزيتون من أعمال مرعش. ولما بلغ الحال هذا المبلغ لم يسع الوالي أن يتغاضى عنه، فندب للتحقيق عن هذه القضية رجالا من حلب أشخصهم إلى جهة السويدية، فتبين لهم أن جماعة من ناشئة الأرمن قدموا على ثغر السويدية من أميركا بقصد الترؤّس على طوائف الأرمن في البلاد العثمانية والقيام الجزء: 3 ¦ الصفحة: 325 على الحكومة لينالوا الاستقلال، وأنهم- بعد أن أهاجوا الفتن والقلاقل في جهات السويدية وأضرموا فيها نار الثورة- تسلقوا الجبال وقصدوا جهة الزيتون ليجعلوها مقرا لحركاتهم الحربية. فلم ترق هذه الأخبار بعين الوالي بل مسخها وشوّه وجه حقيقتها وأذاعها في صحيفة الفرات. والظاهر أن الوالي كان يخشى أن يتطير السلطان منه لحدوث هذه المسألة في أيام ولايته. ثم إنه لم يمض سوى مدة يسيرة حتى اشتهر الحال وظهر الاختلال في جهات الزيتون حيث انضم إلى تلك العصابة ألوف من الأرمن وثاروا بغتة، وكان من أمرهم ما سنذكره في حوادث السنة التالية. وكان سبب تفاقم أمرهم تغاضي حسن باشا الوالي عن أخبارهم في مبدأ أمرهم، ولذا نقم عليه السلطان وعزله عن ولايته فسافر إلى استانبول وبعد مدة وجيزة أدركته الوفاة. وفيها وضع في مسجد مشهد الحسين بحلب منبر وجرت فيه خطبة في الجمعة والعيدين. وفيها ظهرت علة الهواء الأصفر في حلب وبلغت أقصى وفياتها في اليوم نحو الثلاثين. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 326 سنة 1313 هـ في شوّالها الموافق آذار سنة 1312 ورد من قضاء جسر الشّغر أن الغنم في الجبل الوسطاني قد فشا فيه مرض قتّال، سببه تراكم قراد على أديمه «1» . وبعد أن أشخص إلى تلك الجهة المأمور البيطري وفحص المرض قال: إن علاجه إزالة القراد على الدابة بالنظافة إن كان القراد قليلا، ومسحه بمزيج مركب من جزء من روح الترمنتينا وجزءين من الماء إن كان كثيرا. فاستعمل هذا العلاج ونجح. وفيها ورد من قضاء حارم أن بقرة لعثمان من أهل قرية «أفيز» ولدت عجلا ميتا له رأسان وأربع عيون وأربع آذان وفمان وأربع قوائم. وفيها- في ذي القعدة- وردت الأخبار من جهات السويدية وأنطاكية أن جمعا عظيما من الأرمن الأغراب وفدوا على السويدية وجبل موسى وما جاورهما من القرى الأرمنية، وانضم إليهم شرذمة من زعانف الأرمن الوطنيين، وأخذوا يعيثون بالأرض فسادا. فأشخص إليهم من مركز الولاية جماعة من الثقات للفحص عنهم والتنكيل بهم بعد أن يتبين لهم فساد طريقتهم، ففحصوا الحقيقة وتبين لهم أن تلك الطائفة ومن انحاز إليها هم من الثوار، فقبضوا على بعضهم وهرب البعض الآخر وتشتت شمل تلك العصابة. وفي 11 جمادي الثاني «2» منها وصل إلى حلب واليا عليها مصطفى ذهني باشا، ثم عزل وولي حلب رائف باشا فوصل إليها في خامس شعبان منها. تمرد الأرمن في الزيتون: في شعبان من هذه السنة أيضا أخذت الأخبار تتوارد من الزيتون بأن الأرمن هناك تمردوا على الحكومة وشهروا السلاح على المسلمين وقتلوا وسبوا واستولوا على الثكنة العسكرية وفتكوا بالعسكر والضباط وقتلوا نساءهم وأطفالهم ومثلوا بهم تمثيلا فظيعا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 327 فاهتمت الدولة بأمرهم وجهزت جيشا من حلب وآخر من أطنه تصحبهم الأرزاق والمهمات الحربية وكان الوقت شتاء والأمطار غزيرة والثلوج متراكمة في الطريق المؤدية إلى الزيتون فلقيت العساكر بالوصول إليها الشدائد من البرد والثلج والجوع مات منهم بسبب ذلك عدد غير قليل. وأخذت البلدية في حلب من الناس عددا عظيما من الدواب كالجمال والبغال والخيل لتحمل عليها المهمات إلى الزيتون على أن تعوض أصحاب الدواب قيمتها بعد انقضاء تلك الحادثة فلم تعوض عنها سوى نحو عشرها وضاعت بقية الدواب على أهلها. ولما علم الأرمن الثائرون في الزيتون أن العساكر سائرة إليهم جزعوا واضطربوا وتحققوا أن لا قبل لهم في النصرة عليهم فأخذ زعماؤهم يخابرون لجانهم الكبرى في البلاد الأوربية فاستغاثت تلك اللجان بالدول الأجنبية وطلبت منها السعي بإنقاذ أولئك الثوار وانتشالهم من مخالب العساكر التركية. فأصدرت كل من دولة إنكلترا وألمانيا وفرانسة وإيطاليا أمرا إلى قنصلها في حلب بأن يتوجه إلى الزيتون ويتوسط الصلح بين الحكومة العثمانية وبين الأرمن الثائرين. وفي أسرع وقت سافرت القناصل إلى الزيتون ولقوا من الطريق برحا من شدة البرد وقد استمروا في الزيتون زهاء ستة أشهر إلى أن أخلد الثوار إلى الطاعة وصدر العفو عنهم وتقرر بأن يكون القائممقام في قضاء الزيتون مسيحيا وله معاون مسلم. وفي هذه السنة حدثت المشاغب الأرمنية في مدينة أورفه ومرعش وعينتاب وكلز وبيره جك من ولاية حلب ووان وبتليس وغيرهما من بقية البلاد العثمانية وقتل من الأرمن في هذه المشاغب على رواية مائة ألف نسمة. وكان الباعث على هذه المشاغب قيام الأرمن على الحكومة وإقلاقهم راحتها في طلب انفصالهم عنها وبقائهم دولة مستقلة أو تحت نفوذ دولة روسيا أو إنكلترة. ونحن لا نشك أن تلك المشاغب كانت بإشارات خفية وأوامر برقية مرموزة من السلطان عبد الحميد إلى ولاته وأمرائه العسكرية في ممالكه رغما عما كانت الحكومات تختلق لكل مشغبة سببا غير معقول لدى أرباب العقول. على أن جميع البلاد السورية بل سائر البلاد العربية لم يحدث فيها شيء من تلك المشاغب والسبب في هذا عدم الإيعاز من قبل السلطان عبد الحميد إلى أهلها بإحداث تلك المشاغب لعلمه أن أهلها لا يلبون طلبه ولا يلبث أن يذيعوا ذلك السر الذي لا يخفى عليهم. استطراد في الكلام على الأرمن ومدينة الزيتون: نورد في هذا الاستطراد بعض ما وقفنا عليه من الأحوال الروحية والتقاليد القومية، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 328 التي سارت على سننهما الهيئة الاجتماعية من الطائفة الأرمنية التي مضى على مجاورتنا إياها بضع سنوات غبّ أن هاجرت إلى حلب بعد الحرب العالمية، وقد أصبح فيها منهم العدد الكبير الذي يقدر بستين ألف نسمة، فنقول: الأرمن- مهما اختلفت أجناسهم وتباينت أقطارهم- أمة نشيطة جدية عاملة منصرفة عقليتها إلى الماديات دون المعنويات، وهي ثابتة في مقاصدها قوية الإرادة في منازعها، تمارس من صعاب الأمور ما يعجز عنه غيرها من أمم الشرق، لا تعتمد إلا على نفسها ولا يعوقها عائق في سبيل غاية تطلبها. ترى كل فرد من أفرادها- ذكرا كان أم أنثى، كبيرا كان أم صغيرا- مكبّا على عمله مهرولا إلى حانوته مبكرا لمزاولة مهنته التي ارتضتها له قوة جسمه وسعة مداركه، فمنهم التجار بأنواع البضائع الشرقية والغربية، ومنهم الصيدلي والطبيب والمحامي، والمهندس والصرّاف والخادم والكاتب، والميكانيكي والخياط والحائك، والنجار والحداد والحجّار، والمعمار والطاهي واللحّام، وصاحب المقهى والمنزل، وبائع الخضر والبقول، وغير ذلك من المهن التي لا تخلو واحدة منها، شريفة كانت أم حطيطة، إلا والمشتغلون بها من الأرمن عدد كبير يزاولونها باعتناء وإتقان لا مزيد عليهما. وهم- على اختلاف مهنهم وحرفهم- يقنعون بالربح اليسير ويقتصدون بالإنفاق على أنفسهم، الأمر الذي أكسد سوق نظرائهم من الحلبيين وضيّق عليهم أسباب معايشهم، لأنهم لا يقنعون بالربح اليسير لتعوّدهم على التوسع بالإنفاق دون الاقتصار على ضروريات الحياة. كل فرد من أمة الأرمن- ذكرا كان أم أنثى- لا يرضى أن يكون عاطلا عن العمل متقاعدا عن الاحتراف، ولذا لا ترى منهم متسوّلا ولا متشردا، ولا من هو عيلة على غيره، سوى من أعجزته العاهات والزّمانات «1» عن النهوض بعمل ما، وسوى الأيتام الذين ليس لهم مال ولا أولياء ينفقون عليهم، فإن هؤلاء الجماعة قد تكفلت بإعاشتهم الجمعيات الخيرية الأرمنية المؤلفة في حلب وغيرها من بلاد أميركا وأوربا، ففتحت لهم دور العجزة والمياتم والمدارس، وأغنتهم عن الحاجة إلى غيرهم وعنيت بأمورهم أحسن عناية. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 329 أما نساء أمة الأرمن فإنهن يرين للرجل حق السيطرة عليهن، فهن بهذه العقيدة من أطوع نساء العالم لأزواجهن، وهن بعيدات (إلا ما شذّ منهن) عن معانقة الأزياء الغربية في لباسهن وزخارفهن، إذ قلما تجد على أرمنيّة ثوبا يبدو منه الذراعان إلى قرب الكتف ويظهر منه الكاهل والنحر وأعالي الصدر. كما أنك لا تجد فيهن واحدة تستعمل في وجهها وشفتيها- وما بدا من يديها- التمويه بالبياض والحمرة. قد اعتضن عن ذلك كله بنظافة بشرتهن واعتدن على الاغتسال بالحمّام والتردد إليه من حين إلى آخر، والتزمن في لباسهن جميعا زيا واحدا، وهو ثوب بسيط بأكمام، يستر المرأة من رقبتها إلى ما تحت ركبتيها ساترة ساقيها بجورب منتعلة بحذاء (قندرة) له كعب عال، فاتحة على رأسها شبه طيلسان «1» أسود اللون مثلث الشكل، قد أرسلت خلفها زاويته الوسطى تستر بها ظهرها وضفيرتها. ومنهن من تفتح على رأسها منديلة صفيقة سوداء، ترخي منها ذؤابة على ظهرها تخالط بها شعرها، فلا يفرق الناظر إليه بينه وبين ذؤابة المنديلة. على أن هذا النسق من اللباس والطيلسان لا يكاد ينقص عن الإزار الشرعي سوى عدم ستره جميع الشعر. وقلّ منهن من تلبس القبعة (البرنيطة) في رأسها. ما تؤاخذ به أمة الأرمن: إن هذه الأمة على ما هي عليه من المزايا الحسنة لم تتنزه عن بعض هنات تستوجب عليها المؤاخذة وهي: (1) التعصب المفرط الخارج عن دائرة الاعتدال، فإن كل واحد من الأرمن يرى الصواب كله فيما هو عليه من العقيدة والتقاليد والعادات، وأن ضد ذلك فيما هو عليه غيره. على أن هذه العقيدة هي التي تجعل الأرمني بعيدا عن معاشرة غيره منكمشا عن صحبة الناس، غير مؤتلف ولا مختلط معهم. (2) التهوّر وقصر النظر وقلة التبصر بالعواقب، وعدم وزن القدرة في القيام على طلب الاستقلال الذي طالما جلب على أمة الأرمن البوار والدمار، وأفنى منها ما يعدّ بألوف الألوف، دون الحصول على ما تبتغيه، غير متعظة بقول الحكيم: الجزء: 3 ¦ الصفحة: 330 إذا لم تستطع شيئا فدعه ... وجاوزه إلى ما تستطيع وكيف تريد أن تدعى حكيما ... وأنت لكلّ ما تهوى تبوع؟ (3) الإلحاح بالانتقام من عدوهم إذا ظفروا به، حتى إنهم ليبطشون ببعضهم إذا طرأ بينهم خصام ونزاع، فترى سورة الغضب في أحدهم تحمله على أقصى ما تجود به قوته من الضرب والبطش. إن التهور وقلة التبصر في العواقب قد كلّفا الأرمن أن يريقوا من دمائهم بحارا دون أن يحصلوا من ذلك على جدوى. إن من تصفح التاريخ ونقّب فيه عن حوادث الزيتون والأرمن، وعما طرأ على مرعش من الخراب المتكرر، يظهر له جليا أن قيام الأرمن وتمردهم على الحكومات الإسلامية لم يخل منها زمن من الأزمان، يقومون على الحكومات تارة بأنفسهم وأخرى بواسطة الروم الذين يشنون الغارات على جهات الأناضول بإغراء الأرمن والالتجاء إليهم، ينضمون إلى الصليبيين تارة وإلى التاتار أخرى، فلا ينالون من ذلك سوى الفشل الذي كان الأحرى بهم أن يقودهم إلى العيش مع جيرانهم بالمسالمة والوفاق كما يعيش غيرهم من بقية الطوائف المسيحية التي تعيش في غبطة من السلام والوئام. انظر إلى ما كتبناه في الكلام على مرعش يظهر لك أن هذه البلدة خربت بمشاغب الأرمن خمس مرات، أعاد بناءها في المرة الأولى معاوية، وفي الثانية العباس بن الوليد، وفي الثالثة الوليد بن هشام، وفي الرابعة صالح بن علي- في خلافة المنصور- وفي الخامسة سيف الدولة بن حمدان. ثم تنقلت عليها الولاة المسلمون حتى استولى عليها كيخسرو بن قليج أرسلان السلجوقي، وكأنه استصعب حفظها والقيام بها فوهبها لبعض طهاته، وهو حسام الدين، ثم انتقلت عنه لأولاده إلى أن كانت سنة 656 فعجز عماد الدين- آخر من تولاها من أولاد حسام الدين- عن ضبطها لتواتر غارات الأرمن عليها، فعرضها على كيكاوس صاحب الروم فأباها، فعرضها على السلطان صلاح الدين فأباها أيضا، فرحل عنها وتسلمها الأرمن حتى أخرجهم منها سنة 900 علاء الدولة بك أحد أمراء الدولة ذي القدرية «1» وعمرها في موضعها الحالي وأجلى الأرمن عنها إلى أن الجزء: 3 ¦ الصفحة: 331 كانت سنة 928 دخلت تحت سلطة الدولة العثمانية، وكان جاليتها الأرمن ومن اختاروا التوطن في ضواحي قلعة الزيتون الخربة التي هي في وسط جبال وعرة المسالك جدا، تحصّنا وتمنعا عن الحكومة التي تهددهم بقوتها إذا حاولوا التمرد عليها. ونقلت من كتاب «فظائع الأرمن» التركيّ العبارة ما خلاصته أن الأرمن في حدود سنة 952 هـ رأسوا منهم أربعة أشخاص سموهم (إيشخان- برنس) وقسموا مدينة الزيتون بينهم أربعة أقسام، أقاموا على كل قسم منها واحدا يحكمها من هؤلاء الأربعة، وعقدوا جمعية سموها (فه أودال) جعلت وظيفتها السعي وراء تأييد السلطة الأرمنية على أهل تلك النواحي المجاورة لهم. فاستفحل أمر هذه الجمعية وامتدت سلطتها إلى القرى المجاورة لها، حتى صارت تجبي الضرائب من أهلها بواسطة جباة ينصبونهم، حتى إن كثيرا من القرى الإسلامية القريبة من الزيتون خربت وجلا أهلها عنها فرارا من ظلم الزيتونيين وتعدّيهم، وكانوا كثيرا ما يتمردون على الحكومة بدعوى كثرة ضرائبها عليهم، حتى إنهم قاموا مرة عليها بزعم أن ضرائبها البالغة في السنة 15 ألف قرش لا يقدرون على دفعها، ثم إنهم لما رأوا أن لا مناص لهم من دفعها أذعنوا للطلب ودفعوها ثم تجاهروا بالعصيان وقاموا عليها في سنة 1197 ثم تكرر منهم هذا التمرد في كل من سنة 1201 و 1223 و 1224 و 1241 و 1247 و 1258. وفي سنة 1270 حضر إلى الزيتون قسيس اسمه (ملكيان أورزروفي) ليكون عضوا عاملا في العصابة العصيانية. وعندها انتخب الإيشخانيون القسيس (ديراسويان) مشاور الحكومة، فنصبوه حاكما عاما على الأرمن في تلك النواحي. فتوجه هذا إلى دولة روسية ليؤيد حاكميته الموهومة. وبينما هو في الطريق إذ ألقي القبض عليه في مدينة أرضروم وحضر إلى الزيتون شابّ اسمه (هاروتيون جاقريان) وهو زيتوني الأصل، وكان من مأذوني مكتب الأرمن في «غلطة» فتعين عضوا عاملا في جمعية الزيتون، فنفخ هذا الشاب في أدمغة الأرمن روح استقلال الأرمن وانفكاكهم عن الدولة العثمانية. ومن ذلك الوقت أخذوا يشدّدون الوطأة على من حولهم من أهل القرى المسلمين، وأخذوا يستعطفون أمة الأرمن ويطلبون منهم المدد والمعونة على مشروعهم فصارت الإعانات ترد إليهم تباعا من أميركا ومصر وغيرهما، حتى إن أرمنيا اسمه (مياسيال أنيكه) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 332 الزيتوني المقيم في مصر، تبرع على هذه الجمعية بأربعمائة ليرا، وأرسل إلى مكاتب الأرمن في الزيتون معلمين خصوصيين، وصار يحضر إلى الزيتون- من غير أهلها- جماعة تمكنت فكرة الاستقلال من رؤوسهم، منهم رجل أعطوه لقب (برنس) حرروا له محضرا عاما ليقدمه بنفسه إلى نابليون الثالث إيمبراطور فرانسة، قالوا فيه إنهم يسترحمون من حضرة الإمبراطور باسم سبعين ألف بطل أرمني أن يظاهرهم على الاستقلال. فاهتم الإمبراطور بهذا الطلب أولا ثم لما تأمل المحضر وعلم ما فيه من المبالغة في العدد والتظلم طرحه وراء ظهره. قال في الكتاب المذكور: وفي سنة 1282 سرى تمرد الزيتونيين إلى استانبول بواسطة مرخّصي الأرمن الزيتونيين. وفي تلك الأثناء عينت الحكومة للزيتون قائمقام، فقام بعضهم يطلبون من البطركية رفعه، وظهر واحد من شجعانهم اسمه (بابيك باشا) وصار يتعاطى الدعارة وقطع الطريق إلى أن مات. وفي سنة 1297 بدأ الاختلال في تلك الجهة وكان زعيمه رجلا اسمه بابيك، وقد دام هذا الاختلال إلى سنة 1313 وقد حدث في هذه المدة عدة وقائع أهمها الواقعة التي تقدم ذكرها، التي بدأت سنة 1313 وقد اشترك في هذه الواقعة عامّة الأرمن الجبليين، سوى أفراد قليلين منهم. واستغرق هذا الاختلال مدة خمسة وأربعين يوما. ثم تداخلت القناصل ووقفت هذا الاختلال كما قدمناه. قال صاحب الكتاب المذكور: والغريب أن زعماء هذا الاختلال قاموا في أوله على قصد النهب والسلب، ثم بدا لهم أن يفرغوه في قالب سياسي، وبذلك اغتنموا فرصة جمع مبلغ عظيم من النقود، جمعوها من الأرمن ودلّوها في جيوبهم. وكان الغرض الحقيقي من هذه المشاغب الدعوى للمداخلة الأجنبية، وإضعاف الدولة العثمانية والتأمين على استقلال الزيتون. اه الاستطراد. وفي هذه السنة 1313 استولى الخوف على الناس في حلب وصار لا يمرّ يوم وإلا ويقع فيه الرعب من الثورة، فيغلق الناس حوانيتهم ويتراكضون إلى بيوتهم. وفيها- في ثاني عشر آذار- سطع بين العشاءين ضياء دهش له الناس، استغرق نحو خمس دقائق. وقد انتبه له الناس من داخل خلواتهم وجعلوا ينظرون إليه، وبينما كانوا يرونه جرما ملتهبا آخذا بالهبوط، إذ بصروا به جرما عظيما كأنه قطعة سحابة نارية يتطاير منها شرر كثير كأنها الجزء: 3 ¦ الصفحة: 333 جمرة تتلظى، ثم أخذ لونها بالبياض حتى عادت كأنها غمامة بيضاء استمرّت تشاهد في الجو نحو ساعتين. وقد ترك حين نزوله من العلوّ أثرا محمرا بقي قدر ساعتين. وشوهد هذا الحادث أيضا في جزيرة قبرص وقونية وأدرنة. وفيها استتب الأمن في الزيتون وأقلعت عنها طوابير الرديف إلى مراكزها، فوصل منها في يوم الجمعة 19 ذي القعدة عدة كتائب سافرت في ثاني يوم إلى أزمير. وفيها عمر في قرية قره أغاج قرب مدينة إسكندرونة جامع على نفقة الخزينة الخاصة. وفيها أضيفت ناحية تركمان إلى ناحية حرّان، وجعلت قضاء سمّي «قضاء حرّان» ألحق بمتصرفية أورفة. وفيها صدر الأمر بأن يعمر على الساحل الممتد من بياس إلى السويدية إحدى عشرة مخفرة لتكون بالمرصاد على الأرمن الذين يقدمون من أميركا وأوربا إلى البلاد العثمانية بقصد تهييج المشاغب وطلب الاستقلال. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 334 سنة 1314 هـ في صفر هذه السنة اهتم مجلسنا البلدي برحبة السقاية- المعروفة بسبيل الدراويش- في شمالي حلب على بعد ميلين منه، فعمر فيها غرفتان على طرز جميل، وأنشئ تجاههما بستان فسيح، وجعل ذلك المكان محلا لنزهة العموم. وفي ربيع الثاني منها تواردت الأخبار من الآستانة بأن عصابة من الأرمن أثاروا فيها وفي غيرها من البلاد مشاغب شديدة، فعوقبوا على عملهم وعاد الأمن والسلام إلى مجراه القديم، ودعت حكومة حلب علماءها وأعيانها ورؤساء الكهنة فيها وألقت عليهم النصائح اللازمة وحثتهم على الوفاق والمسالمة لبعضهم، وحذّرتهم عاقبة المخالفة. ثم فرقت الحكومة على الناس بواسطة عرفاء المحلات نشرة مآلها: أن بعض أولي الفساد من طائفة الأرمن العاملين على إثارة الفتن والقلاقل في الآستانة قد عقدوا النية على إثارة ذلك أيضا في عامة البلاد العثمانية، وغرضهم من هذا العمل إغضاب المسلمين ليوقعوا بالأرمن، فيبرهن الأرمن لأوروبا بأنهم مظلومون وأن المسلمين لهم ظالمون فتنهض أوروبا لإنقاذهم من ظلمهم وتقع الدولة العثمانية في خطر سياسي جديد. فالواجب على كل فرد من أفراد الرعية العثمانية أن يلزم جانب السكون والحياد ولا يتعرض إلى ما لا يعنيه، فإن الحكومة وحدها هي المسؤولة عن إخماد كل ثائرة وقطع دابر كل فساد. وفي أيلول منها وقع في السويدية مطر غزير انقضّت في أثناء وقوعه صاعقة على زورق في الميناء حطمت ساريته. وفيها ورد الأمر بأن إحدى عشرة قرية- بعضها في قضاء حارم من أعمال ولاية حلب، وبعضها الآخر في قضاء الخاصة من أعمال ولاية أطنة- تسلخ عن هذين القضاءين وتضاف إلى قضاء بيلان، وهي: دده جنار، وبوز هيوك، وقره بابو، وبرته لى، وباصي بورت، وبلانقوز، وزنكي، وجام صاري، وطوسون هيوكي، وكوز كجه، وقره مان قاش. وفيها تم بناء الثكنة العسكرية في زيتون. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 335 حدوث حرب اليونان: وفيها بدأت دولة اليونان تتحرش بجزيرة كريد وتثير فيها الفتن والقلاقل بواسطة عصابات يونانية تمدهم بالأموال والسلاح، فيقطعون السبل ويشنون الغارات على القرى وينهبون ويقتلون. وكان الحامل لدولة اليونان على هذا العمل اغتنامها فرصة اشتغال الدولة بحوادث الأرمن وعجز ماليتها عن الحرب. وفيها رأت الدولة العثمانية وجوب حرب اليونان وردعها لتماديها في غيّها. إلا أن مالية الدولة في عجز عظيم عن الإنفاق على هذه الحرب، فاضطرها الحال إلى أن تفرض على المملكة إعانة سمّتها إعانة التأسيسات العسكرية، قدرها 5852250 قرشا. فلحق مدينة حلب منها 947750 قرشا وقضاء أنطاكية 664500 قرشا، وقضاء عينتاب 762750 قرشا، وقضاء كلّز 759750 وقضاء إدلب 531250 وقضاء الباب 230750 وقضاء الجسر 279750 وقضاء حارم 289500 وقضاء بيلان 82000 وقضاء إسكندرون 144000 وقضاء المعرة 173750 وقضاء منبج 18500 وقضاء الرقة 69750 وقضاء جبل سمعان 251250 وشعب الأملاك السنية 657000 قرش. وفيها عين السلطان عقيب حوادث الأرمن ومشاغبها مشيرا جوالا في الولايات الشاهانية ليفحص عن وجوه الإصلاح التي تحتاجها كل ولاية، وكان تعيين هذا المشير صوريا، الغرض منه التمويه على الدول الأجنبية التي تطلب حماية الأرمن وتطهير البلاد من الظالمين والمستبدين. والمشير المشار إليه: اسمه شاكر باشا، فطاف عدة ولايات وكتب ما رآه من وجوه الإصلاح اللازم إجراؤها في تلك الولايات. ثم في العشر الثاني من رمضان هذه السنة وصل إلى حلب قادما إليها من الرقة فخفّ لاستقباله إلى ناحية بابلّي في شمالي حلب قائد العسكرية أدهم باشا وعدد عظيم من الجنود الشاهانية وأعيان البلد، ونزل ضيفا كريما في منزل بني العادلي في محلة السفاحية، وكان معه حسيب أفندي مستشار السفارة العثمانية في طهران ومادر كورداتو أفندي معاون المشير، وغيرهم من الحاشية والمعاونين، فنزل كل واحد منهم في منزل واحد من أعيان حلب، وكانت زوجة المشير معه وهي مسيحية روسية تخرج للناس غير محتجبة. وبعد أن استراح بضعة أيام أعلن أنه يقبل كل لائحة تبحث في إصلاح حلب وجميع ولايتها. فأقبل عليه الكتّاب وأولو العقول الثاقبة باللوائح المتنوعة الطافحة بالفوائد الآيلة لإصلاح أحوال الولاية وتحسين أمورها، من تأسيس الجزء: 3 ¦ الصفحة: 336 مكاتب علمية وصناعية وتجارية وزراعية، وافتتاح طرق ومعابر، وإحضار معامل وأوائل وتخفيض رسوم وتكاليف واحداث غيرها، وتأليف ضابطة من الملل الثلاث وغير ذلك. فكان يتلقى تلك اللوائح بكل ارتياح ويظهر بها إعجابه. ويعد بتنفيذها مع أنه لم يظهر لها بعد ذلك أدنى أثر ولا خبر. وفيها حوّل أدهم باشا قائد حلب إلى القائدية العامة في حدود اليونان لحرب المتعدّين على كريد، فبارح حلب على الفور متوجها إلى جهة الحدود المذكورة، وكان أدهم باشا صار بعد حادثة الزيتون قائدا عاما فوق العادة على حلب وأطنة وما جاورهما قصد استطلاع أخبار الأرمن ومراقبة أحوالهم. فلما تحول إلى حدود اليونان، خلفه في القائدية العامة المذكورة علي محسن باشا. وفي شوال هذه السنة المصادف شباط سنة 1312 تظاهرت دولة اليونان بالعداء على الدولة العثمانية، فجهزت دارعة (لورييورم) وشحنتها بالعساكر وأمرتهم أن يخرجوا إلى (كوكيمباري) فعارضتهم دارعة إنكليزية وساقت دارعتهم (لورييورم) مخفورة إلى خانية، وكانت الدولة العثمانية قد جهزت مائة واثنين وتسعين طابورا وعزمت أن تجعل هذه القوة مائتين وعشرين طابورا، وصدرت الأوامر للحامية العثمانية المرابطة في حدود ألاصونيا وتساليا بأن تكون على قدم الدفاع. وفيها صدر الأمر بجمع إعانة اسمها إعانة المعابد الإسلامية، وبجمع إعانة أخرى اسمها إعانة مهاجري كريد المسلمين. وهكذا كان لا يمر في تلك الأعصار العجيبة شهر أو شهران إلا وتصدر الأوامر بجمع الإعانات على اختلاف أسمائها ومقاصدها، فكأن أموال الدولة على كثرتها كانت في تلك الأوقات ترمى في عرض البحار، كما أن تلك الإعانات- التي أضجرت الناس وأزعجتهم- كانت تدفن في الأرض. وفي شهر ذي القعدة الموافق نيسان سنة 1313 بدأت تتوارد الرسائل البرقية من الصدارة والنظارة الداخلية إلى ولاية حلب، نقلا عن القائد العام في جزيرة كريد، مبشرة بظفر العساكر العثمانية واستيلائهم على البلاد اليونانية وحصونها، بلدة بعد بلدة وحصن بعد حصن. وكان حضر إلى حلب عدد وافر من مسلمي جزيرة كريد مهاجرين منها فرارا من تعدي اليونان عليهم وإيقاعهم بهم، فقر رأي المرحوم والي حلب رائف باشا ومجلس إدارة الولاية على أن تلك الرسائل البرقية التي ترد تباعا تعرّب وتطبع وتباع وتصرف قيمتها المتحصلة في مصالح المهاجرين المذكورين، فكلفني الوالي المشار إليه بتعريبها حسبة، فصرت أعربها ثم تطبع في مطبعة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 337 الحكومة وتباع، ويصرف الحاصل من ثمنها في مصالح المهاجرين. وفي يوم الخميس 21 ذي القعدة سافر من حلب شاكر باشا المشير المفتش العام المتجول في ولايات الأناضول وقد تقدم الكلام فيه. وفيها ورد أمر بجمع إعانة لمهاجري مسلمي كريد الذين وصلوا إلى الآستانة، ويبلغ عددهم مائة ألف وخمسة آلاف إنسان، منهم 60 ألفا لا يملكون قوت يومهم. وفيها توالت انتصارات العساكر العثمانية وفشل الجنود اليونانية، ففتّ ذلك في عضد ملك اليونان فاستغاث بقيصر روسيا والتمس منه أن يتوسط بينه وبين السلطان ففعل. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 338 سنة 1315 هـ في محرّم هذه السنة تم الصلح بين الدولة العثمانية واليونان على غرامة حربية تدفعها الثانية للأولى قدرها أربعة ملايين ليرة، وأن يرد إلى اليونان جميع البلاد التي أخذت منها في هذه الحرب، وبقيت جزيرة كريد تحت حماية الدول العظمى ريثما يتفقون على طريقة في شأنها، ثم اتفقوا على أن تكون لليونان. قصيدة من نظم الشاعر الأديب عبد الفتاح الطرابيشي الحلبي «1» ، نوّه بها بذكر ما أحرزه العثمانيون من الظفر في حربهم مع اليونان وما فتحوه عنوة من البلدان والمواقع: الحمد لله حقّ النصر والظفر ... وأقبل الدهر في ذا الفتح يفتخر وأصبحت دولة الإسلام سائدة ... وسيفها في قفا الأعداء مشتهر ودولة العسكر اليونان خائفة ... مثل الشيّاه إذا أسد الشرى نظروا والجيش سدّ عليهم كل ناحية ... حتى تخيّل أن الناس قد حشروا لله درّ جيوش المسلمين فقد ... أبدت فعالا لها طول المدى سير هم الليوث إذا نار الوغى استعرت ... والواردون إذا عنها العدى صدروا أقلّهم يلتقي الآلاف مبتسما ... تحت الغبار بقلب دونه الحجر أمسى تلذّذهم، والحرب دائرة، ... صوت المدافع، والتصهال، لا الوتر يقودهم كلّ ندب، حسن سيرته ... يثني عليها قضاء الله والقدر وكلّ شهم مشير لا نظير له ... يكاد يعطيه كنه العبرة النظر هانت بهمّتهم كلّ الصعاب كما ... دانت لحزمهم الأمصار والقطر يا يوم (لاريس) «2» والأبطال غائرة ... هل أنت إلا على أعدائنا سقر الجزء: 3 ¦ الصفحة: 339 حيث المدافع رعد والدخان به ... سحب وما قذفت من جوفها المطر يوم به جاءنا عزّ ومنفعة ... وللأعادي أتاها الذلّ والضرر و (طرنوى) أصبحت تهتزّ من جزع ... مثل النزيف الذي قد هزّه السّكر لاقت رجالا تروع الأسد حملتهم ... ويرهب الجنّ لقياهم وهم بشر باعوا نفوسهم لله وانتدبوا ... نحو الأعادي فما أمسى لهم أثر حازوا غنائمهم والسلب أجمعه ... وأطلقوا السبي عفوا بعد ما أسروا (ترحالة) خبّرينا ما نظرت فقد ... حارت بمخبرك الألباب والفكر وحذّر «1» الروم من قوم جبابرة ... إذا نضوا سيفهم لا ينفع الحذر فإن يظنّوا الجبال الشمّ تعصمهم ... إن الجبال لدى فرساننا مدر يفضّلون المنايا في مقاصدهم ... على الدنايا ولا يثنيهم الخطر يلقون أنفسهم في كل مهلكة ... كأنهم للقا الأعداء قد فطروا و (غولس) صار بالتسليم مأمنها ... وزال عنه العنا والهمّ والكدر وقد غدت في جيوش النصر زاهية ... زهو العروس التي قد زانها الخفر والحرب حرب (ولستين) فتلك غدت ... ممّا يقصّر عنها الوصف والخبر أحاطها الجند من بعد الهجوم لها ... حزنا وسهلا، فمنها لم يفز نفر «2» لله (لورس) ما لاقت وما نظرت ... من فعلهم وظلام الليل معتكر قد هاجموها مساء والعدوّ بها ... ما أدبر الليل حتى أقبل الظفر أمسوا تذمّهم الأعداء وتمدحهم ... أهل الشجاعة حتى السّبع والنّمر قولوا لمن ظنّ أن العجز أقعدنا ... عن ردّهم حينما في عهدهم غدروا هلا سمعت بما قد قلت من مثل ... لا يحمد القطف حتى يوجد الثمر دوموا أيا عصبة الأعداء في قلق ... والدمع منهمر والقلب منفطر فإنّ أوطارنا تقضى بهمّتنا ... لا بالخيانة منا يبلغ الوطر سلوا (زراقا) و (كروانا) فقد شهدا ... فعال أبطالنا والحرب تستعر الجزء: 3 ¦ الصفحة: 340 تخبّرا عن رجال ليس يأخذهم ... فيما يرومونه أين ولا ضجر «1» (فرسالة) نبّئينا عن فوارسنا ... هل عاقهم عنك ذاك المسلك الوعر أم هل حصونك أجدت يوم حملتهم ... نفعا، وهل صدّهم عن أخذك البهر «2» يومان قد ظلّ فيها الطعن متصلا ... حتى توالت على أعدائنا الغير هيا (لدومكة) وانظر معالمها ... فالعين تشهد ما لا يشهد الخبر حلّوا ذراها وساروا نحو (أرمية) ... بعارض هطله النيران والشرر أروا عدّوهم حربا فسالمهم ... لمّا تحقق لا منجى ولا وزر وقائد الجيش قسطنطين حين رأى ... جيوشه نكّسوا الرايات وانكسروا ولّى ولم يلتفت خوفا إلى أحد ... من بعد ما زاغ منه القلب والبصر لا غرو إن مرّ وانشقّت مرارته ... فمن فوارسنا الأطواد تنفطر يا أدهم الاسم يا قاني الحسام ويا ... مردى أعاديك إن قلّوا وإن كثروا أنت المشير الوزير الفارس البطل ... م الليث الغيور الكميّ الصارم الذكر تركت فعلا لدى اليونان مشتهرا ... متى جرى ذكره أودى بها الذعر جزاك ربّك عنّا كلّ مكرمة ... فليس منا يفيك الحمد والشكر يا للبرية ما هذا المشير وما ... تلك الفوارس والأبطال والبشر؟ أولئك الحزب حزب الله من شهدت ... بحسن حزمهم الأرماح والبتر مظفّرين بعزم من مليكهم ... عبد الحميد الذي تزهو به العصر ربّ السياسة منشي العدل مالكه ... بحر الدراية سامي القدر معتبر أفكاره شهب أقواله قضب ... إنعامه سحب تهمي وتنهمر من فضله عامل الأعداء مذ كسروا ... بالصفح عن عظم ذنب ليس يغتفر كم من مليك قبيل الحرب أنذرهم ... خوفا عليهم فما أغنتهم النذر خليفة الله دم فالنصر مقتصر ... عليك إذ أنت في الشدّات مختبر يا معشر الناس هنّوا ذا المليك فقد ... أضحى بتاريخه «3» من دأبه الظفر الجزء: 3 ¦ الصفحة: 341 وعظّموا همة منه قد اشتهرت ... يقول تاريخها «1» من دأبها الظفر إلى آخره. وهي قصيدة طويلة اكتفينا منها بهذا القدر. رجعنا إلى تتمة حوادث هذه السنة: في أواخر محرّمها تم بناء مستشفى الغرباء تحت القلعة. وفيها عمر في مدينة الرقة جامع ومكتب وبعض خلوات للطلبة وكانت النفقة على ذلك- وقدرها 156500 قرش- من أموال الخزانة الخاصة. وفي هذا الشهر أيضا كان الاحتفال بمنتزه السبيل المتقدم ذكره بالغا حدّ الغاية من الرونق والبهاء. وفي صفر منها الموافق تموز سنة 1313 أحيت الحكومة في المكتب الإعدادي ليلة طرب وعزف، صرفت مجموع دخلها على تجهيز هدية لجرحى الجنود العثمانية في حرب اليونان وأيتام شهداء الجنود وأراملهم. وكانت تلك الليلة بالغة منتهى الرونق والبهاء، وكان مجموع دخلها 1015 ليرا عثمانية و 24875 قرشا. وفي شهر جمادى الثانية منها الموافق تشرين الأول سنة 1313 وقع في جهات السويدية مطر يتخلله برد، الواحدة منه في ثقل 33 درهما تقريبا، مستمرا ذلك نحو خمسين دقيقة، فحطم عروق الأشجار وقتل كثيرا من الطيور وانقضّ في خلال ذلك عدة صواعق لم تعقب ضررا. وفي رجب منها وردت الأوامر بأن يؤخذ على كل شاة تذبح أربعون، وعلى كل معزاة ثلاثون، وعلى كل بقرة مائة وعشرون بارة، يؤخذ ذلك وقتيا إعانة لمحاويج مسلمي كريد المهاجرين. وعليه صار هذا الرسم يؤخذ في مسلخ حلب، وهو فوق ما كان يؤخذ من الرسم قديما باسم الذبحية من جهة البلدية. وقد انقضت حادثة كريد وعاد مهاجروها إليها وبقيت هذه الإعانة تؤخذ على الوجه المذكور، إلا أنها صارت تصرف بعد رجوع المهاجرين إلى أوطانهم، نصفها على مكتب الصنائع ونصفها الآخر على المكاتب الابتدائية، وكان يبلغ مجموعها في السنة نحو مائة ألف قرش. وفيها في كانون الأول توالت الأمطار في مرعش بضعة أيام فانهدم فيها جامع آراسته عن آخره ولم يبق منه سوى منارته. وفيها عمر تجاه منتزه السبيل مخفرة عسكرية بإعانة جمعت من أهل الخير. وفيها- في كانون الأول- بينما كانت قافلة كبيرة تسير إلى مرعش إذ هبت عليها- وهي قرب قمة جبل آخور- عاصفة ثلجية وقفتها عن السير، وكادت تهلك عن الجزء: 3 ¦ الصفحة: 342 آخرها لولا أن اتصل خبرها بمرعش وترسل الحكومة لإنقاذها عددا من العساكر وأهل البلدة، ومع ذلك فقد هلك فيها 13 حمارا و 6 شياه. وفيها- في كانون الثاني- ورد من مرعش أن الثلوج تتساقط عليها مدة ثلاثين ساعة متوالية فتكاثفت في الجبال قدر ذراعين. وفي مدينة مرعش قدر ذراع، وأنه هلك في عواصف الثلج مسافر وسبعة دواب معه، وانقطع من كثرة الثلوج سير القوافل بين مرعش والبستان والزيتون وأندرين، وهلكت دابة البريد وصقع «1» في مرعش طفل رضيع، وأتى البرد القارس على كثير من الوحوش والضواري. وورد من معرة النعمان أن الثلج فيها كثير والقرّ شديد. وجاء من عينتاب ما يشعر بذلك وأنه صقع في إحدى الطرق المؤدية إليها رجل. وورد من إدلب أن شدة البرد قتلت في إحدى ضواحيها رجلا، وأنه لم يحدث في إدلب نظير هذا البرد منذ خمسين سنة. وفيها فتحت جادة الخندق الممتدة بين العوينة وباب حديد بانقوسا، وهدم خان الدلال باشي وصار بعضه جادة. وفيها- في آذار- شعر الناس في حلب بهزّة أرض، وحدث مثلها في أورفه ومرعش وعينتاب وكلّز وإسكندرونة وبيلان والجسر وإدلب والبيرة والباب والزيتون والبستان وأرسوز لكنها لم تعقب ضررا. وفي آذار هاجت عندنا العواصف، وقرس «2» البرد وكثر المطر والثلج. وفيها في نيسان كثر تهطال الأمطار على القرى القريبة من عينتاب، وتساقط معها برد كثير، وانقضّ صاعقة على جدار فهدمته وقتلت عشرين شاة، وجرف السيل من قرية أولو معصرة وحصانا «3» و 36 ماعزا ومن قرية أخرى نيفا وأربعمائة شاة، وراعيا. وأفسد البرد كثيرا من الزروع. وفيها أحضرت البلدية من أوروبا دولابا للماء يدور بالهواء نصبته على بئر في منتزه سبيل الدراويش، وهو أول دولاب أحضر من أوروبا على هذا الطرز. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 343 سنة 1316 هـ فيها نقلت دار حكومة قضاء حارم من قصبة حارم إلى قرية كفر تخاريم، وبنيت فيها دار حكومة بإعانة جمعت من أهل ذلك القضاء. وفي شهر صفر منها خسف القمر مبتدئا بالخسوف في نحو الساعة الثالثة ليلا، وتكامل خسوفه نحو الساعة الرابعة والنصف، ثم في نحو الساعة السادسة انتهى انجلاؤه. وفي أثناء خسوفه أخذ الناس يطلقون البنادق ويضربون على النحاس ويدقون بالهاونات جريا لعاداتهم حين خسوف القمر من قديم الزمان، زاعمين أن خسوف القمر سببه حوت يبتلعه وأنه إذا سمع أصوات البنادق وتلك الأصوات المزعجة يخاف فيمجّ القمر «1» . وفي هذا الشهر بوشر بتعمير المخفرة الكائنة في سفح جبل البختي، تجان منتزه السبيل من شرقيه، وقد عمرت من إعانة جمعت من أهل الخير. وفيها حدث في أنطاكية أن امرأة أحبت شابا فاحتالت على زوجها وأطعمته كبّة نيئة وضعت فيها شيئا من الشك المعروف بطعم الفار، وأكل معه على غير قصد منها بنت وولد لها، فلحقت الولد وأخرجت اللقمة من فمه فلم يلحقه ضرر، وأرادت أن تخرج اللقمة من فم البنت فلم تتوفق، وابتلعت البنت الطعام وبعد ساعة ماتت البنت وأبوها من السم. وشاعت هذه الحادثة في أنطاكية وحكم على المرأة بالقتل قصاصا. وسيأتي بقيّة خبرها. وفيها وضع أساس منارة الساعة في حضرة باب الفرج، في موضع قسطل كان يعرف بقسطل السلطان. وقد جرى لوضع هذا الأساس احتفال باهر حضره الوالي والأمراء والأعيان والوجهاء، فكلفني الوالي إلقاء خطبة في هذا الموضوع فقلت على الفور والبديهة بعد البسملة:: الحمد لله مبدع الكائنات، خالق الأوقات والساعات، منشئ الأملاك ومسيّر الجزء: 3 ¦ الصفحة: 344 الأفلاك، الملك الوهاب، جاعل الشمس ضياء والقمر نورا، وقدّره منازل لنعلم عدد السنين والحساب. أما بعد فإن أولى ما يفتتح به الكلام في هذا المقام رفع أكفّ الضراعة والابتهال إلى المولى المتعال، مانح النوال وسامع السؤال، بدوام أيام مولانا إلخ. وهو دعاء طويل سلكنا فيه على أسلوب ذلك الزمن. ثم قلت بعد ذلك: هذا وإن بلدتنا الشهباء لم يمض عليها غير ردح من الزمن تحت ظل عناية هذا السلطان الأعظم حتى استبدلت خرابها بالعمار، ووحشتها بالأنس وخمولها بالانتباه وخوفها بالأمن، فاتسعت فيها الشوارع وكثرت المهايع «1» وأقبل الناس بكل جد ونشاط على تملك الأراضي، واتسع نطاق العمران وأصبحت الشهباء بسعتها وضخامتها ضعفي ما كانت عليه. كل ذلك في برهة من الزمن يصعب على من كان غائبا عن حلب أن يتصورها. بلغت هذه الغاية العظيمة بأقل من نصف قرن. وها هي الآن يتعزز جمالها ويتتوج هام كمالها بتاج يحلو للعيون منظره، ويلذّ للآذان خبره، ويعمّ نفعه البعيد والقريب، ويشمل شرفه الوطنيّ والغريب، به تفصل الشهور والأعصار، وتعلم الأوقات من الليل والنهار، ألا وهو الساعة التي كانت ولادتها في الشرق وحضانتها في الغرب فما أحرى بالوالد أن يحضن ولده وبالممدّ أن يتفقد مدده، وهذا هو أسّ منارتها التي ستكون بعظمتها ناطقة بهمم الرجال أولي المجد والإقبال إلخ. وقد أرخها الشاعر الأديب عبد الفتاح الطرابيشي بقوله: قد شاد «2» بالشهبا منارة ساعة ... تزهو بإتقان وحسن صناعة في دولة الملك الحميد المرتجى ال ... ثّاني الذي ساس الورى بدراية وبهمة الوالي الرؤوف أخي الحجا ... وصنيع قوم من أعاظم سادة فهم رجال قد روى تاريخهم: ... لعلائهم حتى قيام الساعة وقال أيضا: لقد شيد في الشهبا منارة ساعة ... بعصر حميد عن علاه غدت تروي الجزء: 3 ¦ الصفحة: 345 وجاءت كما يهواه رائف أرّخوا: ... تنبّه للأوقات من كان في لهو وفيها عمر مستودع للرديف في قصبة كفر تخاريم تبرّع بالإنفاق عليه جماعة من متموّلي القضاء. وفيها بلغنا أن امرأة من قرية تغله، في قضاء كلّز، بينما كانت جالسة في بيتها إذ دخل عليها شاب من أهل القرية شاكي السلاح يريد مواقعتها، فاستغاثت به على أن يكف عنها فلم يفعل، وحينئذ قامت إلى بندقية مزدوجة معلقة بالجدار وأخذتها وأطلقت عيارها عليه فأصابت رصاصتها كبده، فما كان منه إلا أن أطلق عليها عياره فأصاب كبدها ووقعا قتيلين. وفي ذي الحجة منها توفي في مدينة إسكندرونة غلام في سن الخامسة عشرة وهو ابن فضل الله زريق، وقد حضر إليه- وهو على النعش- أحد أقاربه المسمّى قيصر، فأكبّ عليه يقبّله، ولفرط حزنه عليه فاضت روحه ولحق به في الحال. فيها تم بناء منارة الساعة. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 346 سنة 1317 هـ وفي صفر منها الموافق حزيران سنة 1315 بوشر بتجفيف مستنقع إسكندرونة، فبي عليه سد عظيم طوله خمسمائة متر، وتقرر أن يكون طوله 950 مترا ثم فترت الهمة وبقي المستنقع على ما كان عليه. وفيها هدم مسجد كان عند باب حديد بانقوسا توسعة للطريق، وبني بدله في موضعه مسجد بديع الطّرز مع مكتب ابتدائي في قربه. وفيها وصل إلى حلب دولاب طولمبة «1» يدور بقوة الهواء فنصب عند العوينة وعمر له في قربه حوض عظيم ينفذ ماؤه إلى كيزان مطمورة في الأرض ممتدة إلى قرب باب الفرج، قد جعل لها منافذ لولبية يوضع فيها خرطوم للرش، وقد استعمل مدة قليلة ثم تعطل الدولاب، وكانت البلديّة صرفت على ذلك زهاء ثلاثة آلاف ذهب عثماني. وقد نصب نظير هذا الدولاب في محلة الجميلية وبعض البساتين فلم ينجح. وفيها تم بناء العمارة على عين الموقف في إسكندرونة وجرت لها حفلة فائقة. وفي جمادى الأولى منها قدم على حلب سيف الدولة ابن شاه إيران قاصدا زيارة مقامات أهل البيت النبوي في حلب وغيرها من البلاد الشامية، فاستقبلته الحكومة استقبالا باهرا ونزل ضيفا عند شهبندر «2» دولة إيران فبقي بضعة أيام ثم سافر إلى جهة مقصده. وفيها تم عمل خريطة لمدينة حلب اعتنى بوضعها منهدس الولاية شارتيه أفندي وراغب بك ابن رائف باشا والي الولاية، وقد أخذت في الفوطغراف على مقياس جزء من أربعين جزءا، وهي أول خريطة وضعت لمدينة حلب وجاءت غاية بالضبط والإتقان. وفيها نجز فتح جادة العطوي ووصلت بطريق المركبات الآخذ إلى إسكندرونة المارّ قرب محلة السليمية- المعروفة بالجميلية- وهي تبتدىء من مزار السهروردي آخذة إلى طريق المركبات، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 347 من وسط بستان باقي جاويش وبستان إبراهيم آغا مارة على الجسر الجديد الذي تم بناؤه في هذه الأيام وهو من أحسن جسور نهر قويق وأفخمها. وفي هذه السنة كان الشتاء شديدا وكثرت فيه الثلوج والأمطار وغرق في السيول كثير من الناس والدواب في حلب وغيرها، وكثر الهدم- خصوصا في عينتاب- وقرس البرد ولا سيما في البلاد الشمالية، فقد تعددت فيها حوادث توقف القوافل في الطرقات وموت الكثيرين من الناس والدواب بالقرّ. وفي ضاحية كلّز هجم وحش شبيه بالكلب على صغار يمرحون فاختطف منهم بنتا وغاب بها وبعد أن تعقبه جماعة من الشجعان وجدوا رأس البنت وذراعها على سفح جبل ولم يظفروا بالوحش. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 348 سنة 1318 هـ عزل رائف باشا عن ولاية حلب: فيها عزل المرحوم رائف باشا عن ولاية حلب، وكان وزيرا شهما جمع بين القوة والأمانة. وقد أثر في حلب آثارا حسنة، منها منتزه السبيل وبرج الساعة والجادة الكبرى الممتدة من حضرة مزار السهروردي إلى محطة الشام، والجسر العظيم المضروب على نهر قويق في هذه الجادة الذي تضاف إليه. وله في حلب غير ذلك من الآثار التي يثني عليه لسان حالها مدى الأدهار. وكان السلطان عبد الحميد يحذره ويسيء به ظنونه، لاعتقاده به أنه يسير في الدولة على منهاج مدحت باشا بطل الدستور العثماني، لأنه كان معاونا له في ولايته على بغداد. ولما عزل الآن عن ولاية حلب أسرع الرحيل عنها إلى وطنه استانبول فتوجه إليها بحرا عن طريق إسكندرونة. ولما وصل إلى المحل المعروف باسم قرق خان قرب مدينة بيلان وصل إلى وكيل الوالي بحلب- علي محسن باشا- رسالة بالبرق فحواها أنه صدرت إرادة سنيه بتوقيف رائف باشا عن السفر إلى استانبول. فبلّغه وكيل الوالي هذه الرسالة وهو في قرق خان، فبقي هناك مدة كالمنفيّ. ثم وردت رسالة أخرى بعوده إلى حلب فعاد إليها ونزل ضيفا كريما في منزل المرحوم أحمد أفندي كتخدا. وكان سبب توقيفه عن السفر أن بعض كبار الأتراك المنفيين في حلب سعوا به سرا لدى السلطان عبد الحميد وألصقوا به تهمة الطعن والتنديد بالسلطان، وأنه أزال أثرا عظيما من آثار السلطان سليمان خان، وهو القسطل المعروف باسم قسطل السلطان- الذي أسلفنا الكلام عليه في محلة بحسيتا من الجزء الثاني- وأنه بعد أن محا أثره بنى في موضعه برج الساعة الذي هو من بدع الفرنج. وأنه فعل غير ذلك من الأمور التي لا تنطبق على أحكام الشرع الشريف، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 349 ولا تروق للسلطان عبد الحميد الذي كان مبدؤه التظاهر بالأعمال الدينية إرضاء للرعية، فيتوخى كلّ عمل يلائم أفكارهم. وألصق به هؤلاء المنفيون غير ذلك من التهم التي هو براء منها والتي لم يقصد من عملها سوى خدمة الوطن وتحسين أحوال البلدة. وكان الباعث لهؤلاء الطغمة الشريرة على وشايتهم به أنه كان مدة ولايته في حلب يعارضهم في أعمالهم الاستبدادية، ويمنعهم عن تداخلهم في شؤون الحكومة، وكان أسلافه الولاة يهابونهم ولا يعارضونهم في تداخلهم، أما هو فإنه ضرب على أيديهم ووقف تيار استبدادهم وأعلمهم بأنهم هم منفيون ليس لهم من الأمر شيء. بقي رائف باشا ضيفا كريما في منزل أحمد أفندي كتخدا مدة تزيد على شهرين، وهو في أثنائها في ضنك عظيم يتوقع كل لحظة صدور أمر السلطان بجعله من جملة المنفيين، غير أن السلطان تحقق في هذه المدة بواسطة جواسيسه الصادقين أن رائف باشا من المخلصين في ولائه وأن جميع ما ألصقه به أعداؤه من التهم كذب وبهتان، فأصدر إرادة سنية ترخّص له الحضور إلى استانبول، فتوجه إليها. وفي يوم خروجه من حلب خفّ لوداعه عدد عظيم من العلماء والأعيان إلى منتزه السبيل، فجلس هناك برهة من الزمن ثم استأنف المسير إلى جهة إسكندرونة، فأسف عليه الناس أسفا عظيما ودعوا له بالسلامة وطول البقاء. ولاية أنيس باشا في حلب: وقبل سفر رائف باشا إلى استانبول بأيام قلائل، حضر إلى حلب أنيس باشا واليا عليها فنزل في دار البلدية وأقبل الناس عليه للسلام. وفي ثاني يوم من وصوله نزل إلى الجامع الكبير وزار المرقد الشريف، وطاف في البلدة وزار مراقد الأولياء والصالحين وعاد إلى منزله. ومضى على قدومه إلى حلب عدة أيام ولم تزره قناصل الدول المعظمة. ثم شاع عنهم أنهم يطلبون من السلطان تبديله وأنهم لا يعترفون بولايته على حلب زاعمين أنه هو الذي أغرى الأمة في ولاية ديار بكر- حينما كان واليا عليها- بالقيام على الأرمن وقتلهم. ولما أصر القناصل على عدم الاعتراف بولايته على حلب ورد إليه أمر مرموز بأن يبقى مختبئا في منزله لا يظهر إلى أحد حتى يأتيه أمر آخر يوضح له ما يجب عليه عمله. فبقي هذا الوالي المسكين مختبئا في منزله كالمحبوس مدة شهرين أو أكثر لا يظهر لأحد، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 350 وقام بأمور الولاية بدله علي محسن باشا القائد العام على حلب وأطنه وما والاهما. ثم ورد له الأمر بالظهور ومباشرة العمل. رأى السلطان عزل أنيس باشا عن ولاية حلب- لمجرد رفض القناصل ولايته عليها- وهنا في سطوته وإخلالا بشرف سلطنته، فأبقاه مختبئا تلك المدة مغالطة وإيهاما بأنه قد عزله. ثم استرضى السفراء على إبقائه واليا في حلب فبقي أمره نافذا ولم ينكسر للأجانب، وعدّ تدبيره هذا من جملة دهائه ونبوغه في فنون السياسة. وفي جمادى الأولى منها تم بناء مستودع المواد النارية العسكرية- المعروف باسم جبخانة- خارج حلب في شرقيها إلى الشمال قرب تكية الشيخ أبي بكر الوفائي وكانت المواد النارية قبلا تحفظ في مستودع داخل القلعة وبعضها يحفظ في مستودع داخل الثكنة العسكرية المعروفة بقشلة الشيخ يبرق، فخيف من حدوث حريق يتصل بهذين المستودعين فينجم عنه أضرار عظيمة فنقل ما فيهما إلى المستودع الجديد. وفي هذه السنة كان الشتاء شديدا والثلوج كثيرة وأخبار الهالكين بالقرّ والصقيع وفيرة، خصوصا في جهات مرعش والبستان وتلك الجهات. وفي ذي القعدة منها تمّ إنشاء حديقة محلة العزيزية المعروفة بالمنشية، وركب على بئر- حفر فيها- دولاب هوائي يرفع الماء إلى برميلها ثم ينحدر إلى حوض مهندم في الحديقة كأنه حوض طبيعي. وقد جاءت الحديقة غاية باللطافة وحسن المنظر. وفي هذا الشهر كان الاحتفال بتأسيس الثكنة العسكرية في مدينة إسكندرونة. وفيها انتهت جميع متممات مستشفى الغرباء الكائن تحت القلعة قرب سوق الضرب، وفرش بالأسرة ودخلت إليه المرضى من الفقراء وهو مستشفى حافل يقل نظيره في البلاد العثمانية، قد اشتمل على غرف للرجال وأخرى للنساء وخلوات للممرضين والأطباء وأماكن للتشريح والأعمال الجراحية وأهراء «1» للمؤنة وغير ذلك. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 351 سنة 1319 هـ وفي صفر منها فتح في حلب مكتب للصنائع، وهي النجارة والخياطة وعمل الأحذية- المعروفة بالقندرات- ونسج الأقمشة الغزلية ونسج الجوارب. والنفقات الأولية لهذا المكتب جمعت من دخل مسارح التياترو والنفقات الدائمة من إعانة وضعت على اللحم قبل بضع سنوات باسم إعانة مهاجري كريد، وقد وليت إدارته فأسست صنائعه ورتبت أموره وبقيت مديرا فيه مدة أربع سنوات. وفيها حضر إلى حلب آلة لحفر آبار شبيهة بالأرتوازية، وحضر مع الآلة أستاذان فباشرا مهنتهما في جهة من جادة الخندق- بين باب النصر والسهروردي- وعملا هناك بئرين فما مضى عليهما غير قليل من الزمن حتى تعطلا، وانصرف الأستاذان من حلب بما معهما من الآلات. على أن هذه الآبار يستخرج منها الماء بواسطة طلنبة «1» مركبة على فوّهة الأنبوب الذي يخترق الأرض ويصل إلى منبع الماء. وفي فصل الربيع من هذه السنة الموافقة سنة 1317 رومية تساقط على ولاية حلب برد كثير- لا سيّما في جهات مرعش والبستان- وكان كبير الحجم، بعضه في حجم البيضة، وقد قتل عدة أوادم ومواشي «2» ، وأفسد كثيرا من الزروع. وفيها ورد من البستان أن سبعة أشخاص أكلوا نوعا من الفطر فماتوا كلهم، واتصل الخبر بحكومة ذلك القضاء فأصدرت أمرا يقضي بمنع بيع الفطر. وفيها- في التاسع والعشرين أيار- سقط في إسكندرونة صاعقة على زاوية غرفة في الطابق العلوي من شرقي فندق فهدمت جانبا من الزاوية ودخلت الغرفة فصدمت قائمة سرير حديدي كان نائما عليه رجل فاحترقت حاشية السرير ولم يتضرر النائم بشيء من جسمه، ثم خرجت من الغرفة وصدمت قنطرة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 352 في جهة النهر فهدمت أكثر من نصفها، ورفعت حصانا كان هناك وألقته على بعد عشرة أمتار من موضعه فهلك. وفي ليلة الخميس عشرين من جمادى الثانية- في نحو الساعة السادسة منه- شبّت النار من دكان روّاس في سوق العرصة من عينتاب وسرت إلى ما جاورها فأتت على ثلاث دور ومائتين وسبعين دكانا واثني عشر فرنا وسبعة بيوت قهاوي وثمانية مخازن ومطحنة وأتت على جانب عظيم من خان وعشرين دكانا ثم خمدت. وفي آذار السنة الرومية- بعد العشاء الأخيرة- انقضّ على ردهة دار بني صولا- أحد بيوتات المسيحيين التليانيين في محلة الجلوم الكبرى بحلب- صاعقة دخلت من داخن الموقد المعروف بالصوبا، وكانت الردهة خالية من الناس، فحطمت الصاعقة شيئا من زجاج النوافذ، وصدمت بعض عقود قناطرها فنفر من اللطمة قدر قيراطين، ثم خرجت الصاعقة من النافذة التي حطمت زجاجها ودرجت على الزنك الذي هو سقف الدرج وصدمت قنطرة باب الدار الذي غلقه من الحديد فأبقت في القنطرة أثرا دخانيا وتطايرت المسامير المغروسة في باب الحديد، وهكذا انتهت حركتها. وفيه هاج في اسكندرونة إعصار دمر منها عدة منازل على البحر. على أن هذه المدينة لا تكاد تسلم من الإعصار في مثل هذه الأيام كل سنة. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 353 سنة 1320 هـ فيها كان افتتاح مربى الخيل المعروف باسم حارة في جهة الحمرة. فقام الوجهاء وأكابر المأمورين يتزلفون إلى السلطان بإهداء الخيول الأصائل التي تربّى في ذلك المحل. وفي مدة وجيزة نجح المربى نجاحا باهرا ثم أخذ يتقهقر إلى أن اضمحل في بضع سنوات ولم يبق له ذكر. وفيها نصب على قنّة جبل البختي- تجاه منتزه السبيل في ظاهر حلب- طاحون يدور بالهواء على الطرز الجديد، فاشتغل مدة ثم تعطلت آلاته وبطلت حركته. وفي هذه السنة- في كانون الأول- توالت الأمطار على حلب وعينتاب وأنطاكية، فحملت السيول وطغت الأنهار طغيانا عظيما وانبسطت على الحقول والعمران، فهدمت البيوت وأتلفت الزروع، وأغرقت عدة أوادم ودوابّ. وفيها عزل والي حلب أنيس باشا من ولايته وكان عفيفا متدينا محبا للخير، وقد بذل ما في وسعه لنجاح مكتب الصنائع وغيره من المباني الخيرية. وقد ولي حلب بعده مجيد بك. وفيها- في كانون الأول- أنبأت حكومة دمشق أن الهواء الأصفر قد تفشّى فيها، فأرسل من حلب ضابط ومعه عدد كاف من الجندرمة «1» الفرسان إلى كل موضع من المواقع الكائنة وعلى حدود ولاية دمشق، وهي خان شيخون والهبيط وقلعة المضيق والحمراء، لتكون هذه القرى تحت نظارة الضابط ومن هو في صحبته من الجنود. ثم فتح في خان شيخون محجر صحي، فيه الأطباء وأدوات التبخير لفحص من يمرّ من هناك قاصدا جهات حلب، وضرب على قرية الهبيط والمضيق والحمراء نطاق صحي. وفيها انتهى تعمير مخفرة في السويدية من أعمال أنطاكية عمرت من إعانة جمعت من أهل الخير. وفيها- في شباط- زالت علة الهواء الأصفر من دمشق ورفعت المحاجر الصحية الجزء: 3 ¦ الصفحة: 354 (الكورنتينة) من خان شيخون والهبيط والمضيق والحمراء. وفيها عملت الحكومة إحصاء مواليد ووفيات في الجهات الآتي ذكرها، في غضون ستة أشهر من هذه السنة، فكانت كما يأتي «1» : وفيات/ مواليد الإناث/ الذكور/ الإناث/ الذكور/ جمع الوفيات/ جمع المواليد/ اسم/ القضاء 95/604/565/926/701/1491/قضاء أنطاكية 434/464/432/601/898/1033/- حارم 33/72/112/136/105/288/- إسكندرون 322/888/165/848/1110/1494/- كلّز 79/111/179/187/190/366/- المعرة 156/307/384/482/464/866/- جسر الشغور 848/597/606/777/1345/1384/- إدلب//// 4883/6922/960/1687/2575/3048/2647/5623/لواء مرعش//// 7420/12545 وأحصيت المواليد والوفيات في لواء مرعش في غضون ستة الأشهر المذكور، فبلغت مواليده 5623 الذكور منهم 3048 والإناث منهم 2575 ووفياته 2647 الذكور منهم 1687 والإناث منهم 960 نسمة. وفيها ورد من متصرفية مرعش أن بقرة في قرية جلكي- في قضاء البستان- ولدت ثلاثة عجول في بطن واحد وبعد أربعة وعشرين ساعة هلكت العجول وأمّهم «2» . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 355 سنة 1321 هـ فيها مدّ السلك البرقي من حلب إلى الباب. وفيها- في أوائل آب- فتح في المكتب الإعدادي الملكي- الكائن في محلة الجميلية ظاهر حلب- معرض عام لتشهير البضائع التجارية والصناعية الوطنية: كالمنسوجات القطنية والحريرية والقصبية الفضية، والمصنوعات التطريزية والغلات الزراعية والحيوانية، والمصوغات الفضية والذهبية، والعروض الخفافية والسراجية والحديدية والنحاسية، والنجارية والترابية والدباغية والعطرية، من حلب وأكثر البلدان الكبار في ولايتها كعينتاب والرها ومرعش. وزيّن المكتب داخلا وخارجا بالرايات وأنواع السجّاد- الذي هو من مصنوعات حلب- والقطع الجميلة، وأنير في الليل بالأضواء الساطعة، وأقيمت في رحبته الألعاب التريّضية المعروفة باسم (جيمنستق) ، وفي الليل الخيالية المعروفة باسم (سينه توغراف) وهرع إليه الناس من حلب وغيرها، واستمر مفتوح الأبواب كذلك مدة شهر وزيادة، والبضائع التي حازت فيه قصب السبق وصارت محل إعجاب الجميع هي منسوجات حلب. وقد أخذت فيه غرفة لعرض مصنوعات مكتب الصنائع، فأقبل الناس على شرائها باليانصيب فراجت وربحت. ثم زاحمني على الغرفة نجيب بك ابن الوالي، أخذها مني لرجل يعينه على فجوره، فاستأت من هذا العمل واستقلت من مديرية المكتب. وبلغ الخبر والده فاستاء منه وزجره واسترضاني فعدت إلى إدارة المكتب. وفيها في آب سنة 1319 ظهر في حلب مرض مشكوك به ثم تحقق الأطباء أنه مرض الهواء الأصفر، وكان قبلا ظهر في دمشق وفتك في أهلها فتكا ذريعا، وزحفت جراثيمه إلى حماة ومنها إلى جسر الشغر وإدلب والبيرة وكلّز وعينتاب، ثم ظهر في حلب وأحصي عدد من مات فيها في برهة أسبوع فكانوا أحد عشر شخصا. فاهتمت الحكومة في قضية الكنس والرشّ وتنظيف الشوارع والأزقة من القمامات والأقذار. وكان قبل أيام من ظهوره وصل إلى حلب طبيب ألماني اسمه فونسكي أفندي، ومعه عدد من الأطباء أمر الجزء: 3 ¦ الصفحة: 356 السلطان بإشخاصهم إلى حلب للاهتمام بالأسباب الواقية من تطرق هذا المرض إلى حلب من البلاد التي ظهر فيها في الولاية وغيرها. فأوعز هؤلاء الأطباء إلى البلدية بأن تعزز وسائط النظافة وتلتفت إلى الفواكه المضرّة فتمنع بيعها، وأن تعمر على كل حوض مكشوف في المساجد وغيرها جدارا يمنع تناول الماء من الحوض رأسا منعا للتلويث، بل يكون تناول الماء من الحوض بواسطة مبذل «1» . فقامت البلدية بجميع ما أمرها به الأطباء، ولكن مع هذا كله ما برح هذا المرض يفتك في النفوس حتى أوائل تشرين الثاني من سنة 1319 إلا أنه كان خفيف الوطأة بحيث لم تزد وفياته اليومية في شدّة بحرانه «2» على خمسين نسمة. ثم إنه بعد أيام تقلص ظلّه من إدلب وعينتاب وبيره جك وإسكندرونة وحماة وحمص وطرابلس الشام وبقية بلاد سورية، ورفعت عنها مناطق الحجر الداخلية والخارجية وعادت مياه الصحة إلى مجاريها. وفيها- في حادي عشر تشرين الثاني- هطلت أمطار غزيرة على عينتاب وضواحيها، فحملت منها السيول على قرية «تنب» القريبة من عينتاب وأتت على قرباط هناك تحت بيوت الشعر فأغرقت منهم ثلاثة وعشرين إنسانا وثلاثة حمير وثلاث رمكات «3» . وبعد أن انحسر الماء عن ذلك الموضع التقطت جثث الغرقى ودفنت. وفاة علي محسن باشا: وفي أول يوم من شوال هذه السنة توفي في حلب الفريق علي محسن باشا ابن كل حسن باشا، أحد ياوري «4» السلطان عبد الحميد، ووكيل القائد العام فوق العادة في حلب وأطنة (آذنة) وضواحيهما. أمضى في حلب نحو خمس عشرة سنة. وحينما حضر إليها كان برتبة القائممقام، ثم حاز رتبة الفريق، ثم في حادثة الزيتون صار وكيل القائدية العامة المذكورة ليكون واقفا لحوادث الأرمن بالمرصاد، وهي وظيفة وقتية ألغيت بعد انقلاب الحكومة العثمانية إلى الحكومة الدستورية. وكان علي محسن باشا جوادا كريما حلو الشمائل الجزء: 3 ¦ الصفحة: 357 محسنا للحلبيين متلطفا بهم محبا لصالحهم، كما أن أهل حلب كانوا يحبونه كثيرا. وقصره في محلة السليمية- المعروفة بالجميلية- هو ثاني قصر بني فيها. ولما توفاه الله بلغ منهم الأسف عليه مبلغا عظيما رجالا ونساء، ومشى في جنازته منهم زهاء ثلاثين ألف شخص، سوى من كان واقفا منهم على أسطحة البيوت الكائنة في ممر الجنازة من محل سكناه في السليمية إلى التكية المولوية خارج باب الفرج حيث دفن. وقد عمل على قبره الرخام الأبيض المؤزر البديع الصنعة وكان مولده سنة 1268 وهذا العدد يوافق عدد حروف (علي محسن) وهو اسمه. وفي هذه السنة اهتم يحيى بك ألاي بك الجندرمة الدمشقي- من بني الشمعة- بافتتاح مكان في منزله في محلة «الجديدة» لنسج السجاد الذي كان لا يوجد من صنّاعه في حلب سوى شخص أو شخصين. وقد أحضر يحيى بك صناعا من البلاد الشمالية، وعمل في ذلك المحل مكانين أحدهما للرجال والآخر للنساء، فما مضى غير زمن قليل حتى ظهر من المتعلمين بارعون في هذه الصنعة واستغنوا عن المعلمين، وفشت هذه الصنعة في أكثر محلات حلب وصار السجاد الحلبي مما يتنافس فيه أهل الولع في السجاد. على أن هذه الصنعة كانت معروفة في حلب منذ دهر قديم ثم فقدت إلى أن جددها يحيى بك المومأ إليه. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 358 سنة 1322 هـ فيها تم تعمير مستشفى الغرباء في اسكندرونة وسمي المستشفى الحميدي، وهو مشتمل على ثمانية مخادع، كبرى سفلى وعليا، وعلى سبعة مخادع صغرى، والقسم العلوي منه يستوعب اثنين وخمسين سريرا. ويشتمل أيضا على قاعة كبرى تعرف بالصالون وكانت النفقة على تعميره من بلدية اسكندرونة. وفيها كان الشروع بإحصاء سكان ولاية حلب، فقسمت مدينة حلب إلى أربعة «1» مناطق، عينّ لكل منطقة منها لجنة تتجول في محلاتها وتحصي أهلها. وفيها كان الشتاء شديدا والبرد قارسا، وكثرت أخبار الغرق والهدم وسقوط الصواعق وموت الناس والدوابّ بالبرد في شمالي الولاية. وفيها عزل مجيد بك عن ولاية حلب ووليها عثمان كاظم بك، وكان مجيد بك عفيفا عاقلا غير أن ولده نجيب» كان سفيها مسلطا على المستخدمين بأخذ أموالهم بالتخويف والتهديد، وكانت أفعاله سببا لعزل والده. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 359 سنة 1323 هـ فيها عزل عثمان كاظم بك عن ولاية حلب ووليها ناظم باشا الشروع بأعمال سكة حديد حلب- حماة فيها تم الاتفاق بين الحكومة العثمانية وبين شركة سكة حديد حماة وحلب على أن تدفع الحكومة للشركة ثلاثة عشر ألفا وستمائة وستة وستين فرنكا باسم تأمينات عن كل كيلومتر من الخط المذكور الذي تقرر مده من حماة إلى حلب، والمسافة بينهما 143 كيلومتر. وشاع أن الشركة مزمعة على أن تجعل محطة حلب في غربي البلدة، أي في محلة السليمية بعد أن كانت مصممة على جعلها في محلة قارلق. فقام أهل المحلات الشرقية من حلب وقعدوا وخابروا قائدية العسكرية ووعدوه بإعطاء أراض كثيرة في جوار المحطة التي تكون في ضاحية محلاتهم، فوعدهم بأنه سيجعل المحطة في قارلق. فعارض بذلك أهل المحلات الغربية وكثر اللغط، وحينئذ رأى الوالي ناظم باشا بأن يجمع عددا وافرا من أهل الزراعة والتجارة ويرى أيّ الفريقين أكثر، القائلين بجعل المحطة في قارلق أم القائلين بجعلها في السليمية؟ فانتخب نحو خمسين شخصا وكلفهم الاجتماع عنده وبيان رأيهم لديه. فاجتمعوا في دار الحكومة نهار الثلاثاء عشرين رجب. وكان قبل الاجتماع بساعة تولّد في هذه المسألة رأي جديد، وهو جعل المحطة في خراب تحت القلعة. فلما اجتمع الناس في ذلك اليوم تبين أن القائلين بجعل المحطة في قارلق ثمانية وفي السليمية ثلاثة وعشرون، وفي خراب تحت القلعة واحد وعشرون شخصا. فأنهى الوالي بذلك إلى المراجع العليا، وتهافت كل حزب على التلغراف يرفعون فيه الرسائل بطلب جعل المحطة في الموضع الذي أراده. فلم يفدهم ذلك شيئا لأن الشركة والمراجع الاختصاصية متفقون منذ بضع سنوات على جعل المحطة في السليمية. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 360 ثم في أوائل رجب بدأ العملة يشتغلون بحفر الأسس وتمهيد الأرض في محلة السليمية عند المحطة الحالية. وتتابع العمل، وفي برهة وجيزة من الزمن ارتفعت المباني وتحقق الناس أن المحطة لا تكون إلا في هذه المحلة. وفيها تم إحصاء النفوس في حلب وملحقاتها فزاد فيه عدد أهل حلب بالنسبة إلى الإحصاء السابق 14585 شخصا، ومع ذلك لم يكن الإحصاء مدققا فإن الناس الذين أخفوا أنفسهم من التسجيل في حلب- ولا سيما في ملحقاتها- لا يقلون عن الثلاثين في المائة، عدا سكان البوادي الرحل فإنهم لم يسجل من عددهم عشرة في المائة. وفيها ورد من قائمقام قضاء إدلب وحارم إلى والي حلب أن بغلة شقراء عند أحمد الحمودي من عشيرة البقّارة وأهل قرية «عري» في قضاء حارم، وبغلة أخرى عند صون آغا تومي- من قرية بقسمتة في قضاء إدلب- ولدت كل واحدة منهما بغلا، وقد أحضر فلو «1» إحدى البغلتين إلى حلب وشاهده كثير من الناس. ضريبة جديدة: وفيها ورد الأمر بفرض ضريبة جديدة على الناس اسمها «ويركو شخصي» وذلك بأن يطرح على كل ذكر بالغ صحيح الجسم مقدار من المال يدفعه عن كل سنة إلى جهة الحكومة، بحيث يكون ملحوظا في مقدار المال حالة الشخص من جهة الفقر والغنى، على أن تكون أقل المراتب خمسة عشر قرشا في السنة وأكثرها مائتي قرش، وأن المستخدمين في الحكومة يحسم عن كل واحد منهم في السنة من راتبه الشهري راتب يومين إن كان راتبه يبلغ خمسمائة قرش في الشهر، وراتب أربعة وعشرين يوما إن كان راتبه فوق خمسمائة قرش. وقد استاء الناس من هذا الأمر ولا سيما الفقراء منهم، وانتدب كثير من أهل الجد والنشاط يرفعون شكاياتهم إلى السلطان ويسترحمون منه مسامحتهم عن هذه الضريبة الجديدة فلم يلتفت إلى استرحامهم. وكانت الحكومة باشرت جمع هذه الضريبة في جهات الأناضول، فهاج أهل أرزروم وماجوا وامتنعوا عن دفع الضريبة وهجموا على الوالي وأهانوه وكادوا يوقعون به. وتفاقم الأمر في تلك البلدة فخافت الحكومة سوء العاقبة وصدر الأمر بإبطال هذا المكس الجديد الجزء: 3 ¦ الصفحة: 361 الذي لم تمتنع الرعية عن دفعه إلا لعلمها بأنه سيكون من جملة ما يصرف على الخونة والمستبدين والجواسيس اللائذين بقصر يلديز، فقد كان القسم الأعظم من مداخيل الدولة تدخل هذا القصر وتختفي فيه، وما يبقى منها خارجه يصرف في سبيل الفسق والفجور، وجنود الدولة وحماتها والمستخدمون فيها ومن له راتب على وظيفة شرعية يتململون على نار الفقر والفاقة لتأخر رواتبهم وحبس جراياتهم عنهم بسبب فقر بيت المال، وما فيه من فقر ولكن الظالمين كانوا متسلطين عليه. وفي هذه السنة كان الجراد في ملحقات حلب كثيرا ولا سيما في قضاء الباب. ولما كان فصل الشتاء اهتمت الحكومة بجمع بزره وإتلافه فجمع من ذلك القضاء فقط 3395 شنبلا حلبيا ومجموع ذلك 169150 أقة. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 362 سنة 1324 هـ فيها- في آذار- كان البرد في ولاية حلب شديدا والأمطار غزيرة، وقد تواردت الأخبار من أورفة وإدلب وجسر الشغور بموت عدة أشخاص على الطرقات من شدة البرد وكثرة الأمطار وزوابع الثلج. وفي هذه السنة قدم على حلب عدد عظيم من مهاجري قافقاسيا وداغستان وغيرهما من الأمم الإسلامية الذين هم تحت حكم الدولة الروسية، وقدم آخرون من مهاجري جزيرة كريد، فاهتمت الحكومة بإسكانهم في ولاية حلب، وخصصت لهم في أكثر أقضيتها جهات عمرت لهم فيها المنازل، وأعطت كل ذي عائلة منهم قدر ما يكفيه من الأراضي ليزرعها ويعيش من خيراتها. والجهات المذكورة هي قرية خناصر- في قضاء منبج- وقرية رعده لى في قضاء كلز، وقطعة أرض من مدينة إسكندرونة، وقرية بالطه جي في قضاء أنطاكية، وقطعة أرض في مدينة الرقة. وصول قطار سكة الحديد إلى حلب: وفي يوم الخميس 12 جمادى الثانية الموافق 20 تموز سنة 1322 رومية وصل إلى محطة شمندوفر «1» حلب وحماة- المتقدم ذكرها- قطار من واغونات (عجلات) العمليات، وهي أول عجلات سكة حديدية وصلت إلى حلب، وكان الناس قبل أيام يخرجون إلى المحطة ألوفا مؤلفة للتفرج على مدّ قضبان الحديد، ومنهم من يتوجه إلى جهة جسر الحج للتفرج على أعمال السكة، إلى أن كان مساء يوم الخميس المذكور أقبل القطار المتقدم ذكره وهو مزين بأنواع الرايات، وحوله في المحطة ألوف من الناس يشاهدون وصوله. ثم في يوم الخميس 16 شعبان الحادي والعشرين من أيلول سنة 1322 رومية جرى الجزء: 3 ¦ الصفحة: 363 الاحتفال بتدشين سكة حديد حلب وحماة على صفة باهرة، فحضر الوالي وقائد العسكرية ومن دونهما من المأمورين والأمراء والأعيان والوجهاء، وبعض أدباء حلب وبيروت وتلامذة المكاتب، فتليت الخطب وعزفت الموسيقى العسكرية، ثم ذبحت القرابين ودخل عظماء الناس إلى حجرة من من حجرات المحطة أعدّت فيها أنواع من الأطعمة الباردة فأكلوا ثم ركبوا عجلات الشمندوفر وهي مزدانة بالرايات العثمانية. وكان واقفا على طول الخط من المحطة إلى قرب جبل الجوشن صف من الناس يعدون بالالوف، وركب جوق الموسيقى العسكرية عجلة أخرى وطفق يترنّم باللحن الحميدي والأنغام المطربة. ثم سار القطار إلى قرية الوضيحي التي تبعد عن حلب مسافة خمسة عشر (كيلومتر) وهناك استراح الركاب قدر نصف ساعة ثم عاد بهم القطار إلى حلب وهم يشنّفون أسماعهم بأنغام الموسيقى. ولما وصل إلى المحطة أكرم الحاضرون بالمرطبات والقهوة وانصرفوا إلى أماكنهم. وفيها ألحق بقضاء أنطاكية عدة قرى كانت من أعمال جسر الشغر، وهي: جقصونية وجوقاق وسيلوه، وشمره جق وجيله وجوراق، وميادون وباملكه وحاجي باشا، وكولي وطاملاينه وعاقليه ودوايته، وأوج أغز وجقور أوراق، وقارلق وباسيه وعين فوار. وألحق بقضاء الجسر عدة قرى كانت من أعمال قضاء أنطاكية وهي: زرزور وهبته وعين ثابت، وبيرون ودوز أغاج والحمام، ودستور فوقاني وعين سماق وعين الخنزير، وأستاريه وتروف وكوجوك كين، وباغ ببلي وموبلين وزنباقيه وحسيني قرب. وفيها اهتمت البلدية بفرش البلاط على الجادة الكبرى الممتدة من باب دار الحكومة إلى حضرة السهروردي. فاختل بعد مدة وجيزة وأكلته بكرات العجلات فقلبته البلدية وفرشت الجادة بحجر أسود فاستقام أمره. وفيها- في كانون الثاني- كثر تساقط الثلوج على مرعش وضواحيها واشتد القرّ فهلك بسبب ذلك عدد من الناس والدوابّ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 364 سنة 1325 هـ مصابيح لوكس: فيها أحضرت البلدية من مصنع لوكس نحو سبعة مصابيح وركزتها في أشهر فسحات حلب، وهي أول مرة استصبح فيها بحلب بالمصابيح المذكورة، والناس في حلب يسمونها الكهرباء. وفيها- في حزيران- خصصت الحكومة في المكتب الإعدادي بحلب مكانا لأعمال تربية دودة القز، وأباحت الدخول إليه كلّ من أراد أن يشتغل بتربية الدودة المذكورة، ووعدت السابق منهم بنوط «1» ونقود. فأقبل على ذلك المكان صنّاع القز من حلب وأنطاكية وأعطت السابق منهم الجائزة الذي وعدت بها. وفيها في أيلول أجرت الحكومة سباق الخيل في أرض الحلبة ووعدت من يحوز قصب السبق بجائزة نقدية قدرها ليرتان إلى خمس وعشرين ليرا، أدنى السابقين ليرتان وأعلاهم خمس وعشرون ليرا. وكان ذلك اليوم مشهودا حضره الأمراء وعظماء المأمورين والوجهاء والأعيان وألوف من الناس. وهي أول مرة أجرت الحكومة العثمانية في حلب سباق الخيل. وفيها وضع في خان أقيول مطحنة إفرنجية عظيمة قوة محرّكها 58 حصانا تنقّي الحبوب وتغسلها وتطحنها وتنخلها، وهي تدور بقوة تسمى الغاز الفقير، يتولد من الفحم الحجري أو النباتي. وهي أول مطحنة من هذا النوع وضعت في حلب، وكان وضع قبلها بسنة في برية المسلخ مطحنة بقوة خمسة وأربعين حصانا يدور محركها بقوة زيت البترول المعروف بالكاز. وقبلها وضع في حلب وغيرها من بلدانها مطاحن عديدة من هذا النوع، وهي ومعامل الجليد آخذة بالزيادة يوما فيوما. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 365 سنة 1326 هـ فيها- في حزيران- ورد من الجهات الشرقية جراد طيّار نزل في حلب وضواحيها وكثير من مضافاتها، فأكل الزروع الصيفية كالقطن والسمسم والبطيخ، وما يوجد في بساتين حلب من الخضر كالباذنجان والخيار والقثاء، حتى غلت أسعارها وعزّ وجودها. وكان يتهافت على قناة حيلان ونهر قويق تهافت الفراش على النار، ففسد ماؤهما وخيف من ضرره، فقطعت البلدية ماء القناة عن حلب وصرفته إلى النهر، وكان الحر شديدا فاشتد احتياج الناس إلى الماء وصاروا يتكبدون في الحصول عليه مشقة عظيمة. وفي محرّم هذه السنة قدم على حلب والدة شاه العجم وأخوه ناصر الدين ميرزاخان واحتفلت الحكومة باستقبالهما وإكرامهما. النداء بالدستور وقلب الحكومة العثمانية من الحالة المطلقة الاستبدادية (الأتومقراطية) إلى حالة المشروطية المقيدة (الدمقراطية) في تاسع تموز سنة 1324 رومية المصادف شهر جمادى الثانية من هذه السنة ورد من استانبول بلسان البرق رسالة بتوقيع سعيد باشا الصدر الأسبق، مآلها أنه تعيّن الآن لمسند الصدارة. ثم في ثاني يوم ورد منه بلسان البرق رسالة أخرى تشعر بأن السلطان قد أمر بإعادة مجلس النواب- المعروف بمجلس المبعوثان- الذي مضى على إغلاقه بضع وثلاثون سنة. ثم أخذت الرسائل البرقية والكتب المرسلة مع البريد تتوارد كل يوم مذيعة أنه نودي في الآستانة بالحرية والمساواة. العفو عن المنفيين: وعقيب ذلك بأيام قلاقل وردت الأوامر إلى الحكومة بصدور العفو العام عن المنفيين الجزء: 3 ¦ الصفحة: 366 في جميع جهات البلاد العثمانية، الذين كان نفيهم لجرائم سياسة (المراد هنا بالجرائم السياسية غضب السلطان عبد الحميد عليهم بسبب مسّهم إياه بكلمة، أو إشارة إلى بعض مظالمه) . وكان منهم في حلب زهاء خمسين منفيا، عدا من كان يوجد منهم في بقية بلاد حلب، وهم ما بين أمير ملكي وقائد عسكري، وأديب وكاتب، ومهندس وطبيب. فسرّوا من هذا الخبر سرورا عظيما، وأخذوا يسافرون إلى أوطانهم زمرة بعد زمرة حتى لم يبق منهم واحد. وكان أكثرهم مقيما في محلة الجميلية، ففرغت منهم المنازل التي كانوا يسكنونها وهبطت أجورها، وبقي الكثير منها فارغا مدة طويلة. صدور الأمر بإطلاق السجناء: وفيها ورد الأمر بصدور العفو عن السجناء المحكومين بجرائم سياسية. وفي ثاني يوم من ورد هذا الأمر اجتمع تجاه دار السجن جماعة من كبار الموظفين الملكيين والعسكريين، وأخرج من السجن نحو عشرين شخصا محكومين بجرائم سياسية وأكثرهم من الأرمن، فألقيت عليهم الخطب الحبيّة، وخوطبوا بالإخاء وبنوة الوطن، والتوجع والأسف على ما كان من حبسهم واضطهادهم ظلما وعدوانا في أيام الاستبداد الحميدي. ثم عانقهم أكثر الحاضرين وودعوهم وانصرفوا إلى أوطانهم وكان ذلك الموقف مؤثرا لم تملك العيون فيه دموعها. وفي هذا اليوم جرى مثل ذلك في جميع سجون الولاية من الألوية والأقضية. إبطال التجسس: وفي هذه الأيام أبطلت الجاسوسية المعروفة باسم: خفية. وفيها- في 24 تموز- ورد بلسان البرق أن كامل باشا الصدر الأسبق قد تبوأ مسند الصدارة بدل سعيد باشا. صدور الترخيص بالسفر: وفي هذا التاريخ ورد من نظارة الداخلية بلسان البرق صدور الإذن العام لكل عثماني أراد السفر من بلده إلى بلدة أخرى من البلاد العثمانية أو غيرها من البلاد الأجنبية. فسرّ الناس من هذا الإذن سرورا زائدا، خصوصا طائفة الأرمن وبقية الطوائف المسيحية، وذلك أن من كان يريد السفر من بلده في أيام الاستبداد الحميدي فرارا من الظلم والجور يتكبد عرق القربة بالحصول على تذكرة المرور. هذا إذا كان سفره لغير أميركا، أما إذا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 367 كان سفره إليها فإنه يكاد يستحيل عليه أن يسافر إليها إلا هربا، خصوصا إذا كان من جماعة الأرمن، حتى إنه كان يوجد في كثير من ثغور البحر الأبيض- كبيروت وحيفا وصيدا- شركات لتهريب المسافرين إلى البلاد الأميركية، فكانت الشركة تأخذ ممن يريد السفر إلى تلك الجهات ليرتين إلى عشر ليرات، وتهرّبه بواسطة زورق تحمله فيه من فرضة عسرة المسلك أو بعيدة عن العمران. وكثيرا ما كان ولاة بيروت ورجال الدرك فيها يأخذون من تلك الشركات شيئا معلوما على كل مسافر فيجتمع لهم من ذلك مقدار عظيم من المال. وفي أوائل رجب منها قرر أمراء العسكرية وضباطها- ومن انضم إليهم من موظفي الحكومة والأعيان في حلب- بأن يحتفلوا بزينة وإحياء ليلة لسماع الموسيقى وآلات الطرب وإلقاء الخطب التي موضوعها التنويه بالحمد والشكر على المناداة بالقانون الأساسي، وعود مجلس المبعوثان، وانتشار راية الحرية والعدل والمساواة بين جميع العناصر العثمانية، على أن يكون إحياء تلك الليلة في بستان الشاهبندر ليلة الاثنين 6 رجب الموافق 22 تموز الرومي. وفي مساء يوم الأحد أقبل الناس إلى البستان المذكور، ولما انتظم عقد المدعوين قام الخطباء يتلو بعضهم بعضا يلقون الخطب باللغتين التركية والعربية، مآلها ما ذكرناه، وهي أول خطب ألقيت في حلب بعد قرون طويلة لم ينقل إلينا التاريخ في أثنائها أن أحدا ألقى في حلب خطبة سياسية على رؤوس الأشهاد، فيها بيان خطأ سلطان أو خليفة أو أمير، حتى زالت هذه الملكة من علماء حلب وكتّابها، وصار يعسر على النابغة منهم إيراد خطبة ولو على المنبر خصوصا في أيام السلطان عبد الحميد. ولذا كانت تلك الليلة مما دهش له الناس حينما سمعوا الخطباء تنطق ألسنتهم في مدح العدل والحرية والمساواة والتنديد بالظلمة والمستبدين. غير أن بعض من لا خلاق لهم من العامة أصبحوا بعد تلك الليلة يتظاهرون بالفسق والفجور وعدم المبالاة بالحكومة، لفهمهم بأن الحرية التي نودي بها هي عبارة عن الرخصة لكل إنسان أن يعمل كل ما يريده دون قيد أدبي أو ديني. وبعد هذه الليلة بدأ الحزب المتقهقر قبل إعلان الحرية يطلقون ألسنتهم علنا بذكر مظالم السلطان عبد الحميد وتنفير القلوب منه، وذكر مساوىء حاشيته وأعوانه وجواسيسه ويصرّحون بشتمهم ولعنهم. فارتاع لذلك أهل الصيّال قبل الإعلان المذكور في حلب وغيرها، وظهر على عظمائهم وعتاتهم الذل والانكسار، فانزووا عن الناس ولزموا بيوتهم. