الكتاب: التربية الإسلامية أصولها ومنهجها ومعلمها المؤلف: عاطف السيد الناشر: حقوق الطبع والنشر محفوظة للمؤلف عدد الأجزاء: 1   [ترقيم الكتاب موافق للمطبوع وهو مذيل بالحواشي] ---------- التربية الإسلامية أصولها ومنهجها ومعلمها عاطف السيد الكتاب: التربية الإسلامية أصولها ومنهجها ومعلمها المؤلف: عاطف السيد الناشر: حقوق الطبع والنشر محفوظة للمؤلف عدد الأجزاء: 1   [ترقيم الكتاب موافق للمطبوع وهو مذيل بالحواشي] المحتوى : الموضوع الصفحة مقدمة 13 الفصل الأول: أصول التربية الإسلامية 13 مقدمة 13 1- نظرة عامة في التربية 14 2- التصور الإسلامي للكون والإنسان والحياة 15 3- دور التربية في تطوير وتنمية الفرد والمجتمع 17 مفهوم وأسس التربية الإسلامية 20 خصائص التربية الإسلامية 22 مصادر التربية الإسلامية 28 وسائط التربية الإسلامية 31 وسائط التربية الإسلامية 37 الفصل الثاني: منهج التربية الإسلامية 37 طبيعة ومفهوم منهج التربية الإسلامية 38 أسس منهج التربية الإسلامية 44 خصائص المنهج الإسلامي 48 أهداف وأقسام ومحتوى منهج التربية الإسلامية 53 الفصل الثالث: أساليب التربية الإسلامية 53 1- التربية بالقدوة 53 2- التربية بالعبرة والموعظة 54 3- التربية بالترغيب والترهيب 56 4- التربية بتكوين العادات الحسنة 60 5- التربية باستغلال الأحداث 61 6- التربية بضرب الأمثال الجزء: 1 ¦ الصفحة: 5 الموضوع الصفحة 63 7- التربية باستخدام القصة 65 8- التربية عن طريق حل المشكلات 66 9- التربية بتفريغ الطاقة وشغل أوقات الفراغ 67 10- التربية بالممارسة العملية 69 الفصل الرابع: طرق تدريس التربية الإسلامية 70 1- طريقة الإلقاء والمحاضرة 71 2- الحوار والمناقشة والمناظرة 74 3- طريقة التلقين 75 4- الطريقة العملية 76 5- التعليم الذاتي 76 خصائص أساليب التربية الإسلامية وطرق التدريس 80 طرق وخطوات تدريس أنواع التربية الإسلامية 81 1- تدريس القرآن الكريم 82 2- تدريس التفسير 83 3- تدريس الحديث النبوي 84 4- تدريس العقيدة 85 5- تدريس العبادات 86 6- تدريس المعاملات 87 7- تدريس التهذيب 88 8- تدريس السير 89 9- تدريس البحوث 91 الفصل الخامس: الوسائل التعليمية 91 أنواع وخصائص الوسائل التعليمية 92 فوائد الوسائل التعليمية الجزء: 1 ¦ الصفحة: 6 الموضوع الصفحة 94 الوسائل التعليمية واستخدامها في تدريس التربية الإسلامية 98 تطوير الوسائل التعليمية 100 استخدام الوسائل التعليمية في تدريس الأفرع الرئيسية للتربية الإسلامية 100 1- تدريس القرآن الكريم والأحاديث النبوية 100 2- تدريس العبادات 101 3- تدريس العقيدة 101 4- تدريس السير 103 الفصل السادس: طرق أساليب التقويم والنشاطات التربوية 103 مفهوم وأساليب التقويم 106 أنواع التقويم 108 الاختبارات الشفوية 108 إعداد الاختبارات التحصيلية 109 1- اختبار المقال 110 2- اختبار الصواب والخطأ 111 3- اختبار الإجابة القصيرة 111 4- اختبار الاختيار من متعدد 112 5- اختبار التتمة 113 6- اختبار المزاوجة 113 القيمة التربوية للتقويم 114 التقويم ومنهج التربية الإسلامية 116 متطلبات التقويم 117 النشاطات التربوية الجزء: 1 ¦ الصفحة: 7 الموضوع الصفحة 127 الفصل السابع: إعداد معلم التربية الإسلامية 127 مقدمة 130 صفات معلم التربية الإسلامية ومقومات نجاحه 132 إعداد معلم التربية الإسلامية 134 الإعداد الروحي والخلقي لمعلم التربية الإسلامية 134 1- التربية الروحية والخلقية لمعلم التربية الإسلامية 137 2- أثر التربية الروحية والخلقية في العملية التعليمية 139 3- وسائل وأساليب الإعداد الروحي لمعلم المستقبل 142 4- وسائل أساليب الإعداد الخلقي لمعلم المستقبل 146 الإعداد الثقافي والأكاديمي والتربوي لمعلم التربية الإسلامية 150 الكفايات التي يحتاج إليها معلم التربية الإسلامية 150 أبرز المهارات التي يحتاج إليها معلم التربية الإسلامية 154 بعض كفاءات التدريس اللازمة لمعلم التربية الإسلامية 160 دور معلم التربية الإسلامية في تحقيق أهداف التربية الإسلامية 169 خاتمة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 8 مقدمة : بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. التربية ضرورة بشرية لا بد منها من أجل بقاء الإنسان وبناء الأجيال وتطورها، وتأكيد القيم الأصلية وصلاح الأخلاق والنفوس, وللتربية منهجها الكامل وطريقتها المتميزة في بناء الإنسان الصالح روحيًا وخلقيًا ونفسيًا وعقليًا وجسميًا واجتماعيًا ليكون إنسانًا متوازنًا سويًا ومواطنًا قادرًا على النهوض بمجتمعه على أساس علمي وعمل مستقيم. وقد برز اهتمام الأمم والشعوب في أنحاء العالم بجميع عناصر ومكونات العملية التربوية لحاجتها الملحة إلى التربية السليمة, وازداد هذا الاهتمام مع تطور العالم وتقدمه في شتى المجالات الصناعية والزراعية والتجارية وفي ميادين الاختراعات والابتكارات التقنية, وفي عالمنا المعاصر اطردت الحاجة إلى الدين كضرورة تربوية لتحقيق التوازن بين المادة والروح ولتنمية الجانب الروحي والخلقي، حيث لن تستقيم الحياة إلا إذا التزم الإنسان بالدين وطبق شريعة الله. لقد وضع الإسلام للتربية منهجًا متكاملًا ومتوازنًا، كما منح الإنسان نظام حياة كاملًا مفصلًا في القرآن والسنة إذا اتبعه الإنسان بقلب سليم ونية صادقة استحق أن يكون خليفة الله في الأرض, ولكي يتبع الإنسان هذا النظام ويطبقه تطبيقًا صحيحًا فإنه يحتاج إلى تربية ينشأ عليها منذ طفولته، في البيت وفي المجتمع الذي يعيش فيه، وأن تكون هذه التربية شاملة لروحه وعقله وجميع حواسه. أن التربية هي رعاية الإنسان في جوانبه الجسمية والعقلية والعلمية والوجدانية والاجتماعية وتوجيهها نحو الصلاح والخير والوصول بها إلى الكمال. وغاية التربية الإسلامية تحقيق العبودية الخالصة لله على مستوى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 9 الفرد والجماعة والإنسانية، وقيام الإنسان بمهامه المختلفة لعمارة الكون وفق منهج الله، ومفهوم العبادة في الإسلام مفهوم شامل جامع لا يقتصر على أداء الفرائض التعبدية فحسب, بل يشمل أيضًا نشاط الإنسان كله من فكر واعتقاد وتصور وعمل ما دام الإنسان يبتغي وجه الله بهذا النشاط, ويلتزم فيه شريعته ومنهجه. إن مادة التربية الإسلامية هي صمام الأمن للأمة الإسلامية في حاضرها ومستقبلها، وقد عني بها القرآن الكريم والسنة الشريفة، وبالتالى فهي جزء لا يتجزأ من عموم الشريعة السمحة. وللتربية الإسلامية دور مهم يعود على الأسرة والمجتمع بالاستقرار والسعادة. لذا يجب أن تقوم سياسة التربية الإسلامية على أسس عقائدية مستعدة من الشريعة الإسلامية مع الأخذ في الاعتبار احترام الإسلام للعقل والفكر ووقوفه مع العلم النافع وتوجيه الإنسان لتسخير الكون لمصلحة البشر وتقدمه وفق منهج الله. إن التعليم من أفضل الأعمال التي يؤيدها الإنسان، ولا يوجد دين حث على طلب العلم ونشره بين الناس وجعله أمرًا واجبًا على كل مسلم ومسلمة كالدين الإسلامي. وقد جعل الإسلام للمعلم مكانة سامية ودعا إلى احترامه وتقديره، وقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: "من سلك طريقا يلتمس فيه علما سهل الله له طريقا إلى الجنة، وإن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضا بما يفعل، وأن العالم ليستغفر له من السموات ومن في الأرض حتى الحيتان في جوف الماء". رواه أبو داود والترمذي. ويعد المعلم إحدى الركائز الأساسية في عملية التربية والتعليم، وذلك لأنه العامل الأساسي في إنجاح وتحقيق الأهداف التربوية والتعليمية. وانطلاقًا من ذلك الدور الذي يقع على عاتق المعلم فقد تزايد الاهتمام بإعداده وتطوير مستوى أدائه والارتقاء به أكاديميًا ومهنيًا. وأصبحت مهمة إعداده وتأهيبه مطلبًا أساسيًا وتعليميًا في شتى أنحاء العالم. إن الهدف الأساسي من عملية إعداد المعلم هو تمكينه من معرفة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 10 حقيقة العملية التربوية بمدخلاتها الأساسية والضرورية ثم تحويل تلك المعرفة إلى مهارات فنية وتعليمية يستخدمها المعلم في مواقف التعليم التي تواجهه أثناء تأديته لمهنة التعليم. إن صلاح المعلم يكمن في صلاح عقيدته وخلقه، وإن موضوع إعداد المعلم المسلم الكفء الصالح والقدوة لا بد أن يكون شاملًا ومتكاملًا في جميع الجوانب العلمية والأكاديمية والمهنية والنفسية والبدنية والاجتماعية. إن تطبيق المنهج الإسلامي الشامل والمتكامل بواسطة المعلم المسلم الكفء والقدوة هو المدخل الحقيقي للإصلاح وتنشئة أفراد المجتمع على هدي الإسلام وتعاليمه وتأهيلهم لمواجهة تحديات العصر. يتكون هذا الكتاب من ستة فصول. يتناول الفصل الأول أصول التربية الإسلامية، موضحًا مفهومها وأسسها وأهدافها وخصائصها ومصادرها، ومبينًا وسائط التربية الإسلامية المختلفة. يبحث الفصل الثاني في منهج التربية الإسلامية مركزًا على طبيعة ومفهوم منهج التربية الإسلامية، وأسسه وخصائصه وأهدافه وأقسامه. يقدم الفصل الثالث أساليب التربية الإسلامية مهتديًا بالقرآن الكريم والسنة المطهرة ذاكرًا أساليبهما المؤثرة الراقية. ويعالج الفصل الرابع أهم طرائق تدريس التربية الإسلامية بوجه عام مع التركيز على طرائق وخطوات تدريس أفرع التربية الإسلامية. ويعرض الفصل الخامس للوسائل التعليمية التي يمكن استخدامها في تدريس التربية الإسلامية وأفرعها. ويستعرض الفصل السادس طرائق وأساليب التقويم والنشاطات التربوية شارحًا أنواع التقويم وموضحًا مزاياها وعيوبها وانعكاساتها على منهج التربية الإسلامية ثم يقدم عرضًا مختصرًا للنشاطات التربوية. ولما كان المعلم هو العنصر الأساسي في العملية التعليمية والتربوية فقد أفردنا الفصل السابع لبيان أساليب إعداده الروحي والخلقي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 11 والأكاديمي والثقافي والتربوي مع التركيز على دوره في تحقيق أهداف التربية الإسلامية. والله هو الموفق والهادي إلى سواء السبيل. د. عاطف السيد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 12 الفصل الأول: أصول التربية الإسلامية مدخل ... الفصل الأول: أصول التربية الإسلامية مقدمة: 1- نظرة عامة في التربية: التربية عملية هادفة وفن مرن متطور تحكمه قواعد وقوانين، وهي ترمي إلى تكوين العادات الحسنة بالاستفادة من الغرائز والميول في تحقيق هذا الهدف عن طريق الإرشاد والتدريب. وتعنى التربية بالمحافظة على فطرة الناشئ ورعايتها، وتنمية مواهبه واستعداداته، ثم توجيه هذه الفطرة وهذه المواهب جميعًا إلى ما يحقق صلاحها وكمالها اللائق بها. وتتميز التربية الحديثة بأنها تربية عملية توفر للتلميذ نصيبًا كبيرًا من الحرية وتدفعه إلى الاعتماد على نفسه والمثابرة، فضلًا عن أنها تدعم ملكة تفكيره وتساعده في تحقيق تقدم مستمر ونشدان الأفضل، وبالإضافة إلى ذلك فإنها تولي اهتمامًا كبيرًا بالحياة الاجتماعية للأمة وتعمل على تحسين كل جوانب المجتمع1. وللتربية أُسس جوهرية يبرز منها الأساس الفكري والأساس الاجتماعي والأساس النفسي. ولكل اتجاه تربوي أساس فكري خاص حيث إن الأفكار والعقائد تقود العملية التربوية. والتربية السليمة تنهض على عقائد صحيحة، ومن ثم يمكننا القول: إن التربية لها أساس ديني. وهناك أفكار عن الكون والوجود والحياة والإنسان تشكل أيضًا أساسًا فلسفيًا للتربية. كذلك فإن للتربية أساسها الاجتماعي الذي يتناول الإنسان كفرد في المجتمع. ولما كانت التربية نتاج الحياة الاجتماعية, فقد نشأت علاقة وثيقة بين التربية والمجتمع. ويظهر الأساس الاجتماعي للتربية من خلال تطور ثقافة الأمة.   1 محمد عطية الإبراشي: روح التربية والتعليم. دار إحياء الكتب العربية، القاهرة، 1950، ص24. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 13 ويقوم الأساس النفسي للتربية على معرفتنا بطبيعة النفس البشرية التي نريد لها حياة كاملة في حدود إمكانات الإنسان وقدراته. ويتمثل الهدف الأسمي للتربية في خضوع الفرد والجماعة لله في الحياة الدنيا. 2- التصور الإسلامي للكون والإنسان والحياة: يلتمس التصور الكامل للإسلام في أصوله الصحيحة في القرآن والحديث وفي سيرة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وسنته العملية. وقد عني الإسلام بطبيعة العلاقة بين الخالق والخلق، وطبيعة العلاقة بين الكون والحياة والإنسان. ويضمن هذا التصور للإنسان حياة هادئة مستقرة ويفتح أمامه طريقًا إلى الله واضح المعالم بعيدًا عن الباطل والضلال1. ولا شك أن الكون بما يحويه من مخلوقات مجال فسيح للنظر والتدبر ومجال واسع للدراسة والبحث العميق. وقد شاءت حكمة الخالق أن يترك للإنسان مهمة البحث عن سنن الكون وقوانينه؛ لينتفع بها في تنمية الحياة وترقيتها وليقوم بوظيفة الخلافة في الأرض لتعميرها وتنميتها. والإنسان -خليفة الله في الأرض- مكلف بعمارتها ولا تقوم عمارة الأرض إلا على مبادئ سامية وأُسس تربوية سليمة وجليلة تمكن المسلم من أداء هذه المهمة في أكمل صورة مستمدًا هذه المبادئ من القرآن والسنة. والإنسان مخلوق لله سبحانه وتعالى، وقد ميزه عن غيره من المخلوقات الأخرى في تكوينه وفي منزلته الرفيعة وفي المسئولية التي يتحملها أمام الخالق، الذي خلقه على هيئة تجمع بين المادة والروح. قال عز وجل: {إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ طِينٍ، فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ} 2.   1 سيد قطب: العدالة الاجتماعية في الإسلام، دار الشروق، بيروت، 1395هـ، 1975م، ص20-21. 2 ص: 71، 72. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 14 والحياة كذلك مخلوقه. قال جل ثناؤه: {الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ} 1 والحياة في هذه الدنيا مقدمة للحياة الأخرى، والحياة فيها توازن بين الدنيا والآخرة، والمسلم الحق حريص على إقامة التوازن بين زينة الدنيا ونعيم الآخرة، والتصور الإسلامي بوجه عام "تصور رباني، جاء من عند الله بكل خصائصه وبكل مقوماته, وتلقاه الإنسان كاملًا بخصائصه هذه ومقوماته؛ ليتكيف هو به وليطبق مقتضياته في حياته"2. ويمتاز التصور الإسلامي بالأفكار الواضحة التي بنى عليها نظام حياة المسلم وملاءمتها للفطرة العقلية والوجدانية والنفسية فاعتنقها؛ لأنها تضبط وتنظم كافة سلوكه وتصرفاته والمسلم مرتبط بالله وحده وبإخلاص العبادة له. وفحوى القول أن الدين الإسلامي يمتاز بمبادئ سامية وقيم رفيعة تجعله ركيزة قوية لتربية الأفراد وتنظيم المجتمعات، والتربية هي وسيلة الإنسان لتحقيق أهداف الخالق. 3- دور التربية في تطوير وتنمية الفرد والمجتمع: تعقد الدول المتقدمة الآمال على التربية والتعليم في تحقيق التقدم وتطوير وتنمية الفرد والمجتمع. والتربية ضرورة دينية لتقوية الإيمان بالخالق، وهي أيضًا ضرورة دنيوية تساعد الإنسان في تعمير الكون وتسخير قوى الطبيعة من أجل خير البشر. ولا بد للمسلم من أن يتسلح بالعلم ويسعي إلى الاستزادة منه في مختلف المجالات حتى يستطيع أن ينهض بمسئولياته نحو نفسه ونحو مجتمعه الذي يعيش فيه. وفي هذا العصر الذي يزخر بالمعرفة وتتلاحق فيه التغييرات السريعة في شتى المجالات تبرز أهمية التربية. وتزداد أهميتها نظرًا للانفجار السكاني الهائل والإقبال المتزايد على التعليم والصراع بين الأيديولوجيات.   1 المُلك: 2. 2 سيد قطب: خصائص التصور الإسلامي ومقوماته، دار الشروق، بيروت، 1402هـ، ص40. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 15 وقد انبثقت أدوار جديدة للأفراد والجماعات في العالم المعاصر نتيجة التغييرات السياسية المتتالية. ويقتضى دور المواطن المتغير أن يتلقى أساليب تربية راقية تسمو به إلى آفاق المسئولية المتغيرة والمتزايدة. إن التطور الكبير والمتنامي في وسائل الإعلام والاتصال الجماهيري قد أتاح قنوات اتصال مستمرة وانفتاحا دائما على الثقافات الأخرى. وقد أصبح من واجب التربية إعداد الفرد لتمحيص هذه الثقافات ونقدها بفكر واع ومبدع لاختيار ما يناسبه منها. ولا شك أن استمرارية التربية ضرورة تمليها ظروف العصر المتغيرة، فالتربية المستمرة تنفذ إلى وجدان وعقل وكيان المسلم كله من أجل أن يحقق إنسانيته ويؤدي واجبه على الوجه الأكمل. وتحتاج التغييرات والتحولات الاقتصادية الكبيرة إلى تعليم أطول وأكثر عمومية. كما أدى تغير المسئوليات والمهارات إلى إحساس الدول بحاجتها الملحة إلى تربية تمكنها من التوافق مع التطور ومن الإسهام فيه ودعمه. كما أن الانفجار المعرفي الكبير قد أناط بالتربية مهمة مساعدة الأفراد على مواجهة هذا الانفجار المعرفي عن طريق تزويدهم بالمعلومات والوسائل التي تيسر لهم فهم وتفسير واستخدام الحقائق الجديدة والتكيف مع أحداث الحياة المتغيرة. وقد أدى التطور السريع في وسائل الإعلام والاتصال إلى إسقاط الحواجز بين الدول وانتقال الأفكار من مكان إلى آخر بسرعة ويسر مما نجم عنه تأثر الجماعات بعضها ببعض. وأصبحت التربية مطالبة بإعداد الفرد والمجتمع لفحص وتمحيص الأفكار والثقافات الوافدة ونقدها واختيار المناسب منها. والفرد في المجتمع له حقوق وعليه واجبات. وتغرس التربية في الفرد حب القيام بواجباته نحو جماعته قبل أن يطالب بحقوقه كفرد، كما تنمي الإحساس بمسئوليته عن الجماعة والتزامه بواجباته نحوها. وتقوى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 16 التربية التزام الفرد بالقيم الأخلاقية مثل التعاون والتزاحم والتعاطف التي تعمق التآلف الاجتماعي وتدعم علائق الفرد ببيئته الاجتماعية. وتسهم التربية في "تحليل المشكلات الاجتماعية المعاصرة وتبلور لأجيال الشباب الحلول الفكرية السليمة بأساليب علمية رصينة؛ لتكون انطلاقات الشباب في المجتمع أصلية غير مستوردة, ولا عرضية بل نابعة من التراث, ومتكيفة مع الأحداث على نسق يرضي طموح الشباب, ويضمن لهم هويتهم ولأمتهم شخصيتها، فيكون التغيير الاجتماعي دائمًا نحو الأفضل"1. وصفوة القول: إن التربية عملية اجتماعية هدفها تحقيق تقدم المجتمع وتغييره إلى الأفضل، كما أنها تسهم إسهامًا فعالًا في بناء المجتمع والمحافظة عليه. ويجب أن تكون التربية ملائمة لروح العصر والمجتمع ومعبرة عن حاجات الأفراد، ومتكيفة مع واقع المجتمع وأسلوب الحياة فيه.   1 إسحاق أحمد فرحان: التربية الإسلامية بين الأصالة والمعاصرة، دار الفرقان للنشر والتوزيع، عمان "الأردن"، 1982، ص13-14. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 17 مفهوم وأسس التربية الإسلامية : يرى العلماء المسلمون أن التربية الإسلامية فلسفة واضحة مستمدة من القرآن الكريم والسنة الشريفة، وهي تتعهد الإنسان بدنيًا وعقليًا وروحيًا. وقد كثر الكلام في تعريف التربية الإسلامية، وصال العلماء وجالوا حول مفهومها من منظور الإسلام. فقد عرفها بعضهم بأنها "إعداد الفرد أو الكائن الإنساني لحياته في الدنيا والآخرة"1. وبأنها "تلك المفاهيم التي يرتبط بعضها ببعض في إطار فكري واحد يستند إلى المبادئ والقيم التي أتي بها الإسلام, والتي ترسم عددًا من الإجراءات والطرائق العملية يؤدي تنفيذها إلى أن يسلك سالكها سلوكًا يتفق وعقيدة الإسلام"2. وعرفها البعض الآخر بأنها "الأسلوب الأمثل في التعامل مع الفطرة البشرية توجيهًا مباشرًا بالكلمة، وغير مباشر بالقدوة، وفق منهج خاص   1 أنور الجندي: التربية وبناء الأجيال في الإسلام، دار الكتاب اللبناني، بيروت، 1975، ص153. 2 سعيد إسماعيل علي: أصول التربية الإسلامية، دار الثقافة للطباعة والنشر، القاهرة، 1987, ص22. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 17 ووسائل خاصة لإحداث تغيير في الإنسان نحو الأفضل والأحسن"1, وبأنها "عملية يؤخذ فيها الناشئون من أبناء الأمة الإسلامية بألوان من الأنشطة الموجهة في ظل القيم والمثاليات والمبادئ الإسلامية؛ لتعديل سلوكهم, وبناء شخصياتهم على النحو الذي يجعل منهم أفرادًا صالحين نافعين لدينهم, وأنفسهم, ووطنهم, وأمتهم الإسلامية, والبشرية كلها"2. وتدور بعض التعاريف الأخرى حول أنها نظام تربوي متكامل, يقوم كل جانب فيه على تعاليم الدين الإسلامي, ومفاهيمه, ومبادئه, ومقاصده. ويرى مقداد يالجين أن التربية الإسلامية تعني تربية, ورعاية الطفل بطريقة متكاملة، أي بدنيًا وعقليًا وروحيًا في ضوء المبادئ, والطرائق, والنظريات الإسلامية. ونخلص مما سبق إلى أن التربية الإسلامية منهج كامل للحياة, ونظام متكامل لتربية, ورعاية النشء, وتحرص على الفرد, والمجتمع, وعلى الأخلاق الفاضلة, والقيم المادية والروحية الرفيعة, وتوازن بين الحياة الدنيا والحياة الآخرة. وتقوم التربية الإسلامية على أُسس تعبدية وأسس تشريعية. وتتضمن الأُسس الفكرية نظرة الإسلام إلى الإنسان والكون والحياة. والإنسان في نظر الإسلام مخلوق كرمه الله وفضله على سائر مخلوقاته, ووهبه عقلًا يمكنه من السيطرة على ما يحيط به من الكائنات التي سخرها الله لمصلحته ومنعه من أن يذل نفسه لشيء منها. وفي مقابل ذلك حمل الإسلام الإنسان مسئولية كبرى هي تطبيق شريعة الله وتحقيق عبادته، على أن يلقى جزاءه يوم القيامة على ما اختار من خير أو شر. والكون من مخلوقات الله، خلقه لهدف وغاية. ويطالب الإسلام   1 عبد الحليم محمود: وسائل التربية عند الإخوان المسلمين، دار الوفاء، المنصورة، 1989، ص15. 2 يوسف الحمادي: أساليب تدريس التربية الإسلامية، دار المريخ. الرياض، 1987، ص21. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 18 الإنسان بتأمل وتدبر المخلوقات التي يضمها الكون كي يقبل على عبادة الله وتوحيده. وتتعدد الآثار التربوية لهذه النظرة الإسلامية إلى الكون, ومنها "ارتباط المسلم بخالق الكون, وبالهدف الأسمى من الحياة وهو عبادة الله وتربية الإنسان على الجدية, فالكون كله أقيم على أساس الحق, ووجد لهدف معين وإلى أجل مسمى عند الله"1. وقد نظر الإسلام إلى الحياة على أنها دار اختبار وامتحان وشعور بالمسئولية. والدنيا ليست غاية الإنسان؛ لأنها متاع مؤقت, ولأنها دار الفناء والملذات. ويحق للمسلم أن يستمتع بالحياة الدنيا وزينتها في حدود الشرع مستهدفًا من وراء كل متعة إرضاء الله، وعليه أن يصبر على بلواء الحياة وبأسائها. وتمثل العبادات إحدى الركائز الأساسية للتربية الإسلامية. وترتبط العبادات بمعنى واحد هو العبودية لله وحده وتلقي التعاليم من الله وحده في أمر الدنيا والآخرة. فالعبادات تذكير بصلة الإنسان الدائمة بالله، وهي تنظم حياة المسلم من كل جوانبها. والعبادات ذات فوائد تربوية جليلة، فهى تعلمنا الوعي الفكري الدائم الذي يعتمد على إخلاص النية والطاعة لله طبقًا للشريعة الإسلامية. والعبادات التي يؤديها المسلم مع الجماعة المسلمة تربي المسلم على الارتباط بالجماعة المسلمة ارتباطًا مبنيًا على عاطفة صادقة ووعي مستنير. كما أنها تربي المسلم على المساواة والتعاون والعمل، فالمسلمون متساوون أمام الله، والعبادة تربيهم على العدالة في المعاملة، وتربي عند المسلم قدرًا من الفضائل الثابتة المطلقة2. وتعني الأسس التشريعية الشريعة الإسلامية -الأساس الثالث   1 عبد الرحمن النحلاوي: أصول التربية الإسلامية وأساليبها في البيت والمدرسة والمجتمع، دار الفكر، دمشق، 1979، ص37-38. 2 محمد قطب: منهج التربية الإسلامية، ج1، دار الشروق، بيروت، 1401هـ, 1981م, ص39-40. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 19 للتربية الإسلامية- وهي تتسع لبيان العقيدة والعبادة وتنظيم الحياة وتحديد وتنظيم العلائق الإنسانية, فالشريعة الإسلامية لها أساس فكري يشمل كل التصورات الفكرية عن الكون والحياة والإنسان, وهي تنظم علاقة المسلم بالكون, وتربى المسلم على اتباع التفكير المنطقي عن طريق استنباط الأحكام وحسن الاستدلال, والشريعة الإسلامية توسع الآفاق الفكرية وتثقف العقل البشري وتحض على طلب العلم. وبفضل الخصائص الفكرية للشريعة الإسلامية يتربى عقل المسلم على النظرة الكلية الشاملة للكون ولجميع جوانب الدنيا والآخرة. وبالإضافة إلى الجانب التربوي للشريعة الإسلامية, فإنها تتميز بجانب تطبيقي يشمل جميع جوانب الحياة, فالشريعة تمثل ضابطًا خلقيًا للفرد إذا تمكنت من نفسه ووجدانه، "والضابط الخلقي هنا غير الوازع التربوي الديني، فالوازع يبعدك عن موضوع المحرمات بالكلية، ولكن الضابط هو الذي يقول لك بدقة: هذه حدود المحرمات في البيوع، فلا تقترب منها"1. ويبرز الضابط الاجتماعي للشريعة الإسلامية، حيث يدافع المجتمع المسلم عن كيانه الديني, ويقف موقفًا صلبًا من المجاهرة باقتراف المحرمات، إذ نظمت الشريعة الإسلامية الأمر بالمعروف, والنهي عن المنكر. وتتبع الشريعة الإسلامية ثلاثة أساليب في تربية المسلمين: أسلوب تربوي نفسي مصدره النفس وضابطه الخوف من الله ومحبته وتطبيق شريعته، وأسلوب ثانٍ يقوم على التناصح الاجتماعي والتواصي بالحق والتواصي بالصبر، وأسلوب ثالث يتمثل في وازع الدولة المسلمة التي تنفذ أحكام الشريعة فينعم الناس بالعدل والأمن2.   1 النحلاوي، ص16. 2 نفس المصدر، ص63. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 20 أهداف التربية الإسلامية : التربية في نظر الإسلام تعني تنشئة الطفل تنشئة سليمة, وتكوينه كي يصبح إنسانًا متكاملًا من النواحي البدنية والروحية والأخلاقية في ضوء المبادئ والقيم التي جاء بها الإسلام, وطبقًا لأساليبه وطرائقه التربوية. ويهتم القرآن الكريم والحديث الشريف بتربية ذات فلسفة واضحة تهدف إلى أن يصير كل إنسان عابدًا لله، إذ تتحقق تزكية النفس وإصلاحها بالعبادة الصحيحة. والعبادة بمفهومها الواسع تشمل جميع أشكال النشاط الإنساني الروحي والخلقي والعلمي والاجتماعي والاقتصادي والسياسي, وهذا هو الهدف الكلي للتربية في الإسلام. كذلك تهدف التربية الإسلامية إلى تنمية قدرة الفرد على التأمل والتفكير بالنظر في الكون وتدبره وتأمل النفس واستبطانها, وتهتم التربية الإسلامية بالدين والدنيا معًا، فالغرض الديني من التربية الإسلامية ذو أهمية فائقة في بناء شخصية الفرد باعتباره عضوًا نافعًا في المجتمع، أما الغرض الدنيوي فيتمثل في الغرض العلمي النفعي أو الإعداد للحياة. وبذلك يتضح لنا أن التربية الإسلامية تهتم بالحياة الدنيا والحياة الآخرة, وتسهم بقدر كبير في تنمية الإيمان وتقوية مواهب الإنسان مما يؤدي إلى تكوين المسلم الصالح. يقرر إسحاق فرحان أن الهدف الأسمى للتربية الإسلامية هو "إيجاد الفرد المؤمن الذي يخشى الله ويتقيه ويحسن عبادته؛ ليفوز في الآخرة ويسعد في الدنيا"1. أما الأهداف الفرعية للتربية الإسلامية فيمكن إيجازها في تربية الفرد الصالح في ذاته، وتربية المواطن الصالح في الأسرة المسلمة والمجتمع المسلم وتربية الإنسان الصالح للمجتمع الإنساني الكبير, أي أن التربية الإسلامية تعني ببناء الشخصية المسلمة المتكاملة. ويحصر عبد الغني النوري أهداف التربية الإسلامية في عشر نقاط هي2: بلوغ الكمال الإنساني وتحقيق سعادة الإنسان في الدنيا والآخرة،   1 إسحاق فرحان، التربية الإسلامية بين الأصالة والمعاصرة، ص31-32. 