الكتاب: الأصلان في علوم القرآن المؤلف: أ. د. محمد عبد المنعم القيعي رحمه الله الناشر: حقوق الطبع محفوظة للمؤلف الطبعة: الرابعة مزيدة ومنقحة 1417هـ- 1996م عدد الأجزاء: 1   [ترقيم الكتاب موافق للمطبوع وهو مذيل بالحواشي] ---------- الأصلان في علوم القرآن محمد عبد المنعم القيعي الكتاب: الأصلان في علوم القرآن المؤلف: أ. د. محمد عبد المنعم القيعي رحمه الله الناشر: حقوق الطبع محفوظة للمؤلف الطبعة: الرابعة مزيدة ومنقحة 1417هـ- 1996م عدد الأجزاء: 1   [ترقيم الكتاب موافق للمطبوع وهو مذيل بالحواشي] بسم الله الرحمن الرحيم مقدمة : الحمد لله الذي جعل القرآن مأدبة ينهل منها العلماء، ومأدبة يتزود منها الأتقياء، وأصلى وأسلم على سيدنا محمد إمام الأنبياء وخاتمهم، وأول العابدين وأخلصهم، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه والمهتدين بهديه.. وبعد: فإن علوم القرآن طائفة من المعارف تتصل بالقرآن من جوانب عديدة، فليست علمًا واحدًا قائمًا بنفسه محدد الموضوع؛ وإنما هي نماذج متعددة من فروع علوم مختلفة تتصل في النهاية باللغة والدين. وأقرب ما ترسم1 به علوم القرآن تعريفًا أن نقول: علوم القرآن معارف من اللغة والدين، موضوعها القرآن الكريم، ولا بد من الوقوف على تلك العلوم؛ فهى مقدمات لتفسير القرآن وفقه معناه، والإلمام بما يعرف الإنسان بسمو ما احتواه القرآن تعبيرًا وتشريعًا، أسلوبًا يوصل إلى الهداية للتي هي أقوم. ويعتمد هذا الكتاب على أصلين: أصل يتصل باللغة وفروعها، وأصل يتصل بالدين وفروعه2. ومن المعلوم أن علوم القرآن لم تدون في عصر النبوة وعصر الصحابة؛ اعتمادًا على فطرهم السليمة وأذهانهم الصافية.   1 تعريف بالرسم. وقد أحصى المناطقة المعرفات في قسمين: الحدود والرسوم، والحدود تشتمل على الذاتيات، والرسوم هي التي لم تشتمل على الذاتيات أو اشتملت على شيء منها. 2 هذا وجه تسميته "الأصلان". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 3 ولا يعني عدم التدوين عدم معرفتهم1 بما نعرفه نحن عن علوم القرآن، فما تشحن به أذهاننا من المعارف ربما عد من البديهيات عندهم، وقد أُمر المسلمون في صدر الإسلام أن يكتبوا القرآن فقط؛ لئلا يختلط به غيره، إلى أن يستقر في قلوبهم، وتألفه أسماعهم، وتتعود النطق به ألسنتهم، وبعد ذلك لا يمنعهم الشارع من تدوين ما هو نافع مفيد. والتأليف في علوم القرآن له مرحلتان: المرحلة الأولى كان التأليف فيها عن نوع واحد؛ مثل: مؤلَّف علي بن المديني شيخ البخاري في أسباب النزول، و"الناسخ والمنسوخ" لأبي عبيد الله القاسم بن سلام، و"غريب القرآن" لأبي بكر السجستاني.. المرحلة الثانية كان التأليف فيها لأنواع عديدة، بدأت قليلة ثم كثرت بضم أنواع أخرى، كطبيعة أي شيء يبدو صغيرًا إلى أن يصل إلى التمام أو يكاد، ومن أمثال هذه المؤلفات: "فنون الأفنان في علوم القرآن" لابن الجوزي المتوفَّى سنة 597هـ، و"جمال القراء" للسخاوي المتوفَّى سنة 641هـ، و"البرهان في علوم القرآن" للزركشي المتوفَّى سنة 794هـ، ثم "الإتقان" للسيوطي المتوفَّى سنة 911هـ.   1 الواقع أن قواعد علوم القرآن كانت مستقرة في نفوس العلماء من الصحابة، وكانوا يسيرون في ضوئها ولم يصرحوا بها، فعبد الله بن مسعود الصحابي الفقيه عندما كان يقول: إن الحامل المتوفَّى عنها زوجها تنقضي عدتها بوضع الحمل؛ لقوله تعالى: {وَأُولاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [الطلاق: 4] ويستدل بأن سورة الطلاق التي فيها هذه الآية نزلت بعد سورة البقرة التي فيها قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا} [البقرة: 234] إنما كان يشير بهذا الاستدلال إلى قاعدة من قواعد علوم القرآن؛ وهي أن النص اللاحق ينسخ النص السابق وإن لم يصرَّح بذلك، فالعادة أن الشيء يوجد ثم يدون، فالتدوين كاشف عن وجود الشيء لا منشئ له. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 4 وتوقفت حركة التأليف في علوم القرآن إلى أن دبت حركة النشاط، وظهرت مؤلفات في القرن العشرين؛ منها: "التبيان في علوم القرآن" للشيخ طاهر الجزائري1، و"منهج الفرقان في علوم القرآن" للشيخ محمد علي سلامة2، و"مناهل العرفان" للشيخ محمد عبد العظيم الزرقاني3، وتوجد غير هذه المؤلفات مذكرات في علوم القرآن لأساتذتنا4 وزملائنا، جزى الله الجميع خير الجزاء. وقد رأيت أن أكتب في هذا الكتاب زبد ما كتب في هذا الفن الجليل، بعبارة مركزة: ما استطعت إلى ذلك سبيلًا؛ تحاشيًا من الإطناب الممل، والإيجاز المخل، مضيفًا بعض الأبحاث التي تعين على تفهم القرآن الكريم. واللهَ نسألُ أن يهدينا سواء السبيل. المؤلف   1 "التبيان في علوم القرآن" للشيخ طاهر الجزائري، هو اختصار رائع لكتاب "الإتقان في علوم القرآن" للحافظ السيوطي. 2 "منهج الفرقان في علوم القرآن" للأستاذ محمد علي سلامة، الأستاذ بكلية أصول الدين سابقًا، هذب فيه بعض مباحث علوم القرآن من "الإتقان" و"البرهان"، وأوضح العبارة للطلاب بأسلوب السهل الممتنع. 3 "مناهل العرفان" للشيخ الزرقاني، جمع فيه المؤلف بين الأسلوب البليغ والتحقيق العلمي. 4 مثَّل منه "المنان في علوم القرآن" للأستاذ الدكتور إبراهيم عبد الرحمن خليفة، وقد ظهر منه إلى الآن جزآن، والباقي تحت الطبع. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 5 الموضوع الأول: أماكن النزول وأزمنته وأحواله أ- المكى والمدني: معرفة ذلك من المهمات للوقوف على التاريخ الذي به يتميز الناسخ1 من المنسوخ عند التعارض، والذي يمكن به معرفة تقييد المطلق وتخصيص العام2 عند مَن يرى جواز تأخير المخصص. وللناس للتمييز بين المكي والمدني أقوال؛ فمنهم من يجعل الفاصل الهجرة3، ونظرة هذا زمنية، فما نزل قبلها فهو مكي، وما نزل بعدها فهو مدني وإن نزل في مكة. ومنهم مَن نظرته مكانية، فما نزل بعيدًا عن مكة والمدينة وضواحيهما لا يعد مكيًّا ولا مدنيًّا؛ كالنازل في تبوك. ومنهم مَن نظرته حالية، فخطاب أهل مكة له سماته، ولأهل المدينة خطاب يغاير خطاب أهل مكة. والمتفق على نزوله بالمدينة عشرون سورة، والمختلَف في نزوله بمكة أو المدينة بعض السور، وما عدا ما اتفق على نزوله بالمدينة وما اختلف فيه قد نزل بمكة. وقد نظم بعض الناس ما اتفق على نزوله بالمدينة وما اختلف فيه فقال: تعارض النقل في أم الكتاب وقد ... تؤولت حجر تنبيهًا لمعتبر أم القرآن وفي أم القرى نزلت ... ما كان للخمس قبل الحمد من أثر   1 سيعرف المؤلف النسخ في الموضوع الخامس "النسخ وموهم الاختلاف" ص78. 2 سيتعرض المؤلف لبيان المطلق والعام والتخصيص والتقييد في مبحث اللفظ القرآني. 3 هذا هو أشهر الاصطلاحات في المكي والمدني، كما ذكر السيوطي في "الإتقان" 1/ 9، ويمتاز بشمول تقسيمه جميع القرآن لا يخرج عنه شيء. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 6 وبعد هجرة خير الناس قد نزلت ... عشرون من سور القرآن في عشر فأربع من طوال السبع أولها ... وخامس الخمس في الأنفال ذي العبر وتوبة الله إن عدت فسادسة ... وسورة النور والأحزاب ذي الذكر وسورة لنبي الله محكمة ... والفتح والحجرات الغر في غرر ثم الحديد ويتلوها مجادلة ... والحشر ثم امتحان الله للبشر وسورة فضح الله النفاق بها ... وسورة الجمع تذكارًا لمدكر وللطلاق وللتحريم حكمهما ... والنصر والفتح تنبيهًا على العمر يريد بذلك أن المتفق على نزوله بالمدينة هي: البقرة، وآل عمران، والنساء، والمائدة، والأنفال، والتوبة .... وهل التوبة سورة مستقلة، أو هي مع الأنفال سورة واحدة؟ ولعل هذا هو مختار غير الناظم. والسادسة على هذا سورة النور، فالأحزاب، فسورة محمد، فالفتح، فالحجرات، فالحديد، فالمجادلة، فالحشر، فالممتحنة، فالمنافقون، فالتغاين، فالطلاق، فالتحريم، فسورة {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ} . وعليه، فعند الناظم عشرون سورة، وعند غيره تسع عشرة سورة. وأما المختلَف فيها فعنه قال الناظم: فالرعد مختلف فيها متى نزلت ... وأكثر الناس قالوا الرعد كالقمر ومثلها سورة الرحمن شاهدها ... مما تضمن قول الجن في الخبر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 7 وسورة للحواريين قد علمت ... ثم التغابن والتطفيف ذو النذر وليلة القدر قد خصت بملتنا ... ولم يكن بعدها الزلزال فاعتبر وقل هو الله من أوصاف خالقنا ... وعوذتان ترد البأس بالقدر وذا الذي اختلفت فيه الرواة له ... وربما استثنيت آي من السور وما سوى ذاك مكي في تنزله ... فلا تكن في خلاف الناس في حصر يريد بذلك أن السور المختلَف في نزولها بمكة أو المدينة هي: الرعد، والرحمن، والصف -لأن فيها ذكر الحواريين- والتغابن -مع أنه أشار إلى أنها من المتفق على نزوله بالمدينة- وسورة ويل للمطففين، وسورة القدر التي بعدها لم يكن، وليست الزلزلة، ثم سورة الزلزلة، ثم قل هو الله أحد، والمعوذتان. وأحسن ما قاله هذا الناظم: .......................... ... وربما استثنيت آي من السور ولعل هذا هو سبب الخلاف، فليست أكثر السور نزلت دَفْعَةً واحدة.. فبعض الآيات نزل في مكان وبعضها نزل في آخر، وكل يُرْوَى ما علمه، فتظن الخلاف ولا خلاف في الحقيقة. ومن المرجح أن سورة الجمعة من المتفق على نزوله بالمدينة، وكذا لم يكن، وسورة المطففين. وأما سورة التغابن، فمنها ما نزل بمكة، ومنها ما نزل بالمدينة، والحق أنه لا يوجد دليل قاطع على نزول سورة بكاملها في مكة أو المدينة، وقد وضعت ضوابط تقريبية تميز ما كان بمكة أو المدينة.. منها ما يحمل طابع الجزء: 1 ¦ الصفحة: 8 التشريع فهو مدني، وما يحمل طابع الاعتقاد فهو مكي.. ومنها أن السور القصار نزل أكثرها بمكة.. وما عدا هذين لا يعول عليهما.. فقد تنزل الآية في مكة وتوضع في سورة مدنية؛ نحو: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} نزلت في عرفات، وهي من المائدة، آخر السور نزولًا. وقد تنزل الآية بالمدينة وهي تخاطب أهل مكة؛ نحو: {وَالَّذِينَ هَاجَرُوا فِي اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَلَأَجْرُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ} نزلت في المدينة ووضعت في سورة مكية هي سورة النحل. ب- الحضري والسفري: أكثر القرآن نزل على النبى -صلى الله عليه وسلم- وهو مقيم، وبعض الآيات نزلت عليه وهو مسافر؛ منها1: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى} 2 نزلت وبلال يؤذن على ظهر الكعبة، واحتج المشركون قائلين: ما لهذا العبد يصعد فوق الكعبة، فأنزلها الله. ج- النهاري والليلي: أكثر القرآن نزل نهارًا، وبعضه نزل بالليل كالآيات من آخر سورة آل عمران: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآياتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ} 3. عن بلال أنه وجد النبي يبكي قبل الفجر، فسأله عما أبكاه، فتلا عليه هذه الآيات وقال: "ويل لمن قرأهن ولم يتفكر" 4.   1 وذلك لأن حياة الرسول كانت عامرة بالجهاد في سبيل الله حين ينزل عليه الوحي وهو في مسيره، وقد ذكر الحافظ السيوطي أن كثيرًا من الأمثلة نزلت عليه وهو مسافر. "الإتقان" 1/ 18. 2 سورة الحجرات: 13. 3 سورة آل عمران: 190. 4 أخرجه ابن حبان في صحيحه وابن المنذر وابن مردويه وابن أبي الدنيا عن عائشة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 9 وفي الصحيح أنه كان يحرس بالليل فصرف الحارس لما نزلت: {وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ} وقد نزلت ليلًا. ومن القرآن ما نزل بين الفجر وطلوع الشمس، ومن ذلك قوله تعالى: {لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ} نزلت في الركعة الأخيرة من الصبح وهو يدعو على قوم. د- الصيفى والشتائي: كان القرآن ينزل في أكثر الأوقات. بيد أن بعض الآيات والأحاديث تشير إلى حالة الطقس من حر وبرد؛ كالآيات من سورة التوبة، ومنها عن المنافقين: {لا تَنْفِرُوا فِي الْحَرِّ} 1.. ومن سورة الأحزاب آيات تشير إلى شدة البرد؛ كقوله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا} 2. هـ- الفراشي والنومي: المراد بالفراشي: نزول الوحى وهو على فراش النوم قبل أن ينام، أو بعد أن يستيقظ، ومثاله: {وَعَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَنْ لا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ} 3 نزلت والنبي على فراشه عند أم سلمة. والمراد بالنومي: تجسد ما نزل أو ينزل عليه في يقظة، ورؤيته لذلك وهو نائم، ورؤيا الأنبياء حق. وقد نزلت عليه سورة الكوثر وهو بين أصحابه فأغفى إغفاءة ثم سري عنه فرأوه مبتسمًا، فتلا عليهم: {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَر} . والوحي كله   1 سورة التوبة: آية 81، وقد أمر الله رسوله أن يجيبهم {قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا لَوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ} . 2 سورة الأحزاب: آية 9. 3 سورة التوبة: 117، 118، وهم الثلاثة الذين قَبِلَ الله عذرَهم في التخلف بغزوة تبوك. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 10 نزل في اليقظة، وما يعبر عنه الرواة من أنه أغفى إغفاءة، فتصوير منهم للحالة التى كان يأتيه الوحي بها. و الأرضي والسمائي: أكثر القرآن نزل وهو على الأرض. وبعضه نزل فوق السماوات ليلة الإسراء والمعراج. فقد رُوي أن أوآخر سورة البقرة من قوله: {آمَنَ الرَّسُولُ} نزلت وهو عليه السلام فوق السماوات. ز- ما نزل مفرقًا وما نزل جمعًا: أكثر القرآن نزل مفرقًا؛ فمن سورة العلق نزلت الآيات الأولى: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ} إلى قوله: {عَلَّمَ الْأِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ} ونزل: {وَالضُّحَى، وَاللَّيْلِ} إلى قوله: {وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى} . وتمام السورتين نزل بعد ذلك. ومن سور القرآن ما نزل جملة واحدة؛ كسورة المرسلات وسورة الصف. ح- ما نزل مشيعًا وما نزل مفردًا: القرآن كله نزل به أمين الوحي جبريل، وهو قادر على حماية ما بيده، وتوصيله إلى النبي، وما من خبر فيه نزول ملائكة مع جبريل بسورة من السور إلا فيه علة قادحة في سنده أو في متنه. وبهذا ينتهي هذا الموضوع. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 11 الموضوع الثاني: النزول وما يتعلق به أول ما نزل وآخر ما نزل ... الموضوع الثاني: النزول وما يتعلق به وفيه نقاط: 1- أول ما نزل وآخر ما نزل: اختلفوا في أول ما نزل؛ فعن عائشة وأبي موسى الأشعرى أنها {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ} . وشاهد ذلك في الصحيحين1. وعن جابر بن عبد الله أنها "المدثر"، وروي أيضًا في البخاري2: وجمع بين هذين القولين بأن مراد جابر في أولية المدثر إما سورة كاملة، ولا دليل لهذا التأويل؛ لأنها لم تنزل كلها دَفْعَةً واحدة3، ومنهم من جعل ذلك من اجتهاده4. قلت: وليكن القول الأول أيضًا من اجتهاد الرواة5. ومنهم مَن أوَّله بأنه بعد انقطاع الوحي. ويرد بأنهم عارضوا جابر بـ"اقرأ"، فقال للمعترضين: أحدثكم عن رسول الله وتحدثونني؟!! ومنهم مَن جعل الأولية نسبية، كل يحدث بما يعلم، وهذا مسلم. ومنهم مَن جعل أولية ما قاله جابر في الرسالة، و"اقرأ" في النبوة، وهذا مسلم أيضًا6. ومنهم مَن جعل أولية ما قاله جابر فيما نزل بسبب؛ وهو ارتعاده صلى الله عليه وسلم، وما قالت عائشة فيما نزل بغير سبب7.   1 أخرجه البخاري، ك بدء الوحي. 2 البخاري في بدء الوحي 1/ 3، 4، وتفسير سورة المدثر 4/ 161-163، وتفسير سورة اقرأ 4/ 174، ومسلم في صحيحه 1/ 98، 99. 3 قلت: ما ادعاه بعض علماء القرآن من أن سورة المدثر نزلت بتمامها جملة واحدة لا يتلاءم مع ما ذكرناه في سبب نزولها؛ فإنها نزلت على أسباب متعددة ومتباعدة في الزمن، وقد نزل لكل سبب منها جملة من الآيات، فوق أن هذا القول يحتاج إلى دليل مثبت له. 4 التحقيق أن هذا القول من جابر بن عبد الله اجتهاد منه، وقد أخطأ في الاجتهاد. 5 قلت: القول الأول ليس بالاجتهاد؛ بل هو من مقولة النبي -صلى الله عليه وسلم- على ما عليه المحققون من علماء القرآن. 6 هذان الرأيان مسلمان عند المؤلف رحمه الله تعالى. 7 كل هذه تأويلات ذكرها الحافظ السيوطي وغيره، وهي تحتاج إلى دليل. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 12 والقول الثالث: أن أول ما نزل سورة "الفاتحة". وإذا وَازَنَّا بين هذه الأقوال الثلاثة لم نجد فيها حديثًا صحيحًا سالمًا من المعارضة، مقطوعًا برفعه إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- وبعد عدم وجود النقل المطمئن -فيما نعلم- يكون الترجيح بالاستنباط، فالسنن الإلهية في آيات الكتاب كالسنن الكونية في الأرض والسماء، والثمرة تنبت من نواة بها خصائص الثمرة. وسورة الفاتحة مشتملة على ما اشتمل عليه القرآن، فلا بُعْدَ أن تكون هي الأولى في النزول بمكة.. وآخر ما نزل بها "المؤمنون" أو "العنكبوت". وأول ما نزل بالمدينة "ويل للمطففين".. وآخر ما نزل بها من السور الكاملة سورة التوبة. وأول ما أعلن به سورة "النجم". وأعلم أنه ما من قول قيل في أول النزول وآخره إلا عورض بقول آخر، مما يؤكد أن هذه الأقوال بُنيت على الاجتهاد وليس فيها توقيف صحيح. وأقرب الأقوال في آخر القرآن نزولًا {وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ} . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 13 ب- سبب النزول وفوائده : اعلم أن من القرآن ما نزل ابتداء من غير سبب.. ومنه ما نزل ليفصل في وقائع وقعت..والاشتغال بمعرفة ذلك من المهمات التي لها فوائد عديدة: 1- منها: معرفة وجه الحكمة1 الباعثة على تشريع الحكم. 2- ومنها: تخصيص الحكم به عند مَن يرى أن العبرة بخصوص السبب.. 3- ومنها: أن اللفظ قد يكون عامًّا ويقوم الدليل على تخصيصه، فلا يتناول التخصيص صورة السبب. 4- ومنها: الوقوف على المعنى وإزالة الإشكال.. فمثلًا قوله تعالى: {لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا إِذَا مَا اتَّقَوْا وَآمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} قد يُفهم منه إباحة بعض المطعومات المحرمة ما دام المتناوِل تقيًّا مؤمنًا عاملًا للصالحات، فإذا عرف سبب النزول فُهم أنها نزلت لما سأل الصحابة عن مصير إخوانهم الذين ماتوا وكانوا يشربون الخمر، وهي رجس ولم تكن قد حرمت؛ فأنزل الله الآية إشارة إلى أن من مات قبل التحريم فلا جناح عليه. وكذا قوله في الذين صلوا إلى بيت المقدس وماتوا قبل تحويل القبلة إلى الكعبة، قال في قبول أعمالهم: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُوفٌ رَحِيمٌ} . 5- ومن فوائد معرفة أسباب النزول: دفع توهم الحصر.. فمثلًا قوله تعالى: {قُلْ لا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ} ظاهر هذا حصر المحرمات في هذه الأمور، فإذا علم السبب؛ وهو أن المشركين لما حرموا ما أحل الله وأحلوا ما حرم الله، وكانوا على المضادة والمحادة، جاءت الآية مناقضة لغرضهم، فكأنه قال: لا حلال   1 الحكمة المراد بها هنا: العلة الباعثة التي تبعث المكلَّف على امتثال أوامر الشارع. انظر في ذلك كتاب "التعليل في القرآن الكريم" للمحقق. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 14 إلا ما حرمتموه، ولا حرام إلا ما أحللتموه، نازلًا منزلة من يقول: لا تأكل اليوم حلاوة، فتقول: لا آكل اليوم إلا حلاوة.. والغرض المضادة لا النفي والإثبات على الحقيقة؛ فكأنه قال: لا حرام إلا ما أحللتموه من هذه الأصناف. ولم يقصد حل ما وراءها أو تحريمه؛ بل هو سكوت عنه حتى جاءت آيات تضيف أصنافًا أخرى إلى هذه المحرمات1. 6- ومن فوائد معرفة أسباب النزول: التعرف على الاسم الذي نزلت فيه وتعيين المبهم فيها2. واختلف الأصوليون3: هل العبرة بعموم اللفظ؟ بمعنى: أن اللفظ العام إذا نزل لسبب خاص تعدى فيه الحكم من السبب إلى ما ماثله، وهو المختار؛ كآية الظهار4 نزلت في سلمة بن صخر، وتعدى الحكم إلى كل من ظاهر مثله، وآية اللعان5 نزلت في هلال بن أمية، وتعدى الحكم إلى كل ملاعن. وقال بعضهم: العبرة بخصوص السبب ولا يتعدى الحكم إلا لدليل خارجي، فهؤلاء يرون أنه لولا الدليل الخارجي لوقف حكم الظهار على سلمة، وحكم اللعان على هلال. وقال ابن تيمية6: مَن يرى أن العبرة بخصوص السبب، يريد بذلك أن مَن نزلت فيه الآية دخل دخولًا أوليًّا ودخل ما يشبهه تبعًا، ولا يُتصور من مسلم إبطال عموم   1 انظر: "مناهل العرفان" 1/ 104، 105، و"الإتقان" 1/ 31. 2 "مناهل العرفان" 1/ 106. 3 محل الخلاف في المسألة إذا لم توجد قرينة على التخصيص ولا على التعميم غير اللفظ نفسه، والقولان: العموم والقصر على السبب منقولان عن: مالك، والشافعي، وكثير من أصحابهما؛ لكن القول بالعموم قول الجمهور، وهو الأرجح نظرًا لأحكام الباجى ص270، وممن ذهب إلى قصره على سببه: أبو ثور، والمزني، والقفال، وآخرون. انظر: "نهاية السول" للإسنوي 2/ 477، و"إرشاد الفحول" للشوكاني ص134، وانظر الأقوال وتفصيلها في: "المعتمد" 302 و"التبصرة" ص144، و"الأحكام" للباجي ص270، و"شرح الكوكب" 3/ 177، وبحث أسباب النزول للمحقق. 4 يعني قوله تعالى: {قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ ... } الآيات، سورة المجادلة الآيات الأولى منها. 5 يعني قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ} حتى بلغ {إِنْ كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ} سورة النور: 6-9. 6 "الإتقان" 1/ 30، و"البرهان" 1/ 32. قلت: القول بالعموم فيما نزل على سبب خاص هو قول المحققين من الأصوليين وغيرهم، فهذه القاعدة -أعني "العبرة بعموم اللفظ"- من المسلمات، فلا يمكن للعالم أن يخصص ألفاظ القرآن العامة بأولئك الأعيان دون غيرهم، فإن هذا لا يقوله مسلم ولا عاقل على الإطلاق، كما قال ابن تيمية؛ وعلى ذلك درجت القوانين في الدنيا كلها، فإن القانون يصدر لأسباب خاصة في الغالب الكثير، ثم يكون حكمه عامًّا على جميع الأفراد. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 15 الكتاب، وهذا توجيه حسن، ويكون الفرق بين مَن يقول: العبرة بعموم اللفظ، وبين مَن يقول: العبرة بخصوص السبب -أن الأولين يرون الدخول بعموم اللفظ أصلًا، والآخرين يرون الدخول تبعًا، بعد دخول صورة السبب. وقد يقوم الدليل على تخصيص الحكم بصورة السبب؛ كتفسير النبي -صلى الله عليه وسلم- للظلم بالشرك في قوله تعالى: {وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ} فلم يرد تناول كل ظلم مع صلاحية اللفظ له. هذا كله إن كان اللفظ عامًّا نزل لسبب خاص.. أما إن كان اللفظ خاصًّا نزل لسبب خاص، فإنه لا يتعدى السبب اتفاقًا؛ نحو: {وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى، الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى} .. فإن الأتقى لمفرد، والمراد به: الصديق1 رضي الله عنه. ولا يصح أن يراد به العموم؛ لأن الذي يدل على العموم "أل" الموصولة أو الداخلة على الجمع.. أو على مفرد غير معهود، والعهد هنا ظاهر.. ولا يصح أن تكون موصولة؛ لأنها لا تلي أفعل التفضيل2. ومن المعلوم أن صورة السبب داخلة في العام دخولًا قطعيًّا. فإذا نزلت الآية على سبب خاص، ثم نزلت آيه عامة في الموضوع -دخل مدلول الآية السابقة في العام دخولًا قطعيًّا. مثاله: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هَؤُلاءِ أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلًا} 3 نزلت في كعب بن الأشرف الذي كان يعلم صفة النبي في التوراة، ومع علمه أقر دين قريش ورجحه على دين المسلمين، فخان بذلك الأمانة، فدخل دخولًا قطعيًّا في قوله بعد: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا} . ولا يحل القول في سبب النزول إلا استنادًا إلى رواية صحيحة صريحة تصرح بذكر السبب.   1 المراد بقول "الصديق": سيدنا أبو بكر الصديق -رضى الله عنه- فقد نزلت فيه هذه الآية؛ أعني: قوله تعالى: {وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى ... } بالإجماع، وبهذه الآية مع قوله تعالى: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} استدل الإمام فخر الدين الرازي على أن أبا بكر أفضل الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم. 2 "الإتقان في علوم القرآن" 1/ 30. 3 "مناهل العرفان" 1/ 128. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 16 وقول الصحابي: نزلت الآية في كذا.. يحتمل أن يكون ذلك نصًّا منه على السبب، فهو من المسند، وعليه جرى البخاري.. ويحتمل أن يكون ذلك من قياسه وإلحاقه بالسبب، وهو مذهب غير البخاري.. ولا يعتبر السبب سببًا إلا إذا نزلت الآية عقيبه1. أما إذا كانت الآية خبرًا عن قصة وقعت؛ فلا يصلح أن تكون القصة هي السبب؛ كقصة أصحاب الفيل، وقوم نوح، واتخاذ إبراهيم خليلًا. وإذا تعارضت الأقوال في سبب النزول رجح الأقوى، أو جمع عند إمكان الجمع والتساوي. فإن لم يمكن والمرويات كلها صحيحة وفي درجة واحدة قيل بتعدد النزول.. وقد تنزل الآية لأكثر من سبب واحد. وأمثلة كل هذا لا تخفى على مطلع في كتب التفسير والحديث. كما قد يكون السبب واحدًا وتنزل من أجله آيات في مواضع عديدة. مثاله: أن بعض المنافقين عاتبهم النبي -صلى الله عليهم وسلم- على ما يقولونه فيه، فحلفوا له بالله؛ فأنزل الله: {يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ مَا قَالُوا} ، وأنزل في سورة أخرى: {يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعًا فَيَحْلِفُونَ لَهُ كَمَا يَحْلِفُونَ لَكُمْ} .   1 "مقدمة في أصول التفسير" لابن تيمية رحمه الله، بشرح الشيخ محمد بن صالح العثيمين ص49. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 17 جـ- الأسماء والمبهمات 1: قلت: من فوائد معرفة أسباب النزول: التعرف على الأسماء والكشف عن المبهمات. قال عكرمة: طلبت معرفة الذي خرج من بيته مهاجرًا إلى الله ورسوله أربعة عشر عامًا. والتعرف عليه يأتي بالوقوف على سبب النزول. وعن علي كرم الله وجهه: ما من أحد من قريش إلا نزلت فيه آية، قيل له: وما نزل فيك؟.. قال: {وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِنْه} .. كذا روي. وعن سعد بن أبي وقاص أنه نزلت فيه: {يَسْأَلونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ} وقوله: {وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا} . وعن رفاعة القرظي أن قوله تعالى: {وَلَقَدْ وَصَّلْنَا لَهُمُ الْقَوْلَ} نزلت في عشرة هو أحدهم. وعن جنيد بن سعد أنه مع ثمانية نزلت فيهم: {وَلَوْلا رِجَالٌ مُؤْمِنُونَ وَنِسَاءٌ مُؤْمِنَاتٌ} وعد النساء اثنتان. أسباب الإبهام: 1- الاستغناء عن توضيحه ببيانه في موضع آخر؛ نحو: {صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ} 1 بُيِّنَ بقوله: {مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ} 2. 2- الاستغناء عن بيانه لشهرته؛ نحو: {اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ} 3 فالزوجة معروفة بأنها حواء. 3- قصد الستر عليه؛ نحو4: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} 5 نزلت في الأخنس بن شريق، الذي أسلم بعد وحسن إسلامه. 4- لا فائدة من تعيينه تتعلق بالمخاطب؛ نحو: {وَاسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ} 6. 5- قصد العموم كي لا يقف الحكم عند المعين؛ نحو: {وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ} 7. 6- تعظيمه؛ نحو: {وَلا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ} 8 في أبي بكر. 7- تحقيره بالوصف الناقص؛ نحو: {إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ} 9. ولا يعين المبهم إلا بنقل صحيح10 ... وإليك بعض ما عين من المبهمات: {وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْسًا} : اسم القتيل عاميل.   1 صنف فيه أبو القاسم السهيلي كتابه المسمَّى "التعريف والإعلام بما أبهم في القرآن من الأسماء والأعلام"، ومنه نسخة خطية في دار الكتب المصرية والمكتبة التيمورية، وغيرها من الكتب، و"البرهان" للزركشي 1/ 155. 2 سورة الفاتحة: 7. 3 سورة النساء: 69. 4 سورة البقرة: 35. 5 ولهذا كان النبي -صلى الله عليه وسلم- إذا بلغه عن قوم شيء خطب فقال: "ما بال رجال قالوا كذا". 6 سورة البقرة: 204. 7 سورة الأعراف: 163. 8 سورة النساء: 100. 9 نزلت في سيدنا أبي بكر الصديق حين حلف ألا ينفق على مسطح بن أثاثة أبدًا، بعدما قال في عائشة ما قال في حديث الإفك. انظر: تفسير ابن كثير 3/ 268-276. 10 سورة الكوثر: 3. 11 هذه من قواعد علوم القرآن المهمة حتى لا يتزيد الناس في أمر المبهمات، ويأتون لبيان غالبًا ما يكون من الإسرائيليات، ومن الحكم المقررة: أن القرآن الكريم قد يبهم الشيء؛ إذ لا فائدة من تعيينه على ما سبق في كلام المؤلف. وانظر: أسباب الإبهام في البرهان 1551 وما بعدها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 18 "الأسباط": أولاد يعقوب اثنا عشر رجلًا: يوسف، وروبيل، وشمعون، ولاوي، ويهوذا، وداني، وتفتاني، وكاد، ويأشير، وإيشاجر، ورايلون، وبنيامين. "بني إبراهيم": هم: إسماعيل، وإسحاق، ومان، وزمران، وسرح، ونفش، ونفشان، وأميم، وكيسان، وسورح، ولوطان، وناقش. {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ} : هو صهيب. {إِذْ قَالُوا لِنَبِيٍّ لَهُمُ} : هو شمويل، وقيل: شمعون، وقيل: يوشع. {أَوْ كَالَّذِي مَرَّ} : هو عزير، وقيل: أرمياء، وقيل: حزقيل. {امْرَأَتُ عِمْرَانَ} : حنة بنت فاقوذ. {وَامْرَأَتِي عَاقِرٌ} : هي أشياع أو أشيع بنت فاقوذ. {وَإِنَّ مِنْكُمْ لَمَنْ لَيُبَطِّئَنَّ} : هو عبد الله بن أبي بن سلول. {وَلا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا} : هو عامر بن الأضبط الأشجعى، وقيل: مرداس.. والقائل ذلك نفر من المسلمين منهم: أبو قتادة ومسلم بن جثامة.. وقد قتل واختلفوا في قاتله أهو أسامة بن زيد أم المقداد بن الأسود أم محلم بن جثامة. {وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ} : هو ضمرة بن جندب، وقيل: ابن العيص ورجل من خزاعة، وقيل: أبو ضمرة بن العيص، وقيل: اسمه سبرة، وقيل: هو خالد بن حزام. {وَبَعَثْنَا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيبًا} : هم: شموع بن زكور من سبط روبيل، وشوقط بن حوري من سبط شمعون، وكالب بن يوفنا من سبط يهوذا، وبعورك بن يوسف من سبط إيشاجر، ويوشع بن نون من سبط الجزء: 1 ¦ الصفحة: 19 إفراثيم بن يوسف، وبلطي بن روفو من سبط بنيامين، وكرابيل بن سوري من سبط زبالون، وكد بن شاس من سبط منشا بن يوسف، وعماييل بن كسل من سبط دان، وستور بن ميخائيل من سبط أشير، ويوحنا بن وقوس من سبط نفتال، وإل بن موخا من سبط كاذلو. {قَالَ رَجُلانِ مِنَ الَّذِينَ يَخَافُونَ} : هما يوشع وكالب. {الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا} : هو بلعم، ويقال: بلعام بن آبر. ويقال: باعر. ويقال: باعور. وقيل: هو أمية بن أبي الصلت. وقيل: صيفي بن الراهب. وقيل: فرعون، وهو أغربها. {فَقَاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ} : هم: أبو جهل، وأمية بن خلف، وسهيل بن عمرو، وعتبة بن ربيعة. {وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُم} : وهم: عبد الله بن أبي بن سلول، ورفاعة بن التابوت، وأوس بن قيظي. {وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ ائْذَنْ لِي} : هو الجد بن قيس. {وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقَاتِ} : هو ذو الخويصرة. {إِنْ نَعْفُ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْكُمْ} : من بينهم مخشي بن حمير. {وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ} : هو ثعلبة بن حاطب. {وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ} : كانوا سبعة عُرف منهم: أبو لبابة. {وَآخَرُونَ مُرْجَوْنَ لِأَمْرِ اللَّهِ} : هم: هلال بن أمية، ومرارة بن الربيع، وكعب بن مالك، وهم الثلاثة الذي خلفوا. {وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِدًا ضِرَارًا} : قال ابن إسحاق: اثنا عشر من الأنصار: حزام بن خالد، وثعلبة بن حاطب، وهزال بن أمية، ومعتب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 20 ابن قشير، وأبو حبيبة بن الأزعر، وعباد بن حنيف، وجارية بن عامر وابناه مجمع وزيد، ونبتل بن الحارث، وبحزج، وبجاد بن عثمان، ووديعة بن ثابت. اهـ. قلت: هؤلاء من المنافقين وليسوا من الأنصار. {وَإِرْصَادًَا لِمَنْ حَارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} : هو أبو عامر الراهب. {وَنَادَى نُوحٌ ابْنَهُ} : اسمه كنعان، وقيل: يام. {وَامْرَأَتُهُ قَائِمَةٌ فَضَحِكَتْ} : اسمها سَارَّة. "بنات لوط": ريئا ورغوثا. {قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ لا تَقْتُلُوا يُوسُفَ} : هو روبيل، وقيل: يهوذا، وقيل: شمعون. {فَأَرْسَلُوا وَارِدَهُمْ} : هو مالك بن دعر. {وَقَالَ الَّذِي اشْتَرَاهُ} : هو قطفير أو أطيفير. {لِامْرَأَتِهِ} : هي راعيل. وقيل: زليخا. {وَدَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ فَتَيَانِ} : هما مجلث وبنو وهو الساقي. وقيل: هما راشان ومرطش. {اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ} : هو الملك ريان بن الوليد. {فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ} : هو بنيامين. {قَالَ كَبِيرُهُمْ} : هو شمعون. وقيل: روبيل. {آوَى إِلَيْهِ أَبَوَيْهِ} : هما أبوه وخالته ليا. وقيل: أمه واسمها راحيل. {وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ} : هو عبد الله بن سلام. وقيل: جبريل. قول إبراهيم: {رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ} : اسم الأب تارح. واسم أمه: ثاني. وقيل نوفا. وقيل: ليوثا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 21 {إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئينَ} : كانوا خمسة: الوليد بن المغيرة، والعاصي بن وائل، وأبو زمعة، والحارث بن قيس، والأسود بن عبد يغوث. {كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا} : ريطة بنت سعيد بن زيد. {إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ} : عنوا سلمان الفارسي. {أَصْحَابَ الْكَهْفِ} : تلميخا وهو رئيسهم والقائل: {فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ} و {رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثْتُم} ، وتكسليمنا وهو القائل {كَمْ لَبِثْتُم} ومرطوش، ويرافش، وأيونس، وأويسطانس، وشلططيوس. {فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ} : هو تمليخا. {وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ} : هو عينية بن حصن. {وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِفَتَاهُ} : هو يوشع بن نون. {فَوَجَدَا عَبْدًا} : هو الخضر.. واسمه بليا. {لَقِيَا غُلامًا فَقَتَلَهُ} : اسمه جيسون. {وَرَاءَهُمْ مَلِكٌ} قيل يُدْعَى: هدد بن بدد. {فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ} : اسم الأب كازيرا. والأم سهوا. {لِغُلامَيْنِ يَتِيمَيْنِ} : هما: أصرم وصريم. {فَنَادَاهَا مِنْ تَحْتِهَا} : قيل: عيسى. وقيل: جبريل. {وَيَقُولُ الْإِنْسَانُ أَإِذَا مَا مِتُّ لَسَوْفَ أُخْرَجُ حَيًّا} : هو أبي بن خلف. وقيل: أمية بن خلف، وقيل: الوليد بن المغيرة.. {أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآياتِنَا} : هو العاصي بن وائل. {قَتَلْتُ مِنْهُمْ نَفْسًا} : اسم القتيل القبطي قانون. "السامري": اسمه موسى بن ظفر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 22 {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ} : هو النضر بن الحارث. {هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ} : المؤمنون: حمزة بن عبد المطلب، وعبيدة بن الحارث بن عبد المطلب، وعلي بن أبي طالب.. والكافرون هم: عتبة وشيبة ابنا ربيعة، والوليد بن عتبة. {وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ} : نزلت في عبد الله بن أنيس. {الَّذِينَ جَاءُوا بِالْأِفْكِ} : هم: حسان بن ثابت، ومسطح بن أثاثة، وحنة بنت جحش، وعبد الله بن أبي وهو الذي تولى كبره. {وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ} : هو عقبة بن أبي معيط. {لَمْ أَتَّخِذْ فُلانًا خَلِيلًا} : أبي بن خلف أو أمية بن خلف. {وَكَانَ الْكَافِرُ عَلَى رَبِّهِ ظَهِيرًا} : هو أبو جهل. {إِنِّي وَجَدْتُ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ} : هى بلقيس بنت شراحيل. {فَلَمَّا جَاءَ سُلَيْمَانَ} : اسم الجائي منذر. {قَالَ عِفْرِيتٌ مِنَ الْجِنِّ} : اسمه كوزن، كذا قيل. {الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتَابِ} : هو آصف بن برخيا. وقيل: هو جبريل. وقيل: هو الخضر. {وَكَانَ فِي الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ} : هم: رعمى، ورعيم، وهرمى، وهريم، وداءب، وصواب، ورب، ومسطع، وقدار بن سالف عاقر الناقة. {فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ} : اسم الملتقط طايوس. {امْرَأَتُ فِرْعَوْنَ} : آسية بنت مزاحم. {أُمِّ مُوسَى} : يوحانذ بنت يصهر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 23 {وَقَالَتْ لِأُخْتِهِ قُصِّيهِ} : اسمها مريم أو كلثوم. {هَذَا مِنْ شِيعَتِهِ وَهَذَا مِنْ عَدُوِّهِ} : السامري من شيعته.. وفاتون القتيل من عدوه. {وَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعَى} : هو مؤمن آل فرعون، واسمه سمعان في الراجح. {وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ امْرَأَتَيْنِ تَذُودَانِ} : هما: ليا وصفوريا، وهي التى تزوجها. {وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ} : قيل: هو شعيب. وقيل: بئرون ابن أخي شعيب.. "ابن لقمان": اسمه باران في الراجح. {وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِنْهُمُ النَّبِيَّ} : من بينهم: أبو عوانة بن أوس، وأوس بن قيظي. {لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ} : هو زيد بن حارثة.. وقد بين. {أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ} : هي زينب بنت جحش. {أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ} : هما شمعون ويوحنا. {فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ} : هو بولس ... وقيل: الثلاثة: صادق وصدوق وشلوم.. {وَجَاءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ} : هو حبيب النجار. {أَرِنَا الَّذَيْنِ أَضَلَّانَا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ} : هما: إبليس وقابيل. {لَوْلا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ} : عنوا من مكة: الوليد بن المغيرة.. ومن الطائف: عروة بن مسعود الثقفي. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 24 {وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلًا} : الضارب له هو عبد الله بن الزبعري.. {وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ} : هو عبد الله بن سلام. {أَفَرَأَيْتَ الَّذِي تَوَلَّى} : هو العاصي بن وائل. وقيل: الوليد بن المغيرة.. {قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا} : هي خولة بنت ثعلبة. وزوجها هو أوس بن الصامت. {لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ} : هى سريتة مارية.. كذا قيل. {أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلَى بَعْضِ أَزْوَاجِهِ} : هى حفصة. {فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِه} : أخبرت عائشة. {امْرَأَتَ نُوحٍ} : والعة. {امْرَأَتَ لُوطٍ} : والهة. {وَلا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ} : نزلت في الأسود بن عبد يغوث.. وقيل: الأخنس بن شريق.. وقيل: الوليد بن المغيرة. {سَأَلَ سَائِلٌ} : هو النضر بن الحارث. قول نوح: {رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ} : اسم أبيه لمك بن متوشلخ.. واسم أمه سمحا بنت أنوش. {ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدًا} : هو الوليد بن المغيرة. {فَلا صَدَّقَ وَلا صَلَّى} : نزلت في أبي جهل. {أَنْ جَاءَهُ الْأَعْمَى} : هو عبد الله بن أم مكتوم. {أَمَّا مَنِ اسْتَغْنَى} : هو أمية بن خلف. وقيل: هو عتبة بن ربيعة. {فَأَمَّا الْإِنْسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ} نزلت في أمية بن خلف. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 25 {أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهَى، عَبْدًا} : الناهي أبو جهل.. والموجَّه إليه النهي هو النبي صلى الله عليه وسلم. {إِنَّ شَانِئَكَ} : هو العاصي بن وائل وغيره. "امرأة أبي لهب": أم جميل بنت حرب. ومن المبهمات جموع عرف بعض أفرادها، قال تعالى من سورة البقرة: {وَقَالَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ لَوْلا يُكَلِّمُنَا اللَّهُ أَوْ تَأْتِينَا آيَةٌ} .. سُمي منهم رافع بن حرملة. {سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ} : سُمي منهم: رفاعة بن قيس، وقردوم بن عمرو، وكعب بن الأشرف، ورافع بن حرملة، والحجاج بن عمرو، والربيع بن أبي الحقيق. {وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ} : سُمي منهم رافع ومالك بن عوف.. {يَسْأَلونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ} : سُمي منهم: معاذ بن جبل، وثعلبة بن غنم. {وَيَسْأَلونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ} : سُمي منهم عمرو بن الجموح. {يَسْأَلونَكَ عَنِ الْخَمْرِ} : سُمي منهم: عمر بن الخطاب، ومعاذ بن جبل، وحمزة بن عبد المطلب. {وَيَسْأَلونَكَ عَنِ الْيَتَامَى} : سُمي منهم عبد الله بن رواحة. {وَيَسْأَلونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ} : سُمي منهم: ثابت بن الدحداح، وعباد بن بشر، وأسيد بن الحضير. {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ} : سُمي منهم: النعمان بن عمرو، والحارث بن زيد، وكعب بن الأشرف. {الْحَوَارِيُّونَ} : سُمي منهم: فطرس، ويعقوبس، ونهمس، وإندرانيس، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 26 وفيلس، ودرنابوطا، وسرجس، وهو الذي أُلْقِيَ عليه شبه المسيح فقتلوه. {وَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ آمِنُوا} : هم اثنا عشر من اليهود، سُمي منهم: عبد الله بن الصيف، وعدي بن زيد، والحارث بن عمرو. {كَيْفَ يَهْدِي اللَّهُ قَوْمًا كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ} : منهم: أبو عامر الراهب، والحارث بن سويد بن الصامت، ووحوح بن الأسلت، وطعيمة بن أبيرق.. {يَقُولُونَ هَلْ لَنَا مِنَ الْأَمْرِ مِنْ شَيْءٍ} : سُمي من القائلين عبد الله بن أبي. {يَقُولُونَ لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ مَا قُتِلْنَا هَاهُنَا} : سُمي من القائلين: عبد الله بن أبي، ومعتب بن قشير. {وَقِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا قَاتِلُوا} : القائل ذلك عبد الله الأنصاري والد جابر رضى الله عنهما، والمقول لهم: عبد الله بن أبي وأصحابه. {الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلَّهِ} : هم سبعون منهم: المبشرون بالجنة، وعبد الله بن مسعود، وحذيفة بن اليمان. {الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ} : القائل فنحاص، وحيي بن أخطب، وكعب بن الأشرف. {وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَمَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ} : منهم: النجاشي، وعبد الله بن سلام. {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يَشْتَرُونَ الضَّلالَةَ} : سُمي منهم: رفاعة بن زيد بن التابوت، وكردم بن زيد، وأسامة بن حبيب، ورافع بن أبي رافع، وبحري بن عمرو، وحيي بن أخطب. {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا} : سُمي منهم: الجلاس بن الصامت، ومعتب بن قشير، ورافع بن زيد. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 27 {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ} : القائل عبد الرحمن بن عوف وغيره من المسلمين. {إِلَّا الَّذِينَ يَصِلُونَ إِلَى قَوْمٍ} : نزلت في: هلال بن عويمر الأسلمي، وسراقة بن مالك المدلجي. {سَتَجِدُونَ آخَرِينَ} : نزلت في جماعة منهم: نعيم بن مسعود الأشجعي. {إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ} : سُمي منهم: علي بن أمية بن خلف، والحارث بن زمعة، وأبو قيس بن قيس بن الوليد بن المغيرة، وأبو العاصي بن منبه بن الحجاج، وأبو قيس بن الفاكه. {إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ} : سُمي منهم: ابن عباس وأمه أم الفضل لبانة بنت الحارث، وعياش بن أبي ربيعة، وسلمة بن هشام. {الَّذِينَ يَخْتَانُونَ أَنْفُسَهُمْ} : هم بنو أبيرق: بشر وبشير ومبشر. {لَهَمَّتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ أَنْ يُضِلُّوكَ} : هم: أسيد بن عروة وأصحابه. {وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاءِ} : سُمي من المستفتين خولة بنت حكيم. {يَسْأَلُكَ أَهْلُ الْكِتَابِ} : سُمي منهم: كعب بن الأشرف وفنحاص. {لَكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ} : منهم عبد الله بن سلام. {يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ} : سُمي منهم جابر بن عبد الله. {وَلا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ} : سُمي منهم الحطم بن هند البكري. {يَسْأَلونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ} : سُمي منهم: عدى بن حاتم، وزيد بن المهلهل -الطائيان- وعاصم بن عدي، وسعد بن خثمة، وعويمر بن ساعدة. {إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَنْ يَبْسُطُوا} : سُمي منهم: كعب بن الأشرف، وحيي بن أخطب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 28 {وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا} : هم الوفد الذين قدموا من عند النجاشي، وسُمي منهم: إدريس، وإبراهيم، والأشرف، وتميم، وتمام، ودريد. {وَقَالُوا لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ} : سُمي منهم: زمعة بن الأسود، والنضر بن الحارث بن كلدة، وأُبي بن خلف، والعاصي بن وائل. {وَلا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ} : سُمي منهم: صيب، وبلال، وعمار، وخباب، وسعد بن أبي وقاص، وابن مسعود، وسلمان الفارسي -رضي الله عنهم. {إِذْ قَالُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ} : سُمي منهم: فنحاص، ومالك بن الصيف. {قَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ حَتَّى نُؤْتَى مِثْلَ مَا أُوتِيَ رُسُلُ اللَّهِ} : سُمي منهم: أبو جهل، والوليد بن المغيرة. {يَسْأَلونَكَ عَنِ السَّاعَةِ} : سُمي منهم: حسل بن أبي قشير، وشمويل بن زيد. {يَسْأَلونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ} : سُمي منهم سعد بن أبي وقاص. {وَإِنَّ فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ} : سُمي منهم أبو أيوب الأنصاري. {إِنْ تَسْتَفْتِحُوا} : سُمي منهم أبو جهل. {وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا} : هم أهل دار الندوة. سُمي منهم: عتبة وشيبة ابنا ربيعة، وأبو سفيان، وأبو جهل، وجبير بن مطعم، وطعيمة بن عدي، والحارث بن عامر، والنضر بن الحارث. وزمعة بن الأسود، وحكيم بن حزام، وأمية بن خلف. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 29 {وَإِذْ قَالُوا اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ} : سُمي منهم: أبو جهل، والنضر بن الحارث. {إِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ} : سُمي منهم: عتبة بن ربيعة، وقيس بن الوليد، وأبو قيس بن الفاكه، والحارث بن زمعة، والعاصي بن منبه. {قُلْ لِمَنْ فِي أَيْدِيكُمْ مِنَ الْأَسْرَى} : كانوا سبعين؛ منهم: العباس، وعقيل، ونوفل بن الحارث، وسهل ابن بيضاء. {وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ} : سُمي منهم: سلام بن مشكم، ونعمان بن أوفَى، ومحمد بن دحية، وشاس بن قيس، ومالك بن الصيف. {الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ} : سُمي من المطوعين: عبد الرحمن بن عوف، وعاصم بن عدي. {وَالَّذِينَ لا يَجِدُونَ إِلَّا جُهْدَهُمْ} : أبو عقيل، ورفاعة بن سعد. {وَلا عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ} : سُمي منهم: العرباض بن سارية، وعبد الله بن مغفل المزني، وعمرو المزني، وعبد الله بن الأزرق الأنصاري، وأبو ليلى الأنصاري. {فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا} : سُمي منهم عويمر بن ساعدة. {إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ} : نزلت في جماعة؛ منهم: عمار بن ياسر، وعياش بن أبي ربيعة. {بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَنَا} : هم: طالوت وأصحابه. {وَإِنْ كَادُوا لَيَفْتِنُونَك} : نزلت في رجال من قريش؛ منهم: أبو جهل، وأمية بن خلف. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 30 {وَقَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعًا} : سُمي من القائلين عبد الله بن أبي أمية. {أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ} : سُمي من ذرية إبليس: شبر، والأعور، وزلنبور، ومسوط، وداسم. {وَقَالُوا إِنْ نَتَّبِعِ الْهُدَى مَعَكَ} : سُمي منهم الحارث بن عامر بن نوفل. {أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا} : منهم عمار بن ياسر. {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا اتَّبِعُوا سَبِيلَنَا} : سُمي من القائلين الوليد بن المغيرة. {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ} : سُمي منهم النضر بن الحارث. {فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ} : سُمي منهم أنس بن النضر. {وَانْطَلَقَ الْمَلَأُ} : سُمي منهم: عقبة بن أبي معيط، وأبو جهل، والعاصي بن وائل، والأسود بن المطلب، والأسود بن يغوث. {وَقَالُوا مَا لَنَا لا نَرَى رِجَالًا} : سُمي من القائلين أبو جهل.. ومن الرجال: عمار، وبلال. {وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ} : سُمي منهم: زوبعة، وحسى، ومسى، وشاصر وماصر، ومنشئ، وناشئ، والأحقب، وعمرو بن جابر، وسرق، ووردان. {إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِنْ وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ} : سُمي منهم: الأقرع بن حابس، والزبرقان بن بدر، وعينية بن حصن، وعمرو بن الأهتم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 31 {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ تَوَلَّوْا قَوْمًا} : نزلت في عبد الله بن نفيل من المنافقين. {لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ} : نزلت في قتيلة أم أسماء بنت أبي بكر. {إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ} : سُمي منهن: أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط، وأمية بنت بشر. {وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ} : سُمي من حملة العرش: إسرافيل، ولبنان، وروقيل. {أَصْحَابُ الْأُخْدُودِ} : ذو نواش، وزرعة بن أسد الحميري. "أصحاب الفيل": هم الحبشة، قائدهم: أبرهة الأشرم. ودليلهم: أبو رغان. {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} : نزلت في الوليد بن المغيرة، والعاصي بن وائل، والأسود بن المطلب، وأمية بن خلف. {النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ} : بنات لبيد بن الأعصم.. ولم تُعين واحدة منهن. والأرجح أن يكون ذلك استعارة عما يفعله السحرة من النفخ. وبعض الأسماء التى عُيِّنَتْ من هذه المبهمات لا يخلو إسنادها من نظر، خصوصًا المتعلق منها بما قبل الإسلام. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 32 د- ما تكرر نزوله وما تأخر حكمه عن نزوله وما تقدم عليه : من القرآن ما نزل أكثر من مرة لحكمة اقتضت ذلك؛ مثل: أن يكون في المطلوب شيء قد نزل ولم يتنبه له الطالب، فيتكرر نزول الآية لإفهام الطالب أن ما يطلبه موجود بين يديه؛ كسورة الإخلاص نزلت جوابًا لسؤال المشركين في مكة عن الله، ونزلت جوابًا لسؤال أهل الكتاب في المدينة. وقد يكون تَكْرَار النزول لتوكيد الحكم السابق، والتذكير بدوام استمرار العمل به. وقد يكون التكرار للقراءة بحرف آخر تسهيلًا على الأمة. ولا يقال: إن تكرار النزول تحصيل حاصل لا فائدة منه؛ لأننا ننكر أن يكون التكرار لغير فائدة. وكما قد يتكرر النزول، فإنه قد يتأخر تفصيل الحكم عن النزول، ويكون النزول حينئذ كالتمهيد لما سيجيء، وإجمالًا لما سيفصل، قال تعالى في مكة: {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى} ولم تفصل زكاة الفطر إلا في المدينة. وقال أيضًا في مكة: {وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ، الَّذِينَ لا يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ} ولم تفصل أحكام الزكاة ومقاديرها إلا في المدينة. ولا يعني تأخير الحكم عن النزول خلو النازل من الفائدة؛ وإنما الفائدة بعد التمهيد والإجمال توجيه الأنظار إلى أن الحكم الذى سيفصل لا يعني قصره على موضوعه؛ وإنما هو أعم وأشمل. فإذا كانت الزكاة طهرة للمال، فهى أيضًا طهرة للقلوب التي يستقر فيها التوحيد. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 33 وكذلك الصلاة، صلة بين العبد وربه، وبعد ذلك هي في الأقوال والأفعال التي فُصِّلت في المدينة. ومن هذا الباب قوله: {إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى} ويوم المعراج لم يكن في يد المسلمين، والمسجد مصطلح إسلامي للمكان الذي يؤدي المسلم فيه صلاته، ولقد أدرك عمر بن الخطاب تلك البشارة حينما فتح بيت المقدس في عهده، وصلى به ركعتين قرأ في إحداهما بتلك الآية؛ شكرًا لله، وتعبيرًا عن إحساسه وقت نزول الآية بتلك البشارة. ومن ذلك ما نزل في مكة من نحو قوله: {سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ} . وقد يتقدم الحكم على النزول إقرارًا للسنة التي بها شرع الحكم، ومثاله: أن الصلاة فرضت في مكة، ولا صلاة بغير وضوء إجماعًا، وكان الوضوء بالسنة حتى نزلت بالمدينة: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ} . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 34 ه ـ- ما نزل من القرآن على بعض الأنبياء، وما نزل منه موافقًا لقول بعض الصحابة: القرآن كتاب مصدِّق لما بين يديه من الكتب ومهيمن عليها. ومقتضى هذا أن يتضمن ما كان فيها ويزيد. وأكثر ما في القرآن غير موجود في الكتب السماوية بطريقة القرآن كالسور الطوال. وبعض القرآن موافق لبعض ما فيها؛ لتأكيد أن ما جاء به محمد -صلى الله عليه وسلم- هو عين ما جاءت به الرسل، ومثاله سورة: {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} وآخرها: {إِنَّ هَذَا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولَى، صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى} . وقد ذكرت في مبحث الترجمة وغيره: أن هذا كان موجودًا بمعناه، والمترجم هو الله، فلا يقاس عليه مترجم ما أوتي من العلم إلا قليلًا، ومثاله أيضًا: ما روي عن بعض مسلمي أهل الكتاب أن افتتاح التوراة يوافق افتتاح سورة الأنعام، وأن خواتيم التوراة توافق خواتيم سورة هود وسورة الإسراء. وكذا قوله تعالى: {أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ ... } الآيات، موافق للوصايا العشر التي في توراة موسى؛ وهي: توحيد الله، والنهي عن الشرك، واليمين الكاذبة، والعقوق، والقتل، والزنا، والسرقة، والزور، ومد العين إلى ما في يد الغير، والأمر بتعظيم السبت. وأما نزول القرآن موافقًا لما جرى على ألسنة بعض الصحابة، فيا له من تكريم لهم، وفيه شهادة بأن المؤمن يرى بنور الله، وليس بينه وبين الحق حجاب. وموافقات عمر للقرآن في: اتخاذ مقام إبراهيم مصلى، وآية الحجاب، وإبدال النبي -صلى الله عليه وسلم- خيرًا من زوجاته إن طلقهن، وقوله بعد سماع أطوار الإنسان: {فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ} خير شاهد على نقاء السيرة وصفاء السريرة، ولم يكن القرآن مجاملًا لأحد؛ فقد قال لهم: {حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا أَرَاكُمْ مَا تُحِبُّونَ} ، وقال: {وَإِنَّ فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ، يُجَادِلُونَكَ فِي الْحَقِّ بَعْدَ مَا تَبَيَّنَ كَأَنَّمَا يُسَاقُونَ إِلَى الْمَوْتِ وَهُمْ يَنْظُرُونَ} ، وقال: {وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ} . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 35 ولم تكن موافقات القرآن لعمر فقط؛ بل كانت أيضًا لسعد بن معاذ القائل في الإفك: {سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ} . أخرج ابن أبي حاتم عن عكرمة قال: لما أبطأ على النساء الخبر في أُحُد، خرجن يستخبرن، فإذا رجلان مقبلان على بعير، فقالت امرأة: ما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قالا: هو لم يزل حيًّا، قالت: فلا أبالي يتخذ الله من عباده الشهداء؛ فنزل القرآن على ما قالت: {وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ} في آل عمران. وقال ابن سعد في الطبقات: حمل مصعب بن عمير اللواء يوم أحد، فقطعت يده اليمنى، فأخذ اللواء بيده اليسرى وهو يقول: {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ} ثم قطعت يده اليسرى، فحنا على اللواء وضمه بعضديه إلى صدره وهو يقول: {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ} الآية، ثم قتل، فسقط اللواء، قال محمد بن شرحبيل: وما نزلت هذه الآية {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ} إلا بعد مقتل مصعب. فانظر كيف كان القرآن بروحه يسري في عروق المجاهدين، وبنوره يضيء قلوبهم، وبحلاوته ترطب ألسنتهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 36 و كيفية إنزاله : قال الله تعالى: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدىً لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ} 1، وقال: {وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ، إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ} 2، وقال: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ} 3. والكتب السماوية كلها كانت تنزل على الرسل دَفْعَةً واحدة. ولما كان القرآن تيسر للناس حفظه أنزل كالكتب السماوية دَفْعَةً واحدة من اللوح   1 سورة البقرة: 185. 2 سورة الدخان: 2، 3. 3 سورة القدر: 1. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 36 المحفوظ في ليلة القدر، ووُضع في بيت العزة في السماء الدنيا؛ لينزله جبريل بأمر الله منجمًا. قال تعالى: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلًا، وَلا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيرًا} 1، وقال: {وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنْزِيلًا} .. وهذا القول هو المشهور.. وقيل: أنزل إلى اللوح المحفوظ في كل ليلة قدر إلى بيت العزة ما سينزل في العام. والقول الثالث: ابتدأ نزوله في ليلة القدر من اللوح المحفوظ، وكان ينزل بعد ذلك منجمًا من اللوح إلى النبي صلى الله عليه وسلم. وقيل: أنزل من اللوح إلى السَّفَرَة التي كانت تعطي لجبريل المقدار المراد إنزاله2. والقول الأول هو الراجح؛ لأنه معزو إلى كبار الصحابة. وكان القرآن أحيانًا ينزل منه جزء من الآية، وأحيانا آية كاملة، وأحيانًا خمس أو عشر آيات، وقد يزيد على ذلك العدد النازل. بيد أن الذي كان يتلقاه خمس آيات حتى يجيد حفظها، ثم يتلقى غيرها، ولعل هذا قبل قوله له: {لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ، إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ، فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ، ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ} 3. وفي التقاء جبريل بالنبي كيفيتان: ارتقاء النبي بتغلب الروحانية على الجسدية، أو انخلاع الملَك إلى صورة البشر. وإيحاء الله بالقرآن إلى جبريل كتحميل الملك أمينه كتابًا   1 سورة الفرقان: 32، 33. 2 انظر: الإتقان 1/ 43، 44. 3 سورة القيامة: 16-19. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 37 يوصله إلى مَن أراد أن يصل إليه الكتاب من غير تدخل من الأمين في الكتاب. أما الأحاديث القدسية، ففيها وحي المعنى.. والتعبير عنها بألفاظ يختارها الرسول، وينسبها إلى الله الذي أوحى بها. أما الحديث النبوي، فالوحي فيه بالمعنى، واللفظ من عند النبي، وهو منسوب في الجملة إلى مَن أوحى به، قال تعالى: {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى، إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} . وقول بعض العلماء: إن له -صلى الله عليه وسلم- أحاديث توفيقية، فإن أرادوا توفيقه إلى اختيار اللفظ المناسب للمعنى فمسلم، وإن أرادوا قبولها للخطأ فمردود ومردود؛ لأن الفعل كالنكرة، وقد وقع في سياق النفي، فنعم {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى} .. ثم أكد ذلك بصيغة الحصر فقال: {إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ} .. وبين تجدده له وعدم انقطاعه عنه بقوله: {يُوحَى} ، ثم أوضح دور الملَك وهو التعليم فقط فقال: {عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى} . ودعوى أن جبريل كان يوحي بالمعنى واللفظ من عند النبي، وذلك في القرآن دعوى باطلة. وما نظن أن أحدًا من المسلمين أراد بها أن يخلط بين القرآن وغيره؛ وإنما أراد تفسيرًا لمعنى النزول لغة، ويقول للذين جعلوا كلام الله فقط للصفة القائمة به: إن إنزال ذلك ممتنع.. وللذين يجعلون الكلام شاملًا للفظ والمعنى يقول لهم: الإنزال للجواهر، والألفاظ والمعاني من الأعراض. ولست أدرى لماذا لم يكن إنزال جبريل بالقرآن كما يلقن أحدنا شخصًا آخر ألفاظًا لها مدلولها ومعانيها، وتبليغ ذلك لشخص ثالث. وللوحي كيفيات؛ منها وهي أشده عليه: أن يأتيه مثل صلصلة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 38 الجرس فيكلمه، وقد وعى عنه ما قال.. ومنها وهي أهونها: أن يأتيه الملَك في صورة رجل فيكلمه، فيعي عنه ما يقول.. وهاتان الكيفيتان بهما كان نزول القرآن. ومن كيفيات الوحي من غير القرآن: النفث في الروع، والرؤيا المنامية، وكلام الله المباشر له بكيفية لا نعلمها. ويقال: إنه عليه السلام كان نبيًّا ثلاث سنين لا يأتيه وحي، والذي أخبره بذلك إسرافيل، ثم كان رسولًا بلغه جبريل الرسالة بتوصيل القرآن له. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 39 ز- نزول القرآن على سبعة أحرف : في الحديث: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "أنزل القرآن على سبعة أحرف، كلها شافٍ كافٍ". هذا الحديث رواه أكثر من عشرين صحابيًّا. وأقر عثمان بن عفان عليه عدد من الصحابة لا يحصون، مما يؤكد تواتره. وقد رواه أكثر كتب الحديث، واتفق عليه الصحيحان، واختلفوا في المراد بالأحرف السبعة على أقوال، أشير إلى أهمها: 1- هذا الحديث مشكل؛ لأن الحرف مشترك بين حرف الهجاء، وبين الكلمة فيقال لها: حرف، وبين المعنى فيقال لها: حرف، وبين الجهة التي يطلق عليها الحرف أيضًا، قال تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ} . وقد سبق أن المشكل يمكن التعرف على المراد منه بعد التأمل. ولا يعني إشكاله التوقف فيه. ولما كان القرآن يزيد على سبعة أحرف، وكلمات، ومعاني، تعين أن يراد بالحرف الجهة.. ولكن ما هي؟ 2- عدد السبعة لا يراد به الحصر؛ وإنما يراد به التكثير في الآحاد، كما أن السبعين في العشرات والسبعمائة في المئين، فيجوز أن تكون الأحرف ستة أو عشرة.. ويرد هذا القول ما روي من أن النبي -صلى الله عليه وسلم- لم يزل يستزيد جبريل حتى انتهى معه إلى سبعة أحرف، ولم يزد على ذلك. فحقيقة السبعة مرادة. 3- المراد بالأحرف القراءات.. ويرد بأن في بعض كلمات القرآن تقل القراءات عن سبع، وفي بعضها زيادة على السبع. 4- قال ابن قتيبة: المراد بها الأوجه التي يقع بها التغاير: فأولها: ما يتغير حركته ولا يزول معناه ولا صورته؛ مثل: {وَلا يُضَارَّ كَاتِبٌ} بالفتح والرفع. ثانيها: ما ينغير بالفعل؛ مثل: بعد وباعد -بلفظ الطلب والماضي. ثالثها: ما يتغير باللفظ؛ مثل: {نُنْشِزُهَا} وننشرها. رابعها: ما يتغير بإبدال حرف قريب المخرج؛ مثل: {طَلْحٍ مَنْضُودٍ} وطلع. خامسها: ما يتغير بالتقديم والتأخير؛ مثل: {وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ} وسكرة الحق بالموت. سادسها: ما يتغير بزيادة أو نقصان؛ مثل: والذكر والأنثى {وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى} . سابعها: ما يتغير بإبدال كلمة بأخرى؛ مثل: {كَالْعِهْنِ الْمَنْفُوشِ} وكالصوف المنفوش. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 40 فأنت ترى أن ابن قتيبة لاحظ في الوجه الأول حركة الفعل، وفي الوجه الثاني لاحظ الصيغة، وفي الوجه الثالث لاحظ الإهمال والإعجام. وقد لوحظ على ما قال أنه لم يستوعب كل أوجه القراءات؛ من إدغام وإظهار وإمالة وغير ذلك. 5- المراد بالأحرف سبع لغات ولهجات مشهورة؛ ليتم التيسير، مع اتحاد المعنى وتقاربها. فلما استقامت ألسنة الناس على لغة قريش ورفعًا للخلاف؛ جمع عثمان الناس على حرف قريش، وأيده أولي الرأي، ونعم ما صنع! وهذا الرأي لا يعني أن كل كلمة فيها سبع لهجات؛ بل إن غاية ما ينتهى إليه اختلاف اللهجات المشهورة إلى سبع. والمسلمون الآن لا يعرفون إلا حرف قريش ولا ينكرون ما عداها؛ لكنهم لا يقرءون الآن إلا بحرف قريش. وقد وردت شُبَهٌ على هذا الرأي: الشبهة الأولى: في أى حرف من أحرف القرآن سبع لهجات؟ والجواب: أننا لم ندعِ الآن إلا وجود لهجة قريش. وليست القراءات المتفق عليها راجعة إلا لهذه اللهجة. الشبهة الثانية: أين ذهبت اللهجات الست؟ أنسخت ورفعت؟ وما الدليل وقد نزلت وقرأ بها رسول الله؟ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 41 والجواب: أن الأمة مطالبة بحفظ القرآن ومخيرة بأي حرف شاءت قرأت؛ كالتكفير في اليمين بإحدى الكفارات. فإن قيل: وما العلة؟ قلنا: إن السبعة أحرف كانت للتيسير. فلما أضحى سببًا للفرقة والتكفير؛ كان من المستحسن الإجماع على لهجة واحدة. الشبهة الثالثة: كيف توفقون بين هذا وبين ما أثر عن عثمان: "وما اختلفتم فيه فاكتبوه بلغة قريش؛ فإنما نزل بلغتهم". قال ذلك للكتبة وهم يجمعون القرآن ويكتبونه؟ والجواب: أن عثمان أراد بذلك ابتداء نزوله وكان بلغة قريش، أو أن أغلب ما فيه بلغتهم. الشبهة الرابعة: إن كان المراد سبع لهجات، فلمَ اختلف عمر بن الخطاب وهشام بن حكيم في سورة الفرقان، وهما قرشيان ولهجتهما واحدة؟ والجواب: أن إنكار أحدهما على الآخر لعدم سماعه، لا لأنه قرأ بغير لغته، ومن المحتمل أن يكون أحدهما سمع حرفًا بغير لغته فحفظه، وسمع الآخر حرفًا بلغته فحفظه، ولم تكلَّف الأمة أن تحفظ بلهجتها؛ بل هي مخيرة في أي لهجة شاءت. الشبهة الخامسة: كيف تدعون أن القرآن بلغة قريش وفيه ما هو بغير لغتهم؛ مثل: "الأرائك" بلغة اليمن، "أفلم ييئس" بلغة هوازن؟ والجواب: إما أن قريشًا نقلتها فصارت من لغتها، أو توافقت لغة قريش مع غيرها. بيد أنها كانت مشهورة في غير لغة قريش، وفي القرآن كلمات غير عربية ولم تخرجه عن كونه عربيًّا مبينًا كالأعلام. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 42 الشبهة السادسة: أين اللغات السبع؟ وبأي لسان كانت؟ والجواب: أن اللهجات الست قد درست فلا حاجة لمعرفتها، وقد قيل: خمس منها لعجر من هوازن، واثنان لقريش وخزاعة. ومثل هذه الأخبار لا يصح ثبوتها. وقد كانت للغة قريش المنزلة الرفيعة؛ لمكانتهم الدينية والسياسية، وكانت قريش لا تأخذ اللغة إلا عما استقام لسانه ولم يتأثر بغيره. 6- الأحرف السبعة لغات سبع متفرقة في القرآن كله، وليس معناه أن المعنى الواحد يجيء بسبع لهجات كالرأي السابق؛ بل معناه: أن كلمة قد تجيء بلغة وأخرى تجيء بلغة أخرى حتى ينتهى إلى سبع. واستدل أصحاب هذا الرأي بأن ابن العباس لم يفهم {فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} حتى سمع المتخاصمان يقول أحدهما عن البئر: أنا فطرتها. ولم يفهم: {وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ} حتى قالت بنت ذي يزن: تعالَ أفاتحك. وعمر لم يفهم: {وَفَاكِهَةً وَأَبًّا} أو {يَأْخُذَهُمْ عَلَى تَخَوُّفٍ} . وقد اختلف أصحاب هذا الرأي: هل الأحرف السبعة من لغة العرب، أم مضر، أم قريش؟ والظاهر أن شيئًا من هذا لم يصح ثبوته. فابن عباس وعمر أكبر مما نسب إليهما، ولئن صحت هذه الأخبار، فتوقفهما لأنهما لم يسمعا عن النبي -صلى الله عليه وسلم- شيئًا في ذلك. وقد نُوقش أصحاب هذا القول بما يأتي: أ- أن ذلك لم يؤدِّ إلى التيسير المطلوب؛ بل يجعل القرآن أبعاضًا مختلفة. ب- لو كان هذا الرأي صحيحًا، فكيف اختلف الصحابة في لفظ واحد؟ ج- ما استندوا إليه من أن في القرآن أحرفًا بغير لغة قريش، يحتمل أن يكون قد تخيرتها قريش، أو توافقت مع لغتها -كما سبق. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 43 د- عدم فهم ابن عباس وعمر؛ لأنه لا يمكن لإنسان أن يحيط بلغته. 7- قال الرازي: الاختلاف في الأحرف السبعة راجع إما إلى: 1- الأسماء من إفراد وتثنية وجمع. 2- تصريف الأفعال. 3- أوجه الإعراب. 4- النقص والزيادة. 5- التقديم والتأخير. 6- الإبدال. 7- اللغات والحركات. 8- وقال الباقلاني: إن أوجه الاختلاف في الأحرف السبعة ترجع إلى: 1- تغير الحركة. 2- تغير في المعنى عند الإعراب؛ كباعد.. 3- تغير في الصورة والمعنى بسبب الحرف؛ مثل: ننشزها.. 4- تغير الصورة مع بقاء المعنى؛ كالعهن، والصوف.. 5- تغير في الصورة والمعنى؛ كطلع.. 6- التقديم والتأخير.. 7- النقصان والزيادة.. 9- وقال ابن الجزري: إن التغير في الأحرف السبعة يرجع إلى: 1- تغير في الحركة مع بقاء المعنى والصورة.. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 44 2- تغير في الحركات مع تغير في المعنى.. 3- تغير في الحروف مع تغير المعنى.. 4- تغير في الصورة لا المعنى.. 5- تغير في الصورة والمعنى.. 6- التقديم والتأخير.. 7- النقصان والزيادة.. وكل من الرازي والباقلاني وابن الجزري، حسبوا الأحرف السبعة هي أوجه القراءات؛ ولذلك اعترض عليهم بما يأتي: 1- أن تحديدهم مبني على الاستقراء الناقص، بدليل مخالفة بعضهم البعض، مع إمكان إدخال بعض الآراء في بعض. 2- أن النزول على سبعة أحرف يراد منه التيسير، وليس في أوجه القراءات رفع مشقة. 3- أنه اشتبه عليهم الأحرف السبع بالقراءات، وهذا غير ذاك. 10- إنها الحلال والحرام، والأمر والنهي، والمحكم والمتشابه، والأمثال. فهل ترى اضطرابًا كهذا الاضطراب؟ هذه عشرة أقوال من أربعين قولًا قيلت في هذا الحديث.. واعلم أن من الأصول المقررة في النزول: 1- التيسير على الأمة.. 2- الاختلاف في الألفاظ لا في المعاني.. 3- القراءات توقيفية كما نزلت.. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 45 4- الأمة مخيرة في أي حرف تقرأ، كما ورد في الحديث: "فاقرءوا بأي حرف شئتم".. 5- التوسعة كانت بعد الهجرة وشيوع الإسلام.. 6- التوسعة مظهر من مظاهر النعمة لا الفرقة.. 7- حرص الصحابة على القرآن وشدة إنكارهم لما لم يعلموا، فلما علموا زال الشك، وقد سمع عمر من هشام بن حكيم آية من سورة الفرقان، فأنكر قراءته لها حتى احتكما إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فأقر كلًّا منهما على قراءته، قال لكل واحد: "هكذا أُنْزِلَتْ".. والذي أميل إليه أن القرآن نزل أولًا على حرف واحد. ثم بعد ذلك وصل إلى سبعة أحرف؛ تيسيرًا على الداخلين في الإسلام من ذوي اللهجات المختلفة. وأن الخلاف الواقع بين عمر وهشام كان مرتبطًا بتلقي كل منهما من النبي -صلى الله عليه وسلم- وقد أقر كلًّا منهما على ما تلقاه عنه وقرأ به. فلا يصح أن تكون الأحرف السبعة مثار الخلاف بعيدة عن التلقي التوقيفي، وأن القراءات الصحيحة لا تضاد بين معانيها وإن اختلفت ألفاظها؛ فمثلًا: مالك وملك، في كل منهما معنى بلاغي لا يناقض المعنى الآخر.. والأحرف السبعة على حقيقتها في العدد، وكان الترخيص بها بعد الهجرة، وأن الأمر بالقراءة بأحد الأحرف للتخيير. والمراد بالأحرف السبعة لغات سبع من قلب اللغة العربية، لسبع قبائل من القبائل المشهورة، التي يرجع إليها كلام سائر القبائل أو أغلبها. فجميع الخلافات التي في القرآن، إما أن ترجع إلى الخلاف الحاصل من هذه اللغات السبع، أو ترجع إلى معنى آخر يأتي على اللغات السبع، كما يأتي على اللغة الواحدة، وهو أن تكمل القراءة معنى آخر كملك ومالك، وباعد وبعد.. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 46 وجميع الاختلافات ترجع إلى هذه الخلافات في حدود أن تختلف الألفاظ ويتحد المعنى، أو في حدود ألا يتضاد المعنى. ومن المقطوع به أن القراءات السبع ليست عين الأحرف السبعة؛ إنما هي بعض منها وأثر من آثارها. ولا أسلم بنسخ ستة أحرف في عهد عثمان، فالأحرف كلها باقية، والله أعلم بالصواب. وبهذا ينتهي هذا الموضوع. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 47 الموضوع الثالث: المحكم والمتشابه قال تعالى من سورة آل عمران: {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ} 1.. وظاهر هذه الآية تقسيم الكتاب إلى محكم ومتشابه؛ لكن هل هذا التقسيم يفيد الحصر، وأن كل آية تدخل إما في المحكم وإما في المتشابه؟ الظاهر أن هذا التقسيم لا يفيد حصرًا. وقد ورد قوله في أول سورة هود: {كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ} 2. وظاهر هذا أن الكتاب كله محكم ومفصل؛ لكن المحكم هنا لا يقابل المتشابه. وفي سورة الزمر ورد قوله: {اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا} 3. وظاهر هذا أن الكتاب كله متشابه، ولأجل هذه النصوص اختلف الناس؛ فمنهم مَن قال: الكتاب كله محكم.. ومنهم مَن قال: كله متشابه.. ومنهم مَن قال: منه المحكم ومنه المتشابه. ومما لا شك فيه سلامة القرآن من التناقض في الأحكام. فإن أردنا بالمحكم الإتقان؛ فكله محكم.. وإن أردنا أن بعضه يشبه بعضًا في البلاغة والتنزه عن الخطأ؛ فكله متشابه.. وإن أردنا بالمحكم الأصول والضوابط الكلية، وأردنا بالمتشابه الجزئيات والفروع؛ جزمنا بأنه على هذا منه المحكم ومنه المتشابه..   1 سورة آل عمران: 7. 2 سورة هود: 1. 3 سورة الزمر: 23. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 48 وسبب هذا الخلاف عدم تحديدهم المراد من المحكم ومن المتشابه، ولهم في ذلك أقوال: أحدها: أن المحكم ما عرف المراد منه، إما بالظهور وإما بالتأويل، والمتشابه ما استأثر الله بعلمه؛ كقيام الساعة، والحروف المقطعة في أوائل السور.. وهذا القول غير سديد؛ فالقرآن كله يعرف المراد منه، إما بسبب ظهور اللفظ، أو بتأويله إن وجدت قرينة. وأما ما استأثر الله بعلمه، فلا دخل لنا فيه؛ لأنه يخاطبنا بما نعلم. وتحديد وقت الساعة لا يندرج تحت مدلولات الألفاظ، وحاشاه أن يخاطبنا بالرموز والألغاز، ولا ننكر أن الناس مختلفون في حظوظهم من تفهم القرآن، فالراسخ في العلم حظه من تفهم القرآن أوفر من غيره. ثانيها: أن المحكم ما وضح معناه، والمتشابه نقيضه1. وهذا القول أيضًا نسبي، فإن وضوح المعنى قد يبدو لبعض الناس ويخفى على بعضهم. وكذلك الخفاء يظهر لبعض الناس ويغيب عن بعضهم.. ثالثها: أن المحكم ما لا يحتمل من التأويل إلا وجهًا واحدًا، والمتشابه ما احتمل أوجهًا. ويناقش هذا القول بأن أكثر القرآن حمال لوجوه متعددة -كما سبق في الوجوه والنظائر. رابعها: أن المحكم ما كان معقول المعنى، والمتشابه بخلافه؛ كعدد ركعات الصلاة، واختصاص رمضان بالصيام دون شعبان وشوال.   1 المحكم: هو الواضح المعنى الذي لا يتطرق إليه إشكال، والمتشابه: هو الذي طرأ عليه خفاء في المعنى المراد منه. انظر: رأي السيوطي في الإتقان 2/ 4، وهذا الرأي هو الراجح لأدلة مذكورة في كتب علوم القرآن. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 49 ويناقش بأن اختصاص رمضان لا يعرف من مدلول اللفظ، والكلام في الألفاظ لا في التعليل لمعناها. خامسها: أن المحكم ما يستقل بنفسه، والمتشابه ما لا يستقل فهمه إلا بعد رجوعه إلى غيره. سادسها: أن المحكم ما تأويله تنزيله، والمتشابه ما لا يدرك إلا بالتأويل. ويناقش هذا بأن التأويل مشترك بين المعنى الاصطلاحى؛ وهو صرف اللفظ من ظاهر معناه إلى المعنى المرجوح بقرينة، وبين التفسير، وبين معرفة الوقت المحدد للوقوع فيه؛ كما قال: {هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ} ، وكما قال عن تأويل يوسف لرؤيا صاحبي السجن: {أَمَّا أَحَدُكُمَا فَيَسْقِي رَبَّهُ خَمْرًا وَأَمَّا الْآخَرُ فَيُصْلَبُ فَتَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْ رَأْسِهِ قُضِيَ الْأَمْرُ الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيَانِ} . فأي المعاني من التأويل تريدون؟ سابعها: أن المحكم ما لم تتكرر ألفاظه، والمتشابه ما تكررت ألفاظه. ويناقش هذا بأنه مخالف لمنطوق المحكم والمتشابه؛ إذ منطوق المتشابه التكرار، أو التكرار هو المفهوم الموافق لمنطوق المتشابه. ثامنها: أن المحكم هو الفرائض والوعد والوعيد، والمتشابه القصص والأمثال. أخرج ابن أبي حاتم من طريق علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس قال: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 50 "المحكمات: ناسخه وحلاله وحرامه وحدوده وفرائضه وما يؤمن به ويعمل به، والمتشابهات: منسوخه ومقدمه ومؤخره وأمثاله وأقسامه وما يؤمن به ولا يعمل به". وأخرج عبد بن حميد عن الضحاك قال: "المحكمات: ما لم ينسخ منه، والمتشابهات: ما قد نسخ". وهذا القول الأخير قد دافع عنه ابن تيمية، وربط آية آل عمران بآيات من سورة الحج؛ وهى قوله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنْسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ، لِيَجْعَلَ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ فِتْنَةً لِلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ، وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَيُؤْمِنُوا بِهِ فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ اللَّهَ لَهَادِ الَّذِينَ آمَنُوا إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} . ووجه الربط ثلاثة اعتبارات: الاعتبار الأول: أن كلًّا من الموضعين في آل عمران والحج اشتملا على محكم وما يقابله؛ ففي آل عمران المقابل هو المتشابه، وفي الحج المقابل هو المنسوخ. الاعتبار الثاني: أن في آل عمران متبعي المتشابه مَن في قلوبهم زيغ. وفي سورة الحج: {لِيَجْعَلَ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ فِتْنَةً لِلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ} وهم أصحاب الزيغ. الاعتبار الثالث: أن في آل عمران: {وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 51 آمَنَّا بِهِ} . وفي سورة الحج: {وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَيُؤْمِنُوا بِهِ فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ} . اهـ. وما أجمل أن يتربط القرآن بعضه ببعض، ويفسر بعضه بعضًا! وأما قوله تعالى: {وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ} فمن العلماء من اعتبر "الواو" للعطف. وعليه، فالراسخون في العلم يعلمون تأويل المتشابه. وأدلتهم على ذلك: أنه إذا لم يعلم الراسخون، تساووا مع غيرهم. وإذا لم يعلموا كان الخطاب بالمتشابه فوق مستوى البشر. ومن العلماء من اعتبر "الواو" للاستئناف. وعليه، فالراسخون في العلم يقولون: آمنا به، ولا يعلمون تأويله. وحجتهم في ذلك: ما ورد أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- تلا هذه الآية وقال لعائشة: "فإذا رأيت الذين في قلوبهم زيغ فأولئك الذين سمى الله، فاحذروهم". وورود المتشابه عند هؤلاء لاختبار الإيمان، فإذا أذعن الراسخون في العلم وآمنوا بالمتشابه؛ كان على غيرهم الإذعان من باب أولى. ونصه على الراسخين لامتداحهم على إيمانهم بما لا يعلمون معناه؛ كإيمان المؤمنين بالغيب. ومن الحجج أيضًا قراءة بعضهم: "وإن علم تأويله إلا عند الله"، ويقول الراسخون: وإذا لم يثبت هذه قراءة متواترة، فلا أقل من الاحتجاج به رواية كسائر السنة. أخرج ابن مردويه من حديث عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "إن القرآن لم ينزل ليكذب بعضه بعضًا، فما عرفتم منه فاعملوا به، وما تشابه فآمنوا به". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 52 والذي أختاره هو ما ذهب إليه الراغب في مفرداته؛ حيث قال: الآيات عند اعتبار بعضها ببعض ثلاثة أضرب: محكم على الإطلاق، ومتشابه على الإطلاق، ومحكم من وجه متشابه من وجه.. فالمتشابه بالجملة ثلاثة أضرب: متشابه من جهة اللفظ فقط، ومن جهة المعنى فقط، ومن جهة اللفظ والمعنى معًا.. فالمتشابه في اللفظ ضربان: أحدهما: يرجع إلى الألفاظ المفردة، إما من جهة الغرابة نحو: أبًّا، أو الاشتراك: كاليد، تطلق على الكف وعلى الذراع وتمتد إلى المنكب. وثانيهما: يرجع إلى الكلام المركب، وذلك ثلاثة أضرب: ضرب لاختصار الكلام نحو: {فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ} مختصر عن قوله: "غفرت خطاياه وبدلت سيئاته حسنات"، وضرب لبسطه؛ نحو: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} .. لأنه لو قيل: ليس مثله شيء، كان أظهر للسامع.. وضرب ثالث لنظم الكلام؛ نحو: {أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجَا، قَيِّمًا} وتقديره: أنزل على عبده الكتاب قيمًا ولم يجعل له عوجًا. أما المتشابه من جهة المعنى؛ فكأوصاف الله سبحانه، والأمور الغيبية، فإننا لا نتصورها على الحقيقة ما لم نشاهدها؛ إذ العقل لا يتصور الشيء إلا بعد أن تنقله الحواس له، وإلا كان التصور خيالًا. وأما المتشابه من جهة اللفظ والمعنى فخمسة أقسام: 1- ما كان التشابه فيه من جهة الكم كالعموم؛ نحو: {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ} . 2- ما كان التشابه من جهة الكيفية؛ كالوجوب، والندب، والإباحة؛ نحو: {إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمّىً فَاكْتُبُوهُ} . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 53 والأمر متردد بين الوجوب والندب والإباحة.. 3- ما كان التشابه فيه من حيث الزمان؛ نحو: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ} وقوله: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} . وفي مثل هذا يقع الاشتباه. فإذا علم الزمان لنزول كل منهما زال الاشتباه، إما بالجمع كأن تجعل الأولى في العقائد، والثانية في أعمال الجوارح.. وإما بالنسخ كأن تجعل الثانية ناسخة للأولى. 4- ما كان التشابه من جهة المكان؛ كقوله: {إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ} .. فما لا علم له عن عادات العرب في الجاهلية، وقد كانوا يجعلون شهرًا من الأشهر الحرم مكان شهر آخر؛ كرجب مكان شعبان، وشعبان مكان رجب، ومن لم يعلم ذلك لا يفهم النسيء. 5- ما كان المتشابه من وضع شروط؛ كقوله: {وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ} . وجاءت السنة تحدد شروط وجوبها وصحتها وكمالها. إذا اتضح هذا، فاعلم أن المتشابه ثلاثة أنواع: - نوع لا سبيل للإنسان إلى معرفته؛ كالأمور الغيبية. - ونوع يمكن التوصل إليه؛ كمعرفة الألفاظ الغريبة. - والنوع الثالث: يتوصل إليه الراسخون فقط؛ كتحديدهم أحد معاني اللفظ المشترك بالأمارات. اهـ، بتصرف ومزيد إيضاح. بقيت مسألة من المتشابه تتصل بالله سبحانه؛ نحو: اليد والوجه والعين والنفس والمجيء. وهذه ألفاظ يوهم ظاهرها التشبيه، وهي قابلة للتأويل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 54 بالمعنى الاصطلاحي؛ وهو صرف الكلام عن ظاهره الراجح إلى محتمله المرجوح بقرينة. فلفظ اليد تحتمل الجارحة، وهي محال أن تراد بالنسبة لله، وتحتمل القدرة، واستعمال اليد فيها استعمال مجازي لا يصار إليه إلا بعد القرينة؛ لكن ما هي القرينة؟ أهى لفظية، واللفظ في ذاته يحتمل الحقيقة والمجاز، والعموم والخصوص، والحذف وعدم الحذف، وغير ذلك من الاحتمالات؟ وكل ما يقبل الاحتمال فهو ظني الدلالة، ولا بد في القرينة أن تكون قطعية الدلالة، ولا قطعية هنا من جهة اللفظ؛ لأنه دلالته ظنية، والمسألة في العقائد، والعقائد لا ينفع فيها الظن1. وإذا انعدمت القرينة اللفظية وجب المصير إلى القرينة العقلية؛ لكن إذا كان من حق العقل أن يحيل حمل اللفظ على ظاهره، فليس من حقه أن يحدد المراد منه2. ومن أجل هذا، فالأسلم نؤمن بها كما آمن السلف، أحالوا إرادة الجارحة، وفوضوا العلم بالمراد منها إلى الله سبحانه، فهو كما وصف نفسه، ولا يقال كيف؛ فالكيف عنه مرفوع. ومن الخلف3 مَن يؤول هذه الألفاظ ويحملها على معانٍ تليق بذات الله، واختار ابن برهان مذهب التأويل وقال: لا يجوز أن يكون في القرآن لفظ لا يفهم الراسخون في العلم معناه.   1 ذكر المؤلف هنا ثلاث قواعد؛ الأولى: بلاغية؛ وهي أن الأصل في الكلام الحقيقة، ولا يصار إلى المجاز إلا لقرينة، فالمجاز خلاف الأصل. والثانية: أصولية؛ وهى مسألة الاحتمالات العشر التي ذكرها الإمام الرازي وغيره، وهي التي تجعل دلالة اللفظ ظنية. والثالثة: أن العقيدة الحقة لا تتصور إلا بانعقاد القلب عليها انعقادًا جازمًا مطابقًا للواقع حسبما يفهم عنوانها اللغوي ذاته، فضلًا عن معناها العرفي المتفق عليه. إذن فلا بد في العقائد من القطع، ولا تكفي غلبة الظن؛ ولذلك فإن من المقرر لدى الأصوليين أن خبر الواحد لا يكفي في إثبات العقائد. 2 هذا كلام الإمام الرازي حسبما نقله عنه الحافظ السيوطي في الإتقان، وهو كلام مردود عليه عند المحققين؛ وذلك حيث قالوا: إن الذي يحتاج إلى القطع والتعين إثبات أصل الصفة، فأما حيث كان الصنيع بيان المراد منها، وكان أصل الثبوت إنما هو بلفظ الشارع؛ فإن الأمر قيد لا يتوقف على القطع؛ بل تكفي فيه غلبة الظن. 3 مذهب الخلف هو تأويل الآيات بما يناسب استعمالات اللغة مما يليق بكمال الله تعالى وتقدس، فيفسرون "استوى" استولى مثلًا، ودليلهم: أنه لما استحال أن يكون المعنى الظاهرى مرادًا، كان دليلًا على أن المراد هو معنى مجازي، فتفسر وفق ما يفسر به كلام العرب؛ لأن القرآن عربي، كما صرح القرآن بذلك في مواضع كثيرة، فيجب الاعتماد على منهج فهم كلام العرب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 55 وتوسط ابن دقيق العيد فقال: إذا كان التأويل قريبًا من لسان العرب العرب قلنا به؛ نحو: {عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ} أُوِّلَ بحقه، وإذا كان التأويل بعيدًا توقفنا عنه، ونزهنا الله عما يفيده ظاهر اللفظ، وفوضنا العلم له بالمراد.. وهذا القول غير سائغ؛ لأن التأويل البعيد مرفوض في أي شيء. والحق أن طريقة السلف أسلم وأحكم في الأصول1، وطريقة الخلف أكثر إقناعًا للذين يثيرون الشبهات، وإليك بعض الأقوال في بعض هذه الآيات المتشابهات: 1- {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} : أ- معنى "استوى": استقر، وهذا موهم للتجسيم. ب- معناه: استولى.. ويرد بأن الاستيلاء لا يكون إلا بعد مغالبة ومضادة. وتعالى الله أن يغالبه شيء.. وأيضًا إنه مستولٍ على الأكوان كلها. فما معنى تخصيص العرش؟ جـ- معنى "استوى": صَعِدَ.. ويرد بأنه منزه عن الصعود. د- "علا" في الآية -فعل. و"العرش": مبتدأ، والمعنى: الرحمن استعلى والعرش له استوى.. ويرد بأنها حرف والعرش مجرور بها. هـ- الكلام تم عند العرش، والابتداء من {اسْتَوَى لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ} .. ويرد بأن هذا بتر للمعنى، وإذا قلنا: الرحمن على العرش؛ بقي الاعتراض قائم. و أن معنى "استوى": أقبل، والتقدير: الرحمن أقبل على خلق العرش؛ كقوله: {ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ} .. ويبعده أنه لو كان كذلك لتعدى بإلى؛ كما في: {ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ} . ز- "استوى" بمعنى: اعتدل؛ أي: قام بالعدل؛ كقوله: {قَائِمًا بِالْقِسْطِ} هذا بعض ما قيل في هذه الآية2. ولو تنبه المؤولون إلى أن أفعال الله مجردة من الزمان، ولا تدل إلا على الحدث؛ لنفعهم ذلك.   1 وبالنظر في حقيقة الأمر نجد بين المذهبين اتفاقًا جوهريًّا؛ وهو الاعتماد فيها على الآيات المحكمات، التي سماها الله تعالى "أم الكتاب"؛ أي: الأصل والمرجع، وهي قاطعة في تنزيه الله عن مشابهة خلقه. 2 صرف هذه النصوص عن ظواهر ألفاظها اللغوية المستحيلة، واعتقاد أن هذه الظواهر الموهمة للتشبيه غير مرادة قطعًا، فالفريقان -بالإجمال- قصدوا اعتقاد التنزيه عن هذه الظواهر؛ لكن دون تعيين التأويل المراد، أما الخلف فقد خطوا خطوة ثانية، وهي تفسير تلك النصوص حسبما يتبادر منها وفق استعمالات كلام العرب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 56 2- ومن ذلك لفظ "النفس" في قوله عيسى: {وَلا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ} .. وأولوها بأنها جاءت على باب المشاكلة في تسمية الشيء باسم ما حاوره أو صحبه أو قابله، والآية: {تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ} . والمراد به الغيب؛ لأنه مستتر كالنفس؛ كأن المسيح قال: ولا أعلم ما في غيبك؛ أي: ما غاب عني واستأثرت بعلمه. ويرشحه {إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ} . وقد يراد بالنفس العقوبة أو الذات، والمقام هو الذي يقرب المعنى القريب في التأويل؛ كما في قوله تعالى: {وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ} . وقال السهيلي: النفس عبارة عن حقيقة الوجود دون معنى زائد؛ ومن ثم صلحت للتعبير بها عن الله سبحانه. 3- ومن ذلك لفظ "الوجه" في قوله: {وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ} .. أُوِّلَ بالذات. وقد يؤول الوجه بالجهة؛ كما في قوله: {فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ} أي: الجهة التي أمر بالتوجه لها. وقد يؤول بما يتجه إليه إخلاص النية؛ كما في قوله: {يُرِيدُونَ وَجْهَهُ} . 4- العين كما في قوله: {وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي} . فالعين حقيقة في البصر، مجاز في الإدراك. وقيل: هى حقيقة في الإدراك، مجاز في تسمية العضو بها. وأيًّا ما كانت العين في البصر أو الإدراك حقيقة أو مجاز، فما المراد بنسبتها إلى الله؟ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 57 قال ابن اللبان: نسبة العين إليه تعالى اسم لآياته المبصرة التي بها سبحانه ينظر للمؤمنين وبها ينظرون إليه، قال تعالى: {فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ آيَاتُنَا مُبْصِرَةً} نسب البصر للآيات على سبيل المجاز تحقيقًا؛ لأنها المرادة بالعين المنسوبة إليه. وقال سبحانه: {وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا} أي: فإنك بآياتنا تنظر إلينا، وبها ننظر إليك ونرعاك. 5- "اليد" في قوله: {يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ} أُوِّلَتْ بالقدرة. ومنهم من جعلها صفة ذات أخص من القدرة بدليل: {بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ} . والظاهر أنها استعارة لنور القدرة، وهذا معنى أنها أخص من القدرة. فللقدرة نوران: نور الفضل، ونور العدل. واليمين رمز لنور الفضل. 6- "الساق" في قوله: {يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ} أُوِّلَ بالشدة، تقول العرب: قامت الحرب على ساق. 7- "القرب" في قوله: {وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ} أُوِّلَ بالعلم، وفيه استعارة أو مجاز من إطلاق المسبب وإرادة السبب. وقد جعل الله في كتابه آيات واضحة الدلالة، وآيات الوصول إلى معرفتها يحتاج إلى تأمل؛ وذلك لفوائد: منها: إظهار فضل العلماء الباحثين عن الحقائق. ومنها: اتساع القرآن لأصحاب المذاهب العديدة؛ ليضع كل واحد منهم يده على الحقيقة بعدما يقدم له شيئًا مما يوافق مذهبه الفكري، ولم يكن ذلك على سبيل الخداع والاستدراج، فالحق في القرآن لا يتعدد؛ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 58 وإنما يتحد الفكر البشري في أصول مسلمة من الجميع، ثم يتفرع إلى فروع يقع فيها الخلاف. ومنها: حصول الثواب على قدر المشقة. ومنها: التسليم بتفاوت الناس في الإدراك، فما يكون بدهيًّا عند قوم يكون نظريًّا عند آخرين، وكل عالم يعرف أن لعلمه نهاية، وفوق كل ذي علم عليم، والعلم الحقيقي عند الله الذي نزَّل الكتاب وهو يتولى الصالحين. وبهذا ينتهي هذا الموضوع. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 59 الموضوع الرابع: المناسبات والفواصل اعلم أن أول ما يجب على المفسر بيانه إظهار الرابط بين الآيات والسور، ومبدأ السورة وختامها. فأكثر لطائف القرآن كامنة تحت الروابط والترتيب. وإذا كان القرآن قد نزل في أكثر من عشرين سنة، والآيات في المصحف ليست على ترتيب النزول، وقد تكون الأسباب في بعض الآيات المتجاورة مختلفة، فليس معنى هذا ألا يطلب لها رابط؛ لأن الآيات بترتيبها في المصحف توقيفية، فهي على الوقائع نزولًا، وعلى الحكمة الإلهية ترتيبًا. واستنباط الرابط أساسه قوة ملاحظة المستنبط؛ ولذا يختلف الرابط باختلاف الناس جودة وركاكة.. والذي ينبغي في كل آية أن يبحث أول كل شيء عن كونها مكملة لما قبلها، أو مستقلة. ثم المستقلة ما وجه مناسبتها لما قبلها؟.. وهكذا في السور يطلب وجه اتصالها بما قبلها وما سيقت له.. والمناسبة في اللغة: المشاكلة والمقاربة. ومرجعها في الآيات ونحوها إلى معنى رابط بينها: عام أو خاص، عقلي أو حسي أو خيالي، أو غير ذلك من أنواع العلاقات؛ كالتلازم الذهني بين السبب والمسبب، والعلة والمعلول، والنظيرين والضدين ونحوه.. وفائدة معرفة المناسبة جعل أجزاء الكلام بعضها آخذ بأعناق بعض، فيقوى بذلك الارتباط، ويصير التأليف حاله حال البناء المحكم المتلائم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 60 فإذا كان الارتباط ظاهرًا -كأن تكون الثانية مؤكدة للأولى أو مكملة لها- فالأمر هين. وإن لم يظهر وجه الربط بأن تكون كل آية أو جملة في موضوع مختلف. فإن وجد حرف عطف بحثنا عن الجهة الجامعة؛ إذ لا بد منها عند العطف؛ كقوله: {وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ} فالجهة الجامعة التضاد. وقد جرت عادة القرآن إذا ذكر أحكامًا ذكر بعدها وعدًا ووعيدًا؛ ليكون باعثًا على العمل، ثم يذكر آيات توحيد وتنزيه؛ ليعلم عظم الآمر والناهي. وإن لم يوجد حرف العطف، فلا بد من دعامة يعتمد عليها في الربط، وهي قرينة معنوية يدركها المستنبط ببصيرته النفاذة؛ كإلحاق النظير بالنظير في قوله تعالى من سورة الأنفال: {قُلِ الْأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} . ثم بَيَّنَ أوصافهم، وختم ذلك بقوله: {أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا} .. وذكر جزاءهم فقال: {لَهُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ، كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ} . والتنظير هنا في أن الغنائم لما انتزعت من أيدي المجاهدين في أول الأمر وجعلت لله والرسول؛ تألم بعضهم لحرمانه منها. فألحق الله ذلك بكراهيتهم للخروج إلى الجهاد في أول الأمر، وتبينهم بعد ذلك أن في الخروج الغنيمة والنصر وعز الإسلام وهلاك الأعداء؛ كأنه يقول: {وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ} .. ومن أمثلة الروابط: التضاد وشبهه؛ كالحديث عن الكافرين بعد المؤمنين وعكس ذلك هو كثير في القرآن.. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 61 ومن الروابط: الاستطراد المناسب، ومثاله: قصة آدم في سورة الأعراف، وفيها بدو السوءة. واستطرادًا في هذا الباب قال: {يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ} .. ثم قال راجعًا إلى تكملة القصة: {يَا بَنِي آدَمَ لا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ} . ومن أوجه الربط: حسن التخلص؛ كأن يصل إلى غرضه أثناء الحديث عن شيء آخر؛ كالحديث عن موسى في سورة الأعراف في أكثر من أربعين آية، ثم يصل إلى الحديث عن محمد، وبعد ذلك يعود لإتمام الحديث عن موسى، قال تعالى: {وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآياتِنَا يُؤْمِنُونَ، الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ} . وبعد ذلك يعود فيقول: {وَمِنْ قَوْمِ مُوسَى أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ} .. ومن أوجه الربط: الانتقال من حديث إلى حديث تنشيطًا للسامع، والربط بين الحديثين باسم الإشارة، ومثاله: أنه لما تحدث عن بعض الأنبياء في سورة ص، ختم هذا الحديث بقوله: {وَاذْكُرْ إِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَذَا الْكِفْلِ وَكُلٌّ مِنَ الْأَخْيَارِ، هَذَا ذِكْرٌ وَإِنَّ لِلْمُتَّقِينَ لَحُسْنَ مَآبٍ} .. فقوله: {هَذَا ذِكْرٌ} يشير به إلى ذكر الأنبياء، ثم يشرع في ذكر الجنة، وبعد ذلك يشرع في ذكر النار، فيقول: {هَذَا وَإِنَّ لِلطَّاغِينَ لَشَرَّ مَآبٍ، جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا} .. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 62 والقاعدة: أنك إذا أردت أن تعرف المناسبة بين آيات السورة الواحدة؛ فتعرَّف على الغرض الذى من أجله سيقت السورة، والمقدمات الموصلة إليه قربًا وبعدًا، واللوازم في جزئيات تلك المقدمات التي تنتقل بالسامع من حالة إلى حالة.. ومما تجدر الإشارة له التعرف على الانسجام الكامل بين أول السورة ونهايتها، وعلى سبيل المثال: سورة القصص التى ابتدأت بالحديث عن موسى والوعد بردِّه إلى أمه، ودعائه ألا يكون ظهيرًا للمجرمين. وختمت بحديث إلى محمد، ووعده بالرجوع إلى مكة أم القرى: {إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ} وقد عاد إليها منتصرًا، وقيل له: {فَلا تَكُونَنَّ ظَهِيرًا لِلْكَافِرِينَ} . وسورة المؤمنون افتتحت بفلاحهم، وقبل آخرها بآية قال: {إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ} . وفي سورة ص قال في مبدئها: {وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ} وفي آخرها قال: {إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ} . وفي سورة القلم نَفى في أولها ما رُمي به صلى الله عليه وسلم من الجنون فقال: {مَا أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ} ، وفي آخرها حكى قول المشركين فقال: {وَيَقُولُونَ إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ} .. فسبحان من نفى عن رسوله التهمة قبل حكايتها.. ومما يجدر التنبه له التعرف على المناسبة بين بدء السورة وختام ما قبلها؛ كقوله في آخر سورة الطور: {وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَإِدْبَارَ النُّجُومِ} ، ثم قال في السورة التي تليها: {وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى} . وفي آخر سورة الواقعة: {فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ} ، وفي أول سورة الحديد التي تليها: {سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ} .. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 63 ومن اللطائف مقابلة المعاني في سورة لمعان في سورة قبلها؛ كسورة الماعون والكوثر، ففي الأولى ذم البخل والرياء، وفي الثانية أظهر كرمه على نبيه، وأمره بالكرم، ودعاه إلى الإخلاص، وفي الأولى توعد تارك الصلاة، وفي الثانية أمر بها.. ومن الضوابط الكلية للتعرف على وجه الربط بين السورة والسورة: أ- اتحاد الحروف أو تشاكلها واقترابها؛ كالحواميم والطواسين. ب- التفصيل بعد الإجمال؛ كالبقرة والفاتحة، فآخرها {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} . وهذا الصراط هو أول البقرة: {ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ} .. جـ- توافق الفواصل؛ كما في قوله: {فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ} {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} .. د- التقاء السورتين في غرض واحد؛ كسورتي: والضحى وألم نشرح.. ومن الملاحظ أن السور المبتدئة بالأحرف المقطعة يعقب ذلك ذكر الكتاب إلا في: العنكبوت، والروم، ون.. وسر ذلك -والله أعلم- أنه اكتفي بذكر القرآن في آيات تلك السور الثلاث.. وقال الزركشي في البرهان: كل سورة ابتدأت بالأحرف المقطعة تكررت فيها تلك الأحرف أكثر من غيرها، إما صراحة كما في ق، أو ضمنًا كتكرار الخصومات والقصص في سورتي: ص والأعراف؛ لما في أولهما من حرف الصاد. ولا تخرج فواتح السور عن أمور عشرة: 1- الثناء على الله في الفاتحة والإسراء.. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 64 2- الأحرف المقطعة؛ كما في البقرة وآل عمران.. 3- النداء؛ كما في النساء والمائدة.. 4- الشرط؛ كما في الزلزلة والنصر.. 5- الأمر؛ كما في الإخلاص والمعوذتين.. 6- السؤال؛ كما في الأنفال والمعارج.. 7- الدعاء؛ كما في المطففين والهمزة.. 8- القسم؛ كما في الضحى والعصر.. 9- الخبر؛ كما في النحل والأنبياء.. 10- التعليل؛ نحو: {لِإِيلافِ قُرَيْشٍ} .. أما ختام السور فهي: دعاء، ووصايا، وفرائض، وتحميد، وتهليل، ومواعظ، ووعد، ووعيد، وتفصيل المطلوب، مما يجعل المتدبر قانعًا بآخر السورة، لا يتطلع إلى كلام يجيء بعد.. وأما المناسبة في تسمية القرآن وسور بأسماء وصفات، فاعلم أن لكل اسم أو صفة مدلولًا مرادًا. وقد ميز الله كتابه عن غيره في التسمية. فالعرب يسمون كتابهم ديوانًا، والقَدْر منه قصيدة وبيت وقافية. أما القرآن فهو الكتاب، والقَدْر منه سورة وآية وفاصلة.. ومن بين أسماء القرآن وصفاته أنه الكتاب للضم الواقع بين حروفه وكلماته، والشفاء لإزالته أمراض القلوب، والذكر للتذكير بالوعد والوعيد، والنور لما يستنار به، والفرقان لتفريقه بين الحق والباطل. وأما تسمية الطائفة من الآيات باسم السورة، فاعلم أنه توقيفي، وهل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 65 هي من السؤر المهموز ومعناه البقية، أو هي من سور البلد المحيط بها، أو هي من النسور وهو الصعود والارتفاع؟ وقد تُسمى السورة باسم مذكور فيها، وهذا هو الغالب. وقد تُسمى باسمين فأكثر؛ لوجود هذا فيها، إما باللفظ أو بالمعنى؛ كسورة الفاتحة. وقد تُسمى السورة باسم فرد من أفراد ذُكروا فيها كسورة هود؛ لأنه تكرر ذكره فيها أربع مرات، ولئن كان نوح تكرر ست مرات، إلا أنه له سورة سُميت باسمه لم يقع فيها ذكر سواه، فكانت به أنسب. ولم تسمَ سورة باسم آدم اكتفاء بسورة الإنسان.. ولم تسمَ سورة باسم موسى أو عيسى؛ لأنه اكتفي بتسمية سورة باسم أم عيسى.. ويقال: تُسمى سورة القصص بسورة موسى، وكذلك سورة طه، وفي صحة ثبوت ذلك نظر. وأما الفاصلة، فكلمة تقع في آخر الآية كالقافية في آخر الشطرة من بيت الشعر. وقال بعض العلماء: الفواصل حروف متشاكلة في المقاطع يقع بها إفهام المعاني. وفرَّق الداني بين الفواصل ورءوس الآي فقال: الفاصلة هى الكلام المنفصل عما بعده، والكلام المنفصل قد يكون رأس آية وقد لا يكون، وكذلك الفواصل تكون رءوس آية وغيرها، فكل رأس آية فاصلة، وليس كل فاصلة رأس آية. اهـ. قال الجعبري: من الفواصل ما هو توقيفي وقف عليه النبي -صلى الله عليه وسلم- ومنه ما هو قياسي، وهو الذي يلحق بالموقوف عليه لشبه بينهما. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 66 وقال غيره: تقع الفاصلة عند الاستراحة بالخطاب لتحسين الكلام بها، وهي الطريقة التي يباين القرآن بها سائر الكلام. وسُميت بذلك أخذًا من قوله: {كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ} . ومن المعلوم أن اللفظ في القرآن يتبع المعنى، وكلام البشر تتبع المعنى فيه الألفاظ. فكلامهم لا يخرج عن التكلف. ومن الأحكام التى استنبطت من تتبع رءوس الآي اتضح أنها: 1- تقديم المعمول على عامله ليختم بالعامل؛ نحو: {وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينَ} . وتقديم المفعول ليختم بالفاعل؛ نحو: {جَاءَ آلَ فِرْعَوْنَ النُّذُرُ} . وقد يختم بتأخير الصفة ويقدم عليها ما يمكن أن تكون صفة له؛ نحو: {لِنُرِيَكَ مِنْ آيَاتِنَا الْكُبْرَى} ، فيمكن أن تكون "الكبرى" صفة للآيات، وأن تكون "من" بيانية و"الكبرى" مفعول ثانٍ. والتقدير: لنريك الكبرى من آياتنا. 2- تقديم ما هو متأخر في الزمان: {فَلِلَّهِ الْآخِرَةُ وَالْأُولَى} .. مراعاة للفواصل. 3- تقديم الفاضل على الأفضل مراعاة أيضًا للفاصلة: {بِرَبِّ هَارُونَ وَمُوسَى} . 4- تقديم الضمير على ما يفسره؛ نحو: {فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسَى} . 5- تقديم الصفة المكونة من جملة فعلية على الصفة المفردة؛ نحو: {كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنْشُورًا} فجملة يلقاه صفة، وهي جملة فعلية قدمت على الصفة المفردة ليختم بالمفردة "منشورًا". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 67 6- حذف ياء المنقوص؛ نحو: {الْكَبِيرُ الْمُتَعَالِ} . 7- حذف ياء الفعل غير المجزوم؛ نحو: {وَاللَّيْلِ إِذَا يَسْرِ} . 8- حذف ياء الإضافة؛ نحو: {فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ} . 9- زيادة حرف المد؛ نحو: {وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا} . 10- صرف ما لا ينصرف؛ نحو: {قَوَارِيرَا، قَوَارِيرَ} . 11- إيثار تذكير اسم الجنس؛ كقوله: {أَعْجَازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ} . 12- إيثار تأنيثه؛ نحو: {أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ} . 13- الاقتصار على أحد الوجهين الجائزين؛ نحو: {فَأُولَئِكَ تَحَرَّوْا رَشَدًا} بفتح الشين والراء مع جواز ضم الراء وسكون الشين في قوله: {قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ} لكنه فتح هناك مراعاة للفواصل. وكل فاصلة ينظر إلى ما قبلها أو ما بعدها من الآيات؛ لتتضح مراعاة الفواصل. 14- إيراد الجملة على خلاف المطابقة لما رد بها عليه الاسم والفعل؛ فمثلًا قوله: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ} لم يقل: وما آمنوا مراعاة للفواصل. 15- إيراد أحد القسمين مخالفًا للقسم الآخر في الصيغة؛ نحو: {فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ} ولم يقل: الذين كذبوا.. 16- إيراد أحد جزأي الجملتين على غير الوجه الذي أورد نظيرها من الجملة الأخرى؛ نحو: {أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ} الجزء: 1 ¦ الصفحة: 68 لم يقل: اتقوا، والصدق والتقوى يجتمعان، بخلاف ما قبله من الصدق والكذب. 17- إيثار أغرب الألفاظ؛ نحو: "الحطمة" في موضع، "ولظى" في آخر، و"سقر" في ثالث؛ مراعاة للفواصل. 18- اختصاص كل من المشتركين بموضع؛ كـ"الألباب" ليوافق "الأنصار"، و"النهى" ليوافق "أخرى". 19- حذف المفعول؛ نحو: {وَمَا قَلَى} . 20- الاستغناء بالإفراد عن التثنية؛ نحو: {فَلا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَى} . 21- الاستغناء بالمفرد عن الجمع؛ نحو: {وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا} . 22- الاستغناء بالمثنى عن الإفراد: {وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ} .. إذا كان الإخبار لكل فرد على حدة من الإنس والجن.. فإن كان الإخبار لهما فالمثنى على بابه. والأقرب أن يجعل هذا من باب الاستغناء بالمثنى عن الجمع؛ لأنها جنات. 23- الاستغناء بالجمع عن المفرد: {لا بَيْعٌ فِيهِ وَلا خِلالٌ} . 24- إجراء غير العاقل مجرى العاقل؛ نحو: {كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ} . 25- الإتيان بصيغة المبالغة؛ نحو: رحيم، وعليم، وقدير ... 26- إيثار بعض أوصاف المبالغة على بعض؛ نحو: {إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ} أوثر على عجيب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 69 27- الفصل بين المعطوف والمعطوف عليه؛ نحو: {وَلَوْلا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَكَانَ لِزَامًا وَأَجَلٌ مُسَمًّى} ، فلو لم يفصل لقال: وأجل مسمى لكان لزامًا. 28- إيقاع الظاهر موقع الضمير؛ نحو: {إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِينَ} ولم يقل: أجرهم. 29- وقوع مفعول موقع فاعل؛ نحو: {حِجَابًا مَسْتُورًا} أي: ساترًا. 30- وقوع فاعل موقع مفعول؛ نحو: {عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ} . 31- إيقاع حرف مكان غيره؛ نحو: {بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا} أي: إليها. 32- حذف الفاعل ونيابة المفعول؛ نحو: {وَمَا لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى} . 33- إثبات هاء السكت؛ نحو: {مَالِيَهْ} . 34- الجمع بين المجرورات؛ نحو: {ثُمَّ لا تَجِدُوا لَكُمْ عَلَيْنَا بِهِ تَبِيعًا} ، والأحسن الفصل بين حروف الجر الثلاثة؛ لكنه جمع للفاصلة. 35- العدول من الماضي إلى المستقبل؛ نحو: {فَفَرِيقًا كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقًا تَقْتُلُونَ} . واعلم أن هذه الأمور وإن كانت في ظاهرها على خلاف المشهور مراعاة للفواصل، فإني لا أسلم أن مجرد مراعاة الفاصلة فقط هو الوحيد الذي اقتضى الخروج عن المشهور.. بل في كل موضع من هذه المواضع ما يبرره من التقديم والتأخير، وعلى سبيل المثال: تقديم "الآخرة" على "الأولى" الجزء: 1 ¦ الصفحة: 70 لأهمية الآخرة، وتقديم المعمول على العامل لاستحضار المستعان به في قوله تعالى: {وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينَ} ، وتقديم السحرة لهارون لأن فرعون كان لا يهتم إلا بموسى.. وتقديم يلقاه أهم من نشر الكتاب، ووجود الألف وصرف ما لا ينصرف فيهما مزيد من الإعلام، وعدم المطابقة مراعاة للفواصل في ذلك أيضًا ما تفيده الجملة من الثبوت والدوام، أو من الحدوث والتجدد، ولكل مقام مقال. وأما الختم بألوان من الألفاظ التي يظن ترادفها -كاللب والنُّهَى- فلكل لفظ ما يناسبه من السياق؛ إذ اللب الجامع بين العقل والقلب، فهو أعلى مراتب العقل؛ ولذا ورد استعماله في المواضع التي يدق فيها الفهم {وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ} . وبالتأمل في سائر المواضع تتضح المناسبة في التقديم والتأخير، وملاحظة رعاية الفواصل من المحسنات البلاغية في بعض المواضع وليس في كلها؛ ليتميز الكلام عن سجع الكهان المذموم. وهذا هو مسلك القرآن، لم يلتزم أن تختم الآيات كما تختم القوافي في الشعر أو القرائن في السجع؛ بل يكتفي في المراعاة بأدنى ملابسة؛ كالألباب والأنصار وخبيرًا وحكيمًا. قيل: لا تخرج رءوس الآي عن أربعة أشياء: 1- التمكين: وهو أن يقدم في الآية ما يدل على ختامها؛ بحيث يمكن للسامع أن يأتي بالختام بعد سماعه فقرات من الآية.. ومن ذلك: {أَصَلاتُكَ تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا أَوْ أَنْ نَفْعَلَ فِي أَمْوَالِنَا مَا نَشَاءُ إِنَّكَ لَأَنْتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ} . ناسب الأمر بترك عبادة الآباء وما كانوا عليه الحلم. وناسب التصرف الجزء: 1 ¦ الصفحة: 71 في الأموال الرشد، ومنه قوله: {لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} . فاللطيف يناسب من لا يدرك بالبصر، والخبير يناسب من يدرك الأبصار. ومن ذلك: {أَوَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ} من سورة السجدة، وختامها بكلمة {يَسْمَعُونَ} لأن الموعظة مسموعة. فلما قال في نفس السورة: {أَوَلَمْ يَرَوْا} ختمها بـ {يُبْصِرُونَ} لأنه من المرئيات. وقد تختم الآيات بفواصل متعددة؛ كقوله في سورة النحل: {لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} {لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ} {لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ} . وذلك أن مبدأ البحث التفكر، ويليه التعقل والفهم. ثم الانتفاع المشار إليه بالتذكر. وكما قلنا: لكل ختام ما يناسبه. ففي سورة الأنعام: {قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ} الآيات، ختمت الأولى بـ {ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} والثانية: {لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} والثالثة: {لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} .. لأن ترك الوصايا في الآية الأولى دال على عدم التعقل. وفي الآية الثانية حقوق قولية ومالية، وكل إنسان يحرص عليهما لنفسه، وترك ذلك بالنسبة للغير غفلة يناسبه الدعوة إلى التذكر، وفي الآية الثالثة دعوة إلى شرع الله والبعد عن سبل الشيطان، والمخالفة تعرض إلى سخط الله؛ فناسبه الدعوة إلى التقوى. ومن ذلك ما جاء في سورة الأنعام: {وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِهَا فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ قَدْ فَصَّلْنَا الْآياتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ، وَهُوَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 72 الَّذِي أَنْشَأَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ قَدْ فَصَّلْنَا الْآياتِ لِقَوْمٍ يَفْقَهُونَ} . فالاطلاع على سير الكواكب يعرفه العلماء، وفَهْم الجنين وأطواره أدق من سابقه ولذا يخص الفقهاء؛ إذ الفقه أخص من العلم، فالعلم هو الفَهْم، والفقه فَهْم المراد. وانظر إلى تهمتين وجهتا إلى القرآن: أنه شعر، وأنه سجع.. ومخالفته للشعر ظاهرة.. ومخالفته للسجع تحتاج إلى تأمل. فمن أثبت الأولى كفر. ومن أثبت السجع كان غافلًا، قال تعالى: {وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ قَلِيلًا مَا تُؤْمِنُونَ، وَلا بِقَوْلِ كَاهِنٍ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ} . ومن بديع القرآن أن ينوع في القضية الواحدة؛ نظرًا لمراعاة وصف كل من الطرفين، قال تعالى في سورة إبراهيم: {وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ} . وفي سورة النحل قال: {وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ} . قابل ظلم الإنسان بالمغفرة منه سبحانه. وقابل الكفران بالرحمة. ونظيره قوله في كل من سورتي فصلت والجاثية: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا} ؛ لكن المقام في فصلت بيان العدل؛ ولذا ختمها بقوله: {وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ} . والمقام في سورة الجاثية إنكار للبعث؛ ولذا ختم هناك بقوله: {ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ} . ونظيره أيضًا قوله: {وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا} ، والكلام الجزء: 1 ¦ الصفحة: 73 مع اليهود الذين افتروا على الله الكذب، والكلام مع المشركين يقول: {وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالًا بَعِيدًا} ؛ لأنهم لا كتاب لهم وضلالهم أشد. وقد تختم الآية ختامًا يخالف ظاهرها؛ نحو قول المسيح: {إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} . والظاهر: الغفور الرحيم؛ لكنه عدل عنه ليبين أن الغافر لمن يستحق العقوبة غالب، لا يُسأل عما يفعل. وذلك هو معنى العزيز.. وأن الذي يغفر لمن يستحق العذاب قد يخفى فعله على بعض الناس فينكره، فبين تنزيهه عن العبث، وأن أي فعل يفعله لا يخرج عن الحكمة، فالحكمة فيما فعل. ومن ذلك قوله في آل عمران: {قُلْ إِنْ تُخْفُوا مَا فِي صُدُورِكُمْ أَوْ تُبْدُوهُ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَيَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} . ظاهره أن يقول: والله بكل شيء عليم؛ لكن المقام مقام وعيد ومجازاة؛ فناسبه القدرة. ومما تخفى مراعاة الفاصلة فيه قوله: {وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا} . ووجه المناسبة: أنه لما ذكر تسبيح الأشياء بحمده، ومن الناس من يغفل عن ذلك ولا يعاجله الله بالعقوبة قال: {حَلِيمًا} ، وأنه مهما سبح الكائن بحمد الله، فهو مقصر لا يوفي الله حقه؛ ولذا قال: {غَفُورًا} . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 74 2- التصدير: ومعناه ختم الآية بلفظ ذكر فيها؛ نحو: {وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ} . 3- التوشيح: وهو أن يكون في الآية إشارة بلازمه إلى ختامها؛ نحو: {إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ} ، فإن الاصطفاء يدل بلازمه على وجود مصطفى عليه، وهو قوله: {عَلَى الْعَالَمِينَ} . 4- الإيغال: وهو أن يكون في الآية مقدمة، والختام هو النتيجة؛ نحو قوله: {اتَّبِعُوا مَنْ لا يَسْأَلُكُمْ أَجْرًا وَهُمْ مُهْتَدُونَ} . فعدم سؤال الأجر من الناس مقدمة ودليل على الاهتداء. ورءوس الآي في القرآن لوحظ فيها مراعاة الترتيل والترنم. ويعتبر ذلك عند الوقف عليها. ولا تخرج أحرف ختام الآية عن مماثلتها لغيرها أو الاقتراب من ذلك. ويدخل في العلم بالمناسبة والفواصل الآيات المتشابهة التي وردت في القرآن على موضوع واحد بأساليب متعددة. من ذلك قوله في سورة البقرة: {هُدًى لِلْمُتَّقِينَ} وفي لقمان: {هُدًى وَرَحْمَةً لِلْمُحْسِنِينَ} . وكل ذلك إخبار عن الكتاب، إلا أنه في البقرة ذكر الإيمان وما يشمله من صلاة وزكاة والإيمان بالكتب وبالآخرة، والمناسب لذلك ذكر "المتقين". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 75 وفي سورة لقمان ذكر الرحمة والمناسب لها الإحسان. ومن ذلك قوله في سورة البقرة: {وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلا مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا} . وفي سورة الأعراف: {وَيَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ فَكُلا مِنْ حَيْثُ شِئْتُمَا} . فالفوارق في الموضعين: "قلنا" و"الواو" و"رغدا". هذا في البقرة.. لأنها مسبوقة بقول الله: {إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً} وقوله للملائكة: {اسْجُدُوا لِآدَمَ} . والسكنى في البقرة مراد بها الإقامة، فناسبها الواو الدالة على الامتنان؛ ولذا قال: {رَغَدًا} . أما في الأعراف، فلم يتقدم قول سابق. والسكنى فيها اتخاذ المسكن، والمناسب لها الفاء؛ لأن الأكل مرتب على اتخاذ المسكن. ومن ذلك قوله: {وَاتَّقُوا يَوْمًا لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا وَلا يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ وَلا يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ} وذلك في النفس الشافعة. أما في النفس المشفوع لها فقال: {وَلا يُقْبَلُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلا تَنْفَعُهَا شَفَاعَةٌ} . ومن ذلك قوله لبني إسرائيل في سورة البقرة: {يُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ} .. وفي سورة إبراهيم: {وَيُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ} .. لأن المتكلم في البقرة الله، فلم يعدد البلاء الذي نزل بهم. والمتكلم في إبراهيم هو موسى؛ ولذا عدَّد وعطف بالواو. ومن ذلك قوله في سورة البقرة لبني إسرائيل: {وَإِذْ قُلْنَا ادْخُلُوا هَذِهِ الْقَرْيَةَ} .. وقوله في الأعراف: {وَإِذْ قِيلَ لَهُمُ اسْكُنُوا هَذِهِ الْقَرْيَةَ} .. وبين القصتين اختلاف في الألفاظ اقتضاها المقام.. ففي البقرة امتنان.. وفي الأعراف توبيخ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 76 ومن ذلك قوله مرة عن اليهود: {لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّامًا مَعْدُودَةً} أرادوا: أربعين يومًا.. وفي موضع آخر قالوا: {مَعْدُودَاتٍ} أرادوا: سبعة أيام.. ومن ذلك قوله في القِبْلَة: {إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى} .. وفي الدِّين قال: {إِنَّ الْهُدَى هُدَى اللَّهِ} . وقوله في موضع: {بَلَدًا آمِنًا} قبل أن يصير بلدًا، وفي موضع آخر قال: {اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا} بعد أن صار بلدًا. وقوله: {قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا} .. وفي موضع آخر: {قُلْ آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا} ؛ لأن القرآن يصل إلى المسلم من جهات عدة فناسبه "إلى"، ولا يصل إلى النبي إلا من جهة واحدة فناسبه "على". ومن ذلك قوله في المحرمات: {تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَقْرَبُوهَا} .. وفي الأوامر: {فَلا تَعْتَدُوهَا} .. وقوله في موضع: {وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ مِنْ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ} ؛ لأن الفقر واقع، فناسب تقديم الآباء على الأبناء في الرزق، ولما كان الفقر منتظرًا قُدم الأولاد في الرزق على الآباء، وقال: {وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ} . ومن ذلك قوله عن المنافقين، وهم جماعات غير متآلفة بخلاف المؤمنين، وحتى الكافرين قال: {الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ} وقال: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} وقال: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} . والله المستعان، وبهذا ينتهي هذا الموضوع. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 77 الموضوع الخامس: النسخ 1 وموهم الاختلاف قال الله تعالى: {مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} . هذه آية من سورة مدنية.. وقال جل شأنه: {وَإِذَا بَدَّلْنَا آيَةً مَكَانَ آيَةٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُنَزِّلُ قَالُوا إِنَّمَا أَنْتَ مُفْتَرٍ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ، قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آمَنُوا وَهُدىً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ} . وهاتان آيتان من سورة مكية، فيهما النسخ بالمعنى. وفي الآية المدنية النسخ باللفظ. ولا بد للمفسر من معرفة الناسخ والمنسوخ، وإلا لهلك وأهلك غيره بإضلاله إياه. وقد وقع خلاف حول إمكان النسخ ووقوعه؛ فأنكره قوم صيانة للقرآن عن وقوع مثل ذلك النوع فيه، وأجازه قوم للتصريح به والإشارة إليه. وقبل الخوض في تفصيل ذلك نرسم في هذا الباب مسائل: 1- يطلق النسخ في اللغة على أحد معنيين متقابلين: الإزالة، ومنه: نسخت الشمس الظل، إذا أزالته. والمعنى الثاني: الإثبات، يقال: نسخت الكتاب، إذا جعلت منه نسخة أخرى أثبته فيها، ومنه قوله تعالى: {إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} أي: نكتبه ونسجله.   1 هذا العلم هام لدارس القرآن الكريم، وقد قال الأئمة: لا يجوز لأحد أن يفسر كتاب الله إلا بعد أن يعرف منه الناسخ والمنسوخ. انظر: الإتقان 2/ 20. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 78 وفي معنى الإزالة ورد قوله: {فَيَنْسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آيَاتِهِ} . وإذا كان النسخ يرد في اللغة بمعنى الإثبات، فهل يعنى ذلك إثبات المنقول بلفظه ومعناه، أو أنه يكفي في الإثبات تحويله من موضع إلى موضع؛ كنسخ المواريث إذا حولت من شخص إلى شخص، أو يكفي في الإثبات أن تنقل المعنى ولو بلفظ آخر ويسمى ذلك تبديلًا؟ وعلى أي حال، فإن في النسخ معنى الإزالة بالنسبة للمنسوخ، ومعنى الإثبات بالنسبة للناسخ. 2- الحكمة من وجود النسخ التيسير على الأمة؛ فإن أحكام الله أدوية تتداوى بها، وما ينفع المريض اليوم قد لا ينفعه غدًا. ومن هنا ينفصل النسخ عن البداء؛ وهو الظهور بعد الخفاء. ولما توهم اليهود أن النسخ براء أنكروه وقالوا: البداء محال على الله؛ لأنه لا يخفى عليه شيء.. ونحن نسلم لهم استحالة البدء عليه؛ ولكن إذا علم الطبيب أن الدواء يصلح أيامًا وسوف يغيره، فأي بداء في هذا؟ 3- اختلف العلماء: هل ينسخ القرآن بغير القرآن؛ كالسنة مثلًا؟ منع ذلك قوم وقالوا: لا ينسخ القرآن إلا القرآن؛ لأن الله قال: {نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا} ، والسنة ليست خيرًا من القرآن ولا مِثْلًا له. وقال المجيزون: السنة ما دامت من عند الله جاز النسخ بها للقرآن؛ لأنها وحي يُوحى، والمثلية والخيرية بالنسبة للمكلف ورعاية مصلحته. والذى أميل إليه جواز نسخ كل منهما بالآخر.. لكن لا بد من معضد للناسخ من نوع المنسوخ. فإذا نسخت السنة القرآن، فلا بد من معضد لها من القرآن. وإذا نسخ القرآن السنة، فلا بد من معضد له من السنة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 79 وبهذا قال الشافعي رضي الله عنه. ولا يقع النسخ في الأخبار، وإلا كان كذبًا. وإنما يقع في الأوامر والنواهي فقط. وكذلك لا نسخ في العقائد التي شهدت بصحة أصولها العقول؛ لأن العقل لا يناقض نفسه. كما لا نسخ لأصول العبادات والفضائل الأخلاقية والأحكام المؤبدة؛ كقوله صلى الله عليه وسلم: "الجهاد ماضٍ إلى يوم القيامة". 4- النسخ شرعًا: هو الخطاب الشرعي الدال على ارتفاع الحكم الثابت بالخطاب الشرعي المتقدم على وجه، لولاه لكان ثابتًا به مع تراخيه عنه1. فهنا قيود: القيد الأول: أن المنسوخ حكم، فيخرج ما ليس بحكم؛ كالوعد والوعيد؛ إذ المراد بالحكم الحكم التكليفي. القيد الثاني: أن يكون شرعيًّا، فلا نسخ للبراءة الأصلية؛ لأنها ليست بحكم شرعي. فإيجاب الصلاة على المسلم لا يقال: إنه نسخ براءة ذمته قبل وجوب الصلاة عليه. وكذلك لا نسخ للأحكام اللغوية أو العقلية؛ لأن النسخ يقع على الحكم الشرعي فقط. القيد الثالث: أن يكون الناسخ خطابًا شرعيًّا، فلا نسخ بالموت أو رفع التكليف بسبب الجنون؛ لأن كلًّا من الموت والجنون ليسا خطابين شرعيين. القيد الرابع: صلاحية الحكم المنسوخ للعمل به وقت التكليف به، فيخرج بذلك العبث. القيد الخامس: أن يتأخر الناسخ عن المنسوخ بمدة يمكن العمل فيها بالمنسوخ، وإلا فإن الحكم الذي لم يتمكن العمل به هو والعدم سواء.   1 أصح تعريفات النسخ ما ذكره الحافظ ابن حجر: رفع تعلق حكم شرعي بدليل شرعي متأخر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 80 5- من العلماء من فرَّق بين النسخ والإنساء، فقال: النسخ رفع الحكم الشرعي بالخطاب الشرعي قبل التمكن من العمل بالحكم الأول؛ كآية النجوى في قوله سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَاجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً ذَلِكَ خَيْرٌ لَكُمْ وَأَطْهَرُ فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ، أَأَشْفَقْتُمْ أَنْ تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَاتٍ فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُوا وَتَابَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ} . فقد شرع الله تقديم الصدقات قبل مناجاة الرسول، ثم خفف ذلك فمسح بمناجاته صلاة ركعات، وذلك قبل التمكن من العمل بالحكم الأول، ولأن ختام الآية الأولى ظاهره نسخ هذا الحكم، وهو قوله: {فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} . وأرى أن مثل هذا الذي لم يتمكن من العمل به، أرى أن رفعه لا يُسمى نسخًا؛ إذ النسخ للتيسير ولم تكن هناك صعوبة، ويعد هذا من باب تعداد النعم. على أن تقديم الصدقة عند مناجاة الرسول يمكن حمله على التغير من الوجوب إلى الاستحباب، أو تغير من الحكم الملزم لجميع الناس إلى حكم لا يطبق إلا على القادرين. وأما الإنساء، فهو شرع الحكم من أجل سبب أو إلى وقت، ثم يتغير هذا الحكم بتغير السبب والوقت؛ كقوله تعالى: {إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ} .. فالواحد مكلَّف بالثبات أمام عشرة، ثم نسخ هذا الحكم بسب الضعف، وتكليف الواحد بالثبات أمام اثنين، وذلك قوله: {الْآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ} ونحو قوله: {فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ} . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 81 فكل حكم علق على سبب أو أقت بوقت وتغير بتغير السبب أو بانتهاء الوقت المحدد له يسمى إنساء؛ لأن الله قال: {مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا} . فالنسخ عند هؤلاء في الحكم الذي لم يتمكن من فعله. والإنساء في الحكم المتغير بتغير السبب والوقت. والذي أميل إليه أن كلًّا من هاتين الآيتين يحتاجان إلى تأمل؛ فتكليف الواحد أن يثبت أمام عشرة سائغ إذا كان بعد انتشار الإسلام وإعلاء كلمة أهله، وأن تكليفه بالثبات أمام اثنين هو المناسب لابتداء دخول الناس في الإسلام. فالآية على هذا يكون حكمها وجوب الثبات أمام اثنين، ثم وجوب ثبات الواحد أمام العشرة، ولا يسمى مثل ذلك نسخًا؛ لأن المأمور بالثبات أمام عشرة مأمور بالثبات أمام اثنين. وقوله: {إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ} إشارة إلى ما سيكون في المستقبل. وأما قوله: {الْآنَ} فإشارة إلى الحكم المعمول به في الحاضر. وأما الآية الثانية، فهي من التخصيص لا من النسخ، فالعفو والصفح مأمور بهما، فإذا شرع الله القتال ضد قوم مقاتلين بقي العفو والصفح مأمور بهما مع غير هؤلاء المقاتلين. ويجدر بنا أن نفرق بين النسخ والتخصيص والاستثناء؛ لنعلم كم من الآيات أدخلت في النسخ وليست منه. 6- الفرق بين النسخ والتخصيص والاستثناء: أن النسخ: رفع لحكم كان معمولًا به، وإبطال العمل به. والتخصيص: قصر للعام على بعض أفراده بعد أن كان مستغرقًا لكل أفراده. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 82 فإذا لاحظنا شمول العام قبل التخصيص، ولاحظناه بعد التخصيص؛ تبين لنا أن العام لم يبطل حكمه كله بعد التخصيص؛ وإنما ارتفع الحكم عن المقدار الذي يتناوله التخصيص. فإذا قلنا: فاز كل مؤمن بالجنة، والمصلون برضوان الله، قصر الفوز برضوان الله على المصلين من المؤمنين. أما غير المصلين، فلم يفوزوا برضوان الله. فأنت ترى أن التخصيص والنسخ قد يلتقيان في بعض الصور، وقد ينفرد النسخ بصورة لا يصح أن يقال فيها بالتخصيص؛ وهي: إذا بَطَلَ الحكم بالكلية. وأما الاستثناء: فإنه رفع لحكم كان سيدخل لولا الاستثناء، فليس بينه وبين النسخ عَلاقة. 7- من القرآن ما نسخ حكمه وبقيت تلاوته؛ كقوله تعالى: {وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَو تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ} فإنه منسوخ بالنسبة للمحاسبة على ما في داخل النفس.. وذلك لقوله صلى الله عليه وسلم: "إن الله تجاوز لأمتي عما وسوست به صدروها ما لم تفعل أو تكلم". ويعضده قوله سبحانه: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} . ومنه ما نسخت تلاوته وبقي حكمه؛ ومثاله: "الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما نكالا من الله والله عزيز حكيم"، كان ذلك مما يُتلى ثم نسخ وبقي حكمه، وهو رجم الزانيين المحصنيين. وفي هذا الذي قالوه نظر؛ لأن عدم وجوده في التلاوة التى مات عنها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يجعلنا نصرف النظر عن كونه قرآنًا، ونعتبر حكم الرجم ثابتًا بالسنة، فإذا أضفناه لقول الله: {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 83 وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ} كان مخصصًا لهذا العام. فنجلد الزاني الأعزب بالقرآن، ونرجم المحصن بالسنة، ويكون هذا من باب نسخ الحكم مع بقاء التلاوة. ومن الناس من جعل من القرآن قسمًا ثالثًا؛ وهو نسخ الحكم والتلاوة معًا. ومثلوا له بما روي: "كان فيما نزل عشر رضعات مشبعات يحرمن، ثم نسخ بخمس رضعات مشبعات يحرمن". وهذا أيضًا مما نزل وكان يُتلى. ومثل هذه الأقوال تلحق بالسنن، ويفسر كلام الراوي بما يليق به. فالسنة وحي يمكن أن توصف بالنزول. والقول بأن هذا مما كان يتلوه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ومات عنه وهو يتلى، قول تأباه الفِطَر والعقول. 8- نسخ الوجوب بنص يبقي جوازه، وبالنهي يحرمه. فمثلًا: صوم يوم عاشوراء كان واجبًا على المسلمين، ثم فرض صيام شهر رمضان بدلًا عن صيام يوم عاشوراء، فصار صوم يوم عاشوراء جائزًا؛ إذ ليس في آيات الصوم نهي عن صوم يوم عاشوراء، فبقي جواز صوم يومه. أما الصلاة إلى بيت المقدس، فكان التوجه واجبًا إليه في صدر الإسلام، ثم نسخ بالنهي عن التوجه لبيت المقدس، وأمرنا بوجوب التوجه إلى الكعبة، فصار التوجه في الصلاة إلى بيت المقدس حرامًا؛ إذ جاء في السنة النهي عن التوجه لبيت المقدس. 9- الزيادة إن غيرت حكم المزيد عليه كانت نسخًا له، وإن لم تغيره لم تكن ناسخة. فمثلًا: القرآن أثبت للزاني والزانية جلد مائة، وجاءت السنة فأبقت الجزء: 1 ¦ الصفحة: 84 على الجلد وزادت تغريب عام.. فتلك الزيادة ليست نسخًا؛ لأنها أبقت الحكم على ما كان عليه. ومثال الزيادة التي تعتبر نسخًا لتغييرها الحكم: الزيادة التي جعلت الركوع في صلاة الكسوف ثلاث مرات. فمعنى هذا: أن الركوع مرة واحدة غير مقبول. 10- لا يقال بالنسخ إلا عند تحقق التعارض من كل وجه ومعرفة التاريخ. فإذا انفكت الجهة وأمكن الجمع لا يقال بالنسخ. إذا تمهدت هذه الأصول، فإليك بعض ما قالوه في بعض الآيات: 1- في سورة البقرة قال تعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ} . ظاهر هذا وجوب الوصية للوالدين والأقربين. قالوا: وقد نسخ فرض الوصية، إما بآيات المواريث، أو بحديث: "لا وصية لوارث"، أو بالإجماع. وأقول: أما الإجماع، فلا يصلح أن يكون ناسخًا إلا مستندًا إلى دليل. وأما الحديث، فيصلح لو عُلم أنه متأخر عن الآية، وكان معه عضد من القرآن. وأما آية المواريث، فإنها لم تورث كل الأقربين، فابن الابن مع الابن لا يرث جده؛ لأن عمه يحجبه، وهو من الأقارب. وعليه، فإن آية المواريث خاصة، وآية فرض الوصية عامة. فتبقى الوصية واجبة للأقربين غير الورثة. والنسخ يلتقي مع التخصيص في هذه الصورة. ونقول: نسخ فرض الوصية للوارث القريب بآية المواريث. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 85 2- {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ} . ظاهر هذا وجوب الفدية على مَن أطاق الصوم.. قالوا: وهو منسوخ بقوله: {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} . وأقول: لا نسخ؛ لأن الأولى فيمن يشق عليه الصوم، ولا يرجو أن يكون قادرًا عليه. والنص الثاني في القادر على الصوم. 3- {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ} . ظاهر هذ أنه يحرم علينا ما كان يحرم عليهم من مباشرة النساء ليلًا، فنسخ الله ذلك بقوله: {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ} . وأقول: إذا ثبتت بعض الروايات أن المسلمين كانوا يمنعون عن نسائهم في ليالي رمضان إلى أن نزلت الآية، إذا ثبت هذا فالآية ناسخة لما ثبت بالسنة. وإذا لم يثبت فلا نسخ؛ لأن تشبيه فرض الصوم علينا بتشبيه فرض الصوم على مَن قبلنا، لا يقتضي منعنا عن نسائنا كما كانوا يمتنعون. 4- قال تعالى: {يَسْأَلونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ} . ظاهر هذا جعل القتال في الشهر الحرام من الكبائر. قالوا: وقد نسخ ذلك بقوله تعالى: {وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً} . وأقول: هذا من قلة التدبر؛ لأن قوله: {قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ} لا يعني أنه اعترف بتحريم القتال فيه؛ وإنما هو في معرض الجدل لهم، ألا ترى إلى قوله بعد ذلك: {وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللَّهِ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ وَلا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا} . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 86 أما ما اعتبروه ناسخًا فإنه أمر بقتال جميع المشركين من غير تعرض لذكر مكان أو زمان. فيمكن العمل به في غير الأشهر الحرم إذا احترمها الطرفان، ولا يكون ثمة تعارض بين النصين. 5- {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا وَصِيَّةً لِأَزْوَاجِهِمْ مَتَاعًا إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ} . ظاهر هذا كما قالوا: وجوب الوصية للمتوفَّى عنها زوجها، ووجوب مكثها في بيت الزوجية حولًا كاملًا، ولها السكنى والإنفاق عليها لمدة سنة. وهذا كله منسوخ بقوله: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا} . وأقول: لا تعارض بين الآيتين؛ لأن الأولى في الندب والاستحباب. والثانية في جواب العدة وتقديرها بأربعة أشهر وعشر. 6- {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ} . ظاهر هذا أنه يجب على العبد أن يعطي الله حقه في الخوف منه. قالوا: وهو منسوخ بقوله: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} . وأقول: ليس بين الآيتين تعارض؛ فالآية الثانية بيان لما أجمل في الآية الأولى، أو أن الآية الأولى في العقائد والثانية في التكاليف البدنية والمالية. 7- {وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ} . ظاهر هذا وجوب الحق في الميراث لمولى الموالاة. قالوا: وهو منسوخ بقوله: {وَأُولُوا الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ} . وأقول: الجهة منفكة: للموالين حقوق كما اتفق، والمسلمون عند الجزء: 1 ¦ الصفحة: 87 شروطهم. وللأقربين حقوق، ويجب إعطاء كل ذي حق حقه، وكل شرط أحل حرامًا أو حرم حلالًا فهو باطل، وتوارث المهاجرين والأنصار كان بالسنة ثم أُلغي بآية المواريث، ولأخوة الإسلام حقوق، وللورثة حقوق. 8- {وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُو الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ} . قالوا: نسخت بآية المواريث. وأقول: الأمر على الندب، فيندب إرضاء غير الورثة من المذكورين، وللورثة حقوقهم. 9- {وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ فَإِنْ شَهِدُوا فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا} . قالوا: منسوخة بقوله: {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ} . وأقول: هذا نسخ، وقد جعل الله لهن سبيلًا؛ البكر بالبكر جلد مائة وتغريب عام، والثيب رجم بالحجارة. 10- {لا تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللَّهِ وَلا الشَّهْرَ الْحَرَامَ} . قالوا: منسوخة بإباحة القتال في الأشهر الحرم. قلت: ليس في الآية الأولى تحريم القتال في الشهر الحرام، والمنع منه، حتى لو اعتدي علينا؛ وإنما فيها دعوة إلى السلام إن التزم العدو بذلك، وإلا فإنه قد قال: {الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 88 فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ} . 11- {فَإِنْ جَاءُوكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ} . قالوا: منسوخة بقوله: {وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ} . وأقول: لا تعارض بين الآيتين، فإنه -صلى الله عليه وسلم- مُخَيَّرٌ أن يحكم بين أهل الكتاب وأن يعرض عنهم، فإذا اختار الحكم فليلتزم بتطبيق ما نزل إليه والحكم به بينهم. 12- {أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ} . قالوا: منسوخة بقوله: {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} . وأقول: لا تعارض؛ لأنه قال: {ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ} ، فشهادة غير المسلمين عند عدم تيسر شهادة المسلمين. 13- {انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا} . قالوا: منسوخة بقوله: {لَيْسَ عَلَى الضُّعَفَاء} وبقوله: {لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ} . وأقول: هذا من التخصيص، وهو أيضًا من باب أنه: لا وجوب مع عجز عنه. 14- {الزَّانِي لا يَنْكِحُ إِلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً} . ظاهره أن العفيف لا يتزوج الزانية، وقد نسخ بقوله: {وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ} . وأقول: هذا من النسخ إن فسر الأيامى بالزانيات؛ لمقابلته بالصالحين. 15- {لا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ} . قالوا: منسوخة بقوله: {إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ} . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 89 قلت: أين الدليل على أن {لا يَحِلُّ} نزلت أولًا؟ 16- {فَآتُوا الَّذِينَ ذَهَبَتْ أَزْوَاجُهُمْ مِثْلَ مَا أَنْفَقُوا} . قالوا: منسوخة بآية السيف أو آية الغنيمة. قلت: لا نسخ فيها، والحكم باقٍ. وأما قوله: {قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا} فخاص به صلى الله عليه وسلم، لا يقال عنه: إنه نسخ بإقامة الصلاة. واعلم أن كثيرًا من الآيات ذكر في كتب القدماء القول بنسخها؛ لأنهم كانوا يطلقون النسخ على تبيين المجمل، وتخصيص العام، وتقييد المطلق، وموهم الاختلاف؛ كقوله في الدعاء: {فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ} وفي الصلاة: {فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} . فإن قلت: فما الحكمة في نسخ الحكم مع بقاء التلاوة؟ قلت: للتذكير بالنعمة إن كان الناسخ أيسر، وإن كان أشد فللاختبار ونسخ الحكم مع بقاء التلاوة لا يجردها من الفائدة، فهي كلام الله {لا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ} . ولا يقال بالنسخ إلا استنادًا إلى نقل صحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأن النسخ رفع حكم وإثبات آخر، فلا يقال بالاجتهاد. ويستوي أن يكون النسخ في الأمر، وأن يكون في الجملة الخبرية الطلبية في المعنى. وأما موهم الاختلاف والتعارض، فإنه يرجع إلى نصين متقابلين في الدلالة ظاهرًا، ولا يوجد في القرآن تعارض باقٍ؛ لأن ما ثبت تعارضه ولم يمكن الجمع فيه يقال بالنسخ.. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 90 وموهم الاختلاف في الظاهر يمكن الجمع فيه بعد التأمل؛ كأن تختلف الجهة أو الزمان، أو المكان، أو المحكوم عليه، أو المحكوم به، أو الحكم، أو الحالة، أو الكم ... ومثاله: أ- قوله تعالى: {ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ} وقوله: {وَلا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثًا} . وجوابه: أنهم ينكرون الشرك بألسنتهم وتنطق به جوارحهم.. ب- قوله: {وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا} وقوله: {وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} . وجوابه: أن الأولى للتسمية والثانية للوصف، وذلك بعد وجود المغفور له، أو يقال: الفعل مع الله لا يتقيد بزمان، أو يقال: "كان" للدوام. جـ- أيهما أسبق في الخلق: الأرض أم السماء؟ والجواب: أن الأرض خُلقت في يومين، والسماء في يومين، ودحو الأرض بعد ذلك في يومين. قال تعالى: {وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا} أي: بعد خلق الأرض والسماء، وذلك قوله في سورة فصلت: {خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْن} ثم قال: {ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ} . ومن هنا تعلم أن قوله بعد خلق الأرض في يومين من سورة فصلت: {وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِنْ فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ} أي: بانضمام يومي خلق الأرض. د- قوله: {فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلا يَتَسَاءَلُونَ} . وقوله: {وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ} لأن عدم التساؤل بعد النفخة الأولى، والتساؤل بعد النفخة الثانية. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 91 هـ- قوله: {يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجَادِلُ عَنْ نَفْسِهَا} وقوله: {وَلا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ} .. وذلك لاختلاف المواقف في يوم الحساب. و قوله: {لا يُسْأَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنْسٌ وَلا جَانٌّ} أي: لا يسأل سؤالًا يستفيد السائل منه علمًا. وقوله: {وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْؤُولُونَ} أي: للتوبيخ. ز- قوله: {فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ} وقوله في موضع آخر: {كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ} . ومن الأجوبة على هذا: أنه بالنسبة للمؤمن والكافر على حد قوله: {عَلَى الْكَافِرِينَ غَيْرُ يَسِيرٍ} فمفهومه أنه على المؤمنين يسير. ولهذا التعارض في الظاهر أسباب: منها: وقوع المخبر به على أحوال مختلفة وأطوار شتى؛ كالإخبار عن خلق آدم من تراب، ومن طين، ومن طين لازب، ومن صلصال، ومن حمأ.. ومنها اختلاف المكان. ومنها: اختلاف جهتي الفعل؛ نحو: {فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ} . ومنها: اختلاف الموضع؛ نحو: {أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} وقوله: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ} فالرجل لا ينافي الطمأنينة؛ لأنه مقدمة لها. وهكذا يجب أن تفرض عند الجمع في كل مقام ما يناسبه، قال تعالى: {أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافًا كَثِيرًا} . فما كان من عند الله لا اختلاف فيه أصلًا قليلًا أو كثيرًا، وإن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 92 بدا لبعض الناشئة اختلاف قليل، فبالتأمل يزول هذا الاختلاف؛ لأن القرآن يصدق بعضه بعضًا. وقد توهم بعض الناس وجود التعارض في نحو قوله: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ} وقوله: {فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَبَ عَلَى اللَّهِ} . والحق أنه لا تعارض، فلا أظلم في باب المنع ممن منع مساجد الله أن يذكر فيها اسمه، ولا أحد أظلم في باب الكذب ممن كذب على الله. وكذا قوله تعالى: {وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جَاءَهُمُ الْهُدَى إِلَّا أَنْ قَالُوا أَبَعَثَ اللَّهُ بَشَرًا رَسُولًا} . فظاهر هذه الآية أن المانع لهم عن الإيمان قولهم: {أَبَعَثَ اللَّهُ بَشَرًا رَسُولًا} . وهذا مانع مجازي. والمانع الحقيقي عدم إرادة الله لهم الهداية، وهذا هو المشار إليه بقوله: {وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جَاءَهُمُ الْهُدَى وَيَسْتَغْفِرُوا رَبَّهُمْ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمْ سُنَّةُ الْأَوَّلِينَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ قُبُلًا} . وظاهر هذا أنهم علقوا إيمانهم على نزول العذاب بهم، أو نزول ما كان ينزل على الأولين من خسف ومسخ. ولم يحقق الله لهم ما صلبوه؛ لأنه لم يرده. وبالتالي لم يرد هدايتم؛ لأن ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن. وبهذا ينتهي هذا الموضوع. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 93 الموضوع السادس: القراءات 1 وما يتصل بها من الإسناد والوقف والتجويد روى البخاري بسنده عن عبد الله بن عمرو بن العاص أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "خذوا القرآن من أربعة: عبد الله بن مسعود، وسالم مولى حذيفة، ومعاذ بن جبل، وأُبي بن كعب". وروى أيضًا عن أنس بن مالك أنه سئل عمن جمع القرآن في عهد النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: "أربعة، كلهم من الأنصار: أُبي بن كعب، ومعاذ بن جبل، وزيد بن ثابت، وأبو زيد من عمومة أنس". وعنه أيضًا: "مات النبي -صلى الله عليه وسلم- ولم يجمع القرآن غير أربعة: أبو الدرداء، ومعاذ، وزيد بن ثابت، وأبو زيد". ومن هذه الروايات نتبين أن كل راوٍ كان يخبر عن علمه، وأن قول أنس: "لم يجمع القرآن ... " الحديث قاله وهو يفتخر بقبيلته الخزرج. فالصالحون كانوا يتباهون بالعمل الصالح. أخرج ابن جرير من طريق سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة، عن أنس قال: "افتخر الحيان: الأوس والخزرج، فقال الأوس: منا أربعة: مَن اهتز له عرش الرحمن لما مات: سعد بن معاذ، ومن عدلت شهادته شهادة رجلين: خزيمة بن أبي ثابت، ومن غسلته الملائكة: حنظلة بن أبي عامر، ومن حمته الدبر: عاصم بن أبي ثابت. فقال الخزرج: منا أربعة جمعوا القرآن لم يجمعه غيرهم". وذكروا ما رواه أنس.   1 القراءات جمع قراءة؛ وهي في اللغة: مصدر قرأ، وفي الاصطلاح: "القراءات: علم بكيفيات أداء كلمات القرآن واختلافها بعزو الناقلة". انظر: منجد المقرئين لابن الجزري ص3، وانظر تعريفًا آخر للقراءات في مناهل العرفان للأستاذ الزرقاني 1/ 405. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 94 وعليه، فلا يحتج بحديث أنس في حصر الحفظة للقرآن على أربعة، فهم لا يحصون. ومن الرواة من جعلهم خمسة أو ستة. وكل هذا إخبار عن علم الراوي، وإلا فأين الخلفاء الراشدون والمبشرون بالجنة وبعض أمهات المؤمنين؟ واسم أبي زيد في حديث أنس: قيس بن السكن بن زعوراء من بني عدي بن النجار. والقراء من التابعين زاد عددهم. ومن أتباع التابعين كان القراء السبعة الذين يعتبرون أئمة؛ وهم: نافع، وابن كثير، وأبو عمرو، وابن عامر، وعاصم، وحمزة، والكسائي. وعن كل إمام تلميذان له؛ فعن نافع: قالون وورش.. وعن ابن كثير: البزي وقنبل. وعن أبي عمرو: الدوري والسوسي. وعن ابن عامر: هشام وابن ذكوان. وعن عاصم: أبو بكر بن عياش وحفص. وعن حمزة: خلف وخلاد. وعن الكسائي: الدوري وأبو الحارث. وأول مَن صنف في القراءات: أبو عبيد القاسم بن سلام، ثم أحمد بن جبير الكوفي، ثم إسماعيل بن إسحاق المالكي، ثم أبو جعفر بن جرير الطبري، ثم أبو بكر محمد بن أحمد بن عمر الدجوني، ثم صنف طبقاتهم: أبو عبد الله الذهبي، ومن بعده: أبو الخير الجزري. وقد ألَّف الإمام الشاطبي في القراءات كتابًا منظومًا، ذكر فيه ما يتعلق بالقراءات السبع. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 95 وأحسن مَن تكلم في القراءات إمام القراء: أبو الخير بن الجزري، فقال: كل قراءة وافقت العربية ولو بوجه، ووافقت أحد المصاحف العثمانية ولو احتمالًا، وصح سندها1 إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فهي القراءة الصحيحة التي لا يجوز ردها، ولا يحل إنكارها، ويجب قبولها، سواء نقلت عن الأئمة السبعة أو غيرهم. اهـ بتصرف. فمتى اختل ركن من هذه الأركان الثلاثة؛ كانت ضعيفة، أو شاذة، أو باطلة.. لأن الاعتماد على تحقق هذه الأركان لا على مَن تنسب إليه القراءات. والمراد بموافقة العربية ولو بوجه أن تكون القراءة سائغة في النحو؛ نحو قوله تعالى: {لَكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ وَالْمُؤْمِنُونَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَالْمُقِيمِينَ الصَّلاةَ وَالْمُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالْمُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أُولَئِكَ سَنُؤْتِيهِمْ أَجْرًا عَظِيمًا} فيمكن حمل "المقيمين" على أنه منصوب بفعل تقديره: أمدح.. والمراد بموافقة الرسم العثماني ولو احتمالًا كقراءة: {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} بالألف، فإنها موافقة للرسم العثماني بغير ألف؛ لأن من عادتهم حذفها اختصارًا. والمراد بصحة السند: اتصاله، وعدالة الرواة وضبطهم، وخلوه من الشذوذ والعلة، ويشترط أن تكون متواترة في الجملة. فكل قراءة توافرت فيها أركانها الثلاثة منكرها كافر. وأما ما صح نقله عن الآحاد ووافق العربية؛ لكن خالف الرسم العثماني، فيقبل ولا يقرأ به، ويحتج به على أنه رواية كقراءة عبد الله بن مسعود في كفارة اليمين: "فصيام ثلاثة أيام متتابعات". وأما ما نقله الثقة ولا حجة له في العربية، أو نقله غير الثقة وله حجة   1 القاعدة: أن كل قراءة وافقت العربية ولو بوجه، ووافقت أحد المصاحف العثمانية ولو احتمالًا، وكانت متواترة، فشرط القرآن التواتر لا صحة السند كما يقول ابن الجزري. والقاعدة: أن القرآن يوجب العقل تواتره؛ لأن الدواعي تتوافر على نقل الشيء، إما لقرابته أو لفرط أهميته، وهذه القاعدة قد أخذتها مشافهة من أستاذي العلامة الشيخ عبد العال عطوه الأستاذ بكلية الشريعة والقانون، وذلك أثناء دراستي عليه الفقه والأصول دراسة خاصة، رحمه الله تعالى رحمة واسعة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 96 في العربية، فهذان لا يقبلان ولا يقرأ بهما وإن وافقا الرسم العثماني. والقراءات العشرة لا تخرج عن كونها إما متواترة أو مشهورة، وهناك قراءة تعتبر شاذة1 لما وقع فيها من الإدراج؛ وهو اختلاط التفسير بالقراءة، ومثاله: ما عُزي إلى ابن عباس من أنه كان يقرأ {لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ} .. ويزيد: "في مواسم الحج". ومما هو شاذ ولم يقع فيه إدراج قراءة بعضهم: "مَلَكَ يَوْمَ الدين" بصيغة الماضي ونصب اليوم. ولا خلاف أن كل ما هو من القرآن يجب أن يكون متواترًا في أصله وأجزائه، وأما في محله ووضعه وترتيبه فكذلك عند محققي أهل السنة. والقرآن والقراءات حقيقتان متغايرتان.. فالقرآن: هو الوحي المنزَّل على سيدنا محمد -صلى الله عليه وسلم- للبيان والإعجاز. والقراءات: اختلاف ألفاظ الوحي المذكور مع اتحاد المعنى أو تقاربها. وإنما الاختلاف في الحروف وكيفية أدائها من تشديد أو تخفيف أو إدغام وغير ذلك. وقد سبق أن القراءات الشرعية المعتبرة متواترة بألفاظها من النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى أئمة القراءات، ومنهم إلينا. وإذا ثبت تواتر اللفظ ثبت تواتر كيفية أدائه من: مد، وغن، وتحقيق، وتسهيل، وغير ذلك من أحكام تناولها علماء التجويد بالتفصيل والإيضاح. ومن الخطأ قصر صحة الرواية عن الأئمة السبعة على الراويين عن كل إمام؛ فهناك رواة ثقات عن كل إمام غير تلميذيه المشهورَيْنِ.   