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 368 ثم بعد أيام قليلة تألّف في المكتب الإعدادي الملكي جمعية عظيمة قوامها الضباط وبعض المأمورين وجمهور من أهل البلدة، فاختاروا من الحاضرين جماعة سموّهم جمعية الاتحاد والترقي العثماني، وألقي في ذلك الاحتفال الخطب التي مآلها مدح الحرية والمساواة وبيان مظالم بعض الأسر الحلبية وكثرة جورهم وتعديهم. وقد جعلت هذه الجمعية فرعا لجمعية الاتحاد والترقي العثماني في سلانيك المنعقدة تحت رياسة أنور بك ونيازي بك بطلي هذا الانقلاب. وقد تحالفت هذه الجمعية بجميع فروعها على التفاني والتهالك في سبيل المحافظة على تنفيذ أحكام القانون الأساسي والضرب على يد كل من خالفها وحاول المروق عنها. وجعل لهذه الجمعية فروع في جميع ألوية الولاية وأقضيتها أسوة بأمثالها من الولايات العثمانية، وعمل لها زينة في كل لواء وقضاء، وعين لها مكان للاجتماع يسمى (كلوب) . وأول شيء قامت به هذه الجمعيات هو السيطرة على المأمورين وتدقيق أحوالهم فكانت الجمعية متى سمعت بموظف يميل إلى الرشوة والمحاباة ترسل إليه من يتهدده ويتوعده فلا يلبث غير قليل حتى يستقيل من وظيفته. وبهذه الواسطة استقال نحو نصف الموظفين الذين كانوا متخذين الوظيفة وسيلة لجمع المال، غير مبالين- في سبيل الوصول إلى رغائبهم- من تضييع الحقوق وتخريب البيوت وتخليد الأبرياء في السجون. على أن كثيرا من ذوي الأغراض والمقاصد السيئة صاروا ينسبون أنفسهم إلى هذه الجمعية الحرة ويتسلطون على الحكّام والموظفين البريئين من دنس الجرائم. ولهذا بدأ الناس ينقمون على الجمعية بعض أعمالها وينددون بانحرافها عن جادة العدل التي لم تنعقد الجمعية إلا لأجل السلوك عليها. وقد جرى نظير ذلك في الآستانة وأكثر البلاد العثمانية، حتى فطن مركز الجمعية الكبرى في سلانيك بأعمال هؤلاء المتطفلين عليها، فصارت ترسل إنذاراتها إلى الولاة وتحذرهم من مجاراة أولئك المتطفلين، وتظهر تبرّؤها منهم ومن أعمالهم. غير أن الولاة كانوا لا يقدرون على منعهم والتعرض إليهم فوقعوا تحت نير تسلطهم وصاروا مغلوبين على أمرهم مغلولة أيديهم عن مباشرة إصلاح أحوال ولاياتهم وتنظيم أمورها، فأصبحت الحالة بسبب ذلك شبيهة بالفوضى، وكثر التجاهر بالمعاصي والفجور، ونهض أهل الدعارة واللصوص في المدن والقرى يتصدّون لقطع الطرق وسلب أموال الناس، وقام القرويون يطردون من قراهم أصحابها وينتهبون مدخرات حبوبهم وأصبح الناس في أمر مريج. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 369 وفيها- في أواخر فصل الربيع- قدم على حلب والجهات الشرقية من ولايتها جراد كثير أتى على ما في البساتين من الخضر والبقول، وأكل ما في القرى من الزروع الصيفية كالبطيخ والقطن والسمسم، ثم غرز في الجهات المذكورة، فخاف الناس ضرره في العام التالي وضنّ أهل الثراء من المزارعين والمحتكرين بما عندهم من الحبوب فحبسوها عن البيع، فارتفعت أسعارها ارتفاعا فاحشا، وبيع شنبل الحنطة بمائة وعشرة قروش بدل ثمانين قرشا. وكان شمندوفر «1» حلب وحماة ينقل من حلب كل يوم إلى ثغر بيروت نحو خمسمائة شنبل، فقام فقراء الناس وغوغاؤهم واجتمعوا، وأقبلوا جماهير على دار الحكومة يطلبون منها منع تسفير الحبوب بالشمندوفر. فلم تلتفت الحكومة إلى طلبهم مستندة على قاعدة (التجارة حرة) وحينئذ اجتمع من عامة الناس جمهور عظيم. وفي ضحوة يوم الخميس 24 رجب والسابع من آب هاجوا وماجوا وتراكضوا في الأسواق والشوارع، ينهبون ما يجدونه في الدكاكين والخانات من الأموال والأقوات ويصيحون ويضجون، فأجفل الناس من أمامهم وأسرعوا لقفل حوانيتهم، ووقع الفزع في قلوبهم فتراكضوا إلى منازلهم. ونمي الخبر إلى الوالي ناظم باشا والقائد العسكري باكير باشا فأسرعا الكرّة نحو باب الجنان لردع هؤلاء الغوغاء وصدّهم عن خانات الحبوب الموجودة هناك، وصحبا معهما عددا كافيا من العساكر فلم يبال الدّعّار بذلك ظنا منهم أن الحرية تبيح لهم هذا العمل، فظلوا منهمكين بنهب الحبوب والتطاول على الناس. وحينئذ أمر القائد بعض الجنود بإطلاق الرصاص عليهم تهديدا وتخويفا، فأطلقوا عياراتهم فخافت تلك العصابة من هجوم العساكر عليهم فوقفت عن حركتها، ثم هرب بعضها وألقي القبض على آخرين وزجّوا في السجن. ثم تتبعت الحكومة المنهزمين وقبضت عليهم وزجّتهم في السجون، وبعد الفحص والتحقيق عنهم أطلقت البريء منهم ونفت المتعدّي إلى البستان وغيرها. حتى إذا كانت أوائل شوال هذه السنة أطلقت سراحهم من المنفى. على أن الحكومة بعد انقضاء هذه الحادثة رأت طلب الناس منع إخراج الحبوب إلى خارج الولاية صوابا، فأصدرت أمرها إلى البلدية بمنع تسفير الحبوب بالسكة الحديد، وأقامت الخفراء لمنع التسفير على محطة حلب والوضيحي، وبو الظهور، وأمّ ارجيم الجزء: 3 ¦ الصفحة: 370 والحمدانية. فانقطع تسفير الحبوب ووقفت أسعارها عن التصاعد. وكان هذا المنع صوابا لأن الجراد الذي كان غارسا في جهات الولاية لم يأت عليه شهر نيسان حتى نقف وأخذ يزحف على الزروع، فأكل جميع حقول الشعير، ونحو ثلاثة أرباع حقول الحنطة والقطاني، فارتفعت الأسعار ارتفاعا فاحشا وبيع شنبل الحنطة بمائة وخمسين إلى مائة وثمانين بدل مائة وعشرين قرشا. هذا مع منع تسفير الحبوب ومجيء الحبوب والدقيق من حماة ودمشق كل يوم. ولولا ذلك لعدمت الأقوات وأكل الناس بعضهم، وقد تبعت أسعار الأقوات بعضها فارتفع سعر الزيت من 15 إلى 30 وسعر السمن من 35 إلى 70. خطبة عامة في الجامع الكبير: وفي أواخر شعبان هذه السنة قدم من استانبول على حلب رجل من أذكياء علماء كركوك يقال له الشيخ عناية الله أفندي، وكانت جهة مقصده الموصل وهو عضو سيّار في جمعية الاتحاد والترقي العثماني. وفي يوم قدومه إلى حلب قصد منزل الوالي ناظم باشا واستدعى بواسطته طائفة من علماء حلب فأطلعهم على منشور عضويته، وكلفهم أن يسعوا بحشد الناس وجمعهم في مكان فسيح ليلقي عليهم خطبة أمرته الجمعية بإلقائها في جميع البلدان التي يتجول بها. فقر الرأي على حشد الناس في الغد في الجامع الكبير. وفي صبيحة الغد خرج أشخاص ينادون في الأسواق بما معناه: (معاشر الناس من كل ملة ودولة، سيلقى بعد الظهر في الجامع الكبير خطبة فاحضروا لسماعها) . وبعد ظهر ذلك اليوم أقبل الناس إلى الجامع الكبير مسلمين ومسيحيين وإسرائليين وإفرنج حتى غصت بهم رحبة الجامع، وكان الشيخ عناية الله واقفا على الدكّة الحجرية في وسط رحبة الجامع، ومعه الوالي وجماعة من أهل العلم. فاعتلى كرسي الخطابة وافتتح خطبته بصوت جهوري وما زال يتلوها مرتلة حتى أتى على آخرها، وقد استغرفت تلاوتها نحو نصف ساعة، وخلاصتها: حمد الله تعالى وشكره على نعمة الحرية والمساواة والعدالة والاتحاد، ومدح هذه الخلال وبيان فضائلها والحثّ على التزامها وعدم الحياد عنها، وأن تكون الأمة العثمانية على تمام الوفاق والتحابب مع بعضها مهما اختلفت مذاهبها ومشاربها، وأن هذه الأمور هي أقصى غايات جمعية الاتحاد والترقي العثماني التي سعت بقلب الحكومة العثمانية من الحكومة المطلقة إلى الحكومة المقيدة المعروفة بالمشروطية، وأن المشورة من الجزء: 3 ¦ الصفحة: 371 المسائل التي أمرت بها الشرعية «1» المحمدية بلسان القرآن العظيم، وأن مجلس المبعوثان هو عبارة عن مجلس الشورى وأن الواجب على الأمة ألّا تنتخب لهذا المجلس إلا من عرف بالعلم والاستعداد والصلاح والتقوى إلخ ما قال. افتتاح نادي جمعية الاتحاد: وفي أواخر شعبان أيضا فتح في فندق خان قورت بك مكان سمي منتدى جمعية الاتحاد والترقي العثماني ويعرف عند الأتراك باسم (كلوب) ، يجتمع فيه أعضاء الجمعية المذكورة للمذاكرة والمفاوضة. وقد أقبل الناس عليه يسجلون أسماءهم بدفتر الجمعية، وبعد أن يحلفوا للجمعية يمين الإخلاص تعتبرهم من حزبها. وفي يوم افتتاح هذا المنتدى حضر الوالي والقائد العسكري وجمهور من العلماء والأعيان ولفيف من كهنة الطوائف المسيحية وتليت فيه الخطب باللغة التركية والعربية، وكلها ترمي إلى غرض واحد وهو مدح المشروطية والحرية والاتحاد والعدل والمساواة. انتهاء مرمّات الجامع الكبير: وفي رمضان من هذه السنة انتهت مرمّات الجامع الكبير التي كان الشروع فيها منذ سنة، وهي تجصيص أكثر جدران الجامع داخلا وخارجا وترميم الرواق الشرقي من جهة الحجازية، وتوسيع باب الحجازية المذكورة وتوسيع شبّاكها وفرشها بالرخام، وتجديد رخام الرواق الشرقي والرواق القبلي، وتوسيع باب قبلية الأحناف من جهة الغرب وتوسيع باب القوافين وغير ذلك، ورفع طرابزون كان يتوسط القبليتين ويقطعهما شطرين طولا من الشرق إلى الغرب، ونقل سدّة قبلية الأحناف إلى محلها الحالي، وفرش هذه القبلية بالسجاد الجديد وتنويرها بمصابيح لوكس وغير ذلك. وقد بلغت النفقات على هذه الإصلاحات زهاء ثلاثمائة ألف قرش هي بدل أحكار معجّلة عن أراض ظهرت جديدا في جهات التلل قرب محلة العزيزية وكانت قبلا غير معروفة أنها من جملة أوقاف الجامع. وكان العمدة في هذا الترميم مفتي حلب الشيخ محمد العبيسي الجزء: 3 ¦ الصفحة: 372 الحموي. وللوالي ناظم باشا في هذا الترميم واستحصال الأرض سعي يستحق أن يذكر فيشكر. وفي هذا الشهر أيضا ورد على حلب وفد من جمعية الاتحاد والترقي العثماني، فاحتفلت الحكومة باستقبالهم وأنزلتهم في فندق دوبارك في بستان الشاهبندر، على نفقة البلدية التي عملت لهم ضيافة حافلة حضرها الوالي والقائد العسكري وغيرهما من كبار الموظفين، وتليت الخطب وعزفت الموسيقى العسكرية، وكانت ليلة حافلة. إبراهيم باشا ابن معمو التمّو: وفي هذا الشهر أيضا مات إبراهيم باشا ابن معمو التمّو الكردي، في الموضع المعروف بتل شرّابة، بين قضاء نصيبين ولواء الزور، وهو من عشيرة كردية يقال لها عشيرة الملية تبلغ زهاء أربعمائة بيت، تقيم تحت خيام الشعر في جهات «ويران شهر» من أعمال قضاء رأس العين التابعة لواء الزور. والرجل المذكور شيخها ورئيسها، وكان والده توفي في حلب في حدود سنة 1295 ودفن في زاوية الشيخ جاكير خارج باب النيرب فخلفه ابنه هذا في المشيخة على عشيرته، وكان يعرف إذ ذاك بإبراهيم آغا. وبعد أن صار شيخ العشيرة المذكورة اقتفى أثر آبائه وأجداده في شن الغارة على العشائر الكردية والعربية وأسرف بالنهب والسلب، خصوصا في عشيرة قره كج فإنه لم يبق لها سبدا ولا لبدا «1» . ولما كثر تشكي هذه العشائر منه أمسكته حكومة ولاية ديار بكر ونفته إلى سوارك، فبقي فيها إلى حدود سنة 1297 وفيها استغاث بوالي حلب جميل باشا وقدم له تقدمة جزيلة، فسعى باستقدامه إلى حلب فحضر إليها ومعه الخيول المطهّمة «2» العربية هدية خص بها الوالي المشار إليه، فشفع به عند السلطان عبد الحميد وصدر العفو عنه وعاد إلى وطنه «ويران شهر» . ولما تألفت الكتائب الحميدية من سكان البوادي مضاهاة لكتائب القوزاق في دولة روسية، جعل إبراهيم آغا مقدّم مائة ثم مقدّم ألف ثم أمير لواء، ومن ذلك الوقت صار يدعى إبراهيم باشا. وقد كثرت أتباعه وشيعته واستقدم إلى الآستانة لعرض كتيبته فشخص إليها مع عدد وافر من عشيرته الجند «الحميدي» البالغ حد النهاية بحسن البزّة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 373 والرونق. وقدّم إلى السلطان عبد الحميد من الخيول العربية والسّمن العربي ما جعله يعتقد أنه من خواصّ محبّيه ومواليه. واتصل بوالدة السلطان وقدّم لها مبالغ طائلة فسرّت منه أيضا ودعته بقولها: أنت ابني. وأحسن إليه السلطان بالأوسمة العظيمة وأمر بأن يبلّغ سلامه. ثم عاد إبراهيم إلى وطنه فازدادت سطوته وعظمت نكايته وصارت أتباعه تشنّ الغارة على العشائر المجاورة له، والقرى التي هي من أعمال أورفه وولاية ديار بكر. حتى خرب الكثير منها بسبب جلاء أهله عنه وضرب على القفول والكروان «1» التي تمر من تلك النواحي ضريبة من المال تدفع إليه وإلا سلّط أتباعه عليها وانتهبوها. فضج أهل تلك الجهات من جوره وواصلوا الشكايات عليه لحكوماتهم مدة طويلة فلم يجدهم ذلك نفعا، لأن الولاة كانوا لا يجسرون على الإيقاع به لعلمهم بالتفات السلطان إليه. ولشدة اشتهار أتباعه ومواليه بالنهب والسلب صار كثير من الدعّار والشطّار الأجانب عنه يقطعون الطرقات ويتسمّون بأسماء أتباعه وأعوانه. فعظم ضرر الناس من ذلك وأخذوا يوالون التشكي عليه إلى الدوائر الكبرى في الآستانة: كالباب العالي، ونظارة الداخلية والكتابة الأولى في «المابين» «2» . وشخص جماعة من بلاد الرها إلى الآستانة للتشكي عليه وبذلوا في إزالة ضرره النفيس والغالي، فلم يحصلوا على طائل ورجعوا بالخيبة لأن تلك الدوائر كانت تعلم أيضا أن إبراهيم ملحوظ السلطان وأحد منابع استفادته. ثم شرع الناس يتشكون منه لذات السلطان على لسان البرق مخاطبين إياه بلهجة عنيفة غير مبالين بما كان عليه من الشدة والجبروت، وتجهز منهم جماعة من أهل الثراء وسافروا إلى الآستانة بقصد التظلم من أعمال هذا الرجل وصرفوا على نوال غايتهم المبالغ الوفيرة والأعوام العديدة فأخفق سعيهم وعادوا خائبين. وكان هذا الرجل لا يفتر شهرا واحدا عن تقديم الهدايا إلى السلطان ووالدته وكبار جواسيسه ومطبخه وإصطبله، يقدّم إلى السلطان ووالدته وبعض جواسيسه النقود الكثيرة، وإلى المطبخ صناديق السمن، وإلى الإصطبل الخيول الأصائل. وبهذه الواسطة كان السلطان لا يسمع فيه وشاية ولا يصغي الجزء: 3 ¦ الصفحة: 374 لشكوى أحد منه. ثم لما تمادى الرجل على بغيه وعدوانه هاج الناس وماجوا في ولاية ديار بكر وحلب وأخذوا يوالون فيه الرسائل البرقية المشتملة على أشد العبارات التي يخاطب بمثلها ذلك السلطان العظيم. وقد ساعدهم والي حلب ووالي ديار بكر وأيّدا شكاويهم وجعلاها مصبوغة بصبغة سياسية. وحينئذ خشي السلطان عاقبة الإغضاء عنه إلى ذلك الحد فأصدر إرادته بتأليف لجنة من عدة أشخاص للفحص عن أحوال هذا الرجل على أن يكون محل اجتماع هذه اللجنة في مدينة ديار بكر وأن يكون ثلاثة أشخاص من هذه اللجنة من مدينة حلب وشخص من مدينة حماة وآخر من أورفة وبقية أعضاء اللجنة من ديار بكر ورئيسها واليها. فاختار مجلس إدارة حلب أن يعيّن لهذه اللجنة من ديار بكر، ورئيسها واليها. فاختار مجلس إدارة حلب أن يعيّن لهذه اللجنة مرعي باشا الملاح والشيخ حسين أفندي الأروفه وي وأحمد أفندي ميسّر. وبعد أن أخذوا نفقات طريقهم وفرض لكل واحد منهم يومية كافية، سافروا إلى ديار بكر واجتمعوا مع باقي إخوانهم وشرعوا يفحصون أحوال هذا الرجل فحصا مدققا، فظهر لهم صدق شكاوي الناس عليه وأنها غير مبالغ فيها، إلا أنهم رأوا أن تمام التحقيق عنها متوقف على استجوابه عما نسب إليه لعله يدلي به عذرا، فأرسلوا بطلبه فلم يحضر وأرسل يعتذر بأنه منحرف الصحة، فلم يجسروا على إحضاره قسرا لعدم الرخصة لهم بذلك. ولما لم يروا فائدة من مثابرتهم على التحقيق عن أحواله حلّوا عقدة اجتماعهم وعاد الغرباء منهم إلى أوطانهم بعد أن غابوا عنها زهاء ستة أشهر. ثم في شعبان هذه السنة أصدر السلطان إرادته بإشخاص إبراهيم باشا المذكور إلى الحجاز لينضم إلى الجنود السلطانية المخيّمة هناك ويعاونهم على ردع قبيلة عوف وهوازن وغيرهما من القبائل العربية التي قامت تعارض الدولة في مدّ السكة الحديدية من المدينة المنورة إلى مكة المكرمة. فامتثل إبراهيم الأمر ونهض من محلّه «ويران شهر» وقصد الحجاز من طريق حلب فوصل إليها في بضعة أيام، ونزل هو وعساكره الحميدية في الميدان الأخضر تحت خيام قدمت لهم مع الأطعمة والعلف من قبل الثكنة العسكرية. وقد استقبله الوالي والقائد العسكري واحتفلت الحكومة بنزوله احتفالا باهرا. وبعد أن بقي في حلب بضعة أيام بارحها إلى جهة دمشق على قطار السكة الحديدية، وما كاد يستقر في دمشق قراره إلا وحدث الانقلاب ونودي بالدستور، فارتاع إبراهيم باشا من ذلك وخاف أن يلقى القبض الجزء: 3 ¦ الصفحة: 375 عليه لما يعلمه من نفسه بأنه أول من يستحق العقوبة والتنكيل على سابق أعماله، فأظهر للمشير في دمشق أنه يريد الرجوع إلى حلب ليحضر بقية جنوده. وقبل أن يأذن له المشير بالرجوع إلى حلب نهض من دمشق في الليل وكرّ راجعا إلى وطنه من طريق حلب إلا أنه لم يدخلها بل توجه إلى جهة «ويران شهر» من خارج حلب. وحينما تحققت الحكومة هربه أرسلت في طلبه الجنود من حلب يقتفون أثره فلم يدركوه إلا في جهات ماردين معتصما في جبل هناك، فشددوا عليه الحصار مدة شهر، ولما علم بأن لا مناص له من سطوة الجنود ركب جواده وقصد أن يسلم نفسه طائعا مختارا. وكان التعب والسهر قد أنهكا جسمه واستولى عليه الهم والغم، وبينما هو راكب جواده إذ وقف ونزل إلى الأرض وفي برهة دقائق فاضت نفسه. والمروي عن هذا الرجل أنه كان يوجد عنده نحو مليونين من الليرات وأنه عمل نفقا خفيا في الأرض وكنزها فيه، وأن المعمار الذي عمل له هذا النفق قتله حالما فرغ من عمله كيلا يخبر عنه. وقيل إن هذا النفق لا يدري مكانه سوى ولده الكبير والله أعلم. وعلى كل حال فإن إبراهيم باشا كان على جانب عظيم من السخاء والدهاء والشجاعة، يتكلم باللغة الكردية التي هي لغة آبائه وأجداده وعشيرته، وباللغة العربية التي هي لغة أمه وزوجته، وباللغة التركية التي هي لغة الدولة. ويذكر أنه أنشأ في سواريك مكانا شبه تكية يطعم فيها الفقراء والمسافرون رحمه الله. الشروع بانتخاب النواب المعروفين بالمبعوثان: وفيها في رمضان وردت المضابط من مراكز أقضية الولاية تفيد بأن عدد ذكور الولاية الذين أعمارهم فوق الخامسة والعشرين 284102 نسمة، فاتضح من ذلك أن عدد المبعوثين الذي يجب انتخابهم من ولاية حلب ستة أشخاص لكل خمسين ألف ذكر تقريبا شخص. تنازل السلطان عن أملاكه ومزارعه: في هذا الشهر تنازل السلطان عبد الحميد خان إلى بيت المال عن دخل جميع المسقّفات المعروفة باسم الأملاك السنية، والقرى والمزارع المعروفة باسم الجفاتلك الهمايونية في سائر البلاد العثمانية. وكان دخلها يقدر بربع دخل جميع المملكة العثمانية، وكان السلطان يستأثر الجزء: 3 ¦ الصفحة: 376 به وحده علاوة على رزقه من بيت المال الذي كان لا يقل عن تسعين ألف ذهب عثماني في الشهر. ما هي الأملاك السنية والجفاتلك الهمايونية؟ لما استولت الدولة العثمانية على هذه البلاد كان العمار غالبا على برّها، والزراعة سائدة في أكثر أنحائها، ثم لم تلبث غير قليل بسبب سوء إدارة حكامها إلا وأخذ العمار ينزح عنها ويحل محله الخراب حتى كاد يعم جهتي الجنوب والشرق من ولاية حلب. وكانت جهة الجزيرة في منتهى درجات العمار بحيث كانت ولاية عظيمة عاصمتها الرقة، ولما دخلت تحت استيلاء الدولة العثمانية اعتبرتها أيضا ولاية واستمرت ترسل إليها واليا يحكمها على انفرادها، إلى أن أخذ عمرانها بالانحطاط صارت تعهد بالولاية عليها إلى والي حلب وتسمّيه والي حلب والرقة. وما زال الخراب يشن عليها غاراته حتى ألقى فيها جرانه «1» وخلت من السكان الحضر، ولم يبق من أرضها معمورا سوى واحد في المئة وخلت مدينة الرقة من الحكومة وأصبحت عاصمة الرشيد قرية يسكن أهلها تحت مضارب الشعر مستمرة على هذه الحالة نحوا من قرن ونصف. ولما جلس السلطان عبد المجيد خان على العرش العثماني ألفت نظره إلى جميع ما في المملكة العثمانية من القفار الواسعة والمفاوز الشاسعة، خصوصا ما كان من ذلك في الشام والجزيرة والعراق، فاعتبر السلطان هذه البراري، مواتا وعزم على إحيائها لتكون ملكا له بحكم: «من أحيا مواتا فهي له» «2» . فعمل لأجل هذه الغاية ديوانا خاصا جعل وظيفته السعي والاهتمام بإحياء هذه الأراضي، وأمده بشيء من ماله لينفقه في هذا السبيل ودعا هذا الديوان (جفتلك همايون إداره سى) إدارة المزارع السلطانية، وفوضه أن يشتري له مسقّفات وأملاكا في البلاد العثمانية. فباشر هذا الديوان وظيفته واشترى له عدة أملاك وعقارات في حلب وغيرها كالخانات والحمامات والبساتين. ومن جهة أخرى بذل الديوان اهتمامه بإحياء الأراضي واستعان على إعمارها بالولاة والأمراء العسكريين، وبعد العناء الطويل الجزء: 3 ¦ الصفحة: 377 تمكن الديوان من تحضير بعض العشائر البدوية وإسكانها في قرى حقيرة بنيت لهم في تلك البراري. ومن ذلك اليوم عادت روح العمار تدبّ رويدا رويدا في جهتي الشرق والجنوب من ولاية حلب، وجهة الجزيرة التي عاصمتها الرقة. ولما جلس السلطان عبد الحميد خان على كرسي المملكة العثمانية سنة (1293) اهتم بهذه المسألة اهتماما عظيما وأسس لها في استانبول ديوانا خاصا سماه (خزينه خاصه نظاره سى) نظارة الخزينة الخاصة. وجعل له فرعا في كل بلدة يوجد في برّها أراض موات، سماه إدارة الجفتلك الهمايوني. فاجتهدت هذه الإدارة بإعمار القرى على أطلالها القديمة وأسكنتها جماعة من العربان وقدّمت لهم ما يحتاجونه من الدواب والمؤنات وآلات الحراثة، وسامحتهم من الجندية وسائر الضرائب الأميرية سوى رسوم عدّ الغنم التي توجد في هذه القرى أو التي تمر منها، وسوى الأعشار وكومة الطابو، فإن الإدارة جرت في أخذها من الزراع على قاعدة سمّتها التخمين، وهي أن يقدر أهل الخبرة البيدر- قبل أن يدرس- بقدر معلوم من الحب ويكتب على صاحبه سبعة عشر في المئة من مجموع الحبّ المقدر، عشرة من هذه السبعة عشر هي العشر الشرعي، والباقي- وهو سبعة أجزاء- أجرة الأرض وتسمى كومة الطابو، وبعد أن تتم دراسة البيدر ويتمحض الحب يحمل صاحبه القدر المفروض عليه إلى المستودع المعين لناحيته ويسلّمه إلى حافظ المستودع ويأخذ به وصلا. وكانت إدارة الجفتلك هذه تأخذ العشر الشرعي أيضا لنفسها مع أن العشر حق بيت المال كما لا يخفى. وقد نجحت هذه الفروع في أعمالها، وجد في ولاية حلب قرى كثيرة يربو عددها على الخمسمائة، وكثر عدد سكان الرقة واستعمل عليها حاكم صغير باسم مدير، ثم زاد العمار في جهاتها وأنشأ فيها السلطان جامعا وجعلت مركز قضاء وتعين لها قائمقام. وهكذا كان العمل في منبج. وقد بلغ دخل السلطان من هذه القرى التي هي في شرقي الولاية وجنوبها سبعين ألف ذهب عثماني في السنة المتوسطة بين الخصب والجدب، وذلك عدا رسوم الأغنام التي كان يستأثر بها السلطان أيضا. ولما خلع هذا السلطان وضعت الحكومة يدها على سائر الأملاك والمزارع المذكورة وسمتها الأملاك المدورة ثم الأملاك الأميرية وصارت تجبي غلاتها على قاعدة التخمين السالفة الذكر إلى جهة خزانة الحكومة، وألغيت النظارة الخاصة في استانبول وفروعها في خارجها وأنيط النظر في الأملاك المذكورة بدواوين مالية الدولة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 378 التي تعرف باسم المحاسبة وسميت هذه الأملاك بالأملاك الأميرية. وفي هذه السنة ورد من نظارة المعارف رخصة بإصدار عدة صحف إخبارية مثل جريدة الشهباء وصدى الشهباء والشعب والتقدّم وغيرها، فصدرت أكثر هذه الجرائد وأقبل الناس عليها ولا إقبال الجياع على القصاع، لأنهم في عهد الاستبداد الحميدي كانوا لا يطّلعون على جريدة مصرية أو بيروتية إلا بشق الأنفس. وفي هذه السنة أعلن البلغاريون استقلالهم بالروملّي. وفيها انتهت أعمال سكة حديد الحجاز وبدأ القطار يسير من دمشق إلى المدينة المنورة. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 379 سنة 1327 هـ فيها ولي حلب رشيد بك وكان من دهاة الرجال. وفي صفرها فتح في جادة باب الفرج تجاه التكية المولوية مكان جديد تأسست فيه جمعية جديدة سميت جمعية الإخاء العربي. وكان الاحتفال بهذا المنتدى بالغا حد النهاية بالرونق والبهاء. وقد أقبل الناس على الاكتتاب به أفواجا، ثم لم يلبث غير قليل حتى اختل أمره وانحلّت رابطته. وكان الغرض منه ظاهرا التعاضد على تأييد أحكام القانون الأساسي والمطالبة بحقوق الأمة العربية فيما يتعلق بخدم الدولة، وباطنا الضرب على يد جمعية الاتحاد والترقي والوقوف لها بالمرصاد وقيام العرب على جمعية الاتحاد والترقي انتصارا للسلطان عبد الحميد وهو الذي ندب إليه سرا. وفي هذه السنة وصل إلى حلب أول مرة عجلات الأتومبيل المعروفة بالسيارات أحضرها من أوربا أحد التجار الحلبيين المسيحيين المعروف باسم الخواجا يوسف أندريا ليشغلها بين حلب واسكندرونة فلم تنجح. خلع السلطان عبد الحميد في اليوم السابع من شهر ربيع الأول من هذه السنة- وفي 19 نيسان سنة 1325 رومية- خلع السلطان عبد الحميد خان الثاني العثماني، وخلفه على عرش الملك السلطان محمد رشاد الخامس، وأعلن في حلب خلعه وجلوس أخيه مكانه بإطلاق مئة مدفع ومدفع من قشلاق «1» حلب وقلعتها. وفي الليل قامت في البلدة مظاهر الزينة وأطلق فيها من العيارات النارية ما يعد بعشرات الألوف. كان خلع هذا السلطان مبنيا على أسباب يعلمها القارئ من الفتوى التي أصدرها شيخ الإسلام بوجوب خلعه ونصها بعد الترجمة: الجزء: 3 ¦ الصفحة: 380 إذا كان زيد إمام المسلمين طوى وأخرج من الكتب الشرعية بعض المسائل المهمة الدينية، ومنع الكتب المذكورة وخرق حرمتها وأحرقها، وتصرّف في بيت المال بالتبذير والإسراف بغير مسوّغ شرعي، وقتل وحبس وغرّب الرعية بلا سبب شرعي واعتاد جميع المظالم، ثم حلف اليمين على الرجوع إلى الصلاح وعاهد على ذلك، ثم حنث بيمينه وأصرّ على إثارة فتنة عظيمة وإيقاع قتال يجعل به أمور المسلمين مختلّة اختلالا كليا، ثم وردت الأخبار متوالية من جهات متعددة من بلاد المسلمين يقولون بها إن زيدا المزبور «1» تغلب على منصة المسلمين وإنهم لذلك يعتبرونه مخلوعا، ثم لوحظ أن في إبقائه ضررا محققا وفي إزالته صلاحا؛ فهل يجب على أرباب الحل والعقد تكليفه أن يتنازل عن الإمامة والسلطنة أو يخلع منهما، وهل لهم ترجيح إحدى الصورتين؟ الجواب: نعم. كتبه الفقير السيد محمد ضياء الدين عفي عنه ذكر شيء من سيرة هذا السلطان خصصت هذا السلطان بذكر شيء من سيرته لغرابة أحواله ولأنه كان من أجلّ ملوك زمانه وأعظمهم دهاء وأعلاهم كعبا في فنون السياسة، ولأنه آخر سلطان عثماني يستحق أن يسطر له شيء من سيرته في صفحات التاريخ، ولأنه كان حصنا حصينا لدولة بني عثمان مدة سلطنته، فلما خلع أخذت صنوف البلاء تنصب على هذه الدولة يوما بعد يوم حتى تدهورت إلى الدرك الأسفل وكادت تمحى سطورها من صحائف الوجود. كم سنة بقي سلطانا: كان جلوسه على عرش الخلافة الإسلامية والسلطنة العثمانية مدة اثنتين وثلاثين سنة وسبعة أشهر وسبعة وعشرين يوما وست عشرة ساعة وخمسا وأربعين دقيقة. قبض هذا السلطان على رقبة ذلك الملك العظيم بيد من حديد طول هذه المدة، ولم الجزء: 3 ¦ الصفحة: 381 يضع منه سوى النزر اليسير الذي ربما كان هو المتساهل بحفظه ليكون فداء عن باقي دولته وليتمكن من التنكيل بأعدائه وإبادتهم. إن بقاءه سلطانا وسلامة ملكه من أيدي الأغيار تلك المدة- مع فقر خزائن الدولة وخلّو مدخراتها من السلاح وبحارها من الأساطيل- لما يدهش له الإنسان ويأخذه منه العجب كل مأخذ. غير أنه إذا أمعن النظر بالأسلوب الذي كان يسير عليه في سياسة الأمة وإدارة الملك لا يلبث أن يزول عنه العجب ويقنع بأن ذلك الأسلوب حقيق أن ينتج عنه تلك النتيجة. كيف كانت سيرته في رعيّته: كانت الطبقة الدنيا والوسطى من الرعية على اختلاف عناصرها تخافه وتحبه: تخافه لقوة بطشه وعظيم دهائه وتمكنه من الاطلاع على أحوال رعاياه، فإنه كان لا تخفى عليه خافية من أحوالهم وكل ذي شخصية بارزة في ممالكه معروف عنده واقف تمام الوقوف على ما هو عليه من المحاسن والمساوئ. وتحبه رعاياه لأنه كان لا يحب أن يبهظهم بالضرائب، فكان الرخاء في أيامه شاملا والرعية راتعة في بحبوحة التنعم والرفاهية، وكان عظيم العناية بكل ما يرضي رعاياه لا سيما البسطاء منهم، غير متوان عن الإتيان بكل ما ينطبق على رغائبهم، خصوصا بما كان له علاقة بالدين كخدمة شعائره وإعمار المعابد، فقد عمر في أيامه ما يعسر على القلم إحصاؤه من المساجد والجوامع والمدارس الدينية والزوايا والتكايا وأضرحة الأولياء والصالحين. وكان من أجل آثاره وأكبر حسناته- وأقواها اجتذابا لقلوب المسلمين عامة وقلوب رعيته خاصة- سكة الحديد الحجازية فإنه هو وحده الساعي بإنشائها وبسعيه المشكور تم أمرها. وكان لا يقصر بإنقاذ المستغيثين به من مخالب الظلم ما لم يكن الظالم من مردته وأتباعه. عدم سماحه عمن يمسّ شخصه وسلطانه، وكيف كان يعاقب المسيء إليه بالنفي وغيره من العقوبات: وهو لا يؤاخذ أحدا على إطلاق لسانه بالظلمة والمستبدين من مستخدمي الحكومة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 382 أو متنفذي الرعية، فقد كان الإنسان في أيامه يطلق لسانه بما شاء وبمن شاء لا بأس عليه بذلك، إلا أن يتكلم بما يمس سلطانه فإنه لا يسامحه بأقل كلمة سوء تصدر منه في حقه فيعاجله بالنفي عن وطنه، لكن مع تعيين راتب شهري له يقوم بتمام كفايته حسب مقامه. وهذه العقوبة جعلها مختصة بمن يتجرأ عليه بقول أو عمل يشتمّ منه رائحة المساس بشخصه أو سلطانه ولو من مسافة بعيدة. على أن العقوبة بالنفي على هذه الصفة كانت تعدّ من أهون العقوبات وأخفها عبئا على من يستحقها. سألت الفريق عابد باشا- أحد كبار المنفيين إلى حلب- عن سبب نفيه فقال: حدثت في استانبول هزة أرض لم ينجم عنها ضرر، فقلت لجماعة من أصحابي وأترابي: «بظلّ ملجأ الخلافة لم يحصل من هذه الهزة خطر» . قلت ذلك بلسان تهكم وسخرية، أعني بهما المتملقين من اللائذين بقصر يلديز وكتبة الجرائد الذين يأتون بهذه العبارة في مقدمة كل مقال ينمقونه بالإخبار عن كل حادث، طبيعيا كان أم مفتعلا. مثلا يقولون: بظلّ ملاذ الخلافة وقع في حلب مطر غزير، وبظلّ حامي حمى الخلافة بني في دمشق مكتب للإناث، وبظلّ السلطان الأعظم كانت هذه السنة ذات فيض وبركة. قال عابدين «1» باشا: فاتصلت كلمتي تلك بسمع السلطان بواسطة أحد جلسائي الذين قلتها بحضورهم، مع أنني لم أفه بها إلا وأنا معتقد أنهم جميعا من خواص أصحابي وأترابي ولم يخطر لي على بال قط أن بينهم متجسّسا لعبد الحميد. وحكى لنا عزيز بك- وهو من كبار المنفيين أيضا- أن سبب نفيه «2» أنه كان أمّ السلطان مرادا بصلاة التراويح. وحكى لي عثمان بك أحد المبعدين إلى حلب- وهو ممن غلب عليه البله، وكان يعاني في استانبول مهنة الحلاقة- أن السلطان عبد الحميد نفاه لأنه كان يبري الأقلام للسلطان رشاد وكان عثمان بك حسن الخط. هكذا كان السلطان عبد الحميد يعاقب بالنفي على أدنى كلمة وأقل حركة يرى بها مساسا لشخصه أو سلطنته ولو توهما وتظنيا. أما عقوبته بالتغريق أو الاغتيال أو الحبس فقد جعلها نصيب من يتوهم منه صدور الجزء: 3 ¦ الصفحة: 383 شيء له مغزى سياسي يقصد به خلعه أو اغتياله. مثلا أطلق مسدسه الذي يصحبه دائما على إحدى حظياته فأرداها في الحال، وذلك لأنها دخلت عليه دون استئذان منه، فأطلق عليها عياره قبل أن تفوه بكلمة متوهما أنها أتت لاغتياله، وكم مرة أمر بتغريق إنسان لمجرد ما أخبر به عنه جواسيسه من أنه أثنى على مدحت باشا ورحّم عليه «1» ، أو لمجرد ما بلغه عنه أنه مرّ من قدام قصر السجين السلطان مراد، أو قصر السجين الآخر محمد رشاد. استخدامه الرجال في مآربه وكيفية سياسته معهم: كان من جملة المؤيدات لبقائه على كرسي السلطنة- طيلة هذه المدة- استعماله سياسة التفريق، وذلك أنه حشد حوله أشخاصا لهم ظهور في أقوامهم من كل ملة تستظل بالراية العثمانية، اختار من كل إقليم منها رجلا فأدناهم من حضرته وطفق ينهال عليهم بالعطايا الجزيلة والمرتبات الشهرية والرتب السنية والأوسمة العلية، فملك أفئدتهم وأدهش عقولهم وكمّ أفواههم عن إظهار مساويه، وأطلق ألسنتهم بحمده وشكره وإذاعة محاسنه يملؤون بذلك صفحات المؤلفات وأعمدة صحف الأخبار. وكل واحد منهم يرى من قدس واجباته استمالة قلوب أهل إقليمه إلى محبة هذا السلطان والإخلاص بولائه، قد أرصد نفسه لأجل إقليمه وناحيته ونصبها لهم كالباب المفتوح يتوصلون بواسطته إلى السلطان لقضاء أوطارهم التي هي طلب المعاش أو الرتب أو الأوسمة أو الإنقاذ من الظلم أو إحقاق الحق أو إبطال الباطل أو عكس ذلك. ولا تسل عما كان يتسرب إلى هذا الباب من الأموال والتحف والطرف التي يعجز اليراع عن إحصائها. وكان عبد الحميد سيّىء الظن حازما محترزا، يخشى من أن يجرّ البطر وسعة النعمة أولئك الرجال إلى الانقلاب عليه، وأن تدعوهم الضمائر الحرة إلى التبرم من جبروته، ويتفقوا على إظهار حقيقته أو على الأقل أن يخفوا عنه ما يجري حوله من مناوئيه، وما يدبره له أعداؤه ورقباؤه من أسباب البوار والدمار كما دبروا لعمّه السلطان عبد العزيز خان. فكان السلطان- دفعا لهذه الاحتمالات- يستعمل مع الرجال المشار إليهم سياسة التفريق، فلا يغفل في كل حين وآخر عن إلقاء الشحناء والبغضاء بينهم. وطريقته في ذلك الجزء: 3 ¦ الصفحة: 384 أنه كان يلتفت إلى زيد من أهل الإقليم الفلاني مدة فينهال عليه بالعطايا والرتب والأوسمة وقضاء المآرب، وفي الوقت نفسه يلفت نظره عن عمرو- الذي هو من ذلك الإقليم- فيهجره ويبقيه مطروحا في زوايا الإهمال والنسيان، فيستوحش عمرو من هذا الإهمال وينكسر قلبه وتدبّ في فؤاده نار الحسد لزيد، ويرى أن هذا الأنكيس «1» لم يأته إلا من قبل زيد، وأنه لا يعود التفات السلطان إليه إلّا بتنكيس أعلام خصمه زيد وسبقه عليه بنقل الأخبار إلى السلطان وإعلامه بما يجري حوله من الأمور والأحوال التي تمس شخصه وسلطنته، ويكون زيد قد انتبه إلى مكايد عمرو واجتهاده بالتقرب إلى السلطان وإبعاد خصمه عنه، فيقابل عمرا بمثل عمله فيقع بينهما التحاسد والتنافس. والسلطان أذن صاغية لكل واحد منهما، يبقى على ذلك مدة من الزمن إلى أن يستوفي ما في وطاب «2» المتجاولين ويستفرغ ما حواه جرابهما فينقلب على زيد ويقبل على عمرو، ويعود بينهما الدرس الأول. وهلم جرا. بهذه السياسة المدهشة كانت ولايات البلقان منقادة إلى طاعة هذا السلطان في كل هذه المدة، رغما عما أظلته سماؤها من تعدد العناصر واختلاف الملل. ومثلها الولايات العربية. استخدامه صحف الأخبار الأجنبية في مآربه: وكان يدرّ إنعاماته الوافرة على أصحاب الجرائد الأجنبية الممتازة فتذكر محاسنه وتغضّ الطرف عن مساويه وتنوّه بعظمته وقوة دهائه، وتجسّم خطورة مناوأته في مخيلات عظماء الرجال من الدول الأجنبية اللواتي لهن مستعمرات إسلامية، بما كانت تبثّه في تضاعيف عباراتها من الكلمات التي مفهومها أن عامة المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها يدينون بمحبة السلطان عبد الحميد وولائه، وأنهم على اختلاف أجناسهم وعناصرهم منقادون لسلطانه الروحي عليهم، وأن أدنى إشارة منه إليهم تثير فيهم الحمية الدينية فيهبون لقيام عام يزحزح أركان السلام ويقلب الأرض ظهرا لبطن. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 385 رغبته بالمستخدم المبتلى بهوس ما، وعدم رغبته بالمستخدم المتنفذ: ومن غرائب السنن التي كان يسير عليها في استخدام بعض الموظفين أنه كان يسرّ جدا من المستخدم إذا كان ممحونا بمحنة متمكنة منه تضطره مباشرتها إلى استغراق وقته وتجعله غير مكترث ولا عان بأن يشتغل بغيرها من الأمور السياسية أو بالبحث عن أحوال السلطان وغيره. وعليه فإن المستخدم المحبوب عنده هو المصاب بهوس المقامرة، والميل إلى الأحداث أو بنات الهوى أو بنت المدام، أو بغير ذلك من المحن والشوائب. ذلك المستخدم الذي يتمسك به ولا يسمع فيه شكوى شاك وكأن لسان حاله يقول: أذني لحبيبي صاغية ... صمّت عند الواشي السّمج حكاية عن مستخدم من هذا القبيل: حكى لنا زين العابدين بك مكتوبي الولاية سنة (1328) حكاية فحواها من هذا القبيل فقال: كنت مكتوبيا في إحدى ولايات البلقان، وكان واليها ممتحنا بوجع الظهر منهمكا بالرشوة، فكثرت عليه الشكايات فلم يعرها السلطان أذنا. ثم إن أحد الدهاة العارفين بالطرق التي تثير حفيظة السلطان دسّ في شكاية عليه كلمة مؤداها أن الوالي يجتمع عنده نفر من شبان «جون ترك» ويتفاوضون بأمور تمس حضرة ملجأ الخلافة. قال زين العابدين: وحينئذ أصغى السلطان إلى هذه الشكوى وسرعان ما أصدر إرادته السنية بإحضاري إلى استانبول لأسأل عن حقيقة هذا الوالي. فشخصت في الحال إلى استانبول وحضرت توا إلى «المابين» «1» ولما أعلم السلطان بحضوري أمر رئيس كتّابه أن يستقصي مني أحوال الوالي، وقد وقف السلطان من وراء الحجاب يسمع كلامي. فقال لي رئيس الكتاب: أصحيح أن والي ولايتكم يجتمع عنده نفر من شبان «جون ترك» ويتفاوضون بمسائل السياسة؟ فأجبته على الفور: إن هذا الرجل ممحون بوجع الظهر، وبالكاد «2» أن يتسع له الوقت لأجل استيعاب اشتغاله بمداواة محنته، وإن الشبان الذين يجتمعون عنده ليسوا سوى الشبان الذين يطيّبون مرضه. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 386 قال زين العابدين: فسمعت قهقهة السلطان من وراء الحجاب، ثم خرجت من «المابين» وقد تبعني رئيس الكتاب يقول لي: إن ولي النعم قد سرّ من كلامك وأمر لك بمائة ذهب. وفي المساء اجتمعت مع ناظر الداخلية وحكيت له ما جرى، فقال: إنك مدحت الوالي وثبتّه بوظيفته من حيث لا تدري. فقلت له: وكيف كان ذلك؟ قال: أو ما قذفته بوجع الظهر؟ قلت: بلى، أو لم يكن هذا المرض موجبا لعزله؟ قال: بل هذا المرض هو الذي جعل السلطان يتمسك به ويثبته في وظيفته لأنه- كما قلت- يعوقه عن الاشتغال بغيره من أمور السياسة والبحث عن أحوال السلطان. قال زين العابدين: وكان الأمر كما ذكر ناظر الداخلية، فإن السلطان قد أبقى الوالي بولايته ولم يصغ فيه إلى واش أو رقيب. أما عدم رغبة السلطان بالمستخدم القوي فلأنه يخشى منه استعمال نفوذه بما يمس سلطنته فيجري عليه ما جرى على عمه السلطان عبد العزيز من وزيره مدحت باشا. ومما يحكى عن السلطان في هذا الصدد أنه هو الذي اقترح على غليوم إيمبراطور ألمانيا التخلص من داهية السياسة بسمارك المشهور، وذلك أن الإيمبراطور غليوم لما زار استانبول في المرة الأولى تحدث مع السلطان عبد الحميد عن نفوذ بسمارك في أوربا فقال له السلطان: أنا لا أحب أن يكون خادمي قوي النفوذ كهذا، أترغب جلالتكم أن ترى كيف أعامل خدمي؟ فقال غليوم: نعم. وحينئذ لمس السلطان الجرس المنبّه. ولما دخل الحاجب قال له: ادع كاملا (وكان كامل يومئذ صدرا أعظم) فأرسل الحاجب الخيّالة يبحثون عن كامل باشا فأحضروه، ولما دخل إلى المثول بين يدي السلطانين وقف مطرقا برأسه إلى الأرض مكتوف اليدين كأنه واقف في صفوف المصلين، فلم يلتفت إليه السلطان. وبعد برهة من الزمن قال له: لا لزوم للانتظار فالمسألة بسيطة. فسلّم الصدر سلام الخلافة وذهب ماشيا القهقرى حتى غاب عن نظر العاهلين. وقد انتبه الإيمبراطور غليوم إلى ما كان يراه من وزيره بسمارك من التوسع في الحرية حين مقابلته ومحادثته، فعزله عن وظيفته وحرم منه ذلك الدهاء الذي كان سياجا لسلطانه وملكه. كان السلطان عبد الحميد لا تخفى عليه خافية من أحوال رجال «المابين» ومن هولائذ بقصر يلديز، فقد كان يعلم كل العلم أحوال كل واحد منهم على حدته، ويدري ما انطوت الجزء: 3 ¦ الصفحة: 387 عليه سريرته من الخير والشر فكان لا يهمه من مكروه أوصافهم شيء ما دام أحدهم صادقا في خدمته مخلصا بولائه. استكثاره من الجواسيس: أكثر هذا السلطان من استخدام الجواسيس المعروفين بالخفية وجاد عليهم بالعطايا والمرتبات الوافرة، وبثّهم في جميع دوائر الحكومة وأزقة استانبول وخاناتها وفنادقها وجوامعها ومدارسها. وهم على هيئات مختلفة وأزياء شتى: ما بين كاتب وخادم ومتسول ودرويش وكسيح وسائح وأبكم وأعمى. ولم يكتف ببثّهم في دوائر الحكومة بل أقام منهم العدد الكبير في نفس بيوت المستخدمين مصطبغين بصبغة الخدم والحشم. بل بعض منازل المستخدمين كان لا يخلو من متجسس على المستخدم من أهله وذوي قرابته حتى صار الإنسان يحترز من زوجته وابنه وأخيه وهو في بيته فلا يجسر أن يفوه بأقل كلمة تمس حضرة السلطان لا سرا ولا علنا. لم يرخص قط بدخول التلفون (الهاتف) إلى استانبول، ولا أن تستخدم فيها الكهرباء بجميع وظائفها منعا لسهولة التخابر بين مناوئيه ومعارضيه. كراهيته الجمعيات، ومنعه استعمال بعض الألفاظ، وتضييقه على المؤلفات وصحف الأخبار: ومن غرائب الأمور التي تذرّع بها للحيطة على نفسه وسلطنته: كراهيته الجمعيات حتى اجتماع الأصحاب مع بعضهم للمسامرة والمؤانسة. وكان المجتمعون يحذّر بعضهم بعضا خشية أن يكون بينهم من يتجسس للسلطان والأغراب من هذا أنه منع استعمال الكلمات الآتية الذكر تلفظا وكتابة وهي: (كلمة جمعية، وخان، وخونة، وعزل، وخلع) ، وما تصرف من هذه الكلمات، (ومراد، ورشاد، ويلديز) ، وغير ذلك من الألفاظ التي مفهومها التحزب والاجتماع والعزل والخلع، حتى إن هذه الكلمات هجرت «1» استعمالها في أيامه الصحف الإخبارية، والصكوك الشرعية، والنظامية، والمؤلفات العلمية، فلا يجوز لكاتب أن يأتي بكلمة: «جمعية» ، ولا لقاض، أن يقول الجزء: 3 ¦ الصفحة: 388 في صكوكه: خالعت فلانة زوجها فلانا، ولا أن يقول في متولّ: عزل لأجل خيانة. وكان شياطينه يتعقبون له هكذا ألفاظ، حتى في كتب الدين، وقد أمر مرة بأن يطبع كتاب صحيح مسلم، طبعا متقنا، فنفذ أمره، وبعد أن تم طبع الكتاب، أخبره بعض شياطينه بوجود حديث الإمامة فيه، وهو «الأئمّة من قريش» فأمر في الحال، بجمع نسخه، وإحراقها، وأن يعاد طبعه بعد حذف هذا الحديث منه «1» . وهذا هو المراد من قول شيخ الإسلام في الفتوى السابقة الذكر: «وأخرج من الكتب الشرعية بعض المسائل المهمّة» إلى آخره. وكان يبعثر أموال الدولة ويصرفها على كبار جواسيسه، وإعمار القصور في بلاطه المعروف باسم «يلديز» ، الذي لا يجسر أحد أن يلفظ به، حتى ولا بكلمة «نجم» التي هي ترجمته، ولا بكلمة «مراد» ، ومن كان مسمّى بهذا الاسم، فعليه أن يمسخه ويحرّفه حين يلفظ به- أو حين يكتبه- إلى «مرات» . وأغرب من هذا، أن البقل المسمى بالحرف، المعروف عند الحلبيين بالرشاد، قد طووا اسمه المشهور عندهم، وصاروا يشيرون إليه بقولهم: «أخو المقدونس» . واتفق لي مرة- حينما كنت رئيس كتاب المحكمة الشرعية- أني أعطيت حجة شرعية في مخالعة جرت بين رجل وزوجته، فأرسل الرجل الحجة إلى المشيخة الإسلامية لأجل التدقيق فلم أشعر إلا والحجة قد أعيدت إليّ ومعها كتاب من شيخ الإسلام يقول فيه ما معناه: يعمل بمضمون هذه الحجة بعد إجراء بعض الإصلاح عليها. فأخذت الحجة وقرأتها بكل تدقيق وإمعان فلم يظهر لي فيها خلل من جهة ما فحرت في أمري ثم عدت إلى تصفحها وبذلت جهد المستطيع بتدقيقها، إذ بصرت بعض الكلمات منها قد سحب فوقها خط بالحمرة ضئيل جدا ربما كان أدق من الشعرة فعلمت حينئذ أن المراد من الخلل هو وجود تلك الكلمات فإذا هي كلمة: «خلعت، وخلعها، ومخالعة» ، وباقي ما يتفرع عن هذه الكلمة. فاضطررت آنئذ أن أعيد كتابة الحجة من جديد مع قيدها في السجل وأستبدل لفظة «المخالعة» ، وما تصرف منها، بكلمة «المبارأة» ، وما تصرف منها. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 389 كان محررو الجرائد من جراء هذا التدقيق المشين يتكبدون عرق القربة بتحرير صحفهم، إذ على المحرر منهم- بعد تحرير صحيفته وطبعها- أن يقدم أول نسخة منها إلى المراقب (السنسور) المعيّن، فمتى وجد فيها كلمة من الكلم التي سبق بيانها أو وجد فيها عبارة تشفّ- ولو من وراء ألف ألف حجاب- عن غمز أو لمز يقصد بهما السلطان، فإن حضرة (السنسور) لا يحجم لحظة واحدة عن تشذيب المقالة وضربها بقلمه القاسي ضربة تقضي على حياتها مهما كان موضوعها أديبا بديعا، وحينئذ يذهب تعب ذلك المحرر أدراج الرياح، ويضطر إلى تحضير مقالة بدلها ليملأ بها من جريدته ما حدث فيها من الفراغ. وبعد أن يطبعها أيضا يرفعها إلى حضرة المراقب فربما ضربها ضربة ثانية بذلك القلم الشبيه بمعول يهدم معاهد العلم وصروح الأدب، محتجا على محررها ولو بكلمة فيها حروف لفظة «عزل» مثلا كأن يقول: عزال، عزاليك، أو عزرائيل. ولا تسل حينئذ عن حال ذلك المحرر المنكود الحظ الذي قد يشتغل أسبوعا تاما بتحرير مقالة يرضي بها المراقب، وينفي فيها الشبهة الموهومة عن نفسه. وكان المؤلفون الذين يصرفون من أعمارهم الثمينة الأعوام الطويلة في تأليف كتاب أدبي، أو علمي أو فني، مكلفين- لأجل الحصول على الرخصة في طبع مؤلفهم وتدوينه- أن يبيضوا منه نسختين يقدمونهما إلى نظارة المعارف في استانبول، وهي تدفع إحداهما إلى مراقبها الخاص فيفحصها على الصورة المتقدم ذكرها في فحص الجرائد، ولربما شذبها وضرب بقلمه المشؤوم تلك الضربات العنيفة فمحى نحو ثلث الكتاب أو نصفه، لوجود شيء في عباراته من الكلمات المتقدم ذكرها أو شيء مما يشبهها. وقد يستغرق (السنسور) في هذا العمل الذميم نحو سنة أو سنتين، وقد لا يرخص له بطبع ذلك الكتاب مطلقا بعد تلك المدة الطويلة. وروى بعض أصدقائنا من منوّري شبان الأتراك أن بعض شياطين السلطان عبد الحميد استلفت نظره إلى ما في القرآن الكريم من الألفاظ المتقدم ذكرها، التي تنبو عن سمعه وتشذّ عن ذوقه وطبعه، فكاد السلطان يصدر أمره الكريم بتنقيح نسخة منه وتنظيفها من تلك الألفاظ وطبعها، مهذبة منقحة، غير أن بعض محبيه المخلصين بين له خطارة هذا العزم وما ينشأ عنه في العالم الإسلامي من الاضطراب فأمسك عن إصدار أمره المذكور. وقد أسمعني ذلك الصديق أربعة أبيات باللغة التركية في هجاء مراقبي الكتب والمؤلفات الجزء: 3 ¦ الصفحة: 390 في دولة السلطان عبد الحميد، وكلفني بنظمها بعد ترجمتها إلى اللغة العربية فقلت: يا صاح نقّاد المعارف عندنا ... أعمت قلوبهم المناصب والرتب كم من كتاب مفرد في بابه ... قد أفسدوا منه الصحيح المنتخب هذا كتاب الله وهو منزّل ... ظنوه جهلا أنه قصص العرب فتصفحوه ونقّحوه بزعمهم ... من كل ما تأبى السياسة والأدب تحرزه المفرط في أكله وشربه ومحل نومه: ومما بلغ فيه حد الإفراط تحرّزه في المأكل والمشرب، فقد كان من المحال أن يأكل طعاما أو يشرب شرابا قبل أن تتناول منهما والدته شيئا، إذ هي الموكول إليها أمر حراسة مأكوله ومشروبه وبمعرفتها ومراقبتها يطبخ ويجهز له ما يأكله ويشربه. ومن جملة احترازه أيضا أنه كان لا ينام ليلتين متواليتين في غرفة معينة في قصر من قصور يلديز، بل كان في كل ليلة ينسلّ خفية تحت جناح الظلام إلى قصر من تلك القصور ويرقد على أحد سرره المنصوب في إحدى غرفها العديدة، التي له في كل واحدة منها سرير مطابق- بشكله وهيئته- بقية السرر المنصوبة في جميع الغرف مطابقة تامة. غناه وحشده الأموال: كان يعدّ في عصره أغنى ملك في الدنيا. ولم لا يكون كذلك ورزقه من بيت المال كل يوم أربعة آلاف ذهب عثماني قبل افتتاح مجلس النواب للمرة الثانية، وثلاثة آلاف كل يوم بعده؟ هذا عدا مداخيل أملاكه ومزارعه في الولايات العثمانية التي كانت تقدر بثلث أموال الدولة، وعدا ما يأخذه اعتباطا من صناديق الدوائر كصندوق الأوقاف وصندوق النافعة وصندوق المعارف، وعدا ما يأخذه نافلة من طلاب امتيازات المعادن ومدّ سكك الحديد وغيرها. وكان له في المصارف الأجنبية الكبيرة عشرات ألوف الألوف من الذهب، وكان البسطاء من الناس لا ينكرون عليه هذا الغنى لأنهم كانوا يزعمون أنه لم يحتكر تلك الأموال العظيمة إلا بقصد تهريبها من أيدي وزرائه الخائنين وادّخارها للمهمات الحربية التي قد تفاجىء الدولة في مستقبل الأيام. ونحن لا ندري ما فعل الله بتلك الأموال بعد وفاته: هل أنكرتها المصارف، أم استخلصها منها الاتحاديون فصرفوها في شؤون الدولة، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 391 أم وضعوا أيديهم عليها وصرفوها في شؤون أنفسهم؟ التغالي بألقابه ومدائحه: تغالى المداجون من محرري الصحف وغيرهم بألقابه ومدائحه إلى غاية لم نسمع صدور نظيرها في ملك قبله ولا بعده. لقبوه بملك الملوك (شهنشاه) وملجأ الخلافة (خلافتبناه) وباني الدنيا (كيتى ستان) وظل الله في الأرض، والسلطان الأعظم، والذات الأقدس، وغير ذلك من الألقاب والكلمات التشريفية التي يصلح بعضها أن يطلق على منشئ العوالم وخالق السماوات والأرض. وهكذا كان تغاليهم بمدائحه. الاحتفال بزينة عيدي ميلاده وجلوسه: وكان الاحتفال بالزينة العامة في جميع الممالك العثمانية يحدث في العام مرتين، إحداهما في عيد ميلاده والأخرى في عيد جلوسه، وفي كل من الاحتفالين كانت الصحف الإخبارية تبرز يوم الاحتفال في ثوب قشيب من الزينة والبهاء. وفي كل صحيفة منها مقالة افتتاحية تستوعبها من أولها إلى آخرها محررة بمداد مذهّب، محفوفة بإطار ذهبي بديع، محشوة بعبارات أنيقة كلها مدح وإطراء في عدل السلطان وتعداد مآثره وشرف أخلاقه وأنه هو الملك الوحيد في الدنيا، وأن يوم ولادته ويوم جلوسه من أبرك الأيام وأشرفها وأسماها طالعا وأسعدها؛ لأن فيه كان بزوغ شمس العدالة في العالم المعمور وطلوع أقمار السعادة في سماء الربع المسكون. إلى غير ذلك من عبارات المدح والإطراء البالغة حد الغلو والاستغراق. وكان من الواجب في ذلك اليوم على كل مستخدم ووجيه في محلته أن يزين باب منزله بالسجاد وعروق الشجر، ويسرج عليه كثيرا من المصابيح التي ربما عدّت بالمئات. وكلما كان المزيّن أكثر مداجاة وأشد تزلفا للحكومة ازداد تأنقا في زينة باب منزله وأكثر عدد مصابيحه. ومنهم من يعد للمتفرجين على احتفاله بهذه الزينة مقاعد ومفارش، ويحضر لهم جماعة المطربين العازفين بآلات الطرب ويحرق الألعاب النارية ويكرم الزائرين بالمرطبات. ويقدّر ما كان يصرف من الأموال في كل احتفال من هذين العيدين في حلب فقط بألوف الليرات. كان المداجون وأرباب الوجاهة منهم يتنافسون بهذه الزينات، لأن السابق الجزء: 3 ¦ الصفحة: 392 منهم بزينته والمبرّز بها على أقرانه ربما يكافأ على إخلاصه برتبة أو وسام، وكانت جماعة الشرطة لا شغل لهم في تلك الليلة سوى التجوال في أزقة البلدة وشوارعها والبحث والفحص عن المزينين وعمن تكون زينته أعظم وأفخم، فيكتبون أسماء المزينين ويحررون عند اسم كل مزين منهم إشارة لرتبة زينته من العدد الأول إلى العدد السابع، وإذا سهت جماعة الشرطة عن مزيّن ولم تذكر اسمه فإنه في الغد يعترض ويطلب أن ينص على احتفاله بالزينة في جريدة الولاية، لأن هذه الجريدة تصدر في صبيحة ليلة الزينة محررة من أولها إلى آخرها بأسماء المزينين والإشارة إلى مراتب زينة كل واحد منهم، وإذا طوت الجريدة اسم أحد المزينين أو قصّرت في بيان رتبة زينته فلصاحب الزينة حق الاعتراض، وعليها أن تصحح الخبر في عددها التالي. مواكب السلطان في صلاة الجمعة والعيدين: كانت مواكب السلطان عبد الحميد في صلاة الجمعة والعيدين في استانبول من أجلّ وأفخم جميع مواكب ملوك الدنيا. وكان السيّاح يطوون للتفرج عليها المسافات الطويلة، وينتظرون حولها الساعات الوفيرة وكانت ذات جلال وبهاء يعجز القلم عن تصويرهما. احتفال السلطان بالأضاحي في عيد الأضحى: وصف الأستاذ الصابونجي «1» في كتابه (ديوان شعر النحلة) الاحتفال بأضاحي عيد النحر عند السلطان عبد الحميد فقال ما ملخصه: يأمر السلطان بالاستعداد إلى عيد الأضحى قبل حلوله بشهر، وبانتخاب عدد مفروض من الأكباش العظيمة وبعلفها الجزء: 3 ¦ الصفحة: 393 وتسمينها وبالاعتناء بنظافتها وغسل صوفها وتمشيطه وجعلها في رادة «1» تصلح أن يتقرب بتضحيتها إلى الله تعالى، قيمة كل كبش منها، يضحّى عن السلطان، نحو ثلاثين ليرا ذهبا وعن أنجال السلطان 25 ليرا وعن حرمه 15- 20 ليرا، ويبلغ عددها مئة كبش وزيادة، ويهدي السلطان إلى كل موظف كبشا أو أكثر للتضحية يوم العيد. ومتى حل يوم العيد تصدر إرادة السلطان إلى جميع رجال الدولة ورؤساء الجيوش والقواد والصدور العظام بأن يقبلوا إلى قصر «طولمه بغجه» ببزتهم الرسمية ليرفعوا إلى أعتابه فروض التهاني بحلول العيد. وفي أول يوم من العيد ينهض السلطان مبكرا ويؤدي صلاة العيد بموكب حافل في جامع بشكطاش، ثم يركب في موكبه ويسير إلى قصر «طولمه بغجه» تتقدمه كتائب الجيوش ويتلوها رجال «المابين» بملابسهم الرسمية المطرزة بالقصب وعلى صدورهم أوسمة الدولة العثمانية فقط. (لأنه لا يسوغ لأحد على الإطلاق أن يحمل وساما أجنبيا في حضرة (أمير المؤمنين) . وحينما يصل الموكب الملوكي إلى القصر ينزل السلطان عن المركبة ويرقى بوقار وإجلال درج الرخام المغطى بالسجاد، ثم يأخذ السكين من أحد الموظفين في المابين الملوكي. ويكون رعاة القصر قد أعدوا الكباش المعلوفة التي أسلفنا ذكرها، ومشطوا صوفها الأبيض الطويل وزينوا قرونها الكبيرة وجباهها وصوف ظهرها بورق الذهب وشرائط الحرير الأحمر والأزرق والأبيض، وجعلوا على رؤوسها تيجانا من الورق الذهب المزدان بالزهور المصنعة والريش وقطع من المرايا ووضعوها صفين بين يدي السلطان، وقبض كل جزار بيده اليمنى على قرن كبش من الكباش ولبث ينتظر الإشارة من حضرة السلطان لينحر الكبش. ويلبس كل جزار منهم في مثل هذا الوقت جبّة من الجوخ الأخضر تصل أذيالها إلى ما تحت ركبتيه وحواشيها مطرزة بأسلاك الذهب. ويضع على رأسه قبعا مخروط الشكل مصنوعا من الجوخ الأخضر، وعليه تطريز بأسلاك القصب، وله شرّابة طولها نحو نصف ذراع مصنوعة من الحرير الأخضر وأسلاك الذهب، وهو يرخيها من أمام على كتفه. وحينما يحل وقت ذبح القرابين يسلّم السلطان السكين إلى رئيس أولئك الجزارين ويأمره بذبح القرابين نيابة عنه، ثم يصعد درج القصر ويدخل قاعة الاستراحة ويلبث هناك مدة قصيرة يتهيأ فيها للدخول إلى قاعة العرش. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 394 وصف قاعة العرش: قال الأستاذ الصابونجي ما خلاصته: إن قاعة العرش في وسط قصر «طولمه بغجه» المشيد على ساحل البوسفور من جهة أوربا، وهي أكبر قاعة قام بناؤها على وجه الأرض كلها، في الطول والعرض والارتفاع. وعليها قبة عظيمة جميلة الشكل قامت على اثنين وأربعين عمودا. ومما زاد هذه القاعة حسنا وغرابة في السعة أن قبتها العظيمة مستندة إلى أعمدة ليست مركوزة في صحن القاعة بل هي مصطنعة صنعا ظريفا في لصق جدرانها، وقد بقي الصحن كله خاليا منبسطا يسهل الجولان فيه وينشرح به الصدر. قال الأستاذ: وقد رأيت قصور ملوك فرنسا بباريس وفرسايل، وقصور ملوك الإنكليز بقرية وندرز ومدينة لوندره، وقصور ملوك إيطاليا بمدينة تورين ورومه، وقصر الباباوات والواتكان برومة، فما شاهدت قاعة بلغت من السعة وحسن هندسة البناء مثل قاعة «طولمه بغجه» . وقد وضعوا في صدر القاعة- على نحو خمسة أو ستة أذرع من الجدار- عرش أمير المؤمنين متجها نحو البحر. وهذا العرش كرسيّ مستطيل الشكل كالسرير يبلغ طوله نحو ذراعين ونصف الذراع، وارتفاعه من أمام نحو ذراع، وكله قطعة واحدة من الذهب الابريز المسبوك سبيكة واحدة في قالب الهندام وحسن الصنعة، وعلى ظاهره نقوش محفورة في صلب الذهب وثخانة جدار العرش نحو ثلاث عقد، وعلى مقعده فرش محشوّ بريش النعام وغطاؤه قماش من الحرير الأحمر المنقوش بقصب الذهب. كان هذا العرش سابقا لمماليك مصر من عائلة الغوري، غنمه منهم السلطان سليم لما فتح الديار المصرية سنة 922. مفروش تجاه هذا العرش- مكان موطئ قدمي السلطان- سجادة من الحرير المطرز بأسلاك قصب الذهب تطريزا بديع الصنعة. وفي أربع زوايا قاعة العرش أربعة شمعدانات (منارات) من الفضة الخالصة يبلغ ارتفاع كل منها ثمانية أذرع. وله قاعدة مسدسة الجهات تبلغ ثخانتها نحو شبر ومحيطها نحو ستة أذرع، وعلى رأس كل شمعدان عشرون مشعلا لإيقاد نور الغاز الهيدروجيني، وعلى كل مشعل قبع من البلور المنقوش ليمنع نفوذ الغاز من المشعل بعد انطفائه. ويوجد كذلك في كل زاوية من أربع زوايا القاعة شمعدان من البلور النقي في شكل ثريا جمعت بين حسن الصنعة وجمال الهيئة. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 395 ثم يوجد ثريا أخرى عظيمة جدا في غاية الحسن وإتقان الصنعة وكلها من البلور النقي المثمن، معلقة في سقف قبة القاعة بسلسلة نصفها الأعلى منم الفضة ونصفها الأسفل من جنس بلور الثريا. ويبلغ طول هذه الثريا البديعة الصنعة نحو 40 ذراعا ومحيط دائرتها الوسطى نحو ثلاثين ذراعا. وهي مركبة من دوائر عديدة مختلفة القطر في الكبر، قد ركب بعضها فوق بعض بترتيب يناسب كبرها وصغرها، فإنك ترى قطر دائرتها السفلى أكثر من ذراع، وما فوقها من الدائرة يزيد قطرها درجة عما تحته. وكلما ارتفعت الدوائر يزداد قطرها بنسبة بعدها وارتفاعها، وتكبر بالتدريج حتى يبلغ قطر الدائرة الوسطى منها نحو ثلاثين ذراعا، ثم تأخذ الدوائر بأن تصغر بالتدريج حتى يصير قطر أعلى دائرة كقطر الدائرة السفلى. وفي هذه ما ينيف على ألفي مشعل لإيقاد نور الغاز الهيدروجيني، وعلى كل مشعل بلورة منقوشة في شكل قبع جعلت منعا لنفوذ الغاز من أنابيبه قبل الإشعال. ثقل هذه الثريا (8500) أقة. اشتغل في تركيبها بالقاعة رجل أوربي نحو سنتين وكان راتبه الشهري ثلاثين ذهبا عثمانيا، وكانت الثريا صنعت في أوربا ونقلت إلى القاعة قطعا ثم ركبت. أرض هذه القاعة مفروشة بتقاطيع خشب السنديان المصقول والمصبوغ بصباغ يحكي لون خشب الجوز. ويفرش الخدم القاعة يوم المعايدة سيورا من الطنافس الثمينة المنسوجة في المعمل السلطاني، يبلغ عرض كل سير منها نحو ذراع ونصف الذراع، ليمشي الزوار عليها وقاية من الزلق على خشب أرض القاعة المجلوّ جلوا صقيلا. أما سقف القبة وجميع جدران القاعة فمنقوش بالقلم والألوان نقوشا جميلة بديعة الصنعة، وفي الشقة العليا من القاعة أربعة أطناف «1» أحدها تجاه العرش يقف فيه جماعة الموسيقى السلطاني، والآخر عن يمين العرش مختص بسفراء الدول الأجنبية وحواشيهم الذين يقصدون التفرج على رسم المعايدة من ذلك العلو الشاهق، وقد أعد لهم من كرم السلطان مائدة عظيمة عليها من المأكول والمشروب والأقراص الحلوة أشكال وأفانين. وصف المعايدة: قال الأستاذ الصابنجي: ولما فرغ السلطان من إيفاء سنّة الأضاحي مشى إلى غرفة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 396 الاستراحة فلبث بها مديدة حتى تهيأت له مراسم المعايدة. ثم نهض إلى قاعة العرش ودخلها من باب بينها وبين غرفة الاستراحة وانتصب واقفا أمام العرش ووجهه إلى جهة البحر ولفيف الحرس السلطاني الخاص ورجال الموسيقى يكررون الهتاف بالدعاء الملوكي «بادشاهم جوق يشا» «1» ، ثم صدحت الموسيقى السلطانية بأنغامها المطربة يتراجع صداها في فضاء قبة القاعة، وينزل على الحاضرين كأنغام نازلة من السماء تسحر الألباب، وتهتز لها طربا ألياف القلوب ما دامت ذرات الهواء مهتزة بها في قلب الأثير. قال الأستاذ: وقد سمعت أنغاما موسيقية كثيرة في أوربا وأميركا ولم أسمع فيها أنغاما تشابه هذه في الطرب. قال: ثم إن السلطان أصدر أمره إلى إبراهيم بك- رئيس التشريف- بالبدار إلى المعايدة. وفي الحال اصطف رجال «المابين» وراء العرش صفا واحدا في مقدمتهم رئيس الحجاب (سرقرنا حاج علي بك) ورئيس الكتاب (تحسين بك) والكاتب الثاني (عزت بك) مع لفيف الحجاب وآغاوات الحرم السلطاني، ثم أقبل نقيب الأشراف وهو لابس جبة خضراء وطأطأ رأسه ثلاثا وسلّم ب سلام الخلافة ووقف تجاه العرش على بعد نحو عشرة أذرع، ثم بسط ذراعيه وتلا الفاتحة. وفعل السلطان فعله وتبعه الصدر الأعظم وباقي الوزراء، والسلطان واقف على قدميه في الطرف الشمالي من العرش وكفاه مجللتان بالقفّاز الأبيض، مستندتان إلى مقبض سيف الخلافة. وكان الصدر الأعظم واقفا على يمين العرش وقد حمل على كفيه سيرا من الحرير الأحمر المقصب بأسلاك الذهب المفتول، فإذا أقبل الوزير وصار على مقربة من العرش سلم ثلاث مرات بسلام الخلافة ثم دنا من العرش وقبّل طرف السير ورجع القهقرى وهو يسلم بسلام الخلافة ثلاث مرات إلى أن توارى. ثم انتقل الصدر الأعظم إلى يسار السلطان وأقبل عليه وزراء الجهادية فسلموا بسلام الجندية دون أن يحنوا ظهورهم ولثموا طرف السير ورجعوا. خبر زلزال حدث في ذلك الوقت وثبات جأش السلطان: ثم أقبل صف أصحاب الرتب وابتدؤوا بالمعايدة وكانت الساعة بلغت الرابعة إلا خمس عشرة دقيقة إذ سمع صوت رجة خفيفة حصلت من اصطكاك في بلور الثريا الكبيرة المتقدم ذكرها، ثم اشتد صوت الارتجاج رويدا رويدا حتى صار اهتزازا عنيفا تناثرت من قوته الجزء: 3 ¦ الصفحة: 397 قطع بلور الثريا وسقطت على فرش القاعة وتكسرت إربا إربا، فاستولى الرعب على الحاضرين، وبينما كانت قلوبهم تهتز طربا بأنغام الموسيقى صارت أقدامهم تهتز بالزلزال هلعا ورعبا. غير أن السلطان لم يبرح جالسا على عرشه بجأش رابط وقدم ثابت، وقد هرع أكثر الحاضرين إلى القاعات المجاورة لقاعة العرش، ومن بقى منهم ضجوا يستغيثون بالله ويطلبون منه النجاة. ثم إن السلطان لما رأى انقطاع المعايدة وخروج الناس نهض عن العرش بوقار وهدوء ومشى الهوينى نحو قاعة الاستراحة. قال الأستاذ: أما أنا فلبثت في قاعة العرش وقلت لنفسي: إلى أين الفرار من هذه القاعة السلطانية قاعة العظمة والجلال التي لا مثيل لها بين قاعات ملوك الدنيا كلها؟ فإذا كانت الزلزلة تهدم هذه القاعة (لا سمح الله) فتهدم معها القصر بتمامه، وإذا كان الأجل دنا فالموت في قاعة العرش الفسيحة وتحت قبتها العظيمة أمر عظيم لا يحصل كل يوم لأيّ من كان ولا أستطيع أن أختار له مكانا أحسن من هذا المحل. ثم إن الهزة قد خفّت وزال الخطر وعاد السلطان إلى مكانه. وأتم بقية المعايدين فروض المعايدة على الوجه الذي سلف بيانه، ثم نهض السلطان بين هتاف الدعاء الملوكي والنغم الموسيقى وسار عائدا إلى قصر يلديز محفوفا بكتائب الجنود، والخدم ينثرون الدنانير في الطريق على الفقراء الذين كانوا يدعون للسلطان بالإقبال وطول العمر. سلام الخلافة: سلام الخلافة هو أن ينحني الإنسان إلى الأرض بنصف جسمه (كأنه راكع) ويمد يده اليمنى إلى أن تلمس الأرض ثم يرفعها إلى جبينه باحترام، ويكرر ذلك ثلاث مرات بين كل مرة وأخرى فترة من الزمن، كأنه يشير بذلك إلى أن تراب أقدام الخليفة على الرأس والعين. قال الأستاذ: ورأيت من كرر ذلك السلام أكثر من ثلاث مرات ومشى القهقرى مسافة طويلة، ووجهه يحاذي وجه السلطان ولا يلفت إليه ظهره حتى يغيب عن منظر السلطان. نبذة في الكلام على الزلزلة: قال الأستاذ الصابونجي: ولما كانت الزلازل من أعظم المصائب التي نكبت بها الكرة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 398 الأرضية مع سكانها، رأيت أن أذكر في هذا الباب شيئا من أحوالها وأسبابها تتمة للفائدة. ثم قال ما خلاصته: يحدث الزلزال في الليل أكثر من النهار. وقد أحصى المدققون نحو خمسمائة زلزلة وزلزلتين كان حدوثها في بلاد أسفيزرة، منها 320 زلزلة حدثت في الليل بين الساعة السادسة بعد الظهر وبين الساعة السادسة قبله، وإن التي تحدث قبل نصف الليل تكون أشد مما تحدث بعده. وقالوا إن الزلزال في الأراضي البركانية أكثر من الزلزال في السهول. وإن حدوث الزلزال «1» في فصل الشتاء أكثر منها في فصل الصيف، وما يحدث منها في الكانونين يكون أشد من غيره وذلك لكثرة سقوط الأمطار التي تجري مياهها إلى شقوق الأرض وتتطرق إلى قلب الأرض وتصل إلى الصخور المسخنة بحرارة المواد النفطية المشتعلة فتحدث في الصخور انفجارا ينبعث عنه هزة في قشرة الأرض. تنتشر الهزة التي تحدث في قشرة الأرض بسرعة عظيمة ربما بلغت سرعتها 20526 قدما في الثانية. والزلازل التي كانت عواقبها وخيمة كثيرة، منها زلزلة حدثت في مدينة لزبون سنة 1755 م و 1169 هـ فقد دفنت تحت أنقاض المدينة نحو 10 آلاف إنسان، والأحياء الذين بقوا بعد الهزة الأولى التجئوا إلى رصيف الميناء فباغتتهم الهزة الثانية ورفعت مياه البحر إلى علو 50 قدما، ثم جرفت الرصيف وكل ما كان عليه إلى أعماق البحر، ثم انشقت الأرض تحت البحر وابتلعت جميع السفن التي كانت في الميناء ثم أطبقت عليها ولم يظهر منها فيما بعد أثر على وجه الماء. أسباب الزلازل: أسباب الزلازل كثيرة، منها ما هو معروف ومنها ما هو مجهول فالمعروف هو: أولا: تأثير جاذبية القمر في قشرة الأرض. ثانيا: المد والجزر في البحار. ثالثا: ضغط الهواء على قشرة الأرض وسطح البحار. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 399 رابعا: الانفجار الذي يحدث في الجبال البركانية. خامسا: الانفجار الذي يحدث أحيانا في معامل البارود. سادسا: الانفجار الذي يحدث في قلب طبقات الأرض بسبب تطرق المياه إلى الصخور المسخنة باشتعال المواد النفطية فمتى لامس الماء هذه الصخور الشديدة الحرارة تفرقعت وأحدثت هزة عنيفة في قشرة الأرض. سابعا: تموج المادة النارية المائعة في مركز الأرض، فهذه الكتلة من المادة المائعة إذا لامست جدران قشرة الأرض من داخل فعلت بها فعل أمواج البحر بصخور الساحل، أي إنها تجرف من جدران قشرة الأرض بعض الصخور العظيمة بقوة تفوق إدراك البشر، ومتى سقطت تلك الصخور في بحر تلك المادة النارية المائعة فرغ مكانها فيتدحرج إليه ما جاورها من الصخور ويشغله. وعلى هذا الأسلوب صخر يعقب صخرا في التدرج فيحصل من جراء ذلك ارتجاج وهزّة هائلة في قشرة الأرض ثم ينتشر إلى سطحها. وقد يكون مركز الهزة على عمق ثلاثين ميلا من سطح الأرض وربما كان أقل من ذلك إلى نحو ميل ونصف ميل، وهلم جرا. ثامنا: إن السبب الأكبر لحدوث الزلازل في الكرة الأرضية وفي جميع الشموس والنجوم والكواكب، هو الله جل جلاله الذي وضع للمادة على الإطلاق نواميس لا تتغير تستن بها، ثم ساسها بحكمته الأزلية وسخرها متى شاء لإجراء إرادته الإلهية في خلائقه. بقية حوادث سنة 1327: في ربيع الثاني من هذه السنة حدث في كل من مرعش وأنطاكية، وقريتي كسب وقريق خان، مشاغب أرمنية قتل فيها عدة أشخاص من الأرمن والمسلمين، وعلّقت الحكومة بعض الرجال «1» من أعيان مسلمي أنطاكية وسكنت الفتنة. مظاهرة في حلب ومقاطعة اليونان: وفي ضحوة يوم الاثنين 29 رجب من هذه السنة احتشد الجم الغفير من أهل حلب الجزء: 3 ¦ الصفحة: 400 في فسحة سوق الجمعة- وهو الفضاء الممتد من تجاه جامع الاطروش، إلى قرب باب القلعة إلى حمام الذهب، إلى سوق القصيلة- فأجرى المحتشدون مظاهرة حماسية طلبوا فيها من الحكومة عدم السماح بحقوقها من جزيرة كريد وقد تليت في هذه المظاهرة عدة خطب حماسية من قبل علماء المسلمين والرؤساء الروحيين المسيحيين. ثم جرت بعد ذلك عدة مظاهرات في حلب ومراكز أقضيتها وقوطعت اليونان في استانبول، أي أضرب الناس عن شراء بضائعها. وفي رمضان هذه السنة ولي حلب فخري باشا ابن ناشد باشا، وهو وال حسن السيرة لولا ولعه بالميسر. وقد شدد العقوبة على المتجاهرين بالسكر وعاملهم بضرب أرجلهم بالسياط دون تمييز بين رفيع ووضيع فخافوه وقلّ تعاطي هذا المنكر. ثم اعترضت على هذا العمل مدّعية العموم في دائرة العدلية فأبطل الوالي تلك العقوبة وعاد السكيرون إلى ما كانوا عليه. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 401 سنة 1328 هـ تجنيد المسيحيين والإسرائليين: في هذه السنة صدرت أوامر الدولة بإبطال الجزية- وهي المسماة عند الدولة العثمانية باسم «البدل العسكري» - وأن يستعاض عنها تجنيد شبان الطائفتين أسوة بأمثالهم من طوائف الرعايا العثمانيين. وبناء على ذلك أجريت القرعة الشرعية على عامة شبان الرعية العثمانية، فجند فيها شبان الملل الثلاث المسلمون والمسيحيون والإسرائليون، وهي أول قرعة كانت على هذا النمط. وقد سرّت الطائفتان الأخيرتان من هذا الصنيع سرورا زائدا لتخلصهم من غائلة البدل العسكري. ثم انقلبت مسرّتهما إلى الاستياء بعد أن باشر شبانهما الجندية وزاولوا بعض ما فيها من المشقات العسكرية التي يصعب عليهم تحملها لعدم تعودهم عليها، فكانوا يتذمرون من الجندية ويتظاهرون بندمهم على تعرضهم إليها ولا تحين «1» ندامة. كلمة في الجزية والبدل العسكري: الجزية شيء معلوم من النقود يعطيها المعاهد من أهل الذمة على عهده في كل سنة وسميت جزية لاجتزاء المعاهد بإعطائها عن القيام بالجهاد، كما قاله الزيلعي. وهي بحكم الشريعة الإسلامية لا تؤخذ إلا من الحر البالغ الصحيح العاقل المحترف، فلا تؤخذ عن العبد ولا عن مكاتب ولا عن امرأة ولا عن صبيّ، ولا عن مجنون ولا عن مزمن وأعمى وفقير غير محترف، ولا من راهب لا يخالط، لأنها خلف عن النصرة وهؤلاء لا تجب عليهم النصرة. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 402 مقدار الجزية: مقدار الجزية على نوعين: نوع يوضع على أهل الذمة بصلح وتراض، فتقدر بحسب ما يقع عليه الاتفاق فلا تزاد ولا تنقص، ونوع يبتدئ الإمام بوضعه إذا غلب على أرضهم، وهذه لا تزاد على ثمانية وأربعين درهما على الغني- تؤخذ منه على اثني عشر قسطا، في كل شهر أربعة دراهم- وأربعة وعشرين درهما على وسط الحال: تؤخذ منه في كل شهر درهمين، واثني عشر درهما على الفقير المعتمل تؤخذ منه كذلك في كل شهر درهما. والفقر والغنى يعتبران بحسب عرف البلدة. ولو مرض الذمي السنة كلها ولم يقدر أن يعمل لا تؤخذ منه وإن كان موسرا، وكذا لو مرض نصف السنة أو أكثر. والمعتبر في تعيين وزن الدرهم هو أن يكون كل عشرة دراهم بزنة سبعة مثاقيل. والمثقال الشرعي مقدّر بعشرين قيراطا كل قيراط مقدر بخمس قمحات معتدلة الوزن، فيكون المثقال بوزن مئة قمحة، والدرهم الشرعي مقدر بأربعة عشر قيراطا، كل قيراط مقدر بخمس قمحات كذلك، فعشرة دراهم تبلغ سبعمائة قمحة وهي سبع مثاقل «1» . وكانت الدراهم في أيام خلافة سيدنا عمر بن الخطاب مختلفة الوزن، فكان منها عشرة تزن عشرة مثاقيل، وعشرة تزن ستا، وعشرة تزن خمسا. فخشي الخليفة من تلاعب الجباة وتحيلهم بأن يأخذوا الجزية من نوع الدراهم التي تزن العشرة منها عشرة مثاقيل، فيظلموا أهل الذمة. فأخذ من كل نوع من هذه الأنواع الثلاثة ثلاثة دراهم ثم جمع الأثلاث إلى بعضها ووزنها فبلغت سبعة مثاقيل، فأمر الجباة أن يأخذوا دراهم الجزية على معدّل كل عشرة دراهم بزنة سبعة مثاقيل. والذي تبين لي بعد الإمعان والتدقيق أن الدرهم الذي كان يؤخذ على المعدل المذكور يساوي في زماننا نصف فرنك تقريبا، أي قرشين ونصف القرش من النقود الرائجة التي هي أجزاء الذهب العثماني المقدر بمائة وخمسة وعشرين قرشا، والريال المجيدي المقدر بثلاثة وعشرين قرشا. وعلى هذا المعدل تبلغ جزية السنة كلها عن الغني مئة وعشرين قرشا، وعن المتوسط الحال نصفها، وعن الفقير المعتمل ربعها. لا جرم أن هذا غاية الرفق من الشريعة الإسلامية التي قنعت من الذمي بهذا القدر من المال وتكفلت بحماية نفسه وصون الجزء: 3 ¦ الصفحة: 403 شرفه وساوت في الحقوق بينه وبين المسلم فجعلت له منها ما للمسلم وعليه ما على المسلم وكلفت المسلم أن يقاتل عنه ولم ترغمه على التجنّد بل تركت ذلك إليه إن رضي الدخول في الجندية، وإن لم يشأ كفّت عنه وقنعت منه بالجزية. ومما يعدّ في الشريعة الإسلامية رفقا بالذمي جعلها الجزية على ثلاث مراتب، على الوجه الذي تقدم بيانه، كيلا يتحمل الذمي الفقير ما لا يطيقه، مع أنها لم تميز في الجهاد المفروض على المسلم بين الغني والفقير وذي العيال والمجرد بل جعلت المسلمين كلهم في مباشرة الجهاد بمنزلة واحدة. ولو عملنا بمقتضى هذا الحساب معدل ما يدفعه المسلم المكلف للجهاد في كل عمره- لو أراد أن يجاهد بماله لا بنفسه- وبين ما يدفعه الذمي من الجزية وفرضنا أن كل واحد منهما يعيش سبعين سنة، لظهر لنا أن ما يدفعه المسلم ضعف ما يدفعه الذمي. مثال ذلك: ثلاثة من أهل الذمة مكلفون للجزية وهم من المراتب الثلاث غني ووسط وفقير، جزية الأول عن السنة (48) وعن الثاني (24) وعن الثالث (12) فإذا جمعنا هذه المقادير إلى بعضها يبلغ المجموع (84) درهما. فإذا قسمنا هذا المبلغ على ثلاثة يصيب الواحد منهم (28) درهما في السنة فإذا ضربنا هذا المبلغ في (55) سنة وهي من السنة الخامسة عشرة من عمر الذمي إلى السبعين. يبلغ الحاصل (1540) درهما وهو جميع الجزية التي يؤديها الذمي في عمره- فأما المسلم المكلف للجهاد- سواء كان فقيرا أم كان غنيا- فإنه إذا عاش القدر المذكور من السنين فلا أقل من أن يطلب للجندية ثلاث مرات فلو دفع عن كل مرة ألف درهم على أقل تقدير لبلغ مجموع ما يدفعه في عمره (3000) درهم وهي ضعف ما يدفعه الذمي تقريبا. ثم إن الدولة العثمانية لما رأت لاستثناء صاحب العيال من الدخول في الجندية لزوما «1» ، رفقا بعياله وصونا للتناسل من الانقطاع، استثنته من الجندية واستثنت معه العجزة والزّمناء» ، ثم عملت معدلا فظهر لها أن عدد الذين يكلفون للتجنيد في كل سنة: واحد من كل مئة وخمسة وثلاثين مسلما. وقد جعلت بدل الجندي من النقود- الجزء: 3 ¦ الصفحة: 404 إذا أراد أن يدفعها بدلا عنه- خمسة آلاف قرش أي خمسين ذهبا عثمانيا، فاعتبرت كل مئة وخمسة وثلاثين شخصا من أهل الذمة كعسكري واحد، وكلفتهم دفع هذا المبلغ الذي هو خمسة آلاف قرش، واستثنت منهم المعلمين والمشتغلين في المكاتب العسكرية والطبية والطلبة والمستخدمين في الدرك والشرطة ما داموا في وظائفهم، واستثنت على الدوام من كان سنه دون الخامسة عشرة وفوق السبعين، وجماعة الكهنوت والفقراء والعجزة، وجعلت توزيع ذلك المبلغ على المكلفين بيد رؤساء الطوائف، وأن ما يلحق المستثنأين «1» يوزعونه على بقية الأفراد. وقد جعلت للمكلفين «2» حق الاعتراض على رئيس طائفته إذا لم يوزع عليه أسوة أمثاله، فتنظر الحكومة في شأنه فإذا رأت اعتراضه في محله فإنها تكلف الرئيس أن يساويه بأمثاله إلى آخر ما هو محرر في نظام البدل العسكري المذيل بتاريخ 9 ربيع الثاني عام 1311 و 7 تشرين الأول سنة 309 رومية. تتمة حوادث سنة 1328: وفي هذه السنة ورد الأمر بإلغاء أخذ تذاكر المرور لمن يريد السفر إلى داخلية الولاية. وفيها وصل إلى حلب صديقنا الأديب الفاضل السيد بهاء الدين بك الأميري، وهو أحد مبعوثي حلب وقد عاد الآن إليها من استانبول ومعه شعرة من الحلية النبوية. فاستقبل بموكب حافل ووضعت الشعرة في قبلية جامع الحاج موسى. وفي رجب هذه السنة ثارت طائفة الدروز في الجبل المنسوب إليهم فأوقعوا بدرك الحكومة وامتنعوا عن دفع المرتبات فمشت عليهم جيوش الدولة وبعد حروب طاحنة تغلبت الجيوش عليهم فأخلدوا للطاعة وحكم بالإعدام على عدد من زعمائهم فعلّقوا ونشرت راية الأمن والسلام في جبل الدروز وبقية تلك النواحي. وفي شعبان هذه السنة عزل فخري باشا والي حلب ووليها حسين كاظم بك. وفيها وردت الأوامر بإبطال التغالي باحتفال زينة الميلاد والجلوس السلطاني، وحينئذ قصرت الجزء: 3 ¦ الصفحة: 405 الزينة في هذين المهرجانين على إسراج عدد قليل من المصابيح ونشر السجاد وعروق الشجر فوق أبواب الدوائر الرسمية وبعض بيوت الوجهاء على صفة بسيطة. وفيها ظهر في الجزيرة وقضاء الباب ومنبج جراد كثير أتلف مقدارا عظيما من الزروع، ثم في الشتاء التالي اهتمت الحكومة بجمع بزره فتلاشى وأمن من شره. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 406 سنة 1329 هـ شدة الشتاء وكثرة القرّ والثلج: في محرّم هذه السنة- الموافق كانون الثاني سنة 1326 رومية- كان الشتاء شديدا والقرّ والثلج في حلب وباقي جهاتها مما لم يسبق له نظير. وفي أثناء هذه الأزمة بعثت إلى السيد الماجد أمين بك التميمي قائممقام قضاء منبج كتابا نشرت في طيه نبأ هذه الحادثة الكارثة. ومنه يعلم القارئ ما أحدثه القرّ والثلج من البلاء في حلب وأنحائها على وجه التفصيل. وإليك صورة الكتاب، بعد ديباجته: على أني أحرّر لكم حروف هذا الكتاب والقلم يكرع شرابه من محبرة جامدة، والفكر يستمد مادته من قريحة نارها بأنفاس البرد خامدة، ذلك لأن شتاءنا في هذه السنة أقبل علينا فاغرا فاه كالحا بوجهه مكشرا عن أنيابه، منيخا بكلكله حالّا بأثقاله قد قرس قرّه، واشتد أمره، وسكر زمهريره، وتكسرت على الأرض قواريره، فأحال الألوان، وقشفت به الأبدان «1» ، وكتعت الأصابع «2» ، وأرعدت الأضالع، وعصب الريق في الأشداق، وجمد الدمع في الآماق، تقلصت منه الشفاه، وكزّت له الأسنان في الأفواه، صفح بجليده الأنهار والبحيرات، وأسال لعابه من الميازيب والشرفات، يتساقط ثلجه على الأرض تساقط النّور من أشجار ثار بها إعصار، ويتهافت على الحضيض تهافت الفراش المبثوث على لهيب النار، كلّل بملاءاته رؤوس الأطواد، ومدّ بساطه اليقق «3» على الروابي والوهاد، فعادت به القيعان كأنها درّة، وأصبح من مرآة الغريب في كل عين قرّة، ورحم الله القائل: كم مؤمن قرصته أظفار الشتا ... فغدا لسكان الجحيم حسودا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 407 وترى طيور الماء في وكناتها ... تختار حرّ النار والسفّودا وإذا رميت بفضل كأسك في الهوى ... عادت عليك من العقيق عقودا يا صاحب العودين لا تهملهما ... حرّك لنا عودا وحرّق عودا وتحرير هذا الخبر هو أننا أمسينا يوم الخميس 30 كانون الأول الرومي والغيوم البيضاء متلبدة في السماء والهواء لطيف معتدل، وما كاد ينقضي الهزيع الأول من الليل حتى أخذ الثلج يتساقط بكثرة فاستبشرنا بذلك لأن الأرض كانت عطشى مشتاقة إلى الماء، وبعض الزروع الشتوية قد أشرف على التلف. فنمنا ليلتنا فرحين مسرورين إلى أن كان الصباح نهضنا من مضاجعنا لقضاء حوائجنا فما راعنا غير الثلج المتكاثف قدر ذراع وقد تغير الهواء وقرس البرد والغيوم باقية على تلبدها، تثلج مرة وتمسك أخرى، مستمرة كذلك مدة سبعة أيام متوالية، إلى أن كان مساء يوم الخميس سادس كانون الثاني اشتد الدمق «1» وبرد الهواء حتى هبط الزئبق إلى الدرجة العاشرة تحت الصفر في مقياس السانتغراد تحت السماء، فجمد الثلج القديم وتكاثف فوقه الثلج الحديث قدر ذراع والغيوم لم تزل متلبدة ترسل الثلج تارة وتمسكه أخرى، إلى أن انقضى كانون الثاني وتم العقد الأول من شباط. وفي هذه الأثناء قرس البرد حتى بلغ درجة لم نشهد نظيرها فيما مر من حياتنا ولا حدثنا الأشياخ أنهم شاهدوا نظيرها قطّ، فقد أصبحت أصقاعنا في هذه الأيام تضارع الأصقاع القريبة من القطب الشمالي المعروفة باسم (سبيريا) حيث يهبط الزئبق إلى الدرجة الثلاثين تحت الصفر، وقد هبط عندنا في هذه الأيام إلى الدرجة الرابعة والعشرين. وفي رواية- عمن عني بهذا الأمر وحققه- أن الزئبق هبط في بعض الأيام إلى الدرجة السابعة والعشرين تحت الصفر بالمقياس المذكور. تأثير الثلج والقرّ: وقد نجم عن هذا الثلج والقرّ العظيمين وقوف حركة القطار الناري مدة ثلاثين يوما بين حلب ودمشق وبيروت، ثم سار من حلب إلى حمص بعد عناء شديد وبقيت الطريق مسدودة من حمص إلى بيروت ودمشق إلى أوائل شباط، فكأن القطار كان يعتذر عن وقوف حركته في لبنان بقول المتنبي: الجزء: 3 ¦ الصفحة: 408 وعقاب لبنان وكيف بقطعها ... وهو الشتاء، وصيفهنّ شتاء لبس الثلوج بها عليّ مسالكي ... فكأنها ببياضها سوداء «1» وقد انقطع سير القوافل من سائر الجهات القاصية والدانية، فغلت الأسعار لا سيما الفحم، فقد ارتفع ثمن رطله من قرشين إلى اثني عشر قرشا وثمن رطل الحطب من قرش إلى ثلاثة قروش، فقاسى الفقراء الشدائد والأهوال من قلة القوت وفقد مادة الوقود وقام الدعّار والشطّار ينهبون أغلاق أبواب قناء الماء ودفوف سقائف الأسواق وتسلطت الأمراض الصدرية والعصبية، فمات مئات من الناس بالأزمة والذبحة الصدرية وذات الجنب وذات الرئة والفالج وسكتة القلب، وكأن الصّقع «2» بدأ يجري على أهله الانتخاب الطبيعي فأخذ من يضعف عن برده وأبقى من يقوى عليه، وقد جمد عدد غير قليل ممن كان مسافرا على الطرق أو كان مضطرا لمعاناة خدمة شاقة في البلد فمات أو كاد يموت لو لم يتداركه الناس بالدّفء أو الأخذ إلى الحمام، ولذا ألزمت الحكومة أصحاب الحمامات بأن يفتحوها ليلا لتكون ملجأ لمن أصابه الجمد، ومأوى للفقراء الذين فقدوا وسائط الدّفء. واهتمت الحكومة بجمع الإعانات من أصحاب الخير فجمعت زهاء ثلاثة آلاف ليرا، فرقت ثلثها على الفقراء نقودا وثلثها اشترت به طحينا وفرقته وثلثا أحضرت به فحما من جهات حمص وبعلبك شحنته مجانا إلى حلب، إلا أنه لما قارب حماه عارضته الثلوج التي تجدد سقوطها فبقي القطار هناك نحو خمسة عشر يوما إلى أن تمكن من المجيء إلى حلب في أوائل شباط، فبيع منه جانب برأسماله وفرق باقيه على الفقراء. وكانت الحاجة إلى الفحم كثيرة، الفقير والغني فيها على السواء وكان طلب الناس له أشد من طلب القوت، وسبب ذلك أن القوت كان وافرا في حلب بسبب جودة الموسم، أما الفحم فإنه كان- في الوقت الذي جرت العادة على ادّخاره- مفقودا لأن الدوابّ التي تحمله من محلاته في فصل الخريف كانت مشغولة بأعمال الحبوب وكان الناس مؤملين بكثرة وجود الفحم في فصل الشتاء حين تفرغ الدواب من نقل الحبوب، كما يقع ذلك في أكثر السنين التي يكون فيها الموسم جيدا والشتاء معتدلا يمكن أن تسير فيه قوافل الفحم من الجبال وغيرها. أما الجزء: 3 ¦ الصفحة: 409 الآن فقد كاد يستحيل أن تسير القوافل إلى حلب ولو من أقرب محل إليها ولهذا عزّ وجود الفحم على الغني والفقير وصار من أحب الهدايا بين المتحابين وأفضل الصدقات عن المتصدقين، وكان الناس يستعملون بكثرة مواقد الكاز البترول بالطبخ ويحتالون باستعمالها للدفء بأن يرتكز عليها صفحة الحديد المعروفة بالصاج، ويضعون فيها رملا ويدفؤون عليه. وفي هذه المدة هلك مئات من الكلاب في حلب وغيرها مما أبقته آفة التسميم التي سلطتها الحكومة عليها في الصيف الماضي، وقد هامت الوحوش والضواري على وجوهها في ضواحي حلب ومفاوزها وهجم بعضها على القصبات، وهلك وصيد ما لا يحصى من الغزلان والذئاب والضباع والنمور والثعالب والأرانب وأنواع الطيور الدواجن وغيرها، وتلف مقدار نصف مليون من غنم القنية «1» وغنم التجار المرسلة من جهات الموصل وأرضروم، ولحق تجار حلب من ذلك نحو سبعين ألف رأس، فانكشف حال كثيرين منهم وارتفعت أسعار اللحم والسمن خمسة وعشرين في المائة ووقفت حركة التجارة، وأقفلت أكثر حوانيت الباعة في الأسواق والخانات، وتعطل كثير من الأفران لفقد مادة الوقود وتهدم مقدار عظيم من سقائف الأسواق، بطبعه، أو هدمته الحكومة خوفا من خطره. وخرب في أنطاكية عدد غير قليل من البيوت لأن بناءها غير مستعد لتحمل أثقال الثلوج التي لا تقع هناك إلا نادرا. وجمد نهر العاصي على مقدار أربعة أذرع من جانبيه، وجمد نهر الفرات كله من بعض جهاته وتفطّر في بعض مساجد حلب أعمدة صخرية مر على ركزها في محلها ستمائة سنة فلم يحصل بها خلل سوى هذه السنة. وبهذا يستدل على أن برد هذه السنة مما لم يسبق له نظير في حلب منذ ستمائة سنة، وتكسر كثير من الحجارة المرصوفة في سفل الأبواب المعروفة باسم البرطاش وعدد غير قليل من الأدراج الحربية، وتفرقع أكثر الرخام المفروش في المنازل والمساجد، وتحطم مالا يحصى من الأواني الزجاجية التي يحفظ فيها بعض المائعات كالخلّ والأشربة الحلوة، وتخرق الكثير من الظروف النحاسية واختلت طلنبات رفع الماء وتكسر أكثرها، وصقعت الجزء: 3 ¦ الصفحة: 410 الخضر «1» والبقول الشتوية في البساتين كالسلق والإسفانج والقنّبيط، ولم يسلم منها سوى ذوات الجذور كالجزر واللفت، وعطب شجر البرتقال وما هو من هذه الفصيلة، وشجر التين والجوز والزيتون والرمان في حلب وأنطاكية والباب وأرمناز وسلقين وما قارب تلك النواحي، وقبحت مناظر المنازل والشوارع بما تراكم فيها من الثلوج وأكداس الجليد واندلاع ألسن الميازيب وسيلان أنوف الأسطحة مما تقشعرّ لمنظره النفوس وترتعد له الفرائص. ولسان حال الناظر إلى ذلك يقول: فإن كنت يوما مدخلي في جهنّم ... ففي مثل هذا اليوم طابت جهنّم مناظر تخدع العين وتدهش العقل، فيحسب السائر في منازل حلب وشوارعها أنه سائر في خرابة عظيمة رومانية أخنى عليها الدهر وعاثت بها أيدي الأيام والليالي، حتى عادت أنقاض أطلالها ركاما وأبنيتها المتزاحمة وديانا. عطلت الحكومة جميع المكاتب والمدارس وانقطع البريد عن حلب من جميع الجهات مدة ثلاثين يوما، فاجتمع في ثغر بيروت من الكتب والرسائل ما يملأ ثلاثين عدلا. ثم في العشر الأول من شباط حملت في البحر إلى إسكندرونة ومنها إلى حلب. وكان الناس في بحران هذه الأزمة «2» الشديدة قد لزموا منازلهم وانقطعوا عن السمر والسهر عند بعضهم، وكان كثير من العائلات المتوسطة في الحال- التي كانت العائلة الواحدة منها تسكن أفرادها متفرقة في خلوات الدار وغرفها- قد انضموا في أثناء هذه الشدة إلى بعضهم، وصاروا كلهم، كبار وصغار «3» ، يقومون ويقعدون في خلوة واحدة طلبا للدفء فلا يجدونه، وكان الإنسان يتدثّر بأثقل ما عنده من الدثار حتى يكلّ متنه ويوقد في خلواته المناقل العديدة فلا يتيسر له الدفء الذي يريده، وقد جمد مداد المحابر وما في ظروف الماء الموضوعة قرب منافذ الخلوة. وكنا نأخذ قطع الجليد ونذيبها في النار فلا تذوب إلا بعد بضع دقائق، وكأنها- لمّا كان جمودها ببرودة درجتها بضع الجزء: 3 ¦ الصفحة: 411 وعشرون تحت الصفر- كان ذوبانها موقوفا على حرارة تعدل درجتها درجة برودتها. ومن الغريب أن رجلا احتاج إلى منقل مهجور عنده فأسعر فيه النار وطبخ عليها قهوة البن ثم أراد طمر النار في رماد المنقل فأحسّ بجرم في أسفل المنقل تحت الرماد فعالجه فإذا هو قطعة جليد في أسفل المنقل لم تؤثر بها كل هذه النار ولا أذابتها. ومما تقشعر منه النفوس ويقطر له القلب دما موت كثيرين من عرب البادية المخيمين في بيوت الشعر في المفاوز المنقطعة. من ذلك ما حكاه صديق لي من تجار السجاد القافلين من بغداد في هذه الأيام، قال: لما بلغنا مدينة الدير الحمراء واشتد علينا البرد وكثر تساقط الثلج صرنا نسير في عربة مغطاة جلّلناها بالسجاد مع خيولها، ووضعنا فيها موقدة كاز استحضرناها معنا لمثل هذا الطارئ، ولولا ذلك لهلكنا وهلكت دوابنا. قال: وبعد أن جاوزنا ضواحي الدير قاصدين حلب مررنا على واد لاح لنا فيه بعض بيوت من الشعر منغمسة بالثلج، قال: فنزلت من العربة وقصدت بيتا منها لأستأنس بأهله وأستطلع أحوالهم فوصلت إليه بعد مشقة زائدة، ثم رفعت طرف الخباء ولفتّ نظري إلى داخله فرأيت؛ ولكن ماذا رأيت، لا أراك الله مكروها؟ رأيت ما غشّى على بصري وأوهى عزائمي، رأيت كلبا وأربعة أوادم مطروحين على الأرض جثثا هامدة بلا روح، تبصّ «1» ذرّات الجمد من وجوههم وأيديهم، فعلمت أنهم من شهداء البرد، وعدت عنهم وقلبي يخفق وأعضائي ترتجف. قال: وشاهدت في أثناء الطريق على ضفاف الفرات مئات من جيف الأغنام التي اغتالها البرد. اه. ورأيت رسالة واردة من بعض تجار اليهود في عينتاب أرسلها إلى شريكه في حلب يقول فيها: بلغ عدد ما افترسته الوحوش من الأوادم في عينتاب وضواحيها في أثناء الثلج بضعا وثلاثين شخصا. وذكر عن واحد قدم من ملطية في هذه الأيام أنه قال: شاهدت في أثناء الطريق المتوسطة بين ملطية وعينتاب نحو ألف صندوق من التفاح وغيره ملقاة على الأرض، قد تخفّف أصحابها بإلقائها وفازوا بأنفسهم ودوابهم. والخلاصة أن تأثير هذه الحادثة الكارثة عظيم وأضرارها خطيرة لو أفضنا بذكرها لملأنا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 412 منها مجلدا على حدته. وقد استمر هذا الثلج والبرد إلى أواسط شباط الشرقي، ثم انقطع الثلج وخفّت وطأة البرد. تتمة حوادث هذه السنة: فيها كانت الكمأة كثيرة جدا، اكتفى بها سكان البوادي وأحضروا منها إلى حلب ما أغنتهم قيمته. وفي صفر هذه السنة بوشر بعمل محطة لسكة حديد بغداد في حلب وفيها حررت الحكومة الأملاك أي قدرت قيمتها بواسطة جماعة من أهل الخبرة بالأملاك. وكان هذا العمل شاملا أكثر البلاد العثمانية التي منها حلب. وفيها كان قيام الأرناؤد في جهات مكدونيا، وقد أرسل إليهم أحد علماء حلب فتوى بجواز قيامهم على الدولة، فوقعت الفتوى بيد الحكومة وهي مذيلة بعدة تواقيع من قبل تلاميذ ذلك المفتي، فألقي القبض عليهم جميعا وأرسلوا إلى الآستانة وهناك حكم عليهم بالنفي إلى جزيرة رودس، فأقاموا فيها إلى أن استولى عليها التليان في السنة التالية. وفيها عزل والي حلب حسين كاظم بك وولي عليها مظهر بك ابن بدري بك، وهو من خيرة شبان دولة تركيا ونخبة ولاتها علما وعملا وعفافا. والوالي الذي كان قبله كاتب بارع غير أنه استهان بأعيان حلب ووجهائها وسمّاهم الأشراف المتغلبة والمتغلبة الأشراف، ونسب إليهم كثيرا من أعمال الاستبداد والتسلط على الفقراء والمزارعين. وفيها تقرر ربط خط بغداد بإسكندرونة بواسطة العثمانية. وفيها في شوال كان ابتداء حرب الدولة الإيطالية في ولاية طرابلس الغرب. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 413 سنة 1330 هـ سير قطار بغداد: فيها كان ابتداء سير القطار على سكة حديد بغداد من محطتها الأولى في حلب، الكائنة في كرم الخناقية، سار منها إلى جهة راجو ثم ما زال الخط يمتد حتى اتصل سنة 1335 بخط بوزنتي الكائن في جهة الأناضول المنتهي إلى محطة حيدر باشا في اسكدار إحدى محلات استانبول. وسار القطار من جهة أخرى حتى وصل إلى جرابلس وقد انعقد على الفرات عندها جسر خشبي وقتي يجتاز منه إلى الجزيرة، ثم ما زال الخط يمتد من هناك حتى جاوز ماردين. ثم وقف العمل بحدوث الحرب العامة. وفيها انتهت الحرب بين تركيا وإيطاليا على طرابلس الغرب واستولت إيطاليا على طرابلس وجزيرة رودس وغيرها. وفيها في أثناء حصار إيطاليا للدردنيل- إرغاما لتركيا على تسليم طرابلس- حدث في حلب مظاهرة ضد إيطاليا لتنصرف عن الدردنيل. وفيها صدر الأمر بإجلاء التليان عن حلب سوى من كان منهم راهبا، وسوى الأرامل والعملة ومن يقبل الدخول في التابعية العثمانية. وفيها استقال والي حلب مظهر بك وتعيّن بدله رفيق بك والي سيواس الأسبق. انتهاء حرب طرابلس وابتداء حرب البلقان: وفيها انتهت حرب طرابلس الغرب كما قلنا سابقا وبدأت حرب البلقان بين تركيا ودول البلقان، وقد احتشد لتركيا من الجيوش عدد لا يحصى خصوصا ما احتشد لها من البلاد العربية، فإن شبان المسلمين من أبواب غزة إلى منتهى حدود البلاد الشامية لم يكد يتخلف واحد منهم عن التجند في هذه الجيوش، فكانوا يسيرون إلى جهة البلقان لحرب أعداء الدولة هناك بكل شوق وحماسة، رغما عما كان ينالهم وهم في أثناء الطريق من المشقات الجزء: 3 ¦ الصفحة: 414 المضنكة كالبرد والجوع، وتحكم الأطباء عليهم وزعمهم أنهم موبوءون ومعاملتهم بكل غلظة وقسوة، وإعادة الكثيرين منهم إلى أوطانهم على أسوأ حالة. ولهذه الأسباب انتهت هذه الحرب بمدة وجيزة منجلية غياهبها عن انكسار جيوش تركيا وضياع جميع أملاكها في البلقان. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 415 سنة 1331 هـ في هذه السنة والتي قبلها كانت المواسم جيدة والرخاء شاملا. وفي ربيع الثاني منها تعيّن واليا على حلب علي منيف بك. وفيه جدّت الحكومة بجمع إعانة سمّتها الإعانة الملّية. وفي جمادى الأولى منها صدرت أوامر الحكومة بجواز قبول عرض الحال باللغة العربية في البلاد التي أكثر أهلها عرب. وفيه بوشر بانتخاب أعضاء المجلس العمومي وهو مجلس جديد حادث، وظيفته البحث عن المسائل التي تعود على الوطن بالرقي والعمار، ينعقد مدة أربعين يوما في السنة. وفي جمادى الثاني «1» منها وردت الأخبار بأن نيازي بك قتل شهيدا بيد أرنؤدي في مدينة أولونيا إحدى بلاد الأرناؤد. نيازي بك هذا هو رفيق أنور باشا في السعي بقلب الحكومة العثمانية إلى الديمقراطية. وفيه أعطي امتياز بتجفيف بحيرة أنطاكية التي تبلغ مساحتها خمسين ألف هكتار وقد مضت المدة المضروبة للشّروع بأعمال التجفيف ولم يباشر صاحب الامتياز العمل ففسخ الامتياز وبقيت البحيرة على ما كانت عليه. وفي شعبان حول الوالي علي منيف بك إلى ولاية بيروت وتعين بدله في حلب جلال بك. وفيها استردت تركيا أدرنه وقرق كليسا. وفيه تجاهر سكان بيروت ودمشق بطلب إصلاح بلادهم فأجيبوا إلى بعض مطالبهم، وشكر الدولة على ذلك بعض الشبيبة العربية. وفي شوال تم الصلح بين تركيا والبلغار. وفي ذي القعدة بوشر بفرش جادة الخندق بالحجر الأسود وكانت مفروشة بحجر أبيض واختلّ بمدة وجيزة وأكلته بكرات العجلات. وفيه بوشر بفرع إسكندرونة من خط سكة حديد بغداد. وفيه صدرت الأوامر بتوحيد الساعات، أي بجعل عيار الساعات الفرنجية مبدؤه وقت الزوال. وفيها رخص بأن يكون التدريس في مكاتب الدولة باللسان العربي في البلاد العربية. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 416 سنة 1332 هـ في أواخر محرّم هذه السنة قتل تعليقا في رحبة باب الفرج- قرب برج الساعة- أحد الشبان، قتل قصاصا منه على قتله غلاما من أسرة كريمة اغتاله في رمضان السنة السالفة. وكان الحامل على قتله إياه غيرته عليه وأمله الاجتماع معه في دار البقاء. والجنون فنون. وفيها جدّت الحكومة بجمع إعانة الأسطول في سائر البلاد الدولة العثمانية وألّفت لهذا الغرض في سلانيك لجنة خصوصية وحضر للحثّ على بذل هذه الإعانة وفد خاص من استانبول جمع لهذه الغاية مبلغا طائلا وكانت هذه الإعانة تجمع منذ سنتين من التجار والمأمورين على أنحاء شتى تؤخذ تارة مشاهرة وأخرى مسانهة «1» . وفيها أسست العدلية في منبج مركز هذا القضاء. أول طيارة في جو حلب: في شهر ربيع الأول من هذه السنة الموافق نيسان سنة 1329 رومية تراءى في سماء حلب لأول مرة طيارة وردت عليها من استانبول، تحمل أستاذين في فن الطيران وهما شابان تركيان غضّا الشبيبة، اسم أحدهما صادق والآخر فتحي، وكان وصولهما إلى حلب وقت الغروب وكانت مهدت لطيارتهما مسافة من الأرض قرب السبيل تجاه جبل البختي، ورشّ في هذه المسافة تراب أبيض، فنزلا بطيارتهما عليها بعد أن حلّقا في الجو برهة. وقد خرج لاستقبالهما والتفرج عليهما كبراء الحكومة والعسكرية وأعيان البلدة وألوف من أهلها. ولما استقرت الطيارة في الأرض علا لها الهتاف والتصفيق وارتفعت الأصوات بالدعاء للدولة بالفوز والنصر. ثم إنهما أقاما في البلدة بضعة أيام أقيمت فيها لهما المآدب الحافلة ونالا من الناس إكراما زائدا. ثم نهضا من حلب على طائرهما الميمون قاصدين دمشق الشام فوصلا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 417 إليها في أقلّ من سحابة يوم وبقيا فيها أياما قليلة وحصل لهما فيها من الحفاوة والإكرام ما حصل لهما في حلب. ثم نهضا من دمشق قاصدين القاهرة، وبينما هما يطيران في سماء ضواحي الأردن إذ عرض لطيارتهما عارض أبطل حركتها فخرّت بهما من الجو إلى الحضيض ودفعتهما عنها في أثناء هبوطها، فسقطا إلى الأرض سقوط الصاعقة وقد اندقّت أشلاء كل واحد منهما واختلطت ببعضها فصارت كأنها فدرة «1» لحم مدقوق. ولولا ما كان يحمله كل واحد منهما من الوثائق لما قدر أحد أن يميزه عن رفيقه. فحملت أشلاؤهما على عجلة إلى دمشق ودفنا في قبرين متجاورين في تربة المرحوم السلطان صلاح الدين، وكان أسف الناس عليهما شديدا. كان الغرض من إرسال هذه الطيارة وباقي الطيارات التي أرسلت بعدها إلى هذه البلاد إعلام الشعوب العثمانية بأن الدولة مهتمة بترقية الفنون العسكرية كإحدى الدول المعظمة وأنها انتبهت من رقادها ونفضت عنها غبار التواني والتكاسل اللذين كانت عليهما. الحرب العامة الحرب العامة وما أدراك ما الحرب العامة؟ حرب كلح لها وجه الأرض وزلزلت جبالها وقلقت بحارها وكادت تميد لها الدنيا بأهلها. شبّت نيرانها في عاشر رمضان من هذه السنة الموافق 21 تموز سنة 1914 م وخمدت تلك النار الحاطمة في محرم سنة 1337 هـ وتشرين الثاني سنة 1918 م، فكانت مدتها أربعة أعوام وخمسة شهر تقريبا، نخرت في هذه المدة كبد العالم، أماتت أمما وأحيت أخرى. أقامت الأمم على بعضها، يسفكون دماءهم ويخربون بيوتهم وينهبون أموالهم ويعيثون فسادا في أعراضهم كأن رحم الإنسانية قد تقطعت بينهم، يستعملون في إبادة أنفسهم كل ما تصل إليه أيديهم من آلات التدمير ومعدات الهلاك والبوار حتى ظهر مصداق قول الملائكة الأبرار: «أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدّماء، ونحن نسبّح بحمدك ونقدّس لك «2» » . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 418 آفة على البشر أهلكت من النفوس ما يعدّ بعشرات ألوف الألوف، ماتوا ميتات مختلفة ما بين قتيل وغريق ومحروق ومفقود، وميت بالثلج والبرد وهالك بالجوع وأنواع الأمراض وغير ذلك من صنوف البلاء. ناهيك أن عدد الجيش العثماني كان في أثناء هذه الحرب الطاحنة مليونين و 850 ألف رجل استشهد منهم من ضبطت أسماؤهم فقط 325 ألف ضابط، وعدد الجرحى 400 ألف، ومجموع الأسرى والمنهزمين مليون و 565 ألف رجل. وإن ما أنفقته هذه الدولة في هذه الحرب من الأموال يبلغ نصف مليار من الذهب العثماني. هذه هي خسائر الدولة العثمانية فقط من الأموال والنفوس. ومنه يعلم بالقياس مقدار ما خسرته بقية الدول العظام من هذين النوعين. هلك في هذه الحرب للدولة العثمانية في حملتها على ترعة السويس فقط اثنا عشر ألف جمل، بله ما هلك فيها من بقية المواشي مما لا يدرك حدّه ولا يمكن عدّه فإن البغال والحمير والخيول في بلادنا كادت تدهى بغائلة الانقراض والانمحاء. هذا وإن أخبار الحرب العالمية قد تستوعب مجلدات ضخمة تملأ المكتبات مما ليس الإتيان به في استطاعتنا، فضلا عن كونه ليس من واجباتنا في هذا التاريخ الخاص. وإنما علينا- قبل الشروع بسرد حوادث هذه الحرب في حلب وبعض ملحقاتها- أن نأتي بمقدمة إجمالية يتصور منها القارئ فداحة خطبها ويدرك شيئا من أحوالها وأسبابها على وجه الإجمال فنقول: الدول المتحاربة مع بعضها: الدول المتحاربة مع بعضها ثمان وعشرون دولة. وهي تقسم إلى فريقين، أحدهما نطلق عليه اسم (دول الاتفاق) والآخر نطلق عليه اسم (التحالف المربع) . أشهر دول الفريق الأول: إنكلترا، روسيا، فرنسا، أميركا، اليابان، الصين، بلجيكا، اليونان، الصرب، الحبل الأسود، رومانيا، البرتكيز، وغير أولاء الدول مما لا تخطر أسماؤهن في بالنا. أما دول التحالف المربع فهن: دولة ألمانيا، النمسا، تركيا، البلغار. جميع دول الاتفاق أعلن الحرب على دول التحالف المربع متعاقبات دولة إثر دولة. إن عدد جيوش دول الفريق الأول يفوق بكثير جدا عدد جيوش الفريق الثاني، ومع هذا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 419 فإن النصر كان حليف الفريق الثاني لاجتماع كلمة دوله على غرض واحد وهو الفوز والانتصار، ولتوحيد حركاتهن طوعا لرأي واحد، ولانتظام مهماتهنّ وطواعية أجنادهن الذين يقاتلون بصدق وإخلاص ويسمحون بتضيحة أنفسهم دفاعا عن أوطانهم وحفظا لشرفهم لا طمعا بأجرة يرونها جزءا لا يتجزأ من ثمن أرواحهم. ثم في آخر سنة من سني الحرب انضمت دولة أميركا إلى دول الاتفاق فانعكس الحال وانتهت الحرب بفوزها، وقد فتك الجوع بالنمسا واضطرها أن تنفرد بالصلح، ثم تبعتها البلغار وحذت حذوها. وبسبب ذلك انقطع خط الاتصال بين تركيا وحلفائها ودب الرعب في قلوب عساكرها وانكسرت معنوياتهم، فانسحبوا من سوريا تطاردهم جيوش الإنكليز بمعونة عرب الشريف. وحينئذ تقررت الهدنة ووقفت رحى الحرب. أسباب هذه الحرب: لهذه الحرب سببان: أحدهما أولي والآخر ثانوي نتكلم عليه بعد. السبب الأوليّ: السبب الأولي الذي اضطر كل دولة من دول الاتفاق إلى أن تطرح ما بينها وبين الدولة الأخرى من الدخل والضغن- ويكنّ جميعا يدا واحدة في إشهار هذه الحرب- هو تضخم دولة ألمانيا وتوجس الدول الخيفة من غائلتها، وتوهمهنّ أنها بعد قليل من الزمن ستجرها قوة معداتها البرية والبحرية ومهارتها في الفنون الحربية إلى الطمع باكتساح أوربا وابتلاع الدنيا، الأمر الذي كان يتجسم شبحه المريع في أعين دول الاتفاق غولا مرعبا مكشّرا عن أنيابه الحديدية يتطاير من عينيه الجهنميتين نار شرر حاطمة تلتهم أوربا بأسرها. على أن بعض الساسة من الغربيين ينكر على دول الاتفاق ما يتوهمنه من غائلة هذا التضخم ويقول: إن جدّ ألمانيا في بلوغها تلك الدرجة من التضخم لم يكن لها من ورائه غرض ترمي إليه سوى ترقي اقتصادياتها وحفظ كيانها وصد هجمات المحدقين بها من أعدائها، وإنها لا تفكر قط بالفتح والاستعمار أو التعدي على الجوار والأغيار. وسنورد بعد قليل نبذة من الكلام على تضخم إيمبراطورية ألمانيا وما بلغته من التفوق والعظمة في فنون الحرب والاقتصاد وغيرهما. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 420 هذا وإن لكل دولة من دول الاتفاق- في القيام إلى هذه الحرب- أغراض «1» خاصة (عدا الغرض العام) دعتها إلى القيام على ألمانيا ومحاربتها وقهرها. وها نحن نتكلم هنا على ما علمناه لكل دولة من دول الاتّفاق من الأغراض الخاصة بهذه الحرب فنقول: أغراض دولة بريطانيا العظمى من هذه الحرب: هي حفظ سيادتها البحرية وإن شئت فقل سيادتها الدولية. المحاماة عن مستعمراتها في الكونغو التي قصدت ألمانيا تقسيمها سنة 1913 م/ 1332 هـ، دفع غائلة ألمانيا عن الهند لأنها بدأت تبذل جهودها في أسباب الوصول إليها، فعزمت على مدّ السكة الحديدية إلى العراق، وأخذت تمهد الأسباب لذلك في خليج البصرة. عزم بريطانيا العظمى على جعل شبه جزيرة العرب إمارات تحت نفوذ إمبراطورية عامة عربية خاضعة لإرادة إنكلترا، وهناك لهذه الدولة العظيمة مقاصد أخرى من هذه الحرب يطول شرحها. أغراض دولة فرانسة من هذه الحرب: هي أخذ الثار من ألمانيا واسترداد اللورين وقلعة متس والألزاس وستر برج وضمّ ما فيهما من الألمان- البالغ عددهم مليونا ونصف المليون- إلى الجمهورية الفرنسية. شلّ يد ألمانيا عن إنجاز وعدها لحكومة مراكش سنة 1905 م/ 1323 هـ بأنها ستمد إليها يد المساعدة على فرنسة. إرجاع ألمانيا عن طلبها من فرنسا سنة 1906 م/ 1324 هـ أن تتخلى لها عن حقوقها في تلك البلاد. صدّ ألمانيا عن بذل جهودها في مؤتمر الجزيرة المنعقد سنة 1907 م/ 1325 هـ بأن تنسحب فرنسا من مراكش. مجازاة ألمانيا ومعاقبتها على بذل مساعدتها سنة 1908 م/ 1326 هـ إلى النمسا على اغتصابها بوسنه سراي وهرسك، وعلى نقضها معاهدة برلين وتحرشها سنة 1910 م/ 1328 هـ بالفرقة التونسية وتعديها عليها وإرسالها سنة 1911 م/ 1330 هـ إنذارا ثانيا وأسطولا إلى أكادير محتجة على فرنسا بهجوم جيشها على مدينة فاس. ومن تلك الأسباب أيضا اتفاق ألمانيا مع بعض خونة من الوزراء الجزء: 3 ¦ الصفحة: 421 على أن تأخذ ألمانيا مائتي ألف كيلومتر من الأراضي الفرنسية في مستعمرة الكونغو. ولها غير ذلك من المقاصد والمطالب. أغراض الدولة الروسية من هذه الحرب: هي تمزيق دولة تركيا والاستيلاء على استانبول. كانت دولة روسية منذ مئات من السنين تحاول الوصول إلى هذه الغاية، وكانت كل من دولة إنكلتر وفرنسا يحبطان مساعيها في ذلك الوقت. وفي النهاية أدركت روسية بعد معاهدة برلين أن استيلاءها على استانبول أصبح من رابع المستحيلات، فحوّلت وجه أطماعها إلى الهند. ولما أوصدت السياسة الإنكليزية في وجهها هذا الباب حوّلت أطماعها إلى الشرق الأقصى وقصدته فضربت دولة اليابان على يدها تلك الضربة الدامية، وحينئذ رأت روسية أنه لم يبق عندها لتوسيع أملاكها سوى الرجوع إلى تلك النغمة القديمة وتحقيق حلمها الأزلي، وهو تمزيق تركيا واستيلاؤها على استانبول تنفيذا لوصية بطرس الأكبر. رضيت بذلك إنكلترة لتحول قصد روسية عن الهند، وتجعل المملكة العثمانية ضحية عنها وتكون بذلك قد استفادت فائدة أخرى لها عندها أهمية كبرى، وهي تخلّصها من الخلافة العثمانية وسيطرتها الروحية على العالم الإسلامي في الهند. وقد أطلقت إنكلترا يد دولة فرنسة في سوريا لتسكت عن روسية في انقضاضها على ملك بني عثمان. ومن جملة مقاصد روسية من القيام على ألمانيا والنمسا تحقيق حلمها الآخر الذي هو الاستيلاء على العنصر السلافي المنضوي تحت راية النمسا والمجر وضمّه إليها، وجمع شمل البعض الآخر من هذا العنصر في البلقان وجعله ولاية خاضعة لحكمها. سبب دخول دولة أميركا إلى هذه الحرب: كانت دولة أميركا- منذ نشبت الحرب العالمية إلى أن دخلت هي في غمارها- واقفة موقف الحياد تستغل الأرباح الطائلة من الفريقين المتحاربين اللذين يجتهد كل واحد منهما بأن يضمها إلى صفه. بقيت أميركا واقفة هذا الموقف حتى قدّم وزير خارجية إنكلترا المستر بلفور إلى المستر بايج- في أواخر شهر فبراير سنة 1917 م/ 1326 هـ- برقية فحواها أن ألمانيا تستعد الآن لمحاربة أميركا. وقد أرسل البرقية وزير خارجية ألمانيا عن الجزء: 3 ¦ الصفحة: 422 طريق بطرسبرج إلى السفير الألماني في واشنطون ليرسلها إلى سفير ألمانيا في المكسيك ليطلب من رئيس جمهورية المكسيك أن تتحد مع ألمانيا على محاربة أميركا، وأن مكافأة جمهورية المكسيك على هذا الاتحاد ضم عدة ولايات إليها من أميركا. وفي هذه البرقية أيضا تكليف السفير الألماني إلى السعي بفصل اليابان عن دول الاتفاق وضمها إلى التحالف الألماني. وكانت تلك البرقية محرّرة بالشفرة، وإنكلترا هي التي استحوذت عليها وفكّت طلاسمها لأنها تمكنت في أول الحرب من الاستيلاء على مفتاحها. ولما اطلعت أميركا على البرقية المذكورة عبأت جيوشها وانضمت إلى دول الاتفاق وخاضت معهن في عباب هذا البحر الطامي وكان من أمرها ما كان. السبب الثانوي لهذه الحرب: السبب الثانوي لهذه الحرب الضروس اغتيال عصابة صربيّة ولي عهد إيمبراطور النمسا وزوجته. وذلك أنهما في اليوم الثامن والعشرين من حزيران سنة 1914 م- الموافق أوائل شهر رمضان سنة 1332 هـ- بينما كانا في مدينة «بوسنه سراي» راكبين في سيارتهما متوجهين بين صفوف الموكب العسكري إلى إحدى كنائس المدينة، إذ فاجأتهما قنبلة متفرقعة وعيار ناري أوديا بحياتهما. وفي الحال ألقي القبض على من جنى عليهما هذه الجناية الفظيعة وهو البيكباشي (وجاتا نكوسك) و (ميلان سيغانوريك) كلاهما من عصابة سربية اسمها (نارودنا أو ديرانا) أخذت على عاتقها بذل الجهود بإقلاق راحة حكومة النمسا وفك بوسنه وهرسك عنها وربطهما بحكومة الصرب. وقد تبين من تقرير الجانيين المذكورين أنهما مدفوعان إلى هذا العمل من قبل كبار الموظفين في حكومتهم قصد إثارة فتنة يكون عقباها استيلاء حكومة سربيا على بوسنه سراي وهرسك المحايدتين لمملكتهما واللتين معظم أهلهما من العنصر السربي. وبعد حدوث هذه النكبة بعثت حكومة النمسا في اليوم الثالث والعشرين من تموز إلى حكومة السرب إنذارا شديد اللهجة أمهلتها لإعطاء جوابه خمسة عشر يوما. فأرادت حكومة السرب قبول شيء من مضمون الإنذار ترضية لحكومة النمسا لتحققها من نفسها العجز من مقاومتها. فنهتها عن ذلك حكومة روسيا وشجعتها على الثبات أمام النمسا ووعدتها المساعدة عليها، فامتثلت حكومة السرب أمر روسيا وامتنعت عن جواب الإنذار، وحينئذ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 423 اضطرت حكومة النمسا إلى عمل مناورة حربية إرهابا لسربيا لتكرهها على قبول مضمون الإنذار، وأطلقت جنود الحكومة النمسوية بعض كرات مدافعها على حدود سربيا تهديدا لها. وكانت حكومة سربيا قد علا صراخها استنجادا بالدول العظمى، فقامت عساكر روسيه على حكومتها وأكرهتها على تعبئة جيوشها وإشهار الحرب على ألمانيا توصلا إلى محاربة حليفتها النمسا. ثم شبت نيران تلك الحروب على الوجه الذي سنبيّنه. بيان أن هذه الحرب كانت مقررة قبل هذه الحادثة: سمّيت هذه الحادثة سببا ثانويا للحرب لأن العقل يستبعد أن تكون هذه الحرب- التي قامت من أجلها الدنيا وقعدت- مسبّبة عن تلك الحادثة الاعتيادية التي يكثر وقوع نظائرها في أوربا فلا تأبه بها. غاية ما يمكن أن يقال في هذه الجريمة أنها كانت سببا لتعجيل إعلان الحرب لا سببا لوجودها. ودليلنا على ذلك ما كنا نراه في حلب من الحركات العسكرية الدالة على الاهتمام بالتأهب والاستعداد إلى مباغتة المستقبل بأمر عظيم، فإن الضباط العسكريين كانوا قبل إعلان الحرب بأشهر يحضرون بين حين وآخر إلى خانات التجار ويسجلون مقادير ما عند كل تاجر من البضائع والغلات وأحيانا يأمرون التجار بالإمساك عن بيع بعض البضائع الموجودة عندهم. ثم قبل إعلان الحرب بنحو شهر أو أكثر دعت جهة العسكرية عرفاء المحلات المعروفين بالمخاترة وأعطت كل واحد منهم مغلفا مختوما على صحيفة مكتوبة، وأمرته بحفظه عنده مع بقائه مختوما، وحذّرته من فتحه ووعدته بالقتل إن هو فتحه قبل أن تأمر بفتحه. فكان المختار يأخذ المغلّف ويحفظه في أحرز مكان عنده. ومن الأدلة الساطعة على أن هذه الحرب كانت مدبرة مقررة- قبل حدوث نكبة الاغتيال- قول جمال باشا في مذكراته أثناء كلامه على التحالف التركي الألماني: إن عرض ألمانيا على تركيا التحالف معها لم يكن إلا لانزعاجها لتأهبات خصومها. وقال السير روجر كيسمنت الإرلندي في كتابه الذي ألفه تحت عنوان «الجريمة التي ارتكبت ضد أوربا» : إن الخلاف الذي وقع بين السرب والنمسا لم يكن سوى شطر يسير جدا من المسألة الكبرى التي قسمت أوربا على ما نراه فيها من الأقسام المسلحة. وأكبر دليل على ذلك تقرير أرسله السير «ج بوشنان» بمناسبة الطلب الذي قدمته حكومة روسيا إلى سفير الجزء: 3 ¦ الصفحة: 424 حكومة إنكلترة في بطرسبرج. وهو أن يؤكد على حكومته أن تنضم إلى روسيا وفرنسة وتعضدهما في أعمالهما. فأجاب سفير إنكلترا على ذلك بقوله أن ليس لحكومته مصالح في السرب تقضي عليها اتخاذ هذه الخطوة، ثم إن الرأي العام الإنكليزي لا يمكن أن يقنع بوجوب اشتراك حكومته في هذه الحرب من أجل السرب فقط. فعند ذلك رد عليه ناظر خارجية روسيا بقوله: يجب علينا ألّا ننسى أننا في الحقيقة واقفون أمام المسألة الأوربية الكبرى، وما أمر السرب إلا جزءا يسيرا «1» منها. وأنا أظن أن إنكلترا لا يحسن بها أن تضيع الفرصة وتتغاضى عن المسألة التي نحن بصددها. اه. أقول: من قرأ هذه المناقشة وأمعن النظر في فحواها علم علم اليقين أن هذه الحرب مدبرة قبل حادثة الاغتيال، وأن هذه الحادثة كانت سببا لتعجيل الحرب لا سببا لوجودها كما أسلفنا بيانه. نبذة من الكلام على تضخم إيمبراطورية ألمانيا: إن الأمة الألمانية ارتقت من بين الأمم الغربية المتمدنة الذروة العليا في جميع حاجيات الحياة. فكما أنها أحرزت قصب السبق في فنون الحرب ومهماته ومعدّاته، فقد حازت القدح المعلّى من فنون الاقتصاديات على كثرة أنواعها، ونالت النصيب الأوفر من العلوم الاجتماعية والسياسية وفنون الطب وحفظ الصحة التي بواسطتها لم تزل مواليدها بالنسبة إلى وفياتها آخذة بالازدياد يوما فيوما. كان عدد نفوس الإيمبراطورية الألمانية سنة 1816 م/ 1232 هـ يقدر ب (25) مليونا. ثم في سنة 1871 م/ 1288 هـ بلغ عدد نفوسها (41) مليونا. ثم في سنة 1888 م/ 1306 هـ بلغ (48) مليونا. وفي سنة 1911 م/ 1330 هـ بلغ (66) مليونا. ومما برعت به الأمة الألمانية فلسفة الطبيعيات والكيميا اللتين أوصلتاها بالأبحاث الدقيقة إلى إخضاع القوات النارية والكهربائية إخضاعا لم يعهد له مثيل. فاستخدمت تلك القوات بالزراعة والصناعة على تعدد أنواعها: من سكب الحديد ونسج الأقمشة، وعمل السيارات والطيارات، والغواصات والقوات البحرية التي لا يباريها بها مبار. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 425 كان عدد حصن البخار عندها في سنة 1882 م/ 1300 هـ مقدرا بمليون ومائتي ألف حصان. ثم في سنة 1907 م/ 1325 هـ بلغ عدد هذه القوة نحوا من خمسة ملايين ومائتي ألف حصان. على أن الذي أعان الأمة الألمانية على النبوغ في المسائل الاقتصادية والفنون الحربية، هو غناء بلادها من الحديد والفحم الحجري اللذين هما أس كل قوة آلية. وعليه فإن ألمانيا بمعاملها- التي تتحرك بالبخار والكهرباء والغاز الفقير والبترول والبنزين- قد فاقت بكثرتها، بالنسبة إلى عدد نفوسها، جميع الأمم في أوربّا وغيرها. كانت صادرات ألمانيا قبل خمس وعشرين سنة من القطن تقدر ب 67 مليونا، فصارت الآن تقدر ب 421 مليونا من الماركات. وصادرات الصوف كانت تقدر ب 177 فصارت الآن تقدر ب 253 مليونا من الماركات. وعلى هذه النسبة زادت فيها صادرات الحرير والكتان وبقية المواد التي تنسج منها الأقمشة. وعلى هذه النسبة أيضا زاد فيها عدد التجار، فقد كان في سنة 1882 م/ 1300 هـ يقدر بمليون وخمسمائة ألف فصار الآن يقدر بثلاثة ملايين وأربعمائة وسبعة وسبعين ألفا وستمائة تاجر. وهكذا قل في زيادة الخطوط الحديدية وأسلاك البرق وأسلاك الهاتف والمواد الطبية والفنون الزراعية، وجميع البضائع التجارية، وصنوف الأصبغة والأشربة الروحية التي تصدرها دول العالم المتمدن من ممالكها، فإن ألمانيا قد برعت بها أيما براعة. لم لم تتفق تركيا مع دول الاتّفاق، ولم لم تبق على الحياد؟ يؤخذ من مذكرات جمال باشا أن تركيا رغبت عقد التحالف مع دول الاتفاق، وأن جمال باشا سافر إلى باريز للحصول على هذا الغرض وقابل وزير خارجية فرانسة، وطلب منه- قبل إبرام عهدة الوفاق- حل مسألة الجزر بين تركيا واليونان. فكان جواب الوزير له ما معناه أن فرنسة لا يسعها الموافقة على هذا الطلب دون رضاء حلفائها. ومن هذا الجواب فهم جمال باشا أن دول الاتفاق لا ترغب التحالف مع تركيا، فعاد إلى استانبول بخيبة الأمل. وقابل فيها السير لويس ماليت سفير إنكلترا. وبينما هو يحادثه إذ قال له السير لويس: أرغب منك يا جمال باشا أن تصرح لي بمطاليب الحكومة العثمانية في مقابلة بقائها على الحياد. فأجابه جمال باشا، بعد أن راجع الصدر الجزء: 3 ¦ الصفحة: 426 الأعظم بقوله: إن الحكومة العثمانية تطلب- في مقابلة بقائها على الحياد- إلغاء الامتيازات، إعادة الجزر التي أخذتها اليونان من تركيا، حلّ مشكلة مصر، تعهد روسيا بعدم التدخل بشؤون تركيا الداخلية، معونة إنكلترا وفرنسة الفعلية فيما لو هاجمت روسيا بلاد تركيا. قال جمال باشا ما معناه: فأبلغ السير لويس حكومة لندره مطالب تركيا فكان جوابها هكذا: لا يمكن التفكير بإلغاء الامتيازات، إنما يمكن لإنكلترا- بعد اتفاق حلفائها- أن تسمح بإلغاء بعض امتيازات مالية. وأما مسألة الجزر فيجب تأخيرها والنظر إليها فيما بعد، كما أن المسألة المصرية يترك الخوض فيها الآن، وإن روسيا لا تفكر مطلقا في مهاجمة تركيا. وإن إنكلترا تطلب- في مقابلة إلغائها بعض الامتيازات المالية- عدم إغلاق المضايق في وجه سفن روسيا. فهم جمال باشا من هذا الجواب أن دول الاتفاق لا تود اشتراك تركيا بالحرب في جانبهن، لأن ذلك يضيع لروسيا فكرة الاستيلاء على استانبول وأن غرض دول الاتفاق السعي في منع تركيا عن القيام بشيء لغير مصلحتهن، وبالاحتفاظ في غضون الحرب بالاتحاد مع روسيا وإعطائها عند الفوز النهائي استانبول، ومنح الولايات العربية استقلالا داخليا يسهل فيما بعد سقوطها تحت حمايتهن ووصايتهن. قال جمال باشا في مذكراته ما خلاصته: إن بقاء تركيا على الحياد، مع عدم معارضة الملاحة في المضايق، يسهل لروسيا بعد خروجها من الحرب العالمية ظافرة الانقضاض على استانبول والولايات الشرقية في الأناضول. قال: وإذا قصدنا التخلص من هذه الغائلة وأردنا إقفال المضايق- مع أن دول الاتفاق لا تسمح لنا بقفلها- أمكن حينئذ دول الاتفاق أن تضغط علينا، بل ربما يقول لنا البعض منهن أن يحتل المضايق إلى أن تضع الحرب أوزارها وحينئذ نعيدها إليكم. قال جمال باشا بعد هذا كله: فلم يبق لنا سوى الالتجاء إلى تحالف قوي. تحالف تركيا مع ألمانيا: قال جمال باشا في مذكراته أثناء كلامه على موقف دول الاتفاق حيال تركيا ما ملخصه: الجزء: 3 ¦ الصفحة: 427 إن إنكلترا قد تمكنت من القطر المصري، وهي تجتهد بالحصول على العراق وفلسطين وتوطيد نفوذها في جميع أنحاء شبه جزيرة العرب. وإن روسيا لا تحتاج عداوتها لتركيا إلى دليل، وهي لا ترى لتحقيق مطامعها أفضل من عزلة تركيا. وأما دول التحالف الثلاثي فإن النمسا وإيطاليا لم يبق لهما مطامع أخرى نحو تركيا، فقد قدمتا لها كل ما استطاعتاه من الأذى فلم يبق لهما حاجة إلى مطمع جديد. وأما ألمانيا فإنها ترغب أن ترى تركيا عزيزة الجانب إذ لا يمكن ضمان مصالحها إلا بتقويتها. لا تستطيع ألمانيا الاستيلاء على تركيا وتجعلها كمستعمرة؛ لأن المركز الجغرافي والموارد الألمانية يجعلان ذلك مستحيلا. فألمانيا إذن تعتبر تركيا بمثابة حلقة في سلسلتها التجارية، ولهذا أصبحت من أشد أنصارها ضد حكومات الاتفاق التي حاولت تمزيقها خصوصا لأن تصفية تركيا كان معناه تطويق ألمانيا بصفة نهائية، وذلك أن تركيا في الجنوب الشرقي من ألمانيا كغلق «1» لذلك الطوق، فالطريق الوحيد الذي تدرأ به ألمانيا ضغط الطوق الحديدي هو منع تمزيق تركيا. ولما قنطت تركيا من التحالف مع دول الاتفاق على الوجه الذي أسلفنا بيانه، ورأت أن مطامع روسيا لا تتحقق إلا بعزلتها، أخذت تفكر في محالفة تنقذها من هذا الخطر. وقد استغرق تفكّرها هذا نحو ستة أشهر. وبينما كان الوقت قد آذن بنشوب الحرب، وتركيا في قلق من عزلتها، إذ بألمانيا تعرض عليها عقد محالفة تتفق مع مصالحها وتضمن حقوق الطرفين. فلم تتأخر تركيا عن قبول المحالفة مع تلك الإيمبراطورية القوية البأس، فإن لهذه المحالفة محاسن كثيرة منها منع دول البلقان عن التدخل في شؤون حكومة تركيا. ومنع دول الاتفاق عن الاستيلاء على بلادها. ومنها أن علماء ألمانيا وفنونها وخبراءها التجار يصبحون تحت تصرف تركيا. إلى غير ذلك من المحاسن والمزايا التي تستغلها تركيا من هذا التحالف. ثم إن دولتي النمسا وبلغاريا دخلتا مع ألمانيا في عقد هذا التحالف دون تردد ولا توقف لأن ما يهم ألمانيا يهمهما أيضا. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 428 تصريح بالفوائد التي تقصدها ألمانيا من محالفتها مع تركيا: لألمانيا في عقد تحالفها مع تركيا مقصدان: المقصد الأول: هو حفظ مضايق استانبول من استيلاء روسيا عليها كيلا تفقد ألمانيا وأوستريا- حليفتها الأخرى- استغلال الفوائد الاقتصادية اللائي تجنيانها من قبل العالم الإسلامي القاطن وراء البحر الأسود والأبيض، ولتكون تركيا سدا منيعا لوصول المدد إلى روسيا من حلفائها إبان الحرب، إذ لا سبيل إلى إمداد حلفائها إياها من جهة البحر الأبيض إلا من طريق استانبول. إن روسيا لو وصل إليها المدد من حلفائها من هذا البحر لما كانت ألمانيا حين نشوب الحرب العالمية تقوى على إخضاعها في تلك المدة القصيرة. وكيف يتصور العقل جواز قهر أمة- في تلك المدة الوجيزة- يبلغ عدد شعوبها زهاء مائتي مليون، وجنديها من أشهر جنود الدول البرية لو كان المدد واصلا إليها من حلفائها كما يجب. لا جرم أن المضايق لو كانت مفتوحة لإمدادها بالمعدات والمهمات الحربية لصعب على ألمانيا أن تضربها تلك الضربة القاصمة لظهرها التي لم تكن متوقعة من قبل. ناهيك دليلا على ما وقر في صدور الألمان من عظمة روسيا وضخامة ممالكها وكثرة شعوبها أن الإمبراطور غليوم سئل عن عدد الدول التي يحاربها في هذه المعركة فقال: «عدد الدول التي أحاربها الآن ثلاث، منها دولتان هما روسيا وحدها، والدولة الثالثة هي بقية الدول» . فاعتبر دولة روسيا وحدها دولتين واعتبر بقية الدول العديدة دولة واحدة. المقصد الثاني: هو: من المعلوم أن موقع المملكة الألمانية والنموسية من قارة أوربا متوسط، وهما معدودتان من الدول المركزية في هذه القارة، وأن المنطقة المحدقة بهما مفتوحة الغلق «1» من جهة تركيا فقط. ثم لا يخفى أن العالم الإسلامي يبلغ عدده نحو ثلاثمائة مليون من الجزء: 3 ¦ الصفحة: 429 النفوس، وهو متبعثر في الربع المسكون ما بين محكوم بدولة إسلامية ضعيفة مضروب عليها نطاق السيطرة من قبل دولة أجنبية، وما بين قاطن بمستعمرات تحكمها دول أجنبية كالهند وتركستان وتونس والجزائر، فإنّ الحكومات المستولية عليها في تلك الأصقاع تتصرف بمقدراتها كما تشاء. ولما رأت دولة ألمانيا أن العالم الإسلامي المتبعثر على هذه الصفة لو تألفت أجزاؤه وربطت ببعضها برابطة الدين لجاء منه قوة تهدد الأرض ببأسها، فرغبت «1» أن تكون هذه القوة بجانبها ورأت أن لا سبيل إلى استمالة هذه القوة إلى جانبها إلا بالاتفاق مع الدولة العثمانية مقرّ الخلافة التي يتعلق بعرشها عامة المسلمين. فبذلت الدولة المشار إليها جهدها منذ أعوام طوال بموالاة الدولة العثمانية والمحاماة عنها إلى أن اطمأنت تركيا منها، فمدت إليها ألمانيا يد الاتفاق، وعقدته معها على أن تكون الدولتان يدا واحدة في إنقاذ العالم الإسلامي وإرجاع مجده إلى ما كان عليه. حتى إن جمال باشا صرح في مذكراته عدة مرات أن أول غرض لتركيا من هذه الحرب هو خدمة العالم الإسلامي. لا ريب أن دولة ألمانيا لو كانت هذه الحرب منجلية عن فوزها وظفرها لكانت جذبت إليها بهذا الاتفاق قلوب عامة المسلمين واستمالتهم نحوها بحكم قاعدة: (من والى صديقك فقد والاك) فكانت تستفيد هي وأوستريا من استمالة العالم الإسلامي إليهما ثلاث فوائد: الفائدة الأولى: إشغال قوات عظيمة لأعدائها حين قيامهم عليها تتركها أعداؤها في مقابلة من جاورهم من الحكومات الإسلامية وإماراته المستقلة، حينما يحدث بين ألمانيا وأوستريا وأعدائهما حرب في أوربا. الفائدة الثانية: التي تستفيدها الدولة الألمانية من استمالة العالم الإسلامي إليها: هي جعل الدولة الإسلامية وإماراتها- في عامة الرّبع المسكون- جزءا من دول الاتفاق المربع لتقاتل معها كجيش من جيوشها حينما تسنح لها الفرصة بشن الغارة على إحدى مستعمرات دول الجزء: 3 ¦ الصفحة: 430 الاتفاق في آسيا وأفريقيا، ولا سيما الهند التي هي مصدر قوة إنكلترا. وقد رأت دولة ألمانيا وغيرها من الدول المعظمة أنه لا سبيل إلى قهر الأمة البريطانية وجعلها في عداد الدول الثانوية إلا بسلب الهند من يدها وشن الغارة عليها من جهة آسيا ما دامت مخانق البحار في قبضتها وأن الأمم الإسلامية التي تعترض طريق الوصول إليها في آسيا مما لا يستغنى عن مظاهراتهم والاستنصار بقوتهم حين الإغارة على تلك الدولة، الأمر الذي تعده ألمانيا من مقدمة المقاصد من استمالة المسلمين إليها. ولا يخفى أن الدول الإسلامية وإماراتها في آسيا يتألف منها جيوش ضخمة تملأ الفضاء، وهي في منتهى درجات القوة والشجاعة بحيث إذا أمدت بالمعدات وقادها رجال محنكون عارفون بفنون الحرب لجاء «1» منها قوة لا تلبث معها أكبر دولة حتي تهن قوتها ويتلاشى معظم ملكها. الفائدة الثالثة: رواج البضائع الألمانية والنمسوية في الممالك الإسلامية. إذ من المعلوم أن الأمة الألمانية لم تدع لباقي الأمم مجالا للسبق في ميادين الصناعة والاقتصاديات كما أسلفنا بيانه. ولا يخفى أن استثمار هذا التقدم والرقي يحتاج محصوله إلى أسواق يروج فيها، وأن أول داع لرواج البضاعة رخص أسعارها ولا شك أن البضائع الألمانية- على اختلاف أنواعها- حائزة هذه المزية، ولهذا يتهافت الناس عليها في مشارق الأرض ومغاربها حتى إن كثيرا من شعوب الدول العظام- كشعوب إنكلترا وشعوب فرانسة- يرغبون بالبضائع الألمانية عن غيرها فيقبلون على شرائها بكل رغبة ونشاط، حتى إنك لتجد في نفس جزيرة بريطانيا كثيرا من المحركات الألمانية في المعامل الكبيرة، اختارها أصحاب تلك المعامل دون غيرها لإتقانها ورخصها. ومع كثرة ما يصرف من البضائع الألمانية في أسواق أوربا وأميركا، فإنها لم تزل كثيرة وافرة يزيد محصولها على الصادر منها زيادة عظيمة، فرأت ألمانيا أن تفتح لها أسواقا جديدة في آسيا وأفريقيا تصرف فيهما ما توفر لديها من محاصيل البضائع. ولما كان العالم الإسلامي في هاتين القارتين يعدّ من الشعوب الكبيرة فقد رغبت ألمانيا أن تستميله إليها بواسطة الخلافة الإسلامية لتنال منه رغبتها في رواج محاصيلها، فيقبل عليها وتزداد بواسطة الخلافة فوائدها الجزء: 3 ¦ الصفحة: 431 الاقتصادية التي تسابق بها دول الربع المعمور. تصريح في البواعث التي حملت تركيا على الاتفاق مع دولة ألمانيا: معلوم أن دولة تركيا أتى عليها زمن ورايتها تخفق فوق ممالك يربو عدد أهلها على مائة وعشرين مليونا. وكانت دول أوربا في ذلك الوقت يحسبن لها حسابا عظيما ويتسابقين مع بعضهن بالتزلف إليها. ثم لما تقلبت الدهور والأعصار عليها وأخذت ترجع القهقرى- سنّة الله في الأيام التي يداولها بين الناس- بقيت دولة بريطانيا على مجاملتها لتركيا، رعاية لخواطر رعاياها المسلمين المرتبطين بالخلافة العثمانية برابطة الدين وتوهينا لأعدائها عن تقربهم إلى مستعمرة الهند، كمحاماتها عنها في واقعة أبي قير، تلك الواقعة المدهشة، وكمحاماتها هي ودولة فرنسا في حادثة القرم التي كسرت فيها جيوش دولة روسيا أيما كسرة، توهينا لقوة هذه الدولة وإيقافا لها عند ذلك الحد. ثم إن إنكلترا أمنت غائلة الروس باتفاقها مع دولة اليابان على دفع الروس عن الشرق الأقصى، وكانت دولة تركيا قد وصلت إلى دورها الأخير من التقهقر والانحطاط وأصبحت عرضة لاستيلاء الفاتحين، وقد ذهب قسم عظيم من بلادها في الحرب الأخيرة مع روسيا ولم يبق ريبة في عجز تركيا عن مقاومة أعدائها، فاستغنت دولة إنكلترا عن مجاملتها لتركيا ورأت أنها أولى من غيرها بالأكل من هذه المائدة المبسوطة لكل وارد وصادر، وأجدر من سواها بالاستيلاء على تلك البلاد، وأن المسألة الشرقية قد آن أوان مباشرتها، فاحتلّت- في حادثة اعرابي باشا- مصر. ومن ذلك الوقت بدأت تركيا تشعر بانحراف هذه الدولة عن مجاملتها، وكانت عيونها وقناصلها في الممالك الأجنبية تعلمها من وقت إلى آخر بأمور تدل على سوء مقاصد أوربا مع تركيا وعدولها عن مجاملتها واتفاقها على معاكستها، فتعكّر صافي اعتقادها بإخلاص أوربا، ثم ازدادت نفورا من دولها حينما تحققت أنهن يعاكسنها في جزيرة كريد ويساعدن مقاصد اليونان. وبعد مدة تأكدت بأنهن انقلبن ضدها انقلابا بينا وانضم إليهن عدوها الأكبر دولة روسيا وغيرها من باقي أعدائها مبرهنة هذا الانقلاب باتفاق الدول على حرمانها مما جنته سيوف جنودها من بلاد حكومة اليونان في حربها الأخيرة معها. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 432 وكان قد تواتر عند العثمانيين أن دول أوربا غير المركزية قد اتفقن على تقسيم بلاد تركيا فيما بينهم، وعلى إخراج نواياهن في المسألة الشرقية من حيز القوة إلى حيز الفعل. فلم ير السلطان عبد الحميد بدا من التمايل إلى دولة ألمانيا التي كانت تخطب صداقة تركيا منذ أمد بعيد تمهيدا لبلوغ مقاصدها التي أسلفنا ذكرها. فأحضر هذا السلطان جماعة من الألمان- أساتذة العلوم العمرانية والفنون العسكرية- إلى مدارس استانبول ووظّفهم بوظيفة التدريس والتعليم. ومن ذلك الوقت شرع هؤلاء الأساتذة يغرسون في أفكار التلامذة حب ألمانيا ويجسمون في مخيلتهم عظمة دولتهم وحبها لدولة تركيا، ويؤكدون لهم ما وقر في صدر دولة إنكلترا من المقاصد السيئة في حق تركيا وأنها قسمت بلادها بينها وبين باقي دول أوربا ودول البلقان. وكان التلامذة يعتقدون صحة هذه المبادىء ويثبتونها في أذهان الأمة حتى تمكنت من عقولهم واستحكمت في اعتقادهم. ثم قام حزب الاتحاد والترقي على السلطان عبد الحميد وحملوه على العمل بالقانون الأساسي وقلبوا الحكومة إلى الديمقراطية ثم خلعوه. وقد ساعدت دولة إنكلترا الاتحاديين في هذا الانقلاب انتقاما من السلطان عبد الحميد على ميله إلى الألمان وتقريبه إياهم، واتخاذه منهم الأساتذة والمرشدين وبعض قواد عسكريين. ثم حدثت حرب طرابلس الغرب بين تركيا وإيطاليا. وكان الاتحاديون يأملون من دولة إنكلترا المساعدة في هذه الحرب فخاب أملهم ولم تساعدهم إنكلترا بشيء حتى ولا بإمرار قواتهم من مصر إلى جهة طرابلس. فازداد نفورهم من إنكلترا وتأكدت رغبتهم بالميل إلى ألمانيا حينما لم يروا بدا من التجائهم إلى هكذا دولة قوية تساعدهم على خصمهم العظيم، خصوصا بعد أن خاب سعيهم بالتحالف مع دول الاتفاق الذي قدمنا بيانه. ثم حدثت حرب البلقان بين تركيا وحكومات البلقان، وانجلت هذه الحرب عن انكسار تركيا وخسرانها جميع ولاياتها في البلقان، وأعلنت البلغار استقلالها بالرومللي، والنمسا في البوسنه والهرسك. ثم إن تركيا سنحت لها فرصة أمكنتها بمساعدة ألمانيا استرجاع قسم كبير من ولاية أدرنة، وحينئذ رأت تركيا أن لا مناص لها عن أن تتفق مع ألمانيا لدفع العادية على ثمالة ممالكها «1» ؛ لأنها تحقق لديها من ماجريات هذه الأحوال أن جميع دول الاتفاق العظيمة تشرئب أعناق مطامعها إلى أخذ بلادها وملاشاتها مع ما هي عليه من الضعف والفقر، وأنه لا ينجيها من نشوب مخالب الجزء: 3 ¦ الصفحة: 433 هذه الدولة سوى اتفاقها مع دولة عظيمة كألمانيا التي لم تمد من قبل إلى بلادها يدا ولن تقدر أن تمد إليها يدا لموقعها الجغرافي، مؤملة بذلك أن تحفظ كيانها بل طامعة بما سولته لها ألمانيا وبما علمته من قوتها وعظمتها بأن تعيد لها مجدها السالف لتحققها أنها وحلفاءها هم الغالبون، وأن كل من نواهم سيكون مغلوبا. هذا ما دعا تركيا إلى الاتفاق مع ألمانيا وحلفائها: إيطاليا والنمسا والبلغار. وهذا هو اجتهاد الاتحاديين، أخصّهم بالذكر بطلهم وصنديدهم أنور باشا الذي نشأ في مدارس ألمانيا وتغذى بألبانها، وقد أداه سعيه إلى أن يكون الرجل الواحد في دولة تركيا لا يعارضه فيما أراد معارض ولا ينازعه منازع. دولة إيطاليا حيال الدول المتحاربة: كانت دولة إيطاليا متفقة منذ عهد قديم قبل الحرب مع دولة ألمانيا، فلما بدأت الحرب بقيت إيطاليا على الحياد مدة سنة أو أكثر، وكانت الأخبار تصل إلينا عنها ملونة، فمرّة يبلغنا عنها أنها لا بد وأن تبقى على اتفاقها مع ألمانيا، فهي عما قريب تعلن معها الحرب على دول الاتفاق، وأخرى يبلغنا عنها أنها ستنضم إلى المتحالفين وتعلن الحرب معهم على الاتفاقيين. والناس يبنون على دخولها مع أحد الفريقين رجحان كفة الميزان مع الفريق الذي تدخل معه. ثم في آخر الأمر انضمت إلى الاتفاقيين وأشعلت نار الحرب مع النمسا فلم تفز بطائل. منذرات هذه الحرب في حلب قبل ظهورها: قبل إعلان هذه الحرب بأعوام طويلة كانت بعض النفوس الحساسة في حلب تشعر بأنه لا بد وأن تقع هذه الحرب ولو بعد أعوام. وسبب الشعور بذلك هو ما يحس به الباحثون عن أحوال أوربا- خصوصا عما يجري بين الأمتين ألمانيا وفرانسة- من المراقبة والتحفز على بعضهما إذ أنهما ما برحتا منذ أربعين سنة- أي منذ انتهاء حرب السبعين حتى الآن- تجد كل واحدة منهما في إعداد المهمات الحربية الجهنمية استعدادا لهذه الحرب الطاحنة، فكأن نار حرب السبعين قد خمدت ظاهرا ولكنها في الباطن كانت تتأجج كالنار المدفونة في الرماد. ولذا قال بعض الساسة: إن الحرب العامة القائمة الآن لم تكن حربا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 434 جديدة محدثة، وإنما هي من تتمة حرب السبعين. ولذا كنت ترى حينا بعد حين في الصحف الإخبارية والمجلات العلمية أقوال المنجمين والمتكهنين المنذرة بهذه الحرب قبل ظهورها بعدة أعوام. هذا، وفي أوائل هذه السنة وهي سنة 1332 بدأ بعض الناس في حلب يتحدثون سرا بأنه عما قريب تشتعل نار حرب حامية بين عامة الدول، مع أنه كان لا يوجد في صحف الأخبار ما يدل على ذلك. وكان هذا التحدث السري يتفشى بين الناس يوما فيوما حتى شاع بين جميع الطبقات غير أن من الناس من كان يستبعد الحرب، ومنهم من يرى أنها قريبة الوقوع. وكان أمراء العسكرية وضباطها يحضرون في بعض الأيام إلى خانات الغلّات، ويسجلون مقادير ما يجدونه فيها من الحبوب والذخائر، ويأمرون الخاني «1» بعدم بيعها أحيانا، ويرخصون له به أخرى. وربما طافوا في خانات التجار وأحصوا ما عند كل واحد منهم من الأقمشة والبضائع المأكولة وغيرها. فكان الناس يرتابون من هذه الأعمال لأنها مما لم يسبق لها نظير، وبسببها كانت تقوى عندهم صحة الشائعات المنتشرة فيما بينهم بخصوص الحرب العالمية. تتمة حوادث سنة 1332 هـ سباق الخيل: وفي شهر جمادى الثانية من هذه السنة جرى في أرض الحلبة- ظاهر حلب- سباق خيل حافل، حضره كبار الموظفين من ملكيين وعسكريين وألوف من الأهليّين «2» . وأجازت الحكومة الحائزين قصب السبق بجوائز نقدية. دعوة العرفاء إلى الثكنة العسكرية: وفي هذه الأيام دعت جهة العسكرية إلى ثكنتها جميع عرفاء المحلات المعروفين بالمخاترة وأعطتهم المغلفات السالفة الذكر. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 435 إعلان تركيا النفير العام في ممالكها: يوم السبت عاشر رمضان هذه السنة (1332) الموافق اليوم الحادي والعشرين من تموز سنة 1330 رومية واليوم الثالث من آب سنة 1914 م- أصبح الناس فرأوا في منعطفات الشوارع وأبواب الأماكن الشهيرة- كالجوامع والخانات- أوراقا ملصقة بالجدران مطبوعة ملونة فيها صورة الشعار العثماني، وتحته سطر واحد فيه كلمة (سفر برلك) أي النفير العام. فعلم الناس أن هذه الأوراق هي التي كانت في المغلفات التي سلمتها الجهة العسكرية إلى المخاترة وأمرتهم بحفظها. وقد عظم هذا الأمر على الناس وأصبح تحدّثهم به شغلهم الشاغل، وبعد أيام قليلة غلق بالشوارع من الجهة العسكرية إعلان فحواه: «أن كل من كان بالغا سن المكلفية العسكرية أن يحضر إلى المكان المعيّن (مثل برية المسلخ) ويثبت اسمه وكنيته في سجلات العسكرية في برهة أيام قليلة» . فتسارع الناس إلى تلك الأماكن لتسجيل أسمائهم، وكان المسلمون صائمين والحر شديدا، فتكبدوا من أجل ذلك مشقة زائدة. وبعد أيام دعت الجهة العسكرية كل من أثبت اسمه وكنيته إلى حمل السلاح والدخول في السلك العسكري. ثم أذيع قانون عسكري مصرّح فيه بأن كل ذكر من الشعوب العثمانية يعتبر جنديا، مسلما كان أم غير مسلم، سواء كان له معين أم لم يكن. لا يستثنى من الجندية أحد بل كل عثماني يعتبر بحكم هذا القانون عسكريا. وأن المكلف المعذور بعذر شرعي معقول- يمنعه عن القيام بالجندية- يؤذن له بعد تحقق عذره بالانفكاك عن التجند مدة تلبّسه بالعذر. فإذا انقضت معذرته فعليه أن يعود إلى التجند. هذا القانون قد استعظمه الناس وعدّوا أحكامه جائرة، لأنه لا يرحم الوحيد في عياله ولا الضعيف في بدنه، وقالوا: إنه مما جناه على الأمة جماعة حزب الاتحاد والترقي اقتداء بالحكومة الألمانية التي مشت على قاعدة التجنيد العام. الإدارة العرفية: في اليوم الثاني عشر من رمضان الجاري أعلنت العسكرية الإدارة العرفية في حلب. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 436 التكاليف الحربية وحجز أموال التجار: في هذا الشهر بدأت الحكومة بأمر العسكرية تأخذ الأموال من التجار باسم التكاليف الحربية بالقيمة التي تقدرها لجنة سميت «لجنة المبايعة» ، وهي بعد أن تقدر للبضاعة المأخوذة قيمة وتأخذ البضاعة تسلم صاحبها مضبطة بالقيمة على أن تدفعها له بعد مدة غير معلومة. تطواف الضباط العسكريين في الخانات: في شوال هذه السنة بدأ الضباط العسكريون يطوفون خانات الغلات وخانات البضائع التجارية، ويكتبون كل ما عند بائع غلّة أو بضاعة تجارية، ويأمرونه بالإمساك عن بيع غلته وبضاعته حتى يصدر له الإذن ببيعها. كيف بدأت هذه الحرب: ذكرنا قبلا- في الكلام على السبب الثانوي لقيام هذه الحرب- كيف كان بدء الدخول إلى ميدانها والشروع بإشعال نيرانها. ونقول هنا: إن إيمبراطور ألمانيا لما بدأت الحرب على هذه الصفة اهتم بأمرها اهتماما عظيما، وأراد إطفاء نارها وتسوية الخلاف بين حكومتي النمسا وسربيا على صفة سلميّة، فأكثر في ذلك المخابرة مع إيمراطوري إنكلترا وروسية ورئيس جمهورية فرنسة والتمس منهم أن يسعوا بوقف هذا البلاء، ويحلوا عقدة الخلاف بين الحكومتين على طريقة سلمية ووعدهم بذل ما في وسعه لفضّ هذه الحادثة على صفة حبيّة. فلم يصغوا له ولا سمعوا صراخه وكان كل من دولتي روسية وفرنسة قد أعلن النفير العام وحشد الجيوش على حدود الإيمبراطورية الألمانية فاضطر حينئذ الإيمبراطور غليوم أن يصدر أمره إلى جيوشه بأن تكون على قدم الاستعداد منتظرة أول إشارة تصدر منه. أول تحرش بألمانيا: وفي اليوم الثاني من آب الغربي سنة 1914 م طار قسم من الطيارات الفرنسية إلى البلاد الألمانية مجتازة إليها من أراضي الفلمنك والبلجيك المتظاهرين بالحياد، فألقت هذه الجزء: 3 ¦ الصفحة: 437 الطيارات قنابلها على بلاد ألمانية غير محصنة، فقابلتها الجيوش الألمانية بالمثل واجتازت طياراتها حدود بلجيكا إلى فرنسة، وكانت ألمانيا طلبت من هذه الدولة أن تسمح لها بإمرار جيوشها من بلادها إلى جهة فرنسة وتعهدت لها بتعويض كل ضرر يصيبها، فلم تجبها على طلبها. وكانت ألمانيا قد تأكد لديها أن دولة بلجيكا متفقة في الباطن مع فرنسة وإنكلترة وأن تظاهرها بالحياد خدعة، ولهذا لم تلتفت ألمانيا إلى امتناع بلجيكا عن إجابة طلبها بل اعتبرتها دولة من جملة دول الاتفاق، وأمرت أسطولها الطيار بأن يجتاز حدودها إلى فرنسة بمقابلة اجتياز طيارات فرنسة إلى حدود الألمان. إعلان روسية وإنكلترة واليابان الحرب على ألمانيا: وفي اليوم الثالث من آب الجاري أعلنت روسيا الحرب على الألمان وزحفت جيوشها على حدودهم. ثم في السابع من هذا الشهر أعلنت إنكلترا الحرب عليهم بحجة أنهم خرقوا حياد بلجيكا ولم يحترموا العهود، وتلت دولة إنكلترة دولة اليابان فأعلنت الحرب عليهم. توغل جيوش روسية في أراضي ألمانيا وطردهم منها: وكانت جيوش روسية قد زحفت على حدود بلاد الألمان- كما قلنا- وتوغلت في أراضيها من الجهة الشمالية أي من جهة بروسية، واقتربت من برلين حتى أصبحت منها على بعد ستين كيلومترا. وعندها تأكد الإيمبراطور غليوم أن هذا الأمر مما دبّر بليل واضطره الجزع على ملكه إلى تجريد جيوشه تحت قيادة هندنبورغ القائد الشهير وسوقها إلى جهات روسية ليطردوا جيوشها عن بلاد الألمان، فكان النصر حليفهم لأنهم لم يلبثوا غير قليل حتى طردوا الروس من بلادهم. إعلان إنكلترا وفرنسة وروسية على تركيا الحرب، وإعلان تركيا اتفاقها مع ألمانيا والنمسا وبلغاريا، ثم إعلانها الحرب على روسية وإنكلترا وفرنسة: بعد أن أعلنت إنكلترا الحرب على ألمانيا بدأ أسطول إنكلترا يتجول في البحر المتوسط، وكانت الدارعتان الألمانيتان (جوين) و (برسلاو) قد خرجتا لهذا البحر للاستكشاف، فبصر بهما أسطول إنكلترة المتجول وجعل يطاردهما فلجأتا إلى الدردنيل ودخلتا فيه. وأحس بذلك سفراء الأجانب وأغاظهم هذا الحال، وسألوا الصدر الأعظم عن رضائه الجزء: 3 ¦ الصفحة: 438 بدخول هاتين الدارعتين إلى الدردنيل وأن هذا مما ينافي وقوف تركيا موقف الحياد. فأجابهم بقوله: إننا ابتعناهما من ألمانيا من قبل وقد تسلّمناهما الآن. ثم إن تركيا سمّت إحداهما (ياوس) والأخرى (مديلى) وعلى أثر دخولهما أقفلت المضايق. إعلان تركيا الحرب على الدول الثلاث: ثم إن الأسطول الروسي هاجم الأسطول العثماني، فاضطر الأخير أن يطلق نيرانه على أودسا سباستبول وبعض موانئ أخرى، وذلك في عيد الأضحى من هذه السنة (1232) . وفي ذلك الأثناء أعلنت روسية أولا، ثم فرنسة ثم إنكلترا، الحرب على الحكومة العثمانية. وقد اقترحت تركيا عمل تحقيق مشترك لمعرفة أي الأسطولين كان البادئ بالعدوان؟ فأبت روسية ذلك، فاضطرت تركيا أن تعتبر نفسها في حال الحرب مع الحكومات المذكورة. غير أن بعض وزراء الدولة العثمانية صرح بأنه يكره الحرب ولا يرضى به «1» ، فاستعفى من وظيفته. إلا أن الأكثرية الساحقة كانت تقول بالحرب، ومن هذه الأكثرية أعضاء مجلس النواب المعروف بمجلس المبعوثان وحينئذ أعلنت تركيا اتفاقها مع ألمانية والنمسا وبلغاريا وكانت وقّعت على عهدة الاتفاق مع تلك الدول في بدء الحرب غير أنها كتمت هذا الأمر وتظاهرت بوقوفها موقف الحياد ريثما تتمكن من تعبئة جيوشها. إلى أن كانت حادثة الأسطول الروسي وأعلنت دول الاتفاق الحرب عليها أعلنت هي أيضا اتفاقها مع حلفائها أولا ثم أعلنت الحرب على دول الاتفاق. وكان من أعظم الأسباب التي دعت تركيا لإعلان الحرب على إنكلترا مصادرة الثانية مدرعتي (السلطان عثمان) و (رشادية) اللتين أوصت تركيا بعملهما بعض معامل إنكلترا، فإنهما بعد أن انتهى عملهما ودفعت تركيا آخر قسط من ثمنهما وتقدمت لاستلامهما أعلنتها إنكلترة بأنها قد صادرتهما. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 439 إعلان إنكلترة استقلالها بمصر: في أواخر هذه السنة أعلنت تركيا استقلالها بمصر، وعينت لها خديويا فخامة حسين كامل باشا. منع الحكومة إخراج الذهب: وفي أواخر هذه السنة أيضا منعت الحكومة العثمانية إخراج الذهب من ممالكها، وأعلنت أن المسافرين الذين يوجد معهم ذهب أو نقود ذهبية يؤخذ مما يوجد معهم الزائد عن عشرة دنانير ويعطون بما أخذ منهم مضبطة يدفع بدلها إليهم بعد انتهاء الحرب. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 440 سنة 1333 هـ فتوى شيخ الإسلام في النفير العام: في محرّم هذه السنة أصدر شيخ الإسلام فتوى شرعية في وجوب النفير العام، وصرح فيها بأن كل مسلم قادر على حمل السلاح عليه أن يكون مجاهدا. وقد جرى لتلاوة هذه الفتوى في حلب اجتماع حافل في المكتب الإعدادي الكائن في محلة الجميلية، وتليت فيه المواعظ والخطب الحماسية وحضر فيه عشرات الألوف من الناس. قدوم جمال باشا إلى حلب: في هذا الشهر قدم إلى حلب جمال باشا وزير بحرية تركيا وقائد الجيش الرابع العثماني في عامة البلاد العربية العثمانية. فبقي في حلب يومين ثم توجه على القطار إلى دمشق. أمر جمال باشا جلال بك والي حلب بحمل الناس على العمل في طريق المركبات: ولما كان جمال باشا في حلب أصدر أمره إلى جلال بك والي حلب بأن يحمل الناس طوعا أو كرها على العمل بإصلاح طريق المركبات في جهة «راجو» ليشتغلوا كعملة في طريق سكة حديد بغداد. فأرهق الوالي الناس وأزعجهم بالسفر إلى تلك الجهة حتى إن الكثيرين منهم من أيقظوه من فراشه ليلا وساقوه إلى جهة راجو دون غطاء ولا وطاء «1» . فمنهم من سار مشيا على قدميه ومنهم من أمكنه أن يركب دابة وكانوا زهاء ألف إنسان. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 441 ولما وصلوا إلى راجو لم يروا فيها مأوى يأوون إليه ولا شيئا يقتاتون به ولا أداة كالمعول والمسحاة يشتغلون بها. وجدوا هناك بعض ضباط عسكريين فلما رأوا تلك الجموع مقبلة عليهم بادروهم بالسبّ والشتم وقالوا لهم: ما عندنا لكم طعام ولا مأوى ولا أدوات تشتغلون بها، فمن شاء منكم أن يرجع إلى حلب فليرجع ومن شاء فليبق هنا حتى يموت. فعادوا إلى حلب على أسوأ حالة، وقد عرى أكثرهم الذّرب «1» من برد الخريف ووخامة الهواء. وعدّت هذه القضية أول فلتة من فلتات جمال باشا وأول سبب موجب لنفرة القلوب منه. وفود استقبال العلم النبوي الشريف: في هذا الشهر (محرّم) 1333 أوفدت كل من حكومة حلب وبيروت وطرابلس الشام وحمص وحماة- وغيرهما من حكومات البلاد السورية- وفودا إلى دمشق الشام لاستقبال العلم النبوي الشريف المحمول إليها من المدينة المنورة إيذانا بالنفير العام وإثارة لحمية الإسلام. وكنت من جملة وفد حلب مع رفقائي الآخرين وهم: مفتي حلب الشيخ محمد العبيسي، والسادة النبلاء الشيخ محمد رضا بن الشيخ محمد وفا الرفاعي، وعارف بك ابن عزّت بك قطار اغاسي، وأحمد بك بن حسين باشا المدرس، وعاكف بك بن نافع باشا الجابري وفؤاد بك بن زكي باشا المدرس وفؤاد بك بن أحمد بك العادلي. وبعد أن وصلنا إلى دمشق الشام بقينا فيها ننتظر قدوم العلم الشريف أحد عشر يوما. ثم في ضحوة اليوم الثاني عشر من قدومنا أرسلت إلينا القيادة العليا بأن نتوجه إلى جهة «محطة القدم» لأن العلم سيحضر في ذلك الوقت. فتوجهنا إلى المحطة المذكورة وقد أعدت هناك للوفود مضارب لأجل الانتظار، فجلسنا في الخيام ننتظر وصول القطار. وما كاد يستقر بنا المجلس حتى قدم علينا رسول من قبل جمال باشا القائد العام يطلب أحد رفقائنا مفتي حلب، فأسرع المفتي الإجابة، ولما قابله القائد قال له ما معناه: إن وفود البلاد كثيرة وإن إعطاء الرخصة بالخطبة لكل فرد أمر يطول شرحه ولا يسعه الوقت، ولذا تقرر ألّا يخطب أحد حين مجيء العلم، سوى ثلاثة فقط أحدهم خطيب الجامع الأموي والثاني الجزء: 3 ¦ الصفحة: 442 واحد منكم والثالث الأستاذ الشيخ أسعد شقير، فانتخبوا واحدا من وفدكم الحلبي يخطب بالنيابة عنكم وعن بقية وفود البلاد. ولما عاد المفتي إلى حلقة وفدنا الحلبي أخبرنا بما أوحى إليه القائد العام، فقال لي رفقائي بلسان واحد: قد اخترناك أن تكون أنت ذلك الخطيب. فشقّ علي هذا الأمر لأنني لم أمرن على الخطبة، سيما في مثل ذلك الجمع العظيم الذي يضم إليه المئين من علماء سوريا وأدبائها وشعرائها ومحرري صحفها. وبينما أنا أتنصل من القيام بهذه الوظيفة إذا بصفير القطار المعلن بوصوله إلى المحطة، فما كان إلا أن هرعت إلى جهته تلك الجموع التي لا تقل عن مئة ألف نسمة، وبدأت العسكرية بإطلاق المدافع لتحية العلم، وضج الناس بالتهليل والتكبير إعظاما واحتراما للعلم، فكنت لا تسمع سوى دويّ المدافع وصدى أصوات المهللين بكلمة «الله أكبر» كأنه الرعد القاصف. وكان قد تقدم القائد العام جمال باشا ووالي ولاية دمشق نحو حافلة القطار واعتنقا العلم الشريف وسارا به نحو الموقف الذي أعد لإلقاء الخطب فتبعتهم الجموع تموج موج البحر في يوم عاصف فاختلط الناس ببعضهم وأضعت رفقائي. وبينما أنا أبحث عنهم إذ وقع نظر أحدهم عليّ فأقبل يعدو نحوي وقال: إن خطيب دمشق على وشك الانتهاء من خطبته وإن الناس يتشوقون إليك. ثم أخذني من يدي ومشى إلى الموقف فإذا هو عبارة عن مركبتين قد وقف في إحداهما مفتي السادة الشافعية في المدينة المنورة وهو يحمل العلم الشريف، والمركبة الثانية قد أعدت لوقوف الخطيب وقد تحلق الناس حولهما لسماع الخطب حلقا وهم يعدّون بعشرات الألوف. وما كدت أقف بضع دقائق حتى انتهى خطيب دمشق من خطبيه ونزل من المركبة، والتفتت العيون نحوي فصعدت إليها وفؤادي يخفق هيبة وجلالا، سيما وأنا ممن لم يعتد على الوقوف في هكذا موقف رهيب، ولست على أهبة فيما أقوله بهذا الموضوع؛ إذ لم يفسح لي من الزمن ما يسع تحبير ما أريد أن أقوله لأن تكليفي للخطبة كان قبل بضع دقائق. فصعدت المركبة ولما استوليت على ظهرها شعرت كأن هاتفا يهتف بي بما أحاول أن أقوله، فحييت العلم ببعض كلمات وذكرت ما كان من تأثير المجاهدين الذين ساروا تحت ظله، وما فتحوه من الأقطار والممالك ببركة روحانيته، وما عانوه من الأخطار والأهوال في سبيل حفظه الجزء: 3 ¦ الصفحة: 443 وصيانته. ثم أشرت إلى العلم وأنا أنشد أبياتا من هائية الأزري «1» وهي: علم تلحظ العوالم منه ... خير من حلّ أرضها وسماها هو ظلّ الله الذي لو أوته ... أهل وادي جهنم لحماها لو أعيرت من سلسبيل نداه ... كرّة النار لاستحالت مياها ثم ختمت المقال بالثناء على حمية أهل دمشق وفرط غيرتهم الدينية وتعظيمهم الشعائر الإسلامية، وسخائهم في سبيل خدمة الدين وإعمار مسجد دمشق الذي أعيد إلى رونقه الأول بما بذلوه من الأموال الطائلة التي تعد بعشرات الألوف من الدنانير. وهكذا انتهيت من الخطبة ونزلت من المركبة، وصعد على الفور إليها الأستاذ الشيخ أسعد شقير، ففاه بخطبة مسهبة كلها درر وغرر، أتى فيها بالعجب العجاب مما لا يباريه به مبار ولا يلحق له في حلبة البيان بغبار. قتلى بالرصاص: وفي صفر هذه السنة قتل رميا بالرصاص بضعة أشخاص من الجنود الفارّين من الجندية، قتلوا في البرية القريبة من الثكنة العسكرية المعروفة بالشيخ يبرق. هذه هي أول مرة جرى فيها القتل بالرصاص بعد عهد المرحوم إبراهيم باشا المصري الذي كان يعاقب الفارين من الجندية برميهم برصاص البنادق، وذلك حينما كان مستوليا على حلب وباقي البلاد من المملكة العثمانية في التاريخ الذي سبق بيانه في هذا الجزء. خبر استيلاء الجيوش العثمانية على أردهان: وفي صفر هذه السنة ورد الخبر بالبرق العثماني بأن الجنود العثمانية استولوا على مدينة «أردهان» وكان الزمان شتاء والثلوج في تلك الجهات كثيرة والبرد فارس، وأن الجنود العثمانية قطعوا بالوصول إلى هذه المدينة مسافة طويلة كلها جبال ومضايق؛ لأنهم تعسفوا- بالوصول إلى أردهان- الطريق المؤدية إليها توا فسلكوا من أجل ذلك المسالك الجزء: 3 ¦ الصفحة: 444 الصعبة، وهلك منهم بالثلج والجوع زهاء ثلاثين ألفا- على رواية- وأربعين ألفا على رواية أخرى. ولما وصل خبر هذا الظفر إلى حلب خرج المنادي من قبل الحكومة ينادي بلزوم عمل مظاهرة فرح ومسرة، فاحتشد في ثاني يوم تجاه باب القلعة ألوف من الناس ومعهم الطبول والزمور، وخرجت تلامذة المكاتب تنشد الأزجال الحماسية وتعزف بالموسيقى، ثم سارت تلك الجموع إلى دار الحكومة ووقفوا صفوفا في ظاهرها وباطنها وألقيت عليهم خطب البشارة بهذا الفتح العظيم والتنويه بعظمة الدولة وفوزها وفشل الروس وخذلانهم. ثم بعد أيام شاع أن الروس استردوا هذه البلدة وقتلوا من الجنود العثمانيين مقتلة عظيمة. فروغ الفحم الحجري واستعمال الفحم النباتي وقطع أشجار من البساتين: وفيها فرغت مدخرات الفحم الحجري الذي تتحرك بناره قطارات السكك الحديدية، فاضطرت الجهة العسكرية أن تستعيض عنه بالحطب، وفتح لها مورد جديد للنهب والسلب لأنها جعلت تستورد الحطب اللازم لها على طريقة التضمين المعروفة بالالتزام، على أن يقدم الملتزم الحطب من الغابات القريبة من حلب إلى أقرب محطة إلى الغابة، سعر كل طن كذا مبلغ، فكان يقع في هذا الالتزام، من السرقة والمحاباة في الوثائق، وبدل الالتزام ما يكل عنه الوصف وقد استغنى بسببه كثير من الناس وجمع منه الضباط وأتباعهم ما لا يحصى من المال. وفيها بدأت العسكرية تقطع من بساتين حلب الأشجار التي لا تثمر كشجر الدّلب والصفصاف وغيرهما لتجعل خشبه آلة لعربات النقل وتقدم ما لا يصلح منه للآلة إلى مطابخ الجنود. متطوعة الدراويش المولوية: وفيها أقبل علينا من جهة قونية رهط من دراويش الطريقة المولوية، وقد تألفت منهم كتيبة عسكرية للتطوع في جهاد أعداء الدولة. وفود القدس: وفيها أوفد من حلب وغيرها من البلاد العثمانية العربية وفود للقدس قصد الاستطلاع الجزء: 3 ¦ الصفحة: 445 على قوة الجيوش العثمانية وحسن انتظامها. فرع من سكة الحجاز إلى الترعة: وفيها بوشر بمد فرع من خط سكة حديد الحجاز يمتد إلى جهة الترعة. إنهاء جسر جرابلس: وفيها تم إنشاء جسر جرابلس الذي طوله ثمانمائة واثنا عشر مترا، وعرضه خمسة أمتار ونصف، وقناطره عشرة مسافة كل قنطرة ثمانين «1» مترا وثقلها ثلاثمائة ألف كيلو. وقدرت نفقاته بثلاثمائة ألف ليرا. وهو حقيق أن يعد من المباني العجيبة. وفيها ولي حلب بكر سامي بك وبعد أشهر انفصل عن ولايتها وعين بدله مصطفى عبد الخالق بك. وصول الورق النقدي إلى حلب: وفيها وصل إلى حلب الورق النقدي العثماني المعروف باسم بنكينوط استعملته هذه الدولة في هذه الحرب بدل النقود المعدنية أسوة ببقية الدول المتحاربة. وقد أقبل الناس على تداوله بأسعاره المرسومة فيه ورغبوا به أكثر من رغبتهم بالنقود الذهبية والفضية التي كانوا يستصعبون تداولها لنقصها وتشويه الصيارفة إياها بالثقب وسرقة شيء منها بواسطة الحك ووضعها بالكذاب» . أما الورق النقدي فهو خال عن جميع هذه العيوب ولذا أقبل الناس على استعماله فنال رواجا عظيما. إعانة الكسوة الشتوية: وفي شتاء هذه السنة جمعت الحكومة من الرعية إعانة نقدية باسم الكسوة الشتوية للعساكر. واستمرت تجمع هذه الإعانة في شتاء كل سنة من سني الحرب. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 446 مهاجرو «1» مكة: وفيها وصل إلى حلب جماعة من أهل مكة المكرمة مهاجرين منها فرارا من الجوع. قانون تأجيل الديون: وفيها نشرت الحكومة في الصحف الإخبارية قانونا سمّته قانون تأجيل الديون، يقضي بتأخير وفاء الدين إذا كان قبل الحرب، سواء كان الدين للمصارف والتجار أم كان لغيرهما. تعرض إنكلترا للبصرة وتقسيم جيوش تركيا: وفيها بدأت دولة إنكلترا بالتعرض إلى البصرة، فاضطرت الدولة العثمانية أن تجهز لجهة العراق جيشا علاوة على باقي جيوشها في غير هذه الجهة. والخلاصة أن تركيا اضطرت في هذه الحرب أن تقسم جيوشها إلى سبع جبهات: الأولى جبهة فلسطين. الثانية جبهة جناق قلعة الثالثة جبهة العراق. الرابعة جبهة العجم. الخامسة جبهة قفقاسيا. السادسة جبهة اليمن. السابعة جبهة الحجاز. هذا كله عدا القطعات العسكرية التي بعثتها إلى جهة النمسا والبلغار لمعاونتهما على أعدائهما. إعلان الحكومة إلغاء الامتيازات الأجنبية: وفي هذه السنة أيضا أعلنت الحكومة في جميع ولاياتها إلغاء الامتيازات الأجنبية المعروفة باسم (كابيتولاسيون) التي كان بعض الملوك العثمانيين خصها بالأجانب، وذلك كوجود ترجمان أو مراقب من الأجانب في محاكمة أجنبي مع عثماني في مسألة حقوقية أو جزائية، وكعدم جواز حبس أجنبي بمحبس عثماني إذا وجب عليه الحبس، بل يحبس في محبس قنصله، وكعدم إكراه الأجنبي على أخذ رخصة فيما يريد تعاطيه من المهن التي تحتاج إلى أخذ رخصة من الحكومة العثمانية بحسب قوانينها، كبيع المسكرات وفتح المعامل، وكعدم أخذ رسوم كمركية العثمانية بحسب قوانينها، كبيع المسكرات وفتح المعامل، وكعدم أخذ رسوم كمركية على ما يحضره القنصل لنفسه من البلاد العثمانية خاصة بنفسه، وكعدم منع الأجانب من إقامة بريد على حدته يحمل كتبهم وكتب من أحبّ من العثمانيين أن تحمل كتبه فيه. إلى غير ذلك من الامتيازات التي كانت كثيرا ما تقف حجرة عثرة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 447 في سبيل تنفيذ أحكام القوانين العثمانية وتجحف بحقوق تبعتها. ومن أراد الاطلاع على صنوف هذه الامتيازات وأسبابها وتاريخ تخصيصها بالأجانب فليراجع ما كتبه فيها وطنيّنا الحلبي الكاتب البارع جميل بك النيال في كتاب ألفه باللغة التركية سماه «حقوق الدل» يستوعب ستمائة صحيفة فرغ من تأليفه سنة 1326. وفود للقدس: وفيها أوفد من حلب وغيرها وفود للقدس الشريف لحضور حفلة افتتاح الكلية التي نسبت إلى المرحوم السلطان صلاح الدين، وللاطلاع على قوات الدولة العثمانية هناك وانتظام أحوال جيوشها. وصول جنود الألمان إلى حلب: وفيها بدأت جنود الألمان تصل إلى حلب ومنها إلى دمشق، ومعهم من الأثقال والمهمات الحربية مالا يكاد يحصى، وكانوا ينزلون في حلب في بيوت وخانات استأجروها من ذويها وعاملوا الناس معاملة حسنة، وربح منهم التجار أرباحا طائلة وقد مدوا كثيرا من التيول «1» الناقلة للصدى المعروفة باسم التليفون، ونصبوا أداة التلغراف اللاسلكي في برية حارة الحميدية، وأكثروا من نقل مهماتهم ولوازمهم من الأسلحة الحربية والسيارات المعروفة باسم أوتوموبيل، التي كان البعض منها يحدث في سيره شبه زلزلة ترتجّ له الأرض وترتجف منه الجدران ويتكسر البلاط. وكان المتأمل في جدّهم وحركاتهم وعددهم وكثرة مهماتهم لا يشك ولا يرتاب بأنهم لم يحضروا إلى هذه البلاد إلا بقصد الاستيلاء والاستعمار لا بقصد المعاونة لحكامها الأتراك على أعدائهم. إجلاء أمة الأرمن عن أوطانهم: قال جمال باشا في مذكراته ما خلاصته: إنه يعتقد اعتقادا جازما أن الأرمن كانوا قد دبروا ثورة من شأنها تعريض مؤخرة الجيش التركي في القوقاز لأشد الأخطار لو وقعت، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 448 بل ربما أدت في ظروف خاصة إلى إبادته عن بكرة أبيه. ولذا اضطر الاتحاديون إلى نقل الشعب الأرمني بأسره إلى جهة أخرى بحيث يؤمن شره من أن يعرّضوا المملكة العثمانية للمحن والخطوب الفوادح ويجلبوا عليها الطامة الكبرى، فيكون احتلال روسية لآسيا الصغرى بأسرها أول رزاياها. ثم قال: أما ما وقع من الحوادث في خلال نفيهم فينبغي أن يعزى إلى الأحقاد المتغلغلة في نفوس الأتراك والأكراد والأرمن في أثناء سبعين عاما. وتبعة ذلك إنما تقع على السياسة الروسية التي حولت الشعوب الثلاثة- التي عاشت القرون الطويلة معا في صفاء وهناء- إلى أعداء ألدّاء ولا ينكر أن الفظائع التي جرت على الأرمن أثناء نفيهم في سنة 1915 م/ 1334 هـ قد أثارت السخط الشديد، ولكن ما ارتكبه الأرمن في غضون ثورتهم على الأتراك والأكراد لا يقل عنها قسوة بل يفوقها فظاعة وغدرا. ثم قال: ولم يكن فرار الأتراك من ديار بكر، من طريق حلب وأطنة إلى قونية، ومن أرضروم وأزرنجان إلى سيواس من وجوه الروس، والفظائع التي ارتكبها الأرمن ضدهم، بأقل سوءا ووحشية منه. ثم قال: فلنفرض جدلا أن الحكومة العثمانية نفت مليونا من الأرمن من ولايات الأناضول الشرقية وأن زهاء 600 ألف منهم ماتوا أو قتلوا في الطريق أو سقطوا ضحية الجوع والتعب، فقد قتل ما يربو على مليون ونصف من الأكراد والأتراك في ولايات طرابيزون وأرضروم ووان وبتليس، قتلوا على صورة تقشعرّ منها الأبدان بأيدي الأرمن عندما زحف الجيش الروسي على تلك الولايات. ثم إن جمال باشا استشهد على صحة ما قاله بتقريرين مفصلين مسهبين مقدمين من ضابطين روسيين- ذكر اسمهما- وقد أوضحا في تقريرهما حوادث الاعتداء التي ارتكبها الأرمن ضد الأهلين الأتراك في ولاية أرضروم وما جاورها، من مبدأ نشوب الثورة إلى أن استردت الجنود التركية قلعة أرضروم في 27 فبراير سنة 1918 م/ 1337 هـ. انتهى ما قصدنا إلى إيراده من مذكرات جمال باشا. أقول: في هذه السنة (1333) بدأت تركيا بإجلاء الأرمن عن أوطانهم فكانت جالياتهم تصل إلى حلب زمرة تلو زمرة، كل زمرة منها تعدّ بعشرات الألوف. وقد أثرت الجزء: 3 ¦ الصفحة: 449 عليهم مشقات الطريق ولا سيما على فقرائهم الذين قطعوا المسافات الطويلة مشيا على الأقدام مدة شهرين وهم حفاة عراة، الأرض وطاؤهم والسماء غطاؤهم، لم يفلت منهم من مخالب الجوع والبرد إلا من قويت بنيته وأبطأت منيّته. وقد وصلوا إلى حلب كأشباح بلا أرواح، وكان أغنياؤهم ينزلون في البيوت، وفقراؤهم في القياصر والأزقة والشوارع حتى ملؤوا حلب وازدحمت بهم الجوادّ «1» . وكانت الحكومة تبقي منهم الجالية في حلب أياما قليلة وتفرق عليها أقراص الخبز ثم تزجيها إلى جهات حماة أو إلى نواحي الزور والجزيرة، فيموت الكثير منهم في أثناء الطريق جوعا وعطشا وحرا وبردا وغرقا. بلاء حلّ بهم جناه سفهاؤهم على ضعفائهم. وكان عرب البادية يأخذون منهم الأيامى «2» واليتيمات، ويتخذون الفتيات منهن زوجات لهم، والقاصرات خادمات وراعيات لمواشيهم، وكل واحدة منهن تدخل إلى مضاربهم يشمونها «3» بالزّرقة في وجهها ويديها تزيينا لها وتحسينا حسب أذواقهم. وكانت قافلة الجاليات منهم كلما خفّ منها القطين «4» في حلب يأتي بدلها قافلة أخرى حتى ملؤوا الديار وغلت بواسطتهم الأسعار. الجرب وحمّى القملة: وفشا في المدينة والقرى التي مروا منها في ولاية حلب داء الجرب، فأصيب به ألوف من الناس، ومرض آخر سماه الأطباء حمّى القملة أو حمى التجمع وربما سموه حمى التيفويد. وكان المصاب بهذا المرض يعتريه في أوائله شبه صداع وزكام مدة ثلاثة أيام، ثم تشتد به أعراض الحمى يوما أو يومين فيسودّ لسانه وشفتاه ويلعثم في كلامه، ثم يسكت ليلة أو ليلتين ويموت. وكان جهة الصحية تشدد المراقبة على المصاب بهذه العلة الوبيلة، فكانت متى أحست بوجود مريض بهذا الداء تأخذه إلى مستشفاه الخاص به فيبقى فيه إلى أن يصحّ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 450 أو يموت. وقد هلك بهذه الحمى من الحلبيين عدد غير قليل. أما من مات بها من الأرمن فهم كثيرون جدا وقد بلغت الوفيات منهم في اليوم الواحد في أقصى اشتداد هذا المرض زهاء مائة وعشرين نفسا. وما زال هذا المرض يفتك في الأرمن والحلبيين والعساكر العثمانيين وباقي الأغراب في حلب إلى السنة الرابعة من سني هذه الحرب، وحينئذ خفت وطأته فقلّ عدد المصابين به وقلّت وفياتهم، وكان أكثرهم يبرأ منه غير أن آثاره ما زالت باقية في حلب إلى ما بعد انتهاء الحرب. على أن الأرمن بعد أن قل عددهم في حلب مدة سنة- وهي السنة الثالثة من سني الحرب- أعادت الحكومة في السنة الرابعة إلى حلب من كان منهم في جهات حماة والزور، فازدحمت بهم حلب مرة ثانية وقدر عددهم- بعد دخول الدولة العربية إلى حلب- بنحو ستين ألف نسمة. وفي أثناء وجود جالياتهم في حلب كان الحلبيون على اختلاف مللهم يعطفون عليهم ولا يقصّرون بالإحسان إليهم، وقد اتخذ من نسائهم بعض المسلمين زوجات شرعيات، ومنهم من اتخذ منهن خادمات لم يمسّوا شرفهن، بل بعض المسلمين استخدموا صغارهن وعنوا بتربيتهن كما يعتنون بتربية بناتهم. غلاء البضائع الأجنبية: وفي هذه السنة بدأت البضائع الأجنبية ترتفع أسعارها حتى ارتفع سعر البعض منها عشرة أضعاف عما كان عليه قبل هذه الحرب، وذلك كالسكّر والقهوة، وأنواع الحديد والقزدير، وجميع أنواع الأقمشة والغزل، والعقاقير الطبية والبترول والمسكرات. وكان سبب هذا الارتفاع انقطاع ورود هذه المواد من البلاد الأجنبية لوقوف الحركة التجارية في البحار. وقد تنبهت أفكار بعض التجار لهذا الأمر فاحتكروا من هذه البضائع شيئا كثيرا وباعوه أخيرا بثلاثين أو أربعين ضعفا من ثمنه الذي اشتروه به، فكان ذلك سبب اعتنائهم. وكان حظ تجار حلب من هذه الأرباح أوفر جدا من حظوظ تجار باقي البلاد السورية وغيرها. وحكمة ذلك أن حلب كان يوجد فيها من هذه البضائع قبل هذه الحرب مالا يوجد في غيرها، كأنها كانت لهذه البضائع مستودعا تستمد منه سوريا والأناضول. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 451 تصاعد أسعار الحبوب: وفي هذه السنة بدأت أسعار الحبوب تتصاعد في بعض الأقضية الغربية من ولاية حلب كأنطاكية وإسكندرونة وحارم؛ لأن المواسم في تلك الجهات كانت غير جيدة في هذه السنة، وبيع رطل الحنطة في أنطاكية باثني عشر قرشا بدل ثلاثة قروش. حجز الغلّات: وفيها وضعت الجهة العسكرية يدها على الغلّات في خانات حلب ومنعت أصحابها من بيعها، فانقطع وارد الحبوب من القرى وغلت أسعارها وبدأ الفقير يحس بعضّ أنياب الجوع. الجراد النجدي: وفيها وصل إلى حلب بغتة نوع من الجراد لم يكن قبل معروفا في هذه البلاد، وسماه الناس جرادا نجديا. وهو شيء كثير انتشرت جيوشه من أطراف الحجاز إلى أوائل بلاد الأناضول، فعم ضرره بلاد دمشق وفلسطين وحلب وأذنة. وقال بعضهم: إنه وصل إلى أزمير. أتى هذا الجراد على جميع ما في حلب ونواحيها ومفاوزها من الأعناب والتين والزيتون والفواكه والقطن والسمسم والذرة وأنواع اليقطين والبطيخ، وأضرّ الأشجار ضررا عظيما لأنه كان يأكل ورقها ثم يتبعه بأكل لحائها، فكانت الشجرة تسقط ثمرتها ثم تجفّ وتصير حطبا. ومن عجيب أمر هذا الجراد أنه مخالف في نشوئه وغراسه جراد بلادنا. يغرس وينقف مرة في كل شهرين غير متأثر بالشتاء ولا بالصيف، وهو يغرس في الأرض الصلبة والمفلوحة بين الزروع، بخلاف جراد بلادنا فإنه لا يغرس إلا بالأرض الصلبة ولا ينقف في السنة إلا مرة واحدة، يغرس في تموز وينقف في نيسان، ولا يأكل النباتات المرة. والجراد النجدي هذا يأكل كل نبات يمرّ به. وقد عدّت بليته هذه أول ضربة سماوية إذ لا دخل في إيجادها للحرب العامة. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 452 هدم الحكومة المنازل في جادة السّويقة: وفيها هدمت الحكومة الأماكن والمنازل التي على جانبي الجادة الآخذة من حمام الواساني في السويقة إلى منتهاها، تجاه الجادّة الآخذة إلى العقبة. وكان غرض الحكومة من ذلك توسيع هذه الجادة التي كانت ضيقة جدا مع أنها تعتبر من الجادات العمومية. قدوم أنور باشا إلى حلب: وفيها قدم إلى حلب أنور باشا، وجرى استقباله على صفة باهرة، وحضر لاستقباله من دمشق جمال باشا القائد العام، وأدبت لهما بلدية حلب مأدبة فاخرة أعدتها لهما في المكتب السلطاني «1» . وكان مع جمال باشا مفتي جيوشه وخطيبه المصقع الشيخ أسعد شقير، فتليت الخطب وأنشدت القصائد وقدمت البلدية إلى كل من أنور وجمال عباءة حريرة موشاة بالقصب الفضي، يستعمل نوع هذه العباءة نساء أكابر استانبول كالإزار ليلا. وكان تقديمهما عن يدي وقد سرّا منهما. وقدم أنور باشا للبلدية خمسين ذهبا عثمانيا وزعتها البلدية على فقراء حلب. وفود من بلاد العرب إلى استانبول: وفي ذي القعدة من هذه السنة، وهي سنة 1333 أوفدت الحكومة إلى استانبول- من حلب وباقي البلاد الشامية العربية- وفودا ليستطلعوا على حصانة مضايق الدردنيل المأخوذ تحت حصار أساطيل إنكلترا، وليتحققوا ما تجريه الدولة العثمانية في دفع هذا الحصار من الحزم والعزم، وما تعده من المهمات والقوات الحربية، وليظهر عظماء الدولة وكبار موظفيها إكرام أبناء العرب وحسن التفاتهم إليهم، نفيا لما كان شاع بواسطة سوء تدبير جمال باشا وغيره من جهلة الأتراك من أن الأتراك ينظرون إلى أبناء العرب بعين البغض والازدراء، الأمر الذي نفّر عن الدولة قلب كل عربي. وقد دعيت لأن أكون من جملة هذا الوفد فاستقلت خوفا من مشقة الطريق. وكانت النفقة على هذه الوفود من أموال الدولة، وكل واحد من هذه الوفود أعطي خمسين ذهبا عثمانيا. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 453 وكانت الوفود في استانبول محل حفاوة الوزراء وأعيان الدولة وأقيمت لهم المآدب الحافلة، ودعاهم السلطان محمد رشاد إلى مأدبته وأظهر لهم محبة العرب وحسن نيته بهم. ولم يبق محل من الأماكن التي تصنع فيها أدوات الحرب أو تنسج فيها الأقمشة إلا وعرض على أنظار الوفود، وأشخصوا إلى جهة «جناق قلعة» ليطلعوا على حقيقة الحال ويتبينوا قوة الدولة وحصانة المواقع. وقد ألقوا هناك الخطب وشكروا القائد والجنود ووعظوهم وحثوهم على الثبات، ونال بعض أفراد الوفود وساما وساعة ذهبية ثم عادوا إلى أوطانهم وكلهم ألسن تتلو آيات الثناء على الدولة العثمانية وحسن حفاوتها بأبناء العرب وعظيم اهتمامها في مصانع الأسلحة وشدة حزمها في حرب أساطيل الإنكليز. أخذ العسكرية أموال التجّار: وفيها اشتدت حملة الجهة العسكرية على التجار في حلب لأخذ البضائع منهم كالمنسوجات وغيرها، تأخذها باسم التكاليف الحربية، البعض منها مصادرة بلا بدل ولا عوض، والبعض الآخر تأخذه بقيمة تعيّنها جمعية تسمى «لجنة المبايعة» وتعطي به وصلا. هبوط أسعار الورق النقدي: وفي آخر هذه السنة بدأت الأوراق النقدية تهبط عن قيمتها الموضوعة لها. وسبب ذلك أن إدارة الدخان المعروفة بإدارة الريجي أصبحت في يوم من الأيام معلنة باعة الدخان بأنها لا تقبل منهم ثمن الدخان إلا نقودا فضية أو ذهبية. فشاع هذا الخبر بين الناس وحصل منه الارتياب في عاقبة الورق النقدي فهبطت أسعاره عشرين في المائة. ثم لم يزل يهبط مرة ويصعد أخرى حتى هبط في آخر سني الحرب ثمانين في المائة. تكليف موظفي الحكومة التجار تبديل الورق بالنقود: ومما ساعد على هبوطه أيضا أن كثيرين من ولاة الأمور كانوا يكلفون التجار أن يبدلوا لهم الورق النقدي بالنقود الذهبية رأسا برأس، وهم يعتذرون عن عملهم هذا بقولهم نحن مضطرون لذلك لأن العربان الذين نشتري منهم المواشي لا يفقهون حساب الورق ولا يقبلون أثمان مواشيهم إلا نقودا ذهبية. وهو اعتذار غير مقبول؛ من وجهين: الأول: إذا كان قولهم هذا صحيحا فعلى الحكومة أن تدفع للعربان أثمان مواشيهم نقودا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 454 ذهبية من مالها؛ لأنها يوجد عندها مبالغ طائلة من هذه النقود فهي غير مضطرة إلى أن تكلّف التجار تبديل أوراقها بنقودهم الذهبية فيكون تكليفها هذا سببا لخسارتهم وخسارة نفسها؛ لأن فعلها هذا هو الذي جعل سعر الورق في الحضيض الأسفل وخفضه إلى سدس قيمته. الثاني: أن كثيرين من الضباط والمأمورين- الذين لم يوكل إليهم شراء شيء من المواشي المذكورة- هم الذين كانوا يكرهون التجار أيضا على تبديل الورق بالنقد، فهم لا شك لم يفعلوا ذلك إلا لحساب جيوبهم. على أن الإنصاف والعدل يوجبان على الحكومة إذا كانت مضطرة إلى النقود الذهبية أن تبدل الورق على سعره التجاري كما كان يفعل الألمان لا على سعره الأميري المحرر عليه. إحسان الحكومة بالحبوب على خدمة العلم: وفي هذه ال سنة كثر تشكي الناس- الذين من جملتهم خدمة العلوم الدينية- من غلاء أسعار الحبوب، فأصدر جمال باشا أمره بأن يوزع على خدمة العلوم حنطة كما وزع على أمثالهم في دمشق، فوزع على الفقير منهم ثلاثة شنابل مجانا، وعلى غيره مقدار مؤنته، قيمة كل شنبل ورقة ونصف. وكانت قيمة الشنبل في خانات حلب نحو مائتي قرش نقودا ذهبية، والورقة والنصف كانت قيمتها التجارية مائة وعشرين قرشا. فكان هذا الالتفات من جمال باشا معدودا من حسناته. استيلاء جيوش بريطانيا على البصرة: وفي هذه السنة تواردت الأخبار باستيلاء الجيوش البريطانية على مدينة البصرة، وأنهم تقدموا إلى جهة بغداد يطاردون الجيوش التركية بمعاونة عربان تلك البلاد. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 455 سنة 1334 تصاعد أسعار الحبوب: في هذه السنة ازداد تصاعد أسعار الحبوب، وبيع رطل الخبز بثلاثة عشر قرشا معدنية. عقد شركة إسهام لبيع الحبوب: ولما كان السعر آخذا بالصعود يوما فيوما- حتى ربما بلغ حدا يتعذر معه تدارك القوت على الفقير بل على الجهة العسكرية نفسها- رأى القائد العام جمال باشا أن يعمل تدبيرا يأمن بواسطته غائلة فقد القوت بسبب مطامع الزراع والمحتكرين، فدعا إليه- وهو في دمشق- جماعة من الحلبيين تجارا ومزارعين وكلفهم أن يعقدوا فيما بينهم شركة إسهام تقوم بجمع الحبوب وحصرها عندهم وبيعها للأهلين والجيوش عن يدهم. تشتريها هذه الشركة من ذويها بأسعار محدودة من قبل جمال باشا وتدفع ثمنها لهم ورقا نقديا على سعره الأميري، ثم تبيعها بورق نقدي كذلك بربح لا يزيد عن عشرة في المائة، تأخذ الشركة هذا المقدار من الربح لقاء أتعابها ونفقاتها التي تصرفها في سبيل جمع الحبوب ونقلها وإحرازها وغير ذلك من النفقات. فقبل المدعوون من جمال باشا هذا التكليف واشترطوا عليه عدة شروط: منها أن يرخّص لهم بمصادرة الحب الذي يمتنع صاحبه عن تسليمه بالسعر المحدود أو يخفيه عنهم أو يهربه منهم. ومنها أن يمدّهم بالقدر اللازم من العساكر لحفظ مستخدميهم وإرهاب من يمتنع عنهم في تسليم حبوبه. ومنها أن يعطيهم عددا كبيرا من الوثائق التي يستثنى حاملها من الجندية ليعطوا كل واحد من مستخدميهم في هذه القضية وثيقة يخلص بواسطتها من تعرض الموكول إليهم إلقاء القبض على العساكر الفراريين. ومنها أن يصدر أمره إلى جهة العسكرية بألا تتعرض إلى خانات الحبوب أو إلى أحد من المزارعين في القرى والمنازل، بأخذ ما يوجد عندهم من الحبوب، بل للعسكرية أن تطلب الحبوب التي تعوزها من هذه الجزء: 3 ¦ الصفحة: 456 الشركة، وعلى الشركة أن تقدم لها كفايتها مهما أعوزها. ومنها أن يسلف جمال باشا هذه الشركة مقدارا كبيرا من الورق النقدي ليستعينوا به على مهمتهم ريثما ينتظم حال الشركة وتقرر قواعدها فيما بين أعضائها. ومنها أن يكون داخلا في منطقة نفوذ هذه الشركة أربعة أقضية، وهي قضاء جبل سمعان والباب ومنبج وإدلب. إلى غير ذلك من الشروط التي قبل جمال باشا جميعها وتعهد للمدعوّين بإنفاذها. فعادوا المدعوون «1» من دمشق وهم فرحون؛ لأنهم رأوا بمقتضى حسبانهم أنهم يربحون من شركتهم هذه أرباحا طائلة تعد بمئات الألوف من الليرات. ولما وصلوا إلى حلب شرعوا بتعيين المستخدمين وأعدوا مكانا في حلب يجتمعون فيه للمذاكرة في شؤون مهمتهم. فأول خلاف نجم بينهم تنازعهم على الرئاسة، فإن كل واحد منهم يريد أن يكون هو رئيس هذه الشركة. والخلاف الثاني في تقسيم الأسهم: زيد يريد عشرة أسهم، وخالد يريد عشرين، وبكر يريد أربعين. وهكذا قام النزاع بينهم حتى أفضى بين اثنين منهم إلى المشاتمة والمخاصمة، ورفعت قضيتهما إلى المحاكم ثم تداخل بعض عقلاء الشركة فصالحوهما مع بعضهما. وبعد أن مارسوا العمل بهذه الشركة أياما قليلة ونقلوا إلى بعض الخانات مقدارا من الحبوب وتزاحم الناس على شرائها بدأ يظهر لجماعة الشركة من ماجريات الأحوال أنهم عاجزون عن إتمام القيام بتعهدهم، غير قادرين على جمع القدر اللازم من الحبوب: (1) لأن أصحابها في القرى والمزارع قد أخفوا الحبوب عن العيون بأماكن لا يمكن لمستخدمي الشركة أن يهتدوا إليها. (2) لعدم قيام جمال باشا بتعهده الذي هو إمداده إياهم بالعدد اللازم من العساكر لأجل حماية مستخدميهم وتهديد من امتنع عن تسليم حبوبه. (3) لقلة الجمّالين والمكارية وغلاء أجرة النقل. (4) لعدم مساعدة حكومات الأقضية المذكورة مستخدمي الشركة على استحصال الحبوب واستخراجها من عند ذويها. بل بعض قائمي مقام هذه الأقضية كان يعاكس المستخدمين ويعارضهم بتشددهم على الزارعين. (5) لقيام جماعة من الزراع للتشكي على بعض مستخدمي الشركة وتذمرهم من ظلمهم وقلة إنصافهم ومعاملتهم الزراع بالضرب والشتم. (6) لأن الجهة العسكرية كانت تطالب الشركة بالقدر اللازم لها من الحبوب بكل شدة وصرامة، غير مصغية إلى شكواها من صعوبة جمع الحبوب ونقلها. (7) لإعطاء جماعة الشركة الوثائق التي تخلّص الجزء: 3 ¦ الصفحة: 457 من العسكرية بعض أفراد من أقربائهم وأنسبائهم دون أن يباشروا عملا من أعمال الشركة بل لمجرد تملّصهم من العسكرية وقد باعوا منها عددا كبيرا لجماعة من التجار بقيمة وافرة ليتملص آخذها من العسكرية ليس إلّا. والخلاصة أن هذه الشركة لم تلبث غير قليل حتى ظهر للعسكرية والحكومة عجزها عن القيام بما تعهدت به، فأهملتا جانبها وشرعت العسكرية تجمع اللازم لها من الحبوب تارة بواسطة الحكومة وأخرى تباشر جمعها بنفسها. وبسبب ذلك انقطع جلب الحبوب إلى الخانات وتصاعدت أسعارها، لأنه كان متى حضر إلى خان من الخانات حبّ وضعت العسكرية يدها عليه وصادرته أو دفعت قيمته ورقا بالسعر الذي تحدده هي، فلا يبلغ ربع قيمته الحقيقية. وبعد أن مضى على هذا العمل بضعة أشهر اضطر أصحاب خانات الحبوب إلى إغلاقها وقلّت الأقوات وصارت الحبوب تباع بين البيوت أو خارج البلدة سرا بأسعار باهظة يضطر صاحب العيال إلى أن يشتريها بتلك الأسعار إذ لا يوجد من يبيعه مؤنته بأقل منها. فك الحصار عن الدردنيل: وفي خامس يوم من ربيع الأول- من هذه السنة- الموافق عاشر شباط سنة 1915 م أقلعت أساطيل الإنكليز عن حصار الدردنيل، فقامت الأفراح والمسرات في البلاد العثمانية وعدّ الإقلاع عنها فوزا عظيما للعثمانيين. قدوم أنور باشا إلى حلب وتعليق الستار على المرقد الشريف: وفيها حضر إلى حلب أنور باشا من استانبول، وحضر جمال باشا من دمشق لاستقباله، ونزل أنور باشا إلى الجامع الكبير وعلّق بيده على حجرة الضريح ستارا مزركشا نفيسا. توزيع البذر والنقود على الزراع: وفيها وزعت الحكومة على المزارعين حبا للبذر لأن أكثر حبوبهم قد أخذته العسكرية باسم المبايعة، فأصبح الكثيرون منهم لا يوجد عنده شيء من الحب يقتات به فضلا عما الجزء: 3 ¦ الصفحة: 458 يحتاج إليه حقله من البذر، ووزّعت على محاويج الزراع شيئا من النقود ليشتروا به دوابا «1» ، لأن العسكرية أخذت دوابهم باسم المبايعة أيضا، ولم تبق لهم منها غير الضعيف الذي لا يصلح للعمل، على أن ما وزعته «2» عليهم من الحبوب والنقود تستوفيه منهم في الموسم التالي. مكتب المعلمات: وفيها اشترت العسكرية دار البلدية الكائنة في الجميلية، التي كانت معدّة لسكنى الولاة، وجعلتها مكتبا للمعلمات سمته «مكتب سليمان الحلبي» تنويها بذكر هذا الرجل الذي كان خلاص مصر وعودها إلى الدولة العثمانية بواسطته على ما حكيناه في ترجمته. وكان الساعي بإيجاد هذا المكتب جمال باشا، والمساعد له في الحصول عليه والي حلب مصطفى عبد الخالق بك. وقد قال لجمال باشا: إن هذه الدار عظيمة كثيرة الغرف والمقاصير التي تزيد على حاجة الولاة، فيبقي الزائد منها فارغا غير منتفع به، وإن كثيرا من الولاة القليلي الإنصاف يستأجرونها من البلدية بخمس أجرتها بحيث لا يفي ما يدفعونه منها بما تنفقه البلدية على فرشها ومرمتها. وكانت قيمة الدار التي دفعتها الجهة العسكرية للبلدية نحو سبعة آلاف ورقة نقدية عنها نحو 350 ألف قرش؛ القرش جزء من الذهب العثماني المقدر ب 127 جزءا. ولما كانت هذه القيمة دون قيمتها الحقيقية فقد تنازلت الجهة العسكرية للبلدية- علاوة على تلك القيمة- عن عرصة المقبرة الصغيرة الكائنة في جنوبي بستان إبراهيم آغا. وكان جمال باشا أمر بإبطالها ونسف ما فيها من القبور فعادت قاعا صفصفا. تشدد العسكرية بالوثائق: فيها تشددت الجهة العسكرية في قضية الوثائق التي تخلّص حاملها من التجند، فأمرت كل من كان معه وثيقة بأن يصور شخصه صورتين، تلصق إحداهما على الوثيقة التي يحملها وتلصق الأخرى تحت اسمه في سجل الوثائق. وسبب هذا التشدد اطّلاع الجهة العسكرية الجزء: 3 ¦ الصفحة: 459 على عدة وثائق مزورة اخترعها بعض الناس وباعها من المكلفين للجندية للتخلص منها. وقد ظفرت العسكرية ببعض مزوري تلك الوثائق فنكلت به وصادرت ما كان عنده من الأموال وزجته في أعماق السجن. استيلاء الجيوش البريطانية على قود الإمارة: وفيها استولت الجيوش البريطانية على قود الإمارة بين البصرة وبغداد واضطر قائد الجيوش التركية إلى الانتحار بعد أن أصيب بجراحات خطيرة. ثم أمدت الجيوش التركية واستردت البلدة المذكورة وأسرت قائدا كبيرا من قواد الإنكليز يقال له (طاوسند) . ثم دارت الدائرة على الجيوش التركية فكسروا وعادت البلدة إلى استيلاء الجيش البريطاني. إسعاف الفقراء بالحبوب والخبز: وفيها كثرت شكوى الفقراء من قلة الخبز والحب وغلاء أسعارهما. فأصغى والي حلب مصطفى عبد الخالق بك إلى شكواهم واهتم بتخفيف ويلاتهم فاشترى من الجهة العسكرية مقدارا عظيما من الحب ودفع لها ثمنه من أموال صندوق البلدية وسلّم البلدية حوالات بتلك الحبوب على الجهة العسكرية، فاستلمت البلدية الحب شيئا فشيئا وأودعته في أهراء «1» خاصة. ثم أخذت من كل محلة من محلات حلب دفترا حرر فيه أسماء المعوزين منها، كل أسرة على حدتها، وأعطت رئيس الأسرة وثيقة بمقدار محدود من الحب وأخذت منه قيمته ورقا نقديا على معدل السعر المقطوع، وأحالته على أمين الأهراء التي أودع فيها الحب ليأخذ قسطه منه، واستثنت من أهل المحلات من كان عسكريا أو مستخدما فلم تعطهما وثيقة، لأنهما يأخذان ما يلزمهما من الحبوب وغيرها من جهة دائرته الرسمية. وصارت البلدية تأخذ كل يوم مقدارا من هذا الحب وتطحنه وتفرقه على الأفران لتبيعه خبزا لفقراء المحلات الداخلة في منطقتها بالسعر المقطوع، وهو سبعة قروش ورقا نقديا عن كل رطل عنها 4 قروش معدنية تقريبا. استمر هذا العمل مدة خمسة أشهر، ثم نفد الحب الذي ادّخرته البلدية وامتنعت العسكرية عن بيعه لها، فانقطع بيع البلدية الحب والخبز وعاد الحال إلى شدته الأولى وصعد سعر شنبل الحب إلى ثلاثمائة قرش ذهبا. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 460 حوادث الأرمن: حوادث الأرمن- في حلب وأورفة وعينتاب وكلّز وأنطاكية- بدأت في السنة السابقة وانتهت في هذه السنة (1334 هـ) . وهي محررة في كتاب مطبوع باللغة التركية عنوانه (فظائع الأرمن) قد فصلت فيه تلك الحوادث تفصيلا مسهبا، وصورت منها الوقائع المهمة الفظيعة بالفوطغراف. وهو كتاب كبير يستوعب ثلاثمائة صحيفة، نقلنا عنه جميع ما كتبناه في هذا الفصل سوى حوادث الأرمن في أنطاكية فقد أخذناها بالتلقي عن بعض ثقات من أهل تلك البلاد فنقول: مشاغب الأرمن في أورفة: في خلال السنة السابقة شاع في حلب أن جماعة من طائفة الأرمن في مدينة أورفة شقوا عصا الطاعة، وجاهروا بعصيانهم بينما كانت الحكومة آمنة من غائلتهم لما تشاهدهم فيه من الغبطة والرخاء والحرية الشاملة في معايشهم ومعتقداتهم ومكاتبهم ومعابدهم، حتى إنها لثقتها بهم وفرط اطمئنانها منهم قررت أن يكون لواء أورفة محل إقامة من تجليه عن بلاده من الأرمن الذين ارتابت بصداقتهم وخشيت غائلتهم على جيوشها المتصدية لمحاربة الروس. يبلغ عدد طائفة الأرمن في أورفة نحو ثلاث عشرة «1» ألف نسمة. على أن هذه المنطقة الأرمنية لم تلبث بعد إعلان النفير العام سوى قليل من الأيام حتى تظاهرت بالانحراف عما كانت الحكومة تعهدها عليه من الوداعة والسكون، فأشهرت عداءها على الحكومة العثمانية أسوة ببقية إخوانها الأرمن القاطنين في جهات آسيا الصغرى وغيرها من البلاد العثمانية. وسبب ذلك- حسبما ظهر من البحث والتدقيق- إغراء المبشرين الأميركان وغيرهم من مبشري الدول الأجنبية، فإنهم بواسطة مكاتبهم يستخدمون الأمة الأرمنية كآلة صمّاء لبلوغ مآربهم. أضف إلى هذا وسوسة مرخص الأرمن في أورفة، الذي كان منفيا إلى طرابلس الغرب بعد حادثة الزيتون التي سبق ذكرها في حوادث سنة 1313 فإنه بعد أن أطلق سراحه وعاد إلى أورفة عاد إلى ديدنه الأول، فأخذ يلهج بحط مقام الدولة العثمانية الجزء: 3 ¦ الصفحة: 461 والانتقاد على أعمالها والتحرش بباقي رعاياها المخلصين. وكان الأرمن في أورفة يتربصون بإعلان عصيانهم على الدولة قدوم جيوش الروس على جهاتهم، غير أن الحكومة العثمانية لما أمرت بتجنيد مواليد سنة 1310 اتخذ الأرمن هذه القضية ذريعة للتجاهر بالعصيان، فهبوا للتمرد وجمعوا عددا كبيرا من شبانهم في قرية كرموش التي تبعد عن أورفة مسافة ساعة ونصف وهناك أعلنوا العصيان. هذه القرية عظيمة فيها كنيسة كبيرة ومعبد للبروتستان ومغائر متعددة. ولما اتصل خبر تمردهم بالحكومة أنفذت إليه ثلة من الدرك مؤلفة من ثلاثين شخصا، ففاجأها العصاة بإطلاق النار فقتل منها واحد وجرح آخر. ومع ذلك فإن هذه الثلة هجمت عليهم وغنمت مقدارا كبيرا من السلاح والذخائر وقبضت على بعض الفدائيين منهم. وبينما كانت الجنود العثمانية تبحث في نفق للتحري عن السلاح إذ وجدت فيه ثلاثة من غرباء الأرمن قد طالت شعورهم لطول مكثهم في هذا النفق. وفي الحال أطلقوا عياراتهم على الجنود فقتلوا منهم اثنين وجرحوا آخرين. ثم إن شرذمة من الأرمن تعرضت إلى كتيبة من الدرك على طريق «سيوه رك» فلم تفلح. ثم تعرضت إلى عملة يشتغلون في موضع يقال له «اق هيوك» (تل أبيض) فقتلت ضابطا وجرحت أربعة أفراد ومختار قرية. وبعد هذه الواقعة اختفى الأرمن في منازلهم واجتمع منهم شرذمة في دار أولاد الأطراقجي، وأخذت تطلق عياراتها. ثم قام الأرمن كلهم يرمون الرصاص ويهجمون على محلات المسلمين واستولوا منها على بعض دور حصينة وقتلوا عشرة من نساء تلك الدور. وفي ذلك الوقت نقس «1» جرس الكنيسة الكبرى بأن هبوا جميعا لإشهار العصيان، وكان ذلك بتدبير رجل اسمه (صوغومو) قسيس بروتستاني يدير دفة سياستهم، فنفروا للحرب جميعا وقد خيّط على كمّ كل واحد منهم رقعة فيها عنوان وظيفته. فهاجوا وماجوا وقذفوا من أفواه بنادقهم نارا حامية، وكانت القوة العسكرية غير كافية لكبحهم فدام تمردهم كذلك حتى وصلت إلى أورفة قوة عسكرية يقودها وكيل قائد الجيش الرابع، فأرسل إليهم مع طائفة من نسائهم بيانا يقول لهم فيه: من كان منكم مطيعا للحكومة فليخرج من باب «صمصاد» . فلم يصغوا إلى بيانه وثابروا على الامتناع وحينئذ صوّب الجزء: 3 ¦ الصفحة: 462 أفواه المدافع إلى جهة حصونهم فهدمها، واخترق الصف الأول من محلاتهم ثم دعاهم للانقياد والإذعان فلم يجيبوا واستمروا مجاهرين بالعصيان، فأعاد إطلاق المدافع عليهم، فما كان منهم إلا أن رفعوا خرقة بيضاء كتب عليها بقلم عريض كلمات بالتركية معناها: «أوقفوا النار للمخابرة» . فأسكتت المدافع وبعد نصف ساعة سلموا نحو ستمائة من نسائهم وأطفالهم. ثم في اليوم التالي عادوا إلى ما كانوا عليه من التمرد والفساد وهجموا على الجنود فقوبلوا بالمثل وانكسروا شرّ كسرة، واستولت الجنود على الكنيسة ودار الأيتام والأماكن التي اتخذوها حصونا لهم ونكلوا بالعصاة شر تنكيل. وهكذا انتهت هذه الحادثة، وكان عدد من قتل وجرح من مسلمي أورفة 42 شخصا، ومن الدرك ثمانية وجرح أربعة وعشرون، ومن العساكر مائتان، منهم ضابط واحد. حادثة الأرمن في الزيتون: لا ينكر ما لبعض رؤساء الأرمن وما لبعض الحكومات الأجنبية من الأيدي اللاعبة في عقول الأمة الأرمنية تهييجا لعصاباتهم على القيام في وجه تركيا أثناء اشتغالها في الحرب العامة، عرقلة لمساعيها ولاشغالها عن مكافحة الروس: فأول ما ظهر من متمردي الأرمن في الزيتون- بعد إعلان الحرب- أنهم رفضوا أوامر الحكومة وامتنعوا عن التجنيد ودفع الضرائب، وقاموا يتعرضون للسابلة بالقتل والنهب، وتعلّق دعّارهم في الجبال وخرجوا على قافلة تسير على طريق «فرنس» فقتلوا أكثر أهلها ونهبوا أموالهم وقتلوا جماعة من الدرك في بعض القرى. وحينئذ اهتمت الحكومة بشأنهم فألقت القبض على 65 شخصا منهم. وبلغ الحكومة أن بانوس بن جافر- زعيم جمعية «خنجاق» في الزيتون- قد عزم على كبس دار الحكومة وقتل المأمورين وكبس مستودع السلاح ونهب ما فيه وقطع أسلاك البرق. فأخفق سعيه. وكمنت عصابة من شطّار أرمن الزيتون في بعض الجبال المنيعة قصد التعرض إلى مهمات حربية قادمة على الزيتون، فلم تنل هذه العصابة أربها؛ إنما خرجت بغتة على جماعة من الدرك فقتلت منهم ستة وجرحت اثنين، وقطعت السلك البرقي بين الزيتون ومرعش، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 463 وتعرضت إلى عسس «1» مرعش، وقتلت شابا مسلما من قرية بشانلي. وقامت عصابة أخرى تتعرض إلى دار حكومة الزيتون وثكنتها العسكرية فقتلت اثنين من حاميتها وهددت المأمورين. واعتصمت عصابة أخرى في دير التكية- وهو دير حصين- فقصدها سليمان أفندي البيكباشي قائد الدرك بمن معه من الجنود، فقتلته وقتلت معه خمسة وعشرين عسكريا وجرحت أربعة وثلاثين شخصا. وألقي القبض على قسم من هذه العصابة، وقسم منها أضرموا النار في الدير ليلا وهربوا وأخذوا يتعرضون للسابلة ويجرون معها من الفظائع ما تقشعرّ منه النفوس. وألقي القبض على واحد من دعّارهم اسمه «ملقون» فذكر في استنطاقه أن العصابة أعلمته بأن الجنود الإنكليزية قد استولوا على إسكندرونة، وأن الأرمن قد شغبوا هناك وأن الواجب على الأرمن أن يعرقلوا مساعي تركيا ويعضدوا الإنكليز. وقد انضم إلى عصابات أرمن الزيتون جماعة من أرمن جمعية خنجاق وجمعيات البلاد الأرمنية في لواء مرعش غير أن الجنود التركية ما زالت تجد في تتبعهم حتى ظفرت بهم واستولت على الكثير من أسلحتهم التي من جملتها قنابل الديناميت وغيرها. حادثة الأرمن في السويدية: بعد إعلان الحرب العامة بقليل من الأيام، بدأ الأرمن- سكان جبل موسى في جهة السويدية من أعمال أنطاكية- يظهرون العتوّ والتمرد على مأموري الحكومة الذين يحضرون إليهم لتقاضي المرتبات الأميرية منهم، خصوصا أهل قرية كابوسية وقرية خضر بك وقرية حاجي حببلو، وغيرها من القرى الجبلية المنيعة التي يصعب السلوك إليها. وقد شوهد بين أرمن هذه الجهات عدد عظيم من أرمن العصابات الأرمنية المعروفة في جهات مرعش والزيتون. ولما علمت الحكومة ذلك أرادت إجلاءهم تأمينا لغائلتهم في هذا الثغر البحري الذي كانت مدرعات الدول المحاربة لا تنقطع عن التردد إليه. وقد شعر الأرمن بعزم الحكومة على إجلائهم عن ديارهم فقاموا كلهم قومة رجل واحد واعتصموا بشعف «2» تلك الجبال الشامخة التي كانوا ملؤوا مغائرها وكهوفها من الجزء: 3 ¦ الصفحة: 464 الأقوات والمهمات، وصاروا يتعرضون- حينما تسنح لهم الفرص- إلى سكان قرية السويدية والزيتونية والحسنية بالنهب والسلب. وعندها اهتمت الحكومة بشأنهم وأنفذت العساكر لكبحهم فقصدت أماكن اعتصامهم، وبعد أن قاومهم الأرمن مقاومة عنيفة وجرح من الجنود كثيرون تحقق الأرمن أنهم مأخوذون لا محالة، فتركوا معاقلهم وأسرعوا بالهرب ليلا إلى جهة البحر وكأنهم كان لهم- مع المدرعة التي حملتهم- إشارات خصوصية مصطلح «1» عليها فيما بينهم، فلم تشعر العساكر التركية التي تتعقبهم إلا ومدرعة ضخمة قد حضرت إلى ثغر السويدية، وصارت تطلق قنابلها على الجنود الذين اضطروا حينئذ للتغيب والتواري بين غابات السويدية ووراء آكامها. وفي ذلك الأثناء تقدم العصاة إلى جهة البحر تحت حماية قنابل المدرعة، وقد أعدت لهم الزوارق والقوارب فركبوها زمرة بعد زمرة، وكانوا نحو خمسمائة شخص. ثم أقلعت بهم المدرّعة وغابت عن العيون غير أن الجنود التركية- رغما عن هذا كله- ظفروا بعدد عظيم من المتمردين وسلموهم إلى إدارة سوق المهاجرين فأجلتهم إلى الجهات المعينة لهم. أحزاب الأرمن في حلب: قال في الكتاب المذكور: اجتمع في حلب عدد عظيم من جالية أرمن الأناضول وغيره، فرتبوا منهم عصابات وضعوا لها تعاليم، من أحكامها أن تتزيا العصابات بالزي العثماني وتسير إلى جهات موش وبتليس، وتنسف في طريقها أنفاق خط سكة الحديد وتتعرض للقوافل وتغتال بعض كبار الموظفين من ملكيين وعسكريين، وتقتل ما تصادفه في طريقها من العساكر الذين رخص لهم بالذهاب إلى بلادهم لتبديل الهواء، ثم تلتحق تلك العصابات بجيوش الروس، على ألّا تتظاهر بأعمالها إلا بعد خروجها عن حدود حلب؛ كيلا يتضرر الأرمن في حلب. وقد نمي خبر هذه العصابت إلى الحكومة قبل شروعها بأعمالها، فظفرت الحكومة بالجمعية التي ألّفت هذه الأحزاب وألقت القبض على سبعين شخصا كانوا يعاونون الجمعية ويمدّونها بأموالهم وآرائهم، وسلمت الجميع إلى الإدارة العرفية، فظهر من اعترافهم والأوراق التي وجدت عندهم ما كتبناه عنهم في هذا الفصل. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 465 أحوال الأرمن في عينتاب وكلّز: قال في الكتاب المذكور: أحسّت الحكومة في عينتاب وكلّز أن الأرمن متهيئون لإظهار العصيان في أول فرصة تسنح لهم، وأنهم بدءوا يتأهبون لهذا القيام كما كان تأهب إخوانهم في حادثة أذنة قبلهم. وقد حضر إلى قريتي حبار وجنكن في قضاء كلّز نحو ثلاثين أرمنيا مسلحين من أهل الزيتون وجماعة من رؤساء عصابات كرون، ففتكت بهم الجنود التركية وفرّ البعض منهم، وألقت الحكومة القبض على «أغوب قازار» ابن راهب كلّز، وهو رئيس فرع جمعية خنجاق ومرتب حركات العصيان في كلّز، فسلّم إلى الديوان العرفي وتشتت شمل هذه العصابة. الحملة على قناة السويس: في هذه السنة (1334 هـ) ورد الخبر البرقي بأن جمال باشا أمر بتسيير حملة على مصر لتدخل إليها من جهة قناة السويس بعد أن تم مد فرع سكة حديدية من الخط الحجازي إلى بئر السبع. ما هو الغرض المقصود من هذه الحملة؟ في الفصل الخامس من كتاب «مذكرات جمال باشا» كلام مسهب بالإفصاح عن شؤون هذه الحملة وما يتعلق بها من التأهب وإعداد الجنود والمهمات الحربية، وإصلاح طرق المواصلات والتزود من الأقوات والمياه، وكيف كان هجوم الحملة على القناة وأسباب فشلها، وعدد من استشهد منها، مع بيان قوات الإنكليز ومعداتهم، وغير ذلك من الأمور التي تفيد الراغب بالإطلاع على شؤون هذه الحملة فائدة تامة. غير أن هذا الفصل- على ما فيه من الإسهاب والإطالة- لا يحقق أمنية الباحث فيه عن حقيقة الغاية التي ترمي إليها هذه الحملة، لأنه- بينما يفهم مما سطر فيه من عبارات جمال باشا أن الحملة ليست مقصودة لذاتها بل الغاية منها محض مظاهرة يقصد منها الاستطلاع على قوات العدو وإلفات نظر تركيا إلى ما يجب عليها تداركه وإعداده لحملة أخرى- إذ يمر بذلك الباحث من عبارات جمال باشا ما يفهم منه أن الحملة مقصودة لذاتها لأن الغاية منها الفتح والاستيلاء. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 466 فمن عبارات الشق الأول، قول جمال باشا بعد فشل الحملة: «فلو كتب لنا النجاح لهذا المشروع الذي هو محض مظاهرة مصحوبة بقوة عسكرية لاعتبرناه فألا حسنا لتحرير الإسلام وتخليص الإيمبراطورية العثمانية» ، وقوله: «إن المشروع إنما كان محض استطلاع هجومي على القناة لمعرفة الموادّ التي لدى العدو وما نحتاجه نحن أنفسنا من المواد لعبور القناة. وبما أننا أدركنا غايتنا تماما فالأصوب أن ننسحب إلخ» . ومن عبارات الشق الثاني، قول جمال معربا عن هواجس نفسه إبان السّرى «1» في صحراء التيه: «ونحن نواصل السير بالليل على ضوء القمر؛ كان قلبي مفعما بالكآبة الممزوجة بالأمل الكبير في النجاح كلما رددت الموسيقى أنشودة الراية الحمراء تخفق فوق القاهرة، والتي على وقعها شقّت الصفوف الزاحفة طريقها في ذلك القفر الذي لا نهاية له» . أقول: الذي يتبادر للذهن أن الغاية كانت من هذه الحملة هو الفتح والاستيلاء لا التمهيد لحملة أخرى، وذلك أن التأهب لها كان عظيما لا تحتاجه فيما لو كان الغرض منها محض استطلاع واستكشاف. غير أن هذا التأهب وإن كان عظيما فهو بلا ريب دون ما تحتاجه حملة يقصد منها الهجوم على قناة السويس لأجل الاستيلاء على مصر وسلبها من يد أعظم دولة في العالم، بل كان من أقلّ ما يلزم لهذه الحملة في اجتيازها إلى برّ مصر أن تردم الترعة ويدخل منها جيش لجب «2» إلى برّ مصر ويبقى نظيره في برية الشام لعرقلة سير المدرّعات الإنكليزية الضخمة، ورميها بقنابل المدافع التي هي من عيارات واسعة، كما أشار إليه نفس جمال باشا بعد فشل حملته ومحاولة القائد الألماني إعادة هجوم الحملة مرة ثانية. ومما يدل على أن الحملة كان المقصود منها الفتح والاستيلاء: تيقن جمال بنجاحها وأنه لا بد وأن يدخل إلى مصر ظافرا منصورا، بدليل إعداده جماعة تناط بهم خدمة الدرك في مصر واستحضاره- وهو في حلب- ملابس لهم، الأمر الدالّ على أنه كان غير شاكّ ولا مرتاب مطلقا في فوز حملته وتكليل مساعيه بالفلاح والنجاح. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 467 أما عباراته التي مفهومها بأن الحملة كانت الغاية منها تمهيدا لحملة أخرى، فإنما فاه بها بعد فشلها تخلصا من رميه بسهام الملام على تقصيره في إعداد ما يلزم لهذه الحملة من الجيوش الضخمة والمهمات الوافرة والتدابير الصائبة التي بدونها لا تجوز المغامرة في تيار هذا الخطر العظيم. ورود نبأ برقي بنجاح الحملة: وفي هذه السنة (1334) ورد علينا من جهة بئر السبع نبأ برقي بأن هذه الحملة قد نجحت بهجومها على القناة ومشت إلى جهة مصر، فكان الناس لهذا الخبر بين مصدّق ومكذب، وهمّ حزب الاتحاد بترتيب مظاهرة فرح وسرور بهذا الظفر، وبينما هم يتذاكرون في شؤون هذه المظاهرة إذ ورد بالبرق تكذيب الخبر الأول. أقول: إن جمال باشا أوضح في مذكراته سبب النبأ البرقي المعلن نجاح الحملة بما خلاصته أن مدير تلغرافات الجيش (الذي كان مشتغلا بمد الخطوط في الصحراء) أبلغه أحد المعتوهين كذبا نبأ سقوط الإسماعيلية، فعجل بإبراقه إلى الآستانة، فلما ظهرت الحقيقة انعكست الآية وكان لها أسوأ تأثير. عدد الأيام التي أمضتها جيوش الحملة في قطع الصحراء بين بئر السبع والقناة: قال جمال باشا في مذكراته ما خلاصته: إنه ما كاد يمر عشرون يوما على بدء الزحف من بئر السبع حتى وصل القسم الأول من الحملة بقوة كبيرة إلى نقطة تبعد نحو 11 كيلومترا من القناة. ووصل الجناح الأيمن الذي زحف من العريش في جهة «قاطية» تجاه القنطرة، بينما الجناح الأيسر الذي زحف من العقبة- عن طريق قلعة النخل- وقف في مقابلة السويس. ما لاقاه الجيش من التعب والضنك: قال جمال باشا في مذكراته: ويقصر اللسان عن أن يوفي القوات العثمانية- لا فرق بين ضباطها وجنودها- اللائي اشتركن في حملة القناة الأولى، حقّهن من الثناء، على ما بذلنه من الجهود وأظهرنه من ضروب الوطنية العالية. وأرى من واجبي تقديم إعجابي الجزء: 3 ¦ الصفحة: 468 لأولئك الجنود البواسل الذين قاموا بذلك الزحف، غبر مبالين بما لاقوه من ضروب الضنك وتحملوه من المشاقّ في سحب المدافع، فضلا عن الجسور المتحركة (وهي ما كان لدينا من المعدّات لعبور القناة) وسط بحر من الرمال. هذا وقد ساد بين رجال الحملة- لا فرق بين الأتراك والعرب- شعور العطف الأخوي. ولم يكن بينهم من يضن بحياته دفاعا عن إخوانه. والواقع أن الحملة الأولى كانت برهانا ساطعا على أن غالبية العرب الساحقة انضموا إلى الخلافة بقلوبهم وجوارحهم. عدد عساكر الحملة وعدد عساكر الإنكليز: والمفهوم من مذكرات جمال باشا أن عدد جنود الحملة كان واحدا وعشرين ألفا، وأن جمال باشا قد علّق أكبر آماله وقتئذ على مساعدة الوطنيين المصريين الذين رجا أن يثوروا كلهم بعد أن يشجعهم سقوط الإسماعيلية في يد الجيش التركي. أما عدد جيوش العدو- حسب المعلومات التي وصلت إلى مركز قيادة الجيش التركي- فهي 35 ألفا على طول خط القناة، عدا مئة وخمسين ألفا- ويزيدون- موزعين في طول مصر وعرضها. مساعدة ابن السعود وابن الرشيد وعدد الجمال التي كانت في جيش الحملة: قال جمال باشا في مذكراته: ولم يكن في استطاعة الأمير ابن السعود أن يمد لنا يد المساعدة المباشرة لقربه من الإنكليز الذين كان في استطاعتهم إيصال الأذى إليه، إلا أنه كان شخصيا نافعا لنا جدا إذ أرسل الجمال للجيش وسمح بتصدير التجارة من بلاده إلى سورية. ولقد أقام الأمير ابن الرشيد البرهان الصادق على أنه مسلم صميم وشديد الإخلاص للخلافة. قال: وكان عدد الجمال التي سخرت لحمل أثقال الحملة وحمل الماء اثني عشر ألف جمل، بعضها من سورية والقسم الكبير منها من بلاد الأمير ابن السعود. ثقة جمال باشا بإخلاص العرب: قال جمال باشا ما خلاصته: وكانت كتائب الحملة مكونة من عرب الشام وفلسطين، ولم توجد مقاتلة أتراك سوى كتائب متطوعي الدراويش، وفصيلة مشاة من متطوعي «دوبريجه» التي أنشأها جمال باشا لخدمة القيادة. قال: أفلا يدل كل ذلك على ثقتي الجزء: 3 ¦ الصفحة: 469 بالعرب واعتقادي أنهم لن يثوروا ضدنا أو يطعنونا من الخلف؟ هجوم الحملة على القناة وفشلها وعدد من قتل وأسر وجرح فيها: المفهوم من كلام جمال باشا في مذكراته أن الوقت الذي كان معينا لعبور القناة هو الليل، غير أن الجيش المعدّ للعبور تأخر وصوله، وحينما بدأ بمد الجسور المتحركة وشرع بالعبور كانت الشمس في الأفق، فصارت أعمال الجيش ظاهرة للإنكليز فهبوا للدفاع عن نقطة العبور مباشرة بما كانت نتيجته تحطيم الجسور عدا ثلاثة منها. وكان قد تمكن من العبور 600 مجاهد فأسرهم الإنكليز. وهاك بيان خسائر هذه الحملة: ضابط/ 14/15/-/ 15 جندي/ 178/366/600/712 ولكن الإنكليز قدروا خسائر الأتراك في هذه الحملة بألف قتيل وألفي جريح وستمائة وخمسين أسيرا. مقتل زعماء الجمعية اللامركزية: في رجب هذه السنة (1334) الموافق مايس سنة 1916 م ورد الخبر من دمشق وبيروت بتعليق واحد وعشرين شخصا من أفراد الجمعية التي كانت- قبل أربع سنوات- عقدت في مدينة باريس مؤتمرا عربيا للمفاوضة في طلب الحاكمية اللامركزية للبلاد السورية تحت سيادة الدولة العثمانية. وقد علّق منهم في بيروت أربعة عشر شخصا وفي دمشق سبعة أشخاص، علّقوا كلهم في ليلة واحدة، فارتاع الناس من هذا الخبر وداخلهم من القلق والوحشة ما لا مزيد عليه. وقد بسط جمال باشا في مذكراته الكلام على أعذاره في تعليقهم. وسنتكلم على ذلك في الآتي. قيام حضرة الشريف حسين على تركيا: في شعبان هذه السنة (1334) تواردت الأخبار بأن حضرة الشريف حسين بن الشريف علي- أمير مكة المكرمة- قد تظاهر بالعداء حيال الدولة العثمانية. ثم تواردت الجزء: 3 ¦ الصفحة: 470 الأخبار في رمضان بأنه استولى على مكة المكرّمة وجدّة والطائف وينبع، وطرد العساكر التركية وأسر بعضها، وعقد مع دولتي إنكلترا وفرنسة معاهدة على أن يستولي على البلاد العربية العثمانية بمعاونتهما فيستقل فيها العنصر العربي ويكون هو الملك عليها إلخ. حركة حضرة الشريف هذه قد أثبت فيها جمال باشا- في مذكراته- كلاما مسهبا ليس من غرضنا التعرض إلى تفنيده أو إلى تصويبه، بل نكل ذلك إلى من يرون أنفسهم مضطرة إلى كشف الحقيقة وتمحيضها في هذه المسألة الخطيرة. على أنني لا أنكر أن هذا القيام لم يخل من فائدة لسوريا فإنه قد وقف تيار الفتك الذي كان يخوض في بحره جمال باشا دون رادع ولا مسيطر. إجلاء أسر من دمشق وحلب: فيها أجلى جمال باشا بعض أسر كريمة عن دمشق لقرابة بينهم وبين بعض المقتولين الذين تقدم ذكرهم، أجلاها إلى جهات الأناضول، وأجلى من حلب أسرة محترمة لأن جنديا من ذوي قرابتها التحق بجيوش حضرة الشريف، أجلاها إلى مدينة قرق كليسا في ولاية أدرنة. إحداث جريدة في المدينة: وفيها صارت الأخبار ترد من الحجاز تارة بانتصار الجيوش التركية على الجيوش العربية، وتارة بالعكس، وأن المدينة المنورة دخلت في حوزة العرب وأنهم نسفوا سكة الحديد في جهات الكرك ومعان وغيرهما. ولما كانت هذه الأخبار تضعف معنويات الجنود التركية وتزيد في قوة معنويات العرب، رأى جمال باشا أن يصدر في المدينة المنورة صحيفة إخبارية تحرر ما يجري في الحجاز بين الجنود التركية والعربية على الصفة التي تخدم إرادته وتروّج أفكاره، وأن تنشىء مقالات تبرهن على حسن سلوك جمال باشا وسوء سلوك حضرة الشريف في هذه المسألة. فجهز للمدينة المنورة مطبعة بأدواتها ولوازمها واختار محررا لها وطنينا البارع الأديب الشيخ بدر الدين النعساني، فسافر إلى المدينة المنورة وأصدر هناك صحيفة سماها «الحجاز» واستمرت تصدر مدة سنة أو أقل منها، ثم بطلت وعاد محررها إلى أوطانه. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 471 وفود إلى المدينة: وفيها- في رمضانها- أوفد جمال باشا إلى المدينة المنورة وفودا من حلب ودمشق وغيرهما ليطلعوا على حقائق الأحوال ويعودوا إلى أوطانهم فيخبروا أهلها بأن المدينة المنورة لم تزل باقية في يد العثمانيين، وأن سكة الحديد بين دمشق والمدينة لا يوجد فيها شيء مختلّ. وقد دعيت لأن أكون من وفد حلب فاستقلت خوفا من مشقة الطريق وشدة الحر. وكانت نفقة هذه الوفود من جهة العسكرية، وقد أعطي كل واحد منهم خمسين ليرا عثمانيا ورقا نقديا. ولما عادت هذه الوفود إلى أوطانهم أخبر كل واحد منهم أهل وطنه بأن المدينة المنورة لم تزل باقية بيد العثمانيين وأن لا سبيل إلى الاستيلاء عليها، وأن سكة حديد الحجاز سليمة لا خلل فيها. فتوى في وجوب قتال من خرج على الخليفة: وفيها ورد من دمشق الشام طائفة من علمائها، ومعهم صورة فتوى شرعية توجب قتال من خرج على الخليفة وشقّ عصا الطاعة وفرّق كلمة الجماعة. فدعا الوالي عبد الخالق بك نفرا من علماء حلب وكلفهم ختم هذه الفتوى أسوة بعلماء دمشق فختموها. قدوم الشريف علي حيدر باشا على حلب: وفيها قدم على حلب حضرة الشريف علي حيدر باشا، وقد تعين لإمارة مكة المكرمة بدل حضرة الشريف حسين، المتظاهر بعداء الدولة. فأقام حيدر باشا بحلب قليلا ثم سافر منها إلى دمشق فبقي بها مدة ثم سافر منها إلى جهة لبنان لينتظر نتيجة الحرب الحجازية، فلم تسنح له الفرصة بالتوجه إلى الحجاز وعاد إلى استانبول في أواخر سنة 1336. جودة الموسم ورخص الأسعار: وفيها كانت المواسم جيدة والرخاء شاملا. وشاع بين الناس أن جهة العسكرية عازمة على مصادرة السمن والحبوب والصوف وغيرها. فخاف المحتكرون ولم يجسر أحد منهم على احتكار شيء من هذه البضائع. فازداد رخص السمن وبيع رطله بخمسة وعشرين قرشا، وبيع كل مائة بيضة بسبعة قروش، مما لم يعهد له نظير منذ عشرين سنة، وبيع رطل اللحم الخالص بخمسة عشر قرشا ورطل الصوف بأحد عشر قرشا. وكانت جميع الجزء: 3 ¦ الصفحة: 472 أسعار الأقوات الوطنية رخيصة سوى الحبوب وزيت الزيتون والزبيب والتين والجوز وباقي الفواكه التي أتى الجراد النجدي على شجرها، كما أسلفنا ذكره في السنة 1333. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 473 سنة 1335 هـ ملكية حضرة الشريف حسين على البلاد العربية: في اليوم السادس من محرّم هذه السنة نودي في البلاد الحجازية باسم حضرة الشريف حسين أمير مكة المكرمة ملكا على البلاد العربية العثمانية. وقد تقدم الكلام على مبدأ قيامه على تركيا واستيلائه على معظم الحجاز في أخبار السنة الماضية. وفد من استانبول إلى البلاد الشامية: فيها قدم من استانبول إلى حلب وفد مؤلف من رجال الدولة العثمانية وأعيانها لردّ زيارة الوفد العربي الذي كان في العام الماضي زار استانبول. وقد استقبل الوفد التركي حينما دخل إلى محطة بغداد استقبالا حافلا، وأدبت له البلدية في فندق البارون مأدبة فاخرة، وقدّمت لكل واحد منه عباءة حريرية جميلة من صنع حلب. ثم بعد ثلاثة أيام سافر الوفد إلى دمشق ومنها إلى بيروت، ولقي فيهما من الحفاوة والإكرام ما لقي في حلب وزيادة. وكان الغرض الحقيقي من زيارته هذه البلاد تطييب قلوب أهلها العرب وإظهار محبة الأتراك إياهم، ونزع ما غرسه بعض الاتحاديين في قلوبهم من النفرة والبغضاء بسبب سوء تدبيرهم. سباق الخيل: وفيها جرى في أرض الحلبة من ظواهر حلب سباق خيل على أبهج طرز. دار للمعلمين ودار للحكومة: وفيها بوشر في أرض الميدان الأخضر الشهير في شمالي مدينة حلب [ببناء] «1» مكتب الجزء: 3 ¦ الصفحة: 474 سمّي دار المعلمين، وبوشر أيضا بتأسيس دار للحكومة جديدة تجاه باب القلعة، باتصال المدرسة السلطانية من شرقيها. وقد وضع لها مهندس الولاية مصورا دخلت فيه «الغوثية» فهدمت عن آخرها ولم يبق لها أثر. ثم شقّت الأسس وبوشر ببنائها على صفة متقنة. وقبل انتهاء بناء الأسس وقع الاستيلاء على حلب فبطل العمل بعد أن صرف عليه مبلغ طائل. أخبار غزة: فيها تواردت الأخبار بأن «غزّة هاشم» دخلها الجيش العربي الإنكليزي، وكانت الجنود التركية كامنة فيها فخرجوا من مكامنهم وهجموا على الجنود الإنكليزية فقتلوا منهم في البلدة عددا كبيرا وأخرجوا الباقين منهم قسرا، وأن البلدة قد خربت ولم يبق من أبنيتها سوى القليل. وقد نزح عنها أهلها وتشتتوا في البلاد، منهم من سار إلى عربان البادية وأقام عندهم، ومنهم من سار إلى جهات طبرية والخليل والقدس ودمشق وحمص وحماة وغيرها، وجرى عليهم من البلاء ما لم يجر على غيرهم. ثم في أواخر هذه السنة أعادت الجيوش الإنكليزية العربية الكرّة على غزة فاستولت عليها وعاد إليها من أهلها من كان مهاجره قريبا منها. ومن ذلك الوقت بدأ العمار يعود إليها شيئا فشيئا. انفكاك مصطفى عبد الخالق عن ولاية حلب: وفي هذه السنة انفك الوالي عبد الخالق بك عن ولاية حلب وعيّن مستشارا في نظارة الداخلية. وهو من أنزه ولاة تركيا وأحرصهم على رعاياها المخلصين وقد تعيّن بدله لولاية حلب توفيق بك. نفي بعض المتلاعبين بالورق النقدي: وفي هذه السنة شدد جمال باشا العقوبة على المتلاعبين بالورق النقدي، ونفى بعض التجار إلى جهة أذنة لتلاعبهم بهذا الورق فلم يحصل من نفيهم نتيجة واستمر سعر الورق على هبوطه. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 475 قلة الماء في حلب وجرّ ماء عين التل إليها: وفي هذه السنة بدأت الآبار والينابيع تنضب مياهها وقل ماء قناة حلب ونهرها. وكثرت شكوى الناس من هذه البلية التي لا دخل للحرب في وجودها بل هي بمحض إرادة ربانية قضت بأن لا يقع في موسم الشتاء ثلج على جبال عينتاب وغيرها من الجبال التي ينصب ماء عيونها إلى مجرى نهر حلب. وكان جمال باشا مطلعا من قبل على قلة ماء حلب، وقد أعلمه الأطباء بأن ماء القناة والنهر- مع قلته- يحمل أنواعا من جراثيم الأمراض القتالة التي يخشى على العساكر من فتكها. فاهتم جمال باشا بجر ماء عين التل إلى حلب وأحضر لذلك قساطل الحديد من جهة يافا وغيرها. وفي مدة وجيزة مدّها من العين إلى رأس محلة التلل، وهناك عمل لها خزان عظيم يصب فيه الماء ومنه يتوزع إلى جهة حلب. وعمر في رحبة باب الفرج حوض جميل بديع الصنعة- لو تمّ عمله- يصب فيه الماء فينفر إلى العلاء قدر رمح، ثم يصب في حويض مستور، له مباذل «1» مغروسة بدائره. وعمل لأخذ الماء عدة مراكز أقصاها عند خان الكمرك- في سوق السقطية- وفي متوسط خندق العطوي الآخذ إلى باب النصر. فلم يستفد من هذا الماء سوى المحلات القريبة من باب الفرج بسبب قلته وعدم ارتفاع خزّانه. وعلى كل حال فإن سكان هذه المحلات وما قاربها قد ارتاحوا قليلا من جهة ماء الشرب، وعدّ عمل جمال باشا هذا من أكبر الحسنات التي تكفّر بعض سيئاته وتخلد ذكره في التاريخ. ولما انتهى هذا المشروع الحسن عمل له في شعبان هذه السنة- ومايس سنة 1333 رومية- حفلة افتتاح عند حوض باب الفرج المذكور، حضر فيها الجمّ الغفير من الأعيان والأمراء والأهلين، وأنشدته قصيدة من نظمي اقترحها عليّ والي حلب توفيق بك، وهي قصيدة طويلة منها قولي: إن ماء أجراه عذبا فراتا ... فيه إرواء غلّة الورّاد الجزء: 3 ¦ الصفحة: 476 قد سقانا الشراب منه طهورا ... فروى من نميره كلّ صاد «1» وبه ساغت المشارب في الشّه ... با وكانت عسيرة الازدراد وبه أثلج الصدور كما قد ... أضرم النار في قلوب الأعادي جاريا في ربوعنا بابتذال ... كنجيع الأعداء في كلّ واد «2» منّة طالما النفوس تمنّتها ... م إلى أن أتت بلا ميعاد منّة أحيت النفوس وأحيت ... ذكره بالجميل حتى المعاد «3» ذخرتها له الليالي «4» حتى ... يجتنى حمدها إلى الآباد قرن الله سعده بنجاح ... وفلاح ورأيه بالسّداد وأرّخها الأديب الفاضل الشاعر الشيخ إبراهيم أفندي الكيالي بقوله: أحمد الفعل «5» جمال في الورى، ... ماء عين التلّ للشهبا جلب إنّ هذا الخير، أرّخ: زانه ... حسن ذكر لجمال في حلب 1335 وبقوله: أحمد الفعل جمال في الورى، ... أنعش الشهباء بالماء الزّلال صاح، إن رام الورى تاريخه: ... ناد عين التلّ تجري بجمال «6» 1335 وبعد فراغي من إنشاد القصيدة افتتح جمال باشا بخطبة قال فيها: إن أحب شيء إليه هو إبقاء الآثار الخيرية التي تخلّد له الذكر الجميل، وإن جرّه ماء عين التل هو ثاني ماء جرّه من محل بعيد إلى بلدة، وذلك أنه كان جرّ ماء عين في جهات الروملّلي إلى مدينة «قرق كليسا» . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 477 أقول: والحق يقال إن جرّ عين ماء التل إلى حلب حقيق أن يعدّ لأحمد جمال باشا أثرا عظيما ويدا بيضاء ومنّة كبرى على سكان الشهباء، فقد حقق بها أمانيهم بهذا الماء الذي طالما تمنّوا إسالته إلى حلب فلم يتح لهم القدر ما تمنّوه. الغلاء وضحايا الجوع: في هذه السنة أخذت أسعار الحبوب تتصاعد بسبب رداءة الموسم وإقبال الألمان على الاحتكار. وقد شددت الحكومة- بأمر العسكرية- المراقبة على محتكري الحبوب من الأهلين وأعلنت أنها ستكبس البيوت والمستودعات، فمن وجدت عنده من الحبوب أزيد من مؤنة سنة فإنها تصادر الزائد وتحاكم صاحبه في الديوان العرفي وتعاقبه بما تقضي عليه أحكامه. وقد نتج من هذا الإعلان انقطاع ورود الحب من القرى، وارتفع سعر الشنبل من الحنطة إلى ألفي قرش، ومن الشعير إلى ألف وأربعمائة. واشتد الخطب على الفقراء في شتاء هذه السنة وهلك بالجوع كثيرون ولا راحم لهم ولا مغيث، وكل واحد من الناس يقول: نفسي نفسي؛ لأن الجميع كانوا يرون أن هذه الحرب سيطول أمدها وتكون سببا لإبادة العالم. خسوف القمر: وفي رمضان هذه السنة- في ليلة النصف منه- خسف القمر خسوفا تاما بحيث غاب جميعه ثم عاد للانجلاء كما كان. وفي أثناء خسوفه قامت ضجة عظيمة من أصوات العيارات النارية والضرب على النحاس والدق في الهاوانات «1» جريا على العادة القديمة. مقتول بالتعليق: وفي هذا الشهر علّق عند برج الساعة- في رحبة باب الفرج- شخص من العساكر الفرارية «2» . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 478 طوابع على الثقاب ودفاتر اللفائف: وفيه أيضا ورد في صحف الآستانة قانون يقضي بلصق طوابع على علب الكبريت ودفاتر ورق سكاير التبغ، فهبطت أسعار هذين النوعين أولا ثم تصاعدت جدا. تعليق شخصين: وفي شوال هذه السنة علّق عند برج الساعة شخصان. قدوم إبراهيم بك على حلب: وفيها قدم على حلب إبراهيم بك أحد كبار موظفي نظارة الأوقاف في الآستانة- وهو ابن صاحب بك- متوجها إلى المدينة المنورة فنزل إلى الجامع الكبير الأموي في حلب وأمر برفع الطرابزون الذي يجعل قبلية الحنفية شطرين، ورفع الطرابزونين اللذين يفصلان قبلية الحنفية عن القبلية الشافعية، ويكون بينهما الدهليز الذي يستطرق منه إلى باب القوافين. فرفع الطرابزونان وصارت القبليتان واحدة، وصار الداخل من باب القوافين يدخل إلى القبليّة مباشرة دون دهليز. وأمر أيضا بنزع الرفرف المرفوع فوق باب الحجازية وقاية لنزول المطر- فوق المجتازين من باب الطيبة إلى الرّواق الموجه إلى القبلة- فنزع، وكان جدّد منذ قريب وصرف عليه مبلغ كبير وكان نزعه خطأ. ثم إن إبراهيم بك سافر إلى دمشق الشام ومنها إلى المدينة المنورة وأمر هناك بتخريب بعض البيوت العامرة المتصلة بالحرم النبوي، وأخذ جميع ما في قبة الضريح النبوي من الذخائر النفيسة الفضية والذهبية والأحجار الكريمة، وما في كتبيّة «1» الحرم من المصاحف الشريفة والكتب النادرة، مما تقدّر قيمته بمئات ألوف من الليرات. وضع جميع هذه الأشياء في صناديق محكمة وعاد بها إلى استانبول. عزل توفيق بك والي حلب، وتعيين بدري بك، وأكياس الرمل: فيها عزل توفيق بك والي حلب وتعيّن بدله بدري بك. وفيها بدأت الجنود البريطانية الجزء: 3 ¦ الصفحة: 479 بحصار قلاع القدس الشريف، وصدر أمر جمال باشا بأن يعمل أكياس من الخام لأجل إملائها رملا وجعلها متاريس في قلاع القدس لتردّ عنها كرات المدافع. ففرض على أهل حلب فقط ستون ألف كيس جمعت من التجار باسم الإعانة، وجمع أضعاف هذا المبلغ من بقية البلاد وملئت رملا وجعلت متاريس في القلاع المذكورة، فلم تغن شيئا. قدوم أحد أفراد الأسرة العثمانية على حلب: وفيها قدم على حلب البرنس عبد الحليم أفندي- أحد أفراد الأسرة السلطانية العثمانية- متوجها إلى جبهة الحرب في فلسطين لمشارفة الحرب، فاستقبل بكل تجلّة واحترام. ثم توجه إلى جهة مقصده. توحيد أوائل الأشهر: وفيها ورد في البرق العثماني أن مجلس النواب العثماني قرر توحيد أوائل الأشهر الشمسية الشرقية والغربية، فاعتبر رأس السنة الشمسية الشرقية أول شهر كانون الثاني- كما يعتبره الغربيون- إلا أن تاريخ السنة بقي شرقيا عثمانيا، كما سلف الكلام عليه في مقدمة هذا التاريخ، فأسقط من شهر كانون الأول ثلاثة عشر يوما التي هي الفرق بين الغربي والشرقي واعتبر أول سنة 1333 الشرقية ابتداء كانون الثاني. ثم بعد دخول الدولة العربية إلى هذه البلاد جرت حكوماتها في تاريخ السنة أيضا على التاريخ الغربي الميلادي، فاتحد التاريخان الشمسيان شهرا وسنة وصارا تاريخا واحدا. الأوراق النقدية المعروفة باسم بنكينوط: أسلفنا الكلام في حوادث سنة 1333 على حدوث الورق النقدي وتداوله وهبوط أسعاره. وهنا نقول: إن هذا الورق ما زالت أسعاره في حلب تهبط، إلى أن كانت هذه السنة فازداد فيه تلاعب التجار والصيارفة حتى هبطت أسعاره هبوطا زائدا، وكان يهبط ويصعد في اليوم الواحد عدة مرات دون سبب معقول، حتى إننا كنا نقول: إن لتبديل أسعار هذا الورق سرا طبيعيا لا يمكن للعقول إدراكه كبقية الأسرار الطبيعية، وكثيرا ما كان يهبط ويصعد تبعا لما هو عليه في استانبول أو دمشق أو بيروت أو غير هذه البلاد حسبما تفيده أخبار البرق والبريد، وقد يهبط ويصعد وليس هناك خبر برقي ولا بريدي يشعر بهبوطه الجزء: 3 ¦ الصفحة: 480 أو صعوده. كما أنه كثيرا ما كان يهبط إذا توالت الأخبار بانكسار جيوش تركيا وقد تنعكس الحالة فيصعد مع توالي تلك الأخبار ولا يهبط. وقد صار كصنف كبير من الأصناف التي يشتغل بها التجار، ولهذا كنت ترى جماهير الصيارفة والتجار واقفين في باب خان الكمرك يتعاطون بيع هذا الورق وشراءه من بعضهم، وكل اثنين أو ثلاثة منهم متكاتفون يتكلمون مع بعضهم همسا وفي أيديهم ألوف من هذا الورق يشتري زيد من عمرو ألف ورقة مائة قرش، سعر كل واحدة منها ثلاثون قرشا وربع القرش مثلا، ويدفع له الثمن نقدا في الحال نقودا ذهبيّة أو فضية، وبعد ساعة يصعد سعر الورقة إلى ثلاثين قرشا ونصف القرش فيبيع زيد ألف الورقة- التي اشتراها قبل ساعة- إلى خالد على السعر الأخير فيربح منها مائتين وخمسين قرشا. ثم لا تمضي ساعة حتى يهبط السعر أو يعلو فيبيع خالد ألف الورقة التي اشتراها قبل ساعة، فيربح أو يخسر على حسب السعر الموجود. فمن الناس من ربح من هذا الورق أرباحا طائلة ومنهم من خسر فيه جميع ثروته كأنه كان يلعب بالميسر. من الأسباب الظاهرة التي حملت الناس على الخوف من عاقبة هذا الورق- فازداد سعره هبوطا حتى نزل إلى خمس قيمته المحررة فيه- خطبة ألقاها طلعت باشا ناظر مالية تركيا في مجلس النواب، تكلم فيها على حالة هذا الورق وتلاعب التجار في أسعاره وأورد من جملتها عبارات يفهم منها بأن هذا الورق لم يكن مكفولا من قبل ألمانيا ولا من غيرها- كما كان يعتقده الناس الذين لا ثقة لهم بمالية الدولة- وإنما كانوا مقبلين على تداوله اعتمادا على ثروة كافلته دولة ألمانيا، فلما سمعوا تلك العبارات من خطبة طلعت باشا أحجموا عن قبوله خوفا من سوء عاقبته، فهبط سعره إلى خمس قيمته كما قلنا. مع هذا كان كثير من الناس يعتقد أن هذا الورق مكفول من دولة ألمانيا رغما عما قاله طلعت في خطبته وأن ما قاله في هذه الخطبة لم يقصد منه إلا تنزيل أسعار هذا الورق إلى الدرجة الغائيّة لتشتريه الحكومة من الرعية بالثمن البخس بواسطة سماسرة خفيين وتعدمه، فتكون بعملها هذا قد وفت سلفا قسما كبيرا من الديون عن دولة تركيا من هذا الورق بقسم منه، والله أعلم بحقيقة الحال. إن كثيرين من التجار كانوا يشترون الورق من البلاد التي يهبط فيها سعره ويصرفونه في البلاد التي يعلو فيها فيبدلونه بالذهب الذي يهرّبونه إلى بلادهم بإرشاء المراقبين في محطات الجزء: 3 ¦ الصفحة: 481 سكك الحديد أو بغير طريقة. وربما اشتروا بالورق أموالا من استانبول أو مملكة النمسا أو بلغاريا وأحضروه إلى بلادهم كذلك. وقد يشترون بالورق من بلدة أجنبية أموالا تجارية لا يمكن إحضارها في إبان الحرب فيبقونها في تلك البلاد إلى أن تنتهي الحرب فيحضرونها. وقد يشترون بالورق العثماني المذكور أوراقا مالية أجنبية ويبقونها في أيديهم إلى ما بعد الحرب فيربحون منها مبالغ طائلة. مثلا: يشترون بثلاثة «1» ورقات عثمانية من أوراق المائة قيمتها التجارية الحاضرة 75 قرشا ورقة إمريكانية قيمتها 100 قرش إلا أنها لا رواج لها الآن بين تجار البضائع في البلاد العثمانية فيبقونها محفوظة عندهم إلى انتهاء هذه الحرب، ثم يصرفونها في شراء بضائع من البلاد التي يروج فيها الورق الأميركاني فيربحون منها أرباحا عظيمة. الورق النقدي وحالة مرتزقة الحكومة: ارتفعت أسعار أكثر البضائع الوطنية في مدة طويلة من أيام هذه الحرب إلى عشرين ضعفا عما كانت عليه قبلها. كان رطل الدقيق الجيّد قبل الحرب يباع بثلاثة قروش، فصعد سعره في أثنائها إلى ستين قرشا ذهبية أو فضية. أما البضائع الغربية فمنها ما ارتفع سعره عشرين ضعفا، ومنها ما ارتفع أكثر من ذلك، كالسكر فإن سعره ارتفع قريبا من أربعين ضعفا، كان الرطل يباع منه قبل الحرب بسبعة قروش فبيع في أثنائها بنحو ثلاثمائة قرش. وهكذا كان الحال في كثير من البضائع الغربية كالمنسوجات وأنواع الحرير والعقاقير والبترول وغيرها. وبسبب غلاء البضائع على هذه الصفة تضرر مرتزقو الحكومة من هبوط أسعار الورق أكثر مما تضرر به غيرهم. مثلا كان المأمور المستخدم الذي راتبه الشهري ستمائة قرش- أي راتبه كل يوم عشرون قرشا أميرية- وعياله سبعة أشخاص يعيش بهذا الراتب قبل هذه الحرب عيشة رضية؛ لأنه يكفيه في اليوم رطل من الدقيق قيمته ثلاثة قروش، والباقي من راتبه- وقدره سبعة عشر قرشا- يصرفها في باقي حاجاته من الأدم والكسوة والوقود والاستصباح والحمّام وأجرة المنزل، وغير ذلك من النفقات الضرورية. وكانت الحكومة تدفع ليرة الذهب العثماني على سعرها الأميري وهو مائة قرش، وقيمتها الرائجة في التجارة مائة وسبعة وعشرون قرشا ونصف القرش. فكان معاشه الشهري- الذي هو ستمائة قرش- يبلغ سبعمائة وخمسة وستين قرشا رائجة. والمعاملة بين الأهليّين الجزء: 3 ¦ الصفحة: 482 على السعر الرائج. فلما تنازل سعر الورق إلى مقدار خمس قيمته صار هذا المسكين يأخذ راتبه من الحكومة ست ورقات، سعر الورقة في التجارة عشرون قرشا، فكان معاشه عن الشهر كله يبلغ مائة وعشرين قرشا رائجة، وهي قيمة رطلين من الدقيق فقط لا يكفيه مع الاقتصاد أكثر من يومين، فيضطر- لإكمال باقي ضرورياته- إلى أن يبيع أثاث منزله ثم ثيابه وثياب عياله حتى يضطر للتسؤّل. وربما كان لخدمته تسلط على الناس فيضطره الحال- رغما عن عفافه- أن يمد يده إلى أخذ الرشوة وأكل المال الحرام، فيبطل الحق ويحق الباطل. ولما بلغت الحالة بالمستخدمين هذه الغاية رأت الحكومة وجوب تلافي حالتهم بقدر ما يمكنها، صونا لشرفها، فشرعت تأخذ من الزارعين عشرا ثانيا- سمّته المبايعة- بقيمة تبلغ الربع والثلث من قيمته الحقيقية، وتدفع للزراع هذه القيمة ورقا على سعره الأميري. وأما باقي المأكولات والصابون ومادة الوقود فإن الحكومة جعلت تشتريها من ذويها بقيمة تضعها من عند نفسها، وتدفع لهم تلك القيمة ورقا على سعره الأميري أيضا. ثم جمعت هذه الأموال في مكان ووظفت لتوزيعها على المأمورين موظفين وكتابا، يعطون المستخدمين من هذه الأموال مقدار ما يخفف ضررهم بقيمة تزيد على قيمتها التي اشترتها الحكومة بها شيئا قليلا، وتأخذ منهم القيمة ورقا- من رواتبهم- على سعره الأميري. وسمّت هذا العمل (إدارة الإعاشة) . وبهذه الواسطة خفّ ضرر المستخدمين وصار يمكنهم أن يحصلوا مع الاقتصاد على ضروريات حياتهم. فكان المأمور يأخذ من هذه الإدارة في رأس كل شهر قدرا معلوما من الحنطة والبرغل والعدس والحمّص والملح والسكر والقهوة والحطب والفحم والصابون والزيت والبترول، فيبيع من هذه الأشياء ما يمكنه الاستغناء عنه بقيمته الحقيقية، ويصرف القيمة في باقي حوائجه. جالية أهل المدينة المنورة: وفي هذه السنة وهي سنة 1335 قدمت علينا جالية أهل المدينة المنورة وهي في حالة يرثى لها، قد تركت أموالها وأمتعتها في المدينة المنورة. وجاءت هذه البلاد في وقت غلت فيها أسعار الأقوات وارتفعت أجور المنازل. وكان بين هذه الجالية أسر كريمة فيهم السادات الجزء: 3 ¦ الصفحة: 483 والأعيان الذين كانت موائدهم في المدينة المنورة مبسوطة للصادي والغادي، فلما وصلوا حلب وليس معهم من المال سوى القليل اشتد عليهم الخطب والكرب رغما عما كان يبذله لهم بعض الحلبيين الكرام من القرى والمعونات، إلى أن خصصتهم محاسبة الأوقاف بمبلغ من أموالها المشروطة لفقراء الحرمين المحترمين، فخفّ عنهم بعض ما كانوا يجدونه من شظف المعيشة. كان إجلاء أهل المدينة المنورة عنها من جملة الأمور التي نفّرت قلوب العرب عن الحكومة العثمانية، وكانت القلوب تزداد نفرة واشمئزازا حينما كنا نسمع من أولئك الجاليات أخبار مظالم القائد العسكري هناك وما فعله بالعوالي «1» وأهلها من الفظائع. سقوط القدس في يد الإنكليز: وفيها تواردت الأخبار بأن القدس الشريف وغيرها من بلاد فلسطين دخلت في حوزة الدولة البريطانية، وأن جيوشها تقدمت إلى جهة السّلط وغيرها من تلك الديار. عزل جمال باشا وسفره: وفيها وصل جمال باشا إلى حلب معزولا من القائدية العامة. وألقى في بعض الأندية خطابا أوهم به الناس أنه لم يعزل وإنما هو عازم على السفر إلى الآستانة لبعض شؤون مهمة، وأنه عما قريب يعود إلى وظيفته. وكأنه أراد بهذا الإيهام بقاء مهابته في النفوس كيلا يتجرّأ أحد على اغتياله. وكأن ولاة الأمور في الآستانة أدركوا في ذلك الوقت أغلاطه وخطاياه في هذه الوظيفة فعزلوه. ويا ليتهم كانوا يفهمون ذلك قبل أن يعضل الداء ويتعذر الشفاء. تعيين نهاد باشا قائدا بدل جمال باشا: وفيها قدم على حلب قائدا عاما- بدل جمال باشا- نهاد باشا. وهو شاب جميل الطلعة بشوش الوجه دمث الأخلاق، متباعد عن مواضع الريبة، ميّال للخير. تمنى الناس أن لو كان ندب لهذه الوظيفة في أول الحرب، أما الآن فماذا عساه يفعل وقد اتسع الخرق على الراقع ونفذت سهام القدر ولم يبق في القوس منتزع؟ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 484 سقوط بغداد في يد الإنكليز واستيلاء روسيا على بلاد الأناضول: وفيها تواردت الأخبار باستيلاء الجيوش البريطانية على بغداد وتقدمها إلى جهة الموصل، وبأن جيوش الروس استولت تباعا على طرابزون وأزروم ووان وبتليس، وتقدمت نحو الموش. وقلق أهل ديار بكر من قربها إليهم. هبوط أسعار الحبوب وعودها للارتفاع: وفيها- في أيام إدراك المحاصيل الزرعية وورود الغلات إلى حلب- هبطت أسعار الحبوب هبوطا بيّنا، فبيع الشنبل من الحنطة بستمائة قرش، ومن الشعير بأربعمائة. غير أن ذلك لم يدم سوى أيام قلائل حتى عاد السعر للارتفاع كما كان، وسبب ذلك إقبال الألمان على احتكار الحبوب وشراؤهم إياها بالثمن الذي يطلبه صاحبها منهم غير مبالين بغلائها، لا يهمهم شيء سوى الحصول عليها بأي ثمن كان. ولما رأى الوالي «بدري بك» أن الحب قد ارتفعت أسعاره، حتى بيع شنبل الحنطة بألف ومائتي قرش، خشي إن تمادى هذا الأمر أن يعود سعر الشنبل إلى ألفي قرش. فتخابر مع قواد الألمان وكلّفهم ألّا يباشروا بأنفسهم شراء الحبوب كيلا يطمع بهم أصحابها فيرفعوا سعرها، وأنه يلزم نفسه بأن يقدم لهم جميع ما يلزمهم منها على سعر 1200 قرش. فأجابوه إلى ما طلب. وفي الحال عيّن من قبله رجال درك فرسانا، وأرسلهم إلى القرى- في قضاء الباب وقضاء جبل سمعان- وأمرهم أن يشتروا من المزارعين شنبل الحنطة بسبعمائة قرش معدنية، رضي صاحب الحب أم لم يرض. وسمّى هذا البيع والشراء (سربست مبايعه) أي بيع بالحرية. فكان رجال الدرك- الذي أرسلهم لهذه المهمة- متى ظفروا بحنطة يأخذوها من صاحبها على هذا السعر، رضي أم لم يرض، ثم يحملوا ما يشترونه ويرسلوه إلى المحل الذي عيّنه الوالي وهو يقدّمه إلى الألمان على سعر 1200 قرش حسبما تعهّد لهم. فحصل من هذا العمل فائدتان: فائدة خصوصية وهي ربح الوالي من كل شنبل خمسمائة قرش، وفائدة عمومية وهي وقوف سعر الحبّ عند هذا الحد، إذ لولا هذا العمل لكان سعر الحب يرتفع إلى ألفي قرش أو أكثر. على أن الوالي «بدري بك» قد ربح من هذه المسألة أرباحا طائلة تعدّ بعشرات الألوف الجزء: 3 ¦ الصفحة: 485 من الليرات. ولو أنه كان يسمح بمقدار من هذه الأرباح إلى الفقراء لكان يخفّف عنه ذلك لغط الناس، الذي كان أقلّه قولهم فيه: «هذا لم يجيء واليا وإنما جاء تاجرا» . وكان يزيد لغطهم به حينما يرونه وهو يربح هذه الأموال مارّا في الشوارع متكئا على أريكته في سيارته، والفقراء من جهتي الجادّة يضجون ويصيحون بكلمة «جوعان» . ومنهم من مات ومنهم من أسكته الجوع وظل يجود بنفسه، فيمر حضرته ويرى هذه المناظر المفزعة فلا يتحرك فيه دم الإنسانية بل تراه كأنه يتفرج على شيء تلذّ به النفس لغرابة منظره. تشدد العسكرية في القبض على الناس: وفي هذه السنة اشتدت العسكرية في إلقاء القبض على الناس الذين هم من مواليد سنة 1280 إلى سنة 1315 رومية، فكان رجال الدرك يمشون في الأزقة والشوارع ويقبضون على الرجال بلا تفريق بين الرفيع والوضيع. وكانوا متى رأوا شابا يستوقفوه ويطلبوا منه وثيقته فيبرزها لهم، فإن كان- بحسب تفرّسهم به- أهلا لأن يستخرجوا منه شيئا تعللوا عليه بقولهم: هذه الوثيقة قد مضى حكمها، أو هي مغلوطة أو تقليد، أو يقولوا له تذهب معنا حتى تقدمها إلى رئيس دائرة أخذ العسكر ليقيدها في سجله، أو يتعللوا عليه بغير ذلك من العلل الواهية، فلا يرى المسكين بدا من أن يدفع لهم مقدار ما استحضره وأعدّه لمثل هذه البلية من النقود ذهبا فصاعدا. هذه حالة أهل الوثائق مع رجال الدرك وأما الذين ليس معهم وثيقة فأولئك ممن غضب الله عليهم فاستحقوا من رجال الدرك كل إهانة وتعذيب؛ لأنهم في الحال يوثقونهم في سلك الصفوف المسلسلة بالحبال ويسوقونهم أذلّاء صاغرين إلى محبس المركز، الذي هو مغارة أو مسجد قديم. غير أن هؤلاء المسلسلين- الذين ربما يبلغ عددهم نحو مائة شخص أو أكثر- لا يصل منهم إلى محبس المركز سوى بضعة أشخاص، وهم الذين لا يملك أحدهم خمسة قروش يرشي «1» بها زعيم رجال الدرك ليتخلص من قبضته، فتزجّ هؤلاء الأشخاص في محبس المركز وتترك أياما طويلة. وربما كان المحبوس غريبا وليس له من يسأل عنه من أهله فيقاسي أنواع الجوع والبلاء، لا تتركه العسكرية يخرج من محبسه، ولا تأخذه الجزء: 3 ¦ الصفحة: 486 للثكنة وتعسكره وتسوقه إلى الجهة المعيّنة لمثله. وربما بقي على هذه الحالة مدة أربعين أو خمسين يوما فيشرف فيها على التلف. وكان الناس يسمّون رجال الدرك الذين يقبضون على الناس «أهل الحبلة» فمتى أحس بهم واحد من رأس السوق مثلا يناد: الحبلة الحبلة. فيعدو للهرب من لم يكن معه وثيقة. واشتهر من زعماء هؤلاء الرجال جماعة بالظلم والقسوة ونالوا ثروة طائلة من هذه المهنة. وكان أحدهم قبل الحرب لا يملك شيئا وللناس فيهم زجلات مضحكة يتغنّون بها في خلواتهم، وكان هؤلاء الرجال يأخذون الرشوة من بعض الناس مشاهرة ويدعونهم في حوانيتهم. وكانوا لا يبالغون من التجاهر بأخذ الرشوة ولا يخافون من أن يطّلع عليهم رؤساؤهم. وبسبب ذلك كان الناس يعتقدون أن رؤساء هؤلاء الزعماء شركاء معهم. وإن تشدد العسكرية في القبض على الناس قد أضرّ بهم ضررا عظيما لأن أكثر مواليد السنين المذكورة كانوا يضطرون للاختفاء، فيبقون من غير كدّ ولا كسب مع أنهم أصحاب عيال وأطفال فيبيعون ما عندهم من الأثاث والثياب ليصرفوا أثمانها في قوتهم الضروري ثم ينفذ «1» ما عندهم فتضطر عيالهم للتسؤّل وربما مات أحدهم جوعا. وكان عذرهم في الفرار من التجند ما يسمعونه ويشاهدونه من سوء حالة العساكر في مأكلهم وملبسهم وقسوة الضباط عليهم، فيرون الموت في أوطانهم أهون عليهم من الموت في جنديتهم. تظاهر المستخدمين بالرشوة وسلب الأموال الأميرية: وفي هذه السنة، بعد أن سافر جمال باشا من هذه البلاد وتحقق انفكاكه عنها الأشرار المستخدمون من الملكيين والعسكريين، ازداد تجاهرهم بالرشوة والتسلط على أموال الناس والدولة، فعمّ فسادهم وكثر فجورهم. وكان المستخدمون في محطات السكك الحديدية أعظم الجميع تكالبا وأشدهم شرها في سلب الأموال. كانوا لا يمكّنون تاجرا من شحن بضاعته إلى جهة ما إلا بعد أن يأخذوا منه رشوة، مبلغا يكفي شرههم، وإلا قالوا له: الشحن ممنوع. وكان كثيرون من التجار تضطرهم الحال إلى أن يشركوا معهم في أرباحهم معتمد المحطة المعروف باسم (القوميسير) وإلا بقيت بضاعتهم مطروحة على الأرض. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 487 وكثيرا ما كان القوميسير نفسه يتجّر بالبضائع لحسابه فيشحن إلى بيروت أو دمشق أو استانبول بضاعة من البضائع التي تربح كثيرا لأن غيره لا يقدر على شحنها، فيربح من تلك البضاعة أرباحا طائلة يختص بها وحده. وربما كان يشرك معه في هذا الربح أحد كبار الموظفين إسكاتا له، ويتحدث الناس عن أحد القوميسيرية أنه جمع مئات ألوف من الليرات بواسطة هذه الوظيفة. أما أمراء العسكرية فجميعهم إلا قليلا منهم لم يألوا جهدا بسلب أموال الدولة والرعية؛ منهم من كان متسلطا على متعهدي الأرزاق العسكرية ومنهم من كان موكولا إليه شراء الدوابّ أو غيرها من لوازم الحرب، ومنهم من كان مأمورا بالديوان العرفي أو معيّنا كناظر على استلام الحبوب أو الدقيق أو الخبز أو الحطب أو غير ذلك من الخدم والوظائف التي لصاحبها سلطة ونفوذ في جماعة التجار أو الزراع أو الصناع فكان كل واحد من أولئك المأمورين لا يمضي وصلا ولا يصدق على عمل من هذه الأعمال إلا بعد أن يأخذ القدر الذي يرغبه ويرضيه. وكان الموظفون على أهراء الحبوب العشرية لا يتسلمون الحب ممن يقدمه إليهم إلا مغربلا خالصا من كل غشّ، ويأخذون منه الثمانية، عشرة، ثم يخلطون الحب ترابا ومدرا عشرة أو عشرين في المائة، وحين تسليمه ينقصون وزنه عشرة أو عشرين في المائة. يفعلون هذا علنا دون مبالاة من أحد؛ لأن من يخافون سيطرته عليهم قد سدّوا فمه وأعموا عينه بمقدار ما يرضيه من المال مهما كان كثيرا؛ لأن الأهراء قد يزيد فيه «1» من الغلة نحو ألف شنبل أو أكثر. فإذا فرضنا أن حافظ الأهراء باع كل شنبل بخمسمائة قرش يحصل في يده من النقود ما مجموعه نصف مليون من القروش، وهو مبلغ كبير يشبعه هو وآمريه. والخلاصة أن كل مستخدم في الملكية أو العسكرية من كبير وصغير- سوى قليل منهم- قد جمع في أيام هذه الحرب ثروة مدهشة طغى من أجلها وبغى وامتطى خيول السرف والترف ومشى في الأرض مرحا، وتمنى أن تمتدّ مدة هذه الحرب ما دام حيا. وكنت إذا مررت على حوانيت صاغة الحلي تراها غاصة بنساء الضباط والأمراء والموظفين، فكان الصاغة يشتغلون في الليل والنهار ولا يتاح لهم أن يقدموا الحلي إلى طلابه في الوقت الجزء: 3 ¦ الصفحة: 488 المطلوب. وكان كثير من الموظفين الموكلين على الأرزاق العسكرية يقصدهم التجار سرا ويشترون منهم أنواع البضائع بأبخس الأثمان. قلنا: إن ازدياد التجاهر بالرشوة كان بعد انفكاك جمال باشا عن هذه البلاد، وأما قبل انفكاكه عنها فكانت الرشوة أقل من ذلك بكثير بالنسبة إلى ما وجدت عليه بعد رحيله، وهذا مما يجب أن يعدّ من جملة حسناته. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 489 سنة 1336 هـ اشتداد الجوع وجمع إعانة للفقراء: كانت الأمطار في شتاء السنة الماضية قليلة جدا بحيث يئس الناس من حياة الزروع، فارتفع سعر شنبل الحنطة في حلب إلى ألفي قرش، كما أشرنا إلى ذلك قريبا، واشتد الخطب على العجزة والضعفاء والفقراء وأصبح كثير من الناس يقتاتون بالحشيش يسلقونه ويأكلونه فترم «1» سوقهم ويموتون. ومنهم من يقتات بقشور البقول والفواكه وتفل النّشا- المعروف بالدوسة- والعظام. وبعض الجزارين يخلط لحوم الحمير بلحوم الغنم ويغش بها الناس. وصار الجوع يفتك بالفقراء فتكا ذريعا وقد ملأ ضجيجهم الفضاء فكان الإنسان يتألم من صياحهم وتضورهم، خصوصا حينما كان يشاهد بعض موتاهم جثثا هامدة في الأزقة والشوارع رجالا ونساء وأطفالا، الأمر الذي أثار الحمية وأزكى نار المروءة في أفئدة جماعة من أهل النشاط والوجاهة، فسعوا بتأليف جمعية خيرية تهتم بجمع إعانة نقدية من أهل الخير تصرفها في قيمة خبز تفرقه على المعوزين المذكورين. فما مضى غير أيام قليلة حتى بلغ ما جمع من هذه الإعانة نحو خمسة وعشرين ألف ورقة مائة، وكان سعر الورقة في التجارة نحو ثلاثين قرشا. ثم إن هذه الجمعية أخذت المدرسة الشعبانية والقرناصية والإسماعيلية وغيرها من الأماكن، وحشدت فيها المعوزين من النساء والأطفال ليس إلّا، وجعلت الجمعية تفرق على كل واحد منهم رغيفين في اليوم. وقد بلغ مجموعهم نحو ألفي نسمة، وهذا العدد بالحقيقة يقدّر بثلث عشر فقراء مدينة حلب، فإن عددهم يقدر بتلك الأيام بستين ألف فقير من المسلمين فقط. أما فقراء الطوائف المسيحية والإسرائيلية فكان يقدر عددهم بنحو عشرة آلاف فقير. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 490 وكانت الجمعيات الخيرية من هاتين الطائفتين تقدم لهم أقواتهم الضرورية على حسب إمكانها، ولم يكن في وسع الجمعية الإسلامية المذكورة أن تقوم بكفاية جميع فقراء المسلمين. وقد استمر هؤلاء الفقراء من المسلمين يتناولون هذه الجراية إلى أن نفذت «1» نقود الإعانة، وكان الموسم قد اقترب وهبط سعر الشنبل من الحنطة إلى 1200 ومن الشعير إلى 600 قرش، وتبين أن المحل كان في الجهات القبلية فقط، وهي جهة العيس والأحصّ وقضاء المعرة، أما في الجهات الشرقية وهي قضاء الباب ومنبج فقد كان المحل فيها أقل فتكا؛ لأن الشنبل من البذر حصل مثله، وفي جهتي الشمال والغرب حصل الشنبل من البذر ضعفه أو ثلاثة أمثاله. والخلاصة أن المدة المجموعة من أواخر سنة 1335 وأوائل هذه السنة وهي 1336 لم يمرّ في أيام هذه الحرب أصعب ولا أكثر ميتا بالجوع منها. سقوط السّلط ويافا وغيرها: وفيها تواردت الأخبار البرقية باستيلاء الجيوش الإنكليزية العربية على السلط ويافا وغيرها من تلك الجهات وتقدموا إلى جهة درعا. عود البرنس عبد الحليم إلى استانبول: وفيها عاد البرنس عبد الحليم أفندي أحد أفراد الأسرة العثمانية من جهة فلسطين متوجها إلى استانبول. استقراض داخلي: وفيها فتحت الحكومة اكتتاب استقراض داخلي قدره ثلاثون مليونا من الليرات، الورق النقدي، بفائض خمسة في المائة في السنة، على أنها تقبل الورق العثماني على سعره الأميري وتدفع عن كل مائة ورقة خمس ليرات ذهب فائضا على قسطين، الأول بعد ستة أشهر من تاريخ أخذ القرض، والثاني بعد ستة أشهر أخرى. فلم يقبل الناس على هذا القرض إقبالا يستحق الذكر لعدم ثقتهم بالحكومة. وفي شتاء هذه السنة كانت الأمطار كثيرة وكان الجزء: 3 ¦ الصفحة: 491 الخصب عظيما إلا أن الغلات كانت قليلة بسبب قلة البذر. انكسار روسية: وفيها تواردت الأخبار البرقية بأن جيوش الألمان قد كسرت جيوش الرّوس شرّ كسرة «1» ومزقتها كل ممزق، واحتلت قسما كبيرا من بلاد الروس، وأن ألمانيا قد أكرهت روسيا على أن تخضع لها وتعقد معها صلحا يخدم مصلحة الألمان، وقد قسّمت مملكة الروس بين العناصر القاطنة فيها وجعلت كل عنصر منها حكومة مستقلة تحكم مقدّراتها. وعدّ هذا الظفر لألمانيا برهانا قاطعا على أنها ستخرج من هذه الحرب ظافرة لأن قواتها حينما كانت متبعثرة في جبهة روسيا كانت هي الغالبة في الجبهة الغربية، فما ظنك بها الآن وقد توفرت لديها تلك القوات المهولة وصار في إمكانها أن تحشدها كلها في الجبهة الغربية؟ ترخيص الحكومة بنقل الذهب: وفيها- في شعبان- رخصت الحكومة بنقل النقود الذهبية من بلدة إلى أخرى داخل المملكة العثمانية. وفاة السلطان رشاد: وفيها، في يوم الأربعاء رابع وعشرين رمضان، أطلقت المدافع من القلعة والقشلاق العسكري إعلاما بوفاة المرحوم السلطان محمد رشاد الخامس وجلوس السلطان محمد وحيد الدين على عرش السّلطنة العثمانية. عزل بدري بك والي حلب وتولي عاطف بك: وفيها- في شوال- عزل بدري بك عن ولاية حلب وخلفه عاطف بك. انكسار بلغاريا: وفيها وردت الأخبار بالبرق العثماني أن حكومة بلغاريا قد انكسرت شر كسرة، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 492 واضطرت أن تسلّم لعدوّتها دولة اليونان، وأن الطريق الذي يصل برلين بالآستانة قد سده البلغار فتعذّر وصول الامداد بالسلاح والذخائر الحربية التي كانت تأتي إلى الآستانة من برلين والنمسا. وكانت هذه البلية من أعظم أسباب انكسار الجيوش الألمانية في البلاد الشامية وإخلاد تركيا إلى إلقاء سلاحها أمام الدولة البريطانية. فحص فضلة المسافر: وفي شعبان هذه السنة أعلنت الصحية في حلب بأن كل من يريد السفر على قطار الشام وبغداد إلى جهات دمشق وبيروت والآستانة، وغيرها من البلاد والنواحي التي على هذه الخطين، عليه أن يأخذ من دائرة الصحية وثيقة (بورتور) أي براءة تشعر بسلامته من الأمراض الوبائية. وإذا لم تكن معه هذه الوثيقة يمنع من السفر إلى تلك الجهات. فكان كل من أراد السفر على قطار سكة الحديد- ذكرا كان أم أنثى- يحضر إلى مكان الصحية فيدخله خدمها إلى الخلاء ويدفع له قارورة صغيرة لها سداد ومعها ملوق صغير، يكلفه بأن يأخذ شيئا من فضلته «1» ويضعه في القارورة، فيفعل ويعيد القارورة إلى الخادم فيكتب اسمه عليها ويأخذها إلى محل التحليل، وبعد يوم أو يومين يعود هذا الإنسان إلى مكان الصحية فيأخذ الوثيقة المذكورة إن كان تبيّن أن فضلته نقيّة من مكروب مرض وبائي، وإلا منع من السفر وأخذ إلى المستشفى. وكان كثير من الناس يستهجنون هذا العمل ولا تطاوعهم نفوسهم على إجرائه، فكانوا يأخذون الوثيقة شراء بريالين أو أكثر، على حسب تحملهم، وبذلك فتح للصحية باب جديد من الرزق ونصب شرك آخر لعرقلة مساعي من أراد السفر؛ لأنه كان يناله تعب زائد في الحصول على تلك الوثيقة علاوة على ما كان يناله من التعب في الحصول على إجازة السفر التي يجب عليه أيضا أن يأخذها من جهة شرطة مخفر محلّته. انسحاب الروس من بلاد الأناضول: وفيها ورد الخبر بالبرق العثماني أن عساكر الروس قد انسحبوا من بلاد الأناضول التي كانوا استولوا عليها في أواسط هذه الحرب، وهي أزروم ووان وبتليس، وانسحبوا أيضا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 493 عن طرابزون وأخلوا الباطوم وغيرهما من البلاد العثمانية التي كانوا احتلوها في جهات قفقاسيا في الحروب الأخيرة الغابرة مع تركيا. عود الشريف حيدر باشا إلى الآستانة: وفيها قدم من جهة دمشق إلى حلب حضرة الشريف علي حيدر باشا عائدا إلى الآستانة. تقدم جيوش الإنكليز والعرب في جهات درعا وانهزام المستخدمين: في شهر ذي القعدة من هذه السنة تواترت الأخبار بتقدم جيوش الإنكليز والعرب في جهات درعا، وأن القوة المعنوية في الجيوش التركية الألمانية قد انكسرت واستولى عليها اليأس، ففارق ليمان باشا الألماني مكانه وتوجه إلى جهة استانبول، وكان معاونا في القيادة الحربية جمال باشا الصغير الذي هو قائد الجيش المحارب، وهو غير جمال باشا القائد العام. ثم فارق جمال باشا الصغير الجيش المحارب، وهو غير جمال باشا القائد العام. ثم فارق جمال باشا الصغير الجيش أيضا ولحق بليمان باشا، وبعده طفق المستخدمون والموظفون من ملكيين وعسكريين في البلاد الساحلية ودمشق وغيرها يتركون وظائفهم ويرحلون أفواجا إلى استانبول وغيرها من البلاد التركية خوفا من استيلاء جيوش الإنكليز والعرب عليها ووقوعهم أسرى في أيدي المحتلين أو قيام الأهليّين عليهم انتقاما من إساءتهم إليهم. استبدال والي حلب عاطف بك بمصطفى عبد الخالق بك: وفي ذي الحجة من هذه السنة عزل والي حلب عاطف بك وخلفه مصطفى عبد الخالق بك- وهذه ولايته الثانية- فوصل إلى حلب في اليوم الخامس والعشرين من هذا الشهر مجردا عن عياله ونزل في فندق البارون. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 494 سنة 1337 هـ جلاء الموظفين من أماكنهم: في أوائل محرّم هذه السنة وصل إلى حلب جمهور من الموظفين والمستخدمين فرارا من وقوعهم أسرى في قبضة المستولين، قادمين من دمشق وبيروت وغيرهما من البلاد السورية والساحلية التي قرب استيلاء الجيوش الإنكليزية العربية عليها، متوجهين إلى استانبول والأناضول. وكان مع هؤلاء الموظفين أهلهم من النساء والأطفال، فازدحموا في سكة حديد بغداد وظل الكثيرون منهم عدة أيام تحت السماء بلا غطاء ولا وطاء، فنالهم من المشقة ما لا مزيد عليه. خبر سقوط دمشق وتشتت شمل الجيوش العثمانية: يوم الثلاثاء- ثالث يوم من محرّم هذه السنة- وصل الخبر إلى حلب بأنه في ظهيرة يوم الاثنين، ثاني يوم من الشهر الحالي، استولى على دمشق الشام عرب الشريف، الذين هم في مقدمة جيوش الدولة البريطانية، وكان السواد الأعظم من موظفي تركيا فيها قد خرجوا منها قبلا كما ذكرناه آنفا، وحين دخول العرب إليها أقيم أحد كبراء أولاد المرحوم الأمير عبد القادر الجزائري مقام الوالي ليقوم بإدارة توطيد الأمن والسلام في المدينة ريثما يحضر إليها- من قبل الشريف حسين ملك العرب- من يتسلم زمام إدارة أمورها. وقد ارتاع الناس في حلب من هذا الخبر وعجبوا من سرعة سقوط هذه المدينة العظيمة في أقرب وقت وكانوا يقولون: إنها لا يمكن سقوطها بأقل من سنة. وقد تشتت شمل الجيوش العثمانية الألمانية في جهات درعا ومزقوا كل ممزق ما بين أسير وقتيل في الحرب وضائع ومتردّ ومقتول من قبل عرب البوادي وسكان القرى المتوسطة بين دمشق ولبنان وبعلبك. وكانت جبهة الحرب في جهات درعا، وهناك كانت هزيمة جيوش الأتراك ومن معهم من الألمان. وكان سبب انكسارهم الفجائي- الذي لم يكن في الحسبان- الجزء: 3 ¦ الصفحة: 495 التفاف العرب عليهم من ورائهم بقطع مسافة من الصحراء في مدة لا يمكن للجيوش الإنكليزية أن تقطعها فيها، لكثرة أثقالها التي لا تتحملها تلك الرمال في هاتيك المفاوز. وبسبب هذا الالتفاف أصبح الجيش التركي بين نارين نار الإنكليز ونار العرب، فانقطع عليه خط الرجعة وعوّل على الهزيمة. وقد غنمت جيوش إنكلترة من الأقوات والمهمات الحربية وغيرها ما يعجز عنه قلم الإحصاء. سقوط رياق: هذا ولم يمض غير أيام قلائل على سقوط دمشق حتى شاع في حلب أن الألمان قد يئسوا من الظفر بعدوهم فأحرقوا محطة رياق بما فيها من الذخائر والمهمات- وكانت شيئا كثيرا- ونسفوا شبكتها الحديدية وتقدموا إلى جهة بعلبكّ وجاء العرب على أثرهم واستولوا على رياق. انتهاء صحيفة الفرات: وفي اليوم الخامس من محرّم هذه السنة كان ختام حياة صحيفة الفرات وآخر نسخة صدرت منها في هذا اليوم كان عددها (20420) . إبطال القبض على العساكر: وفي هذا اليوم صدر أمر القائد العسكري العثماني بحلب بإبطال إلقاء القبض على العساكر الفارّين. فسرّ الناس من ذلك سرورا زائدا لتخلصهم من هذا البلاء الذي كان خارجا عن طاقتهم. حدوث فزع في حلب: وفي يوم الجمعة سادس محرم وقع الذعر في سوق مدينة حلب، فأغلقت الدكاكين والخانات وهجم الناس متزاحمين يعدون كالسيل الجارف. وكان سبب هذا الذعر طلقة من غدّارة «1» خرجت على غير قصد في يد واحد من سوق البزّ- المعروف بسوق الجزء: 3 ¦ الصفحة: 496 البالستان- فأصابت شابا من بيت ونّس فقتلته في الحال، فظن الناس أن هذه الطلقة من جهة الجنود التركية أو الألمانية الذين وصلوا إلى حلب؛ مع أن الجنود المذكورين لم يصلوا إلى حلب إلا بعد ستة عشر يوما كما يأتي بيانه. وفي يوم السبت والأحد وقع نظير ذلك الذعر في السوق المذكور، وكان سببه قيام جماعة من السّفلة والغوغاء للنهب والسلب، وهم من العساكر الفارّين الذين خرجوا من مخابئهم آمنين غائلة القبض عليهم، وحينئذ أدرك الأهلون والحكومة أن إبطال قضية القبض على العساكر الفارّين مضرة بالمصلحة العامة فأعيد القبض وبطل الخوف من السّفلة والمتشردين. نسف محطات وسقوط حمص وحماة وغيرهما: وفي هذه الأيام وردت الأخبار من جهات حمص وحماة بأن الجنود التركية والألمانية حملهم اليأس من مقاومة جنود العرب والإنكليز على أن يحرقوا جميع المحطات بين رياق وحلب وينسفوا شبكاتها الحديدية، ويهدموا سائر ما في هذا الطريق من الجسور وينسحبوا إلى جهة حلب، وأن العرب أتوا على أثر انسحابهم واستولوا على حمص وبعلبك وحماة. خوف الجنود التركية وموظفي حكومتها وارتحالهم من حلب: وفي هذه الأيام وقع الخوف في حلب وشاع أن العرب يصلون إليها يوم الجمعة عشرين محرم. فأخذت الجنود التركية الألمانية والجم الغفير من موظفي الحكومة العثمانية يسرعون الرحيل من حلب إلى جهات استانبول والأناطول؛ خوفا من وقوعهم أسرى في قبضة الإنكليز، أو من تسلّط أهل البلد عليهم انتقاما منهم على ما كانوا يفعلونه معهم في أثناء هذه الحرب من المظالم وأنواع التعدي. فازدحم في محطة بغداد موظفو حلب مع موظفي دمشق وبيروت وحمص وحماة وغيرها من البلاد الشامية والساحلية ومعهم نساؤهم وأطفالهم وقاسوا في برهة ليلتين مرّت عليهم هناك- وهم تحت السماء- من الجهد والبلاء ما لا يعلمه إلا الله تعالى. وكان الرجل العظيم من هؤلاء الموظفين يرضى أن يتيسر لركوبه ولو حافلة دوابّ، حتى إن قاضي حلب سليمان سرّي أفندي ركب في حافلة دواب وعدّ ذلك نعمة عظمى. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 497 تحليق طيارات الإنكليز في سماء حلب: بعد سقوط دمشق بأيام قلائل بدأت طيارات الإنكليز لأول مرة تحلّق في سماء حلب لاكتشاف مواقع الجنود العثمانية في ضواحي حلب، والألمانية في جهات قرية «المسلميّة» فكان هؤلاء الجنود كلما علتهم طيارة يطلقون عليها كرات مدافعهم فلا تعمل فيها شيئا. وفي يوم من الأيام حلّق في سماء حلب خمس طيارات في آن واحد، فكثر إطلاق المدافع عليها، وألقت طيارة منها قنبلة وقعت على مقربة من محطة بغداد وانفجرت فقتلت ستة عشر إنسانا وجرحت أربعين وقتلت عدة دوابّ. مقدمات سقوط حلب: يوم الأربعاء ثامن عشر محرم حضر والي حلب العثماني مصطفى عبد الخالق بك إلى دار الحكومة، ودعا إليه جماعة من وجهاء حلب وعلمائها وأخبرهم بأن حلب تسقط عما قريب وأنه عازم على البقاء في حلب إلى ما قبل سقوطها بثلاث ساعات، وأنه يصرف منتهى جهده على حفظ الأمن والسلام مهما كلفه ذلك من الخطر على نفسه، غير أنه يطلب من الوجهاء وأهل البلدة أن يساعدوه على تنفيذ هذا الغرض وأن يختاروا منهم رئيسا عليهم وواليا وقتيا إلى مجيء عساكر الشريف إليهم. فانتخبوا منهم سبعة أشخاص انتخبوا واحدا منهم رئيسا عليهم كوكيل وال وقتي. الهدنة بين إنكلترا وتركيا: وفي هذا اليوم وردت الأخبار البرقية تفيد أنه حصل بين دولة إنكلترة ودولة تركيا هدنة إلى مدة ستة وثلاثين يوما. فسرّ الناس من ذلك الخبر سرورا عظيما. إطلاق المحابيس: وفي ليلة الخميس تاسع عشر محرم حضر قائد الدرك المسمى عند الدولة العثمانية (قومندان الجندرمة) إلى محل المحابيس وأمر أفراد الدرك الموكلين بحفظ المحابيس بأن يتركوا خدمتهم ويتوجهوا إلى حيث شاؤوا. ففعلوا ما أمرهم به وتركوا السجون خالية من الحرس وكان فيها ما يربو على ألف وخمسمائة مسجون. وسمع ذلك رجال الدرك والحرس والشرطة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 498 الموظفون في المخافر لحفظ الأمن فتركوا مخافرهم وتوجهوا إلى منازلهم. ولما سمع هذا الخبر المجلس الذي أمر بانعقاده الوالي العثماني ظن أن الوالي هو الذي أمر قائد الدرك بذلك، وأن الحكومة العثمانية قد انسحبت وتخلت عن حفظ البلدة، فاهتم المجلس بتأليف قوة من أهل البلدة لتقوم بحفظها ريثما تدخل الحكومة الجديدة. صدور أمر الوالي بحل المجلس الذي أمر به: وفي صباح يوم الخميس تاسع عشر محرّم الجاري دعا الوالي العثماني عبد الخالق بك رجال المجلس الذي أمر بانعقاده، وأنكر عليه سعيه بتأليف القوة المحافظة وأخبره بأن الحكومة لم تنسحب بعد من حلب، وأنه إنما أمر بهذا المجلس ليتذاكر معه في بعض الشؤون التي بواسطتها يتم استتباب الأمن والراحة حتى تدخل الحكومة الجديدة، وأن القائد العثماني يقول إن حفظ البلدة من خصائصه وإنه لا يرضى بتأليف قوة من أهل البلد لأجل حفظها إلا إذا جعلت هذه القوة تحت أمره ونهيه. وبالحقيقة أن الوالي والقائد أساءا الظنّ بهذا المجلس وتوهما أن القوة التي يؤلفها ربما أوقعت بهما وببقايا الأتراك من المأمورين والعساكر الذين لم يتمكنوا من الجلاء مع أن ذلك لم يخطر على بال أحد من أهل حلب الذين ما برحوا إلى ذلك الوقت يهابون الأتراك ويحترمونهم. اشتداد الخوف وقيام الأسافل للنهب: انسحب المجلس الوقتي لما سمعه من الوالي، وضرب الصفح عن جمع القوة المحافظة التي لا ترضى أن تكون تحت أمر القائد ونهيه، وانسحبت الحكومة العثمانية لأن جميع رجال دركها وشرطتها استولى عليهم الخوف فتركوا وظائفهم، والجنود النظامية لا يوجد منهم في المدينة سوى خمسين أو ستين جنديا لا يمكنهم التجوال في البلدة لحفظ الأمن فيها لأنهم واقفون بالمرصاد للدفاع عن الوالي والقائد إذا تعرض إليهما أحد من الأرمن وأهل البلدة أو غيرهما. وباقي الجنود النظامية قد توجهوا إلى جبهة الحرب المصطفّة تجاه جنود العرب والإنكليز في نواحي الراموسة وقرية خان طومان والشيخ سعيد، فلم يبق في البلدة قوة تحفظ الأمن والسكينة. وأصبح الناس في هذا اليوم وهو يوم الخميس فوضى لا حاكم ولا رادع لهم. فقام الجزء: 3 ¦ الصفحة: 499 الأسافل من كل ملّة وانضم إليهم زعانف الأعراب المجاورين لحلب وهجموا كالسيل الجارف على مستودعات الجنود التركية والألمانية والثكنة العسكرية القديمة المعروفة بالشيخ يبرق، والحديثة الكائنة على جبل البختي، وعلى مكاتب الحكومة ومستشفيات الجنود، ونهبوا جميع ما وجدوه في هذه الأماكن من السلاح والقذائف والأقمشة والحبوب والمنسوجات والصوف والقطن وأنواع الحديد والأخشاب والصابون والرز والسمن والزيت، وكان شيئا كثيرا. واقتلعوا أغلاق هذه الأماكن ورفوفها ونهبوا صناديقها وكتبيّاتها وما في ذلك من السجلات والدفاتر التي لا فائدة لهم منها سوى جلودها، فأما ما فيها من الأوراق فكانوا ينثرونها ويطرحونها تحت أقدامهم. وكان بعض هؤلاء الأوباش يدخلون المستشفى وينهبون جميع ما فيه، ثم يطرحون المرضى عن أسرتهم ويأخذون مفارشهم، وربما جردوا المريض من ثيابه وتركوه مطروحا على الأرض. وقد بيعت غدّارة المرتين «1» بخمسة قروش، وصندوق القذائف المعروفة بالخرطوش بقرشين. فاستولى الخوف على القلوب وأسرع التجار إلى إغلاق حوانيتهم خوفا من هجوم الأشقياء عليهم. وأمسى الناس في أمر مريج «2» لا يأمن الإنسان على نفسه وماله من التفاف هؤلاء الأسافل إلى منزله ونهب ما فيه والتعرض إلى حرمه. انفجار لغم: وبينما كان الناس على هذه الحالة المكربة إذ سمع وقت الغروب هزيم «3» انفجار صمّت له الآذان كأنه صوت مائة صاعقة انقضّت في آن واحد، فانخلعت القلوب هلعا وارتعدت الفرائص، واهتزت أرجاء البلدة وجدرانها وتحطم كثير من زجاج النوافذ. وظن الناس لأول وهلة أن القائد العسكري بدأ بإطلاق كرات المدافع على البلدة ليخربها، فأيقنوا بالهلاك. ثم ظهر أن هذا الهزيم هو صوت انفجار مستودع بارود قديم في الثكنة العسكرية؛ كانت العساكر التركية وضعت فيه لغما انفجر بيد أحد الناهبين. وحينئذ اطمأن الناس الجزء: 3 ¦ الصفحة: 500 من جهة خراب البلدة ولكنهم ما زالوا خائفين من بعضهم، وكان أراذل الناس وغوغاؤهم الذين نهبوا السلاح من المستودعات يطلقون هذه الليلة في منازلهم عياراتهم النارية على صفة لا تنقطع، فكنت تسمع في الدقيقة الواحدة صدى ألوف من الطلقات. سقوط حلب: يوم الجمعة عشرين محرّم (1337) الموافق 12 تشرين الأول سنة 1918 م، و 29 أيلول سنة 1334 شرقية، أصبح الناس وعيونهم لم تذق الغمض وهم خائفون وجلون، والأوباش عادوا إلى ديدنهم الأول من النهب والسلب، وبعد أن نهبوا المكتب الرشدي العسكري الكائن في شمال مستشفى الغرباء تحت القلعة، ألقوا في قسمه الشمالي النار فاحترق ولم يبق في البلدة حاكم ولا رادع. وكنا نسمع في كل برهة من الزمن فرقعة ألوف من البنادق فكنا نظن أنها فرقعة بنادق المتحاربين من الجنود التركية والإنكليزية عند قرية الراموسة. ثم تبين أن هذه الفرقعة هي صدى المواد النارية التي تحرقها الجنود التركية والألمانية في المحطات ومستودعات الأعتاد الحربية. وكان بعض الناس يسمع دوي المدافع التي يطلقها جنود الأتراك والإنكليز على بعضهم قرب خانطومان. قدوم عرب العنزة إلى حلب: وفي عصر هذا اليوم أقبل على حلب من جهة باب النيرب طائفة من عرب العنزة- الذين يرأسهم الشيخ مجحم المهيدي- وكان مواليا للحكومة العثمانية، وفي الأيام الأخيرة أعطته مبلغا وافرا من النقود والسلاح وكلفته القيام بحراسة أطراف البلدة وبعض القرى المجاورة لها وحفظ بعض مدخرات الحبوب الكائنة في القرى كقرية الجبّول وقرية دير حافر وغيرهما. ثم في هذه الأثناء قبضت الحكومة على بعض أشخاص من عشيرة الشيخ مجحم فاغتاظ من هذا العمل إلا أنه كظم غيظه. فلما كان عصر هذا اليوم علم أن عرب الشريف قد اقتربوا من حلب وأن العساكر التركية قد انسحبوا منها إلا قليلا منهم؛ أمر عشيرته- وكانوا زهاء ثلاثين فارسا- أن يهجموا على سجون حلب ويفتحوا أبوابها ويطلقوا منها سراح جميع السجناء. ففعلوا ذلك، وكان بين الجماعة المهاجمين غلام من أنسباء الشيخ مجحم أصابته رصاصة من حارس السجن فوقع قتيلا، فهجم العربان على الجزء: 3 ¦ الصفحة: 501 الحارس فهرب منهم إلى سطح دار الحكومة فتبعوه وقبضوا عليه وقطعوه إربا «1» ، ثم ساروا إلى جهة باب الفرج حيث منزل العساكر التركية، كأنهم أرادوا نهب المنزل واستئصال من فيه من العساكر، فلم يشعر العرب إلا وقد تجرد إليهم عدد وافر من الجنود التركية ورموهم بالرصاص فقابلهم العربان بالمثل، وقتل من الطرفين بضعة أشخاص، ثم تغلب الأتراك على العرب بواسطة ما لديهم من المدافع الرشاشة فولى العرب منهزمين. وقد استوحشت الجنود التركية وظنت أن أهل البلدة يريدون الهجوم عليهم فوقف منهم بضعة أجناد في جهات باب الفرج وصاروا يرشقون برصاصهم كل من رأوه مارا من تلك الجهة فقتلوا بعض المارّة، وكانت الشمس قد مالت إلى الغروب. جلاء الوالي والقائد والجنود التركية عن حلب ودخول عساكر الشريف حسين إليها: وفي ذلك الوقت سار الوالي مصطفى عبد الخالق بك والقائد العسكري مصطفى كمال باشا إلى جهة محطة بغداد واختبأ في بعض جهاتها. وعلى أثر مسيرهما إلى المحطة، وقت الغروب، أقبل على حلب من جهة قارلق عرب الشريف حسين ملك العرب وهم دون مائة عربي ما بين فارس وهجّان، يرأسهم الشريف مطر نائب الشريف ناصر، وكيل حضرة الأمير الملكي الشريف فيصل نجل الشريف حسين. وفي ذلك الوقت تحقق الناس أن الشريف قد استولى على حلب وخرجت من يد بني عثمان بعد أن بقيت تحت استيلائهم مدة أربعمائة وخمس عشرة سنة. فسبحان مالك الملك يؤتي الملك من يشاء وينزع الملك ممن يشاء. ومن الصدف الغريبة أن استيلاء الدولة العثمانية على حلب شبيه باستيلاء الدولة العربية عليها من جهة أن كلتا الدولتين أخذتها صفوا عفوا دون حرب ولا ضرب، كما أن الناس في جميع هذه البلاد اغتبطوا بهذه الدولة وفرحوا بتخلصهم من بغي قادة الجنود العثمانية وظلمهم، كذلك كانوا اغتبطوا بقدوم المرحوم السلطان سليم خان عليهم لتخلصهم من ظلم قادة جنود الغوري سلطان الدولة الجركسية. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 502 عزم المأمورين الراحلين على استصحاب السجلات: لما عزم الموظفون الأتراك على الرحيل من حلب أراد كل موظف منهم أن يأخذ معه الأوراق والسجلات التي كانت في محل إدارته، فأوعبها في الجوالق «1» وطلب من يحملها إلى محطة بغداد، فلم يتيسر له أحد وكان الخوف قد سطا عليه فتركها ومضى إلى حال سبيله. ولو أخذت هذه السجلات لتضرر كثير من أصحاب المصالح خصوصا سجلات الدفتر الخاقاني. على أن كثيرا من سجلات غير هذه الدائرة فقدت بسبب دخول الأوباش إلى دار الحكومة في يوم الجمعة قبل دخول الشريف مطر إليها بقليل من الزمن، فظفروا بدفاتر جباة الأموال وأتلفوها عن آخرها. وكانوا يأخذون جلودها ويطرحون ما فيها من الورق في الأرض ويبعثرونه بأرجلهم. هذا ولما وصل الشريف مطر وعربه إلى حلب ليلة السبت الحادية والعشرين من محرّم الجاري نزل في دار الحكومة، فجلس على بساط فتح له على أرض البهو الذي يؤدي إليه الدرج الكبير ونزل عربه في صحن دار الحكومة، وحفروا في الأرض نقرا أشعلوا فيها النار لطبخ قهوة البن يسقون منها الواردين على الشريف للسلام وعرض الاحترام. وقد تحقق الناس استيلاء الحكومة الجديدة على حلب إلا أن الخوف مع ذلك استولى على الناس من فتك الأسافل وبقايا الجنود التركية، وخلت الأزقة من المارّة وبات الناس في قلق وخوف لا مزيد عليه، نظير ما باتوا عليه في الليلة البارحة أو أشدّ، وكان ألوف من الأوباش يطلقون عياراتهم النارية من منازلهم تخويفا لمن يتوهمون أنه يهجم عليهم مع أن الخوف في تلك الليلة قد شمل الجميع. ولما علمت بقايا الجنود التركية أن عرب الشريف قد دخلوا حلب ونزلوا في دار الحكومة مشى منهم نحو خمسين جنديا على دار الحكومة للإيقاع بالعرب ولما وصلوا إلى دار الحكومة هجم عليهم العرب فولوا منهزمين، ولو ثبتوا قليلا لأفنوا العرب عن آخرهم إلا أنهم خافوا أن يأتيهم من ورائهم كمين من أهل البلد فيقعوا بين نارين فعادوا من حيث أتوا. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 503 سفر الوالي والقائد التركيين: وفي الساعة الثانية من هذه الليلة ركب القطار القائد العسكري العثماني، ومصطفى عبد الخالق بك الوالي العثماني الأرنوطي الأصل، وهو شاب صبيح الوجه في سن الخامسة والثلاثين، ذكيّ حسن التفرس متديّن أمين ذو شفقة ومرحمة، بذل ما في وسعه من الجد والجهد في ولايته الأولى أيام هذه الحرب في ملاطفة الفقراء وتوفر الأقوات، فخفّف عنهم آلام الجوع ولم يمت أحد في أيام ولايته جوعا. ولما ولي حلب في هذه المرة حضر إليها مجردا من عياله ولم يأل جهدا في تلطيف ما نزل بحلب من الشدائد التي من جملتها ظلم الجندية واستبدادهم، موقنا أن الحلبيين لا غائلة تخشى منهم على الأتراك فآلى على نفسه أن يبقى في حلب إلى آخر ساعة من أيام الحكومة العثمانية، غير مبال بما عساه أن يناله من الخطر الذي لا يوجد من يدفعه عنه من رجال الدرك والشرطة لتركهم وظائفهم واستيلاء الخوف عليهم. وقد قصد من بقائه في حلب إلى المدة الأخيرة ردع الأوباش والأسافل عن قيامهم على بقايا المأمورين والأتراك وعلى ضعفاء الأهلين ليسلبوا أموالهم ويعيثوا في أعراضهم. على أنه وإن كان لا يوجد معه من يحامي عنه من رجال الدرك والشرطة إلا أن مجرد علم الأسافل بوجوده يردعهم عن تنفيذ نواياهم الخبيثة، ولعلمهم أيضا بأن بقايا العساكر العثمانيين لا تتخلى عن تنفيذ أوامره عند اقتضاء الحال. محاماة الوالي عن حلب تجاه القائد: وله غرض آخر من بقائه في حلب إلى آخر وقت وهو مراقبة حركات القائد العسكري الذي كان يعتقد أن أهل حلب من أعداء الدولة التركية، وقد شاع أنه مصمم على ألّا يخرج من حلب حتى يخربها عن آخرها بالألغام وكرات المدافع، وأن الوالي عبد الخالق ينهاه عن فعله ويؤكد له أن أهل حلب لا يستحقون منه هذا العمل، فكان القائد لا يقنع بكلامه. وقد قيل إن عبد الخالق بك لما تحقق أن القائد مصمم على تخريب البلدة- حين ما «1» الجزء: 3 ¦ الصفحة: 504 بدأ به من وضع المدافع في أعالي البلدة وصدور أمره للموكّلين بها بأن ينتظروا إشارته بإطلاقها- حضر الوالي وقال له: اقتلني قبل أن تنفّذ هذا العزم، لأن قتلي أهون علّي من أن أرى حلب خرابا. هكذا شاع عند أهل حلب. والحق يقال: إن تخريب هكذا بلدة يعد من أكبر الفظائع التي تبقى نقطة سوداء في تاريخ العثمانيين إلى الأبد. على أنه غير مستبعد عن أهل البلدة- متى بدأ عمل التخريب ببلدتهم وبلغوا حد اليأس من سلامتهم- أن يقوموا قيام المستميت ويهجموا، وهم يعدّون بمئات الألوف، على كل تركي في حلب جنديا كان أم غير جندي فيبيدوهم عن آخرهم. سمع حضرة القائد نصيحة الوالي ورقّ لشكواه ورجع عن عزمه، غير أنه قال له إنه متى علم أن أهل البلدة تداخلوا مع العساكر العربية الإنكليزية وانضموا إليهم فهو يخرب البلدة على رؤوس أهلها في ساعة واحدة. وعليه فإن الوالي قبل سفره بيوم حضر إلى دار الحكومة ودعا إليه جماعة من الأعيان وبلّغهم ما قاله القائد فأجابوه بأن القيام مع العساكر العربية الإنكليزية مما لم يتصوره أحد من أهل حلب. وقد استفاض بين الناس ما يبديه الوالي في حق أهل حلب من العطف والمحاماة وحسن الإدارة حتى اتصل خبر ذلك بالقائد الإنكليزي وهو في جبهة الحرب أمام الجنود العثمانية قرب قرية الراموسة، فكتب إلى الوالي- حسبما شاع- يشكره على ما يبديه من اللطف والإنسانية مع أهل حلب، ويرجو منه أن يبقى مثابرا على حفظ البلدة إلى آخر ساعة وأن لا يخشى تعرض أحد إليه من الدولة الجديدة بالأسر أو سوء المعاملة. قلت: إن اشتهار هذا عن الوالي وشيوعه إلى هذه الدرجة يدفع ما قيل عنه إنه لم يقصد من بقائه في حلب إلى آخر وقت من أيام الحكومة العثمانية إلا ليكون جاسوسا بين أهل البلدة وبين القائد العسكري، وواسطة تهديد وتخويف بين الطرفين لسوء ظنه بأهل حلب وخوفه هو والقائد من قيامهم على من فيها من الأتراك عامة، فيبيدونهم عن آخرهم انتقاما منهم على ما كان يفعله معهم أشرار الموظفين من الظلم والتعدي، على حد قول الشاعر: إذا ساء فعل المرء ساءت ظنونه ... وصدّق ما يعتاده من توهّم «1» الجزء: 3 ¦ الصفحة: 505 حتى قيل: إن القائد نفسه لم يقصد من إذاعة عزمه على تخريب البلدة إلا التخويف والتهديد فقط، وإنه لا يفعل ذلك ولا يقدر على فعله أبدا لحدوث الهدنة في هذه الأيام وصدور الأمر إليه بأن يترك حلب وينسحب عنها بلا ضرر ولا إضرار. والله أعلم بحقيقة الحال. ما كان في حلب بعد وصول الشريف مطر إليها: صباح يوم السبت 21 محرّم استفاض بين الناس أن الوالي والقائد العسكري التركيين سافرا ليلا، وأن عامة الألمان من الجنود وغيرهم لم يبق منهم في حلب أحد سوى المرضى والمستخدمين في تمريضهم في المستشفيات الألمانية، وأن الألمان كان في عزمهم أن ينسفوا بألغامهم كل بناء يخصهم في المحطة وغيرها، وأن القائد العسكري العثماني هو الذي عارضهم بذلك. وقد نسفوا بعض الجسور على نهر قويق. هذا، وإن الناس في صباح اليوم المذكور هرعوا للسلام على الشريف مطر، وكان الروع ذهب من القلوب وظهرت المارّة في الشوارع وتلاحقت عساكر الشريف ببعضها، وانضم إليهم العدد الكبير من عشائر البادية المخيمة في صحارى ولاية حلب، وكانوا يدخلون إليها زمرة بعد زمرة ولا يرون فيها أدنى مقاومة، ولا حدث بدخولهم أقّل خوف، وكان النهب من الدعّار قد وقف، وسكنت الأمور وانتشر لواء الأمان ورفعت الرايات والأعلام العربية على أبواب الأماكن الأميرية، ولم يقتل من بقايا الجنود التركية وغيرهم سوى بضعة أشخاص اشتبه الأعراب بهم فقتلوهم. انفجار ألغام: وفي ظهيرة يوم الأحد 23 محرم سمع بغتة هزيم انفجار مفزع ثلاث مرات متوالية، اهتزت له المباني وارتعدت الفرائص، وتحطم كثير من زجاج النوافذ القريبة من تكية الشيخ أبي بكر الوفائي. وبعد برهة تبين أن هذا الانفجار صادر من ألغام كانت مدفونة في مستودع الأعتاد النارية الكائن في شرقي جنوب التكية المذكورة، وهو مستودع المواد النارية للألمان قرب مستودع الأتراك. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 506 وصول عساكر الإنكليز إلى حلب: في عصر هذا اليوم وصلت إلى حلب عساكر الجنود الإنكليزية فرسانا ومشاة وهجّانة، ومعهم السيارات والعجلات المشحونة بالمهمات الحربية، وهم إنكليزيون ومصريون وهنود. والمصريون مسلمون، والهنود مسلمون وبراهمة وصك، وكان عددهم جميعا لا يزيد على ألف جندي. ويقال إن عددا عظيما من الجنود الإنكليزية لم يدخلوا حلب وإنما توجهوا إلى جهة راجو ونواحي كلّز وعينتاب وغيرهما ليتعقبوا العساكر التركية التي أمّت تلك الجهات. واقعة قرب قرية بلّليرمون: وكانت الجنود التركية- الذين انسحبوا من جهات الراموسة وقرية الشيخ سعيد- قد توجهوا إلى جهة قرية بلّليرمون القريبة إلى حلب، في شماليها الغربي، وكمنوا في موضع من تلك الناحية. فلما وصلت إليها الجنود الإنكليزية خرجوا من مكامنهم وأطلقوا عليهم نيرانهم فقتلوا منهم- على رواية- نحو ثمانمائة جندي، بينهم ضابط إنكليزي كبير أقيم له هناك نصب تذكاري. فرقعة ألغام وقذائف: وفي يوم الاثنين والثلاثاء 23 و 24 محرّم الجاري كنا نسمع من حين إلى آخر دوي انفجارات مزعجة تنفجر في جهة محطتي سكة حديد بغداد والشام في ظاهر حلب، وهي ألغام دفنها الألمان تحت جسور المحطّتين ولم يتمكنوا من إشعالها، فكان الإنكليز يظهرونها بواسطة كلاب معهم فيخرجون منها ما يمكنهم إخراجه ويشعلون ما يعجزون عن إخراجه. وشاع بين الناس أن الألمان دفنوا في قلعة حلب عدة ألغام وأنها عما قريب تنفجر، فارتاع الناس من ذلك ونزح كثير من سكان المحلات المجاورة للقلعة إلى غيرها اتقاء خطر هذه الألغام. ثم تبين أن هذه الإشاعة إرجاف لا أصل له. وصول الشريف ناصر إلى حلب وانعقاد مجلس شورى: الأمير ناصر من الأشراف الحسينية القاطنين في «العوالي» المجاورة للمدينة المنورة. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 507 وحين قيام حضرة الشريف حسين على الأتراك كان الشريف ناصر وأسرته في جانب الشريف حسين، فوكله حضرة الأمير الشريف فيصل في التأمّر مكانه على حلب. فوصل إليها يوم الأحد ثاني وعشرين محرّم الجاري، ونزل ضيفا كريما في منزل أحد وجهاء حلب في محلة الجميلية. وبعد أيام انتقل إلى دار خصوصية هيئت له في محلة العزيزية. وقبل وصوله إلى حلب كان القائم بحراستها وحفظ الأمن فيها جماعة الشريف مطر، وكانت دار الحكومة والثكنة العسكرية وجميع الأماكن الأميرية خالية من الموظفين. وبعد وصول الأمير ناصر بيومين أصدر أمره قبل كل شيء بأن يؤلف مجلس شورى ينتخب الدرك والشرطة أولا، ثم ينتخب موظفين لدوائر الحكومة. فتألف هذا المجلس من اثني عشر عضوا من وجهاء حلب في أيام الدولة التركية، وقد انتخبوا واحدا منهم رئيسا عليهم- وهو حضرة كامل باشا القدسي- ثم شرعوا بانتخاب الموظفين فأحسنوا بتعيين بعضهم وأساؤوا في آخرين شبّوا ونشؤوا على ظلم الناس وهضم حقوقهم، وعدم المبالاة من تضييع منافع الدولة لمنفعتهم والتكاسل عن واجبات وظائفهم واحتقار الناس والتهاون بأقدارهم. ولهذا لم يمض على تعيينهم غير أيام قلائل حتى بدأ الناس يتذمرون منهم ويتشكون من تباطئهم، ووعودهم لصاحب المصلحة في قضاء مصلحته والكتابة على قصته «1» بقولهم: رح، وتعال، وغدا، نظير ما كانوا يفعلون مع أصحاب الأشغال في أيام الدولة الزائلة إذ كانوا يقولون لهم بدل هذه الكلمات (كت، كل، يارن، أوبركون) «2» . حتى اشتهر في هذه الأيام عن واحد من ذوي الأشغال أنه اشتكى إلى الوالي على بعض المأمورين الجديدين الذين هم من هذا القبيل، وقال للوالي: (بدّلنا العجميات بالعكال، وكيت وكال: بروح وتعال) يريد بالعجميات: كسوة الرأس عند الأتراك، وهي الطرابيش والقلانس المعمولة من فرو الغنم. يوم الجمعة 27 محرم الجاري حضر الأمير ناصر إلى الجامع الكبير بموكب حافل وصلى فيه صلاة الجمعة، ودعا الخطيب لملك العرب الشريف حسين بالنصر والظفر. وبعد الفراغ من الصلاة أمر حضرة الشريف ناصر لخدمة الجامع بأربعين ذهبا إنكليزيا. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 508 نادي العرب وجريدة العرب: وفي هذا اليوم تحزب حزب من الشبيبة العربية وأتوا مكان نادي جمعية الاتحاد والترقّي المعروف باسم (قلوب) ووضعوا أيديهم عليه وعلى ما فيه من الكتب والأثاث وسمّوه نادي العرب، وأصدروا صحيفة يومية سموها (العرب) . قدوم شكري باشا الأيوبي إلى حلب في هذه الأيام: وافى حلب حضرة شكري باشا الأيوبي حاكما عسكريا عليها من قبل الحكومة الجديدة. فصلى الجمعة في الجامع الكبير وخلع على الخطيب عباءة حريرية جميلة وتعيّن سلفه كامل باشا القدسي الحلبي قائدا عاما وحاجبا فخريا لحضرة ملك العرب. وصول سمو الأمير الكبير الشريف فيصل إلى حلب: ظهيرة يوم الأحد سادس صفر من هذه السنة وصل سمو الأمير الكبير الشريف فيصل إلى حلب، وأقبل معه الوفد الذي ذهب قبل أيام لاستقباله إلى حماة. وقد أعدّ لاستقباله على مقربة من حلب موكب حافل، فنزل سموّه في دار هيئت له من محلة العزيزية وأقبل الناس عليه للسلام، فكانت أخلاقه المرضيّة والتفاته العالي محلّ إعجاب الجميع. وأول شيء فعله إصدار أمره بحلّ مجلس الشورى لما بلغه عنه من عدم استقامة مسلكه، وأن يقوم مقامه لجنة تؤلف من وجهاء المستخدمين الملكيين والعدليين. أخذ الأمير فيصل بيعة الحلبيين لأبيه الشريف حسين بن علي ملك العرب: بعد ظهر يوم الثلاثاء من صفر الخير حضر إلى نادي العرب بالموكب الحافل سمو الأمير فيصل، وكان النادي غاصا بالمدعوين الذي يعدّون بالمئات، فجلس سمو الأمير على كرسيّ معدّله في غرفة خصوصية من النادي، وصار يتقدم نحوه المدعوون زمرة بعد زمرة ويبايعونه بالتملك على العرب بالنيابة عن جلالة والده ملك العرب ثم يعودون إلى مقاعدهم. وبعد أن انتهت المبايعة قام سموه من الغرفة التي بايع فيها وأقبل إلى محله المعدّ له من صدر ردهة النادي، وقام الشعراء والخطباء ينشدون قصائدهم ويتلون خطبهم- على النسق الجزء: 3 ¦ الصفحة: 509 والترتيب- إلى أن انتهوا منها، فبدأ وهو قاعد يتكلم بما انطوت عليه صحيفة أفكاره من المواضيع العديدة التي يصعب على أعظم رجال الخطابة استيعابها وإيرادها في مثل هذا المحفل العظيم. ولما بدأ بالكلام قام الحاضرون وقوفا- إعظاما وإجلالا له- فأشار إليهم أن اجلسوا لأن كلامي يستغرق وقتا طويلا لا أريد أن تتكبدوا فيه مشقة الوقوف. فجلسوا وأنصتوا ووقف بعض الكتاب والأدباء وبأيديهم القراطيس والأقلام يكتبون ما يفوه به بالحرف الواحد فقال: خطبة الأمير فيصل: «لا شك أنكم أيها السادة ترون منا أعمالا مهمة. إن حلب هي من أقاصي بلاد العرب، لم يتصل بأهلها ما وقع بيننا وبين الأتراك وما هو سبب قيامنا ضدهم. إن الأتراك كانوا يشيعون أن الأشراف اتفقوا مع الدول الغربية على بيع البلاد لقاء دريهمات أخذوها منهم، وأخرجوا ضدنا فتاوى ربما اغترّ بها بعض البسطاء وصدّقها. فنقول في ردّ وبطلان ما زعمه الأتراك فيما شيعوه: إن الدين الإسلامي نشأ بقدرة الله تعالى وانتشر بواسطة محمد النبي العظيم الذي تنسب إليه أسرتنا، فهل يتصور أحد أن أناسا يرضون بهدم ما بناه لهم جدّهم من المجد والشرف. نحن لم نقم إلا لنصرة الحق وإغاثة المظلوم. ساد الأتراك 600 سنة هدموا بخلالها صرح المجد الذي أقامه أجدادنا وأطفؤوا نار العرب، ولكنها لم تطفأ لأن العرب عاشت قرونا وأجيالا لم يتسنّ لغيرها من الأمم أن تعيش مثلها، وكانت العرب تنتظر الفرص لتنتهزها حين سنوحها. نحن العرب نمنا 600 سنة ولكننا لم نمت. لما أعلن الأتراك النفير العام أتوا بأعمال تتبرأ منها الإنسانية ولا لزوم لعدّها. كانت العرب تطالب الأتراك بحقوقها فاغتنموا الفرصة التي مكنتهم من الانتقام من العرب. رأى والدي أن دولة الترك ليست تعمل لأجل دين أو عمل عام ينفع البلاد، ولكنها أعلنت جهادها مع ألمانيا لمجرد الانتقام من العناصر الخاضعة لها مثل العرب. وتبيّن له أن مبادئ الحكومات الغربية المدنية هي مبادئ إنسانية، مبادئ خير، مبادئ نصرة الحق. واتفق معهم- بعد الاتكال على قوة الله تعالى- لعلمه أنهم ينصرون الضعيف الجزء: 3 ¦ الصفحة: 510 ويساعدون على إعادة حقوق الأمم المحكومة، وتعاهد معهم على إزاحة حكومة الأتراك واستخلاص ما اغتصبوه منا نحن العرب. باسم العرب حالف والدي الحكومات الغربية وقام معهم ضد تركيا وألمانيا كتفا إلى كنف، لا كما زعم الأتراك من أن قيامنا كان نتيجة مطامع شخصية. فأنا باسم كافة العرب أخبر إخواني أهل الشهباء أن للحكومات الغربية- خصوصا إنكلترا وفرنسا- اليد البيضاء في مساعدتنا وشدّ أزرنا، ولا تنسى العرب، ما دامت موجودة على وجه البسيطة، فضل معاونتهم. نحن اليوم ندعي التحرر والاستقلال؛ فهذه أقوال، إذا لم نعمل شيئا لحدّ الآن سوى طرد الأتراك من بلادنا وهذا محتم عليهم لأن القدرة الإلهية تأبى تركهم بدون مجازاة لما أتوه من الفظائع. بقي علينا وظائف مهمة جدا وهي تأسيس ملك وحكومة نفتخر بهما أمام العالم أجمع. إن الأمم الغربية قد ساعدتنا مادة وستساعدنا معنى، وإني لأملو «1» عليكم برقية وردت لي منذ ثلاثة أيام تبين لكم إحساسات الدول الغربية نحونا ليفهم جميع أهل الوطن أننا لم نبع البلاد ولن نبيعها أبدا» . وهنا أشار إلى كاتبه بتلاوة البرقية فتلاها، وهذا نصها: حمص: سمو سيدي الأمير فيصل. نقدّم لسموكم صورة البلاغ العام الذي تلقيته من المستر (سته رلنغ) الحاوي على تعهدات الحلفاء وخطّتهم في بلادنا. والله يؤيدكم. 8 تشرين الأول سنة 1334 الحاكم العام لسوريا. الركابي. الصورة: «إن النّوط الذي ترمي إليه فرنسا وبريطانيا العظمى- بمواصلتهما في الشرق تلك الحرب التي أثارها الطمع الألماني- هو تحرير الشعوب التي طالما ظلمها الترك تحريرا نهائيا، وتأسيس حكومات ومصالح أهلية تبنى سلطتها على اختيار الأهالي الوطنيين لها اختيارا لا جبرا، وقيامهم بذلك من تلقاء أنفسهم. وتنفيذا لهذه النيات قد وقع الاتفاق على تشجيع العمل لتأسيس حكومات ومصالح أهلية في سوريا والعراق اللتين الجزء: 3 ¦ الصفحة: 511 أتم الحلفاء تحريرهما، وفي البلاد التي يواصلون العمل بتحريرها، وعلى مساعدة هذه الهيئات والاعتراف بها عند تأسيسها فعلا. والحلفاء بعيدون عن أن يرغموا سكان هذه الجهات على قبول نظام معين من النظامات وإنما همتهم أن يحققوا معاونتهم ومساعدتهم النافعة حركة الحكومات والمصالح التي ينشئها الأهالي لأنفسهم مختارين حركة منتظمة؛ وأن يقيموا لهم قضاء عادلا واحدا للجميع، وأن يسهلوا انتشار العلم في البلاد وتقدمها اقتصاديا، وذلك بتحريك همم الأهالي وتشجيعها، وأن يزيلوا الخلاف والتفرق الذي طالما استخدمته السياسة التركية. ذلك ما أخذت الحكومتان الحليفتان على نفسيهما مسئولية القيام به في البلاد المحررة» . ثم أردف الأمير فيصل هذا بقوله: «لا شك أن هذه البرقية من النّبذ التاريخية العظيمة. وإنها تنم عن شواعر عالية وحسيات إنسانية لا يقوم العرب بأداء واجب الشكر عليها إلا بتحقيق أماني هذه الدول، وهي تشكيل وتنظيم حكومة عادلة قوية تحفظ حقوق جميع أهل البلاد. إننا اليوم في موقف حرج. الأمم المتمدنة وحلفاؤنا ينظرون إلينا بنظر الإعجاب والتقدير، وأعداؤنا يرمقوننا بعين الانتقاد. خرج الأتراك من بلادنا ونحن الآن كالطفل الصغير لا حكومة ولا جند ولا معارف، والسواد الأعظم من الشعب لا يفقهون من الوطنية والحرية ولا ما هو الاستقلال، حتى ولا ذرّة من كل هذه الأمور. ذلك نتيجة ضغط الأتراك على عقول وأفكار الأمة. فلذا يجب أن نفهم هؤلاء الناس قدر نعمة الاستقلال، ونسعى- إن كنّا أبناء أجدادنا- لنشر لواء العلم؛ لأن الأمم لا تعيش إلا بالعلم والنظام والمساواة وبذلك نحقق آمال حلفائنا. أنا عربي وليس لي فضل على عربي ولو بمثقال ذرة. إنني أوفيت وجائبي الحربية كما أوفى والدي وجائبه السياسية، فإنه تحالف وتعاهد مع أمم متمدنة أوفت بعهودها ولا تزال تساعدنا على تشكيل حكومة منتظمة. فعلينا إبراز هذه الأمنية إلى حيّز الوجود بكمال الحزم والعزم لأن البلاد لا يمكنها أن تعيش بحالة فوضى، أي بلا حكومة. وهذا واجب ذمة الأمة وأهل البلاد ونبرأ إلى الله مما يحصل لهذه البلاد بعد اليوم. أنا ومن معي سيف مسلول بيد العرب يضربون به من يريدون. أحضّ إخواني العرب- على اختلاف الجزء: 3 ¦ الصفحة: 512 مذاهبهم- بالتمسك بأهداب الوحدة والاتفاق ونشر العلوم وتشكيل حكومة نبيّض بها وجوهنا لأننا إذا فعلنا كما فعل الأتراك نخرج من البلاد كما خرجوا، لا سمح الله، وإن فعلنا ما يقضي به الواجب يسجل التاريخ أعمالنا بمداد الفخر. إنني أقلّ الناس قدرا وأدناهم علما، لا مزية لي إلا الإخلاص. إنني أكرر ما قلته في جميع مواقفي بأن العرب هم عرب قبل موسى وعيسى ومحمد. وإن الديانات تأمر من في الأرض باتّباع الحق والأخوّة. وعليه فمن يسعى لإيقاع شقاق بين المسلم والمسيحي والموسوي فما هو بعربي. إننا عرب قبل كل شيء، وأنا أقسم لكم بشرفي وشرف عائلتي، وبكل مقدس ومحترم عندي، بأنه لا تأخذني في الحق لومة لائم، ولا أحجم عن مجازاة من يتجرأ على ذلك، فلا أعتبر الرجل رجلا إلا إذا كان خادما لهذه التربة. عندنا والحمد لله رجال أكفاء كثيرون ولكنهم مقيمون خارج الديار وفي بلاد الأتراك وسيأتون قريبا إن شاء الله فيصلحون الخلل الموجود هنا، ولا يجدر أن نتقاعس عن العمل ريثما يأتون فما لم يدرك كله لا يترك جلّه. ويلزم علينا أن نبتدئ بدون أن ننظر للمرء من حيث شرف عائلته وخصوصيته؛ بل ننظر إلى الرجل الكفؤ، شريفا كان أو وضيعا، إذ لا شرف إلا بالعلم. الإنسان يخطئ فإذا أخطأت سامحوني وبيّنوا لي مواطن خطئي. بما أن أغلب الأفراد يجهلون قدر نعمة الاستقلال- كما بينت لكم- فلا يبعد أن يحصل في بعض المحلات ما يخلّ بالأمن، فالحكومة مجبورة على تطبيق معاملاتها على القانون العسكري العرفي مدة الحرب بينما يتم تشكيل حكومة منتظمة. أرجو إخواني أهل البلاد أن ينظروا إلى الحكومة نظر الولد البارّ للوالد الشفوق ويساعدوها جهد طاقتهم، ويعلموا أن الحكومة مشارفة على أعمال الأفراد والموظفين. إن الحكومة في طورها الجديد بحاجة لإيجاد قوة تحفظ كيانها فكل من يعيث بأوامرها ويخل بمقرراتها يستهدف ليدها القوية. ولأجل حفظ الاستقلال ليس إلا أن أدعو أهل البلاد للاهتمام الزائد لتكوين حكومة ثابتة الأركان منيعة الجانب. الدرك والشرطة هما قوام البلاد وبدونهما لا تنتظم أحوال الحكومات، لذلك أطلب من الجميع وخصوصا الشبان أن ينتظموا بهما وأن لا يتأخر أحدهم عن خدمة وطنه وبلاده، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 513 بدون النظر لموقعه العائلي. فإن الشرطة وظيفة شريفة عالية وإن الإنسان يتولى كل عمل في داخليته وبيته، حتى تجد ربّ البيت يكنس داره بيده ولا يرى بها استخفافا. وستكون القوانين السابقة مرعية الإجراء إلى أن يتم سن القوانين من قبل المجلس الأعلى أي مجلس الأمة. الحكومة الحاضرة تحفظ الأمن والانتظام ريثما تتعين هيئات الحكومة الجديدة. العرب أمم وشعوب مختلفة باختلاف الأقاليم، فالحلبي ليس كالحجازي، والشامي ليس كاليماني. ولذا قد قرر والدي أن يجعل البلاد مناطق يطبق عليها قوانين خاصة بنسبة أطوار وأحوال أهلها: فالبلاد الداخلية يكون لها قوانين ملائمة لموقعها، والبلاد الساحلية أيضا يكون لها قوانين طبق رغائب أهلها. كان من الواجب علينا أن نبدأ أولا بجمع الهيئة التي تسن هذه القوانين، ولكن العرب الذين هم في البلاد الخارجية هم أعلم منا بالقوانين الأكثر ملاءمة للبلاد، ولذلك نرجئ هذا الأمر إلى وقت اجتماع هؤلاء. وفي أقرب وقت يصلون إن شاء لله. بيد أنني استدعيت من الخارج رجالا قديرين على وضع قوانين صالحة ملائمة لروح البلاد وطبائع أهلها، وسيكون اجتماعهم في دمشق أو في غيرها من البلاد العربية لعقد مؤتمرهم، وسأنظر بأعجل وقت بشؤون الأوقاف والكنائس وردّ حقوقها المغصوبة من قبل الأتراك ونعطي كلّ ذي حقّ حقّه. وأطلب من أخواني أن يعتبروني كخادم للبلاد. إنكم أعطيتموني البيعة بمنتهى الإخلاص والرضاء فأقابلها بالقسم العظيم أني «1» لا أفتأ عن نصرة الحق وردّ الظلم وكل ما يرفع شأن البلاد. أرغب إلى الأهالي أن يؤازروني بالعمل في خدمة الجامعة إلى أن يلتئم مجلس الأمة، فأقول حينئذ هذه بضاعتكم ردّت إليكم. إن حلب خالية من المدارس فأتمنى لها مستقبلا علميا باهرا كما كانت عليه بالتاريخ. وأرجو أخيرا صرف الهمة والفعالية لأمرين مهمّين: (1) حفظ الأمن العام. (2) ترقية المعارف. فو الله لا يمتاز أحد عندي إلّا بفضله وعرفانه. عند مروري من حماة أثرت همة الأهالي بكلمات وجيزة للعناية بالعلم وافتتاح المدارس، وبجلسة واحدة تبرع بضعة أشخاص بأربعة آلاف جنيه وأوعد الآخرون بإبلاغهم 12 ألف جنيه. وسأستدعي حضرات الأهالي بحفلات خاصة للعناية بهذا المشروع الهام مشروع الجزء: 3 ¦ الصفحة: 514 العلم، روح البلاد ونفع العباد، ويمتع الأمة بالحياة الرغيدة. والسلام» . اه. أقول: إن هذا الخطاب قد جمع فأوعى، وحقيق لمن يورده ارتجالا وبديهة أن يكون في عداد الطراز الأول من الذين أوتوا أكبر نصيب من علو المدارك وصفاء القرائح. على أن العبرة للمعاني لا للألفاظ؛ إذ هي بمنزلة الروح، والألفاظ كالأجسام والجسم بروحه لا بشكله، وإلا استوى الحيوان والجماد. سفر الأمير فيصل: ليلة الخميس عاشر صفر سنة 1337 ورد على حضرة الشريف الأمير فيصل برقية فحواها أن يشخص على الفور والعجلة إلى مكة المكرمة لمقابلة حضرة الملك والده العالي، ثم يسافر من مكة إلى باريس ليمثّل والده في مذكرات الصلح العام الذي ينعقد هناك قبل انقضاء مدة الهدنة. وفي صباح يوم الخميس هرع لوداعه العلماء والرؤساء الروحيون والوجهاء والأعيان من كل ملة، وبارح حلب قاصدا جهة الحجاز المباركة. وفي هذا اليوم وصل إلى حلب وفود من علية أهل الشام وحمص وحماة لزيارة حضرة الأمير الشريف فيصل وعرض إخلاصهم عليه وتأكيد روابط المحبة والإخاء بين أهل بلادهم وأهل مدينة حلب. وبعد قدوم هذه الوفود بأيام قليلة أدبت لهم بلدية حلب في فندق البارون مأدبة حضرها الجمّ الغفير من الوجهاء والأعيان والشعراء والخطباء فتليت الخطب وأنشدت الأشعار وكانت مأدبة حافلة. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 515 كلمة في بني عثمان نأتي هنا بنبذة نبين فيها بعض ما كان لسلاطين آل عثمان على العالم الإسلامي من الأيادي البيض التي توجب على كل منصف أن ينظر إليهم بعين التجلّة والاحترام، ويغضّ الطرف عن بعض هنات كانت تصدر عن بعضهم بمقتضى المحيط الذي وجدوا فيه، أو بحكم التقاليد والتطور الزمني، لا بمقتضى عواطفهم التي فطرت على محبة العدل والتمسك بأهداب الشرع والحرص على اتباع أحكامه، كما يظهر ذلك من تراجم أحوال السلف الصالح منهم. إن الدولة العثمانية هي الدولة الوحيدة التي بواسطتها لمّ الله شعث العالم الإسلامي، واستأنف مجده وأعاد عزّه وأطلع في سماء الشرف شمسه بعد أن تشتت شمله وذلّ أهله وكادت تطفأ أنواره وتخسف أقماره. فإن كل من تصفح وجوه التاريخ الإسلامي وأحاط علما بما سطّره من الحوادث والكوائن- منذ القرن الخامس إلى أوائل القرن العاشر- يتضح له جليا أن العالم الإسلامي قد وصل في آخر هذا الدور إلى الغاية القصوى من التقهقر والانحطاط، لما توالى عليه في هاتيك الأعصار من النكب والمصائب التي انتابته في الحروب الصليبية، وغارات المغول والتاتار وغيرهم من الأمم التي كانت تتظاهر بمناوأة الإسلام، ولما كانت عليه في تلك الأيام حكام المسلمين وملوكهم من الجهل والطيش والتباغض والتنافس مع بعضهم، وافتراق الكلمة والانهماك بالملذات، والمسلمون في الشرق والغرب تتخطفهم ذئاب أعدائهم كأنهم غنم، تخلّى عنها رعاتها في ليلة مطيرة، إلى أن سطع نجم الدولة العثمانية وعلا صرح مجدها وأرهبت عالم الربع المسكون سطوتها، فانتعشت روح الإسلام وعاد إلى أحسن ما كان عليه في عهد العباسيين، وخفقت راية الهلال على أصقاع عظيمة من القارات الثلاث، ورتع تحت ظل هذه الدولة- في بحبوحة الأمان والاطمئنان- مائة وعشرون مليونا من النفوس المختلفة العناصر المتعددة الأجناس، المتعاندة في الديانات والعادات، شعوب وأمم وأقوام مدنية وبدوية منبثة في تلك الممالك الجزء: 3 ¦ الصفحة: 516 الصعبة المسالك، البعيدة الأكناف، المترامية الأطراف، التي يستحيل فيها على أعظم حكومة سائسة في تلك الأعصار- التي فقدت فيها وسائط النقل وسهولة السفر وآلات الاستخبار- أن تبث بين من في هذه المملكة من الشعوب العظيمة روح الوفاق والوئام، وتجمع بين رضاهم من بعضهم ورضاهم من حكومتهم وانقيادهم إليها طائعين مختارين شاكرين منها حامدين غير ناقمين عليها عملا، ولا منتقدين لها سياسة، مجمعين على حسن سلوكها، متفقين على حبها وولائها. كان العدد الكبير من الملوك العثمانيين لا يقلّون بمنزلتهم- فيما شادوه في العالم الإسلامي من المآثر والمفاخر- عن السلطانين المعظّمين المعدودين من أعاظم ملوك الإسلام، وهما نور الدين محمود بن زنكي، وأتابكه المرحوم السلطان صلاح الدين يوسف ابن أيوب. بل لو تصفحت وجوه التاريخ واستقصيت أخبار هذين السلطانين العظيمين وأخبار عظماء ملوك بني عثمان؛ لظهر لك جليا أن هؤلاء الملوك أربوا- بفضائلهم وبما فتحوه من الممالك- على السلطانين المشار إليهما، ذلك أن هذين السلطانين كانا واقفين في جهادهما موقف الدفاع والمحاماة عن بيضة الإسلام في القطعة الشامية وبعض جهات إفريقية والجزيرة. أما عظماء سلاطين بني عثمان فإنهم لم يقنعوا من عدوّهم بأن يقفوا له في موقف يدافعونه به عن بلادهم فحسب، بل دفعتهم هممهم العلية وغيرتهم الدينية إلى أن يطردوه من ديارهم ثم يغزوه في عقر داره ويستولوا على أصل وطنه وقراره، ويطؤوا بحوافر خيولهم أرضا وديارا لم يطأها أحد قبلهم من خلفاء المسلمين وعظماء سلاطينهم الفاتحين. قال الأستاذ جرجي زيدان في كتاب «التمدن الإسلامي» منوها بعظمة سلاطين بني عثمان: إنهم فتحوا القسطنطينية التي يئس ملوك المسلمين من فتحها، وحاربوا أعظم ملوك أوربا وطاردوهم إلى بلاد المجر، وحاصروا «فينّا» وأخذوا الجزية من ملوك النمسا، واكتسحوا البحر الأبيض إلى شواطىء إسبانيا، فارتعدت أوربا خوفا منهم وفتحوا الشرق إلى العراق، ثم ساروا جنوبا غربيا حتى فتحوا الشام ومصر، وامتدت ممالكهم في عهد السلطان سليمان من بودابست- على ضفاف الطونة- إلى أصوان على ضفاف النيل، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 517 ومن الفرات بالعراق إلى بوغاز جبل طارق، فاجتمع العالم الإسلامي تحت جناحهم واغتبط بسلطانهم «1» . اه. خفقت رايات أولئك الملوك على معظم سواحل البحر الأبيض وسواحل البحرين الأحمر والأسود، واستحقوا أن يشاد بذكرهم على سائر منابر الأقطار الإسلامية ويلقّبوا بسلاطين البرّين وخواقين «2» البحرين، بل حق لهم أن يلقبوا بسلاطين الأقطار وخواقين البحار، ذلك اللقب التشريفي الذي لم يستحقه غيرهم من ملوك المسلمين. تناهي السلاطين العثمانيين بالأبهة والعظمة: ومما يدل على تناهي الصدر الأول من الملوك العثمانيين في الأبهة والعظمة ما حكاه الأستاذ الفاضل السيد محمد جميل بك بيهم في كتابه «فلسفة التاريخ العثماني» حيث قال ما خلاصته «3» : (إن نجاح تركيا الحربي والسياسي رفعها إلى رتبة سامية شخصت إليها الأمم بأعين الهيبة والوقار، وجعلتها تلقي من عل على سائر الدولة نظرات الاستكبار «4» ، فقد أجمعت أوربا على تلقيب إمبراطورة «5» آل عثمان في مراسلاتهم بالسيد الأعظم. على حين أن السلاطين كانوا يكتبون إلى ملك فرنسة: «إليك فرنسوا» . ونقل جودت باشا أن السلطان سليمان كان يكتب إلى ملك فرنسة: «إلى فرنسيس ملك ولاية فرنسا» مما يدل على أن السلاطين العثمانيين كانوا يعتبرون الدول المعاصرة من قبيل الإمارات والإقطاعات. على أن تلقيب السلطان سليمان فيما بعد «فرنسوا» المشار إليه بلقب «باديشاه» لم يكن إلا بداعي الصداقة؛ فإن هذا اللقب لم يمنحه السلاطين [فيما] بعد لعاهل مسيحيّ إلا لقيصر روسيا سنة 1774 م/ 1188 هـ، وكانوا يضنّون بهذا اللقب على إمبراطورة «6» ألمانيا، ولا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 518 يعتبرون هؤلاء إلا بمثابة ملوك المجر التابعين للباب العالي، الذين يؤدون الجزية عن يد وهم صاغرون. وكانوا يتعالون عن التقييد بالمعاهدات مع العواهل، ويأنفون- إذا وعدوا أحدا منهم بالمساعدة- عن أن يدونوا وعدهم، مكتفين معه بمجرد كلام. وكذلك كانوا يأنفون من نصب سفراء لهم في عواصم الدول الأجنبية؛ لاعتقادهم أنهم في غنى عن سائر العالم، وأنه على رجال الممالك الأجنبية المحتاجة إليهم أن يحجّوا إلى القسطنطينية عاصمة الكون. وكان على سفراء الدول عند الملوك العثمانيين أن يقدموا للسلطان وكبراء حكومته هدايا ثمينة على سبيل الجزية. وكان السفير حين يقابل السلطان يمسكه اثنان من الحرس السلطاني من ذراعيه المكتفين ويتقدمان «1» به حتى إذا دنا من العرش خرّ مقبلا موطئ «2» قدم السلطان. تلك بعض الأمثلة من أدلة العظمة التي كان عليها العثمانيون في عصرهم الذهبي وتلك الأيام المتداولة بين الناس) . أسباب انقراض الدولة العثمانية: ذكر العلامة المؤرخ السيد محمد كرد علي- في كتابه خطط الشام- أسباب انقراض هذه الدولة نقلا عن مؤرخ تركي، فقال ما خلاصته: إن لأسباب انقراض هذه الدولة عوامل كثيرة أهمها: (1) انقطاع البطولة من المسلمين وقيام الأتراك سدا أمام النصرانية، وبذلك جلبوا عليهم خصومة أوربا المسيحية جمعاء، فكانت مطارق المسيحيين تتساقط على رؤوس الأتراك مدة قرون. (2) إقرار تركيا العناصر المختلفة- المنضوية تحت رايتها- على ألسنتهم ودياناتهم، ففتحوا للأجانب سبيل التدخل في شؤون الدولة الداخلية فكانوا سببا لانقراضها. (3) تدخل الدين في مصالح الحكومة وعدم قيام بناء الدولة على ما يجب. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 519 (4) جهل الملوك واستبدادهم وسفاهتهم. (5) تربيتهم رجالا من العناصر المختلفة كالعرب والأرمن وتسليمهم أمور الدولة. (6) هوس روسيا بالانتقام لمملكة بيزنطية، واستمرارها على محاربة تركيا لتحقيق هذا الغرض. ثم قال المؤرخ التركي ما معناه: إن الحكومة العثمانية تذرعت بالمعنويات دون الماديات، وإنها بدلا من تجمع العنصر التركي تحت علم واحد صرفت جهودها إلى أواسط إفريقية وإلى أوربا، وأهملت العالم التركي الذي كان يجعلها في حرز منيع من غارات أوربا ويكفيها شرّ عداوتها، وإنها جعلت للغة العربية والفارسية سبيلا للعبث باللغة التركية فعاث بأهلها الفقر والجهل. قال الأستاذ السيد محمد كرد علي، بعد أن أتى على ذكر هذه الأسباب مفصلا: ونحن نقول إن السبب الأعظم لانقراض الدولة العثمانية تغافلها عن تقليد الغرب في الماديات والمعنويات، فظهر على توالي القرون الفرق بين الخامل والعامل. وإن تركيب الدولة من عناصر مختلفة- معظمها غير مسلمين- كان من جملة الدواعي في عدم تركيبها تركيبا مزجيا، خصوصا ومعظم تلك العناصر أرقى من الترك الأصليين عنصرا أو أكثر ذكاء وأعظم تاريخا، ولا عيش للمتوسط مع الذكي، وإذا أخضعه لسلطانه بالقوة فإلى حين. أقول: ليس جميع ما ذكر المؤرخ التركي- من أسباب انقراض الدولة العثمانية- مما يسلّم به جدلا. ولولا خوف الإطالة لفندنا معظمه. على أن هناك سببين قويين لانقراض الدولة العثمانية أشار المؤرخ المذكور إلى أحدهما، ولم يوفّه حقه من التفصيل والبيان وأهمل ذكر الآخر بتاتا: أما السبب الأول الذي أشار إليه: فهو عداء روسيا وإرهاقها تركيا بالحروب مدة قرون طويلة، بحيث كانت لا تدع لها مجالا لتنظيم صفوفها وإعداد قواتها البحرية والبرية للحرب التالية إلا وتباغتها بالحرب مباشرة أو بالواسطة. فروسيا هي التي كانت تعوق تركيا عن مماشاة أوربا في مهماتها الحربية وأعمالها الاقتصادية؛ لأنها كانت متى أحست بنسمة انتعاش تهب عليها تعاجلها بالحرب مباشرة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 520 أو تسعى بعرقلة مساعيها بواسطة إثارة القيام عليها من قبل إحدى الأمم التي تمت إليها بأواصر العنصرية أو وحدة المذهب. سبب هذا التسلط: وكان سبب هذا التسلط غلطة من الملوك العثمانيين أوقعهم فيها اغترارهم بقوتهم واستخفافهم بقوة روسيا، وإهمالهم ردعها حينما كانوا قادرين عليه، ومغادرتهم إياها متسلطة على ممالك خانات «1» القريم. وبيان ذلك أن خانات القريم والدشت كانوا هم المسيطرين على الروس مدة مئة وخمسين سنة، بحيث كان كناز الروس كالعامل لهم على مملكته، كما أشرنا إلى ذلك في الفصل الذي سبق بيانه من هذا الجزء تحت عنوان (إجمال في الأتراك) . ثم لما وقع الخلف بين خانات القريم والدشت، ودخل تيمورلنك بلادهم وخربها واستولى على قسم عظيم منها- واشتغل الخانات بقتال بعضهم- اغتنم الروس هذه الفرصة وقاموا نحو بلاد الدشت، فطمت بحار غلبتهم عليها وكادوا يعمّونها بالاستيلاء، وكان الملوك العثمانيون- في ذلك العهد- في عصرهم الذهبي، بحيث كان يمكنهم أن ينضموا إلى خانات القريم ويصدوا تغلب الروس عليهم، غير أنهم تركوا الخانات وشأنهم مع الروس، قصد أن توهنهم الروس وتضعف سطوتهم، وحينئذ يجهز العثمانيون على ما تبقيه الروس من بلادهم فيستولون عليها بأدنى عناء. ووجه الغلط في هذه المسألة هو أن العثمانيين- اغترارا بقوتهم- لم يفكروا بأن ممالك الخانات كانت سدا منيعا بينهم وبين الروس، كما أنهم- استخفافا بالروس- لم يخطر لهم على بال بأن روسيا ستبلغ باستيلائها على ممالك الدشت والقريم غاية القوة والعظمة، وأنها متى استولت على ذلك السدّ تجرّها عظمتها إلى الطمع بالمملكة العثمانية والاستيلاء على القسطنطينية مملكة البيزنطيين. السبب الثاني لانقراض الدولة العثمانية: السبب الثاني لانقراض هذه الدولة هو جنودها المؤلفة من الانكشارية، فإنهم بعد أن افتتحت الدولة بسيوفهم ذلك الملك العظيم داخلهم الغرور واستولى عليهم الكسل والشّره الجزء: 3 ¦ الصفحة: 521 بالمال، وأصبحوا مدة قرنين عونا على الملوك العثمانيين بعد أن كانوا عونا لهم، فكان قيامهم على أولياء أمورهم في مدد متواصل وإثارتهم الفتن والقلاقل في البلاد، وتسلطهم على الرعايا، في استمرار غير منقطع. وفي كثير من الأوقات بينما كانت الدولة في ارتباك وشغل شاغل من أمر أولاء الجنود؛ كانت روسيا ترهقها بالحرب اغتناما لفرصة اشتغالها بتسوية أمور داخليتها. وكان سبب بلوغ الانكشارية تلك الدرجة من العتوّ والتمرد غلطة الصدر الأول من الملوك العثمانيين، وهي أنهم كانوا يبالغون بالإحسان إلى الانكشارية ويعاملونهم معاملة الوالد الشفوق على ولده الوحيد حتى نبهتهم تلك المعاملة إلى عظم شأنهم وعرفتهم أنهم هم روح المملكة وأولياء نعمة ملوكها وشعوبها، فهاموا بهذه الخيالات وطغوا وبغوا، وأصبحت المملكة العثمانية في أيديهم كسفينة تتقاذفها عواصف شرورهم، فلم يستطع السلاطين ردعهم ووقف تيار غلبتهم إلا بعد مشقات عظيمة أشرنا إلى بعضها في الإجمال الذي ذكرناه في هذا الجزء تحت عنوان «نبذة في الكلام على هذه الطائفة» فراجعه. أسباب سرعة سقوط العراق والشام: لا ريب في أن سرعة سقوط العراق والشام في يد إنكلترة وخروجهما من يد العثمانيين لم يكن إلا بسبب تقاعد أهل هذه البلاد عن مظاهرة جيوشهم وشدّ أزرهم، خصوصا أهل العراق وأهل سوريا الجنوبية من حضر وبدو فإنهم لم يقنعوا بالتقاعد عن نصرة تركيا فحسب، بل ظاهروا جيوش الدولة البريطانية وأعانوهم على الجيوش العثمانية بكل ما استطاعوا، فاستولت جيوش إنكلترة على هذه البلاد بأقرب وقت، ولولا ذلك لما تمكنت هذه الجنود من الاستيلاء عليها في أقل من بضع سنوات إن لم يحدث في الكون ما يعوق استيلاءهم عليها ويبقيها في يد العثمانيين. على أن لمظاهرة أهل تلك البلاد الجيوش البريطانية أسبابا عديدة أخص منها بالذكر هنا نفرة قلوب أهلها من تركيا بسبب أغلاط ارتكبها الاتحاديون اغترارا بأنفسهم. وكان بعض المحامين عنهم يعتذر لهم بقوله: إن جميع ما أتوا به من الأسباب التي نفّرت قلوب الرعية لم يقصدوا بها سوى المصلحة العامة دون المصلحة الخاصة، وإنهم لم يفعلوه إلا بنيّة خالصة وغرض عام، غير أن الأقدار لم تساعدهم فما كان غلطهم إلا من قبيل الجزء: 3 ¦ الصفحة: 522 الخطأ بالاجتهاد لا يسألون عنه أمام الله وأمام الناس ما دامت نياتهم بإتيانه حسنة. نقول: إن الخطأ بالاجتهاد المعفوّ عنه إنما هو خطأ الأئمة المجتهدين في مفهوم المتشابه من القرآن والحديث، فإن المجتهد منهم في ذلك إن أصاب فله أجران وإن أخطأ فله أجر. أما المجتهد المخطئ من غيرهم فإنه مؤاخذ على خطائه بل تكون عقوبته على قدر المضرّة التي تنشأ عن خطائه ردعا له عن التهور فيما لا يدري عاقبته. فالاتحاديون الذين أخطئوا باجتهادهم في مسائل هذه الحرب لا يسامحون بخطائهم؛ لأن الضرر الذي نشأ عن خطائهم كان عظيما. على أن النتائج السيئة التي نتجت عن اجتهادهم بديهية لا تحتاج إلى إمعان فكرة وإجهاد قريحة، فما هو إلا من قبيل التهور والهجوم على خطر محسوس. وحسبهم موجبا للمؤاخذة استبدادهم في أعمالهم وتركهم الشورى المطلوبة شرعا وعقلا. هذا إذا قلنا إن جميع ما أتوا به من الأغلاط المنفّرة مما يحتمل الاجتهاد. والحال أن كثيرا من المنفّرات التي أتى بها بعض زعانفهم لم يحملهم عليها سوى الطمع والشره في أموال الدولة والرعية، كما أن كثيرا مما أتى به بعض المنتسبين إليهم من المنفّرات لم يبعثهم على إتيانه باعث سوى الميل إلى الهوى ومطاوعة النفس البهيمية، ومنها ما دعاهم إلى إتيانه مجرد الاستخفاف بالدين واعتقادهم المغلوط بأن الدين مناف للمدنية. ومن غرائب تهور سفهاء الاتحاديين وقلة تبصرهم أنهم اختاروا في جميع أعمالهم المتعلقة بهذه الحرب طريقة الإفراط المحض، فطرحوا المعاملة بالرفق والمواساة، واستعملوا في كل حركة من حركاتهم الشدة والعنف. وكانوا إذا نهاهم عن ذلك ناه وأرشدهم إلى استعمال الرفق في موضعه والعنف في محله قالوا له: إن هذه الحرب هي حرب حياة أو ممات لا واسطة بينهما. وقد غاب عنهم أن ولاة الأمور في الدولة الضعيفة هم بمنزلة الطبيب للمريض، أيسوغ للطبيب الأمين الحاذق أن يضجر من مريضه ويجازف في حياته ويصف له دواء شديد التأثير يكون فيه للمريض حدّ الفصلين إما أن يميته وإما أن يحييه؟ كلّا، ثم كلّا. بل الحكمة البالغة ومواجب الصنعة يقضيان على ذلك الطبيب أن يستكين إلى الأناة والتؤدة في تطبيب مريضه، وألا يحمله الضجر على اليأس من شفائه ما دامت فيه نسمة حياة، وأن يلطف له الدواء مهما أمكن ويستسلم في تأثير دوائه إلى عوامل القدرة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 523 ولا يخرج في تطبيبه إلى حد الخطر على حياته، فإن أبلّ من مرضه فذاك هو المطلوب، وإلا فلا ملام عليه. ذكر طائفة من الأمور المنفّرة التي كانت أثناء الحرب، وهي تهور جمال باشا وقلة تبصره: من تهوّر جمال باشا- وهو أول شيء دل على طيشه- أنه لما قدم إلى حلب لأول مرة أصدر أمره إلى الوالي جلال بك بأن يحمل الناس على الصعب والذّلول، ويسوقهم فورا إلى جهة «راجو» ليعملوا في تسوية طريق سكة حديد بغداد. وكان صدور أمره هذا ليلا فلم يسع الوالي مخالفته «1» . وفي الحال أمر رئيس الشرطة أن يسوق الناس إلى تلك الجهة بأسرع ما يمكن، فأوعز رئيس الشرطة إلى رجاله أن يطرقوا الأبواب على الناس ويوقظوهم من مضاجعهم، ويقبضوا على من يرونه في طريقهم من الرجال ويسوقوا الجميع إلى تلك الجهة بلا تفريق بين رفيع ووضيع. ففعلوا ما أمروا به وساقوا الناس بثياب نومهم، ومنهم من نجا من شر هذه البلية بنقود دفعها للشرطة.. ولما وصلت هذه الجموع إلى جهة «راجو» قابلهم ضباط عسكريون وقالوا لهم: لأي شيء حضرتم إلى هنا؟ قالوا: لأجل العمل بالطريق. فقالوا لهم: أبأيديكم تحفرون التراب وتقلعون الحجارة؟ وبأي مكان تنامون؟ وأيّ طعام تأكلون؟ ارجعوا إلى حيث جئتم، لا عمل لكم عندنا، ولا مأوى ولا قوت. فرجعوا على أسوأ حالة وقد عرى أكثرهم الذّرب من برد الخريف وقلّة الزاد. نحن لا نعدّ هذا العمل مظلمة من جمال باشا؛ لأن عمل هذا الطريق أمر واجب في أيام هذه الحرب، وإنما نعد التسرع في سوق هؤلاء على هذه الصفة خرقا «2» وقلّة اكتراث بعباد الله. أما كان الواجب عليه قبل سوقهم أن يعدّ لهم ما يأكلون ويهيئ لهم خياما يأوون إليها وأدوات يشتغلون بها ولو كان ذلك كلّه من أموالهم؟ وإنما أرهقهم بالسفر ولم يترك لواحد منهم مجالا لأن يلبس ثوب يقظته، مع أنه يعلم أن الموضع الذي يساقون إليه خلو من كل ما يحتاجون إليه في أنفسهم وعملهم. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 524 ركوب جمال باشا بالعظمة والأبهة: ومن خشونة أخلاق جمال باشا- التي زادته في القلوب نفرة- أنه كان يركب في البلد لبعض شؤونه فيحف به عدد وافر من الفرسان المسلحين يسيرون على صورة رهيبة كأنهم في بلد عصى أهلها على الدولة أو خرجوا عن طاعتها، فكان الناس يقولون نحن لا نحتاج إلى إرهاب لأننا مطيعون للدولة مخلصون بمحبتها، والأولى بجمال باشا أن يسير بهذه المواكب تجاه أعداء الدولة إرهابا لهم لأنهم أولى منا بالإرهاب. انهماكه في المعاصي: ومما نفّر عنه القلوب انهماكه في الملذات وإرصاده لنفسه- في كل بلدة ينزلها من بلاد سوريا وفلسطين- عاهرة يواصلها ويصرف عليها النقود الكثيرة. وربما استقضته مصالح هامة تجني من ورائها المبالغ الطائلة. ولا يخفى على المتبصر ما يجرّ هذا الانهماك من فساد أخلاق الضباط والجنود الذين هم تحت إمرته على حد قول الشاعر: إذا كان ربّ البيت للطبل ضاربا ... فلا تلم الصبيان يوما على الرقص تسلط المأمورين على التجار وأخذ الذهب منهم بالورق: ومن التعديات الفظيعة تسلّط المأمورين العديمي الإنصاف من كل صنف- خصوصا الشرطة ورجال الدرك- على التجار وفقراء الباعة، بتكليفهم إياهم أن يبيعوا منهم بضائعهم بعملة من الورق النقدي على أسعار النقود المعدنية الذهبية والفضية، وأن يسددوا ما يزيد لهم من قيمة الورقة بنقود معدنية على السعر المعتبر عند الحكومة. مثلا يشتري شرطي رطل خبز من امرأة فقيرة بثلاثين قرشا- حسب تنبيه الحكومة- فيدفع لها ورقة نقدية سعرها عند الحكومة مائة قرش، وسعرها في التجارة ثلاثون قرشا، فيكلفها أن تقطع عليه ثلاثين قرشا- وهي قيمة الخبز- وتدفع له الباقي وهو سبعون قرشا نقودا معدنية، فتخسر سبعين قرشا وهو مبلغ يستغرق جميع رأسمالها. وكان الكثير من الضباط والمأمورين العثمانيين يكلفون التجار بأن يصرفوا لهم الورق النقدي بالنقود الذهبية رأسا برأس، فإذا امتنع التاجر عن إجابة طلبهم أهانوه وهددوه. وكان الناس يخافون من الضباط خوفا شديدا لأن كل واحد منهم مستبد بعمله مع الرعية يمكنه أن يتصرف بهم كيفما شاء. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 525 وعليه فإن التاجر معذور على إجابة طلب الضباط، فيصرف لهم الورقة النقدية التي سعرها في التجارة ثلاثون قرشا مثلا بليرة من الذهب قيمتها في التجارة مائة وسبعة وعشرون قرشا، فيلحقه بسبب هذه الصّرافة خساة عظيمة. وكثيرا ما كان الوالي والقائد العسكري يعرضان على جماعة من التجار أن يصرفوا لهما خمسة آلاف ورقة نقدية مثلا بخمسة آلاف ليرا ذهبا، بحجة أنهما يريدان شراء مواش من العربان الذين لا يقبلون قيمة مواشيهم إلا نقودا ذهبية. وقد سبق لنا بيان فساد هذا العذر في الكلام على حوادث سنة 1333. إخراج الناس من بيوتهم قهرا: ومن الأحوال التي نفرت القلوب إخراج أسر كثيرة من أماكنهم جبرا قسرا وجعلها مسكنا لضابط أو مستشفى، أو محلا لإقامة العساكر أو مستودعا للذخائر والمهمات. وكانت جهة العسكرية لا تهمل سكان هذه المحلات غير مدة قليلة بحيث لا يمكنهم أن يتمكنوا في خلالها من أن يظفروا بمكان يأوون إليه، فمتى انقضت مدة المهلة تهجم الجنود على المحل ويخرجوا منه أهله ويأخذوه مجانا بلا أجرة، وربما دفعوا لصاحبه بعد عناء طويل أجرة ورقا نقديا لا تبلغ خمس أجرته الحقيقية بل هي لا تفي بما هو محتّم على المحل من الضرائب الأميرية التي لا بد من دفعها، سواء انتفع به صاحبه أم لم ينتفع. ثم لا تسل عما يجري على المحل الذي يحتله العسكريون من تحطيم البلاط وتكسير الملاط «1» ، وتشويهه بالدخان وحرق أغلاقه وتحطيم زجاجه. هذا ما كانت تفعله في المحلات المذكورة عساكر الأتراك، أما عساكر الألمان فإنهم كانوا يأخذون المحلات اللازمة لهم من أهلها برضاهم وحسن اختيارهم ويدفعون لهم أجرة مثلها وزيادة، وهم مع ذلك محافظون على عمرانها بل ربما صرفوا على تحسينها شيئا من أموالهم، فلذا كان الناس يرغبون معاملتهم ولا يمتنعون عن إجابة طلباتهم. تظاهر جهلة الأتراك ببغض العرب: ومن الأمور التي كانت تنفّر قلوب أهل البلاد العربية وتسيء ظنونهم بنوايا الدولة العثمانية: ما كانوا يسمعونه من وقت إلى آخر من الألفاظ القبيحة التي يفوه بها سفهاء الجزء: 3 ¦ الصفحة: 526 الأتراك من مذمة أبناء العرب وشتمهم وسبهم بكل صراحة، وقذفهم العرب بالغدر والخيانة وتهديدهم بالمهلكات في مستقبل أيامهم. وكنا نسمع هذا الكلام وأشباهه من الأتراك المعدودين من عقلائهم فضلا عما كنا نسمعه من غوغائهم وجهالهم حتى من بعض النساء والصبيان. وهذا كله عدا ما كنا نراه صريحا واضحا في الصحف التركية من العبارات الدالة على استخفاف الأتراك بالعرب وقلة اكتراثهم بصداقتهم. وذلك أن طائفة من الاتحاديين الطائشين كانوا ينادون بالصحف الإخبارية التركية أن الواجب على كتبة الأتراك وأدبائهم أن يطرحوا من كتاباتهم الكلمات العربية ويهجروها من كلامهم بتاتا، ويقتصروا في عباراتهم على اللغة التركية المحضة التي هي لغة «جفطاي» أحد أجدادهم، وأن طائفة من الأتراك كانوا يقولون بلزوم ترك تلقيب السلطان بالخليفة، وأن يكون عنوان السلطان (ايمبراطور) ، وأن تضرب الحكومة التركية الصفح عن بلاد العرب التي لا خير فيها، وتقتصر على البلاد التي يسكنها العنصر التركي فقط، وأن تصرف فكرتها إلى افتتاح تركستان وتجمع تحت رايتها العنصر التركي (وهي فكرة مضى أوانها) وأن لا تحفل بالعرب ولا ببلادهم. وشاع بين الناس أن كبار زعماء الاتحاديين قرروا بأن يتركوا العرب القاطنين في البلاد العثمانية- أي يضطروهم إلى أن ينسوا لغتهم ويصيروا أتراكا- وذلك بأن ينقلوا من البلاد العربية أسرا كبيرة إلى البلاد التركية ويزاحموا البلاد العربية بنقل أسر كبيرة تركية إليها، فيتغلبوا على بقايا أهلها وتنقلب لغتهم إلى التركية. وقد باشروا تنفيذ هذا القرار بالفعل وشرعوا بإجلاء بعض أسر كبيرة من دمشق إلى البلاد التركية بغير سبب معقول. فيا عجبا ممن كان يوسوس بهذه المخازي التي كانت السبب الأعظم في افتراق كلمة الترك عن العرب بعد اتحادها مئات من السنين، وضياع هذه البلاد العظيمة من يد الدولة العثمانية التي كان يخلص في محبتها كل ذي حميّة من العرب. تعليم البنات فن الرقص والتمثيل: وكانت قلوب المسلمين عموما والأمة العربية خصوصا- لما امتازت به عن سواها من قوة الإحساس والشعور- تزداد نفورا واشمئزازا كلما ترى صحف الأستانة تكتب المقالات الضافية في أثناء الحث على تعليم البنات وتهذيبهن، مشيرة إلى لزوم افتتاح أماكن الجزء: 3 ¦ الصفحة: 527 يتعلمن فيها أصول الرقص وأعمال التمثيل المعروفة بالتياترو، وأن يستخدمن في الحكومة كالرجال. إن عقلاء الأمة العربية لا ينكرون وجوب تعليم البنات وتهذيبهن إلى حدّ لا يتعدى ما يلزمهن في تحسين الأحوال المنزلية والتربية العائلية؛ وإنما ينكرون لزوم تعليمهن أصول الرقص وأعمال التمثيل والاستخدام في دوائر الحكومة، ويقولون حينما يقرءون تلك المقالات: إذا كان غرض الحكومة من إيصال البنات إلى هذا الحد هو الاقتداء بأوربا لتترقى بلاد هذه الحكومة كترقي أوربا فإن أوربا لم تجعل إيصال البنات إلى هذا الحدّ أول خطوة من خطواتها في سبيل التقدم والرقي؛ وإنما كانت الخطوات الأولى منها في ترقّيها وتقدمها هو» ممارسة العلوم النافعة العمرانية التي لا يتم للأمم أمر العمران إلا بإحرازها منها النصيب الأوفر، لا من علوم الرقص والقصف ودواعي الفجور والشرور. على أن فن الرقص والتمثيل العلمي لا بدّ وأن يتقدمه علم الأخلاق وتهذيب النفس؛ وإلا كان مدعاة لفساد أخلاق الفتاة وتلويث شرفها. ثم لنفرض أن تعليم البنات الرقص وفنون التمثيل أمر مستحسن؛ إنما كان التجاهر به في هذا الوقت غير مستحسن لأنه مخالف لتقاليد هذه البلاد التي يرى أهلها المسلمون أن التمسك بالشرع من أعظم أسباب الانتصار في هذا الوقت الحرج. إفساح الحكومة مجال البغاء: ومن المنفّرات العظيمة أيضا إفساح الحكومة مجال البغاء، وتكثير فتح أبواب العهر وشدة العناية بتيسير وسائط الوصول إليه في أكثر البلاد العثمانية، حتى كان لحلب من هذه الوسائط النصيب الأوفر، فقد فتح فيها على صفة رسمية ما ينوف على مائتي بيت يجمعها اسم «المنزول» أي الماخور. هذا عدا مئات من بيوت العهر غير الرسمية التي كانت متفرقة في المحلات بين البيوت والمنازل التي يسكنها أهل العرض والناموس، فكان الإنسان إذا رفع خبر بيت من هذه البيوت المدنسة إلى الحاكم لينقل أهله إلى «المنزول» بحسب أحكام القانون يكن «2» جواب الحاكم قوله له: (ليس لنا أن نخرج صاحبة هذا البيت من بيتها الجزء: 3 ¦ الصفحة: 528 إذا لم يظهر منها لجيرانها «زررتي» - يعني بهذه الكلمة فتنة أو استعمال سلاح أو تلويث باب دار جار- أما ما دامت تجري شؤونها، ولا يظهر بسببها للجيران شيء من الإضرار المذكورة فليس لنا عليها من سبيل) . على أن الذي كان يدافع عن أمثال هذه البيوت ويقف في وجه المشتكين منها هم رجال الشرطة أو الضباط العسكريون؛ لأنهم هم الذين كانوا يترددون عليها للعهر، أو كانوا يأخذون من كل بيت منها راتبا أسبوعيا ليدافعوا عنها تجاه أهل المحلة ويحموها ممن يسيء معاملتها من الزبائن. فكان أهل العرض والشرف المجاورون هذه البيوت المدنسة يتكبدون كل ضرر من جوارهم، ويسلبون الراحة والقرار في الحرص على حريمهم وبناتهم كيلا يلحقهن شيء من فساد الأخلاق بسبب الجوار، الأمر الذي أصيب به كثير من الناس وأصبحوا منكسي الرأس. وبينما كان الناس يتضجرون من كثرة المومسات ووفور بيوت الريبة؛ إذ أصبحوا- وهم في أواخر أيام هذه الحرب- فرأوا في محلة «بحسيتا» بيوتا علّق على أبوابها ألواح كتب فيها (ملاقاتخانه) نومرو (كذا) ، أي محلّ لقاء. فسألنا عن المراد من هذه البيوت، فقيل لنا: المراد منها تسهيل الوصول إلى المحبوب لذوي الهيئات الذين يتحاشون الدخول إلى «المنزول» . فعجبنا من اعتناء الحكومة بهذه الأمور الرذيلة، في الوقت الذي تقضي فيه عليها السياسة- فضلا عن الدين- أن يكون تباعدها عنها فوق كل تباعد رعاية لعواطف الرعايا المسلمين. والغريب أن المراجع التي كان يلجأ إليها المشتكي من هذه الأحوال السيئة أصبحت مراكز للمومسات ومصائد لاقتناص الحرائر وإيقاعهن في شبكات الفجور. فقلما كان الإنسان إذا راجع المخفر للتشكي من هذه الأحوال أن لا يرى فيه عاهرة أعدّت لرئيس المخفر أو لأحد مقرّبيه، أو يرى فيه حرّة لها حاجة عند هذا الرئيس قد أمسكها وماطلها لينال منها أربه أجرة له على قضاء حاجتها، فإما أن تضحي شرفها وإما أن تخسر حاجتها. وكانت نساء العساكر اللواتي يأخذن الرواتب الشهرية من الحكومة- في أثناء غياب أوليائهن- عرضة لبذل شرفهن إلى الشرطة المنوط بهم التصديق على حاجتهن للمعاش، وإلى جباة الأموال المعروفين بالتّحصلداريّة وجماعة كتاب الديوان. فكم من محصنة من هؤلاء النسوة اضطرت أن تبذل صيانها لأمثال هؤلاء لتأخذ مرتّبها الشهري الجزء: 3 ¦ الصفحة: 529 الحقير الذي لا يفي باقتياتها سوى يومين من الشهر. وكم جرّت الحاجة أمثال هؤلاء النسوة إلى منتهى درجات التبذل، حتى صرن يجلسن في الشوارع والطرقات عرضة لخطّاب العهر ينلن منهم دريهمات يصرفنها على القوت الذي يحفظ عليهن رمقهن. ومن هؤلاء النسوة من يعز عليهن شرفهن فلم يرضين أن يحفظن رمقهن ببذل شرفهن، فاخترن ما هو أخفّ وطأة من هذا، وصرن يتعاطين السرقة بأنواع الحيل والدسائس فينالهن بسبب هذه المهنة من المكروه والإهانة ما لا يعلمه إلا الله تعالى. ومنهن من لم ترض بهذا ولا بهذا؛ بل حملها شرف نفسها على أن تحفظ رمقها بالتسؤّل والجلوس في الشوارع، ومدّ يدها إلى استعطاف المارّين والعابرين، فكانت تقضي سائر نهارها ولا تجمع قيمة خمسين درهما من الخبز لأن قيمة مائة درهم منه بلغت ستة قروش. كان الإنسان السخيّ يتصدق قبل هذه الحرب على واحدة من أمثال هؤلاء الفقيرات بربع القرش، فتعدّ صدقته كثيرة لأن أكثر الناس يتصدق أحدهم على أمثالها بثمن القرش أو بنصف ثمن القرش، وكانت الفقيرة تعيش من هذه الصدقة الطفيفة عيشة كافلة حياتها واقية نفسها من كوارث السغب وكواسر العطب. أما بعد حدوث هذه الحرب وارتقاء أسعار الأقوات في أثنائها إلى عشرين ضعفا عما كانت عليه قبلها؛ صار ذلك الإنسان يتصدق على أمثال تلك الفقيرات بربع القرش، فترى الفقيرة صدقته جزئية لأنها مهما أعانها الحظ لا يمكنها أن تجمع في يومها ثلاثين ربعا جمعها سبعة قروش ونصف، وهي قيمة مائة وعشرين درهما من الخبز، وهو مقدار لا يكفيها وحدها فضلا عن ولدها أو أولادها المتعددين، فكانت هذه المسكينة تعجّ وتضجّ طول نهارها بل إلى وقت العتمة، وهي تستجير وتستغيث وتنادي بأعلى صوتها: (جوعانه جوعانه يا أهل الخير) فلا تجد لها راحما ولا مغيثا، حتى كأن الشفقة قد نزعت من القلوب ثم لا تلبث هذه المنكودة الحظّ حتى يدبّ الضعف في جسمها وأجسام أولادها، ويستولي عليهم المرض ويكونوا في النهاية فريسة الجوع. كل هذا؛ وأكثر كبار المأمورين من ملكيين وعسكريين يجمعون ألوف الليرات بالتسلط على أرزاق العساكر وأموال الدولة والرعية بأنواع أساليب السلب والنهب ويصرفون ما عزّ وهان من ذهبهم الرنان على شراء الحليّ والحلل لنسائهم، والتغالي فيما يقدمونه لبطونهم وفروجهم، ولا تأخذهم رحمة ولا تهزهم شكوى في تعاسة هؤلاء الفقراء الذين الجزء: 3 ¦ الصفحة: 530 تصدع أصواتهم شمّ الجبال، وتمطر على أولي العواطف الشريفة وابل الوبال والنكال. كتاب «قوم جديد» : ومن منفّرات قلوب المتعصبين للدين- من الرعايا المسلمين العثمانيين- كتاب ألفه رجل يقال له الشيخ عبيد الله باللغة التركية سماه «قوم جديد» أتى فيه بأمور لا يرضاها الحريصون على معتقداتهم الدينية. وكان نشر هذا الكتاب قبل الحرب بمدة قليلة، أي كان نشره في الوقت الذي يجب فيه نشر كتاب ديني ترضاه الخاصة وتقبل عليه العامة، ويصحح اعتقادهم بصلاح دولتهم وصدق إسلاميتها وتعصبها للدين وأهله. ويقال إن هذا الكتاب كان من أكبر العوامل التي زعزعت اعتقاد مسلمي الهند في الدولة العثمانية وجعلتهم يشكّون في صدق إسلاميتها قائلين: لولا تشوه إسلاميتها لما كانت ترضى بطبع هذا الكتاب وتسعى بنشره. كتاب سيرة النبي: ومن الكتب التي هي من هذا القبيل كتاب تكلم فيه صاحبه عن السيرة النبوية، ترجمه من اللغة الفرنسية «1» إلى اللغة التركية، أثبت في مقدمته شمائل وحالات للنبي عليه السلام ينكرها التاريخ ويكفّر الدين من يعتقد صحتها. ثم تكلم على شيء من سيرته عليه السلام فطوى منها كل ما يدل على روحانيته وكونه موحى إليه. هذا التركي الذي ترجم هذا الكتاب- ونقله عن مؤلف أجنبي عن الدين- إما أن يكون اطلع على شيء من كتب السيرة النبوية التي تعد بالمئات؛ وهي من تأليف علماء المسلمين المجمع على صدقهم وسعة اطلاعهم وعلوّ مداركهم، وإما أن يكون غير مطلع على شيء من تلك الكتب. فإن كان مطلعا فكيف يسوغ له عقلا- فضلا عن الدين- أن يعدل عما قالته وسطرته علماء الدين الصادقين المدقّقين «2» إلى كتاب ألفه رجل أجنبي عن الدين، لم يستند في كتابه إلى نقل ولا رواه عن ثقة. وإن كان غير مطلع على شيء من تلك الكتب، أي كتب السيرة النبوية، ولا يعلم أنه يوجد منها غير الكتاب الجزء: 3 ¦ الصفحة: 531 الذي ترجمه؛ كان عليه ألّا يتسرع بترجمته قبل أن يطلع عليه بعض علماء المسلمين ويستشيره بترجمته، فإن رضي أن يترجمه فليفعل وإلّا لا. على كل حال ينبغي أن يكون مترجم هذا الكتاب شابا طائشا مغفلا، أو رجلا سيىء الاعتقاد. وعلى كل فإن الذنب كل الذنب على الحكومة التي رخصت له بطبع هذا الكتاب ونشره غافلة عما يجنيه من نفرة قلوب المسلمين وانحرافهم عن الدولة العثمانية. التسرع بإراقة الدماء: ومن المنفّرات الفاضحة- التي كانت من أعظم مدمرات معاهد الصدق والولاء التي شادتها الدولة العثمانية مدة أربعة قرون في قلوب الأمة العربية- تسرّع جمال باشا ورفقاه من زعماء الاتحاديين في إراقة الدماء، واستخفافهم بأرواح عدد عظيم من الأبرياء الذين هم من زهرة شبان سوريا وبيروت وحلب. إن أهل هذه البلاد قد نسوا مناظر المقتولين والمصلوبين؛ لأنهم مضى عليهم زهاء ستين سنة ولم يروا إنسانا معلّقا على جذع، فما راعهم في هذه الأيام إلا مناظر المعلّقين كل يوم على جذع لأقلّ سبب. فاشتد عليهم هذا الحال ونفرت قلوبهم من هذه الدولة نفرة لا رجوع بعدها. كان لا يمضي علينا أيام قلائل إلا ونسمع فرقعة البنادق التي كانت ترشق رصاصها على الفارّين من العساكر فنأسف عليهم؛ غير أننا لا نلبث أن يزول أسفنا ونرى أنهم عوقبوا بما يستحقونه ثم وردت علينا صحف بيروت تخبر بتعليق جماعة من الشبيبة العربية فيها، اتّهموا بالمروق على الدولة والسعي بأن يستظلوا براية غيرها. فاستعظمنا هذا الخبر أولا ثم قلنا: لعل الذي اتّهموا به أمر واقع. ثم لم يمض سوى قليل من الأيام حتى سمعنا بإلقاء القبض على جماعة كانوا نسبوا إلى جمعية عربية عقدت في مدينة باريس- بعد حرب طرابلس الغرب- تضم إليها زهرة من أبناء العرب مسلمين ومسيحيين، أكثرهم من جالية البلاد العثمانية اللاجئين إلى مصر وباريس، ولو ندره وأميركا. وكان الرئيس على هذه الجمعية عبد الحميد الزهراوي. وقد طبعت كتابا أثبتت فيه نبأ كل ما أجرته، ونسخة كل ما قالته في جلساتها، مع بيان أسماء من حضر إليها أو كاتبها على بعد، ممن رغب الانضمام إليها. وسطرت غير ذلك من الفصول الجزء: 3 ¦ الصفحة: 532 والمقالات الصريحة المشعرة بالغرض من انعقاد هذه الجمعية وأحوالها وماجرياتها. وهو كتاب كبير يستغرق زهاء مائتي صحيفة، تدل مقاصده ظاهرا على أن هذه الجمعية لا تطلب من الدولة العثمانية سوى منح البلاد العربية اللامركزية على شرط بقائها تحت العلم العثماني، حتى إن واحدا من المتطرفين من رجال هذه الجمعية أشار في كلامه إلى لزوم انفكاك هذه البلاد عن العثمانية بتاتا والانضواء تحت راية دولة أخرى، فرد عليه الجميع كلامه وقالوا: لا نرضى أن يظلنا غير راية الهلال. هذا ما يدل عليه ظاهر مقاصد هذه الجمعية. والمفهوم من مقدمة هذا الكتاب- وعبارات الخطب التي اشتمل عليها- أن الذي حمل هذه الجمعية على طلب اللامركزية أمور كثيرة يطول شرحها، وخلاصتها: استئثار دولة تركيا بدخل البلاد دون أن تترك لها منها ما يقوم بتعميرها وجعلها في عداد بلاد الأمم الراقية بمعاهدها العلمية ومعارفها العمرانية التي تثمر أطاييب الحياة لمن جناها من الأمم، وأن تركيا بسبب سوء إدارتها تركت هذه البلاد- التي هي مصدر الترقي ومهد التمدن- مهملة معطلة، أرضها موات وأهلها في عداد الأموات، وقد أهملت المعدات البرية والبحرية الحربية حتى أصبحت تعجز عن أقل عادية تطرأ على بلادها، فصارت مسرحا لمطامع الدول المستعمرة. ومن جهة أخرى خصت أبناء جنسها الأتراك بالخدم العالية، وصرفتها عمن هو أجدر بها منهم من أبناء العرب الذين يتألف منهم ثلثا أهل هذه المملكة. وزد على ذلك ما هو مشاهد من مأموريها وحكّامها من الظلم والجهل وسوء الإدارة والتجاهر بالرشوة والانهماك بالرذائل، إلى غير ذلك من الأمور التي تكون عقباها بلا ريب انسلاخ هذه البلاد من يد العثمانيين إلى يد دولة أخرى لا يبقى معها خيار للناس في كيفية حكمها عليهم. هذه خلاصة بواعث الجمعية على طلب اللامركزية. على أننا لا ننكر وجود نافخ ينفخ في نار حميّة رجال هذه الجمعية لغرض يقصده، وهم يعلمون ذلك ولا يجهلونه وإنما اضطرهم إلى الاستكانة إليه قلّة الظهير والنصير لهم، عملا بقول الشاعر: إذا لم يكن غير الأسنة مركبا ... فما حيلة المضطرّ إلا ركوبها «1» إن رجال هذه الجمعية لم يكونوا هم أول من أدرك سوء مصير حالة الدولة العثمانية، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 533 وأحسّ بانحطاطها إلى الدرجة الأخيرة فقنطوا من صلاحها وأيقنوا بضياع بلادها فقاموا يتحدثون في طلب اللامركزية إبقاء لكيانها؛ بل البادئ بإدراك ذلك قبلهم والمتحدث به كثيرون من متبصري رجال الدولة الأتراك وعقلائهم، حتى إنهم كانوا يعلنون مداركهم هذه في صحف الآستانة ويتظاهرون باستحسان منح اللامركزية الأمة العربية وأنه أبقى على البلاد وأرفق بحالة العباد. إن اليأس من صلاح هذه الدولة في تلك الأيام قد بلغ غايته، وإن ضعفها المتناهي الذي أهاب به انكسارها في طرابلس الغرب والبلقان قد أزال ما كان لها من الهيبة والرهبة في قلوب شعبها، فأمنوا بطشها وصار الكثير منهم ينادي علنا بلزوم اختيار دولة غربية تتولى هذه البلاد ليأمن أهلها الغوائل تحت رايتها، فكان أكثرهم يختار دولة إنكلترا، وأقلّهم يختار غيرها، وصدى ضوضائهم في اختلافهم على ذلك يدوّي في أصمخة «1» ولاة الحكومة التركية فيتصامّون عنه ولا يقدرون على ردّه. فهل- والحالة هذه- يعدّ رجال تلك الجمعية متهوّرين؟ وهل يلامون على قيامهم لطلب اللامركزية التي هي أخفّ الضررين؟ وهب أن اللامركزيين المذكورين كانوا غير محقّين في قيامهم هذا، أفيمكن للاتحاديين أن يتبرّؤوا من وصمة الغدر بهم؟ بعد أن حلوا عقدة مؤتمرهم طوعا حينما ألانت لهم الحكومة القوله، ونادتهم بالرجوع إلى أحضانها ووعدتهم بإجابة طلبهم وأمّنتهم على أرواحهم، وأعطتهم على ذلك العهود والمواثيق، وأسندت إلى كل واحد منهم وظيفة باشرها بكل صدق وأمانة، ومضى عليه زمن طويل ولم يظهر منه أقلّ شيء يدل على سوء نيّته. وبينما كان كل واحد منهم قائما بخدمته مثابرا على عمله في إبان الحرب العامة إذ دعي إلى الديوان العرفي المفتتح في «عاليه» فاستوقف فيه موقف خصم الدولة وعدوّها، وبعد أن ذاق في سجنه أنواع العذاب وتجرّع من كأس الذل والتضييق أمرّ من الصاب «2» ، واستغرق في المحاكمة أمدا طويلا إرغاما له وتنكيلا؛ حكم عليه بقصاص القتل تعليقا «3» . ثم في الجزء: 3 ¦ الصفحة: 534 ليلة واحدة نفذ هذا الحكم على واحد وعشرين شخصا من رجال هذه الجمعية، علّق بعضهم في بيروت وبعضهم في دمشق، كما أشرنا إلى ذلك في حوادث سنة 1334. كان الأشخاص المقتولون من مشاهير رجال سوريا وذوي العقول المنوّرة منهم، ولهم شيعة كبيرة تسير على سننهم وتقتفى آثارهم في أعمالهم وتعتقد بهم كل فضيلة وكمال. ولذا نقول: إن الاتحاديين أخطئوا في هذه الحادثة من عدة وجوه: الأول: قتل الرجال المذكورين؛ لأنه كان من أكبر الدواعي لتنفير قلوب شيعتهم الكبيرة العربية من الحكومة العثمانية، في الوقت الذي كان اللازم فيه على الاتحاديين أن يجتهدوا بعمل ينشأ عنه عكس ذلك، أي بعمل ينشأ عنه تحبيب القلوب بالحكومة العثمانية واستمالتها إليهم بمقتضى موقفها الحرج الذي هو في حاجة شديدة إلى تكثير عدد الصديق وتقليل عدد العدوّ. حتى لو فرضنا أن الرجال المذكورين كانوا يستحقون القتل حقيقة؛ كان الواجب السياسي يقضي على الحكومة في هذا الوقت الحرج ألّا تقتلهم؛ بل بعد أن تحكم عليهم بقصاص القتل وتوهمهم بأن لا مناص لهم من هذا القصاص- إظهارا لقدرتها وتنويها بسطوتها- تفاجئهم بصدور العفو حلما منها وحنانا عليهم، ثم يستتابوا وتتلى عليهم النصائح والمواعظ ويقال لهم: عفا الله عما مضى ويستمالوا بالمعروف وتملك قلوبهم بالإحسان، فيندمون على ما فرط منهم ويعترفون بفضل دولتهم وفرط رأفتها وحلمها عليهم، وتتبدل عداوتهم لها بالصداقة ويخدمونها بكل أمانة وإخلاص. حكي عن إسكندر المكدوني أنه قيل له: بم نلت هذه المملكة العظيمة على حداثة السن؟ فقال: باستمالة الأعداء وتصييرهم بالبر والإحسان أصدقاء وتعاهد الأصدقاء بأعظم الإحسان وأبلغ الإكرام. الثاني: غدر الاتحاديين بهم وعدم احترامهم وعود حكومتهم. ومعلوم أن وفاء العهد إذا كان من حيث هو واجبا فهو على الحكومة أشد وجوبا؛ لأن الحكومة قد يكفيها وفاء العهد والوعد مؤنة حرب عظيمة إذا عرفت باحترام العهود، فأما إذا كانت معروفة بإخلاف الوعد ونكث العهد فإنها تفقد الثقة من القلوب وتصبح مضطرة إلى استعمال القوة والعنف في كل غاية تطلبها. الأمر الذي يجعل الحكومة طول حياتها في تعب ونصب، ولهذا قيل فيما ينسب إلى الفرس: فساد المملكة واستجراء الرعية وخراب البلاد بإبطال الجزء: 3 ¦ الصفحة: 535 الوعد والوعيد. ومن هذا القبيل ما أورده ابن خلدون في الفصل 19 من الفصل الثاني من مقدمته فراجعه. وقد ظهرت آثار صدق هذا الكلام فيما نتج من غدر الاتحاديين بهؤلاء الجماعة وما جنوه في عملهم هذا على دولتهم من المتاعب والمعاطب وتعجيل ضياع بلادها وتنفير قلوب شعوبها. وقد زعم جمال باشا في مذكراته أن قتل هؤلاء النفر لم يكن مبنيا على ما صدر منهم في مؤتمرهم الذي عقدوه في باريس؛ بل كان قتلهم مبنيا على أمور صدرت منهم بعد العفو عنهم حالة قيامهم في وظائفهم. على أن جمال باشا ذكر هذا ولم يذكر شيئا مما زعم صدوره منهم بعد العفو المذكور. والحق يقال: إن إراقته دماء هؤلاء الجماعة لم يكن إلا تشفيا لغيظه من العرب، عادّا عمله هذا فوزا عظيما وانتصارا مبينا، به سماه مدّاحوه والمتقربون إليه فاتح سوريا وبطل تركيا. ولو أمنوا بطشه لسمّوه بسبب هذه الجريمة مضيّع سوريا وناكب تركيا. والأمر الغريب أن جمال باشا بعد أن غدر بهؤلاء الرجال أحس بأن العرب قد نقمت عليه عمله وعدّته ظلما وتشفيا، فأراد أن يعتذر للعرب بقتلهم ويوهمهم بأنه لم يقتلهم إلا لأنهم يستحقون القتل لجرائم صدرت منهم، فأمر أن يلفّق له كتاب تذكر فيه جرائمهم وذنوبهم التي استحقوا من أجلها القصاص، مع بيان الأعذار الشرعية والقانونية التي دعت الحكومة إلى قتلهم. فلفق له هكذا كتاب وطبع ونشر، فكان المتبصرون من قرائه يرون أن أكثر الأعذار المستند إليها في قتلهم حجّة على جمال لا حجة له، وأن باقي الأعذار المسرودة في هذا الكتاب مما لا يوجب عليهم شيئا من العقوبة أكثر من التوبيخ أو الحبس مدة يسيرة ليس إلا. ولذا قيل إن هذا الكتاب لما اتصل خبره بالقائد العسكري الألماني معاون جمال واطلع على ما فيه بواسطة مترجمين رأى أنه مما يؤكد غدر جمال باشا وظلمه، عكس المراد منه، وأنه مما يزيد نفور الرعية من تركيا ويضاعف حقدهم عليها. فأمر بجمع ذلك الكتاب وإحراقه، فجمع منه القدر الكثير وقلّت بين أيدي الناس نسخه: إذا لم يكن عون من الله للفتى ... فأوّل ما يجني عليه اجتهاده ومن منفرات قلوب الرعية- خصوصا منهم الحلبيين- قتل أفراد منهم لأغراض دنيئة قامت في مخيلة جمال باشا زعما منه بأن قتلهم من الأمور التي تقتضيها السياسة، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 536 وذلك أنه قتل شابا بستانيا لوجود صندوق مدفون في بستانه فيه بعض أثواب بالية ادّعى بعض الفقراء الأرمن أن هذا الصندوق سرق من بيته. وكان هذا الشاب ممن عرف بين سائر أقرانه وأهل حرفته بالتقوى وحسن السيرة، وهو لا يعرف هذا الصندوق ولا يدري من دفنه في بستانه؟ وقد حلف على ذلك أيمانا مغلّظة وشهد بصلاحه وورعه كثير من الناس، فلم يصغ جمال لذلك ولم يمهله غير يوم واحد حتى أصبح ذلك المسكين معلّقا، فبكى عليه كل من يعرفه ودعا على جمال بالهلاك وسوء العاقبة. والمفهوم من بعض حاشية جمال أنه لم يقتل هذا الشاب لسوء ظنه به في مسألة الصندوق؛ بل هو معتقد أن الرجل عفيف بعيد عن السرقة وإنما قتله لغرض سياسي وهو جعل قتله- حين مناقشته الحساب عما أجراه من الفظائع مع الأرمن- برهانا على فرط عناية تركيا بحقوق الأرمن وشدة حرصها في حمايتهم وصونهم من التعدي، حتى إنها قتلت رجلا مسلما لمجرد قيام شبهة عليه في سرقة هكذا صندوق. ومن الدم الذي أراقه جمال باشا لغرض سياسي يزعمه، دم شابين من أهل حلب: أحدهما في سن الثانية والعشرين، والآخر في سن الثامنة والعشرين وهما غضّا الشبيبة منوّرا العقل، زعم جمال باشا أنهما نددا بظلم الحكومة العثمانية وألبّا عليها جموع العرب ومدحا حكومة العرب الشريفية وندبا الناس إليها. وحقيقة الحال أن الصغير منهما كثرت عليه الديون وضايقه غرماؤه فهرب من وجههم إلى جهة الباب، واجتمع في إحدى جهاتها على طريق الصدفة بواحد أو اثنين من عرب البادية وذكر لهما في أثناء حديثه معهما شيئا مما يقاسيه أهل حلب من المتاعب والمساغب وتسلّط العسكرية عليهم في هذه الأيام التي هي أيام الحرب العامة، وحكى لهما أن حضرة الشريف قام الآن على الاتحاديين لينقذ الناس من ظلمهم ليس إلا. هذا كل ما نسب إلى هذا الشاب وجعل سببا لقتله. وأما الشاب الآخر فإنه لم يخرج من حلب ولا اجتمع بترك ولا عرب، وليس له ذنب غير كونه صديقا للأول، ولم تقم عليه شبهة توجب إراقة دمه سوى أن الشرطة لما هجموا على بيته- ليفتشوا على أوراق يستخرجون منها شبهة تثبت اشتراكه مع الأول- وجدوه يطبخ قهوة البن على أوراق يحرقها، فقالوا: لو لم يكن في هذه الأوراق ما يدعو إلى الشبهة لما أحرقها. والحال أن هذا الرجل معروف لدى جميع أصحابه أنه معتاد من القدم على أن يطبخ القهوة على نار الجزء: 3 ¦ الصفحة: 537 الأوراق التي هي الجرائد القديمة ومسودات الدعاوي التي يوكل بها لأنه كان محاميا. علّق جمال باشا هذين الشابين لمجرد الأسباب التي ذكرناها. على أن الديوان العرفي برّأهما ولم يعدّ هذه الأسباب موجبة لقتلهما. فأصرّ عليه جمال بأن يحرر مضبطة بوجوب قتلهما وقال للديوان: يكفي موجبا لقتلهما فرارهما من العسكرية، مع أن الأول منهما كان عسكريا بالفعل وسافر إلى الباب بالإذن، والثاني كان خطيبا مستثنى من الخدمة العسكرية بحكم القانون. أما الغرض السياسي الذي يقصده جمال باشا من قتل هذين الشابين- اللذين أدمى قتلهما القلوب- فهو تأييد زعمه بأن عامة البلاد العربية السورية كان أهلها أعداء الدولة العثمانية، وأن أهل مدينة حلب من جملتهم. وكان ولاة حلب ينكرون على جمال هذا الزعم ويقولون له: الحلبيون لا يوجد بينهم أعداء لحكومة الأتراك، وإنهم لم يظهر منهم قطّ شبهة تدل على ذلك. فاجتهد جمال باشا بأن يظفر من الحلبيين بشيء سياسي يؤيد دعواه ويكذّب ما كان يقوله الولاة فلم يتيسر له ما أراد، وبقي سرّه منغّصا لأن عدم ظفره بهكذا شيء يجعله كاذبا في دعواه بأنه فاتح سوريا؛ تلك الدعوى المفتراة التي آيدها في بيروت ودمشق وغيرهما من البلاد السورية الجنوبية بما أراقه فيها من دماء أهلها العاصين على الحكومة على زعمه، وبقيت دعواه في مروق أهل سوريا الشمالية غير مؤيّدة. ولما حدثت قضية هذين الشابين في حلب عدّ قتلهما فرصة لتأييد زعمه وتأكيد دعواه في الحلبيين أيضا وأنه ألمعيّ لا تخيب فراسته ولا تخطىء سهام ظنونه المرمى، وأن ولاة حلب- الذين كانوا يبرّئون أهلها من شائبة المروق على الدولة- لا تحقيق عندهم ولا تدقيق. تسلط جباة الأموال ورجال الدرك على أهل القرى: ومن المنفّرات العظيمة التي كان يتسبب بها أراذل جباة الأموال ورجال الدرك المعرفون بالجندرمة: سوء معاملة هؤلاء لأهل القرى وتسلطهم عليهم بالسب والضرب؛ بحجة أنهم يتقاضون منهم المتأخر في ذممهم من مرتّبات الدولة عليهم كالأعشار، ورسوم الأملاك المعروفة بالوركو، والإعانات التي تجبى من الناس بأسماء مختلفة كقولهم: إعانة الكساوي الشتوية للعساكر الشاهانية، وإعانة الأسطول، والإعانة الملّيّة وإعانة المهاجرين، وغير ذلك من الإعانات المختلفة الأسماء المتحدة المعنى؛ لأن جميعها كانت ترمي إلى غرض واحد الجزء: 3 ¦ الصفحة: 538 وهو امتصاص دم الأهلين واستنزاف أموالهم، وقلما يمضي شهر واحد إلا ويظهر فيه شيء من هذه الإعانات، فكان جباة الأموال ورجال الدرك المتقدم ذكرهم يتوجهون إلى القرى بحجة تقاضي هذه الأموال من أهلها، فيقبلون على القرية وقد قبضوا على السياط بأيديهم، فيستقبلهم أهل القرية لينزلوهم عن دوابّهم ويأخذوهم إلى دار ضيافتهم، فلا يكون سلام أولئك الظلمة عليهم سوى إعمال السياط في أجسامهم وسبّهم ومخاطبتهم بأقبح لسان. وأول شيء يطلبونه من القروي أن يقدّم العلف لدوابّهم، فإذا لم يكن عنده شعير كلفوه أن يقدم لها علفا من مؤنته التي تتوقف عليها حياته، ثم يكلفونه أن يقدم إليهم طعامهم من اللحوم والدجاج والبيض وغيرهما من الأطعمة التي يندر وجودها عنده في أيام هذه الحرب. فإذا لم يقدر أهل القرية أن يتداركوا لهم هذه المآكل وقدّموا لهم من طعامهم المعتاد قام أولئك الظلمة عليهم وأوسعوهم ضربا وشتما، ثم هجموا على ما يرونه في القرية سارحا من الدجاج والربائط «1» التي يستخرج منها أهلها أدمهم الضروري، فيذبحونها ويأمرونهم بطبخها وتقديمها إليهم. وإذا بصر هؤلاء اللصوص في بيت من بيوت القرية بما يعجبهم من البسط واللّبابيد أخذوه كأنه غنيمة من مال حربي، ثم يطلبون المتأخر على القرية من الأموال التي تقدم ذكرها، فيجمع لهم المختار من أهل القرية ما يقدر على جمعه من النقود ويدفعها لهم رشوة على سكوتهم عن طلب المتأخر عندهم من الأموال التي يعجزون عن وفائها لفقرهم بسبب تسلط الحكومة عليهم. وإذا كان أهل القرية لا يجدون ما يرشون به هؤلاء اللصوص فلا تسل حينئذ عما يفعلونه بهم من المظالم والفظائع، فربما كانوا يأتون بالرجل ويشدّونه بالحبال ويدهنون وجهه دبسا ويقفونه في ضحّ الشمس «2» . وربما ضربوه ضربا مبرّحا ونتفوا لحيته ولطخوها بالقذر. وقد يهرب رجال القرية من وجوههم فلا يبقى فيها سوى النساء والأطفال، وحينئذ يأتون بالمرأة المصونة ويطرحونها على الأرض ويرفعون رجليها للضرب فتبدو سوءتها لتقرّ لهم عن مكان رجل بيتها، وربما مسّ بعضهم شرفها، ثم يهجمون على الجزء: 3 ¦ الصفحة: 539 البيوت ويستخرجون ما يجدونه فيها من المؤنة فيأكلون منه قدر شبعهم ويضعون الباقي في حقائبهم. ولهذه الأعمال الفظيعة خرب الكثير من القرى في الجهات الشرقية والجنوبية وغيرهما من ولاية حلب وجلا أهلها عنها، وأصبحت خرابا يبابا لا أنيس فيها ولا جليس. حبس الأقوات عن المدينة المنورة وجهات بيروت: ومن المنفرات العظيمة: حبس جمال باشا الأقوات عن المدينة المنورة وجبل لبنان، كيلا يبقى لأهلهما همّ غير خلاص أنفسهم من غائلة الجوع، فيكون في ذلك شغلهم الشاغل عما كان يتوهمه فيهم من العصيان والتمرد على الحكومة العثمانية والانحياز إلى أعدائها. وقد جلا أهل المدينة عنها ونالهم من المشقة والزحمة ما يعجز القلم عن بيانه، وجلا البعض من أهل لبنان عنه وهلك بالجوع- ممن بقي فيه- عشرات الألوف. وكان جمال باشا يودّ أن يقدر على تنفيذ هذا المقصد في دمشق وحلب غير أنه لم يوفق إليه بسبب كون هذين البلدين من البلاد الزراعية التي يتعذر خلوّها من الأقوات. على أنه مع هذا أمكنه أن يرمي شيئا من سهام هذا البلاء أهل حلب حينما قلّت فيها الأقوات وغلت أسعارها ومات الكثير من فقراء أهلها بالجوع، والأقوات كثيرة متوفرة في المستودعات العسكرية وجهات ماردين وغيرها، مع عدم ترخيصه بإعطاء شيء من المستودعات أو إحضار مقدار من الجهات المذكورة تخفيفا لويلات أولئك الفقراء. منع إخراج البضائع من مواضعها: ومن المنفّرات أيضا ما جرت عليه الجهة العسكرية في إبان هذه الحرب من العادات المضرة بصالح الأهليّين، التي من جملتها أن المواد الغذائية وجميع البضائع التي تصرف في حاجيات الحرب والعساكر لا يجوز إخراجها من بلدة إلى أخرى إلا إذا كان الذي يريد إخراجها ضامنا، أي ملتزما لها على شرط تسليمها إلى الجهة العسكرية أو إدارة الإعاشة في غير بلدة فإنه يرخص له بإخراجها، وإدارة السكة الحديدية توافق على شحنها له إلى الجهة التي يريد أن ينقلها إليها. هذه القاعدة أوقعت بالأهلين أضرارا عظيمة وأفقدت المساواة بينهم في المعيشة، وفيما الجزء: 3 ¦ الصفحة: 540 يحتاجون إليه من البضائع، إذ كثيرا ما كان يوجد في حلب مثلا بضاعة تزيد عن حاجة أهلها فيسرفون في إتلافها لأنها تباع عندهم بأبخس ثمن، وتكون في عينتاب مفقودة أو قليلة جدا والحاجة إليها شديدة ولا يمكن للفقير هناك أن ينالها لأنها تباع بأغلى الأثمان. ومن جهة أخرى كانت هذه القاعدة مدعاة لخيانة كثيرين من وجهاء المستخدمين من ملكيين وعسكريين، ومعينة لهم على الاستئثار بأرباح البضائع الوطنية الممنوع شحنها وحرمان التجار الأهليين منها، وذلك بأن يتفق سرا ضابط مع ملتزم سمن مثلا، يقدّمه من حلب إلى استانبول على شرط أن يساعده الضابط بالشحن ويشاطره بالربح، فيرسل الملتزم أضعاف ما هو مفروض عليه إرساله من السمن، ويكون له في استانبول وكيل يتسلم السمن من إدارة السكة ويقدّم منه القدر المفروض إلى الجهة العسكرية أو إدارة الإعاشة، ويبيع الباقي منه إلى التجار بأسعار باهظة فيربح منه أرباحا طائلة يقتسمها مع الضابط الذي اتفق معه سرا. هذه المسألة من جملة المسائل التي أغاظت أهل هذه البلاد ونفرت قلوبهم من الحكومة؛ لأن غيرهم كان يستأثر بأرباح بضائع بلادهم وهم محرومون منها. ومن هذا القبيل ما كان يجريه زعماء الاتحاديين في البضائع التي يحضرونها من أوربا أو المملكة العثمانية باسم إدارة الإعاشة، أو باسم فقراء الأهالي ليبيعوها لهم برأس مالها تخفيفا لآلامهم، فكانوا بعد أن تصل إليهم يضعون أيديهم عليها ويبيعونها إلى التجّار بأغلى الأثمان. خلاصة في بيان ماجريات الحرب العالمية: ذكرنا في هذا الجزء تحت عنوان «أول تحرش بألمانيا» أن ألمانيا أمرت أسطولها الطيار بأن يجتاز حدود بلجيكا إلى الأراضي الفرنسية بمقابلة اجتياز طيارات فرنسة منها إلى حدود الألمان. ونقول هنا: إن جيوش الألمان زحفت بعد ذلك على حدود روسية واستولت منها على بولونيا وأسرت من جيوشها مئات الألوف، وذلك كله في مدة لا تزيد على ثمانية أشهر. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 541 مهاجمة الألمان بلجيكا وفرنسة: وفي ذلك الأثناء أيضا هاجمت الجيوش الألمانية بلاد البلجيك واستولت على قسم كبير منها، ووقفت إزاء جيوش فرنسة وإنكلترة وبلجيكا واستولت على قسم عظيم من بلاد فرنسة، حتى كادت تقترب من باريس. طرد الروس عن غاليسا والاستيلاء على وارسوا: وساقت ألمانيا أيضا جيشا عظيما تحت قيادة ما كينزن القائد الشهير إلى بلاد النمسا لمعاونة جيوشها- في جهة غاليسا الغربية والشرقية من المملكة النمسوية- على طرد جيوش الروس عنها؛ لأنهم كانوا استولوا عليها وعلى قسم كبير من جبال الكاربات في أثناء اشتغال جيوش ألمانيا بطردهم عن بلادها. فما مضى سوى ثلاثة أشهر إلا وطردوا الروس عن جبال الكاربات وعن غاليسا من جهتيها واحتلوا مدينة (وارسوا) قاعدة بولونيا واستولوا على غيرها من البلاد الروسية التي يقدر عدد أهلها بثمانية ملايين. هجوم النمسا وحلفائها على صربيا والجبل الأسود: ولما أمنت ألمانيا غائلة الروس على حدودها وحدود حليفتها النمسا أمدّت هي وتركيا والنمسا جيوش البلغار وهجموا بفيالقهم الجرّارة على جيوش حكومتي صربيا والجبل الأسود، فاكتسحوا هاتين المملكتين عن آخرهما بمدة لا تزيد على شهرين. ثم إن هاتين الحكومتين جمعتا شمل جيوشهما وأمدتهما فرنسة وإنكلترة بجنودهما التي كانت انصرفت عن حصار «جناق قلعة» وكانت حكومة اليونان قد استمالتها دول الاتفاق فتركت حيادها وأعلنت الحرب على ألمانيا وحلفائها، فأمدت أيضا جيوش حكومتي الصرب والجبل الأسود ووقفت تلك الجيوش في حدود بلاد اليونان مما يلي مدينة «مناستر» لدفاع جيوش دول الاتفاق عن اليونان واسترجاع بلاد صربيا والجبل الأسود. إعلان إيطاليا الحرب على النمسا: بعد مرور سنة تقريبا من حدوث الحرب العامة أعلنت دولة إيطاليا الحرب على النمسا وهجمت جنودها على البلاد النمسوية من حدود التيرول بغية الوصول إلى مدينة تريستة، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 542 فلم تفلح إيطاليا بهذا الهجوم بل فقدت جانبا عظيما من عساكرها ومهماتها الحربية، وخسرت قسما كبيرا من مقاطعة البندقية لوقوعها تحت استيلاء النمسا والألمان. إعلان رومانيا الحرب على ألمانيا وحلفائها: بعد سنتين تقريبا من نشوب الحرب العامة تمكنت دول الاتفاق من جذب دولة رومانيا إلى جانبهم، فأعلنت الحرب على ألمانيا وحلفائها. وفي برهة ثلاثة أشهر اكتسحت جيوش ألمانيا والنمسا وتركيا وبلغاريا ثلثي مملكتها، واستولوا على عاصمتها بكرش ثم على مدينة إبرائيل رغما عن مساعدة روسيا لها، وأصبحت حكومة رومانيا بعد هذا الفشل المدهش محصورة هي وجيوشها في جانب من مقاطعة إبرائيل. إعلان إمريكا الحرب على ألمانيا: كان موقف دول الاتفاق يزداد حراجة يوما فيوما. وكما كان النصر حليف الألمان في سائر جبهات الحرب البرية؛ كذلك كان حليفهم ورفيقهم في البحر أيضا، لأن سفن دول الاتفاق كانت عرضة لفتك غوّاصات الألمان حتى إنه قدر في آخر أيام الحرب محمول ما غرق منها بواسطة هذه الغواصات بتسعة ملايين طن. وفي أثناء هذه الحرب تصادف في «طوتركان» قسم من أسطول ألمانيا مع قسم من أسطول إنكلترة، واشتعلت بين الأسطولين نار الحرب فغرق من سفن إنكلترة ما يبلغ محموله مائتين وخمسين ألف طن، ومن سفن ألمانيا ما يبلغ محموله مائة وعشرين ألف طن، فكان الفوز في هذه الواقعة البحرية في جانب الألمان أيضا. ولما وصلت ألمانيا إلى هذا الحد من الغلبة على أخصامها ولم تزعزع قواتها جميع هذه الأمم التي تألبت عليها وتضافرت على قهرها، خاف سطوتها وشدة بأسها عامة الدول، وأصبحت كل دولة منهن توجس الخيفة على نفسها من غائلة هذه الدولة. وإذ ذاك هتف هاتف الإنسانية في روع جماهير إمريكا بأن تعير التفاتها إلى وقف تيار هذه الحرب الطاحنة وإطفاء نيرانها المتأججة، وتخليص عالم البشرية من شرّها وشؤمها وإعادة السلم والسلام إلى ربوعهما. فاقترح رئيس جمهورية إمريكا الموسيو ويلسن على الدولة المتحاربة وقف حركة رحى الحرب الدائرة بينهم، والركون إلى الهدنة مدة معلومة، تحت شروط أعلنها الجزء: 3 ¦ الصفحة: 543 وصرح بها للفريقين المتحاربين. فرفضت دولة ألمانيا قبول هذا الاقتراح لأن كثيرا من الشروط المقررة فيه مما يجحف بحقوقها ويوجب تمزيق جامعتها. وكان الرئيس ويلسون مستاء من ألمانيا لما بلغه عنها أنها تنزع إلى حرب إمريكا كما أسلفنا بيانه في الفصل الذي عقدناه تحت عنوان «سبب دخول دولة إمريكا إلى هذه الحرب» من هذا الجزء. وحينئذ أعلن الرئيس ويلسون الحرب على ألمانيا فجند مئات الألوف من الجنود الأميركية، وساقهم إلى الجبهة الغربية في البلاد الفرنسية فانضموا إلى جيوش دول الاتفاق الواقفين في صفوف الحرب تجاه صفوف الألمان، وكانت الحرب بين الفريقين مدة شهرين سجالا، وكانت جيوش ألمانيا من جهة ثانية تحارب أعداءها الآخرين الروس المعدودة جيوشها بالملايين المنبثّين في الجهة الشرقية كالجراد المنتشر كثرة وتهافتا على الموت. والقائد الألماني هندنبورغ داهية الحرب ينفث في تلك الجيوش كل يوم من سموم خدعه الحربية ما يهلك منهم مئات الألوف قتلا وأسرا وإحراقا وغرقا حتى كاد الفناء يعمّهم. الهرج والمرج في روسيا: ولما وصلت الحالة في روسيا إلى هذا الحد قامت أحزاب الاشتراكيين الروسيين على ملكهم الإمبراطور نيقولا فقبضوا عليه وأزالوه عن عرشه، وقتلوه مع أسرته رميا بالرصاص كما يرمي القانص فريسته، ثم أحرقوهم وذرّوا رمادهم في الهواء زاعمين أنه هو الذي جرّ على روسيا هذه الحرب الطاحنة فأباد خضراءها وأضاع شرفها وحطّها من حالق مجدها، وأنزلها من شامخ عزّها، وجعلها عرضة للفاتحين بعد أن كان يقال في حقها: ما أفلح فاتح في روسيا قط. وإن روسيا هي إحدى الدولتين التي ستملك الأرض بأسرها. ولما قامت الأحزاب المذكورة على الوجه الذي بينّاه وقع الهرج والمرج في الممالك الروسية وتضعضعت جيوشها، واختلفت كلمة شعوبها المركّبة من عناصر مختلفة وأمم في طباعها متنافرة غير مؤتلفة، فانقسموا على بعضهم وافترقوا إلى خمس عشرة حكومة، كل منها ينادي بانفصاله عن روسيا واستقلاله بنفسه، وضربوا الصفح عن محاربة الألمان لأنهم لم يبق لهم على حربهم حول ولا قوة، وتصامّوا عن تحريض دول الاتفاق إياهم على الثبات أمام عدوهم والدفاع عن بلادهم. ثم تمكنت فرقة منهم من العود إلى كفاح الألمان ومناضلتهم غير أن هذه الفرقة لم تلبث الجزء: 3 ¦ الصفحة: 544 غير قليل حتى نالها من الوهن والانكسار ما ألزمها الرجوع القهقرى والانسحاب إلى الوراء تاركة من أسراها في أيدي الألمان مئات الألوف، ومن قتلاها بسيوف سطوتهم عشرات الصفوف، ومن الأسلحة والمهمات والذخائر ما يتجاوز عدّه الحدّ الموصوف. واستولى الألمان في هذه الواقعة على بلدان كثيرة من المملكة الروسية التي من جملتها مدينة «ريفا» وإذ ذاك طلبت روسيا من ألمانيا المتاركة والشروع في مذاكرات الصلح، فأجابتها ألمانيا إلى ما طلبت وشرعت الحكومتان تتذاكران بالصلح، وكانت قطعة «أوكرانيا» قد تصالحت مع الألمان بعد أن انفصلت عن روسيا واستقلت بنفسها، وعدد سكانها نحو من أربعين مليونا، فلم ترض حكومة روسيا المركزية بهذا الصلح واستأنفت الحرب مع الألمان مدة عشرين يوما استولت في خلالها الجيوش الألمانية على كثير من بلاد الروس حتى كادت عاصمتهم «بطرس برج» تقع في قبضة استيلائهم، وقد تمزقت جيوش روسيا شذر مذر، وانبثّت جنود الألمان في أنحاء مملكتها وأرجائها وجميع بلدانها الكائنة على ضفاف البحر الأسود، وأخذت ألمانيا مقاطعة أو كرانيا المستقلة تحت حمايتها. وحينئذ أقرّت روسيا بعجزها عن مقاومة الألمانيين واضطرت أن تعقد معهم صلحا غير شريف بحقها، لأنها رضيت بأن تترك لألمانيا والنمسا مقاطعة بولونيا التي عدد سكانها 18 مليونا، ومدينة ريفا وما جاورها من البلدان التي تضم إليها ثمانية ملايين، ومقاطعة بسارابيا والقريم، البالغ مجموع سكانهما سبعة ملايين، وأن ينسحب الروس عن أراضي تركيا التي احتلوها في هذه الحرب ويتنازلوا لها عن الباطوم والقرص وأردهان، وتستقل إيالة أذربايجان في القفقاس البالغ عدد سكانها نحوا من أربعة ملايين، وتستقل أيضا قفقاسيا الشمالية البالغ عدد نفوسها سبعة ملايين، وتستقل أمّة الكرج على ضفاف البحر الأسود ويبلغ عددهم أربعة ملايين، وأمة الأرمن في «أريوان» «1» وهم مليون، وأن تترك روسيا أسطولها في البحر الأسود تحت سيطرة الألمان إلى نتيجة الحرب. تفاقم الحرب في الجبهة الغربية: ثم إن الحرب بين ألمانيا وأخصامها في الجبهة الغربية الفرنسية قد تفاقم أمرها واشتد خطبها؛ لأن ألمانيا قد أضافت إلى صفوفها الواقعة تجاه أخصامها في الجبهة الغربية قوة جديدة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 545 سحبتها من صفوفها التي كانت واقفة أمام الروس في الجبهة الشرقية. كما أن أخصامها- كل من إنكلترة وفرانسة وإمريكا والبلجيك والبرتكيز وغيرهم من الدول- قد أجمعوا أمرهم ونظموا شؤونهم وصمموا على أن يجعلوا هذا الهجوم هو آخر مسرح من مسارح هذه الحرب التي هي حرب حياة أو ممات. فاشتد الخطب على الفريقين وكانت جيوش ألمانيا تدافع مرة وتهاجم أخرى، وكان تقدمهم في أول الأمر أكثر من تأخرهم ثم في أخريات الحرب انعكس معهم الحال وصار تأخرهم أكثر من تقدمهم. وبينما هم على هذه الحالة إذ فاجأتهم الأخبار بانكسار بلغاريا أمام الجيوش التي أشرنا إليها قريبا في فصل هجوم النمسا وحلفائها على صربيا والجبل الأسود، وأن بلغاريا قد انسحبت عن جميع أراضي صربيا والجبل الأسود واستولى أعداؤها على كثير من بلادها، وأنها قد استسلمت إليهم وأذعنت لجميع مطاليبهم، وأنهم قد اشترطوا عليها أن تكون جيوشها تحت إمرتهم، وأن حكومة النمسا قامت عليها شعوبها ينادون بالصلح ووقف الحرب لأن الجوع كاد يهلكهم، وأن الطريق بين استانبول وبرلين قد انقطعت ولم يبق في الإمكان وصول مدد إلى تركيا من حليفتيها ألمانيا والنمسا، وأن أمنهما من البلغار انقلب إلى الخوف، لأن دول الاتفاق يجعلون بلغاريا على قصد استانبول من جهة الروملّلي، وأن تركيا قد يئست من النجاح في جهة الحجاز وفلسطين والشام والعراق، لضياع هذه البلاد من يدها وتوالي الانكسار على جنودها، وتعويلهم على الانهزام أو الالتجاء إلى الجيوش الإنكليزية العربية. وكان سلطان الجوع قد استولى على شعوب ألمانيا فأباد من أطفالهم وفقرائهم الملايين واضطرهم إلى القيام على ملكهم ومناداتهم بإبطال الحرب وإعادة السلم. توالت على ألمانيا هذه النوائب من جهة وتألب عليها أعداؤها من جهة أخرى فلم يبق لها سوى الإذعان والرضاء بما اقترحه ويلسن رئيس جمهورية إمريكا على المتحاربين وهو تقرير الهدنة بينهم على شرط انسحاب جيوش ألمانيا عما احتلته من أراضي فرانسة وبلجيكا، وتسليمها قسما كبيرا من أسطولها البحري والهوائي إلى أعدائها، وغير ذلك من الشروط التي لم يقصد منها سوى توطيد الأمن من غائلة الألمان وقوة بطشهم، على أن يكون تقرير الصلح فيما بين المتحاربين- بعد انقضاء مدة الهدنة- مبنيا على عدة شروط: منها حرية البحار، وحرية جميع ما فيها من المضايق التي منها مضايق جناق قلعة، وأن تكون الجزء: 3 ¦ الصفحة: 546 الأمم الضعيفة في مستعمرات الدول هي الحاكمة على مقدراتها. إلى غير ذلك من الشروط. فرضيت ألمانيا بهذه الشروط وأخلت قسما كبيرا من أراضي أعدائها فرانسة وبلجيكا، ووقفت الحرب وبوشر بمذاكرات الصلح وجميع العالم ينظر إلى ما تأتي به الأيام والليالي. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 547 رجعا إلى تتمة حوادث سنة 1337 في حلب تجديد جسر الحاج: وفي يوم السبت 19 صفر من هذه السنة باشرت الحكومة الجديدة تجديد جسر الحاج في ظاهر حارة الكلاسة بحلب. وهو أول بناء شرعت به الحكومة الجديدة وكانت عساكر الألمان خربته حين انسحابها من حلب. تمثيل رواية باللغة الأرمنية: وفي الليلة الثامنة والعشرين من هذا الشهر مثل على أحد المسارح رواية مبتكرة باللغة الأرمنية، موضوعها تمثيل ما قاسته الأمة الأرمنية والأمة العربية من زعماء الاتحاديين الأتراك من الظلم والتعدي، وأن هاتين الأمتين مشتركتان في مصابهما وتوجعهما على بعضهما، وأن كل أمة منهما كانت تعطف على من كان يوجد في بلادها من الأمة الأخرى من المبعدين والمنفيين، وأن كلا منهما قد اغتبط بدولة العرب ونال بواسطتها الفرج بعد الشدة. احتلال أنطاكية: وفي هذا اليوم- أو الذي قبله- احتل الجيش العربي مدينة أنطاكية واستتب فيها الأمن وساد السكون. وكان أهلها قبل ذلك في قلق واضطراب لا مزيد عليهما. صدور جريدة «حلب» : وفي شهر ربيع الأول من هذه السنة أمر شكري باشا الأيوبي- الحاكم العسكري بولاية حلب- بإصدار جريدة رسمية في حلب عنوانها «حلب» فصدر أول عدد منها يوم الاثنين 6 ربيع الأول، وهي عربية العبارة ذات صحيفتين، ولم تزل تصدر حتى الآن. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 548 قدوم الشريف ناصر إلى حلب: وفي هذا الشهر قدم إلى حلب الشريف ناصر القائد العام للجيوش الشمالية وبعد يوم من قدومه سافر ومعه الشريف مطر إلى الباب لتهدئة الأمور وإزاحة القلق والاضطراب اللذين حدثا هناك إثر انحلال حكومة الأتراك. فأتم مهمته وعاد ثاني يوم إلى حلب. الأتراك المرخص لهم بالبقاء في حلب: وفيه رخص الحاكم العسكري بحلب بقاء الأتراك المولودين في حلب والمتزوجين بنساء عربيات ومن كان تاجرا أو صاحب ملك في حلب، وأن من لا علاقة له في حلب يجب عليه أن يسافر منها والحكومة تساعده على سفره. قدوم الجنرال اللنبي إلى حلب: غروب يوم الثلاثاء 7 ربيع الأول من هذه السنة (1337) وصل إلى حلب الجنرال إدمون اللنبي، القائد العام للجيوش الإنكليزية العربية الفرنسية في فلسطين وسوريا، فاستقبله في محطة الشام الشريف ناصر وكيل القائد العام للجيوش الشمالية، وشكري باشا الأيوبي الحاكم العسكري وغيرهما من أمراء العسكرية. وفي ضحوة يوم الأربعاء أقبل الجنرال اللنبي إلى دار الحكومة سائرا بين صفوف العساكر الإنكليزية- الهنود وغيرهم- المصطفة على جانبي الطريق الممنوع سلوكه عن الناس، المفروش بالرمل من أوله إلى آخره، أي من منزل الجنرال في محلة العزيزية إلى دار الحكومة. وقد نصب له في محلة العزيزية (قوس النصر) ، فلما وصل إليه وقف تحته وتقدم نحوه رئيس بلدية حلب وقدم له مفاتيح مدينة حلب وقرصا من الخبز ومقدارا من الملح. فتناول من القرص لقمة وذاق الملح ثم لمس المفاتيح ورفع يده بالسلام. وسار نحو دار الحكومة وقد وقف له بساحتها الجنود العربية وضباطها وتلامذة المكاتب والمدارس ورجال الشرطة والدرك وجوق الموسيقى العربية. ولما وصل إلى دار الحكومة، واستقر في مجلسه المعدّ له، أقبل عليه علماء البلدة والرؤساء الروحيون والأعيان والوجهاء والموظفون، فأدّوه حق السلام وهو يشكرهم ويظهر الاغتباط بمعرفته إياهم، ويتمنى لهم الرفاهية والسعادة ثم نهض من مجلسه ووقف على رأس درج السراي وفاه بخطاب باللغة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 549 الإنكليزية، يتلوه عبارات متقطعة، ويسكت تلو كل عبارة برهة يتلو معناها باللغة العربية ترجمانه الخاص الأستاذ أمين بك غريب. وإليك مؤدى خطبته: «يا رجال حلب! إني أزور مدينتكم القديمة التاريخية بصفتي قائدا عاما للجيوش المتحالفة التي تؤلف الحملة المصرية، وصاحب السلطة الإدارية المطلقة على الأراضي التي هي تحت إمرتي. وإنني بسرور عظيم أقبل أدلة الترحاب الرمزية المقدمة لي من رئيس البلدية، كما أن تأثيري «1» كان عميقا من الحماسة والإخلاص اللذين استقبلني بهما رؤساؤكم الأفاضل الوطنيون، من دينيين وأهليين وإداريين. ولا يقل ذلك عن إعجابي بالغيرة وإخلاص النية اللّتين يظهرهما رؤساء الإدارة والبلدية في محاولتهم حل المسائل المعقدة والعسيرة التي واجهتهم. وإنني أنتدب كل فرد منكم- وجميعكم على السواء- لبذل كل ما فيكم من نشاط وقوة حتى تشيدوا من جديد ذلك العمران والتمدن الذي ساد على هذه النواحي في زمان أجدادكم واضمحل بأيدي المستبدين الغرباء عنكم. وأنا ما دمت مسئولا عن الإدارة، أتوقع منكم تنفيذ الأوامر التي تقضي عليّ الظروف بإصدارها بنفس الرضى والانقياد الذي أظهرتموه في السابق، حتى إذا قررت الدولة- التي أنا باسمها أحكم- تشكّل بناء العالم الجديد الذي سيعيش البشر فيه، ليكون كل وطني حلبي متهيئا لتمثيل دوره في عمل الإعمار العظيم القائم أمامكم. يا رجال حلب! أتمنى لكم عموما النجاح والسعادة» . اه. ثم نزل الجنرال من الدرج، يشيّعه الشريف الناصر وشكري باشا. وبعد أن طاف على الجنود العربية ركب سيارته. ودعيت لمرافقته وقدمت لي سيارة ركبتها مع حضرة المستشرق البريطاني الكولونل السير مارك سايكس، وحضرة الأديب أمين بك غريب الترجمان العربي الخاص بالجنرال اللنبي. وقال لي أمين بك إن حضرة الجنرال يريد زيارة ما في حلب من الأماكن القديمة التاريخية، فسر بنا إليها حسبما تريد. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 550 فأخذته إلى قلعة حلب ثم إلى الجامع الكبير. ولما أراد الدخول إلى قبليّة الجامع أبى أن يدخل إليها بجرموقه «1» مع أنه نظيف ممسوح، فقدّم له حذاء كبير ضم فيه قدميه ودخل القبليّة. ولما رأى المقام الشريف سألني بواسطة الترجمان بقوله: مقام من هذا؟ فقلت له: هذا مقام يحيى بن زكريا. فقال: من هو يحيى؟ فقلت له: هو يوحنا المعمدان ابن خالة السيد المسيح. فطأطأ رأسه وأبدى ابتسامة استحسان. ثم أخذته إلى المدرسة الحلوية، فدخل القبليّة وسألني عن تاريخ بنائها وعن بانيها، فأجبته عن ذلك. ثم أريته المحراب الخشبي الذي في إيوانها فأعجبه حسنه جدا، إلا أنه اعترض على متولّي المدرسة لأنه لمعه بدهان السّندروس «2» ، وأمره بأن يمسح الدهان عنه ويبقيه على حالته القديمة الأثرية. ثم أخذته إلى دار الجانبلاط، فسرّ بمشاهدة إيوانها سرورا زائدا، وأريته قطعة حجر من سلسبيل، مدفون بعضها في الأرض، فيها من بدائع الصنعة ما يشهد للماضين بإتقان النقوش ومهارة الهندسة المعمارية، فانحنى لاستخراج تلك الحجرة من الأرض فساعده بعض الحاضرين فاستخرجت وأخبرته أن بعض الأثريين الغربيين طلب شراء هذه الحجرة من أهل الدار ودفع لهم ثمنها مئة ذهب عثماني فلم يبيعوها. فقال الجنرال اللنبي لمن كان حاضرا من أهل الدار: إياكم وأن تبيعوها لأحد، وإذا بلغني أنكم بعتموها لأحد فإني أغرمكم مبلغا كبيرا. ثم خرجنا من الدار وركبنا سيارتنا، فقال الترجمان: يقول حضرة الجنرال: يريد أن تسير بنا من طريق السوق لأنه يحب أن يرى أسواق الشرق المسقوفة. فسرت بهم من السّويقة وسوق الصابون وسوق الفرّايين «3» إلى أن خرجنا إلى فضاء تحت القلعة، وهناك أردت النزول من السيارة والتوجه إلى منزلي لأن مهمتي قد انتهت، فقال لي أمين بك: لا يجوز لك مفارقته إلا بعد الوصول معه إلى منزله. فبقيت سائرا معه حتى وصلنا إلى الجزء: 3 ¦ الصفحة: 551 منزله في محلة العزيزية، وحينئذ نزلت من السيارة وودعته وأمر سائق السيارة أن يوصلني إلى منزلي، وأظهر لي سروره وشكرني على الاعتناء بشأنه. ثم في مساء ذلك اليوم تناول طعام العشاء في دار الإمارة، وفي أثناء الطعام تبودلت الخطب الودية. وما زال في دار الإمارة إلى أن أزف وقت الرحيل فسار مع الحضور إلى محطة بغداد حيث شيع- كما استقبل- بالتكريم والاحترام. قدوم حاكم سوريا العسكري إلى حلب: مساء يوم الخميس 15 ربيع الأول من هذه السنة (1337) قدم إلى حلب رضا باشا الركابي، الحاكم العام في سوريا، وذلك للإشراف على سير الأعمال وإتمام تأسيس إدارتي المالية والقضائية وإصلاح ما يلزم إصلاحه من الشؤون. قدوم رضا باشا الصلح: يوم الأحد 18 منه قدم إلى حلب رضا باشا الصلح واليا على حلب، وقد بقي شكري باشا الأيوبي حاكما عسكريا. وفي يوم الاثنين 20 منه أقام نادي العرب ضيافة (جاي) لرضا باشا والي حلب، حضرها أمراء العسكرية وموظفو الحكومة ووجهاء البلدة. وقد ألقيت فيها الخطب الحماسية وأنشدت القصائد الوطنية، وكانت حفلة باهرة. مأدبة: وفي 27 منه أدب رضا باشا الركابي في نزل البارون مأدبة حافلة، حضرها قادة الحلفاء وكبار رجالهم، والجنرال الإنكليزي مارك أندرو، والمستشرق البريطاني السير مارك سايكس، والمستشار الفرنسي الموسيو جورج بيلو، وغيرهم من كبار موظفي الإنكليز والعرب. وفي أثناء الكلام تبودلت الخطب باللغتين العربية والإنكليزية، وأثنى الجنرال مارك أندرو على شهامة العرب وقال: إنهم هم الذين فتحوا حلب لأنهم دخلوا إليها قبلهم بيوم. رجوع الجنرال اللنبي إلى حلب: يوم الأحد 3 ربيع الثاني عاد إلى حلب الجنرال اللنبي، ثم شخص إلى آذنة وعاد إلى حلب. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 552 سفر رضا باشا الركابي: وفي يوم الثلاثاء 5 منه سافر رضا باشا الركابي إلى دمشق، فودّع بكمال الاحترام. استيلاء العرب على المدينة المنورة: في يوم الخميس 14 ربيع الثاني تواردت الأخبار من المدينة المنورة بأن عرب ملك الحجاز استولوا عليها من الأتراك يوم الأربعاء 13 منه. حادثة الأرمن المعروفة باسم (فتنة 28 شباط سنة 1919) أسباب هذه الحادثة: لا ننكر أن في أمة الأرمن رجالا ونساء متحلّين بحلية العقل، والنظر البعيد إلى العواقب، وحسن المعاملة والأمانة والاستقامة والاعتراف بالجميل والمكافأة عليه، غير أننا مع هذا لا نحجم عن القول بأنه يوجد في دهماء هذه الأمة زمرة طائشة قد خيم الجهل على عقولهم، فانحرفوا عن الجادة المثلى ولم ينظروا إلى ما يعقب انحرافهم من الضرر وسوء المغبة بأمتهم التي فيها من الرجال من يستحق كل مدح وثناء. وصفوة القول أن الأمة الأرمنية قد غلب خيارها على أمرهم فجرّ جهّالها عليهم البلاء دون أن يستحقوه. ومن هذا القبيل ما جنوه عليهم من البلاء في هذه الحادثة التي لم يكن لها من سبب سوى أمور نقمها الحلبيون على الأرمن، صدرت من تلك الطائفة الطائشة فأثارت في الحلبيين موجدتهم عليهم، وعكست فيهم اعتقادهم وملأت صدورهم غيظا منهم، وأغلت في أفئدتهم مراجل الحقد والضغينة عليهم، وكان من أمرهم في ذلك اليوم ما كان. وإليك نبذة في ذكر بعض ما فعلته هذه الفئة الطائشة من الأمور التي أساءت بالأرمن اعتقاد الحلبيين واضطرتهم إلى الجرأة عليهم. وبيان ذلك أن الأمة العربية عامة- والحلبيين خاصة- كانوا ينظرون إلى أمة الأرمن بعين الشفقة والحنوّ، وينكرون على زعماء الأكراد ما كانوا يعاملون به الأرمن من التعدي؛ بل كانوا ينكرون على السلطان عبد الحميد ما نكب به الأرمن من المذابح ولا يرون له مبررا في الضغط عليهم. ولهذا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 553 لم ينقل عن أحد من الأمة العربية أنه غمس يده في دم أرمني في تلك المذابح الفظيعة، وقوفا عند حدود الشريعة المحمدية التي تتكفل للذميّ بصون ماله وعرضه ودمه. ولعل الأمة العربية لو كانت مشتركة مع الشعب التركي في تلك المذابح لما عدمت من السلطان عبد الحميد حسن المكافأة. ثم في سنة 1333 كان جلاء الأرمن عن أوطانهم، كما أشرنا إلى ذلك في حوادث السنة المذكورة من هذا الجزء. وبعد أن وصلت تلك الجاليات إلى حلب على آخر رمق من حياتها؛ كان العرب عامة- والحلبيون خاصة- يعطفون على ضعفائهم ويمدّون إليهم يد الإحسان والمواساة، عكس ما كان يضمره لهم جمال باشا من الأذى والويلات، ورغما عما كان يقاسيه الحلبيون في تلك الأيام العصيبة من جهد البلاء والضغط العسكري. وكان عقلاء الأرمن وأدباؤهم يعترفون للعرب بتلك الأيادي ويشكرونهم عليها، حتى إن شبيبة الأرمن مثّلت الرواية التي سبق ذكرها في حوادث هذه السنة. وبينما كانت الأمة العربية تؤمل من الأمة الأرمنية حسن المكافأة على ما أسدتها «1» إليها من البر والإحسان؛ إذ انعكست الآية بعد وقوع الهدنة وصارت الأخبار المكدّرة تطرق كل يوم مسامع الحلبيين عما يجريه جهال الأرمن مع أبناء العرب من الأمور التي تبعث على إيجاد الضغينة وإسعار نار الحقد في صدورهم على أمة الأرمن. وإليك بيان بعض تلك الأمور وهي: (1) تعرّض زمرة من الأرمن- المستخدمين في محطة أذنة من قبل الفرنسيين- إلى التجار العرب المسافرين على القطار إلى استانبول والقافلين منها إلى أوطانهم، فكانت تلك الزمرة تعامل التاجر العربي بكل غلظة وخشونة، وربما أزعجته بالسبّ والضرب، وإذا كان قدوم القطار في الليل فربما كانت تفتش ثيابه وتسلب نقوده. أما الجنود العربية التي كانت تمرّ من أذنة قافلة إلى أوطانها فقد كانوا يقاسون من هؤلاء المستخدمين كل إهانة ويرون منهم كل قساوة، يعاملونهم بالشتم والضرب، وكثير منهم من كان يناله من أيديهم جراحة في وجهه وتهشم في أعضائه. فيأتون إلى حلب على أسوأ حالة. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 554 (2) كان الحلبيون يسمعون بما كان يجريه متطوعة الأرمن في الجيش الفرنسي في بيروت من الخيلاء والعجرفة، وأنهم أطلقوا بنادقهم على بعض الوطنيين فقتلوهم، وأنهم تمردوا على الجيش الفرنسي في إسكندرونة حتى اضطرت القيادة إلى أن تنقلهم إلى أذنة. (3) تظاهر غوغاء الأرمن في حلب بمظاهر العظمة والكبرياء ومقابلتهم الحلبيين بغير الوجه الذي كانوا يقابلونهم به في الأمس، يقابلونهم بوجه عليه سيماء التّيه والسخط، ويخاطبونهم بألفاظ خشنة لم يألفوا سماعها منهم قبل ذلك. لم كان هذا الانقلاب من هذه الزمرة مع الحلبيين؟ وما هو الحامل لها عليه؟ كان سببه بصيص ضوء أبصرته من لفتة شملتهم من عناية الإنكليز بشأنهم، فعظمت نفوس الطائشين منهم وطفقوا يسيئون التصرف مع الحلبيين، ويقلبون لهم ظهر المجن في معاملاتهم. ولم يقفوا عند هذا الحدّ بل صار الكثير منهم جواسيس للإنكليز ينقلون إليهم عن الحلبيين أخبارا ملفقة لا ظل لها في الحقيقة. (4) تعدّي جماعة من تلك الزمرة على الباعة؛ بتكليفهم صرف الورقة المصرية بالنقود المعدنية على معدّل قيمتها المحررة بها، مع أن قيمتها التجارية دون ذلك بكثير. فكان الباعة يخسرون أموالهم ولا يقدرون على الامتناع عن صرف الورقة على هذا المعدل خشية من عقوبة القانون. (5) كان فريق من تلك الزمرة يختلقون كل يوم الحيل والخدع في اختلاس أموال التجار الحلبيين، حتى شاع عنهم هذا الأمر وصار الحلبيون يتحدثون به في مجتمعاتهم ومجالسهم: من ذلك أن أرمنيا عرض على تاجر حلبي نموذجا من دبس الطماطم، وأخبره أنه يوجد عنده منه سبع صفحات «1» . فرغب الحلبي بشرائها وطلب من الأرمني إحضارها فأحضرها إليه وقد فتح في كل صفيحة دائرة في زاويتها ليطلع المشتري على ما في ضمنها من الدبس. ولما غمس التاجر إصبعه بالدبس من هذه الفتحة وذاقه تبين له أنه دبس جيد. فاشترى الصفحات كلها بثمن مثلها، ودفع قيمتها إلى الأرمني، فأخذ القيمة وانصرف. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 555 ولما فتح التاجر إحدى الصفحات وجدها ممتلئة بمطبوخ القرع الشتوي الملون بالمغرة «1» ، ورأى في الفتحة التي ذاق منها الدبس ماسورة من الصفيح ممتلئة من الدبس الجيد قد سدّ أسفلها الذي يلى أسفل التنكة وفتح أعلاها الذي ذاق منه الدبس، ثم فتح بقية الصفحات فرآها كلها مثل الصفيحة الأولى، فساءه ما رأى وعلى الفور أخذ بالبحث على الأرمني واستقصاء أثره فلم يظفر به. وأخيرا علم أنه سافر من حلب على أثر تدبيره هذه الحيلة. ومن ذلك أيضا أن أرمنيا اشترى من تاجر حلبي صفيحة سمن، وطلب من التاجر أن يحمّلها إلى خادمه ويتبعه بها إلى بيته ليدفع له ثمنها. فحملها الخادم ولما وصل إلى بيت الأرمني تناول الصفيحة من الخادم ودخل داره ليأتي بثمن السمنة، فوقف الخادم ينتظره فلم يخرج إليه. ولما طال عليه أمد الانتظار طرق باب الدار وسأل عن الأرمني فقيل له: إن لهذه الدار بابين، وهي ليست بدار بل هي مكان يأوي إليه فقراء الأرمن وحجّاجهم، وإن الأرمني الذي أخذ السمن دخل من أحد البابين وخرج من الباب الآخر، وإنه لم يكن من سكنة ذلك المكان، ولا هو معروف عند أهله. تكررت هذه الحيل من أفراد هذه الزمرة مع التجار الحلبيين على أنحاء شتى وضروب مختلفة، وشاعت أخبارها بين الحلبيين فحقدوا على الأرمن وحلّ في قلوبهم الضغينة عليهم، بدل ما كانت تجنّه من الرأفة فيهم. (6) كان عند الحلبيين عدد كبير من بنات الأرمن وأطفالهم، آووهم في أوائل قدوم جالياتهم إلى حلب، وقد التقطوهم من الأزقة والأماكن المهجورة وأزالوا الشقاء عنهم واعتنوا بتربيتهم عنايتهم بأولادهم. والبعض منهم اتخذوا من فتياتهم البالغات زوجات شرعيات واستولدوهنّ عدة أولاد. ولما دخل الإنكليز إلى حلب اهتمت جمعية الصليب الأحمر بجمع أطفال الأرمن وبناتهم من بيوت الحلبيين. ونحن لا نلوم الطائفة الأرمنية على استرداد أولادهم وأطفالهم إلى أحضانهم، لأن هذا مما توجيه القومية عليهم، إنما نلومهم على استعمال العنف وترك الرفق في سبيل البلوغ إلى هذا الغرض، فقد كان أقارب الأطفال والبنات يقصدون بيت الحلبي للتفتيش على أولادهم، ويدخلون عليه دخول مهاجم على ذي جريمة، ويأخذون الولد أو البنت قسرا ويعاملون مربّيها أو زوجها بكل عنف وقساوة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 556 هم في غناء عنهما. وربما كانوا يسوقونه إلى السجن بمساعدة الشرطة الموكول إليهم التفتيش على أولاد الأرمن من قبل جمعية الصليب الأحمر، وكانوا لا يصغون إلى الممتنعة عن متابعتهم من النساء المتزوجات، بل ربما قابلوها على امتناعها بالسب والضرب وأخذوها إلى منتدياتهم وأكرهوها على مفارقة زوجها وأولادها منه. ومن غريب ما وقع في هذا الباب قضية امرأة أرمنية متزوجة بشاب مسلم، حضر إليها أخوها وزوجها الأرمنيان وأرادا أخذها إليهما، فلم يمتنع زوجها المسلم عن تسليمها إليهما وجعل الخيار لها في ذلك. أما هي فقد امتنعت عن تسليم نفسها أشد امتناع، فأخذاها بالقوة والعنف وسعيا بزجّ زوجها في السجن، وأخذا المرأة إلى قلّاية «1» الكنيسة، ووضعاها في غرفة عالية لها نافذة على الطريق، وقد وضعا معها لحراستها راهبتين أرمنيتين كلّفتاها العود إلى زوجها الأرمني ومنّيتاها بكل مرغوب، وذكرتا لها كل ما يوجب نفرتها من زوجها المسلم. فلم تلتفت إلى كلامهما. وقدّمتا لها طعاما فلم تذقه، وكان معها طفلة صغيرة ولدتها من زوجها المسلم قبل بضعة أيام ولما جنّ عليها الليل ورأت الراهبتين الموكلتين بحراستها قد غفتا عمدت إلى الطفلة وشدّتها على صدرها بنطاقها وعضّت على ياقتها بأسنانها، وجاءت إلى النافذة وألقت نفسها منها إلى الأرض، فوقعت عليها سالمة لم يلحقها ضرر في جسمها سوى ورم ظهر في ساقيها بعد بضعة أيام. وكان زوجها المسلم قد أطلق من السجن وعاد إلى بيته. وبينما كان راقدا على فراشه نحو منتصف الليل إذ بالباب يطرق فأسرع لفتحه ورأى زوجته قد عادت إلى بيته. وفي الغد جاءت الشرطة إليه وأودعته السجن وأخذت زوجته إلى المخفر الذي حضر إليه ضباط الإنكليز وبعض كهنة الأرمن وسألوا المرأة عن كيفية هربها وقالوا لها: أما كان هربك بواسطة زوجك المسلم، حيث أحضر لك سلّما نزلت عليه إلى الأرض؟ فأخبرتهم بكيفية هربها على ما هي عليه، وقالت لهم: كيف يمكن لزوجي أن يحضر سلّما لي؟ والقلاية في حارة المسيحيين لا يمكن أن يطرقها في الليل أحد من المسلمين، وكيف يترك الحراس رجلا يحمل سلّما في الليل ولا يشتبهون به ولا يقبضون عليه؟ خصوصا وزوجي ساكن في محلة بعيدة لا يصل إلى محلة القلاية إلا بعد أن يمر على عدة محلات في كل منها حارس. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 557 ثم إن الشرطة حاولت إعادة المرأة إلى القلاية فامتنعت وقالت لهم: إذا أكرهتموني على الرجوع إليها فإني أنتحر نفسي «1» . ولما رأوا إصرارها على الامتناع من متابعة زوجها الأرمني أحضروا زوجها المسلم من الحبس وسلموه إياها وأخذوا منه كفيلا على أن يسلمها إليهم متى أرادوا أخذها منه. فعادت هي وزوجها المسلم إلى بيتهما، وهي لم تزل عنده حتى الآن في غبطة من العيش، قد ولدت له عدة أولاد، والنساء يثنين على أخلاقها الثناء العاطر. ومن هذا القبيل أيضا قضية غلام في السادسة من عمره مولود من أبوين مسلمين حلبيين، ادّعاه رجل أرمني أنه ولده فأخذته جمعية الصليب من يد أبيه المسلم قسرا وسلّمته إلى الرجل الأرمني الذي ادّعاه. فشقّ هذا الأمر على أبوي الغلام وأسرته. ورغما عن شهادة القابلة التي ولّدته وعن الجمّ الغفير من جيران أهل الغلام المسلمين والمسيحيين بأن هذا الغلام هو ابن الرجل المسلم الحلبي؛ لم ترجعه الجمعية إليه. وحينئذ تقدم إلى الوالي جماعة من جيران والد الغلام وأخبروه بأنه مولود من أبوين مسلمين حلبيين، وأنهم يطلبون من الوالي التبصر بهذه القضية. فجمع الوالي في بهو منزله رجالا من الأرمن والحلبيين المسلمين متشابهين بالملامح والهيئات، بينهم أبو الولد الحقيقي والأرمني الذي ادّعاه، وأدخل الولد إلى البهو بغتة فما كان منه إلا أن عدا نحو والده الحقيقي والتفّ به وعانقه، وطفقت دموع والده تنحدر على خديه، وبكى بعض الحاضرين متأثرا من هذا المنظر الغريب. وإذ ذاك قنع ضباط الإنكليز الحاضرون أن الولد هو ولد الحلبي، خصوصا حينما رأوا في ملامحه شبها قويا بملامح أبيه، فأذنوا له بأخذه فأخذه وانصرف. كيف كانت هذه الفتنة؟ قبل حدوث الفتنة بأيام اشترى أحد الحلبيين المسلمين من أرمني بقرة؛ ظهر لها بعد شرائها صاحب ادّعى أنها بقرته وقد سرقت من إصطبله. وبعد أن برهن دعواه بما لا يحتمل الإنكار لم يسع مشتري البقرة غير الإذعان لدعوى صاحبها فسلّمه البقرة. ثم أخذ يبحث عن الأرمني الذي اشتراها منه ليرجع عليه بثمنها فلم يظفر به. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 558 ولما كانت ضحوة يوم الجمعة 28 جمادى الأولى سنة 1337 و 28 شباط سنة 1919 م كان الحلبي يتجول في سوق الجمعة- وهو سوق عام ينعقد في كل يوم جمعة، في فضاء واسع يعرف بفضاء تحت القلعة، يباع فيه من جميع السلع والبضائع، ويحضره ألوف من الناس، ومن جملة فروعه فسحة واسعة تباع فيها الخيل والبغال والحمير والبقر- وبينما كان مشتري البقرة يتصفح وجوه الناس للبحث عن غريمه الأرمني، إذ وقع نظره عليه فأسرع نحوه وطلب منه ثمن البقرة. وكان الواجب على الأرمني أن يتلطف بذلك الرجل ويستمهله وفاء ثمن البقرة ويدفع الشرّ بالتي هي أحسن؛ غير أن نفسه لم تطاوعه على التساهل مع صاحب الحق، بل طفق يعربد وينكر القضية بتمامها ويفوه بكلام يشقّ على العامة سماعه. فاشتد النزاع بين الرجلين وعلت أصواتهما في ذلك الجمع العظيم الذي لا يقلّ عن عشرة آلاف إنسان، ما بين مسلم ومسيحي ويهودي، وقد هرعت العامة إلى محل المشاجرة ووقفوا ينظرون إلى ما يؤول إليه أمرها. ثم انتقل الحال بين الرجلين من الكلام إلى الملاكمة واللّطام، وقد أخذا بتلابيب بعضهما، وانبرى لكل واحد منهما نصراء من قومه يدافعون عنه ويعينونه على خصمه- وقد علمت مما تقدم كيف كان توغر صدور الحلبيين وحنقهم على الأمة الأرمنية للقضايا التي أسلفنا بيانها- فلما شاهد هذا الجمع النزاع القائم بين هذين الرجلين وعلموا أن المعتدي منهما هو الأرمني، وأن الأرمن قد التفوا حوله ينصرونه على خصمه، هاجت الأحقاد في صدورهم وتقدموا يدفعون الأرمني عن الحلبي. فاشتدت الضوضاء وعلا الصراخ وهاج هذا الجمع العظيم وماج، وانقضّت العامة على الأرمن يضربونهم بالعصي والسكاكين ووزنات الحديد «1» وأعمدة الخشب. فما مضى غير دقائق إلا وجثث بضع «2» وثلاثين أرمنيا مطروحة على الأرض، وقد اتصل الصوت ببعض الجهات القريبة من محلات الأرمن فقام بعض الدعّار يهجمون على بيوتهم ويسلبون ما فيها من الأثاث ويقتلون من يعارضهم من أهلها. وكان مجموع ما قتل في هذه الفتنة العمياء مسلم واحد- كان مارا في الطريق فرماه أرمني من داخل داره برصاصة فقتله- الجزء: 3 ¦ الصفحة: 559 واثنان وخمسون «1» أرمنيا بينهم امرأة واحدة. ثم إن الشرطة تفرقت في أنحاء البلدة وأطفأت نار هذه الفتنة، وألقت القبض على بعض الثائرين. فسكنت الأمور وعادت مياه السلام إلى مجاريها. وفي أثناء قيام الفتنة فتح كثير من المسلمين أبواب منازلهم لجيرانهم الأرمن يحمونهم من الثوار ويدفعون عنهم الهلاك والبوار. ذيول هذه الحادثة الكارثة: وفي مساء هذا اليوم- أي ليلة السبت 29 جمادى الأولى- اعتقلت السلطة الإنكليزية بضعة عشر رجلا من وجهاء حلب وأعيانها وذوي الشخصيات البارزة منهم، وجمعتهم في دار واحدة غرفها ذات أثاث ورياش، مرخّصة لهم أن يجلسوا مع بعضهم ويستحضروا من منازلهم ما يشتهونه من الأطعمة وغيرها. غير أنها أقامت على أبواب الغرفة حجّابا من الهنود لا يتركون أحدا منهم خارجها، وكان غرض السلطة من اعتقال هؤلاء الجماعة أن تحقق- في أثناء اعتقالهم- أسباب هذه الحادثة لتعلم هل لأحد من وجهاء البلدة دخل في إيجاد هذه الفتنة؟ وبعد أن أبقتهم معتقلين نحو شهر تبين لها أن ليس لأحد منهم يد في إيجادها؛ وإنما كان سببها أمرا فجائيا لم يكن مدبّرا من قبل، فأطلق سراحهم. اجتماع مهمّ يتعلق بهذه الحادثة: وفي نهار السبت 29 جمادى الأولى- أي ثاني يوم من وقوع الحادثة- جمع في قاعة الولاية عدد كبير من أعيان البلدة ووجهائها غير المعتقلين، أمر بجمعهم الحاكم العسكري العام وحضر القائد الإنكليزي الكبير «هودسون» ومعه عدد من الضباط الإنكليز والأركان الحربية، والمستر «براين» ضابط الارتباط الإنكليزي، وجودت بك حاكم القضاء العسكري. فقام القائد «هودسون» وألقى على الحاضرين خطابا وصّاهم فيه بأن يفهموا سائر طبقات الشعب وجوب ترك المظاهرات، وإطاعة القانون. وقال: إن الأمير فيصل يجتهد في مؤتمر الصلح بالحصول على استقلال الأمة العربية، وإن الاعتداء على الأرمن وإقامة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 560 المظاهرات تعرقل مساعيه، وإن الدول المحالفة ترغب بمعاونة العرب وتحب أن يكونوا لهن أصدقاء. تزلّف عظماء المسلمين والنصارى واليهود إلى بعضهم: بعد الإفراج عن معتقلي حادثة 28 شباط خطر لبعض عظماء الملل الثلاث أن يسعى بتأكيد ما بين هؤلاء الملل من المحبة والولاء القديمين؛ تفاديا من أن تكون تلك الحادثة قد شوهت محاسنهما أو أبقت لها أثر حقد أو ضغينة في القلوب. فأخذ عظماء الملل من السادة العلماء والكهنة يجتمعون عند أحدهم مرة في الأسبوع، يتبادلون في أثناء اجتماعهم عبارات التوادد والتحابب. وفي ختام الاجتماع يأدب «1» صاحب المنزل مأدبة حافلة تشتمل على الشاي وأنواع الحلوى وأطاييب الفواكه وقد حصل هذا الاجتماع في منزل كل من السادة: قاضي حلب، ومطارنة الطوائف المسيحية، والحاخام باشي، وبعض الوجهاء من الملل الثلاث. عقوبة المعتدين على الأرمن: ثم إن السلطة العسكرية الإنكليزية ألقت القبض على المتهمين بالجناية على الأرمن في الحادثة السالفة الذكر، وألّفت محكمة عسكرية حاكمتهم فيها، وقد جمعتهم في خان الشّربجي بحلب «2» ، فكانت المحكمة متى أصدرت حكمها على واحد منهم بالقتل قصاصا قتلته في هذا الخان تعليقا. فقتلت نحو خمسة وثلاثين شخصا، ونفت آخرين إلى جهات في مصر مددا مختلفة، فمنهم من مات في منفاه ومنهم من رجع إلى حلب بعد انتهاء مدته. تسليم السلاح: وفي ثامن جمادى الثانية أعلن الحاكم العسكري العدلي بأن كل من كان عنده سلاح يجب عليه أن يسلمه إلى مخفر محلّته ويأخذ به وصلا. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 561 منع إخراج الذهب: وفي 15 منه أعلن القائد العام على جيوش الحملة المصرية، المارشال إدمون هنري اللنبي، منع إخراج الذهب من ولايات تركيا المحتلة، وأن من خالف هذا المنع يصادر ذهبه ويجري عليه حكم القانون. قدوم الحاكم العسكري على حلب: يوم الأربعاء 17 منه قدم على حلب جعفر باشا حاكما عسكريا على ولاية حلب، فاستقبل على المحطة بحفاوة واحترام، وتعيّن سلفه شكري باشا حاكما عسكريا لمنطقة المدينة المنورة. وصول الأمير فيصل إلى بيروت: يوم الأربعاء 29 رجب سنة (1337) ، وفي 19 نيسان سنة (1919) م؛ وصل سمو الأمير الكبير فيصل إلى بيروت عائدا من أوربا، فاستقبله في بيروت وفود البلاد السورية استقبالا حافلا. قدوم سمو الأمير فيصل إلى حلب: وفي يوم الأربعاء 12 رمضان منها وصل الأمير فيصل إلى حلب قادما عليها من دمشق بعد عوده من أوربا، وكان خفّ لاستقباله عظماء الحلبيين والموظفين إلى أماكن بعيدة، وزينت له جادات حلب وشوارعها ونصبت له أقواس الظفر، ومشى في موكب استقباله من محطة الشام ألوف من الناس قد انقسموا إلى زمر متعددة، يسير أمام كل زمرة راية نقابة، وتعلو أصوات الجميع لسموّه بهتاف الفرح والمسرة والدعاء له بالفوز والظفر، حتى وصل إلى دار الإمارة المعدّة لنزوله في محلة العزيزية. وفي ثاني يوم من قدومه أقام لسموّه نادي العرب حفلة باهرة حضرها الجمّ الغفير من أهل حلب، وألقى خطابا مسهبا قال فيه ما صورته بالحرف الواحد: «أيها السادة: لقد كلّفني عند وصولي أمس بعض الأخوان أن أتكلم كلمتين تتعلق «1» بمصير الجزء: 3 ¦ الصفحة: 562 الشعب ومستقبله الذي ينبغي معرفته، ولكن ضيق الزمان والمكان أمس حال دون الكلام فأرجأته إلى هذا اليوم. وكنا نود أن يكون الكلام في غير هذا النادي الذي لم يعد إلا للعلم والأدب والخطابة الاجتماعية. إلا أنني اضطررت إلى الكلام فيه إذ لم يتيسر أوسع منه. وإنني أتشرف بالمثول بين يدي قواد الجيش البريطاني، وأمام كافة مندوبي الحلفاء ووجهاء هذه البلدة التي تمثل قسما كبيرا من القطر السوري. إخواني! لا شك أن كلماتي هذه قد سمع مرارا من فهمي أمثالها. وتكثير الكلام وترديد القول قد أزعجاني فأستميحكم العفو عن كل ما يصدر عني من الخطأ في القول أو اجتناب التصريح بكل ما في ضميري. أول ما أخاطبكم به- أيها السادة- أني أعلمكم بأنكم اليوم في موقف ربما يعود لكم بالخير وربما يعود عليكم بغيره لا سمح الله. وهذا الأمر هو الذي حدا بي إلى الوقوف في هذا المقام. ولا بد أنكم سمعتم خطابي في دمشق، ذلك الخطاب الذي أفصحت فيه عن كل ما يختلج بنفسي وعن جميع ما قمنا به من الأعمال إلى ذلك التاريخ. وطلبت الاعتماد من الحضور كافة. فقبلوا جميع ما كلفتهم إياه ومنحوني الاعتماد التام لأتولّى سياسة أمورهم الداخلية والخارجية. وعلى ذلك الاعتماد أنا مثابر في أعمالي. ولقد كانت أعمالنا إلى هذا التاريخ مقرونة بكل نجاح. وهذا نتيجة آداب الأمة وحسن سلوكها. وإني لأرجو أن تثابر على هذا السير الذي يسمو بها إلى المنزلة الرفيعة. إن الأمم- وأخصّ منها التي حاربت لنصرة الحرية والمبادىء السامية- هي التي منحتكم حق الحكم والاستقلال منحا باتا لا مشاحة فيه. وقد وصلت اليوم إلى بيروت اللجنة المرسلة من قبل الأمم التي حاربت وإياكم. أتت هذه اللجنة لتبحث عن رغائبكم ومطالبكم وستكون شاهدا فإما لكم وإما عليكم. وإذا لم تحكم بما نبتغيه فالأمة هي الجانية. إن الأمم المتمدنة تريد أن ترى الأمة العربية عامة- والسورية خاصة- في مستوى الأمم الراقية. وقد خوّلتكم هذا الحق على شرط أن تكونوا حائزين الصفات اللازمة. وليس على هذه الأمة أدنى إكراه على قبول أي أمر كان. وقد صرّحت بذلك الجزء: 3 ¦ الصفحة: 563 الدولة العظمى التي انتهت إليها مقاليد العالم. فيجب علينا أن نعلم أنه لا نجاح لنا إلا إذا تمسكنا بأهداب الإخاء والإخلاص، والتؤدة والسكون واتحاد الكلمة، وغير ذلك مما يثبت للعالم أننا أمة يجدر بها أن تدخل المجتمع البشري بيضاء الوجه. ويجب على كل فرد منا أن يتكلم أمام هذه اللجنة بملء الحرية من غير أن يؤثر فيه مؤثر، ويعرب عما في قلبه ويبين كل ما في فؤاده، راميا إلى درك مصالح أمته بدون خوف ولا حذر. (هتاف- تصفيق) . لا تحسبوا أن أحدا يريدكم على قبول ما لا تريدون. فإن مستقبلكم بين أيديكم على أن تبرزوا لهذه اللجنة القادمة كل تصرف مجيد. نعم، إنه يوجد من يقول إننا نحن العرب أو السوريين لا نتمكن من إدارة شؤوننا بأنفسنا. ربما يكون هذا حقا وربما يكون باطلا، فيلزم أن نفهم من يقدم علينا أننا إذا تركنا وشأننا نتولى أمورنا بأنفسنا سنتمكن من إثبات كفاءتنا وجدارتنا. فإذا أثبتنا ذلك فدعونا نسير في سبيل الأمم المتمدنة. وبما أن الحالة الحاضرة هي ميزان المستقبل، وبما أن الأمة محتاجة إلى توحيد الكلمة، فوحدوا كلمتكم وأجمعوا على طلب الغاية التي تريدونها لأنفسكم وبلادكم. ولو كنت في غير مقامي هذا لجئت بتصريح أفصح وأوضح. ولست بمكلّفكم تكليفا ما، وليس لأحد كذلك، فأنتم المختارون. هذه أقوالي وسنبدي للعالم ما نحن محتاجون إليه (أصوات: فلنعتمد الأمير، هتاف عال) . أنتم أحرار في بلادكم، وستقولون ما تريدون ويعمل بما تريدون. وهذه هي النتيجة المختصرة المفيدة أخبركم بها، وإني سأقوم بواجبي فيما ينفع الأمة وفيما يوطد دعائم استقلالها في الحاضر وفي المستقبل اعتمادا على ما خولتني إياه من الثقة. نعلم أن فينا من هو في الأقلية ومن هو في الأكثرية بالنظر إلى المذاهب؛ وهو الأمر الذي ربما يقال أو يتصور أنه موضع اختلاف، وقد يمكن أن يجعل ذلك بعض من يجهل حالة العرب اليوم سببا للقول في أمر العرب ومستقبلهم. أما أنا فأقول: لا أكثرية ولا أقلية لدينا، ولا شيء يفرق بيننا. إنما نحن جسم واحد. (تصفيق وهتاف) . ولا شك أن أعمال الحكومة الموقتة تدل على أن لا أديان ولا مذاهب، فنحن عرب قبل موسى ومحمد وعيسى وإبراهيم. نحن عرب تجمعنا الحياة ويفرقنا الموت. لا تفريق بيننا إلا إذا قبرنا. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 564 (هتاف) . ولا بد أن الحكومة- التي ستؤسّس بمساعدة من أخذ بناصرنا من الأمم المتمدنة العظيمة- ستعمل بجميع ما هو واجب لتأييد حقوق الأقلية. وسنقطع على ذلك العهود المكتوبة بالصحائف، وأنا واثق أن هذه الصحائف التي تكتب لحفظ حقوق الأقلية ستأتي الأقلية فتمزقها بيدها؛ لأنها سترى أن الأكثرية عاملة بما سطرته وفوق ما سطرته. وأؤمل أن كل سوري يكون عربيا قبل كل شيء. وأؤمل أن كل من يتكلم بالعربية يشعر بمثل هذه العواطف التي أشعر بها. (تصفيق) . لا يحترمنا العالم المتمدن إلا إذا احترمنا أنفسنا واحترم بعضنا بعضا. وإذا انقسمنا إلى أحزاب وشيع فإنه يستخفّ بنا. وهو ينظر إلى الأديان كافة نظرا واحدا ولا يميز بين أمة وأمة، وأريد أن ينظر المجتمع العربي بعضه إلى بعض بهذا النظر. يجب عليّ أيضا أن أكرر القول: إن أول عمل ينبغي علينا القيام به بعد ذهاب اللجنة- وما هو بعيد الأمد- أن تكون مجتمعاتنا علمية وأدبية لا سياسية. وإني أنشّط جميع مواطني الذين يسعون في إنشاء جمعيات علمية، وأكون سعيدا إذا رأيت اسمي مقيدا بين أسمائهم. تريدون أن أتكلم عن السياسة أكثر من ذلك فحسبي ما جئت به، ولكني أتكلم الآن عن العلم، وإني أتمنى أن يكون هذا النادي الذي أتشرف اليوم بالوقوف فيه خادما للعلم ومصدرا للآداب كافة. وأطلب من الأمة أن تنظر إلى مستقبلها بعين الارتياح. ينبغي أن نكون إخوانا ولا نتفرق ولا يكون بيننا أحزاب، حتى لا يؤثر شيء في مصيرنا. ومن أصابه أدنى ظلم من أي شخص كان فليصبر على ما يصيبه وليأت إلى المرجع المسؤول فيخبره بما أصابه. وربما يوجد مضلّون يحبون أن تتنازعوا- كما وقع قبل مدة- حتى يقولوا: إننا لسنا بمستحقين للحكم الذاتي، وتسوء سمعتنا أمام العالم بمثل ذلك. فإني أحذركم عواقب هذه الأمور التي لن تسمع ولن ترى إن شاء الله. وإني لأتوقع أن أسمع وأرى كل ما يسرني من الهدوء، وجمع الكلمة على طلب ما هو بغية كل عربي من الاستقلال الذي ستنالونه. اربطوا الجأش واعتصموا بحبل واحد. من البديهي أن الأمن من ضروريات البلاد. والأمن لا يقوم إلا بالرجال وهم الدرك الجزء: 3 ¦ الصفحة: 565 والجند. نعم، إن الأمة قد خرجت من الحرب ناصبة «1» من الجندية؛ ولكن الوطن يحتاج إلى من يصون الأمن فيه، فأتمنى كثيرا أن تهرع الأمة إلى الانتظام في هذا السلك. أريد أن أرى الشهباء عند عودتي في المرة الثانية قد أكملت أهبتها. إن إخوانكم الدمشقيين قاموا بواجباتهم في هذا السبيل أحسن قيام، وأؤمل أن أراكم غير متأخرين عن إخوانكم أولئك. بل الذي أؤمله أن تسبقوهم. وإني أختتم الآن الكلام فأقول: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته» . زيارة سموه المستشفى الوطني ومكتب الصنائع: ثم إن سمو الأمير فيصل زار في هذا اليوم المستشفى الوطني ومكتب الصنائع، وسرّ بما شاهده فيهما من آثار الرقي والتقدم. وفي ثاني يوم طاف في أسواق حلب ماشيا ليس معه سوى جندي واحد يتفقد شؤون الناس ويطلع على أحوالهم. مأدبة البلدية لسمو الأمير: وقد أدبت لسموّه البلدية مأدبة حافلة، جلس على مائدتها نحو من مئة وخمسين ذاتا من وجهاء حلب وعلمائها ورؤسائها الروحيين. وفي انتهاء الحفلة شكر الأستاذ الدكتور السيد عبد الرحمن الكيالي- على لسان البلدية- سموّ الأمير على تنازله بإجابة دعوى «2» البلدية إلى هذه المأدبة، والتمس منه غض الطرف عما يراه من التقصير فيما يجب لسموه. حفلة الجمعية العلمية لسمو الأمير: وفي نحو الساعة الثالثة بعد ظهر يوم الجمعة 14 رمضان دعت جمعية النهضة العلمية سموّ الأمير إلى حفلة أقامتها له في نادي العرب، حضرها وجهاء البلدة وأعيانها، وتبرع الأمير بألف جنيه مصرية للجمعية وبراتب شهري عشر ليرات. وتبرع مولود باشا بخمسين جنيها وبراتب شهري خمس ليرات. وتبرع زكي بك الخرسا بمائتي جنيه وبنفقة عشرة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 566 تلامذة من أبناء العرب يرسلون إلى مكاتب أوربا. وتبرع السيد عبد الرحمن محّوك بثلاثمائة جنيه وبراتب شهري عشرين جنيها. وصول برقية من المارشال اللّنبي عن اللجنة الدولية: في هذه الأيام وصل من المارشال اللّنبي برقية تتعلق باللجنة الدولية، صورتها بعد التعريب: «تصل إلى الشرق عما قريب اللجنة التي تبحث في الأمور المتعلقة بمستقبل سوريا وفلسطين والعراق السياسي، وذلك بعد أن يكون المندوبون الأمير كيون قد تحقق سفرهم إلى هذه الأقطار. وعندما تنتهي هذه اللجنة من فحص الحقائق المتعلقة بهذا الشأن يقدم أعضاؤها رأيهم إلى مجلس الدول المحالفة العظمى، فيقرر المجلس الأمر تقريرا نهائيا» . عود سمو الأمير فيصل إلى دمشق: وفي هذا الشهر عاد سمو الأمير فيصل إلى دمشق فشيّع باحتفال فائق. الوفد الدولي واجتماع رجال حلب للمذاكرة بما يجيبونه به: تقرر في المراجع الكبرى الأوربية إيفاد وفد أميركي إلى فلسطين وسورية لاستفتاء أهل البلاد. ولما أنبأ البرق بهذا الخبر عقد علماء حلب ووجهاؤها من جميع الملل جمعية كبرى في قاعة الأستاذ الدكتور السيد عبد الرحمن الكيالي وتذاكروا فيما بينهم بالجواب الذي يجيبون به الوفد الأميركي عن أسئلته. وبعد الأخذ والرد كانت الأكثرية في أن يكون الجواب هكذا: «نطلب أن تكون سوريا مستقلة بحدودها الطبيعية استقلالا تاما وإذا لم يكن بدّ من إشراف دولة كبرى عليها فلتكن جمهورية أميركا، وإذا رفضت أميركا أن تكون مشرفة عليها فلتكن دولة إنكلترا؛ لا نرضى بإحداهما بديلا» . ثم أبرقت الجمعية بذلك إلى عصبة الأمم في أوربا. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 567 أعضاء المجلس العمومي: في اليوم ال 16 من رمضان اجتمع في دار الحكومة المنتخبون الثانويون وانتخبوا سرا أعضاء ليمثلوا الشهباء في المجلس العمومي والمؤتمر السوري الذي سيعقد في دمشق عاصمة سورية. افتتاح المؤتمر السوري: وفي يوم الاثنين 9 شوال دعا سمو الأمير فيصل أعضاء المؤتمر السوري إلى النادي العربي في دمشق. ولما تكامل الجمع فاه بخطاب أبان فيه أن الغرض من هذا الاجتماع تمثيل الأمة السورية أمام اللجنة الأميركية وعرض أمانيها ومطالبها لتقدّمها اللجنة إلى مؤتمر السلام، وسنّ قانون أساسي يكون دستورا لأعمال الأمة في المستقبل ويحفظ حقوق الأقليات. وبعد هنيهة من الزمن اجتمع أعضاء المؤتمر وقرروا أجوبتهم إلى اللجنة الأميركية، وهي: طلب الاستقلال التام ورفض كل حماية ووصاية على سورية بحدودها الطبيعية المعروفة، ومنع المهاجرة الصهيونية، وعدم تجزئة سورية، وتأليف حكومة دستورية ديموقراطية برآسة الأمير فيصل، وتنظيم قانون أساسي تراعى فيه حقوق الأقليات، والاجتماع على المادة ال 22 من قانون عصبة الأمم، وأنه إذا كان لا بد من إصرار مؤتمر الصلح على انتداب دولة على سوريا لأسرار خفية لا يدرك كنهها، وبناء على تصريحات الرئيس ويلسون- القائلة بأن الدولة المنتدبة تكون لنفع الشعب المندوبة عليه لا لنفعها- فلذلك نطلب هذه المساعدة من دولة أميركا البعيدة عن المطامع الاستعمارية في بلادنا بشروط معينة على ألّا تمسّ هذه المساعدة استقلالنا السياسي، وتكون عبارة عن مساعدة فنية علمية لمدة عشرين سنة فقط. وإذا رفضت أميركا فلتكن هذه المساعدة من دولة إنكلترا بنفس الشروط، وإننا نرفض كل حقّ تدعيه (الدولة الأخرى) مع رفض كل مساعدة تقدمها لسوريا. وقد استغرقت هذه المناقشة نحو أربع ساعات، ثم قبلت بعد تحوير طفيف بأكثرية 46 صوتا يخالفها 11 صوتا و 16 صوتا عدّ أصحابها مستنكفين. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 568 وصول اللجنة الأميركية إلى حلب واستفتاؤها الشعب الحلبي: في منتصف ليلة الخميس 16 شوال سنة (1337) وصل أعضاء اللجنة الأميركية إلى حلب قادمة عليها من حماة بالقطار الحديدي. وفي الغد أخذت وفود الأقضية ومشايخ العشائر ترد على حلب لمقابلة اللجنة ومكاشفتها عن أميالهم. وفي ثاني يوم تصدت اللجنة لقبول أهل ولاية حلب واستفتائهم عن مصير بلادهم، فكان وجهاء كل محلة من أهل حلب يدخلون على الانفراد غرفة اللجنة ويبدون لها مطالبهم. كما أن كل ذي شخصية بارزة من أهل أقضية الولاية يدخلون فرادى على الغرفة ويصارحونها بمطالبهم. وكان مآل ما طلبه جميع الأهلين «1» مطابقا لما قرر المؤتمر السوري الذي أسلفنا ذكره. قدوم الشريف ناصر إلى حلب وعوده إلى دمشق: في يوم الأربعاء 25 شوال سنة (1337) وصل الشريف ناصر إلى حلب قادما عليها من دمشق، فاستقبل بحفاوة ونزل في دار الإمارة. وبعد أيام عاد إلى دمشق. عود ناجي بك السويدي: في شهر ذي القعدة عاد إلى الشهباء المعاون الملكي ناجي بك السويدي؛ بعد تغيبه ثلاثة أشهر مأذونا لزيارة الأهل والأصدقاء، فاستقبل استقبالا حافلا. سفر سمو الأمير فيصل إلى أوروبا: في شهر ذي الحجة سافر سمو الأمير فيصل إلى أوروبا ليكون في اليوم 16 من أيلول سنة 1919 م حاضرا في باريس، وهو اليوم الذي تطرح فيه المسائل السورية على بساط البحث، وقبل سفره أوصى الأهلين بالتؤدة والسكون وانتظار النتيجة وألّا يغرهم ما يشيعه بعض أرباب الأغراض، وأن يكونوا يدا واحدة ولا يدعوا للشر واليأس مجالا. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 569 قدوم الأمير زيد إلى حلب: وفي هذا الشهر قدم الأمير زيد إلى حلب، فاحتفل باستقباله. وبعد أن أقام في حلب أياما قلائل- حثّ في خلالها على التطوع العسكري وعلّق الأوسمة على صدر بعض الموظفين الكبار، أوّلهم جعفر باشا- عاد إلى دمشق. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 570 سنة 1338 هـ انسحاب الجيش الإنكليزي من دمشق وحلب: في شهر ربيع الأول منها انسحب الجيش الإنكليزي من دمشق وحلب، وأصبح أمر الأمن منوطا بالحامية الوطنية المتطوعة؛ إلى أن يتقرر مصير البلاد في مؤتمر الصلح. كان الأمن مدة احتلال الجيش البريطاني مادّا رواقه في حلب وسائر ملحقاتها، وكانت حركة الاقتصاد في نجاح عظيم لم يسبق له نظير. مظاهرة: يوم الخميس 4 ربيع الأول منها قام طلاب المدارس في حلب على اختلاف طبقاتهم- ومعهم جمهور من الناس- بمظاهرة وطنية احتجاجا على الاتفاق الأخير الذي يرمي إلى تجزئة البلاد، فطافوا في الشوارع ورفعوا الأعلام العربية وقصدوا دار الحكومة، فاستقبلهم الحاكم العسكري وشكر عواطفهم الوطنية، وخطب أحدهم فقال: إننا جميعا متطوعون نضحي أموالنا وأرواحنا في سبيل حريتنا واستقلالنا، وليحي الأمير فيصل. ثم في يوم السبت 6 منه قاموا بمظاهرة أخرى نظير المظاهرة الأولى. بلاغ مندوب حكومتي إنكلترا وفرنسا: وفي هذا الشهر ورد من الحاكم العسكري في دمشق إلى الحاكم العسكري بحلب كتاب خلاصته: إننا تبلغنا رسميا من المندوبين المومأ إليهما أن الجنود الفرنسية ستحلّ محل الجنود البريطانية في شتورة ورياق وبعلبكّ، حسب القرار العسكري الأخير، احتلالا عسكريا على أن تبقى هذه المناطق مرتبطة من الوجهة الإدارية بالحكومة العربية. وعلى أثر هذا الخبر انتدب اللواء نوري باشا السعيد إلى مقابلة القائد الفرنسي العام الجزء: 3 ¦ الصفحة: 571 في بيروت ليفهمه الأخطار التي تنجم عن هذا الإشغال الذي لا ينطبق على أفكار الشعب. وبعد بضعة أيام ورد من دمشق على قيادة الفرقة الثالثة بحلب برقية مآلها أن الفرنسيين عدلوا أول أمس عن إشغال بعلبك ورياق وشتورة وحاصبيّا وراشيّا، واكتفوا بإقامة ضابط ارتباط في بعلبك فقط فاستبشر الناس بهذا الخبر. روابط المحبة بين العرب والأرمن في حلب: في هذا الشهر أقامت طائفة الأرمن بحلب حفلة شاي في ميتم الأرمن الكائن في خان الصابون برآسة جعفر باشا، حضرها 52 شخصا من وجهاء العرب و 44 من وجهاء الأرمن تبودلت فيها الخطب الودية بين الطرفين، وخطب ناجي بك السويدي فبحث عن وجوب الاتحاد والتضامن بين الأمتين ومدح ثبات الأمة الأرمنية واستعدادها. عود الأمير فيصل من أوربا: يوم الأربعاء 23 ربيع الثاني سنة (1338) وصل سمو الأمير فيصل إلى بيروت عائدا من باريس، فاستقبلته وفود البلاد السورية استقبالا باهرا. وكان من جملة المستقبلين وفد حلب. وقد أطلقت المدافع تحية لمقامه الملوكي ورفعت له الأعلام العربية على أقواس الظفر المنصوبة بالشوارع. خطاب الأمير في دمشق: وبعد أن وصل الأمير إلى دمشق بيوم ألقى خطابا بحضور الجم الغفير، قال فيه ما خلاصته: إنه حتى الآن لم يعقد بينه وبين أيّ كان من الدول الأوربية اتفاق، وإنه لم يتحول عن عزمه الذي ذهب من أجله- وهو طلب الاستقلال- ليس لسورية فقط بل لجميع البلاد العربية، وإنه لا يتزعزع عن هذا العزم إلى آخر لحظة من حياته. قدوم سمو الأمير فيصل على حلب: في نحو الساعة التاسعة زوالية صباح يوم الخميس 9 جمادى الأولى سنة (1338) وصل إلى حلب القطار الخاص الذي يقلّ سمو الأمير فيصل فاستقبل أجلّ استقبال كان رسم برنامجه على صفة منظمة. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 572 سمو الأمير في نادي العرب: يوم الجمعة 10 منه حضر سمو الأمير إلى حفلة أقيمت له في نادي العرب، وألقى خطابا حثّ فيه على الاهتمام بالتجنيد. ومن جملة ما قال فيه: «إن البلاد لا تتخلص إلا بقدرة الباري وقوة التجنيد، وإن الجنود حرس الاستقلال» . سفر الأمير: وفي يوم السبت 11 منه برح الأمير حلب عائدا إلى دمشق. تعيين حاكم عسكري على حلب: وفي جمادى الأولى منها تعيّن عبد الحميد باشا القلطقجي حاكما عسكريا على حلب، وتشكلت فيها متصرفية مستقلة. وبعد أيام قلائل ورد الأمر بإبقاء حلب ولاية كما كانت سابقا. استقلال سوريا وتتويج سمو الأمير فيصل ملكا عليها: يوم الاثنين 18 جمادى الثانية سنة (1338) هـ و 8 آذار سنة (1920) م أعلن استقلال سوريا، وتوج سمو الأمير فيصل في دمشق ملكا على سوريا، فأطلقت مدافع البشرى من قلعة حلب وأقبل وفود المهنئين على الحاكم العسكري ومعاونه. ثم تلا ناجي بك السويدي المعاون صورة البرقية المعلنة بذلك فقابلها الجمهور بالاستحسان، وانبرى الخطباء يعددون فضائل الاستقلال وفوائده. وفي المساء زينت البلدة وقامت الأفراح وعزفت آلات الطرب. مبايعة رؤساء الطوائف المسيحية في دمشق لجلالة الملك فيصل الأول: صورة المبايعة بالحرف الواحد «باسم الله» إننا، نحن الواضعين إمضاواتنا وأختامنا بذيله، الرؤساء الروحانيين للملل التابعة لنا، نقرر ما يأتي: الجزء: 3 ¦ الصفحة: 573 لما كان قد وقع اختيار الأمة السورية على تمليك سمو الأمير فيصل ابن جلالة الملك حسين الأول على سوريا بحدودها الطبيعية؛ حضرنا اليوم في دائرة بلدية دمشق العاصمة لتأدية فرض المبايعة. فأصالة ونيابة نقرّ بأنه- مع مراعاة الشرائط السبعة التي ارتبطنا بها مع سموه في أول مقابلة بيننا يوم الاثنين في سادس شهر تشرين الأول سنة 1918 وهي: طاعة الله، احترام الأديان، الحكم شورى على مقتضى القوانين والنظامات التي تسنّ لذلك، المساواة في الحقوق، توطيد الأمن، تعميم المعارف، إسناد المناصب والوظائف إلى أكفائها، وقبول سموه بها واحدة فواحدة- نبايعه ملكا على هذه البلاد متعهدين بالطاعة والإخلاص لجلالته والمعاونة لحكومته بكل ما تصل إليه القدرة. وعليه أعطينا هذا الصك تحت إمضاواتنا وأختامنا، مسترحمين صدور إرادة جلالته بنشره في الجريدة الرسمية تصديقا منه وقبولا بمضمونه، داعين لجلالته بطول العمر واستمرار التوفيق لما فيه خير البلاد وترقي أهلها» . الإمضاوات: بطريرك الروم الأرثوذكس. بطريرك الكاثوليك. مطران السريان الكاثوليك، والقديم. خوري الموارنة. مطران الأرمن قديم وكاثوليك. رئيس البروتستان. حاخام اليهود. وفد التهاني لجلالة الملك فيصل: في شهر جمادى الآخرة منها سافر إلى دمشق- لعرض التهاني على جلالة الملك فيصل- وفد مؤلف من قاضي حلب ورؤساء الطوائف والوجوه، مسلمين وغيرهم. والي الولاية: ولي حلب رشيد بك طليع. وفي يوم الخميس 20 رجب قدم على حلب فاستقبل باحتفال كبير وأطلقت له المدافع من القلعة تحية وإجلالا. الاحتفال بالعلم العربي: في شهر شعبان سنة (1338) احتفل بتسليم العلم العربي في جهة المزّة. وقد خرج الجزء: 3 ¦ الصفحة: 574 إليها الجيش العربي مشاة وفرسانا، وبعد قيامه بمناورة عظيمة وقف جلالة الملك فيصل والعلم بيده وقال يخاطب القائد: «إن هذا العلم الذي في يدي لا يزال نقيا طاهرا لم يدخل المعارك ولم يلوّث بالدم، وإن غاية ما أتمناه أن يظل كذلك؛ إلا إذا أهين شرف الأمة وأراد أحد أن ينال من حرمتها، فعند ذلك أريد أن يبرهن هذا اللواء الذي أهدي إليه هذا العلم اليوم على أنه أهل لهذه الهدية، وأنه كيف «1» يفتدي العلم بدمه وكيف يدافع عن الوطن» . ثم سلّم العلم إلى قائد الجيش. أما المكتوب على العلم فهو هذا، على أحد جانبيه: «البسملة- وجاهدوا في سبيل الله- إن الله معنا- إنا فتحنا لك فتحا مبينا» . وعلى الجانب الآخر: «لا إله إلا الله محمد رسول الله- اللواء الأول سنة 1338- المشاة» . زيادة الضرائب والدعوة إلى التجند وقيام الفتن في سورية الساحلية: بعد تتويج الأمير فيصل ملكا على سوريا واستقراره على عرش الملك، بدأت حكومته تزيد في الضرائب وتدعو إلى التجنّد. وكانت العصابات في المنطقة الشرقية السورية- التي تخفق عليها الراية الفرنسية- قد استفحل أمرها. وكانت الدولة المنتدبة المحتلة في سواحل سوريا قد أهمها أمر تلك العصابات وجهزت لقهرها جيشا جرارا، فلم يتسنّ لها قمعها إلا بعد جهود عظيمة وخسائر جمّة. وكثرت الفتن والوقائع في جهات بشارة وأنطاكية وتل كلخ وغيرها من الجهات السورية. توتر العلائق بين جلالة الملك فيصل وبين الحكومة الفرنسية المنتدبة: ولما حدثت هذه الأمور أخذ الارتياب من سمو الأمير فيصل يأخذ محلّه من نفوس الحكومة الفرنسية المنتدبة، وكان قد تسرب إليها الشك في إخلاصه لها من خطبة ألقاها في دمشق لمحّ فيها إلى وجوب رفض الانتداب الفرنسي والإصرار على الاستقلال التام، وذلك بعد أن كان ألقى في بيروت خطبة صرح فيها بما يوافق فرانسة ويرمي إلى غرض الرضا بانتدابها. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 575 أول ما ظهر من نتائج توتر العلائق: قال الأستاذ الفاضل محمد كردعلي في كتابه خطط الشام ما خلاصته: كان الجنرال غورو المفوض السامي للجمهورية الفرنسية ولبنان يعزز جيشه في الساحل. ثم في 11 تموز سنة (1920) أرسل إلى الملك فيصل كتابا قال فيه: «بينما كانت السكينة سائدة في سوريا أثناء الاحتلال الإنكليزي ابتدأ الفساد يوم حلت جيوشنا محل الجيوش البريطانية، ولا يزال آخذا بازدياد منذ ذلك الوقت» . وأرسل إليه أيضا يوم 14 تموز بلاغا يكلفه فيه أن يعطى فرنسا الخط الحديدي من رياق إلى حلب، وأن تلغي حكومة فيصل القرعة العسكرية، وأن يقبل الانتداب الفرنسي والنقود السورية، ويضرب على أيدي الأشقياء. فطلب الملك مهلة أربع وعشرين ساعة. فانتهت ثم مددت أربعا وعشرين ساعة أخرى، ثم مددت ثانية ولم يجب لانقطاع الأسلاك البرقية. وحينئذ سار الجنرال غورو بجيوشه إلى جهة دمشق واشتعلت نار الحرب في جبال ميسلون بين جيوشه وبين الجيش العربي، يعضده بعض عامة دمشق وبضع مئات من البدو، فكانت الغلبة للجيوش الفرنسية. ثم أعلم الجنرال غورو الملك فيصلا أنه مستعد أن يتوقف عن الزحف إذا قبل بموادّ الإنذار السابق وبشروط بيّنها له- مذكورة في خطط الشام- فتأخر جواب الملك فيصل عن هذا الإنذار، فاستمرت الجيوش الفرنسية على الزحف إلى أن دخلت دمشق في اليوم ال 25 تموز سنة (1920) بعد أن قتل من الجيش العربي مقتلة عظيمة. وأسر منه العدد الكبير على الوجه الذي حكاه الأستاذ محمد كردعلي في خططه مفصلا. ذكر ما حدث في حلب أثناء هذه الحرب: وفي أثناء هذه الحرب ورد الأمر من قيادة دمشق إلى القيادة العسكرية العربية بالاستعداد إلى مقاومة الجيوش الفرنسية. فاستعدت القيادة للمقاومة على زعمها بإعداد جيش من الجند الوطني لا يزيد عدده على بضع مئات، ونشرت الدعوة للمقاومة بين العامة واستدعت بعض قبائل الأعراب من ضواحي حلب، وخرجت العامة إلى الثكنة العسكرية وطلبوا من القيادة السلاح فلم تعطهم. وطلب الجند منها عددا من المدافع فأجابتهم بأن ما هو موجود منها في الثكنة مختلّ لا يصلح للاستعمال. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 576 ثم ورد الأمر من القيادة في دمشق بالتسليم وعدم المقاومة، ثم ورد بالمقاومة. غير أن الحكومة الحلبية حينما رأت هذا التذبذب في الأمر وضعف الأمة عن المقاومة، عقدت مجلسا من أعيان حلب ووجهائها للاستشارة في هذه المسألة فاختلفت الكلمة في ذلك. وأخيرا رأى حضرة كامل باشا القدسي أن المقاومة تضر بالبلدة فضلا عن كونها لا تؤدي إلى الغرض المطلوب، وقد أقام على ذلك ما لا يمكن دحضه من الأدلة والبراهين. وقوله في ذلك حق لامراء فيه ولا سيما وهو رجل عسكري محنك. وعليه فقد أذعن الحاضرون إلى رأيه وقرروا التسليم بالطّوع والرضا. منشور ألقته الطيارة على حلب: وقبل قدوم الجيش الفرنسي إلى حلب ألقت طيارة مئات من نسخة منشور باللغة العربية خلاصته: أن فرنسا لا تتعرض إلى استقلالكم ولا تدعو إلى التجنيد، وهي تخفف عنكم الضرائب ولا تعمل بسلطتها ضدكم، ولا تتعرض إلى الموظفين الوطنيين؛ بل تبقي كل واحد منهم في وظيفته، وإن مقاومة جيشها يضرّ بالبلد وأهلها ويضطر فرنسا إلى عمل لا تحمد عقباه. وهو منشور طويل هذا فحواه. والي حلب: في شهر ذي القعدة سنة (1338) ولي حلب حضرة ناجي بك السويدي. دخول الجيش الفرنسي إلى حلب: صباح يوم الجمعة 8 ذي القعدة سنة (1338) وفي 23 تموز سنة 1920 م احتلت الجيوش الفرنسية مدينة حلب، وأشغلت بعض النقاط في أطراف البلدة ولم يحدث أقل حادث. وفي صباح يوم الجمعة المذكور جرى الاحتفال بقدوم الجنرال «ده لا موط» قائد الجيوش الفرنسية في المنطقة الشمالية السورية، فزار مقام الولاية وألقى خطابا قوبل بالاستحسان. وإليك ترجمته: «أيها السادة: إن فرنسا وجنودها لم تدخل هذه البلاد بصورة عدائية، ولا مقصدها الجزء: 3 ¦ الصفحة: 577 الاستيلاء على البلاد ولا استعمارها؛ بل إن الواجب الوطني هو الذي ألقي على عاتقها لرقي البلاد وإسعادها وإيصالها إلى أقصى درجات الرقي والعمران. ولذلك فإن الحكومة باقية على ما هي عليه، محافظة على شكلها وموظفيها وقوانينها وأحكامها. لذا، فإني أطلب من جميع رؤساء الدين والأشراف والأعيان والأهالي دوام الألفة وازدياد المحبة بين جميع طبقات الأمة وإطاعة أوامر الحكومة، وبذلك يكونون سعداء، وعلى الأخص فيما إذا تحققت أمانيهم برؤيتهم هذه البلاد سعيدة حرة مستقلة. اه» . رفع استقالة: رفع حضرة ناجي بك السويدي والي الولاية استقالته إلى وزارة الداخلية فقبلت. والي الولاية الجديد: يوم الثلاثاء 19 ذي القعدة سنة (1338) 3 آب سنة (1920) م عيّن سعادة كامل باشا القدسي من كبار أعيان حلب واليا للولاية. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 578 إجمال في الكلام على الأمة الفرنسية المحترمة «1» مملكة فرنسا، ومن أين أتى إليها هذا الاسم؟ ذكروا أن هذه المملكة قديمة العهد واسعة الحد، وأنها كانت تضم إليها جميع مملكة البلجيك وسويسرا وضفاف نهر الرين وبلاد فرانسا الحالية، وأنه كان يسكنها قديما أقوام يقال لهم إيبير وبسك وسكسكون. ثم قبل المسيح بنحو ألفي سنة زحف عليها أقوام يقال لهم الغال وسلتيك، وغيرهم من أمم البربر. وفي سنة 58 ق. م زحف عليها القائد الروماني يوليوس قيصر واستخلصها من يد أهلها. وسماها الرومانيون غاليه، واليونانيون سلتيك. وبعد أن اضمحلت الدولة الرومانية زحف على هذه المملكة أمم من البربر يقال لهم ويزيكوت- توطنوا الجهة الغربية- وبرغوند: توطنوا منها الجهة الشرقية، وفرانك: توطنوا منها الجهة الشمالية. ثم زحف عليها أتيلا ملك الهون فتألبت عليه هذه الطوائف وطردته عنها. وكانت طائفة فرنك أعظم الطائفتين بلاء في طرده، فترأست عليها وسميت تلك البلاد باسمها وصارت تدعى فرنسا، التي أصلها فرنك، والعرب يسمونها فرنجة. ومن ذلك الوقت دخلت تحت تملك الملوك الفرنسيين. وقد قسم المؤرخون ملوك فرنسا إلى ثلاث سلاسل، فحذونا نحن حذوهم. وسنتكلم في الآتي من هذا الإجمال على كل سلسلة منهم وعلى ما كان من الحوادث العظيمة في أيامهم. ديانة سكان تلك البلاد: كان الغاليّون يعبدون إلها اسمه «توتاتيس» وغيره من الأوثان، وكانوا يقدمون له الضحايا من نبات الحقول ولا سيما ورق البلوط المسمى (دكى) ، وهم يسمون كهنتهم الجزء: 3 ¦ الصفحة: 579 (درويد) . وقد جعلوهم عليهم حكاما وعلماء وكهنة، وكانوا يتّشحون بثياب طوال سود ويعقدون على رؤوسهم أكاليل من ورق البلوط. وكان الفرنك يدينون بالوثنية ويعبدون إلها اسمه أودين أي إله الحرب. متى دخلت النصرانية تلك البلاد؟ يذكر أن أول من دعا للنصرانية في هذه البلاد هو العازار الذي أحياه المسيح. أول من تنصر من ملوك فرنسا: وأن أول ملك من ملوك فرانسة اعتنق الديانة المسيحية هو الملك كلوفيس حفيد مى روى، أول ملك من ملوك السلسلة الأولى الفرانسيين، وذلك سنة 496 م. وكانت زوجته كلوتيد مسيحية، وقد عمد في عيد ميلاد هذه السنة في كنيسة رانس في حضور جم غفير. السلسلة الأولى من ملوك فرانسة: هذه السلسلة تدعى الميرونجيين. وأول من ملك منها على فرانسا هو الملك مى روى تسلم زمام الدولة الفرنسية حينما صارت تعرف بهذا الاسم. وبعد وفاته خلفه أولاده ثم حفدته وكان أعظم ملوك هذه السلسلة الملك كلوفيس- أحد حفدة الملك مى روى- وأما الباقون من ملوكها، الذين هم أولاد كلوفيس وحفدته، فلم يرافقهم النجاح في أعمالهم لاستيلاء التواني عليهم حتى عرفوا باسم الملوك المتوانين، ولهذا تغلب عليهم أحد وزرائهم المسمى شارل مرتيل وصار ملكا على فرانسا، وهو الذي حارب العرب في جبهات بواتيه وانتصر عليهم. السلسلة الثانية: ثم إن بيبان (القيصر) اتحد سنة 752 م/ 135 هـ مع البابا ضد اللومبرديين فتوّجه ملكا. وبذلك انتهت سلسلة الملوك الميرونجيين- التي هي السلسلة الأولى من ملوك فرانسا- وابتدأت سلسلة ملوك فرانسا الثانية التي أول ملك منها بيبان المذكور. ولما آل ملك فرانسا إلى شرلمان- الذي هو أعظم ملوك هذه السلسلة- اهتم بإعلاء شأن بلاده الجزء: 3 ¦ الصفحة: 580 فوسّع نطاقها حتى وصلت حدودها إلى نهر الألب من جهة ألمانيا، وإلى مدينة رومية من جهة إيطاليا، وإلى الأبير من جهة إسبانيا، وإلى نهر الدانوب من جهة النمسا. وقد توّجه البابا لاون الثالث إمبراطورا في مدينة رومية سنة 800 م/ 184 هـ، وكان النصر حليفه في أكثر حروبه. ونهضت مملكته في أيامه نهضة عظيمة فكثرت الإصلاحات الإدارية والمشاريع العلمية والأدبية. وكان صديق الخليفة هارون الرشيد العباسي. وقد تلقى الامبراطور شرلمان من علماء العرب علوما جليلة. ثم مات سنة 814 م/ 199 هـ وخلّف ثلاثة أولاد، فانقسموا على بعضهم وحدث بينهم عدة معارك، ثم اصطلحوا وقطعوا بواسطة الأساقفة عهودا بينهم في مدينة فردون سنة 816 م/ 201 هـ على أن تكون البلاد- التي على الضفة الشرقية من الرين- إلى لويس، وقد سميت بلاد جرمانيا. والبلاد الغربية بين البحر ومجرى نهر الرون ونهر السون والموز إلى أخيه كارلس الأصلع، وسميت بلاد فرانسا. وبلاد إيطالية والرون والسون- وما هو كائن من البلاد بين الموز والرين- إلى أخيهما لوتير. وسميت بلاد اللوتير نجي ومنها اللورين. ثم إن بلاد فرنسا التي يملكها كارلس الأصلع استولى عليها الضعف بعد هذا التقسم، وطمع فيها النور منديون «1» وهم أسلاف سكان نرويج ودنمارك، فهجموا عليها عدة مرات فلم يفلحوا. ثم مات كارلس الأصلع وولده لويس الالثغ، وعادت مملكة شارلمان العظيمة إلى ما كانت عليه من القوة والمنعة وصارت كلها تحت راية واحدة يقبض عليها ملك واحد اسمه كرلس السمين. وفي ذلك الوقت عاد النورمنديون وزحفوا على هذه المملكة، فعجز الشرلمانيون عن مقاومتهم، واستمر النورمنديون على زحفهم حتى صاروا على أبواب العاصمة باريس وشددوا عليها الحصار. وحينئذ تجرد إليهم الكونت أود فدحرهم وولوا منهزمين. وبعد أن توفي لويس الخامس ابن لوتير وحفيد لويس الرابع وكرلس البسيط رأى الأساقفة ووجوه أهل المملكة أن الشرلمانيين لم يقلعوا عن توانيهم، فقرروا أن ينزعوا الملك منهم ويسلّموا صولجانه إلى حفيد الكونت أود- واسمه هوك كابه- وذلك سنة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 581 987 م/ 377 هـ وبذلك انتهت سلسلة الشرلمانيين الثانية من سلسلة ملوك فرانسة وابتدأت السلسلة الثالثة منهم. السلسلة الثالثة: هذه السلسلة تسمّى ملوكها بالملوك الكابيسيين الذين دام تملكهم على المملكة الفرنسية من سنة 987 م/ 377 هـ إلى سنة 1848 م/ 465 هـ. وقد علمت أن أول ملك من ملوك هذه السلسلة هو الملك هوك كابه وإليه تنتسب هذه السلسلة. على أن ملوك هذه السلسلة قد قصروا اهتمامهم في بدء أمرهم على مقاطعتهم الخصوصية، وهي مقاطعة إيلدو فرانس، ولم يتلفتوا إلى باقي المملكة الفرنسية، فاستبد بها حكامها واستقلوا بأحكامها وصاروا مثل ملوك الطوائف (feodalite) في أيام ضعف الخلفاء العباسيين، ولم يبق للملوك الكابيسيين سوى سلطة اسمية وأمور شرفية وبعض امتيازات لا فائدة في ذكرها. وقد تعاقب ملوك هذه السلسلة على عرش فرانسا الخيالي، وكانوا على التمادي يزدادون ضعفا ووهنا ومنهم الملك روتير التقي، الذي كان ملكا من سنة 996 م/ 386 هـ والملك هنريكيس الأول الذي كان ملكا من سنة 1031 م/ 423 هـ إلى سنة 1060 م/ 452 هـ، وفيلبوس الأول الذي ملك من سنة 1060 م/ 452 هـ إلى سنة 1108 م/ 502 هـ وكرلس البسيط الذي أعطى النورمنديين مقاطعة فوستريا مع مدينتي (روان وكان) ، فسميت هذه المقاطعة باسمهم. وقد استفحل أمرهم حتى استولوا على بلاد إنكلترا وتتوج قائدهم الدوك (غليوم) الغازي ملكا في لوندرة فأصبح أعظم قدرة وصولة من ملك فرنسا، مع أنه تحت حكم ملك فرانسا. ثم لما ملك لويس السادس- المسمى لويس الضخم أو لويس النبيه- بعد فيلپوس الأول باشر الحرب ضد ملوك الطوائف. وقد امتد ملكه من سنة 1108 م/ 502 هـ إلى سنة 1137 م/ 532 هـ. وكانت حروب الصليبيين قد بدأت منذ سنة 1096 م/ 490 هـ وامتدت حتى سنة 1270 م/ 669 هـ وعدد حملاتها ثمانية. وقد استولى الصليبيون في هذه المدة على القدس ونواحيها. ثم عادت إلى حكم المسلمين بسبب ضعف الصليبيين وانقسامهم على بعضهم. وقد نهض الصليبيون في تلك الأيام نهضة عظيمة في العلوم والفنون ولا سيما في فن الهندسة. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 582 وسبب ذلك أن الاعتقاد كان سائدا بين الأمم الغربية بأن العالم سينتهي في حدود سنة 1000 م/ 391 هـ فلما انقضت هذه السنة ولم يحدث شيء من ذلك ساء اعتقادهم في التكهّنات والتفتوا إلى الاهتمام بالعلوم والهندسة الكنائسية. وتولى الملك لويس السادس سنة 1137 م/ 532 هـ وخلفه ابنه البكر لويس السابع. وبقي في الملك إلى سنة 1180 م/ 576 هـ. وكان في أثناء تملكه مجدا في الحروب الصليبية بدلا عن أن يستخلص بلاده من ملوك الطوائف. ثم خلفه الملك (فيلبوس أغستوس) واستمر ملكه إلى سنة 1223 م/ 620 هـ فاشترك مع إمبراطور ألمانيا (فريدريك باربروس) وملك الإنكليز (ريشار قلب الأسد) في الحرب الصليبية في الحملة الثالثة وتحاربوا مع صلاح الدين الأيوبي. ثم رجع الملك فيلبوس إلى فرنسا قبل ملك الإنكليز. وأخذ مقاطعتي (البواتو) والنورمنديين الذين كان الإنكليز قد طردهم من بلادهم واستولوا على أصل مقاطعتهم وكسر فيلبوس الإنكليز المتحالفين مع ألمانيا وذلك سنة 1214 م/ 625 هـ. وهذه المعركة تعرف بمعركة (بووين) . ومن آثار الملك فيلبوس أغستوس قصر اللوفر الشهير في باريس فهو الذي بناه وأسس فيها الكلية الشهيرة أو مجتمع المعلمين والطلبة. ثم مات الملك فيلبوس سنة 1223 م/ 625 هـ وخلفه الملك لويس الثامن فبقي ملكا من هذه السنة إلى سنة 1226 م/ 623 و 624 هـ فلم يمكّنه قصر مدته إلا من محاربة هرطقة الألبيجينيين الناكرين أهم العقائد المسيحية. ثم مات وخلفه الملك لويس التاسع الذي يسمونه القديس لويس. ولما كان صغيرا تملكت عوضه أمه الشهيرة باسم (بلانشة دي كستيل) فربته أحسن تربية. ولما بلغ رشده تسلم زمام الملك وأقدم على الحملتين الأخيرتين من حملات الصليبيين فوصل إلى مصر، واستولى على دمياط وعجّب الأتراك بشجاعته. ثم رجع إلى بلاده وحارب الإنكليز وانتصر عليهم في مدينتي (تيبرغ) و (سانت) . ثم أرجع لهم مقاطعة (البواتو) على شرط ألّا يعودوا يتعدّون على مقاطعة (نورمنديا) وامتاز الملك لويس بعدله وانعطافه على الشعب. ثم باشر سنة 1270 م/ 669 هـ الحملة الثامنة الأخيرة من حملات الصليبيين فدخل جهات تونس وقد تفشى الطاعون في عسكره. ثم أصيب به ومات في هذه السنة. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 583 وخلفه ولده فيلبوس الثالث المسمى بالجسور وملك حتى سنة 1275 م/ 684 هـ فترك الحملة الصليبية وحمل جثة أبيه إلى فرنسا ولم يمتز عن غيره بشيء من الأعمال. أما خلفه، وهو ولده حفيد فيلبوس، الجميل الذي ملك من سنة 1285 إلى سنة 1314 م/ 744 هـ فإنه أظهر اقتدارا عظيما في توطيد سطوة الملك وتوسيع نطاق المملكة، وقاوم البابا (بونيفاس) الثامن فحرمه البابا، فازداد مقاومة. ثم مات فخلفه ابنه لويس العاشر. ومات بعد سنتين ولم يخلف سوى بنت واحدة. ولما كان القانون الفرنسي المسمى (الساليك) يمنع تملّك النساء خلفه أخوه فيلبوس الخامس. وبعد ست سنوات مات عن غير ولد ذكر، فخلفه أخوه كرلس الرابع الجميل بحكم القانون المذكور، فمات بعد ست سنوات أيضا وذلك في سنة 1328 م/ 729 هـ ولم يخلف ذكرا فخلفه ابن عمه فيلبوس السادس دي فالوا. حرب فرنسا وإنكلترا مائة سنة وسنة: ولما كان صولجان الملك قد خرج من يد الأسرة الملوكية ترشح للملك ملك إنكلترة (إدوار) الثالث، الذي كان متوليا على أراضي واسعة في بلاد فرانسا وبثّ الدسائس وثارت الأحزاب، فأعلن نفسه ملكا على فرنسا وإنكلترا، وذلك في سنة 1336 م/ 737 هـ فنشأ عن هذا العمل تلك الحرب الشهيرة التي دامت مدتها أكثر من مائة سنة بين الإنكليز والفرنسيس، وهي تقسم إلى أربعة أقسام: (1) وهو على عهد الملك فيلبوس السادس والملك يوحنا الصالح، فكان في مدة هذين الملكين الانتصار للإنكليز. (2) وهو على عهد الملك كرلس الحكيم، وكان فيه الانتصار للفرنسيين بواسطة القائد الشهير (دو كيكلان) . (3) كان بعد جنون الملك كرلس السادس، وانحاز فيه النصر إلى جانب الإنكليز. (4) على عهد الملك كرلس السابع، وتحتم فيه النصر للفرنسيين بواسطة الشجاعة الشهيرة (جاندارك) القروية الراعية. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 584 وأشهر ما جرى في تلك الحرب الطويلة هو: (1) معركة كربسى. وفيها استعملت المدافع أول مرة في العالم، استعملها الإنكليز، وكانت قنابلها من الحجارة ولها دوي وحفيف دون أن يحصل منها تأثير يذكر. وذلك سنة 1328 م/ 729 هـ تقريبا. (2) انتصارات دو كيكلان، فإنه لم يترك للإنكليز سوى بعض المواني، أي مدينة (كاله) و (ستراسبورغ) و (بوردو) و (بايون) . (3) انتصار جاندارك: انتصارات القروية الراعية الطائرة السمعة (جاندارك) فقد حداها سائق إلهي إلى أن تقصد الملك الإفرنسي كرلس السابع وأن تخرج الإنكليز، ففعلت ذلك وطردت الأعداء عن آخرهم من مدينة أورليان في 8 أيار سنة 1429 م/ 823 هـ. وقد أصبح هذا التاريخ عيدا رسميا للحكومة الفرنسوية علاوة على عيد 14 تموز الآتي ذكره. وبعد هذه الانتصارات الباهرة حضر الملك كرلس إلى مدينة (رانس) حيث مسح رسميا ملكا على فرنسا في 17 تموز سنة 1429 م/ 833 هـ. ولما قصدت أن ترجع إلى قريتها وقطيع ماشيتها سمعت أن مدينة (كومبيانيا) في خطر عظيم فأسرعت إلى إنقاذها وتقدمت لقتال العدو، فوقعت أسيرة بين يدي المحاصرين فباعوها إلى الإنكليز. وبعد محاكمتها حكم عليها بأن تحرق حية، زاعمين أنها مهرطقة ساحرة. فنفذ الحكم عليها في مدينة (روان) في 30 أيار سنة 1431 م/ 835 هـ. وبعد وفاتها فسخ البابا ذلك الحكم وأعلن براءتها رسميا. وجميع المسيحيين الكاثوليك- حتى إنكلترة منهم- يحترمونها كقدّيسة، ويقيمون لها احتفالا تكريميا في اليوم الثامن من أيار كل سنة. أسماء التواريخ العالمية عند الأوروبيين: انتهت تلك الحرب الطويلة سنة 1453 م/ 857 هـ، وهي السنة التي استولى فيها السلطان محمد الفاتح على مدينة قسطنطينية. فجعل المؤرخون الأوروبيون هذه السنة نهاية تاريخ القسم الثاني من تاريخ العالم العام، وهو القسم المعروف عندهم بتاريخ الأجيال المتوسطة. وبعد هذه السنة يفتتحون القسم الثالث من تاريخ العالم العام وهو المسمى تاريخ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 585 الأزمنة الحالية، وهو ينتهي سنة 1789 م/ 1204 هـ أي في ابتداء الثورة الفرنسية العظيمة الآتية الذكر. وكان الفرنسيون قد تمكنوا بعد الحرب المذكورة من طرد الإنكليز من فرنسا كلها بحيث لم يبق لهم فيها سوى مدينة كالة التي استمرت تحت سيطرتهم مدة مائة سنة بعد ذلك. ومات الملك كرلس السابع بعد أن جهز أول مرة في فرنسا جيشا منظما مرابطا ووضع أول ضريبة ثابتة. وكانت وفاته سنة 1461 م/ 866 هـ. فملك بعده الملك لويس الحادي عشر، وكانت عناية هذا الملك واهتمامه منصرفين إلى توحيد دولة فرنسا وتثبيت سلطة الملك وانتصاره على ملوك الطوائف. فتحالفت الطوائف عليه تحت رياسة كرلس الجسور، فانتصر عليهم وانضمت مقاطعات (بوركونيو) و (آنجو) و (بروفانس) و (روسيون) إلى مقاطعات الملك، ونشط فن الطباعة في فرنسا وكان قد تم اختراعه عن يد (غوتنبرغ) الألزاسي في مدينة (ستراسبورغ) سنة 1450 م/ 854 هـ. ومات الملك لويس الحادي عشر سنة 1483 م/ 888 هـ وساست المملكة بعد موته ابنته حنّة دي بوجو، لأن ابنه كرلس الثامن كان قاصرا. ثم لما كبر واستلم زمام الملك أضاع وقته وأفقد فرنسا مواردها في حروبه التي أقامها في بلاد إيطاليا، فقد غزا مملكة (نابلي) ثم خسرها. ومات في سنة 1498 م/ 904 هـ. وخلفه ابن عمه لويس الثاني عشر، وكانوا يسمونه أبا الشعب أو الملك لويس اللطيف لفرط حلمه وعطفه على الجميع. وحارب في إيطاليا كسابقه فلم يفلح. ومات سنة 1513 م/ 919 هـ. وخلفه ابن عمه فرنسيس الأول فحارب أيضا في إيطاليا وانتصر في (مارينيان) واستولى على (ميلانو) وتعاهد مع البابا (لاوون) العاشر، فسمح له الباب أن يعين أساقفة فرنسا. وفي أيامه اشتهر القائد العظيم (بايار) . وحارب الملك فرنسيس الأول أيضا الإمبراطور كرلس الخامس، الذي كان مستوليا على بلاد إسبانيا وبلجيكا وألمانيا والنمسا وعلى قسم عظيم من أراضي أميركا التي كان قد اكتشفها (خرستوف كولومبس) سنة 1492 م/ 898 هـ. وقد اتسع ملك الملك كرلس الخامس إلى درجة يمكنه أن يقول مفتخرا: إن الشمس لا تغرب عن ممالكي. فقام الملك فرنسيس الأول يحارب ذلك الملك العظيم ودامت الحرب بينهما وبين الجزء: 3 ¦ الصفحة: 586 حلفائهما ثلاثين سنة، وانتهت في معاهدة (كاتو كامبريزبس) سنة 1559 م/ 967 هـ وقد استولت فرنسا على مدينة (متس) و (تول) و (فردون) وأخذت مدينة كالة من الإنكليز، وكانوا تحالفوا مع فيلبوس الثاني خلف كرلس الخامس. ومات الملك فرنسيس الأول سنة 1547 م/ 954 هـ. وخلفه الملك هنريكوس الثاني. ومات سنة 1559 م/ 967 هـ أي في سنة المعاهدة المذكورة. وفي هذا التاريخ نهضت فرنسا نهضتها العلمية الأدبية العظيمة التي كان أسسها الملك فرنسيس الأول حتى استحق أن يلقب بأبي الأدب. فكثر المؤلفون الفرنسيون والمتفننون والمهندسون في كل نوع من أنواع العلوم والفنون، ومنهم (مارو) الشهير و (رونسار) و (ربله) و (مونتانيو) والأسقف (أميو) وغيرهم. وكان فرنسيس الأول على أحسن العلاقات مع السلطان سليمان القانوني، وقد منحه عدة امتيازات في بلاد الشرق ولا سيما في سوريا ولبنان. وهنالك معاهدة طويلة ذات شأن بين الملكين في شأن مسيحيي هذه البلاد. ظهور المذهب البروتستاني: وظهرت في تلك الأيام أيضا الهرطقة العظيمة المسماة بالهرطقة البروتستانية التي ابتدعها الراهب (مرتان لوتير) الألماني وأعوانه: يوحنا كلويس الفرنسي وزونيكل السويسري، و (هنريكوس) الثامن ملك إنكلترا. فخرج عن طاعة البابا أمم عظيمة. ولم يزل هذا المذهب منتشرا حتى اليوم في بلاد ألمانيا وإنكلترا وبعض الأقطار الأميريكية. وقد استبدت ملوك فرنسا في ذلك التاريخ وثقلت وطأتهم على الشعب حتى سمي ذلك الدور دور السلطان المطلق. وملك بعد هنريكوس الثاني سنة 1559 م/ 967 هـ فرنسيس الثاني. وفي سنة 1560 م/ 968 هـ توفي وخلفه كرلس التاسع، واستمر في الملك إلى سنة 1574 م/ 982 هـ. ثم مات وخلفه هنريكوس الثالث واستمر في الملك إلى سنة 1589 م/ 498 هـ ومات، فانطفأت بعده أسرة (فالوا) المالكة لأنهم لم يكن لهم خلف ذكر، فقامت بدلا منها أسرة (البوربون) المتسلسلة عن الولد الأصغر للملك لويس التاسع القديس والمالكة إلى سنة 1848 م/ 1265 هـ. أما ملك فرنسا هنريكوس الثالث الذي اقترن بملكة (اسكتلانده) الكاثوليكية الشهيرة (بماري ستوار) فإنه لم يذكر له التاريخ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 587 أثرا سوى تجسم الأحزاب في فرنسا بين البروتستانت والكاثوليك. وكانت الملكة ستوار تشايع الكاثوليك وتقاوم البروتستان حتى إنها أحرقت أخيرا شهيدة الكثلكة. وقد طالت الحرب بين أهل المذهبين وأريقت الدماء وقتل عدد من الوزراء ووجوه القوم من كلا الفريقين، حتى تملك أخيرا على فرنسا هنريكوس الرابع سنة 1589 م/ 998 هـ وكان بروتستانيا إلا أنه سنة 1593 م/ 1002 هـ ترك مذهبه وصار كاثوليكيا ليرتضيه الفرنسيون ملكا عليهم. وفي ذلك التاريخ دخل باريس وقد تمهدت العقبات أمامه فحسم النزاع بين الكاثوليك والبروتستان وأصدر أمرا يعرف بمنشور (تنط) منح فيه حرية الدين للبروتستان، وأنهى الحرب مع إسبانيا بمعاهدة (ويروين) وأجرى بواسطة وزيره (سولى) عدة إصلاحات تتعلق بالزراع والطبعة السفلى من الشعب. وفي أيامه بنيت في إمريكا المدينة الإفرنسية الأولى المعروفة باسم (كيبك) . ثم قتل الملك أحد المتحزبين المتطرفين، واسم القاتل فرنسيس رارايك في 14 أيار سنة 1610 م/ 1019 هـ. وكانت حدود فرنسة في تلك السنة على هذه الصفة، وهي: أن هذه المملكة كانت تمتد من الجهة الشمالية إلى نهر السوم عدا شاطىء البحر حيث كانت تصل إلى مدينة كاله. أما المقاطعتان الحاليتان (فلاندره) و (أرتوا) فإنهما كانتا ملحقتين بإسبانيا. وكانت فرنسة تملك من الجهة الشمالية الشرقية مدينة (متس) و (تول) . وأما بلاد الألزاس واللورين و (الفوج) فكانت تخص مملكة ألمانيا وفي الشرق كان نهر السون يحد فرنسة ومقاطعة (البرسمونيو) على يمينه ملحقة بفرنسه وعلى يساره مقاطعة (الفرانش كونتى) ملحقة بإسبانيا. وكانت مقاطعة (الساوا) و (كونتيته نيسى) في الجنوب الشرقي خاصة (دوك سارا) . وكانت مملكة فرانسة في جهة الجنوب منفصلة عن جبال البيريين بمقاطعة (الروسيون) التي كانت بعد إسبانيولية. وكانت مقاطعتا (البيارن) و (النافار) مستقلتين. وكانت المستعمرات الفرنسية محصورة في بلاد الكندة من إمريكا لا غير. ولما قتل الملك هنريكوس الرابع كان ابنه لويس الثالث عشر لا يتجاوز التاسعة من عمره فنابت عنه أمه (ماري دي ميدى) من أسرة إيطالية معروفة، فالتفّ حولها حاشية إيطاليانية أضرت بمصالح فرنسة كثيرا، وهذه الحاشية تعرف بأسرة كونسينى، فاضطربت الجزء: 3 ¦ الصفحة: 588 المملكة واجتمع المجلس العمومي المؤلف من ممثلي (الإكليروس) والطبقة الثالثة من طبقات الشعب فلم يحصل من اجتماعه فائدة. ولما بلغ لويس الثالث عشر رشده وتولى الأحكام بنفسه؛ جعل وزيره الأول أسقفا حازما صاحب عزيمة يسمى (الكردينال دي ريشليو) . أما كونسينى أبو الأسرة التي كانت ملتفة حول أم الملك فإنه اعتقل ثم قتل شر قتلة. وكان أول عمل عمله (ريشليو) أنه أكره البروتستان على الخضوع إلى الملك وأخذ منهم مدينة (لاروشل) المحصنة وأرغم الأمراء ووجوه الأمة على الخضوع إلى القانون العام، وقتل المتمردين والمخالفين أحكام الأوامر التي أصدرها الملك في شأن المبارزة مثل الكونت (مونمورانس بوتويل) . وبعد أن جعل السلام سائدا في فرنسة هجم على الإسبانيوليين وعلى حلفائهم وأخذ منهم ثلاث ممالك عظيمة، أي (الألزاس) و (الروسيون) و (الأرتوا) ، وأجرى إصلاحات عظيمة في داخلية البلاد ولا سيما في دائرة الشرطة ودائرة الضرائب، وأنهض بحرية فرنسة وبنى الموانىء والمراكب والسفن الحربية، واشترى عدة جزائر في الأنتيل الأميركية، وتوصل إلى (مدغسكار) الإفريقية فبنى فيها مراكز مهمة، ونشّط العلوم والآداب فأسس (الأكاديمية) القانونية. ومات سنة 1642 م/ 1052 هـ. ومات بعده الملك سنة 1643 م/ 1053 هـ فنابت عن الملك لويس الرابع عشر أمه (حنة) النمساوية الإسبانيولية الأصل، لأن الملك الصغير لم يكن قد تجاوز الخامسة من عمره، فاختارت لنفسها وزيرا الكردينال (مازارين) صديق ريشليو وتلميذه. ومازارين هذا من مدينة رومية وكان لا يحسن التكلم بالفرنسية. وفي مدة نيابة حنّة عن ابنها انتصر الفرنسيون على الإسبان وغيرهم لحسن تدبير القائدين الشهيرين كونده وطورين. وفي سنة 1648 تعاهد ملك إسبانيا مع فرنسة وتنازل لها عن بلاد الألزاس. وهذه المعاهدة تعرف بمعاهدة نسيتغالي. ثم في سنة 1659 عقدت معاهدة أخرى تعرف بمعاهدة بيرين ربحت بها فرنسا مقاطعتي الأرتوا والروسيون. ومع هذا كله فإن مازارين كان منفورا من الشعب لطمعه ولأنه أثقل كاهله بالضرائب. ولذا قامت الثورة في المملكة، المعروفة بثورة الضرائب، وتفاقم الشر بين الملك ووزيره وبين وجوه أهل المملكة ومجلس البرلمان الذي تحزب إلى القائد. ثم اختلف الثوار مع بعضهم واغتنم مازارين فرصة اختلافهم ورجع إلى باريس بعد أن اعتزل الأعمال مدة سنتين، وكان عوده إلى باريس سنة 1653 فازدادت الجزء: 3 ¦ الصفحة: 589 هيبته وعظمت صولته، وانحطت المملكة انحطاطا زائدا، إلى أن أنهضها من عثرتها القديس منصور دي بول المعروف بمحبة الفقراء. وفي سنة 1661 مات مازارين، وكانت فرنسا حينئذ أعظم دولة في أوربا، وقام الملك لويس الرابع عشر بتدبير الملك بنفسه ولم يعيّن وزيرا. وكان جبارا عنيدا حريصا على كرسي الملك، فكثر العصاة والمتمردون وقد عجز عن إخضاعهم، واضطر إلى أن يعين يوحنا كولبير وزيرا للبحرية والمالية فأحسن القيام بهما، واعتنى بشأن الزراع وأمد التجار وخفض الضرائب، وأسس المعامل وقوى البحرية التجارية، واجتهد بتحصين البحرية الملوكية، وعين الملك أيضا (لوغوا) وزيرا للجهادية فنظم الجندية. ثم إن الملك بعد موت وزيره كولبير اضطهد البروتستان وسلبهم الحرية الدينية التي كانوا منحوها من قبل هنريكوس الرابع وريشليو، ونادى الملك أيضا بإلغاء منشور «تنط» الشهير. وكان ذا عظمة في قصره قد حف به طائفة من الأدباء والخطباء والفلاسفة والقواد والوزراء، حتى إنه كان يسمى الملك العظيم أو الملك الشمس، وسميت أيامه أيام لويس الرابع عشر. وفي سنة 1711 مات ابنه ولي العهد، ثم ماتت حفدته ولم يبق له وارث سوى ابن حفيده الدوك نورمنديا، وقد استغرق في محاربة دول أوربا مدة ثلاث وثلاثين سنة وحاز انتصارات باهرة أفزعت أوربا، وقامت فرنسا في وجهها كلها حتى سنة 1668 إلا أن فرنسا بعد ذلك أنهكتها الحروب وأخذت ترجع إلى الوراء لا سيما لما تملك على إنكلترة غليوم دورانج عدوّ فرنسا العظيم، فإن فرنسا قد تمكن منها الضعف وخسرت كثيرا من بلادها. وفي سنة 1715 م/ 1127 هـ و 1128 هـ توفي الملك لويس الرابع عشر وخلفه لويس الخامس عشر، وهو ابن حفيده. وكان لويس الخامس عشر صغيرا فقام بإدارة الملك بالنيابة عنه جماعة من عظماء المملكة خدموا منافعهم الذاتية فعزلوا سنة 1726 م/ 1139 هـ وتعين بدلهم الكردينال فلوري، فتوصل بدهائه إلى أن جعل فرنسا تربح مقاطعة اللورين. ثم مات الكردينال فلوري واستقل لويس الخامس عشر بإدارة الملك وكان منهمكا بالملذات غير ملتفت إلى الملك، فانحطّت المملكة في زمانه، ونشبت الحرب بين فرنسا وبروسيا مدة سبع سنوات، أي من سنة 1756 م/ 1170 هـ إلى سنة 1763 وكانت النتيجة انكسار فرنسا برا من قبل بروسيا، وبحرا من قبل إنكلترا. وخسرت فرنسا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 590 أيضا بلادها في الهند التي كان استولى عليها دوبلكس، وبلادها في كناده ولم يبق لها في الهند سوى خمسة بلدان. وانتهت هذه الحرب في معاهدة باريس سنة 1763 م/ 1177 هـ. وفي سنة 1768 اشترت فرنسا جزيرة كورس من جمهورية (جينوا) التي ولد فيها نابليون بانابرت سنة 1769 م/ 1183 هـ. وفي أيام هذا الملك قام البرلمان الفرنسي يعارض بابا رومية والرهبانية، ويحمل عليها حملة شعواء حتى إنه حصل على أمر بإلغائها، فأغلقت مدارسها. وكان ولتير وروسو وغيرهما من الفلاسفة يعضدون البرلمان بخطبهم ومؤلفاتهم. ومات الملك لويس الخامس عشر وخلفه حفيده لويس السادس عشر وكان