2 عبد الغني النوري: التربية الإسلامية بين الأصالة والمعاصرة، دار قطري بن الفجاءة، قطر، 1986، ص62-64. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 21 تنشئة الإنسان الذي يعبد الله ويخشاه، تقوية الروابط الإسلامية بين المسلمين ودعم تضامنهم الإسلامي وخدمة قضاياهم، تربية الإنسان لبلوغ الفضيلة وكمال النفس عن طريق العلم بالله عز وجل، تربية فطرة المسلم على الإيمان الصحيح وخشية الله وعبادته، إيجاد الفرد المسلم السليم العقيدة المؤمن بربه، الممارس لعبادته، تربية المواطن الصالح المتفاعل مع بيئته الاجتماعية الذي يقدر المسئولية، تنمية الفرد من جميع جوانبه جسميًا وروحيًا وانفعاليًا واجتماعيًا، وغرس القيم الإنسانية التي يربيها الإسلام في نفوس أبنائه لاحترام الإنسان كإنسان, والتعامل معه كبشر بغض النظر عن لون أو جنس أو دين. ويجمل محمد عطية الإبراشي أهداف التربية الإسلامية في خمسة أهداف كبرى هي: تحقيق الحياة الكاملة، والإعداد للحياة الدنيا والحياة الآخرة، وتنمية الروح العلمية في المتعلم، وإعداد الإنسان لكسب معيشته، والإعداد المهني للإنسان. نخلص مما سبق إلى أن الهدف الأساسي للتربية الإسلامية هو تربية وتعليم المسلم ليكون مواطنا صالحا وإعداده روحيًا للحياة الآخرة. والتربية الإسلامية مسئولية الفرد والمجتمع. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 22 خصائص التربية الإسلامية الخصائص المتصلة بفلسفة التربية الإسلامية ... خصائص التربية الإسلامية: للتربية الإسلامية خصائص متميزة تشكل ملامحها وتعبر عن مفهومها الحضاري. ويتصل بعض هذه الخصائص بفلسفة التربية الإسلامية ويتعلق بعضها الآخر بمحتوى التربية الإسلامية. 1- الخصائص المتصلة بفلسفة التربية الإسلامية 1: 1- الخلق الهادف: يعتبر الإسلام التربية صورة من أسمى صور العبادة، فالمعلم يعبد الله إذا علم الناس الخير, والمتعلم الذي يسعى وراء الحقيقة يعبد الله أيضًا.   1 إسحاق فرحان: المرجع السابق، ص39-48. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 22 وهذه العبادة ميدانها الكون بما فيها من مخلوقات الله، والإنسان محور التربية؛ لأنه أفضل المخلوقات, ولأنه مناط التكليف, والتربية الإسلامية تؤكد على استمرارية التعليم مدى الحياة. 2- الوحدة والشمول: خلق الله الناس جميعًا للتعاون على البر والتقوى والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر, وهذا ما تعبر عنه وحدة الإنسانية. والإسلام يحث على طلب العلم والاهتمام بجميع مجالات وحقول المعرفة التي تفيد الفرد والمجتمع, وتنظر إليها نظرة واحدة. ويطالب الإسلام الإنسان بالنظر في مختلف المعارف والعلوم التي تقوي الإيمان بالله, وتحقق الفوائد للناس في حياتهم, وفي تطوير مجتمعاتهم. ويوجه القرآن النظر إلى الآيات الكونية التي تتدبر العلوم الفلكية, والطبيعة وما فيها من عبر بالغة تهدي الناس إلى الإيمان بالله وحده. {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآياتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ، الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} 1. وتتطابق التربية الإسلامية مع شمول نظرة الإسلام إلى الإنسان، كذلك تهتم بالتربية الدينية والخلقية والعلمية والبدنية اهتمامًا متوازنًا دون إفراط أو تفريط، فهي تعنى بتربية النفس والعقل, وبتربية الجسم أيضًا. 3- التوازن الدقيق: تحقق التربية الإسلامية التوازن في النظرية والتطبيق, والتوازن في تنظيم المعرفة الإنسانية التي تفيد الفرد والمجتمع, وتعنى التربية الإسلامية بالتطبيق العملي الذي يعود بالفائدة على البشر. ويلوم الله -جل وعلا- الذين يقولون ما لا يفعلون بقوله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ، كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ} 2.   1 آل عمران: 190، 191. 2 الصف: 2، 3. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 23 والتربية الإسلامية حريصة أشد الحرص على إيجاد التوازن بين الحياة الدنيا والحياة الآخرة. قال تعالى: {وَابْتَغِ فِيمَا آَتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآَخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا} . وتوازن التربية الإسلامية بين تنمية روحانية الفرد وتلبية حاجاته المادية والاجتماعية، فهي مزيج متوازن بين الدنيا والآخرة بين الفرد والمجتمع، وبين عالم الواقع وعالم المثل. 4- المرونة: تتجلى مرونة التربية في الإسلام في أن القرآن، "لم يحدد منهجا سياسيا, ولم يرسم دستورا محددا, فقد أراد الله أن يفتح سبيل الاجتهاد والأخذ بالعلم, واستنباط المناهج والأحكام من الظروف المتغيرة دون تكبيل بمنهج سماوي جامد محدد"1, وقد تأثرت مناهج الدراسة بهذه المرونة، فمنهج التربية الإسلامية المتميز والأصيل يتسع للتطور والتغيير كلما دعت الحاجة إلى ذلك؛ لأنه مرتبط بواقع المجتمع وبتغيرات الحياة وبحاجاته ومشكلاته المتطورة.   1 عبد الغني عبود وعبد الغني النورة: نحو فلسفة عربية للتربية، دار الاعتصام، القاهرة، 1979، ص276. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 24 2- الخصائص المتصلة بمحتوى التربية الإسلامية : يجب أن يخضع اختيار محتوى التربية الإسلامية لمعايير تتصف بالخصائص التالية: الإيمان، العلم، العمل، الخلق، والاجتماع. فالتربية الإسلامية تربية إيمانية، علمية، عملية، خلقية, اجتماعية؛ لأنها تهدف إلى إعداد المسلم العارف بدينه، العامل بهدي القرآن الكريم، وهو في نفس الوقت واعٍ, ومدرك لأمور الحياة وتطوراتها، مشارك في بناء مجتمعه وتطويره حسب قدراته ومواهبه. والتربية الإسلامية تربية ربانية تنعقد بها الصلة الدائمة بين الخالق والمخلوق الذي تزداد دوافعه للتعلم والعلم, ويصبح مؤهلا لخلافة الله في الأرض, وإذا كانت التربية الإسلامية تعنى بتربية الفرد تربية روحية الجزء: 1 ¦ الصفحة: 24 ممتازة, فهي تعنى أيضا بالجانب المادي حيث تهتم بتفاعل الإنسان مع ظواهر الكون ومجالات الحياة في جوانبها الاجتماعية والطبيعية، إن نظر المؤمن في ملكوت الله ومخلوقاته يزيده إيمانا وتقوى. إن العبادات من صلاة وصوم وزكاة وحج, تعزز الإيمان, وتنشره في ميادين الحياة, وتؤدي إلى تحقيق الهدف الأكبر للتربية الإسلامية, وهو غرس التقوى في النفوس. والتربية الإسلامية تتميز بأنها تربية سلوكية عملية، فهي توازن بين الجانبين النظري والعملي في تربية الفرد والمجتمع، وقد وجهت التربية الإسلامية جلَّ اهتمامها إلى الناحية العملية لما تضفيه على الفرد والمجتمع من خير وسعادة. قال رسول الله صلى الله عليه سلم: "اللهم إني أعوذ بك من علم لا ينفع" , ويتأكد ثوابها في الآخرة في قوله تعالى: {وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُبَوِّئَنَّهُمْ مِنَ الْجَنَّةِ غُرَفًا تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا نِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ} 1. وتركز التربية الإسلامية على الناحية العملية؛ لأنها تحرص على تغيير سلوك الفرد, وتنميته نحو الأفضل. إن تكوين العادات السلوكية الحسنة عند الفرد منذ نشأته أحد المقاصد الكبيرة للتربية الإسلامية، فلهذه العادات أطيب الأثر في اكتساب الفضائل, والبعد عن الرذائل. والتربية المهنية التي تمثل قيمة العمل النافع في الحياة أحد عناصر التربية العملية، ويشتمل العمل النافع على اكتساب المعرفة اللازمة لتسخير ظواهر الكون, وتصنيع موارد الأرض وثرواتها وخاماتها بما يعود بالنفع على الفرد والمجتمع والناس أجمعين. ويركز القرآن الكريم, والأحاديث النبوية على جوانب التربية العملية. فالإسلام يؤكد على تربية الاتجاهات الخيرة في الفرد, ويعتبر العمل الصالح عنوانا لاتجاه جديد في الفرد يجعله جديرا بأن يبدل الله سيئاته حسنات. قال عز وجل: {إِلاَّ مَنْ تَابَ وَآَمَنَ وَعَمِلَ عَمَلا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا} 2, ويربط الإسلام بين صدق   1 العنكبوت: 58. 2 الفرقان: 70. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 25 الإيمان والعمل الصالح, وبين العلم الحقيقي والعمل الصالح {وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِمَنْ آَمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا وَلَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الصَّابِرُونَ} 1. والتربية العملية التي يريدها الإسلام تناسب طاقة الفرد وإمكاناته. قال سبحانه وتعالى: {وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} 2, وهي تحض على إتقان العمل إتقانا تاما. قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا} 3, وقال صلى الله عليه وسلم: "إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملا أن يتقنه". والتربية الإسلامية تربية عملية, فالإسلام يحث على تعليم كل علم نافع للإنسان ولمجتمعه وللإنسانية جمعاء. فالمعلومات والمعارف من أهم محتويات التربية الإسلامية، ونظرة الإسلام المثلى والعميقة إلى اكتساب المعارف والعلوم ترفع عملية التربية والتعليم إلى درجة العبادة والقداسة، ويربط الإسلام مضمون المعارف والعلوم بالهدف الأكبر للتربية الإسلامية, وهو تقوى الله وخشيته {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} 4. ويحفل القرآن الكريم بآيات كثيرة تحث على استعمال الملاحظة والنظر كخطوة أساسية في المعرفة العلمية, ثم استخدام التسلسل المنطقي والمناقشة العقلية العلمية للوصول إلى النتائج. وتشكل التربية الخلقية جزأ كبيرا من محتويات التربية الإسلامية, وتشمل التربية الخلقية في الإسلام التمسك بالخير والمعروف, والبعد عن الفحشاء والمنكر والشر وصولا إلى تقوى الله, وحسن عبادته، فالأخلاق تمثل الضوابط النفسية والاجتماعية للفرد والمجتمع الإنساني. وقد جعل الله سبحانه وتعالى من الرسول الكريم مثلا يحتذى في الأخلاق الفاضلة   1 القصص: 80. 2 الأعراف: 42. 3 الكهف: 30. 4 فاطر: 28. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 26 والخصال الحميدة. قال جل وعلا: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآَخِرَ} 1. وفي الآيات القرآنية والأحاديث النبوية إشارات إلى الأخلاق الحميدة, التي يجب أن يتحلى بها المسلم مثل: الصبر، والأمر بالمعروف, والنهي عن المنكر، والعدل, والأمانة, والصدق, والإخلاص. قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ} 2. وقد نهى الإسلام عن التمسك بالأخلاق السيئة: كالنفاق والظلم والكذب. {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ} 3. والتربية الخلقية في الإسلام تأخذ في اعتبارها استعداد الفرد وقدراته وتركيبه النفسي. {وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا، فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا، قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا، وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا} 4. والتربية الإسلامية تربية فردية اجتماعية معا, فهي تهتم أولا بتربية الفرد على الفضيلة والأخلاق الكريمة, وتنمي فيه روح المبادأة والمسئولية الفردية؛ ليكون مصدر خير للجماعة، والفرد مسئول مسئولية كاملة عن أعماله وتصرفاته, حتى لا تضيع المسئولية بين فرد وآخر. {وَكُلُّهُمْ آَتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا} 5, و {اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا} 6. ورسالة الإسلام ذات طبيعة اجتماعية، لذلك يركز الإسلام على تنمية العادات الاجتماعية السليمة في الفرد, وعلى أن يغرس فيه أنه فرد في مجتمع, وأنه إنسان في عالم البشرية الكبير. وتهتم التربية الإسلامية بالأسرة؛ لأنها من أهم المؤسسات التربوية في الإسلام، فكل فرد في الأسرة له دائرته الاجتماعية التي يعمل من   1 الأحزاب: 21. 2 البقرة: 153. 3 النساء: 145. 4 الشمس: 7-10. 5 مريم: 95. 6 الإسراء: 14. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 27 خلالها، وتعنى كذلك بتربية الفرد تربية اجتماعية باعتباره لبنة في صرح المجتمع الكبير، حتى يكون المسلم للمسلم كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضا. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ومثل المسلمين في توادهم وتراحمهم, كمثل الجسد الواحد, إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر أعضاء الجسد بالسهر والحمى". والتربية الاجتماعية في الإسلام تؤدي إلى سعادة الفرد, وتماسك الأسرة, وتكافل المجتمع، إذ إنها تتضمن بناء الاتجاهات الإيجابية والعادات الاجتماعية السليمة, ومن هذه العادات والاتجاهات الاجتماعية تنمية الوحدة الاجتماعية والتعاون والتكافل والعدالة الاجتماعية. قال تعالى: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا} 1. وبالإضافة إلى ما سبق, فإن الإسلام يدعو إلى التعليم المستمر، فعلى المسلم أن يسعى بدأب إلى طلب العلم طول حياته, وألا يتوانى في اكتساب العلم. ويقول على بن أبي طالب كرم لله وجهه: "كل يوم لا أزداد فيه علما فلا بورك في طلوع شمس ذلك اليوم". ومن مآثر التربية الإسلامية, أنها تنظر إلى المعرفة على أنها عملية نامية متراكمة على مر التاريخ، وهي لا تحدها حدود, ولا يتوصل إلى نهايتها إنسان. ويكفل الإسلام مبدأ تكافؤ الفرص في التعليم، فكل فرد له حق مقدس في التعليم على الدولة والمجتمع. والإسلام يميز الذين يحصلون على درجات من العلم أكثر من غيرهم بعد تهيئة الفرص المتكافئة أمام الجميع. قال عز وجل: {هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ} 2. ويؤكد الإسلام على استخدام العلم النافع؛ لخدمة الفرد والمجتمع، وقد حث النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك حيث قال: "خير الناس أنفعهم للناس" , وقال: "اللهم علمني ما ينفعني وانفعني بما علمتني".   1 آل عمران: 103. 2 الزمر: 9. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 28 مصادر التربية الإسلامية : القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة, هما المصدران الأساسيان للتربية الإسلامية, حيث يحتويان على فلسفة تربوية واضحة متكاملة الأسس والأهداف, ثم يأتي الإجماع والقياس. والقرآن الكريم هو الأصل الأول الذي تستمد منه التربية الإسلامية مبادئها وأسسها، ونوجز منهج القرآن الكريم في التربية فيما يلي: 1- يرى القرآن أن العلم نعمة يمن الله بها على عباده, كما قال في حق الرسول صلى الله عليه وسلم: {وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا} 1, ويبين القرآن أيضا فضل العلماء {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ} 2. 2- وقد أشار القرآن إلى آداب رفيعة؛ ليتأدب بها طلاب العلم منها الدعاء والرجاء أن يزيدهم علما, وأن يلهمهم ذكرا إذا ما نسوا شيئا {وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ وَقُلْ عَسَى أَنْ يَهْدِيَنِ رَبِّي لِأَقْرَبَ مِنْ هَذَا رَشَدًا} 3، ومنها التركيز على القدوة الحسنة {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ} 4. والقرآن يربي العقل والعاطفة متمشيا مع فطرة الإنسان في البساطة وطرق باب العقل مع القلب مباشرة، وقد اتبع القرآن عدة أساليب في التربية من أهمها أسلوب الحوار, وأسلوب الممارسة العملية, وأسلوب ضرب الأمثال. يربي أسلوب الحوار نفوس النشء تربية صالحة تساير مقتضيات العصر وخصائص التربية الإسلامية، ينبغي على المعلم أن يدعم أسلوب الحوار مع طلابه, حتى يساعدهم على حسن الاستجابة إزاء المواقف التي يتعرضون لها. أما أسلوب الممارسة العلمية فقد استخدمه القرآن في تربية   1 النساء: 113. 2 المجادلة: 11. 3 الكهف: 24. 4 النساء: 135. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 29 المسلمين، ويتضمن هذا الأسلوب القواعد العملية في تناوله لأحوال الناس في الحياة وجميع أنواع النشاط, حتى يستطيع الفرد أن يحقق أهدافه بالطرق السليمة. إن اقتران الجانب النظري بالجانب العملي له أهمية قصوى في تكوين الشخصية المتكاملة والمتوازنة، إن التعليم عن طريق العمل والممارسة يجعل حياة الفرد أكثر استقامة وأكثر رقيا, وينعكس هذا بدوره على المجتمع فيجعله أشد تماسكا وأكثر إنتاجا. قال عز من قائل: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} 1. ويذكر الإمام الغزالي في رسالته "أيها الولد": "أن العلم المجرد لا يفيد إلا إذا اقترن بالعمل", وقال تعالى: {وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى، وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى، ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاءَ الْأَوْفَى} 2. ويهدف القرآن من أسلوب ضرب الأمثال إلى تحقيق غايات نفسية تربوية من خلال سمو الغرض وجلال ونبل المعنى بالإضافة إلى الإعجاز البلاغي وتأثير الأداء, وتتصف الأمثال في القرآن الكريم بالتنوع والشمول بغية دفع الإنسان إلى قمة الكمال, وتحدد الأمثال القرآنية للناس خصائص منهج التعامل بين الإنسان والكون, والإنسان والإنسان, والإنسان والله، والإنسان وسنن الحياة, وهذا من شأنه أن يؤدي إلى أن يعيش الإنسان على صلة دائمة بخالقه, فلا يتبلد حسه, ولا يذبل رجاؤه، ويتضمن أسلوب ضرب الأمثال التربية الخلقية، والتربية الاجتماعية، والتربية الروحية، والتربية العقلية، والتربية العملية، لذا فإنه يعتبر من أهم الأساليب في عملية التربية. إن الأمثال القرآنية تسهم في تربية الإنسان على السلوك السليم الخير وتهذيب أخلاقه وطباعه, فتستقيم حياة الأفراد والمجتمعات {وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ} 3.   1 النحل: 97. 2 النجم: 39-41. 3 العنكبوت: 43. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 30 والسنة النبوية هي المصدر الثاني للتربية الإسلامية، وقد جاءت بأمور موافقة لما جاء في القرآن، فهي تفسر القرآن وتبينه وتفصل ما أجمل فيه وتوضح معناه وتقيد المطلق منه وتخصص العام، وتمس السنة جوهر العملية التربوية وما يجب أن يراعيه المعلم في تدريسه, وهو مبدأ الفروق الفردية بين التلاميذ، فقد نبه الرسول إلى هذا المبدأ حين قال: "أمرت أن أخاطب الناس على قدر عقولهم" , ويشير النحلاوي إلى فائدتين كبيرتين للسنة في المجال التربوي هما: "إيضاح المنهج التربوي الإسلامي المتكامل الوارد في القرآن الكريم, وبيان التفاصيل التي لم ترد في القرآن الكريم, واستنباط أسلوب تربوي من حياة الرسول مع أصحابه ومعاملته الأولاد وغرسه الإيمان في النفوس"1. أما المصدران الثانويان: فهما الإجماع والقياس، ويعرف الإجماع بأنه اتفاق المجتهدين من المسلمين -بعد وفاة الرسول- في أي عصر من العصور على حكم شرعي ديني, ويجب العمل بالإجماع؛ لأنه حجة شرعية، ويفهم ذلك من قوله عز وجل: {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا} 2, ويفهم ذلك أيضا من قول الرسول: "لا تجتمع أمتي على ضلالة" 3. أما القياس فيعرف بأنه "إلحاق فرع بأصل لعلة تجمع بينهما", وهو حجة عند فقهاء المسلمين, وقد يضاف الاستحسان والمصالح المرسلة إلى الإجماع والقياس.   1 النحلاوي، المرجع السابق، ص23-24. 2 النساء: 115. 3 ابن ماجة: ج2، ص1303. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 31 وسائط التربية الإسلامية : تعني وسائط التربية الإسلامية الوسط الذي يعيش فيه المسلم, حيث يتأثر بعوامل تواجه تفكيره وميوله, وتشكل عاداته وتقاليده التي يمارسها تلقائيا، وهذه العوامل ترسم الملامح الأساسية لتربية الفرد، وأهم هذه الوسائط ما يلي: 1- البيت: يعتبر البيت الوسط الأول الذي يتلقف الإنسانَ منذ مولده, فإذا كان هذا البيت صحيا, وخصبا, ومطبقا لشريعة الله, ومهتما بالتغذية الصحية والتغذية الإسلامية للناشئ, ومسيطرا على المصادر الصحيحة التي تتم عن طريقها هذه التغذية, نبت الفرد نباتًا حسنا, واستعد استعدادا طيبا لمواجهة ظروف الحياة المتغيرة صحيا وروحيا, وتمكن من التغلب على مشكلات ومصاعب الحياة. وهنا يبرز دور الأب والأم, فإذا كانا صالحين, وقدوة حسنة, وتعهداه بالرعاية والتوجيه السليم, وغرسا في نفسه المثل العليا والمبادئ الرفيعة والخصال الحميدة وعمل الخير والابتعاد عن الشر واتباع منهج الله, حذا الابن حذوهما, واقتدى بهما, وسلك سلوكا طيبا, وتأصلت في نفسه نوازع الخير. وإذا أحسن تربية الأخوة والأخوات كانوا مكملين لدور الأب والأم, وواصلوا القيم والآداب التي غرسها الآباء فيهم, وأسهموا إسهاما فعالا في التربية، وكانوا مثالا يحتذى في المروءة والصدق والأمانة وسائر الخلال الطيبة والصفات الكريمة، كل هذا ينعكس على نفس الصغير, وينطبع في ذهنه, فيتأسى بهم ويتحلى بخصالهم الطيبة وأخلاقهم الحميدة. 2- المدرسة: في الحياة المعاصرة تعد المدرسة وسطا أكبر من البيت, بعد أن تخفف البيت من وظيفة التربية؛ لانشغال الآباء وبعض الأمهات بالعمل، فألقوا بمعظم المسئولية على المدرسة, وركنوا إليها في إدارة العملية التربوية، فتحملت العبء الأكبر، والتلميذ يقضي سحابة نهاره في المدرسة وسط جمع من الأقران من مختلف البيئات والطبقات، يتباينون في السلوك ويفترقون في الأفكار والآراء, ويختلفون في الطباع والأخلاق، ويخضع الجزء: 1 ¦ الصفحة: 31 التلميذ في المدرسة لعدد من المؤثرات, لعل أهمها المدرس, ثم إدارة المدرسة، ثم الطلاب والمناهج الدراسية والنشاطات المدرسية، ومما لا شك فيه أن الاختيار السليم للعناصر البشرية التي يتعامل معها طالب من الأهمية بمكان, وعلى قدر صلاحهم وحسن سلوكهم يكون صلاح الطلاب وتميزهم بالخلق القويم. ويلي المنهج الدراسي اختيار المدرس في الأهمية، حيث إن المنهج أساس العملية التعليمية، ومن ثم يتوقف نجاح العملية التعليمية على مدى كفاءة المنهج وحسن تطبيقه، ولما كانت المدرسة تولي العملية التعليمية اهتماما أكبر من العملية التربوية, حيث يقاس مستوى المدرسة بمقياس التحصيل العلمي للتلاميذ, فلا مناص من الاعتماد الأساسي على البيت كمصدر للتربية الأصلية بالإضافة إلى الوسائط الأخرى. 3- المسجد: يتمتع المسجد بمنزلة كبرى في تاريخ الإسلام, وفي الحياة الإسلامية بوجه عام, فمهمة المسجد تحقيق رسالة الإسلام الكبرى, وهي عبادة الله عز وجل بمعناها الشامل، فالمسجد يعد المدرسة الأولى في الإسلام. وقد ازدهر دور المسجد في مهد الدعوة الإسلامية, وفي عهد الخلفاء الراشدين، ثم أخذ دوره يتضاءل تدريجيا, حتى أصبح الآن مكانا للعبادة فقط، وعلى الرغم من ذلك فطالما يجد المسلم فيه فرصة تربية النفس, والتأسي بالأخلاق الفاضلة والآداب وحسن السلوك التي يجدها في بعض من يؤمون المسجد، وفي بيت الله يختلط المسلم بفئات مختلفة من البشر, وربما يأنس بهم, ويلتمس عندهم النصح والإرشاد والمشورة وسبيل الهداية. وفي المسجد يتحاور المسلمون ويتناقشون ويطرحون المشكلات الدينية التي تواجه المسلمين، وهم في كل ذلك يعملون الفكر, ويشحذون القريحة, ويبحثون عن الحلول, فتثرى خبراتهم وتزكو ثقافتهم وتتسع مداركهم، وقد يجدون فيما يسمعون سبيلا إلى تعديل سلوكهم وتغيير نظرتهم إلى الأمور واتباع جادة الصواب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 33 ويمكن للمسجد أن يعيد سيرته الأولى, وأن يسهم في التربية إسهاما كبيرا إذا ما ارتبط به الطفل في وقت مبكر من سني حياته، وإذا ما كان إمام المسجد ذا ثقافة دينية متميزة وثقافة عامة واسعة, وكان ذا سمعة طيبة وحجة قوية وقدرة كبيرة على الإقناع، حاضر البديهة, رحب الصدر، وإذا ما زود المسجد بمكتبة إسلامية مناسبة تجذب الناس إلى القراءة والاطلاع، وإذا ما أدى المسجد بعض الخدمات المحببة إلى المسلمين, والتي تعود عليهم بالنفع والفائدة، وإذا ما رأى المسلم فيمن يؤمون بالمسجد نماذج طيبة وقدوة حسنة، وإذا ما أعد المسجد إعدادا حسنا من الناحية الإدارية كأن يكون نظيفا, سليم الجدران, ذا سعة مناسبة. 4- الرفاق والأصدقاء: يعد الرفاق والأصدقاء وسطا تربويا ذا تأثير قوي وفعال على النشء, فالطفل يؤثر في نظيره، والأنداد يميل بعضهم إلى بعض، وقد تؤثر جماعة في جماعة أخرى, فتتألف الجماعتان وترتبطان ارتباطا وثيقا, وقد يتوافق الأقران في الميول والاتجاهات والرغبات, فيتألفون، وفي الحديث الشريف: "الأرواح جنود مجندة ما توافق منها ائتلف وما تنافر منها اختلف". وكثيرا ما يختلط الفرد بأكثر من جماعة، فله في المدرسة أصدقاء وفي الحي الذي يقطنه له أصدقاء، وفي النادي له أصدقاء، وقد يكون له أصدقاء من أقاربه ومعارف أسرته، وقد يكون الفرد زاهدا في الأصداقاء ومنطويا على نفسه, فلا يجد إلا أسرته وبعض من يثق بهم، وحتى تكون التربية سليمة والصداقة مفيدة وجب على الأسرة أن تنتقي الصديق الطيب الذي يصاحب ابنها، وأن تلاحظ سلوك أقرانه وتصرفاتهم, حتى تعيد الأمور إلى نصابها الصحيح, وتصحح المسار إذا ما بدا انحرافهم عن الطريق السوي، وأن تكون الشريعة الإسلامية الغراء هي الفيصل في كل الموضوعات والمشكلات التي تواجه الأقران، وأن يكون أحد أفراد الأسرة مرشدا وناصحا لهم فيما يصادفهم من مشكلات يتعذر عليهم حلها الجزء: 1 ¦ الصفحة: 34 بمفردهم، وأن تتاح أمام الأقران فرصة الحوار والمناقشة, وأن تتوافر لمن يتصدى لهما قوة الحجة والقدرة على الإقناع, حتى تكون له الغلبة عليهم بالحجة والدليل. 5- نادي المسلم الصغير: يضم النادي المسلمين الصغار ذوي السن المتقارب، هو ينشئهم تنشئة إسلامية تعتمد على حفظ القرآن الكريم والأحاديث النبوية الشريفة والمحاضرات التي تناسب عقول الصغار ومداركهم، بالإضافة إلى إقامة الندوات, وإجراء المسابقات الدينية, والقيام ببعض الرحلات والزيارات للمنشآت الدينية والثقافية. ويوجه النادي اهتمامه الأكبر إلى إعداد النشء إعدادا دينيا ودنيويا وتوجيه الأفراد إلى ما فيه سعادتهم وخيرهم في الدنيا والأخرة. ولا شك أن نادي المسلم الصغير وسط مهم ينمي في الطفل الإحساس بقيمة الدين الكبيرة وأهميته الفائقة في حياته, ويربي فيه الغيرة على الدين, واتباع السنن القويم والسلوك السليم. 6- وسائل الإعلام: لا ريب أن للإعلام دورًا كبيرًا في تشكيل خلق الإنسان منذ أن وجد على الأرض واختلف تأثيره باختلاف وسائله وطرائقه, وفي الزمن الحاضر ازداد تأثير الإعلام لتعدد وسائله، وللإعلام دور فعال في تربية الأفراد بوجه عام والصغار بوجه خاص. والعلاقة بين الإعلام والتربية علاقة قوية متبادلة؛ لذا يجب حسن استغلال وسائل الإعلام في غرس السلوك السوي والأخلاق الفاضلة، ويزداد تأثير وسائل الإعلام على النشء بصفة خاصة؛ لأنها حين تركز على أحد الجوانب ينطبع ويترسخ هذا الجانب في عقول الصغار بحيث يصعب انتزاعه من أذهانهم في المستقبل, وتتنوع وسائل الإعلام لتشمل الإعلام المكتوب كالصحف والمجلات, والإعلام المسموع كالإذاعة, والإعلام المرئي مثل التلفاز والسينما. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 35 وخلاصة القول: إن البيت هو الأساس في عملية التربية، وإن البيت هو المصدر الأساسي لإمداد الطفل بالقيم وتزويده بالصفات الحميدة, كما أن المدرسة ذات دور مؤثر وفعال في التربية, حيث إن التلميذ يعايش مدرسيه وأقرانه فترة طويلة، كذلك يجب مراجعة المناهج الدراسية بين الحين والحين, والسيطرة على النشاطات المدرسية بالقدر الذي يحقق الهدف من التربية، وتعويد الطفل على الارتباط بالمسجد، وتشجيع الأفراد على حفظ القرآن أو ما يتيسر منه, كما لا يغيب عنا أهمية التزام وسائل الإعلام بالإطار العام الذي حدده الإسلام, والحفاظ على القيم والمبادئ الإسلامية1.   1 إبراهيم محمد عطا: طرق تدريس التربية الإسلامية، ط2، مكتبة النهضة المصرية، القاهرة، 1996، ص78-85. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 36 الفصل الثاني: منهج التربية الإسلامية طبيعة ومفهوم منهج التربية الإسلامية : الإسلام يشجع كل تطور نافع, ويساند كل تغير في شتى مجالات الحياة. وقد أخذ المسلمون من الثقافات الأجنبية التي دخلت المحيط الإسلامي في القرن الرابع الهجري ما يتفق وطابعهم، وظل طابع الإسلام قويا واضحا في مختلف المجالات. ويمكننا القول: إن مناهج التربية الإسلامية ليست مناهج "مفصلة, وإنما هي أطر عامة ومفاهيم شاملة لأمر الحياة الدنيا والحياة الآخرة, وهي مناهج تستهدف بناء مفاهيم الإنسان عن هاتين الحياتين بمنهج عقلاني تماما يدفع هذا الإنسان إلى النقاش والاستفهام والاجتهاد في كل أمور الحياة الدنيا، كما يدفعه إلى ملاحظة الكون الطبيعي وانسجامه ودقة صنعه"1. وقد وضع الإسلام للتربية منهجا فكريا مغايرا لمناهج الأمم الأخرى وعقائدها، كما أنه أقام "منهج المعرفة الإسلامي على أساس عقلي وروحي معا, فجعل للعقل منطلقه في مجال العلوم والمحسوسات، وجعل للروح منطلقها في مجال الغيبيات وما وراء الطبيعة"2. وفي ظل هذا الأساس العقلي والروحي سار العالم في ظلال العقيدة دون فصل بين الدين والعلم كما هو حادث في العالم الغربي. فالمنهج الإسلامي هو الطريق البيِّن السوي, الذي رسمه القرآن الكريم للمسلم؛ كي يتبع مبادئ وتعاليم الإسلام, ويتمسك بأحكامه من أجل سعادته في الدنيا والآخرة. إن هذا المنهج الرباني يشمل كل أمور الحياة, ووظيفته إعداد الإنسان لحياة أفضل، وهذا الإعداد لا يقتصر على العبادات الدينية، بل إن كل عمل يتوجه به الفرد إلى الله عبادة, ويمكن   1 صالح عبد العزيز: التربية وطرق التدريس، ج1، ص62. 2 أنور الجندي: قضايا العصر في ضوء الإسلام، ص13. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 37 تعريف منهج التربية الإسلامية بأنه "مجموع الخبرات والمعارف والمهارات التي تقدمها مؤسسة تربوية إسلامية إلى المتعلمين فيها, بقصد تنميتهم تنمية شاملة متكاملة: جسميا وعقليا ووجدانيا، وتعديل سلوكهم في الاتجاه الذي يمكنهم من عمارة الأرض وترقيتها وفق منهج الله وشريعته"1. ويهتدي المنهج الإسلامي بكل ما جاء في القرآن الكريم والحديث الشريف في تربية وتكوين الإنسان المؤمن, وهو يقوم على فلسفة واقعية متكاملة ومتوازنة وشاملة لكل جوانب الحياة، تدعو إلى المشاركة بالرأي وجدال الآخرين بالحكمة والموعظة الحسنة، وتعمل على تنمية طاقات وقدرات الإنسان مع مراعاة استعداد وقابلية وميول الفرد المتعلم.   1 علي أحمد مدكور، منهج التربية الإسلامية، ص78. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 38 أسس منهج التربية الإسلامية : يقوم منهج التربية الإسلامية على أربعة أسس جوهرية هي: الأساس النفسي، والأساس الاجتماعي، والأساس الفلسفي، والأساس المعرفي. ويعتبر الأساس النفسي ركيزة أساسية في بناء المنهج الإسلامي, ومنهج التربية الإسلامية يربي النفس البشرية؛ ليكون الإنسان عبدا صالحا قادرا على بناء المجتمع الإسلامي المتكامل, ويتناول الأساس النفسي لمنهج التربية الإسلامية الإنسانَ، واستعدادت المتعلمين, والفروق الفردية بينهم, وميولهم. الإنسان هو أفضل مخلوقات الله في الوجود، والنفس في القرآن هي محرك الإنسان نحو تحقيق أهدافه. وقد فطر الإنسان على الإيمان بوحدانية الله وألوهيته, ولا يفسد فطرته الإنسانية إلا عامل خارجي عنها، وأن طبيعته الإنسانية طبيعة مزدوجة، فقد خلق الإنسان من مادة وروح باستعدادات متساوية للخير والشر، وأودع الله فيه قدرات يمكنها الجزء: 1 ¦ الصفحة: 38 توجيهه إلى الخير وإلى الشر، كما أودع سبحانه فيه كل وسائل التمييز والتدبر ووهبه قوى واعية مدركة وموجهة, وهي التي يناط بها التبعة، وبالتالي فإن تبعة أعمال الإنسان ومسئولياته تقع عليه وحده, كذلك فقد خلق الله الإنسان بقدرة واعية كامنة فيه، قادرة على الاختيار الحر, فحرية الاختيار الممنوحة من الله في إطار مشيئته تجعل الإنسان مسئولا عن نتيجة أعماله. ويولي المنهج القرآني اهتماما كبيرا بالنفس البشرية حيث يقول المولى جل شأنه: {فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ مِمَّ خُلِقَ} 1, {وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ} 2. وقد اهتم الحديث الشريف أيضا بالنفس البشرية، ويتضح ذلك في كثير من المواقف الإصلاحية والتربوية للرسول الكريم في معالجة الطبائع البشرية، وعلى سبيل المثال نذكر هذا الحديث الذي رواه البخاري عن أنس رضي الله عنه: جاء ثلاثة رهط إلى أزواج النبي صلى الله عليه وسلم يسألون عن عبادته، فلما أخبروا كأنهم تقالوها، فقالوا: وأين نحن من النبي صلى الله عليه وسلم وقد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، قال أحدهم: أما أنا فإني أصلي الليل أبدا، وقال آخر: أنا أصوم الدهر ولا أفطر، وقال آخر: أنا أعتزل النساء فلا أتزوج أبدا، فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "أنتم الذين قلتم كذا وكذا؟ أما والله إني لأخشاكم لله وأتقاكم له لكني أصوم وأفطر وأصلي وأرقد، وأتزوج النساء فمن رغب عن سنتي فليس مني" 3. ويحتفل المنهج الإسلامي باستعدادات المتعلمين, ويراعي الفروق الفردية بينهم حتى لا يرهق المتعلم بأشياء يصعب عليه فهمها وأداؤها؛ لأنها فوق إدراكه ولا تتفق مع استعداده، والرسول صلى الله عليه وسلم يحثنا على أن نكلم الناس على قدر عقولهم, وتتجلى مراعاة المنهج الإسلامي للفروق الفردية   1 الطارق: 5. 2 الذاريات: 21. 3 صحيح البخاري, كتاب النكاح، الجزء السابع، ص20. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 39 بين الأفراد في وضعه حدا أدنى من الفروض الإسلامية والواجبات التي يجب أن يتبعها كل الناس، ثم وضع بعد ذلك سلما من التدرج لمن يريد علو المنزلة، ومن مآثر المنهج الإسلامي مراعاته لقدرات الفرد المتعلم حتى يفهم ويستوعب ما يلقى عليه من معلومات {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا} 1. ومن نافلة القول: إن طلاب العلم ليسوا على مستوى واحد من القدرات العقلية, كما إنهم يختلفون في الصفات النفسية, ويتباينون في الصفات الجسمية, وأهمها السمع والبصر, وقد خلق الله كل إنسان مختلفا عن غيره في كل تلك الصفات؛ لذلك فقد حرص المربون المسلمون على مراعاة استعداد المتعلم عند وضع المناهج الإسلامية، فيقدم المعلم للطالب ما يتناسب مع استعداده. ومراعاة الفروق الفردية بين الطلاب يمكن أن تكون في مجالات الكتب المدرسية, وفي طرائق التدريس, وفي النشاطات والتقويم، فيجب أن تتميز الكتب المدرسية بتنويع المعلومات وتدرجها والاهتمام بطرائق عرضها والإكثار من وسائل الإيضاح وبتنويع الأسئلة والتمارين بشكل متدرج يراعي المستويات المختلفة. كذلك يجب تنويع طرائق التدريس باستخدام المحاضرة والإلقاء والحوار والمناقشة والقصة والممارسة العملية وحل المشكلات, كما يجب أن تتنوع النشاطات؛ لكي تتناسب مع القدرات والاهتمامات المختلفة, حتى يتاح للطالب أكبر قدر من الخبرات لاكتساب المعلومات والمهارات. أما التقويم فيجب أن يتسع ليشمل التقويم التحريري، والشفوي, والعملي، كما يجب أن تتنوع الأسئلة لتحوي الأسئلة المقالية والأسئلة الموضوعية بأشكالها المتعددة. ومن ميزات المنهج الإسلامي الجيد مراعاة ميول المتعلمين، إذ يجب أن يتيح المنهج للمتعلم فرصة التطبيق العملي كأن يتوضأ ويصلي   1 البقرة: 286. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 40 ويمارس بعض النشاطات المدرسية، والمتعلم يميل إلى القصص والحكايات التي تشبع تطلعه إلى عالم آخر يختلف عن عالمه، وهذا يقتضي أن يختار القصص الهادف لتصحيح العقيدة وتقويم الأخلاق وتهذيب النفس وتصويب السلوك الخاطئ، كما أن المتعلم يميل إلى كثرة الأسئلة عما يدور حوله من ظواهر في بيئته، والمنهج مطالب بأن يقدم له تفسيرا مقنعا لهذه الظواهر بما يوفره من فرص مواتية لتوجيه الأسئلة وتلقي الإجابة عنها. ولما كان المتعلم يميل إلى كل جديد لإشباع حاجة حب الاطلاع لديه, وجب على المنهج إتاحة الفرصة لذلك بتنظيم الرحلات والزيارات والمقابلات. الأساس الاجتماعي عنصر جوهري في بناء المنهج الإسلامي، فالعوامل الاجتماعية ذات تأثير كبير على المتعلم وعلى عملية التعليم وعلى المؤسسات التربوية بما تضم من قوى بشرية، وحيث إن التربية تتأثر بالتغييرات الاجتماعية, فقد أصبح إيجاد التوازن بين حاجات الأفراد وحاجات المجتمع إحدى المشكلات الكبيرة, التي يواجهها واضعو المناهج. وقد راعى المنهج الإسلامي هذا التوازن، فبالنسبة لحاجات الأفراد عني المنهج بإشباع حاجات الفرد العضوية والنفسية والاجتماعية والعقلية, ويهدف الإسلام من إشباع الحاجات العضوية إلى إمداد الفرد بالقوة والمتعة اللتين تحققان له التوازن وتساعدانه على عبادة الله. والمنهج يرشد المتعلم إلى الطرق الصحيحة لإشباع هذه الحاجات، كما أولى المنهج الإسلامي اهتماما عظيما بالحاجات النفسية والوجدانية, فحاجة الإنسان إلى الإيمان بوحدانية الله وألوهيته حاجة فطرية في النفس الإنسانية فطر الله الناس عليها, والمؤمن الصادق لا يخشى إلا الله, ومن هنا يتحقق الأمن النفسي الذي هو حاجة أساسية لعطاء الإنسان وإسهامه في عمارة الأرض وترقيتها، كذلك يحث المنهج الإسلامي على المحبة والإخاء بين المسلمين، ويؤدي إشباع الحاجة إلى الحب إلى تحقيق المودة والتعاون، وعندما هاجر الرسول صلى الله عليه وسلم إلى المدينة أقام المجتمع المسلم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 41 هناك على أساس الإخاء والمحبة، وكان أول ما فعله الرسول هو المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار. كما ركز الإسلام على إيجاد المجتمع المسلم من خلال الاهتمام ببناء الإنسان وتربيته وفق القيم والمبادئ الإسلامية الأصيلة حتى تتحقق الأخوة الإسلامية. قال تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} 1، وفي الحديث الشريف: "لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه" 2. ولكي يشبع المنهج الإسلامي الحاجات العقلية للفرد فإنه يجب أن يوفر له فرصة تلقي إجابات عن أسئلته والتوصل إلى حلول للمشكلات الفكرية التي تواجهه. أما بالنسبة لحاجات المجتمع ومشكلاته فقد حرص المنهج الإسلامي على تنظيم هذه الحاجات وحل هذه المشكلات وتنظيم الاقتصاد في المجتمع. والاقتصاد الإسلامي نظام بالغ السمو ويقوم على أصول ثابتة تكفل الكرامة الإنسانية والعدالة الاجتماعية، وتحض المسلمين على السعي في الحياة، وهي تحمي الكسب الحلال, ولا تحد من حرية العمل أو الكسب أو الابتكار في حدود الالتزام بتعاليم الشريعة الإسلامية, وما تستوجبه مصالح الجماعة. والمنهج الإسلامي ملتزم بحل مشكلات المجتمع مثل الزواج والإرث والتجارة، ففي مجال الزواج يتميز الإسلام بمنهجه التربوي الذي يحافظ على سلامة المجتمع من الانحلال الخلقي والتحلل الاجتماعي، وفي ذلك يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: "يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج, ومن لم يستطع فليصم, فإن الصوم له وجاء" , وفي القرآن الكريم: {وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ} 3.   1 الحجرات: 10. 2 صحيح البخاري, كتاب الإيمان، ج1، ص10. 3 النور: 33. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 42 أما في مجال الميراث, فللإسلام منهج واضح في توزيع الميراث على أفراد العائلة كما جاء في التنزيل العزيز: {يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ وَهُوَ يَرِثُهَا إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا وَلَدٌ فَإِنْ كَانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ مِمَّا تَرَكَ وَإِنْ كَانُوا إِخْوَةً رِجَالًا وَنِسَاءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} 1. وفي مجال التجارة, أطلق الإسلام الحرية للأفراد في التعامل التجاري شريطة أن يتبع التاجر منهج الله في تجارته, وأن يراعي في بيعه أمور الحلال والحرام, وألا يستغل الناس ليحقق ربحا أوفر, كما يحث المنهج الإسلامي التاجر على الامتناع عن الغش في البيع وفي الميزان. نخلص مما سبق إلى أن المنهج الإسلامي يعنى بحاجات الأفراد, وحاجات المجتمع, كما يعمل على حل مشكلات المجتمع, والتوفيق بين حاجات الفرد وقيم المجتمع. وفيما يختص بالأساس الفلسفي, فقد أجاب المنهج الإسلامي التربوي عن الأسئلة الكبرى التي تكون الأساس الفلسفي للتربية, وما يتصل بها من قضايا الحياة كلها, وارتباطها بقضايا ما بعد الحياة: من بعث وثواب وعقاب, ومن ميزات المنهج الإسلامي وجود فلسفة واحدة شاملة متكاملة ومتوازنة يمكن ترجمتها إلى سلوكيات فضلا عن إمكان تنميتها في الأفراد، وتهدف هذه الفلسفة إلى سعادة الإنسان والمجتمع كله في الحياة الدنيا وفي الحياة الآخرة، ويحدد الأساس الفلسفي للتربية الإسلامية أهدافا عامة للتربية والتعليم يجب أن تحققها المناهج، ثم تنبثق منها الأهداف الخاصة بالمراحل التعليمية المختلفة. ثم نتناول الأساس المعرفي, حيث إن العلم هو شعار الإسلام الأول, وهو فطرة الله في الإنسان، كما أنه سبيل الإنسان إلى معرفة الله وخشيته, وهو سبيله إلى عمارة الأرض وترقيتها, ويتحقق ذلك   1 النساء: 176, وانظر أيضا الآيات 7، 11، 12. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 43 بالاستمرار في عملية التعليم والتعلم, حتى يتمكن الإنسان من مواجهة حاجات الحياة المتغيرة المتجددة1. إن المعرفة الحقيقية في الإسلام, هي المعرفة القائمة على أساس من تقوى الله، ويهدف منهج التربية الإسلامية إلى اكتساب المعرفة التي تؤدي إلى تغيير السلوك الإنساني, وواقع الحياة الإنسانية إلى أفضل، وحيث إن المعرفة في الإسلام تقوم على أساس الإيمان بالله وتقواه, وجب على الإنسان أن ينفذ شريعة الله، ومن ثم ترتبط المعرفة والإيمان بالعمل والسلوك القويم في واقع الحياة, ومن مزايا التربية في الإسلام نظرتها الشاملة لكل حقول وميادين المعرفة، حيث تمتد إلى فروع التخصص المختلفة التي يحتاجها المجتمع الإسلامي وتوفير القوى العاملة المؤهلة في كل ميدان، وهذا يؤدي إلى عمارة الأرض ورقي الحياة فيها وفق منهج الله.   1 علي أحمد مدكور: منهج التربية الإسلامية، ص186-187. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 44 خصائص المنهج الإسلامي : يتميز المنهج الإسلامي بسيادة الطابع الديني والخلقي، وهذا يعني أن فلسفة وأهداف ومحتويات وطرائق تدريس المنهج تدور في إطار الدين والأخلاق, وتنشأ في ضوء القرآن والسنة وآثار السلف الصالح، كما أن المنهج الإسلامي يربط بين الأخلاق والتطبيق العملي السلوكي. إن منهج التربية الإسلامية يحرص أشد الحرص على تنشئة وتعليم الفرد في إطار الدين والأخلاق، من خلال ربط القول بالعمل والنظرية بالتطبيق. وتميز منهج التربية بالطابع الديني والخلقي يمثل جانبا مهما في تكوين شخصية الإنسان، ومن ثم يجب أن تعمل مناهج التربية الحديثة على تنمية الوازع الديني والخلقي عند الأفراد في جميع مراحل التعليم, من خلال ربط المناهج بالنواحي الإسلامية. والمنهج الإسلامي متعدد الاتجاهات والاهتمامات, شامل في محتوياته وأهدافه، فهو كما يعنى بتنمية الجانب الروحي في المتعلم من خلال دراسة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 44 العلوم الدينية والرياضة الروحية, فإنه يعنى أيضا بتنمية ذهن المتعلم, ودعوته إلى النظر والتفكير والتأمل, وحثه على التعلم واكتساب المعرفة. وينكر المنهج الإسلامي الخرافة والبدع, ويؤمن بالبرهان في الأمور العقلية: {قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} 1, كما أنه يؤمن بالملاحظة والتجربة في الأمور المادية, ويحرص على تنمية كل ما يتصل بالعقل من قدرات وميول ومواهب, عن طريق دراسة العلوم العقلية, وممارسة البحث العلمي, وكافة أنواع النشاط العقلي، كذلك يهتم المنهج الإسلامي "بتنمية وحفظ جسم الإنسان عن طريق ما تقدم له من دراسات وتوجيهات صحية ونشاط بدني وتدريب عسكري, يساعد على تحقيق صحة الإنسان ولياقته, وعلى الإعداد للجهاد في سبيل الله"2, ويتسع المنهج الإسلامي لكثير من العلوم والمقررات والنشاطات. فالدين الإسلامي يفتح أمام المسلم المجال لتعلم ودراسة أي علم أو فن يزيد ويقوي إيمانه, ويساعده على فهم أحكام دينه, وفهم حقائق الكون. وصفوة القول: إن المنهج الإسلامي لا يهتم بالعلوم الدينية والعبادات فحسب, بل يهتم كذلك بدراسة العلوم العقلية والتربية الرياضية والتذوق الجمالي. كذلك يمتاز المنهج الإسلامي بالتوازن النسبي بين اهتماماته ومحتوياته، وهذا يدفعه إلى الاهتمام بتحقيق النمو الشامل والمتكامل لكل من الفرد والمجتمع, والعناية بجميع العلوم والفنون والنشاطات التربوية النافعة في شيء من التوازن المعقول, الذي يحفظ لكل علم وكل فن وكل نشاط ما يستحقه من الاهتمام والعناية، والمنهج الإسلامي يوازن بين المادة والروح, وبين الإيمان بالواقع المحسوس والإيمان بالغيب، وبين حاجات الفرد وحاجات الجماعة. والمنهج الإسلامي يمتاز بقابليته للتطور والانفتاح، ويستمد هذه   1 البقرة: 111. 2 عمر التومي الشيباني: فلسفة التربية الإسلامية, ص256. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 45 القابلية من الدين الإسلامي الذي يشجع كل تطور صالح ومفيد للمجتمع, كما يشجع المنهج الإسلامي الانفتاح الفكري, ويحث على الاجتهاد وإفساح المجال لمنطق الملاحظة والتجربة، فالأمور الدنيوية يتوقف تحقيقها على التجارب، والمسلم مطالب بأن يعمل عقله في كتاب الله وسنة رسوله؛ ليستنبط منهما الأحكام المطلوبة لقضايا العصر ومشكلات الحياة. وقد انتهى النحلاوي إلى أن المنهج الإسلامي المنشود, يجب أن تتوافر له الصفات التالية1: 1- أن يكون موافقا للفطرة الإنسانية من حيث ترتيب محتوياته وموضوعاته مما يزكي فطرة الإنسان, ويحفظها من الانحراف. 2- أن يحقق هدف التربية الإسلامية الكبير, وهو إخلاص الطاعة والعبادة لله, بالإضافة إلى تحقيقه أهداف التربية الإسلامية الفرعية, التي ترمي إلى توجيه الحياة؛ كي تحقق هذا الهدف الكبير في جميع جوانب التربية والثقافة التي يشملها المنهج: كالجانب العقلي والجانب الجسمي والجانب الاجتماعي. 3- أن يكون متدرجا في موضوعاته وموافقا في مستواه للمرحلة التي يوضع لها. 4- أن تكون تطبيقات المنهج ونشاطاته وأمثلته ونصوصه متمشية ومتفقة مع حاجات المجتمع الواقعية وقيمه ومبادئه الإسلامية الرفيعة. ويتأتى ذلك بمراعاة الاختصاصات التي تحتاجها الأمة في كل بيئة وفقا لظروفها الطبيعية، بالإضافة إلى الاختصاصات اللازمة لرقي المجتمع في كل بيئة كالاختصاصات الإدارية والإسلامية والثقافية. 5- أن يكون المنهج منسجما ومتسقا في جميع أجزائه، موجها وجهة إسلامية واحدة، وأن تبنى العلوم والموضوعات بشكل متسلسل يأخذ بعضها بأطراف البعض الآخر, وأن يتحقق الترابط والتناسق   1 عبد الرحمن النحلاوي: أصول التربية الإسلامية وأساليبها، ص177-179. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 46 بين موضوعات كل مادة على مدى العام الدراسي، كما يتحقق التناسق والترابط بين كل سنة والسنة التي تليها والسنة التي تسبقها. وفي السنة الواحدة يجب الربط -بقدر الإمكان- بين كل مادة وأخرى بحيث يحقق مجموع هذه المواد هدفا أسمى واحدا. 6- أن يكون المنهج ممكن التطبيق، ويقتضي ذلك أن يكون في حدود إمكانات البلاد ومناسبا لظروفها ومتطلباتها. 7- أن يتميز بأسلوب مرن قابل للتكيف مع مختلف الظروف والبيئات التي سيجري تطبيقه فيها, أخذا في الاعتبار الفروق الفردية, وحاجات الأفراد والمجتمع، وأن يكون ذا عرض شيق جذاب يمتع الألباب والنفوس. 8- أن يواكب تطور الشعور الديني, والنمو اللغوي لكل مرحلة من المراحل الدراسية, كما يجب أن يهتم بحل المشكلات, وتربية الانتماء الاجتماعي إلى الأمة الإسلامية ونشر ثقافتها الإسلامية. 9- أن يعنى عناية خاصة بالجوانب الإسلامية السلوكية العملية كالتربية على الجهاد, وإقامة المجتمع المسلم. يتضح من العرض السابق أن منهج التربية الإسلامية يجب أن يهتم بمراحل نمو المتعلم الجسمي والعقلي والانفعالي والاجتماعي، مع مراعاة الاتجاهات الحديثة في وضع الأهداف التربوية, وربط أهداف تدريس التربية الإسلامية ببيئة المتعلم وحياته, كما يجب أن تحقق المادة العلمية في منهج التربية الإسلامية الأهداف التي وضعت من أجلها، وأن تقدم مستويات المعرفة المختلفة من فهم وتذكر معلومات وتطبيق وتحليل. وحتى يحقق منهج التربية لإسلامية أهدافه كاملة, يجب إعادة صياغة العلوم الحديثة الواردة من الغرب؛ لتواكب نظرة الإسلام إلى الكون والإنسان والحياة، إن العلوم المتصلة بتفسير النشاط الإنساني كالعلوم التي تخص العقيدة, ونشأة الكون, ونشأة الحياة, والقيم التي تحكم المجتمع الجزء: 1 ¦ الصفحة: 47 والمبادئ التي يقوم عليها النظام السياسي والاقتصادي والاجتماعي لا يجوز أن تؤخذ إلا من المصادر الربانية, ولا يجوز التلقي فيها إلا عن مسلم يحظى بالثقة في دينه, وتقواه, ومزاولته للدين في الحياة1. أما المواد التي تؤدي إلى تسخير الطاقة المادية لخدمة الإنسان مثل الطبيعة والكيماء والأحياء, فيجوز التلقي من المسلم وغير المسلم.   1 سيد قطب: العدالة الاجتماعية في الإسلام، ص201. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 48 أهداف وأقسام ومحتوى منهج التربية الإسلامية : لمنهج التربية الإسلامية أهداف ثاتبة وأهداف متغيرة, وتنبثق الأهداف الثابتة من القيم الإنسانية الواردة في شريعة الله مثل الصدق والأمانة والعدل والمساواة والحرية، أما الأهداف المتغيرة فتخضع لتغير الزمان والمكان والناس. أمر الله سبحانه وتعالى بالعدل, وهذه قيمة ثابتة, ولكنه ترك وسائل تحقيق العدل للإنسان، يقوم به وفقا لظروف الزمان والمكان والناس، وأمرنا بالشورى، وأمرنا بتحقيق العدالة الاجتماعية لكنه ترك لنا حرية اختيار الأساليب المناسبة لنا ولظروفنا في تحقيق العدالة الاجتماعية ... وهكذا"1. يسعى المنهج الإسلامي إلى تحقيق هدف شامل هو إعداد الإنسان الصالح القادر على عمارة الأرض وترقيتها وفقا لشريعة الله، أما الهدف الثاني لمنهج التربية الإسلامية فيتمثل في تحقيق إيمان الفرد بالعبودية لله, ويظهر ذلك في قوله وعمله، بينما ينحصر الهدف الثالث لمنهج التربية الإسلامية في معرفة الله وتقواه، ويتحقق ذلك بعقد الصلة الدائمة بين الإنسان وخالقه في كل فكر أو عمل أو شعور، والتفقه في الدين والتمسك بمكارم الأخلاق، والقيم والمبادئ الرفيعة. ويجب تعريف معلم التربية الإسلامية بالأهداف العامة للتربية، والأهداف العامة للمرحلة الدراسية التي يقوم بالتدريس فيها كالمرحلة   1 علي أحمد مدكور، مرجع سابق، ص268. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 48 الإعدادية أو المرحلة الثانوية مثلا. والأهداف العامة لتدريس التربية الإسلامية والأهداف الخاصة لتدريسها في المرحلة الدراسية التي تخص المعلم والأهداف الخاصة لتدريس كل قسم من أقسامها، كما يجب أن تكون تلك الأهداف واضحة ومحددة وأن تصاغ بحيث تشتمل على عبارة الحد الأدنى للأداء، حتى يمكن ترجمة الأهداف إلى محتوى يتميز بالاستمرار والشمول، وتقتضي الضرورة تنظيم محتوى التربية الإسلامية وفقا للأهداف المنشودة، وتبسيط المفاهيم وتحليلها بحيث يستطيع الطلاب إدراكها وفهمها مع تجنب الحشو والتكرار. مثال مقترح للأهداف العامة للتربية الإسلامية في المرحلة الثانوية: 1- استكمال تربية الشخصية الإسلامية المتكاملة في جميع أبعاد النمو الروحي والسلوكي والجسمي والعقلي. 2- ترسيخ وتنمية الإيمان الواعي والولاء لله والانتماء للأمة الإسلامية والاعتزاز بالإسلام معتقدا ونظام حياة. 3- تقوية السلوك القائم على الالتزام بتعاليم الإسلام. وتنمية الاتجاهات الصحيحة المستمدة من الشريعة الإسلامية التي تساعد على تنشئة الجيل المسلم القادر على مواجهة تحديات العصر ومطالب الحياة الحديثة. 4- التأكيد على أن إقامة المجتمع الإسلامي وحمايته فريضة على كل مسلم ومسلمة، وأن حمل الدعوة الإسلامية ونشرها فريضة على المسلمين جميعا. 5- تقديم النموذج الكامل للشخصية الإسلامية المتمثلة بالنبي محمد صلى الله عليه وسلم والقائمة على التوازن والاعتدال. واتخاذ المثل الأعلى والقدوة الحسنة من سيرته العطرة وسيرة أصحابه والسلف الصالح من الأمة الإسلامية. 6- التعريف بمصادر التشريع الإسلامي بصورة عامة, وبالقرآن الكريم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 49 والسنة الشريفة بصورة خاصة وتوثيق صلة الطالب بها. 7- تلاوة قدر من القرآن الكريم تلاوة مجودة تنمي قدرة الطالب على القراءة الصحيحة للقرآن الكريم وفهمه، واختيار قدر من الآيات القرآنية الكريمة لتفسيرها وحفظها. 8- دراسة طائفة من الأحاديث النبوية الشريفة تتناول موضوعات ومشكلات تهم الفرد والمجتمع, وحفظ جزء معين منها. 9 - التعريف بالآداب الإسلامية, ومجموعة الفضائل, والقيم, والنماذج الأخلاقية الإسلامية, وأنماط السلوك التي نريد أن يتحلى بها المجتمع. 10- تكوين الاتجاهات العلمية الصحيحة, وتنميتها كما حث عليها القرآن الكريم والسنة الشريفة بتحرير عقول الطلاب من مظاهر الاتباع والتقليد. مثال مقترح للأهداف الخاصة لتدريس الفقه: 1- التعرف على مصادر التشريع الإسلامي. 2- دراسة فهم بعض الأحكام المتعلقة بالعبادات. 3- التزود بقدر من فقه المعاملات. 4- تثبيت الالتزام والتطبيق للأحكام الشرعية العلمية. 