1 القراءة الشاذة: هي ما لم يصح سندها ولو وافقت رسم المصحف والعربية؛ مثل: "ملك يوم الدين" بصفته الماضي في ملك ونصب يوم مفعولًا على ما ذكره المؤلف رحمه الله تعالى رحمة واسعة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 97 وأصح القراءات سندًا قراءة: نافع, وعاصم.. وأفصح القراءات: أبو عمرو، والكسائي. وأما قراءة الثلاثة بعد الأئمة السبعة، فمتواترة أيضًا معلومة من الدين بالضرورة. والثلاثة هم: يعقوب، وأبو جعفر، وخلف. ومن المعلوم أن تعدد القراءة في الآية الواحدة ينبني عليه اختلاف النظر في الحكم الفقهي. فمن يرى نقض الوضوء بلمس المرأة لاحتمال ذلك قوله: {أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ} فإنه يمكنه أن يرجح هذا القول بالقراءة بدون ألف بعد اللام. ولاختلاف القراءات وتنوعها فوائد: أ- التسهيل على الأمة. ب- إظهار فضل هذه الأمة، وقد أنزل الله إليها الكتاب على أكثر من وجه. جـ- إفساح المجال للاجتهاد واستنباط الأحكام والمعاني. د- إظهار سر الله في كتابه وصيانته له عن التبديل والاختلاف، مع كونه على هذه الأوجه الكثيرة. هـ- المبالغة في إعجازه بإيجازه؛ إذ تنوع القراءات بمنزلة الآيات، ولو جعلت دلالة كل لفظ آية على حدة لم يخفَ ما في ذلك من التطويل. و جعل بعض القراءات بيانًا لما أُجمل في القراءة الأخرى. وأما الوقف والابتداء، فإنه وثيق الصلة بكيفية الأداء. عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: "لقد عشنا برهة من دهرنا، وإن أحدنا ليُؤْتَى الإيمان قبل القرآن، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 98 وتنزل السورة على محمد -صلى الله عليه وسلم- فنعلم حلالها وحرامها، وما ينبغي أن يوقف عنده منها كما تتعلمون أنتم القرآن اليوم، ولقد رأينا اليوم رجالًا يؤتى أحدهم القرآن قبل الإيمان، فيقرأ ما بين فاتحته إلى خاتمته ما يدري ما أمره، ولا زجره، ولا ما ينبغي أن يوقف عنده منه". فهذا الحديث يدل على أنهم -رضوان الله عليهم- كانوا يتعلمون الوقف، ويعتبرون ذلك من تمام تعلمهم للقرآن. وعن علي -كرم الله وجهه- في قوله تعالى: {وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا} قال: "الترتيل": تجويد الحروف ومعرفة الوقف. فعلى معرفة الوقف والابتداء وضوح المعنى؛ وبذلك يقف الإنسان على شيء من وجوه إعجاز القرآن. ومن هنا يجب ألا يُوقف على كلمة مرتبطة بما بعدها أو ما قبلها؛ لأن ذلك مخل باستقامة المعنى، ويروى النهي عن الوقف على قوله تعالى: {كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ} ويجب الوصل بقوله: {وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالْإِكْرَامِ} حتى لا يتجزأ المعنى. وقد اصطلح العلماء1 على تقسيم الوقف إلى: أ- تام: وهو ما لا صلة له بغيره من حيث المعنى. ب- حسن: وهو الوقف عند معنى مفيد ولكن لم يتم؛ كالوقف على {الْحَمْدُ لِلَّهِ} والابتداء بـ {رَبِّ الْعَالَمِينَ} . جـ- وقبيح: وهو الوقف قبل استعمال المعنى؛ كالوقف قبل الاستثناء. واعلم أنه بسبب عدم معرفة الوقف والابتداء قد انتشر الجهل إلى حد يفسد المعنى.. وذلك لأن الوقف قبل تمام المعنى مفسد، وكذلك وصل ما يجب الوقف عليه مفسد أيضًا.. وإليك بعض النماذج:   1 هذه الاصطلاحات لعلماء التجويد على ما هو معروف في كتب التجويد؛ مثل: الجزرية، وتحفة الأطفال؛ لكن ذكرها المؤلف هنا تبعًا للسيوطي في الإتقان. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 99 لو وصلنا قوله من سورة غافر: {وَكَذَلِكَ حَقَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ أَصْحَابُ النَّارِ} بما بعده وهو قوله: {الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ} لفسد المعنى. وكذلك لو وصلنا: {وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ، يُخَادِعُونَ اللَّهَ} لفسد المعنى أيضًا. وقوله: {سُبْحَانَهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ} لو لم نقف على "ولد" لفسد المعنى. وإذا وقفنا عند قوله: {لَقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُوا} ثم ابتدأنا {إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ} لكان ذلك كفرًا إن تعمده مَن وقف على القول وابتدأ بمقول القول. وقد يضطر القارئ عند انقطاع النَّفَس إلى الوقف. وهذا له حكم الضرورات؛ ولكنه عليه أن يبتدئ بما لا تعلق له بما قبله؛ لأنه مختار وليس بمضطر. وليس كل ما يتعسفه بعض المعربين، أو يتكلفه بعض القراء، أو يتأوله بعض أولي الأهواء، مما يقتضي وقفًا أو ابتداء، ينبغي أن يتعمد الوقف عليه؛ بل ينبغي تحري المعنى الأتم، والوقف الأوجه.. فإن ذلك مما يفسد المعنى أحيانًا؛ كوقف بعضهم على قوله: {ثُمَّ جَاءُوكَ يَحْلِفُونَ} ويبتدئ: {بِاللَّهِ إِنْ أَرَدْنَا إِلَّا إِحْسَانًا وَتَوْفِيقًا} لأنه يكون على لسان المتكلم مع أنه حكاية عن حال من أحوال المنافقين. ولا بد للقارئ من معرفة بعض المذاهب المشهورة في الفقه والنحو والتفسير؛ حتى لا يفسد المعنى بقراءته. ولأئمة القراء مذاهب في الوقف والابتداء؛ فنافع كان يراعي التجانس بحسب المعنى. وابن كثير وحمزة كانا يراعيان انقطاع النَّفَس. وعاصم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 100 والكسائي كانا يراعيان تمام الكلام. وأبو عمرو كان يراعي رءوس الآي؛ لأن الوقوف عليها سُنَّة. ومِن العلماء مَن فرق بين الوقف والسكت والقطع؛ فقال: الوقف بتنفس عند الموضع الذى وقف عليه. والسكت وقف بلا تنفس. والقطع إنهاء القراءة، ولا يكون إلا عند رأس الآية، فإن بدأ تعوذ بالله. وللوقف في كلام العرب أوجه متعددة. والمستعمل منها عند الأئمة تسعة: السكون، والروم، والإشمام، والإبدال، والنقل، والإدغام، والحذف، والإثبات، والإلحاق. فالروم: النطق ببعض الحركة، ولا يقع في المفتوح. والإشمام: الإشارة إلى الحركة من غير تصويت، ويختص بالضم. وأما الإبدال: ففي الاسم المنصوب المنون يوقف عليه بالألف. وأما النقل: ففيما آخره همزة بعد ساكن. وأما الإدغام: ففيما آخره همزة بعد ياء أو واو زائدتين، فإنه يوقف عليه كسابقه عند حمزة.. وذلك بالإدغام بعد نقل الهمزة إلى جنس ما قبله. وأما الحذف: ففي الياءات الزوائد عند مَن يثبتها وصلًا ويحذفها وقفًا؛ نحو: "المتعال". وأما الإثبات: ففي الياءات المحذوفات وصلًا عند مَن يثبتها وقفًا؛ نحو: "وما لهم من دونه من والي". وأما الإلحاق: فما يلحق آخر الكلم من هاءات السكت عند مَن يلحقها؛ نحو: "عم". وفي الحديث: "اقرءوا القرآن بلحون العرب في أصواتها، وإياكم وأصوات أهل الفسق وأهل الكتابين". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 101 فما ذكرناه مما هو منسوب إلى أئمة القراء لا يخرج عن لحون العرب وأصواتهم، ومن لحونهم: فتح الألف وإمالتها بين الفتح والكسر. وقد تخف هذه الإمالة وقد تزيد فترقق حتى تكون إلى الكسر أقرب. والأقرب أن تكون الإمالة فرعًا عن الفتحة، فما من كلمة تمال إلا وبعض العرب يفتحها. وللإمالة أسباب ووجوه وفوائد، ومن يميل من القراء، وما يمال من الكلمات، واستيفاء ذلك في كتب القراءات والتجويد. ومن الخطأ والتجني على العلم قراءة القرآن بميوعة وتخنث، وفي الحديث: "اقرءوا القرآن فخمًا مفخمًا" أي: لكل معنى ما يناسبه من الصوت، مع المحافظة على الأداء برجولة. ومما تجب ملاحظته: الإدغام، والإظهار، والإخفاء، والإقلاب. ولكل من هذه الأقسام مواضعها، وبسط ذلك في كتب فن القراءات: فالإدغام: هو اللفظ بحرفين حرفًا كالثاني مشددًا. والإظهار: إظهار الحرف بكامل هيئته. والإقلاب: قلب الحرف ليكون قريبًا من حرف آخر. والإخفاء: إخفاء الحرف. وللنون الساكنة وللتنوين هذه الأحكام الأربعة، فتدغم إذا وليها: الياء والنون والميم والواو، وكانتا في كلمتين. وتظهر إن وليها أحرف الحلق: الهمزة والهاء والعين والحاء والغين والخاء. وتقلب إن وليها الباء. وتُخْفَى إن وليها باقي حروف الهجاء. والإخفاء حالة بين الإدغام والإظهار، ولا بد أن تصحبه غنة. كما أنه لا بد للقارئ أن يعرف ما يمد، وما لا يمد، وحركات المدود. فإذا وقعت الهمزة والمد في كلمة واحدة كان المد متصلًا. وإن كانت في كلمة والمد في كلمة فالمد منفصل. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 102 فالأول نحو: {أُولَئِكَ} . والثاني نحو: {بِمَا أُنْزِلَ} . وهناك مد لازم؛ وهو ما يعقبه حرف مشدد؛ نحو: {وَحَاجَّهُ قَوْمُهُ} . والمد: مط الحرف حركة فأكثر. عن ابن مسعود أنه أنكر على قارئ يقرأ: "الفقراء" بغير مد، وأمره بمدها؛ لأن ابن مسعود هكذا بالمد تلقاها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. ومن العرب مَن يحقق الهمزة، ومنهم مَن يسهلها إذا وقعت قبلها همزة، ومنهم مَن يقلبها ألفًا نحو: {قُلْ آلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ الْأُنْثَيَيْنِ} أو بقلبها واوًا إن ضم ما قبلها، أو ياء إن كسر؛ نحو: يؤمنون، والنبي. وحفظ القرآن فرض كفاية، وكذا تعليمه وتعلمه. ولا بد فيه من المشافهة، وتلقيه عن أهله الذين يتلونه حق تلاوته من غير مبالغة ولا تقصير؛ لأنه إذا اشتد البياض كان برصًا، وهكذا القراءة تُتلى لا هزًّا كهز الشعر، ولا سردًا مخلًّا، ولا تذمتًا مملًّا. عن ابن مسعود -رضي الله عنه- قال: "جودوا القرآن". والتجويد حلية القراءة؛ وهو إعطاء الحروف حقوقها وترتيبها ورد الحرف إلى مخرجه وأصله، وتلطيف النطق به على كمال هيئته من غير إسراف ولا تعسف، ولا إفراط ولا تكلف. والقراءة إما تحقيقًا وهي ما كانت للرياضة، وإما ترتيلًا وهي ما كانت للتدبر. وفي الحديث: "مَن أحب أن يقرأ القرآن غضًّا كما أنزل فليقرأه على قراءة ابن أم عبد" يريد: ابن مسعود. وقد قيل: للحرف ميزان فلا تك طاغيا ... فيه ولا تك مخسر الميزان وإن أول ما تغنى المغنون بالقرآن قوله تعالى: {أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ} الآية. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 103 وذلك تقليدًا لما كانوا يتغنون به من قول الشاعر: أما القطاة فإني سوف أنعتها ... نعتًا يوافق عندي بعض ما فيها ويُغتفر للمتعلم اللحن اليسير إذا لم يتيسر له شيخ يقرأ عليه، وهذا بحكم الضرورة، وإلا فاللحن في القرآن مقطوع بتحريمه. وبهذا ينتهي هذا الموضوع. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 104 الموضوع السابع: فضائل القرآن وأحكام تتعلق به أخرج الترمذي1 عن علي بن أبي طالب، أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "ستكون فتن"، قلت: فما المخرج منها يا رسول الله؟ قال: "كتاب الله، فيه نبأ ما كان قبلكم، وخبر ما بعدكم، وحُكْم ما بينكم، وهو الفصل، ليس بالهزل، مَن تركه من جبار قصمه الله، ومَن ابتغى الهدى في غيره أضله الله، وهو حبل الله المتين، وهو الذكر الحكيم، وهو الصراط المستقيم، وهو الذي لا تزيغ به الأهواء، ولا تلتبس به الألسنة، ولا يشبع منه العلماء، ولا يخلق على كثرة الرد، ولا تنقضي عجائبه، مَن قال به صدق، ومَن عمل به أجر، ومن حكم به عدل، ومن دعا إليه هدي إلى صراط مستقيم". وأخرج الحاكم وغيره، من حديث عبد الله بن عمرو: "من قرأ القرآن فقد استدرج النبوة بين جنبيه، غير أنه لا يُوحى إليه، لا ينبغي لصاحب القرآن أن يجد مع من يجد، ولا يجهل مع من يجهل وفي جوفه كلام الله". وأخرج أبو يعلى والطبراني من حديث أبي هريرة: "القرآن غنى لا فقر بعده ولا غنى دونه". وأخرج الطبراني من حديث أنس: "حملة القرآن عرفاء أهل الجنة". وأخرج أيضًا من حديث أبي أمامة: "مَن تعلم آية من كتاب الله استقبلته يوم القيامة تضحك في وجهه".   1 هذا الحديث سنده ضعيف؛ ولكن متنه صحيح؛ إذ لا يلزم من ضعف الراوي ضعف المروي، على ما هو مقرر لدى علماء الحديث. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 105 وأخرج ابن أبي شيبة من حديث أبي شريح الخزاعي: "إن هذا القرآن سبب طرفه بيد الله وصرفه بأيديكم، فتمسكوا به؛ فإنكم أن تضلوا ولن تهلكوا بعده أبدًا". لهذه الأحاديث وغيرها تعلق المسلمون بالقرآن تعلقًا لا نظير له، أحصوا حروفه وكلماته وآياته وسوره مما يؤكد الضبط التام له ... فسوره أربعة عشر ومائة، ولا التفات لمن عد أقل من ذلك أو زاد؛ لأنه راجع إما إلى إدماج سورة في أخرى، أو إثبات ما لم يثبت. وأما عدد الآيات، فالاختلاف فيه راجع إلى وقف النبي -صلى الله عليه وسلم- فلما استقر الأمر في قلوب المسلمين وصل لاستكمال المعنى، فروى كل راوٍ ما سمعه؛ فعن ابن عباس: أن الآي ست عشرة وستمائة وستة آلاف، وجميع حروف القرآن واحد وسبعون وستمائة وثلاثة وعشرون ألف وثلاثمائة ألف حرف. وعد قوم كلمات القرآن سبعة وسبعين ألف كلمة وتسعمائة وأربعًا وثلاثين كلمة. قال بعض القراء: القرآن العظيم له أنصاف باعتبارات، فنصفه بالحروف "النون" من "نكرا" في الكهف، و"الكاف" من النصف الثاني، ونصفه بالكلمات "الدال" من قوله: "والجلود" في الحج، وقوله: "ولهم مقامع" من النصف الثاني، ونصفه بالآيات ياء "يأفكون" من سورة الشعراء، وقوله: "فألقي السحرة" من النصف الثاني، ونصفه على عدد السور آخر الحديد، والمجادلة من النصف الثاني. ويستحب الإكثار من تلاوة القرآن للعبادة والتدبر والتعلم، بعيدًا عن الرياء، قال تعالى: {مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللَّهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ} .. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 106 وفي الحديث: "من قرأ حرفًا من كتاب الله فله حسنة، والحسنة بعشر أمثالها".. وفيما يُرْوَى: يأهل القرآن، لا توسدوا القرآن، واتلوه حق تلاوته آناء الليل والنهار وأفشوه، وتدبروا ما فيه لعلكم تفلحون.. ولا يفقه مَن قرأ القرآن في أقل من ثلاث ليالٍ.. وهذا القدر هو أقصى ما يستطاع إذا التزمنا بحقوق الأداء.. وأرى أن مَن تكثر مشاغله، عليه أن يقرأه في كل شهر مرة، فإن مر عام ولم يقرأه المسلم مرة واحدة اعتبر هاجرًا للقرآن.. ونسيان ما كان قد حفظ من القرآن يعد من أكبر الذنوب، وفي الصحيحين: "تعهدوا القرآن، فوالذي نفسي بيده لهو أشد تفلتًا من الإبل في عُقُلِهَا". ويستحب أن تكون القراءة على وضوء، مستقبلًا بها القبلة؛ لأنها عبادة. وفيما يُروى: إن أفواهكم طرق للقرآن، فطيبوها بالسواك. عن ابن مسعود قال: "لا تنثروه نثر الدقل، ولا تهذوه هذ الشعر، قفوا عند عجائبه، وحركوا به القلوب، ولا يكن هَمُّ أحدكم آخر السورة". فإذا مر القارئ بآية دعاء تضرع، وإن مر بآية عذاب تعوذ، وهكذا وردت الأحاديث الصحيحة. ويسن الاستماع والإنصات والدعاء عند الانتهاء من التلاوة.. وأما الاقتباس من القرآن في النثر والشعر، فالمختار أنه جائز بشرطين: أن يكون الاقتباس من غير ما نسبه الله إليه؛ نحو: {إِنَّ إِلَيْنَا إِيَابَهُمْ} ، لا يجوز أن ينسبها المقتبس إلى نفسه، وأن يكون بعيدًا عن الهزل.. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 107 والاقتباس أَخْذٌ من القرآن من غير إضافة: قال الله.. مثلًا.. وأما قراءة القرآن يراد بها الكلام العادي فممنوع، إلا إذا أراد أن يأنس بكلامه سبحانه، فلا بأس بذلك.. وقد وردت بعض الأحاديث الصحيحة في فضل بعض السور وبعض الآيات, وتلك الأحاديث تُعْنَى ببيان بعض الخصائص ولا تقتضي تفضيل شيء من القرآن على شيء، فالكل كلام الله؛ وإنما يتفاضل باعتبار ما يتيسر للمكلف فهمه، أو ما يتضمنه موضوع السورة أو الآية.. فالتوحيد مثلًا في سورة الإخلاص يختلف عن موضوع رد اعتداء أبي لهب بالذم له في سورة تبت يدا.. ومن العلماء من علل لبعض الأحاديث التي وردت في تفضيل بعض الآيات؛ كوصف آية الكرسي بالسيادة؛ لأنها اشتملت على التوحيد بمزيد من التفصيل، ففيها إثبات ذات الله، ثم تنزيهه، ثم بيان بعض الصفات الذاتية، ثم تنزيهه عن النقص، وإفراده بالملك والتصرف، وأنه ليس لأحد أن يلزمه بشيء، وإحاطة علمه، ومنحه العلم لمن يشاء، وسَعَة سلطانه.. ثم ختمها بالعلو عما يجول بالخواطر وبالعظمة التامة، وفي الخبر أن عمر بن الخطاب سأل جماعة فيهم عبد الله بن مسعود قائلًا: أي القرآن أعظم؟ فأجابه: آيه الكرسي، وأي القرآن أشمل؟ فأجابه: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ} الآية، وأي القرآن أجمع؟ فأجابه: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ} ، وأي القرآن أحزن؟ فأجابه: {مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ} ، وأي القرآن أرجى؟ فأجابه: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ} . وما في القرآن من آية أكثر تفويضًا من قوله: {وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ} . وأشد آية على أهل النار قوله: {فَذُوقُوا فَلَنْ نَزِيدَكُمْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 108 إِلَّا عَذَابًا} ، وأرجى آية لأهل التوحيد قوله: {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} . وأشد آية على العلماء والحكام قوله: {لَسْتُمْ عَلَى شَيْءٍ حَتَّى تُقِيمُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ} ، وقوله: {لَوْلا يَنْهَاهُمُ الرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ عَنْ قَوْلِهِمُ الْإثْمَ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَصْنَعُونَ} .. وفضائل القرآن وخواصه لا تنتهي، ويُروى: خذ من القرآن ما شئت لما شئت، مع المحافظة على قداسته ومقاصده. وبهذا ينتهي هذا الموضوع. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 109 الموضوع الثامن: جَمْعُ القرآن 1 وتدوينه عن زيد بن ثابت -رضي الله عنه- قال: "قُبض النبي -صلى الله عليه وسلم- ولم يكن القرآن جُمع في شيء". وقد كان القرآن كتب كله في عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- غير مجموع في موضع واحد ولا مرتب السور. وإنما لم يجمع في العهد النبوي؛ لأن الوحي كان لم يزل. فإذا نزلت الآية أمر كتابه بتدوينها في الموضع الذي يختاره الله لها من السور. أضف إلى ذلك حفظ الصحابة له في صدورهم. فبه يصلون ويتعبدون، ومنه يتعلمون، وعليه يقيمون حياتهم العريضة في الدين والدنيا والآخرة. فلم تمضِ لحظة بعد وصوله إلى قلب النبي، فيبلغه إلا وهو مدون في السطور، محفوظ في الصدور، ولعظيم اهتمامه بذلك أرجأ كتابة أي شيء عنه من السُّنَّة إفساحًا لكتابة القرآن. قال الحاكم في المستدرك: "جُمع القرآن ثلاث مرات؛ إحداها: بحضرة النبي صلى الله عليه وسلم". ويعني هذا الجمع التدوين، ووضع الآيات التي تأخر نزولها في مكانها من السور. والجمع الثاني: كان في عهد أبي بكر. روى البخاري2 في صحيحه عن زيد بن ثابت قال: أرسل إليَّ أبو بكر مقتل أهل اليمامة، فإذا عمر بن الخطاب عنده، فقال أبو بكر: إن عمر أتاني فقال: إن القتل قد استحر يوم اليمامة بقراء القرآن، وإني أخشى أن يستحر القتل بالقراء في المواطن   1 هذا بحث جليل، قد عُني العلماء بدرسه في كتب علوم القرآن؛ بل أفردوه بالدراسة في مؤلفات خاصة متعددة؛ منها: "المصاحف" لأبي داود، و"الانتصار لنقل القرآن" للقاضي أبي بكر بن الطيب الباقلاني وغيرها. 2 في فضائل القرآن، باب جمع القرآن 1/ 183. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 110 فيذهب كثير من القرآن، وإني أرى أن تأمر بجمع القرآن، فقلت لعمر: كيف نفعل شيئًا لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال عمر: هو والله خير، فلم يزل يراجعني حتى شرح الله صدري لذلك، ورأيت في ذلك الذي رأى عمر. قال زيد: قال أبو بكر: إنك شاب عاقل لا نتهمك، وقد كنت تكتب الوحي لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- فتتبع القرآن فاجمعه؛ فوالله لو كلفوني نقل جبل من الجبال ما كان أثقل عليَّ مما أمرني به من جمع القرآن، قلت: كيف تفعلان شيئًا لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: هو والله خير، فلم يزل أبو بكر يراجعني حتى شرح الله صدري للذي شرح الله له صدر أبي بكر وعمر، فتتبعت القرآن أجمعه من العسب واللخاف وصدور الرجال، ووجدت آخر سورة التوبة مع أبي خزيمة الأنصاري لم أجدها مع غيره: {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ} حتى خاتمة براءة، فكانت الصحف عند أبي بكر حتى توفاه الله، ثم عند عمر حياته، ثم عند حفصة بنت عمر. اهـ. ونستخلص من هذا الحديث الذي هو أصل هذا الباب ما يأتي: 1- الجمع في عهد الرسول وترتيب الآيات كان بتوقيف من النبي صلى الله عليه وسلم. 2- الراوي للجمعين هو زيد بن ثابت، الشاب العاقل الذي لم يتهم، والذى كان أحد كُتَّاب الوحي في عهد النبي صلى الله عليه وسلم. 3- كانت السور مفرقة عند الصحابة، فأراد الصديق بحكم المصلحة أن يفعل شيئًا بعد أن رأى القراء قد قُتل بعضهم، وفي هذا خطورة على القرآن، وكان معهودًا به إلى صدور القراء وصحفهم الخاصة. 4- لم يكن أبو بكر منفردًا بتصرف الأمور وحده، فلما عرض عليه عمر وجهة نظره استدعى الصديق زيد بن ثابت؛ ليتعرف على رأيه. 5- رأى زيد بن ثابت أن يستمسك باتباع النبي، وقد توفاه الله الجزء: 1 ¦ الصفحة: 111 وهو مكتفٍ بحفظ القرآن في صحف مفرَّقة، واستذكار الصحابة له، وأن أي إجراء بعد هذا -في رأي زيد- يعتبر مخالفة لما مات عنه النبي صلى الله عليه وسلم. 6- فقه عمر لمعنى الاتباع، وأنه واجب إذا استمر الحال على ما كان عليه. فإذا وجد المقتضى لتعديل شيء وانتفى المانع؛ كان التعديل هو رُوح الاتباع. 7- اقتنع زيد واتفق الثلاثة على وضع الخطة لجمع القرآن، وأصدر الخليفة أمره إلى قوي أمين له خبرة فيما يناط به. 8- أدرك زيد خطر المهمة التي نيطت به، ونفذ بجدارة وأمانة، وجمع القرآن من أهله، وروى ما صادفه في جمعه للآيتين من آخر سورة التوبة، مما يؤكد أمانته الكاملة. 9- جمع زيد القرآن في مصحف واحد، ووضعه في أوثق يد، يد الحاكم المسئول عن رعيته، وكان المصحف يتحول إلى الحاكم الآخر، وظل كذلك ثلاثة عشر عامًا، وتلك المدة تؤكد إقرار المسلمين لما جمعه زيد في المصحف الموجود عند أبي بكر وعمر وحفصة أم المؤمنين وبنت عمر رضي الله عنهما. 10- كان يعاون زيد في جمعه للقرآن خيرة الصحابة؛ من أمثال: سالم مولى حذيفة، وعمر بن الخطاب. وكان لا يكتب إلا إذا شهد عدلان أن ما يكتبه كُتب في حضرة النبي -صلى الله عليه وسلم- وأقر كتابته. أما الآيتان من آخر التوبة، فإن من وجدتا عنده كانت شهادته بشهادة رجلين عدلين، كما أخبر عنه النبي صلى الله عليه وسلم، ولما جاء عمر بما نزل في رجم الزاني لم يدونه زيد؛ لأنه جاء به شاهد واحد. أما الجمع الثالث، فكان في عهد عثمان بن عفان رضي الله عنه. قال الجزء: 1 ¦ الصفحة: 112 الحاكم: والجمع الثالث هو ترتيب السور في زمن عثمان، روى البخاري1 عن أنس بن حذيفة بن اليمان قدم على عثمان، وكان يغازي أهل الشام في فتح أرمينية وأذربيجان مع أهل العراق، فأفزع حذيفة اختلافهم في القراءة، فقال لعثمان: أَدْرِك الأمة قبل أن يختلفوا اختلاف اليهود والنصارى، فأرسل إلى حفصة أن أرسلي إلينا الصحف ننسخها في المصاحف، ثم نردها إليك. فأرسلت بها حفصة إلى عثمان، فأمر زيد بن ثابت وعبد الله بن الزبير وسعيد بن العاص وعبد الرحمن بن الحارث بن هشام، فنسخوها في المصاحف، وقال عثمان للرهط القرشيين الثلاثة: إذا اختلفتم أنتم وزيد بن ثابت في شيء من القرآن، فاكتبوه بلسان قريش؛ فإنه إنما نزل بلسانهم. ففعلوا حتى إذا نسخوا الصحف في المصاحف رد عثمان الصحف إلى حفصة، وأرسل إلى كل أفق بمصحف مما نسخوا، وأمر بما سواه من القرآن في كل صحيفة أو مصحف أن يحرق، قال زيد: ففقدت آية من الأحزاب حين نسخنا المصحف قد كنت أسمع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقرأ بها، فالتمسناها فوجدناها مع خزيمة بن ثابت الأنصاري: {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ} ، فألحقناها في سورتها في المصحف. اهـ. ونستخلص من هذا الحديث ما يأتي: 1- وجوب إضافة أعمال أخرى إذا اقتضت المصلحة العامة ذلك، وتلك الإضافة من روح الاتباع. 2- الاعتماد في الجمع الثالث كان على الصحف التي جُمعت في عهد الصديق. 3- الإضافة في هذا الجمع كانت ترتيب السور، وجمع الناس على حرف واحد، ووضع رسم يحتمل اللهجات التي تنزل بها القرآن. 4- أقر القرشيون الثلاثة ما كان قد جمعه زيد وإن اختلفوا معه في كيفية الكتابة، ورضي زيد أن يعدل رسمه إلى الرسم الموافق للسان قريش؛ لأنه نزل بلغتهم.   1 أخرجه البخاري 6/ 183، 184. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 113 5- وُزعت المصاحف على الأمصار، وأُلغيت الصحف الخاصة المكتوبة برسم خاص لا يعرفه إلا الكاتب وقبيلته، واعتبرت المصاحف العثمانية هي المرجع لكل المسلمين. 6- الآية التي سقطت من سورة الأحزاب ووجدها زيد عند خزيمة الأنصاري كانت موجودة في مصحف الصديق وسقطت من النساخ في عهد عثمان، ودونت في مصحفه، والمصاحف التى وزعت على الأمصار سنة خمس وعشرين. ومعنى قول زيد: "فوجدتها عند خزيمة" أي: في الموضع الذي أراد أن يضعها فيه من سورة الأحزاب. ووجودها عند خزيمة في نفس الموضع الذي روى زيد سماعها من النبي -صلى الله عليه وسلم- يؤكد دقة سماع زيد، رضي الله عنهم جميعًا. ومن هنا نتبين أن التدوين بدأ من عهد النبوة، وأن الجمع الثالث يختلف عن الجمع الثاني في أنه رتب السور وجمع الناس على رسم واحد يحتمل اللهجات العديدة، وكان كل جمع بحضور عدد يتأكد به التواتر ثم ينعقد الإجماع على ما فعلوه. ويقال: إن مصاحف عثمان أُرسلت إلى مكة، وإلى الشام، وإلى اليمن، وإلى البحرين، وإلى البصرة، وإلى الكوفة. وحبس بالمدينة واحدًا. وترتيب الآيات في السور توقيفي لا مجال للاجتهاد فيه. عن عثمان بن عفان قال: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- تنزل عليه السورة ذات العدد، فكان إذا نزل عليه الشيء دعا بعض من كان يكتب فيقول: "ضعوا هؤلاء الآيات في السورة التي يذكر فيها كذا وكذا". اهـ. وكان عليه السلام يقرأ السورة في الصلاة ويسمعها منه الصحابة، فلو لم تكن آياتها مرتبة، فكيف كان يقرأ؟ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 114 وأما ترتيب السور فباجتهاد موفق من الصحابة، وكان بعضهم كعلي بن أبي طالب يرتب السور مراعيًا تاريخ النزول إلى أن رتبها عثمان بذلك الترتيب. ومِن العلماء مَن جعل ترتيب السور توقيفيًّا. والمختار أن بعضها توقيفي والبعض الآخر اجتهادي؛ للروايات المتعارضة. ويؤخذ من تعدد الجمع وجوب مراعاة المصلحة كلما اقتضى الأمر ذلك؛ كتشكيل الحروف وتعجيم بعضها. وأما كتابة بعض الألفاظ على خلاف النطق أحيانًا، فإنه يرجع إلى اختلاف معاني أحوال الكلمات، وفي كثير من اللغات تُكتب حروف لا ينطق بها، والمطالبة بكتابة القرآن على النطق مخالفة للرسم العثماني فطمس لأثر نعتز به عن سلفنا الصالح الذين كانوا على دراية تامة بقواعد الهجاء. وأول مَن عرف الكتابة آدم عليه السلام، وأول مَن عرفة الكتابة العربية إسماعيل بن إبراهيم عليهما السلام، وكانت الكتابة غير مفرقة لا بين الكلمات ولا بين الحروف، ثم فرَّقها من بني إسماعيل: هميسع وقيذر. والكتابة في أرجح الأقوال توقيفية، وينحصر مخالفة الرسم العثماني للمألوف من الكتابة في ست قواعد: الحذف، والزيادة، والهمز، والبدل، والوصل، والفصل، وما فيه قراءتان كتب على أحدهما. وأما القراءات المختلفة المشهورة بزيادة لا يحتملها الرسم ونحوها؛ نحو: أوصى، ووصى، وتجري تحتها، ومن تحتها، وسيقولون الله، ولله، وما عملت أيديهم، وما عملته أيديهم. فكتابته على نحو قراءته، وكل ذلك وجد في مصاحف الإمام. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 115 ويستحب كتابة المصحف وتحسين كتابته وتبيينها وإيضاحها وتحقيق الخط دون مشقة. وعن ابن مسعود: "إن أحسن ما زين به المصحف تلاوته بالحق". وأول مَن نقط الحروف وشكَّلها في المصحف أبو الأسود الدؤلي بأمر عبد الملك بن مَرْوَان. وقيل: الحسن البصري ويحيى بن يعمر. وقيل: نصر بن عاصم الليثي. وأول مَن وضع الهمز والتشديد والروم والإشمام الخليل بن أحمد. ولا بأس بتحلية المصحف بالفضة. وفي الذهب خلاف. وبهذا ينتهي هذا الموضوع. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 116 الموضوع التاسع: التفسير والمفسرون مدخل ... الموضوع التاسع: التفسير 1 والمفسرون فتفسير القرآن من أشرف العلوم؛ لشرف موضوعه، ومسيس الحاجة إليه، وغايته السامية؛ وهي الفوز برضوان الله. ويقع الخلاف بين المفسرين بالرأي؛ لنظرة كل منهم إلى معنى في المسمى. ويقع الخطأ في التفسير لأحد سبيين: إما الجمود: وذلك بالوقوف عند ظواهر الألفاظ، وإما الإسراف: فتنزل آيات القرآن على معنى يوافق هوى المفسر، مما سنعرض له بالتفصيل عند الكلام على المفسرين. وما ورد من آثار تذم التفسير بالرأي، فترجع إلى الأسباب الآتية: 1- كون المفسر لا علم له. 2- لا يتناول المفسر في تفسيره إلا المتشابه من الآيات.   1 هذا البحث هام وجليل، وهو بالنسبة لعلوم القرآن ينزل منزلة الغاية من الوسيلة، والمعلول من العلة، والمسبب من السبب، ولله در شيخنا العلامة الأستاذ محمد محمد أبو شبهة رحمه الله عندما سَمَّى كتابه: المدخل لدراسة القرآن الكريم، فأصاب بذلك لب المسألة، ومن الذين كتبوا في أصول التفسير ابن تيمية رحمه الله "مقدمة في أصول التفسير"، وقد شرحها فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين شرحًا سهلًا يناسب طلاب العلم، وكذلك كتب أستاذنا الدكتور محمد حسين الذهبي "التفسير والمفسرون". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 117 3- إقامة التفسير على مذهب باطل. 4- الاستحسان بالرأي والهوى. 5- القطع فيما هو محتمل من غير دليل. ولا بد للمفسر من أن يخلص النية لله، وأن يكون القصد من التفسير محددًا واضحًا، فكلما كان كذلك دل على الكفاية العقلية لدى المفسر. والتفسير من الفسر وهو البيان والكشف. ويقال: هو مقلوب السفر تقول: أسفر الصبح إذا أضاء. وقيل: مأخوذ من التفسرة؛ وهي اسم لما يعرف به الطبيب المرض. فعلى الأول: لا يستطيع التفسير إلا من له حق البيان والقدرة عليه؛ وهو النبي وورثته العلماء من بعده. وعلى الثاني: يعرفه الزهاد الذين تجردوا من سيطرة الدنيا، والتزموا في تفسيرهم بالقواعد اللغوية والشرعية. وعلى الثالث: التفسير لله ولرسوله، وليس لأحد بعدهما. ولعل هذا هو التفسير بالمأثور. ومِن الناس مَن لم يفرق بين التفسير والتأويل، وقال الراغب: التفسير أعم من التأويل، وأكثر استعماله في الألفاظ ومفرداتها، وأكثر استعمال التأويل في المعاني والجمل، وأكثر ما يستعمل التأويل في الكتب الإلهية، والتفسير يستعمل فيها وفي غيرها. اهـ. وقال أبو طالب الثعلبي: التفسير بيان وضع اللفظ إما حقيقة أو مجازًا؛ كتفسير الصراط بالطريق، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 118 والصيب بالمطر. والتأويل: تفسير باطن اللفظ مأخوذ من الأول وهو الرجوع لعاقبة الأمور. فالتأويل: إخبار عن حقيقة المراد، والتفسير: إخبار عن دليل المراد؛ لأن اللفظ يكشف عن المراد والكاشف دليل، مثاله: قوله تعالى: {إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَاد} تفسيره: أنه من الرصد، يقال رصدته: راقبته، والمرصاد مفعال منه، وتأويله: التحذير من التهاون في أمر الله والغفلة عن الأهمية والاستعداد للعرض عليه، وقواطع الأدلة تقتضي بيان المراد منه على خلاف وضع اللفظ في اللغة. اهـ. فأنت ترى أن التفسير يتعلق بمعرفة مدلول اللفظ، واستعماله في الحقيقة أو المجاز. والتأويل يتعلق بفَهْم المراد منه عن طريق معرفة الدليل على المراد، فلا تأويل على هذا إلا بعد التفسير. ولعل هذا هو الذي عناه النبي -صلى الله عليه وسلم- من دعائه لابن عباس: "اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل". وقال أبو حيان: النفسير: علم يبحث فيه عن كيفية النطق بألفاظ القرآن ومدلولاتها وأحكامها الإفرادية والتركيبية ومعانيها التي تحمل عليها حالة التركيب وتتمات لذلك. قال: فقولنا: علم: جنس. وقولنا: يعرف به ... إلخ، شامل للقراءات ومتن اللغة والصرف والحقيقة والمجاز. وأما قوله: وتتمات لذلك، أراد به علم أسباب النزول والناسخ والمنسوخ والقصص وغير ذلك مما يحتاج له المفسر. وعليه، فإنه يتعين على الذين يتعرضون لتفسير القرآن أن يبينوا مرادهم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 119 بالتفسير، وأن يوضحوا مناهجهم فيه، وهل هم من طبقة المفسرين أو هم من علماء التأويل؟ مع الإفصاح عما يؤكد أهليتهم لما يتعرضون له. والناس يحتاجون إلى شروح للكلام الموجَّه إليهم، مع أنه يجب أن يراعي فيه المتكلم مقتضى الحال وعقلية المخاطب؛ إلا أنه يحتاج إلى مزيد من الإيضاح لكمال المؤلف ودقته. وأحيانًا يحتاج الناس إلى الشروح لغفلة المصنف عن ذكر بعض الجزئيات، وتارة يحتاجون لتردد اللفظ بين معانٍ عديدة يخفى تحديد المراد منها. هذا بالنسبة للكلام المحتاج إلى شرح وتفصيل أعم من أن يكون الكلام لله أو لغيره، كل بما يليق به، والغفلة على الله محالة. لذا فاحتياجنا لتفسير كلام الله يرجع إلى قصور فهم البعض منا عن إدراك المعاني الكثيرة من اللفظ الوجيز، أو تعيين المراد من اللفظ عند قيام أو ترجيح المراد بالأمارات. فمن أراد تفسير القرآن فعليه قبل كل شيء أن يصحح عقيدته ومقصده: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا} وعليه ثانيًا أن يُحصِّل لنفسه وسائل البحث من أصول فقه، وعلم بأسباب النزول، وعلم بالسنة رواية ودراية، وعلم بالعربية لغة ونحوًا وصرفًا وبلاغة بفروعها، ثم ليبدأ بطلب التفسير من القرآن، فإن لم يجد فليطلب مراده من السنة. وهذان هما التفسير بالماثور. فإن لم يجد رجع إلى أقوال الصحابة، فهم أدرى بالتنزيل وأعرف بالمراد، فإن تكلموا فيما لا مجال للرأي فيه، فكلامهم من التفسير بالمأثور، وإلا فهو من التفسير بالرأي؛ لتصريح الصديق بذلك في قوله: أي سماء تظلني؟! وأي أرض تقلني؟! إن أنا قلت في كتاب الله برأيي. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 120 ولا شك أن الآراء تتفاوت بتفاوت علم أصحابها وأمانتهم. ورأي الصحابة لنا خير من رأينا لأنفسنا. فإن تعارضت الآراء جُمع بينها إن أمكن، وإلا لجأنا إلى الترجيح بالأمارات. فإن لم يكن توقفنا، والتوقف خير من الإسقاط. وأؤكد هنا أن الاختلاف قليل جدًّا في الصدر الأول. وكلما مضى الزمان اتسعت هوته بتنوع المآرب وتعدد النوايا. ومن المقطوع به أنه لا خلاف بين طلاب الحق، وإن بدا شيء من ذلك، فهو اختلاف تنوع لا اختلاف تضاد، وذلك كالاختلاف في اللفظ المشترك والمتواطئ، وتقارب العبارات في التعبير، وتناول بعض الأفراد من العام وتعدد الأسماء وغير ذلك مما لا تعارض فيه في الحقيقة. والمنقول إما مأثور صحيح النسبة والدلالة، وهذا لا خلاف في وجوب تقبله. فإن تنوع النقل فيه كان التنوع دليلًا على عدم صحته، وهو مما لا فائدة فيه؛ كاختلاف النقل عن لون كلب أصحاب الكهف، واسم الغلام الذي قتله الخضر. أما إذا كان المنقول هو الرأي، فيجب على المفسر أن يتحرى أولًا صحة نسبته إلى قائله، وأن يزنه ثانيًا بالميزان الصحيح من النقل والعقل. وليعلم ثالثًا أن المتعرضين للتفسير بالرأي، منهم مَن اعتقد معنى في ذهنه ونزل عليها ألفاظ القرآن، ومنهم مَن أعمل اللفظ وصرف النظر عن المتكلم به وعن السياق الذي جاء باللفظ من أجله. والأولون صنفان: تارة يسلبون لفظ القرآن ما دل عليه وأريد به، وتارة يحملونه على ما لم يدل عليه ولم يُرَدْ به. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 121 وفي كلا الأمرين، قد يكون ما قصدوا نفيه أو إثباته من المعنى باطلًا، فيكون خطؤهم في الدليل والمدلول؛ وذلك كتفسير بعض المعتزلة وأدعياء التصوف، الذين اعتقدوا معاني في أذهانهم، ثم نزلوا عليها ألفاظ القرآن. ومن الإنصاف أن نتعرف على الناس بالحق ولا نعرف الحق بالرجال. فالمعول عليه هو الدليل الصحيح بصرف النظر عن نوعية المستدل به. والطريقة المثلى في التفسير الرجوع إلى كلام الله، ورسوله، وأصحابه من بعده، واللغة العربية التي هي لسان القرآن، وفقه مقتضى الألفاظ الذي يحصل بمعرفة عظمة المتكلم، ومعرفة السياق، وعدم مجافاة قواعد الدين المتفق عليها. قال تعالى: {أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ} وقال: {وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ} وقال: {وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ} وفي الحديث: "من فسر القرآن برأيه فليتبوا مقعده من النار" يريد: الرأي الذى لا سند له من علم، وقد قال صلى الله عليه وسلم: "القرآن ذلول ذو وجوه، فاحملوه على أحسن وجوهه". وكل لفظ احتمل معنيين فصاعدًا، فهو الذي لا يجوز لغير العلماء الاجتهاد فيه، وعليهم اعتماد الشواهد والدلائل فيما يختارون دون مجرد الرأي. فإن كان أحد المعنيين أظهر، وجب الحمل عليه، إلا أن يقوم دليل على أن المراد هو الخفي. وإن استويا، والاستعمال فيهما حقيقة؛ لكن في أحدهما حقيقة لغوية أو عرفية، وفي الآخر شرعية، فالحمل على الشرعية أولى؛ إلا أن يدل دليل على إرادة اللغوية كما في: {وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ} . ولو كان في أحدهما عرفية والآخر لغوية، فالحمل على العرفية أولى. فإن تنافَى اجتماعهما، ولم يمكن إرادتهما باللفظ الواحد؛ كالقرء الجزء: 1 ¦ الصفحة: 122 للحيض والطهر، اجتهد في المراد منهما بالأمارات الدالة عليه. فما ظنه فهو مراد الله تعالى في حقه. وإن لم يظهر له شيء، فهل يتوقف أو يأخذ بالأغلظ أو يأخذ بالأخف؟ والتوقف أحب إليَّ. والأصل أن1 النصوص القرآنية تُحمل على ظواهرها, ولا يعدل عن ذلك إذا تعذر الحمل على الظاهر وبقرينة. وأما إلغاء ظواهرها وادعاء بواطن لها تخالف الظاهر، فكفر صريح2. نعم! وفي الحديث: "إن للقرآن ظاهرًا وباطنًا، وحدًّا ومطلعًا". وهذا كله لا يخالف بعضه بعضًا. فإذا قيل: إن تحت كلمات القرآن أسرارًا لا تعارض ظواهرها، إلا أنها أعمق، قبلنا ذلك؛ حيث لا تعارض بين الباطن والظاهر: {وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ} . ويختص الراسخون في العلم بمعرفة ما يأتي: 1- ما يضر ذكره بأكثر المستمعين كالإفصاح عن الآجال، وقد فهم ابن عباس رضي الله عنهما نعي النبي -صلى الله عليه وسلم- للأمة بقول الله جل شأنه: {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ، وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا، فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ} . 2- ما يدق فهمه ويصعب إدراكه على العامة؛ كالحديث عن الروح في قوله تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْء} وقوله: {وَيَسْأَلونَكَ عَنِ الرُّوحِ} وقوله: {وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ} .   1 هذه القاعدة ذكرها العلامة النفسي في متن العقائد النسفية، وإليك ما يقوله شارحها سعد الدين التفتازاني: والنصوص من الكتاب والسنة تُحمل على "ظواهرها" ما لم يصرف عنها دليل قطعي؛ كما في الآيات التي تشعر ظواهرها بالجهة والجسيمة ونحو ذلك. لا يقال: هذه ليست من النص؛ بل هي من المتشابه؛ لأنا نقول: المراد بالنص هاهنا ليس ما يقابل الظاهر والمفسر والمحكم؛ بل ما يعم أقسام النظم على ما هو المتعارف. 2 العدول عن الظواهر إلى معانٍ يدعيها أهل الباطن، وهم الملاحدة، وسموا بالباطنية؛ لادعائهم أن النصوص ليست على ظواهرها؛ بل لها معانٍ باطنة، لا يعرفها إلا المعلم. وقصدهم بذلك نفي الشريعة بالكلية، وهذا إلحاد؛ أي: ميل وعدول عن الإسلام، وضلال واتصاف بكفر؛ لكونه تكذيبًا للنبي -صلى الله عليه وسلم- فيما علم مجيئه به بالضرورة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 123 3- إدراك التفاصيل من الكلام العام؛ كآية الوضوء: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ} . فَهِمَ الأئمة -رضوان الله عليهم- وجوب الترتيب لتوسط الممسوح؛ وهو الرأس بين مغسولين: اليد، والرجل. وفهموا الفرق بين الكعبين في الرجل والمرفقين في اليد؛ لأن اليد مشترك بين المفصل والمرفق والمنكب، ولا كذلك الرجل. 4- فهم المجازات والاستعارات والكنايات؛ من نحو قوله: {اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدَى} وقوله: {اشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا} وقوله: {وَلَكِنْ لا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا} . 5- التعبير بلسان الحال عن لسان المقال؛ مثل قوله عن السماوات والأرض: {قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ} . وكل كائن إما دال بنفسه وإما دال مستدل؛ كالإنسان، فإنه دال على وجود الله، ومستدل بما يراه على وجوده سبحانه. أما الأرض وكل ما يستدل من جماد ونبات وحيوان لا ينطق، فهو بنفسه دال على وجود خالقه. وقد قيل: سل الأرض، فإن لم تجبك اختيارًا أجابتك اعتبارًا. فعلى المفسر أن يلتزم بما يأتي: 1- معرفة سبب النزول. 2- معرفة المناسبة. 3- تحليل النص. 4- معرفة الحكمة إن كان النص في حكم تشريعي. 5- فهم السياق، فمن طلب المعاني من الألفاظ فقد أهلك نفسه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 124 وإنما الواجب أن يستقر المعنى ثم يعبر عنه باللفظ؛ ذلك أن مراتب الوجود أربع: 1- وجود الشيء في نفسه؛ وهو الحقيقة. 2- مثله في الذهن؛ وهو العلم والمعنى. 3- الوجود اللفظي المعبَّر به عما يستعر في النفس. 4- الوجود الكتابي لمن لم تمكن مشافهته. طبقات المفسرين ومدارسهم: والمفسرون طبقات: أعلاها: طبقة الصحابة، وأشهرهم في التفسير: ابن عباس؛ لكن الطرق إليه مشتبهة، وقلما تصح النسبة إليه. ويليه علي بن أبي طالب، وهو مثله في كثرة الافتراء عليه من الجهلة والمتخرصين. ويليهما عبد الله بن مسعود. ثم طبقة التابعين الذين أقاموا ثلاث مدارس في مكة، وعلى رأس مدرستها مجاهد.. وفي المدينة وعلى رأس مدرستها زيد بن أسلم.. وبالكوفة تلاميذ ابن مسعود. ويلي ذلك طبقة أتباع التابعين ومَن بعدهم. وكانت كل هذه التفاسير تذكر بأسانيدها، ثم ظهر مفسرون حذفوا الأسانيد وقالوا: ما الخطأ فيه أكثر من الصواب؛ كتفاسير أصحاب الفِرَق والمذاهب للسلف الصالح. وقد ورد تفسير مأثور لبعض الآيات، الصحيح منه قليل، والباقي يجب التحري لمعرفة مدى صحته. ومن أوثق الكتب لذلك تفسير العلامة ابن كثير. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 125 منزلة التفسير : إذا كان الكلام يستمد قيمته من قيمة موضوعه، فتفسير القرآن من أجلِّ العلوم وأنفعها. وكلام الله في نفسه مبين، ميسر لكل طالب له إلمام بمتن اللغة فيما يتعلق بالألفاظ التي تبدو غريبة على المستعجمين ممن يعرفون العربية، وقد لا تزيد عن مائة لفظ. بيد أن تراكيب الجمل فيها، وقابليتها لأكثر من احتمال؛ لما تمتاز به من عموم ومرونة، حتما أن يكون للقرآن تفسير، يعبر فيه المفسِّر عما انقدح في ذهنه، ولا يعني أن ماذهب إليه سُنَّة صحيحة عن النبي صلى الله عليه وسلم. وقد قال الإمام أحمد: ثلاثة أشياء لا أصل لها: التفسير، والمغازي، والملاحم. ذلك أن أهل السير وأصحاب الأخبار، أدخلوا أشياء في التفسير لا صلة لها به. وكذلك أدخلوا في السير كثيرًا من الأخبار الشاذة التي أثبت الواقع كذبها. وإذا كان مدلول الخبر مستحيلًا، أو لا يتفق مع العصر الذى نُقل فيه؛ كان باطلًا. ويعني رحمه الله: أنها لا تعتمد على حجج قاطعة؛ إلا ما أُثر عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهو قليل بالنسبة لما ينسب إليه، أو إلى ابن عباس وعلي وغيرهما. ولما غلبت العجمة علينا أصبح التفسير ضرورة في حياتنا. قال الراغب الأصفهاني: إن أشرف صناعة يتعاطاها الإنسان تفسير القرآن وتأويله؛ وذلك لأن الصناعة إنما تشرف بشرف موضوعاتها، أو بشرف أغراضها، وصناعة التفسير قد تحقق لها الشرف في الموضوع؛ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 126 لأن موضوعها كلام الله تعالى، الذي هو ينبوع كل حكمة، ومعدن كل فضيلة، وتحقق لها شرف الصورة؛ لأن صورته إظهار المكنون في القرآن من أسرار أودعها الله فيه، وتحقق لها شرف الغرض؛ لأن مقصدها التمسك بالعروة الوثقى التي لا انفصام لها، والوصول إلى السعادة الحقيقية التى لا فناء لها. وكل كمال ديني أو دنيوي، عاجل أو آجل، مفتقر إلى العلوم الشرعية والمعارف الدينية، وهي متوقفة على العلم بكتاب الله تعالى. قال ابن مسعود: "كان الرجل منا إذا تعلم عشر آيات لم يجاوزهن حتى يعرف معانيهن والعمل بهن". ولا بد من العلم قبل العمل: {كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ} .. فقوله: {مُبَارَكٌ} أي: كثير الخير والمنافع؛ كالشجرة الطيبة تؤتي أكلها كل حين بأذن ربها لمن يستظل بها، وتتشوف نفسه لثمارها. وتدبر الآيات مطلوب شرعي، ولا يكون التدبر بغير فهم ولا فهم إلا بعد تفسير.. وقوله: {وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ} فيه لمحة إلى موافقة القرآن للفطرة الإنسانية، وما هو مركوز فيها قبل أن تشوهها أخطار البيئة ومخلفات الوراثة، وتركات الأجيال المريضة في منكر أصبح في صورة المعروف. وفي القرآن نبأ ما قبلنا وخبر ما بعدنا وحكم ما بيننا {وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ، قُرْآنًا عَرَبِيًّا غَيْرَ ذِي عِوَجٍ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ} . وعلى مقدار ما يُعطى المفسر من توفيق الله يكون تأثيره في نفس قرائه وسامعيه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 127 ويقول ابن كثير في مقدمة تفسيره: فالواجب على العلماء الكشف عن معاني كلام الله، وتفسير ذلك وطلبه، وتعلم ذلك وتعليمه؛ كما قال تعالى: {وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلا تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ} 1. وما أقبح لحامل القرآن أن يتلو فرائضه وأحكامه عن ظهر قلب، وهو لا يفهم ما يتلو! فكيف يعمل بما لا يفهم معناه؟ قال تعالى: {وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ} وما أقبح أن يُسأل عن فقه ما يتلوه فلا يدريه، فما مثل من هذه حالته إلا كمثل الحمار يحمل أسفارًا!! ذلك لأن القرآن كما هو مطلوب تلاوته، كذلك مطلوب تفهمه للعمل به.. قال إياس بن معاوية: "مثل الذين يقرءون القرآن وهم لا يعلمون تفسيره كمثل قوم جاءهم كتاب من ملكهم ليلًا، وليس عندهم مصباح، فتداخلتهم روعة، ولا يدرون ما في الكتاب، ومثل الذي يعرف التفسير كمثل رجل جاءهم بمصباح فقرءوا ما في الكتاب". ومما تسيء المسلم رؤيته أن يرى بعض حملة القرآن وهم يرددونه ينشغلون بإعجاب الناس، فيخرجون عن تلاوته حق التلاوة، أوينزلون بألفاظه عن منازلها. "ولقد انصرف شيخ الإسلام ابن تيمية عندما سمع قارئًا كان يقرأ في مأتم مَن يُدعى يوسف، سمعه وهو يقول: {يَا أَسَفَى عَلَى يُوسُفَ} فقال: هذا نياح بالقرآن".. ومما يندى الجبين له أن نرى لأناس تفاسير ليس بها إلا التعبير عن هوى مأخوذ، ورأي ساقط، لا علم لأصحابها بسُنَّة، ولا دراية لهم بلغة، وكل ما أهلهم لذلك دراسات لا صلة لها بالدين، وجرأة على كلام أحكم الحاكمين.   1 انظر: تفسير القرآن العظيم، لابن كثير 1/ 10، ط ابن كثير. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 128 طرائق التفسير : أ- طريقة أهل السنة: أساس هذه الطريقة الاعتماد على ما جاء عن الله، ثم ما جاء عن الرسول -صلى الله عليه وسلم- ثم جاء عن الصحابة, وما سوى ذلك يجتهد المفسر فيه، وهو من التفسير بالرأي الذي قد يخطئ صاحبه ويصيب.. أما الاعتماد على ما جاء عن الله فمسلم؛ لأنه هو الأعلم بمراده، وقد قال: {كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآياتِ} .. وأما ما جاء عن الرسول -صلى الله عليه وسلم- وثبت نسبته له، فلا خلاف في تقبله؛ إذ من وظيفته البيان؛ كما قال سبحانه: {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} . وأما ما نُقل عن الصحابة، فمن العلماء من قبله مطلقًا؛ لأنهم أدرى بالتنزيل وأخوف من الله. ومن العلماء من قبل عن الصحابة ما لا مجال للرأي فيه؛ كأسباب النزول، والحديث عن الغيبيات، وتوقف فيما نُسب للصحابة وللعقل فيه مجال؛ لأنهم إنما يتكلمون في هذا برأيهم، وقد ينقلونه عن غيرهم من مسلمة أهل الكتاب الذين نقلوه بدورهم عن كتبهم المشكوك في صحتها.. وما أظن أن يختلف سني في تقبل ما نُقل عن الصحابة، متى سَلِمَ من الشذوذ والعلل القادحة فيه؛ فهم السابقون الأولون من المهاجرين والأنصار {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ} . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 129 وقد شهد الله لهم بالصدق في قوله من سورة الحشر: {أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ} .. وشهد لهم بالفلاح. ولا يرد قول صادق فضلًا عن الصحابة رضوان الله عليهم.. ب- طريقة المعتزلة: وأساس هذه الطريقة الاعتماد على العقل، فإن وافقه النقل قُبل، وإن عارضه أُوِّلَ النقل مما يتفق مع العقل، وقد ظهرت هذه الطريقة في العصر العباسي وقت أن اختلط المسلمون بغيرهم، ونشروا طريقتهم تلك في كتبهم؛ ترويجًا لمذهبهم الاعتزالي. ونحن لا ننازعهم أن العقل هو المخاطب بالنصوص؛ لكن ننازعهم في ردهم ظاهر المنقول وتأويله، حتى يتلاقى مع المعقول؛ إذ العقل مأمور لا آمر، مطالب بالإيمان كما هو مطالب بالتعقل، وله حدود يجب أن يقف عندها خصوصًا في المسائل الغيبية؛ كرؤية الله، واتخاذه إبراهيم خليلًا. ج- طريقة الصوفية: حاول الصوفية منذ أقدم العصور أن يجدوا لمبادئهم مستندًا من النصوص القرآنية، وأن يتخذوا من القرآن عمدة في تأييد خطتهم وطريقهم. والصوفية يرون أن النص القرآني تحتجب وراء دلالته اللفظية أفكار عميقة ومعانٍ دقيقة، ويرون أن المعنى الحقيقي للتنزيل الإلهي لا يتناهى عند هذه البسائط البادية من ظاهره. وأن هناك معنًى ظاهرًا ومعنًى باطنًا، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 130 وأن الأهم هو المعنى الباطن؛ ولذلك يقول ناصر الدين خسرو: "تفسير النص بالظاهر هو بدن العقيدة، بيد أن التفسير الأعمق يحل محل الروح، وأنَّى يحيا بدن بلا روح! ... ". وهم يقولون بعلم الإشارة؛ وهو علم ما في القرآن من أسرار عن طريق العمل به، ويسمون هذا مذهب أهل الصفوة في المستنبطات الصحيحة في فهم القرآن.. والصوفية أيضًا يقولون بأن تحت كل حرف من حروف القرآن كثيرًا من الفهم، وهو مذخور لأهله على قدر ما قسم لهم من ذلك1، ويستدلون على ذلك بقوله تعالى: {وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ} .. وقوله سبحانه: {وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ} . وقالوا: إن معنى {مِنْ شَيْءٍ} من شيء من علم الدين، وعلم الأحوال التي بين الخلق وبين الله تعالى، وغير ذلك.. وإنما يصل الإنسان إلى ذلك إذا تدبر في القرآن وتفكر وتيقظ وأحضر قلبه عند تلاوته؛ لأن الله تعالى يقول: {كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ} . والمهم هنا حضور القلب؛ لقوله تعالى: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ} .   1 والتحقيق أن كل ما خالف دلالة اللفظ الظاهرة بدون قرينة مردود لا يقبل، فقس على هذه القاعدة كل ما تجده من جزئيات في تفاسير الصوفية وغيرهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 131 وقال أبو سعيد الخراز: "كلما بدا حرف من الأحرف من كتاب الله عز وجل على قدر قربك وحضورك عنده، فله مشرب وفهم غير مخرج الفهم الآخر. وإذا سمعت بقوله {الم، ذَلِكَ} فللألف علم يظهر في الفهم غير ما يظهر اللام. وعلى قدر المحبة وصفاء الفكر ووجود القرب يقع التفاوت في الفهم". اهـ. وجاء في اللمع أن سهل بن عبد الله قال: "لو أعطي العبد لكل حرف من القرآن ألف فهم لما بلغ نهاية ما جعل الله في آية في كتاب الله تعالى من الفهم؛ لأنه كلام الله وصفته". وكما أنه ليس لله نهاية، فكذلك لا نهاية لفهم كلامه؛ وإنما يفهمون على مقدار ما يفتح الله تعالى على قلوب أوليائه من فهم كلامه، وكلام الله غير مخلوق، فلا تبلغ إلى نهاية الفهم فيه فهوم الخلق. والصوفية يقررون أن طريق الفهم العميق للقرآن الكريم مفتاحه العمل بالقرآن؛ ولذلك يقول أبو سعيد: أول الفهم لكتاب الله تعالى العمل به؛ لأن فيه العلم والفهم والاستنباط. وأول الفهم: إلقاء السمع والمشاهدة؛ لقوله عز وجل: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ} . وقال تعالى: {الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ} . ويرون أن الذين تنكشف لهم الخزائن المذخورة تحت كل آية؛ بل تحت كل حرف في القرآن الكريم؛ إنما هم الراسخون في العلم، الذين رسخوا بأرواحهم في غيب الغيب وفي سر السر، يعرفهم ما عرفهم وأراد منهم من مقتضى الآيات ما لم يرد من غيرهم، وخاضوا في بحر العلم بالفهم لطلب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 132 الزيادات، فانكشف لهم من مذخور الخزائن والمخزون تحت كل حرف وآية، فاستخرجوا الدر والجوهر ونطقوا بالحكم.. وقد شغل فريق من الصوفية أنفسهم بتفسير الحروف في القرآن الكريم؛ ومن أمثلة ذلك ما ذكره الطوسي من أن جميع ما أدركته العلوم ولحقته الفهوم -ما عبر عنه وما أشير إليه- مستنبط من حرفين، ومن أول كتاب الله؛ وهو قوله: {بِسْمِ اللَّهِ} و {الْحَمْدُ لِلَّهِ} ؛ لأن معناه: بالله ولله. والإشارة في ذلك أن جميع ما أحاط به علوم الخلق وأدركته أفهامهم، فليست هي قائمة بذاتها؛ وإنما هي بالله قامت وله انتهت. وسئل بعضهم عن الإشارة في "الباء" من {بِسْمِ اللَّهِ} فقال: أي: بالله قامت الأرواح والأجساد والحركات، لا بذواتها.. وقالوا: إن اسم الله الأعظم هو "الله"؛ لأنه إذا ذهب الألف يبقى "لله"، وإن ذهب اللام يبقى "له"، فلم تذهب الإشارة، وإن ذهب اللام الآخر بقي "هاء"، وجميع الأسرار في "الهاء"؛ لأن معناها: هو، وجميع الأسماء إذا ذهب عنه حرف ذهب معناه ولم يبقَ فيه موضع للإشارة، فمن أجل ذلك لا يسمى به غيره. والميزان لهذ الطرق يأتي في حديثنا عن أهم قواعد التفسير.. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 133 شروط المفسر 1: مفسر القرآن لا يبين كلام مخلوق حتى يُتسامح معه؛ وإنما يحاول بجهده أن يوضح المراد ما استطاع إلى ذلك سبيلًا، والعلوم الأخرى تتقارب فيها العلماء وتدنو فيها الأفهام، أما علم التفسير، فالناس يتباينون فيه على قدر قربهم من الله وبُعْدِهم عنه، وعلى مقدار ما حصَّلوه من علوم، إتقانًا وفهمًا، وتوفيقًا وإخفاقًا. وفي نهاية المطاف يسلمون بعجزهم عن إدراك المراد كله، وكلام الله كامل، وليس الكمال من الدنيا ولا هو في طبيعتها ولا هو شيء يُدرك؛ ولكن من عظمة الكمال أن استمرار العمل له هو إدراكه. وكلام الله ورسوله قريب كالروح في جسمها البشري، بعيد كالروح في سرها الإلهي، فاض من لسان وراؤه قلب، وراؤه نور، وراؤه الله {قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ، يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} . وفي القرآن الحكيم لطائف وإشارات، تبدو للبعض وتخفى على البعض {وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ} . والقرآن بلسان عربي مبين. وأول ما يتعين على المفسر تحصيله علم اللغة؛ ليعرف به شرح المفردات ومدلولاتها بحسب الوضع، ولا يكفي في حقه معرفة اليسير من اللغة؛ فقد يكون اللفظ مشتركًا، وهو يعلم أحد معانيه ولا يعلم الباقي؛ بينما هو المراد، وقد قال مجاهد: "لا يحل لأحد يؤمن بالله واليوم الآخر أن يتكلم في كتاب الله إذا لم يكن عالمًا بلغات العرب".   1 راجع شروط المفسر في: الإتقان والبرهان. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 134 والقرآن صفَّى اللغة من أكدارها، وأجراها في ظاهرها على بواطن أسرارها؛ فجاء بها في ماء الجمان أملأ من السحاب، وفي طراءة الخلق أجمل من الشباب. الثاني: النحو؛ لأن المعنى يتغير ويختلف باختلاف الإعراب، فلا بد من معرفة وجوه الإعراب بعد فهم المعنى أولًا؛ إذ الإعراب فرع المعنى. وقد أخطأ قوم فجعلوا الإعراب هو الأصل ورتبوا عليه المعنى. فجانبهم الصواب، مثاله: عطفهم قوله تعالى "عن قوم شعيب": {أَصَلاتُكَ تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا أَوْ أَنْ نَفْعَلَ فِي أَمْوَالِنَا مَا نَشَاءُ} . عطفوا {أَوْ أَنْ نَفْعَلَ} على {أَنْ نَتْرُكَ} ففسد المعنى، وصار التصرف في المال كما يشاءون مأمور به؛ لأنه معطوف على {أَنْ نَتْرُكَ} وهو مأمور به، مع أن التصرف منهي عنه، فهو معطوف على "ما" المعمول لنترك. وقد سئل الحسن عن الرجل يتعلم العربية، يلتمس بها حسن المنطق، ويقيم بها قراءته، فقال للسائل: "حسن فتعلمها؛ فإن الرجل يقرأ الآية فيعنى بوجهها فيهلك فيها".. والمراد بالعربية هنا الإعراب وهو النحو. ويقال: ما وُضعت قواعد النحو إلا للقضاء على شيوع اللحن، وسماع بعض القراء يقرأ: {أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ} بكسر اللام، نعوذ بالله من ذلك. الثالث: التصريف؛ إذ به يعرف المفسر أبنية الكلمات وموازينها وصيغتها، فإذا وجد كلمة مبهمة استطاع معرفة مادتها ومعناها، ومن جهل علم التصريف تعرَّض لأخطاء مضحكة في التفسير. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 135 مثاله: {قُلُوبُنَا غُلْفٌ} جمع غلاف وهو الدعاء، وهذا ضعيف؛ لأنهم بذلك يمتدحون أنفسهم، مع أنهم يعتذرون بعدما قال الله لهم: {أَفَكُلَّمَا جَاءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لا تَهْوَى أَنْفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقًا كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقًا تَقْتُلُونَ} . والصواب: أنه جمع أغلف وهو المغلق؛ ليوافق السياق. ومما يلحق بعلم التصريف علم الاشتقاق، وبه تعرف مادة الاسم المأخوذ منها ذلك الاسم مثل: لفظ التأويل، أهو من الأول وهو الرجوع، أو من الإيالة وهى السياسة؟.. وكذا قوله: {وَقَالُوا قُلُوبُنَا فِي أَكِنَّةٍ} جمع كنان؛ لكن أهو من أكن إذا أخفى، أو كن إذا حفظ ومنه: {بَيْضٌ مَكْنُونٌ} . الرابع: علوم البلاغة الثلاثة: المعاني والبيان والبديع، فعن طريق المعاني يعرف المفسر خواص تراكيب الكلام من جهة إفادتها المعنى فمثلًا: حرف "لو" لو اقترن بالفعل أفاد التعليق؛ نحو: {وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لَأسْمَعَهُمْ} . ولو اقترن بالاسم أفاد التخصيص مع التعليق؛ نحو: {قُلْ لَوْ أَنْتُمْ تَمْلِكُونَ خَزَائِنَ رَحْمَةِ رَبِّي إِذًا لَأَمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الْإِنْفَاقِ} . ولو اقترن بالحرف أفاد اللوم مع التخصيص والتعليق؛ نحو: {وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُوا حَتَّى تَخْرُجَ إِلَيْهِمْ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ} . وبعلم البيان يعرف خواص التراكيب من حيث اختلافها بحسب وضوح الدلالة على المعنى المراد أو خفائها؛ نحو قوله عن الشياطين: {تَنَزَّلُ عَلَى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ، يُلْقُونَ السَّمْعَ وَأَكْثَرُهُمْ كَاذِبُونَ} . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 136 وقوله سبحانه: {وَحَفِظْنَاهَا مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ رَجِيمٍ، إِلَّا مَنِ اسْتَرَقَ السَّمْعَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ مُبِينٌ} . وقوله: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الْأِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا} . فتلك النصوص متفاوتة في الظهور والخفاء. والمصرَّح به يدركه العامي قبل أن يدرك المكنى عنه. وتستمتع الخاصة بالثاني أكثر من استمتاعها بالمصرح به. وبعلم البديع يعرف وجوه تحسين الكلام. الخامس: علم القراءات؛ فيه يعرف النطق بالقرآن، وعليه تتعدد المعاني، ومنه تتكاثر الوجوه نحو قوله: {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} بإثبات المد وإسقاطه، فكل مَلِك مالك من غير عكس.. ولقد كانت القراءات الصحيحة وتعددها مصدرًا هامًّا لاستنباط الفقهاء منها أقوالهم. السادس: علم التوحيد؛ فيه يعرف المفسر كيف يحمل أسماء الله وصفاته، فلا يعطلها ولا يحرفها؛ وإنما يجريها كما أجراها سبحانه، مع اعتقاد أنه {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} .. السابع: أصول الفقه1؛ وبه يستطيع المفسر أن يدرك وجه الاستدلال على الأحكام. الثامن: معرفة أسباب النزول؛ فإنه يعين على فهم المعنى2.   1 أصول الفقه: معرفة دلائل الفقه إجمالًا وكيفية الاستفادة منها وحال المستفيد. 2 سبق الحديث عن أسباب النزول مفصلًا في أول الكتاب، وللمحقق بحث في أسباب النزول، يسر الله طبعه وإخراجه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 137 واعلم أن من القرآن ما نزل ابتداء من غير سبب، ومنه ما نزل ليفصل في وقائع وقعت، والاشتغال بمعرفة ذلك من المهمات التي لها فوائد عديدة: 1- منها: معرفة وجه الحكمة الباعثة على تشريع الحكم. 2- ومنها تخصيص الحكم به عند مَن يرى أن العبرة بخصوص السبب. 3- ومنها: أن اللفظ قد يكون عامًّا ويقوم الدليل على تخصيصه، فلا يتناول التخصيص صورة السبب. 4- ومنها: الوقوف على المعنى وإزالة الإشكال، فمثلًا قوله تعالى: {لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا إِذَا مَا اتَّقَوْا وَآمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} . قد يفهم منه إباحة بعض المطعومات المحرمة ما دام المتناول تقيًّا مؤمنًا عاملًا للصالحات، فإذا عرف سبب النزول فُهم أنها نزلت لما سأل الصحابة عن مصير إخوانهم الذين ماتوا وكانوا يشربون الخمر وهي رجس ولم تكن قد حرمت؛ فأنزل الله الآية إشارة إلى أن مَن مات قبل التحريم فلا جناح عليه. وكذا قوله في الذين صلوا إلى بيت المقدس وماتوا قبل تحويل القبلة إلى الكعبة، قال في قبول أعمالهم: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُوفٌ رَحِيمٌ} . 5- ومن فوائد معرفة أسباب النزول: دفع توهم الحصر؛ فمثلًا قوله تعالى: {قُلْ لا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ} . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 138 ظاهر هذا حصر المحرمات في هذه الأمور، فإذا علم السبب وهو أن المشركين لما حرموا ما أحل الله وأحلوا ما حرم الله وكانوا على المضادة والمحادة جاءت الآية مناقضة لغرضهم؛ فكأنه قال: لا حلال إلا ما حرمتموه، ولا حرام إلا ما أحللتموه، نازلًا منزلة مَن يقول: لا تأكل اليوم حلاوة، فنقول: لا آكل اليوم إلا حلاوة. والغرض المضادة لا النفي والإثبات على الحقيقة؛ فكأنه قال: لا حرام إلا ما أحللتموه من هذه الأصناف، ولم يقصد حل ما وراءها أو تحريمه؛ بل هو مسكوت عنه حتى جاءت آيات تضيف أصنافًا أخرى إلى هذه المحرمات. 6- ومن فوائد معرفة أسباب النزول: التعرف على الاسم الذي نزلت فيه وتعيين المبهم فيها؛ مثل: {قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا} هي خولة وزوجها سلمة بن الأكوع. التاسع: علم الحديث رواية ودراية، فبالرواية يعرف تقديم المأثور على الرأي، وبالدراية يعرف صحيح الحديث من سقيمه. العاشر: الناسخ والمنسوخ؛ ليعلم المفسر به الآيات المحكمة والآيات المنسوخة إذا وجدت. ولا بد للمفسر من تقوى الله قبل هذه الشروط العشرة، قال في البرهان: واعلم أنه لا يحصل الناظر فهم معاني الوحي، ولا يظهر له أسراره، وفي قلبه بدعة أو كبر أو هوى أو حب الدنيا، أو وهو مُصِرٌّ على ذنب، أو غير متحقق بالإيمان، أو ضعيف التحقيق، أو يعتمد على قول مفسر ليس عنده علم أو راجع إلى معقوله، وهذه كلها حجب وموانع بعضها آكد من بعض. اهـ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 139 قال تعالى: {سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ} . قال سفيان بن عيينة: "يقول: أنزع عنهم فهم القرآن". أما المجاهدون الذين طهرت صدورهم من الحقد، وبرئت نفوسهم من الشهوات، وتنزهت ميولهم عن خسيس المطامع، فلهم هذا الوعد الحسن من رب العباد ومجري الأرزاق: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} .. ونُقل عن بعض السلف الإمساك عن القول في التفسير؛ لأنه قول عن الله، كما قد نقلت أقوال أخرى عنهم تدل على أقوالهم فيه، وهنا أربع مقامات تجمع بين امتناعهم وخوضهم: المقام الأول: القول بما لا علم لهم به، وهذا حرام اتفاقًا؛ لقوله تعالى: {إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْأِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ} . المقام الثاني: ما مست الحاجة إليه، وعند المفسر علم به، وهذا يحرم كتمانه؛ لقوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ، إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُولَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ} . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 140 المقام الثالث: ما كان الأمر فيه مشتبهًا على المفسر ويجب عليه التوقف لأنه ظان، والظن لا يُغني من الحق شيئًا، قال تعالى: {وَمَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا} . المقام الرابع: مَن يقول جزافًا فيصيب، وهذا حرام؛ لما رواه جندب أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "من قال في القرآن برأيه فأصاب فقد أخطأ". وعلى هذه المقامات، يمكنك الجمع بين الأقوال المتعارضة المنقولة عن السلف، وليس في القرآن شيء يستعصي على الفهم بوجه ما وإن خَفَتْ بعض الأوجه على كثير من العلماء، وقالوا: {آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا} . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 141 مع المفسرين وكتبهم : مِن المفسرين مَن سلك طريقة الإجمال؛ للتيسير على الطالب؛ كما فعل الجلالان: السيوطي، والمحلي.. ومنهم مَن سلك المقارنات؛ للتوفير على الطالب الرجوع إلى هذه المراجع؛ كما فعل الجمل في حاشيته.. ومنهم مَن سلك طريقة التحليل؛ كمعظم الكتب التي في أيدينا، ومعظمها ينقل بعضها من بعض.. فمنهم مَن سلك مسلك المتكلمين. ومنهم مَن سلك مسلك الفقهاء. ومنهم مَن سلك مسلك المحدثين. ومنهم مَن ضمَّن تفسيره مباحث لغوية وبلاغية. ومنهم مَن سلك مسلك الموضوعية؛ فاستعرض آيات الأحكام مثلًا، أو القصة القرآنية. وكان هذا كنواة للتفسير الموضوعي. وكثير من كتب التفسير قد مُلئت بأخبار نُقلت عن علماء أهل الكتاب الذين أسلموا؛ كعبد الله بن سلام، وكعب الأحبار، ووهب بن منبه، وأغلبها لم يصح، ومن بين الكتب الحافلة بالقصص كتاب أحمد بن محمد بن إبراهيم الثعلبي النيسابوري صاحب "التفسير الكبير"، المتوفَّى سنة سبع وعشرين وأربعمائة.. وفي زمن التابعين دُوِّنَ التفسير وصُنف فيه، وأول كتاب ظهر في التفسير كان لسعيد بن جبير المتوفَّى سنة أربع وستين، وكان من أعلم التابعين في التفسير، نص على ذلك قتادة، وحكاه السيوطي في "الإتقان". وتوالت بعد ذلك المؤلَّفات، ومن أشهرها كتاب "الرغيب في القرآن" لأبي عبد الله محمد بن عمر الواقدي، المتوفَّى سنة سبع ومائتين، ثم "جمع البيان" لابن جرير الطبري، وهو حافل بالمأثورات والقراءات والاستشهاد بالشعر، إلا أن ما به من المأثورات في أغلبه مقال. وكان ذلك في المائة الثالثة للهجرة. وفي المائة الرابعة ظهر تفسير النيسابوري، وفي المائة الخامسة ظهر كتاب "البيان الجامع لكل علوم القرآن" وهو للشيخ أبو جعفر محمد بن الحسن الطوسي شيخ الإمامية من الشيعة.. وفي المائة السادسة ظهر كتاب "الكشاف" للزمخشري، وهو يهتم بالتحقيق اللغوي والأسرار البلاغية، وقد سلك في تفسيره مسلك المعتزلة، وذلك على صحة مذهبهم وإن تكلف في ذلك الكثير. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 142 وفي المائة السابعة أُلف "أنوار التنزيل" للبيضاوي، وهو كثير النقل عن الكشاف. وقد أتى بأحاديث في فضائل السور، أغلبها فيه مقال. وفي المائة الثامنة ظهر تفسير ابن كثير، ويمتاز بتحقيق ما أورده الطبري من مأثورات وإن كان لم تزل فيه بقية تحتاج إلى تمحيص. وظهر كتاب "البحر" لأبي حيان، وهو من أدق المفسرين ملحظًا. وفي المائة التاسعة ظهر كتاب "نظم الدرر في تناسب الآي والسور" للبقاعي، وهو يهتم بالمناسبة كما هو معلوم من عنوانه. وفي المائة العاشرة ظهر كتاب "إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم" لأبي السعود، وهو يهتم بالأسرار اللغوية، وليس به اعتزال. وفي المائة الحادية عشرة ظهر كتاب "عين الحياة" للشيخ بهاء الدين العاملي الكركي. وفي المائة الثانية عشرة ظهر كتاب "البرهان في تفسير القرآن" للسيد هاشم البحراني. وفي المائة الثالثة عشرة ظهر كتاب "روح المعاني" للألوسي، وهو من أجمع التفاسير لتأخره.. وكتاب "المنار" للسيد رشيد رضا، وكان هذا في المائة الرابعة عشرة. والحق أن المفسرين أكثر من أن يحصوا، فلغير من ذكرنا كتب نفيسة نحت منحى الفقه؛ كالجامع لأحكام القرآن للقرطبي، أو نحو الفلسفة؛ كالتفسير الكبير للفخر الرازي، أو تعرضت لبعض الآيات؛ كالتفسير القيم لابن القيم، الذى جُمع أخيرًا من كتبه العديدة. ومن بين الكتب المفيدة في التفسير كتاب "فتح القدير" للشوكاني، وكتاب "القاسمي"، وتفسير الواحدي، وغيرهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 143 وقد تدرج التفسير بتدرج الحياة, فبدأ قليلًا موقوفًا على المنقول بسنده، ثم حذف السند بدعوى الاختصار ودخل الدخيل، وطعن الناس في المنقول، وانطلق العقل من عقاله يشكك ويفند ويستنتج؛ حتى عد من لا علم له التفسير بالرأي مقابلًا للتفسير المأثور، وضاق البعض ذرعًا بالمعقول وتهوره، كما ضاقوا بالمنقول وتضاربه. والحق أن الإحجام عن التفسير تورعًا مغالاة تنافي التدبر، وأن تطويع الآيات للهوى إسراف ينافي التفكير. ولا بد للباحث من مطالعة حبل الأفكار؛ ليحظى بأكبر قدر من الأسرار. ومن المفسرين من شحن تفسيره بقواعد العلوم؛ كالطب والهيئة والطبيعة وغيرها، ورجع بكل ذلك إلى نصوص قرآنية، وتلك المحاولات وإن بدت منها فوائد ففيها أضرار؛ إذ تلك العلوم لا تعرف الكلمة الأخيرة، فهي متطورة بتطور أصحابها. ويكفي القرآن أنه ليس فيه نص يعارض حقيقة علمية؛ بل يدعو إلى السير والنظر وارتقاب النتائج {سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ} وقوله تعالى: {مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ} إن أريد به القرآن، فالمراد كليات المسائل. والصواب: أنه اللوح المحفوظ؛ كقوله تعالى: {وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ} وقوله سبحانه: {وَكُلُّ شَيْءٍ فَعَلُوهُ فِي الزُّبُرِ} . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 144 وهذا تفصيل لمناهج بعض المفسرين الموجودة كتبهم بأيدينا، وهي مرتبة حسبما نراه مهمًّا للطالب معرفته: 1- مفاتيح الغيب للرازي: وقد وُلد في اليوم الخامس والعشرين من رمضان سنة أربع وأربعين وخمسمائة، وقيل: سنة ثلاث وأربعين، الموافقة لسنة 1149م. نسبه ولقبه: هو الإمام الكبير شيخ الإسلام العلامة النحرير، الأصولي، المتكلم، المناظر، المفسر، صاحب التصانيف المشهورة في الآفاق، الخطية في سوق الإفادة بالاتفاق، أبو عبد الله محمد بن عمر بن الحسين بن الحسن بن علي التيمي البكري القرشي، الطبرستاني، الرازي المولد، الملقب فخر الدين، المعروف بابن الخطيب أو ابن خطيب الري؛ ذلك أن أباه كان خطيبًا، الفقيه الشافعي المذهب، الأشعري العقيدة، الملقب بالإمام عند علماء الأصول، المقرر لشبه مذاهب الفرق المخالفين، والمبطل لها بإقامة البراهين، أفاق أهل زمانه في العلوم العقلية والنقلية، وخصوصًا في الأصلين: أصول الفقه وأصول الدين والمعقولات، وعلم الأوائل، فريد عصره، ونسيج وحده. قال فيه بعض العلماء: خصه الله برأي هو للغيب طليعة ... فيرى الحق بعين دونها حد الطبيعة وقد كان الرازي يعظ باللسانين: العربي والعجمي، وكان يلحقه الوجد حال الوعظ ويكثر البكاء، وكان يحضر مجلسه بمدينة "هراة" أرباب المذاهب والمقالات، ويسألونه وهو يجيب كل سائل بأحسن الأجوبة والمجادلات على الجزء: 1 ¦ الصفحة: 145 اختلاف أصنافهم ومذاهبهم، ويجيء إلى مجلسه الأكابر والأمراء والملوك, وكان صاحب وقار وحشمة ومماليك وثروة وبزة حسنة وهيئة جميلة، إذا ركب مشى معه نحو ثلاثمائة مشتغل على اختلاف مذاهبهم في التفسير والفقه والكلام والأصول والطب وغير ذلك. ورجع بسببه خلق كثير من الطائفة الكرامية إلى مذهب أهل السنة، وكان يلقب بهراة بشيخ الإسلام. وتُوفي فخر الدين يوم الاثنين -يوم عيد الفطر- سنة ست وستمائة هجرية، الموافقة لسنة ألف ومائتين وتسع ميلادية بمدينة هراة، رحمه الله رحمة واسعة. ومن مصنفاته: تفسير القرآن الكريم المسمى بـ"مفاتيح الغيب"، جمع منه من الغرائب والعجائب ما يطرب كل طالب، وهو كبير جدًّا، وترجع شهرة الرازي إلى هذا التفسير؛ إذ جمع فيه بين المباحث الكلامية والفلسفية والدينية، وردَّ فيه على تأويلات المعتزلة للقرآن، وضمَّنه محاولته للتوفيق بين الفلسفة والدين. وله من التصانيف: - المطالبة العلية، في ثلاثة مجلدات ولم يتمه. - نهاية المعقول في دراية الأصول، في مجلدين. - كتاب الأربعين في أصول الدين. - محصل أفكار المتقدمين والمتأخرين. - كتاب البيان والبرهان في الرد على أهل الزيغ والطغيان. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 146 منهجه في تفسيره: 1- يعتمد على الاستدلال والنظر، وهو فكر يتوصل به إلى علم أو غلبة ظن، فإن كان النظر صحيحًا في صورته ومادته، وصل إلى العلم بالمنظور فيه عقلًا. وشروط النظر عنده: الحياة، والعقل، وعدم المعارض. وشروط النظر الصحيح: أ- النظر في الدليل لا في الشبهة. والفرق بينهما أن النظر في الدليل يوصل إلى العلم بالمطلوب، بخلاف النظر في الشبهة؛ فإنها لا توصل؛ أي: أن الدليل يستلزم المدلول عليه، بخلاف الشبهة فليس بينها وبين المطلوب تلازم. ب- ألا يكون المطلوب تحصيله معلومًا، وإلا لزم تحصيل الحاصل. جـ- ألا يكون المطلوب به أضعف وأقل مرتبة من المطلوب. فلا يطلب بالدليل الظني علم؛ لأن الظن أقل من العلم. أما الدليل الذي يفيد العلم، فإنه يطلب به المعلوم والمظنون. فمثلًا: خبر الواحد مفيد للظن فلا تثبت به عقيدة؛ لأن المطلوب فيها اليقين والقطع. 2- دلالة الألفاظ على معانيها ظنية؛ لأنه يتوقف على أمور عشرة حتى تكون الدلالة قطعية. وهذه الأمور هي: 1- نقل اللغة: فعنده قد يحرف النقلة. 2- نقل الاستعمال: وقد ينقطع السند. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 147 3- نقل الإعراب: وقد تحتمل الكلمة أكثر من وجه، والاحتمال مورث للظن. 4- نقل التصاريف: فقد تتعدد ويختلف المعنى؛ مثل "غلف" أهي الأوعية أو الأغطية؟ 5- عدم المجاز: فلا ندري هل الكلمة مستعملة في حقيقتها أو في مجازها؟ 6- عدم النقل: فقد يتدخل العرف أو الشرع، فتُنقل الكلمة وتصير عرفية كالسمك؛ فإنه يغاير اللحم عرفًا مع أنه لحم في اللغة، قال تعالى عن البحر: {وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْمًا طَرِيًّا} . وقد ينقل الشارع الكلمة من معناها اللغوي إلى معنى شرعي؛ كلفظ "الحج"، فإنه قصد للبيت، مخصوص بشعائر محددة في زمان مخصوص، وملابس إحرام، وغير ذلك. 7- عدم الاشتراك: فقد يكون للكلمة الواحدة أكثر من معنى، واستعمالها في أحدها غير متعين؛ كلفظ "العين". 8- عدم الإجمال: فقد يخفى المراد من الكلمة؛ مثل: {يُلْقُونَ السَّمْعَ} . 9- عدم التخصيص: فقد يكون اللفظ عامًّا ويراد به الخصوص؛ كلفظ "الناس" في قوله تعالى: {أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ} فإن المراد به سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم. 10- عدم المعارض العقلي؛ كقوله سبحانه: {وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ} فإن العقل يمنع أن تراد الجارحة؛ لأنه سبحانه منزه عن الأجسام وعوارضها {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 148 3- ومن منهجه أنه لا يجوز التمسك بالأدلة السمعية في المباحث العقلية؛ لأنه يمكن للخصم أن ينازع فيها بعدم التسليم بها؛ لأنها تورث احتمالات. ومعنى هذا أنه يمكن للعقل أن يتزود بالمبادئ بناء على ما يأخذه من القرآن. فمثلًا قوله تعالى في الاستدلال على وجوده وانفراده بالألوهية: {ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ} فعلى العقل أن يأخذ من هذا النص شكلًا منطقيًّا يصوغه هكذا: كل شيء مخلوق، وكل مخلوق له خالق، فكل شيء له خالق، والخالق هو الله. 4- المجاز عنده في أسماء الأجناس أصلًا، وفي الفعل والمشتق تبعًا، وينكر وجود المجاز في الحرف. 5- دلالة فحوى الخطاب؛ كتحريم الضرب بقوله: {فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ} دلالة عقلية قياسية، وليست بدلالة لغوية. 6- العقل أصل النقل، فإن أراد أصل في ثبوته فمرفوض، وإن أراد أصل في العلم بصحته فمسلم؛ لأن الله يخاطبه ويكلفه، وهو المدرك لوجه الحسن فيما أمر به، ووجه القبح فيما نهى عنه. 7- المطالب التي تُطلب بالأدلة ثلاثة: 1- ما لا حكم للعقل فيه بنفي أو إثبات؛ كقضايا الغيب، وهذا لا يثبت إلا بالنقل. 2- ما يتوقف صحة النقل عليه؛ كالاستدل بالأدلة النقلية في قضايا عقلية، وهذا لا يثبت إلا بالعقل. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 149 3- ما عدا هذين، وهذا يثبت بالعقل والنقل. وأكد هنا أن توقفه وعدم استمساكه بالأدلة السمعية في المباحث العقلية ليس تقليلًا من شأنها. فهذا لا يقوله مسلم، فضلًا عن إمام وشيخ للإسلام؛ وإنما مناقشة كل فرد بما يليق به، فللمحتكم إلى العقل المفتون به أدلة من جنس ما يحتكم إليه، فهي به أليق؛ إذ يمكن قلب أدلته عليه ومغالطته استهتارًا به. والرازي يؤمن بأن الأدلة السمعية قد زودت العقل ببراهين قد لا يفطن إليها من تلقاء نفسه. وإذا وازنا بين براهين العقل وبراهين الشارع التي زود بها العقل، تأكدنا أن البراهين العقلية المنطقية لا توصل إلى المطلوب مباشرة، بخلاف البراهين الشرعية، فهي آيات توصل إلى المطلوب مباشرة {تِلْكَ آيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ} . فمثلًا: قول المنطقيين في الاستدلال على وجود الله: العالم حادث وكل حادث له محدث، فهذا الدليل يثبت المحدث؛ لكنه لا يعين أن يكون المحدث هو الله. أما براهين القرآن وآياته التي تزود العقل بالدليل المباشر مثل قوله تعالى: {ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ} فإنها تنص مباشرة على إسناد الخلق إلى الله بالتعيين. والذي نؤمن به وندين لله به؛ هو أن العقل لا سبيل له وحده إلى اليقين في قضايا الألوهية، وهو لا يوقن إلا مستندًا إلى الأدلة السمعية. 