محبا للخير لكنه كان ضعيفا. وفي سنة 1781 م/ 1196 هـ اتحدت فرنسا مع أميركا بغضا في إنكلترا التي تمردت عليها مستعمراتها في أميركا، فانتصرت المستعمرات على إنكلترا واستقلّت وأعادت إنكلترة إلى فرنسا عدة مستعمرات كانت سلبتها منها سنة 1763 م/ 1177 هـ. وختمت هذه الحرب بمعاهدة فرسايل سنة 1783 م/ 1198 هـ. وقد كلفت هذه الحرب فرنسا نفقات عظيمة بحيث كان عجز موازنتها كل سنة ستة وخمسين مليونا، وتعذر على الدولة جباية الضرائب. وفي سنة 1789 م/ 1204 هـ اجتمع المجلس العمومي الذي لم يجتمع منذ سنة 1614 م/ 1013 هـ فلم يحصل من اجتماعه فائدة. وفي خامس أيار من هذه السنة ابتدأت الثورة الفرنسية. وفي هذه السنة ينتهي تاريخ الأزمنة الحالية ويبتدئ الجزء الرابع من التاريخ العالمي العام. الثورة الفرنسية الشهيرة: أسباب هذه الثورة سوء إدارة الملك وقلة اكتراثه بالرأي العام وعدم المساواة بين طبقات الشعب، فإن جميع الامتيازات كانت محصورة بطبقة الأشراف والإكليروس والطبقة الثالثة من الشعب، وكل الأثقال كانت مطروحة على عاتق الفلاحين. مبدأ الثورة وتاريخها: اجتمع في فرسايل مندوبو الفرق المتنوعة من أهل البلاد وقرروا أن يؤلفوا مجلسا مليا تسير فرنسا على ما يراه. وقد تحالفوا على أنهم لا ينفكون عن بعضهم إلا بعد تنفيذ ما الجزء: 3 ¦ الصفحة: 591 عولوا عليه وسمي هذا الحلف حلف ملعب البوم فلم يرض الشعب بذلك. وفي 14 تموز سنة 1789 م/ 1204 هـ أعلن الشعب تمرده على الحكومة وهجم على سجن الباستيل وأطلق السجناء وعيّن عريفا لنفسه وأقام حرسا وطنيا، وأرغم الحكومة على الاعتراف بأوامره وبقي هذا التاريخ يتخذ عيدا للجمهورية إلى اليوم. ثم حدث شقاق ديني اضطرب له الملك والمجلس الملّي وأصبح الملك لويس السادس عشر في خطر. غير أن المجلس تعهد بحمايته على شرط أن يكون حكمه بعد الآن مبنيا على ما يراه المجلس التشريعي. وفي تلك الأيام اشتهر الخطيب (ميرابو) . وظهر العلم الفرنسي الذي أضيف إليه اللون الأبيض رمزا لوقوع التراضي بين الملك والأمة، واللون الأزرق شعار الملك، والأحمر شعار باريس. وقد قسمت فرنسا في تلك الأيام إلى 83 مقاطعة وبقيت هذه القسمة إلى اليوم. وفيها قرر المجلس التشريعي ضبط أوقاف الكنائس وأموالها على أن تقوم الدولة باحتياج الكهنة، وأن تعم المساواة بين سائر الطبقات وتلغى الامتيازات القديمة. وذلك كله في سنة 1791 م/ 1206 هـ فشقت قضية ضبط الأوقاف على البابا وعارض بها، فقام الاضطهاد على قدم ضد الكهنة، فهاجر بعضهم وتبعهم عدد كبير من الأشراف وكثر الهرج والمرج، وكانت النمسا تساعد المهاجرين فأعلنت فرنسا عليها الحرب وقد تطوع فيها مائة ألف فلم يظفروا من النمسا بطائل وأصبح الوطن في خطر. وفي أواخر تموز سنة 1791 دخل البروسيون فرنسا وقامت الحرب بين حرس الملك السويسريين وبين الثوار، وانجلت عن قتل الكثيرين من السويسريين وسجن منهم عدد عظيم، وحكم المجلس التشريعي على الملك بالحبس، وقرر أن يعقد اجتماع لتأليف حكومة فرنسية جديدة وأن يفرج عن الملك، فرفض الثوار هذه المقررات وزجّوا العائلة الملوكية في سجن الهيكل. وكان البروسيون في ذلك الأثناء يتقدمون في فرنسا، فما كان من الثوار سوى أن هجموا على الكهنة والحرس الملوكي وأحزاب الملك وأعملوا فيهم السيف مدة ثلاثة أيام وكان ذلك في أيلول 1792. وفي 20 من هذا الشهر انتصر القائد الفرنسي (دوموريز) على البروسيين في فلمى، فهدأت الأفكار قليلا وانعقد مجلس جديد سمي مجلس الاتفاق، فقرر إلغاء الحكم الملكي في فرنسا وبدأ حكم الجمهورية في 22 أيلول المذكور، وهي الجمهورية الأولى. وقام الجزء: 3 ¦ الصفحة: 592 الجميع على الملك لويس السادس عشر، اتهموه بالمواطأة مع المهاجرين والنمسويين وأنه هو الذي كان سببا في إراقة الدماء وحكموا عليه بالقتل. وكان ذلك في 21 كانون الثاني سنة 1793. ثم اشتد الخلاف بين الجيروندنيين والجبليين، وقتل عدد كبير من الجيروندنيين واضطربت العاصمة وقامت المدن على بعضها، وسلمت مدينة طولون إلى الإنكليز، وزحفت جيوش النمسا على الحدود، وأريق في المملكة الفرنسية دماء غزيرة. وفي تلك الأثناء قام أحد الأحزاب وأجرى في كنيسة السيدة في باريس احتفالا سماه عيد العقل البشري، وذلك بغضا بالديانة المسيحية، وقد جعل تمثال العقل امرأة راقصة. وجرى غير ذلك من الشؤون التي يطول الكلام عليها. ثم إن المجلس الاتفاقي عقد مع بروسيا وإسبانيا صلحا شريفا في مدينة (بال) وفتحت الكنائس وأعلنت حرية الأديان، وبدأت النهضة العلمية. وحررت الأوزان والمقاييس والنقود على نسق جديد، وأعلن القانون الجمهوري، ثم انحلّ المجلس في 26 تشرين الثاني سنة 1795 وقد جعلوا مبدأ تاريخهم حادثة الثورة الكبرى التي كانت سنة 1793 وذلك إلغاء لذكر المسيح، حتى إنهم غيروا أسماء الأشهر. وفي سنة 1795 المتقدم ذكرها كان الجيش الفرنسي يحارب جيوش النمسا فحطمها ذلك البطل الشهير نابليون بنابرت وشتت شملها ودوخ بلادها، حتى بقي بينه وبين عاصمتها مسير ثلاثة أيام، وذلك في سنة 1796. أخبار نابليون بنابرت: ولد نابليون في مدينة برينا من جزيرة كورس سنة 1769 وكان ضعيف البنية خفيف العارضين تلقى دروسه في مدينة برينا. ولما كسر النمسا تلك الكسرة العظيمة طلب ملك النمسا الصلح واعترف بأن الضفة الشمالية من نهر الرين حق فرنسا. ثم إن نابليون طلب أن يؤذن له بالسير إلى مصر للاستيلاء عليها والسير بعدها إلى الهند ليقاتل إنكلترا في مستعمراتها. فأذن له بذلك وسار إلى مصر واستولى في طريقه على جزيرة مالطة، ثم استردها منه الإنكليز بعد سنة، ونزلت عساكر نابليون في ميناء أبي قير وانتصر على فرسان المماليك الأتراك في سهل الأهرام، ودخل القاهرة وكان الأسطول الفرنسي مرابطا في ميناء أبي قير فقصده الأسطول الإنكليزي وكسره كسرة شنيعة. وحاصرت جيوش نابليون الجزء: 3 ¦ الصفحة: 593 عكا ففشلت، وعاد نابليون إلى فرنسا خفية وأبقى القائد كليبر يدافع عن مصر. فاغتيل في سنة 1800 م/ 1215 هـ، وعادت مصر إلى تركيا بعد أن حاربت جيوشها الفرنسيين بمساعدة الإنكليز. وقد استفاد العالم الإفرنسي شامبوليون من دخوله إلى مصر اكتشاف الخط الهيركليفي. هذا، وإن المجلس الإداري في فرنسا كان في تلك الأثناء يسيء الإدارة. فلما رجع نابليون انحاز إليه مجلس الخمسمائة بمساعدة أخيه لوسيان رئيس هذا المجلس، فألغى المجلس الإداري والقانون الذي كان يتبعه وذلك في سنة 1799 م/ 1214 هـ، وحصر إدارة الأحكام في ثلاثة قناصل، هو أولهم. فكانت الإدارة جمهورية اسما، بونابرتية عسكرية فعلا. وفي سنة 1801 م/ 1216 هـ انتصرت جيوش فرنسا في (هوهن لن دن) واسترجعت فرنسا من إنكلترا جميع مستعمراتها. وأمضى نابليون مع البابا بيوس السابع الاتفاق المعروف بالكونكرودا، واهتم بتحسين أحوال الحكومة، فأحبه الشعب. وفي سنة 1804 م/ 1219 هـ سمّوه إمبراطور فرنسا ومسحه البابا، ولكنه هو الذي وضع التاج على رأسه بيده. وفي سنة 1805 م/ 1220 هـ حارب النمسا وروسيا فكسرهما. وفي سنة 1806 م/ 1221 هـ حارب بروسيا واحتل جيشه مدينة برلين. ثم في سنة 1807 م/ 1221 هـ أعاد الكرّة على روسيا فكسرها ثم تصالح معها. واعتدى نابليون على البابا وأخذ منه رومية واعتقله في سابونه ثم في بلاط فوتنبلو، فانحرفت عنه طوائف الكاثوليك، وطرد ملك البرتقال من ليشبونه وضبط أملاكه، وأكره ملك إسبانيا على الاستقالة وملّك بدله أخاه يوسف بنابرت ملك نابولي، فقام عليه الإسبان فحاربهم وقهرهم. ثم أسرع إلى نهر الدانوب وحارب النمسا وقهرها. وفي سنة 1181 م/ 1226 هـ بلغ سلطانه الغاية القصوى وأصبحت فرنسا تعدّ 133 مقاطعة بدل 84. وفي سنة 1812 م/ 1227 هـ مشى على روسيا بجيش لا يقل عن أربعمائة ألف مقاتل، فانسحب الروس من أمامه وجرّوه إلى مدينة (موسكو) وكانوا أحرقوا جميع البلاد التي تركوها وراءهم. ومع هذا فقد كسرهم كسرة شنيعة. غير أن البرد والجوع لم يبقيا من جيشه سوى 150 ألفا. فرجع إلى بلاده وفي أثناء رجوعه عارضته معركة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 594 أمام نهر البيريزنا، فهلك جيشه ولم يبق منه سوى ألف وخمسمائة جندي. فلما سمعت أوربا بانكساره تألبت ملوكها عليه وحاربوه في (ليبزيك) فكسروه واحتلوا باريس. فهرب إلى فوتنبلو وتمكن حزب الملكية من إجلاس لويس الثامن عشر على كرسي الملك، وذلك في سنة 1714 م/ 1230 هـ وفي 20 آذار هذه السنة رجع نابليون إلى باريس فانسحب لويس الثامن إلى (كان) . وبعد مائة يوم من رجوعه مشت عليه جيوش إنكلترة وروسيا، فكسروا جيوشه وعاد إلى باريس وقدّم استقالته فرجع الملك لويس إلى عرشه. وأما نابليون الأول فإنه سلم نفسه إلى إنكلترا تخوفا من الشعب، فنفته إنكلترا إلى جزيرة القديسة هيلانة، فبقي فيها نحو خمس سنوات في ضنك شديد. وفي 5 أيار سنة 1821 م/ 1237 هـ قضى نحبه وأوصى أن يكون قبره على ضفة السين. وهو معدود بين أشهر مشاهير أبطال المسكونة، وكان عدوا للحرية مضطهدا للدين، ضرّ فرنسا أكثر مما نفعها. ثم إن وزراء الملك لويس الثامن عشر عملوا على الانتقام من أحزاب الجمهورية وأحزاب نابليون بنابرت وفتكوا بهم، وقتلوا في مرسيليا عددا كبيرا من المماليك الذين كان نابليون أحضرهم معه من مصر، وسمي عمل أولئك الوزراء طور الهول الأبيض. في سنة 1824 م/ 1240 هـ مات الملك لويس الثامن عشر وخلفه أخوه كرلس العاشر. وفي أيامه في سنة 1827 م/ 1243 هـ انتصر اليونانيون على العثمانيين بمساعدة فرنسا فنالوا استقلالهم. وفي سنة 1830 م/ 1246 هـ ثار حزب الجمهورية فاستقال الملك وخلفه لويس فيلبوس الأول. وفي أيامه استولت فرنسا على بلاد الجزائر بعد حرب طويلة انتهت بخضوع الأمير عبد القادر. وكان هذا الملك محبا للعدل والعلم. وفي سنة 1848 م/ 1265 هـ ثار حزب الجمهورية وخلع الملك وأعلنت الجمهورية التي تدعى الجمهورية الثانية، وانتخب الأمير لويس نابليون- ابن أخي الإمبراطور- رئيسا للجمهورية بتصويت خمسة ملايين و 400 ألف ضد مليون و 400 ألف. وفي سنة 1852 م/ 1269 هـ أعلن الرئيس إمبراطوريته على فرنسا وملك 18 سنة، وكان عالي الهمة واستفادت فرنسا من وجوده. وفي أيامه اتحدت فرنسا وإنكلترا وساعدتا تركيا في إخراج روسيا من مدينة سباستبول وذلك في 8 أيلول سنة 1856 م/ 1273 هـ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 595 وفيها تقررت حماية مسيحيّي تركيا على فرنسة، ومنعت روسيا من أن يكون لها أسطول في البحر الأسود. وفي سنة 1859 م/ 1276 هـ استولت فرنسة على مدينة (نيس) ومقاطعة (البابوا) من النمسا بعد حرب طاحنة. وربحت أيضا من إمبراطورية أنان في الصين مقاطعة كوشاشين الست التي صارت بعد مستعمرة لها، وبسطت حمايتها على بلاد كامبورج في جهات الصين. وفي سنة 1860 م/ 1277 هـ استعمرت فرانسة كاليدونيا الجديدة في بلاد أوقيانيا. وفيها وصلت جيوشها إلى سوريا على أثر اضطرابات حدثت فيها، فوسّعت نفوذها الإفرنسي. وفيها أقامت فرنسة الحرب في بلاد المكسيك من إمريكا متفقة مع إسبانيا وإنكلترة، فلم تجدهم هذه الحرب نفعا. وفيها قاومت فرنسة روسيا التي أرادت أن تملّك ابن عم ملكها على بلاد إسبانيا. وفيها كان الوزير الألماني بسمارك يرمي إلى توحيد الممالك الألمانية تحت سيطرة بروسيا، وإلى نزع بلاد الألزاس واللورين من يد فرنسا. وحينئذ اشتد النزاع بين الدولتين وكانت النتيجة إعلان الحرب المعروفة بحرب السبعين. أسباب هذه الحرب: أعظم أسباب هذه الحرب اتساع مملكة بروسيا وعزمها على أخذ بلاد الألزاس واللورين، وقوة نفوذها في أوروبا، وإصرار الإمبراطور غليوم الأول على ترشيح ابن عمه الأمير (ليوبلدي هوهنزلرن) إلى عرش إسبانيا، وإصرار وزير ألمانيا الأمير بسمارك على محاربة فرنسا. ولما بدأت المفاوضة بين فرنسا وألمانيا- بقضية ترشيح الأمير المذكور إلى عرش إسبانيا- منع بسمارك سفير فرنسا عن مواجهة الإمبراطور غليوم. فعظم هذا الأمر على الفرنسيين وقاموا وقعدوا من أجله، ثم أعلنوا الحرب على ألمانيا فكان الفشل حليف الجيوش الفرنسية في بلاد الألزاس واللورين. وزحف الألمان على مدينة سوسدان وحصروها وكان الإمبراطور نابليون فيها فوقع هو وجيشه أسراء في قبضة الألمان، وقامت الثورة في باريس. وفي 4 أيلول سنة 1870 م/ 1287 هـ خلع الإمبراطور وأعلنت هيئة حكومة وقتية سميت حكومة الدفاع الوطني، فجهزت الجيوش إلى جميع الجهات فكسرتها الجيوش البروسية لأنها كان أحسن انتظاما. ثم اتحد البروسيون مع باقي البلاد الألمانية وزحفت الجزء: 3 ¦ الصفحة: 596 جيوشهم على باريس ودخلوا إليها بعد حصار أربعة أشهر ونصف. وفي باريس أعلن غليوم الأول نفسه إمبراطورا على سائر البلاد الألمانية المتحدة. وكان ذلك في 28 كانون الثاني سنة 1871 م/ 1288 هـ، وأبرمت معاهدة الصلح في مدينة فرانكفور في شهر أيار من هذه السنة وغرمت فرنسة خمسة مليارات على أن تسلّم مقاطعة الألزاس، سوى مدينة بلفور وما جاورها، وسوى ثلث مقاطعة اللورين التي تضم من السكان مليونا ونصفا. وفي سنة 1875 م/ 1292 هـ اجتمع المجلس الفرنسي الدولي في مدينة بوردو ثم في فرسايل، وسن قانون الجمهورية الحالي، فثار الحزب الاشتراكي في باريس فنكلت به الحكومة. أسماء رؤساء الجمهورية مرتبة على السنين السنة 1871/المسيو تيرس 1873/المارشال ماكماهون 1879/الموسيو جول كيريني 1887/الموسيو سادي كرنو 1894/كازيمير بيري 1895/فيلكس فور 1899/إميل لوبه 1906/أرمان فالير 1913/ريمون بونكاري 1920/بول دي شانيل 1920/الكساندر ميلران أهم ما كان من الشؤون في مدة هؤلاء الرؤساء: أهم الشؤون التي كانت في مدة هؤلاء الرؤساء هي: الاتحاد الفرنسي الروسي، وسن قانون التعليم الابتدائي المجاني الإجباري، ونقض معاهدة الكونكرده التي كان عقدها نابليون الجزء: 3 ¦ الصفحة: 597 الأول بين فرنسا والبابا، واستيلاء فرنسا على مستعمرات في أفريقيا وآسيا، فاستولت على تونس سنة 1880 م/ 1298 هـ وعلى مراكش سنة 1907 م/ 1315 هـ وعلى بلاد سنيكاك والكونغو ومدغسكر في أفريقيا والهندوشين الفرنسية وطوكين وأنام في آسيا سنة 1910 م/ 1328 هـ. وتحسنت العلاقات بين فرنسا وإنكلترة سنة 1898 وفي سنة 1904 م/ 1322 هـ قصدت التقوّي على ألمانيا المنتصرة في حرب السبعين. نوابغ الرجال في مدة هؤلاء الرؤساء: نوابغ الفرنسيين الذين اشتهروا في مدة هؤلاء الرؤساء من الشعراء: ويكتور هوغو. ومن المؤلفين والممثلين: ألكسندر دوماس، وإميل أوجيه. ومن الروائيين: كوستاف فلوبر، وألفونس دودي. ومن المصورين: كوربه، وكوره، وهيبرو، وميه، وشافان. ومن النقاشين: كربو، وفلكير. ومن المهندسين: كارنيه. ومن الموسيقيين: كونو. والكيماويين والأطباء: كلود برنار، ودي شوفرل، وبستور، وبرتلو. حالة فرنسا قبل الحرب العالمية: كانت فرنسا قبل هذه الحرب أغنى جميع الدول؛ بما كان عندها من الذهب. وكانت على غاية النجاح في صناعتها وتجارتها الخارجية بحيث زادت مداخيلها على عشرة مليارات. إلا أنها مع ذلك كله كانت قليلة المواليد، إذ لم تزد مواليدها منذ سنة 1871 م/ 1288 هـ حتى أول الحرب على ثلاثة ملايين، بينما زادت مواليد ألمانيا في هذه المدة على خمسة وعشرين مليونا. الحرب العالمية العامة وأسبابها: لهذه الحرب أسباب أهمها تضخم مملكة ألمانيا وطمعها بالاستيلاء على العالم ووعدها في سنة 1905 م/ 1323 هـ حكومة مراكش بالمساعدة على فرنسا، وطلبها سنة 1906 من فرنسا أن تتخلى عن حقوقها في تلك البلاد، ومحاولتها في مؤتمر الجزيرة المنعقد سنة 1907 بأن تخرج فرنسا من مراكش، ومساعدتها سنة 1908 النمسا على اغتصاب البوسنة وهرسك، ونقضها معاهدة برلين وتحرشها سنة 1910 م/ 1328 هـ بالفرقة التونسية وتعديها عليها، وإرسالها سنة 1911 إلى فرنسا إنذارا ثانيا، وأسطولا إلى أغادير محتجة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 598 عليها بهجوم جيشها على مدينة فاس. ومن تلك الأسباب أيضا أن ألمانيا اتفقت سنة 1912 م/ 1331 هـ مع بعض الوزراء الخونة في فرنسا على أن تأخذ ألمانيا مائتي ألف كيلومتر من الأراضي الفرنسية في الكونغو. ثم في سنة 1913 قصدت ألمانيا تقسيم المستعمرات البريطانية وزادت عدد عساكرها إلى 900 ألف في وقت السلم، وحينئذ اضطر باقي الدول إلى أن يكونوا على أهبة الاستعداد وأن تحذو حذوها. وكانت دولة النمسا في سنة 1908 قد طمعت بأن تستولي على ممالك البلقان واغتصاب بلاد بوسنه وهرسك. وفي سنة 1912 احتجت النمسا على زحف جيوش سربيا المتحدة مع اليونان والبلغار على بلاد تركيا. وفي سنة 1913 م/ 1332 هـ بينما كان ولي العهد الأرشيدوق فرنسيس فردينان يزور ممالك السلاف- التي كان اغتصبها وألحقها بدولته- إذ فاجأه الاغتيال فقتل. وكانت هذه الحادثة سببا ظاهريا للحرب العالمية الساحقة. رجال العلم في فرنسا: من رجال القرن السادس عشر والسابع عشر والثامن عشر: كرتيزيوس وولتير الشهير في الفلسفة العصرية، ولا بروويير المعروف بالفلسفة الأدبية. ودي مولان، ودي لابيتال في علم الحقوق. ومابيون الراهب البندكتيان، وأفلوري وبرجيه وكينه وغيرهم في التاريخ. وبسويت المنفرد في الخطابة، وماليرب، وكونيل، وراسين في الشعر. ولا بواري الكيماوي الشهير، وبوفون في علم النبات والحيوان. ومن رجال القرن التاسع عشر: توبريان في التاريخ، ودي ميستر في الفلسفة، وكوفيه بفن الجيولوجيا (فن طبقات الأرض) وأمبير في العلوم الرياضية، وكوشي في الهندسة، ودوما وباستور الشهير مكتشف الميكروب وداء الجرب، وترديلون المتشرع. وغيرهم من الخطباء والشعراء والفلاسفة والصحافيين الذين يضيق المقام بعدهم. انتهى الكلام على التاريخ الفرنسي. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 599 [جدول في بيان الأعمال العمرانية التي تجدّدت في حلب وأعمالها] «1» وهذا جدول في بيان الأعمال العمرانية التي تجددت في حلب وأعمالها، بعد أن دخلت إليها الحكومة الفرنسية المنتدبة على سوريا. أخذنا هذا الجدول من دائرة مصلحة النافعة «2» بواسطة وجيه بك الجابري رئيس مهندسي النافعة: (1) طريق معبدة مفروشة بالرّضاض «3» ، مدحرجة بالدّحروجة، أولها من محلة السليمانية بحلب وآخرها مقبرة المسيحيين والفرنسيين الحديثة، طولها نحو 1500 متر وعرضها عشرون مترا. (2) جسر على هذا الطريق مرفوع على نهر قويق، عرضه عشرة أمتار، قواعده بناء بالحجارة وظهره من الحديد والخشب. (3) طريق محطة قرية المسلمية، طوله خمسة آلاف متر، أوله في شمالي قرية حيلان من طريق البيرة (بيره جك) الأصلي، ثم يأخذ غربا إلى المحطة المذكورة. (4) طريق معبدة، أولها قرب نهر الفيض في محلة الجميلية بحلب، آخذا إلى حارم وأنطاكية، مارا على قرية منيان وخان العسل وأورم الكبرى وأورم الصغرى والأثارب وعين دلفي والبركة ودير الرهبان. وهناك يخرج منه فرع يمتد إلى مدينة حارم، ثم يأخذ الطريق الأصلي إلى جسر الحديد ثم إلى أنطاكية. وقد تم انتظام هذا الطريق إلى حارم. والهمة مبذولة بإتمامه إلى أنطاكية. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 600 (5) طريق معبدة من محلة الجميلية بحلب إلى قرية الأنصاري، طولها ثلاثة آلاف متر وعرضها ثمانية أمتار. (6) فرع يخرج من الطريق عدد (4) من قرية أورم الصغرى، فيمر على كفر حلب والمعارة وتفتناز، وبنّش وإدلب وريحا، والروج وفريكه وجسر الشغر، متجها منها على الاستقامة إلى اللاذقية. وقد تم تعبيد هذا الفرع إلى قرب إدلب. والهمة مبذوله بإتمامه إلى جسر الشغر. طوله مئة وعشرة كيلومتر. (7) العناية مصروفة الآن إلى إخراج فرع صغير من قرية تفتناز إلى سراقب وخان السبل ومعرة النعمان وخان شيخون وحماة. (8) جسر على نهر قويق في كل من قرية: فافين، وحاسين، ودابق، ويحورته. مع ترميم جسر السموقة وتجديد جسر دويبق. (9) جسر الناعورة في حلب، ظاهر باب الفرج، عرضه ثمانية عشر مترا. بنى بالجمنتو المسلح، وهو بدل الجسر القديم الذي كان لضيقه يطغى نهر قريق في بعض السنين فيغرق ما جاوره من البساتين والمنازل. (10) العناية مصروفة الآن إلى إكمال جسر على نهر الساجور ذي ثلاث قناطر، سعة كل قنطرة عشرة أمتار، يبنى بالبرتون المسلح. (11) العناية مصروفة الآن إلى إكمال جسر على النهر الأبيض شمالي مدينة جسر الشغر، على بعد خمسة أميال منها. وهو يشتمل على 12 قنطرة ويبنى بالبرتون المسلح. (12) حديقة عمومية تبلغ مساحتها نحوا من خمسة عشر ألف ذراع في ساحة برية المسلخ في حلب، وهي فسيحة محاطة بدربزون من الحديد، أنشئ في غربيها مستوصف حافل مشتمل على تسع غرف، ومدرسة جميلة تشتمل على أربع عشرة غرفة، ولها فناء واسع معدّ للألعاب التريضية. (13) بناية في فسحة الناعورة «1» ، خارج باب الفرج، فخمة ضخمة معدّة لاجتماع المجلس النيابي، تشتمل على اثنتي عشرة غرفة عليا وسفلى، وعلى بهو طوله عشرون مترا وعرضه اثنا عشر مترا، مفروشة أرضه بالرخام الإيطالي، قد رفع تجاه هذه البناية الجزء: 3 ¦ الصفحة: 601 من غربيها نصب تذكاري على نسق المسلّات الحجرية ذكرى للجنرال بيوت. (14) بناية للدرك والشرطة تجاه مخفر الكتاب، تشتمل على اثنين «1» وعشرين غرفة وبهو عظيم، وذلك في أرض مقبرة كان جمال باشا درس ما فيها من القبور وجعلها قاعا صفصفا، وسمح بها للبلدية تعويضا لها عما ينقصها من قيمة الدار التي ابتاعها منها وسماها سليمان الحلبي وجعلها دارا للمعلمات. (15) حديقة بديعة واسعة تربو مساحتها على عشرة آلاف ذراع، أنشئت في أرض مقبرة العبّارة الصغيرة «2» ، بعد أن جردت من القبور وجعلت قاعا صفصفا. وقد ابتاعتها البلدية من دائرة الأوقاف، كل ذراع مربع منها بذهب عثماني. على أن هذه الحديقة- وإن تكن مساحتها دون مساحة حديقة برية المسلخ- إلا أن البلدية اعتنت بشأنها أكثر مما اعتنت بشأن حديقة برية المسلخ، حتى صارت تعد من أعظم حدائق سورية بحسن مناظرها وبدائع تقاسيمها الهندسية وأنواع زهورها وأشجارها. (16) دار حكومة تشتمل على بهو و 24 غرفة عليا وسفلى، في كل من مدينة: عزاز، وجرابلس، وقرية الزيادية قرب نهر عفرين، ومعرة النعمان، وجسر الشغر، وحارم. (17) مدرستان، إحداهما في مدينة إدلب والأخرى في مدينة حارم. (18) طريق بين قاطمه وبين ميدانكي، طوله 12 كيلومتر. (19) جسر جديد على نهر عفرين، في الطريق الممتد بين حلب واسكندرونة. (20) طريق بين حارم وسلقين طوله 13 كيلومتر. (21) جرّ ماء عين في قرية مرتين إلى مدينة إدلب بواسطة مضخة ومواسير حديدية. (22) العناية مصروفة الآن إلى إكمال إنشاء مدارس في كل من مركز قضاء: منبج، وجرابلس، وعزاز، وقضاء عفرين. (23) فروع عديدة تتفرع من طريق عربات اسكندرونة إلى قرى على جانبي هذا الطريق. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 602 خاتمة هذا الجزء نذكر في خاتمة هذا الجزء ما فاتنا ذكره من الأماكن القديمة التي يقصدها السيّاح في مدينة حلب، وبعض جهات ولايتها. الأماكن المقصودة في حلب وضواحيها: في مدينة حلب أماكن قديمة يقصدها السيّاح للاطلاع على ما هي عليه من عظمة البناء والآثار المعمارية وبداعة الطرز، وهي: الجامع الأموي الكبير، المدرسة الحلوية، المدرسة الرضائية المعروفة بالعثمانية، المدرسة السلطانية تجاه باب قلعة حلب، العمارة الخسروية، جامع العدلية، جامع الأطروش، جامع ألطونبغا، جامع قراسنقر في محلة المقامات- وفيها عدة آثار قديمة- عمارة ضيفة خاتون وهي المعروفة باسم الفردوس، عمارة الهروي، الدرويشية في تلك الجهة، مقبرة الخليل المعروفة بمقبرة الصالحين، كنيسة اليهود المعروفة بالكنيسة الصفراء، قلعة حلب الشهيرة المعدودة من عجائب الدنيا، أبواب الخانات الثلاثة وهي: خان الوزير، وخان الكمرك، وخان العلبية. دار الجانبلاط في البندرة، دور آل قطاراغاسي في الفرافرة، مدرسة أبي الرجاء في محلة الكلاسة، المشهد، الشيخ محسّن، الشيخ سعيد، مشهد الأنصاري، مشهد الشيخ فارس، مشهد الشيخ مقصود، تكية الشيخ أبي بكر الوفائي، الثكنة العسكرية، المسجد الذي في داخلها، مستشفى الرمضانية، المكتب السلطاني في محلة الجميلية، مقام مقرّ الأنبياء المعروف باسم قرنبا، بعض أبواب مدينة حلب، جامع القيقان في العقبة، والحجر الأسود الذي في ظاهر جواره الجنوبي المحرر بقلم الهيروكليف، دور بني غزالة وبني صادر في الجديدة، مغاير الحوّار في محلة المقامات وضاحية الكلاسة. الأماكن القديمة المقصودة للسيّاح في بعض الجهات التابعة لحلب: هي: قصر البنات في الطريق المتوسطة بين حلب وأنطاكية، سور أنطاكية المعدود الجزء: 3 ¦ الصفحة: 603 من عجائب الدنيا، دفنة المعروفة باسم طواحين بيت المال في ضاحية أنطاكية، السويدية المعروفة قديما باسم سلوقية، جبل موسى المشتمل على قرية كابوسية وحاج حببلو وخضر بك وغيرها، عين موسى حيث التقى مع الخضر في هذا الجبل على طريق قرية كابوسية. كل هذه القرى من أعمال أنطاكية مما يلي السويدية. جبل الزاوية، قرية كفر لاثا، خربة البارة في قضاء إدلب، قرية كفر نابو، قلعة سمعان العمودي في جبل ليلون المعروف أيضا بجبل سمعان، أورم الكبرى في هذا القضاء، قرية الشيخ خروز في قضاء كلز، خرابة أفامية وقلعة المضيق من أعمال قضاء جسر الشغر، مقام أهل الكهف في جبل بناخيلوس قرب مدينة باربوز المعروفة قديما باسم أفسوس من قضاء البستان في لواء مرعش، مغائر الصابئية في حرّان ومدينة الرها (أورفة) ، يرابوليس المعروفة باسم جرابلس وهي قاركمش، بتيه، قلب لوزة، قلعة حارم. الأماكن التي هي مظنّة لوجود العاديات والذخائر النفيسة: مما يوجد من هذه الأماكن مواقع متعددة في ضاحية حارة الكلاسة، التي هي من القسم المعمور من الحاضر السليماني، حيث وجد عاديات زجاجية وأخرى خزفية، مغائر الحوّار التي تلي هذه المحلة، خان في تصرف ورثة المرحوم أسعد باشا الجابري في جهة باب النيرب، فقد ظهر في بعض أسسه مغار وجد فيه ظروف زجاجية قديمة، قرية النيرب ظهر فيها بعض نواويس تشتمل على قطع ذهبية وفضية، قرية مسطومة بين إدلب وريحا ظهر فيها بعض ظروف فضية، خرابة الرقة من الجزيرة، التي لم يزل يظهر فيها عاديات قديمة عربية وغيرها، رصافة هشام التي لم يزل يظهر فيها آثار فضية وزجاجية، خرائب جرابلس التي نقل منها ومن أطرافها ما يعسر عدّه من العاديات. جميع هذه الآثار أشرنا إليها في محالها من الجزء الثاني من كتابنا هذا، فلتراجع. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 604 انتهى الجزء الثالث من كتاب نهر الذهب في تاريخ حلب ويليه الجزء الرابع المشتمل على الباب الثالث المفتتح بقولي: الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبيّ بعده «1» الجزء: 3 ¦ الصفحة: 605 فهرست الجزء الثالث من كتاب نهر الذهب في تاريخ حلب الموضوع الصفحة كلمة لا بدّ منها 5 مقدمة المؤلف 7 إجمال في ذكر الأمم التي أوطنت حلب وأصقاعها، والدول التي تولتها قبل الفتح الإسلامي 9 إجمال في ذكر الدول والرجال الذين تولوا حلب بعد أن فتحها المسلمون 13 خبر فتح حلب عن يد المسلمين 14 حوادث حلب أيام أمير المؤمنين عمر بن الخطاب. فيه نقض أهل قنسرين وفتحها عن يد السمط الكندي، وغير ذلك 18 حاضر حلب 18 أول مدربة في الإسلام 19 تأمير خالد 19 عزل خالد بن الوليد عن قنّسرين 19 خبر من جلدوا في الخمر 20 طاعون عمواس 20 خبر عام الرمادة 20 بقية الحوادث في أيام سيدنا عمر. فيه ذكر وفاة عياض واستخلاف سعيد بن عامر بعده إلخ 20 أيام عثمان. فيه غزو معاوية الروم، وغزو يزيد بن الحرّ الصائفة، وغزو معاوية قنّسرين، وضم حمص وقنسرين إليه 21 الجزء: 3 ¦ الصفحة: 607 أيام علي بن أبي طالب، فيه ذكر تفريق عليّ العمال على الأمصار 21 حوادث أيام بني أمية 22 أيام معاوية. فيه خبر وفاة حبيب بن مسلمة الفهري، والكلام على ضم قنّسرين إلى حمص، وترتيب خراج قنسرين 22 تجنيد قنسرين وتسمية حلب بالعاصمة 22 عمّال قنّسرين وحمص من سنة 45 إلى 59 هـ 23 أيام يزيد بن معاوية 24 وصول رأس الحسين إلى حلب 24 أيام معاوية بن يزيد ومروان بن الحكم وعبد الملك بن مروان 25 غزوات بني أمية الروم، وغير ذلك 25 أيام الوليد بن عبد الملك. وفيه خبر غزو ملمة الروم، وغزو العباس الصائفة، وعزل محمد بن مروان بمسلمة، والكلام على الناعورة، وزلزال بالشام، وانتقاض قنسرين وفتحها 25 أيام سليمان بن عبد الملك وعمر بن عبد العزيز 26 أيام يزيد بن عبد الملك وهشام أخيه. فيه خبر عزل الوليد بن هشام المعيطي عن الأحصّ وتولي الوليد بن القعقاع قنّسرين أو عبد الملك بن قعقاع الذي ينسب إلى أسرته حيار بني عبس، وطاعون بالشام، وغزو معاوية أرض الروم، وغير ذلك 26 أيام الوليد بن يزيد بن عبد الملك. فيه خبر تولية يزيد بن عمر، وتذيب سلفه حتى مات 26 أيام يزيد الناقص بن عبد الملك وإبراهيم المخلوع. فيه خبر خروج يزيد الناقص على أخيه، وقتل والي قنسرين بحلب، وتولية عبد الملك الغنوي عليها، وقتل الحكم. وعثمان، ويوسف بن عمر الثقفي، وغزو الوليد الصائفة، وبناء حصن مرعش 27 حوادث أيام الخلفاء العباسيين 28 أيام عبد الله السفاح. فيه ذكر مبايعة السفاح، وقتال عبد الله بن عليّ مروان، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 608 وتقليد أخيه حلب وقنسرين، وخروج أبي الورد الكلابي على العباسيين وقتله، واستيلاء «السفياني» على حلب ثم أخذها منه، وغير ذلك 28 أيام أبي جعفر المنصور. وفيه خبر تولية زفر بن عاصم على حلب، وقتال أبي مسلم لعبد الله، وتولية أبي مسلم الشام جميعه، ثم عزله وتولية صالح بن علي حلب وقنسرين، وبناء قصر بقرية بطياس، وغزو صالح الصائفة ومعه أختاه، وخروج الراوندية بحلب وحرّان، وحجّ صالح بالناس 29 ضرب النقود في حلب. فيه خبر وفاة صالح وتولية ابنه الفضل حلب وقنسرين، ثم تولية موسى الخراساني. ضرب السكة بقنّسرين، وخروج هاشم الخارجي على المهدي وقتله بقنسرين 29 قدوم المهدي الخليفة إلى حلب. فيه خبر تولية علي بن سليمان على حروب حلب وقنسرين والجزيرة، وتولية حلب والشام هارون بن المهدي وغزوه الروم 30 قتل الزنادقة في حلب ووصول رأس المقنع إليها 30 أيام الهادي والرشيد. وفيه خبر تولية عبد الملك بن صالح حلب وقنسرين، وبنائه قصرا في منبج 30 أيام الهادي والرشيد 30 عمال حلب من سنة 175 إلى سنة 193. فيه خبر خروج الروم إلى عين زربة، تولية خزيمة بن خازم حلب وقنسرين 31 حوادث أيام الأمين في حلب وفيه خبر تولية عبد الملك بن صالح قنّسرين والعواصم، ووفاته بالرقة 31 حوادث أيام المأمون في حلب. وفيه خبر تولية خزيمة حلب وقنّسرين، ثم تولية طاهر بن الحسين، ثم تولية ابنه عبد الله مصر والشام، ثم تولية العباس بن المأمون حلب وقنسرين والعواصم 31 قدوم المأمون إلى حلب، وفيه خبر تولية عيسى بن علي حلب، وتولية عبيد بن جنّاد القضاء، وغير ذلك 32 حوادث أيام المعتصم بحلب. وفيه خبر وفاة العباس بن عبيد الله في منبج، وتولية الجزء: 3 ¦ الصفحة: 609 عبيد الله بن عبد العزيز حلب وقنسرين. وفيه ذكر أول من أظهر البرطيل بالشام 32 حوادث حلب أيام الواثق. فيه خبر تولية أحمد بن سعد الثغور والعواصم، وخبر الفداء مع خاقان وميخائيل، وغزو أحمد بن سعد شاتيا 32 حوادث حلب أيام المتوكل. فيه خبر تولية «الشّارباميان» حلب وقنسرين والعواصم، ثم عيسى بن عبيد الله، ثم طاهر بن محمد ثم ابن المتوكل، وخبر صدور الأمر لأهل الذمة بالغيار 33 حادث غريب. فيه خبر زلزال نيسابور وغيرها 33 ولاة حلب أيام المنتصر والمستعين والمعتزّ 34 أول العمال الأتراك في الشام 34 عمال حلب أيام المعتمد. وفيه خبر بناء «سيما الطويل» دارا بباب أنطاكية، وغير ذلك 34 حوادث أيام بني طولون. فيه خبر عصيان أحمد بن طولون واستيلائه على أنطاكية وحلب والشام 35 سنة 267 هـ خبر الزلزلة. وفيه خبر خروج بكّار الصالحي ودعائه لأبي أحمد الموفق 35 عصيان لؤلؤ على مولاه 35 قصد ابن طولون الثغور وموته. وفيه خبر تولية ابن دوغباش حلب وتواقعه مع إسحاق بن كنداج 36 سنة 271 هـ اتفاق إسحاق مع الأفشين. وفيه خبر قدوم أحمد بن الموفق إلى حلب واستيلائه عليها وعلى قنسرين وشيزر، وغير ذلك 36 عود حلب إلى العباسين وحوادثهم فيها أيام المعتضد. وفيه خبر تقليد المعتضد ابنه أبا محمد حلب وقنسرين، وتقليد هذا ولده الحسن المعروف بكورة الخراساني حلب، الذي تنسب إليه دار كورة وغيرها، وكان كاتب أبي محمد يومئذ الحسين ابن عمرو النصراني، وغير ذلك 37 حوادث أيام المكتفي. فيه خبر صرف الحسن بن كورة عن ولاية حلب، واستبداله الجزء: 3 ¦ الصفحة: 610 بأحمد النوتجاني، ثم صرف هذا عنها بأبي الأغرّ السلمي ومحاربته القرمطي، وغير ذلك 37 حوادث أيام المقتدر. وفيه خبر عيث بني تميم في بلد حلب، وإيقاع الحسين بن حمدان بهم، وتولية مؤنس الخادم الشام ومصر، وغير ذلك 38 حوادث أيام القاهر. فيه خبر قبض الخليفة القاهر مولاه مؤنسا واستبداله ببشرى الخادم، وأسر بشرى وخنقه، وغير ذلك 39 حوادث أيام الراضي. فيه خبر استيلاء بدر الخرشني على حلب، ثم تقليد الراضي أبا بكر الإخشيد مصر وأعمالها، وخبر ورود بني كلاب من نجد وإغارتهم على المعرة، ودخول ابن رائق حلب واستنابته محمدا بن يزداد وسيره لقتال الإخشيد، إلى آخره 39 حوادث أيام المتّقي 40 استيلاء الدولة الإخشيدية على حلب وحوادثهم فيها 40 حوادث أيام المتّقي، وابتداء أمر بني حمدان في حلب 41 سنة 332 هـ وابتداء أمر بني حمدان في حلب وأعمالها 41 حوادث أيام المتّقي بالله والمستكفي بالله سنة 333 هـ 42 استيلاء سيف الدولة على حلب 42 غزو سيف الدولة أرض الروم 42 قصد جيوش الإخشيد حلب، واستيلاؤه عليها 42 سنة 334 هـ عود سيف الدولة إلى حلب وهو الاستيلاء الثاني 43 استيلاء سيف الدولة على دمشق 43 سنة 335 هـ حرب سيف الدولة مع كافور 43 الفداء بالثغور بين المسلمين والروم 43 سنة 336 هـ، فيه خبر استيلاء سيف الدولة على حلب وهو الاستيلاء الثالث، وخبر غلاء كان بالشام 44 سنة 337 هـ غزو سيف الدولة الروم وانكساره، وغير ذلك 44 الجزء: 3 ¦ الصفحة: 611 سنة 939 هـ غزو سيف الدولة الروم 44 سنة 340 هـ موت يماك التركي 44 سنة 341 هـ قصد الروم مدينة سروج 45 مد نهر قويق 45 سنة 342 هـ خروج سيف الدولة إلى ديار مضر وإيقاعه بالدمستق وأسره ابنه 45 سنة 343 هـ سير سيف الدول إلى الحدث وإيقاعه بجيوش الدمستق 46 إيقاع سيف الدولة ببني كلاب 47 سنة 344 هـ ورود رسول ملك الروم 47 خروج سيف الدولة إلى الأعراب وإيقاعه بهم 47 مسير سيف الدولة إلى الدمستق في حصن الحدث 49 سنة 345 هـ غزو سيف الدولة الروم 49 سنة 347 هـ الزيادة في الأذان 51 سنة 348 هـ غزو الروم طرسوس والرّها 52 سنة 349 هـ غزو سيف الدولة الروم 52 الجليد والبرد، وخروج كمين من الروم على ثغر بين أنطاكية وطرسوس سنة 350 هـ 52 سنة 351 هـ استيلاء الروم على عين زربة 53 استيلاء الدمستق على حلب 53 امتناع أهل حرّان على عاملها 54 الإيغال في بلاد الروم 55 سنة 353 هـ عصيان «نجا» على سيف الدولة 55 استيلاء نقفور على المصيصة 55 مخالفة أهل أنطاكية سيف الدولة. وفيه خبر خروج القرمطي على سيف الدولة 56 سنة 355 هـ الفداء بين سيف الدولة وبين الروم 56 سنة 356 هـ وفاة سيف الدولة، وبقية حوادث دولته في حلب 57 الجزء: 3 ¦ الصفحة: 612 سنة 378 هـ عصيان بكجور وقتله، ووفاة أبي المعالي. وفيه ذكر استعانة أبي الفضائل بملك الروم على جيش الخليفة الفاطمي، وسير ملك الروم إلى الشام يهدم ويخرب 58 سنة 399 هـ وفاة لؤلؤ، وخلفه ابنه 58 سنة 402 هـ انقراض دولة بني حمدان من حلب. وفيه خبر إغارة صالح بن مرداس على حلب وأسره ثم هربه 59 سنة 406 هـ عصيان فتح على مولاه مرتضي الدولة 59 سنة 414 هـ استيلاء المرداسيّين على حلب 60 حوادث الدولة المرداسية في حلب. سنة 415 هـ: دفن قاضي حلب حيا 60 سنة 416 هـ إسناد صالح الوزارة إلى تاذرس النصراني 60 سنة 418 هـ خروج صالح إلى المعرة واجتماعه بأبي العلاء 60 سنة 420 هـ قتل صالح وولده الأصغر، وولاية ابنه نصر. وفيه ذكر زحف الروم على حلب 61 سنة 421 هـ خروج ملك الروم من القسطنطينية إلى حلب 61 سنة 429 هـ قتل شبل الدولة 62 سنة 433 هـ موت الدزبري واستيلاء أبي علوان على حلب 62 سنة 440 هـ وصول عساكر مصر إلى حلب 62 سنة 441 هـ زحف المصريين على حلب 62 سنة 449 هـ تنازل «ثمال» عن حلب إلى المصريين 62 سنة 452 و 453 و 454 هـ. فيه خبر استيلاء بني مرداس على حلب، واستيلاء هارون التركي على المعرة، وغلاء، وموت، وفتح صحن أرتاح من الفرنج، واستيلاء ملك الروم على حصن منبج، واستيلاء البخت على حصن «أسقوبا» واسترداده منه ثم هدمه، واستيلاء الروم على منبج، وقيام الشيعة، ووفاة محمود وتملك ابنه بعده إلخ 62 سنة 468 هـ ملك نصر منبج وقتله في حلب 64 الجزء: 3 ¦ الصفحة: 613 انقراض دولة بني مرداس، ودخول حلب تحت سلطة شرف الدولة، ثم حكم الشريف بها، ثم دخولها تحت سلطة الدولة السلجوقية، وغير ذلك من الحوادث إلى سنة 491 هـ 66 وصول الفرنج الصليبين إلى أنطاكية وغيرها من بلاد حلب 70 وفد من حلب إلى بغداد للاستغاثة بالخليفة وطلب النجدة منه على الصليبين إلخ 71 سنة 507 هـ وفاة رضوان وما جرى بعده 72 انتهاء الدولة السلجوقية بحلب، ودخولها تحت سلطة بني أرتق، وحوادثهم فيها، وهم من فروع الدولة السلجوقية 74 انتهاء دولة بني أرتق بحلب، ودخولها في حوزة أقسنقر البرسقي صاحب الموصل، وحوادث أيامه فيها، وهو من رجال الدولة السلجوقية 76 دخول حلب في حوزة الدولة الأتابكية وحوادثها فيها، وهي من فروع الدولة السلجوقية، من سنة 522 إلى سنة 543 هـ 78 سنة 544 هـ حصر نور الدين قلعة حارم، وغير ذلك 81 سنة 545 هـ استيلاء نور الدين على أفامية 81 سنة 546 هـ انهزام نور الدين وأسر حامل سلاحه، ثم أسر «جوسلين» وغير ذلك 81 سنة 547 هـ انكسار الفرنج عند دلوك 82 سنة 549 هـ ملك نور الدين دمشق وغيرها 82 سنة 551 هـ حصار نور الدين حارم ومصالحته الفرنج على نصف أعمالها 82 خبر الزلزال وغيره 83 سنة 554 هـ مرض نور الدين، وغير ذلك من الحوادث 83 أخبار الحوادث من سنة 555 هـ إلى نهاية سنة 558 هـ. فيه خبر قصد ملك إيطاليا البلاد وأخذه أسيرا، وكبس الفرنج نور الدين في خيمته ونجاته 83 سنة 559 هـ أخذ نور الدين قلعة حارم وبانياس ومنبج، ولعبه بضرب الكرة في ميدان حلب، وخبر زلزال في بلاد الشام 84 الجزء: 3 ¦ الصفحة: 614 اتخاذ حمام الزاجل 85 ملك صلاح الدين يوسف بن أيوب دمشق وغيرها. فيه خبر قصده حلب، انتصار الملك الصالح بأهل حلب والشيعة، وثوب الباطنية على صلاح الدين، وإغارة «القمص» على حمص 87 ملك صلاح الدين بزاعة وعزاز، ووثوب الإسماعيلي عليه ومنازلته حلب ورحيله عنها. محاصرة الفرنج حارم. وفاة الملك الصالح. ملك عز الدين زنكي حلب واستبدالها بسنجار 89 استيلاء السلطان صلاح الدين على حلب، وتقدمة صلاح الدين لعماد الدين، وخلعه على الناس 90 فتح صلاح الدين حارم. وفيه خبر جعل صلاح الدين ولده الملك الظاهر في حلب، ثم الملك العادل، ثم إعادتها لولده 91 استيلاء صلاح الدين على بيت المقدس، وأخذه من حلب منبرا للمسجد الأقصى 92 استيلاء الملك الظاهر على سرمينية من الفرنج، واستيلاء أبيه على دربساك، وغير ذلك 92 وفاة صلاح الدين، وولايات البلاد بعده. وفيه خبر محاصرة الملك الأفضل والملك الظاهر دمشق ثم انصرافهما عنها وغير ذلك إلى سنة 600 هـ 94 قصد ابن لاوون الأرمني أنطاكية وغير ذلك 96 مجيء الملك الأشرف إلى حلب. وفيه خبر تقدمة الملك الظاهر له. تصليح قناة حلب. تزوج الملك الظاهر ضيفة خاتون. وفاة الملك الظاهر وقيام طغريل الطواشي أتابكا على ولده الصغير. قصد كيكاوس ولاية حلب وانهزام عساكره. تفويض الشغر وبكاس إلى ابن الملك الظاهر. خبر التنين في جهات كلّز. خلعة الملك الأشرف على الملك العزيز ابن أخيه، ظفر التركمان بفارس مشهور من الفرنج وقتله. وفيه غير ذلك من الحوادث والشؤون إلى سنة 638 هـ 96 إجمال في الأتراك 101 الجزء: 3 ¦ الصفحة: 615 أجناس الترك ومساكنهم 101 تركستان وتاتارستان 102 كلمة تورك 103 لغة الأتراك 103 توران أو طوران 103 أصل الأتراك ودياناتهم 104 متى بدأ الدين الإسلامي ينتشر في الأتراك 104 السلاجقة والعثمانيون من أصل واحد 109 السلاجقة 110 جنكز خان 110 أسباب خروجه إلى الممالك الإسلامية 112 إسلام أولاد جنكز خان 115 شجاعة الأتراك 118 معارف الأتراك 122 علماء الإسلام الذين هم من عرق تركي 123 سنة 637 هـ وفاة شيركوه 127 سنة 638 هـ: وصول الخوارزمية إلى حلب، وما جرى من الحوادث إلى سنة 641 هـ 127 سرد الحوادث من سنة 641 هـ إلى آخر سنة 656 هـ 129 وصول التتر إلى حلب وما جرى عليها منهم 131 دخول حلب في حوزة دولة الأتراك المماليك، وحوادثهم فيها 135 مبايعة الخليفة في حلب 138 استيلاء الملك الظاهر على يافا وأنطاكية وغيرها من البلاد الشامية 138 عود التتر إلى حلب 139 انقراض دولة الصليبين من سوريا وفلسطين 140 الجزء: 3 ¦ الصفحة: 616 وصول الملك الأشرف إلى حلب وفتحه قلعة الروم 140 افتتاح بلاد سيس 141 عود التتر إلى حلب، وما حدث فيها من سنة 697 إلى 713 هـ 141 غزو بلاد سيس. وفيه خبر إبطال المكوس. تحريم الاجتماع بمشهد «روحين» وغيره. نزع كنيسة اليهود من أيديهم. وصول نهر الساجور إلى حلب. وفاة أرغون. مصادرة لؤلؤ للناس. عود الغزاة من سيس. تعمير قلعة جعبر. محاصرة ميناء إياس. ظهور جمجمة زكريا عليه السلام، إنذار العلماء والفقهاء. وصول فيل وزرافة إلى حلب. وصول قاض للشافعية 144 تمزيق كتاب فصوص الحكم. حصار يلبغا لابن دلغار. زلزال عظيم. نقل يلبغا إلى دمشق. مسامحة الجند بعلوفة أحد عشر شهرا. تشهير فتاة وقطع أذنيها وشق أنفها. ظهور جراد. قيام الأرمن للثورة، قاض للحنابلة وصيرورة القضاة أربعة. وغير ذلك إلى سنة 749 هـ 149 طاعون كبير. وفيه خبر طغيان العرب والتركمان في بلد سنجار، حصار دمشق، زحف نواب صفد وحماة وطرابلس على حلب، ظهور مدّعي النبوة، توجه نائب حلب للقبض على ابن دلغار. غزو أولاد مهنّا التركمان في «العمق» إلى سنة 760 هـ 152 غزو بلاد سيس 154 إبطال وكلاء الدعاوي. وفيه خبر منازلة والي حلب جزيرة من ديار بكر. (حاشية في الكلام على دولة ذوي القدر) . هجوم الفرنج على إياس وفشلهم، بناء جامع منكلي بغا. قتل نائب حلب في وقعة مع الأعراب. امتياز الأشراف بعمامة خضراء، وغير ذلك، إلى سنة 775 هـ 155 غزو بلاد سيس،. وفيه خبر ظهور غلاء في حلب 157 قصد تمرباي «سيس» لردع التركمان 158 ردع خليل بن دلغار 159 عزل القضاة الأربعة 159 الجزء: 3 ¦ الصفحة: 617 الموضوع الصفحة الحرب مع ابن رمضان، (وفيه حاشية في الكلام على الدولة الرمضانية) 159 عصيان الناصري على السلطان 161 قتال بين أهل بانقوسا وكمشبغا 161 القبض على منطاش وقتله 162 وباء عظيم 162 قدوم السلطان إلى حلب لحرب تيمورلنك 162 أول تحرش العثمانيين بالمملكة المصرية 163 اقتراب شرور تيمورلنك من حلب 163 إجمال في تيمورلنك 163 مجيء تيمورلنك إلى حلب، وما أحله فيها من الويل والصخب 166 نزول أمير العرب إلى حلب 173 قتال فارس بن صاحب الباز 174 قصد دمشو خجا بلد حلب 175 زلزال عظيم. وفيه خبر الملك جكم. تواتر الزلازل 175 أصل قبيلة آل المهنا، وفيه خبر وصول السلطان إلى حلب 176 قصد ابن دلغار حلب 176 قتال أمير التركمان 177 إبطال مكس البيض. وغير ذلك 177 قصد «قرا يوسف» حلب 179 مجيء الأمراء إلى حلب وقتل يشبك اليوسفي. وفيه خبر وباء عظيم، وغير ذلك 179 إبطال مكس الكتّان وتكسير الخوابي 181 إبطال ما كان يؤخذ من الدلالين 181 طاعون 181 إبطال مكس الزيتون من قرى عزاز 182 احتفال الناس بماء السمرمر 182 الجزء: 3 ¦ الصفحة: 618 الموضوع الصفحة طاعون جارف 182 إبطال خانيّة قلعة القصير 182 إبطال مكس الزيت من قرى عزاز 183 قتال أمراء ذي القدرية مع بعضهم 183 محاربة شاه سوار 183 إبطال مكس السلاح وغيره 184 البطش بالحوارنة 185 محاربة علي دولات 185 استرضاء السلطان المصري السلطان العثماني 186 الحرب بن العسكرين: العثماني والمصري 186 إبطال إقامة المكّاسين 186 إبطال رسم الحنّة 187 الصلح بين السلطانين 187 منع السقي من ماء الساجور 187 إبطال مكس القطن وغيره من المكوس. وفيه ذكر حصار «آق بردي» دمشق 187 حصار «آق بردي» حلب. وفيه ذكر حصار سيباي القلعة 188 هجوم الشيعي على منلا عرب 188 نبذة من الكلام على دولة الأتراك، المعروفة أيضا بدولة الأملاك، وعلى دولة الجراكسة في مصر والشام 190 دولة الأتراك 190 دولة الجراكسة 191 مقتل السلطان قانصوه الغوري واستيلاء السلطان سليم العثماني على مصر والشام 192 حوادث الدولة العثمانية في حلب 198 صلب حبيب بن عربو 199 قتل طومان جماعة السلطان سليم 199 الجزء: 3 ¦ الصفحة: 619 الموضوع الصفحة نفي جماعة من الحلبيين إلى طربزون 199 الاستئذان عن عقود الأنكحة 199 هبوب عاصفة شديدة 199 إشهار «جان بردي» العصيان وقتله 200 عزل «قراجا باشا» عن حلب، وبيان أغلاط في سالنامة سنة 1303 200 صلب نائب حلب، أي قاضيها 201 مقتل «قرا قاضي» 201 عيسى باشا وحالته 203 مجيء السلطان سليمان إلى حلب. وفيه خبر طاعون، وتولية مصطفى باشا حلب، وتتبعه قطاع الطريق 203 حريق 204 طاعون وغلاء وغيرهما. وفيه خبر قطعة من قدح النبي صلّى الله عليه وسلّم 204 توريث ذوي الأرحام من الشافعية. وفيه ذكر عود السلطان سليمان إلى حلب وأمره بعمارة القسطل المنسوب إليه، ووفاة ولده 205 قدوم كوهر ملكشاه إلى حلب 205 طاعون 206 إحضار ماء السمرمر إلى حلب 206 غدر والي حلب بالحلبيين 207 خروج الجراد 208 الشركة الشرقية في حلب 209 حريق في حلب، وفساد من العرب 209 فتك إبراهيم باشا بالإنكشارية، وذكر شيء من فظائعهم 210 تبييض القلعة 213 قيام نصوح باشا على حسين باشا الجانبولاط، وما جرى بينهما 213 قتل حسين باشا 215 الجزء: 3 ¦ الصفحة: 620 عصيان علي باشا على الدولة وما آل إليه أمره 215 قتل ملحد 218 شغب الإنكشارية 219 إبطال التدخين بالتبغ 220 استطراد في الكلام على هذه الحشيشة. وفيها خبر قدوم السلطان مراد إلى حلب وقتل 20 شخصا لشربهم الدخان، وغير ذلك 220 فساد العرب والإيقاع بهم. وفيه خبر تبدل ولاة حلب، وشيء من سيرة أبشير باشا 221 حصار السيد أحمد باشا حلب. وفيه خبر تبدل عدة ولاة، وقتل عدد منهم، وغش السكة وغلاء، وطاعون شديد، وغير ذلك 223 فساد العربان والتنكيل بهم. وفيه خبر إكمال عمارة خان الوزير 226 غلاء وقتل ابن حجازي. فيه خبر حريق بانقوسا، وروشن القلعة، وطاعون جارف 227 وضع حد لقرى المقاطعات 228 غلاء عظيم؛ يعرف بغلاء الطاقة. وفيه خبر تبدل عدة ولاة، وطاعون جارف، وطغيان عربان، وزلزال شديد، وجراد عظيم، واحتفال بافتتاح المدرسة العثمانية 229 غلاء شديد وقتل شيخ المداراتية 232 وصول سفير العجم إلى حلب 232 النزالة الإنكليزية في حلب. وفيه خبر مقتلة من الإنكشارية، وكسوف الشمس، وغلاء شديد 233 برد وغلاء وكساد 234 غلاء عظيم 235 زلزال مهول. وفيه خبر طاعون 235 ولاية محمد باشا العظم وإبطاله بدعة الدومان وغيرها 236 الجزء: 3 ¦ الصفحة: 621 الموضوع الصفحة نفي نقيب الأشراف محمد أفندي طه زاده. وفيه ذكر فتنة بين الإنكشارية والدالاتية 237 فتنة بين الأشراف والإنكشارية 238 فتنة بين الأشراف والدالاتية 239 غلاء عظيم 240 فتن في عينتاب وكلّز 240 صلح اليكجرية مع أهل حلب 241 تخفيض عدد تراجمة قناص الدول الأجنبية 242 واقعة جامع الأطروش 243 سفر المتطوعة من حلب إلى مصر لإخراج الفرنسيين منها. وفيه ذكر زلزلة 245 إصلاح ذات البين بين اليكجرية والسادات. وفيه ذكر ولاية إبراهيم باشا قطاراغاسي إمارة الحج، وتولّي ابنه حلب، وقيام الحلبيين عليه، وغير ذلك 246 ولاية محمد جلال الدين باشا بن جوبان حلب، وما كان في أيام ولايته من الحوادث 247 عزل قاضي حلب 248 طاعون جارف 249 خروج مناذ من قبل الحكومة 249 ورود أمر سلطاني بقتل جماعة من اليكجرية 249 أمر النصارى بالغيار 249 تأديب حيدر آغا مرسل، وغيره من الخوارج 250 ولاية خورشيد على حلب. وفيه خبر مقتلة 17 شخصا من الروم الكاثوليك 251 حصار حلب المعروف بحصار خورشيد 251 غريبة 254 الزلزلة الكبرى في حلب وأعمالها 255 مقتل نعمان أفندي ابن عبد الرحمن أفندي شريف 258 الجزء: 3 ¦ الصفحة: 622 لقاح الجدري البقري. وفيه خبر إلغاء حزب اليكجرية 259 نبذة في الكلام على هذه الطائفة. وفيه خبر طاعون بحلب، والتنبيه بحلب، والتنبيه عليهم بأن لا يوجد عندهم أحد من اليكجرية 259 مقتل أحمد بك قطاراغاسي 271 سفر علي رضا باشا إلى بغداد 273 إجمال بهذه الأسرة (أي الأسرة الخديوية) 273 حوادث حلب أيام إبراهيم باشا المصري 277 مجيء عسكر الأرناوود إلى حلب 280 غلاء شديد. وفيه خبر وباء عظيم، وجفاف قويق، وعين التل، والعين البيضاء 280 الفتنة المعروفة بقومة حلب 281 أسباب هذه الفتنة 281 السبب الحقيقي لهذه الكارثة 284 كيف كانت الثورة 285 استطراد في الكلام على احترام رابطة اللسان ورابطة الجوار عند أمة العرب في جاهليتها وإسلاميتها 292 الرابطة اللسانية 292 رابطة الجوار 295 النفير العام 296 وصول السكاير إلى حلب 296 ظهور بقلة الطماطم في حلب. وفيه شكوى الناس من والي حلب 297 قطع الماء عن قسطل الرمضانية 298 تمديد السلك التلغرافي 298 بناء دور في جبل الغزالات 298 وصول استعمال زيت البترول إلى حلب. وفيه خبر سقوط برد كبير 298 الجزء: 3 ¦ الصفحة: 623 الموضوع الصفحة تشكيل لواء الزور. وفيه عزل القاضي أبي دية، ووباء في الحجاز ثم في حلب، وإحصاء نفوسها 299 صدور جريدة الفرات 300 سالنامة الولاية 301 غرائب الخلق. وفيه خبر اهتمام الحكومة بجمع بزر الجراد 302 الشروع بفتح طريق إسكندرونه. وفيه خبر اختناق تسعة أشخاص في مغارة البختي، وبرد الهواء بغتة في ريحا، ومنع زرع التبغ، وإخضاع الأعراب، وعود السلطان عبد العزيز من أوربا 302 حريق أسواق حلب 303 ميت عاش. وفيه خبر شدة الشتاء، وترميم قناة حلب، والترخيص بزرع التبغ، وتبديل سقوف الأسواق، وتعديل الأوزان، وافتتاح دار الإصلاح 304 سفر الوالي إلى طريق إسكندرونة، وما أجراه من الإصلاح 305 تولي الحكومة بريد إسكندرونة 306 ابتداء العمل في محلة العزيزية 306 زلزلة أنطاكية 307 انقضاض صاعقة. وفيه خبر خلق السلطان عبد العزيز 307 صدور جريدة في حلب 308 النفير العام 308 شتاء شديد 309 تشكيل عدلية حلب 309 غلاء شديد 309 صدور جريدة في حلب 310 حريق في مرعش 310 سقوط نيزك من الجو 310 فتح الجادة العظيمة. وفيه خبر طغيان نهر عفرين وهدم قنطرتين من جسره 311 الجزء: 3 ¦ الصفحة: 624 إنشاء جامع منبج. وفيه خبر انتشار جراد، وسطوع كوكب في السماء، وتهطال مطر، وتسفير عساكر الرديف إلى جهة الرومللي 311 تقديم كتاب «المجلة» إلى القاضي حسين توفيق. وفيه عمل حفلة لافتتاح طريق إسكندرونة، وغير ذلك 312 عزل جميل باشا من حلب، وما يتعلق به 312 قصد زيرون اغتيال الوالي 313 تأسيس مجلة «الجميلية» . وفيه جرّ ماء رأس العين إلى مدينة إسكندرونة 315 التباس بين مولودين. وفيه خبر زلزال في بعض بلدان الولاية 316 حريق في مرعش وبيادر حلب 316 تفشي حمى التيفوس في محابيس حلب، وفيه خبر حريق في مرعش، ووقوع مطر غزير وظهور مرض الهيضة في جهات الموصل، وظهور مرض أبي الركب في حلب، وغير ذلك 316 سنة 1308 هـ: فيه خبر ظهور الهيضة في مسكنة وانتقالها إلى غيرها، واعتناء مصلحة الصحة بنظافة حلب وتطهير هوائها، وغلاء العقاقير الطبية، وسقوط برد في البيرة وغيرها، وكثرة الجراد في ولاية حلب، وظهور عاديات في جهات أنطاكية 319 سنة 1309 هـ: فيه خبر تفشي الهيضة في عينتاب وكلز، وتطبيق قناة حلب، وإحصاء رسوم عد الأغنام، وتنظيم جادة، وفتح مستشفى الغرباء، وغير ذلك 321 سنة 1310 هـ: فيه ذكر وفاة ولدين لأكلهما لبّ عجو المشمش، وتعمير المدرسة الحلوية، وحريق في أنطاكية، وتعمير مستودع الكاز في إسكندرونة، ومصادرة الحكومة ملح البارود، وهزات أرضية وغلاء التنباك واستعاضته بعرق السوس، وغرق في العمق وغيره، وظهور حوت عظيم في بحر السويدية، وغير ذلك 322 سنة 1311 هـ: فيه خبر افتتاح جادة الخندق، ووفاة عدة أشخاص لأكلهم لحما مسموما، ومدّ السلك البرقيّ إلى الرقة، وغير ذلك 324 سنة 1312 هـ: فيه خبر وفاة الأستاذ الشيخ حسن وادي، واحتراق سوق بيلان، وتأليف كتائب الحميدية، ونقل مركز قضاء حارم إلى قرية كفر تخاريم 325 عصابات الأرمن 325 سنة 1313 هـ: فيه خبر تفشّي مرض في غنم قضاء جسر الشّغر، وولادة بقرة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 625 برأسين، ووفود جمع عظيم من الأرمن على السويدية 327 تمرد الأرمن في الزيتون 327 استطراد في الكلام على الأرمن ومدينة الزيتون 328 ما تؤاخذ به أمة الأرمن 330 سنة 1314 هـ: فيه خبر تعمير سبيل الدراويش، وثوراث الأرمن، وانقضاض صاعقة في السويدية، وسلخ عدة قرى من قضاءي أنطاكية وحارم وإلحاقها في قضاء «بيلان» 335 حدوث حرب اليونان. فيه ذكر فرض إعانة على البلاد العثمانية، وتعيين شاكر باشا للتجوال في البلاد العثمانية، وقدومه على حلب، وتقديم أهل حلب إليه اللوائح في طلب إصلاح حلب وولاياتها وجمع إعانة لمهاجري «كريد» 336 سنة 1315 هـ: فيه ذكر الصلح مع اليونان 339 قصيدة لعبد الفتاح الطرابيشي تتضمن ذكر ما جرى في حرب اليونان 339 فيه ذكر انتهاء عمارة مستشفى الغرباء. بناء جامع ومكتب في مدينة الرّها. احتفال بمنتزه السبيل. إحياء ليلة في المكتب الإعدادي باسم جرحى حرب اليونان وأيتام شهدائه. سقوط برد في السويدية. ضريبة على الغنم باسم مهاجري «كريد» . بناء مخفر منتزه السبيل. عواصف ثلجية في جهات مرعش وإدلب وغيرها، وغير ذلك 342 سنة 1316 هـ: فيه ذكر نقل مركز قضاء حارم إلى كفر تخاريم، خسوف القمر. تسميم امرأة زوجها وبعض أولادها في أنطاكية. وضع أساس منارة الساعة في باحة باب الفرج، تعمير مستودع للرديف في كفر تخاريم وغير ذلك 344 سنة 1317 هـ: فيه ذكر تجفيف مستنقع إسكندرونة. بناء مسجد عند باب حديد نانقوسا. بناء عمارة على عين الموقف في إسكندرونة، عمل خريطة لمدينة حلب، وغير ذلك 347 سنة 1318 هـ: عزل رائف باشا عن ولاية حلب 349 ولاية أنيس باشا على حلب. وفيه ذكر بناء مستودع للمواد النارية. خبر شدة الشتاء. حديقة العزيزية. تأسيس ثكنة عسكرية في إسكندرونة، وغير ذلك 350 سنة 1319 هـ: فيه ذكر مكتب الصنائع في حلب. وصول آلة لحفر آبار شبه الجزء: 3 ¦ الصفحة: 626 أرتوازية، وسقوط برد في جهات مرعش، وموت سبعة أشخاص أكلوا نوعا من الفطر، وسقوط صاعقة في إسكندرونة، وحدوث حريق كبير في عينتاب، وسقوط صاعقة على دار لبني صولا في حلب، وغير ذلك 352 سنة 1320 هـ: فيه ذكر افتتاح مربى الخيل، ونصب طاحون يدور بالهواء، وحدوث سيل جارف، وحدوث هيضة في دمشق، وانتهاء مخفر السويدية، وإحصاء مواليد ووفيات في بعض جهات الولاية 354 سنة 1321 هـ: فيه ذكر مدّ السلك التلغرافي إلى الباب، ومعرض في المكتب الإعدادي، وظهور وباء في جهات عديدة من حلب، وسيول في جهات عينتاب 356 وفاة علي محسن باشا. وفيه افتتاح معمل لنسج السجّاد 357 سنة 1322 هـ: فيه خبر انتهاء تعمير مستشفى في إسكندرونة، وإحصاء نفوس ولاية حلب، وشدة الشتاء 359 سنة 1323 هـ: الشروع بأعمال سكة حديد حلب- حماة. وفيه ذكر انتهاء إحصاء النفوس، وغير ذلك 360 ضريبة جديدة. وفيه ذكر زحف الجراد على ملحقات حلب، وشدة البرد في الشتاء، وقدوم عدد كبير من المهاجرين إلى حلب 361 سنة 1324 هـ: فيه ذكر شدة القرّ، وقدوم مهاجري قفقاس 363 وصول قطار سكة الحديد إلى حلب. وفيه ذكر إلحاق عدة قرى بقضاء أنطاكية كانت من أعمال جسر الشّغر وبالعكس، وغير ذلك 363 سنة 1325 هـ: مصابيح لوكس. وفيه ذكر تخصيص مكان لتربية دودة القز، وإجراء سباق الخيل، وأول مطحنة نارية كبيرة في حلب 365 سنة 1326 هـ: ذكر زحف جراد على حلب. قدوم والدة شاه العجم وأخيه على حلب 366 النداء بالدستور وقلب الحكومة العثمانية من الحالة المطلقة الاستبدادية إلى حالة المشروطية المقيدة 366 العفو عن المنفيين 366 صدور الأمر بإطلاق السجناء 367 إبطال التجسس 367 صدور الترخيص بالسفر. وفيه ذكر الاحتفال بزينة، وما جرى فيها، وما كان الجزء: 3 ¦ الصفحة: 627 بعدها من فظائع أرادل الاتحاديين. زحف الجراد على حلب وحدوث غلاء وقيام غوغاء للنهب 367 خطبة عامة في الجامع الكبير 371 افتتاح نادي جمعية الاتحاد 372 انتهاء مرمّات الجامع الكبير. وفيه القيام باحتفال لوفد من جمعية الاتحاد 372 إبراهيم باشا ابن معمو التمّو 373 الشروع بانتخاب النواب المعروفين بالمبعوثان 376 تنازل السلطان عن أملاكه ومزارعه 376 ما هي الأملاك السنية والجفاتلك الهمايونية؟ 377 سنة 1327 هـ: فيه ذكر تأسيس جمعية الإخاء العربي، ووصول السيارة المعروفة باسم أوتوموبيل إلى حلب 380 خلع السلطان عبد الحميد 380 ذكر شيء من سيرة هذا السلطان 381 كم سنة بقي سلطانا؟ 381 كيف كانت سيرته في رعيته؟ 382 عدم سماحه عمن يمس شخصه وسلطانه إلخ 382 استخدامه الرجال في مآربه 384 استخدامه صحف الأخبار الأجنبية في مآربه 385 رغبته بالمستخدم المبتلى بهوس 386 حكاية عن مستخدم من هذا القبيل 386 استكثاره من الجواسيس 388 كراهيته الجمعيات ومنعه استعمال بعض الألفاظ، وتضييقه على المؤلفات وصحف الأخبار 388 تحرزه المفرط في أكله وشربه ومحلّ نومه 319 غناه وحشده الأموال 391 التغالي بألقابه ومدائحه 392 الاحتفال بزينة عيدي ميلاده وجلوسه 392 الجزء: 3 ¦ الصفحة: 628 الموضوع الصفحة مواكب السلطان في صلاة الجمعة والعيدين 393 احتفال السلطان بالأضاحي في عيد الأضحى 393 وصف قاعة العرش 395 وصف المعايدة 396 خبر زلزال حدث في ذلك الوقت، وثبات جأس السلطان 397 سلام الخلافة 398 نبذة في الكلام على الزلزلة 398 أسباب الزلازل 399 بقية حوادث سنة 1327 هـ: فيه خبر مشاغب أرمنية في مرعش وأنطاكية 400 مظاهرة في حلب ومقاطعة اليونان. وفيه ذكر تشديد فخري باشا العقوبة على المتجاهرين بالسّكر 400 سنة 1328 هـ: تجنيد المسيحيين والإسرائليين 402 كلمة في الجزية والبدل العسكري 402 مقدار الجزية 403 تتمة حوادث سنة 1328 هـ: وفيه خبر إلغاء تذاكر المرور، ووصول شعرة من الحلية الشريفة مع السيد بهاء الدين بك الأميري، وقيام طائفة الدروز في جبل الدروز، وورود أمر بإبطال التغالي بزينة الميلاد والجلوس، وغير ذلك 405 سنة 1329 هـ 407 شدة الشتاء وكثرة القرّ والثلج 407 تأثير الثلج والقرّ 408 تتمة حوادث هذه السنة: فيه ذكر كثرة الكمأة، والشروع بمحطة سكة حديد بغداد، وقيام الأرناؤد في جهات مكدونيا، وعزل الوالي، وابتداء حرب طرابلس الغرب 413 سنة 1330 هـ: سير قطار بغداد. ذكر انتهاء حرب طرابلس، وقيام مظاهرة في حلب، وصدور الأمر بإجلاء التليان عن حلب 414 انتهاء حرب طرابلس وابتداء حرب البلقان 414 سنة 1331 هـ: فيه ذكر جودة المواسم، وجمع الإعانة الملّية، وصدور الأمر بقبول الجزء: 3 ¦ الصفحة: 629 عرض الحال باللغة العربية، والشروع بانتخاب المجلس العمومي واغتيال نيازي بك، وإعطاء امتياز بتجفيف بحيرة أنطاكية واسترداد أدرنة وقرق كليسا، وتجاهر سكان بيروت ودمشق بطلب الإصلاح، وعقد الصلح بين تركيا وبلغاريا، والشروع بفرع إسكندرونة من خط سكة حديد بغداد، وصدور الأمر بتوحيد الساعات، والترخيص بأن يكون التدريس بالعربي، وغير ذلك 416 سنة 1332 هـ: فيه خبر تعليق شاب، وجمع إعانة الأسطول، وغير ذلك 417 أول طيارة في جو حلب 417 الحرب العامة 418 الدول المتحاربة مع بعضها 419 أسباب هذه الحرب: لها سببهان 420 السبب الأوّليّ 420 أغراض دولة بريطانيا من هذه الحرب 421 أغراض دولة فرانسة من هذه الحرب 421 أغراض الدولة الروسيّة من هذه الحرب 422 سبب دخول دولة أميركا إلى هذه الحرب 422 السبب الثانوي لهذه الحرب 423 بيان أن هذه الحرب كانت مقررة قبل هذه الحادثة 424 نبذة من الكلام على تضخم إمبراطورية ألمانيا 425 لم لم تتفق تركيا مع دول الاتفاق؟ ولم لم تبق على الحياد؟ 426 تحالف تركيا مع ألمانيا 427 تصريح بالفوائد التي تقصدها ألمانيا من محالفتها مع تركيا 429 المقصد الأول 429 المقصد الثاني 429 تصريح في البواعث التي حملت تركيا على الاتفاق مع دولة ألمانيا 432 دولة إيطاليا حيال الدول المتحاربة 434 منذرات هذه الحرب في حلب قبل ظهورها 434 تتمة حوادث سنة 1332 هـ 435 الجزء: 3 ¦ الصفحة: 630 سباق الخيل 435 دعوة العرفاء إلى الثكنة العسكرية 435 إعلان تركيا النفير العام في ممالكها 436 الإدارة العرفية 436 التكاليف الحربية وحجز أموال التجّار 437 تطواف الضباط العسكريين في الخانات 437 كيف بدأت هذه الحرب 437 أول تحرش بألمانيا 437 إعلان روسية وإنكلترة واليابان الحرب على ألمانيا 438 إعلان إنكلترا وفرنسة وروسية الحرب على تركيا وإعلان تركيا اتفاقها مع ألمانيا والنمسا وبلغاريا إلخ 438 إعلان تركيا الحرب على الدول الثلاث 439 إعلان إنكلترة استقلالها بمصر 440 منع الحكومة إخراج الذهب 440 سنة 1333 هـ: فتوى شيخ الإسلام في النفير العام 440 قدوم جمال باشا إلى حلب 440 أمر جمال باشا جلال بك والي حلب بحمل الناس على العمل في طريق المركبات 441 وفود استقبال العلم النبوي الشريف 442 قتلى بالرصاص 444 خبر استيلاء الجيوش العثمانية على «أردهان» 444 فروغ الفحم الحجري واستعمال الفحم النباتي. وقطع أشجار من البساتين 445 متطوعة الدراويش المولوية 445 وفود القدس 445 فرع من سكة حديد الحجاز إلى الترعة 446 إنهاء جسر جرابلس 446 وصول الورق النقدي إلى حلب 446 إعانة الكسوة الشتوية 446 مهاجرو مكة 447 الجزء: 3 ¦ الصفحة: 631 قانون تأجيل الديون 447 تعرض إنكلترا للبصرة وتقسيم جيوش تركية 447 إعلان الحكومة إلغاء الامتيازات الأجنبية 447 وفود للقدس 448 وصول جنود الألمان إلى حلب 448 إجلاء أمة الأرمن عن أوطانهم 448 الجرب وحمّى القملة 450 غلاء البضائع الأجنبية 451 تصاعد أسعار الحبوب 452 حجز الغلّات 452 الجراد النجدي 452 هدم الحكومة المنازل في جادّة السّويقة 453 قدوم أنور باشا إلى حلب 453 وفود من بلاد العرب إلى استانبول 453 أخذ العسكرية أموال التجار 454 هبوط أسعار الورق النقدي 454 تكليف موظفي الحكومة التجار تبديل الورق بالنقود 454 إحسان الحكومة بالحبوب على خدمة العلم 455 استيلاء جيوش بريطانيا على البصرة 455 سنة 1334 هـ: تصاعد أسعار الحبوب 456 عقد شركة إسهام لبيع الحبوب 456 فك الحصار عن الدردنيل 458 قدوم أنور باشا إلى حلب، وتعليق الستار على المرقد الشريف 458 توزيع البذور والنقود على الزراع 458 مكتب المعلمات 459 تشدد العسكرية بالوثائق 459 استيلاء الجيوش البريطانية على «قود الإمارة» 460 الجزء: 3 ¦ الصفحة: 632 إسعاف الفقراء بالحبوب والخبز 460 حوادث الأرمن 461 مشاغب الأرمن في أورفة 461 حادثة الأرمن في الزيتون 463 حادثة الأرمن في السويدية 463 أحزاب الأرمن في حلب 465 أحوال الأرمن في عينتاب وكلّز 466 الحملة على قناة السويس 466 ما هو الغرض المقصود من هذه الحملة؟ 466 ورود نبأ برقيّ بنجاح الحملة 468 عدد الأيام التي أمضتها جيوش الحملة في قطع الصحراء بين بئر السبع والقناة 468 ما لاقاه الجيش من التعب والضنك 468 عدد عساكر الحملة وعدد عساكر الإنكليز 469 مساعدة ابن السعود وابن الرشيد، وعدد الجمال التي كانت في جيش الحملة 469 ثقة جمال باشا بإخلاص العرب 469 هجوم الحملة على القناة وفشلها، وعدد من قتل وأسر وجرح فيها 470 مقتل زعماء الجمعية اللامركزية 470 قيام حضرة الشريف حسين على تركيا 470 إجلاء أسر من دمشق وحلب 471 إحداث جريدة في المدينة 471 وفود إلى المدينة 472 فتوى في وجوب قتال من خرج على الخليفة 472 قدوم الشريف علي حيدر باشا على حلب 472 جودة الموسم ورخص الأسعار 472 سنة 1335 هـ: ملكية حضرة الشريف حسين على البلاد العربية 474 وفد من إستانبول إلى البلاد الشامية 474 سباق الخيل 474 دار للمعلمين ودار للحكومة 474 الجزء: 3 ¦ الصفحة: 633 أخبار غزة 475 انفكاك مصطفى عبد الخالق عن ولاية حلب 475 نفى بعض المتلاعبين بالورق النقدي 475 قلة الماء في حلب وجرّ ماء عين التلّ إليها 476 الغلاء وضحايا الجوع 478 خسوف القمر 478 مقتول بالتعليق 478 طوابع على الثقاب ودفاتر اللفائف 479 تعليق شخصين 479 قدوم إبراهيم بك على حلب. وفيه عزل توفيق بك وتعيين بدري بك، وأكياس الرمل 479 قدوم أحد أفراد الأسرة العثمانية على حلب 480 توحيد أوائل الأشهر 480 الأوراق النقدية المعروفة باسم بنكينوط 480 الورق النقدي، وحالة مرتزقة الحكومة 482 جالية أهل المدينة المنورة 483 سقوط القدس في يد الإنكليز 484 عزل جمال باشا وسفره 484 تعيين نهاد باشا قائدا بدل جمال باشا 484 سقوط بغداد في يد الإنكليز، واستيلاء روسيا على بلاد الأناضول 485 هبوط أسعار الحبوب وعودها للارتفاع 485 تشدد العسكرية في القبض على الناس 486 تظاهر المستخدمين بالرشوة وسلب الأموال الأميرية 487 سنة 1336 هـ: اشتداد الجوع وجمع إعانة للفقراء 490 سقوط السّلط ويافا وغيرهما 491 عود البرنس عبد الحليم إلى إستانبول 491 استقراض داخلي 491 انكسار روسية 492 الجزء: 3 ¦ الصفحة: 634 ترخيص الحكومة بنقل الذهب 492 وفاة السلطان رشاد 492 عزل بدري بك والي حلب، وتولّي عاطف بك 492 انكسار بلغاريا 492 فحص فضلة المسافر 493 انسحاب الروس من بلاد الأناضول 493 عود الشريف حيدر باشا إلى الإستانة 494 تقدم جيوش الإنكليز والعرب في جهات درعا وإنهزام المستخدمين 494 استبدال والي حلب عاطف بك بمصطفى عبد الخالق بك 494 سنة 1337 هـ: جلاء الموظفين من أماكنهم 495 خبر سقوط دمشق وتشتت شمل الجيوش العثمانية 495 سقوط رياق 496 انتهاء صحيفة الفرات 496 إبطال القبض على العساكر 496 حدوث فزع في حلب 496 نسف محطات وسقوط حمص وحماة وغيرهما 497 خوف الجنود التركية وموظفي حكومتها وارتحالهم من حلب 497 تحليق طيارات الإنكليز في سماء حلب 498 مقدمات سقوط حلب 498 الهدنة بين إنكلترا وتركيا 498 إطلاق المحابيس 498 صدور أمر الوالي بحل المجلس الذي أمر بعقده 499 اشتداد الخوف وقيام الأسافل للنهب 499 انفجار لغم 500 سقوط حلب 501 قدوم عرب العنزة إلى حلب 501 جلاء الوالي والقائد والجنود التركية عن حلب، ودخول عساكر الشريف حسين إليها 502 الجزء: 3 ¦ الصفحة: 635 عزم المأمورين الراحلين على استصحاب السجلات 503 سفر الوالي والقائد التركيين 504 محاماة الوالي عن حلب تجاه القائد 504 ما كان في حلب بعد وصول الشريف «مطر» إليها 506 انفجار ألغام 506 وصول عساكر الإنكليز إلى حلب 507 واقعة قرب قرية بلّليرمون 507 فرقعة ألغام وقذائف 507 وصول الشريف ناصر إلى حلب وانعقاد مجلس شورى 507 نادي العرب وجريدة العرب 509 وصول سمو الأمير الكبير الشريف فيصل إلى حلب 509 أخذ الأمير فيصل بيعة الحلبيين لأبيه الشريف حسين بن علي ملك العرب 509 خطبة الأمير فيصل 510 سفر الأمير فيصل 515 كلمة في بني عثمان 516 تناهي السلاطين العثمانيين بالأبهة والعظمة 518 أسباب انقراض الدولة العثمانية 519 أسباب سرعة سقوط العراق والشام 522 ذكر طائفة من الأمور المنفرة التي كانت أثناء الحرب وهي: تهور جمال باشا وقلة تبصره 524 ركوب جمال باشا بالعظمة والأبهة 525 انهماكه في المعاصي 525 تسلط المأمورين على التجار، وأخذ الذهب منهم بالورق 525 إخراج الناس من بيوتهم قهرا 526 تظاهر جهلة الأتراك ببغض العرب 526 تعليم البنات فن الرقص والتمثيل 527 إفساح الحكومة مجال البغاء 528 كتاب «قوم جديد» 531 الجزء: 3 ¦ الصفحة: 636 كتاب سيرة النبي 531 التسرع بإراقة الدماء 532 تسلط جباة الأموال ورجال الدرك على أهل القرى 538 حبس الأقوات عن المدينة المنورة وجهات بيروت 540 منع إخراج البضائع من مواضعها 540 خلاصة في بيان ماجريات الحرب العالمية 541 مهاجمة الألمان بلجيكة وفرنسة 542 طرد الروس غن غاليسا والاستيلاء على وارسوا 542 هجوم النمسا وحلفائها على صربيا والجبل الأسود 542 إعلان إيطاليا الحرب على النمسا 542 إعلان رومانيا الحرب على ألمانيا وحلفائها 543 إعلان أميركا الحرب على ألمانيا 543 الهرج والمرج في روسيا 544 تفاقم الحرب في الجبهة الغربية 545 رجعا إلى تتمة حوادث سنة 1337 هـ في حلب 548 تجديد جسر الحاج 548 تمثيل رواية باللغة الأرمنية 548 احتلال أنطاكية 548 صدور جريدة «حلب» 548 قدوم الشريف ناصر إلى حلب 549 الأتراك المرخص لهم بالبقاء في حلب 549 قدوم الجنرال اللّنبي إلى حلب. وفيه ترجمة خطبته وذكر تجواله في الأماكن الأثرية في حلب إلخ 549 قدوم حاكم سوريا العسكري إلى حلب 552 قدوم رضا باشا الصلح 552 مأدبة 552 رجوع الجنرال اللنبي إلى حلب 552 سفر رضا باشا الركابي 553 الجزء: 3 ¦ الصفحة: 637 استيلاء العرب على المدينة المنورة 553 حادثة الأرمن المعروفة باسم فتنة 28 شباط سنة 1919 م 553 أسباب هذه الحادثة 553 كيف كانت هذه الفتنة؟ 558 ذيول هذه الحادثة الكارثة 560 اجتماع مهم يتعلق بهذه الحادثة 560 تزلف عظماء المسلمين والنصارى واليهود إلى بعضهم 561 عقوبة المعتدين على الأرمن 561 تسليم السلاح 561 منع إخراج الذهب 562 قدوم الحاكم العسكري على حلب 562 وصول الأمير فيصل إلى بيروت 562 قدوم سموّ الأمير فيصل إلى حلب، وخطبته 562 زيارة سموه المستشفى الوطني ومكتب الصنائع 566 مأدبة البلدية لسمو الأمير 566 حفلة الجمعية العلمية لسمو الأمير 566 وصول برقية من المارشال اللنبي عن اللجنة الدوليّة 567 عود سمو الأمير فيصل إلى دمشق 567 الوفد الدولي واجتماع رجال حلب للمذاكرة بما يجيبونه به 567 أعضاء المجلس العمومي 568 افتتاح المؤتمر السوري 568 وصول اللجنة الأميركية إلى حلب واستفتاؤها الشعب الحلبي 569 قدوم الشريف ناصر إلى حلب وعوده إلى دمشق 569 عود ناجي بك السويدي 569 سفر سموّ الأمير فيصل إلى أوروبا 569 قدوم الأمير زيد إلى حلب 570 سنة 1338 هـ: انسحاب الجيش الإنكليزي من دمشق وحلب 571 مظاهرة 571 الجزء: 3 ¦ الصفحة: 638 بلاغ مندوب حكومتي إنكلترا وفرنسا 571 روابط المحبة بين العرب والأرمن في حلب 572 عود الأمير فيصل من أوربا 572 خطاب الأمير في دمشق 572 قدوم سمو الأمير فيصل على حلب 572 سمو الأمير في نادي العرب 573 سفر الأمير 573 تعيين حاكم عسكري على حلب 573 استقلال سوريا وتتويج سموّ الأمير فيصل ملكا عليها 573 مبايعة رؤساء الطوائف المسيحية في دمشق لجلالة الملك فيصل الأول 573 صورة المبايعة 573 وفد التهاني لجلالة الملك فيصل 574 والي الولاية 574 الاحتفال بالعلم العربي 574 زيادة الضرائب والدعوة إلى التجنّد وقيام الفتن في سورية الساحلية 575 توتر العلائق بين جلالة الملك فيصل وبين الحكومة الفرنسية المنتدبة 575 أول ما ظهر من نتائج توتر العلائق 576 ذكر ما حدث في حلب أثناء هذه الحرب 576 منشور ألقته الطيارة على حلب 577 والي حلب 577 دخول الجيش الفرنسي إلى حلب، وفيه ترجمة خطبة الجنرال «ده لاموط» 577 رفع استقالة 578 والي الولاية الجديد 578 إجمال في الكلام على الأمة الفرنسية المحترمة 579 مملكة فرنسا ومن أين أتى إليها هذا الاسم؟ 579 ديانة سكان تلك البلاد 579 متى دخلت النصرانية تلك البلاد 580 أول من تنصر من ملوك فرنسا 580 الجزء: 3 ¦ الصفحة: 639 السلسلة الأولى من ملوك فرنسا 580 السلسلة الثانية 580 السلسلة الثالثة 582 حرب فرنسا وإنكلترا مائة سنة وسنة 584 انتصار جاندارك 585 أسماء التواريخ العالمية العامة عند الأوربيين 585 ظهور المذهب البروتستاني 587 الثورة الفرنسية الشهيرة 591 مبدأ الثورة وتاريخها 591 أخبار نابليون بنابرت 593 أسباب هذه الحرب (حرب السبعين) 596 أسماء رؤساء الجمهورية مرتبة على السنين 597 أهم ما كان من الشؤون في مدة هؤلاء الرؤساء 597 نوابغ الرجال في مدة هؤلاء الرؤساء 598 حالة فرنسا قبل الحرب العالمية 598 الحرب العالمية العامة وأسبابها 598 رجال العلم في فرنسا 599 جدول في بيان الأعمال العمرانية التي تجددت في حلب وأعمالها، بعد أن دخلت إليها الحكومة الفرنسية المنتدبة على سورية 600 خاتمة هذه الجزء: فيها ذكر الأماكن القديمة التي يقصدها السياح في مدينة حلب وبعض جهات ولايتها 603 الأماكن المقصودة في حلب وضواحيها 603 الأماكن القديمة المقصودة للسياح في بعض الجهات التابعة لحلب 603 الأماكن التي هي مظنّة لوجود العاديات والذخائر النفيسة 604 الفهرس 606 الجزء: 3 ¦ الصفحة: 640