5- فهم بعض المصطلحات الفقهية. أقسام منهج التربية الإسلامية: ينقسم منهج التربية الإسلامية فنيا إلى الأهداف العامة والأهداف الخاصة للمنهج، والمحتوى الذي تتحقق من خلاله أهداف المنهج، وطرق وأساليب التدريس، والوسائل التعليمية، وطرق ووسائل التقويم، والنشاطات التربوية. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 50 محتوى منهج التربية الإسلامية: يجب أن يشمل محتوى المنهج كل ما يسهم في بناء الإنسان الصالح من معارف ومفاهيم وخبرات ومهارات، فالقرآن الكريم والسنة الشريفة والشريعة الإسلامية, هي المصادر الأساسية لمحتوى المنهج. كما أن كل علم "يصمم ويدرس على أساس أن يساهم في بناء الإنسان المسلم القادر على المشاركة بإيجابية وفاعلية في عمارة الأرض وترقيتها وفق منهج الله هو "علم ديني" من جهة نظر الإسلام، يستوي في ذلك علوم الشريعة، والعلوم الحديثة، كالرياضيات والطبيعة، والكيمياء، وعلوم التقنية الحديثة ... "1, ومن الضروري أن يتوافر التكامل في محتوى التربية الإسلامية.   1 علي أحمد مدكور، نفس المرجع، ص290. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 51 الفصل الثالث: أساليب التربية الإسلامية التربية بالقدوة ... الفصل الثالث: أساليب التربية الإسلامية يجدر بالمعلم أن يستخدم أساليب التربية المتميزة والمتطورة لتنشئة الفرد تنشئة صالحة، تمكنه من تحقيق أهداف الخالق وإخلاص العبادة له وفق شريعته، وتزوده بالقدرات والمهارات التي تجعله قادرًا على التفكير السليم وتكوين الآراء المستنيرة وإصدار الأحكام الصائبة في مواجهة أحداث الحياة المتغيرة ويجد المعلم في القرآن الكريم والسنة المطهرة أساليب مؤثرة راقية ربت النفوس واستنهضت الهمم. ولعل أهم أساليب التربية الإسلامية ما يلي: 1- التربية بالقدوة. 2- التربية بالعبرة والموعظة . 3- التربية بالترغيب والترهيب. 4- التربية بتكوين العادات الحسنة. 5- التربية باستغلال الأحداث. 6- التربية بضرب الأمثال. 7- التربية باستخدام القصة. 8- التربية عن طريق حل المشكلات. 9- التربية بتفريغ الطاقة وشغل أوقات الفراغ. 10- التربية بالممارسة العلمية. 1- التربية بالقدوة: تعد القدوة الحسنة أفضل أساليب التربية وأقربها إلى النجاح, فالإنسان في طفولته يميل إلى التقليد والمحاكاة، فإذا كان المحاكي قدوة تأصلت في النشء الخلال الطيبة والخصال الكريمة والقيم الرفيعة، وعندما يشب الفرد عن الطوق ويخطو خطى الشباب تترسخ هذه القيم في الجزء: 1 ¦ الصفحة: 53 نفسه ويعي ما أخذه عن القدوة، أن وجود منهج تربوي متكامل لا يغني عن القدوة. فالمعلم القدوة يحقق بأسلوبه التربوي وسلوكه كل الأسس والأساليب والأهداف التي يرجى أن يقوم عليها المنهج التربوي، لذلك بعث الله النبي محمدا صلى الله عليه وسلم؛ ليكون قدوة حسنة {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} 1. فكان الرسول الكريم هاديا ومربيا بسلوكه الشخصي بالإضافة إلى الذكر الحكيم والسنة، وكان النبي ترجمة عملية حية لتعاليم وآداب القرآن، كما أن سيرة الصحابة والتابعين تعد نموذجا لتجسيد القدوة الحسنة للمجتمع المسلم. القدوة أعظم أساليب التربية في نظر الإسلام الذي يقيم منهجه التربوي على هذا الأساس، فلا بد للطفل من قدوة في والديه وأسرته لتنطبع في نفسه المبادئ والقيم الإسلامية, ولا بد للناس من قدوة في مجتمعهم تجسد لهم شريعة الإسلام السمحة وتقاليده السامية؛ ليحملوا بصدق أمانة تربية الأجيال, ولا بد للمجتمع من قدوة فيمن يتولى أمره تتجسد فيه المبادئ الإسلامية فيتطلع المجتمع إليه ويسير على نهجه. ولا يخفى عنا أن حاجة الناس إلى القدوة نابعة من غريزة كامنة في النفوس هي التقليد، ويمكن الإفادة من ميول وغرائز الأطفال الفطرية في تربيتهم بتكوين قدوة صالحة أمام التلاميذ وهذا يقتضي أن يكون معلم الأطفال متحليا بالفضيلة معروفا بالأخلاق الرفيعة، ومما لا شك فيه أنه إذا وجد الطفل القدوة الحسنة في والديه وفي معلمه حذا حذوهم, وأصبح من الميسور تربيته طبقا لشريعة الإسلام.   1 الأحزاب: 21. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 54 2- التربية بالعبرة والموعظة : تعرف العبرة بأنها حالة نفسية تتيح للمرء معرفة المغزى والمآل لأمر ما يشاهده الإنسان ويتبصر فيه ويتدبره ويقوم باستقرائه ومقايسته فيصل إلى نتيجة مؤثرة يخشع لها قلبه، فيدفعه ذلك إلى سلوك فكري واجتماعي مناسب, وفي القرآن الكريم والسنة النبوية كثير من الموضوعات التي تدعو إلى التأمل والاعتبار، ولكل قصة قرآنية أو نبوية هدف تربوي رباني، يستخلص منها صاحب الفكر الواعي العبرة ويستنبط منها المغزى المراد، وفي ذلك يقول الله عز وجل بعد ذكر قصة يوسف {لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} 1. والعبرة من القصة تربى في النشء الأخلاق الفاضلة والمبادئ السامية والعواطف الربانية، والمعلم مطالب باستخدام الوسائل المناسبة؛ لإيقاظ التأمل في نفوس التلاميذ وتعويدهم على التفكير السليم. وهناك أيضا العبرة بمخلوقات الله ونعمه التي سخرها للإنسان, ومنها قوله تعالى: {وَإِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعَامِ لَعِبْرَةً نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِهِ مِنْ بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَبَنًا خَالِصًا سَائِغًا لِلشَّارِبِينَ، وَمِنْ ثَمَرَاتِ النَّخِيلِ وَالْأَعْنَابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا وَرِزْقًا حَسَنًا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ} 2. والمربي الواعي يمرن عقول الطلاب على تأمل آيات الله في الكون ودلائل حكمة الله ودقة صنعه, ثم يناقش الطلاب في هذه الأمور ويستجوبهم بأسئلة محكمة يتوصلون بها تلقائيا إلى الاعتراف بوحدانية الله وقدرته وأسمائه الحسنى، وحتى تحقق الهدف منها يجب أن تحوي التربية بالعبرة جميع مواقف الحياة وحوادث الكون ومظاهر القدرة الإلهية. إن الاعتبار بالأحداث التاريخية كان محل اهتمام القرآن, إذ أشار إلى أحداث تاريخية بارزة كان لها بعدها كغزوة بدر وغزوة حنين, وأشار إلى العبرة من هذه الأحداث كغزوة بدر {قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلَى جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمِهَادُ، قَدْ كَانَ لَكُمْ آَيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتَا فِئَةٌ تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ   1 يوسف: 111. 2 النحل: 66، 67. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 55 وَأُخْرَى كَافِرَةٌ يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ وَاللَّهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَنْ يَشَاءُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصَارِ} 1. يهدف القرآن الكريم من ذكر الأحداث التاريخية إلى الاعتبار ومعرفة المغزى، كمعرفة سنة الله في إهلاك المفسدين بسبب فسادهم وظلمهم {وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ} 2، وكمعرفة سنة الله في نصر عباده المؤمنين {وَلَوْ قَاتَلَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوَلَّوُا الْأَدْبَارَ ثُمَّ لَا يَجِدُونَ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا، سُنَّةَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا} 3. وهناك أيضا التربية بالموعظة التي تأخذ معاني النصح وهو بيان الحق والمصلحة من أجل تجنيب المنصوح الضرر وإرشاده إلى ما يحقق نفعه وسعادته، كذلك التذكير بالموت وبالمرض وبيوم الحساب، فالموعظة المؤثرة تنفذ مباشرة إلى النفس عن طريق الوجدان، وتربي العواطف وتنميها، وقد توقظ الموعظة العواطف في نفوس النشء عن طريق الحوار أو العمل والعبادة والممارسة كعاطفة الخضوع لله والرغبة في جنته, ويعتمد الوعظ على القدوة الحسنة وعلى الجماعة المؤمنة التي تعد الوسط الذي يسمح بتقليد القدوة ويشجع على الأسوة بها. إن القدوة الحسنة تجعل الموعظة بالغة التأثير في النفس, ودافعا قويا إلى تزكية النفس وتطهيرها من فجورها وأدرانها.   1 آل عمران: 12, 13. 2 هود: 117. 3 الفتح: 22، 23. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 56 3- التربية بالترغيب والترهيب : الترغيب أحد الأساليب التي استخدمها الإسلام لحث المسلمين على فعل الخير ودفعهم إلى طريق الهداية والعمل وفق منهج الله، ويعرف النحلاوي الترغيب بأنه "وعد يصحبه تحبيب وإغراء بمصلحة أو لذة أو متعة مؤكدة خيرة، خالصة من الشوائب، مقابل القيام بعمل صالح أو الجزء: 1 ¦ الصفحة: 56 الامتناع عن لذة ضارة أو عمل سيئ ابتغاء مرضاة الله، وذلك رحمة من الله لعباده". بينما يعرف الترهيب بأن "وعيد وتهديد بعقوبة تترتب على اقتراف إثم أو ذنب مما نهى الله عنه أو على التهاون في أداء فريضة مما أمر الله به، أو هو تهديد من الله يقصد به تخويف عباده وإظهار صفة من صفات الجبروت والعظمة الإلهية؛ ليكونوا دائما على حذر من ارتكاب الهفوات والمعاصي"1. لقد وضع الدين الإسلامي أمام المسلم الهدف الذي تهفو إليه النفس وتميل إليه حتى تندفع إليه برغبة خالصة وشوق جارف، علاوة على الانتفاع بالجزاء الذي أعد لهذا العمل {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} 2. ويذكر النحلاوي ثلاث ميزات للترغيب والترهيب في التربية الإسلامية هي: أن الترغيب والترهيب القرآني والنبوي يعتمدان على الإقناع والبرهان، وهذا يعني تربويا: أن نبدأ بغرس الإيمان والعقيدة الصحيحة في نفوس الناشئين، ليتسنى لنا أن نرغبهم بالجنة أو نرهبهم من عذابا لله، وليكون لهذا الترغيب والترهيب ثمرة عملية سلوكية3. وثانيا أنهما يعتمدان على التربية الوجدانية للإنسان وهي مقصد من مقاصد الشريعة الإسلامية، وثالثا اصطحابهما بتصور فني رائع لنعيم الجنة ولعذاب النار بأسلوب واضح يفهمه كل الناس. فيمكن للإنسان أن يعدل سلوكه على ضوء معرفته بالنتائج النافعة أو الضارة التي ترتبت على عمله وسلوكه.   1 النحلاوي، مرجع سابق، ص257-258. 2 النور: 55. 3 النحلاوي، المرجع السابق، ص258. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 57 وعلى أية حال فإن أسلوب الترغيب أفضل من أسلوب الترهيب؛ لأنه يخاطب النفس، ويستميل الوجدان، ويعتمد على استثارة الرغبة الداخلية للإنسان، ويمكن الإفادة من الترغيب في الجانب التربوي إذا اعتمد على الإقناع والمنطق والنزوع إلى الحقائق التي أقرها القرآن {إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلًا، خَالِدِينَ فِيهَا لَا يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلًا} 1. والترغيب يفيد مع الصغير والكبير على السواء، كل على حسب فهمه، وقدرته على تصور الأشياء. أما أسلوب الترهيب فهو سلبي؛ لأنه يعتمد على التخويف والوعيد تحمل الناس على أداء عمل ما من عدمه، والترهيب كوسيلة تأديبية يجب أن يكون مناسبا لما هو له، وإلا تحول إلى تمرد وانحراف، هو يعتمد أيضا على الإقناع وتقديم المعونة أولا, ثم الوعيد بعد ذلك، وكثيرا ما يعرض القرآن الكريم الترغيب والترهيب في سياق واحد لكي يتيح للعقل فرصة الموازنة والاختيار. إن الأساس في تربية المتعلمين وبخاصة صغار التلاميذ هو الترغيب، فالثواب هو الأسلوب الهادف لتعليم الأطفال، لذا ينبغي أن يتصف أسلوب التربية الإسلامية بالرفق واللين لا سيما في تربية الأطفال، ولا نلجأ إلى الترهيب إلا إذا أخفقت كل أساليب ووسائل الترغيب، وكان الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: "إن الله يحب الرفق في الأمر كله"، كما كان ينصح بالتبشير والتيسير في التربية والتعليم قائلا: "علموا وبشروا ولا تعسروا" 2. وكان عليه الصلاة والسلام يقول: "إن الله تعالى لم يبعثني معنتا ولا متعنتا، ولكن بعثني ميسرًا" 3.   1 الكهف: 107-108. 2 ابن حجر العسقلاني، فتح الباري بشرح صحيح البخاري، القاهرة، مصطفى البابي الحلبي، 1959، 1/ 172. 3 السيوطي: الجامع الصغير، القاهرة، مطبعة عبد الحميد حنفي، د. ت. 1/ 22. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 58 4- التربية بتكوين العادات الحسنة : العادة تلعب دورا كبيرا في حياة الإنسان، والإسلام يستخدم العادة كوسيلة من وسائل التربية، وذلك عن طريق تحويل الخبرة والقيم الثابتة إلى عادات يقوم بها الفرد دون مجهود, وقد سار منهج التربية الإسلامية في اتجاهين من أجل تكوين العادات الجديدة عند المسلمين الأوائل، الاتجاه الأول يتمثل في تخليصهم من العادات القديمة السيئة, والاتجاه الثاني ينحو إلى تثبيت العادات الجديدة والمبادئ السامية والقيم العليا. ولتخليص الجماعة الإسلامية الأولى من العادات السيئة فقد اهتدى المنهج إلى طريقتين أيضا: "الطريقة الأولى: هي الاستئصال والحسم منذ اللحظة الأولى، وذلك تجاه الشرك بكل عاداته وتصوراته، وعادة وأد البنات، وكذلك عادات الكذب والغيبة والنميمة والكبرياء الزائف، وهذه كلها عادات فردية، والطريقة الثانية: وهي طريقة التدرج في تكوين العادات, خاصة العادات "الاجتماعية" التي لا تقوم على مشاعر الفرد وحده، وإنما ترتبط بأحوال اجتماعية واقتصادية متشابكة، مثل الخمر والزنى والرق والربا"1. ويقوم المنهج الإسلامي في التغيير الاجتماعي على إثارة الوجدان وبعث الرغبة في العمل وتكوين الميل، ثم تحويل الرغبة والميل إلى عمل وسلوك واقعي فيتطابقان، ولنأخذ الصلاة مثلا لذلك, فالصلاة تتحول بالتعود إلى عادة ثابتة تلح على الإنسان ولا يستريح حتى يؤديها، ويسري ذلك على الصوم والزكاة وكل الآداب وأنماط السلوك الإسلامي، مثل آداب الطعام والشراب، وآداب النوم، وآداب التحية, وآداب الحديث، وتجدر بنا الإشارة إلى أن القدوة عامل مهم في تكوين العادة فضلا عن التشجيع والتلقين والإلزام باللطف أو بالشدة.   1 علي أحمد مدكور، مرجع سابق، ص351. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 59 5- التربية باستغلال الأحداث : تعتبر التربية باستغلال الأحداث أحد الأساليب المجدية والفعالة للتربية، فالحياة تفاعل دائم مع الأحداث، وأحيانا ما يستغل حدث معين لإعطاء توجيه أو تغيير سلوك معين، وفي هذه الحالة يكون التوجيه والتغيير في السلوك أكثر عمقا وأطول أمدا في التأثير إذا ما أتيا في أعقاب هذا الحدث، لا سيما إذا كان حدثا مؤثرا يهز النفس هزًّا شديدًا، والمربي الناجح المستنير يستغل الأحداث؛ لتربية النفوس وتهذيبها, فتنطبع فيها ولا يكون أثرها موقوتا سريع الزوال. وقد تقع الأحداث بسبب تصرفات الناس الخاصة أو لأسباب خارجة عن إرادتهم وعن تقديرهم، وقد تكون منظمة ومخططة مسبقا مسبقا ليمر بها الناس على اختلاف أعمارهم بقصد إثارة مشاعرهم وتحريك عواطفهم حتى يسهل تغيير سلوكهم في الاتجاه المرغوب وما زال الحدث قريبا وفعالا. وقد وفق الإسلام في استغلال الأحداث في تربية الأمة الإسلامية، فكانت تلك الأمة الفريدة في التاريخ، التي شهد لها الله سبحانه وتعالى فقال: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} 1, ومن أجل هذا الهدف كانت التربية بالأحداث يوم "أحد" للذين فتنتهم غنائم المعركة فأغفلوا الهدف الأصيل. وقد كان الدرس قاسيا يوم حنين حين اغتر المسلمون بكثرتهم، فكان الدرس البليغ هو ردهم إلى الله يستمدون منه القوة, ويدركون أن قوة إيمان المسلمين بالله هي العامل الحاسم في المعركة، كما كانت التربية بالأحداث للذين تخلفوا عن القتال مع رسول الله في موقعة "تبوك"، قال الله عز وجل في يوم "أحد": {وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا أَرَاكُمْ مَا تُحِبُّونَ مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآَخِرَةَ ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ وَلَقَدْ عَفَا عَنْكُمْ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ} 2.   1 آل عمران: 110. 2 آل عمران: 153. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 60 6- التربية بضرب الأمثال : يعني ضرب المثل إيقاعه وبيانه، يذكر في الكلام لإيضاح حال من الأحوال. والأمثال القرآنية والنبوية لها غايات نفسية تربوية حققتها لسمو المعاني التي تحتويها ونبل ورقي الأغراض التي تشملها، بالإضافة إلى الإعجاز البلاغي لها وتأثير أدائها، ومن أهم الأهداف التربوية لضرب الأمثال ما يلي: 1- تقريب المعنى إلى العقول وإيضاحه: فالأمور المجردة تشبه بالأشياء الحسية لتمكين الناس من فهم تلك الأمور المعنوية أو الغيبية، وقد استخدم الرسول صلى الله عليه وسلم أسلوب الحوار الخطابي في الحديث التالي: عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "أرأيتم لو أن نهرا بباب أحدكم يغتسل منه كل يوم خمس مرات, هل يبقى من درنه شيء؟ " قالوا: لا يبقى من درنه. قال: "فذلك مثل الصلوات الخمس يمحو الله بهن الخطايا". متفق عليه1. وقد بلغت الأمثال القرآنية الذروة بلاغة ووضوحا وأداء للمعنى، ونذكر منها على سبيل المثال: المعنى الذي ضربه الله مثلا للحق والباطل: {أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَدًا رَابِيًا وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النَّارِ ابْتِغَاءَ حِلْيَةٍ أَوْ مَتَاعٍ زَبَدٌ مِثْلُهُ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ} 2.   1 النووي: رياض الصالحين، طبعة دار الكتاب العربي، بيروت، ص104. 2 الرعد: 17. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 61 2- إثارة الانفعالات التي تناسب المعنى وتربية العواطف الربانية: يقول النحلاوي "إن إثارة انفعالات التقزز والكره والاحتقار لمعاني الشرك والكفر، ولضياع التفكير السليم عند المشركين أو الضالين، يقابله إثارة انفعال الارتياح لمعاني الإيمان لدى المؤمن، والاعتزاز بالولاء لله؛ لمجرد شعور المؤمن بالخلاص مما وقع فيه هؤلاء, والترفع عن أحوالهم بما هداه الله إليه ... "1. 3- تربية العقل على التفكير الصحيح والقياس المنطقي السليم: يوقظ كثير من الأمثال العقل وينبهه, حيث أنه مطالب بالتوصل إلى النتيجة التي لا يصرح بها القرآن في كثير من الأحيان، إنما يشير إليها ويترك للعقل معرفتها، ويفسر النحلاوي ذلك بقوله: "فعندما ضرب الله مثلا للحق والباطل وصف المشبه به "الماء، والسيل، والزبد، وما ينفع الناس فيمكث في الأرض, وما يذهب جفاء", ثم اكتفى بإشارة سريعة إلى النتيجة "كذلك يضرب الله الحق والباطل" وترك للعقل أن يكتشف أن الحق يبقى وأن الباطل يذهب جفاء، كما يذهب الزبد بعد انتهاء السيل"2. 4- تحريك وإثارة العواطف والوجدان: الأمثال القرآنية والنبوية دوافع قوية تعمل على تحريك العقل والوجدان، اللذين بدورهما يحركان الإرادة ويدفعانها إلى عمل الخير واكتساب الفضائل ويحضانها على اجتناب الشرور والمنكرات، والمربي الحاذق البارع يستخدم الأمثال القرآنية والنبوية في تربية التلاميذ على السلوك الخير والخلق الفاضل, كذا تهذيب نزعاتهم الشريرة, فتتولد لديهم الإرادة الطيبة التي تنزع إلى الخير دائمًا.   1 النحلاوي، مرجع سابق، ص226. 2 نفس المرجع, ص227. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 62 7- التربية باستخدام القصة : تستخدم التربية الإسلامية أسلوب القصة في تحقيق الأهداف التربوية، وتعتبر القصة أحد العوامل التربوية الفعالة في نشر الاتجاهات والقيم المرغوب فيها والدعوة إلى التحلي بالأخلاق الفاضلة, لما لها من قدرة عظيمة على التأثير والتوجيه، والقصة القرآنية إحدى وسائل القرآن في الوصول إلى أغراضه الدينية, وقد حفل القرآن بكثير من القصص، وفي كل قصة نجد مثلا تربويا تمثله شخصية، أو عدة أمثال تمثلها عدة شخصيات، وهذه القصص التربوية تجسد شخصيات مثالية تثير في النفس انفعالا نحوهم لمحاكاتهم، وجاء في التنزيل العزيز: {وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ وَجَاءَكَ فِي هَذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ} 1. وتمتاز القصة القرآنية بأنها تشد القارئ وتجذب انتباهه، فتجعله كثير التأمل في معانيها والتأثر بشخصياتها وموضوعاتها، كما أنها تتعامل مع النفس البشرية في واقعيتها الكاملة، متمثلة في أهم النماذج التي يتوخى القرآن إبرازها للإنسان، والقصة القرآنية تربي العواطف الربانية عن طريق إثارة الانفعالات كالخوف والترقب، والرضا والارتياح، كما تمتاز بالإقناع الفكري بموضوع القصة عن طريق الإيحاء وعن طريق التفكير والتأمل. ومن ميزات القصص القرآني الصدق والتركيز على الهدف المنشود من القصة، وتزويد الفرد والجماعة بالقيم الإسلامية الرفعية وتربيتهم على الثقة المطلقة بالله والإيمان بالقضاء والقدر، وقد أشار القرآن الكريم إلى استخدام القصة كأسلوب تربوي {فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} 2.   1 هود: 120. 2 الأعراف: 176. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 63 وفي القصص الديني يبين المعلم لتلاميذه أحوال السالكين والناكبين، وتحوي أحوال السالكين قصص الأنبياء والأولياء، كقصة آدم ونوح وإبراهيم وعيسى، أما أحوال الناكبين والجاحدين فهي قصص فرعون وقارون وعاد وثمود وكفار مكة وعبدة الأصنام وغيرهم. والقرآن الكريم يجمل أو يفصل هذه القصص وفقا للعبرة المقصودة والدروس المستفادة. وكان أحد أغراض القصة القرآنية1 إثبات الوحي والرسالة وتحقيق القناعة بأن محمدا صلى الله عليه وسلم وهو الأمي الذي لا يقرأ يتلوا على قومه هذه القصص من كلام ربه، فلا يشك عاقل في أنها وحي من الله، وأن محمدا رسول الله يبلغ رسالة خالقه. ومن أغراض القصة القرآنية بيان أن الدين كله من عند الله, وأن الله ينصر رسله والذين آمنوا, وينجيهم من الكروب والشرور من عهد آدم ونوح إلى عهد محمد صلى الله عليه وسلم، وأن المؤمنين كلهم أمة واحدة, والله الواحد رب الجميع، وكان من أغراض القصة القرآنية أيضا شد أزر المسلمين وتسليتهم عما يقابلون من المصائب والهموم، وتثبيت رسول الله ومن اتبعه من أمته وموعظة وذكرى للمؤمنين، وتنبيه الناس إلى خطر غواية الشيطان2، وتجسيد العداوة الخالدة بينه وبين الناس، ومن الأغراض التربوية للقصص بيان قدرة الله تعالى, ومثل ذلك قصة الذي أماته الله مائة عام, ثم بعثه3. والسنة النبوية تشمل كثيرا من القصص التي يمكن استخدامها كمواقف تربوية ذات تأثير كبير في التعليم، والأهداف في القصص النبوي تتميز بالتفصيل والتخصيص، فهناك أهداف أصلية وأخرى فرعية وأخلاقية مثل بيان أهمية إخلاص العمل الصالح لله والتوسل به إلى الله   1 سيد قطب: التصوير الفني في القرآن، دار الشروق، بيروت 1982، ص117-128. 2 الأعراف: 25، 60، 30. 3 البقرة: 259. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 64 لتفريج الأزمات، والحث على الصدقة، وتكميل وتوضيح ما جاء في القرآن من إشارات إلى قصص مختصرة اقتصر القرآن منها على ما يحقق غرضه من إيرادها، كقصة إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام إذ يرفعان القواعد من البيت1. ويستطيع المعلم البارع أن يجعل المدخل القصصي أساسا للتربية والتعليم لا سيما في المرحلة الابتدائية، كما يمكن للتربية الحديثة أن تستخدم القصة كأسلوب تربوي فعال وذلك ضمن استخدامها للمنهج التاريخي.   1 النحلاوي: مرجع سابق، ص218-220. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 65 8- التربية عن طريق حل المشكلات : تنشأ المشكلة عندما يقابل الإنسان موقفا جديدا لم يألفه ولم يتعود على مواجهته بينما تنقصه المهارات أو المعلومات أو لا تتوافر عنده الطرق والأساليب الجاهزة للتصرف فيه بطريقة سليمة، ويقتضي ذلك أن يعيد الإنسان تشكيل معلوماته السابقة وصبها في قالب جديد، قد يمكنه من التصرف في الموقف، وإذا أخفق في ذلك فقد يسعى إلى اكتساب معارف ومهارات جديدة تقوده إلى التصرف الصحيح في الموقف الجديد الشائك. وتختلف طريقة مواجهة المشكلات من فرد إلى آخر طبقا لدرجة وعيه وثقافته ومهارته وخبرته وقدرته على التصرف، وبينما يشكل موقف مشكلة لفرد فإنه لا يشكل مشكلة لفرد آخر، وتتميز عملية حل المشكلات بأنها عملية معقدة؛ "لأنها تحتوي على عمليات عقلية كثيرة, مثل التذكر، والفهم، والتطبيق، والتحليل, والتركيب, والاستبصار والتجريد، والتعميم, وغير ذلك من العمليات العقلية والمهارية والانفعالية المتداخلة"1.   1 علي أحمد مدكور: المرجع السابق، ص363. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 65 وتتجلى أهمية أسلوب حل المشكلات في التعليم والتعلم في أنها تزود الفرد بمهارات وأفكار وقيم جديدة نتيجة قيامه بعدد من العمليات العقلية والوجدانية، والمعلم الناجح الفطن يستخدم أسلوب حل المشكلات من أجل تطبيق وإيضاح مفهومات سابقة, وأيضا لاكتشاف مفاهيم جديدة, ويدفع أسلوب حل المشكلات المتعلمَ إلى تطوير أفكاره ومفاهيمه السابقة واستخدامها في موقف أو مشكلات جديدة، فضلا عن أنه يثير الرغبة عند المتعلم في البحث عن الحل، وينمي الثقة بقدراته الفعلية ويوفر له الفرصة المواتية للمناقشة والتفكير النقدي. ويرى جون ديوي أن عملية حل المشكلات التي تعتمد على الطريقة العلمية تمر بالمراحل التالية: 1- تحديد المشكلة. 2- التعرف على الظروف المحيطة بالمشكلة عن طريق جمع المعلومات المتصلة بها وتحديد العوامل المؤثرة، وهذا يؤدي إلى فهم المشكلة وتحديدها بصورة أكثر دقة. 3- وضع فرضيات للحلول الممكنة لهذه المشكلة. 4- الدراسة الدقيقة لكل فرضية على أساس القيمة المحتملة لكل منها. 5- اختبار صحة كل فرضية أو حل على ضوء النتيجة المحتملة ثم اختيار الفرضية التي تنتج الحل الأمثل. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 66 9- التربية بتفريغ الطاقة وشغل أوقات الفراغ بما ينفع : يولد جسم الإنسان طاقة يستهلك بعضها ويدخر بعضها، وهي جهد فائض، كما يتاح للإنسان بعض أوقات الفراغ وهي وقت فائض، ومن أساليب الإسلام في تربية الفرد العمل على تفريغ الجهد الفائض وشغل الوقت الفائض بما ينفع الفرد, وينبغي أن يستنفد الجهد الفائض "في عمل طيب، سواء أكانت له منفعة مادية "كما يتوقع من الشباب" أو لم تكن "كما هو الأمر بالنسبة للأطفال", فليس المهم بالنسبة للطفل الصغير النفع المادي، بقدر ما يهم البناء النفسي السليم"1. إن الجهد الفائض طاقة حيوية محايدة يمكن استثمارها في الخير كما يمكن استثمارها في الشر، فإن لم يستنفذها الإنسان في الخير فإنه سوف يبذلها في الشر، وينطبق ذلك على الوقت، فإن لم يستهلك في الخير فإنه سوف يستهلك في الشر، وقد حظي كلاهما باهتمام منهج التربية الإسلامية. ومن هذا المنطلق تظهر أهمية تعاون البيت مع المدرسة في تنظيم منطلقات نافعة لتصريف الجهد الفائض للطلاب في اتجاه تنمية مواهبهم وقدراتهم واستعداداتهم والسمو بتربيتهم, مما يجنبهم الزلل والانحراف. وفيما يختص بالوقت الفائض المتمثل في وقت الفراغ فيجب استمثاره في الذكر والعبادة التطوعية بعد أداء الفرائض، وفي تدارس القرآن وحفظه، وفي القراءة الحرة والمشاركة في النشاطات التربوية وفي ممارسة الرياضة، وفي زيارة الأقارب والأصدقاء وعيادة المرضى منهم.   1 محمد قطب: مرجع سابق، ج2، ص156. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 67 10- التربية بالممارسة العملية : يبرز أسلوب الممارسة العملية كأحد الأساليب الناجحة في التربية الإسلامية، فالنظرية وحدها لا تكفي, إذ لا بد من التطبيق حتى يقترن الفكر والقول بالعمل والممارسة، فالمسلم الحق هو الذي يتطابق سلوكه مع ما يعتمل في وجدانه وقلبه، ويستوي قوله وفعله، وتتفق نيته مع عمله، فإنما الأعمال بالنيات ولكل امرئ ما نوى. والمعلم البارع يولي اهتماما كبيرًا بتنمية السلوك العملي الرشيد وتوجيه الطلاب إلى ممارسة ما تعلموه من خلال خبراتهم وتجربتهم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 67 المباشرة, ويتفق أسلوب الممارسة العملية في المؤسسات التعليمية مع طبيعة التربية الإسلامية في كونها تربية سلوكية، كما أنه يزيد الأمور النظرية إيضاحا وينقل المعلم من الجو المشحون بالأفكار إلى الواقع العملي. ولأسلوب الممارسة العملية آثار تربوية مفيدة وفعالة، منها أنها تعود المتعلم على الدقة وتجعله يتأكد من صحة النتائج، حيث إن المتعلم يؤدي عملا أمام معلمه, ثم يناظره المعلم ويصحح له أخطاءه, ومنها أيضا شعور المتعلم بالمسئولية عن صحة العمل واقتناعة بما يمارسه وبلوغه أعماق النفس، فضلا عن غرس حب العمل في نفسه، فينبذ الكسل والتواكل. وحتى يتحقق نجاح أسلوب الممارسة العملية يجب أن يكون لدى المعلم استعداد كامل ورغبة صادقة في استخدامه وممارسته بالفعل، ومن ثم فهو مطالب بتوضيح كيفية الأداء النموذجي وتصحيح أخطاء المتعلم بعد ملاحظته ومتابعته، كما ينبغي أن يتيح المعلم الفرصة لتلاميذه للمناقشة الحرة حتى يصل معهم إلى الصواب، وقبل كل ذلك يجب أن يكون المعلم عاملا بعلمه، فلا يقول ما لا يفعل. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 68 الفصل الرابع: طرق تدريس التربية الإسلامية مدخل ... الفصل الرابع: طرق تدريس التربية الإسلامية الطريقة هي الخطة التنفيذية التي بواسطتها ينقل المعلم المعلومات والمهارات إلى الطلاب، ويعرفها أحد الباحثين بأنها "مجموعة من أوجه النشاط يشترك المدرس وطلابه فيها متعاونين تعاونا منظما يؤدي إلى تعلم الطلاب تعلما خاصا ويسهم في مساعدتهم على النحو المتكامل المنشود"1, ويختار المعلم مسبقا الطرق والأساليب المناسبة، ويوفر الظروف الملائمة بشكل منظم وفق تخطيط محكم، كما يجب أن يراعي أهمية المشاركة الفعالة من جانب الطلاب حتى يحسوا بدورهم الإيجابي المثمر في عملية التعلم. ويهدف الاجتهاد في اختيار الطريقة المناسبة إلى تحقيق النمو المطلوب للتلاميذ في جميع النواحي التي تتفق وأهداف مناهج التربية الإسلامية، ومن ثم فلا توجد طريقة واحدة مثلى وفعالة في تدريس المواد الدراسية، إنما تختلف الطريقة باختلاف المواقف التعليمية والهدف من كل موقف تعليمي بالإضافة إلى طبيعة المادة نفسها ومستوى الطلاب والإمكانات المتاحة، وعلى أية حال يجب أن تكون الطريقة ملائمة للهدف والمحتوى. فالمحتوى ترجمة صادق للأهداف ومن خلاله يتم التوصل إلى بلوغها، ويتعين على معلم التربية الإسلامية اختيار الطريقة الملائمة للهدف المحدد من الدرس, وللمحتوى الذي من خلاله سوف يتحقق ذلك الهدف، كما يجب أن تكون الطريقة مناسبة لمستويات الطلاب. وخليق بمعلم التربية الإسلامية أن ينوع الطرائق التي يستخدمها في تدريسه سواء في المواقف التعليمية المختلفة أو في الموقف التعليمي الواحد، مع مراعاة عنصر الإثارة والتشويق، فبينما يساعد تنويع طرائق   1 عبد اللطيف فؤاد إبراهيم: تدريس الجغرافيا، القاهرة، مكتبة مصر 1975، ص50. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 69 التدريس على التغلب على الفروق الفردية، تهدف الإثارة والتشويق إلى القضاء على السآمة والملل, ولا شك أن اعتماد المعلم على إقامة الدليل -بقدر المستطاع- من القرآن والسنة والإجماع والقياس وأقوال الصحابة من شأنه أن يثري الموقف التعليمي ويدعم الفهم السليم الذي يقبل الطلاب على تطبيقه والاقتداء به. كما يجب أن يهتم معلم التربية الإسلامية في طريقة تدريسه بمبدأ التعلم الذاتي، ويتأتى ذلك بتحريك المتعلم ذاته في نواحي التخطيط والتوجيه والتنفيذ والمتابعة حتى يتكون لدى الفرد اتجاه إيجابي نحو تعليم نفسه على نحو مستمر, كذلك يتعين على معلم التربية الإسلامية استثمار وتوظيف بعض الأساليب التربوية في مجال تدريس التربية الإسلامية وبخاصة أسلوب القدوة الحسنة وأسلوب القصص وأسلوب الترغيب والترهيب وأسلوب ضرب الأمثال، وغني عن القول إن الطريقة التي يختارها معلم التربية الإسلامية والأسلوب الذي ينتهجه يتطلبان التخطيط والإعداد الجيدين قبل الشروع في التنفيذ. وفيما يلي أهم طرائق تدريس التربية الإسلامية. 1- طريقة الإلقاء والمحاضرة: طريقة المحاضرة من أكثر طرائق التدريس استخداما لقدرتها على إثارة الانتباه وتقديم المعلومات والحقائق التي يصعب الحصول عليها بطريقة أخرى، ومن مزايا المحاضرة أنها تساعد المتعلم على تنظيم المعلومات والحقائق والمقارنة بين الآراء المتباينة وإعمال الفكر فيها واستدعائها والتوصل إلى استنتاجات محددة وعرضها على نحو سليم, وتعتمد طريقة المحاضرة على الإلقاء والتكرار ويجب على المعلم إعداد الدرس جيدا قبل إلقاء المحاضرة بوقت كاف طبقا لخطة محددة، كما يجب أن يعد الوسائل التعليمية المناسبة للمحاضرة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 70 يمهد المعلم للدرس بمقدمة مناسبة يعقبها عرض النقاط الأساسية على الطلاب ثم يتدرج في شرح وتفصيل كل نقطة ثم ينتهي بالخاتمة, وهذه الطريقة بما فيها من "اقتصاد في الوقت وفرصة لقطع شوط كبير في المنهج، ولعرض الموضوع في شكل مرتب منظم صالحة للاستعمال مع طلبة الجامعة، والمعاهد العليا؛ لأنهم قادرون على الانتباه لمدة طويلة وفهم الأفكار المجردة وعلى تلخيص الفكرة بعد فهمها، ولكنها وحدها لا تصلح لتعليم الأطفال الصغار الذين يصعب عليهم الانتباه لمدة طويلة وفهم الأفكار المجردة ومحتويات الإخبار اللفظي بدون تدعيم بالوسائل المحسوسة والخبرة العلمية وبدون التدرج معهم وتوجيههم"1. ومن عيوب المحاضرة أنها ذات جانب واحد حيث يقوم المعلم بنقل المعلومات إلى الطلاب بدون مشاركتهم في العملية التعليمية, ولا يسمح المعلم إلا ببعض الأسئلة في وقت محدود، وطرح أسئلة للتأكد من فهم الدرس. 2- الحوار والمناقشة والمناظرة: تعتبر طريقة الحوار والمناقشة والمناظرة من طرق التدريس الفعالة، وهي تعتمد على الأسئلة والاستجواب للوصول إلى الحقائق، وتتيح هذه الطريقة الفرصة للمتعلم للمشاركة في العملية التعليمية بالأسئلة وإبداء الرأي والاستماع إلى آراء الآخرين وتحليلها. والمناقشة طريقة حية حيث يتبادل فيها المعلم والمتعلمون الكلام والاستماع، ويشاطر فيها المتعلمون المعلم الفهم والتحليل، وتقويم موضوع أو فكرة أو مشكلة وبيان نقاط الاتفاق ونقاط الاختلاف، وطريقة المناقشة من أقرب الطرق إلى روح منهج التربية الإسلامية وأفضلها، بالإضافة إلى كونها من أهم ألوان النشاط التعليمي للكبار والصغار على السواء، فحياتنا المعاصرة ذات الاتجاهات المختلفة والفروع المتشابكة   1 عمر التومي الشيباني، مرجع سابق، ص414. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 71 والمتعددة تتطلب الاهتمام بالمناقشة والإقناع واكتساب الفرد القدرة على المناقشة الموضوعية الحرة التي تساعده على أداء واجبه كإنسان في المجتمع1. وتتمتع طريقة المناقشة بمزايا عدة منها: 1- اعترافها بإيجابية المتعلم وإيمانها بدوره في العملية التعليمية, وقدرته على التعلم من خلال المناقشة والمشاركة الفعالة. 2- توطيد العلاقة الطيبة بين المعلم وطلابه وإشعار المعلم طلابه بقدرتهم على المشاركة الإيجابية مما يحفزهم على زيادة نشاطهم وفاعليتهم. 3- إسهامها في تنمية الاتجاهات والقيم والمستويات العليا في الجانب المعرفي بدرجة أكبر من طريقة المحاضرة. 4- تقديم المساعدة الفعالة على اكتساب مهارات الاتصال، لا سيما مهارات الاستماع والكلام وإدارة الحوار، بالإضافة إلى إتاحة الفرصة للدارس لاكتساب أساليب وآداب النقاش القائمة على النظام واحترام الآراء. 5- العمل على زيادة إقبال الدراس على التعليم والتفاعل مع النشاطات التعليمية من خلال إتاحة الفرصة للدارس ليتحدث في موضوعات تهمه وقضايا تشغل باله وفكره، مما يشعره بقيمة التعليم. 6- مساعدة الطلاب في تحليل مشكلاتهم واستخلاص النتائج المترتبة على مناقشاتهم بالإضافة إلى مساعدتهم في اتخاذ القرارات التي يتعين عليهم اتخاذها. 7- جعل المعلم أكثر إدراكا لمدى انتباه الطلاب وتجاوبهم مع المناقشة وتقبلهم لموضوعها.   1 علي أحمد مدكور، مرجع سابق، ص360-361. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 72 أما المناظرة فتعتمد على تباين الآراء ووجهات النظر وعقد المقارنة والموازنة بينها واختيار الصحيح منها، كذا تمحيص الآراء وتفنيدها بالمنطق السليم والأدلة المقنعة، وللمناظرة عدة مزايا منها أنها تعمل على تنشيط العقل وإيقاظ الذهن وتعويده التفكير المتزن والمنطقي، وبالإضافة إلى ذلك تعمل المناظرة على تقوية الحجة "والتمرن على سرعة التعبير وإتقانه، وتعويد المناظرين الثقة بالنفس، والقدرة على الارتجال، ولهذا كله عني بها المسلمون عناية كبيرة وعدوها طريقة من طرق التعليم المهمة، وأشاروا إليها في كتبهم الأدبية"1, ويوجه ابن خلدون في مقدمته الأنظار إلى الاهتمام بالمناقشة والمناظرة حيث أنهما يساعدان على فهم المسائل العلمية واستيعابها. ويستعمل القرآن الكريم طريقة الحوار والمناقشة والاستجواب في عدد من المواضع، ومن ذلك قوله تعالى: {قُلْ لِمَنِ الْأَرْضُ وَمَنْ فِيهَا إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ، سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ، قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ، سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ} 2. وقد لجأ الرسول صلى الله عليه وسلم إلى استخدام الحوار والمناقشة لتعليم أصحابه شئون الدنيا والآخرة، وسار على نفس النهج أصحابه من بعده، فأخذ العلماء منهم في البحث والتناظر في قضايا العلم والأدب لتتضح الحقيقة أمامهم، وكان الرسول الكريم يجيب عن أسئلة المسلمين ويشركهم في المناقشة عن طريق توجيه الأسئلة إليهم وإثارة انتباههم، فقد سأل رسول الله أصحابه هذا السؤال: "أخبروني بشجرة مثلها مثل المسلم تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها" 3. ويظهر الأثر الفعال للحوار والمناقشة جليا في تنمية العقول وبث   1 نفس المرجع: ص340-341. 2 المؤمنون: 84-87. 3 الإمام البخاري: الأدب المفرد، مكتبة الآداب ومطبعتها، القاهرة، 1979، ص110. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 73 الثقة في نفوس المتحاورين واكتساب فن الحديث وطلاقة اللسان والتفكير المنطقي. 3- طريقة التلقين: التلقين طريقة ذات اتجاه واحد، حيث يسيطر المعلم سيطرة تامة على العملية التعليمية، ويتم التركيز في هذه الطريقة على الجوانب النظرية وعلى نقل المعلومات إلى الدراسين، وقد يأخذ التلقين صورة المواعظ والتوجيهات، مثل ذلك قول الله عز وجل: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا} 1، وتحفل الأحاديث النبوية بالإرشادات والتوجيهات والمواعظ، مثلما جاء في الحديث الشريف: "طلب العلم فريضة" 2. ويرتبط التكرار بالتلقين، إذ يقوم المعلم بتكرار بعض نقاط الدرس عدة مرات حتى يتيقن من فهم الطلبة لها واستيعابهم لمحتواها، وكان الحفظ والاستظهار -كوسيلة للتعلم- طريقة مألوفة وشائعة في العالم الإسلامي، فقد كان الأطفال قبل أن يتعلموا القراءة والكتابة يحفظون سور قصيرة من القرآن الكريم بطريقة التلقين والتكرار، حيث كان المعلم يقرأ بعض السور القصيرة أمام الأطفال الذين كانوا يكررونها معه عدة مرات حتى يحفظوها عن ظهر قلب, ومن عيوب هذه الطريقة أنها لا تؤدي إلى الإبداع والابتكار, وعلى الرغم من ذلك فإن تكرار الشيء والتذكير به يساعد على تقليل احتمالات النسيان، يقول سبحانه وتعالى: {فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ} 3. ويعبر أسلوب التكرار عن معنى معين أو قضية محددة بعبارات   1 النساء: 58. 2 رواه ابن ماجه. 3 الغاشية: 21. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 74 متعددة، إذ إن في التكرار وتغير الأدلة ما يدفع العقلاء إلى إزالة الشك والإيمان بالحقيقة وقد استخدم القرآن الكريم هذا الأسلوب في إثبات الوحدانية وعرضها بصور متعددة حتى يسهل فهمها، ويتجلى ذلك من خلال هذا الآيات: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ، اللَّهُ الصَّمَدُ، لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ} 1، و {اللَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ} 2، وقوله سبحانه وتعالى: {لَوْ كَانَ فِيهِمَا آَلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا} 3. وقد استخدم الرسول صلى الله عليه وسلم أسلوب التكرار في تربية المسلمين ففي الحديث الشريف: "والله لا يؤمن، والله لا يؤمن، والله لا يؤمن"، قيل: من يا رسول الله؟ قال: "الذي لا يأمن جاره بوائقه" 4. وقدر الإسلام الأهمية الفائقة للممارسة المتكررة لتحقيق وتثبيت التعلم، فالصلاة التي يؤديها المسلم خمس مرات يوميا هي نوع من الممارسة المتكررة الموزعة على مدار اليوم، هذا من شأنه أن يساعد على تثبيت الخبرة وتسهيل الممارسة وتحقيق العبادة على أفضل صورة، وقد أدرك المربون المسلمون الأهمية البالغة لاستخدام هذا الأسلوب في التربية فحضوا المعلم على اتباع أسلوب التكرار في المواقف التي تتطلب ذلك من أجل تقريب المعنى للمتعلم من غير إسهاب أو إكثار لا يحتمله ذهن المتعلم. 4- الطريقة العملية: تحوي التربية الإسلامية بعض الأفرع التي يتم تدريسها من خلال استخدام الطريقة العملية, وتمثل العبادات أحد هذه الأفرع؛ لأنها تدور حول موضوعات عملية مثل الوضوء والصلاة، وأحسن طريقة لتعليم هذين الموضوعين, هي اصطحاب التلاميذ إلى مسجد المدرسة وتدريبهم على الوضوء، والصلاة. وحتى تتحقق الفائدة المرجوة يقوم المعلم -قبل الذهاب إلى المسجد- بشرح الدرس داخل الفصل، ويبدأ المعلم درس   1 الإخلاص: 1-4. 2 البقرة: 255. 3 الأنبياء: 22. 4 صحيح البخاري: كتاب الأدب، الجزء الثامن، ص12. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 75 الوضوء والصلاة العملي في المسجد بإجراء الوضوء أمام التلاميذ، ثم يؤدي الصلاة، وبعد الانتهاء من الصلاة، يقوم كل تلميذ -بناء على تعليمات المعلم- بتمثيل خطوات الوضوء ثم القيام بالوضوء فعلا. وينطبق هذا الأسلوب على الصلاة كذلك. ويمكن للمعلم أن ينمي الاتجاهات الإسلامية المتعلقة بالعبادات أثناء إجراءات هذا الدرس العملي1. 5- التعلم الذاتي: يقوم المعلم أحيانا بتكليف الطلاب بنشاطات متنوعة لتنمية قدراتهم على البحث والتحليل والاستيعاب، ويتم ذلك من خلال القراءات الخارجية حول الموضوعات المقررة, حتى تتوافر للطالب خلفية علمية مناسبة قبل البدء في تدريس هذه الموضوعات، كما قد يلجأ المعلم إلى تكليف الطلاب بعرض تلخيصات وافية عن هذه القراءات بعد تدريس موضوعاتها, حتى تكتمل الفائدة, ويتم ترسيخ المعلومات في أذهان الطلاب, وتعم الفائدة بمناقشة هذه التلخيصات داخل الفصل حيث يتم تبادل الآراء والمقارنة بينها والوصول إلى الحل الأمثل, وقد يكلف المعلم بعض الطلاب بإجراء تحليل نقدي لبعض الكتب في التربية الإسلامية من أجل تنمية القدرة على النقد عند الطلاب، كما قد يكلف مجموعة من الطلاب بالقراءة الواعية المتعمقة في هذه الكتب, والاستعداد لمناقشة هذه التحليلات مع بيان الأسانيد والأدلة.   1 محمد عبد القادر أحمد. طرق تعليم التربية الإسلامية، مكتبة النهضة المصرية، القاهرة، 1985، ص59-60. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 76 خصائص أساليب التربية الإسلامية وطرق التدريس التدرج في التعليم ... خصائص أساليب التربية الإسلامية وطرق التدريس: بعد أن استعرضنا في الفصل السابق أهم أساليب التربية الإسلامية، ثم طرق تدريسها في هذا الفصل، نورد فيما يلي أهم خصائصها: 1- التدرج في التعليم: من الأهمية بمكان التدرج في استخدام أساليب, وطرق تدريس التربية الإسلامية بما يتناسب مع إدراك المتعلم, ومستواه الفكري, ومقومات شخصيته، حيث يتدرج المعلم في تناولها من السهل إلى الصعب، ويكرر القرآن الكريم خاصية التدرج في الكثير من آياته، فقد عالج الإسلام الكثير من آفات المجتمع بالدعوة ثم بالتشريع, حتى يتهيأ الإنسان لما يلقى عليه من الأوامر والنواهي. ولنضرب مثلا لذلك، إننا بتتبع "قصة تحريم الخمر في الإسلام بالدعوة أولا، وبالتدرج في التشريع ثانيا، يتبين لنا أسلوب الإسلام في التوصل إلى أغراضه خطوة خطوة"1. حيث كانت أول إشارة لتحريم الخمر قوله تعالى: {تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا وَرِزْقًا حَسَنًا} 2, ثم قوله: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا} 3, ثم: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ} 4, ثم جاء التحريم القاطع في قوله تعالى: {إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} 5. وبذلك استطاع القرآن علاج هذه الآفة الخطيرة في المجتمع من خلال التدرج من مرحلة التوجيه إلى الإقناع الوجداني والعقلي إلى مرحلة النهي والتحريم الكامل. وفي الحديث الشريف استخدم الرسول صلى الله عليه وسلم هذه الطريقة في تربية المسلمين, فعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: "كنا نتعلم من رسول الله صلى الله عليه وسلم العشر فلا نجاوزها إلى العشر الأخر حتى نعلم ما فيها من العلم والعمل".   1 عبد الرحمن عزام: الرسالة الخالدة. ط4، دار الشروق، بيروت، 1969، ص34. 2 النحل: 67. 3 البقرة: 219. 4 النساء: 43. 5 المائدة: 90. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 77 وقد أدرك المنهج الإسلامي أهمية التدرج في التعليم من السهل إلى الصعب، وخليق بالمعلم أن يتدرج في شرحه من الأشياء الواضحة الملموسة، التي يمكن أن يدركها التلميذ باستخدام حواسه حتى يمكن أن يصل به في النهاية إلى إدراك بعض الحقائق غير المنظورة عن طريق الاستنتاج والحدس، وذلك لأن الحواس تكتمل عند الأطفال قبل اكتمال الاستعدادت العقلية. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 78 2- مراعاة خصائص الموقف التعليمي : يجدر بالمعلم أن يراعي خصائص وظروف كل فرد، إدراكا لما بين الناس من فروق فردية، ففي القرآن الكريم نجد أن "اختلاف الأساليب القرآنية في تناول نفس القضية ليس إلا دليلا على مراعاة الاختلافات بين الناس، ويلفت النظر في هذا الإطار مجموعة من الأحاديث الشريفة التي يطلب بعض الأفراد فيها النصيحة, فنجد لكلٍ جوابا يختلف عن الآخر وإن كانت جميع الأجوبة تؤدي إلى الخير وتحقيق أهداف العبادة وأسس الدين القويم"1. والتربية الإسلامية تحقق مراعاة الاختلاف بين الأفراد في الاستعدادات والميول والقدرات العقلية، كما أن أساليبها وطرق تدريسها تتميز بالمرونة والقابلية للتطور والتكيف طبقا للظروف والأحوال المتغيرة في إطار تعاليم الدين الإسلامي.   1 عبد الفتاح جلال، من الأصول التربوية في الإسلام، المركز الدولي للتعليم الوظيفي في العالم العربي، جمهورية مصر العربية، 1977، ص122. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 78 3- الإيجابية واشتراك المتعلم في الموقف التعليمي: يوفر المنهج الإسلامي حرية الطالب في المناقشة والمجادلة في حدود الأدب والاحترام، فإيجابية المتعلم واشتراكه في الموقف التعليمي حق من حقوق الطالب الأساسية، كما أن للطالب "الحرية المطلقة في إبداء رأيه أمام أستاذه، وفي الاختلاف مع أستاذه في الرأي والفكرة إن كان له من الأدلة الصحيحة ما يؤيد موقفه"1. وتتحقق إيجابية المتعلم بالمشاركة بالأسئلة والاستماع والفهم والتساؤل عما لا يدركه من حقائق، وهي تدفع المتعلمين إلى التنافس والتفوق، وتؤدي إلى اكتساب الثقة بالنفس، ويؤكد ذلك قول الإبراشي: "ولقدكان لعناية المنهج الإسلامي بفاعلية وإيجابية الفرد المتعلم واشتراكه بالمناقشة والحوار مع معلمه أثر حيوي كبير في طلب العلم، جعله يشترك في أن يعلم نفسه بنفسه، ويعتاد حسن التفكير وجودة التعبير، والقدرة على النقد والقوة في الإقناع والاعتماد على النفس وحرية الفكر"2. وحتى تكتمل الفائدة, يجب على معلم التربية الإسلامية ربط الموقف التعليمي بالحياة الواقعية بحيث تكون جميع المواقف التعليمية التي يمر بها الطلاب ذات صلة وثيقة بواقع الحياة التي يعيشونها. وتشكل بداية الدرس أهمية كبيرة، إذ يمكن للمعلم بواسطتها أن يوقظ أذهان التلاميذ ويجذبهم إلى الدرس، ويمكن أن يبدأ معلم التربية الإسلامية الدرس بما يلي: 1- مقدمة في صورة موقف أو حدث كمدخل إلى الدرس الجديد. 2- مقدمة تحوي مشكلة محددة تقود إلى الدرس الجديد. 3- توجيه أسئلة تربط الدرس الجديد بالدرس السابق. وللمعلم أن يختار الأسلوب المناسب لإدارة الدرس، فقد يقوم بشرح المعلومات وتبسيطها, أو إتاحة الفرصة للتلاميذ لربط المعلومات بأنفسهم، ويفرض الموقف التعليمي على المعلم الناجح تنويع طرق تدريسه واستخدام المواقف الطارئة التي تناسب الدرس، وأن يضرب الأمثال التي تقرب المعنى إلى أذهان الطلاب، وأن يسمح بالنشاط داخل الفصل الدراسي، وينبغي على المعلم في نهاية كل درس أن يتأكد من مدى فهم التلاميذ للدرس عن طريق توجيه أسئلة شاملة لكل عناصر الدرس، وقد يكلف بعض الطلاب بتلخيص الدرس الذي تم شرحه.   1 عمر التومي الشيباني، مرجع سابق، ص429. 2 محمد عطية الإبراشي، التربية الإسلامية وفلاسفتها، دار الفكر العربي، القاهرة 1976، ص210. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 79 طرق وخطوات تدريس أفرع التربية الإسلامية: مدخل ... طرق وخطوات تدريس أفرع التربية الإسلامية: مقدمة: إن طرق وخطوات تدريس أفرع التربية الإسلامية ليست ذات طابع جامد، بل هي عملية مرنة تتسع للتعرض للجوانب المعرفية والثقافية والأكاديمية، التي ينبغي استغلالها استغلالا كاملا لإثراء طريقة التدريس والمساعدة في تحقيق الهدف من المنهج الدراسي، كما أن تعدد أفرع التربية الإسلامية لا يعني أن هناك حدودا فاصلة بين فرع وآخر، والحقيقة تقول إن علائق الترابط والانسجام والاتفاق أكثر من علائق التنافر والاختلاف، حيث إنها تستمد من مصدر واحد هو القرآن والسنة وتعالج موضوعا واحدًا هو العقيدة الإسلامية. إن الطرق والخطوات التي سنتناولها هنا هي مجرد نماذج يستطيع المعلم أن يسترشد بها في تدريسه، والفرصة متاحة له كي يضيف ما يمكن إضافته من واقع خبرته واطلاعه وتمرسه بالتدريس وقدراته العقلية, وكذلك يمكن لمعلم التربية الإسلامية أن يستخدم الوسائل التعليمية المناسبة التي تجذب التلاميذ إليها، وبالإضافة إلى ذلك يمكن للمعلم أن يستخدم قدرته على ربط الأحداث والمواقف بعضها ببعض في العملية التعليمية عن طريق ضرب الأمثلة العقلية. ولتحقيق الفائدة المرجوة من تديس التربية الإسلامية تستدعي الضرورة التركيز على المراجعة المستمرة والتأكيد على قيم بعينها وآداب يراد لها أن تعم وتنتشر. وقد جرى تقسيم التربية الإسلامية إلى الأفرع التالية: القرآن الكريم، والتفسير، والحديث، والعقيدة، والفقه "العبادات والمعاملات"، والتهذيب، والسير والبحوث. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 80 1- تدريس القرآن الكريم : القرآن الكريم هو القاعدة التي يرتكز عليها الإسلام عقيدة وتشريعا وتنظيما، ويجب على كل مسلم أن يرتبط بالقرآن ارتباط محبة وتوقير وارتباط تعلم وفهم وإدراك لبعض غاياته ومراميه، وما يلي بعض الاعتبارات التي ينبغي أن يراعيها كل من يدرس القرآن الكريم ويتوخى فهم جوانب الإرشاد والإصلاح فيه: 1- إن القرآن وحدة متكاملة ومن ثم فهو يفسر بعضه بعضا. 2- يجب على المعلم والدارس معرفة أسباب نزول الآية حيث إن ذلك يساعدهما على تفهم الآية واستيعابها وتفسيرها تفسيرًا موضوعيا وأمينا. 3- ينبغي الاستعانة بالأحاديث النبوية التي يتصل موضوعها بموضوع الآية وتحقيق التوفيق بينهما إذا كان هناك اختلاف في الظاهر. 4- من المفيد معرفة الأساليب العربية وبعض التعبيرات اللغوية الواردة في كلام العرب، كذا الإلمام باللغة العربية الفصحى قدر الإمكان1. ينبغي تدريس النص القرآني من خلال استخدام التلقين والتكرار والحوار والمناقشة حتى يستطيع التلاميذ تلاوة الآيات بطريقة صحيحة واستنباط أحكام التلاوة. ويمكن اتباع الخطوات التالية في تدريس تلاوة القرآن: 1- يبدأ المعلم الدرس بمقدمة يشرح فيها المناسبة التي نزلت فيها الآيات موضوع التلاوة والغرض منها.   1 إبراهيم محمد عطا، مرجع سابق، ص204. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 81 2- يقسم المعلم النص القرآني إلى وحدات بحيث تحوي كل وحدة معنى كاملا. 3- يتلو المعلم الآيات المحددة جهارًا مع العناية بالترتيل والتنغيم لتجسيد المعنى, كذا إخراج الحروف من مخارجها بالطريقة السليمة. 4- يوجه المعلم أسئلة عامة إلى التلاميذ. 5- يقدم المعلم شرحا مختصرا للأفكار العامة للآيات والكلمات الصعبة والتراكيب الغامضة، ثم يناقش التلاميذ فيها. 6- يبدأ التلاميذ الأكفاء تلاوة الآيات جهارًا ثم يتتابع باقي التلاميذ، ويقوم المعلم بتصحيح تلاوة التلاميذ. 7- يقوم المعلم بتحليل النص القرآني آية آية مبينا العلاقة بين الآيات وموضحا معناها. 8- يناقش المعلم التلاميذ بعد تحليل كل آية للمحافظة على استمرارية المناقشة. 9- يستخرج المعلم الأحكام الشرعية والمعايير الخلقية مع محاولة ربطها بمواقف الحياة. 10- يوجه المعلم أسئلة محددة للتلاميذ للتأكد من فهمهم للنص القرآني. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 82 2- تدريس التفسير : يستطيع المعلم استخدام طرق وأساليب الحوار والمناقشة، والتحليل والاستنباط، وحل المشكلات في تدريس تفسير القرآن. وقد يتبع المعلم الخطوات التالية في تدريس التفسير: 1- يبدأ المعلم الدرس بمقدمة لتنشيط أذهان التلاميذ وتشويقهم للدرس. 2- يقرأ المعلم الآيات المقرر تفسيرها بصوت واضح. 3- يشرح المعلم الآيات مع إتاحة الفرصة للتلاميذ للمشاركة في المناقشة والتفسير، وتعد هذه الخطوة أهم أجزاء الدرس. 4- يوجه المعلم أسئلة للتلاميذ ويشجعهم على التعبير عما فهموه بأساليبهم الخاصة. 