8- ومن منهجه الرد على الفرق المختلفة ومحاولاته التوفيق والجمع بين الآراء التي تقرب من أهل السنة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 150 9- وله جولات صوفية يغلب فيها العاطفة في بعض الأحيان. 10- وقد ضمَّن تفسيره بحوثًا تبعد أحيانًا عن مجال التفسير؛ حتى قيل في تفسيره كل شيء إلا التفسير، وتلك مبالغة في رأينا، جزاه الله عن الإسلام خير الجزاء. 2- روح المعاني للألوسي: مرجع أهل العراق، ومفتي بغداد العلامة أبو الفضل شهاب الدين السيد محمود الألوسي البغدادي، المتوفَّى سنة 1270هـ، سقى الله ثراه صبيب الرحمة، وأفاض عليه سجال الإحسان والنعمة. بدأ تأليف كتابه بناء على رؤيا رآها في عام سنة 1252هـ، أول رؤياه بالتفسير وقال: هذا تأويل رؤياي. وكتابه من أجمع التفاسير وأنفسها، لولا أن فيه بعض ما أخذ عليه من شطحات صوفية عند حديثه عن تفسير البسملة. وهو يضمن تفسيره إشارات ينسبها إلى أرباب الأذواق. منهجه في التفسير: 1- يبتدئ بإيراد المأثور من الروايات، ويعقب عليها تأييدًا أو معارضة، ثم يبدأ ببيان المناسبة وأسباب النزول، ويحلل تحليلًا مستفيضًا، وخصوصًا فيما ينقله عن الفخر الرازي. وهو من النقاد على بصيرة، ينقد نقدًا بناءً.. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 151 2- إن منهج التحليل الذي اعتمد عليه منهج علمي، يعرض الآية ثم يحللها فيُؤَوِّل الظاهر، ويخصص العام، ويقيد المطلق، ويبين المجمل من القرآن أو السنة، أو بما يراه صالحًا لذلك، ثم يأتي بالنتيجة لبناء ما يترتب عليها. 3- الأخبار إذا اعتمد فيها على مجرد النقل ولم تحكم فيها أصول العادة وقواعد السياسة وطبائع العمران والأحوال في الاجتماع الإنساني، ولم يقس فيها الغائب بالشاهد والحاضر على الذاهب، فربما لا يؤمن فيها من العثور ومزلة القدم، والحيدة عن جادة الصدق. وإذا كان مدلول الخبر مستحيلًا، فلا فائدة من التعديل والتجريح للرواة. 4- يسوي في بحثه بين ظاهر اللفظ وما وراء الظاهر، ويعتبر ذلك روح النص، فلم يكن من أهل الظاهر يقفون عند ظواهر الألفاظ، ولا هو من الباطنية الذين يغفلون ظاهر اللفظ ويسرفون في باطنه بلا سند من دين أو لغة. 5- يرى أن الأدب مدخل للتفسير؛ كالأصول اللازمة للمفسر من لغة وأصول فقه؛ لذا كانت عبارته قوية في مبناها، غزيرة في معناها. والأدب سبيل بين الله والنفس، ولسان بين الجمال والحسن، وسلام بين الروح والجسم، ودليل بين الهوى والخير، ونسب بين القرابة والبعد. 3- القرطبي: هو أبو عبد الله محمد بن أحمد بن أبي بكر بن فرح الأنصاري الخزرجي الأندلسي القرطبي المفسر، كان من عباد الله الصالحين، والعلماء العارفين، أوقاته معمورة ما بين توجه وعبادة وتصنيف. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 152 صاحب كتاب "الجامع لأحكام القرآن والمبين لما تضمنه من السنة وآي الفرقان"، وهو من أجلِّ التفاسير وأعظمها نفعًا. وله مؤلَّفات أخرى غير هذا الكتاب. تُوفي في ليلة الاثنين التاسع من شوال سنة 671هـ. منهجه في تفسيره: 1- الترتيب المتقن، مما يدل على أن له عقلية منظمة؛ إذ الدقة والترتيب ظاهرتان تدلان على الاستيعاب وطول الباع. 2- خالف شرطًا اشترطه على نفسه؛ وهو عدم ذكر ما لا فائدة من ذكره، ومع ذلك ففي كتابه بعض القصص عن إبليس وأهل الكتاب لا فائدة من ذكرها. 3- يدور تفسيره على استنباط الأحكام بناء على قواعد محددة، ويعزو أحيانًا الحكم إلى قائله. فمن القواعد العامة: أ- لا ضرر ولا ضرار. "والضرار" إزالة الضرر بضرر. ب- الدين الأصل فيه التيسير على الناس. فما أغلق بابًا إلا وضع البديل له، حرم الزنا وأباح الزواج، ومنع من السرقة وأوجب العمل. جـ- درء المفاسد مقدَّم على جلب المصالح. د- غلبة الظن تكفي في الفروع بخلاف العقائد، فلا تثبت إلا بالأدلة اليقينية. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 153 هـ- العقل مدرك لوجه الحسن أبو القبح، وليس بمثبت لهما؛ لأنه يتأثر بالانفعالات النفسية وغيرها من المؤثرات. و حقيقة الرأي ما يراه الرائي بقلبه، عاملًا فكره عند تعارض الأمارات. ز- لا تستقيم الفتوى إلا بفهم الواقع وتقدير الواجب، والأصل في الواقع الصدق، والواجب العدل؛ حيث قدر الشارع لكل شيء قدرًا يتناسب معه. حـ- الألفاظ أحد الأدلة على فهم مراد المتكلم. وقد يفهم بأدلة أخرى؛ كالإشارة والسياق. ط- الصواب: اتباع الألفاظ في العبادات، واتباع المقاصد في العقود. ي- لا واجب مع عجز، كما أنه لا حرام مع ضرورة. ك- فعل المحظور نسيانًا لا أثر له، بخلاف ترك المأمور نسيانًا؛ فإنه تجب إعادته. ل- المصلحة المرسلة التي يجب على المستنبط مراعاتها وتؤخذ من مقاصد الشرع، فهي وسائل إلى تحقيق مقاصد الشرع، فقد عرفوها بأنها ما نيطت بأمر مناسب في الجملة، لم يعتبره الشرع ولم يلغه؛ كجمع المصحف ونقطه وتشكيله. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 154 4- روح البيان: لإسماعيل حقي المتوفَّى سنة 1137هـ. جمع في تفسيره هذا بين الظواهر والبواطن، وهو نفاذ البصيرة، يكتب بالعربية وبغير العربية في تفسيره. منهجه: 1- يقول ما قال جعفر الصادق: لقد تجلى الله لعباده في كلامه ولكن لا تبصرون، ولله تعالى في كل كلمة كلمات ينفد البحر دون نفادها، فكيف السبيل إلى حصرها وتَعْدَادها؛ ولكنها أنموذج لأهل الذوق والوجدان، يحتذون على حذوها عند تلاوة القرآن، فبحثه فيما وراء ظواهر النصوص أكثر. 2- يهتم بمخاطبة القلوب أكثر من اهتمامه بمخاطبة العقول، فهو إلى مذاهب الصوفية ومعتدلة الشيعة أقرب. 3- الإلهام من أسباب المعرفة عنده، فهو يورث علمًا ضروريًّا مقطوعًا به؛ لذا يكثر من الاستشهاد به وبأقوال الملهمين. 5- الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل: تأليف أبي القاسم جاد الله محمود بن عمر الزمخشري الخوارزمي المتوفَّى سنة 538هـ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 155 منهجه فيه: 1- الاعتماد على اللغة، والاهتمام باستعمال الكلمة في حقيقتها أو مجازها. 2- العناية بالأسرار البلاغية في إثبات الإعجاز. 3- نصرته في مذهب المعتزلة وتكلفه في تأويل ما يضاد مذهبه. 4- إذا تعارض العقل مع النقل في رأيه أَوَّلَ النقل بما يتفق مع العقل؛ لنصر مذهبه الاعتزالي. 5- الدفاع عن الإسلام بحجج عقلية، يلزم بها خصومه. 6- تفسير القرآن العظيم: لأبي الفداء إسماعيل بن كثير الدمشقي المتوفَّى سنة 774هـ. منهجه في التفسير: 1- يهتم بالتفسير المأثور، مع ذكر السند، مختصرًا لما ذكره ابن جرير الطبري في تفسيره الجامع. ويعتبر ابن كثير منقح لتفسير الطبري. 2- يذكر الرأي بعد ذكره للمأثور، ويُؤخذ عليه أنه لم يلتزم بالاختصار على ذكر المنقول الصحيح، فذكر بعض الروايات السقيمة التى تحتاج إلى تمحيص، ومن توفيق الله أن كلفنا طلبة الدراسات العليا بتنقية تفسير الطبري من الدخيل، وسنوالي تنقية سائر كتب التفسير تباعًا إن شاء الله. 3- يعتمد ابن كثير على ما يذكره ابن أبي حاتم والطبراني وغيرهما الجزء: 1 ¦ الصفحة: 156 من كتب لم تلتزم بإخراج الصحيح كما فعل البخاري ومسلم. وابن كثير يقدم روايات الصحيحين على غيرهما. 4- إذا وجد في الخبر علة أو نكارة، عزا ذلك إلى قائله. ومن غير شك أن القول بالعلة أو النكارة قد لا يكون متفقًا عليه، مما جعل البعض يأخذ على ابن كثير تصحيح ما ليس بصحيح، أو تضعيف ما ليس بضعيف. 5- يعد كثيرًا من الروايات في الآية الواحدة مما يعين الباحث على الإلمام بطرق الحديث أو بعضها. 7- مدارك التأويل وحقائق التأويل: لأبي البركات عبد الله بن أحمد بن محمود النسفي. منهجه: 1- هو مختصر لتفسير الزمخشري؛ إلا أنه ينصر مذهب الأشاعرة على مذهب المعتزلة. ومحور الخلاف بين الفريقين في مسائل كثيرة من علم الكلام، أهمها: خلق العباد لأفعالهم الاختيارية، فالأشاعرة ينفون الخلق ولا ينفون قدرة العبد، والمعتزلة يثبتونهما. 2- يلتزم المؤلف بالإيجاز غير المخل ويتجنب الإطناب الممل، وتكاد أن تتحد في منهجها التفسيري كتب أبي السعود والبيضاوي والنسفي، أو تقترب مع فوارق قليلة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 157 8- تفسير القرآن الحكيم المسمَّى "تفسير المنار" تأليف: السيد/ محمد رشيد رضا1. ولم يُستكمل، وقد نقل جزءًا منه عن الشيخ/ محمد عبده. منهجه: 1- الجمع بين صحيح المنقول وصريح المعقول. 2- بيان السنن الإلهية في الإنسان. 3- تبسيط الأسلوب وتحاشي غرائب التفسير. 4- تجرده من القصص والخرافات. 5- الرد على أصحاب الشبه بالحجج والبراهين. 6- الدعوة إلى توجيه المسلمين إلى ما ينفعهم، والنعي على المنتسبين للعلم، القاعدين عن نصرة دين الله. 9- في ظلال القرآن: تأليف الأستاذ/ سيد قطب2. منهجه فيه: 1- تجنب ما حفلت به كتب التفسير الأخرى من إعراب، وإدخال قضايا يمكن الاستغناء عنها.   1 محمد رشيد بن علي رضا البغدادي الأصل، الحسيني النسب، صاحب مجلة "المنار"، من العلماء بالحديث والتاريخ والأدب والتفسير، وُلد ونشأ في العلمون "من أعمال طرابلس الشام" عام 1282هـ "1865م"، ورحل إلى مصر سنة 1315هـ، فلازم الشيخ محمد عبده وتتلمذ له. أشهر آثاره مجلة المنار، أصدر منها 34 مجلدًا، و"تفسير القرآن الكريم" اثنا عشر مجلدًا ولم يُكمله. 2 سيد قطب إبراهيم، مفكر إسلامي مصري، من مواليد قرية "موشا" في أسيوط عام 1324هـ "1906م"، تخرج في كلية دار العلوم "بالقاهرة" 1934م، وانضم إلى جماعة الإخوان المسلمين، فترأس قسم نشر الدعوة، وتولى تحرير جريدتهم "1953، 1954"، له مؤلفات عديدة؛ منها: النقد الأدبي، العدالة الاجتماعية في الإسلام، التصوير الفني في القرآن، ومشاهد القيامة في القرآن، وتفسيره الرائع في ظلال القرآن. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 158 2- النزعة الأدبية واستخدام المصطلحات التي يستخدمها الأدباء من التصوير بالوصف، والحشد، وجرس اللفظ، ونغم العبارة، وموسيقى السياق، والتناسق المعنوي، والتسلسل النفسي، ووَحْدَة الحركة، والتصوير العريض، ورسم الشخصيات، وغير ذلك. 3- الاهتمام بقضايا المجتمع الإسلامي دراسة وعرضًا وتحليلًا. 10- روائع البيان تفسير آيات الأحكام من القرآن الكريم: للشيخ: محمد علي الصابوني. وقد انتقاه من مصادر تعرضت إلى هذا الموضوع؛ كأحكام القرآن للجصاص وغيره. والواقع أننا في حاجة إلى تفسير موضوعي، يتناول الآيات على ترتيب النزول وارتباط النصوص بعضها ببعض، وتدبر الحقبة التاريخية التي كانت تنزل الآيات فيها؛ لفقه القرآن فقهًا صحيحًا، فإن فقهه لا يكون في فراغ ولا يستنبت في الهواء. وإن فقيه النفس ليشعر بضرورة المواءمة بين النص والجو الذي نزل فيه، فهو تعبير واقعي، وفي الوقت نفسه فيه وعد تحقيق يؤكد صدقه، ويوضح إعجازه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 159 الموضوع العاشر: الاستنباط 1 كنت أريد أن أكتب في هذا الموضوع الأخير عن الشبهات وردها. وبعد الاطلاع عليها رأيت في ذكرها إعظامًا لها مع أنها تافهة؛ إما غير ثابتة، وإما أنها ضعيفة يستطيع مَن له أي إلمام بالإسلام أن يردها. ومن بين طلابي الذين أشرفت على رسائلهم طالب كتب رسالة بعنوان "القرآن والمستشرقون". وقد سرد في رسالته الشبهات التى أثيرت حول علوم القرآن وردَّ عليها، ولا داعي لتَكْرَارها. والقرآن الكريم مائدة الله في أرضه حام حوله طلاب الحق، فما اختلفوا فيه إلا بمقدار ما تختلف الآراء في الموضوع الواحد ذي الجوانب المتعددة، كل ناظر يلحظ جانبًا غير الجانب الذي يلحظه غيره؛ بل وحتى طلاب الباطل حاموا حوله ليجدوا فيه ما يؤيد دعواهم ويثبت مزاعمهم. فلما لم يجدوا فيه مدخلًا لتأييد الباطل تلاعبوا بألفاظه وفسروها على أهوائهم فضلوا وأضلوا. وأشير في هذا الموضوع إلى أهم قواعد الاستنباط، والأسس التي تشعبت منها آراء طلاب الحق من فقهاء ومتكلمين ومفسرين ومتصوفين وغيرهم من مفكري الإسلام. والاجتهاد2 الذي أباحه الإسلام هو المنطق لاستنباط المستنبطين، ولولاه ما كان لأحد أن يُعمل فكره، قال تعالى: {وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ} وقال: {أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ   1 الاستنباط محاولة الحصول على الماء من الأرض حتى نشربه فيحدث لنا الري، وعلى ذلك فالاستنباط هو استجلاب الحكم من النصوص الشرعية. 2 الاجتهاد كما عرفه المؤلف رحمه الله في كتابه "قانون الفكر الإسلامي" ص188: الاجتهاد: بذل الطاقة للحصول على مدارك الشيء، وأركانه: أ- الاجتهاد. ب- المجتهد. جـ- المجتهد فيه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 160 غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافًا كَثِيرًا، وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ} . وليس لأحد أن يستنبط من القرآن على وفق ما يهوى1؛ بل هناك قواعد عامة وخاصة تحكمه وتقيده.. فمن القواعد العامة على سبيل المثال أنه لا ضرر ولا ضرار. وأن الدين يسر. وأن درء المفاسد مقدَّم على جلب المصالح. وأن غلبة الظن تكفي في الفروع بخلاف العقائد، فلا تثبت إلا بالأدلة اليقينية، والعقل مدرك لوجه الحسن أو القبح وليس بمثبت لهما؛ لأنه يتأثر بالانفعالات النفسية وغيرها من المؤثرات. وحقيقة الرأي ما يراه الرائي بقلبه عاملًا فكره عند تعارض الأمارات. ولا تستقيم الفتوى إلا بفهم الواقع وفهم الواجب، قال تعالى: {وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا} . فالأصل في الواقع الصدق، والأصل في الواجب العدل. والألفاظ إحدى الأدلة على فهم مراد المتكلم، وقد يفهم بأدلة أخرى؛ كالإشارة والسياق. والصواب اتباع الألفاظ في العبادات، واتباع المقاصد في العقود، ولا واجب مع عجز، كما أنه لا حرام مع ضرورة، وفعل المحظور نسيانًا لا أثر له، بخلاف ترك المأمور نسيانًا؛ فإنه تجب الإعادة. والمصلحة المرسلة التي يجب على المستنبط مراعاتها وتؤخذ من مقاصد الشرع، فهي وسائل إلى تحقيق مقاصد الشرع، قد عرفوها بأنها ما نيطت بأمر مناسب في الجملة، لم يعتبره الشرع ولم يلغه؛ كجمع المصحف وتشكيل حروفه وتعجيمها. فكل ذلك من الوسائل التي هي مقدمات لمقصد الشرع من التعرف على القرآن تعريفًا صحيحًا.   1 ليس لكل أحد أن يدعي الاجتهاد والعلم؛ كالفوضى التي تحدث كل يوم في زماننا؛ بل شروط المجتهد أن يعرف مصادر الإسلام، وأن يكون عالمًا باللغة، والنحو، والناسخ والمنسوخ، والمنطق، وعلوم الحديث، مستوعبًا لأصول الفقه، واقفًا على أحاديث الأحكام وآياتها، عدلًا في قبول فتواه. فهذه الشروط لا يرتاب فيها أحد.. ولعلها توقف الذين يتهجمون على النصوص الإسلامية بالتخبط فيها، لا عن علم؛ ولكن عن حماقة وجهل. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 161 ومما يحدث فيه الخلاف بين طلاب الحق النزاع في اللفظ المشترك1 أو في القضية المهملة2. وكل فريق يلحظ جانبًا مغايرًا لما يلحظه منازعه. ولا يتحقق التناقض الحقيقي بين المختلفين إلا بعد توافر شروط ستة: 1- أن يكون المحكوم عليه واحدًا بالذات. 2- أن يكون الحكم واحدًا. 3- اتحاد الإضافة في الأمور الإضافية. 4- الاتحاد في القوة والفعل. 5- الاتحاد في الكل والجزء. 6- اتحاد الزمان والمكان والحال3. ومما هو مثار الغلط بين الفقهاء والمتكلمين استخدامهم القضايا المشهورة مع الغفلة عن بعض شروطها؛ كقولهم: الكذب قبيح، وكل قبيح ينهى عن الإسلام، فما باله يسمح به في الحرب. ونسوا شرطًا؛ وهو أن الكذب القبيح هو ما كان مع مَن يثق بك والحرب خَدْعَة. وما قبح الكذب إلا لأنه يؤدي إلى قلب الحقائق، ولو كان المحارب يؤمن بها ما حارب. وعليه؛ فكل شيء يُوصف بالحسن أو بالقبح للغرض منه أو لترتب الجزاء عليه، فيجب أن يكون موقوفًا على محله لا يتعداه إلى غيره. فأفعال الله التي هي منزهة عن الأغراض ولا يترتب على فعلها جزاء فاعلها لا توصف بحسن أو بقبح. فإن وصفت فبملاحظة أمر آخر وهو نقلها إلى العبد، فاختلفت في الوصف باختلاف المحل. ومثال ما تقع المغالطة بسبب استعمال اللفظ المشترك قولهم: هذا الشيء سبب لذلك الشيء. وإذا وجد السبب وجد المسبب، وإذا انعدم انعدم. وهذا يسلم به لو كان السبب سببًا عقليًّا.   1 اللفظ المشترك: ما اتحد لفظه ويتعدد وضعه ومعناه. 2 القضية المهملة: هي القضية التي ليس معها لفظ يدل على بيان كمية الأفراد كلها أو بعضها عكس القضية المحصورة. 3 راجع شروط تحقق التناقض في كتاب المنطق المفيد لأستاذنا محمد عبد العزيز البهنسي قسم التصديقات ص29. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 162 أما إذا كان السبب غير عقلي فليس كذلك؛ إذ يطلق السبب إما على ما يقابل المباشر كحفر البئر، وإما على على العلة كالرمي؛ فإنه سبب للقتل الذي ترتب عليه إزهاق الروح. ويطلق ثالثًا على ما تحسن إضافة الحكم إليه؛ كاليمين سبب لوجوب الكفارة فنقول: كفارة اليمين. فإذا أردت صحة الاستنباط، فبين أولًا تحرير المراد الذي تستنبط منه ومرادك أنت.. ولا يتحقق الاستنباط إلا بموجود مستنبط عدل، عالم بالكتاب والسنة، واللغة والمنطق، وأصول الفقه وأحاديث الأحكام. وأما المستنبَط منه، فهو النص الشرعي الظني، فلا استنباط في العقليات ولا من القطعيات الشرعية التي لا تحتمل إلا معنى واحدًا؛ لأن الحق فيها واحد، وكما يقولون: لا اجتهاد في مقابلة النص. تدريبات عملية: 1- في جواز استخدام القرعة استدل العلماء على جوازها بقول الله: {فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ} . ثم اختلفوا: هل القرعة منشئة فالذي وقعت عليه لم يكن متعينًا إلا بها، أم هي كاشفة فالذي وقعت عليه كان متعينًا، ثم كشفت القرعة عن تعينه؟؟ وسبب هذا الخلاف تردد الفعل "كان" بين الماضي وبين كونه بمعنى "صار". فعلى الأول القرعة كاشفة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 163 وعلى الثاني هي منشئة. 2- دخول المسجد للجنب: قيل: جائز مطلقًا. وقيل: ممنوع مطلقًا. وقيل: جائز لعابر السبيل. والأصل في هذا الخلاف اختلاف النظر في قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ وَلا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا} . فالذي منع دخول الجنب المسجد مطلقًا قدر مواضع الصلاة، والذي أجاز أبقى الآية على ظاهرها، والذي أباح لعابر السبيل لاحظ الاستثناء وقدر مواضع، والتقدير عنده: لا تقربوا مواضع الصلاة وأنتم سكارى أو جنب إلا إذا كان الجنب عابر سبيل فله الدخول. 3- متى تحل الحائض لزوجها؟: هل بالغسل، أو بغسل الفرج فقط، أو بانقطاع الدم لأكثر مدته؟ والمرجع في هذا الخلاف قوله تعالى: {وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ} . فقوله: {حَتَّى يَطْهُرْنَ} يحتمل بالغسل أو بانقطاع الدم؛ حيث زال العارض، وهل تعتبر طاهرة بغسل البدن كله، أو بغسل الموضع فقط؟.. احتمالان. وكذا في قوله: {فَإِذَا تَطَهَّرْنَ} . 4- التيمم: المريض والمسافر إن انعدم الماء لا خلاف أن يتيمما. واختلفوا في: أ- المريض إن وجد الماء. ب- المقيم إن عدم الماء. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 164 جـ- الصحيح إن خاف على نفسه. د- المسافر إن خاف البرد. والأصل في هذا الخلاف قوله: {وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا} . فهل الضمير يعود إلى الكل، أو يعود إلى المريض والمسافر؟ وهل السبب لإباحة التيمم عدم وجود الماء أو رفع المشقة؟ فمن جعل سبب التيمم عدم وجود الماء لم يبحه لمن وجده. ومن جعل السبب رفع المشقة أباحه لكل من يشق عليه استعمال الماء، سواء وجده وعجز عن استعماله، أم لم يجده أصلًا. 5- قال الله تعالى: {وَآتُوا الزَّكَاةَ} . واختلفوا: هل تجب في مال الصغير باعتبارها حق للفقراء على الأغنياء، أو لا تجب؛ لأنها عبادة، والصغير غير مخاطب بها؟ 6- قال الله تعالى: {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} . اختلفوا في صوم المريض والمسافر أيامًا من رمضان، فهل ينعقد أو لا ينعقد صومهما؟ فمن قدر محذوفًا يرى انعقاد صومهما؛ لأن التقدير: فأفطرا. ومن لم يقدر جعل المفروض عليهما عدة من أيام أخر في غير رمضان. 7- قال الله تعالى: {وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ} . واختلفوا في موضع الاعتكاف: هل هو في المساجد الثلاثة: المسجد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 165 الحرام، والمسجد النبوي، والمسجد الأقصى، أو في كل مسجد تُقام فيه الجماعة، أو في المساجد التى تقام فيها الجمعة، أو لا يشترط المسجد؛ لأنه ذكر لتحريم المباشرة ولو لم يذكرها ما ذكر حيث قال: {وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِد} ؟ 8- قال تعالى: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا} . اختلفوا: هل الحج واجب على الفور فيأثم من أخره بعد الاستطاعة، أو واجب على التراخي فلا يأثم؟ وسبب هذا هل مقتضى الأمر هو التراخي أو الفور؟ وقد سبق أن الجملة قد تكون خبرية في اللفظ طلبية في المعنى. 9- قال الله تعالى: {وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ} . واختلفوا: هل الباعث على الجهاد هو بدء العدو بالقتال فنستثني من قتاله مَن لم يقاتل، أو الباعث هو الكفر؟ وإن كان الباعث المباشر هو بدؤهم بقتالنا إلا أنه زال لوجود الكفر، فلا نستثني من قتال العدو أحدًا؟ 10- قال تعالى: {فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ} . واختلفوا: هل الكفارة حق متعلق بهذا العدد، فلا يجزئ إطعام مسكين واحد عشر أيام، أو هي حق متعلق بالحانث فيكفيه ذلك؟ واختلفوا: هل الكفارة ترفع الحنث قبل الفعل فتجزئ إن تقدمت على الحنث، أو لا ترفع الحنث إلا بعد الفعل؟ فمن كفَّر قبل الحنث وجبت عليه الإعادة بعده. وهل هي رافعة للحنث أو مانعة منه؟ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 166 وسبب هذا قوله: {وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ} فمن لاحظ الترتيب لم يجز تقديمها. ومن لاحظ وقوع المؤاخذة وخاف منها أجاز تقديمها. 11- قال تعالى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ} . واختلفوا: هل الاستثناء متصل فيكون للذكاة أثر فيما ذكر إن أدركنا فيه يسيرًا من الحياة، أو هو منقطع فلا أثر للذكاة بعد اتفاقهم على أن ما استقرت حياته تعمل فيه الذكاة؟ 12- قال تعالى: {وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا} . واختلفوا: هل صيد المحرم ميتة لا يحل له ولا لغيره، أو هو حلال لغيره؟ وسبب هذا الضمير في {عَلَيْكُمْ} هل هو للصائدين المحرمين فقط، أو هو لجميع الأمة؟ 13- قال الله تعالى: {فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ} . واختلفوا: هل العفو إسقاط أو هبة؟ وهل الذي بيده عقدة النكاح هو الزوج أو الولي؟ فإن كان العفو إسقاطًا والذي بيده عقدة النكاح الزوج؛ فلا يملكه الولي. وإن كان هبة والذي بيده عقدة النكاح هو الولي؛ فإنه لا يملكه إلا برضا الزوجة المطلقة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 167 14- قال الله تعالى: {وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ} . واختلفوا في الرجعة بعد الطلاق: هل لا بد فيها من القول؛ لأن الله قال: {بِرَدِّهِنَّ} والرد لما يكون قد انقطع، أو يكفي فيها الفعل؛ لأن الله اعتبر المراجع بعلًا، والبعل هو الزوج، فالزوجة لم تزل قائمة؟ 15- {وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا} . واختلفوا: هل لا بد من أن يقول: أنتِ عليَّ كظهر أمي، أو يكفي أن يشبه الزوجة بأي عضو قاصدًا التحريم؟ وهل لا بد أن تكون المشبه بها هي الأم، أو تتساوى معها أية واحدة من المحرمات؟ وهل للعبد أن يظاهر؟ وهل العود هو العزم على الوطء أو الوطء بالفعل؟ وهل لا بد من تَكْرَار الظهار فلا يعد مظاهرًا مَن ظاهر لأول مرة؟ كلها أقوال يحتملها النص الكريم. 16- قال تعالى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ} . فهذه الآية في اللعان. واختلفوا: هل اللعان شهادة فلا يقبل إلا ممن تجوز شهادته، أو هو يمين فيقبل من أي زوج؟ وسبب هذا تسميته شهادة ويمين. 17- قال تعالى: {الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثَى بِالْأُنْثَى} . واختلفوا: هل يقتل الحر بالعبد؛ لأن قوله: {بِالْحُرِّ} ليس قيدًا يحترز به، أو لا يقتل لأنه قيد؟ فالأمثلة السابقة لاستنباط الفقهاء.. وإليك بعض الأمثلة لاستنباط المتكلمين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 168 1- اختلفوا: هل رؤية الله ممكنة أو مستحيلة؟ وذلك لنحو قوله: {لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ} وقوله لموسى: {لَنْ تَرَانِي وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ} وقوله: {فَقَدْ سَأَلُوا مُوسَى أَكْبَرَ مِنْ ذَلِكَ فَقَالُوا أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً} وقوله: {يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ، إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} وقوله عن الكفار: {إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُون} وقوله: {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَة} . 2- هل العبد خالق لأفعال نفسه أو لا تأثير لقدرته في الأفعال الاختيارية؟ وذلك لقوله: {فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ} وقوله: {ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ} وقوله: {وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُون} وقوله: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ، وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ} . 3- اختلفوا في الشفاعة والانتفاع بها؛ وذلك لقوله عن الكفرة: {فَمَا لَنَا مِنْ شَافِعِينَ} وقوله: {وَلا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ} وقوله: {وَاتَّقُوا يَوْمًا لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا وَلا يُقْبَلُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلا تَنْفَعُهَا شَفَاعَةٌ} وقوله: {يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجَادِلُ عَنْ نَفْسِهَا} وقوله: {وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى} . 4- اختلفوا في قدم القرآن للنصوص الآتية: {وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ} وقوله: {اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا} وقوله: {مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ} وقوله: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} وقوله: {إِنَّ هَذَا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولَى، صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى} .. 5- الرزق.. اختلفوا: هل ما ملكه الإنسان أو ما انتفع به حلالًا كان أو حرامًا؟ وذلك لقوله: {وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا} الجزء: 1 ¦ الصفحة: 169 وقوله: {وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ} وقوله: {وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ} وقوله: {وَالَّذِينَ اتَّقَوْا فَوْقَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ} . 6- التوفيق.. هل هو خلق القدرة على الطاعة، أو خلق الطاعة نفسها؟ {وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ} . 7- هل للإنسان أجل واحد أو آجال إن مات قتيلًا؟ وذلك لقوله: {ثُمَّ قَضَى أَجَلًا وَأَجَلٌ مُسَمّىً عِنْدَهُ} وقوله: {وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ} وقوله: {وَمَا يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَلا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلَّا فِي كِتَابٍ} .. هذه نماذج لاختلاف المتكلمين.. وللصوفية لمحات استنبطوها بالإشارة والرمز من بين كلمات القرآن وآياته؛ فاستنبطوا مراتب النفس من قوله: {إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ} وقوله: {وَلا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ} وقوله: {وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا، فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا} وقوله: {يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ} . واستنبطوا من قوله: {لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا} .. استنبطوا بعد إقرارهم بأن الآية في نفقة الزوجات؛ لكن زادوا على ذلك أن العارفين بالله وسعت أرزاقهم، فأنفقوا منها بسخاء، وأن السائرين الذين هم في ابتداء الطريق ضيقت أرزاقهم من المعارف، فما أنفقوا منها إلا بقدر، قالوا: "اهتدى الراحلون إليه بأنوار التوجه، والواصلون لهم أنوار المواجهة".. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 170 فأنوار التوجه: أنوار العمل والمعاملة، وأنوار المواجهة: ما يرد من حقائق المواصلة. فمظاهر الأولى ثلاثة: الاستدلال للتوصل، والعمل للتوسل، والتعلق للتقرب. ومظاهر الأخرى: التوفيق للهداية، والإلهام للعناية، والتحقق للولاية {وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ} . وبهذا ينتهي هذا الموضوع.. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 171 الموضوع الحادي عشر: "إعجاز القرآن" الإعجاز مصدر أعجز، ومعناه: إثبات العجز، ويراد به لازمه؛ وهو إظهار عجز الثقلين، ومعنى إعجاز القرآن أي: بلوغه طورًا غير مألوف ولا معتاد.. وحيثما توجه الذهن إلى أية ناحية أو موضوع تناوله القرآن؛ أدرك وجهًا من وجوه الإعجاز، فهو معجز في كل موضوع تناوله، معجز في المنهج، وتشخيص القضية، ووضع الحلول العملية لها. ويقع الإعجاز من البليغ ضرورة، ومن غير البليغ استدلالًا ونظرًا.. والحق أن القرآن كتاب الإنسانية يجب عليها أن تتدبره على المنهج الاستقرائي، الذى يفتح لنا أبوابًا جديدة من مجالات البحث والتفكير، والإسلام دين المعجزات التي يراها العقل حيثما نظر، وليس بدين المعجزات التي تكفه عن الرؤية، وتضطره بالإفحام القاهر إلى التسليم. فالفارق الجوهري بين معجزة عقلية، ومعجزة حسية: أن الأولى تفسح مجال التفكير حتى يكون الإيمان بها بعد بحث ورويَّة. أما المعجزة الحسية فتدهش العقل وتفحمه، فينقاد، وربما فكر فيها بعد الإفاقة، وكانت هذه المعجزة أنسب لدعوات الرسل الوقتية، وكانت المعجزة العقلية أنسب للدعوة الخالدة. ومن خصائص المعجزة أنه لا يقدر على الإتيان بها إلا الله، وليس الجزء: 1 ¦ الصفحة: 172 للأنبياء مجهود فيها، تحدث لهم بالفيض الإلهي، تصدق كل معجزة غيرها من المعجزات. وأصبح من المنكرين للمعجزات بداهة وأسلمهم تقديرًا جاهل يؤمن بالمعجزات، ويؤمن معها بخفايا الخلق، وأسرار الحياة، وسعة التقدير، والاحتمالات لكثير من الطوارق والخوارق والممتنعات في حكم الواقع والعِيَان.. والعقل الإنساني لا يصاب بآفة أضر له من الجمود على صورة واحدة يمتنع عنده كل ما عداها، وما جاز فيما فعله مما كان يعد خارقًا جاز فيما نجهله وهو الكثير {وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا} .. ولم يبعث الله نبيًّا إلا أيده بالمعجزة التي تساوي قول الله: "صدق عبدي فيما يبلغ عني"، ونحن نؤمن بأن القرآن هو في نفسه المعجزة الكبرى. وقد أخبرنا عن معجزات؛ كانشقاق القمر، والإسراء والمعراج، وغير ذلك مما هو مصرَّح به أو مشار إليه، خاصًّا بنبينا محمد -صلى الله عليه وسلم- أو غيره من الأنبياء والمرسلين؛ ليقيموا الحجة بها على أممهم حتى يوصلوهم إلى الله. والمعجزة في الاصطلاح: أمر خارق للعادة، يظهره الله على يد مدعي النبوة وفقًا لمراده، سالمًا من المعارضة، مقرونًا بالتحدي.. والمعجزة إما حسية أو عقلية.. والمعجزة الحسية وقتية ينتفع بها مَن شاهدها. وبعد وقوعها تعد من جملة الأخبار، وهي ثانوية في الإسلام.. وإما عقلية أبدية، وهي الأساسية في الإسلام، تتميز بالخلود، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 173 وتتمثل في القرآن الكريم الذي يحمل دعوى صدق الرسول -صلى الله عليه وسلم- والدليل معًا.. والدليل على حجية القرآن، وأنه المعجزة الخالدة قوله تعالى: {وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ} .. وقوله تعالى: {أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ} . اهـ. والدليل على التحدي بالقرآن مع التدرج في ذلك قوله: {فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ إِنْ كَانُوا صَادِقِينَ} وقوله: {فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ} وقوله: {فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ} .. والدليل على أنهم عجزوا الإعلان الصريح من قول الله: {قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا} .. والدليل على حيرتهم وصفُهم للقرآن بأنه شعر، ثم سحر، ثم أساطير الأولين.. ومن المعلوم أن الكلام عند العرب سيد عملهم وقد احتاجوا إليه، والحاجة تبعث على الحيلة في الأمر الغامض، فكيف في الأمر الظاهر الجليل وقد اضطرهم عجزهم إلى استعمال السيف، والتضحية بالنفس والنفيس، ولو عارضوا القرآن بكلام لنقل إلينا لتوافر الدواعي على نقله، فما أكثر أعداء الإسلام الذين يتصيدون سفاسف الأمور من الساقطين؛ ليحسبوها على الإسلام ويحاسبوه عليها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 174 وجوه الإعجاز: زعم قوم أن المتحدى به هو الكلام الأزلي القديم، وهذا قول سخيف، فما لا يدرك كنهه كيف يتحدى به؟.. ومَن له أدنى تعقل يدرك أن الإعجاز للقرآن، والقرآن كلام الله، يشمل اللفظ والمعنى، وهو بلسان عربي مبين.. وزعم النظام أن الله صرف العرب عن معارضة القرآن وهو في إمكانهم، وروى أنهم سُلبوا القدرة على المعارضة، كذا قال النظام. ولو كان كما زعم لم يكن الإعجاز للقرآن؛ بل هو لله.. وقد قال سبحانه: {قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ} ولو كان الاجتماع مع سلب قدرة المجتمعين لم تكن للدعوة إليه فائدة.. وهذا باطل.. وزعم قوم أنهم كانوا قادرين على الإتيان بمثل القرآن، والذي عجزوا عنه هو ترتيب ما يأتون به، وهذا في غاية السخف، فمن يقدر على الاختراع لا يعجز عن الترتيب.. وزعم حسالة من الناس أن الأولين وإن عجزوا لا يستلزم ذلك عجز المتأخرين المتعلمين.. ونقول لهم: {هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} .. وقد عد فريق من الناس من بين وجوه إعجاز القرآن: إخباره عن حوادث وقعت في الماضي، أو ستقع في المستقبل وقد وقعت بالفعل، وإخباره عن بعض ما في الصدور، واعتراف أصحابها بذلك.. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 175 ومنها: نظمه العجيب الذي يخالف الكلام المعهود من شعر ونظم ونثر، وليس له مثال سابق، وسلامته من العيوب، وفصاحة ألفاظه، وصحة معانيه، واستمرار ذلك في كل آياته.. ومما يمتاز به القرآن: الرباط القائم بين اللفظ والمعنى؛ من حيث: اللفظ ومدلوله لغة، وجرس اللفظ، ومعناه.. ففي الإكراه على الشيء يستخدم ألفاظًا تدل على النفرة: {أَنُلْزِمُكُمُوهَا وَأَنْتُمْ لَهَا كَارِهُونَ} .. وهكذا يستعمل في كل معنى ما يناسبه من الألفاظ: {فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ} {اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ} {تِلْكَ إِذًا قِسْمَةٌ ضِيزَى} .. وعلى حسب علمنا يظهر الإعجاز في موضع، ويدق إدراكه في آخر.. ومن وجوه إعجازه: تأثيره في القلوب والأسماع، وعدم الملل من تلاوته مهما ترددت تلاوته، وإيجاز لفظه، وكثرة ما تضمه من العلوم والمعاني والمعارف.. وأقل ما يقع به الإعجاز مقدار أصغر سورة منه، وكلام الله في غيره من الكتب السماوية لا يعد معجزًا إلا من حيث ما تضمنه ... وما حكاه الله عن البشر.. ترجمة لمعنى ما قالوا، وليس بنقل لألفاظهم.. والحق أن وجوه الإعجاز في القرآن تُوصف ولا تحدد، فمن حيث نظر الناظر إليه رأى وجوهًا من الإعجاز واضحة فيما يتوقع النظر إليه وفيه: كالبدر من حيث التفت رأيته ... يهدي إلى عينيك نورًا ثاقبا كالشمس في كبد السماء وضوؤها ... يغشى البلاد مشارقًا ومغاربا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 176 فالفقيه يرى فيه الفروع مبنية على أصول ثابتة، وآية الدَّيْنِ شاهد على ذلك، ففيها تحديد أجل السداد، والإرشاد إلى كتابته وتسجيله بطريقة لا غبن فيها، والإشهاد على ذلك، وترك اختيار الشهود لأصحاب الحق، وغير ذلك، وهي فروع أُسست على أصل ثابت: {لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُون} .. والأصولي يرى فيه القواعد الكلية التي تُقاس عليها الجزئيات، أو المستنبطة من الجزئيات؛ إقرارًا لأسلوب التفكير في كل من المنطقين: القديم والحديث مع تحاشي عيوبهما، وذلك واضح من قوله: {مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ} وقوله: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ} وقوله: {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى} وقوله: {فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ} وقوله: {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} . والمتكلم يرى فيه أسس التفكير القويم، ومناهج التعبير المستقيم، ومجالًا لكل فكر مستنير، لا يعدم السني أو المعتزلي أن يجد منه ما يدعم فكره، ولئن تباينت آراء البشر وهم يستدلون بالقرآن، فلا يعني ذلك تناقض القرآن في نفسه.. وإنما يعني مرونة ألفاظه، وسَعَة مدلولها، لتفسح المجال لكل فكر بناء، والحق واحد لا يتعدد، وكل مجتهد في طلبه الوصول مأجور على اجتهاده، وإن أخطأ فلا يكلف الله نفسًا إلا وسعها.. ولو قطع القرآن وحسم كل قضية لم يبقَ للتفكير مجال، ولم يفعل ذلك حتى لا يطمس في الإنسان أخص خصائص الآدمية فيه.. والمؤرخ يرى فيه أخبارًا مسجلة عبرت عن حوادث وقعت الجزء: 1 ¦ الصفحة: 177 وتحققت قبل عصور التدوين، وتهيب به أن يجوب في الأرض ليستنطق آثارها، ويستقرئ أخبارها.. والمحدِّث يرى فيه أصول الخبر المقبول والمردود والمتوقف فيه من نحو قوله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا} وقوله: {وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولًا} وقوله: {وَإِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا} .. وعالم القراءات يرى فيه كيفية الأداء، والوقف والابتداء، ومخارج الحروف، قال تعالى: {وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا} وقال: {الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاوَتِهِ أُولَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ} .. والنحوي يستنبط منه قواعد الإعراب وتطبيقها.. والبلاغي يرى فيه مطابقة الكلام لمقتضى الحال أفصح الألفاظ، وأبلغ العبارات.. واللغوي يرى فيه الارتباط الوثيق بين اللفظ والمعنى جامعًا بين الجزالة والعذوبة.. والصوفي يلمح منه الإشارة إلى مقامات السالكين ومنازل المتوجهين؛ من نحو قوله: {إِنِّي مُهَاجِرٌ إِلَى رَبِّي} وقوله: {إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي سَيَهْدِينِ} وقوله: {أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} .. والداعية إلى الحق يرى فيه كيفية عرض الدعوة، مستخدمًا أعظم وسائل الإقناع تأثيرًا، وذلك واضح فيما استخدمه من ضرب الأمثال والقسم وطرق الجدل المؤسسة على المنطق الفطري بلا تكلف أو تلاعب بالألفاظ، مما يضيع الحقيقة تحت الغبار المتناثر من عناد وجمود المتحاورين، والقصص القرآني خير شاهد على ذلك.. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 178 وأصحاب العلوم الكونية على اختلاف تخصصاتهم يجدون فيه الإشارات اللماحة إلى بعض الحقائق من غير تعرض للتفصيل؛ حتى لا يقفوا ببحوثهم عند نقطة معينة، فالعلم لا يعرف الكلمة الأخيرة، ولم يزل في تطور مستمر {قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ} .. أخرج أبو نعيم وغيره عن عبد الرحمن بن زياد بن أنعم قال: "قيل لموسى عليه السلام: يا موسى، إنما مثل كتاب أحمد في الكتب بمنزلة وعاء فيه لبن كلما مخضته أخرجت زبدته".. وأما الأديب فحظه من القرآن أوفر في الوضوح من: جمال العبارة، وتسلسل الفكرة، والتزام الصدق، وتغلغل في المشاعر، والاستمساك بالقيم.. والحق أن القرآن كتاب هداية، يهدي طالب الحق إلى طريقه المستقيم، فمن أراد الدنيا والآخرة فعليه بالقرآن.. واللهَ نسألُ أن يجعله ربيع قلوبنا، وجلاء أبصارنا، وذهاب همنا. وبهذا ينتهي هذا الموضوع.. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 179 الموضوع الثاني عشر: معاني المفردات 1 كلمات هذا الموضوع عربية معروفة معانيها عند العرب. فإن خفي على بعضهم بعض معاني هذه الألفاظ عرفها غيره. فهي معروفة في الجملة عند الملمين بالعربية حسب علمهم.. وقد غلبت العامية علينا؛ فصارت بعض الكلمات غريبة على بعضنا الذين لم يتداولوا تلك الكلمات، أو يسمعوها في ثنايا الأحاديث، وهي مرتبة على أحرف الهجاء ليسهل الرجوع إليها عند الحاجة.. حرف الألف: "أبا": قال تعالى في سورة عبس: {وَفَاكِهَةً وَأَبًّا} [آية: 31] الأب: المرعى المتهيئ للرعي والجز.. "أبق": سورة الصافات: {إِذْ أَبَقَ إِلَى الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ} [آية: 141] أي: هرب.. "أثاثا": الأثاث متاع البيت الكثير، ويقال للمال: أثاث.. سورة النحل: {وَمِنْ أَصْوَافِهَا وَأَوْبَارِهَا وَأَشْعَارِهَا أَثَاثًا} [آية: 80] .. سورة مريم: {هُمْ أَحْسَنُ أَثَاثًا وَرِئْيًا} [آية: 74] . "أثل": شجر ثابت الأصل.. سورة سبأ: {وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ} [آية: 16] . "إثم": الإثم والآثام اسم للأفعال المبطئة عن الثواب.. سورة النساء: {وَمَنْ يَكْسِبْ إِثْمًا فَإِنَّمَا يَكْسِبُهُ عَلَى نَفْسِهِ} .. [آية: 111] . "أجاج": شديد الملوحة.. سورة الفرقان: {وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ} [آية: 53] .   1 معاني المفردات رجع المؤلف فيها إلى كتب اللغة والتفسير، وعلى الإنسان أن يلم بها؛ فهي ثروة لغوية عظيمة تمكن الإنسان من معرفة آيات القرآن الكريم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 180 "أجر": الأجر ثواب العمل النافع.. سورة البقرة: {فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ} [آية: 112] . "إدا": أي منكرًا يقع فيه جلبة.. سورة مريم: {لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا} [آية: 89] . "أُذُن": سَمَّاع لكل ما يقال له.. سورة التوبة: {وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ} [آية: 61] . "أرب": فرط الحاجة المقتضي للاحتيال في دفعه، فكل أرب حاجة وليس كل حاجة أربًا.. سورة طه: {وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَى} [آية: 31] . "أريك": الأريكة حجلة على سرير جمعها أرائك.. سورة يس: {عَلَى الْأَرَائِكِ مُتَّكِئُونَ} .. [آية: 56] . "إرم": الإرم علم يبنى من الحجارة.. سورة الفجر: {إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ} [آية: 7] . "أزا": شدة الغليان.. سورة مريم: {تَؤُزُّهُمْ أَزًّا} [آية: 83] أي: ترجعهم إرجاع القِدْر إذا اشتد غليانها. "أزر": الأزر القوة الشديدة.. سورة الفتح: {فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ} [آية: 29] . "أزف": دنا الوقت واقترب.. سورة النجم: {أَزِفَتِ الْآزِفَةُ} [آية: 57] . "أسس": جعل لبنائه قاعدة.. سورة التوبة: {أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللَّهِ} [آية: 108] . "أسف": الأسف الحزن والغضب.. سورة الزخرف: {فَلَمَّا آسَفُونَا انْتَقَمْنَا مِنْهُمْ} [آية: 55] .. سورة يوسف: {يَا أَسَفَى عَلَى يُوسُفَ} [آية: 84] . "أسن": ماء آسن متغير الرائحة تغيرًا منكرًا.. سورة القتال: {مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ} [آية: 15] . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 181 "أشر": الأشر شدة البطر.. سورة القمر: {سَيَعْلَمُونَ غَدًا مَنِ الْكَذَّابُ الْأَشِرُ} [آية: 26] . "أصر": الأصر عقد الشيء وحبسه بقهره.. سورة الأعراف: {وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ} [آية: 157] .. والإصر العهد المؤكد.. سورة آل عمران: {وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي} [آية: 81] . "آصال": آخر النهار.. سورة النور: {يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ} [آية: 36] والأصل القاعدة والقرار.. سورة إبراهيم: {أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ} [آية: 24] . "أفق": الأفق الناحية والجهة.. سورة فصلت: {سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ} [آية: 53] . "أفك": الإفك كل مصروف عن وجهه الذي يحق أن يكون عليه ومنه الكذب.. سورة النور: {إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْأِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ} [آية: 11] . "أفل": الأفول غياب النور.. سورة الأنعام: {لا أُحِبُّ الْآفِلِينَ} [آية: 76] . "أكل": كل ما يُؤكل.. سورة الرعد: {أُكُلُهَا دَائِمٌ وَظِلُّهَا} [آية: 35] . "إلًّا": عهدًا.. سورة التوبة: {لا يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلًّا وَلا ذِمَّةً} [آية: 10] . "الألو": التقصير.. سورة آل عمران: {لا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا} [آية: 118] والآلاء النعم.. سورة الأعراف: {فَاذْكُرُوا آلاءَ اللَّهِ} [آية: 74] والتألي الحلف.. سورة النور: {وَلا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ} [آية: 22] . "أمد": مدة مجهولة.. سورة آل عمران: {تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا} [آية: 30] . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 182 "إمرا": شيئًا عجيبًا.. سورة الكهف: {لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا إِمْرًا} [آية: 71] . والأمر الشأن والإبداع.. سورة الأعراف: {أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ} [آية: 54] وجمعه أمور.. والأمر الطلب وجمعه أوامر.. سورة النساء: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا} [آية: 58] . "آنفًا": مبتدئًا.. سورة القتال: {مَاذَا قَالَ آنِفًا} [آية: 16] . "آن": شديد الحرارة.. سورة الرحمن: {يَطُوفُونَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ حَمِيمٍ آنٍ} [آية: 44] ويأني: أي يقرب من الخوف.. سورة الحديد: {أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا} [آية: 16] . "أواب": كثير الرجوع.. سورة ص: {إِنَّهُ أَوَّابٌ} [آية: 30] . "الأيك": الشجر الملتف.. سورة ق: {وَأَصْحَابُ الْأَيْكَةِ وَقَوْمُ تُبَّعٍ} [آية: 14] قيل: اسم بلد.. "الأيامى": اللائي لا زوج لهن.. سورة النور: {وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ} [آية: 32] . "أواه": كثير التوجع نتيجة الخوف.. سورة هود: {أَوَّاهٌ مُنِيبٌ} [آية: 75] وسورة التوبة: {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ} [آية: 114] . حرف الباء: "الأبتر": الذي لا عقب له.. سورة الكوثر: {إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ} [آية: 3] . "بتك": قطع.. سورة النساء: {فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الْأَنْعَامِ} [آية: 19] . "بتل": انقطع للعبادة.. سورة المزمل: {وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلًا} [آية: 8] . "بث": أصل البث التفريق، وإثارة الشيء، وبث النفس ما انطوت عليه من الغم والسر.. وفي سورة الواقعة: {فَكَانَتْ هَبَاءً مُنْبَثًّا} [آية: 6] أي: منتشرًا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 183 "بجس": انفجر.. لكن الانجباس أكثر ما يقال فيما يخرج من شيء ضيق، والانفجار يستعمل فيه وفيما يخرج من شيء واسع.. سورة الأعراف: {فَانْبَجَسَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْنًا} [آية: 160] . "بحث": البحث الكشف والطلب.. سورة المائدة: {فَبَعَثَ اللَّهُ غُرَابًا يَبْحَثُ فِي الْأَرْضِ} [آية: 31] . "بحر": شق ووسع.. والبَحِيرة: الناقة الى شقوا أذنها بعد أن ولدت عشرة أبطن.. سورة المائدة: {مَا جَعَلَ اللَّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ} [آية: 103] . "بخس": نقص.. سورة الأعراف: {وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ} [آية: 85] . "بخع": البخع قتل النفس غمًّا.. سورة الكهف: {فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ} [آية: 6] . "بدر": سارع.. سورة النساء: {وَلا تَأْكُلُوهَا إِسْرَافًا وَبِدَارًا} [آية: 6] أي: مسارعة. "بدع" صنع من غير احتذاء واقتداء.. سورة البقرة: {بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} [آية: 117] . "بدل: الإبدال أعم من العوض؛ لأن العوض يصير لك الثاني عوضًا عن الأول الذي قدمت، والتبديل يقال على التغير وإن لم يؤت ببدله.. سورة البقرة: {فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا قَوْلًا غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ} [آية: 59] . "بدن": البدن الجسد أو ما يكون عليه من درع ونحوه.. سورة يونس: {فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ} [آية: 92] . وقد يراعى في البدن العظم والسمنة، ويراعى في الجسد اللون.. سورة الحج: {وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ} [آية: 36] . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 184 "بدا": ظهر ظهورًا بينًا.. سورة الزمر: {وَبَدَا لَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا كَسَبُوا} [آية: 48] والبادية خلاف الحضر.. سورة يوسف: {وَجَاءَ بِكُمْ مِنَ الْبَدْوِ} [آية: 100] . "بذر": ضاع المال في غير وجهه الصحيح.. سورة الإسراء: {وَلا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا} [آية: 26] . "البر": التوسع في عمل الخير.. سورة البقرة: {وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَى} [آية: 189] . "البروج": المنازل.. سورة النساء: {وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ} [آية: 78] . "برح": ثبت ولم يتحول، فإن دخل عليه النفي كان معناه: لا أزال.. سورة طه: {لَنْ نَبْرَحَ عَلَيْهِ عَاكِفِينَ} [آية: 91] . "بردا": أي نومًا.. سورة النبأ: {لا يَذُوقُونَ فِيهَا بَرْدًا} [آية: 24] والبرد قطع ثلجية صغيرة.. سورة النور {وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ جِبَالٍ فِيهَا مِنْ بَرَدٍ} [آية: 43] . "البرزخ": الحاجز بين الشيئين.. سورة الرحمن: {بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لا يَبْغِيَانِ} [آية: 20] . "برم": الإبرام إحكام الأمر.. سورة الزخرف: {أَمْ أَبْرَمُوا أَمْرًا فَإِنَّا مُبْرِمُونَ} [آية: 79] . "بزغ": طلع وانتشر ضوؤه.. سورة الأنعام: {فَلَمَّا رَأى الْقَمَرَ بَازِغًا} [آية: 77] . "بس": بست الجبال أي: تفتت وسُيرت.. سورة الواقعة: {وَبُسَّتِ الْجِبَالُ بَسًّا} [آية: 5] . "بسر": أظهر العبوس في غير وقته.. سورة المدثر: {ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ} [آية: 22] . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 185 "بسق" أي طال.. سورة ق: {وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ} [آية: 10] . "بسل": البسل ضم الشيء ومنعه.. سورة الأنعام: {وَذَكِّرْ بِهِ أَنْ تُبْسَلَ نَفْسٌ} أي: تحرم الثواب.. "بضع": البضع من الثلاث إلى العشر أو من الخمس.. سورة الروم: {فِي بِضْعِ سِنِينَ} [آية: 4] . "بطر": البطر دهش يعتري الإنسان من سوء احتمال النعمة وقلة القيام بحقها وصرفها إلى غير وجهها.. سورة القصص: {وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ بَطِرَتْ مَعِيشَتَهَا} [آية: 58] . "بطأ": ثبط غيره.. سورة النساء: {وَإِنَّ مِنْكُمْ لَمَنْ لَيُبَطِّئَنَّ} [آية: 72] . "بعل": البعل الذكر من الزوجين.. سورة هود: {وَهَذَا بَعْلِي شَيْخًا} [آية: 72] . "بقل": البقل ما لا ينبت أصله وفرعه في الشتاء.. سورة البقرة: {مِنْ بَقْلِهَا} [آية: 61] . "بلس": الإبلاس الحزن المعترض من شدة البأس.. سورة الأنعام: {فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ} [آية: 44] . "بهل": البهل في الدعاء التضرع.. سورة آل عمران: {ثُمَّ نَبْتَهِلْ} [آية: 61] . "بيد": تفرق.. سورة الكهف: {أَنْ تَبِيدَ هَذِهِ أَبَدًا} [آية: 35] . "بور": هلك.. سورة الفرقان: {قَوْمًا بُورًا} [آية: 18] . "بوأ": أصل البواء مساواة الأجزاء في المكان، بوأت له مكانًا: أي سعيت له فتبوأ.. سورة آل عمران: {تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ مَقَاعِدَ لِلْقِتَالِ} [آية: 121] . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 186 حرف التاء: "تبب": التباب شدة الخسران.. سورة غافر: {وَمَا كَيْدُ فِرْعَوْنَ إِلَّا فِي تَبَابٍ} [آية: 37] . "تابوت": شيء منحوت من الخشب فيه حكمة.. سورة البقرة: {أَنْ يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ} [آية: 248] ويطلق أيضًا على القلب.. "تبر": التبار الإهلاك.. سورة الأعراف: {هَؤُلاءِ مُتَبَّرٌ مَا هُمْ فِيهِ} [آية: 139] . "التفث": الوسخ.. سورة الحج: {لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ} [آية: 29] . "التراقي": عظيم وصل ما بين ثغرة النحر والعاتق.. سورة القيامة: {إِذَا بَلَغَتِ التَّرَاقِي} [آية: 26] . "تعسًا لهم": التعس ألا ينتعش من العثرة.. سورة القتال: {فَتَعْسًا لَهُمْ} [آية: 8] . "تل": أصل التل المكان المرتفع.. سورة الصافات: {وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ} [آية: 103] أي: أسقطه على التل. حرف الثاء: "ثبط": حبس.. سورة التوبة: {فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقَاعِدِينَ} [آية: 46] . "ثبات": متفرقين.. سورة النساء: {فَانْفِرُوا ثُبَاتٍ} [آية: 71] . "ثجاجا": منهمرًا هابطًا من أعلى.. سورة النبأ: {وَأَنْزَلْنَا مِنَ الْمُعْصِرَاتِ مَاءً ثَجَّاجًا} [آية: 14] . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 187 "ثخن": مستعار لشدة الضرب.. سورة القتال: {إِذَا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ} [آية: 4] . "التثريب": التقريع والتقهير بالذنب.. سورة يوسف: {لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمْ} [آية: 92] . "الثاقب": الذي يثقب بنوره وإصابته ما يقع عليه.. سورة الصافات: {فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ ثَاقِبٌ} [آية: 10] . "ثقف": مستعار للإدراك.. سورة النساء: {حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ} [آية: 91] . "ثلة": جماعة.. سورة الواقعة: {ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ} [آية: 13] . "ثاويا": مقيمًا.. سورة القصص: {وَمَا كُنْتَ ثَاوِيًا فِي أَهْلِ مَدْيَنَ} [آية: 45] . حرف الجيم: "الجبت": الفسل الذي لا خير فيه.. سورة النساء: {يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ} [آية: 51] . "الجبار في صفة الإنسان": يقال لمن يجبر نقيصته بادعاء منزلة من التعالي لا يستحقها.. سورة هود: {وَاتَّبَعُوا أَمْرَ كُلِّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ} [آية: 59] . وفي وصف الله لأنه سبحانه يجبر الناس بفائض نعمه.. سورة الحشر: {الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ} [آية: 33] . "الْجِبِل": الجماعة الكثيرة.. سورة يس: {وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنْكُمْ جِبِلًّا} [آية: 62] . "الجبين": أحد جانبي الجبهة.. سورة الصافات: {وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ} [آية: 103] . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 188 "الجواب": الأحواض التى بها ماء.. سورة سبأ: {وَجِفَانٍ كَالْجَوَابِ} [آية: 13] . "اجتثت": أي اقتلعت.. سورة إبراهيم: {كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ} [آية: 26] . "جاثمين": مستعار للمقيمين.. سورة هود: {فَأَصْبَحُوا فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ} [آية: 67] . "الجحود": نفي ما في القلب إثباته وإثبات ما في القلب نفيه.. سورة النمل: {وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ} [آية: 14] . "الجحمة": شدة تأجج النار ومنه الجحيم.. سورة الصافات: {فَاهْدُوهُمْ إِلَى صِرَاطِ الْجَحِيمِ} [آية: 23] . "جدد": طرق.. سورة فاطر: {وَمِنَ الْجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ} [آية: 27] . ويطلق الجد على الفيض والعظمة.. سورة الجن: {تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا} [آية: 3] . "الجدث": القبر.. سورة يس: {مِنَ الْأَجْدَاثِ إِلَى رَبِّهِمْ يَنْسِلُونَ} [آية: 51] . "جذاذا": قطع من الأحجار مفتتة.. سورة الأنبياء: {فَجَعَلَهُمْ جُذَاذًا} [آية: 58] . "جذوع النخل": الجزء الأسفل المقطوع منها.. سورة طه: {وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ} [آية: 71] . "الجذوة": بفتح الجيم وضمها الباقي من الحطب بعد الالتهاب.. سورة القصص: {أَوْ جَذْوَةٍ مِنَ النَّارِ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ} [آية: 29] . "جرزا": منقطع النبات من أصله.. سورة الكهف: {وَإِنَّا لَجَاعِلُونَ مَا عَلَيْهَا صَعِيدًا جُرُزًا} [آية: 8] . "جرف": المكان الذي يذهب به السيل فيأكله.. سورة التوبة: {عَلَى شَفَا جُرُفٍ} [آية: 109] . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 189 "الجزع": هو أبلغ من الحزن؛ إذ الجزع حزن يصرف الإنسان عما هو بصدده ويقطعه عنه.. سورة إبراهيم: {سَوَاءٌ عَلَيْنَا أَجَزِعْنَا أَمْ صَبَرْنَا} [آية: 21] . "الجزاء": الغناء والكفاية.. سورة البقرة: {لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا} [آية: 123] . "الجم": الكثير.. سورة الفجر: {وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبًّا جَمًّا} [آية: 20] . "جمح": أصله في الفرس إذا غلب فارسه بنشاطه، ثم استعير في الذي فقد السيطرة على نفسه.. سورة التوبة: {لَوَلَّوْا إِلَيْهِ وَهُمْ يَجْمَحُونَ} [آية: 57] . "الْجَمَال": الحسن الكثير إما في نفسه أو ما يفيض منه على غيره.. سورة النحل: {وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ} [آية: 64] .. سورة يوسف: {فَصَبْرٌ جَمِيلٌ} [آية: 18] . "الجناح": الجنب.. سورة طه: {وَاضْمُمْ يَدَكَ إِلَى جَنَاحِكَ} [آية: 22] . "الجنف": الميل في الحكم.. سورة البقرة: {فَمَنْ خَافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفًا} [آية: 182] . "الجهاز": ما يعد من متاع وغيره.. سورة يوسف: {فَلَمَّا جَهَّزَهُمْ بِجَهَازِهِمْ} [آية: 70] . "الجهل": إما خلو النفس من العلم وقد لا يذم به صاحبه.. سورة البقرة: {يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ} [آية: 273] أو الاعتقاد غير الصحيح.. سورة الأنعام: {فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْجَاهِلِين} [آية: 35] أو فعل الشيء على غير ما حقه أن يفعل.. سورة البقرة: {أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ} [آية: 67] بعد قولهم: {اتَّخَذُوهَا هُزُوًا} . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 190 "الجواب": قطع كل أرض.. سورة الفجر: {وَثَمُودَ الَّذِينَ جَابُوا الصَّخْرَ بِالْوَادِ} [آية: 9] . "الجودي": جبل بين الموصل والجزيرة.. سورة هود: {وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ} [آية: 44] . "جأر": أفرط في الدعاء والتضرع.. سورة المؤمنون: {لا تَجْأَرُوا الْيَوْمَ} [آية: 65] . "جاسوا": توسطوا وترددوا.. سورة الإسراء: {فَجَاسُوا خِلالَ الدِّيَارِ} [آية: 5] . "جاء": المجيء كالإتيان؛ لكن المجيء أعم؛ لأن الإتيان مجيء بسهولة والإتيان قد يقال باعتبار قصد وإن لم يكن منه الحصول، والمجيء يقال اعتبارًا بالحصول، ويقال: جاء في الأعيان والمعاني ولما يكن مجيئه بذاته وبأمره ولما قصد مكانًا أو عملًا أو زمانًا.. سورة يس: {وَجَاءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى} [آية: 20] .. سورة غافر: {وَلَقَدْ جَاءَكُمْ يُوسُفُ} [آية: 34] .. سورة الأحزاب: {فَإِذَا جَاءَ الْخَوْفُ} [آية: 19] .. سورة الزمر: {بَلَى قَدْ جَاءَتْكَ آيَاتِي} [آية: 59] .. سورة الفرقان: {فَقَدْ جَاءُوا ظُلْمًا وَزُورًا} [آية: 4] أي: قصدوا الكلام وتعدوه، فاستعمل فيه المجيء كما استعمل فيه القصد. "جو": هواء.. سورة النحل: {أَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ مُسَخَّرَاتٍ فِي جَوِّ السَّمَاءِ} [آية: 79] . حرف الحاء: "تحبرون": تسرون سرورًا يظهر أثره.. سورة الزخرف: {أَنْتُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ تُحْبَرُونَ} [آية: 70] . "الحبك": الطرق المحكمة حسًّا أو عقلًا.. سورة الذاريات: {السَّمَاءِ ذَاتِ الْحُبُكِ} [آية: 7] . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 191 "حدَب": ما ارتفع من الأرض.. سورة الأنبياء: {وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ} [آية: 96] . "الحرث": إلقاء البذر في الأرض وتهيؤها للزرع، ويقال للمزروع حرث.. سورة ن: {أَنِ اغْدُوا عَلَى حَرْثِكُمْ} [آية: 22] . "الحرج": الضيق.. سورة الحج: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [آية: 78] . "الحرد": المنع عن حدة وغضب.. سورة ن: {وَغَدَوْا عَلَى حَرْدٍ قَادِرِينَ} [آية: 25] . "الحرص": فطر الشره أو فرط الإرادة.. سورة النحل: {إِنْ تَحْرِصْ عَلَى هُدَاهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ يُضِلُّ} [آية: 37] .. سورة البقرة: {وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ} [آية: 96] . "الحرف": الطرف والحافة.. سورة الحج: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ} [آية: 11] . "الحزن": خشونة في الأرض أو النفس لما يحصل فيها من الغم.. سورة التوبة: {لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا} [آية: 40] . وقال الشاعر: ومن سره ألا يرى ما يسوءه ... فلا يتخذ شيئًا يبالي له فقدا "حس": أدركه بالحس ويستعار للاستئصال والقتل.. سورة آل عمران: {إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِه} [آية: 152] . "حسبانا": عذابًا يجازى به.. سورة الكهف: {حُسْبَانًا مِنَ السَّمَاءِ} [آية: 40] . والفرق بين الحسبان والظن أن في الحسبان حكمًا لأحد النقيضين من غير أن يخطر على باله النقيض الآخر، فإن خطر النقيض كان ظنًّا.. سورة المائدة: {وَحَسِبُوا أَلَّا تَكُونَ فِتْنَةٌ} [آية: 71] . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 192 "حسر": الحسير الحبيس الضعيف العي.. سورة الإسراء: {فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا} [آية: 29] . "الحسم": إزالة أثر الشيء.. سورة الحاقة: {وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومًا} [آية: 7] . "حشر": جمع.. سورة الشعراء: {فَأَرْسَلَ فِرْعَوْنُ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ} [آية: 53] . "حصحص": ظهر.. سورة يوسف: {الْآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ} [آية: 51] . "حصب": حطب.. سورة الأنبياء: {إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ} [آية: 98] . "حصر": ضاق.. سورة النساء: {حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ} [آية: 90] . "حطم": كسر كسرًا متناهيًا.. سورة النمل: {لا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ} [آية: 18] . "المحتظر": الذي يعمل الحظيرة.. سورة القمر: {كَهَشِيمِ الْمُحْتَظِرِ} [آية: 31] . "الإحفاء": الإلحاح والبحث.. سورة القتال: {إِنْ يَسْأَلْكُمُوهَا فَيُحْفِكُمْ تَبْخَلُوا} [آية: 37] . "الحفي": البار اللطيف.. سورة مريم: {إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيًّا} [آية: 47] . "الحقف: الرمل.. سورة الأحقاف: {إِذْ أَنْذَرَ قَوْمَهُ بِالأَحْقَافِ} [آية: 21] . "الحميم": الماء الشديد الحرارة.. سورة القتال: {وَسُقُوا مَاءً حَمِيمًا} [آية: 15] . "الحمأ": طين أسود منتن.. سورة الحجر: {مِنْ حَمَأٍ مَسْنُونٍ} [آية: 26] . و"الحام": الفحل إذا ولد عشرة أبطن.. سورة المائدة: {وَلا وَصِيلَةٍ وَلا حَامٍ} [آية: 103] . "الحنان": الإشفاق والرحمة.. سورة مريم: {وَحَنَانًا مِنْ لَدُنَّا} [آية: 13] . "حنيذ": أي مشوي.. سورة هود: {فَمَا لَبِثَ أَنْ جَاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ} [آية: 69] . "حنك": حنكت الدابة: ألجمتها، واحتنك الجراد الأرض استولى على الجزء: 1 ¦ الصفحة: 193 ما فيها.. سورة الإسراء: {لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلَّا قَلِيلًا} [آية: 62] . "الحوب": الإثم.. سورة النساء: {إِنَّهُ كَانَ حُوبًا كَبِيرًا} [آية: 2] . "الحوت": السمك العظيم.. سورة الصافات: {فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ} [آية: 142] . "الحيد" العدول.. سورة ق: {ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ} [آية: 19] . "الحوذ": السوق بعنف.. سورة المجادلة: {اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ} [آية: 19] أي: ساقهم إليه واستولى عليهم. "الحور": التردد والرجوع.. سورة الانشقاق: {إِنَّهُ ظَنَّ أَنْ لَنْ يَحُورَ} [آية: 14] . "الحير": التبلد والحيرة.. سورة الأنعام: {كَالَّذِي اسْتَهْوَتْهُ الشَّيَاطِينُ فِي الْأَرْضِ حَيْرَانَ} [آية: 71] . "حيص": العدول عن الحق والوقوع في الشدة، والمحيص: المغيث.. سورة ق: {هَلْ مِنْ مَحِيصٍ} [آية: 36] . "الحيف": الميل في الحكم والجنوح إلى أحد الجانبين.. سورة النور: {أَمْ يَخَافُونَ أَنْ يَحِيفَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ} [آية: 50] . "حول": أصل الحول تغير الشيء وانفصاله عن غيره.. سورة الأنفال: {وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ} [آية: 24] قيل: يقلبه فلا يثبته على شرعه؛ وقيل: يخلي بينه وبين مراده لحكمة. "الحوايا": الأمعاء.. سورة الأنعام: {أَوِ الْحَوَايَا أَوْ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ} [آية: 146] . "الأحوى": شديد السواد.. سورة الأعلى: {فَجَعَلَهُ غُثَاءً أَحْوَى} [آية: 5] . حرف الخاء: "الخبت": المطمئن من الأرض، استعير للتواضع واللين.. سورة هود: {وَأَخْبَتُوا إِلَى رَبِّهِمْ} [آية: 23] . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 194 "الخبط": الضرب على غير استواء.. سورة البقرة: {يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ} [آية: 275] أي: يلعب به ويعبث من خبط الرجل الشجر بعصاه، أو من الاختباط الذي هو طلب المعروف. "الخبال": الفساد الذي يلحق الإنسان في عقله.. سورة آل عمران: {لا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا} [آية: 118] . "خبت": أصل الخباء: الغطاء، وخبت النار: سكن لهبها من وجود رماد.. سورة الإسراء: {كُلَّمَا خَبَتْ زِدْنَاهُمْ سَعِيرًا} [آية: 97] . "الخبء": ما ستر وادخر.. سورة النمل: {أَلَّا يَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} [آية: 25] . "الختر": غدر فيه ضعف.. سورة لقمان: {وَمَا يَجْحَدُ بِآياتِنَا إِلَّا كُلُّ خَتَّارٍ كَفُورٍ} [آية: 32] . "ختم": طبع، وهو استعارة لعدم قبول الحق.. سورة البقرة: {خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ} [آية: 7] . "خد": شق.. سورة البروج: {قُتِلَ أَصْحَابُ الْأُخْدُودِ} [آية: 4] . "خدع": أظهر خلاف الواقع.. سورة البقرة: {يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا} [آية: 9] . "خدن": صحب، وأغلب ما يكون في الشهوة.. سورة المائدة: {وَلا مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ} [آية: 5] . "خرص": كذب؛ لأنه يتكلم أحيانًا بالتخمين.. سورة الذاريات: {قُتِلَ الْخَرَّاصُونَ} [آية: 10] . "الخرطوم": أنف الفيل.. سورة ن: {سَنَسِمُهُ عَلَى الْخُرْطُومِ} [آية: 16] . "الخرق": الإفساد والحكم من غير تروٍّ.. سورة الأنعام: {وَخَرَقُوا لَهُ بَنِينَ وَبَنَاتٍ بِغَيْرِ عِلْمٍ} [آية: 100] . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 195 "الخسأ": الزجر مع الاستهانة.. سورة المؤمنون: {اخْسَأُوا فِيهَا وَلا تُكَلِّمُونِ} [آية: 108] . "الخصفة": أوراق أو نحوها يغطى بها.. سورة طه: {وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ} [آية: 121] . "مخضود": مكسور الشوك.. سورة الواقعة: {فِي سِدْرٍ مَخْضُودٍ} [آية: 28] . "خطف": اختلس بسرعة.. سورة الصافات: {إِلَّا مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ} [آية: 10] . "الخطأ": العدول عن الجهة، فإن أراد غير ما تحسن إرادته فهو العمد والتعمد، وفعله خطئ.. سورة الإسراء: {إِنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْئًا كَبِيرًا} [آية: 31] وإن أراد ما تحسن إرادته لكنه أعرض عنه فهو مخطئ، والفعل أخطأ.. سورة الأحزاب: {وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ} [آية: 5] . "الخفت": الإسرار.. سورة الإسراء: {وَلا تُخَافِتْ بِهَا} [آية: 110] . "أخلد": ركن ظانًّا البقاء.. سورة الأعراف: {وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ} [آية: 176] . "الخمود": السكون.. سورة يس: {إِنْ كَانَتْ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ خَامِدُونَ} [آية: 29] . "الخماد": الغطاء الذي يستر به.. سورة النور: {وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ} [آية: 31] . "خمص": ضمر، والمخمصة المجاعة التي تضمر البطن.. سورة المائدة: {فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ} [آية: 3] . "الخمط": شجر لا شوك له.. سورة سبأ: {ذَوَاتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ} [آية: 16] . "خنس": انقبض وانكمش.. سورة الناس: {مِنْ شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ} [آية: 4] . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 196 "الخوار": صوت البقرة، ويستعار للبعير.. سورة الأعراف: {عِجْلًا جَسَدًا لَهُ خُوَارٌ} [آية: 148] . "الخوض": الشروع في المرور بالماء، ويستعار في الأمور التي ينهى عن الشروع فيها غالبًا.. سورة الأنعام: {وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا} [آية: 68] . "الخياط": الإبرة التي يخاط بها.. سورة الأعراف: {حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ} [آية: 40] . "خول": أعطى.. سورة الأنعام: {وَتَرَكْتُمْ مَا خَوَّلْنَاكُمْ} [آية: 94] . "خاوية": خالية.. سورة البقرة: {وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا} [آية: 259] . حرف الدال: "الدثار": الغطاء.. سورة المدثر: {يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ} [آية: 1] . "الدحر" الطرد والإبعاد.. سورة الأعراف: {اخْرُجْ مِنْهَا مَذْءُومًا مَدْحُورًا} [آية: 18] . "الدحض": البطلان والزوال.. سورة الشورى: {حُجَّتُهُمْ دَاحِضَةٌ} [آية: 16] . "دحا": أزال من موضع إلى آخر.. سورة النازعات: {وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا} [آية: 30] . "دخر": ذل.. سورة غافر: {سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ} [آية: 60] . "در": توالى، وأصله في اللبن.. سورة نوح: {يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا} [آية: 11] . "درى": الدراية المعرفة المدركة بضرب من الحيل.. سورة الشورى: {مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ} [آية: 52] . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 197 "درأ": دفع.. سورة الرعد: {وَيَدْرَأُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ} [آية: 22] . "الدس": إدخال الشيء في الشيء بضرب من الإكراه.. سورة النحل: {أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ} [آية: 59] . "دُسُر": مسامير.. سورة القمر: {وَحَمَلْنَاهُ عَلَى ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ} [آية: 13] . "الدع": الدفع الشديد.. سورة الطور: {يَوْمَ يُدَعُّونَ إِلَى نَارِ جَهَنَّمَ دَعًّا} [آية: 13] . "دفع": إذا عُدي بإلى فهو الإعطاء.. سورة النساء: {فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ} [آية: 6] وإلا فهو الدفاع أو الحماية.. سورة الحج: {إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ} [آية: 38] .. سورة البقرة: {وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ} [آية: 251] . "دافق": سائل بسرعة.. سورة الطارق: {خُلِقَ مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ} [آية: 6] . "أدلى": أرسل.. سورة البقرة: {وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ} [آية: 188] . والتدلي: الدنو والاسترسال.. سورة النجم: {ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى} [آية: 8] . "دلوك الشمس": ميلها للغروب.. سورة الإسراء: {أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ} [آية: 78] . "دمدم": أهلك، وقيل: هو لحكاية صوت الهرة.. سورة الشمس: {فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُمْ بِذَنْبِهِمْ} [آية: 14] . "التدمير": إدخال الهلاك على الشيء.. سورة الأعراف: {وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ} [آية: 137] . "دمغ": كسر دماغه.. سورة الأعراف: {بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ} [آية: 18] . "دهق": امتلأ.. سورة النبأ: {وَكَأْسًا دِهَاقًا} [آية: 34] . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 198 "الدهمة": سواد الليل، وقد يعبر بها على الخضرة كاملة اللون أو غير الكاملة؛ لتقارب ما بين الخضرة والسواد.. سورة الرحمن: {مُدْهَامَّتَانِ} [آية: 64] . "الدهن": ما يدهن به من الزيت ونحوه.. سورة المؤمنون: {تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ} [آية: 20] والدهان دردي الزيت.. سورة الرحمن: {فَكَانَتْ وَرْدَةً كَالدِّهَانِ} [آية: 37] الادهان جعل عن المداراة والملاينة وترك الجد.. سورة الواقعة: {أَفَبِهَذَا الْحَدِيثِ أَنْتُمْ مُدْهِنُونَ} [آية: 81] . "الدأب": إما دوام السير.. ومنه سورة إبراهيم: {وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَائِبَيْنِ} [آية: 33] وإما العادة الدائمة على حالة واحدة.. سورة الأنفال: {كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ} [آية: 54] . "الدولة" ما يتداول.. سورة الحشر: {كَيْ لا يَكُونَ دُولَةً} [آية: 7] . حرف الذال: "ذرأ": أظهر بعد أن لم يكن.. سورة الأنعام: {وَجَعَلُوا لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأ} [آية: 136] . "ذنوبا": مستعار للنصيب.. سورة الذاريات: {فَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذَنُوبًا} [آية: 59] . "الذهول": شغل يورث حزنًا ونسيانًا.. سورة الحج: {تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ} [آية: 2] . "ذأم": ذم.. سورة الأعراف: {مَذْءُومًا مَدْحُورًا} [آية: 18] . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 199 حرف الراء: "رباط": المكان الذي يقيم به الحفظة.. سورة الأنفال: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ} [آية: 60] . "ربوة": المرتفع من الأرض، وأصلها الزيادة.. سورة المؤمنون: {وَآوَيْنَاهُمَا إِلَى رَبْوَةٍ} [آية: 50] . "رتع": أصله أكل البهائم، ويستعار للأكل الكثير.. سورة يوسف: {أَرْسِلْهُ مَعَنَا غَدًا يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ} [آية: 12] . "الرتق": الضم والالتحام خلقة كان أم صنعة.. سورة الأنبياء: {كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا} [آية: 30] . "الرجز": أصله الاضطراب.. سورة الأنفال: {وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ} [آية: 11] . "الرجس": الشيء القذر.. سورة المائدة: {إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ} [آية: 90] . "الرجف": الاضطراب الشديد.. سورة النازعات: {يَوْمَ تَرْجُفُ الرَّاجِفَةُ} [آية: 6] . "الرجم": الرمي بالرجام وهى الحجارة.. سورة هود: {وَلَوْلا رَهْطُكَ لَرَجَمْنَاكَ} [آية: 91] . "أرجاء": جوانب.. سورة الحاقة: {وَالْمَلَكُ عَلَى أَرْجَائِهَا} [آية: 17] . "رحبت": اتسعت.. سورة التوبة: {وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ} [آية: 25] . "رحيق":خمر.. سورة المطففين: {يُسْقَوْنَ مِنْ رَحِيقٍ مَخْتُومٍ} [آية: 25] . "الرحل": ما يوضع على البعير للركوب، ثم يعبر به تارة على البعير، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 200 وتارة عما يُجلس عليه في المنزل.. سورة يوسف: {اجْعَلُوا بِضَاعَتَهُمْ فِي رِحَالِهِمْ} [آية: 62] . "الرخاء": اللين.. سورة ص: {فَسَخَّرْنَا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخَاءً} [آية: 36] . "الردف": التتابع.. سورة الأنفال: {أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ} [آية: 9] . "الردم": سد الثلمة بالحجر.. سورة الكهف: {أَجْعَلْ بَيْنَكمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْمًا} [آية: 95] . "الرداء": الذى يتبع غيره معينًا له.. سورة القصص: {فَأَرْسِلْهُ مَعِيَ رِدْءًا يُصَدِّقُنِي} [آية: 34] . "الرذل" و"الرذال": الرديء.. سورة هود: {وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا} [آية: 27] . "الرس": أصله الأثر القليل الموجود في الشيء.. ويسمى به وادي من الوديان.. سورة ق: {كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَأَصْحَابُ الرَّسِّ} [آية: 12] . "رسا الشيء": ثبت وأرساه غيره.. سورة سبأ: {وَقُدُورٍ رَاسِيَاتٍ} [آية: 13] . "الرص" البناء المحكم.. سورة الصف: {كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ} [آية: 4] . "الرصد": الاستعداد للترقب والانقضاض.. سورة الجن: {فَمَنْ يَسْتَمِعِ الْآنَ يَجِدْ لَهُ شِهَابًا رَصَدًا} [آية: 9] . "الرعد" صوت السحاب.. سورة الرعد: {وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ} [آية: 13] . "الرغد": الطيب الواسع.. سورة البقرة: {وَكُلا مِنْهَا رَغَدًا} [آية: 35] . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 201 "الرغام": التراب الرقيق، والمراغمة تستعار للمنازعة والمذهب.. سورة النساء: {يَجِدْ فِي الْأَرْضِ مُرَاغَمًا كَثِيرًا} [آية: 100] . "الرفرف": المنتشر من الأوراق، ويستعار لنوع من الثياب مشبهة بالرياض.. سورة الرحمن: {مُتَّكِئِينَ عَلَى رَفْرَفٍ خُضْرٍ} [آية: 76] . "الرفات": المتفتت.. سورة الإسراء: {أَإِذَا كُنَّا عِظَامًا وَرُفَاتًا} [آية: 49] . "الرفث": كلام متضمن لما يستقبح ذكره.. سورة البقرة: {فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ فِي الْحَجِّ} [آية: 197] . "الرفد": المعونة والعطية.. سورة هود: {بِئْسَ الرِّفْدُ الْمَرْفُودُ} [آية: 99] . "الرق": ما يكتب فيه.. سورة الطور: {فِي رَقٍّ مَنْشُورٍ} [آية: 3] . "الرقم": الخط الغليظ أو تعجيم الكتاب.. سورة المطففين: {كِتَابٌ مَرْقُومٌ} [آية: 9] . "رواكد": سواكن.. سورة الشورى: {فَيَظْلَلْنَ رَوَاكِدَ عَلَى ظَهْرِهِ} [آية: 33] . "الركز": الصوت الخفي.. سورة مريم: {أَوْ تَسْمَعُ لَهُمْ رِكْزًا} [آية: 98] . "الركس": قلب الشيء على رأسه.. سورة النساء: {وَاللَّهُ أَرْكَسَهُمْ بِمَا كَسَبُوا} [آية: 88] . "الركض": أصله الضرب بالرجل، ويستعار للنهي عن الانهزام.. سورة الأنبياء: {لا تَرْكُضُوا وَارْجِعُوا إِلَى مَا أُتْرِفْتُمْ فِيهِ} [آية: 13] . "الرميم": العظم البالي.. سورة يس: {يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ} [آية: 78] . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 202 "رمحه": أصابه بالرمح.. سورة المائدة: {تَنَالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِمَاحُكُمْ} [آية: 94] . "الرمز": إشادة بالشفة والصوت والغمز بالحاجب.. سورة آل عمران: {ثَلاثَةَ أَيَّامٍ إِلَّا رَمْزًا} [آية: 41] . "الرهط": العصابة دون العشرة أو الأربعين.. سورة هود: {وَلَوْلا رَهْطُكَ} [آية: 91] . "رهوًا": أي ساكنًا.. سورة الدخان: {وَاتْرُكِ الْبَحْرَ رَهْوًا} [آية: 24] . "الريب": الشك الناشئ عن التوهم.. سورة الحج: {إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ} [آية: 5] . "الرود": التردد في طلب الشيء برفق.. سورة يوسف: {وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا} [آية: 23] . "الريش": يستعار للثياب الفخمة.. سورة الأعراف: {أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشًا} [آية: 26] . "الروض": مستنقع الماء والخضرة، وأغلب ما تستعمل الروضة في رياض الجنة.. سورة الشورى: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فِي رَوْضَاتِ الْجَنَّاتِ} [آية: 22] . "الريع": المكان المرتفع الذي يبدو من بعيد.. سورة الشعراء: {أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آيَةً} [آية: 128] . "الروغ": الميل على سبيل الاحتيال.. سورة الصافات: {فَرَاغَ عَلَيْهِمْ ضَرْبًا بِالْيَمِينِ} [آية: 93] . "الرين": صدأ يعلو الشيء الجليل.. سورة المطففين: {رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} [آية: 14] . "رئيا": منظرًا يُتباهى به.. سورة مريم: {هُمْ أَحْسَنُ أَثَاثًا وَرِئْيًا} [آية: 74] . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 203 حرف الزاء: "الزبرة": قطعة عظيمة من الحديد.. سورة الكهف: {آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ} [آية: 96] . وقد يستعار للجماعة المتفرقة.. سورة المؤمنون: {فَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ زُبُرًا} [آية: 53] . وكل كتاب غليظ الكتابة فهو زبور.. سورة الإسراء: {وَآتَيْنَا دَاوُدَ زَبُورًا} [آية: 55] . "الزجر": طرد بصوت.. سورة النازعات: {فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ} [آية: 13] . "زجا": ساق.. سورة النور: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُزْجِي سَحَابًا} [آية: 43] . "زرب": الزرابي جمع زرب؛ وهو ضرب من الثياب محبر منسوب إلى موضع.. سورة الغاشية: {وَزَرَابِيُّ مَبْثُوثَةٌ} [آية: 16] . "تزدري": تستهين.. سورة هود: {وَلا أَقُولُ لِلَّذِينَ تَزْدَرِي أَعْيُنُكُمْ لَنْ يُؤْتِيَهُمُ اللَّهُ خَيْرًا} [آية: 31] . "زعيم": من الزعامة وهي الكفالة.. سورة يوسف: {وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ} [آية: 72] . "يزفون": يسرعون.. سورة الصافات: {فَأَقْبَلُوا إِلَيْهِ يَزِفُّونَ} [آية: 94] . "زفير": تردد النَّفَس حتى تنتفخ الضلوع منه.. سورة هود: {لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ} [آية: 106] . "الزقوم": أطعمة كريهة في النار.. سورة الدخان: {إِنَّ شَجَرَتَ الزَّقُّومِ} [آية: 43] . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 204 "الزلفة": المنزلة والحظوة.. سورة الزمر: {مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى} [آية: 3] . "الزلق": الدحض الذي لا نبات فيه.. سورة الكهف: {فَتُصْبِحَ صَعِيدًا زَلَقًا} [آية: 40] . "الزمرة": الجماعة القليلة.. سورة الزمر: {وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا} [آية: 73] . "المزمل": المتزمل في ثوبه.. سورة المزمل: {يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ} [آية: 1] . "الزنيم": الزائد في القوم وليس منهم.. سورة ن: {عُتُلٍّ بَعْدَ ذَلِكَ زَنِيمٍ} [آية: 13] . "تزاور": تميل.. سورة الكهف: {وَتَرَى الشَّمْسَ إِذَا طَلَعَتْ تَزَاوَرُ عَنْ كَهْفِهِمْ} [آية: 17] . حرف السين: "السبب": الحبل.. سورة الحج: {فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّمَاءِ} [آية: 15] . "السبح": يستعار لمر النجوم في الفلك.. سورة يس: {وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ} [آية: 40] . "السبط": ابن الولد.. سورة البقرة: {وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطَ} [آية: 140] . "سابغ": تام واسع.. سورة سبأ: {أَنِ اعْمَلْ سَابِغَاتٍ} [آية: 11] . "السبيل": الطريق الذي فيه سهولة.. سورة الأنعام: {وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ} [آية: 153] . "سبأ": اسم بلد أو جماعة تفرقت.. سورة النمل: {وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَأٍ بِنَبَأٍ يَقِينٍ} [آية: 2] . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 205 "السجيل": حجر وطين مختلطان.. سورة هود: {وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ} [آية: 82] . و"السجل": ما يكتب فيه.. سورة الأنبياء: {كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ} [آية: 104] . "سجا": سكن.. سورة الضحى: {وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى} [آية: 2] . "السحت" القشر الذي يستأصل.. سورة طه: {فَيُسْحِتَكُمْ بِعَذَابٍ} [آية: 61] . "السحق": التفتت.. سورة تبارك: {فَسُحْقًا لِأَصْحَابِ السَّعِيرِ} [آية: 11] . ويستعمل في البعد.. سورة الحج: {أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ} [آية: 31] . "السدر": شجر قليل الغناء عند الأكل.. سورة سبأ: {وَشَيْءٍ مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ} [آية: 16] . "السرب": المكان المنحدر.. سورة الكهف: {فَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ سَرَبًا} [آية: 61] . "السربال": القميص من أي جنس كان.. سورة إبراهيم: {سَرَابِيلُهُمْ مِنْ قَطِرَانٍ} [آية: 50] . "السرد": أصله خرز ما يخشن ويغلظ كنسج الدرع وخرز الجلد، واستعير لنظم الحديد.. سورة سبأ: {وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ} [آية: 11] . "السرمد": الدائم.. سورة القصص: {أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَدًا} [آية: 71] . "الغب": الجوع مع التعب.. سورة البلد: {أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ} [آية: 14] . "السفع": الأخذ.. سورة العلق: {لَنَسْفَعًا بِالنَّاصِيَةِ} [آية: 15] . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 206 "السفه": خفة في البدن أو العقل.. سورة النساء: {وَلا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمْ} [آية: 5] . "السكب": الصب.. سورة الواقعة: {وَمَاءٍ مَسْكُوبٍ} [آية: 31] . "السكر": بفتح السين الحبس، وبضمها الحيلولة بين المرء وعقله.. سورة الحجر: {إِنَّمَا سُكِّرَتْ أَبْصَارُنَا} [آية: 15] . "السلق": القهر.. سورة الأحزاب: {سَلَقُوكُمْ بِأَلْسِنَةٍ حِدَادٍ} [آية: 19] . "السلوى": طائر.. سورة البقرة: {وَأَنْزَلْنَا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى} [آية: 57] . "السم": الخرق الضيق.. سورة الأعراف: {حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ} [آية: 40] . "السامد": اللاهي الرافع رأسه.. سورة النجم: {وَأَنْتُمْ سَامِدُونَ} [آية: 61] . "السَّمْك": الرفع.. سورة النازعات: {رَفَعَ سَمْكَهَا} أي: سقفها المرتفع [آية: 28] . "تسنيم": عين في الجنة.. سورة المطففين: {وَمِزَاجُهُ مِنْ تَسْنِيمٍ} [آية: 27] . "الساهرة": وجه الأرض، وقيل: أرض القيامة.. سورة النازعات: {فَإِذَا هُمْ بِالسَّاهِرَةِ} [آية: 14] . "السائبة": التي تسيب في المرعى بعد ولادتها خمس مرات.. سورة المائدة: {مَا جَعَلَ اللَّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلا سَائِبَةٍ} [آية: 103] . "السوط": الجلد المضفور الذي يضرب به.. سورة الفجر: {فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ} [آية: 13] . "السائغ": السهل التناول والانحدار.. سورة النحل: {سَائِغًا لِلشَّارِبِينَ} [آية: 66] . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 207 "السؤل": الحاجة التي تحرص النفس عليها.. سورة طه: {قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يَا مُوسَى} [آية: 26] . حرف الشين: "الشح": بخل مع حرص.. سورة النساء: {وَأُحْضِرَتِ الْأَنْفُسُ الشُّحَّ} [آية: 128] . "شاخص": ثابت لا يتحرك.. سورة إبراهيم: {إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ} [آية: 42] . "شرذمة": جماعة متقطعة.. سورة الشعراء: {إِنَّ هَؤُلاءِ لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ} [آية: 54] . "شطء الزرع": ما نبت منه وتفرق.. سورة الفتح: {كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَه} [آية: 29] . "الشغف": أصابة باطن القلب ووسطه.. سورة يوسف: {قَدْ شَغَفَهَا حُبًّا} [آية: 30] . "الشغل": العارض الذي يذهل الإنسان.. سورة يس: {إِنَّ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ الْيَوْمَ فِي شُغُلٍ فَاكِهُونَ} [آية: 55] . "الشفق": اختلاط ضوء النهار بسواد الليل عند غروب الشمس.. سورة الانشقاق: {فَلا أُقْسِمُ بِالشَّفَقِ} [آية: 16] . "شفا أي شيء": حرفه، ويضرب به المثل للقرب من الهلاك.. سورة آل عمران: {وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ} [آية: 103] . "الشك": اعتدال النقيضين عند الإنسان وتساويهما.. والشك ضرب من الجهل وهو أخص منه؛ لأن الجهل قد يكون عدم العلم بالنقيضين رأسًا، فكل شك جهل وليس كل جهل شكًّا.. سورة سبأ: {إِنَّهُمْ كَانُوا فِي شَكٍّ مُرِيبٍ} [آية: 54] . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 208 "الشكس": سوء الخُلُق.. سورة الزمر: {ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَجُلًا فِيهِ شُرَكَاءُ مُتَشَاكِسُونَ} [آية: 29] . "شامخات": عاليات.. سورة المرسلات: {وَجَعَلْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ شَامِخَاتٍ} [آية: 27] . "شنأ": أبغضه وتقذر منه.. سورة المائدة: {وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ} [آية: 8] . "الشهاب": الشعلة الساطعة من النار الموقدة.. سورة الصافات: {فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ ثَاقِبٌ} [آية: 15] . "الشواظ": اللهب الذي لا دخان فيه ... سورة الرحمن: {يُرْسَلُ عَلَيْكُمَا شُوَاظٌ مِنْ نَارٍ} [آية: 35] . "الشوك": يعبر به عن السلاح والشدة.. سورة الأنفال: {وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ} [آية: 7] . حرف الصاد: "الصبغ": أي الإدام.. سورة المؤمنون: {تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ وَصِبْغٍ لِلْآكِلِينَ} . والصبغة: الفطرة.. سورة البقرة: {وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً} [آية: 138] . "الصاخة": الواقعة ذات الصوت.. سورة عبس: {فَإِذَا جَاءَتِ الصَّاخَّةُ} [آية: 23] . "صدع بالأمر": أعلنه.. سورة الحجر: {فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ} [آية: 94] . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 209 "الصدف": الإعراض بشدة.. سورة الأنعام: {سَنَجْزِي الَّذِينَ يَصْدِفُونَ عَنْ آيَاتِنَا} [آية: 157] . "التصدية": الصوت الذي يرجع من الصدى.. سورة الأنفال: {وَمَا كَانَ صَلاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلَّا مُكَاءً وَتَصْدِيَةً} [آية: 35] . "الصرح": بيت عالٍ مزوق.. سورة النمل: {إِنَّهُ صَرْحٌ مُمَرَّدٌ مِنْ قَوَارِيرَ} [آية: 44] . "الصريم": قطعة منصرمة عن الرمال.. سورة القلم: {فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ} [آية: 20] لشدة سوادها. "الصرع": الطرح.. سورة الحاقة: {فَتَرَى الْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَى} [آية: 7] . "الصعر": ميل في العنق.. سورة لقمان: {وَلا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ} [آية: 18] . "الصفن": الجمع بين الشيئين ضامًّا بعضهما إلى بعض.. سورة ص: {الصَّافِنَاتُ الْجِيَادُ} [آية: 31] . "الصلصال": الطين الجاف.. سورة الرحمن: {خَلَقَ الْأِنْسَانَ مِنْ صَلْصَالٍ} [آية: 4] . "الصلد": الحجر الذي لا ينبت.. سورة البقرة: {فَتَرَكَهُ صَلْدًا} [آية: 264] . "الصمد": السيد الذي يصمد إليه في الأمر.. سورة الإخلاص: {اللَّهُ الصَّمَدُ} [آية: 2] . "الصومعة": كل بناء متصبع الرأس أي متلاصقة.. سورة الحج: {لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ} [آية: 40] . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 210 "الصنو": الغصن الخارج عن أصل الشجرة.. سورة الرعد: {صِنْوَانٌ وَغَيْرُ صِنْوَانٍ يُسْقَى بِمَاءٍ وَاحِدٍ} [آية: 4] . "صواع": إناء يُكال به ويُشرب به.. سورة يوسف: {نَفْقِدُ صُوَاعَ الْمَلِكِ} [آية: 72] . "صياصي": حصون.. سورة الأحزاب: {وَأَنْزَلَ الَّذِينَ ظَاهَرُوهُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ صَيَاصِيهِمْ} [آية: 26] . حرف الضاد: "الضبح": صوت أنفاس الفرس.. سورة العاديات: {وَالْعَادِيَاتِ ضَبْحًا} [آية: 1] . "ضريع": نبات أحمر منتن الريح.. سورة الغاشية: {لَيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلَّا مِنْ ضَرِيعٍ} [آية: 6] . "الضغث": قبضة من الريحان.. سورة ص: {وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا} [آية: 44] و"أضغاث الأحلام": أخلاطها.. سورة يوسف: {قَالُوا أَضْغَاثُ أَحْلامٍ} [آية: 44] . "الضغن": الحقد الشديد.. سورة القتال: {أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَنْ لَنْ يُخْرِجَ اللَّهُ أَضْغَانَهُمْ} [آية: 29] . "الضامر": الحيوان خفيف اللحم.. سورة الحج: {وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ} [آية: 27] . "ضن": بخل.. سورة التكوير: {وَمَا هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِضَنِينٍ} [آية: 24] . "ضنكا": أي ضيقًا.. سورة طه: {فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا} [آية: 124] . "ضيزى": أي ناقصة وجائرة.. سورة النجم: {تِلْكَ إِذًا قِسْمَةٌ ضِيزَى} [آية: 21] . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 211 حرف الطاء: "الطبع": تصوير الشيء بصورة ما، وهو أعم من الختم وأخص من النقش.. سورة النساء: {بَلْ طَبَعَ اللَّهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ} [آية: 155] . "الطحو": بسط الشيء والذهاب به.. سورة الشمس: {وَالْأَرْضِ وَمَا طَحَاهَا} [آية: 6] . "الطل": أقل المطر.. سورة البقرة: {فَإِنْ لَمْ يُصِبْهَا وَابِلٌ فَطَلٌّ} [آية: 265] . "الطلح": شجر.. سورة الواقعة: {وَطَلْحٍ مَنْضُودٍ} [آية: 29] . "الطامة": من أسماء القيامة، يقال: بحر مطموم.. سورة النازعات: {فَإِذَا جَاءَتِ الطَّامَّةُ الْكُبْرَى} [آية: 34] . "الطمث": دم الحيض.. و"طمث الرجل المرأة": إذا افتض بكارتها.. سورة الرحمن: {لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلا جَانٌّ} [آية: 74] . "الطمس": إزالة الأثر بالمحو.. سورة يونس: {رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ} [آية: 88] . "الطود": الجبل المرتفع.. سورة الشعراء: {فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ} [آية: 63] . حرف الظاء: "ظعن": شخص وسافر، سورة النحل: {يَوْمَ ظَعْنِكُمْ وَيَوْمَ إِقَامَتِكُمْ} [آية: 80] . "الظل" أعم من الفيء.. فالفيء لما زالت عنه الشمس فقط.. ويكنى بالظل عن العزة والمنعة.. سورة المرسلات: {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي ظِلالٍ وَعُيُون} [آية: 41] . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 212 حرف العين: "العبوس": قطوب الوجه من ضيق الصدر.. سورة المدثر: {ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ} [آية: 22] . "العبقر": موضع ينسب إليه كل نادر.. سورة الرحمن: {وَعَبْقَرِيٍّ حِسَانٍ} [آية: 76] . "الاستعتاب": أن يطلب من الإنسان أن يذكر عتبه ليعتب.. سورة فصلت: {وَإِنْ يَسْتَعْتِبُوا فَمَا هُمْ مِنَ الْمُعْتَبِينَ} [آية: 24] . "العتاد": ادخار الشيء قبل الحاجة إليه.. و"العتيد": المعد والمعد.. سورة ق: {إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} [آية: 18] . "العتيق": المتقدم في الزمان أو المكان أو الرتبة.. سورة الحج: {وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ} [آية: 29] . "العتو": النبو عن الطاعة.. سورة الملك: {بَلْ لَجُّوا فِي عُتُوٍّ وَنُفُورٍ} [آية: 21] . "العثار" و"العثور": السقوط.. ويتجوز به فيمن يطلع على أمر من غير طلبه.. سورة المائدة: {فَإِنْ عُثِرَ عَلَى أَنَّهُمَا اسْتَحَقَّا إِثْمًا} [آية: 107] . "العيث": أكثر ما يقال في الفساد الذي يدرك حسًّا.. و"العثي" في الفساد الذي يدرك حكمًا.. سورة البقرة: {وَلا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ} [آية: 60] . "العجب" و"التعجب": حالة تعرض للإنسان عند الجهل بسبب الشيء.. سورة يونس: {أَكَانَ لِلنَّاسِ عَجَبًا} [آية: 2] . "عجز كل شيء": موخره.. سورة القمر: {كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ} [آية: 20] . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 213 "الأعجف": الدقيق من الهزال.. سورة يوسف: {يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ} [آية: 46] . "العدن": الاستقرار والثبات.. سورة مريم: {جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدَ الرَّحْمَنُ} [آية: 60] . "المعتر" المعترض للسؤال.. سورة الحج: {وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ} [آية: 36] . "المعرفة" و"العرفان": إدراك الشيء بتفكر وتدبر لأثره، وهو أخص من العلم، ويضاده الإنكار.. سورة يوسف: {فَعَرَفَهُمْ وَهُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ} [آية: 58] . "العرامة": شراسة وصعوبة.. سورة سبأ: {سَيْلَ الْعَرِمِ} [آية: 16] . "العازب": المتباعد في طلب الكلأ عن أهله.. سورة يونس: {وَمَا يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ} [آية: 61] أي: يغيب. "التعزير": النصرة مع التعظيم.. سورة الأعراف: {وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ} [آية: 157] . "عزين": جماعات متفرقين.. سورة المعارج: {عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ عِزِينَ} [آية: 37] . "عسعس": أقبل وأدبر.. سورة التكوير: {وَاللَّيْلِ إِذَا عَسْعَسَ} [آية: 17] . "العشا": ظلمة توجد في العين.. سورة الزخرف: {وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ} [آية: 36] . "العضل": يتجوز به في المنع الشديد.. سورة النساء: {وَلا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا} [آية: 19] . "عضين": مغرقين.. سورة الحجر: {الَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ} [آية: 91] . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 214 "العطل": الفراغ من الزينة والشغل.. سورة الحج: {وَبِئْرٍ مُعَطَّلَةٍ} [آية: 45] . "العفريت": العارم الخبيث.. سورة النمل: {قَالَ عِفْرِيتٌ مِنَ الْجِنِّ} [آية: 39] . "العقل": يطلق على القوة المتهيئة لقبول العلم، ويقال أيضًا على العلم المستفاد، وكل موضع ذم الله فيه الكفرة بسبب فقدان العقل أراد به فقدان العلم، وكل موضع أسقط فيه التكليف لعدم العقل أراد به المعنى الأول؛ وهو القوة المتهيئة لقبول العلم.. سورة الأنفال: {إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لا يَعْقِلُونَ} [آية: 22] . "العمه": التردد في الأمر من التحير.. سورة البقرة: {وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ} [آية: 15] . "المعانتة": كالمعاندة، إلا أن المعانتة فيها خوف وهلاك.. سورة البقرة: {وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لأَعْنَتَكُمْ} [آية: 220] . "العنا": الخضوع.. سورة طه: {وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ} [آية: 111] . "العهن": الصوف المصبوغ.. سورة القارعة: {وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ الْمَنْفُوشِ} [آية: 4] . "العوج": يقال فيما يُدرك بالبصر.. و"العوج" بكسر العين فيما يُدرك بالفكر والبصيرة.. سورة الزمر: {قُرْآنًا عَرَبِيًّا غَيْرَ ذِي عِوَجٍ} [آية: 28] . "المعوقين": المثبطين.. سورة الأحزاب: {قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنْكُمْ} [آية: 18] . "العول" و"الغول" يتقاربان: إلا أن المهملة فيما يثقل، والمعجمة فيما يهلك.. سورة النساء: {ذَلِكَ أَدْنَى أَلَّا تَعُولُوا} [آية: 3] . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 215 "الإعياء": عجز يلحق البدن من المشي. و"العي": عجز يلحق من تولي الأمر والكلام.. سورة ق: {أَفَعَيِينَا بِالْخَلْقِ الْأَوَّلِ} [آية: 15] . حرف الغين: "الغابر": الباقي بعد مضي ما معه.. سورة الصافات: {إِلَّا عَجُوزًا فِي الْغَابِرِينَ} [آية: 135] . و"الغبرة": ما يعلق من التراب ونحوه.. سورة عبس: {وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْهَا غَبَرَةٌ} [آية: 40] . "الغدق": الغرير.. سورة الجن: {لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا} [آية: 16] . "الغرم": ما ينوب الإنسان في ماله من ضرر لغير جناية منه أو خيانة.. سورة الواقعة: {إِنَّا لَمُغْرَمُونَ} [آية: 66] . "الغسق": شدة الظلمة.. سورة الإسراء: {إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ} [آية: 78] . "الغشاوة": ما يُغطى به الشيء.. سورة البقرة: {وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ} [آية: 7] . "الغض": النقصان.. سورة لقمان: {وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ} [آية: 19] . "الغطش": الظلمة.. سورة النازعات: {وَأَغْطَشَ لَيْلَهَا} [آية: 29] . "الغفر": إلباس ما يصون عن الدنس.. سورة البقرة: {غُفْرَانَكَ رَبَّنَا} [آية: 285] . "غلف": إما مغطاة أو هي في غلاف أو أوعية للعلم.. سورة البقرة: {وَقَالُوا قُلُوبُنَا غُلْفٌ} [آية: 58] . "الغمز": الإشارة بالجفن أو اليد طلبًا إلى ما فيه معاب.. سورة المطففين: {وَإِذَا مَرُّوا بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ} [آية: 30] . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 216 "الغوث": يقال في النصرة، و"الغيث": في المطر.. سورة الأنفال: {إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ} [آية: 9] وسورة القصص: {فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ} [آية: 15] . "الغيض": النقص.. سورة هود: {وَغِيضَ الْمَاءُ} [آية: 44] . "الغول": إهلاك الشيء من حيث لا يحس به.. سورة الصافات: {لا فِيهَا غَوْلٌ} [آية: 47] . "الغي": جهل من اعتقاد فاسد.. سورة النجم: {مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى} [آية: 2] . حرف الفاء: "الفتور": سكون بعد حدة، ولين بعد شدة، وضعف بعد قوة.. سورة الأنبياء: {يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لا يَفْتُرُونَ} [آية: 20] . "الفتق": الفصل بين المتصلين ضد الرتق.. سورة الأنبياء: {فَفَتَقْنَاهُمَا} [آية: 30] . "الفتيل": ما يكون في شق النواة.. سورة النساء: {وَلا تُظْلَمُونَ فَتِيلًا} [آية: 77] . "الفج": الشق بين الجبلين، ويطلق على الطريق.. سورة الحج: {مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ} [آية: 27] . "الفرث": ما في الكرش.. سورة النحل: {مِنْ بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَبَنًا خَالِصًا} [آية: 66] . "الفرد": الذي لا يختلط به غيره، فهو أعم من الوتر، وأخص من الواحد.. سورة الأنبياء: {رَبِّ لا تَذَرْنِي فَرْدًا} [آية: 89] . "الفارط": المتقدم.. سورة طه: {نَخَافُ أَنْ يَفْرُطَ عَلَيْنَا} [آية: 45] . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 217 "الفرق": يقارب الفلق؛ لكن "الفلق" يقال اعتبارًا بالانشقاق، و"الفرق" يقال اعتبارًا بالانفصال.. سورة البقرة: {وَإِذْ فَرَقْنَا بِكُمُ الْبَحْرَ} [آية: 50] .. وسورة الشعراء: {اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ} [آية: 63] . "الفره": الأشر الحاذق.. سورة الشعراء: {وَتَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا فَارِهِينَ} [آية: 49] . "استفز": أزعج.. سورة الإسراء: {وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ} [آية: 64] . "الفسر": إظهار المعنى المعقول وتبيينه.. سورة الفرقان: {وَلا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيرًا} [آية: 33] . "الفشل": ضعف مع جبن.. سورة آل عمران: {حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ} [آية: 152] . "الفطر": الشق طولًا.. سورة الملك: {هَلْ تَرَى مِنْ فُطُورٍ} [آية: 3] . "الفاقع": شديد الصفرة.. سورة البقرة: {إِنَّهَا بَقَرَةٌ صَفْرَاءُ فَاقِعٌ لَوْنُهَا} [آية: 69] . "الفقه": هو التوصل إلى علم غائب بعلم شاهد، فهو أخص من العلم.. سورة النساء: {لا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثًا} [آية: 78] . "الفكرة": قوة مطرقة للعلم إلى المعلوم.. و"التفكر": جولان تلك القوة بحسب نظر العقل، ولا يقال إلا فيما يمكن أن يحصل له صورة في القلب.. سورة الأعراف: {أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا} [آية: 184] . "الفلق": شق الشيء وإبانة بعضه عن بعض.. سورة الأنعام: {إِنَّ اللَّهَ فَالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوَى} [آية: 95] . "الفلك": مجرى الكواكب.. سورة يس: {وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ} [آية: 40] . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 218 "الفن": الغصن الغض الورق، جمعه أفنان.. سورة الرحمن: {ذَوَاتَا أَفْنَانٍ} [آية: 48] . "التفنيد": نسبة إلى الفند الذي هو ضعف الرأي.. سورة يوسف: {لَوْلا أَنْ تُفَنِّدُونَ} [آية: 94] . "الفوت": بُعْد الشيء عن الإنسان بحيث يتعذر إدراكه.. سورة سبأ: {وَلَوْ تَرَى إِذْ فَزِعُوا فَلا فَوْتَ} [آية: 51] . "الفوج": الجماعة المارة المسرعة.. سورة الملك: {كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ} [آية: 8] . "الفؤاد": كالقلب؛ لكن يقال له: فؤاد، إذا اعتبر فيه معنى التفؤد؛ أي: التوقد.. سورة النجم: {مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى} [آية: 11] . "الفوم": الحنطة.. سورة البقرة: {وَقِثَّائِهَا وَفُومِهَا} [آية: 61] . "الفيء" و"الفيئة": الرجوع إلى حالة محمودة.. سورة الحجرات: {فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ} [آية: 9] . حرف القاف: "القبس": المتناول من الشعلة.. سورة النمل: {أَوْ آتِيكُمْ بِشِهَابٍ قَبَسٍ} [آية: 7] . "القبض": تناول الشيء بجميع الكف بخلاف القبص فهو تناول بأطراف الأصابع.. سورة طه: {فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِنْ أَثَرِ الرَّسُولِ} [آية: 96] . "الاقتحام": توسط شدة مخيفة.. سورة البلد: {فَلا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ} [آية: 11] . "القد": القطع طولًا.. سورة يوسف: {إِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ} [آية: 26] . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 219 "القَرْح": بفتح القاف أثر ما يصاب من الخارج، وبالضم أثر ما يصاب من الداخل، وقيل: بالفتح الجراحة، وبالضم الألم.. سورة آل عمران: {مِنْ بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ} [آية: 112] . "القرض": ضرب من القطع، وسمي قطع المكان وتجاوزه قرضًا.. سورة الكهف: {وَإِذَا غَرَبَتْ تَقْرِضُهُمْ} [آية: 17] . "القرف" و"الاقتراف": أصله قشر اللحاء عن الشجر والقشرة عن الجرح، واستعير لاكتساب الحسنة أو السيئة، وهو في الأخير أشهر.. سورة الأنعام: {وَلِيَقْتَرِفُوا مَا هُمْ مُقْتَرِفُونَ} [آية: 113] . "القرء": اسم للدخول في الحيض عن طهر.. سورة البقرة: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ} [آية: 228] . "القرية": اسم لمكان الاجتماع وللمجتمعين.. سورة يوسف: {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ} [آية: 82] . "القسر": الغلبة والقهر.. سورة المدثر: {فَرَّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ} [آية: 51] . "القصد": استقامة الطريق.. والقاصد: القريب.. سورة التوبة: {لَوْ كَانَ عَرَضًا قَرِيبًا وَسَفَرًا قَاصِدًا لَاتَّبَعُوكَ} [آية: 42] . "القصم": التحطيم.. سورة الأنبياء: {وَكَمْ قَصَمْنَا مِنْ قَرْيَةٍ} [آية: 11] . "القضب": الرطب.. سورة عبس: {فَأَنْبَتْنَا فِيهَا حَبًّا، وَعِنَبًا وَقَضْبًا، وَزَيْتُونًا} [الآيات: 27-29] . "القط": الصحيفة وما كتب فيها، وأصله الشيء المقطوع عرضًا، ثم استعمل في النصيب.. سورة ص: {عَجِّلْ لَنَا قِطَّنَا} [آية: 16] . "القطر": الجانب، وجمعه أقطار.. سورة الرحمن: {مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} [آية: 23] وبفتح القاف: المطر، وبكسرها: النحاس المذاب.. سورة الكهف: {أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًا} [آية: 96] . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 220 "القطمير": الأثر في ظهر النواة.. سورة فاطر: {وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ} [آية: 13] . "الاقتفاء": يكنى به عن الاغتياب وتتبع المعايب والحكم بالظن.. سورة الإسراء: {وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ} [آية: 36] . "القلى": شدة البغض.. سورة الضحى: {مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى} [آية: 2] . "القمطرير": الشديد.. سورة الدهر: {يَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا} [آية: 10] . "المقمع": ما يُضرب به.. سورة الحج: {وَلَهُمْ مَقَامِعُ مِنْ حَدِيدٍ} [آية: 21] . "القنوت": لزوم للطاعة مع الخضوع.. سورة البقرة: {وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} [آية: 238] . "القنوط": اليأس من الخير.. سورة الحجر: {وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ} [آية: 56] . "أقنى": أرضى بما أعطى.. سورة النجم: {وَأَنَّهُ هُوَ أَغْنَى وَأَقْنَى} [آية: 48] . "القنو": العذق والغصن.. سورة الأنعام: {وَمِنَ النَّخْلِ مِنْ طَلْعِهَا قِنْوَانٌ دَانِيَةٌ} [آية: 99] . "القاب": ما بين المقبض والطرف من القوس.. سورة النجم: {فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ} [آية: 9] والقوس: ما يُرمى به. "القيع" و"القاع": المستوِي من الأرض.. سورة النور: {كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ} [آية: 39] . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 221 حرف الكاف: "الكب": إسقاط الشيء على وجهه.. سورة الملك: {أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا عَلَى وَجْهِهِ} [آية: 22] . "الكبت": الرد بعنف وتذليل.. سورة آل عمران: {أَوْ يَكْبِتَهُمْ فَيَنْقَلِبُوا خَائِبِينَ} [آية: 127] . "الكبد": المشقة أو توجع الكبد.. سورة البلد: {لَقَدْ خَلَقْنَا الْأِنْسَانَ فِي كَبَدٍ} [آية: 4] . "الكثب": الرمل.. سورة المزمل: {وَكَانَتِ الْجِبَالُ كَثِيبًا مَهِيلًا} [آية: 14] أي: رملًا متراكمًا. "الكدية": صلابة في الأرض، واستعير فعلها للطالب المخفق والمعطي المقل.. سورة النجم: {وَأَعْطَى قَلِيلًا وَأَكْدَى} [آية: 3] . "الكره": بفتح الكاف وضمها بمعنى النفور من الشيء، وقيل: الفتح لما ينال الإنسان من مشقة من الخارج، وبالضم للنفرة من ذات الإنسان طبعًا أو عقلًا أو شرعًا.. سورة البقرة: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُم} [آية: 2] . "الكسب": يستعمل في الحسنة والسيئة وفيما يعود على الشخص وعلى غيره، والاكتساب خاص بما يعود على الشخص فقط.. سورة البقرة: {لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ} [آية: 28] . "الكشط": تنحية الجلد.. سورة التكوير: {وَإِذَا السَّمَاءُ كُشِطَتْ} [آية: 11] . "الكاعب من النساء": ذات الثدي الصغير.. سورة سبأ: {وَكَوَاعِبَ أَتْرَابًا} [آية: 33] . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 222 "الكفت": القبض والجمع.. سورة المرسلات: {أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ كِفَاتًا} أي: تجمعون عليها وتقبضون ثم تدفنون في باطنها.. "الكلاءة": حفظ الشيء وتبقيته.. سورة الأنبياء: {مَنْ يَكْلَأُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ} [آية: 42] . "الكِن": بكسر الكاف ما يُحفظ فيه الشيء، وجمعه أكنان.. سورة النحل: {وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْجِبَالِ أَكْنَانًا} [آية: 81] . و"الكنان": الغطاء، وجمعه أكنة.. سورة الإسراء: {وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً} [آية: 46] . "الكنود": الكفور بالنعمة.. سورة العاديات: {إِنَّ الْأِنْسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ} [آية: 6] . "الكهل": مَن حَلَّ به الشيب.. سورة آل عمران: {وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلًا} [آية: 46] . "الكوب": قدح لا عروة به، فإن كانت له عروة فهو أبريق.. سورة الواقعة: {بِأَكْوَابٍ وَأَبَارِيقَ} [آية: 18] . "كور الشيء": إدارته وضم بعضه إلى بعض.. سورة الزمر: {يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهَارِ} [آية: 5] . و"كورت الشمس": فقدت جزءًا من حرارتها، كذا قيل.. حرف اللام: "اللب" العقل الخالص من الشوائب.. وقيل: هو كل ما زكا من العقل، فكل لب عقل وليس كل عقل لبًّا.. سورة البقرة: {وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ} [آية: 269] . "اللبث": الإقامة.. سورة العنكبوت: {فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا} [آية: 14] . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 223 "اللبد": الاجتماع.. سورة الجن: {كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَدًا} [آية: 9] . و"مالًا لبدا": أي كثيرًا.. سورة البلد: {يَقُولُ أَهْلَكْتُ مَالًا لُبَدًا} [آية: 6] . "اللبس": الخلط.. سورة البقرة: {وَلا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ} [آية: 42] . "اللجاج": التمادي والعناد في تعاطي الفعل المزجور عنه.. سورة الملك: {بَلْ لَجُّوا فِي عُتُوٍّ وَنُفُورٍ} [آية: 21] . "لحد بلسانه": مال.. سورة فصلت: {إِنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي آيَاتِنَا لا يَخْفَوْنَ عَلَيْنَا} [آية: 40] . "إلحافًا": إلحاحًا.. سورة البقرة: {لا يَسْأَلونَ النَّاسَ إِلْحَافًا} [آية: 273] . "اللحن": صرف الكلام عن سننه الجاري عليه، إما بالتحريف والتصحيف أو بالكنايات والاستعارات.. سورة القتال: {وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ} [آية: 20] . "الألد": الخصيم المعاند.. سورة مريم: {وَتُنْذِرَ بِهِ قَوْمًا لُدًّا} [آية: 97] . "اللازب": الشديد الثبوت.. سورة الصافات: {مِنْ طِينٍ لازِبٍ} [آية: 11] . "اللغوب": التعب والنصب.. سورة ق: {وَمَا مَسَّنَا مِنْ لُغُوبٍ} [آية: 38] . "اللفيف": المنضم بعضه إلى بعض.. سورة الإسراء: {جِئْنَا بِكُمْ لَفِيفًا} [آية: 104] . "اللقف": التناول بحذق.. سورة الأعراف: {فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ} [آية: 117] . "اللمم": مقاربة المعصية، ويعبر به عن الصغيرة.. سورة النجم: {يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْأِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ} [آية: 32] . "اللواذ": الاستتار بالغير.. سورة النور: {يَتَسَلَّلُونَ مِنْكُمْ لِوَاذًا} [آية: 63] . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 224 "اللي": فتل الحبل، ويعبر به عن الإمالة سخرية.. سورة المنافقون: {لَوَّوْا رُؤُوسَهُمْ} [آية: 5] . حرف الميم: "المحص": تخليص الشيء مما فيه من عيب كالفحص؛ لكن الفحص يقال في إبراز شيء أثناء ما يختلط به وهو منفصل عنه، والمحص يقال في إبرازه عما هو متصل به.. سورة آل عمران: {وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا} [آية: 141] . "المحق": النقصان.. سورة آل عمران: {وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ} [آية: 141] . "المحال": الأخذ بالعقوبة.. سورة الرعد: {وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحَالِ} [آية: 13] . "مخرت السفينة الماء": شقته.. سورة النحل: {وَتَرَى الْفُلْكَ مَوَاخِرَ فِيهِ} [آية: 14] . "المرج": الخلط، و"المروج": الاختلاط.. سورة الرحمن: {مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ} [آية: 19] . "المارد" و"المريد": من شياطين الجن والإنس المتعري من الخيرات.. سورة النساء: {وَإِنْ يَدْعُونَ إِلَّا شَيْطَانًا مَرِيدًا} [آية: 17] .. وسورة الصافات: {وَحِفْظًا مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ مَارِدٍ} [آية: 7] .. والممرد: المملس.. سورة النمل: {صَرْحٌ مُمَرَّدٌ مِنْ قَوَارِيرَ} [آية: 44] . "المرية": التردد في الأمر، وهو أخص من الشك.. سورة الحج: {وَلا يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي مِرْيَةٍ مِنْهُ} [آية: 55] . "المزن": السحاب المضيء.. سورة الواقعة: {أَأَنْتُمْ أَنْزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ} [آية: 69] . "المس": كاللمس؛ لكن اللمس قد يقال لطلب الشيء وإن لم يوجد، و"المس": يقال فيما يكون معه إدراك بحاسة اللمس.. وكُني الجزء: 1 ¦ الصفحة: 225 بـ"المسيس" عن النكاح.. سورة البقرة: {مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ} [آية: 137] وكُني بالمس عن الجنون.. سورة البقرة: {الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ} [آية: 275] . "المسد": ليف يُتخذ من جريد النخل.. سورة المسد: {فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ} [آية: 5] . "أمشاج": أخلاط من الدم.. سورة الدهر: {مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ} [آية: 2] . "المضغة": القطعة من اللحم قدر ما يمضغ ولم ينضج.. سورة المؤمنون: {فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً} [آية: 14] . "التمطي": مد الظهر.. سورة القيامة: {ذَهَبَ إِلَى أَهْلِهِ يَتَمَطَّى} [آية: 33] . "المعين": الجاري.. سورة الملك: {يَأْتِيكُمْ بِمَاءٍ مَعِينٍ} [آية: 30] . "المقت": البغض الشديد لمن تراه تعاطى القبيح.. سورة النساء: {وَمَقْتًا وَسَاءَ سَبِيلًا} [آية: 22] . "المكاء": الصفير.. سورة الأنفال: {إِلَّا مُكَاءً وَتَصْدِيَةً} [آية: 46] . "الإملاء": الإمداد مدة.. سورة مريم: {وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا} [آية: 46] . "المن": شيء فيه حلاوة يسقط على الشجر.. سورة البقرة: {وَأَنْزَلْنَا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى} [آية: 57] وأصل المن ما يُوزن به.. و"المنة": النعمة الثقيلة، وهي مذمومة إن كانت من الخَلْق، ومحمودة من الخالق، فهي منه فعلًا، ومن العباد قولًا.. سورة الحجرات: {قُلْ لا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلامَكُمْ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ} [آية: 17] . "الميد": اضطراب الشيء العظيم.. سورة النحل: {وَأَلْقَى فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ} [آية: 15] . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 226 "المور": الجريان السريع.. سورة الطور: {يَوْمَ تَمُورُ السَّمَاءُ مَوْرًا} [آية: 9] . "الميرة": الطعام يمتاره الإنسان.. سورة يوسف: {وَنَمِيرُ أَهْلَنَا} [آية: 65] . حرف النون: "النبذ": إلقاء الشيء وطرحه لقلة الاعتداد به.. سورة الصافات: {فَنَبَذْنَاهُ بِالْعَرَاءِ} [آية: 145] . "النبز": التلقيب.. سورة الحجرات: {وَلا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ} [آية: 11] . "النبط": الماء المستخرَج، والاستباط: الاستخراج.. سورة النساء: {لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ} [آية: 83] . "النبأ": خبر ذو فائدة عظيمة يحصل به علم أو غلبة ظن، وحق الخبر الذي يقال فيه نبأ أن يتعرى عن الكذب.. سورة ص: {قُلْ هُوَ نَبَأٌ عَظِيمٌ} [آية: 67] . "النتق": الجذب والنزع حتى يسترخيه.. سورة الأعراف: {وَإِذْ نَتَقْنَا الْجَبَلَ} [آية: 71] . "النجد": المكان الغليظ الرفيع، واستعير لطريقي الخير والشر.. سورة البلد: {وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ} [آية: 10] . "النحاس": اللهيب بلا دخان.. سورة الرحمن: {وَنُحَاسٌ فَلا تَنْتَصِرَانِ} [آية: 35] . "والنحس": ضد السعد.. سورة القمر: {فِي يَوْمِ نَحْسٍ مُسْتَمِرٍّ} [آية: 19] . "النَّحلة والنِّحلة" بفتح النون وكسرها: العطية المتبرع بها، فهي أخص من الهبة.. سورة النساء: {وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً} [آية: 4] . "نخر": بلي.. سورة النازعات: {كُنَّا عِظَامًا نَخِرَةً} [آية: 11] . "الند": المشاركة للغير في الجوهر، فكل ند مثل ولا عكس.. سورة البقرة: {فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا} [آية: 22] . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 227 "الندم": التحسر من تغير رأي في أمر فائت.. سورة المائدة: {فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ} [آية: 31] . "النزغ": الدخول في أمر لإفساده.. سورة يوسف: {مِنْ بَعْدِ أَنْ نَزَغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي} [آية: 100] . "نزف": نزح ونزع، وأنزف: أبلغ.. سورة الواقعة: {لا يُصَدَّعُونَ عَنْهَا وَلا يُنْزِفُونَ} [آية: 19] . "النسخ": إما الإزالة أو الإثبات أو هما معًا.. سورة البقرة: {مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ} [آية: 106] .. سورة الجاثية: {إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [آية: 29] . "النسر": اسم صنم وطائر.. سورة نوح: {وَيَعُوقَ وَنَسْرًا} [آية: 23] . "النسك": العبادة.. سورة البقرة: {مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ} [آية: 196] . "النسل": الانفصال، ونسل: عدا وأسرع.. سورة الأنبياء: {مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ} [آية: 96] . "النسيان": ترك الإنسان ضبط ما استودع؛ إما لضعف قلبه، وإما عن عقله، وإما عن قصد.. سورة طه: {فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا} [آية: 115] .. سورة الكهف: {فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ} [آية: 63] .. سورة السجدة: {فَذُوقُوا بِمَا نَسِيتُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا} [آية: 14] . "النسء": التأخير.. سورة التوبة: {إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ} [آية: 37] . "النشز": المرتفع من الأرض، ونشز فلان عن مقره: انفصل عنه.. سورة المجادلة: {وَإِذَا قِيلَ انْشُزُوا فَانْشُزُوا} [آية: 11] . ونشزت المرأة: أبغضت زوجها وارتفعت عنه فنظرت لغيره.. سورة النساء: {وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ} [آية: 34] . "الناشطات": قيل: النجوم السائرة يسير الفلك من الشرق إلى الغرب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 228 أو العائدة بنفسها من الغرب إلى الشرق. وقيل: الملائكة التي تنشط أرواح الناس بانتزاعها. وقيل: الملائكة التي تعقد الأمور، من قولهم: نشطت العقدة سهل حلها.. سورة النازعات: {وَالنَّاشِطَاتِ نَشْطًا} [آية: 2] . "النصيب": الحظ أو الحجارة تُنصب.. سورة المائدة: {وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ} [آية: 3] .. وسورة النساء: {أَمْ لَهُمْ نَصِيبٌ مِنَ الْمُلْكِ} [آية: 53] . "والنصب والنصيب": التعب.. سورة ص: {بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ} [آية: 41] . "الناصية": قصاص الشعر.. سورة الفلق: {لَنَسْفَعًا بِالنَّاصِيَةِ} [آية: 15] كناية عن التمكن منه.. "المنضود والنضيد": الملقَى بعضه على بعض.. سورة ق: {طَلْعٌ نَضِيدٌ} [آية: 10] .. وسورة الواقعة: {وَطَلْحٍ مَنْضُودٍ} [آية: 29] . "النظفة": أصلها الماء الصافي، ويعبر بها عن ماء الرجل.. سورة المؤمنون: {نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ} [آية: 13] . "النعاس": النوم القليل.. سورة الأنفال: {إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِنْهُ} [آية: 11] . "الإنغاض": تحريك الرأس نحو الغير كالمتعجب منه.. سورة الإسراء: {فَسَيُنْغِضُونَ إِلَيْكَ رُؤُوسَهُمْ} [آية: 51] . "النفث": قذف الريق القليل، وهو أقل من التفل.. سورة الفلق: {وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ} [آية: 4] . "النفحة": أصلها قدر من الخير، وقد تستعار لقدر من الشر.. سورة الأنبياء: {وَلَئِنْ مَسَّتْهُمْ نَفْحَةٌ مِنْ عَذَابِ رَبِّكَ} [آية: 46] . "النفر": الانزعاج عن الشيء وإلى الشيء كالفزع منه وإليه.. سورة فاطر: {مَا زَادَهُمْ إِلَّا نُفُورًا} [آية: 42] .. وسورة التوبة: {انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ} [آية: 38] . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 229 "النفش": نشر الصوف، ونفش الغنم: انتشارها.. سورة القارعة: {كَالْعِهْنِ الْمَنْفُوشِ} [آية: 5] .. وسورة الأنبياء: {نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ} [آية: 78] . "النفق": الطريق النافذ والسرب في الأرض النافذ فيه.. سورة الأنعام: {فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَبْتَغِيَ نَفَقًا فِي الْأَرْضِ} [آية: 35] . "النفل": قيل: ما يفصل من المتاع بعد تقسيم الغنائم، وقيل: هو الغنائم، وقيل: هو الفيء.. سورة الأنفال: {يَسْأَلونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ} [آية: 1] . "نقب": سار.. سورة ق: {فَنَقَّبُوا فِي الْبِلادِ} [آية: 36] . و"النقيب": الباحث عن أحوال القوم.. سورة المائدة: {اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيبًا} [آية: 12] . "النقير": وقبة في ظهر النواة.. سورة النساء: {لا يُؤْتُونَ النَّاسَ نَقِيرًا} [آية: 53] . و"الناقور": الصبور.. سورة المدثر: {فَإِذَا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ} [آية: 8] . "نكب": مال.. سورة المؤمنون: {عَنِ الصِّرَاطِ لَنَاكِبُونَ} [آية: 74] . "النكد": كل شيء خرج إلى طالبه بتعسر.. سورة الأعراف: {وَالَّذِي خَبُثَ لا يَخْرُجُ إِلَّا نَكِدًا} [آية: 58] . "النكس": قلب الشيء على رأسه.. سورة الأنبياء: {ثُمَّ نُكِسُوا عَلَى رُؤُوسِهِمْ} [آية: 65] . "النكوص": الإحجام عن الشيء.. سورة الأنفال: {نَكَصَ عَلَى عَقِبَيْهِ} [آية: 48] . "نكف": أنف واستعلى.. سورة النساء: {لَنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ} [آية: 72] . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 230 "نكل": يقال: نكل عن الشيء: ضعف وعجز، والنكل: قيد الدابة وحديدة اللجام.. سورة المزمل: {إِنَّ لَدَيْنَا أَنْكَالًا} [آية: 12] . و"النكال": اسم لما ينكل به.. سورة البقرة: {فَجَعَلْنَاهَا نَكَالًا} [آية: 66] . "النميمة": الوشاية.. سورة القلم: {مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ} [آية: 11] . "النهج": الطريق الواضح.. سورة المائدة: {شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا} [آية: 48] . "النوب": الرجوع مرة بعد أخرى.. سورة ص: {وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ} [آية: 24] . "المناص": الملجأ.. سورة ص: {وَلاتَ حِينَ مَنَاصٍ} [آية: 3] . "نون": اسم للحرف وللحوت.. سورة الأنبياء: {وَذَا النُّونِ} [آية: 87] . "ناء": نهض.. سورة القصص: {لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ} [آية: 76] . "نأى": تباعد.. سورة الإسراء: {أَعْرَضَ وَنَأَى بِجَانِبِهِ} [آية: 73] . حرف الهاء: "الهبوط": الانحدار على سبيل القهر.. سورة البقرة: {وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ} [آية: 74] . والفرق بين الهبوط والإنزال: أن هبوط الإنسان للاستخفاف به، والإنزال لما له شرف.. "الهباء": دقاق التراب وما يتناثر في الجو أثناء النظر إلى ضوء الشمس.. سورة الفرقان: {هَبَاءً مَنْثُورًا} [آية: 23] . "الهجود": النوم، والتهجد: إزالته.. سورة الإسراء: {فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ} [آية: 79] . "الهجوع": النوم ليلًا.. سورة الذاريات: {كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ} [آية: 17] . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 231 "الهد": هدم له وقع وسقوط شيء ثقيل.. سورة مريم: {وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا} [آية: 90] . "هرع وأهرع": ساقه سوقًا بعنف وتجويف.. سورة هود: {وَجَاءَهُ قَوْمُهُ يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ} [آية: 78] . "الهش": يقارب الهز في التحريك، ويقع على الشيء اللين.. سورة طه: {وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي} [آية: 18] . "الهضم": شدخ ما فيه رخاوة.. سورة الشعراء: {وَنَخْلٍ طَلْعُهَا هَضِيمٌ} [آية: 148] أي: داخل بعضه في بعض كأنما شدخ، واستعير الهضم للظلم.. سورة طه: {فَلا يَخَافُ ظُلْمًا وَلا هَضْمًا} [آية: 112] . "الهطوع": تصويب البصر والعنق.. سورة إبراهيم: {مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُؤُوسِهِمْ} [آية: 43] . "الهمر": صب الدمع والماء.. سورة القمر: {بِمَاءٍ مُنْهَمِرٍ} [آية: 11] . "همز": اغتاب.. سورة القلم: {هَمَّازٍ مَشَّاءٍ} [آية: 11] . "الهنيء": كل ما لا يلحق فيه مشقة لا يعقبه وخامة.. سورة النساء: {فَكُلُوهُ هَنِيئًا} [آية: 4] . "هار": سقط.. سورة التوبة: {عَلَى شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ} [آية: 109] . "هاج": اصفر وطاب.. سورة الحديد: {ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا} [آية: 29] . "الهيم": الإبل العطاش.. سورة الواقعة: {فَشَارِبُونَ شُرْبَ الْهِيمِ} [آية: 55] . و"يهيم": يغالي في عشقه.. سورة الشعراء: {فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ} [آية: 225] . "الهون": على وجهين: التواضع.. سورة الفرقان: {يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا} ، والإذلال.. سورة الأنعام: {فَالْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ} [آية: 93] . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 232 حرف الواو: "الوابل": المطر الثقيل.. سورة البقرة: {فَأَصَابَهُ وَابِلٌ} [آية: 265] . "الموبق": المهلك.. سورة الكهف: {وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ مَوْبِقًا} [آية: 52] . "الوتين": عرق يسقي الكبد وإذا انقطع مات صاحبه.. سورة الحاقة: {ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ} [آية: 46] . "الوثاق": ما يقيد به.. سورة القتال: {فَشُدُّوا الْوَثَاقَ} [آية: 4] . "الوثن": حجر يُعبد.. سورة الحج: {فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ} [آية: 30] . "الوجس": الصوت الخفي.. سورة طه: {فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسَى} [آية: 67] . "الوجل": استشعار الخوف.. سورة الأنفال: {وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ} [آية: 2] . "الوجيف": سرعة السير.. سورة الحشر: {فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ} [آية: 6] . "الوحش": الحيوان الذي لا يستأنس به.. سورة التكوير: {وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ} [آية: 5] . "الوحي": أصله الإشارة السريعة بصوت أو بغيره.. سورة الأنعام: {يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ} [آية: 112] واشتهر في الكلمة الإلهية.. سورة الشورى: {وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا} [آية: 51] . "ودع": يُعبر به عن الترك، وأصل الدعة الخفض.. سورة الضحى: {مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ} [آية: 3] . "الودق": قيل: المطر، وقيل: ما يتخلله كالغبار.. سورة النور: {فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلالِهِ} [آية: 43] . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 233 "الوادي": أصله الموضع الذي يسيل فيه الماء، ويُعبر به عن الطريقة والمذهب.. سورة الشعراء: {أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ} [آية: 224] . "وذر": ترك لقلة الاعتناء.. سورة الأعراف: {وَنَذَرَ مَا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُنَا} [آية: 70] . "الورود": أصله قصد الماء.. سورة القصص: {وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ} [آية: 23] . و"الوِرْد": الماء المعد للورود، ويستعمل في النار للفظاعة.. سورة هو: {وَبِئْسَ الْوِرْدُ الْمَوْرُودُ} [آية: 98] . و"الوارد": الذي يتقدم القوم فيسقي لهم.. سورة يوسف: {فَأَرْسَلُوا وَارِدَهُمْ} [آية: 19] . و"الوريد": عرق يتصل بالكبد والقلب.. سورة ق: {وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ} [آية: 16] . "ورى": ستر.. سورة الأعراف: {يُوَارِي سَوْآتِكُمْ} [آية: 26] . "الوزر": الملجأ الذي يلتجأ إليه من الجبل.. سورة القيامة: {كَلَّا لا وَزَرَ} [آية: 11] . و"الوزر": أصله الثقيل، ويُعبر به عن الذنب.. سورة النحل: {لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً} [آية: 25] . "وزع عن كذا": كف عنه.. و"الوزوع": الولوع.. و"أوزع": ألهم.. سورة الأحقاف: {أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ} [آية: 15] . وقد يستعمل الوزوع في التمكن والقهر.. سورة النمل: {فَهُمْ يُوزَعُونَ} [آية: 17] . "الوسوسة": الخطرة الرديئة.. سورة طه: {فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ} [آية: 120] . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 234 "الوسق": جمع المتفرق.. سورة الانشقاق: {وَاللَّيْلِ وَمَا وَسَقَ، وَالْقَمَرِ إِذَا اتَّسَقَ} [الآيتان: 17، 18] . "الوسيلة": التوصل إلى الشيء برغبة، وهي أخص من الوصيلة.. سورة المائدة: {وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ} [آية: 35] . "الوسم": التأثير، و"السمة": الأثر.. سورة البقرة: {تَعْرِفُهُمْ بِسِيمَاهُمْ} [آية: 273] . و"المتوسم": المعتبر العارف.. سورة الحجر: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ} [آية: 75] . "الوسن" و"السِّنَة": الغفلة والغفوة.. سورة البقرة: {لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ} [آية: 255] . "الشية": فعلة كالعلامة من الوشي.. سورة البقرة: {لا شِيَةَ فِيهَا} [آية: 71] . "الوصب": السقم اللازم.. سورة الصافات: {وَلَهُمْ عَذَابٌ وَاصِبٌ} [آية: 9] . و"الواصب": الدائم.. سورة النحل: {وَلَهُ الدِّينُ وَاصِبًا} [آية: 52] . "وصد": أغلق.. سورة الهمزة: {عَلَيْهِمْ مُؤْصَدَةٌ} [آية: 8] . "الوصيلة": الشاة الأنثى التى يُولد معها ذكر تعفيه من الذبح، ويقال لها: وصلت أخاها.. سورة المائدة: {لا وَصِيلَةٍ وَلا حَامٍ} [آية: 103] . "الوضن": نسج الدرع، ويستعار لكل نسج محكم.. سورة الواقعة: {عَلَى سُرُرٍ مَوْضُونَةٍ} [آية: 15] . "الوطر": النهمة والحاجة المهمة.. سورة الأحزاب: {فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا} [آية: 37] . "المواطأة": الموافقة.. سورة المزمل: {أَشَدُّ وَطْئًا} [آية: 6] . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 235 "الوعد": بالخير وبالشر.. فمن الأول.. سورة النور: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا} [آية: 55] .. ومن الثاني.. سورة الحج: {النَّارُ وَعَدَهَا اللَّهُ} [آية: 72] . "الوعي": الحفظ، و"الإيعاء": حفظ الأمتعة في الوعاء.. سورة الحاقة: {وَتَعِيَهَا أُذُنٌ وَاعِيَةٌ} [آية: 12] . "الوفر": المال التام.. سورة الإسراء: {جَزَاءً مَوْفُورًا} [آية: 63] . "الإيفاض": الإسراع.. سورة المعارج: {إِلَى نُصُبٍ يُوفِضُونَ} [آية: 43] . "الوقب": كالنقرة في الشيء يدخل فيها.. سورة الفلق: {وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ} [آية: 3] . "الموقوذة": المقتولة بالضرب.. سورة المائدة: {وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ} [آية: 3] . "الوقر": الثقل في الأذن.. سورة الكهف: {وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا} [آية: 57] . و"الوقار": السكون والحِلْم.. سورة نوح: {مَا لَكُمْ لا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا} [آية: 13] . "الوكز": الطعن والدفع والضرب بجميع الكف.. سورة القصص: {فَوَكَزَهُ مُوسَى} [آية: 15] . "الولوج": الدخول في مضيق.. سورة الأعراف: {حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ} [آية: 40] . "توكأ": اعتمد.. سورة طه: {هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا} [آية: 18] . "الوهج": حصول الضوء والحر من النار.. سورة النبأ: {وَجَعَلْنَا سِرَاجًا وَهَّاجًا} [آية: 13] . "الوهي": شق في الأديم والثوب.. سورة الحاقة: {فَهِيَ يَوْمَئِذٍ وَاهِيَةٌ} [آية: 16] . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 236 حرف الياء: "اليتم": انقطاع الصغير عن أبيه لموته.. سورة النساء: {وَابْتَلُوا الْيَتَامَى} [آية: 6] . "اليأس": انقطاع الطمع.. سورة يوسف: {فَلَمَّا اسْتَيْأَسُوا مِنْهُ} [آية: 80] . "اليقين": من صفة العلم، وهو سكون الفهم مع ثبات الحكم.. سورة التكاثر: {لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ} [آية: 5] . "اليم": البحر.. سورة القصص: {فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ} [آية: 7] . "يمم": قصد.. سورة النساء: {فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا} [آية: 43] . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 237 الموضوع الثالث عشر: مقاصد السور وما يحتاج إلى معرفته المفسر من الأسماء والظروف والأفعال والحروف يتعين على المفسر أن يعرف المقصد الأساسي للسورة التي يريد أن يفسرها. وهذا مجمل للمقاصد العامة؛ فمثلًا: مقصود القرآن: تعريف الناس بخالقهم. ومقصود سورة الفاتحة: إحساس العباد بمراقبة الله لهم. ومقصود سورة البقرة: ذِكْرُ الكتاب وأوصافه. وسورة آل عمران: تقرير مبدأ التوحيد. وسورة النساء: الاجتماع على التوحيد. وسورة المائدة: الوفاء بما هدى إليه الكتاب. وسورة الأنعام: الاستدلال على ما دعا إليه الكتاب. وسورة الأعراف: إنذار مَن أعرض عما دعا إليه الكتاب. وسورة الأنفال: تبرئة العباد من الحول والقوة، وحثهم على التسليم لأمر الله، واعتقاد أن الأمور ليست إلا بيده. وسورة التوبة: معاداة مَن أعرض عما دعت إليه السور الماضية؛ من اتباع الداعي إلى الله في توحيده، واتباع ما يرضيه، وموالاة مَن أقبل عليه. وسورة يونس: وصف الكتاب لما اشتمل عليه من الحكمة، وأنه ليس إلا من عنده سبحانه؛ لأن غيره لا يقدر على شيء منه، وذلك دالٌّ -بلا ريب- على أنه واحد في مُلْكه لا شريك له في شيء من أمره. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 238 وسورة هود: وصف الكتاب بالأحكام والتفصيل في حالتي البشارة والنذارة المقتضي لوضع كل شيء في موضعه الصحيح بالقدرة والاختيار. وسورة يوسف: وصف الكتاب بالإبانة لكل ما يوجب الهدى لما ثبت فيما مضى، ويأتي في هذه السورة من تمام علم منزله غيبًا وشهادة، وشمول قدرته قولًا وفعلًا. وسورة الرعد: وصف الكتاب بأنه الحق في نفسه، يؤثر في غيره تارة فيهدي بالفعل، وتارة لا يؤثر؛ بل يكون سببًا للضلال والعمى. وسورة إبراهيم: التوحيد وبيان أن هذا الكتاب غاية البلاغ إلى الله؛ لأنه كامل ببيان الصراط الدال عليه والمؤدي إليه. وسورة الحجرات: وصف الكتاب بأنه في الذروة من جمع المعاني الموضحة للحق من غير اختلاف أصلًا. وسورة النحل: الدلالة على أن الله تام القدرة والعلم، فاعل بالاختيار، نزيه عن شوائب النقص. وسورة الإسراء: الإقبال على الله وحده، وخلع كل ما سواه؛ لأنه وحده المالك لتفاصيل الأمور، وتفضيل بعض الحق على بعض. وسورة الكهف: وصف الكتاب بأنه قيم؛ لكونه زاجرًا عن الشريك الذي هو خلاف ما قام عليه الدليل في "سبحان"، مع أنه لا وكيل دونه ولا إله إلا هو، وقاصًّا بالحق أخبار قوم قد فضلوا في أزمانهم وفق ما وقع الخبر به في "سبحان"، مع أنه يفضل من يشاء ويفعل ما يشاء. وسورة مريم: بيان اتصافه بشمول الرحمة؛ بإضافة جميع النعم على الجزء: 1 ¦ الصفحة: 239 جميع خلقه المستلزم للدلالة على اتصافه بجميع صفات الكمال المستلزم لشمول القدرة على إبداع المستقرب المستلزم لتمام العلم، الموجب للقدرة على البعث، والتنزه عن الولد؛ لأنه لا يكون إلا لمحتاج، ولا يكون إلا مثل الوالد، ولا سَمِيَّ له سبحانه فضلًا عن مثيل. وسورة طه: إعلام الداعي صلى الله عليه وسلم بإقبال المدعويين، والترفق إلى أن يكونوا أكثر الأمم زيادة في شرفه صلى الله عليه وسلم. وسورة الأنبياء: الاستدلال على تحقيق الساعة، وقربها ولو بالموت، ووقوع الحساب فيها على الجليل والحقير؛ لأن موجدها لا شريك له يعوقه عنها، وهو مَن لا يبدل القول لديه. وسورة الحج: الحث على التقوى واستحقاقه لها بالعدل إلى درجة استئهال الإنعام بالفضل في يوم الجمع لطيف التذكير به. وسورة المؤمنون: اختصاص المؤمنين بالفلاح. وسورة النور: مدلول اسمها المودع قلبها المراد منه: أنه تعالى شامل العلم اللازم منه تمام القدرة، اللازم منه إثبات الأمور على غاية الحكمة، اللازم منه تأكيد الشرف للنبي صلى الله عليه وسلم، اللازم منه شرف مَن اختاره سبحانه لصحبيه على منازل قربهم منه واختصاصهم به، اللازم منه غاية النزاهة والشرف والطهارة لأم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- التي مات النبي -صلى الله عليه وسلم- وهو راضٍ عنها، ثم ماتت هي -رضي الله عنها- صالحة محسنة، وهذا هو المقصود بالذات؛ ولكن إثباته محتاج إلى تلك المقدمات. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 240 وسورة الفرقان: إظهار شرف الداعي -صلى الله عليه وسلم- بإنذار المكلفين عامة بما له سبحانه من القدرة الشاملة المستلزمة للعلم التام المدلول عليه بهذا القرآن المبين، المستلزم لأنه لا موجود على الحقيقة سوى مَن أنزله، فهو الحق وما سواه باطل. وسورة الشعراء: أن هذا الكتاب مبين في نفسه باعجازه أنه من عند الله، مبين لكل ملتبس. وسورة النمل: وصف هذا الكتاب بالكفاية لهداية الخلق أجمعين؛ بالفصل بين الصراط المستقيم وطريق الحائرين، والجمع لأصول الدين لإحاطة علم منزله بالخفي والبين وبشارة المؤمنين ونذارة الكافرين بيوم اجتماع الأولين والآخرين، وكل ذلك يرجع إلى العلم والحكمة، فالمقصود إظهار البطش والنقمة. وسورة القصص: إظهار التواضع لله المستلزم لرد الأمر كله إليه، الناشئ عن الإيمان بالآخرة، الناشئ عن الإيمان بنبوة محمد -صلى الله عليه وسلم- الثابتة بإعجاز القرآن، المظهر للخفايا على لسان مَن لم يتعلم قط من أحد من الخلق المنتج لعلو المتصف به. وسورة العنكبوت: الحث على الاجتهاد في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والدعاء إلى الله سبحانه وحده من غير تعريج على غيره سبحانه أصلًا؛ لئلا يكون مثل المعرج مثل العنكبوت، فإن ذلك مثل كل مَن عرج عنه سبحانه وتعالى وتعوض عوضًا منه، فهو صور ضعف الكافرين وقوة المؤمنين، وقد ظهر سر تسميتها بالعنكبوت، والله تعالى أعلم. وسورة الروم: إثبات الأمر كله لله، فتأتي الوحدانية مطلقًا في الإلهية الجزء: 1 ¦ الصفحة: 241 وغيرها، والقدرة على كل شيء، فيأتي البعث ونصر أوليائه وخذلان أعدائه، وهذا هو المقصود بالذات. واسم السورة واضح فيه بما كان من السبب في نصر الروم من الوعد الصادق والسر المكتوم. وسورة لقمان: إثبات الحكمة للكتاب اللازم منه حكمة منزله سبحانه في أقواله وأفعاله. وسورة السجده: إنذار الكفار بهذا الكتاب السار للأبرار بدخول الجنة، والنجاة من النار، واسمها السجدة منطبق على ذلك بما دعت إليه آياتها من الأخبار وترك الاستكبار. وسورة الأحزاب: الحث على الصدق في الإخلاص في التوجه إلى الخالق من غير مراعاة بوجه ما للخلائق؛ لأنه عليم بما يصلحهم، حكيم بما يفعله؛ فهو يُعلي من يشاء وإن كان ضعيفًا، ويُردي من يريد وإن كان قويًّا، فلا يتهم الماضي لأمره برجاء لأحد منهم في بره، ولا خوف منه في عظيم شره وخفي مكره. وسورة سبأ: أن الدار الآخرة التي أشار إليها آخر الأحزاب كائنة لا ريب في إثباتها. وسورة فاطر: إثبات القدرة الكاملة لله تعالى، اللازم منها تمام القدرة على البعث. وسورة يس: إثبات الرسالة التي هي رُوح الوجود. وسورة الصافات: الاستدلال على آخر "يس" من التنزه عن النقائص، اللازم منه رد العباد للفصل بينهم بالعدل، اللازم منه الوحدانية الجزء: 1 ¦ الصفحة: 242 مطلقًا في الإلهية وغيرها، وذلك هو المعنى الذي أشار إليه تسميتها بالصافات؛ لأن الصف يلزم منه الوَحْدَة في الحشر باجتماع التفرق، وفي المعنى باتحاد الكلمة. وسورة ص: بيان ما ذكر في آخر الصافات من أن جندها هم الغالبون، وإن رؤي أنهم ضعفاء، وإن تأخر نصرهم سلامة للفريقين؛ لأنه سبحانه واحد لكونه محيطًا بصفات الكمال. وسورة الزمر: الدلالة على أنه سبحانه صادق الوعد، وأنه غالب لكل شيء، فلا يعمل لأنه لا يفوته شيء؛ ويضع الأشياء في أوفق محالها. وسورة غافر: الاستدلال على آخر التي قبلها من تصنيف الناس في الآخرة إلى صنفين، وتوفية كل ما يستحقه على سبيل العدل، فإن فاعل ذلك له العزة الكاملة والعلم الشامل. فمن لم يسلم أمره كله إليه، وجادل في آياته الدالة على القيامة أو غيرها بقوله؛ فإنه يجزيه فيعذبه ويرديه. وسورة حم السجدة: الإعلام بأن بالعلم إنما هو ما اختاره المحيط بكل شيء قدره، وعلمًا من علمه لعباده، فشرعه لهم فجاءتهم به عند رسلهم. وسورة الشورى: الاجتماع على الدين الذي أساسه الإيمان، أم دعائمه الصلاة، وروح أمره الألفة بالمشاورة المستعصية لكون أهل الدين كلهم فيه سواء، كما أنهم في العبودية لشارعه سواء. وسورة الزخرف: البشارة بإعلاء هذه الأمة بالعقل والحكمة حتى يكونوا أعلى الأمم شأنًا؛ لأن هدايتهم بأمر لدني هو من غريب الغريب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 243 الذي هو للخواص، فهو في الرتبة الثانية من القرابة، وأن ذلك أمر لا بد لهم منه وإن اشتدت نفرتهم منه وإعراضهم عنه. وسورة الدخان: الإنذار بالهلكة لمن لا يقبل هداية الذكر الحكيم من الخير والبركة، رحمة جعلها بين خلقه مشتركة. وسورة الجاثية: الدلالة على أن منزل هذا الكتاب -كما دل عليه في الدخان- ذو العزة، لا يغلبه شيء وهو يغلب كل شيء، والحكمة لأنه لم يضع شيئًا إلا في أحكم مواضعه. وسورة الأحقاف: إنذار الكافرين بالدلالة على صدق الوعد في قيام الساعة، اللازم للعزة والحكمة، الكاشف عنها أتم كشف بما وقع الصدق في الوعد به من إهلاك المكذبين، وأنه لا يمنع من شيء من ذلك مانع؛ لأنه لا شريك له، فهو المستحق للإفراد بالعبادة. وسورة محمد: التقدم إلى المؤمنين في حفظ الدين بإدامة جهاد الكفار حتى يلزموهم الصغار أو يبطلوا إضلالهم كما أضل الله أعمالهم. وسورة الفتح: اسمها الذي يعم فتح مكة وما تقدمه من صلح الحديبية، وفتح خيبر ونحوهما، وما تفرع عنه من إسلام أهل جزيرة العرب، وقتال أهل الردة، وفتح جميع البلاد الذي يجمعه كله إظهار هذا الدين على الدين كله. وسورة الحجرات: توقير النبي -صلى الله عليه وسلم- وحفظ ذلك من إجلاله بالظاهر؛ ليكون دليلًا على الباطن. وسورة ق: تصديق النبي -صلى الله عليه وسلم- في الرسالة التي معظمها الإنذار بيوم الخروج. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 244 وسورة الذاريات: الدلالة على صدق ما أنذرت به سورة ق تصريحًا، وبشرت به تلويحًا، ولا سيما من مصاب الدنيا وعذاب الآخرة. وسورة الطور: تحقيق وقوع العذاب الذي هو مضمون الوعيد المقسم على وقوعه في الذاريات هو مضمون الإنذار المدلول على صدق "ق". وسورة النجم: ذم الهوى لإنتاجه الضلال بالإخلاد إلى الدنيا التي هي دار البلاء والتصرم والغناء، ومدح العلم لإثماره الهوى في الإقبال على الآخرة؛ لأنها دار البقاء في السعادة أو الشقاء. وسورة القمر: بيان آخر النجم في أمر الساعة من تحققها، وشدة قربها، وتصنيف أهلها، باعتبار ما ذكر هناك من العجب من القرآن. وسورة الرحمن: الدلالة على ما خُتمت به القمر من عظيم الملك، وتمام الاقتدار بعموم رحمته وشدة غضبه. وسورة الواقعة: شرح أحوال الأقسام الثلاثة المذكورة في الرحمن، الأولياء من السابقين واللاحقين، والأعداء المشاققية من المصارحين والمنافقين من الثقلين؛ للدلالة على تمام القدرة بالفعل. وسورة الحديد: بيان أن عموم الرسالة مناسب لعموم الإلهية بالإرسال إلى الأزواج الثلاثة المذكورة في السورتين الماضيتين من الثقلين. وسورة المجادلة: الإعلام بإيقاع البأس الشديد الذي أشارت إليه الحديد بمن حاد الله ورسوله؛ لما له سبحانه من تمام العلم اللازم عنه تمام القدرة، اللازم عنه الإحاطة بجميع صفات الكمال. وسورة الحشر: بيان ما دل عليه آخر المجادلة من التنزه عن شوائب النقص بإثبات القدرة الشاملة؛ لأنه قوي عزيز. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 245 وسورة الممتحنة: براءة من أقر بالإيمان من الكفار دلالة على صحة ما ادعاه، كما أن الكفار تبرءوا من المؤمنين وكذبوا بما جاءهم من الحق؛ لئلا يكونوا على باطلهم أحرص من المؤمنين على حقهم. وسورة الصف: الحث على الاجتهاد التام. وسورة الجمعة: بيان أول الصف بدليل هو أوضح شرائع الدين وهو الجمعة، التي اسمها مبين من المراد منها. وسورة المنافقون: كمال التحذير مما يثلم الإيمان من الأعمال الباطنة والأحوال الظاهرة المنافية للإسلام. وسورة التغابن: الإبداع في التحذير مما حذرت منه المنافقون؛ بإقامة الدليل القاطع على أنه لا بد من الملك للدينونة على النقير والقطمير يوم القيامة. وسورة الطلاق: تقدير حسن التدبير في المفارقة والمهاجرة بتهذيب الأخلاق بالتقوى. وسورة التحريم: الحث على تقدير التدبير في الآداب مع الله ومع رسوله -صلى الله عليه وسلم- ولا سيما للنساء؛ اقتداء بالنبي -صلى الله عليه وسلم- في حُسْن عشرته وكريم صحبته. وسورة الملك: الخضوع لله لاتصافه بكمال الملك الدال عليه تمام القدرة. وسورة ن: إظهار ما استتر، وبيان ما أُبهم في آية: {فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ} . وسورة الحاقة: تنزيه الخلق ببعث الخلائق لإحقاق الحق وإزهاق الباطل؛ بالكشف التام بشمول العلم للكليات والجزئيات. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 246 وسورة المعارج: إثبات القيامة وإنذار مَن كفر بها، وتصوير عظمتها بعظمة ملكها وطول يومها. وسورة نوح: الدلالة على القدرة على ما أنذر به آخر "سأل" من إهلاك المنذرين، وتبديل خير منهم ومن القدرة على إيجاد القيامة. وسورة الجن: إظهار شرف هذا النبي الخاتم؛ حيث لين له قلوب الجن والإنس وغيرهم؛ فصار مالكًا لقلوب المجانس وغيره. وسورة المزمل: الإعلام بأن محاسن الأعمال تدفع الأخطار وتخفف الأحمال والأثقال، ولا سيما الوقوف بين يدي الملك المتعال. وسورة المدثر: الجد والاجتهاد في الإنذار بدار البوار لأهل الاستكبار، وإثبات البعث في أنفس المكذبين الفجار. وسورة القيامة: الدلالة على عظمة المدثر المأمور بالإنذار لعظمة مرسله وتمام اقتدار بأنه كشف له العلوم حتى صار إلى الأعيان بعد الرسوم. وسورة الإنسان: ترهيب الإنسان من الكفران بما دل عليه آخر "القيامة" من العرض على الملك الديان؛ لتعذيب العاصي في النيران. وسورة المرسلات: الدلالة على آخر "الإنسان" من إثابة الشاكرين بالنعيم، وإصابة الكافرين بعذاب الجحيم في يوم الفصل. وسورة عم: الدلالة على أن يوم القيامة الذي كانوا مجمعين على نفيه، وصاروا بعد بعث النبي -صلى الله عليه وسلم- في خلاف مع المؤمنين -ثابت ثباتًا لا يحتمل شكًّا ولا خلافًا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 247 وسورة النازعات: الإقسام على بعث الأنام، ووقوع القيام يوم الزحام، وزلل الأقدام بعد البيان التام فيما مضى من هذه السور العظام. وسورة عبس: شرح {إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرُ مَنْ يَخْشَاهَا} بأن المراد الأعظم تزكية القابل للخشية بالتخويف بالقيامة التي قام الدليل على القدرة عليها. وسورة التكوير: للتهديد الشديد يوم الوعيد الذي هو محط الرحال؛ لكونه أعظم مقام لظهور الجلال لمن كذب بأن هذا القرآن تذكرة في صحف مكرمة بأيدى سفرة. وسورة الانفطار: التحذير من الانهماك في الأعمال السيئة نسيانًا ليوم الدين، الذي يحاسب فيه على النقير والقطمير، ولا تغني فيه نفس عن نفس شيئًا. وسورة التطفيف: شرح آخر "الانفطار" بأنه يثيب المؤمنين ويعاقب المكذبين. وسورة الانشقاق: الدلالة على آخر "المطففين" من أن الأولياء ينعموم والأعداء يعذبون. وسورة البروج: الدلالة على القدرة على مقصود الانشقاق الذي هو صريح آخرها، من تنعيم الولي وتعذيب الشقي. وسورة الطارق: بيان مجد القرآن في صدقه بتنعيم أهل الإيمان وتعذيب أهل الكفران في يوم القيامة حين تبلى السرائر. وسورة الأعلى: إيجاب التنزيه للأعلى سبحانه عن أن يلحق ساحة عظمته شيء من شوائب النقص كاستعجال في أمر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 248 وسورة الغاشية: شرح ما في آخر "سبح" من تنزيه الله تعالى من العبث بإثبات الدار الآخرة، وذكر ما فيها للأتقى والأشقى. وسورة الفجر: الاستدلال على آخر "الغاشية": الإيجاب والحساب والثواب والعقاب، وأول ما فيها على هذا المقصود الفجر. وسورة البلد: نفي القدرة عن الإنسان وإثباتها لخالقه الديان. وسورة الشمس: إثبات التصرف في النفوس التي هي سرح الأبدان تقودها إلى سعادة أو نكد وهوان. وسورة الليل: الدلالة على مقصود الشمس؛ وهو التصرف التام في النفوس بإثبات كمال القدرة بالاختلاف، وباختلاف الناس في السعي مع اتحاد مقاصدهم. وسورة الضحى: الدلالة على آخر "الليل" بأن أتقى الأتقياء الذي هو أتقى على الإطلاق في عين الرضا دائمًا. وسورة "ألم نشرح": تفصيل ما في آخر "الضحى" من النعمة، وبيان أن المراد بالتحدث بها هو شكرها بالنصب في عبادة الله. وسورة التين: سر مقصود "ألم نشرح"، وذلك هو إثبات القدرة الكاملة، وهو المشار إليه باسمها، فإن في خلق التين والزيتون من الغرائب ما يدل على ذلك. وسورة اقرأ: الأمر بعبادة مَن له الخَلْق والأمر؛ شكرًا لإحسانه، واجتنابًا لكفرانه؛ وطمعًا في جنانه، وخوفًا من نيرانه. وسورة القدر: تفضيل الأمر الذي هو "قسمي" ما ضمنه مقصودا اقرأ. سورة "لم يكن": الإعلام بأن هذا الكتاب القيم من علو مقداره وجليل آثاره. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 249 وسورة "إذا زلزلت": انكشاف الأمور وظهور المقدور أتم ظهور، وانقسام الناس في الجزاء في دار البقاء إلى سعادة وشقاء. وسورة العاديات: الإعلام بأن أكثر الخلق يوم الزلزلة هالك لإيثار الفاني على الباقي عند ذي الجلال. وسورة القارعة: إيضاح يوم الدين؛ بتصوير أحواله، وتقسيم الناس فيه إلى ناجٍ وهالك. وسورة التكاثر: التصريح بما أشارت إليه العاديات من أن سبب الهلاك الذي صورته القارعة الجمع للمال، والإخلاد إلى دار الزوال. وسورة العصر: تفصيل نوع الإنسان المخلوق من علق، وبيان خلاصته وعصارته، وهم الحزب الناجي يوم السؤال. وسورة الهمزة: بيان الحزب الأكثر الخاسر الذي ألهاه التكاثر؛ فبانت خسارته يوم القيامة. وسورة الفيل: الدلالة على آخر "الهمزة" من إهلاك المكاثرين في دار التعاضد والتناصر بالأسباب. وسورة قريش: أن إهلاك الجاحدين المعاندين لإصلاح المقربين العابدين، وهو بشارة عظيمة لقريش خاصة. وسورة "أرأيت": التنبيه على أن التكذيب بالبعث لأجل الجزاء أبو الخبائث. وسورة الكوثر: المنحة للمنزَّل عليه -صلى الله عليه وسلم- لكل خير يمكن أن يكون. وسورة الكافرون: إثبات مقصود الكوثر بالدليل الشهودي على أن منزلها كامل العلم شامل القدرة؛ لأنه المنفرد بالوحدانية. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 250 وسورة النصر: الإعلام بتمام الدين، اللازم عن مدلول اسمها، اللازم عنه موت النبي صلى الله عليه وسلم. وسورة تبت: البت والقطع الحتم بخسران الكافر، ولو كان أقرب الخَلْق إلى أعظم الفائزين. وسورة الإخلاص: بيان حقيقة الذات الأقدس ببيان اختصاصه بالاتصاف بأقصى الكمال. وسورة الفلق: الاعتصام من شر كل ما انفلق عنه الخَلْق الظاهر والباطن. وسورة الناس: الاعتصام بالإله الحق من شر الخَلْق الباطن. وبعد.. فهذا ملخص إجمالي وتفصيله يطول. أما الأدوات1 التي يحتاج إلى معرفتها المفسر، فهي مرتبة على أحرف الهجاء، وهذا بيانها: - "الهمزة" وتأتي على وجهين: نداء القريب نحو: {أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ} ، والثاني الاستفهام نحو: {أَكُفَّارُكُمْ خَيْرٌ مِنْ أُولَئِكُمْ} . وقد تخرج عن الاستفهام الحقيقي الذي هو طلب الفَهْم إلى معانٍ أخر: 1- التسوية: {سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ} . 2- الإنكار الإبطالي: وهذه تقتضي أن ما بعدها غير واقع، وأن مدعيه كاذب؛ نحو: {أَفَأَصْفَاكُمْ رَبُّكُمْ بِالْبَنِينَ وَاتَّخَذَ مِنَ الْمَلائِكَةِ إِنَاثًا} .   1 انظر معرفة هذه الأدوات بتوسع في مغني اللبيب عن كتيب الأعاريب للعلامة ابن هشام، والإتقان للسيوطى، والبرهان للزركشي، وكتب النحو واللغة. والواقع أن المؤلف اعتمد في هذه الأدوات على الإتقان مباشرة، والحق يقال: إن هذه الأدوات تحتاج إلى تحقيق لبيان ما هو منها حقيقة، وما هو منها مجاز، وقد قام الأخ الفاضل سليمان آيدين تركي الجنسية بتحقيق حروف المعاني في رسالة الماجستير في قسم التفسير وعلوم القرآن، كلية أصول الدين بالقاهرة، فليرجع إليها مَن يشاء. وقد قام المحقق بتحقيق بعض هذه الحروف في كتابنا: التعليل في القرآن الكريم دراسة وتفسيرًا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 251 فإن دخلت على مثبت نفته، وإن دخلت على نفي أثبتت ما بعده؛ نحو: {أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ} أي: الله كافٍ عبده. 3- الإنكار التوبيخي: فيقتضي أن ما بعدها واقع، وأن فاعله ملوم؛ نحو: {أَتَعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُونَ} . 4- التقرير: ومعناه حملك المخاطب على الإقرار والاعتراف بأمر قد استقر عنده ثبوته أو نفيه، ويجب أن يليها الشيء الذي تقرره به فعلًا أو فاعلًا أو مفعولًا أو غير ذلك، وقوله تعالى: {أَأَنْتَ فَعَلْتَ هَذَا} محتمل لإرادة الاستفهام الحقيقي بأن يكونوا لم يعلموا بأنه الفاعل، ولإرادة التقرير؛ بأن يكونوا قد علموا، وعليه فهو من باب التقرير بالفاعل، ويشهد له إجابته بقوله: {بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا} مما يدل على أنهم سألوا عن الفاعل. 5- التهكم: نحو: {يَا شُعَيْبُ أَصَلاتُكَ تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا} . 6- الأمر: نحو: {وَقُلْ لِلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالْأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ} أي: أسلموا. 7- التعجب: نحو: {أَلَمْ تَرَ إِلَى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ} . 8- الاستبطاء: نحو: {أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ} . "أحد": هو أكمل من الواحد، وأخص بالعقلاء، ويستوي فيه المذكر والمؤنث، قال تعالى: {لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ} . ولا يدخل في العدد والحساب منفردًا، فنقول: أحد عشر، وفي التنزيل: {إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا} . وإذا وقع لفظ الأحد بعد النفي استغرق القليل والكثير، قال تعالى: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 252 {فَمَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ} . وإذا وقع بعد الإثبات أفاد التخصيص بالواحد دون تعينه؛ نحو قوله تعالى: {فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هَذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ} . وقد يكون تابعًا لما قبله؛ نحو: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} . والصحيح أنه بدل من لفظ الجلالة؛ لأنه المقصود بالحكم، وإلى الأحدية يستند التأثير وإلى الواحدية الانفراد في الألوهية، قالوا: ولا بد من الأسباب وجودًا، والغيبة عنها شهودًا فأثبتها من حيث أثبتها بحكمته، ولا تسند إليها لعلمك بأحديته. - "إذ": الأصل فيها أنها للزمان الماضي، واشترط أن تكون ظرفًا أو مضافًا إليها الظرف.. مثل: {وَأَنْتُمْ حِينَئِذٍ تَنْظُرُونَ} . وقد تخرج عن الزمان الماضي إلى الحاضر؛ نحو: {وَلا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلَّا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُودًا إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ} . فشهادة الله تقع أثناء الحديث مباشرة، والحاضر المكتوب إذا انتهى صار ماضيًا، وهذا هو السر في التعبير عن الحاضر بما هو للزمان الماضي. وقد تخرج إلى الاستقبال؛ نحو: {فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ، إِذِ الْأَغْلالُ فِي أَعْنَاقِهِمْ} ، والتعبير عنه بالماضي لتأكيد وقوعه. قيل: ما عبر بإن فإنه لم يكن بعد.. وما عبر عنه بإذ فقد كان هذا بالنسبة لـ"إذ" في غير المستقبل. وما أدخل عليه "إن" مما قد وقع، فهو في الواقع كأن لم يكن؛ نحو: {وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا} . وتقع "إذ" للتعليل؛ كما في قوله: {وَلَنْ يَنْفَعَكُمُ الْيَوْمَ إِذْ ظَلَمْتُمْ أَنَّكُمْ فِي الْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ} . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 253 وعلل بها لأن سبب عدم النفع الظلم الواقع في الماضي، وترد للتوكيد والتحقيق: {وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ} .. وهذا في الماضي، ولا بد من إضافتها إلى جملة اسمية أو فعلية ماضية ولو في المعنى، ويعوض عن الإضافة بالتنوين. - "إذا": تكون على وجهين: أحدهما: المفاجأة: وتخصص بالجمل الاسمية ولا جواب لها، لا تقع في ابتداء الكلام، وهي للحال. ومعنى المفأجاة: حضور الشيء معك في وصف من أوصافك الفعلية، قال تعالى: {وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ إِذَا هُمْ يَقْنَطُونَ} . فالقنوط فاجأهم وقت إصابتهم، أو في مكان إصابتهم. والمفاجأة المتصلة بالمكان ألصق بصاحبها منها في الزمان؛ لأن الزمان يتسع لهم ولغيرهم، والمكان لا يسع غيرهم، وكلما كانت المفاجأة فيما يخص كانت أقوى وألصق منها فيما يعم. وقد قيل: إن "إذا" الفجائية ظرف مكان، وقيل: ظرف زمان، وقيل: حرف. ثانيهما: أنها ظرف لما يُستقبل من الزمان، وحينئذ تكون عكس الفجائية فتقع في الابتداء وتختص بالجمل الفعلية، ولها جواب؛ لأنها متضمنة معنى الشرط. وقد تخرج عن الاستقبال إلى الحال لبيان القدرة؛ نحو: {وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى، وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى} فإن الغيشان مقارن لليل، وكذا التجلي مقارن للنهار. وكل ما يعد الله بوقوعه في المستقبل يمكن أن يوقعه في الحال؛ ولكنه حدد لكل شيء وقتًا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 254 وقد تخرج إلى الماضي لاستحضار صورته التي وقعت: {وَلا عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ ... } الآية. وقد تكون للأزمنة الثلاثة لبيان أن الحال لم يتغير عما هو عليه؛ نحو: {وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلاةِ قَامُوا كُسَالَى} . وتختص "إذا" بالدخول على كثير الوقوع والمتيقن والمظنون وتفيد العموم بخلاف "إن"، فتدخل على نادر الموضوع والمشكوك الموهوم.. ولا تفيد إلا مجرد الربط، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا} إلى قوله: {وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا} . فلتَكْرَار الوضوء وندرة الجنابة، استخدم "إذا" و"إن".. وما خرج عن ذلك فيلتمس له مخرجًا مثل: {وَلَئِنْ مُتُّمْ} ؛ وذلك لغفلة الناس عنه. فإذا وقع الموت فزعوا كالذي يندر وقوعه. وتختص "إذا" أيضًا بأن المشروط بها إن كان عدمًا وقع الجزاء في الحال متصلًا بها، بخلاف المشروط بـ"إن"، فلا يقع الجزاء إلا بعد اليأس من وجوده. - "إذن": ومعناها الجواب والجزاء.. وإذا كان بعدها "اللام" كانت جوابًا لـ"لو"؛ نحو: {مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذًا لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ} والتقدير: لو كان معه من إله إذن لذهب. - "أف": اسم فعل ماضٍ أو مضارع أو أمر. ومعناها: الضجر أو بئس أو شيئًا قذرًا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 255 - "أل": على ثلاثة أقسام: 1- موصولة: وهي الداخلة على الأسماء الموصولة، وأسماء الفاعلين، والمفعولين.. وهل هي اسم موصول أو حرف موصول أو حرف تعريف؟ 2- حرف تعريف: وهي إما جنسية أو عهدية.. وكل من القسمين ثلاثة أقسام: فالعهد إما ذكري؛ نحو: {كَمَا أَرْسَلْنَا إِلَى فِرْعَوْنَ رَسُولًا، فَعَصَى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ} ، وضابط هذه أن يسد الضمير مسدها ويسد مدخولها، نقول: فعصاه ... وإما ذهني؛ نحو: {إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ} .. وإما حضوري؛ نحو: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} .. وكل ما يقع بعد أيها، واسم الإشارة، و"إذا" الفجائية وفي الزمان الحاضر؛ نحو: "الآن" فهو من العهد الحضوري. والجنسية: إما لاستغراق الأفراد، وهي التي تحل محلها "كل" على الحقيقة؛ نحو: {وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا} . أو الاستغراق الخصائصي: وتحل محلها "كل" مجازًا؛ نحو: {ذَلِكَ الْكِتَابُ} ، أو لتعريف الماهية والحقيقة والجنس؛ نحو: {وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ} ، والمراد: ماء مخصوص لا مطلق الماء.. وبهذا تتميز عن "أل" الداخلة على النكرة إن كانت اسم جنس؛ نحو: الرهط. 3- زائدة لازمة؛ نحو: "الله"، أو غير لازمة وهي الوقعة حالًا في قوله تعالى: {لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ} . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 256 وقيل: تنوب "أل" مناب الضمير؛ كما في قوله تعالى: {فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى} أي: مأواه.. وقيل: تنوب عن الظاهر أيضًا؛ نحو: {وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ} أي: أسماء المسميات. - "ألَا" بالفتح والتخفيف: وهي للتنبيه.. وتدل على التحقيق؛ لأنها مركبة من همزة الاستفهام التقريري، ولا النافية.. وتدخل على الجمل الاسمية؛ نحو: {أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ} . وتأتي للتحضيض وهو الطلب، والعرض وهو الطلب بلين. وتدخل على الجمل الفعلية فقط؛ نحو: {قَوْمَ فِرْعَوْنَ أَلا يَتَّقُونَ} . - "ألَّا" بالفتح والتشديد: وهي للتحضيض، وعليه خرج: {أَلَّا يَسْجُدُوا لِلَّهِ} . والأصل فيها أنها للاستثناء متصلًا {مَا فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلٌ} أو منقطعًا {قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِلَّا مَنْ شَاءَ أَنْ يَتَّخِذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلًا} . وقد ترد بمعنى غير؛ نحو: {لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ ... } والتقدير: خير الله. ولا يصح أن تكون "إلا" هنا استثنائية؛ لأن المعنى يكون: لو كان فيهما آلهة ليس معهم الله لفسدتا.. وهذا باطل؛ لأن مفهومه: لو كان فيهما آلهة معهم الله لم تفسدا.. وهذا في غاية الفساد؛ إذ المراد: لو كان فيهما آلهة سوى الله منفردًا بالتدبير لفسدتا. والأوضح أن يكون "إلا" بمعنى بدل؛ أي: بدل الله لفسدتا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 257 وقيل: ترد "إلا" بمعنى "بل"، وخرج عليه: {مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى، إِلَّا تَذْكِرَةً} . ولا ريب أن الإضراب والاستثناء أخوان. - "الآن": اسم للزمان الحاضر؛ نحو: {الْآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ} . - "إلى" بالكسر والتخفيف: أصلها لانتهاء الغاية المكانية أو الزمانية أو المطلقة؛ نحو: {إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى} ونحو: {أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ} ونحو: {ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللَّهِ} .. ولا تخرج عن ذلك عند غير الكوفيين، وما ورد على خلاف الغاية فبالتضمين. وقال الكوفيون: لها معانٍ أخر.. فتأتي بمعنى "مع"؛ نحو: {مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ} . وقال غير الكوفيين: التقدير: من يضيف نصرته إلى نصرة الله؟ وتكون إلى بمعنى "مع" في حالة ضم شيء إلى شيء والحكم به أو عليه أو التعليق عليه؛ نحو: {وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ} ونحو: {وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ} . والسر في اختيار "إلى" لبيان أن ما بعدها هو المقصود. وبالتأمل في الآيات التي فيها "إلى" بمعنى "مع" يتضح أن المقصود هو: الله، وغسل المرافق، وتكثير أموال الأوصياء في خلط مالهم بمال اليتامى. وبمعنى "في"؛ نحو: {لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ} . والسر أنه الجمع النهائي الذي يحصل الناس فيه على أجزيتهم. وللتبيين بعد الحب والبغض؛ نحو: {رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ} .. والسر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 258 أن يوسف أراد وأحب أن يكون السجن هو غايته وملجؤه؛ حتى ينجو من تدبير النساء له. - "اللهم": قيل: أصله "يا ألله" {وَإِذْ قَالُوا اللَّهُمَّ} . - "أم": متصلة، وهي الواقعة بعد همزة التسوية، ولا جواب لها {سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ} . والواقعة بعد همزة يطلب بها وبـ"أم" التعيين، ولها جواب {أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمِ السَّمَاءُ} . وسميت متصلة في الموضعين؛ لأن ما بعدها لا يستغني عما قبلها. ومنقطعة: وهي الواقعة إما بعد الخبر المحض {تَنْزِيلُ الْكِتَابِ لا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ، أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ} . أو بعد الاستفهام الإنكاري؛ نحو: {أَلَهُمْ أَرْجُلٌ يَمْشُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ أَيْدٍ يَبْطِشُونَ بِهَا} . أو بعد الاستفهام بغير الهمزة؛ نحو: {هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُمَاتُ وَالنُّورُ} . وسميت منقطعة لأنها للإضراب الانتقالى.. فما بعدها لا يرتبط بما قبلها. وقد تتضمن مع كونها للإضراب استفهامًا إنكاريًّا؛ نحو: {أَمْ لَهُ الْبَنَاتُ} ، والتقدير: بل أله البنات. فلو لم يقدر هذا الاستفهام الإنكاري للزم المحال؛ إذ يصير المعنى: بل له البنات، وهذا في غاية البطلان. - "أمَّا" بالفتح والتشديد: حرف شرط وتفصيل وتوكيد، وتلزم "الفاء" جوابها ولو تقديرًا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 259 {فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ} أي: فيقال. - "إمَّا" بالكسر والتشديد: للإبهام: {إِمَّا يُعَذِّبُهُمْ وَإِمَّا يَتُوبُ عَلَيْهِمْ} .. والسر حتى لا ييئسوا ولا يتكلوا. وللتخيير؛ نحو: {فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً} .. والسر السعة على الإبهام. وللتفصيل؛ نحو: {إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا} .. والسر بيان أحوال العباد. والفرق بين "إمَّا" وبين "أو" في هذه المعاني: أن "إما" يُبنى الكلام معها من أول الأمر على ما جيء بها لأجله؛ ولذلك وجب تكرارها.. و"أو" يبتدأ الكلام معها على الجزم، ثم يطرأ الإبهام أو التخيير أو التفصيل؛ ولهذا لا يتكرر. - "إِنْ" بالكسر والتخفيف: على أوجه: شرطية: {إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ} ، وحرف "لم" أقوى منها في الجزم؛ لأنه لا يفصل بينه وبين معموله؛ ولذا فالجزم بـ"لم" إن دخلت عليها "إن" كما في قوله: {فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا} . والجزم بـ"إن" إذا دخلت على "لا" لاحتمال النفي والنهي في حرف "لا"؛ كما في قوله: {إِلَّا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ} . وترد "إن" بمعنى النفي؛ كما في قوله تعالى: {لَوْ أَرَدْنَا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْوًا لاتَّخَذْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا إِنْ كُنَّا فَاعِلِينَ} ، وقوله جل شأنه: {إِنْ عِنْدَكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ بِهَذَا} ، وقوله: {أَعُوذُ بِالرَّحْمَنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيًّا} . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 260 ويتأكد كونها للنفي إن وقعت بعدها "إلا" أو "لها" المشددة؛ كما في قوله تعالى: {إِنْ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا إِنَاثًا} ، وقوله: {إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ} . وقيل: كل شيء في القرآن فيه "إن" فهو للإنكار. وقد تكون مخففة من الثقيلة، واختلف في بقاء عملها حينئذ. ويتعين كونها مخففة إن وقعت بعدها اللام المفتوحة: {وَإِنْ يَكَادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ} . وقد يشتم فيها التعليل؛ كما في قوله: {وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} . وقيل: هي باقية على الشرطية، وذكرت للتهييج. وقد ترد بمعنى "قد"؛ نحو: {فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرَى} . ومنهم مَن أبقاها على الشرطية وقدر "وإن لم تنفع". وقيل: هي باقية على الشرطية لاستبعاد انتفاعهم. وقد وقع الاشتراط بها في ستة مواضع، والشرط غير مراد، وقد ذكر التسجيل الحالة فقط: {وَلا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا} ، {وَاشْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ} ، {وَإِنْ كُنْتُمْ عَلَى سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُوا كَاتِبًا فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ} ، {وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ} ، {فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ إِنْ خِفْتُمْ} ، {وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ إِنْ أَرَادُوا إِصْلاحًا} . فكونهم مفردين الله بالعبادة أدعى للشكر.. وكونهم في حال السفر ولم يجدوا كاتبًا أدعى لتوثيق الدين برهان مقبوضة. فإن كانوا مقيمين، واحتاجوا لتوثيق الدين بالرهن؛ فلا بأس. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 261 وفي حالة إرادة الإماء التحصن يتحقق إكراه السادة لهن على البغي.. فإن لم يردن تحصنًا فلا إكراه؛ لأنهن في تلك الحالة راضيات. وفي حالتي اليأس من الحيض ببلوغ السن وعدم الحيض أيضًا من الأصل أدعى للارتياب. والخوف مع السفر أدعى لقصر الصلاة، والواجب على الزوج في حالة مراجعة الزوجة أن يريد بذلك الإصلاح. - "أَنْ" بالفتح والتخفيف: تقع على أوجه: 1- موصول حرفي: وينصب المضارع بعدها. 2- ومخففة من الثقيلة: وهي الواقعة بعد فعل اليقين أو الظن القريب منه: {أَفَلا يَرَوْنَ أَلَّا يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلًا} . 3- ومفسرة: وهي المسبوقة بجملة فيها معنى القول دون حروفه؛ نحو: {فَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ أَنِ اصْنَعِ الْفُلْكَ} . وزائدة للتوكيد؛ نحو: {وَلَمَّا أَنْ جَاءَتْ رُسُلُنَا} . 4- وشرطية كالمكسورة: نحو: {أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى} . 5- ونافية: نحو: {قُلْ إِنَّ الْهُدَى هُدَى اللَّهِ أَنْ يُؤْتَى أَحَدٌ مِثْلَ مَا أُوتِيتُمْ} . 6- وتعليلية: نحو: {بَلْ عَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ} . والصواب أنها في المواضع الثلاث مصدرية؛ كما في قوله: {يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا} أي: كراهة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 262 7- أو هي بمعنى لئلا. - "إِنَّ" بالكسر والتشديد: للتوكيد والتحقيق.. والتوكيد بها أقوى من التوكيد بـ"اللام". وتقع جوابًا عن سؤال ظاهر أو مقدر، وفيها معنى التعليل: {وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ} . وقد ترد بمعنى "نعم" ويبطل عملها: {إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ} . - "أَنَّ" بالفتح والتشديد: للتوكيد فرع المكسورة.. والتوكيد بها لأحد الطرفين، وبالمكسورة للإسناد. وهي موصول حرفي تُؤول هي وما بعدها بالمصدر المنسبك أو السكون إن كان ما بعدها فعلًا جامدًا: {لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} أي: قدرته. وترد بمعنى "لعل"؛ نحو: {وَمَا يُشْعِرُكُمْ أَنَّهَا إِذَا جَاءَتْ لا يُؤْمِنُونَ} . - "أَنَّى": اسم مشترك بين الشرط والاستفهام عن المكان أو الزمان أو الحال، أو بمعنى "حيث"؛ نحو: {فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ} . - "أو": ترد لمعاني الشك من المتكلم؛ نحو: {لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ} . والإبهام على السامع ليفكر: {وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدىً أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ} . وللإباحة التي لا يمتنع فيها الجمع توسعة {وَلا عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَنْ تَأْكُلُوا مِنْ بُيُوتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ آبَائِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أُمَّهَاتِكُمْ ... } الآية. وللتخيير الذي يمتنع فيه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 263 الجمع للاكتفاء بواحد؛ ومثاله: {أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ} عند مَن جعل الخيرة للإمام. وللتفصيل بعد الإجمال لمزيد الإيضاح: {وَقَالُوا كُونُوا هُودًا أَوْ نَصَارَى} بعد قوله: {تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ} . والإضراب للفت النظر: {وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَى مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ} ولمطلق الجمع كالواو؛ لبيان أن أي شيء يتحقق فهو مفيد: {لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى} . وبمعنى "إلا" الاستثنائية.. أو "إلى" الغائية؛ كما في قوله تعالى: {لَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً} . والفرق بينهما أن التي بمعنى الغاية تقدر بمعنى "إلى"، ويكون المضارع منصوبًا بـ"أن" مضمرة فيها، ويستمر العمل بالفعل حتى تتحقق الغاية، بخلاف التي بمعنى "إلا"؛ فقد لا يقع الفعل إن حصل المطلوب. فمثلًا قول الشاعر: وكنت إذا غمست فتاة قوم ... كسرت كعوبها أو تستقيم فإن كانت بمعنى الغاية؛ فالكسر مستمر إلى أن تتحقق الاستقامة وإن كانت بمعنى "إلا"، فقد لا يقع الكسر إن تحققت الاستقامة من أول الأمر. وإذا وقعت "أو" بعد النهي وجب اجتناب الكل؛ لأنها في تلك الحالة نقيضة "أو" الإباحية: {وَلا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِمًا أَوْ كَفُورًا} . والأصل في "أو" أنها لعدم التشريك نقيض الواو؛ ولذا يعود الضمير في "أو" على واحد من قسميها؛ نحو: اضرب زيدًا أو عمرًا، فإن ضربته الجزء: 1 ¦ الصفحة: 264 أي: أحدهما.. وقوله تعالى: {إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا} فالتقدير: إن يكن الخصمان. وقيل "أو" بمعنى "الواو"؛ لعود الضمير على كليهما. - "أَوْلَى": أي: قاربه ما يهلكه: {أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى} . - "إِي" بالكسر والسكون: حرف جواب بمعنى "نعم" لتصديق الخبر، وإعلام المستخبر، ووعد الطالب. ولا تقع إلا قبل القسم وبعد الاستفهام: {وَيَسْتَنْبِئُونَكَ أَحَقٌّ هُوَ قُلْ إِي وَرَبِّي إِنَّهُ لَحَقٌّ} . - "أَيّ" بالفتح والتشديد: شرطية: {أَيًّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى} . واستفهامية عما يميز أحد المشتركين: {أَيُّ الْفَرِيقَيْنِ خَيْرٌ مَقَامًا} . وموصولة: {ثُمَّ لَنَنْزِعَنَّ مِنْ كُلِّ شِيعَةٍ أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى الرَّحْمَنِ عِتِيًّا} . ووصلة في النداء لما فيه "أل": {يَا أَيُّهَا النَّاسُ} . - "إِيَّا" بالكسر والتشديد: ضمير يُضاف إلى ما بين المراد فيه: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ} ، {فَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ} ، {بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ} . - "أَيَّان": يُستفهم بها عن الزمان والمكان المراد تفخيمهما: {أَيَّانَ يُبْعَثُونَ} ، {أَيَّانَ مُرْسَاهَا} . وقيل: لا يُستفهم بها إلا عن الزمان المستقبل، أريد تفخيمه أولًا، وهو الصواب: {يَسْأَلونَ أَيَّانَ يَوْمُ الدِّينِ} . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 265 - "أين": شرطية: ويُستفهم بها عن المكان الذي حل فيه، فإن دخلت عليها "من" كان الاستفهام بها عن المكان الذي برز منه: {أَيْنَمَا يُوَجِّهْهُ لا يَأْتِ بِخَيْرٍ} . - "الباء": حرف جر له معانٍ أشهرها: الإلصاق: وهو تعلق أحد المعنيين بالآخر حقيقة؛ نحو: {وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُم} .. أو مجازًا؛ نحو: {وَإِذَا مَرُّوا بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ} . وتأتي للتعدية: كالهمزة {ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ} . وللاستعانة: وهي الداخلة على آلة الفعل {بِسْمِ اللَّهِ} . والتسبب والتعليل إذا كان مدخولها كذلك {إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنْفُسَكُمْ بِاتِّخَاذِكُمُ الْعِجْلَ} . وبمعنى "مع": لبيان المصاحبة وعدم المفارقة: {اهْبِطْ بِسَلامٍ} . وللظرفية: لبيان الاستقرار زمانًا: {نَجَّيْنَاهُمْ بِسَحَر} .. أو مكانًا: {نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ} . وللاستعلاء: لبيان الرفعة في المكانة: {مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ} . وللمجاوزة: لبيان الشمول: {يَسْعَى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ} . وللغاية: لبيان الشعور بأنه المقصود: {وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ} . وللمعاوضة: لبيان الفضل؛ لأن المعطي يُعطي تفضلًا: {ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} . وللتوكيد: لبيان مزيد الاتصال، وأنه ليس كغيره: {كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا} . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 266 - "بل": إن تلاها جملة فهي للإضراب.. إما الإبطالي؛ أي: إبطال ما قبلها وإثبات ما بعهدها: {وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ} . وإما للإضراب الانتقالي.. ومعناه: إبقاء ما قبلها على ما هو عليه، وإثبات ما بعدها؛ نحو: {وَلَدَيْنَا كِتَابٌ يَنْطِقُ بِالْحَقِّ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ، بَلْ قُلُوبُهُمْ فِي غَمْرَةٍ مِنْ هَذَا} . - "بلى": إما أن تقع ردًّا لنفي سبقها؛ كقوله: {لا يَبْعَثُ اللَّهُ مَنْ يَمُوتُ بَلَى} ، فقد ردت النفي السابق وأثبتت نقيضه. وإما أن تقع جوابًا لاستفهام دخل على النفي فتفيد إثبات ما نفي: {أَيَحْسَبُ الْأِنْسَانُ أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظَامَهُ، بَلَى قَادِرِينَ} . - "بئس": فعل لإنشاء الذم: {فَلَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ} . - "بين": موضوعة للخلل بين الشيئين: {وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمَا زَرْعًا} . وهي ظرف.. ولا تستعمل إلا فيما فيه مسافة أو له عدد ولو حُكْمًا: {لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ} ، ويجب تَكْرَارُها إذا أضيفت إلى ما يقتضي الوَحْدَة والمقابلة: {فَاجْعَلْ بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ مَوْعِدًا} . - "التاء": حرف جر معناه القسم بالله.. ويفيد معنى التعجب: {وَتَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُمْ} . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 267 - "تبارك": فعل لا يُستعمل إلا ماضيًا، ولا يسند إلا لله: {تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ} . - "ثُمَّ": حرف يفيد في الأرجح ثلاثة أمور: التشريك، والترتيب -إما الزماني أو الذكري- والتراخي: {ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ لِيُقْضَى أَجَلٌ مُسَمّىً ثُمَّ إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ ثُمَّ يُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} . - "ثَمَّ" بفتح الثاء: اسم يُشار به إلى المكان البعيد: {وَأَزْلَفْنَا ثَمَّ الْآخَرِينَ} . - "جعل": لفظ عام في الأفعال كلها.. يرد بمعنى أوجد: {وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ} . وأوجد من: {وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْجِبَالِ أَكْنَانًا} . وبمعنى التصيير: {جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ} . وفي الحكم بشيء على شيء حقًّا: {وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِين} أو باطلًا: {الَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ} . وبمعنى "صار"؛ قال الشاعر: فقد جعلت قلوص بني سهيل ... من الأكوار مرتعها قريب - "حاشى": اسم في الراجح معناه التنزيه "حاشى لله". وقال الفارسي: هو فعل من الحشاه وهو الناحية؛ أي: صار في ناحية والمقابل في ناحية أخرى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 268 - "حتى": حرف لانتهاء الغاية.. تختلف عن "إلى" في أنها لا تجر إلا الظاهر، والفعل بعدها ينقضي شيئًا فشيئًا، ولا يقابل بها الابتداء، ولا تجر إلا الآخر المسبوق بذي أجزاء والملاقي له: {سَلامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ} . وهى إما بمعنى "إلى"؛ نحو: {لَنْ نَبْرَحَ عَلَيْهِ عَاكِفِينَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنَا مُوسَى} .. أو بمعنى "كي"؛ لإرادة الاستمرار في المطلوب، وأنه علة يحرص على تحققها: {لا تُنْفِقُوا عَلَى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّى يَنْفَضُّوا} .. أو بمعنى "إلا" الاستثنانية؛ لبيان الابتداء بما بعد حتى: {وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ} . ولو عدل إلى أداة الاستثناء لأمكن أن يكون هذا القول بعد التعلم. وتدخل الغاية في كل من "إلى" و"حتى" أو لا تدخل إن قام الدليل على ذلك. فإن لم يوجد دليل على دخول الغاية أو عدم دخولها، فالمختار دخولها في "حتى" وعدم دخولها مع "إلى". - "حيث": ظرف مكان تُستعمل للزمان أيضًا: {سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ} . - "دون": ظرف مكان نقيض فوق ولو حكمًا: {وَأَنَّا مِنَّا الصَّالِحُونَ وَمِنَّا دُونَ ذَلِك} . وترد اسما بمعنى غير: {اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً} . وقيل: تُستعمل في أدنى مكان من الشيء، ولتفاوت الحال، ولتجاوز الحد. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 269 {لا تَتَّخِذُوا الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ} أي: لا تجاوزوا ولاية المؤمنين إلى ولاية غيرهم. - "ذو": اسم بمعنى صاحب، وضع للتوصل إلى وصف الذوات بأسماء الأجناس، كما أن الذي أوضعت صلة إلى وصف المعارف بالجمل: {وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ} . وكثيرًا ما تقال في المتبوع وصاحب على التابع. والإضافة في "ذو" أشرف من الإضافة في "صاحب"، قال تعالى عن يونس: {وَذَا النُّونِ} .. وهذا في معرض الثناء. وفي معرض ما ظاهره اللوم قال: {وَلا تَكُنْ كَصَاحِبِ الْحُوتِ} . - "رُب": للتقليل أو للتكثير أو للإثبات.. ويعرف التقليل والتكثير بقرائن أخرى. أو هي لإبهام العدد؛ نحو: {رُبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا} . - "السين": حرف يختص بالفعل المضارع، ويخلصه للاستقبال بعد صلاحية الفعل للحال وللاستقبال، ويشتم منه رائحة التوكيد. وقيل: قد يفيد الاستمرار؛ كما في قوله: {سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ} لأن الآية نزلت بعد قولهم: {مَا وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا} . - "سوف": أكثر توسعًا من "السين"، وأغلب استعمالها في الوعيد، و"السين" في الوعد: {أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ} ، {فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ، إِذِ الْأَغْلالُ} . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 270 وقد تستعمل في الوعد، و"السين" في الوعيد؛ نحو: {وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى} . - "سواء": ترد بمعنى مستوٍ: {أَهْدِكَ صِرَاطًا سَوِيًّا} . وإذا كسرت واوها أو سينها قصرت كما في هذا المثال.. وإذا فتحت مدت؛ كما في قوله: {وَسَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ} . وترد بمعنى الوسط؛ كما في قوله: {فِي سَوَاءِ الْجَحِيمِ} . وبمعنى التمام؛ كما في قوله: {فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ} . - "سبحان": معناه التنزيه.. ويضاف للمفرد الظاهر أو الضمير: {سُبْحَانَكَ لا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا} . - "ظن": أصله للاعتقاد الراجح، وقد يرد بمعنى اليقين وبمعنى الشك وبمعنى الكذب، ويترجح إلى اليقين بورود الوعد عليه وبدخوله على "أن" المشددة التي هي للتوكيد. ويقل احتمال اليقين فيه إن كان عليه وعيد وبعده "أن" المخففة: {إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلاقٍ حِسَابِيَهْ} ، {إِنَّهُ ظَنَّ أَنْ لَنْ يَحُورَ} . فإذا اتصلت "أن" بالاسم، فهو لليقين مع تخفيفها: {وَظَنُّوا أَنْ لا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ} . فإن زادت البراهين على عدم صدق الظن كان كذبًا؛ كما في قوله: {وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلَّا أَمَانِيَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ} . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 271 - "على": للاستعلاء الحسي: {وَعَلَى الْفُلْكِ تُحْمَلُونَ} .. أو المعنوي: {وَلَهُمْ عَلَيَّ ذَنْبٌ} . وترد للمصاحبة؛ وذلك لبيان الإيثار والتفضل: {وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِلنَّاسِ عَلَى ظُلْمِهِمْ} ، {وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ} . وآثر التعبير بـ"على"؛ ليبين غلبة المغفرة لظلم الناس، وكأنه من باب: "سبقت رحمتي غضبي". وفي إيتاء المال على حبه؛ لاستعلاء المنفق وسيطرته على ما في الإنسان من حرص. وترد "على" بمعنى "من" الابتدائية؛ لبيان السيطرة؛ نحو: {عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ} . والتعليل؛ نحو: {وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ} . والسر في اختيارها على "اللام"؛ لأن تعظيم الله يجب أن يكون أعلى وفوق كل شيء. وترد للظرف؛ نحو: {وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلَى حِينِ غَفْلَةٍ} لأن دخوله كان فيه غلبة لهم؛ إذ لو تيقظوا لمنعوه من الدخول. وترد بمعنى "الباء"؛ لبيان الخضوع: {حَقِيقٌ عَلَى أَنْ لا أَقُولَ} . وترد للتوكيد: {كَتَبَ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ} . وللإسناد والإضافة: {وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لا يَمُوتُ} . والسر في "على" هذا لبيان أن الله يتكفل بعبده في كل شيء؛ كأنه ألزم نفسه تفضلًا بذلك. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 272 وكل "على" تُسند إلى الله فهي من باب التفضل الذي أخبر به؛ لأنه لا يلزمه غيره بشيء. وترد "على" فعلًا ماضيًا بمعنى "طغى": {إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلا فِي الْأَرْضِ} .. وترد اسمًا إن كان مجرورها وفاعل متعلقها ضميرين لمسمى واحد؛ نحو: {أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ} . - "عن": أشهر معانيها المجاوزة التى هي الابتعاد: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ} . وترد بمعنى البدل: {لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا} لأن دعوى ذلك فيه تجاوز للحق. وللتعليل: {وَمَا نَحْنُ بِتَارِكِي آلِهَتِنَا عَنْ قَوْلِكَ} لأنهم يعدون الترك من أجل نصحه تجاوز عن الحد. وبمعنى "على"؛ نحو: {وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ} لأن البخيل يبتعد ببخله عن رعاية مصالحه. وبمعنى "من"؛ نحو: {وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوبَةَ عَنْ عِبَادِهِ} لتضمن القبول معنى العفو الذي هو التجاوز عن الذنوب ومحوها وترك المؤاخذة عليها. وبمعنى "بعد": {لَتَرْكَبُنَّ طَبَقًا عَنْ طَبَقٍ} أي: متجاوزين مبتعدين في كل حالة من أحوالهم من الصواب. - "عسى": ومعناها: الترجي في المحبوب والإشفاق في المكروه: {وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ} . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 273 وللقرب: {قُلْ عَسَى أَنْ يَكُونَ رَدِفَ لَكُمْ بَعْضُ الَّذِي تَسْتَعْجِلُونَ} . وإذا وردت خبرًا أفردت.. وإن وردت استفهامًا جمعت، ومعناها أخبرتم: {فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ} . قيل: كل "عسى" في القرآن واجبة الوقوع. ولها جانبان: ما يتعلق بالله، وسبيله القطع، وما يتعلق بالعباد، وسبيله الظن. من أجل ذلك هي من الله للقطع، ومن العباد للرجاء حتى لا يفارقهم الخوف. وهل "عسى" فعل ماضٍ في اللفظ والمعنى، أو هى ماضٍ في اللفظ، مستقبل في المعنى؟ وقيل: بكل. - "عند": ظرف مكان، تستعمل في الحضور والقرب حسيين: {فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِنْدَهُ} ، {عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى، عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى} .. أو معنويين: {قَالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتَابِ} ، {فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ} . ويساويها في الحضور والقرب "لدى" و"لدن"؛ قال تعالى: {وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْمًا} ، {وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ} . وتختص "لدن" بأنها لا تقع إلا في ابتداء الغاية، ولا تكون فضلة يُستغنى عنها، ولم تقع في القرآن إلا مجرورة بـ"من". و"لدن" أخص من "عند" وأبلغ؛ لأنها تدل على ابتداء نهاية الفعل. وتختص "عند" بأنها تكون ظرفًا للأعيان والمعاني، وتستعمل للحاضر والغائب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 274 وتختص "لدى" بأنها لا تُستعمل إلا في الحاضر، ويمتنع دخول "من" عليها. - "غير": اسم ملازم للإضافة والإبهام، ولا تتعرف إلا إذا وقعت بين ضدين: {صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ} .. وتوصف بها النكرة: {نَعْمَلْ صَالِحًا غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ} . ومن معانيها: أنها إما للنفي المجرد: {وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ} . وإما بمعنى "إلا"؛ نحو: {هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ} . وإما لنفي الصورة من غير مادتها: {بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ} . وإما متناولًا للذات؛ أي: إثبات نقيض ما بعدها؛ نحو: {بِمَا كُنْتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ} أي: تقولون الباطل. - "الفاء": عاطفة وتفيد الترتيب المعنوي؛ نحو: {فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِ} ، أو التفصيلي بعد الإجمال: {فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا} . وتفيد التعقيب أيضًا بحسب المقام، فقد يكون هناك تراخٍ وقد لا يكون؛ قال تعالى: {وَالَّذِي أَخْرَجَ الْمَرْعَى، فَجَعَلَهُ غُثَاءً أَحْوَى} أي: فجعله بعد مدة، وقال: {فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هَذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ فَلْيَنْظُرْ أَيُّهَا أَزْكَى طَعَامًا فَلْيَأْتِكُمْ بِرِزْقٍ مِنْهُ} . وتفيد التسبب؛ قال تعالى: {فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ} . وقد تفيد التسبب من غير أن تكون عاطفة؛ كما في قوله: {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ، فَصَلِّ} لاختلاف الجملتين خبرًا أو إنشاء. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 275 وقد ترد "الفاء" لربط الجواب أو شبهه بالشرط أو شبهه، فبدونها لا يصلح الارتباط؛ قال تعالى: {إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ} وقال: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} فهذه الآية لربط شبه الجواب بشبه الشرط. وقد ترد للاستئناف؛ نحو: {كُنْ فَيَكُونُ} بالرفع. - "في": أشهر معانيها الظرفية مكانًا وزمانًا.. حقيقة؛ كما في قوله: {غُلِبَتِ الرُّومُ، فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ، فِي بِضْعِ سِنِينَ} .. أو مجازًا: {لَقَدْ كَانَ فِي يُوسُفَ} . وترد للمصاحبة، وسر العدول إليها الاستيلاء كما يستولي الظرف على المظروف بحلوله فيه؛ قال تعالى: {ادْخُلُوا فِي أُمَمٍ} . وللتعليل بقصد الانحصار: {فَذَلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ} . وللاستعلاء بقصد التضيق: {وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ} . وبمعنى "الباء": {يَذْرَأُكُمْ فِيهِ} أي: بسببه.. وعدل للاستقرار. وبمعنى "إلى" لبيان أقصى ما يملكون: {فَرَدُّوا أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْوَاهِهِمْ} . فمن شدة غيظهم خبئوا أيديهم في أفواههم. وبمعنى "من": {وَيَوْمَ نَبْعَثُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا} لأنه مستقر فيهم. وبمعنى "عن": {فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمَى} لإرادة تجرده من النعم في الآخرة. وللمقايسة، وهي الداخلة بين مفضول سابق وفاضل لاحق لإرادة إظهار الجزء: 1 ¦ الصفحة: 276 القلة في جانب الكثرة: {فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ} . وللتوكيد: {ارْكَبُوا فِيهَا} . - "قد": حرف يختص بالفعل المتصرف الخبري المثبت المجرد من ناصب وجازم، فإن دخلت على الماضي فهي إما للتحقيق، أو لتقريبه من الحال. وإن دخلت على المضارع، فهي إما لتقليل الوقوع، أو لتقليل المتعلق، أو للتكثير. وقد ترد لتوقع ما دخلت عليه؛ قال تعالى: {قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا} لأنها تتوقع أن يفتيها الله. - "الكاف": أشهر معانيها التشبيه: {وَمِنْ آيَاتِهِ الْجَوَارِ فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلامِ} . وللتعليل: {كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولًا} أي: لأجل إرسالنا. وعدل إليها حتى لا يتكرر مع سابقه من قوله: {وَلِأُتِمَّ نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ} ولإلحاقه به في شبه العلة. وترد للتوكيد؛ نحو: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} . وقد زيدت هنا للتوكيد؛ لأن زيادة الحرف بمنزلة إعادة الجملة مرة أخرى؛ كأنه كررها. وقد جمع بين "الكاف" والمثل لتأكيد النفي؛ تنبيهًا على أنه لا يصح استعمال المثل ولا الكاف، فنفى بليس الأمرين جميعًا. وأوضح من ذلك أن يقال: المراد بالمثل: الذات أو الصفات، على نحو قوله: {فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ مَا آمَنْتُمْ بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوْا} . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 277 - "كاد": معناها: قارب، ونفيها نفي للمقاربة، وإثباتها إثبات لها: {لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا} ، {يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ} . وقيل عكس ذلك.. فنفيها إثبات وإثباتها نفي.. ولا يأتي منها فعل الأمر. واستُدل للمذهب الثاني بقوله: {وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ} وقد فعلوا. وقوله: {وَإِنْ كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ} ولم يفتنوه. وتفيد الدلالة على وقوع العمل بعسر. وقيل: نفيها في الماضي إثبات، وفي المضارع نفي. والمختار أنها كغيرها.. نفيها نفي وإثباتها إثبات، ويجب التأمل فيما صاحبها من القرائن. وترد "كاد" بمعنى "أراد": {كَذَلِكَ كِدْنَا لِيُوسُفَ} . - "كان": أصلها للفعل الماضي المنقطع: {وَكَانَ فِي الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ} . وقد يراد بها الدوام أزلًا وأبدًا: {وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا} وذلك لبيان قد الصفات، وأنها لا تحدث بحدوث متعلقها. فالله غفور قبل وجود المغفور له.. والأفعال المسندة إلى الله تدل على الحدث، وهي مجردة عن الزمان. وترد "كان" للحال لبيان خصوصية المذكورين.. كالصحابة في قوله تعالى: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} . وتأتي للمستقبل لبيان الإعداد له منذ الأزل: {يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا} . وترد بمعنى "صار": {وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ} . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 278 وبمعنى "ينبغي": {مَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَهَا} . وبمعنى "حفر": {وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ} . وسر العدول إليها في هذه المواضع الثلاثة؛ لبيان أن كفر إبليس معلوم من قبل أن يظهره، وأن قدرة الخلق على الإثبات معدومة، وأن المعسر يمهل إن كان صادقًا في إعساره غير متظاهر به في الحال وهو يخفي يساره. وترد للتوكيد: {قَالَ وَمَا عِلْمِي بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} ليبين أنه لا يعلم إلا ما شهده منهم. - "كأن": للتشبيه القوي الذي لا يكاد أن يفرق فيه بين المشبه والمشبه به: {قَالَتْ كَأَنَّهُ هُوَ} . وترد للظن والشك فيما إذا كان خبرها مشتقا: {كَأَنْ لَمْ يَدْعُنَا إِلَى ضُرٍّ مَسَّهُ} . - "كأين": اسم مركب من "كاف" التشبيه، و"أي" المنونة للتكثير في العدد: {وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ} . - "كل": اسم موضوع لاستغراق أفراد المذكور المضاف هو إليه؛ نحو: {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ} . فإن أضيفت إلى المفرد المعرف استغرقت الأجزاء: {كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ} . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 279 وإن أضيفت إلى غيره استغرقت الأفراد: {وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا} . وترد باعتبار ما قبلها وما بعدها على ثلاثة أوجه: أحدها: أن تكون نعتًا لنكرة أو معرفة، فتدل على كماله. وتجب إضافتها إلى اسم ظاهر يماثله لفظًا ومعنى؛ نحو: {وَلا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ} أي: بسطًا كل البسط.. أي: تامًّا.. {فَلا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ} . ويفهم من هذا التجاوز عن البسط والميل المقبولين شرعًا، واللذين هما في قدرة البشر. ثانيها: أن تكون لتوكيد المعرفة، ففائدتها العموم.. وتجب إضافتها إلى ضمير راجع للمؤكد؛ نحو: {فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ} . ثالثها: ألا تكون تابعة؛ بل تالية للعوامل. فبحسب موقعها ترفع أو تنصب أو تجر. وحيث أضيفت إلى منكر وجب في ضميرها مراعاة معناها: {وَكُلُّ شَيْءٍ فَعَلُوهُ فِي الزُّبُرِ} . فإن أضيفت إلى معرف جاز مراعاة لفظها في الإفراد والتذكير، ومراعاة معناها: {إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا، لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا، وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا} . وحيث وقعت في حيز النفي بأن تقدمت عليها أداته، أو الفعل المنفي، فالنفي يُوجه إلى الشمول خاصة، ويفيد بمفهومه إثبات الفعل لبعض الأفراد، ما لم يدل دليل خارجي يعارض المفهوم؛ كما في قوله: {وَاللَّهُ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ} فقد قام الدليل على تحريم كل واحد منهما. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 280 وإن وقع النفي في حيزها فهو موجه إلى كل فرد. - "كلا": للردع والزجر في الغالب.. ويجب الوقف عليها.. فإن ابتدأت بها كانت بمعنى "حقا" أو بمعنى "ألا" بالفتح والتخفيف. أو حرف جواب بمعنى "نعم"، والظاهر أنها كلمة واحدة. وقيل: هي مركبة من "كاف" التشبيه، و"لا" النافية، وضعفت لتقوية التشبيه. وقيل: هي مصدر "كلا" إذا عجز وثقل، وقيل: معناها "سوف": {كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى} . - "كم": اسم مبهم مفتقر إلى التمييز.. وهي إما استفهامية: {كَمْ لَبِثْتُمْ فِي الْأَرْضِ عَدَدَ سِنِينَ} ؟.. أو خبرية بمعنى "كثير".. وتستعمل في مقام المباهاة: {وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّمَاوَاتِ} . - "كي": حرف للتعليل: {كَيْ لا يَكُونَ دُولَةً} . - "كيف": اسم شرط جوابه محذوف: {هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الْأَرْحَامِ كَيْفَ يَشَاءُ} .. ويستفهم بها في الحال {كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى} ؟. وكلما أخبر الله بلفظ "كيف" عن نفسه، فهو استخبار على طريق التنبيه للمخاطب.. أو التوبيخ: {كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنْتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ} . - "اللام": أربعة أقسام: جارة، وناصبة، وجازمة، ومهملة غير عاملة.. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 281 فالجارة مكسورة على الظاهر وياء المتكلم، ومفتوحة فيما عدا هذين. ومن أشهر معانيها الاستحقاق؛ وهي الواقعة بين ذات ومعنى: {الْحَمْدُ لِلَّهِ} . والملك: {لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ} . والاستحقاق أعم من الاختصاص والتملك.. ويليه الملك.. ثم الاختصاص. وترد للتعليل: {وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ} أي: من أجل حبه للمال بخيل. و"اللام" أصل في التعليل.. فيقال: لـ، ولأجل. وتأتي موافقة لـ"إلى" وبمعناها: {بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا} أي: إليها.. والسر أنه أوحى لأجل أن تشهد على بني آدم بما فعلوه على ظهرها. وبمعنى الاستعلاء: {وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ} لأن التواضع لا استعلاء فيه. وبمعنى "في" لبيان العلة: {وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ} . ولم يقل "في" لبيان العدل الذي من أجله كانت القيامة. وبمعنى "عند" كقراء الجحدري: "بَلْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَا جَاءَهُمْ" بتخفيف الميم.. أي: عند مجيئه.. وعدل إليها ليبين وصفهم في تكذيبهم لوجود ما يستدعي التصديق والانقياد. وبمعنى "بعد": {أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ} وعدل إليها ليؤدي المغرب في أول وقته.. فإن الدلوك ميل الشمس إلى الغروب، والبعدية يمكن أن تمتد فيقع المغرب في وقت العشاء. وبمعنى "عن": {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا لَوْ كَانَ خَيْرًا مَا سَبَقُونَا إِلَيْهِ} أي: قالوا عنهم ذلك في غيبة المؤمنين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 282 وما من أجله قبل ذلك القول؛ وهو إيمان المؤمنين. أما الناصية، فهي لام التعليل: {لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ} . وأما الجازمة، فهي لام الطلب: {لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ} . ويستوي أن يكون الطلب من الله أو من العبد: {لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ} أو كان للتهديد: {وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ} . وأكثر ما تجزم فعل الغائب، ثم فعل الخطاب.. وبقلة فعل المتكلم: {فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ} ، {وَلْنَحْمِلْ خَطَايَاكُمْ} . وأما غير العاملة، فهي ثلاثة أقسام: 1- لام الابتداء: وفائدتها توكيد مضمون الجملة، وتخليص المضارع للحال: {لَأَنْتُمْ أَشَدُّ رَهْبَةً فِي صُدُورِهِمْ مِنَ اللَّهِ} . 2- لام الجواب: {وَتَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُمْ} ، {وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ} . 3- اللام المؤطئة: وهي الداخلة على أداة شرط للإيذان بقسم محذوف: {وَلَئِنْ نَصَرُوهُمْ لَيُوَلُّنَّ الْأَدْبَارَ} . - "لا": إما نافية تعمل عمل "إن"؛ فتنفي الجنس بالتنصيص على نفي كل فرد: {ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ} . أو تعمل عمل "ليس"؛ فلا يراد بها التنصيص على كل فرد؛ بل يراد النفي في الجملة: {وَلا أَصْغَرُ مِنْ ذَلِكَ} بالرفع. وإما ناهية يطلب بها الترك؛ فتختص بالمضارع وتخلصه للاستقبال: {رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 283 وإما زائدة للتوكيد بمنزلة إعادة الجملة مرة أخرى: {مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ} . واختلف في "اللام" من قوله: {لا أُقْسِمُ} فقيل: زائدة، وفائدتها مع التوكيد التمهيد لنفي الجواب، والتقدير: أقسم بيوم القيامة، لا يتركون سدى. وقيل: هي نافية لما تقدم عندهم من إنكار البعث والابتداء بـ"أقسم".. وصح ذلك لأن القرآن كله كالسورة الواحدة. ألا ترى أنه قد يأتي بسؤال ويجيب عنه في سورة أخرى؛ كما في قوله من سورة الحجر: {وَقَالُوا يَا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ} . وجوابه ما ذكر في سورة القلم: {مَا أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ} . وقيل: منفيها "أقسم" على أنه إخبار لا إنشاء. والمعنى في ذلك: أنه لا يقسم بالشيء إلا إعظامًا له؛ كقوله: {فَلا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ، وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ} . فكأنه قيل: إن إعظامه بالإقسام به كل إعظام؛ أي: أنه يستحق إعظامًا فوق ذلك. وترد "لا" اسما بمعنى "غير"؛ كقوله: {لا مَقْطُوعَةٍ وَلا مَمْنُوعَةٍ} . - "لات": قيل: فعل بمعنى "نقص"، وقيل: هي مقلوبة عن "ليس"، وقيل: هي لا النافية، "والتاء" فيها للتأنيث.. وقيل: بل "التاء" زائدة.. وتعمل عمل "إن" عند قوم.. وعمل "ليس" عند آخرين.. ولا تعمل عند جماعة، وما بعدها مفعول لفاعل يناسبه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 284 وقيل: هي حرف جر، ولا يذكر معها إلا أحد معموليها: {فَنَادَوْا وَلاتَ حِينَ مَنَاصٍ} . - "لا جرم": قيل: "لا" نافية أو زائدة، و"جرم" بمعنى حقًّا أو كسب.. وقيل: هي مركبة، ومعناها: لا بد أو حقًّا.. وموضع ما بعدها حسب ما يقدر من معانيها. - "لكنَّ" بالتشديد: للاستدراك.. ومعناه: إثبات لما بعدها حكمًا مناقضًا لما ثبت قبلها: {وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا} . وقيل: هي للاستدراك ورفع التوهم، وأصلها مخففة، وبعدها "إن"، فخذفت الهمزة لالتقاء الساكنين. أما "لكنْ" المخففة فللاستدراك أيضًا. وقد تُسبق بحرف العطف: {وَمَا ظَلَمَهُمُ اللَّهُ وَلَكِنْ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ} . وقد تكون "و" العاطفة إن تلاها مفرد: {لَكِنِ اللَّهُ يَشْهَدُ} . - "لعل": أشهر معانيها: التوقع والتوكيد لذلك. ومعنى التوقع: الترجي في المحبوب والإشفاق في المكروه: {وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} ، {وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ قَرِيبٌ} . وترد للتعليل لاستبعاد الوقوع: {فَقُولا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى} . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 285 وترد للاستفهام: {وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى} . وعدل عنه لكون التزكية من الله، وأن الحرص على هداية المدعويين من مهمات الدعاة. وللتشبيه: {وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ} . - "لم": حرف نفي وجزم يقلب المضارع ماضيًا: {لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ} . - "فلما": وهي على أوجه: حرف وجود لوجود: {فَلَمَّا قَضَيْنَا عَلَيْهِ الْمَوْتَ مَا دَلَّهُمْ عَلَى مَوْتِهِ} . وقيل: هى ظرف زمان. وترد بمعنى "إلا": {إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ} .. وحرف إثبات؛ لأنها مركبة من "لم" و"ما"، ونفي النفي إثبات. وتفترق عن "لم" في أنها لا يدخل عليها أداة الشرط، وأن منفيها آكد وقريب من الحال، ويتوقع حصوله، ويجوز الوقف عليها. - "لن": قيل: النفي بها أبلغ من النفي بـ"لا"، وهى لنفي ما يستقبل. وادعى الزمخشري وابن عطية أنها تفيد التأبيد. ورُد بأن التأقيت يأباه؛ كما في قوله: {فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا} . وإنما يستفاد التأبيد من قرائن خارجية؛ كقوله: {لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ} . والمختار أنها لنفي ما قرب، و"لا" لنفي ما هو ممتد، قال لموسى: {لَنْ تَرَانِي} الجزء: 1 ¦ الصفحة: 286 وقال تعالى: {لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ} إذ الألف يمد الصوت بها، فكانت أوسع من "لن". وقد ترد للدعاء: {فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيرًا لِلْمُجْرِمِينَ} . - "لو": حرف شرط في المعنى، يصرف المضارع إليه بعكس "إن" الشرطية، فإنها تجعل الماضي مستقبلًا. واختلف في إفادتها الإقناع، وكيفية إفادتها إياه على أقوال: أحدهما: أنها لا تفيده بوجه ولا تدل على امتناع الشرط ولا امتناع الجواب؛ بل هي لمجرد ربط الجواب بالشرط، دالة على التعليق في الماضي. ثانيًا: أنها حرف لما كان سيقع لوقوع غيره في الماضي، والمتوقع لم يقع. ثالثًا: أنها حرف يدل على امتناع الجواب لامتناع الشرط. واعترض بأن هذا -وإن صح في بعض الأمثلة- لم يصح إجراؤه في قول الله: {وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا} فإنه يدل على امتناع توليهم لامتناع أسماعهم. وإذا كان كذلك فامتناع التولي في حال الإسماع من باب أولى. رابعًا: حرف يقتضي امتناع ما يليه واستلزامه لتاليه من غير تعرض لنفي التالي. والصواب: أن "لو" حرف وُضع للملازمة بين أمرين، فالأول ملزوم والثاني لازم.. وكل منهما إما مثبت وإما منفي، فصارت الأقسام أربعة. فمثال المثبتين: {لَوْ أَنْتُمْ تَمْلِكُونَ خَزَائِنَ رَحْمَةِ رَبِّي إِذًا لَأَمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الْإِنْفَاقِ} . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 287 ومثال المنفيين في قول النبي -صلى الله عليه وسلم- عن بنت أبى سلمة: "لو لم تكن ربيبتي لما حلت لي؛ لأنها بنت أخي من الرضاعة". ومثال الملزوم الثابت واللازم المنفي قوله سبحانه: {وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ} . ومثال الملزوم المنفي واللازم المثبت قوله صلى الله عليه وسلم: "لو لم تذنبوا لذهب الله بكم وجاء بقوم يذنبون فيستغفرون الله فيغفر لهم". وأعني بالمثبت والمنفي ما هو في الصورة واللفظ، لا ما هو في الحقيقة، والمعنى: فإن من حولها إن كان مثبتًا في الصورة منفيًّا في الحقيقة، وإن كان منفيًّا في الصورة كان مثبتًا في المعنى. كذا قيل في مقتضاها. وعليه: فالحكم إما نفي الأول لنفي الثاني؛ لأن الأول ملزوم، والثاني لازم، والملزوم عدم عند لازمه. وأما تحقق الثاني لتحقق الأول؛ لأن تحقق الملزوم يستلزم تحقق لازمه. قيل: كل شيء من القرآن فيه "لو" لا يكون. وتختص "لو" بالدخول على الفعل الظاهر أو المقدر. وإذا تلاها الفعل كان المقصود مجرد التعليق؛ نحو: {وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لَأسْمَعَهُمْ} . وإذا وليها الاسم كان المقصود التعليق واختصاص الاسم بذلك؛ نحو: {لَوْ أَنْتُمْ تَمْلِكُونَ خَزَائِنَ رَحْمَةِ رَبِّي إِذًا لَأَمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الْإِنْفَاقِ} . فالمقصود بعد التعليق اختصاص المذكورين بالبخل. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 288 وإذا وليها "أن" المؤكدة كان المقصود زيادة على ذكر التوكيد، وأنه قد فوت على نفسه ما كان حقه أن يفعل؛ نحو: {وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُوا حَتَّى تَخْرُجَ إِلَيْهِمْ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ} . فالمقصود التعليق وتوكيد الاختصاص ولومهم على ترك الصبر.. وقد ترد "لو" شرطية في المستقبل إن صلح مكانها "إن" الشرطية؛ نحو: {وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ} . وترد مصدرية إن صلح مكانها "أن" المصدرية؛ نحو: {يَوَدُّ الْمُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِي} أي: الافتداء. وترد للتمني إن صلح مكانها "ليت"؛ نحو: {فَلَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَكُونَ} .. وللتقليل؛ نحو: {كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ} . وعدل إليها في هذه المواضع؛ لبيان الندرة والإقناع. - "لولا": حرف امتناع لوجود: {وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ} .. وترد للتخصيص والعرض في المضارع لفظًا ومعنى، أو معنى فقط: {لَوْلا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ} . وعدل إليها لبيان امتناع ذلك. وقد ترد للتوبيخ؛ نحو: {لَوْلا جَاءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ} . وللنفي، كذا قيل في قوله: {فَلَوْلا كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ} . وكل هذا يمكن أن يدخل في العرض والتحضيض. - "لوما": لم ترد إلا للتحضيض: {لَوْ مَا تَأْتِينَا بِالْمَلائِكَةِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ} . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 289 - "ليت": معناها التمني.. ويشتم التوكيد معه: {يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي} . - "ليس": لنفي مضمون الجملة في الحال، ونفي غيره بالقرينة: {أَلا يَوْمَ يَأْتِيهِمْ لَيْسَ مَصْرُوفًا عَنْهُمْ} ، {لَيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلَّا مِنْ ضَرِيعٍ} . هذا في المستقبل لوجود القرائن. - "ما": إما اسمية أو حرفية. والاسمية موصولة بمعنى "الذي"، ويستوي فيها المذكر والمؤنث والمفرد والمثنى والجمع. وأكثر ما تستعمل في غير العقلاء، وفي العقلاء نحو: {وَالسَّمَاءِ وَمَا بَنَاهَا} ، ويعود الضمير عليها مراعاة للفظها، فيفرد.. أو لمعناها في غير المفرد فيُجمع: {وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَمْلِكُ لَهُمْ رِزْقًا مِنَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ شَيْئًا وَلا يَسْتَطِيعُونَ} . أو استفهامية بمعني: أي شيء.. ويُسأل بها عن أعيان ما لا يعقل وأجناسه وصفاته، وأجناس العقلاء وأنواعهم وصفاتهم: {مَا لَوْنُهَا} ؟ ولا يُسأل بها عن أعيان أولي العقل في الراجح. وقول فرعون: {وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ} ؟ جهل منه بذات الله؛ ولذا أُجيب بالصفات: {قَالَ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ} . وتُحذف ألفها إن سبقها جار: {لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ} ؟ أو شرطية: {وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَلِأَنْفُسِكُمْ} . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 290 أو تعجيبة: {فَمَا أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ} . وقد ترد "ما" نكرة تامة؛ نحو: {إِنَّ اللَّهَ لا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا مَا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا} . أو نكرة ناقصة؛ كما في قوله: {إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ} . أو نكرة موصوفة؛ نحو: {نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِه} أي: نعم شيئًا يعظكم به. والحرفية إما مصدرية زمنية: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} .. أو غير زمنية: {فَذُوقُوا بِمَا نَسِيتُمْ} أي: بنسيانكم. أو نافية تعمل عمل "ليس": {مَا هَذَا بَشَرًا} . أو نافية غير عاملة، وهي لنفي الحال مع التوكيد: {وَمَا تُنْفِقُونَ إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ} . وقد ترد زائدة للتوكيد كافة لما قبلها عن العمل: {إِنَّمَا اللَّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ} .. أو غير كافة: {فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَدًا} . وحيث وقعت "ما" قبل "ليس" أو "لم" أو "لا" أو بعد "إلا" فهي موصولة؛ نحو: {مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ} . وحيث وقعت بعد كاف التشبيه فهى مصدرية: {كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ} . وحيث وقعت بعد الباء فإنها تحتملها؛ نحو: {بِمَا كَانُوا يَظْلِمُونَ} أي: بظلمهم الذي كان، أو بالظلم الذي كان. وحيث وقعت بين فعلين سابقهما علم أو دراية أو نظر؛ احتمل أن تكون موصولة أو استفهامية؛ نحو: {وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ} ، {وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلا بِكُمْ} ، {وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ} . وحيث وقعت في القرآن "إلا" فهي نافية إلا في مواضع: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 291 1- {وَلا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ} سورة البقرة. 2- {فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ} سورة البقرة. 3- {وَلا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ} سورة النساء. 4- {وَلا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ} سورة النساء. 5- {وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ} سورة المائدة. 6- {وَلا أَخَافُ مَا تُشْرِكُونَ بِهِ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ رَبِّي شَيْئًا} سورة الأنعام. 7- {وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ} سورة الأنعام. 8- {مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ} سورة هود. 9- {مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ} سورة هود. 10- {فَمَا حَصَدْتُمْ فَذَرُوهُ فِي سُنْبُلِهِ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّا تَأْكُلُونَ} سورة يوسف. 11- {ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ سَبْعٌ شِدَادٌ يَأْكُلْنَ مَا قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّا تُحْصِنُونَ} سورة يوسف. 12- {وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ} سورة الحجر. 13- {وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ} سورة الكهف. - "ماذا": على أوجه: 1- "ما" استفهامية، و"ذا" موصولة. 2- "ما" استفهامية، و "ذا" اسم إشارة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 292 3- "ماذا": كلها استفهام. وقيل: هي اسم جنس بمعنى "شيء".. أو اسم موصول بمعنى "الذي". وقيل: "ما" زائدة، و"ذا" للإشارة. وقيل: "ذا" زائدة، و"ما" للاستفهام. {وَيَسْأَلونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ} . - "متى": ترد للشرط والاستفهام عن الزمان: {مَتَى نَصْرُ اللَّهِ} ؟ - "مع": تدل على مطلق المقارنة. والقرائن هي التي تحدد نوع المقارنة هل فيها مماسة أو لا؛ قال تعالى: {وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ} . وقد يشار بها مع المقارنة إلى مكان الاقتران؛ كقوله: {وَدَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ فَتَيَانِ} .. وإلى زمانه؛ نحو: {أَرْسِلْهُ مَعَنَا غَدًا} . فالمقارنة كانت في السجن وهو مكان، وفي الغد وهو زمان. ومعية الله لعبده المقارنة من غير كيفية. والمقطوع به أنه لا مماسة بينهما. فمقارنة النصر في قوله: {إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا} ، ومقارنة التوفيق والجزاء في قوله: {إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ} ، وما تضاف إليه "مع" هو المعان. - "مِن" بالكسر: أشهر معانيها ابتداء الغاية؛ مكانية: {مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} ، أو زمانية: {مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ} ، أو مطلقة: {إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمَانَ} .. ومعنى ابتداء الغاية أن هذه الأفعال قد بدأت من أول ما ولي منه. وللتبعيض، وهي التي يسد مسدها "بعض" لإرادة الجزء لا الكل؛ قال تعالى: {لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ} . وللتبيين والتفصيل بعد الإجمال؛ كقوله: {فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ} . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 293 وللتعليل: {يَجْعَلُونَ أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ مِنَ الصَّوَاعِقِ} . وسر العدول إليها أنها اختصار لأصل ما يُعلل به وهو: "من أجل". وللفصل بين الضدين: {وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ} . وللبدل لإرادة أن المستبدل أقل بكثير من المستبدل به: {أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآخِرَةِ} ، فالدنيا المستبدلة قليلة بالنسبة للآخرة المستبدلة بها.. وللتنصيص على استغراق كل الأفراد؛ حتى لا يخرج فرد واحد من هذا العموم الشامل؛ كما في قوله: {وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا اللَّهُ} ؛ إذ لو قال: "وما إله الله" لكان أقل في التوكيد، ولا يحتج بكلمة التوحيد للفرق بين المنفي "بما" والمنفي "بلا" وهو الاستمرار. وترد بمعنى "الباء": {يَنْظُرُونَ مِنْ طَرْفٍ خَفِيٍّ} . وعدل إليها لبيان حرصهم على التستر حتى لا يفضحوا. وترد للاستعلاء لإرادة تمام العلو والتمكن: {وَنَصَرْنَاهُ مِنَ الْقَوْمِ} . وعدل إليها؛ كأن الله جرده منهم ثم مكنه من رقابهم. وترد للظرف؛ كما في قوله: {إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ} . وعدل إليها لأن صلاة الجمعة بعض من اليوم يستغرق أداؤها جزءًا منه. وترد للمجاوزة: {قَدْ كُنَّا فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا} . وعدل إليها لأنه ابتداء غفلتهم، فأول ما غفلوا غفلتهم عن المسئولية والجزاء عليها؛ إذ لو تنبهوا لذلك وتيقظوا لبرئوا من الهول ونجوا منه. وترد بمعنى "عند": {لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا} . وسر العدول إليها أن الجزاء منه وحده. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 294 - "مَن" بالفتح: لا ترد إلا اسمًا.. موصولة: {وَمَنْ عِنْدَهُ لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ} أو شرطية: {مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ} أو نكرة موصوفة: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ} أو استفهامية عن ذوات العقلاء: {مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا} ، ويستوي فيها المذكر والمؤنث والمفرد والمثنى والجمع. قيل: واختصاصها بالعقلاء "وما" بغير العقلاء؛ نظرًا لزيادة استعمال "ما" على "من" وهذا في الموصولة. أما في الشرطية فلا اختصاص لأيهما؛ لأن الشرط يستدعي الفصل ولا يدخل على الاسم. - "مهما": اسم يعود الضمير بالتذكير عليها إن روعي لفظها وبالتأنيث إن روعي معناها، وهي لشرط ما لا يعقل غير الزمان: {مَهْمَا تَأْتِنَا بِهِ مِنْ آيَةٍ لِتَسْحَرَنَا بِهَا} . - "النون": حرف إن لم يكن ضميرًا فهي اسم كنون النسوة ونون المتكلمين. والتنوين أنواع: تنوين التمكين اللاحق للأسماء المعربة، والتنكير اللاحق للمبني من الأفعال وأسمائها، وتنوين المقابلة في جمع المؤنث السالم، وتنوين العوض الذي يُستغنى به عن المضاف إليه. - "نَعَم" بفتح النون والعين: يُجاب بها عن الاستفهام الموجب: {فَهَلْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا قَالُوا نَعَمْ} وهي لتصديق المخبر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 295 - "هنا": يُشار بها للمكان القريب، فإن وليتها "الكاف" كانت للمتوسط، وإن أعقبتها اللام والكاف كانت للبعيد، ويشار بها للزمان تجوزًا: {إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ} ، {هُنَالِكَ تَبْلُو كُلُّ نَفْسٍ مَا أَسْلَفَتْ} . - "هيت": اسم فعل بمعنى أسرع وبادر: {قَالَتْ هَيْتَ لَكَ} . - "هيهات": اسم فعل بمعنى بعد: {هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ لِمَا تُوعَدُونَ} . - الواو: منها: الجارة؛ وهي واو القسم وتعتبر الأصل فيه، ويليها الباء ثم التاء: {وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ} . ومنها: الناصبة، وتُسمى واو المعية، يستوي فيها أن يليها الاسم: {فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكَاءَكُمْ} أو الفعل في جواب النفي أو الطلب: {وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ} . وواو الصرف التي تصرف الفعل إلى النصب؛ كما في قوله: "أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكَ الدِّمَاءَ" بالنصب. ومنها: غير العاملة؛ كواو العطف التي هي لمطلق الجمع ولا تقتضي ترتيبًا: {أَرْسَلْنَا نُوحًا وَإِبْرَاهِيمَ} ، {فَأَنْجَيْنَاهُ وَأَصْحَابَ السَّفِينَةِ} ، {يُوحِي إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ} . قد تليها بعض أحرف العطف كـ"إما" و"لا" و"لكن": {إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا} . وقد ترد بمعنى "أو"، وخرج مالك على ذلك قوله: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ ... } الآية. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 297 ويشتم منها التعليل إن نصب الفعل بعدها. ومنها "واو" الاستئناف: {وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ} .. وواو الحال؛ وهي الداخلة على الجمل: {وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ} . - "ويكأن": كلمة تندم وتعجب، والصواب أنها كلمة واحدة: {وَيْكَأَنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ} . - "ويل": معناها التقبيح، وقد تقال للتحسر؛ نحو: {قَالَ يَا وَيْلَتَى أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَذَا الْغُرَابِ} . - "الياء": أصل أحرف النداء، فيُنادى بها البعيد، وقد تفيد توكيد ذلك ولا يُنادى "أيها" و"اسم الله" إلا بها، وقد يُنادى بها الاسم والحرف في الظاهر: {يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُون} ، {أَلَّا يَسْجُدُوا} إذ التقدير: يا قوم اسجدوا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 298 الموضوع الرابع عشر: الإعراب وغير المشهور من اللغات قال الله تعالى: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُون} ، وقال: {نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ، عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ، بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ} . والإعراب: هو إظهار حركة آخر الكلمة لتفهم المعنى، ولتبيين الغرض الذي سيق من أجله الكلام. عن يحيى بن عتيق قال: قلت للحسن البصري: يا أبا سعيد، الرجل يتعلم العربية يلتمس بها حُسْنَ المنطق، ويقيم بها قراءته، قال: حسن يابن أخي، فتعلمها فإن الرجل يقرأ الآية فيعيا بوجهها فيهلك فيها. وعلى الناظر في كتاب الله تعالى، والكاشف عن أسراره، النظر في الكلمة وصيغتها ومحلها وموقعها في الكلام؛ من: الابتداء أو الجواب أو الطلب أو الإخبار أو انتهاء الكلام أو غير ذلك. ومن المعلوم أن الإعراب فرع فهم المعنى؛ إذ لا يستقيم إعراب ما لم تفهم المعنى. ومن الخطأ أن تصير تابعًا للإعراب.. فنحن لا نميز الفاعل عن المفعول إلا إذا علمنا مَن تعلق به الفعل ومَن وقع عليه ذلك الفعل. ومن هنا كان الواجب الأول أن تفهم المعنى، ثم يكون الإعراب المبني عليها. فمثلًا قوله تعالى: {وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلالَةً أَوِ امْرَأَةٌ} لا يستقيم الإعراب إلا بعد فهم المراد من الكلالة، أهو الميت فيعرب حالًا، و"يورث" خبر كان. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 299 وصفة لرجل و"كان" تامة، أو هي ناقصة، و"كلالة" خبرها؟ والتقدير: وإن وجد رجل موروث حال كونه كلالة.. إن قُدرت "كان" تامة. أما إن قدرتها ناقصة.. فيكون التقدير: وإن كان رجل موروث ميتًا. فإن كان المراد بـ"كلالة" الورثة.. قدرت مضافًا؛ ليكون التقدير: وإن كان رجل يورث ذا كلالة. وإن أردت بها القرابة كانت مفعولًا لأجله، والتقدير: وإن كان رجل يورث لأجل الكلالة. وبهذا يتبين ضرورة فهم المعنى والمراد قبل الإعراب. ولا بد في التفسير من توضيح المعنى أولًا، فهو الهدف الأسمى من التفسير، والانشغال بالإعراب عن توضيح المعنى خروج عن التفسير، والاشتغال بتوضيح المعنى وترك الإسراف في الإعراب هي الطريقة المثلى في التفسير، فلا يعمد إليه إلا عند قيام احتمالات؛ فيقال: يكون الإعراب كذا إن كان المعنى كذا. وقوله تعالى: {وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِنَ الْمَثَانِي} .. إن كان المراد بالمثاني القرآن فـ"من" للتبعيض. وإن أريد بها سورة الفاتحة فـ"من" بيانية لسبع. وقوله تعالى: {إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً} .. إن كان "تقاة" بمعنى الاتقاء فتعرب مصدرًا.. أي: مفعولًا مطلقًا. وأن أريد متق.. أي: أمرًا يُتقى.. فمفعولًا به. وإن كانت جمعًا كرماة.. فهي حال. فأنت ترى أن كلمة "تقاة" يحتمل أن تكون مفعولًا مطلقًا، وأن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 300 تكون مفعولًا به، وأن تكون حالًا.. ولا يُعرف الموقع الإعرابي إلا بعد تحديد المراد منها وفهم معناها. وقوله تعالى: {وَالَّذِي أَخْرَجَ الْمَرْعَى، فَجَعَلَهُ غُثَاءً أَحْوَى} .. إن أريد بالأحوى: الأسود من الجفاف واليبس.. فهو صفة لغثاء. وإن أريد به شدة الخضرة.. فهو حال من المرعَى. وقد زلَّت أقدام كثير من المعربين راعوا في الإعراب ظاهر اللفظ ولم ينظروا في موجب المعنى؛ من ذلك قوله تعالى عن قوم شعيب قولهم له: {أَصَلاتُكَ تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا أَوْ أَنْ نَفْعَلَ فِي أَمْوَالِنَا مَا نَشَاءُ} . فإنه يتبادر إلى الذهن عطف "أن نفعل" على "أن نترك"، وذلك باطل؛ لأنه لم يأمرهم أن يفعلوا في أموالهم ما يشاءون. وإنما هو عطف على "ما"، فهو معمول للترك، والمعنى: أن نترك أن نفعل.. وعلى الكاشف عن أسرار الكتاب، والغائص في دقائقه أن يراعي ما تقتضيه الصناعة، فربما راعَى المعرِب وجهًا صحيحًا ولا نظر في صحته في الصناعة فأخطأ. من ذلك إعراب بعضهم "ثمود" مفعولًا مقدمًا في قوله {وَثَمُودَ فَمَا أَبْقَى} .. وتقديم المفعول على الفعل سائغ، إلا أنه هنا ممتنع؛ لأن ما بعد "ما" النافية لا يعمل فيما قبلها. والصواب: أنه معطوف على "عاد"، أو هو مفعول لـ"أهلك"؛ إذ الآيات: {وَأَنَّهُ أَهْلَكَ عَادًا الْأُولَى، وَثَمُودَ فَمَا أَبْقَى} .. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 301 ومن ذلك أيضًا -فيما راعى المعرب وجهًا صحيحًا، وإغفاله ما تقضيه الصناعة- تعليقه "الباء" بناظرة من قوله تعالى: {فَنَاظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ} . فتعلق حرف الجر بما قبله سائغ، إلا أن الاستفهام له الصدارة، و"ما" استفهامية.. والصواب: أنه متعلق بيرجع. وكذا قوله: {مَلْعُونِينَ أَيْنَمَا ثُقِفُوا} .. جعله بعضهم حالًا من معمول "ثقفوا".. والصواب: أنه منصوب على الذم؛ لأن معمول الشرط لا يتقدم على أداة الشرط؛ إذ الأداة لها الصدارة كالاستفهام. وبعدما يجب على المعرب: فهم المعنى ومراعاة الصناعة، يجب أن يكون ملمًّا بقدر كافٍ من العربية؛ حتى لا يقع فيما وقع فيه من جعل "الكاف" للقسم في قوله تعالى: {كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ} . وتوهم حذف أول التاءين من الفعل الماضي في قوله: {إِنَّ الْبَقَرَ تَشَابَهَ عَلَيْنَا} . ومن المعلوم أن "الكاف" ليست من أحرف القسم، ولا تحذف إحدى التاءين إلا في أول المضارع. وعلى المعرب أن يتجنب الأمور البعيدة والأوجه الضعيفة واللغات الشاذة، ويخرج على القريب الفصيح القوي.. فإن لم يظهر فيه إلا الوجه البعيد فهو معذور. ولذلك أخطأ من وقف على "جناح" من قوله: {فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلا جُنَاحَ} ثم ابتدأ بقوله: {عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ} .. وجعل {أَنْ يَطَّوَّفَ} منصوبًا على الإغراء بقوله: {عَلَيْهِ} . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 302 والتقدير عند هذا المخطئ: عليه الطواف، بالنصب على الإغراء، وضعف هذا أن الإغراء بضمير الغائب نادر، أما بضمير الخطاب كثير؛ نحو: {عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ} . ومن المستحسن أن تستوفي كل الوجوه المحتملة إن دعت إليها الحاجة؛ فتقول: {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} .. يجوز في "الأعلى" أن يكون صفة منصوبًا، وأن يكون مجرورًا صفة لربك، والأول صفة لاسم. وعلى المعرِب أن يراعي في كل تركيب ما يشاكله؛ فمثلًا: يقف على "لا ريب" من قوله تعالى: {ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ} ويبتدئ بقوله: {فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ} . ويعتبر ذلك مبتدأ وخبرًا، والتركيب الآخر يأباه؛ كما في قوله من سورة السجدة: {تَنْزِيلُ الْكِتَابِ لا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ} . ويترجح وجه على وجه إن أيد بقراءة؛ كما في قوله تعالى: {وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ} .. قدر بعضهم: ولكن ذا البر، وقدره آخر: ولكن البر بر مَن آمن. ويؤيد الأول قراءة: "ولكن البار بر من آمن". ويجوز أن تتعدد الاحتمالات مع تأييد كل احتمال، فيتغير المعرَب أي واحد منها؛ قال تعالى: {فَاجْعَلْ بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ مَوْعِدًا لا نُخْلِفُهُ نَحْنُ وَلا أَنْتَ مَكَانًا سُوَىً، قَالَ مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزِّينَةِ} . يحتمل أن يراد بالموعد المصدر، ويؤيده: {لا نُخْلِفُهُ نَحْنُ وَلا أَنْتَ} .. ويحتمل أن يراد به اسم المكان، ويؤيده: {مَكَانًا سُوَىً} .. ويحتمل أن يراد به اسم الزمان، ويؤيده: {يَوْمُ الزِّينَةِ} . ومما يجب على المعرِب مراعاته ملاحظة الرسم حتى لا يصل منفصلًا ولا يفصل متصلًا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 303 فمن الأول اعتبار "اللام" من قوله تعالى: {وَلا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ} وجعلها لام الابتداء؛ لأنها اتصلت بـ"الذين". والصواب: أنها "لا" النافية. ومن الفصل بين المتصل قولهم في {سَلْسَبِيلًا} : "سل سبيلا"؛ إن "سل" فعل أمر، والمعنى: سل طريقًا يوصلك إليه، والحق أنها كلمة واحدة. ومما يجدر التنبه له أنه في حالة تعارض المعنى مع الإعراب يُقدم مراعاة المعنى؛ ومثاله: {إِنَّهُ عَلَى رَجْعِهِ لَقَادِرٌ، يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ} والمعنى: إن الله قادر على رجع الإنسان يوم القيامة ليحاسبه؛ لكن الإعراب يأبَى أن يتعلق "يوم" بالمصدر الذي هو "رجع"؛ لأنه لا يفصل بين المصدر ومعموله.. وقد فصل هنا بـ"الهاء"، وبقوله: "لقادر". والخلاصة: إن على المعرِب مراعاة ما يأتي: 1- تحديد المعنى قبل الإعراب. 2- مراعاة كل ما تقتضيه الصناعة النحوية؛ ليلاحظ الفروق بين المشتبهات كالتوابع، وما له الصدارة، ومتعلقات حروف الجر، وغير ذلك. 3- تُراعى التراكيب في الآيات الأخرى المشابهة للآية؛ حتى لا يتعارض إعراب مع تركيب آية أخرى؛ فيكون كالتفسير بالرأي يعارض المأثور. 4- تترجح بعض الوجوه بالقراءة أو بالأمارات القوية، فإن اقتضى توضيح المعنى مخالفة ما تأباه الصناعة ولم يمكن توضيحها إلا على ذلك فلا بأس، ويُلتمس لذلك مخرج في النحو ولو ضعيفًا. 5- يجب مراعاة الرسم؛ حتى لا تتجزأ الكلمة الواحدة، ولا تدمج الجزء: 1 ¦ الصفحة: 304 الكلمتان.. تلك الشروط تجب مراعاتها فيما يتعلق بقواعد الإعراب. وأما غير المشهور من اللغات.. فاعلم أن قوله تعالى: {قُرْآنًا عَرَبِيًّا} قاطع بعربية القرآن، والإحاطة باللغة أمر عسير جدًّا؛ ولذا تبدو بعض الكلمات غريبة على بعض الناس، فيحسبونها غير عربية، ومن المقطوع به أن كل العرب يعرفون لغتهم، فما يجهله البعض يعرفه الآخرون. وقال ابن عباس: الشعر ديوان العرب، فإذا خفي علينا الحرف من القرآن الذي أنزله الله بلغة العرب رجعنا إلى ديوانها، فالتمسنا معرفة ذلك منه. وقد سبق أن بينت معاني المفردات، وهذا بيان ما هو معرَّب، أو لم يزل غير عربي ومع ذلك قد وُجد في القرآن الكريم. ومن العلماء مَن أنكر وجود كلمات غير عربية في القرآن.. استدلالًا بقول الله: {أَأَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ} ، ولو وجدت في القرآن كلمات غير عربية لكان عجزهم من الإتيان راجعًا إلى وجود كلمات ليست من لغتهم. ويُرد على الاستدلال بالآية؛ بأن المعنى: أكلام أعجمي ومخاطب عربي؟ ومن المعلوم أن القرآن كما يطلق على الكل يطلق على البعض، وأن وجود كلمات يسيرة لا تبرر عجزهم، فجل ما فيه عربي.. والذي أميل إليه أن في القرآن من أسماء الأعلام ما هو غير عربي، ولا يقدح في عربية القرآن وجود كلمات اتفقت فيها لغة العرب ولغة غيرهم، فتوافق اللغتين في كلمة واحدة أمر ممكن وواقع، وكل واحد ينسب تلك الكلمة إلى اللغة التي يعرف أن الكلمة منها، وإن كانت أيضًا بنفس المعنى في لغة أخرى. ورسالة الإسلام عامة، فلا حرج أن تستعمل كلمة هي عربية الأصل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 305 ومع ذلك هي في اللغات الأخرى انتقيت؛ لعذوبتها وسهولتها، ولا يحيط باللغة إلا نبي، كما قال الشافعي رضي الله عنه. ومن الكلمات التي قيل عنها: إنها عربت، أو لم تزل أعجمية "إبريق"، ولا أظن أن العرب كانت لا تعرفه، وهو من لوازم معيشتهم. وقد نظمها بعض الناظمين في أبيات؛ ليسهل ضبطها، فقال: السلسبيل وطه كورت بيع ... روم وطوبى وسجيل وكافور والزنجبيل ومشكاة سرادق مع ... إستبرق صلوات سندس طور كذا قراطيس ربانيهم وغساق ... ثم دينار القسطاس مشهور كذاك قسورة واليم ناشئة ... ويؤت كفلين مذكور ومسطور له مقاليد فردوس يعد كذا ... فيما حكى ابن دريد منه تنور وزدت حرم ومهل والسجل كذا ... السري والأب ثم الجبت مذكور وقطنا وإناه ثم متكئا ... دارست يصهر منه فهو مصهور وهيت والسكر الأواه مع حصب ... وأوبي معه والطاغوت مسطور صرهن إصري وغيض الماء مع وزر ... ثم الرقيم مناص والسنا النور وزيد يس والرحمن مع ملكوت ... ثم سينين شطر البيت مشهور ثم الصراط ودري يحور ومر ... جان اليم مع القنطار مذكور وراعنا طفقنا اهدنا ابلعي ووراء ... والأرائك والأكواب مأثور هود وقسط وكفر زمرة سقر ... هون يصدون والمناة مسطور شهر مجوس وأقفال يهود حوا ... ريون كنز وسجين وتتبير بعير آزر حوب وردة عرم ... أل ومن تحتها عبدت والصور الجزء: 1 ¦ الصفحة: 306 ولينة فومها رهوا وأخلد مز ... جاة وسيدها القيوم موفور وقمل ثم أسفار عني كتبا ... وسجدا ثم ربيون تكثير وحطة وطوى والرس نون كذا ... عدن ومنفطر الأسباط مذكور مسك أباريق ياقوت رووا فهنا ... ما فات عدد الألفاظ محصور وبعضهم عد الأولى مع بطائنها ... والآخرة لمعاني الضد مقصور وبعد.. فإن مواقع هذه الكلمات من القرآن لا تَخْفَى على حافظ له.. وبعض هذه الكلمات مشروح في الشعر. وأكثر ما في القرآن بلغة أهل الحجاز؛ لأنها مهبط الوحي.. وبلغة قريش؛ لأنها قبيلة النبي صلى الله عليه وسلم وعشيرته.. وتوجد بعض الكلمات في القرآن الكريم وردت على غير لغة الحجاز وبغير لغة قريش.. وقد نسبها بعض الصحابة إلى أصحابها، فمنها كلمة: {وَأَنْتُمْ سَامِدُونَ} ، نسبها ابن عباس إلى اليمن. وكذا كلمة: {الْأَرَائِكِ} ، وكلمة: {مَعَاذِيرَهُ} ، وقوله: {لا وَزَرَ} ، وقوله: {وَحُورٌ عِينٌ} ، وقوله: {لَهْوًا} ، وقوله: {بَعْلًا} ، وكذا: {وَالْمَرْجَانُ} ... كل هذه الكلمات يمنية عربية. وبهذا ينتهي هذا الموضوع. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 307 الموضوع الخامس عشر: فنون البلاغة إذا كانت البلاغة مطابقة الكلام لمقتضى حال المخاطب مع فصاحة الكلام، فالقرآن الكريم مثل أعلى في هذا المضمار، كما هو مثل أعلى في كل شيء.. وقد تعدد خطاب القرآن بتعدد المخاطبين من حيث إرادة العموم أو الخصوص أو غير ذلك. وسواء أكان الخطاب طلبًا أم خبرًا، فإنه خطاب يُراد به الإعلام. ومن بين مخاطبات القرآن: الخطاب العام للجميع؛ كقوله: {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ} ، فقد خلق الجميع لا استثناء من ذلك.. والخطاب الخاص للفرد الواحد؛ كقوله: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ} . ومنها: الخطاب العام المراد به جماعة معينة؛ كقوله: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ} .. ويدخل في هذا الخطاب الأطفال والمجانين الذين لم يُكلفوا أو ارتفع عنهم التكليف. ومنها: الخطاب الخاص المراد به العموم؛ كقوله: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ} .. فقد نُودي هو صلى الله عليه وسلم، ووُجه الخطاب لجميع الأمة. ومنها: خطاب النوع؛ كقوله: {يَا بَنِي إِسْرائيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ} .. فإن هذا الخطاب لهم فقط. أما المسلمون فقد أمروا أن يذكروا المنعِم: {فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ} . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 308 وقد يتضمن خطاب النوع مدحًا؛ كقوله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} .. أو ذمًّا؛ كقوله: {يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} . كما قد يتضمن خطاب الشخص إكرامًا له؛ نحو: نداء سيدنا محمد دون سائر الأنبياء بلفظ النبي أو الرسول. وقد يتضمن خطاب الشخص إهانته والتهكم به؛ كقوله: {فَإِنَّكَ رَجِيمٌ} وقوله: {ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ} . ومنها: خطاب الجميع بلفظ الواحد لبيان مسئولية كل فرد عن نفسه: {يَا أَيُّهَا الْأِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ} . وقد يعكس فيخاطب الواحد بلفظ الجمع تعظيمًا له؛ كقوله: {يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ} . ومن المعلوم أنه لا نبي مع سيدنا محمد ولا نبي بعده.. والدليل على إرادته بهذا الخطاب قوله بعد: {فَذَرْهُمْ فِي غَمْرَتِهِمْ حَتَّى حِينٍ} . ومنها: خطاب الاثنين بلفظ الواحد؛ كقوله عن فرعون: {فَمَنْ رَبُّكُمَا يَا مُوسَى} .. والتقدير: ويا هارون ... وأفرد موسى بالنداء إما لإدلاله عليه بالتربية، وإما لأن هارون كان أفصح من موسى فأعرض فرعون عنه. ونظير خطاب الاثنين بالواحد قوله لآدم: {فَلا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَى} أفرده في الشقاء؛ لأن المخاطب أولى والمقصود في الكلام.. أو لأن الله علق العمل في الدنيا بالرجل.. أو هو إغضاء عن ذكر المرأة كما قيل: من الكرم ستر الحرم. ومنها: خطاب الواحد ثم الجمع لتعميم الحكم؛ كقوله: {وَمَا تَكُونُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 309 فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُو مِنْهُ مِنْ قُرْآنٍ وَلا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلَّا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُودًا} . ومنها: خطاب العين والمراد الغير؛ نحو: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ وَلا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ} .. فإنه صلى الله عليه وسلم قد بَلَغَ الكمال في التقوى، وحاشاه أن يطيع منافقًا أو كافرًا، ونظيره قوله: {لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ} وقوله: {فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ} .. ومنها: الخطاب العام الذي لم يقصد به مخاطبًا معينًا؛ كقوله: {وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ} فلم يقصد بذلك خطاب شخص معين؛ بل كل واحد. وأخرج في صورة الخطاب لقصد العموم، يريد: أن حالهم تناهت في الظهور؛ بحيث لا يختص بها راء دون راء؛ بل كل من أمكن منه الرؤية داخل في ذلك الخطاب.. ومنها: خطاب الجمادات بخطاب مَن يعقل؛ للدلالة على أن لسان الحال كلسان المقال؛ كقوله للسماوات: {فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ} .. والبلاغة ثلاثة فروع رئيسية حسب اصطلاح أهلها: بيان، ومعانٍ، وبديع. وقد اشتمل القرآن على هذه الفروع بأسلوب أرق من ماء السلسبيل وأعذب من الماء المعين.. ولم يقصد القرآن بما يقدمه من صور بلاغية تعمية أو خيالًا؛ وإنما خاطب الناس بما يعقلون، وتمشى معهم فيما هم فيه حاذقون. فالحقيقة في اصطلاح القوم: استعمال اللفظ فيما وضع له لغة أو إسناده إلى ما حقه أن يسند إليه؛ كإسناد القول لقائله.. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 310 والمجاز عكس ذلك؛ فهو إما استعمال اللفظ في غير ما وضع له؛ لعلاقة مع قرينة.. وإما إسناد اللفظ إلى غير ما حقه أن يُسند إليه؛ لعلاقة مع قرينة.. فإن كان المجاز في الاستعمال أطلقوا عليه: مجازًا لغويًّا. وإن كان في الإسناد أطلقوا عليه: مجازًا عقليًّا.. وهو أقسام: أحدها: ما طرفاه حقيقيان؛ نحو: {يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ} أسند التذبيح إلى فرعون؛ لأنه الآمر به، وقد وقع من أعوانه.. فالطرفان استعمل كل منهما فيما وضع له؛ وهما: الذبح، وفرعون، في الشخص.. ثانيها: ما طرفاه مجازيان؛ نحو: {فَمَا رَبِحَتْ تِجَارَتُهُمْ} .. الأصل: فما ربحوا في تجارتهم.. وكل من الربح والتجارة مجاز استعمل في غير ما وضع له؛ إذ المراد بذلك بيان ثمرة مَن اختار الضلال وترك الهدى. ثالثها: ما أحد طرفيه مجاز؛ نحو: {أَمْ أَنْزَلْنَا عَلَيْهِمْ سُلْطَانًا} .. فالسلطان مجاز عن البرهان، والإنزال على حقيقته.. ومثال المجاز اللغوي قوله تعالى: {يَجْعَلُونَ أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ} .. أطلق الكل وأراد الجزء الذي هو طرفها؛ لبيان ما هم فيه من الهول.. وعَلاقة هذا المجاز متعددة لا تكاد تنضبط، وأهمها الذي قد يغفل عنه المقاربة، وهي أن ما قارب الشيء أخذ حكمه؛ نحو: {فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ} والمعنى: قاربن نهاية العدة.. والقلب؛ نحو: {إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ} والأصل: لتنوء العصبة بها، ونحو: {وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ الْمَرَاضِعَ} والأصل: وحرمناه على المراضع، ونحو: {وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ} والأصل: وإن يرد بك الخير.. {ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى} الجزء: 1 ¦ الصفحة: 311 والأصل: تدلى فدنا؛ لأنه بالتدلي مال إلى الدنو.. وتذكير المؤنث؛ نحو: {وَلا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ، إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ} لم يقل: ولتلك؛ لأنه أراد: ولأجل أن يرحمهم خلقهم.. ومنها: التضمين؛ وهو إما تضمين حرف معنى حرف، أو فعل معنى فعل، أو اسم معنى اسم؛ نحو: {حَقِيقٌ عَلَى أَنْ لا أَقُولَ عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ} .. فقد ضمن "حقيق" معنى حريص؛ ليفيد أنه محقوق بقول الحق: وحريص عليه.. وأنت بالخيار في تضمين الحرف كما يرى اللغويون، أو الفعل كما يرى المحققون؛ مثل: {عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ} .. إن شئت ضمنت الفعل معنى "يروي"، أو ضمنت الحرف معنى "من".. ويمكن أن يكون اللفظ الواحد حقيقة باعتبار ومجازًا باعتبار آخر؛ كالمصطلحات الشرعية: الصلاة ونحوها؛ هي في العبادة حقيقة شرعية ومجاز لغوي؛ لأن حقيقتها اللغوية الدعاء فقط، ثم نقلها الشرع إلى استعمالها في العبادة المخصوصة؛ فصارت بذلك حقيقة شرعية. وقد يصير اللفظ حقيقة عرفية ومجازًا لغويًّا؛ كالغائط حقيقته العرفية: البراز، وحقيقته اللغوية: المكان المنخفض من الأرض.. وقد يكون اللفظ مجازًا عن المجاز؛ أي: له معنى حقيقي وله معنى مجازي، ثم نقل من المعنى المجازي إلى مجاز آخر؛ نحو: {وَلَكِنْ لا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا} .. فإن "سرًّا" معناه الحقيقي: الخفاء، ومعناه المجازي هنا: الوطء.. والعَلاقة أنه في الغالب لا يقع الوطء إلا سرًّا.. ومجاز المجاز "العقد"؛ لأن العقد سبب الوطء.. فالعلاقة من المجاز إلى المجاز السببية؛ حيث أطلق المسبب وأراد السبب. والمعنى: لا تواعدوا المتوفَّى عنها زوجها أثناء العدة بعقد العقد.. ومن الأساليب البلاغية أسلوب التشبيه. ومعناه: إلحاق أمر بأمر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 312 لجامع بينهما بأداة.. وهو للكشف عن المعنى المقصود باختصار.. وأدواته: إما حرف: {طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُؤُوسُ الشَّيَاطِينِ} .. أو اسم من المماثلة والمشابهة، ولا يستعمل إلا في صفة ذات شأن وحال غريبة: {مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا} .. أو فعل يدل على الإلحاق؛ نحو: {يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً} . ووجه الشبه إما مفرد أو مركب منتزع من أشياء؛ قال تعالى: {وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيمًا تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ} .. شبه الدنيا بالماء.. إن أخذت منه فوق ما يكفيك ضرك، وإن قبضت عليه بكفك لم تحز منه على شيء.. وقد يحذف أداة التشبيه اعتمادًا على وضوحها، وليكون التشبيه أبلغ؛ قال تعالى: {وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ} .. والأصل أن تدخل على المشبه به.. وقد تدخل على المشبه إما لقصد المبالغة، وإما لقلب التشبيه: {قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبا} . والأصل: إنما الربا مثل البيع؛ لأن الكلام على الربا.. ونحو قوله: {أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لا يَخْلُقُ} .. والأصل العكس.. وعدل لأن عباد الأوثان غالوا فيها وجعلوها أصلًا.. ومن الأساليب البلاغية أسلوب الاستعارة؛ وهي نقل الكلمة من معنى معروفة فيها إلى معنى غير معروفة فيها بقصد التوضيح أو المبالغة؛ قال تعالى: {وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ} أي: أصله.. فاستعير لفظ "الأم" للأصل؛ لأن الأولاد تنشأ من الأم كإنشاء الفروع من الأصول.. وحكمة ذلك: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 313 تمثيل ما ليس بمرئى حتى يصير مرئيًّا، فينتقل السامع من حد السماع إلى حد العِيَان، وذلك أبلغ في البيان.. وقد تقرن الاستعارة بما يلائم المستعار منه، أو بما يلائم المستعار له.. فمثال الأول: {أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدَى فَمَا رَبِحَتْ} .. فالربح ملائم للشراء المستعار منه "اشترى" للاستبدال.. ومثال الثاني قوله تعالى: {فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ} .. استعير اللباس للجوع، ثم قرن بما يلائم المستعار له من الإذاقة.. ولو أراد ما يلائم المستعار منه لقال: فكساها.. لكنه أراد ما يلائم المستعار له وهو "الجوع"؛ ليكون الألم في الباطن لا في الظاهر الذي ينبئ عنه "فكساها". وقد تكون الاستعارة بلفظين؛ نحو: {قَوَارِيرَا، قَوَارِيرَ مِنْ فِضَّةٍ} يعني: تلك الأواني ليست من الزجاج ولا من الفضة؛ بل في صفاء القارورة وبياض الفضة. وقوله: {فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ} فالصب للدوام، والسوط للإيلام.. ومنها: الكناية والتعريض.. فالكناية كما عرَّفها أهل البيان: لفظ أُريد به لازم معناه؛ ككنايات القرآن عن الجماع باللمس والملامسة، أو المباشرة، أو الإفضاء، أو الرفث، أو الدخول، أو السر، أو الغشيان، أو المسيس، أو المراودة، أو اللباس، أو الحرث ... فتلك ألفاظ أُريد بها لازم معناها.. وقد يكون هذا اللازم قريبًا أو بعيدًا.. وقد يدق كما قد يظهر.. انظر كيف كنى عن الزنى بالبهتان في قوله: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 314 {وَلا يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرُجُلِهِنَّ} .. وكنى عن قضاء الحاجة بقوله: {كَانَا يَأْكُلانِ الطَّعَامَ} .. ومما هو شبيه بالكناية الإرداف؛ وهو التعبير عن المعنى بلفظ يرادف اللفظ الذي وُضع له؛ نحو: {وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ} .. فاللفظ الموضوع: جلست.. وعدل عنه لأنه أراد جلوسًا يتمكن فيه الجالس، فقال: "واستوت".. والفرق بينهما أن الكناية: انتقال من لازم إلى ملزوم.. والإرداف: انتقال من مذكور إلى متروك.. وأما التعريض، فلفظ استعمل في معناه للتلويح بغيره؛ نحو قول إبراهيم: {بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا} يشير إلى الصنم الأكبر ملوحًا بذلك إلى تسفيه عُبَّاد الأصنام؛ كأن الصنم الأكبر غضب من إشراكهم معه الأصنام الصغيرة فحطمها.. فإذا حرك فيهم المنطق بهذا نظروا إلى الصنم الأكبر، فوجدوه محطمًا أيضًا فأدركوا عجز ما يعبدون عن الدفاع عن أنفسهم، فكيف يستطيعون أن ينفعوا العابدين؟ وكقوله لنبيه: {لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ} خوطب هو والمراد غيره. ومن فنون البلاغة علم المعاني، الذي من بين أبحاثه الحصر والاختصاص، فالحصر ويسمى أيضًا بالقصر: تخصيص أمر بآخر بطريق مخصوص.. أو هو إثبات الحكم للمذكور ونفيه عما عداه؛ نحو: {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ} . وهذا من قصر الموصوف على الصفة ادعاء؛ كأنه أسقط كل صفة من صفات النبي، وأبقى صفة الرسالة. فإذا استعظم بعض الناس عليه الموت فما عرفوا الرسالة ولا الرسل؛ إذ البقاء لله وحده، والرسل يموتون.. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 315 ومن القصر قصر الإفراد الذي يخاطب به مَن يعتقد الشركة؛ نحو قوله: {إِنَّمَا اللَّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ} . ومنه: قصر القلب الذي يخاطب به مَن يعتقد إثبات الحكم لغير ما أثبته المتكلم له؛ نحو قول إبراهيم للنمروذ: {رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ} ورد الله على المنافقين في قولهم: {أَنُؤْمِنُ كَمَا آمَنَ السُّفَهَاءُ} بقوله: {أَلا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاءُ} . وطرق القصر عديدة، وأكثرها معروف، وأنبه إلى أن منها: ضمير الفصل، ويوجد فيما يُدعى فيه النسبة لغير الله؛ كقوله: {وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكَى، وَأَنَّهُ هُوَ أَمَاتَ وَأَحْيَا} ولم يقله في قوله: {وَأَنَّ عَلَيْهِ النَّشْأَةَ الْأُخْرَى} .. وأما الاختصاص فمعناه في الراجح: تقديم ما يمكن تأخيره وقصده من جهة خصوصه.. وهذا القيد لإخراج نحو: {أَفَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ يَبْغُونَ} ؛ إذ لو جعل تقديم المفعول للاختصاص لكان الإنكار في الهمزة منصبًّا على مجرد قصرهم ذلك.. والإنكار منصب في الحقيقة على ابتغاء غير دين الله تقدم أو تأخر.. ونحو قوله: {وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُون} .. فإن تقديم الجار والمجرور مقصود به الاختصاص، فقد أراد بالتقديم التعريض بأهل الكتاب.. قال الزمخشري: هذا تعريض بأهل الكتاب من إثبات أمر الآخرة على خلاف حقيقته، وأن قولهم ليس بصادر عن إيقان، وأن اليقين هو الذي عليه المسلمون. اهـ. واختلفوا في القصر بـ"ما" و"إلا"، أيكون الحكم ثابتًا لما بعد "إلا" بالمفهوم أو بالمنطوق؟ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 316 الأول أرجح.. وأما القصر بـ"إنما"، فهو بالمنطوق ونفي ضده بالمفهوم.. هذا في قصر الصفة.. وأما في قصر الموصوف، فبالمنطوق في كل منهما.. وأما القصر بالتقديم، فهو بمنزلة جملتين: الأولى بالمنطوق، والثانية بالمفهوم.. فمثلًا: قول الله: {الزَّانِي لا يَنْكِحُ إِلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً} أفاد بمنطوقه قصر نكاحه على الزانية والمشركة.. وأفاد بمفهومه أن العفيف لا ينكح إلا العفيفة.. وسكت عن نكاح العفيف للزانية، فصرح بمنع ذلك في قوله: {وَالزَّانِيَةُ لا يَنْكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ} .. والمهم أن المقدم إن كان مقصودًا به التقديم مع إمكان تأخره فهو الاختصاص، ففي قول الله: {فَاعْبُدِ اللَّهَ} المقصود بالاختصاص إيقاع العبادة. أما أفراد المعبود وإتيان العبد فمقصود أيضًا، إلا أنه ليس بمقدم في هذا النص. وفي قوله: {بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ} الاختصاص في إفراد المعبود؛ لأنه المتقدم، وما عداه من إتيان العبد بالعبادة فهو مقصود لكنه غير مقدم. وفي قوله: {لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ} المقصود الأول: مَن وقعت منه العبادة. ومن أهم المباحث في المعاني: الإيجاز والإطناب. إذن لَا بُدَّ من تحديد المعنى المعبر عنها باللفظ.. فإن قل اللفظ مع عدم الإخلال فهو الإيجاز المطلوب. وإن زاد لفائدة فهو الإطناب المحمود. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 317 أما المساواة -وهي تعادل اللفظ مع المعنى- فلا تكاد توجد؛ لأنه ما من نص في القرآن إلا وهو موجز باستثناء يسير من النصوص المطنبة لفائدة اقتضاها المقام. فمثلًا: قوله: {فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ} التقدير: غفرت خطاياه ولم تحسب عليه؛ بل له حسنات.. وقوله تعالى: {هُدىً لِلْمُتَّقِينَ} أي: الضالين الصائرين من الضلال إلى التقوى. وانظر إلى جوامع الكلم في الأوامر والنواهي بقوله: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ} .. أشار بالعدل إلى كل الواجبات.. وبالإحسان إلى الإخلاص المطلوب في كل شيء.. وأومأ إلى النوافل بإيتاء ذي القربى. وأما في النواهي، فبالفحشاء الإشارة إلى القوة الشهوانية، وبالمنكر إشارة إلى الآثار الموجودة من القوة الغضبية المضادة لشرع الله، وبالبغي إلى الاستعلاء الفائض عن القوة الوهمانية. وفي مكارم الأخلاق قال: {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ} لأن في أخذ العفو التساهل والتسامح في الحقوق، أو اللين والرفق في الدعاء إلى الدين، وفي الأمر بالمعروف كف الأذى وغض البصر وما شاكلهما من المحرمات، وفي الإعراض الصبر والحِلْم والتُّؤَدة. وتأمل الإشارة إلى كل المطعومات والمشروبات والملبوسات وما يحتاجه الناس في معايشهم بقوله: {أَخْرَجَ مِنْهَا مَاءَهَا وَمَرْعَاهَا} . ثم انظر إلى عيوب الخمر وسلامة خمر الجنة من تلك العيوب بقوله: {لَا يُصَدَّعُونَ عَنْهَا وَلَا يُنْزِفُونَ} .. نفى عن أهل الجنة الصداع وذَهَاب العقل وضياع المال وتلف الصحة ونفاد الشراب، وكل ذلك من عيوب خمر الدنيا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 318 ومن بديع الإيجاز: {وَقِيلَ يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءَكِ وَيَا سَمَاءُ أَقْلِعِي وَغِيضَ الْمَاءُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ وَقِيلَ بُعْدًا لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} . أمر فيها ونهى، وأخبر ونادى، ونعت وسمى، وأهلك وأبقى، وأسعد وأشقى، وقص من الأنباء ما لو شرح ما اندرج في هذه الجملة من بديع اللفظ والبيان لجفت الأقلام. وكذا قوله: {يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ} . نادت وكنت، ونبهت وسمت، وأمرت وقصت، وحذرت وخصت، وعمت وأشارت، وعذرت. فالنداء "يا".. والكناية "أي".. والتنبيه "ها".. والتسمية "النمل".. والأمر "أدخلوا".. والقصص "مساكنكم".. والتحذير "لا يحطمنكم".. والتخصيص "سليمان".. والتعميم "جنوده".. والإشارة "وهم".. والعذر "لا يشعرون".. فأدت خمسة حقوق: حق الله، وحق رسوله، وحقها، وحق رعيتها، وحق جنود سليمان. وتأمل قوله: {يَا بَنِي آَدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ} . جمع فيها أكثر أصول الكلام: النداء، والعموم، والخصوص، والأمر، والإباحة، والنهي، والخبر. ثم انظر إلى ما جمع فيها من أمرين، ونهيين، وخبرين، وبشارتين: {وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ} . ومن أشهر ما جرى على الألسنة في الإيجاز بألفاظ قليلة ومعانٍ كثيرة قوله تعالى: {فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ} . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 319 ومع رفضنا المقارنة بين كلام الله وكلام البشر فيها اشتهر عندهم بالإيجاز من قولهم: "القتل أنفى للقتل"، نشير إلى ما انقدح في أذهان العلماء من فروق بين النص والمثل العربي: يمتاز النص القرآني: بقلة حروفه، وفيه النص على المطلوب، والتنكير للتعظيم والتكثير، وفيه القتل المشروع، وتحاشيه التكرار، وجعله القصاص ظرفًا، واشتماله على الضدين، وخلوه من كثرة السكون، وملاءمة الحروف فيه، واشتماله على حرف الصغير، وخلوه من القتل المنفر، واشتماله على المساواة، وخلوه من أفعل التفضيل المبني من المتعدي، واشتمال النص عن الجراح. اهـ. واعلم أن العرب إذا عدلت بالشيء عن أصل وضعه نقصت منه حرفًا؛ نحو: {وَاللَّيْلِ إِذَا يَسْرِ} ؛ إذ الليل لا يسري، وإنما يُسرى فيه؛ ولذا حذف الياء. وقوله: {وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا} الأصل: باغية، فحذف "التاء" لأنه وقع خبرًا لا فاعلًا كما تنبئ عنه أصل صيغته.. ويقل ذكر مفعول المشيئة والإرادة؛ لأن ما شاء كان، إلا إذا كان المفعول عظيمًا أو غريبًا؛ نحو: {لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ} ، وقوله: {لَوْ أَرَدْنَا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْوًا} . ومن عادة العرب حذف المفعول عمومًا اختصارًا إذا وجد دليل عليه، واقتصارًا إذا لم يوجد دليل، وهذا من شجاعتهم.. وقد يراد بالفعل مجرد الإعلام من غير نظر إلى مَن أوقعه، أو وقع عليه.. وقد ينزل الفعل المتعدي منزلة اللازم، فلا يذكر مفعولًا؛ نحو: {يُحْيِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 320 وَيُمِيتُ} أي: يفعل الإحياء والإماتة.. ومنه قوله: {وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ امْرَأتَيْنِ تَذُودَانِ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا قَالَتَا لَا نَسْقِي} .. فالمقصود فعل السقاية للإبل، والذود أي: سقاية الغنم.. وحذف المفعول لأن الفعل نزل كاللازم، والمفعول غير مقصود.. والذي لم يفهم هذا يقدر: يسقون إبلهم، وتذودان غنمهما، ولا نسقي الغنم مع الإبل.. وقد يكون اللفظ منبئًا عن المحذوف؛ نحو: {أَهَذَا الَّذِي بَعَثَ اللَّهُ رَسُولًا} أي: بعثه الله.. وقد يحتمل اللفظ الحذف وعدمه؛ نحو: {قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ} من جعل الدعاء نداء فلا حذف.. ومن جعله التسمية قدر محذوفًا.. شروط الحذف: 1- وجود دليل يدل على المحذوف؛ حالي نحو: {قَالُوا سَلَامًا} فنصب المفعول المطلق يدل على محذوف هو الفعل، وتقديره: نسلم سلامًا.. أو وجود دليل مقالي صرح به نحو: {مَاذَا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قَالُوا خَيْرًا} أي: أنزل ربنا خيرًا.. ومن الأدلة على الحذف العقل؛ حيث يستحيل حمل الكلام عقلًا إلا بعد تقدير محذوف قد لا يعينه العقل؛ نحو: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ} إذ التحريم والحل لا يقعان إلا على الأفعال، وتعيين المحذوف من الشرع في الراجح، ففي الحديث: "إنما حرم أكلها".. وقد يعين العقل المحذوف؛ كما في قوله: {أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} أي: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 321 بمقتضاها.. لأن العقد قول قد دخل في الوجود وانقضى، فلا يُتصور فيه وفاء. وقد تدل على التعيين العادة؛ نحو: {فَذَلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ} .. دل العقل عن المحذوف؛ لأن يوسف لا يصلح أن يكون ظرفًا للوم.. لكن هل الحب هو المحذوف أو هي المراودة؟ وتجيب العادة بأن الحب القاهر لا لوم عليه، فتعينت المراودة.. وتارة يدل على المحذوف التصريح به في موضع آخر؛ نحو: {رَسُولٌ مِنَ اللَّهِ} أي: من عند الله للتصريح به في قوله: {وَلَمَّا جَاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ} . وقد تدل العادة على أصل الحذف؛ حيث لا يمنع العقل إجراء الكلام على ظاهر؛ نحو: {لَوْ نَعْلَمُ قِتَالًا لَاتَّبَعْنَاكُمْ} .. فالعادة تنكر عليهم نفي علم القتال؛ لأنهم أخبر الناس به. فالتقدير: لو نعلم مكان قتال أو مكانًا صالحًا للقتال.. وقد يتعين المحذوف بالمشروع فيه؛ كقولنا عند ابتداء القراءة: باسم الله؛ أي: أقرأ باسم الله.. {ارْكَبُوا فِيهَا بِسْمِ اللَّهِ} أي: باسم الله ركبوا.. وهكذا يقدر فعل من جنس المشروع فيه.. وقد تدل الصناعة النحوية على وجود حذف؛ نحو: "لا أقسم" التقدير: لأنا أقسم؛ لأن فعل الحال لا يقسم عليه، ونحو: {تَاللَّهِ تَفْتَأُ} إذ للتقدير: لا تفتأ؛ لأنه لو كان الفعل مثبتًا لأكد جوابه كما في قوله: {وَتَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُمْ} .. وقد توجب الصناعة النحوية تقدير محذوف وإن استقامت المعنى بدونه؛ كما في قوله: {لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ} أي: لا إله موجود إلا الله. وأنكر الرازي هذا التقدير، وقال: عدم تقدير الحذف أولى؛ إذ نَفْي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 322 الحقيقة المطلقة أصح من نفيها مقيدة بقيد الوجود، والنحوي يوجب التقدير؛ لأن المبتدأ لا بد أن يكون له خبر.. فأنت ترى أن الذي يدل على المحذوف أو يعينه: دليل حالي، أو مقالي، أو عقلي, أو عادي، أو ذكر في موضع آخر، أو دل عليه المشروع فيه، أو اقتضته الصناعة النحوية، أو أوجبته، أو أرشد إليه الشارع.. ويشترط أيضًا ألا يكون المحذوف جزءًا في الجملة يؤدي حذفه إلى خلل، وألا يكون مؤكدًا للتنافي بين الحذف والتوكيد، وألا يكون عوضًا عن شيء. وإذا تردد المحذوف بين ما هو مجمل وما هو مبين، فالأحسن تقدير المبين؛ نحو: {إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ} في أمره وهو مجمل.. أو تضمينه وهو مبين؛ ولذا كان أَوْلَى. والمحذوف إما اسم، أو فعل، أو حرف.. ومنه حذف همزة الاستفهام التي وعدنا بها؛ نحو: {وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّهَا عَلَيَّ} والتقدير: أو تلك نعمة.. والسر في حذفها أن موسى أخفى إنكاره على فرعون؛ ليتألف قلبه، وأتى بأسلوب يحتمل الاعتراف والإنكار. وقد كثر حذف "الياء" في النداء للرب؛ تنزيهًا وتعظيمًا وتحاشيًا مما فيها من معنى الأمر. أما الإطناب، فهو زيادة ألفاظ لفائدة؛ نحو: {الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ} .. فإيمان حملة العرش مسلم به، ونص عليه لبيان شرف الإيمان. وباب زيادة الحروف والأفعال قليل، وزيادة الأسماء أقل.. أما الحروف فيزاد منها: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 323 إن، وأن، وإذ، وإذا، وإلى، وأم، والباء، والفاء، وفي، والكاف، واللام، ولا، وما، ومن، والواو. وأما الأفعال، فمنها: كان.. وخرج عليه: {كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كَانَ فِي الْمَهْدِ} ؟ والأسماء منها: لفظ المثل في قوله: {فَإِنْ آَمَنُوا بِمِثْلِ مَا آَمَنْتُمْ بِهِ} .. ومن الزيادة: توكيد الفعل بمصدره، وهو لرفع توهم المجاز في الفعل.. أما التوكيد اللفظي بإعادة اللفظ بعينه أو بمرادفه، فإنه لرفع توهم المجاز في المسند إليه؛ نحو: {وَهُمْ بِالْآَخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ} .. والأول نحو: {وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا} . وقد يكون التكرار لغير التوكيد.. وإنما هو لتعدد مدلوله أو متعلقه؛ نحو: {وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقًا يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ بِالْكِتَابِ لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْكِتَابِ وَمَا هُوَ مِنَ الْكِتَابِ} فالأول لما حرفوه.. والثاني للتوراة.. والثالث لجنس الكتب السماوية. وإعادة الظاهر بمعناه أبلغ من إعادته بلفظه.. ومنه قوله: {مَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلَا الْمُشْرِكِينَ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْرٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَاللَّهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ} .. فإن إنزال الخير مناسب للربوبية.. وتخصيص الناس بالرحمة مناسب للألوهية، ولم يصرح بلفظ "الناس"؛ ولكنه اكتفى عنه بقوله: {مَنْ يَشَاءُ} .. ودائرة الربوبية أوسع من دائرة الألوهية، ونظيره الآيات من أول سورة الأنعام. ومن بحوث فن المعاني: الخبر والإنشاء. وهما قسما الكلام.. والقصد بالخبر إفادة المخاطب.. وقد يرد بمعنى الأمر؛ نحو: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ} .. وبمعنى النهي؛ نحو: {لَا يَمَسُّهُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 324 إِلَّا الْمُطَهَّرُون} .. وبمعنى الدعاء؛ نحو: {وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينَ} أي: عنا. وأنكر ابن العربي خروج الخبر عن معناه، وأوَّل مواضع خروجه إلى المخالفة الشرعية.. والمعنى عنده: أن بعض المطلقات لا يتربصن، وهذا مخالف للشرع، وبعض الناس يمس المصحف غير طاهر، كما أن بعضهم لا يطلب العون من الله، فأخبر الله عما يجب شرعًا.. وإلا فمن المحال أن تتخلف أخبار الله. ومن أقسام الخبر التعجب في الراجح. ومعناه: تعظيم الأمر في قلوب السامعين؛ لأن التعجب لا يكون إلا من شيء خارج عن نظائره وأشكاله. وله صيغ من لفظه أو من معناه؛ نحو: {كَبُرَ مَقْتًا} . وإذا ورد من الله فالأحسن العدول بتسميته تعجبًا إلى تسميته تعجيبًا، فإذا قال الله: {فَمَا أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ} كان معناه: أن هؤلاء ممن يقول عنهم الناس ذلك، والله يخاطبا بلساننا.. ومن أشهر أنواع الخبر النفي.. وأصله "اللام" للمستقبل، و"الميم" للماضي.. ومنهما "لم" و"لن".. و"اللام" أصل؛ ولذا ينفى بها أثناء الكلام، ومنهما تكونت "لم" الدالة على الاستقبال لفظًا لتقدم اللام، والمضي معنى لوجود الميم. وقد يرد النفي على الصفة دون الموصوف؛ نحو: {وَمَا جَعَلْنَاهُمْ جَسَدًا لا يَأْكُلُونَ الطَّعَامَ} أي: هم أجساد يأكلون الطعام. وقد يرد على الصفة والموصوف؛ نحو: {وَلَا شَفِيعٍ يُطَاعُ} فما لهم شفيع أصلًا؛ لقوله عنهم: {فَمَا لَنَا مِنْ شَافِعِينَ} وقوله: {فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ} . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 325 والنفي لا يرد إلا على المجاز، ولا يرد على الحقيقة؛ لأن نفيها كذب.. وما اعترض به من قوله: {وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ} فإن النفي وارد على المجاز.. إذ المعنى: وما رميت خلقًا إذ رميت كسبًا.. أو: وما رميت انتهاء إذ رميت ابتداء. وقد تُنفى الاستطاعة ويراد بها نفي القدرة والإمكان؛ نحو: {فَلا يَسْتَطِيعُونَ تَوْصِيَةً} . وقد تُنفى ويراد بها الامتناع؛ نحو: {هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَنْ يُنَزِّلَ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ} أرادوا بالاستفهام النفي.. والمنفي هو امتناع الإنزال عادة لا عجزًا؛ لأنهم لم يشكوا في مقدرة الله.. وقد تنفى ويراد بها الوقوع بمشقة؛ نحو: {إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا} .. وما جاء في القرآن بلفظ الاستفهام من الله، فمراد به أن المخاطب عنده علم بإثبات ما يستفهم عنه أو نفيه.. وقد يرد الاستفهام للإنكار، فتكون الأداة للنفي وما بعدها منفي.. فإن كان الفعل ماضيًا فمعناه: لم يكن.. وإن كان مضارعًا فمعناه: لا يكون.. وقد يرد الاستفهام للتوبيخ والتقريع.. وضابطه: أن ما بعد الأداة واقع كان يجب ألا يقع؛ نحو: {أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي} فالإثبات هو المقصود، والنفي جاء بعد ذلك عكس الاستفهام الإنكاري.. وكما أن التوبيخ يكون على ما وقع، وهو جدير ألا يقع، يكون على ترك فعل كل ينبغي أن يقع فلم يقع؛ نحو: {أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا} .. وقد يكون الاستفهام للتقرير؛ وهو حمل المخاطب على الإقرار، والاعتراف بأمر قد استقر عنده.. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 326 والكلام مع التقرير موجب؛ ولذلك يعطف عليه صريح الموجب؛ نحو: {أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآَوَى، وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَى} .. ويعطف على صريح الموجب؛ نحو: {أَكَذَّبْتُمْ بِآَيَاتِي وَلَمْ تُحِيطُوا بِهَا عِلْمًا} .. وحقيقة الاستفهام التقريري الداخل على أداة النفي الإنكار، والإنكار نفي، ونفي النفي إثبات. أما الداخل على المثبت، فحقيقته الإيجاب.. ومن فنون البلاغة فن البديع، الذي يقدم عديدًا من الصور الجمالية، ويلبس المعاني ألفاظًا تزيدها بهاء وجلالًا: 1- التورية: لفظ له معنى قريب غير مراد، ومعنى بعيد هو المراد؛ نحو: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} فالمعنى القريب: الاستقرار في مكان.. المنزه عنه سبحانه.. والمعنى البعيد: الاستيلاء والتصرف؛ نحو: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ} .. فالمعنى القريب هو العموم.. والبعيد هو الكف والمنع.. و"التاء" للمبالغة. والمعنى القريب غير مراد؛ لأن التوكيد لا يتقدم على المؤكد.. 2- الاستخدام: وهو لفظ مشترك يخدم كل معنى لفظ آخر؛ نحو: {لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ، يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ} . فالكتاب يحتمل المكتوب ويخدمه: "يمحو".. ويحتمل الزمان ويخدمه: "أجل".. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 327 أو هو لفظ له معنيان يعود الضمير على أحدهما بعد أن أريد باللفظ المعنى الآخر؛ كقوله: {أَتَى أَمْرُ اللَّهِ فَلَا تَسْتَعْجِلُوهُ} .. فأمر الله إما الساعة، أو العذاب، أو النبي.. وعاد الضمير على العذاب.. والمراد بالأمر: محمد صلى الله عليه وسلم.. 3- الالتفات: وهو نقل الكلام من أسلوب التكلم مثلًا إلى أسلوب الغيبة أو الخطاب.. ومن فوائده تجديد النشاط.. ولكل مقام ما يبرره.. فإن عدل من التكلم إلى الخطاب فقد أراد التسوية بينه وبين المخاطبين.. وإن عدل من التكلم إلى الغيبة فقد أراد التسوية في الحالتين.. مثال الأول: {وَأُمِرْنَا لِنُسْلِمَ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ، وَأَنْ أَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَاتَّقُوهُ} .. ومثال الثاني: {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ، فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} .. والأصل: لنا. وإن عدل من الخطاب إلى الغيبة فالمراد حكاية الحال للغير؛ نحو: {حَتَّى إِذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ} . وإن عدل من الغيبة إلى التكلم فالمراد تربية المهابة والإحساس بالقرب؛ نحو: {وَاللَّهُ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا فَسُقْنَاهُ} .. وإن عدل من الغيبة إلى الخطاب فالمراد القريب؛ نحو: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ} والأصل: إياه.. والشرط في الالتفات أن يكون الملتفت عنه والملتفت إليه لمسمى واحد.. ومن أسلوب الالتفات الإخبار عن أحد الاثنين، ثم الإخبار عن الثاني، ثم الإخبار عن الأول؛ نحو: {إِنَّ الْإِنْسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ، وَإِنَّهُ عَلَى ذَلِكَ لَشَهِيدٌ، وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ} .. فالكنود وشديد الحب للمال هو الإنسان.. و"الشهيد" هو ربنا سبحانه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 328 4- الإطراء: وهو التحدث عن الآباء مبتدئًا بالأبعد؛ نحو قول يوسف: {وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آَبَائِي إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ} .. 5- الانسجام: وهو الخلو من أية عقدة؛ كأن الألفاظ تسير رقة كالماء.. والقرآن كله كذلك.. إلا أن بعض المواضع تظهر لنا فندركها حسب معلوماتنا.. وإذا رق الكلام انوزن من غير قصد الوزن: فمثاله من البحر الطويل قوله: {فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ} .. وأجزاؤه: فعول مفاعيل فعول مفاعل.. ومن البسيط: {فَأَصْبَحُوا لَا يُرَى إِلَّا مَسَاكِنُهُمْ} .. وأجزاؤه: مستفعل فاعل مستفعل فعل.. ومن المديد: {وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا} .. ومن الوافر: {وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ} .. ومن الكامل: {وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} .. ومن الهزج: {فَأَلْقُوهُ عَلَى وَجْهِ أَبِي يَأْتِ بَصِيرًا} .. ومن الرجز: {وَدَانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلَالُهَا وَذُلِّلَتْ قُطُوفُهَا تَذْلِيلًا} .. ومن الرمل: {وَجِفَانٍ كَالْجَوَابِ وَقُدُورٍ رَاسِيَاتٍ} .. ومن السريع: {أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ} .. ومن المنسرح: {خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ} .. ومن الخفيف: {لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثًا} .. ومن المضارع: {يَوْمَ التَّنَادِ، يَوْمَ تُوَلُّونَ مُدْبِرِينَ} .. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 329 ومن المقتضب: {فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ} .. ومن المجتث: {نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} .. ومن المتقارب: {وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ} .. والأوزان لا تَخْفَى على شاعر. 6- الإدماج: وهو إدماج غرض في غرض؛ نحو: {وَلَهُ الْحَمْدُ فِي الْآَخِرَةِ} .. أثبت الحمد وأشار إلى البعث.. 7- الافتنان: وهو الجمع بين غرضين في آية؛ كالجمع بين العزاء والتمدح بالبقاء في قوله: {كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ، وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ} وقوله: {ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا} جمع بين الثواب والعقاب. 8- الاقتدار: وهو القدرة على الإتيان بالمعنى الواحد في صور عديدة وأساليب متعددة؛ من: الحقيقة، والمجاز، والاستعارة، والكناية، وغير ذلك مما هو واضح في القصة القرآنية في السور العديدة.. 9- الائتلاف: وهو مراعاة المعنى بلفظ مناسب لها في الغرابة، أو التداول، أو أي شيء.. والقرآن كله كذلك.. ومن الأمثلة الموضحة قوله: {وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا} وقوله في أهل الجنة: {وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَابًا طَهُورًا} إذ لا كلفة فيه.. وقوله لأهل الدنيا: {وَأَسْقَيْنَاكُمْ مَاءً فُرَاتًا} لأنه لا يخلو عن الكلفة.. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 330 10- التجريد: وهو انتزاع شيء من شيء؛ نحو: {لَهُمْ فِيهَا دَارُ الْخُلْدِ} .. انتزع منها دار خلد وكلها كذلك.. 11- الجناس: وهو تعدد اللفظ الواحد.. وفي كل موضع له معنى؛ نحو: {وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ مَا لَبِثُوا غَيْرَ سَاعَةٍ} .. فالساعة الأولى هي القيامة، والثانية لحظة زمنية.. 12- الاحتباك: وهو حذف من الأول لدلالة الثاني، وحذف من الثاني لدلالة الأول؛ نحو: {فِئَةٌ تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَأُخْرَى كَافِرَةٌ} .. والتقدير: فئة مؤمنة تقاتل في سبيل الله، وأخرى كافرة تقاتل في سبيل الطاغوت.. 13- المشاكلة: ذكر الشيء بلفظ غيره لوقوعه في صحبته تحقيقًا أو تقديرًا.. مثال التحقيقي: {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ} والجزاء ليس إلا عدلًا.. ومثال التقديري: {صِبْغَةَ اللَّهِ} فقد اعتبر الله الإيمان تطهيرًا كما يطهر النصارى أولادهم بماء أصفر يسمونه المعمودية ويطلقون عليه اسم: الصبغة.. فسمى الله الإيمان بهذه التسمية، وهو أولى وأنفع في التطهير.. 14- المطابقة: وهي الجمع بين المتقابلات؛ نحو: {إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيهَا وَلَا تَعْرَى، وَأَنَّكَ لَا تَظْمَأُ فِيهَا وَلَا تَضْحَى} أتى بالجوع مع العري وبابه أن يكون مع الظمأ، وبالضحى مع الظمأ وبابه أن يكون مع العري.. لكن الجوع الجزء: 1 ¦ الصفحة: 331 والعري اشتركا في الخلو.. فالجوع خلو الباطن من الطعام.. والعري خلو الظاهر من اللباس.. والظمأ والضحى اشتركا في الاحتراق.. فالظمأ احتراق الباطن من العطش، والضحى احتراق الظاهر من حر الشمس.. ومن العلماء مَن يسمي ذلك ترصيعًا، ويجعل المطابقة في المقابلة بين النقيضين؛ نحو: {مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ} .. 15- المواربة: وهي أن يأتي بلفظ يمكن تغيير حركاته عند إنكاره عليه؛ نحو: {إِنَّ ابْنَكَ سَرَقَ} .. وقرئ: "سُرِّق" بضم السين وتشديد الراء مع الكسر؛ أي: اتهم بالسرقة.. 16- المراجعة: وهي أن يحكي المتكلم مراجعة في القول جرت بينه وبين محاور له بأوجز عبارة؛ نحو: {إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ} .. جمعت: الخبر، والطلب، والإثبات، والنفي، والتأكيد، والحذف، والبشارة، والنذارة، والوعد، والوعيد. وبهذا ينتهي هذا الموضوع.. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 332 الموضوع السادس عشر: عَلاقة الكلمات بعضها ببعض واستعمالها أتناول في هذا الموضوع ما أسماه القوم بالموصول لفظًا المقطوع معنى.. وما أطلقوا عليه الوجوه والنظائر، والتقديم والتأخير.. وكلمات القرآن وَحْدَةٌ متعانقة كلها في أعلى مراتب الفصاحة والبلاغة.. وهي مرتبة أحسن ترتيب من الله العليم الحكيم.. بيد أن ترتيب بعض الكلمات على بعض قد يبدو مشكلًا عند فريق من الناس لقلة فهمهم للقرآن.. ومن ذلك الموصول لفظًا المقطوع معنى؛ كما في قوله تعالى: {هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا فَلَمَّا تَغَشَّاهَا حَمَلَتْ حَمْلًا خَفِيفًا فَمَرَّتْ بِهِ فَلَمَّا أَثْقَلَتْ دَعَوَا اللَّهَ رَبَّهُمَا لَئِنْ آَتَيْتَنَا صَالِحًا لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ، فَلَمَّا آتَاهُمَا صَالِحًا جَعَلا لَهُ شُرَكَاءَ فِيمَا آتَاهُمَا فَتَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ} .. والأنبياء معصومون من الشرك قبل النبوة وبعدها. ويزول هذا الإشكال إذا علمنا أن هذا من الموصول لفظًا المقطوع معنى. فينتهي الحديث عن آدم وحواء عند قوله: {دَعَوَا اللَّهَ رَبَّهُمَا} .. وباقي النصر في غيرهما على طريقة الاستخدام في الضمير السابق ذكره، والممثل له نحو قوله: {لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ} إلى قوله: {قَدْ سَأَلَهَا قَوْمٌ مِنْ قَبْلِكُمْ} .. فإن المتقدمين سألوا عن أشياء لم يسأل عنها الصحابة رضوان الله عليهم.. وفي آخر النص تعريض بقريش في قوله: {فَتَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ} .. ولو أراد آدم وحواء لقال: عما يشركان.. ولا يقال: إن المثنى جمع؛ لأن القرينة العقلية والنقلية تبطل إرادة المثنى هنا. والقرينة هي العصمة الثابتة بالعقل والنقل.. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 333 وكذلك قوله: {وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ} .. إلى هنا تمت الجملة، ولا ارتباط لها بما بعدها من قوله: {إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا} .. لأن هذا متعلق بالآية التي بعده من قوله: {وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ} .. لأن هذه الآية بالإجماع في صلاة الخوف، فارتبط بها ما سبقها من اشتراط الخوف.. ويؤيد ذلك أن قوله: {إِنْ خِفْتُمْ} والآية بعده نزلت بعد قصر المسافر صلاته بحول كامل.. ولا مانع أن يتوارد الشرط على الشرط كما في توارد: "إن" و"إذا" في هذا الموضع.. أو تكون "إذا" زائدة للتوكيد.. أو "الواو" قبلها هي الزائدة للربط. وفي القرآن بعض آيات موصولة اللفظ مقطوعة الصلة؛ منها: {قَالَ لِلْمَلَإِ حَوْلَهُ إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ، يُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ} انتهى كلام الملأ.. وابتدأ فرعون قائلًا: {فَمَاذَا تَأْمُرُونَ} .. ومنها: {إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً} انتهى كلام بلقيس، وبدأ كلام آخر يمكن أن يكون من تصديق حاشيتها أو من كلام الله؛ وهو قوله: {وَكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ} . ومنها قول أهل الضلال: {مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا} .. ورد أهل الهدى: {هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ} . والسر في الوصل لفظًا والانقطاع في التعلق في هذه المواضع الأربعة أن صلاة المسافر وصلاة الخوف تجمعهما الرخصة في التخفيف والتيسير، وأن كلًّا من فرعون وبلقيس كانا يتشاوران مع المقربين لهما في وقت الشدة، وأن إجابة أهل الهدى أدعى لتيقظ أهل الضلال إلى الحق الذي جحدوه؛ وهو البعث بعد الموت. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 334 أما الوجوه والنظائر، فاعلم أن الوجوه: هي المشترك، يستعمل في بعض معانيه أو كل معانيه. والنظائر: احتمال اللفظ لأكثر من معنى.. وعلى هذا فاستعمال اللفظ الواحد في أكثر من معنى يسمى بالوجوه.. واحتمال اللفظ الواحد لأكثر من معنى يقال عنه: إنه من النظائر. ومِن العلماء مَن اعتبر النظائر في الألفاظ المتواطئة، والوجوه في الألفاظ المشتركة.. ومنهم من اعتبر استعمال اللفظ في معانٍ عديدة هو النظائر.. واحتمال اللفظ لأكثر من معنى هو الوجوه.. وأيًّا ما كان، فالمقصود بيانه هنا: اللفظ الواحد يستعمل في معانٍ عديدة، تجمع هذه المعاني علاقة عامة. وفي معنى الأثر: لا يفقه الرجل كل الفقه حتى يرى للقرآن وجوهًا. وعن علي: القرآن حَمَّال لوجوه.. ومن ذلك لفظ "الهدى" يأتي بمعنى الثبات: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} .. والدين: {إِنَّ الْهُدَى هُدَى اللَّهِ} .. والإيمان: {وَيَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدًى} .. والرسول: {وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ} .. والمعرفة: {وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ} .. والكتاب السماوي: {وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدَى} .. والتوحيد: {وَقَالُوا إِنْ نَتَّبِعِ الْهُدَى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَا} .. والسنة: {فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ} .. والتوبة: {إِنَّا هُدْنَا إِلَيْكَ} .. والإرشاد: {يَهْدِيَنِي سَوَاءَ السَّبِيلِ} . فأنت ترى أن هذه المعاني تجمعها الطاعة وما يتعلق بها.. ومن ذلك لفظ "السوء" يأتي بمعنى الشدة: {يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ} .. والعقر: {وَلَا تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ} بدليل: {فَعَقَرُوهَا} .. والزنا: {مَا جَزَاءُ مَنْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 335 أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوءًا} .. والبرص: {تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ} وفيما يقال: إذا اشتد البياض كان برصًا.. والعذاب: {إِنَّ الْخِزْيَ الْيَوْمَ وَالسُّوءَ عَلَى الْكَافِرِينَ} بدليل: {لِنُذِيقَهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَعَذَابُ الْآَخِرَةِ أَخْزَى} .. والشرك: {مَا كُنَّا نَعْمَلُ مِنْ سُوءٍ} بدليل: {وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ} .. والشتم: {لَا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ} .. والذنب: {يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَة} بدليل: {وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ} .. وبمعنى بئس: {وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ} بدليل: {فَلَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ} .. والضر: {وَيَكْشِفُ السُّوءَ} بدليل: {وَكَشَفْنَا مَا بِهِمْ مِنْ ضُرٍّ} .. والقتل والهزيمة: {لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ} بدليل: {إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ} .. والجامع المعصية. ومن ذلك لفظ "الصلاة" تأتي على أوجه: الصلوات الخمس: {وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ} .. وصلاة العصر: {تَحْبِسُونَهُمَا مِنْ بَعْدِ الصَّلَاةِ} .. وصلاة الجمعة: {إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ} .. والجِنَازة: {وَلا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ} .. والدعاء: {وَصَلِّ عَلَيْهِمْ} .. والدين: {أَصَلَاتُكَ تَأْمُرُكَ} .. والقراءة: {وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ} .. والرحمة والاستغفار: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ} .. ومواضع الصلاة: {وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ} .. والجامع القربى. ومن ذلك لفظ "الرحمة"، وتأتي بمعنى: الإسلام: {يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ} .. والإيمان: {وَآَتَانِي رَحْمَةً مِنْ عِنْدِهِ} .. والجنة: {فَفِي رَحْمَةِ اللَّهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} .. والمطر: {بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ} .. والنعمة: {وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ} .. والنبوة: {أَمْ عِنْدَهُمْ خَزَائِنُ رَحْمَةِ رَبِّكَ} .. والقرآن: {قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ} .. والرزق: {خَزَائِنَ رَحْمَةِ رَبِّي} .. والنصر والفتح: {إِنْ أَرَادَ بِكُمْ سُوءًا أَوْ أَرَادَ بِكُمْ رَحْمَةً} .. والعافية: {أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ} .. والمودة: {رَأْفَةً وَرَحْمَةً} .. والسعة: {تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ} .. والمغفرة: {كَتَبَ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ} .. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 336 والعصمة: {لَا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ} .. والجامع إيصال الخير للخَلْق. ومن ذلك "الفتنة"، وتأتي بمعنى الشرك: {وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ} .. والإضلال: {ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ} .. والقتل: {أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا} .. والصد: {وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ} .. والضلالة: {وَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ فِتْنَتَهُ} .. والمعذرة: {ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُم} .. والفضاء: {إِنْ هِيَ إِلَّا فِتْنَتُكَ} .. والإثم: {أَلَا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا} .. والمرض: {يُفْتَنُونَ فِي كُلِّ عَامٍ} .. والعبرة: {لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً} .. والعقوبة: {أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ} .. والاختبار: {وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ} .. والعذاب: {جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذَابِ اللَّهِ} .. والإحراق: {يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ} .. والجنون: {بِأَيِّيكُمُ الْمَفْتُونُ} .. والجامع الحيرة والتخبط. ومن ذلك "الروح"، وترد بمعنى الأمر: {وَرُوحٌ مِنْهُ} .. والوحي: {يُنَزِّلُ الْمَلَائِكَةَ بِالرُّوحِ} .. والقرآن: {أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا} .. والرحمة: {وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ} .. والحياة: {فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ} .. وجبريل: {فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا} .. وملك عظيم: {يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ} .. وجيش من الملائكة: {تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا} .. وروح البدن: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ} .. والجامع السر العظيم. ومن ذلك لفظ "القضاء"، يأتي بمعنى الفراغ: {فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ} .. والأمر: {إِذَا قَضَى أَمْرًا} .. والأجل: {فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ} .. والفصل: {لَقُضِيَ الْأَمْرُ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ} .. والمضي: {لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولًا} .. والهلاك: {لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ} .. والوجوب: {قُضِيَ الْأَمْرُ} .. والإبرام: {فِي نَفْسِ يَعْقُوبَ قَضَاهَا} .. والإعلام: {وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ} .. والوصية: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ} .. والموت: {فَقَضَى عَلَيْهِ} .. والنزول: {فَلَمَّا قَضَيْنَا عَلَيْهِ الْمَوْتَ} .. والخلق: {فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَوَاتٍ} الجزء: 1 ¦ الصفحة: 337 والبعل: {كَلَّا لَمَّا يَقْضِ مَا أَمَرَهُ} يعني: حقًّا لم يفعل.. والعهد: {إِذْ قَضَيْنَا إِلَى مُوسَى الْأَمْرَ} .. والجامع العلم والقدرة. ومن ذلك لفط "الذكر"، يأتي بمعنى ذكر اللسان: {فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آَبَاءَكُمْ} .. وذكر القلب: {ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ} .. والحفظ: {وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ} .. والطاعة والجزاء: {فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ} .. والصلوات الخمس: {فَإِذَا أَمِنْتُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ} .. والعظة: {فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ} .. والبيان: {أَوَعَجِبْتُمْ أَنْ جَاءَكُمْ ذِكْرٌ مِنْ رَبِّكُمْ} .. والحديث: {اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ} أي: حدثه بحالي.. والقرآن: {وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي} .. والتوراة: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ} .. والخبر: {سَأَتْلُو عَلَيْكُمْ مِنْهُ ذِكْرًا} .. والشرف: {وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ} .. والعيب: {أَهَذَا الَّذِي يَذْكُرُ آَلِهَتَكُمْ} .. واللوح المحفوظ: {مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ} .. والثناء: {وَذَكَرُوا اللَّهَ كَثِيرًا} .. والوحي: {فَالتَّالِيَاتِ ذِكْرًا} .. والرسول: {ذِكْرًا، رَسُولًا} .. والصلاة: {وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ} .. وصلاة الجمعة: {فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} .. وصلاة العصر: {عَنْ ذِكْرِ رَبِّي} .. والجامع ما يحدث به التذكر والخشية. ومن ذلك لفظ "الدعاء"، ويرد على أوجه: العبادة: {وَلَا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُكَ وَلَا يَضُرُّكَ} .. والاستعانة: {وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ} .. والسؤال: {ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} .. والقول: {دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمْ} .. والنداء: {يَوْمَ يَدْعُوكُمْ} .. والتسمية: {لَا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا} .. والجامع الإقبال. ومن ذلك لفظ "الإحصان"، ويرد على أوجه: العفة: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ} .. والتزوج: {فَإِذَا أُحْصِنَّ} .. والحرية: {نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ} .. والجامع الفضيلة. وأما احتمال اللفظ في الموضع الواحد لأكثر من معنى فمثاله: وصف الجزء: 1 ¦ الصفحة: 338 الكتاب بالحكمة في قوله: {تِلْكَ آَيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ} أهو الحاكم أم المحكم أم الناطق بالحكمة أم المشتمل عليها؟ قال ابن فارس في كتاب الإفراد: كل ما في القرآن من ذكر "الأسف" فمعناه: الحزن؛ إلا {فَلَمَّا آسَفُونَا} فمعناه: أغضبونا. وكل ما فيه ذكر "البروج" فهي الكواكب؛ إلا {وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ} .. فهي القصور الطوال الحصينة. وكل ما فيه ذكر "من البحر والبر" فالمراد بالبحر: الماء.. وبالبر: التراب اليابس؛ إلا: {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ} .. فالمراد به: البرية والعُمْران. وكل ما فيه "بخس" فهو النقص؛ إلا {بِثَمَنٍ بَخْسٍ} أي: حرام.. وكل ما فيه من "البعل" فهو الزوج؛ إلا {أَتَدْعُونَ بَعْلًا} فهو الصنم. وكل ما فيه "البكم" فالخرس عن الكلام بالإيمان؛ إلا {عُمْيًا وَبُكْمًا وَصُمًّا} في الإسراء، و {أَحَدُهُمَا أَبْكَمُ} في النحل.. فالمراد به عدم القدرة على الكلام مطلقًا. وكل ما فيه "جثيا" فمعناه جميعًا؛ إلا {وَتَرَى كُلَّ أُمَّةٍ جَاثِيَةً} فمعناه: تجثو على ركبها. وكل ما فيه من "حسبانا" فهو العدد؛ إلا {حُسْبَانًا مِنَ السَّمَاءِ} في الكهف.. فهو العذاب.. وكل ما فيه "حسرة" فالندامة؛ إلا {لِيَجْعَلَ اللَّهُ ذَلِكَ حَسْرَةً فِي قُلُوبِهِمْ} فمعناه الحزن.. وكل ما فيه من "الدحض" فالباطل؛ إلا {فَكَانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ} فمعناه: من المقروعين. وكل ما فيه من "رجز" فالعذاب؛ إلا {وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ} فالمراد به الصنم.. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 339 وكل ما فيه من "ريب" فالشك؛ إلا {رَيْبَ الْمَنُونِ} يعني حوادث الدهر. وكل ما فيه من "الرجم" فهو القتل؛ إلا {لَأَرْجُمَنَّكَ} فمعناه: لأشتمنك، و {رَجْمًا بِالْغَيْبِ} أي: ظنًّا. وكل ما فيه من "الزور" فالكذب مع الشرك؛ إلا {مُنْكَرًا مِنَ الْقَوْلِ وَزُورًا} فإنه كذب غير الشرك. وكل ما فيه من "زكاة" فهو المال؛ إلا {وَحَنَانًا مِنْ لَدُنَّا وَزَكَاةً} أي: طهرة. وكل ما فيه "الزيغ" فالميل؛ إلا {وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ} أي: شخصت. وكل ما فيه "سخر" فالاستهزاء؛ إلا {سِخْرِيًّا} في الزخرف.. فهو من التسخير والاستخدام. وكل ما فيه "سكينة" فهو طمأنينة؛ إلا التي في قصة طالوت، فهو شيء كرأس الهرة له جناحان.. كذا قيل. وكل ما فيه "سعير" فهو النار والوقود؛ إلا {فِي ضَلَالٍ وَسُعُرٍ} فهو العناء. وكل "شيطان" فيه فإبليس وجنوده؛ إلا {وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ} فإنهم من الإنس. وكل "شهيد" فيه -غير القتلى- فهو مَن يشهد في أمور الناس؛ إلا {وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ} فهو شركاؤكم. وكل ما فيه من "أصحاب النار" أهلها؛ إلا {وَمَا جَعَلْنَا أَصْحَابَ النَّارِ إِلَّا مَلَائِكَةً} فالمراد: خزنتها. وكل "صلاة" فيه عبادة ورحمة؛ إلا {وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ} فهي الأماكن. وكل "صمم" فيه ففيه: سماع الإيمان والقرآن خاصة، إلا الذي في الإسراء. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 340 وكل "عذاب" فيه فالتعذيب؛ إلا {وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا} فهو الضرب. وكل "قنوت" فيه طاعة؛ إلا {كُلٌّ لَهُ قَانِتُونَ} فمعناه: مقرون. وكل "كنز" فيه مال؛ إلا الذي في الكهف فهو صحيفة علم.. كذا قيل. وكل "مصباح" فيه كوكب؛ إلا الذي في النور فالسراج. وكل "نكاح" فيه تزوج؛ إلا {حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ} فهو الحلم. وكل "نبأ" فيه خبر؛ إلا {فَعَمِيَتْ عَلَيْهِمُ الْأَنْبَاءُ} فهو الحجج. وكل "ورود" فيه دخول؛ إلا {وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ} يعني: هجم عليه ولم يدخله. وكل ما فيه {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا} فالمراد منه: العمل؛ إلا التي في الطلاق فالمراد منه: النفقة.. وفي هذا نظر؛ لأن التي في الطلاق {إِلَّا مَا آتَاهَا} . وكل "يأس" فيه قنوط؛ إلا التي في الرعد.. فمن العلم. وكل "صبر" فيه محمود؛ إلا {لَوْلَا أَنْ صَبَرْنَا عَلَيْهَا} . هذا آخر ما ذكره ابن فارس. قال غيره: كل "صوم" فيه فمن العبادة؛ إلا {نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا} أي: صمتًا. وكل ما فيه من "الظلمات والنور" فالمراد: الكفر والإيمان؛ إلا التي أول الأنعام فالمراد: ظلمة الليل ونور النهار. وكل "إنفاق" فيه فهو الصدقة؛ إلا {فَآَتُوا الَّذِينَ ذَهَبَتْ أَزْوَاجُهُمْ مِثْلَ مَا أَنْفَقُوا} فالمراد به: المهر. وقال الداني: كل ما فيه من "الحضور" فهو بالضاد من المشاهدة؛ إلا موضعًا واحدًا فإنه بالظاء من الاحتظار وهو المنع؛ وهو قوله تعالى: {كَهَشِيمِ الْمُحْتَظِرِ} . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 341 وقال ابن خالويه: ليس في القرآن "بعد" بمعنى "قبل"؛ إلا حرف واحد {وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ} . قال مغلطاي في كتاب الميسر: قد وجدنا حرفًا آخر؛ وهو قوله تعالى: {وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا} . قال أبو موسى في كتاب المغيث: معناه هنا "قبل"؛ لأنه تعالى خلق الأرض في يومين ثم استوى إلى السماء، فعلى هذا خلق الأرض قبل خلق السماء. اهـ. وأما التقديم والتأخير فمراد به تأخير كلمة عن موضعها لحكمة اقتضت ذلك، أو تقديمها؛ نحو: {فَلا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} . هذا من تقديم الكلام وتأخيره. والتقدير: فلا تعجبك أموالهم ولا أولادهم في الحياة الدنيا؛ إنما يريد الله ليعذبهم بها. والسر في التأخير أنه يعذبهم على ما كان منهم من جحود النعم في الدنيا.. وكذا قوله: {وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَكَانَ لِزَامًا وَأَجَلٌ مُسَمًّى} . والتقدير: وأجل مسمى لكان لزامًا. والسر في التأخير الاعتناء بوقت وقوع القضاء. وقوله: {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجًا، قَيِّمًا} والتقدير: الكتاب قيمًا ولم يجعل له عوجًا. والسر: الاعتناء بحال الكتاب من أنه قيم ومهيمن. وكذا قوله: {إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ} فالرفع قبل الوفاة كما نقل عن مجاهد. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 342 وكذا قوله: {لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ} . والتقدير: يوم الحساب بما نسوا. والسر: الاعتناء بوقت العذاب. وقوله: {فَقَالُوا أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً} . التقدير: فقالوا جهرة: أرنا الله. السر: التشنيع عليهم بأنهم طلبوا ذلك من غير استحياء ولا تستر. ومن هذا الباب: {أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ} المذموم من اتخذ هواه إلهه. أما من جعل مطلبه وميله في طاعة ربه، فليس بمذموم تقول: اتخذت المدرسة ملهى فتذم، واتخذت الملهى مدرسة فتمدح، والملهى في المثال يساوي الهوى في النص.. فتنبه لهذه الدقيقة. ومن هذا الباب: {فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْنَاهَا} .. فالبشارة سبب الضحك، ومن هذا الباب قوله: {إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ} .. والأصل أن يقدم العلم؛ لكن لما كان المقام تشريع أحكام أو تبيين عقائد -يطلب الحكمة من ورائها- قدم الحكيم. وقد يقدم اللفظ في موضع ويؤخره في موضع؛ نحو: {وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا وَقُولُوا حِطَّةٌ} .. وفي موضع آخر يقول: {وَقُولُوا حِطَّةٌ وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا} .. ونحو: {إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ} .. وفي سورة الأنعام: {مَنْ أَنْزَلَ الْكِتَابَ الَّذِي جَاءَ بِهِ مُوسَى نُورًا وَهُدًى} . ومن الأمور المسلمة تقديم ما يُعتنَى به.. ولكل مقام مقال. وبهذا ينتهي الموضوع السادس عشر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 343 الموضوع السابع عشر: وسائل الإقناع يندرج تحت هذا الموضوع: الأمثال، والقسم، والجدل.. ذلك أن الإقناع إما بالتقريب والإبراز للمعقول في صورة المحس، وذلك هو المثل.. وإما بتوكيد الخبر، وطريقه القسم.. وإما بالحجة، وطريقه الجدل.. فالمثل كما قال الماوردي: من أعظم علم القرآن علم أمثاله، والناس في غفلة عنه لاشتغالهم بالأمثال، وإغفالهم الممثلات. اهـ. وقال تعالى: {وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ} وقال: {وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآَنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ} . والغرض من المثل نقل الخفي وإبرازه في صورة الواضح الجلي.. وتأتي أمثال القرآن مشتملة على بيان تفاوت الأجر، وعلى المدح والذم، وعلى الثواب والعقاب، وعلى تفخيم الأمر أو تحقيره، وعلى تحقيق أمر أو إبطاله، قال تعالى: {وَضَرَبْنَا لَكُمُ الْأَمْثَالَ} .. والأمثال في القرآن منها ما صرح فيه بالمثل؛ كقوله: {مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا} وكقوله: {مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِئَةُ حَبَّةٍ} .. فهاتان الآيتان صرح في أولهما بلفظ المثل.. ومنها ما كمن المثل فيه ولم يصرح به؛ نحو: {وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا} فإنه يكمن فيه المثل القائل: خير الأمور الوسط.. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 344 وكذا قوله: {وَإِذْ لَمْ يَهْتَدُوا بِهِ فَسَيَقُولُونَ هَذَا إِفْكٌ قَدِيمٌ} .. فإنه يكمن فيه المثل القائل: مَن جهل شيئًا عاداه.. وقوله: {بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي} .. يكمن فيه المثل القائل: ليس الخبر كالعِيَان.. وقوله: {وَمَا نَقَمُوا إِلَّا أَنْ أَغْنَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ} .. يكمن فيه المثل القائل: اتقِ شر مَن أحسنت إليه. وقوله: {وَمَنْ يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ فِي الْأَرْضِ مُرَاغَمًا كَثِيرًا وَسَعَةً} .. يكمن فيه قولهم: في الحركات البركات.. وقوله: {مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ} .. يكمن فيه قولهم: كما تدين تدان. وقوله: {وَسَوْفَ يَعْلَمُونَ حِينَ يَرَوْنَ الْعَذَابَ مَنْ أَضَلُّ سَبِيلًا} .. يكمن به قولهم: حين تقلي ندري.. وقوله عن يعقوب: {هَلْ آَمَنُكُمْ عَلَيْهِ إِلَّا كَمَا أَمِنْتُكُمْ عَلَى أَخِيهِ مِنْ قَبْلُ} موافق لقولهم: لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين. وقوله: {كُتِبَ عَلَيْهِ أَنَّهُ مَنْ تَوَلَّاهُ فَأَنَّهُ يُضِلُّهُ وَيَهْدِيهِ إِلَى عَذَابِ السَّعِيرِ} موافق لقولهم: مَن أعان ظالمًا سلطه الله عليه.. وقولهم: لا تلد الحية إلا حية.. يوافق قوله: {وَلَا يَلِدُوا إِلَّا فَاجِرًا كَفَّارًا} . قولهم: للجدران آذان.. يوافق لقوله: {وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ} .. وقولهم: الحلال لا يأتيك إلا قوتًا، والحرام لا يأتيك إلا جزافًا.. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 345 موافق لقوله تعالى: {إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعًا وَيَوْمَ لَا يَسْبِتُونَ لَا تَأْتِيهِمْ} . فأنت ترى أن هذه النصوص تحوي أمثالًا اشتهرت عند العرب ولم يصرح فيها بذكر المثل، فكانت هذه النصوص أمثالًا كامنة. ويمكنك أن تقتبس من القرآن نصوصًا تضربها أمثالًا للانتفاع بها؛ كما تقول عند مؤاخذة المسيء: {ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ يَدَاكَ} .. وعند الإعجاب: {وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ} . فوائد ضرب الأمثال: 1- إبراز المعقول في صورة المحس، والمتخيل في صورة المتيقن.. 2- تعليم عباده كيف يقيسون الأمور وينتقلون من النظير إلى النظير.. 3- تعليم العباد أن المتماثلين متساويان شرعًا وعقلًا.. 4- لو جاز التفريق بين المتماثلين لانسدت طريق الاستدلال ولم تبقَ للعقل قيمة. 5- كل مثل في القرآن له فائدته الخاصة به.. فمثلًا قوله تعالى عن المنافقين: {مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لَا يُبْصِرُونَ} .. هذا إخبار عن حال المنافقين بالنسبة إلى حظهم من الوحي، وأنهم بمنزلة من استوقد نارًا لتضيء له وينتفع بها؛ وهذا لأنهم دخلوا في الإسلام فاستضاءوا به، وانتفعوا به، وخالطوا المسلمين؛ ولكن لما لم يكن لصحبتهم مادة من قلوبهم من نور الإسلام طفئ عنهم، وذهب الله الجزء: 1 ¦ الصفحة: 346 بنورهم، ولم يقل: بنارهم؛ فإن النار فيها الإضاءة والإحراق، فذهب الله بما فيها من الإضاءة، وأبقى عليهم ما فيها من الإحراق، وتركهم في ظلمات لا يبصرون، فهذا حال مَن أبصر ثم عَمِيَ، وعرف ثم أنكر.. ومن الأمثال قوله تعالى: {مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاءَ كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتًا وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ} فذكر سبحانه أنهم ضعفاء، وأن الذين اتخذوهم أولياءهم أضعف منهم، فهم في ضعف وما قصدوه من اتخاذ الأولياء كالعنكبوت اتخذت بيتًا، وهو أوهن البيوت وأضعفها، وتحت هذا المثل أن هؤلاء المشركين أضعف ما كانوا حين اتخذوا من دون الله أولياء، فلم يستفيدوا بمن اتخذوهم أولياء إلا ضعفًا؛ كما قال تعالى: {وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ آَلِهَةً لِيَكُونُوا لَهُمْ عِزًّا، كَلَّا سَيَكْفُرُونَ بِعِبَادَتِهِمْ وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدًّا} . وهذا من أحسن الأمثال وأدلها على بطلان الشرك وخسارة صاحبه وحصوله على ضد مقصوده.. ولم ينفِ سبحانه عنهم العلم بوهن بيت العنكبوت؛ وإنما نفى عنهم علمهم بأن اتخاذهم أولياء من دونه كالعنكبوت اتخذت بيتًا، فلوا علموا ذلك لما فعلوه؛ ولكن ظنوا أن اتخاذهم الأولياء من دونه يفيدهم عزًّا وقدرة، فكان الأمر بخلاف ما ظنوه.. فأنت ترى أن الفائدة بيان ضعف المشركين، وأنهم كالمستجير من الرمضاء بالنار.. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 347 وأما القسم، فالقصد منه تحقيق الخبر وتوكيده.. ولا يقال: المؤمن ليس في حاجة إلى توكيد، والجاحد لا ينتفع بهذا التوكيد؛ لأن الله أنزل القرآن بلسان عربي، والعرب تقسم للتوكيد.. ويثبت الخبر إما بالإشهاد عليه، أو توكيده باليمين. وفي القرآن: {شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ} وفيه: {فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ} .. ولما سمعها بعض الأعراب صاح قائلًا: مَن الذي أغضب الجليل حتى ألجأه إلى اليمين.. ولا يكون القسم إلا بمعظَّم، وقد أقسم الله بنفسه في مواضع من كتابه فقال: {فَوَرَبِّكَ لَنَحْشُرَنَّهُمْ وَالشَّيَاطِينَ} ، {فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ، عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ} .. وكما أقسم بذاته أقسم ببعض مخلوقاته؛ إما للفت الأنظار إليها، وإما لأنها مربوبة له مع ما اشتملت عليه من سر.. ويكون القسم بربها كقوله: {وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ، وَطُورِ سِينِينَ، وَهَذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ} .. ومن حقه سبحانه وتعالى أن يُقسم بما شاء، وليس لنا أن نقسم إلا بالله، وقد أقسم الله بنبيه في قوله: {لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ} .. وذلك ليعرف الناس بمكانته صلى الله عليه وسلم. وأيًّا ما كان، فالقسم إما بالفعل الحقيقي؛ كالقسم بذات الله. وإما بالفعل؛ كقوله: {وَالسَّمَاءِ وَمَا بَنَاهَا، وَالْأَرْضِ وَمَا طَحَاهَا، وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا} بناء على أن "ما" مصدرية.. وإما القسم بالمفعول، وتعظيم المصنوع تعظيم الصانع؛ كقوله: {وَالتِّينِ} .. والقسم إما ظاهر كالنصوص السابقة.. أو مدلولًا عليه باللام الواقعة في جوابه؛ نحو: {لَتُبْلَوُنَّ} .. أو مفهومًا من السياق؛ نحو: {وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا} .. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 348 والمقسم عليه إما خبر؛ نحو: {إِي وَرَبِّي إِنَّهُ لَحَقٌّ} .. وإما خبر في معنى الطلب؛ نحو: {فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ} فهو في قوة: حكموا محمدًا فيما شجر بينكم، وإلا لا يكون منكم إيمان.. وإذا أقسم الله على الغيب، فقد أراد بذلك توكيد تحققه؛ كأنه يقسم به أيضًا.. وإذا أقسم على ما هو مشاهَد، فقد أراد تعظيمه؛ لأنه دال عليه، وآية من آياته.. وأحرف القسم: الواو: وقد يحذف معها الفعل.. والباء: ولا يحذف معها الفعل؛ نحو: {وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَا يَبْعَثُ اللَّهُ مَنْ يَمُوتُ} .. ومنها التاء: وهي للتعجب كما سبق.. وأما جواب القسم، فقد يُحذف لوجود دليل يدل عليه.. وأكثر ما يكون مذكورًا كما في الآيات السابقة.. ومن خصائص القرآن مراعاة العَلاقة بين المقسم به والمقسم عليه؛ كقوله: {وَالضُّحَى، وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى، مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى} .. فالعلاقة هي تشبيه نور الوحي بالضحى وانقطاعه بظلام الليل.. وكذا قوله: {وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى، مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى، وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى} .. فالعلاقة تشبيه النبي بالنجم في الاهتداء به.. ومن هنا يتبين أن القسم وسيلة من وسائل الإقناع.. يستخدم في وقت الحاجة إليه.. وأما الجدل، قد قال العلماء: اشتمل القرآن العظيم على جميع أنواع البراهين والأدلة التي تُبنَى من الكليات العقلية والسمعية.. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 349 وقد تُوخي في ذلك طريقة جلية؛ حيث إن اللجوء إلى الغوامض والألغاز دليل على العجز عن الإتيان بالواضح الجلي، ولم تعرف العرب دقائق المتكلمين؛ ولذا فإن القرآن لم يتعرض إلا للجلي النافع منها.. وإذا كان الجدل هو احتجاج المتكلم على ما يريد إثباته بحجة تقطع المعاند فيه، فإن القرآن الكريم قد ضرب بسهم وافر في هذا الميدان.. وهذا مَثَلٌ نسوقه ليتضح ما نؤمن به ونردده؛ قال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ،، يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ، وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّبِعُ كُلَّ شَيْطَانٍ مَرِيدٍ، كُتِبَ عَلَيْهِ أَنَّهُ مَنْ تَوَلَّاهُ فَأَنَّهُ يُضِلُّهُ وَيَهْدِيهِ إِلَى عَذَابِ السَّعِيرِ، يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحَامِ مَا نَشَاءُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلَا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئًا وَتَرَى الْأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ، ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّهُ يُحْيِي الْمَوْتَى وَأَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، وَأَنَّ السَّاعَةَ آَتِيَةٌ لَا رَيْبَ فِيهَا وَأَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ} .. تأمل معي هذا المنطق الفطري، دعا فيه أولًا إلى اتخاذ الوقاية من غضب الله وسخطه، ولسائل أن يقول: وما قيمة الاتقاء؟ فلعل الدعوة إليه بأهوال ستقع يُنسي الإنسان فيها نفسه، وتنقطع فيها أوثق العلائق الأسرية.. ومعرفة ذلك جاءت عن طريق السمع؛ إذ ليس للعقل في الغيبيات التي لم يرها مجال للنظر والتأمل، وعلى العقل أن يستعمل ملكاته وأن يقيس الشيء على نظيره، وعليه أن يحذر الوقوع في ما لا يعلمه، والجري وراء الذين الجزء: 1 ¦ الصفحة: 350 يتحدثون بالتخمين، ولا سند لهم في الإنكار سوى أنهم لم يشاهدوا ما جاء به السمع. وإذا أنصف العقل فعليه أن يدرك أن مَن يعلم مقدم على مَن لم يعلم، وأن عدم العلم لا يعد دليلًا؛ فقد لا أعلم شيئًا وهو عند غيري من البدهيات.. ولما كان المخبر عنه أمرًا غيبيًّا قرره القرآن بأمور مشاهَدة: أولها: خلق الإنسان من تراب، وهو الآن إذا نظر إلى نفسه استبعد أن يكون من تراب، ولم يعترف إلا بعد أن يقطع شوطًا من العلم، يدرك بعد التحليل أن في الجسم عناصر التراب. ثانيها: الأطوار التي يمر بها الإنسان في بطن أمه، من غير أن يكون للوالدين أو لأحدهما أي تدخل لتغيير مسار هذه الأطوار أو لإبقائها.. ثالثها: حال الإنسان وهو مسن، يضعف بعد قوة، وينسى بعد تذكر.. ورابعها: ما يشاهده من أرض يابسة تلقى فيها بذور يابسة، فإذا سقط عليها الماء دبت فيها الحياة.. والنتائج المترتبة على تلك المقدمات ما أفصح عنها قوله: {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ} .. لأنه أخبر العقل بما لم يعلم من تلقاء نفسه.. وأثبت له بالدليل الحسي أن ما أخبر به ثابت ولا يخبر بالحق إلا الحق {وَأَنَّهُ يُحْيِي الْمَوْتَى} .. فقد أحياء الأرض بالماء، وأنه على كل شيء قدير؛ لأنه أوجد من التراب كائنًا يفكر ويخترع. إذا ثبتت هذه النتائج الثلاث -وهي بالقطع ثابتة- ثبت ما أخبر عنه من غيبيات؛ كالساعة، لأنها وقت.. ومن أنكر وجود الغد فهو مكابر.. وثبت بعث مَن في القبور، كما ثبت خروج النبات الحي من الأرض الجامدة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 351 وقد استدل سبحانه وتعالى على المعاد الجسماني بضروب: أحدها: قياس الإعادة على الابتداء؛ كما قال تعالى: {كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ} . ثانيها: قياس الإعادة على خلق السماوات والأرض بطريق الأَوْلَى؛ قال تعالى: {أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِقَادِرٍ} .. ثالثها: قياس الإعادة على إحياء الأرض بعد موتها بالمطر والنبات؛ قال تعالى: {فَأَنْزَلْنَا بِهِ الْمَاءَ فَأَخْرَجْنَا بِهِ مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ كَذَلِكَ نُخْرِجُ الْمَوْتَى لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} .. رابعها: قياس الإعادة على إخراج النار من الشجر الأخضر؛ قال تعالى: {الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ نَارًا فَإِذَا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ} .. خامسها: أن الناس دائمًا مختلفون، واختلافهم في الحق لا يغير منه شيء ولا يقلبه باطلًا، فالحق ثابت في نفسه، ولا بد من الكشف عنه في حياة يرتفع فيها الخلاف؛ إجلالًا للحق وإيقافًا للناس عليه، قال تعالى: {وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَا يَبْعَثُ اللَّهُ مَنْ يَمُوتُ بَلَى وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ، لِيُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي يَخْتَلِفُونَ فِيهِ وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ كَانُوا كَاذِبِينَ} . ومن وسائل القرآن في الإقناع بعد الاستدلال على الغائب بالشاهد استخدام دليل التمانع. وخلاصته: امتناع الإمكان والوقوع عند التسليم بفرض من الفروض؛ قال تعالى: {لَوْ كَانَ فِيهِمَا آَلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا} .. فلو فرض أكثر من إله اختلفت إرادة كل منهما؛ لامتنع الإمكان والوقوع، فالذي تنفذ إرادته هو الإله. ولو فرض إلهان متفقان في كل شيء لحكم العقل بداهة أنه لا داعي لأحدهما. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 352 ومن طرق الإقناع ثالثًا: السبر والتقسم؛ ومعناه: الاستقراء التام لكل الجوانب، والفرض لكل الاحتمالات، ثم الكر عليها بالإبطال، فيثبت بذلك نقيض المدعى، مثاله: أن المشركين ادعوا على الله كذبًا أنه حرم بعض الحيوانات، فقال الله لهم: {ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ مِنَ الضَّأْنِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْمَعْزِ اثْنَيْنِ قُلْ آَلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ الْأُنْثَيَيْنِ أَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحَامُ الْأُنْثَيَيْنِ نَبِّئُونِي بِعِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ، وَمِنَ الْإِبِلِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْبَقَرِ اثْنَيْنِ قُلْ آَلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ الْأُنْثَيَيْنِ أَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحَامُ الْأُنْثَيَيْنِ أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ وَصَّاكُمُ اللَّهُ بِهَذَا} . وكل هذه الاحتمالات باطلة، والنتيجة أنهم كذبة، وهذا ما أفصح عنه قوله بعد: {فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا لِيُضِلَّ النَّاسَ بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} .. الرابع: القول بالموجب؛ ومعناه: تعليق شيء على شيء، فيسلم به، ثم نقل المعلق عليه إلى حقيقته؛ كقوله تعالى عن المنافقين: {لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ} . فهذا مسلم به؛ ولكن الأعز هو المؤمن وليس المنافق؛ ولذا عقبه بقوله: {وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ} . الخامس: التسليم بفرض المحال، فيسلم به جدلًا وليس اعترافًا؛ وإنما التسليم لإفحام الخصم ووضع يده على الحقيقة؛ قال تعالى: {وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذًا لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلَا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ} .. فقوله: "إذًا" يساوي لو سلم بالمدعى لتضاربت الآلهة، واختل نظام الكون، وهذا بدهي البطلان. السادس: الانتقال من دليل إلى دليل آخر؛ حيث لم يفهم الخصم الدليل الأول، ومثاله ما وقع بين إبراهيم والجبار: {إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 353 الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ} . السابع: المناقضة؛ وهو تعليق الأمر على محال؛ لبيان أن الذي علق على المحال فهو محال؛ نحو: {وَلَا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ} . الثامن: مجاراة الخصم؛ ومعناه: التسليم له بما يقوله، وتنبيهه إلى أمر خفي عليه؛ كقول الكفرة لرسلهم: {إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنَا} وكان رد الرسل: {إِنْ نَحْنُ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَمُنُّ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ} . وإذا كان الجدل خطاب العقل، فاعلم أن القرآن قد نوَّه بالعقل في العقيدة حيث قال: {أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ} . فالعقل يدرك أنه إذا بَطَلَ اثنان من ثلاثة تعين الثالث؛ وهو أننا خلقنا والخالق لنا هو الله، وفي التبعة والتكليف فإن من سلب عقله لا يسأل مسئولية جنائية عن عمله؛ قال تعالى: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا} ..20*12 والعقل -في مدلول لفظه العام- مَلَكَةٌ يُناط بها الوازع الأخلاقي أو المنع عن المحظور والمنكر.. وقد يخاطب القرآن العقل الوازع؛ مثل: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنْفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ} .. وقد يخاطب القرآن العقل المدرك؛ مثل: خطاب أولي الألباب.. ومن هنا نتبين أن اللب الذي يخاطبه القرآن وظيفته عقلية تحيط بالعقل الوازع والمدرك والحكيم.. أما العقل الذي يفكر ويستخلص من تفكيره زبدة الرأي والرويَّة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 354 فالقرآن يعبر عنه بكلمات متعددة.. تشترك في المعنى أحيانًا، وينفرد بمعناه على حسب السياق في أحيان أخرى.. فهو الفكر والنظر والبصر والتدبر والاعتبار والذكر والعلم.. وتبين من الآيات أن العقل الذي يخاطبه الإسلام، هو العقل الذي يعصم الضمير، ويدرك الحقائق، ويميز بين الأمور، ويوازن بين الأضداد.. وأنه هو العقل الذي يقابله الجمود والعنت والضلال.. وليس بالعقل الذي قصاراه من الإدراك أنه يقابل الجنون؛ فإن الجنون يسقط التكليف، وليس كذلك الجمود والعنت والضلال.. ويندب الإسلام مَن يدين به إلى مرتبة أعلى من مرتبة تدفع عنه الملامة أو تمنع عنه المؤاخذة؛ كي يبلغ إلى مرتبة الرشد والحكمة. ولا يبطل في الإسلام عمل العقل، إن الله بكل شيء محيط، فإن خلق الإنسان للعقل لا يسلبه القدرة على التفكير، ولا يسلبه تبعة الضلال والتقصير.. موانع العقل: وليس شيء أخطر على العقل في شل تفكيره، أو التقليل منه، وطمس معالم الحق من أمور ثلاثة: عبادة السلف المتقدمين، والانخداع بالعرف. ذلك أن بعض الناس يقدِّسون أسلافهم من غير نظر فيما كانوا يأتون أو يذرون، ويستسلمون للعرف، وما هذا سبيل العقلاء، قال تعالى: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آَبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آَبَاؤُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ} .. إن حب الأسلاف واحترام العرف أمر مقرر في الإسلام، بشرط ألا يكون في ذلك تأثير على العقل.. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 355 وثاني الموانع: التقليد للسلطة الدينية الزائفة التي يدعيها مَن لا علم لهم بالدين.. تلك أخطر المؤثرات على العقل؛ لأنها تسيطر عليه من الداخل. والقرآن الكريم يرشد العقل إلى طلب الحق من ذويه: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} . والمانع الثالث: الخوف المهين من أصحاب السلطة الدنيوية؛ فإنهم يحجرون على العقل أحيانًا بما يخترعون من أساليب القهر والجبروت.. حقًّا أمر القرآن بطاعة ولي الأمر، وعليه في مقابل ذلك تحمل التبعة: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا} .. وبهذا ينتهي هذا الموضوع. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 356 الموضوع الثامن عشر: اللفظ القرآني دلالته وأقسامه اعلم أن الدلالة تنقسم إلى قسمين بوجه عام: ظنية، وقطعية. فالقطعية: ما كان مضمونها حكمًا عقليًّا لا ينازع العقل فيه؛ نحو: {وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} .. فشمول علم الله لكل شيء لا ينازع فيه عقل سليم.. أو كان المضمون قد استعمله القرآن في أكثر من موضع لمعنى واحد؛ مثل: البعث، والحشر، والحساب.. أو كان المضمون قد بيَّن الله أو رسوله المراد منه؛ نحو: {وَمَا أَدْرَاكَ مَا الطَّارِقُ، النَّجْمُ الثَّاقِبُ} ونحو: {فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا} فسَّره النبي صلى الله عليه وسلم بالعرض.. وإذا كانت الدلالة قطعية امتنع تأويل اللفظ وصرفه لمعنى آخر. وفي غير هذه المواضع الثلاثة يحتمل أن تكون الدلالة قطعية، ويحتمل أن تكون ظنية.. ويقوى احتمال القطع أو الظن بالأمارات.. هذا كله بالنسبة لدلالة اللفظ على المعنى المراد.. أما ثبوت اللفظ القرآني، فهو قطعي من غير شك؛ أي: ثابت النسبة لله.. واحتمال القطع والظن إنما هو من حيث الدلالة. فالقرآن كله قطعي الثبوت.. وبعضه قطعي الدلالة.. وبعضه يحتمل أن يكون قطعي الدلالة، وأن يكون ظنيًّا.. فعدم التأكد من استعمال اللغة للفظ في هذا المعنى مثلًا يورث ظنًّا في الجزء: 1 ¦ الصفحة: 357 استعماله فيها. وكذا تردد اللفظ بين الحقيقة والمجاز، واحتمال وجود حذف، وإرادة العموم أو الخصوص أو الإطلاق أو التقييد. كل هذا يورث ظنًّا يجعل دلالة اللفظ على المعنى ظنية.. ومن فضل الله علينا أن أفسح لنا مجال البحث؛ لنتدبر ولنتذوق ما يمتاز به القرآن من مرونة تسع الزمان والمكان والفكر البشري القويم، الذي يتزود من مائدة الله بما يحتاج له بعد الرجوع إلى قواعد اللغة والدين.. وينقسم اللفظ عدة أقسام، كل قسم باعتبار: فمن حيث الصيغة ينقسم إلى: خاص، وعام، ومشترك؛ نحو: {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ} ونحو: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ} ونحو: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ} .. فالقرء يقال على الطهر، أو على الحيض بالاشتراك بينهما. وينقسم من حيث الظهور والخفاء إلى: ظاهر، ونص، ومفسر.. وإلى خفي، ومشكل، ومجمل.. فالظاهر: اسم لما ظهر المراد منه من حيث الصيغة؛ نحو: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا} .. فإن هذا يدل على البيع وتحريم الربا. أما النص: فهو ما سيق الكلام من أجله كما في هذه الآية.. فالمراد بيان الفرق بين البيع فإنه حلال، وبين الربا فإنه حرام، وقد سيق الكلام لأجل هذا. وأما المفسر: فهو اللفظ الذي جيء به لرفع أي احتمال؛ نحو: {وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً} .. فإن لفظ "كافة" يرفع أي احتمال في قتال بعض المشركين. وأما الخفي: فإنه ما خفي المراد منه لعارض؛ نحو: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ} .. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 358 فالسارق: مَن يأخذ المال المحروز المملوك خفية؛ لكن عرض الخفاء في انطباقه على النباش الذي يأخذ أكفان الموتى باعتبار أن كفن الميت لا يملكه أحد.. وأما المشكل: فهو الذي أشكل على السامع طريق الوصول إلى المعنى الذي وضع له الواضع الاسم، أو أراده المستعير لدقة المعنى في نفسه لا بعارض؛ مثل قوله تعالى: {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ} فإنها مشكلة من حيث معناها في حق دبر المرأة: أهو مثل قبلها في الحل، أو مثل دبر الرجل في الحرمة؟ فطلبنا معنى كلمة: "أنَّى" فوجدناها مشتركة بين معنى "كيف" ومعنى "أين". وبعد التأمل وجدناها بمعنى "كيف" في هذا الموقع؛ لأن الله تعالى سماهن حرثًا؛ أي: مزرعًا للأولاد، والدبر موضع الفرث لا الحرث، والله تعالى حرم الوطء في القبل حالة الحيض للأذى العارض. فالأذى اللازم الموجود في الدبر بطريق الأَوْلَى يكون مانعًا. وأما المجمل: فهو الذي اختفى المراد منه بنفس لفظه حتى بينه الشارع؛ نحو لفظ "الصلاة" معناها في اللغة: الدعاء. وبيَّن الشارع المراد منها حين أمرنا بها في قوله: {وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ} بيَّنها النبي صلى الله عليه وسلم بقوله وفعله، وأمرنا قائلًا: "صلوا كما رأيتموني أصلي". ومِن العلماء مَن اصطلح اصطلاحًا آخر فقال: إذا كان اللفظ لا يحتمل إلا معنى واحدًا فهو النص. وإن كان يحتمل أكثر من معنى.. فإن كان على التساوي فهو المشترك.. وإن كان أحدهما راجحًا والآخر مرجوحًا.. فالراجح هو الظاهر، والمرجوح هو المؤول.. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 359 وبطلان الراجح وإرادة المرجوح هو المشكل.. ولا يجوز صرف اللفظ عن الراجح إلا المرجوح إلا بدليل عقلي قطعي.. فمتى وجد وجب صرفه عن الراجح. اهـ. وسأتناول بالتفصيل: العام، والخاص، والمجمل، والمطلق، والمقيد، والمنطوق، والمفهوم.. فتلك نقاط سبع: 1- العام: هو لفظ شامل أكثر من اثنين بناء على أن المثنى لا يدخل فيه، وله صيغ؛ منها: أ- كل وجميع. ب- "من" و "ما" شرطًا أو استفهامًا أو موصولًا. جـ- النكرة في سياق النفي أو النهي أو الشرط. د- الجمع المحلى بأل أو المضاف. هـ- اسم الجمع أو اسم جنس الجمع. و المصدر المضاف. ز- اسم الموصول إن وجدت قرينة؛ نحو: {وَالَّذِي قَالَ لِوَالِدَيْهِ أُفٍّ لَكُمَا} .. فإنه شامل لكل مَن يقول ذلك القول بدليل الإشارة إليه بعد بما يشار به إلى الجمع في قوله: {أُولَئِكَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ} . وأقسام العام ثلاثة: أ- ما بقي على عمومه؛ نحو: {وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} . ب- العام المخصوص؛ نحو: {قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ} . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 360 فأنت ترى أنه خص الذين أوتوا الكتاب وقبل الجزية منهم، وأبقى الأمر بالقتال بالنسبة لغيرهم؛ حتى يعلنوا كلمة التوحيد، ثم إنه خصص مَن يقاتلون بالمعتدين في آية أخرى؛ وهي قوله: {وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا} . ومن هذا يُعلم أن قول النبي صلى الله عليه وسلم: "أمرت أن أقتال الناس " من العام المخصوص.. فالمراد بالناس: مَن بدءونا بالاعتداء علينا. جـ- العام المراد به الخصوص؛ نحو: {أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ} .. فالمراد بالناس: سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم. والفرق بين العام المخصوص والعام المراد به الخصوص: أن العام المخصوص عمومه مراد تناولًا من حيث اللفظ، غير مراد من حيث الحكم.. والعام المراد به الخصوص عمومه غير مراد لا تناولًا ولا حكمًا.. وأن المراد به الخصوص يعتبر استعمال العام فيه من قبيل المجاز، والمخصوص من قبيل الحقيقة، وأنه في حالة إرادة الخصوص يمكن أن يراد بالعام شخصًا واحدًا، بخلاف العام المخصوص، فلا يصح إرادة أقل من اثنين أو ثلاثة ليصدق على الباقي أنه عام. المخصصات: والمخصصات للعام إما متصلة به، أو منفصلة عنه؛ لكنها متصلة به ترفع إرادة العموم منه. فالمخصص المتصل.. إما الاستثناء نحو: {وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا، يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا، إِلاَّ مَنْ تَابَ وَآَمَنَ وَعَمِلَ عَمَلا صَالِحًا} . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 361 فأنت ترى أن الخلود في العذاب استثني منه التائب، فكان قوله: {وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ} عام مخصوص لا يشمل التائب. ومن المخصصات الصفة؛ نحو: {وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ} . فقوله: {وَرَبَائِبُكُمُ} شامل لكل ربيبة، سواء كانت مع أمها أو لا.. لكنه وصف الربيبة المحرمة بأن يكون قد دخل الزوج بأمها.. فقوله: {اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ} شرط ووصف يشترط وجوده في الأم؛ لتحريم الابنة على زوج الأم. والدليل على ذلك قوله: {فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ} . ومن المخصصات المتصلة التخصيص بالشرط؛ نحو: {فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا} . فالأمر بالمكاتبة شامل لكل رقيق؛ لكنه خص بمن علمنا فيهم خيرًا. ومنها المخصص بالغاية؛ نحو: {وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ} .. فالنهي عن وطء الحائض موقوت بالطهر. أما المخصصات المنفصلة التي تخصص العام وهي منفصلة عنه، فمنها العقل؛ نحو: {إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} .. خص العقل الشيء بالممكن. ومنها الحس؛ نحو: {تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا} .. فلم تدمر كل ما في الأرض بشهادة الحس.. وإنما دمرت كل شيء للعصاة. ومنها التخصيص بنص من القرآن في موضع آخر؛ نحو قوله: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ} . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 362 فإنه خاص ببعض المطلقات، ويخرج منه غير المدخول بها؛ لقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا} . وقد يكون المخصص حديثًا صحيحًا؛ كما في قوله تعالى: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ} فإنه مشروط بوَحْدَة الدين؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: "لا يرث مؤمن من كافر، ولا كافر من مؤمن". وقد يكون المخصص هو الإجماع كمنع الرقيق من الميراث، فإنهم أجمعوا على أن الرقيق لا يرث؛ إذ لو ورثناه لكان الوارث في الحقيقة هو سيده؛ إذ "العبد وما ملكت يداه لسيده". وقد يكون المخصص القياس الجلي. ومثاله: جلد العبد الأعزب الزاني خمسين جلدة، قياسًا على الأمة التي ورد فيها قوله: {فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ} . وقد يخصِّص القرآن عموم السنة؛ كما في قوله سبحانه: {فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي} .. فإنه مخصص لقوله صلى الله عليه وسلم: "إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار". 2- الخاص: هو اللفظ الذي وضع لفرد واحد، ولا يتناول غيره وضعًا؛ نحو: {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ} .. فإنه لا يشمل سوى سيدنا محمد بن عبد الله، خاتم النبيين والمرسلين. ودلالة الخاص على معناه قطعية لا تقبل تأويلًا ولا زيادة على مدلوها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 363 ومِن العلماء مَن جعل الخاص في النوع أيضًا أو في الجنس ويقول: الخاص ما وضع لواحد، سواء كان فردًا أو نوعًا أو جنسًا. وعلى هذا، فمن الخاص الطواف وإن تعددت مراته، والأمر، والنهي وإن تنوعت استعمالاتهما. وأيًّاما كان، فالخاص يقابل العام. أما المثنى، فيطلق على الاثنين، وإلحاقه بالجمع فيه خلاف، وطلب تكراره موقوف على القرائن؛ كقوله: {ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ} .. فإنه مراد به التكرار. وأما قوله: {الطَّلاقُ مَرَّتَانِ} فمراد به حقيقة الاثنين بدليل: {فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} والمراد: إن طلقها الثالثة بعد أن راجعها في المرة الأولى والثانية. 3- المجمل: هو ما لم تتضح دلالته ولم يظهر المراد منه من جهة لفظه.. وأنكر داود الظاهري وجود هذا النوع في القرآن؛ لأنه يؤدي إلى الحيرة والخلو من الفائدة. والصواب: وجوده للتأمل فيه ثم يكشفه البيان. والمتفق عليه أنه ما من مجمل في القرآن إلا بُيِّن.. أما بقاؤه على إجماله وهو متعلق بالأحكام فممتنع اتفاقًا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 364 أسباب الإجمال: أ- وجود اللفظ المشترك المستعمل في أحد معانيه المتضادة؛ مثل: "عسعس".. فإنه موضوع للإقبال والإدبار، قال تعالى: {وَاللَّيْلِ إِذَا عَسْعَسَ} . ب- الحذف، على أن يكون المحذوف أيضًا متقابلًا؛ بحيث لا يمكن الجمع؛ نحو: {وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ} إن كان المحذوف "في" كانت الرغبة محبة.. وإن كان المحذوف "عن" كانت نفرة وكراهية. جـ- اختلاف مرجع الضمير؛ نحو: {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ} يحتمل عود ضمير الفاعل في "يرفعه" إلى ما عاد عليه ضمير إليه وهو "الله". ويحتمل عوده إلى "العمل".. والمعنى: أن العمل الصالح هو الذي يرفع الكلم الطيب. ويحتمل عوده إلى "الكلم"؛ أي: أن الكلم الطيب -وهو التوحيد- يرفع العمل الصالح؛ لأنه لا يصلح العمل إلا مع الإيمان. فأنت ترى أن الرافع إما "الله" أو "العمل" أو "الكلم".. والمرفوع إما "الكلم" وإما "العمل". د- احتمال العطف والاستئناف؛ كما في قوله تعالى: {وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آَمَنَّا بِهِ} . فإن جعلت "الواو" للعطف.. فالراسخون يعلمون تأويل المتشابه، وإن جعلتها للاستئناف.. فالراسخون لا يعلمون؛ ولكن يقولون: آمنا به. هـ- استعمال اللفظ الغريب؛ نحو: العضل في قوله: {فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ} . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 365 و استعمال اللفظ المشهور في غير ما اشتهر فيه بأن يستخدمه كناية أو استعارة؛ نحو: {تَنَزَّلُ عَلَى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ، يُلْقُونَ السَّمْعَ} أي: يسمعون.. ونحو: {ثَانِيَ عِطْفِهِ} كناية عن التكبر.. ونحو: {فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ} كناية عن الندم. ز- التقديم والتأخير؛ نحو: {يَسْأَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا} .. والتقدير: يسألونك عنها كأنك حفي. حـ- قلب المنقول؛ نحو: {سَلَامٌ عَلَى إِلْ يَاسِينَ} أي: على إلياس.. {وَطُورِ سِينِينَ} أي: سيناء.. ط- التكريم القاطع لوصل الكلام في الظاهر: {قَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِمَنْ آَمَنَ مِنْهُمْ أَتَعْلَمُونَ أَنَّ صَالِحًا مُرْسَلٌ مِنْ رَبِّهِ} .. والتقدير: قال الملأ الذين استكبروا للمؤمنين المستضعفين. والبيان إما متصل نحو قوله: {حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ} .. فإن قوله: {مِنَ الْفَجْرِ} بيان لتبين الخيط الأبيض من الخيط الأسود. وقد يكون منفصلًا في موضع آخر نحو قوله: {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} بينه قوله: {وَمَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ، ثُمَّ مَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ، يَوْمَ لَا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئًا وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ} . وقد تكون السنة هي المبيِّنة كما في الصلاة وغيرها.. وليس لأحد أن يبين المجمل إلا الشرع.. بخلاف المشترك، فإن حمله على أحد معانيه يمكن للمجتهد بالأمارات كما فعل أئمة الفقه رضوان الله عليهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 366 4- المطلق: وهو ما دل على الماهية من غير قيد؛ نحو: "رقبة" في قوله: {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ} فهو لفظ منتشر يصدق على أي فرد. والصواب: أنه من قبيل الخاص، وينصرف إلى الكامل، ويدل على العموم عن طريق البدل عن طريق الشمول. فمثلًا لفظ "رقبة" لا يشمل إلا فردًا واحدًا، ومع ذلك لو جئت بأية رقبة كنت ممتثلًا.. وهذا هو معنى العموم البدلي. فإذا قيد المطلق لم يخرج عن معناه.. فإذا قال الله: {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ} لم يزد إلا وصفها بالإيمان مع بقاء المطلق من قسم الخاص. أما العام، فمتى خصص خرج عن معنى العموم، فإذا قلنا: اقتلوا المشركين الحربيين؛ أصبح العام بعد التخصيص لا يتناول سوى الحربيين. 5- المقيد: وهو ما أخرج عن الانتشار بوجه ما وكان القيد مستقلًّا.. فمثلًا: "مؤمنة" في قوله تعالى: {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ} هو قيد.. وقد ضيق في مدلول رقبة، وحصرها في المؤمنين. ولَا بُدَّ أن يكون القيد مستقلًّا لإخراج المعارف.. فإن العلم -مثلًا- مانع من الانتشار بقيد العالمية؛ لكنه غير مستقل. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 367 حمل المطلق على المقيد: لا يُحمل المطلق على المقيد، ولا يُحمل المقيد على المطلق إلا بمسوغ. واعلم أن كلًّا من المطلق والمقيد إما أن يكون حكمهما واحدًا، أو للمقيد حكم وللمطلق حكم. وإما أن يكون سببهما واحدًا أو متعددًا.. للمقيد سبب وللمطلق سبب. فمثال اتحاد الحكم: {تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ} فمرة مطلقة؛ كما في قوله: {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا} .. ومرة يقول: {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ} .. فالحكم في كل منهما متحد.. وهو التحرير. ومثال تعدد السبب؛ كأن يكون في أحدهما سببه الظهار، وفي الآخرة سببه القتل الخطأ. ومثال اتحاد السبب في كل منهما قوله: {مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ} وقوله: {إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ} .. فهذا مطلق، والأول مقيد. والقاعدة: أنه إذا اتحد السبب والحكم وجب الحمل على المتأخر.. فإن كان المتأخر هو المطلق أُلغي القيد.. وإن كان المتأخر هو المقيد قيد المطلق وحمل المطلق على المقيد.. وإن اختلف السبب بقي كل منهما على حاله، اتحد الحكم فيهما أو اختلف. وكذا إذا اتحد السبب واختلفا في الحكم.. فلا تحمل كفارة الظهار على كفارة القتل الخطأ؛ لاختلاف السبب.. وكذا لا تحمل كفارة اليمين على كفارة الظهار في تتابع الصوم؛ لاختلاف السبب.. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 368 6- المنطوق: هو ما دل عليه اللفظ في محل النطق؛ نحو: {فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ} . فقد دل هذا النص على صيام عشرة أيام دلالة قاطعة.. فإن لم يُفهم اللفظ إلا بتقدير محذوف سُمي ذلك دلالة اقتضاء؛ نحو: {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ} أي: أهلها. فإن قصد من اللفظ لازم معناه سُمي ذلك بدلالة الإشارة؛ نحو قوله: {لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا} . فاعتبار كل المهاجرين فقراء يدل بلازمه على أن الخارج من مكة مهاجرًا إلى الله ورسوله زالت ملكيته عما كان يملكه؛ بحيث لو رجع إلى مكة لا يعود إلى ملكه ما كان يملكه.. ولما عاد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى مكة فاتحًا لم يملك داره التي كان قد استولى عليها عقيل بن أبي طالب، وقال عليه السلام: "وهل أبقى لنا عقيل شيئًا؟ ".. وما تُرك لأجل الله لا يعود إلى صاحبه. ويمكن تسمية المنطوق بدلالة العبارة.. 7- المفهوم: وهو ما دل عليه اللفظ لا في محل النطق.. وهو قسمان: مفهوم موافقة، ومفهوم مخالفة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 369 فالأول ما يوافق حكمه حكم المنطوق.. فإن كان أولى سُمي فحوي الخطاب؛ كدلالة: {فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ} على تحريم الضرب؛ لأنه أشد. وإن كان مساويًا سُمي لحن الخطاب؛ كدلالة: {إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا} على تحريم الإحراق؛ لأنه مساوٍ للأكل في الإتلاف. والثاني: ما يخالف حكمه حكم المنطوق.. وهو أنواع: أ- مفهوم الصفة: يستوي فيها أن تكون نعتًا؛ كقوله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا} .. فالمفهوم المخالف: إن جاءنا غير فاسق قبلنا خبره ولم نتوقف فيه.. أما كانت حالًا؛ نحو: {وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ} .. فمباشرة الزوجات في غير حال الاعتكاف وفي غير المساجد -غير محظورة. أم كان ظرف زمان؛ نحو: {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ} فلا يجوز الإحرام بالحج في غير أشهره. أم ظرف مكان؛ نحو: {فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ} فإن ذكر الله في غير هذا المكان غير محصل للمطلوب بالذكر عند المشعر الحرام.. ب- ومن مفهوم المخالفة: مفهوم الشرط؛ كقوله: {وَإِنْ كُنَّ أُولاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ} .. مفهومه المخالف أن غير الحوامل لا ينفق الأزواج عليهن.. جـ- مفهوم الغاية؛ نحو: {فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 370 مفهوم المخالفة: أن المطلقة ثلاثًا تحل لمطلقها بغير نكاح آخر لها. د- مفهوم العدد؛ نحو: {فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً} . المفهوم المخالف: أن يزيد العدد، أو ينقص عن ثمانين. هـ- القصر؛ نحو: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ} . مفهوم المخالف: عبادة غيره. واختلفوا في الاحتجاج بمفهوم المخالفة. والصواب: أنه يحتج به ما لم يعارضه دليل. فمثلًا: قوله من بين المحرمات: {وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ} . مفهوم المخالف: أنها تحل إذا لم تكن في حجر زوج أمها؛ لكن هذا معارَض بدليل آخر؛ وهو قوله عليه الصلاة والسلام: "والدخول بالأمهات يحرم البنات". وبهذا ينتهي هذا الموضوع. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 371 الموضوع التاسع عشر: ترجمة القرآن مدخل ... الموضوع التاسع عشر: ترجمة القرآ ن 1 معناها، وأقسامها، والحاجة إليها، والفرق بينها وبين التفسير، وحكمها، والشبهات الواردة عليها، وردها: مبحث الترجمة من المهمات التي تُناط بالمسلمين؛ إذن عليها يتوقف تبليغ القرآن لغير العرب، والترجمة في نفسها دقيقة تحتاج لكفاءة وأمانة، وبعض المترجمين يترجمون خطأ لقلة علمهم، أو يتعمدون الخطأ لسوء نيتهم.. والترجمة بالمعنى العام تُطلق على مجرد نقل الكلام والنطق به، وعلى نقله إلى لغة أخرى.. كما تطق على تفسير الكلام باللغة التي قيل بها، أو تفسيره بلغة أخرى.. أما الترجمة العرفية التي اصطلح عليها الناس فعرَّفوها بأنها التعبير عن معنى كلام بكلام من لغة أخرى، مع الوفاء بمعانيه ومقاصده.. فقولنا: التعبير عن معنى كلام بكلام من لغة أخرى مخرج لتعبير الإنسان عما في نفسه، والتعبير بالمرادف.. وقولنا: مع الوفاء ... إلخ، مخرج للتفسير؛ فإنه يكتفى فيه بالبيان ولو بوجه من الوجوه، ولا يشترط فيه الوفاء بكل المعاني والمقاصد.. وتنقسم الترجمة إلى: حرفية لفظية، وإلى معنوية تفسيرية..   1 ترجمة القرآن الكريم كُتب فيها عدة مؤلفات؛ منها لشيخ الإسلام في تركيا مصطفى حبرى، ولرشيد رضا، وللشيخ المراغي، وللشيخ مخلوف، وأعظمها كتاب الأستاذ مصطفى الشاطر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 372 شروط المترجم والترجمة : لا بد أن يكون المترجم أمينًا وكفئًا عالمًا بكل من اللغتين من حيث المفردات والتراكيب والأساليب؛ بحيث يمكنه تعويض النقص ليحقق الوفاء المطلوب في الترجمة، والذي يجعلها صالحة لأن تسد مسد الأصل.. فإذا كانت الترجمة حرفية.. فلا بد من تساوي اللغتين في المفردات والاشتقاق والضمائر، وإلا تصير الترجمة الحرفية ممتنعة، متى لم تتعادل اللغتان في كل شيء يتصل بالموضوع المترجم.. وتفترق الترجمة عن التفسير بفروق: 1- استقلال الترجمة عن الأصل.. 2- لا استطراد في الترجمة.. 3- وفاؤها بالغرض كاملًا.. 4- كمال الاطمئنان بالترجمة.. التفسير بخلاف هذا كله.. لا يستغني عن المفسَّر، ويمكن الاستطراد فيه.. وأحيانًا يُكتفى فيه بوجه من الوجوه، ولا تتأكد الطمأنينة به لاحتمال الإيجاز فيه.. والتفسير بطبيعته قائمة فيه الاحتمالات.. هذا كله في التفسير بالرأي. ولا فرق بين الترجمة الحرفية والترجمة التفسيرية؛ إلا أن الترجمة الحرفية نقل للمفردات، والتفسيرية تصوير للمعاني.. كما أنه لا فارق في التفسير بين أن يكون بلغة المفسر، أو بغير لغته.. ولا تعرف الترجمة تعريفًا منطقيًّا؛ لأنها من قبيل التصديقات، والتعريف من التصورات، ولأن الترجمة سدت مسد الأصل فلا يجمع بين البدل والمبدل منه.. ونحن نعلم أن التعريف إما حقيقي يقصد منه حصول الصورة في الذهن بعد أن لم تكن حاصلة.. وإما لفظي يقصد به حضور ما هو حاصل غائب.. وما ذكر لها من تعريف إنما هو بالرسم.. شأن معظم المعرفات.. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 373 ولما كان الكلام عن الترجمة، وليس فيها تحصيل ما ليس بحاصل؛ لأن الأصل موجود ولا حضور ما هو غائب؛ امتنع تعريفها تعريفًا منطقيًّا.. والمراد بالقرآن في قولنا: ترجمة القرآن -الكلام المعجز البليغ.. ومن المعلوم أن لأي كلام بليغ معنى أولي يعرفه الجميع، ومعنى ثانوي ينفرد بمعرفته الخاصة.. وعلى الناظر في القرآن لترجمته أن يعلم مقاصده الأساسية: وأولها: هداية الناس إلى الحق.. وثانيها: إثبات عجز الخَلْق عن الإتيان بمثل أقصر سورة فيه.. وثالثها: التعبد بتلاوته. وعظمة القرآن يدركها الخاصة، وكثيرًا ما تفوت على العامة، والذي يترجم القرآن يجب عليه أن يركز على المعنى الثاني الذي تكمن فيه عظمة القرآن المتحدى به المعجز. ولا بد من ملاحظة أن القرآن مقصود به التعبد بتلاوته، فلا يُستغنى عن أصله بترجمة حرفية أو بغيرها، وتجب المحافظة على أصله، فهو مأدبة الله لا يُغني عنه شيء؛ لأن فيه التدبر: {أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآَنَ} ، وهو ميسور الحفظ: {وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآَنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ} .. وعلى لفظه تتوحد الأمم: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ} . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 374 حكم ترجمة القرآن : 1- إن كانت بمعنى نقل ألفاظه.. فجائز شرعًا. 2- تفسيره باللغة العربية جائز شرعًا. 3- تفسيره بلغة أخرى جائز لمن استجمع لشروط المفسر وشروط المترجم. وهذه المعاني الثلاثة راجعة إلى الترجمة العامة. 4- أما نقل تفسيره بالعربي إلى غير العربي، فتلك الترجمة العرفية، وهي جائزة شرعًا.. وفوائد هذه الترجمة: 1- رفع النقاب عن الإسلام. ب- إزالة الشبه. جـ- تنوير غير المسلمين. د- إزالة الحواجز المصطنعة. هـ- براءة الذمة من تبعة التبليغ. وقد وردت على ترجمة التفسير بعض الشبهات؛ منها: 1- أن ترجمة التفسير لا بد فيها من ذكر شيء من القرآن، وهو ممنوع عندكم.. وجوابه: أنه يكفي أن يكون موجودًا باللفظ والرسم العربي، ويشير المترجم إليه برقمه.. 2- التفسير: يشمل عادة السنة وأقوال الصحابة والأئمة، مما يتعذر ترجمته.. وجوابه: أن يكتفى من التفسير بوجه واحد لتتيسر الترجمة. 3- يكتفى بترجمة تعاليم الإسلام عن التفسير.. وجوابه: أن هذا يكفي لمن يريد أن يتعرف على الإسلام بوجه عام، أما مَن يريد أن يتعرف على التفسير للحاجة إليه، فلا يكفيه إلا أن يترجم له التفسير، ومن أراد القرآن فعليه أن يعرف لغته؛ ليتلوه بها. وبناء على ما سلف.. فإن معنى ترجمة القرآن: التعبير عن معانيه وألفاظه العربية بلغة أخرى، مع الوفاء بمقاصده. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 375 والترجمة الحرفية من المستحيل العادي، خصوصًا في القرآن؛ لما يأتي: 1- قصور الترجمة عن الوفاء بالمعنى الأول والثانوي، والمحافظة على مقاصد القرآن الثلاثة. 2- إن وجدت وجد مثل للقرآن.. وهو مستحيل، والمستحيل يحرم طلبه شرعًا؛ لأن طلبه عبث.. 3- إذا قلنا بإمكانها نكون قد ادعينا وجود مثل للقرآن، وهو منافٍ لإثبات عجز البشر. 4- إذا وجدت انصرف الناس على الأصل.. وذلك لا يجوز. 5- إذا وجدت انصرف الناس إليها وعُرض الأصل للضياع، وهذا لا يرضاه مسلم يتعبد بتلاوة القرآن. 6- إذا وجدت الترجمة الحرفية افترق الناس واختلفوا، والمطلوب وَحْدَة الأمة. 7- إذا وجدت تصدعت لغة القرآن، ولم يبقَ لوصفه بالعربية كبير فائدة. 8- انعقد الاجتماع على عدم جواز رواية القرآن بالمعنى؛ محافظة على لفظه، فكيف يجوز وفي الترجمة الحرفية هجر للفظه؟! 9- الأعلام لا تمسها الترجمة، والقرآن عام مقصود لفظه. وقد وردت بعض الشبهات على منع الترجمة الحرفية، نوجزها فيما يأتي: 1- وجوب تبليغ الإسلام. وجوابه: يمكن تبليغه بترجمة التفسير لمن أراد التفسير، وتبليغ أحكام الإسلام بترجمتها لمن أراد معرفة الأحكام. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 376 2- استلزم كتب النبي صلى الله عليه وسلم التي بعثها إلى غير العرب للترجمة، فلا بد أنها ترجمت لهم بإقرار منه عليه السلام للترجمة. وجوابه: أنها تستلزم ترجمة التفسير، على أن ما في كتبه صلى الله عليه وسلم كان اقتباسا من القرآن، وليس في أي كتاب آية كاملة. ومَن ادعى أن الكتب تُرجمت ترجمة حرفية.. فقد أعظم القول وقال بغير علم. 3- الترجمة كالتفسير. وجوابه: أن بينهما فروقًا كما سق. 4- يكتفى بالمعنى الأولي. وجوابه: أن هذا شطر القرآن.. فالمعنى الثانوي أهم عند الخاصة من المعنى الأولي، وأدل على العظمة والإعجاز والهداية. 5- تصحيح ما وقع من أخطاء. وجوابه: ستقعون في الخطأ مثلما وقعوا.. بل إن الترجمة التفسيرية لم تزل بها أخطاء يندى لها الجبين مع كثرة تَكْرَارِها. 6- نقل عن سلمان الفارسي أنه ترجم الفاتحة، وأقر النبي صلى الله عليه وسلم ترجمته لها. وجوابه: أن هذا خبر مطعون في صحته.. وعلى فرض التسليم بسلامة سنده -وهو عسير جدًّا- فإنها كانت ترجمة للتفسير، وليست ترجمة حرفية. 7- جوز الأحناف الدخول في الصلاة بترجمة التكبير. وجوابه: أنه لا حجة إلا لما ثبت عن الله ورسوله، وأن الأحناف يفرقون بين ما هو ذكر تجوز ترجمته، وما هو قصة لا تجوز ترجمته. وبهذا ينتهي هذا الموضوع. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 377 الموضوع العشرين: أهم قواعد التفسير ... الموضوع العشرون: أهم قواعد التفسير 1- جرت عادة العرب على حذف المفعول اختصارًا إن وجد دليل.. واقتصارًا إذا لم يتعلق غرض لنتكلم في ذكره؛ نحو: {كُلُوا وَاشْرَبُوا} فلم يعين المأكول لأنه مباح، والمباحات لا تكاد تنحصر. وأحيانًا يُراد مجرد الإعلام بالفعل بصرف النظر عمن أوقعه ومن وقع عليه؛ كأن تقول: حصل حريق.. ومنه: {وَإِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيمًا وَمُلْكًا كَبِيرًا} .. ففي "رأيت" الأولى مجرد الإعلام، ثم فسره بما وقع بعد "رأيت" الثانية. 2- يشترط عند حذف الشيء لدليل أن يكون الدليل مطابقًا للمحذوف، فلا يصح تقدير: بلى ليحسبنا قادرين على أن نسوي بنانه.. بناء على أن الدليل الذي يدل على المحذوف هو قوله قبل: {أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظَامَهُ} فرد عليه قائلًا: {بَلَى قَادِرِينَ عَلَى أَنْ نُسَوِّيَ بَنَانَهُ} .. وذلك للاختلاف في الحسبانين؛ إذ الحسبان الموجود الذي اعتبر دليل حسبان بمعنى الظن والحسبان المقدر حسبان بمعنى اليقين، ففسد هذا التقدير لعدم مطابقة الدليل للمدلول عليه. 3- إذا قدرت محذوفًا فلا يصح أن يكون جزءًا من الجملة؛ كأن يكون فاعلًا؛ لأن حذف الجزء إخلال بأحد ركني الجملة. ومن ثم من جعل فاعل "بئس" هو المثل في قوله: {بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ} الجزء: 1 ¦ الصفحة: 378 فقد أخطأ؛ لأن الفاعل أحد ركني الجملة فلا يحذف.. وإنما هو ضمير في معنى المثل فسره "مثل" المضاف إلي ما فيه "أل". 4- لا يلي حرف "أما" إلا الاسم.. ولا يلي "إذا" إلا الفعل.. فإن وليها الاسم قدرت الفعل؛ نحو: {إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ} .. 5- يجب تقليل المحذوف بقدر ما يمكن، على أن يكون المقدر موافقًا للسياق؛ مثل: {جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ} تقدير: حرمة الكعبة أولى من تقدير: نصب الكعبة؛ لموافقته السياق.. وتقدير: كذلك في قوله: {وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ} أولى من تقدير: فعدتهن كذلك لاختصار الأول.. 6- إذا تردد المحذوف بين أن يكون خبرًا للمبتدأ وبين أن يكون فعلًا.. فالأولى في التقدير أن يكون المحذوف هو الخبر؛ لدلالة المبتدأ عليه؛ إذ الخبر عين المبتدأ في المعنى، إلا إذا دل دليل على أن المحذوف هو الفعل، فيقدر نحو: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ} .. فالتقدير: خلقهن الله.. لورود قوله: {خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ} ولو لم يرد هذا الدليل لكان الأحسن في التقدير: الله خلقهن.. 7- إذا دار الأمر بين كون المحذوف أولًا أو ثانيًا، فكونه ثانيًا أولى.. ومن ثم رجح أن المحذوف في نحو: {أَتُحَاجُّونِّي فِي اللَّهِ} نون الوقاية لا نون الرفع.. 8- يحذف المبتدأ في الغالب إذا وقع جوابًا عن استفهام؛ نحو: {وَمَا أَدْرَاكَ مَا هِيَهْ، نَارٌ حَامِيَةٌ} أي: هي نار.. وبعد "فاء" الجزاء؛ نحو: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ} أي: فعله لنفسه.. وبعد القول؛ نحو: {وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ} أي: هي أساطير.. والذي سوغ حذف المبتدأ مع أنه ركن وجود دليل دل عليه.. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 379 9- وحيث دخلت واو العطف على لام التعليل.. فإما أن تقدر علة محذوفة ليصح العطف، أو تقدر معلولًا بعلة محذوفًا؛ نحو قوله: {وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلَاءً حَسَنًا} .. فإما أن تقدر للإحسان إلى المؤمنين فعل ما فعل وليبلي المؤمنين.. أو تقدر ليمحق الكافرين وليبلي المؤمنين؛ لأنه لا يصح عطف {وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ} على قوله: {وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى} .. 10- الأصل في الضمير الاختصار، ففي قوله: {إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ ... } الآية من سورة الأحزاب.. قال في آخرها: {أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ} فقام هذا الضمير مقام إعادة ذكر الآية مرة أخرى؛ ومن ثم كان الضمير المتصل أولى من الضمير المنفصل لاختصاره.. ولا يعدل إلى المنفصل إلا عند تعذر الإتيان بالضمير المتصل؛ كالابتداء مثلًا.. ولا بد للضمير من مرجع مطابق: {وَنَادَى نُوحٌ ابْنَهُ} .. أو متضمن: {اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى} أي: العدل.. أو بالالتزام: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ} أي: القرآن.. وقد يعود الضمير على متأخر في الرتبة: {وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ} .. وقد يعود إلى متأخر عنه في الذكر: {فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسَى} .. وقد يحذف العائد إما لدليل أو ثقة بفهم السامع؛ نحو: {حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ} فإن الحجاب دليل على الشمس.. ونحو قوله: {وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ} أي: الميت.. ولم يتقدم له ذكر.. وقد يعود الضمير على البعض دون الكل؛ نحو: {وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ} فإنه لا يعود إلا على المطلقة طلاقًا رجعيًّا.. مع أن قوله: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ} يعم البائنات والرجعيات. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 380 وقد يعود الضمير على المعنى؛ نحو: {فَإِنْ كَانَتَا اثْنَتَيْنِ} .. فألف الاثنين عائدة على الكلالة التي تعم بمعناها الواحد فما زاد.. وقد يعود على واحد من الاثنين لبيان أن الآخر تبع له؛ نحو: {وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ} .. فالضمير راجع إلى الله؛ لأن الرسول يرضى بكل ما يُرضي الله. وقد يعود الضمير على غير المذكور، وقد تقدم في الاستخدام؛ نحو: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ طِينٍ، ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً} .. فالإنسان آدم، والمجعول ذريته.. وقد يعود إلى ملابسه؛ نحو: {لَمْ يَلْبَثُوا إِلاَّ عَشِيَّةً أَوْ ضُحَاهَا} أي: ضحى يومها.. وقد يكون العائد معقولًا نزل منزلة المحس المشاهد؛ نحو: {إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ} .. فالضمير عائد على الأمر وهو معقول، نزل منزلة المشاهد المقول له، ذلك أن ما سبق به علم سبحانه وقع من غير تخلف.. ويعود الضمير إلى أقرب مذكور ما لم توجد قرينة تدل على خلاف ذلك؛ نحو: {وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا} .. 11- الأصل أن يتحد العائد حذرًا من تشتت الضمائر؛ إلا إذا وجدت قرينة على خلاف ذلك؛ نحو: {وَلَا تَسْتَفْتِ فِيهِمْ مِنْهُمْ أَحَدًا} .. فالأول لأصحاب الكهف، والثاني لليهود.. 12- يفرق بين ضمير الفصل الذي هو للإعلان بأن ما بعده خبر لا تابع، وبين ضمير الشأن والقصة الذي لتعظيم المخبر عنه، ولزومه الإفراد.. يفرق بينهما حتى لا يضطرب الكلام عند جعل ضمير الفصل ضمير الشأن، وعكس ذلك. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 381 قال ابن هشام: متى أمكن الحمل على غير ضمير الشأن فلا ينبغي أن يُحمل عليه. 13- جمع التكثير في العاقلات يعود الضمير عليه في الغالب جمعًا.. وفي غير العاقلات يعود على جمع الكثرة مفردًا، وجمع القلة مجموعًا نظرًا لتمييزهما؛ نحو: {إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ} . 14- إذا عاد الضمير إلى المعنى قل أن يعود إلى اللفظ.. وإذا عاد إلى اللفظ كثر أن يعود إلى المعنى؛ لأن المعنى أقوى من اللفظ كما في "ما" و"من"؛ نحو: {وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ، وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ} عاد إلى المعنى بعد أن وحد ضمير "يعش" مراعاة للفظ "من".. وعكسه نحو: {مَا فِي بُطُونِ هَذِهِ الْأَنْعَام خَالِصَةٌ لِذُكُورِنَا وَمُحَرَّمٌ عَلَى أَزْوَاجِنَا} .. عاد إلى اللفظ، فأفرد "محرم" بعد أن راعى المعنى في "خالصة". 15- من المعلوم أن الفعل إذا أسند إلى الجمع أو المفرد المؤنث تأنيثًا مجازيًّا جاز تذكيره وتأنيثه.. وكلما فصل بين الفعل والفاعل كان التذكير أَوْلَى، ويترجح بزيادة الفواصل؛ نحو: {فَرِيقًا هَدَى وَفَرِيقًا حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلَالَةُ} .. ذكر الفعل هنا.. وأنثه في قوله: {فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللَّهُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلَالَةُ} ففي الأولى زيادة الميم فحسن التذكير، وأيضًا فيه فريق وهو مذكر.. وفي الثاني "من" وهي راجعة إلى الأمة؛ إذ مبدأ الآية: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} .. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 382 16- ينكر الاسم إما لإرادة الواحدة؛ نحو: {وَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعَى} .. أو لإرادة النوع الغريب؛ نحو: {وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ} .. أو للتعظيم في الكيفية: {فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ} .. أو للتكثير في الكمية: {كُلَّمَا جَاءَهُمْ رَسُولٌ} .. أو للتقليل: {وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ} .. والتقليل: رد الجنس إلى فرد من أفراده، وليس رد الواحد إلى جزء من أجزائه.. أو للتحقير: {لَنْ يَضُرُّوكُمْ إِلَّا أَذًى} .. أو للتجاهل كأنهم لا يعرفونه؛ كقول الكفرة: {هَلْ نَدُلُّكُمْ عَلَى رَجُلٍ يُنَبِّئُكُمْ إِذَا مُزِّقْتُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّكُمْ لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ} . أو لإرادة العموم؛ كأن يقع بعد النفي أو الشرط أو الامتنان؛ نحو: {أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً} .. ويعرف بالضمير للاختصار ومراعاة المقام.. وبالعالمية لتمييزه بما عرف به.. وبالإشارة لمراعاة منزلته من القريب والبعد خسة أو رفعة.. وللتعريض بغباوته كأنه لا يدرك إلا ما هو محس؛ نحو: {هَذَا خَلْقُ اللَّهِ} .. ولتمييزه عن غيره بالإشارة الحسية؛ نحو: {هَذَانِ خَصْمَانِ} .. وبالموصول لمراعاة ما تشير إليه الصلة من ستر أو ذم أو عموم وغير ذلك.. وبالإضافة للاختصار والتعظيم أو التحقير.. وبالألف واللام لمراعاة المراد بهما.. 17- إذا تكررت المعرفة فالثاني عين الأول.. وإذا تكررت النكرة فالثاني غير الأول.. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 383 وإذا جاء الاسم معرفًا بعد وروده منكرًا فالثاني غير الأول.. والعكس يتوقف على القرآن؛ نحو: {فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا، إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا} .. وهذا القاعدة بُنيت على الغالب بشرط عدم قصد التكرار، وأن يكونا في كلام واحد، ولمتكلم واحد.. أو في كلامين متصلين بينهما رابط وتعلق.. 18- الإفراد والجمع والتثنية في كل موضع من القرآن له ما يبرره؛ كالأرض والسموات، والظلمات والنور، والمشرق والمغرب، والسبيل والسبل، والولي والأولياء.. وإذا أفرد الريح كانت عذابًا.. والرياح رحمة.. وقد يفردها وتكون رحمة لمراعاة الحال؛ كما في قوله: {وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُوا بِهَا جَاءَتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ} .. ذلك أن تعدد الرياح يعرض السفينة للهلاك.. أما في البر، فكانت الرياح رحمة؛ لأنها إن جاءت من جهة غير مريحة قابلتها من جهة أخرى ريح ثانية تقاومها، فتولد بينهما ريح ثالثة.. فكان التعدد رحمة.. أما ريح العذاب فلا يقاومها شيء. وأفرد السمع وجمع البصر؛ لأن الأول يغلب في المصدرية، والثاني في الجارحة، ومتعلق الأول الأصوات وحقيقتها واحدة، ومتعلق الثاني الأكوان والألوان، وهي حقائق متعددة.. 19- أشياء لا واحد لها، وأشياء يجب التعرف على مفردها وجمعها؛ من ذلك: "المن والسلوى": لا واحد لهما.. "النصارى": قيل مفردها: نصراني أو نصير.. "إعصار": جمعه أعاصير.. "الأزلام": واحدها زُلَم بضم الزاي وفتحها مع فتح اللام فيهما.. "مدرارًا": جمعه مدارير.. "أساطير": واحده أسطورة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 384 "الصور": جمع صورة أو هو مفرد جمعه أصوار.. "قنوان وصنوان": جمع قنو وصنو، والمثنى والجمع فيهما واحد.. "الحوايا": مفردها حاويا.. "نشرا": مفردها نشور.. "عضين وعزين": مفردهما عضة وعزة.. "سرى": جمعه سريان.. "آناء": مفرده أنا بوزن مع، أو إني: بوزن قرد، أو أنوة: بوزن فرقة.. "صياصي": مفردها صيصية.. "منسأة": تجمع على مناسي.. "غرابيب": مفردها غربيب.. "أتراب": مفردها أترب.. "آلاء": مفردها إِلَى؛ وهي النعمة على وزن مع، أو إلى وزن قفى، وقيل وزن قرد، أو وزن دلو.. "التراقي": مفردها ترقوة.. "الأمشاج": مفردها مشيج.. "ألفافًا": واحدها لف بكسر اللام.. "الخنس": مفردها خانسة، وكذا الكنس.. "الزبانية": مفردها زبنية، أو زابن، أو زباني.. "أشتاتا": مفردها شت أو شتيت.. 20- إذا قُوبل الجمع بالجمع كان لكل فرد ما يخصه؛ نحو: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ} .. فإن كل فرد تحرم عليه أمه فقط.. وقد يكون كل الجمع لواحد؛ نحو: {فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً} فإن هذا العدد كله لكل فرد على حدة.. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 385 وأحيانًا يكون الأمر محتملًا.. فيكون لكل فرد ما يخصه، أو يكون الجمع كله لواحد، والقرآن هي التي تحدد؛ نحو: {وَبَشِّرِ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ} .. هل لكل فرد جنات، أو لكل فرد جنة تخصه؟ وإذا قُوبل الجمع بالمفرد.. فالغالب عدم تعميم المفرد، وقد يعمم؛ نحو: {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ} .. فالفدية مفرد، وهي على كل فرد يطيق الصوم فأفطر.. 21- يجب التفريق بين ما يظن ترادفه من الألفاظ؛ مثل: الخشية التي تدل على اليبس والجمود، والخوف الذي مدلوله النقص.. فعليه.. فالخشية ينظر فيها إلى عظمة مَن يختشي.. وإن كان المختشي قويًّا، والخوف ينظر فيه إلى ضعف الخائف، وإن كان المخوف أمرًا يسيرًا، قال تعالى: {يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخَافُونَ سُوءَ الْحِسَابِ} .. ومن ذلك: الشيخ والبخل.. فالشح فيه زيادة حرص.. والفرق بين البخل والضن: أن البخل بالهبات، والضن بالعارية. تقول: ضنين بعلمه؛ لأن العلم أشبه بالعارية التي لا تخرج عن ملك صاحبها، بخلاف الهبة، قال تعالى: {وَمَا هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِضَنِينٍ} .. ومع اعتبار البخل في الهبات، والهبة تخرج عن ملك الواهب، فقوله تعالى: {إِنْ يَسْأَلْكُمُوهَا فَيُحْفِكُمْ تَبْخَلُوا} .. وذلك في المال لادعاء ملكية العبد له. وفي الحقيقةلم يخرج المال عن ملك الله.. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 386 وهذا الاستعمال في الأصل، فإن خرج عنه ملكته.. ومن ذلك: السبيل والطريق.. فالأول فيه سهولة، وأغلب استعماله في الخير.. والثاني إذا استعمل في الخير وصف أو أضيف.. ومن ذلك: جاء وأتى.. فالإتيان يجيء بسهولة.. وجاء يسند إلى الجواهر والأعيان، وما يراد تجسيده من المعاني.. أما أتى.. فيسند للمعاني والأزمان.. ومن ذلك: مد وأمد.. فأكثر ما يستعمل الثاني في الخير، وأكثر ما يستعمل الأول في الشر.. ومن ذلك: العمل والفعل.. ففي الأول امتداد زمني، وفي الثاني سرعة، قال تعالى: {وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} أي: ثابروا على عملها.. وقال: {وَافْعَلُوا الْخَيْرَ} أي: استبقوا إليه بالمسارعة.. ومن ذلك: القعود والجلوس.. فالأول فيه طول مكث، والثاني فيه قصر، قال تعالى: {فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ} وقال: {تَفَسَّحُوا فِي الْمَجَالِسِ} .. ومن ذلك: التمام والكمال.. فرق بينهما بأن التمام زوال نقصان الأصل.. والكمال زوال نقصان العوارض بعد تمام الأصل، قال تعالى: {أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي} .. وقال: {تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ} لأن العدد قد تم، ووصفه بالكمال لنفي احتمال النقص في صفاتها.. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 387 وقيل: التمام لما حصل فيه نقص قبل التمام.. والكمال لا يشعر بذلك.. وقال العسكري: الكمال اسم لاجتماع أبعاض الموصوف به، والتمام اسم للجزء الذي يتم به الموصوف؛ ولهذا يقال: القافية تمام البيت، ولا يقال: كماله، ويقولون: البيت بكماله أي: باجتماعه. اهـ. ومن ذلك: أعطى وآتى.. فالإيتاء أقوى؛ إذ لا مطاوع له، فالفاعل فيه مستقل، بخلاف أعطى، فله مطاوع.. وكل فعل له مطاوع فالفاعل فيه يتوقف تأثيره على قبول المفعول للتأثير، تقول: خرطته فانخرط.. فلولا قبوله للانخراط لم ينخرط.. ولهذا يدل على أن الإعطاء لن يدوم على حالة واحدة، قال تعالى: {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ} .. لأنه مورد في الموقف مرتحل عنه قريب إلى منازل العز في الجنة.. فعبر فيه بالإعطاء لأنه يترك عن قرب وينتقل إلى ما هو أعظم منه.. وكذا: {يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى} لما فيه من تكرير الإعطاء والزيادة إلى أن يرضى كل الرضا صلى الله عليه وسلم. وقال تعالى: {يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ} فمن يؤتيه الله قبل من غير توقف؛ إذن هذا الفعل لا مطاوع له؛ فالفاعل فيه مستقبل بالتأثير. ومن ذلك: آتى وأتى.. فالأول لمن يقبل دائمًا.. والثاني قد لا يقبل، قال تعالى: {وَآتَى الزَّكَاةَ} لمن يقبل.. وقال: {فَأْتُوا بِسُورَةٍ} وليس منهم قبول. ومن ذلك: السنة في الشدة، والعام في الرخاء {فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا} . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 388 22- الأصل في السؤال أن يطابقه الجواب؛ نحو: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ} .. فقد سألوه عن الحكمة مَن خلقها، لا عن أطوار الهلال من النقصان والزيادة كما قيل؛ إذن الأصل المطابقة بين الجواب والسؤال حتى يقوم دليل على خلاف ذلك. وقد يعدل في الجواب عن مقتضى السؤال بالزيادة أو النقصان أو لتصحيح السؤال.. وأنه يجب أن يكون كذا، أو لإرشاد السائل إلى ما ينبغي أن يسأل عنه فيما يهمه؛ نحو: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى} .. لم يُعرِّف لهم الحيض تعريفًا فقهيًّا.. ولما قال فرعون: {وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ} ؟ وهذا يسأل به عن الجنس، والله لا جنس له، أجابه موسى بالصفات: {رَبُّ السَّمَاوَاتِ} وكان فرعون ينتظر أن يجيبه موسى بأنه الله، ولم يفعل لأن الذي يسأل به عن ذوات العقلاء "مَن"؛ ولذا قال فرعون لمن حوله: {أَلا تَسْتَمِعُونَ} يريد: عدم مطابقة الجواب للسؤال.. ومثال ما زاد الجواب فيه عن السؤال قوله: {قُلِ اللَّهُ يُنَجِّيكُمْ مِنْهَا وَمِنْ كُلِّ كَرْبٍ} .. ردًّا على السؤال: {مَنْ يُنَجِّيكُمْ مِنْ ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ} .. ومثال ما نقص اكتفاء بما يذكر: {مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ} لما قالوا له: {ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَذَا أَوْ بَدِّلْهُ} فمن يعجز عن التبديل يعجز عن الاختراع من باب أَوْلَى. وقد يرد الجواب مجملًا إذا ورد السؤال عن مشترك، لم يجدد السائل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 389 مراده من بين معانيه، فيرد الجواب مجملًا كيدًا له على تعنته؛ نحو: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي} . فالروح مشترك بين: ما تقوم به الحياة، والوحي، وجبريل، وجيش من الملائكة، وغير ذلك. وقد يحذف ثقة بفهم السامع، واكتفاء عنه بالجواب؛ نحو: {اللَّهُ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ} . فسؤالهم مقدار: مَن يبدأ الخلق ثم يعيده؟.. ولا يحسن ذكره كي لا يكون السائل والمجيب واحدًا. والأصل التطابق بين السؤال والجواب في الجمل: اسمية أو فعلية.. تقول: مَن قام؟.. فتُجاب: قام محمد.. فإذا حذف الفعل واكتفي بمحمد.. كان فاعلًا عند النحويين، ويقدره علماء البيان أنه مبتدأ؛ لأنه المسئول عنه في المعنى. ورد عليهم مما ورد في القرآن: {مَنْ فَعَلَ هَذَا بِآَلِهَتِنَا قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا} . وقدر علماء البيان: ما أنا فعلت بل فعله؛ لأن "بل" لا يصلح الابتداء بها. والسؤال قد يتعدى بنفسه.. فإن تعدى بـ"عن" فالمطلوب به التعريف: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ} . وإن تعدى بـ"من" فالمطلوب به الإعطاء: {وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ} . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 390 23- الفعل يدل على الحدوث والتجدد.. ومعنى تجدد الماضي حصوله.. ومعنى تجدد المضارع تكرار وقوعه. فإن عبر بالمضارع عن الماضي أراد حكاية الحال الماضية. ومضمر الفعل ومظهره سواء؛ نحو: {قَالُوا سَلامًا} أي: نسلم سلامًا. وأما الاسم فيدل على الثبوت والدوام.. واعترض على ذلك بأن الاسم لا يدل إلا على المسمى.. واستند المعترض إلى قوله تعالى: {ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذَلِكَ لَمَيِّتُونَ، ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تُبْعَثُونَ} . ويمكن الرد على ذلك بإدخال المجاز.. 24- إذا أتي بالمصدر مرفوعًا أفاد الوجوب..وإن كان منصوبًا أفاد الندب: {قَالُوا سَلامًا قَالَ سَلامٌ} والجملة الاسمية آكد في الثبوت.. 25- العطف ثلاثة أقسام: أ- عطف على اللفظ وهو الأصل. وشرط جوازه: صحة توجه العامل للمعطوف. ب- عطف على المحل. وشرطه: إمكان ظهور ذلك المحل؛ نحو: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئُونَ} بالرفع.. معطوف على محل "إن" واسمها. جـ- وعطف على التوهم؛ كقراءة: "إنه من يتقي ويصبر" بإثبات الياء في فعل الشرط، وسكون الراء. فلما توهم أن "مَن" الموصولة كالشرطية عطف بالجزم.. أما قراءة حذف الياء، فالجزم على الأصل، و"مَن" شرطية. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 391 وليس معنى التوهم الغلط.. وإنما معناه ملاحظة المعنى.. ويقال في مثل هذا: عطف على المعنى. وأوردت العطف على التوهم؛ لأنه المصطلح عليه عند النحاة.. واختلفوا في جواز عطف الخبر على الإنشاء وعكسه، كما اختلفوا في جواز عطف الجملتين المختلفتين في الاسمية والفعلية، ومنع الجواز أَوْلَى. والعطف على الضمير المجرور جائز ولو لم يعد حرف الجر، قال تعالى: {وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} .. وبهذا ينتهي هذا الموضوع. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 392 خاتمة : وبعد.. فإن علوم القرآن كالمقدمة للتفسير، وتعد رتبتها على أصلين: أصل أكثره من الدين، والأصل الثاني من اللغة.. وموقع علوم القرآن من التفسير كالأصول للفقه. وقد حذفت من الطبعة السالفة ما لا داعي له، وأضفت في هذه الطبعة ما تمس الحاجة إليه. واللهَ أسألُ أن ينفع به، والحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله. وصلى الله وسلم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه وعلى سائر الأنبياء والمرسلين، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين. المؤلف أ. د. محمد عبد المنعم القيعي أستاذ ورئيس قسم التفسير سابقًا بكلية أصول الدين - القاهرة جامعة الأزهر وكان الفراغ منه 28 ذي الحجة 1404هـ-23 سبتمبر 1984م. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 393 الفهرس : رقم الصفحة الموضوع 3مقدمة 6 الموضوع الأول: أماكن النزول - وأزمنته - وأحواله 12 الموضوع الثاني: النزول وما يتعلق به 48 الموضوع الثالث: المحكم والمتشابه 60 الموضوع الرابع: المناسبات والفواصل 78 الموضوع الخامس: النسخ وموهم الاختلاف 94 الموضوع السادس: القراءات وما يتصل بها من الإسناد والوقف والتجويد 105 الموضوع السابع: فضل القرآن وأحكام تتعلق به 110 الموضوع الثامن: جمع القرآن وتدوينه 117 الموضوع التاسع: التفسير والمفسرون 160 الموضوع العاشر: الاستنباط 172 الموضوع الحادي عشر: إعجاز القرآن 180 الموضوع الثاني عشر: معاني المفردات 238 الموضوع الثالث عشر: مقاصد السور وما يحتاج إلى معرفته المفسر من الأسماء والظروف والأفعال والحروف 299 الموضوع الرابع عشر: الإعراب وغير المشهور من اللغات 308 الموضوع الخامس عشر: فنون البلاغة 333 الموضوع السادس عشر: عَلاقة الكلمات بعضها ببعض واستعمالها الجزء: 1 ¦ الصفحة: 395 رقم الصفحة الموضوع 344 الموضوع السابع عشر: وسائل الإقناع 357 الموضوع الثامن عشر: اللفظ القرآني دلالته وأقسامه 372 الموضوع التاسع عشر: ترجمة القرآن 378 الموضوع العشرون: أهم قواعد التفسير 393 الخاتمة 395 الفهرس الجزء: 1 ¦ الصفحة: 396