5- يقرأ التلاميذ الآيات جهارًا واحدا تلو الآخر. 6- على المعلم أن يتيح الفرصة للتلاميذ لاكتساب مهارات التعلم الذاتي والتوصل إلى استنتاجات سليمة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 82 3- تدريس الحديث النبوي : يحتل الحديث المرتبة الثانية بعد القرآن الكريم فيما يختص بالتشريع الإسلامي، والحديث يفصل مجمل القرآن أو يقيد مطلقه، أو يطلق مقيده أو يوضح ويفسر مبهمه. ويحقق تدريس الحديث الشريف كثيرا من الأهداف التربوية أهمها ما يلي: 1- تأكيد شخصية المسلم واحترامه من واقع معاملة الله لرسوله، فقد اعتبر سبحانه وتعالى ما يقوله الرسول من قبيل التشريع من أحكام وعبادات ومعاملات، ومن هنا يتأكد تفرد المسلم. 2- إتاحة الفرصة للمسلم للاقتداء بالرسول صلى الله عليه وسلم في خلقه وتعامله مع الناس. 3- إعطاء الرسول حقه من مظاهر الإنسانية بدون مغالاة أو تهوين1. يمكن للمعلم أن يستخدم التلقين والتكرار والحوار والمناقشة في تدريس الحديث النبوي متبعا الخطوات التالية: 1- يقرأ المعلم الحديث بصوت جهير وبطريقة صحيحة. 2- يقرأ التلاميذ الحديث واحدا بعد الآخر مع مراعاة النطق الصحيح. 3- يشرك المعلم التلاميذ في مناقشة الحديث من أجل التعرف على الأفكار الجديدة التي يطرحها التلاميذ، ثم توجيهها طبقا للإطار العام لمعنى الحديث. 4- يجري استنباط الأحكام الشرعية والقوانين الخلقية والقيم السلوكية من الحديث, وبيان مدى ارتباطها بالواقع المعاش.   1 نفس المرجع، ص210. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 83 4- تدريس العقيدة : يعنى "بالعقيدة الدينية ما يشتمل عليه وجدان المفكر في العصر الحديث، أو هي طريقة حياة لا طريقة فكر، ولا طريقة دراسة. أو هي حاجة النفس كما يحسها من أحاط بتلك الدراسات، ومن فرغ من العلم والمراجعة ليترتب مكان العقيدة من قراءة ضميره، أو هي ما يملأ النفس لا ما يملأ الرءوس، أو يملأ الصفحات"1. وتعتمد الروح على العقيدة الدينية في مواجهة شدائد وصعاب الحياة وأهوالها، والعقيدة الدينية ميزان للآداب والعادات، يرجع إليه في قياس الأخلاق والأعمال. وهي قوة فعالة للأمم التي تدين بها، والإسلام بهذه الصفة عقيدة فردية اجتماعية لا يجاريها دين من الأديان2. والعقيدة الصحيحة هي التي تحدد هدف الإنسان في هذه الحياة الدنيا باعتباره خليفة الله في أرضه مسئولا عن عمارتها وفق منهج الله. والعقيدة في الإسلام -طبقا لما جاء في الحديث عن عمر رضي الله عنه- الإيمان بوجود الله، ووحدانيته، وملائكته، وكتبه, ورسله، واليوم الآخر، والقضاء والقدر خيره وشره، ثم الساعة. يمكن للمعلم أن يستخدم طرق وأساليب الحوار والمناقشة، تحليل المواقف، ضرب الأمثال، القصة والملاحظة في دروس العقيدة طبقا للخطوات التالية: 1- يبدأ المعلم بمقدمة للدرس في صورة توجيه التلاميذ إلى معجزات الله في الكون أو مراجعة درس سابق.   1 عباس محمود العقاد: العقائد والمذاهب، المجلد الحادي عشر، دار الكتاب اللبناني، بيروت، 1974، ص584. 2 عباس محمود العقاد: إسلاميات -2، المجلد السادس، دار الكتاب اللبناني، بيروت، 1974، ص584. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 84 2- يقرأ المعلم الدرس ويشرحه مستعينا ببعض المواقف الحياتية التي يمر بها التلاميذ ويشاهدونها, والتي تكون قريبة الشبه بموضوع الدرس. 3- يستخدم المعلم الحوار والمناقشة من خلال أسئلة واضحة، ويقدم المشروع فكرة بعد فكرة، كما يمكنه أيضا أن يستخدم الأسلوب القصصي في رواية قصص الأنبياء مبينا عزمهم وإصرارهم وصبرهم. 4- يمكن للمعلم أن يثري المناقشة ببعض الآيات القرآنية والأحاديث النبوية والحجج القوية والأساليب المنطقية من أجل إقناع التلاميذ. 5- يمكن أيضا للمعلم أن يثير أسئلة خلال سرد القصة على أن تعقبها مناقشة لاستنباط مغزى القصة. 6- يستخرج المعلم من النص حقائق ومفاهيم تتصل بالدرس ويربطها بالسلوك السائد في المجتمع وبواقع الحياة. 7- يقرأ التلاميذ الدرس المقرر في الكتاب المدرسي، وتعقب القراءة أسئلة يوجهها المعلم إلى التلاميذ للوقوف على درجة استيعابهم للدرس. 8- يلخص المعلم الدرس في نهاية الحصة مبينا الخلاصة التي تم التوصل إليها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 85 5- تدريس العبادات : تشمل العبادات الصلاة والزكاة والصوم والحج، وقد يستخدم المعلم في تدريسها طرق وأساليب الحوار والمناقشة، وحل المشكلات والطريقة العملية، كما أنه قد يتبع الخطوات التالية: 1- البدء بمقدمة لربط الدرس الجديد بالدرس السابق ولإيقاظ أذهان الطلاب وإعدادهم لاستقبال الدرس الجديد. 2- قد يقوم المعلم ببيان عملي أمام التلاميذ كما في حالتي الوضوء والصلاة، ثم يقوم عدد من التلاميذ بتقليد المعلم، الذي يصحح الأخطاء بمساعدة عدد آخر من التلاميذ. 3- يقوم التلاميذ بالتطبيق العملي للوضوء والصلاة في مسجد المدرسة. 4- يشرح المعلم فرائض العبادات الأخرى ثم يقرأ التلاميذ النصوص في الكتاب المدرسي المقرر, ويربط المعلم الدرس بواقع حياة التلاميذ. 5- يستنبط المعلم الأحكام الفقهية من خلال المناقشة. 6- يراجع المعلم الدرس من خلال المناقشة والأسئلة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 85 6- تدريس المعاملات : تعتبر المعاملات الجانب المعبر عن صدق العقيدة وإخلاص العبادة، وهي بحق الوجه الحقيقي للدين، فالدين المعاملة. إن "الإسلام لا يوجب على الناس معاملة تضر ولا ينهاهم عن معاملة تفيد، وإنه يؤدي للمؤمنين به خير ما تؤديه العقيدة الثابتة على تعاقب الأجيال"1. ويمكن تدريس المعاملات باستخدام التلقين والتكرار والحوار والمناقشة، طبقا للخطوات التاليه: 1- يبدأ المعلم بمقدمة لتنشيط التلاميذ وتهيئتهم للدرس الجديد. 2- يشرح المعلم نقاط الدرس مع توجيه بعض الأسئلة للتلاميذ وإشراكهم في المناقشة لتدريبهم على التفكير المنطقي السليم. 3- يبين المعلم الصلة الوثيقة بين المعاملات التي تناولها بالشرح والقيم الخلقية والنظرة السوية للإنسان. 4- يقوم المعلم بعرض تحليلي للدرس من جميع جوانبه بعد مناقشة التلاميذ، مستنبطا الأحكام الشرعية في المعاملات مع الائتناس ببعض المواقف التي تؤكد صدق تلك الأحكام. 5- يقدم المعلم ملخصا للدرس بمساعدة التلاميذ موضحا خلاصة الحوار والمناقشة.   1 عباس محمود العقاد، الإسلاميات -1، المجلد الخامس، دار الكتاب اللبناني، بيروت، 1974، ص139. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 86 7- تدريس التهذيب : يقصد بالتهذيب الآداب الإسلامية ومجموعة الفضائل والقيم وأنماط السلوك التي نريد أن يتحلى بها المجتمع، ويستعان في تحقيق ذلك بالقرآن الكريم والحديث والمأثور من كلام الرسول والصحابة والملوك والأمراء والحكماء والبلغاء، والتهذيب يضرب بجذوره في جميع فروع التربية الإسلامية، ويعد القرآن الكريم والتراث العربي رسالة في تقويم الأخلاق وتهذيب النفوس ودعوة إلى المثالية. قد يستخدم المعلم طرق وأساليب الحوار والمناقشة وحل المشكلات والقصة وضرب الأمثال في تدريس التهذيب، وقد يتدرج المعلم في الدرس طبقا للخطوات التالية: 1- يستهل المعلم الدرس بمقدمة يروي فيها قصة أو يضرب مثلا من واقع الحياة. 2- يشرح المعلم الدرس مستخدما الأسلوب القصصي، وقد يكلف بعض التلاميذ بقراءة النص في الكتاب، ثم يناقش التلاميذ في النقاط الأساسية للدرس والكلمات الصعبة. 3- يربط المعلم الدرس بحياة التلاميذ من خلال الأسئلة ومن استنباط مغزى القصة التي رواها لهم. 4- يتيح المعلم الفرصة للتلاميذ لضرب الأمثال وثيقة الصلة بموضوع الدرس. 5- يتم استنباط الدروس التربوية من النص، كذا الأهداف المرجوة وكتابتها على السبورة. 6- يقوم المعلم بتلخيص الدرس وتوجيه بعض الأسئلة للتلاميذ للتأكد من استيعابهم للدرس. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 87 8- تدريس السير : السير مجال خصب للتنمية الدينية وغرس الأخلاق الفاضلة والقيم النبيلة في نفوس النشء؛ لأنها تروي سيرة وحياة النبي صلى الله عليه وسلم وبعض أعلام المسلمين والشخصيات الإسلامية البارزة التي يقتدى بها على مر الزمن، ويحقق تدريس السيرة عدة أهداف, منها التغني بالأمجاد والبطولات الإسلامية في ميدان التضحية والفداء والشرف لإعلاء كلمة الله ومن أجل العدل والمثل العليا، ولبعث الكبرياء القومي وإحياء القيم والمثل والمفاخر الإسلامية, ولتهذيب السلوك, وتقويم الأخلاق. قد يستخدم المعلم طرق وأساليب الحوار والمناقشة، والقصة، وحل المشكلات, والتمثيليات القصيرة في تدريس السيرة النبوية، والشخصيات الإسلامية البارزة، كما أنه قد يتبع الخطوات التالية في التدريس. 1- يبدأ المعلم الدرس بمقدمة لاستثارة التلاميذ وشحذ عقولهم. 2- يستهل المعلم مرحلة العرض برواية السيرة النبوية بأسلوب قصصي. وينبغي تقسيم السيرة إلى مسلسلات وحلقات، تتناول كل منها جزءا مستقلا من السيرة تتخلله بعض الأسئلة والحوار والمناقشات. ومن المستحسن تدوين عنوان كل حلقة وأسماء الشخصيات الشهيرة على السبورة. 3- يربط المعلم محتوى الحلقة بالواقع الحالي، كما يحاول ما أمكن ربط موضوع الحلقة بموضوعات الحلقات الأخرى وبموضوعات التربية الإسلامية. 4- يكلف المعلم بعض التلاميذ برواية الحلقة, ثم يناقشهم فيها حتى يخلص إلى استنباط الدروس المستفادة من السيرة. 5- يدون المعلم الأفكار الرئيسية على السبورة ويضيف إليها ما استنبطه التلاميذ، ثم يبين النماذج الطبية والمثل العليا والدروس النافعة المستمدة من السيرة. 6- يوجه المعلم أسئلة إلى تلاميذه ويجري حوارًا مفتوحا معهم ليتحقق من استيعابهم للدرس. 7- قد يكلف المعلم بعض تلاميذه بكتابة جزء من الدرس والتعبير عن انطباعاتهم عن سيرة حياة الشخصية موضوع الدرس. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 88 9- تدريس البحوث : من المقترح استخدام طرق وأساليب الحوار والمناقشة، حل المشكلات، التحليل والاستنباط في مناقشة موضوعات البحوث، ويجب أن تتوافر للمعلم القدرة على إدارتها، ويمكن أن تسير خطوات الدرس كما يلي: 1- البدء بمقدمة تعرض وجهات نظر متناقضة. 2- عرض المشكلة أو القضية وتحديدها بوضوح. 3- طرح الأدلة والأسانيد الإيجابية والسلبية وبيان مدى تطبيق كل منها. 4- تحليل المشكلة والخروج باستنتاجات مدعمة بالأدلة. لا شك أن دراسة المشكلات والقضايا المعاصرة في ضوء الفكر الإسلامي وسبر أغوارها للتعرف على أبعادها بدقة أمر حيوي للوقوف على روح الإسلام وإبراز اتجاهاته الإصلاحية في عصر طغت فيه التفسيرات المادية على ما عداها من التفسيرات الأخرى بخاصة التفسيرات الدينية. إن تدريس البحوث يعود بالنفع والفائدة على التلاميذ حيث إنها مجال لتدريبهم على الأسلوب العلمي في تناول المشكلات ومعالجتها. ويجب أن تترابط وتتكامل موضوعات البحوث الدينية في تحقيق الأهداف المحددة لها. ومن الأفضل أن تعالج جميع موضوعات البحوث من خلال ربطها بمشكلات واقعية إنسانية أو اجتماعية، مع اعتمادها على التحليل والمقارنة بين النظم الإسلامية والنظم الوضعية. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 89 الفصل الخامس: الوسائل التعليمية أنواع وخصائص الوسائل التعليمية ... الفصل الخامس: الوسائل التعليمية مقدمة: يحث المنهج الإسلامي على استخدام كل وسيلة تساعد على التعليم والتعلم، وتسهل عملية نقل واكتساب المعرفة، ويسجل لنا التاريخ أن قدماء المصريين والإغريق استخدموا الوسيلة التعليمية في القراءة والكتابة. كما استخدم العرب في الجاهلية الوسائل التعليمية في مدارس ومعاهد التربية والتعليم، "وكانت لهم دور كتب يختلف إليها الطلاب ورواد العلوم، وقد عثر الباحثون في آثار مدائنهم على أنقاض مدرسة للأطفال حوت قراميد عليها دروس للأحداث في الحساب والهجاء، وشملت فوق ذلك معجمات وكتبا للمطالعة وقواعد اللغة"1. ووقد بلغت الوسائل التعليمية شأوا كبيرا من الرقي في عصر النهضة الأوربية في المجال العملي والتطبيقي وفي المجال الأدبي كذلك. ثم أخذت الوسائل التعليمية في التطور حتى حل القرن العشرون الذي شهدت فيه الوسائل التعليمية تطورا غير مسبوق، حيث أتيح للمعلم أن يستخدم عدة وسائل تعليمية لنقل أفكاره إلى التلاميذ سمعيا وبصريا. وتمثل الوسائل التعليمية حاجة ملحة لمدرس التربية الإسلامية، حيث تتضمن مفاهيم عديدة ومصطلحات وفيرة بالإضافة إلى الأمور الغيبية، ويجدر بمعلم التربية الإسلامية أن يتعرف على الأنواع المختلفة لوسائل التعليم وعلى خصائصها، ويدرك تماما ضرورة استخدامها حتى يستطيع أن يختار الوسيلة المناسبة للموضوع المناسب. أنواع وخصائص الوسائل التعليمية: يمكن تقسيم الوسائل التعليمية إلى وسائل سمعية، ووسائل بصرية، ووسائل سمعية بصرية، فالمذياع وبرامج الإذاعة المدرسية   1 إسماعيل ظافر ويوسف الحمادي: التدريس في اللغة العربية. الرياض، دار المريخ، 1984، ص324. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 91 والتسجيلات الصوتية كلها وسائل سمعية، أما السبورة والملصقات والرسوم البيانية، والخرائط، والنماذج والمعارض والمتاحف والشرائح والتمثيليات وغيرها فتندرج تحت الوسائل البصرية، في حين يمثل التلفاز والأفلام وشرائط الفيديو وغيرها الوسائل السمعية والبصرية. ولما كانت الوسائل التعليمية أحد العناصر الأساسية للمنهج فينبغي لها أن تساعد في تحقيق أهداف المنهج، وأن تتصف بالمرونة بحيث يمكن استخدامها في أكثر من صف دراسي وفي أكثر من مرحلة، وينبغي أيضا أن تكون اقتصادية فلا تكلف عبئا ماليا كبيرا فوق الفائدة المرجوة منها، أي أن يناط بها تحقيق أهداف تبرر الوقت والجهد والمال الذي أنفق عليها، كما ينبغي أن تكون مناسبة للاستخدام في الزمان والمكان المناسبين ومستوفية لشروط البساطة وسهولة الاستخدام، وأن تبعث في الطلاب الرغبة في المعرفة والدافع إلى الاطلاع والملاحظة والاستقصاء1. ومن الملاحظ أن التربية الإسلامية تعاني نقصا في الوسائل التعليمية لأن بعض المدرسين لم يدرك أهميتها وضرورتها، كما أنه من الصعب صنع وسائل تعليمية لبعض موضوعات الدين، مثل مشهد يوم القيامة, والجنة والنار، وعلى الرغم من ذلك توجد موضوعات دينية كثيرة يمكن صنع وسائل تعليمية لها.   1 علي أحمد مدكور: المرجع السابق، ص392-392. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 92 فوائد الوسائل التعليمية : يمكن إجمال فوائد الوسائل التعليمية فيما يلي: 1- المساعدة على الفهم والاستيعاب لأنها توفر الأساس المادي المحسوس للتفكير والإدراك بعرضها الشيء نفسه. 2- تنقل بعض الوسائل التعليمية الخبرات إلى المخ بأكثر من طريقة واحدة، فالتلفاز -مثلا- يستخدم الكلمات والصورة، ومن ثم فالخبرات التي ينقلها التلفاز تكون أكثر ثباتا من تلك التي تنقل بوسيلة ذات طريقة واحدة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 92 3- تساعد الوسائل التعليمية على إيجاد الحاجة للتعلم وإثارة الرغبة في التعلم، كما تنمي معرفة الطالب بموضوعات مختلفة، فضلا عن أنها تطرد الملل والسأم، ولا شك أن الطلاب يرحبون كثيرا بالموضوعات التي يستخدم فيها المعلم الوسائل التعليمية، فالرحلات والزيارات ومشاهدة الأفلام تحفز استعدادات الطلاب للتعلم. 4- تساعد الوسائل التعليمية على اكتساب الواقعية مما يؤدي إلى إثارة النشاط الذاتي للطلاب ودفعهم إلى التفكير الواقعي المنظم. 5- تحوي الوسائل التعليمية عوامل جذابة توحي بالواقعية والحيوية والتغيير، كما أنها تساعد على دمج المعرفة والخبرة وتوحيد المفاهيم مما يسهل عملية الفهم, وهي أيضا تجسد الكلمات وتترجمها إلى علم وسلوك حتى يمكن فهمها. 6- تنمي الوسائل التعليمية رهافة الشعور وتذوق الجمال والميل إليه. 7- تساعد الوسائل التعليمية الطلاب على الدراسة الشاملة لبعض الموضوعات مثل الزلازل والبراكين، كما تعتبر سجلا للأحداث التاريخية مثل الحروب وعقد المعاهدات والاتفاقات. 8- تساعد الطلاب على التأمل والتفكير وترسيخ العلم وجعل الخبرات باقية. وصفوة القول: إن وسائل الإيضاح تعمل على تقريب مستويات الخبرة للدارس، فالرسم قد ينطبع في ذهن الدارس انطباعا لا ينمحي، "الصورة توضح ما لا توضحه الكتابة وحدها أحيانا, وتوفر الوسائل التعليمية الأساس المادي المحسوس للتفكير، وتقلل من أخطار التعلم اللفظي، كما أنها تثير اهتمام التلاميذ، وتجعل الخبرات باقية الأثر، وتوفر خبرات منوعة يصعب توفيرها أحيانا فهي تتخطى حواجز الزمان والمكان والإمكانات البشرية في الرؤية أو السمع أو غير ذلك من الحواس"1.   1 إبراهيم عصمت مطاوع وآخر: التربية العملية وأسس طرق التدريس، القاهرة، 1981، ص39. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 93 و الوسائل التعليمية واستخدامها في تدريس التربية الإسلامية : 1- السبورة ولوحات العرض : تعتبر السبورة وسيلة قديمة في مجال استخدام الوسائل التعليمية. ويمكن لمعلم التربية الإسلامية أن يستخدمها بأشكال متعددة، منها أنه يستطيع أن يكتب عليها موضوع الدرس ونقاطه الرئيسية، ومن الضروري في دروس التفسير أن يكتب المعلم الآيات المراد تفسيرها على السبورة لجذب أنظار التلاميذ ولمساعدته في شرحها آية بعد آية. ويمكن تطبيق هذا الاستخدام على الأحاديث النبوية. كما يمكن استخدام السبورة الممغنطة حيث إنها توفر الوقت والمجهود، فالمعلم يعد المادة العلمية مرة واحدة ثم يعرضها عدة مرات. تتيح لوحات العرض عرض المادة العلمية لمدة أطول مثل الأخبار، والتعليمات والنشرات والأقوال الدينية، وقد يستخدم معلم التربية الإسلامية لوحات العرض كما يلي: 1- عرض ملخصات الموضوعات المهمة في العبادات كذا النقاط الرئيسية لدروس العبادات مثل قواعد الصلاة والحج. 2- قد يكلف المعلم تلاميذه بتلخيص بعض الموضوعات أوالقصص الديني في أسطر قليلة، ثم يناقش الملخصات مع تلاميذه، ثم يعرض أفضل الملخصات على اللوحات، وتحفز لوحات العرض التلاميذ وتدفعهم إلى قراءة الدروس وتلخيصها، كما توفر مجالا للتنافس العلمي. 3- قد تشكل لوحات العرض وسيلة لتوفير الوقت؛ إذ قد يشير المعلم -أثناء شرحه للدرس- إلى المادة المعروضة على اللوحات، ويطلب إلى التلاميذ دراستها والتعرف على صلتها بالدرس. 4- يمكن استخدام اللوحات كوسيلة تربوية لتشجيع العمل الجماعي، فقد يكلف المعلم التلاميذ بكتابة مشروع عن السيرة النبوية الشريفة، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 94 فتتناول كل مجموعة جانبا من السيرة، وبعد مناقشة هذا المشروع قد يقوم المعلم بعرضه على اللوحات. 5- ومن خلال هذه اللوحات يمكن للمعلم أن يربي مواهب التلاميذ فقد يطالبهم برسم خريطة للأماكن المقدسة كعمل جماعي، ولا شك أن هذا عمل كبير يحتاج إلى معلومات تاريخية وجغرافية عميقة ومتميزة بالإضافة إلى مهارة الرسم، ويختار التلميذ في هذه الحالة ما يناسب استعداده ويتفق مع موهبته1.   1 إبراهيم محمد الشافعي: التربية الإسلامية وطرق تدريسها، ط3، الكويت، مكتبة الفتح، 1989، ص283-287. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 95 2- الشرائح وأجهزة العرض : يمكن إعداد الشرائح مسبقا أو خلال الدرس، ومن مزاياها أنها توفر الوقت؛ إذ قد يكتب معلم التربية الإسلامية الآيات القرآنية والأحاديث النبوية على شرائح يمكن استخدامها في أي وقت، وبهذه الطريقة لا يضيع المعلم وقته في الكتابة على السبورة. كذلك يستطيع المعلم كتابة نقاط الدرس على شريحة ويعرضها، ثم يناقش تلاميذه في كل نقطة، ثم يكتب ملخصا لها على شريحة، توجد بعض موضوعات التربة الإسلامية التي يمكن كتابتها على شرائح لتدريسها للتلاميذ، فيما يلي بعض الموضوعات المقترحة: 1- ضع برنامج متكامل عن تدريس موضوع مهم كالصلاة أو الصوم أو الحج، ويكتب كل جزء من الموضوع على عدد من الشرائح مع بعض الإيضاحات المفيدة. 2- إعداد عدة شرائح تمثل رحلة عالم إسلامي كبير في البلاد الإسلامية للدعوة في سبيل الله، وتمثل كل شريحة نشاط هذا العالم في أحد البلاد، كذلك يمكن إعداد شرائح أخرى لموضوعات العقيدة مصحوبة بأسئلة مفيدة. 3- إعداد عدد من الشرائح للآيات القرآنية والأحاديث النبوية، وبذلك يستطيع المعلم الاستغناء عن السبورة.   1 إبراهيم محمد الشافعي: التربية الإسلامية وطرق تدريسها، ط3، الكويت، مكتبة الفتح، 1989، ص283-287. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 95 3- الصور الثابتة : تمثل الصور الثابتة أحد الكائنات كالإنسان والحيوان والطائر والنبات وغير ذلك، وتوجد ثلاث أنواع من الصور الثابتة: الصور والرسوم على الورق، الصور والرسوم على مسلسل أقلام ثابتة، الصور والرسوم على مسلسل أقلام منفصلة، وإنه لمن المفيد حقا أن يحتفظ معلم التربية الإسلامية بمجموعات من الصور والرسوم التي تساعده في تدريس عدد من موضوعات العقيدة، العبادات والتفسير الأحاديث النبوية، وتكتمل الفائدة بإقامة معرض للصور التي تخدم موضوعات الدين، ومما لا شك فيه إن إقامة هذا المعرض كل عام يشجع المعلم والتلاميذ على جمع الصور واختيار أحسنها. وقد تمثل الصور والرسوم المنتجة على أفلام ثابتة تسلسل موضوع أو تمثل خطواته، مثل الصلاة والضوء أو الحج، ويمكن تمثيل كل خطوة من هذه الخطوات بصورة ما يساعد على فهمها واستيعابها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 96 4- الأفلام المتحركة : يميز عنصر الحركة الأفلام المتحركة من الأفلام الثابتة، وكثير من موضوعات التربية الإسلامية صالح للتصوير من خلال الأفلام المتحركة مثل الوضوء والصلاة والحج ومناسكه. ويضاف إلى عنصر الحركة الصوت الذي يشرح الصورة والحركة، وهما يحققان الفائدة الكاملة من استخدام هذه الوسيلة. وتعرض الصور إما بالحركة السريعة أو بالحركة البطيئة. ويستخدم المعلم الحركة البطيئة في عرض الصورة الدقيقة حتى يتمكن الطلاب من فحصها تماما، وحتى يتمكن هو من شرحها على أكمل وجه. وتساعد الأفلام المتحركة الطلاب على إدراك المفاهيم الدينية والمعاني المجردة. وفهم العمليات الخفيفة التي تحتاج إلى وقت طويل حتى تكتمل، مثل عملية الجنين والبذرة1.   1 نفس المرجع. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 96 5- التلفاز : يمتاز التلفاز -مثل الأفلام المتحركة- بحيازة الصورة والصوت والحركة، غير أنه أسهل استخداما، كما أنه يعطي انطباعا فوريًا لأنه ينقل الحوادث والأحداث الحية، ويمكن استخدام التلفاز في تدريس التربية الإسلامية كما يلي: 1- يمكن أن يتعاون المتخصصون في التربية الإسلامية مع الفنيين المتخصصين في التلفاز في إنتاج برامج دينية متكاملة شاملة موضوعات دينية كاملة. فقد يمكن إنتاج برامج عن الحج من بداية مناسك الحج إلى نهايتها، بالإضافة إلى برنامج آخر عن صلاة الجمعة وصلاة العيدين، ويقترح أن تكون هذه البرامج في حياة المدارس والمناطق التعليمية أو في حيازة وزارة التربية والتعليم حتى يتاح للمعلمين الحصول عليها في أي وقت، وقد تنتج هذه البرامج الدينية وتعطى للمتخصصين بالتلفاز الذي تملكه الدورة على أن يبث التلفاز هذه البرامج في أوقات محددة تناسب الطلاب. 2- قد يتخذ البرنامج أحد الأشكال التالية: أ- أن يشتمل البرنامج على الدرس كله، وفي هذه الحالة يشمل البرنامج كل خطوات الدرس. ب- أن يكون البرنامج المصدر الرئيسي لبعض للدرس، ويبدأ المعلم الدرس بمقدمة تحوي بعض الأسئلة المهمة المتعلقة بالدرس. جـ- أن يكون البرنامج مفسرا لبعض حقائق الدرس، وهذا يعني ألا يكون البرنامج الجزء الأساسي من الدرس، وفي هذه الحالة يستخدم البرنامج كإحدى وسائل الإيضاح. ويعتبر الفيديو إحدى الوسائل المهمة التي قد تستخدم في تدريس التربية الإسلامية في المدارس والمناطق التعليمية، وقد يستخدم الفيديو في تصوير التمثيليات الدينية، والأعياد والأفلام الدينية، ثم يقدمها التلفاز. ومن المفيد إنشاء مكتبة في كل مدرسة تضم شرائط الفيديو، وتشجع هذه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 97 المكتبة معملي التربية الإسلامية والطلاب على تسجيل كل ما هو مفيد في تدريس التربية الإسلامية مثل الرحلات، والمحاضرات، والتمثيليات والندوات. وتوجد وسائل تعليمية أخرى ذات فائدة كبيرة مثل محطة الإذاعة المركزية، والإذاعة المدرسية، والتسجيلات والرحلات. يوضح العرض السابق أهمية استخدام الوسائل التعليمية في تدريس التربية الإسلامية مما يستوجب أن تعمل الجهات المتخصصة على توفيرها والاهتمام بها في مناهج التربية الإسلامية، فهناك الكثير من موضوعات التربية الإسلامية التي تحتاج إلى وسائل تعليمية، كما يجب توجيه العناية إلى إنتاج وسائل تعليمية متنوعة مع الاهتمام بتلوينها حيث إن الوسيلة التعليمية الملونة أكثر وضوحا وتأثيرا من الوسائل التعليمية غير الملونة، بالإضافة إلى ذلك يجب أن تثير الوسائل التعليمية اهتمام الطلاب مما يساعد على تنمية تفكيرهم، وحتى تحقق الوسائل التعليمية الغرض منها يجب أن تمتاز بالوضوح وبساطة الفكرة وتحوي توجيهات مفيدة تساعد على فهم محتواها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 98 تطوير الوسائل التعليمية : ليس كل الوسائل التعليمية صالحا لتحقيق كل هدف من أهداف التعليم، أو مناسبا للاستخدام مع جميع الطلاب في جميع مراحل التعليم، ويمكن تحديد الوسائل التعليمية المناسبة من خلال تحليل النصوص والكتب المقترحة ودراسة الإمكانات المتاحة. وعلى الرغم من إنتاج كثير من الوسائل التعليمية المتطورة، فإننا نأمل في مزيد من التطوير. وقد يشمل تطوير الوسائل التعليمية ما يلي: 1- تنويع الوسائل التعليمية. 2- إنتاج أفضل سيلة للاستخدام وأنسب أسلوب لعرض الوسائل التعليمية في الوقت المناسب وفي الموقف التعليمي المناسب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 98 3- تنمية قدرة المعلمين على ابتكار وسائل جديدة طبقا للإمكانات المتاحة. 4- التنسيق بين التلفاز التعليمي والمدرسة. 5- الإمداد بالدائرة التلفازية المغلقة. 6- إنتاج أفلام تعليمية1. بعد دارسة مشتملات تطوير الوسائل التعليمية يتم صياغة خطة تطويرها قد تتضمن ما يلي: 1- تحديد الموضوعات التي تحتاج إلى استخدام الوسائل التعليمية ونوعية هذه الوسائل. 2- تحديد الوسائل التعليمية الأكثر مناسبة لكل موضوع على أساس تجريبي. 3- الإمداد بالوسائل التعليمية من خلال الإنتاج المحلي أو الاستيراد. 4- تدريب المعلمين على الاستخدام السليم للوسائل التعليمية. 5- إمداد المدارس بالمتخصصين للإشراف على إعداد واستخدام الوسائل المتطورة وصيانتها. 6- تجريب الوسائل المقترح إدخالها في المدارس. 7- متابعة تقويم الوسائل التعليمية الحديثة.   1 حلمي أحمد الوكيل: تطوير المناهج، مكتبة الأنجلو المصرية، القاهرة: 1982، ص194، 195. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 99 استخدام الوسائل التعليمية في تدريس الأفرع الرئيسية للتربية الإسلامية : 1- تدريس القرآن الكريم والأحاديث النبوية: يمكن استخدام الوسائل التعليمية التالية في تدريس القرآن الكريم والأحاديث النبوية: 1- تستخدم السبورة في كتابة الآيات القرآنية والأحاديث النبوية وكل ما يستنبط منها بالإضافة إلى النقاط الرئيسية للدرس. 2- يستخدم المسجل والأفلام المتحركة والشرائح وأجهزة العرض في عرض وتلاوة الآيات القرآنية أو تفسيرها، كذا عرض وشرح الأحاديث النبوية. 3- يمكن كتابة النصوص القرآنية والأحاديث النبوية على لوحات العرض بألوان مختلفة. 4- قد يستخدم التلفاز في تلاوة وتفسير الآيات القرآنية وشرح الأحاديث النبوية. 5- يمكن استخدام الفيديو في عرض فيلم يبين الأضرار التي يسببها لعب الميسر أو شرب الخمر. 2- تدريس العبادات: تعد الوسائل التعليمية أكثر فائدة في تحقيق أهداف دروس العبادات وفي نقل المعلومات إلى التلميذ وفي إثارة مشاعره، ويمكن عرض صور للوضوء والصلوات، وفيلم عن الحج ومناسكه، كما يمكن استخدام التلفاز والفيديو في تدريس العبادات، حيث يمكن استخدامها في عرض الفرائض الدينية وتسلسلها، ويمكن أن يكون لمحطات الإذاعة دور مهم في هذا المجال. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 100 3- تدريس العقيدة: تبرز الصور والأفلام والتلفاز والرحلات كأهم الوسائل في تدريس العقيدة، ويمكن استخدام الصور والأفلام عن الكون والحياة وتركيب جسم الإنسان وعمل أجهزته لتوضيح قدرة الله وعظمته ووحدانيته، وقد يستخدم التلفاز أيضا في عرض بعض جوانب الكون والمخلوقات، وتنمي الرحلات إلى الأماكن الطبيعية المختلفة عقيدة الإنسان وإيمانه بوحدانية الله وقدرته. 4- تدريس السير: يمكن تدريس السيرة النبوية من خلال عرض أفلام عن الغزوات والمعارك الإسلامية، كما يمكن استخدام الخرائط لتحديد أماكن الفتوحات الإسلامية. ويلعب التلفاز ومحطات الإذاعة دورًا كبيرًا في هذا المضمار حيث يمكنها تقديم الجوانب البارزة والمضيئة في حياة الصحابة والمواقف الشجاعة والنبيلة للشخصيات الإسلامية الكبرى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 101 الفصل السادس: طرق وأساليب التقويم والنشاطات التربوية مفهوم وطبيعة التقويم : ليس التقويم بالأمر الهين، بل هو عملية معقدة تتضمن صياغة الأهداف، وتحديد وسائل الحصول على أدلة لتحقيق هذه الأهداف، وعمليات التفسير الضرورية للوقوف على معنى الأدلة، ونقاط القوة والضعف عند التلاميذ، مما يفضي إلى اتخاذ قرارات بشأن التغييرات والتحسينات في المنهج1. ويعرف التقويم أيضا بأنه "عملية تجميع وتصنيف وتحليل وتفسير بيانات أو معلومات عن ظاهرة أو عمل، أو موقف، أو سلوك، بقصد استخدامها في إصدار حكم أو قرار"2. وتأسيسا على ذلك فإن التقويم يتم طبقا للخطوات التالية: 1- تحديد الأهداف العامة والخاصة من عملية التقويم. 2- تحديد المواقف التي نجمع منها المعلومات المتصلة بالأهداف. 3- تحديد كمية ونوعية المعلومات التي نحتاج إليها. 4- اختيار، ثم تصميم أساليب وأدوات التقويم المناسبة. 5- جمع البيانات باستخدام الأدوات والأساليب المختارة ومن المواقف السابق تحديدها. 6- تصنيف البيانات والمعلومات عن طريق تحليلها وتسجيلها في صورة يمكن منها الوصول إلى الاستدلال والاستنتاج.   1 يحيى هندام وآخر: المناهج: أصولها، وتخطيطها، وتقويمها، دار النهضة العربية، القاهرة، 1975، ص248، 249. 2 محمد عزت عبد الموجود وآخرون: أساسيات المنهج وتنظيماته، القاهرة، دار الثقافة للطباعة والنشر، 1978، ص159. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 103 7- تفسير البيانات في صورة تتضح بها المتغيرات والبدائل المتاحة التي يستفاد منها في إصدار حكم أو قرار. 8- إصدار الحكم أو القرار. 9- متابعة تنفيذ الحكم أو القرار حتى يمكن معرفة مدى المعلومات التقويمية في تحسين العمل أو الموقف أو السلوك الذي نقومه. وتعرف هذه الخطوة باسم المتابعة1. يتضح مما سبق أن التقويم وسيلة للحكم على فاعلية العملية التربوية فضلا عن كونه إستراتيجية أساسية لعملية التغيير والتطوير في الميدان التربوي، فقرارات التطوير التي تتخذها القيادة التربوية "تحتاج إلى معلومات تقف عن طريقها على مستويات الأداء، والظروف والإمكانات المتاحة، ومدى توفر الطاقات البشرية المدربة واللازمة لعملية التطوير، وغير ذلك من المعلومات التي يحتاج إليها صناع القرارات حتى تتضح أمامهم البدائل والمتغيرات، فيتمكنون من اتخاذ القرارات السليمة والدقيقة، فيبدأ التطوير في الاتجاه الصحيح"2. إن إجراء عملية التقويم يتيح لنا الحكم على مدى نجاحنا في تحقيق الأهداف التربوية، والحكم أيضا على قيمة هذه الأهداف وواقعيتها ومدى انسجامها مع المحتوى التربوي، والتقويم يدفع الأفراد والجماعات إلى مزيد من العمل والإنتاج ويقتضي ذلك عرض نتائج التقويم على كل من يقع عليه التقويم حتى يقف على مدى نجاحه في تحقيق الأهداف المحددة، وينطبق ذلك على الطالب والمدرس والمدير ومصمم المنهج. ومن مزايا عملية التقويم الشمول ويظهر ذلك في عدة صور لعل أهمها ما يلي: 1- أن التقويم يحوي عدة وسائل، إحداها القياس الذي من وسائله   1 نفس المرجع، ص159، 160. 2 علي أحمد مدكور: المرجع السابق، ص420. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 104 الامتحانات والاختيار. 2- أن التقويم يشتمل الحكم على قيمة العمل وبيان جوانب القوة والضعف وأسبابها وعلاجها، أي أنه تشخيص وعلاج. 3- أن التقويم يتضمن السلوك المعرفي والسلوك الوجداني والسلوك الحركي، فضلا عن جميع مستويات السلوك أو التعلم، فهو يركز على المستويات الدنيا للسلوك المعرفي كالتذكر والحفظ والفهم بالإضافة إلى المستويات العليا للتفكير كالتطبيق والتحليل والتركيب والتقويم. 4- أن التقويم عملية مستمرة تصاحب تخطيط العملية التعليمية وتنفيذها ومتابعتها. 5- أن التقويم يشمل جميع مكونات المنهج "فهو يشمل تقويم الأهداف، وتقويم المحتوى والخبرات التعليمية، وتقويم طرائق وأساليب التدريس، وتقويم نتائج التعلم، وتقويم طرائق وأساليب التقويم المتبعة نفسها"1. ومما لا شك فيه أن تنويع الأدوات المستخدمة في التقويم يضفي على عملية التقويم قيمة كبيرة، فكلما تنوعت أدوات التقويم كلما زادت معلوماتنا في العمل أو السلوك أو الطالب الذي نقومه، وهذا يؤدي إلى دقة الأحكام التي تؤدي إلى العلاج الناجح، لذلك ينبغي أن تتعدد الاختبارات التحصيلية مثل اختبار المقال والصواب والخطأ والتكملة والاختيار من متعدد وغير ذلك. كما يجب أن تقترن الاختبارات التحصيلية بالاختبارات التي نتعرف من خلالها على ملامح شخصية الطالب ودرجة ذكائه وابتكاره. وهذا يتطلب استخدام أساليب الملاحظة المباشرة للسلوك واستخدام الاختبارات المقننة وغيرها من الأساليب التي تجعل المقوم قادرا على الفحص الدقيق لشخصية الطالب، وهذا يكسب المقوم مزيدا من القدرة على مساعدة الطالب أو تطوير العمل.   1 علي أحمد مدكور: نفس المرجع، ص422. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 105 كذلك يجب أن تتميز عملية التقويم بالثبات والموضوعية، ونعني بالثبات أنه إذا أعيد تطبيق أداة التقويم على نفس العينة أو عينة أخرى مكافئة فإننا نحصل على نفس النتائج تقريبا، ويقصد بالموضوعية ألا تؤثر العوامل الشخصية للمقوم على نتائج الاختبار، وأن يتم تحليل وتفسير نتائج الاختبار وفق معايير موضوعية واضحة. ومن الأهمية بمكان مراعاة الاقتصاد في الجهد والوقت والتكلفة عند إجراء الاختبارات، أي أن تكون عملية التقويم اقتصادية، لذلك يجب اللجوء إلى الاختبارات المحددة ذات الإجابات المحددة التي غالبا ما تتصف بالثبات والموضوعية؛ لأن الاختبارات الطويلة ذات التكلفة العالية تمثل عبئا ثقيلا على الطالب والمدرس والمدرسة. كما ينبغي مراعاة الفروق الفردية بين الطلاب واختلاف مستويات الأداء بينهم عند التخطيط لعملية التقويم، ولا ريب أن الاختبار الجديد هو الذي يكشف عن الفروق بين الطلاب ويظهر قدراتهم ليسهل توجيههم إلى الاتجاهات التي تناسب هذه القدرات والميول. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 106 أنواع التقويم مدخل ... أنواع التقويم: توجد ثلاثة أنواع من التقويم هي: التقويم المبدئي، والتقويم البنائي والتقويم الختامي، والتقويم المبدئي هو ذلك التقويم الذي يمد مصمم المنهج أو البرنامج بالمعلومات أو البيانات عن المستويات العقلية والاجتماعية للطلاب الذين يصمم لهم المنهج أو البرنامج. كما يزوده بمعلومات عن خبراتهم السابقة وعن مدى استعدادهم لتقبل الموضوعات الجديدة. بالإضافة إلى معرفة ميولهم واهتماماتهم. وبذلك يحدد المصمم أهداف المنهج أو البرنامج ويختار المحتوى وطرق وأساليب التدريس والتقويم طبقا للخصائص العقلية والاجتماعية والنفسية للطلاب. وطبقا لاستعداداتهم واهتماماتهم والإمكانات النفسية والإنسانية المتاحة1.   1 محمد عبد العليم مرسي. المعلم والمناهج، وطرق التدريس، الرياض، عالم الكتب 1985، ص291، 292. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 106 أما التقويم البنائي فهو الذي يصاحب التنفيذ ويهدف إلى تصحيح مسار عملية التنفيذ من خلال التشخيص والعلاج الفوري للقصور وجوانب النقص التي تعترض عملية التعليم والتعلم، ولذلك يطلق على التقويم البنائي آلة التصحيح الذاتي، وهو يزود كل من المعلم والطالب بالتغذية الراجعة عن أخطاء الطالب ومستوى تحصيله وما يجب أن يفعله كل منهما، وفي هذا النوع من التقويم تظهر جوانب القوة والضعف لكل من المعلم والطالب. ومن ثم يحدد كل منهما الطرق والأساليب التي يمكن استخدامها في تعديل الأهداف أو تطويرها أو تعديل المحتوى أو طرائق وأساليب التدريس. أما التقويم الختامي فهو أكثر أنواع التقويم شيوعا واستخداما. ويعتمد عليه المعلمون غالبا في تقويم طلابهم بعد الانتهاء من دراسة المنهج أو البرنامج، والغرض من التقويم الختامي هو الحصول على تقرير عام عن مستوى الطلاب ودرجة تحصيلهم، وهو أيضا يخدم عدة أغراض من أهملها ما يلي: 1- تقدير درجة تحصيل واستيعاب الطلاب ومدى تحقيقهم لأهداف المنهج. 2- تزويد المعلمين بأساس لإجراء تقديرات بطريقة موضوعية وعادلة. 3- تزويد المعلمين والمختصين بالبيانات التي على أساسها يصنف الطلاب وينقلون من صف إلى آخر. 4- تزويد المختصين والقائمين على العملية التعليمية بالبيانات والمعلومات المناسبة عن المنهج، والتي في ضوئها قد يتطلب الأمر إعادة النظر فيه وتعديله أو تطويره كليًّا أو جزئيًّا1.   1 جابر عبد الحميد وآخران: مهارات التدريس، دار النهضة العربية، القاهرة، د. ت. ص401، 402. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 107 الاختبارات الشفوية : تعتبر الاختبارات الشفوية ضرورية لقياس تحقيق بعض الأهداف فإذا أردنا -مثلا- معرفة كفاءة طالب في القراءة أو التعبير، فيجب أن نجري الاختبارات الشفوية. وتمتاز الاختبارات الشفوية بأنها تتيح الفرصة للمعلم للقيام بالتعليم خلال هذه الاختبارات. فقد يبين الأخطاء في القراءة ويصحهها مما يعود بالفائدة على الطالب تربويا. وعلى الرغم من ذلك تكتنف الاختبارات الشفوية بعض نواحي القصور مثل طول الوقت الذي تستغرقه هذه الاختبارات عند إجرائها لعدد كبير من الطلاب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 108 إعداد الاختبارات التحصيلية 1: الاختبار التحصيلي وسيلة لقياس نتائج التحصيل والتعليم، وهو يشمل عدة أنواع من أهمها: اختبار المقال، واختبار الصواب والخطا، واختبار الإجابة القصيرة، والاختيار من متعدد، والتتمة والمزاوجة. والاختبارات التحصيلية أقدم أنواع القياس وأكثرها شيوعا في العالم العربي، وتعتمد عملية التقويم أساسا على نوع واحد من القياس هو الاختبارات التحصيلية، وعلى نوع واحد من الاختبارات التحصيلية هو اختبار المقال في معظم الأحيان، ويتم التركيز في اختبار المقال على التذكر والحفظ. ولذلك يعتبر الدارسون عملية التقويم وسيلة للمكافأة والعقاب وغاية في حد ذاتها، وبالتالي فهم يوجهون جهودهم إلى المذاكرة من أجل الامتحان لا من أجل اكتساب العلم والمعرفة وتغيير السلوك إلى الأفضل. ولما كان اختبار المقال يركز على التذكر والحفظ فقد لجأ الطلاب إلى الحفظ والاستظهار بدلا من التحليل والنقد والتركيب والتقويم.   1 علي أحمد مدكور: المرجع السابق، ص429، 430. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 108 1- اختبار المقال: يطلب من المتعلم في هذا النوع من الاختبارات كتابة "مقال" في الموضوع أو المشكلة التي يطرحها السؤال. ولاختبار المقال عدة ميزات منها أنه يمكن بواسطته قياس ما يلي: 1- القدرة على اختيار وتوضيح المعلومات وثيقة الصلة بموضوع ما. 2- القدرة على تنظيم المعلومات والأفكار وتحليل وتفسير المفاهيم والمصطلحات. 3- القدرة على بيان العلل والأسباب وإدراك العلائق بين العناصر المختلفة. 4- القدرة على تطبيق المبادئ، والقوانين والمفاهيم في مواقف جديدة. 5- القدرة على النقد والتمييز والمقارنة والتقويم. 6- القدرة على التعبير بوضوح، والابتكار وبعد النظر والتعمق في فهم الحقائق العلمية1. وعلى الرغم من قدرات اختبار المقال المذكورة آنفا، فإنه يتميز بعدة عيوب من أهمها ما يلي: 1- لا يمكن قياس كل القدرات الواردة أعلاه في اختبار واحد. 2- يفتقر إلى الموضوعية في تصحيح الإجابات نظرا لاختلاف وجهات النظر في المسألة الواحدة في بعض الأحيان ولتأثره باتجاهات المصحح وأحواله الشخصية، ومن ثم ترتفع درجة الذاتية. 3- صعوبة التصحيح لطول الكتابة فيه، بالإضافة إلى حاجته إلى وقت طويل وأوراق كثيرة، وهو بذلك غير اقتصادي. 4- تنقصه خاصية الشمول والصدق؛ إذ يصعب اشتماله على كل   1 حسين سليمان قورة: الأصول التربوية في بناء المناهج، دار المعارف، القاهرة، 1982، ص358، 359. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 109 موضوعات المنهج وخبراته. 5- يدفع الطلاب إلى الاهتمام ببعض موضوعات المنهج والتركيز عليها وإهمال الموضوعات الأخرى. وفيما يلي بعض الاعتبارات التي يمكن مراعاتها للتخلص من بعض عيوب اختبار المقال1. 1- قبل صياغة أسئلة المقال يجب أن نحدد أهداف الاختبار والقدرات والمهارات التي نريد قياسها بدقة. 2- أن يتضمن الاختبار أسئلة كثيرة تحتاج إلى إجابات قصيرة وموجزة، بحيث يقيس كل سؤال قدرة واحدة أو مهارة واحدة. 3- مراعاة التحديد والوضوح في صياغة أسئلة الاختبار. 4- تدريب الدارس على صياغة أسئلة المقال أثناء الدراسة ومناقشته في الصعوبات التي واجهها والأخطاء التي وقع فيها حتى يمكنه تلافيها بعد ذلك. 5- ينبغي مناقشة نتائج الاختبار مع المتعلمين بعد تصحيحه مباشرة، وبذلك يستطيع كل من المتعلم والمعلم أن يتعرف على جوانب القوة والضعف عنده، فيسعى إلى تقويم نفسه وتقويم أسلوبه في التعلم والتعليم. 2- اختبار الصواب والخطأ: يتكون اختبار الصواب والخطأ من مجموعة من العبارات أو الجمل التي تشمل حقائق ومفاهيم وآراء متصلة بمحتوى المنهج أو البرنامج، بعضها صواب وبعضها الآخر خطأ. ويطلب من المتعلم أن يضع أمام كل منها علامة صواب أو خطأ حسب ما يراه. ومن المزايا الأساسية لهذا الاختبار أنه سهل الصياغة ولا يحتاج إلى وقت طويل للإجابة أو   1 علي أحمد مدكور: المرجع السابق، ص431، 432. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 110 التصحيح، كما يمتاز بالشمول حيث يمكن وضع اختبار يحوي كل محتوى البرنامج أو الدرس. ومن عيوب هذا الاختبار أنه لا يقيس قدرات الطالب في التطبيق، والتحليل والتركيب والتقويم، كما أنه لا يقيس القدرة على استعمال اللغة في عرض الأفكار والآراء ومناقشتها، ويسمح بدرجة كبيرة من التخمين مما يقلل درجة الموضوعية1. 3- اختبار الإجابة القصيرة: يعتمد هذا الاختبار على عدد كبير من الأسئلة يحتاج كل منها إلى إجابة قصيرة من سطرين. وهو أكثر دقة وشمولا من اختبار المقال لأنه يقيس عدة أنواع من القدرات الذهنية، فضلا عن أن يغطي جزءا كبيرا من المنهج. ويعيبه أن إعداده يحتاج إلى وقت طويل، وتتطلب أسئلته إجابات محددة ومحدودة. 4- اختبار الاختيار من متعدد: يمتاز هذا الاختبار بأنه أكثر موضوعية من اختبار المقال. وهو يشتمل على عدد من الأسئلة، ويلي كل سؤال عدد من الإجابات يتراوح بين ثلاث وخمس إجابات. وعلى المتعلم أن يميز الإجابة الصحيحة بوضع علامة مناسبة أمامها أو في المربع المخصص لذلك. ويتصف اختبار الاختيار من متعدد بالمزايا التالية: 1- تميزه بدرجة عالية من الموضوعية، حيث لا خلاف على الإجابة الصحيحة، وبذلك ترتفع معدلات الصدق والثبات فيه. 2- سهولة التصحيح؛ إذ يمكن للشخص العادي أن يقوم بالتصحيح ورصد الدرجات. 3- أكثر شمولية من اختبار المقال؛ إذ يغطي أجزاء كثيرة من المنهج، لوفرة الأسئلة التي يتضمنها الاختيار.   1 حسين قورة، المرجع السابق، ص363. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 111 4- تميزه بالقدرة على قياس مهارات الفهم والمقارنة والتمييز. وعلى الرغم من كل هذه الميزات فإنه يتصف بالعيوب التالية: 1- يحتاج إلى وقت طويل وجهد فني كبير في إعداده. 2- يتطلب معرفة وثيقة ومعلومات دقيقة عن تفصيلات المنهج المقرر وأولوياتها وعلائقها بأهداف المنهج العامة والخاصة. 3- يتطلب من المعلم قدرة لغوية كبيرة؛ إذ يجب أن يتوافر للمعلم الدقة في اختيار الألفاظ والتراكيب، والمعرفة الكاملة بقواعد اللغة، والدقة في الفهم والتمييز بين المصطلحات والمفاهيم1. 4- يفتقر إلى خاصية قياس قدرات التحليل والتفسير والنقد والتقويم وحل المشكلات. 5- اختبار التتمة: في اختبار التتمة يقدم إلى الدارس نص محذوف بعض كلماته، ويطلب إليه ملء الفراغات الناشئة عن حذف هذه الكلمات. يحتوي هذا الاختبار على عبارات قصيرة محددة، يحتاج كل منها إلى كلمة أو كلمات قليلة أو إجابة قصيرة. ويجب أن تكون النصوص أو العبارات ذات معان مستقلة، وأن يقدم الاختبار نموذجا لإجابة صحيحة2. ومن مزايا هذا الاختبار أنه سهل الإعداد والصياغة والتصحيح، كما أنه يغطي مساحة كبيرة من محتوى المنهج، ويمكنه قياس قدرة الطالب على التذكر والفهم والتطبيق والاستنتاج وإدراك العلائق. ويعيب اختبار التتمة أنه يركز على حفظ الحقائق وتذكرها حيث لا يتيح الفرصة للمناقشة وعرض الآراء، كما أنه يهمل بعض القدرات التي تحتاج إلى مهارات عليا مثل التحليل والتفسير والابتكار، فضلا عما يتطلبه من دقة فائقة في اختيار العبارات والألفاظ تفاديا للغموض واللبس.   1 محمد عزت عبد الموجود وآخرون، مرجع سابق، ص178، 179. 2 حسين قورة، المرجع السابق، ص368. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 112 6- اختبار المزاوجة: اختبار المزاوجة نوع متطور من اختبار الاختيار من متعدد، وهو من أكثر أنواع الاختبارات الموضوعية استعمالا لسهولة وضعه وإعداده وسهولة الإجابة عنه. وهو أكثر موضوعية وثباتا من الاختبارات الأخرى لانخفاض نسبة التخمين فيه. ويستعمل هذا النوع من الاختبارات بكثرة في التعرف على معاني الكلمات والمصطلحات والخصائص التاريخية والأدبية. ويتكون الاختبار من عمودين من العبارات القصيرة أو الرموز، أو خليط من الاثنين. وعلى الطالب أن يقارن بين العمودين وأن يقوم بالتوفيق أو المزاوجة بينهما بأن يختار عبارة واحدة من العمود الثاني توافق أو تكمل عبارة من العمود الأول. ويجب أن تكون عبارات العمود الثاني أكثر من عبارات العمود الأول، وأن تكون واضحة ومحددة. يمتاز اختبار المزاوجة بأنه سهل الإعداد والتصحيح، وأنه أكثر موضوعية وثباتا من الاختبارات الأخرى. كما أنه يناسب المتعلمين في جميع المراحل التعليمية ويجعلهم يتذكرون تفاصيل الأحداث، بالإضافة إلى إتاحة الفرصة لتدريب المتعلمين على تمييز الأمور وإدراك العلائق بين الحقائق والمفاهيم. وأهم عيوب اختبار المزاوجة أنه يركز على تذكر الحقائق ولا يقيس بعض القدرات العقلية مثل البرهنة والقياس والتقويم1.   1 نفس المرجع ص369، 370. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 113 القيمة التربوية للتقويم : يمكن إجمال القيمة التربوية للتقويم فيما يلي: 1- إتاحة الفرصة للطالب للتعرف على مستواه، ومدى تقدمه التربوي وفاعليته في الاضطلاع بالمسئوليات التربوية. 2- مساعدة أولياء الأمور على معرفة درجة نمو أبنائهم وجوانب الضعف عندهم حتى يعملوا من أجل الارتقاء بمستويات أبنائهم. 3- وضع أساس سليم لتنظيم الطلاب في مجموعات ولمعرفة مستوياتهم واستعداداتهم الفعلية، مما يسهل التعامل معهم وإحكام التخطيط المدرسي لنموهم، وصياغة أساس لانتقالهم من صف لآخر. 4- اكتشاف نقاط القوة والضعف في المنهج بطريقة ترشد المختصين إلى علاج تربوي ناجح مما يؤدي إلى تطوير المنهج، لا ريب أن تحليل نتائج الاختبارات وعقد مقارنة بينها ومناقشة جوانب الضعف وأسبابه هو أفضل مرشد للتعرف على الطرائق والأساليب السديدة والمتميزة لتطوير المنهج أو تعديله. 5- توفير فرصة التعرف على مدى كفاية طرائق التعليم والأساليب الإدارية في تنفيذ مهامها الفنية من أجل تحقيق الأهداف التربوية1.   1 نفس المرجع، ص378، 379. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 114 التقويم ومنهج التربية الإسلامية : يجدر بنا أن نوجه إلى التقويم في التربية الإسلامية نفس الأهمية التي نوليها لمكونات المنهج الأخرى. ولما كان منهج التربية الإسلامية يحوي موضوعات متنوعة فإنه من المفيد حقا أن ينتهي كل موضوع منها بنماذج من الأسئلة المتنوعة التي تنطبق عليها الشروط العملية في وضع الأسئلة، كما ينبغي أن تكون الأسئلة كافية لقياس الأهداف التي وضع التقويم من أجلها. ويعني ذلك أن تكون الأسئلة قادرة على قياس الجوانب العلمية والتطبيقية والسلوكية ولا تقتصر فقط على قياس الجانب المعرفي. فبالإضافة إلى قياس تذكر المعلومات وحفظها وفهمها يجب التركيز على قياس المستويات العليا للتفكير كالتحليل والتركيب والتقويم، كذلك يجب مراعاة التأكيد على الأفعال السلوكية التي تعنى باستنتاج أحكام معينة بالإضافة إلى الاهتمام بالجانب التطبيقي. وهذا يقتصي وضع أسئلة تشير إلى حل مشكلة محددة في التربية الإسلامية وتتطلب توضيح الجزء: 1 ¦ الصفحة: 114 مبادئ ومفاهيم معينة. كما يجب التركيز على الأسئلة التي تتطلب تدعيم حكم شرعي بدليل من الكتاب والسنة، هذا بالإضافة إلى استخدام الأسئلة الشفوية على نطاق واسع مع توفير الفرصة للطالب للحوار والمناقشة. نخلص مما تقدم إلى أهمية أن يكون التقويم شاملًا لكل جوانب نمو شخصية التلميذ فيقيس جميع قدراته مع التركيز على القدرت والمهارات العقلية كالتطبيق والتحليل، ويقيس أيضًا اتجاهات التلميذ وميوله وقيمه وأنماط تكيفه الشخصي والاجتماعي. ومن ثم يشمل التقويم سلوك التلميذ ومواظبته واشتراكه في المناقشات. إن تنوع وسائل التقويم يجب أن يحظى بعناية كبيرة، فيشمل الاختبارات الشفوية والتحريرية والاختبارات العملية، فضلا عن فحص الواجبات التي يكلف بها التلاميذ وتقويم اشتراكهم في المناقشات وملاحظة سلوكهم ونشاطاتهم. تشكل استمرارية التقويم أحد المبادئ الهامة للتقويم، وهذا يتطلب أن يستمر التقويم على مدار العام الدراسي للاستفادة من نتائج التقويم المستمر في تحسين تعلم التلاميذ، وفي تطوير طرائق التدريس والمنهج بوجه عام، وفي التقويم المبدئي وقبل بدء التعليم يمكن أن يجري المعلم اختبارات أولية لتحديد مدى كفاءة ومقدرة تلاميذه. وفي التقويم البنائي قد يستخدم المعلم اختبارات تحصيلية قصيرة وطويلة، وأساليب الملاحظة، وتصحيح التقارير والواجبات المنزلية على مدار العام الدراسي لتحديد مدى تقدم تلاميذه. ويستخدم المعلم في التقويم الختامي الاختبارات التحصيلية وأساليب الملاحظة لتحديد درجة تحقيق الأهداف التربوية في نهاية الفترة الدراسية في نهاية العام الدراسي: ويجدر بنا أن نعمل على تحسين نوعية الاختبارات التحصيلية من خلال بذل الجهود للسيطرة على العوامل المؤثرة على موضوعيتها وصدقها؛ إذ يجب أن تكون الاختبارات موضوعية ومتناسقة لكي نصل إلى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 115 نتائج حقيقة صادقة. ويمكن تحقيق ذلك بإتباع أسس تربوية سليمة وربط الأسئلة بأهداف تربوية واضحة وبمحتوى الموضوع. كما يجب أن يكون التقويم وسيلة لدفع وحفز تعلم الطلاب إلى الأمام ولرفع مستواهم. وفي هذا المجال يمكن أن تقوم الاختبارات البنائية بدور بارز كإحدى وسائل التقويم. وهذا يتطلب تخصيص نسبة مئوية من الدرجة الإجمالية لأعمال الطلاب خلال السنة الدراسية. إن هذا الإجراء يتيح الفرصة للتقويم المستمر للطالب ويخفف الآثار الضارة للامتحانات في نهاية العام. ويمكن أن يقترن التقويم المستمر لأعمال الطالب باختبارين تحريريين: الأول يجري في نهاية النصف الأول من العام الدراسي، والثاني يجري في نهاية العام الدراسي. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 116 متطلبات التقويم : يجب على المعنيين والمختصين بالتقويم وضع خطة محكمة يتم على هداها تقويم الطلاب مع مراعاة أن يكون التقويم شاملا، مستمرا، تعاونيا، اقتصاديا مهتما بالفروق الفردية ومتسقا مع الأسلوب العلمي. ويقتضي ذلك أن تتناول هذه الخطة الطريقة التي يمكن بها تنفيذ النقاط سالفة الذكر، فلكي يكون التقويم تعاونيا -مثلا- يجب أن تجربه أكثر من جهة. وحيث إن المنهج الحديث يركز على تطوير قدرات التلاميذ في مجالات متنوعة، فإن الاتجاه الحديث في التقويم يشير إلى أهمية قياس مدى نمو التلاميذ في جميع المجالات، لا في مجال استيعاب المعلومات فقط. لذلك ينبغي أن تقيس طرق وأساليب التقويم قدرة التلميذ على حل المشكلات، وعلى التفكير بطريقة علمية والتعبير عن نفسه بطريقة موضوعية، كذا قدرته على التحليل والاستنباط والابتكار. سبق أن ذكرنا أهمية تنويع وسائل التقويم عن طريق عقد الاختبارات الشفوية والتحريرية، مع مراعاة أن تشمل الاختبارات التحريرية أسئلة المقال وأسئلة موضوعية. وأنه من المستحسن إجراء الجزء: 1 ¦ الصفحة: 116 الاختبارات في فترات مختلفة مع ترك فاصل زمني بين كل اختبار وآخر يبلغ التلاميذ فيه عن أخطائهم ويعلمون فيه من المختصين مدى تقدمهم. كذلك ينبغي تخفيض درجات الاختبار النهائي وزيادة درجات اختبارات الفترات وأعمال السنة، على أن تخصص منها درجات للمواظبة والنظافة والإسهام في النشاطات المختلفة والتعاون. وينبغي ألا نعتبر الأسئلة الموضوعية هدفا في حد ذاته، بل نعتبرها وسيلة لقياس القدرات المختلفة. وأنه من الضروري وضع خطة طموح لتطوير جميع طرائق وأساليب التقويم، ثم توضع هذه موضع التنفيذ لكي يكون التطوير مفيدا ومثمرا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 117 النشاطات التربوية : حتى تكتمل مكونات المنهج بمعناه الواسع لا بد لنا أن نتناول النشاطات التربوية. وهذه النشاطات تهدف إلى استغلال طاقات الطلاب في الأعمال النافعة التي تروق لهم وتتفق مع ميولهم واستعداداتهم، أو تشجعهم على الإقبال على هذه الأعمال التي تبث فيهم النشاط والحيوية وتنمي مداركهم وقدراتهم الذهنية والروحية وتفسح المجال لمواهبهم وتولد فيهم الشعور بالمسئولية والإحساس بالجمال. وهذه النشاطات -كذلك- تشبع بعض بعض حاجات الطلاب النفسية كالحاجة إلى التقدير واللعب والترويح عن النفس. والنظرة الحديثة إلى النشاط تؤكد على كونه وسيلة مباشرة للتعليم، فأصبح جزءًا من المنهج ينص عليه عند سرد مواد المنهج أو أهدافه وترصد له بعض الدرجات. وكان للنشاط في فجر الإسلام ميزات تنبع من طبيعة الإسلام ومن صميم هدف التربية الإسلامية ومن خلق النبوة. فقد كان الرسول -صلى الله عليه وسلم- يعلم الصحابة من خلال مواقف من الحياة. ففي إحدى الغزوات نزلت آية التيمم وتعلم الصحابة التيمم وطبقوه1. وكان الرسول -صلى الله عليه وسلم- يقيم سباقا للخيل بين الصحابة. وكان الصحابة يرتجزون الأناشيد أثناء العمل في   1 تفسير ابن كثير، ج1، دار المعرفة، بيروت ص506. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 117 بناء مسجد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في المدينة: اللهم لا يعيش إلا عيش الآخرة ... فارحم الأنصار والمهاجرة1 وفي عهد الرسول -صلى الله عليه وسلم- كان الصحابة يتبارون برمي السهام بعد صلاة المغرب. يتضح مما سبق أن النشاط التربوي النبوي اتخذ شكلين أساسيين: 1- نشاط ترويحي يطرد الملل والسأم ويجدد الطاقة ويقوي العزيمة. وكان هذا النشاط يظهر عفويا في حياة المسلمين كلما دعت الحاجة إليه. وكان الرسول -صلى الله عليه وسلم- يتغنى الأرجوزة الإسلامية مع المسلمين عندما يكونون في عمل جماعي كبناء المسجد وحفر الخندق. وكان يسمح بالمرح في المناسبات الدينية والاجتماعية مثل الأعياد والأعراس، كما كان يشارك في الولائم لإظهار السرور والبهجة. 2- نشاط تعليمي أو تعبدي يهدف إلى تعليم المسلمين وتهذيب أخلاقهم وتربيتهم تربية عسكرية من خلال الحياة والممارسة، كتعليمه المسلمين التيمم ومناسك الحج وتعليمه إياهم الفروسية وأمره بتعلم الرمي وإقامته مباريات في ذلك. وكان ينتهز فرص المناسبات الموسمية أو الطارئة ليقيم حفلا اجتماعيا لكل مناسبة، فيخطب أو يعظ الناس ثم يصلي بهم، كالاحتفال بالعيدين، وكجمع المسلمين في المسجد للجهاد أو للاحتفال بالنصر. وقد ربى الرسول -صلى الله عليه وسلم- في كل هذه المناسبات المسلمين تربية إسلامية صادقة، كما غرس في نفوسهم كثيرا من المعاني السامية والثقة بالنفس وعلمهم كثيرا من أحكام الشريعة الغراء وحضهم على كثير من الفضائل2.   1 البخاري، ج1، كتاب الصلاة، باب استقبال القبلة. 2 عبد الرحمن النحلاوي، المرجع السابق، ص170، 171. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 118 ولكي يكون النشاط وسيلة من وسائل التربية الإسلامية ينبغي أن يستوفي الشروط التالية: 1- أن يتفق النشاط الترويحي مع المواقف وأن يتواءم مع المناسبات في أوقات الفراغ حتى لا يزاحم الدروس، فيضفي على النفوس البهجة ويبعث فيها السرور والمرح، ويحتفظ برونقه وأثره فيها، دون أن يطغى الهزل فيه على الجد. 2- أن يتميز النشاط بالبراءة والبعد عن الإسفاف وأن يتفق والأخلاق والمبادئ الإسلامية، ويتحاشى الغيبة والنميمة وإثارة الضغائن والسخرية من بعض الطلاب وإيقاظ الشهوات والتندر بفحش القول وبذيء الكلام. 3- أن يتصف النشاط التعليمي والتربوي بالواقعية "فتعليم الصلاة إنما يكون بإقامتها فعلا، والشعور بأدائها فريضة لله عز وجل، لا بتمثيلها. واتباع الجنائز يكون بقصد الثواب وكذا التعزية ... وزيارة المريض، وتقديم الصدقات من قبل الطلاب، وتقديم النصح والإرشاد، وتنظيم المساجد، وإقامة الخطب والنصائح، يجب أن يبتغي بها وجه الله ومرضاته"1. 4- أن يحقق النشاط شريعة الله وعبوديته، ويتأتى ذلك بأن يتنزه النشاط عن العبث والشكلية ويصبح جزءا حقيقيا من الحياة التي يحياها المجتمع الذي يطبق شريعة الله. 5- أن يكون تقويم النشاط واقعيًا طبقا لما حققه من أهداف تربوية، لا ما حققه الطلاب من تقدم في النشاط ومن أرقام تعبر عن التفوق والقوة. إن نتائج النشاط تقاس بما يتركه من آثار تربوية وأخلاقية مثل حب العمل والتواضع والصبر والصدق. 6- أن يسهم المعلم إسهاما إيجابيا في هذا النشاط، فهو القدوة التي   1 نفس المرجع، ص172. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 119 يحتذيها الطلاب في كل ألوان النشاط، وهو محور التربية وعنصرها الفعال. فأجدر به أن يتحمل المسئولية ويؤدي واجبه حيال الطلاب بأمانة وإخلاص، ويشعرهم بالأخوة التي تربطه بهم تحت لواء رب واحد، وفي سبيل هدف واحد، هو ابتغاء مرضاة الله والإخلاص في عبادته. إن الذي يهمنا في هذا الصدد هو أن تحقق هذه النشاطات التربية الإسلامية للفرد، فتصوغ عقل المسلم صياغة تجعل قدرته على العطاء أكبر من طاقاته، وأمله أوسع من إمكاناته، وأن تقدم له نظما سلوكية تجعل حياته مثالا للنظام والأمانة والخلق القويم، وأن تبث فيه قوة العزيمة والتصميم. أي أن هذه النشاطات يراد لها أن تربى النفس على الأعمال الصالحة وعلى منهج الحياة الإسلامية في الحياة اليومية وفي جميع شئون الدنيا، وأن يناط بها تنمية الجسم، وتربية الجوارح، فالإسلام حث على تعلم وممارسة بعض النشاطات التي تقوي الجسم كالرمي والفروسية حتى يكون المسلم مستعدا للدفاع عن الإسلام والجهاد في سبيل الله. كما يجب ألا تغفل هذه النشاطات الجانب الترويحي في حدود المنهج الإسلامي حتى يشيع السرور والحبور في حياة المسلم فيقبل على أداء واجبه بنفس راضية قريرة مستبشرة فيزداد إنتاجه ويوجه طاقاته إلى خير الإنسان وخير المجتمع. ويمارس الطلاب في المدارس أشكالًا متنوعة من النشاط مثل المسابقات، وإلقاء بعض الكلمات والأحاديث في الإذاعة المدرسية، وإصدار مجلات الحائط، وجمع الصور، ورسم الخرائط واللوحات، وتحضير مقالات قصيرة عن بعض المناسبات الدينية، والرحلات والزيارات، والاشتراك في ندوات وبخاصة الندوات الدينية، والتمثيليات الإسلامية، والاشتراك في جماعات التربية الإسلامية. إن الهدف من الرحلات -على سبيل المثال- هو تعريف الطلاب بمعجزات الله في الطبيعة وفي سائر المخلوقات، وبأوطانهم وبجوانب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 120 تقدمها، وإتاحة الفرصة للطلاب لاكتساب خبرات ومهارات إدارية وعلمية، ولربط ما تعلموه من دروس بواقع الحياة اليومية، فضلا عن توسيع مدارك الطلاب وزيادة معرفتهم بشئون الحياة، وتوطيد العلائق الإنسانية بين الطلاب والمعلمين. ويبرز دور جماعة التربية الإسلامية في الارتقاء بالتربية الإسلامية. لذا يجب أن تتكون هذه الجماعة من الطلاب البارزين الصالحين الاتقياء على مستوى المدرسة كلها. ومن واجب جماعة التربية الإسلامية إتاحة مزيد من التدريب والمعرفة للطلاب. ويتعين على جماعة التربية الإسلامية تنفيذ المهام التالية: 1- إعداد مسجد المدرسة للصلاة وتزيينه بالآيات القرآنية والأحاديث النبوية. 2- تنظيم المهرجانات والاحتفالات الدينية. 3- تزويد مكتبة المسجد بالكتب والتسجيلات وشرائط الكاسيت. 4- توفير المزيد من التدريب على تلاوة وتجويد القرآن الكريم ودراسة الأحاديث النبوية. 5- إعداد ملخصات ودراسات مختصرة عن سير وتراجم الصحابة وإصدار مجلة دينية. 6- تنظيم المسابقات في موضوعات التربية الإسلامية. 7- تنظيم وعقد الندوات الدينية، وإلقاء المحاضرات عن بعض الموضوعات والمشكلات المعاصرة وكيفية مواجهتها والتغلب عليها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 121 الخلاصة : بعد أن تناولنا في العرض السابق عناصر منهج التربية الإسلامية يجدر بنا -استكمالا للفائدة- أن نشير إلى بعض الجوانب التي ينبغي التركيز عليها. تحقيقًا لأهداف التربية الإسلامية. سبق أن ذكرنا أن الدين الإسلامي يتصف بالشمول، وهو بهذه المصفة يغطي كل جوانب الحياة. ومع تأكيدنا الجازم على أن الدين الإسلامي وحدة متكاملة فإنه من المستحسن في مجال الدراسة التركيز على أهم جوانبه التي تمس الكثير من البشر. ويعتبر الجانب العقائدي من الأهمية بمكان مما يستوجب التركيز عليه في جميع مراحل التعليم. ومدرس التربية الإسلامية مطالب بترسيخ وتعميق العقيدة في نفس المسلم وبخاصة في المرحلة الثانونية التي يكون فيها التلميذ قد وصل إلى درجة مناسبة من النمو العقلي تمكنه من استيعاب العقيدة الدينية الإسلامية. وواجب كتاب التربية الدينية الإسلامية وواجب المعلم عرض العقيدة "عن طريق إقامة الدعوى، والبرهنة عليها، وبسط مذاهب المخالفين، ثم تفنيدها، بإثارة العقل، واستنهاض الفكر، وبيان نظام الكون وما فيه من إحكام وإتقان، وتأخ بين العقل والدين"1. أما الجانب الأخلاقي فقد أولاه الإسلام اهتمامًا بالغًا، ويتجلى ذلك في قول الرسول -صلى الله عليه وسلم: "إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق". والتقوى هي عماد الأخلاق وبها ينفي الإنسان كل ما يضره أو يضر غيره لتكون حدود المساواة قائمة في الاجتماع. ويمكننا الاعتماد على التربية الدينية الصحيحة والقدوة الحسنة في تقوية القيم الأخلاقية ترسيخها في نفوس النشء، وهذا واجب معلم التربية الدينية الإسلامية وواجب كل فرد يتعامل مع التلميذ. والجانب الثالث هو الجانب الاعتدالي ويعني الوسط {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا} . والإسلام يؤكد على الاعتدال والتوسط والتوازن في   1 إبراهيم محمد عطا، مرجع سابق، ص173. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 122 كل شيء وفي كل أمور وشئون الحياة. وحيث إن الحياة المعاصرة زاخرة بالاختراعات والمستحدثات العلمية التي يستخدمها الإنسان كان التركيز على هذا الجانب الاعتدالي كي يعرف المسلم أن الإسلام دين الفطرة وأنه لا يتعارض مع رغبات الناس في استخدام المختراعات العلمية طالما أن ذلك يتفق مع الدين ... ولا ريب أن اتصال العقيدة الإسلامية بمناحي الحياة اليومية هو السبيل الواضح والوحيد لتحقيق التوازن في الحياة. ثم نأتي إلى الجانب الروحي الذي يعني بتطبيق القيم الإسلامية الرفيعة مثل المودة والتعاطف والتآخي والتكافل والإيثار وإنكار الذات. ويشكل الجانب الروحي رباطًا قويًّا يجمع المسلمين على الحب والإخلاص، وأن فهم وتطبيق هذا الجانب صمام أمن للفرد والمجتمع. كما أن التركيز على جانب الروح يولد في المسلمين ولاء وإخلاصًا لعقيدة التوحيد ويحميهم من الوهن والتفكك وينأى بهم عن مهاوي العصب المقيت. ويختص الجانب الخامس بتكوين العادات، وهي إما أن تكون فضائل أو رذائل. والحياة تحوي مجموعة من العادات العملية والانفعالية والفكرية التي قد تجلب لنا السعادة والخير أو الشقاء والضرر. وتعتبر المرحلة المبكرة من الطفولة بداية طيبة لتشكيل العادات الحسنة في جميع مجالات ومناحي الحياة حتى يألف الطفل تلك العادات الخلقية والسلوكية. ولا يخفى علينا أن تشكيل السلوك هو الهدف الأول للتربية، كما أن السلوك هو نتاج العادات. ومن ثم فالعادات هي مادة التربية. والمهمة الأولى للمعلم هي أن يعنى بتكوين وغرس العادات الحسنة في التلاميذ مهتديًا في ذلك بالتراث الديني الإسلامي. ويشغل جانب العمل حيزًا كبيرًا من اهتمام الدين الإسلامي، والقرآن الكريم مليء بالآيات التي تقرن الإيمان بالعمل للتأكيد على أن أي عمل يقوم به الفرد لا بد أن يؤمن به. فالإيمان يحث الفرد على إجادة وإتقان عمله الذي يجب أن يكون صالحًا ومفيدًا وذا عائد للفرد والجماعة. وقد حث الله سبحانه وتعالى المسلمين على العمل حين يقول: {وَقُلِ اعْمَلُوا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 123 فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ} . وغني عن القول أن المؤمن سيسعى غاية جهده وسيبذل كل طاقته كي يكون عمله على مستوى عالٍ من الاتقان والجودة بما يتفق وجلال الرؤية الإلهية ورؤية الرسول -صلى الله عليه وسلم- ورؤية سائر المؤمنين. والإسلام يحث المسلمين على العمل ويطالب بالعمل كل من يقدر عليه. {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ، وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ} ، وأن للإنسان ما سعى والعبادة في الإسلام ليست مجرد إقامة الشعائر الدينية، وإنما هي كل نشاط يتجه به الإنسان إلى الله، فكل عمل من أعمال الخير عبادة، ويؤكد ذلك قول الرسول -صلى الله عليه وسلم: "الساعي على الأرملة والمسكن كالمجاهد في سبيل الله، أو القائم الليل، الصائم النهار" 1. إن العبادات في الإسلام تتضمن كل سلوك المسلم، وكل ما يقوم به المسلم من عمل نافع عبادة. وتقوم فلسفة الإسلام في العمل على الإفادة، إفادة الفرد، وإفادة المجتمع، وإفادة الكون بمن فيه. والعمل الصالح له ثواب عند الله2. والمجتمع الإسلامي الأصيل مجتمع عامل يوجه طاقته إلى البناء والتعمير ويوقف جهوده على فعل الخير وترقية المجتمع. يتضح من العرض السابق أن التربية الإسلامية تربية متفردة ومتميزة عما سواها لأنها تستند إلى دستور سماوي صادر من الله سبحانه وتعالى، وأنها تقوم على دين أحاط بكل ما يتصل بالإنسان ووجهه إلى التربية الإلهية التي تسمو بكيان الإنسان كله. فالإسلام يهتم بالدنيا والآخرة وبالنفس والجسد ويحث على التحلي بالأخلاق الفاضلة واتباع القيم العليا والأنظمة الصالحة التي تنظم علائق الناس بعضهم ببعض، والتربية الإسلامية تعنى بتربية الفرد والجماعة، فهي تهتم بتنشئة الفرد الصالح والمجتمع الصالح المتراحم، ومثله في تراحمه كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الأعضاء بالسهر   1 سيد قطب، العدالة الاجتماعية في الإسلام، مرجع سابق ص11. 2 إبراهيم محمد عطا، مرجع سابق ص187. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 124 والحمى. والتراحم الإسلامي يبدأ رحمة بالنفس تنمو تراحما وحبا ومودة تسود جميع أفراد المجتمع الإسلامي. وتفرد التربية الإسلامية راجع إلى أنها تتخذ من "التوحيد أساسا لكل ما صاغه الإسلام للمسلمين من تشريعات واضحة، وحدود صريحة، وقوانين نافذة، تعادلت فيها الحقوق والواجبات، وتساوى فيها الجهد والجزاء، وكفلت فيها ضمانات المعيشة المادية وضمانات العدالة القانونية، وتكاملت فيها عناصر البقاء والاستمرار"1. والتربية الإسلامية تمتاز بالالتزام بالآداب والقيم الإسلامية، كما تقوم على الأعراف والعادات السليمة التي تتفق مع العقيدة والشريعة الإسلامية، وهي تحارب البدع والأراجيف والضلالات التي تعترض تقدم البشرية. والتربية الإسلامية توائم بين الواقع المادي والإنتاج المادي والواقع الروحي والفكري للناس، وتدعو إلى تربية النشء على أساس الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. فالمسلمون مطالبون بتغيير المنكر إذ رأوه فضلا عن التناهي عنه، وعليهم أن يبثوا في الناشئة حب الفضيلة والقيم الرفيعة والمبادئ السامية. ومن ثم فإن التربية الإسلامية ملتزمة بالعدل والحق والفضيلة ومكارم الأخلاق. ومن مزايا التربية الإسلامية أنها تتعامل مع الإنسان من حيث هو إنسان مخلوق لله بغض النظر عن لونه أو غناه أو فقره، أو جنسه أو عرقه أو أصله أو لغته، فالدين الإسلامي أكد على المساواة بين الناس، فلا فضل لعربي على عجمي إلا بالتقوى، وتتجلى الأخوة بين البشر جميعا في هذه الآية الكريمة {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} 2. ويعتبر الإسلام جميع الناشئين في المجتمع الإسلامي أبناء أو أبناء أخوة لجميع الراشدين الذين ينبغي عليهم حسن معاملاتهم وإرشادهم وتعليمهم وتحقيق المساواة بينهم.   1 صبحي الصالح، الإسلام والمجتمع العصري، دار الآداب، بيروت، 1983، ص119. 2 الحجرات: 13. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 125 ومن نواحي تفرد التربية الإسلامية أنها تريد الخير للناس جميعا، فالإسلام يغرس في نفوس المسلمين حب الخير للناس جميعا في جميع مجالات الحياة سواء أكان نفعه دينيا أم دنيويا، والتربية الإسلامية تربي الفرد على السعي في طريق الخير والعمل على تحقيق وقضاء حاجات الناس والتفريج عنهم وستر عيوبهم. وقد أضافت التربية الإسلامية محبة الله إلى محبة الوالدين. وعلى أساس محبة الله يحب المؤمن كل من يشاركه في محبة الله وطاعته والعمل وفق منهجه. وجانب آخر من جوانب تفرد التربية الإسلامية هو اعتبار البيت أهم مصدر لتنشئة الطفل تنشئة سليمة، لذلك اهتمت التشريعات الإسلامية بالأسرة ووفرت لها جو الاستقرار في البيت. إن المهمة الكبرى للأم هي تربية الأطفال ورعايتهم، وأجدر بها أن تتفرغ لهذه المهمة العظيمة حتى تستطيع أن تلبي حاجة أطفالها إلى الحب والحنان والرعاية، فالأم المسلمة أم متخصصة في تربية ورعاية أطفالها وفي تدبير شئون بيتها، وللتربية الإسلامية دور عظيم في تربية وإعداد البنت كي تكون "أما متخصصة" في تربية وبناء الأجيال وتدبير شئون بيتها. وتتفرد التربية الإسلامية عما سواها بالحث على التعاون على البر والتقوى وعلى تهيئة البيئة المناسبة والمناخ الملائم لتربية النشء وفق العقيدة الصحيحة. وتدعو التربية الإسلامية الحاكم والمحكوم إلى تنفيذ شريعة الله في تقويم الناس وإسعاد البشرية. ويتعاون فيه المسلم مع أخيه المسلم في إرساء قواعد المجتمع الصالح. ويتعاون فيه الرجل مع المرأة في تربية وبناء الأجيال الصالحة. فالحكومة المسلمة تقيم العدل وتعمل لما فيه خير الشعب المسلم، وتتبع النظام الاقتصادي الإسلامي وتحكم المجتمع طبقا للمفاهيم الإسلامية. وحتى يستطيع منهج التربية الإسلامية تحقيق أهدافه كاملة لا بد أولا من إقامة المجتمع المسلم. غير أن وجود المجتمع المسلم وحده لا يكفي؛ إذ لا بد من النصح والتوجيه والإرشاد حتى يصل الفرد إلى مرتبة الكمال التي هيأها الله له. ويجب أن يقترن وجود المجتمع المسلم بوجود البيت المسلم لأنه أول من يشكل معدن الطفل الذي يقضي فيه سني طفولته. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 126 الفصل السابع: إعدد معلم التربية الإسلامية مدخل ... الفصل السابع: إعداد معلم التربية الإسلامية مقدمة: تحظى جميع عناصر ومكونات العملية التربوية باهتمام بالغ في جميع أنحاء العالم. ويزداد هذا الاهتمام مع التقدم والتطور الذي يشهده العالم في شتى المجالات، ومع الانفجار المعرفي والتقدم التقني الهائل لم تعد النظرة إلى التربية أنها مجرد خدمات تقدمها الدول لشعوبها تستنزف ثروات البلاد ولا تنتظر عائدا منها، بل صارت عملية استثمارية وإنتاجا إنسانيا له عائد يسهم في تقدم الدول ورقيها. وعلى الرغم من الأهمية الفائقة للتربية والتعليم فإن الاهتمام بالمعلم وإعداده وبخاصة في الدول النامية لا يزال يحتاج إلى مزيد من العناية والرعاية لما للمعلم وإعداده من تأثير كبير على النشء. فالدراسات الحديثة تؤكد الدور الحيوي للمعلم في تنشئة وتربية الأجيال. فالمعلم هو المسئول الأول عن تزويد المتعلمين بالمعرفة بالإضافة إلى دوره في غرس القيم والفضيلة والأخلاق الرفيعة في نفوس النشء بالتعاون مع الأسرة. والمعلم هو المنفذ الأول للمنهج والمحقق لأهدافه، وهو محور نجاح المنهج بل والعملية التربوية كلها. وعلى الرغم من الأهمية الكبيرة لإعداد معلم التربية الإسلامية فالدراسات في هذا المجال ما زالت محدودة ولا تتفق مع أهمية التربية الإسلامية. لقد خلق الله الإنسان ثم علمه بعد ذلك {خَلَقَ الْإِنْسَانَ، عَلَّمَهُ الْبَيَانَ} . ولا تكتمل ميزة الإنسان في هبة العقل إلا بالعلم والمعرفة. فالتعليم يحدد مكانة الفرد في المجتمع. وليس التطور الحضاري للبشرية إلا نتيجة لاستخدام قدرة الإنسان العقلية بجانب قدرته الجسمية. والتعليم الجيد هو القادر على إعداد المواطنين الصالحين وأجيال المفكرين والمبدعين والباحثين، وعلى ضوء نوعية التعليم تتشكل الإمكانات الفكرية للمجتمع وتتحدد قدراته على التطور والتقدم والرخاء. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 127 ليس هناك ما هو أهم من بناء المسلم بناء قويا لأن الإنسان المسلم هو عنوان دينه وأمته. ومن ثم كانت شخصية المعلم المحور الرئيسي في بناء الأجيال. والمعلم الذي يعي واجبه ويفهم مهنته فهما صحيحا ويقوم بأعبائها عن قناعة واقتدار يؤثر في عقول التلاميذ ونفوسهم ويكون قدوة صالحة لهم. ليس بخاف عنا أن أسلوب المعلم في التربية يخضع في المقام الأول لمدى رغبته في هذه المهنة الجليلة؛ لأنه يتعامل فيها مع العقل البشري الذي استخلفه الله في أرضه ليعمرها. إن المعلم إنسان يتعامل مع إنسان صغير ليربيه ويقومه بالتربية ويصقله بالعلم والتجربة. ومن هنا فإن مهمة المعلم ليست مهمة سهلة أو عادية. بل هي مهمة الرسل الكرام. إن رسالة المعلم في الأمة الإسلامية إنما هي امتداد لرسالة الأنبياء والصالحين فكان لا بد من الاختيار الصحيح للمعلمين قبل مباشرة العمل. إن اختيار المعلم أمانة لأنه يتعامل مع عقول صغيرة يتولاها بالتربية والتوجيه والصيانة. وهذه العقول لا تملك لنفسها شيئًا في بداية نشأتها. ولا ريب أن تأثرها بالمعلم سوف ينطبع عليها في شبابها وفي شيخوختها. ويقوم المعلم المعلم بعدة أدوار تتداخل فيما بينها ويكمل بعضها بعضا، فله دوره كمرشد وموجه لطلابه من الناحية النفسية والاجتماعية، وله دوره كموجه للمتعلم، وله دوره في نقل التراث الثقافي، وله دوره كعضو في جماعة المدرسة فضلا عن دوره كمواطن في المجتمع. إن مهنة التعليم تعد من أفضل وأجل الأعمال. وقد جعل الإسلام للمعلم مكانة وأهمية خاصة ودعا إلى احترامه وتقديره، فهو المسئول عن إعداد الرجال في الدولة في مختلف المواقع الدينية والسياسية والتعليمية والاقتصادية والاجتماعية. ولا ريب أنه إذا صلح حال المعلم صلح هؤلاء جميعا وكانوا نافعين لأوطانهم ولأمتهم. إن صلاح المعلم يكون في صلاح عقيدته وخلقه، والمعلم في ضوء التربية الإسلامية هو القدوة الصالحة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 128 ومن الطبيعي أن المعلم القدوة لا يمكن أن يقوم بدوره في إعداد أبناء الأمة الإسلامية إن لم يكن قد أعد الإعداد الروحي والخلقي فضلا عن إعداده العلمي أو الأكاديمي والمهنى أو التربوي، إن إعداد المعلم ركيزة أساسية في بناء مستقبل الأمة باعتباره حامل مشعل التعليم وأمين المجتمع على تربية صغاره وتعليهم. تسبق مرحلة إعداد معلم التربية الإسلامية مرحلة أخرى أكثر ضرورة وأهمية هي مرحلة اختيار الطالب الذي سيصبح معلما للتربية الإسلامية، وإعداد المنهج الدراسي المناسب والمعهد المناسب والقيادة التعليمية الواعية، إن اختيار الطالب قبل انتظامه في دراسة منهج التربية الإسلامية لا بد أن يخضع لمعايير معينة مثل حسن الخلق والتصرف والتقوى والاستقامة والسمعة الطيبة لأسرته بالإضافة إلى التفوق الدراسي العام. ويجب أن يكون القرآن والأحاديث النبوية محور للنهج الدراسي باعتبارها أهم مصادر التربية الإسلامية، ولا يكفي أن يكون المنهج شاملا ووافيا فحسب بل إنه من الضروري أن تكون قيادات معاهد التربية على بينة كاملة ومعرفة وثيقة بالتربية الإسلامية وأن تتميز بالحكمة وحسن القيادة ومعالجة الأمور بالرفق واللين حينا وبالحزم حينا آخر. كما يجب أن تكون أهداف معاهد التربية تكوين شخصية الطالب. وبناء جسمه وصقل عقله وموهبته، وأن توفر هذه المعاهد تدريبا مستمرا من أجل ترجمة الأهداف إلى سلوك. وتوجيه الطالب إلى العمل الذي يناسب قدراته واهتماماته، كذلك يجب أن تتوخى أهداف الدراسة في معاهد التربية إعداد الطالب للحياة العملية وللدراسة في المرحلة التالية وتمكينه من اكتشاف قدرات التلاميذ وميولهم واستعداداتهم. إن التعليم نشاط معقد يحوي مجموعة كبيرة من المهارات، وحسن الإدراك والتمييز والمعرفة، ونتيجة للتطورات المتعاقبة في حقل المعرفة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 129 والتربية فقد حفل منهج إعداد المعلمين بالموضوعات الجديدة التي تواكب ركن الزمن وتتفق في نفس الوقت مع منهج الله. وجدير بالمختصين في معاهد وكليات إعداد المعلمين أن يركزوا اهتمامهم على النواحي العملية والسلوكية وأن يدربوا الطلاب على اتباع منهج للتفكير وعلى استخدام قدراتهم وطاقاتهم في العمل الصالح وفق شريعة الله. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 130 صفات معلم التربية الإسلامية ومقومات نجاحه : إن نجاح إعداد المعلمين يتوقف على اختيارهم في ضوء مجموعة من الصفات الشخصية، وعلى تفهمهم واستيعابهم للأدوار التي يمارسونها وفق برنامج متوازن يؤدي إلى اكتسابهم الخبرات من الأداء الفعال في العملية التربوية. وقد حدد ابن سينا هذه الصفات حيث يرى أن يكون المعلم "عاقلا، ذا دين، بصيرا برياضة الأخلاق، حاذقا بتخريج الصبيان، وقورا رزينا، بعيدا عن الخفة والسخف، قليل التبذل، لبيبا، ذا مروءة ونزاهة ونظافة". وللمربي المسلم وظيفتان أساسيتان هما: 1- التزكية وتعني تنمية النفس وتطهيرها والسمو بها إلى خالقها والمحافظة على فطرتها. 2- التعليم ويتضمن نقل المعلومات والعقائد إلى المؤمنين ليطبقوها في سلوكهم وحياتهم1. ولكي يقوم معلم التربية الإسلامية بواجبه على الوجه الأكمل يجب أن يتحلى بصفات أهمها: 1- أن يكون رباني الهدف والتفكير والسلوك، مستهدفا "من كل أعماله التعليمية ودروسه أن يجعل طلابه أيضًا ربانيين، يرون أثار عظمة الله ويستدلون عليها في كل ما يدرسون، ويخشعون لله ويشعرون بإجلاله عند كل عبرة من عبر التاريخ أو سنة من سنن الحياة أو سنن   1 عبد الرحمن النحلاوي، مرجع سابق، ص155. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 130 الكون أو قانون من قوانين الطبيعة"1. 2- أن يكون ذا قدرة متميزة على فهم طبيعة النفوس التعامل الإيجابي معها على اختلاف ميولها واتجاهاتها، وتتيح له هذه القدرة فهم طبيعة تلاميذه، فيتدرج في نقل المعلومات إليهم حسب طاقاتهم. 3- أن يكون قدوة حسنة في الأخلاق والتقوى والاستقامة والتصرف في المواقف المختلفة. 4- أن يعتني بمظهره وملبسه وأن يتصف بحسن السلوك لأنه يمثل الشخصية الإسلامية. 5- أن يكون رفيقا بالمتعلم شفوقا عليه، وأن يعامله باحترام وتقدير. 6- أن يمتاز بالصبر والأناة فلا يضجر من بطء فهم التلميذ وحفظه أو من معاناة التعليم. 7- أن يشجع العلائق الطيبة بين تلاميذه ويحث التلاميذ على توثيق روابط المحبة بينهم، وأن يتعاونون على البر والتقوى. 8- أن يوطد أواصر المحبة والألفة بينه وبين تلاميذه، فيعرف أحوال التلميذ وأخباره وعاداته الحميدة والسيئة. 9- أن يتمتع بالذكاء وحسن الإدراك والتمييز. 10- أن يكون حليما رزينا وقورا وأن يختار من الكلام ما قل ودل. 11- أن يكون عالما بالشريعة والسنن والسير وسائر أمور الدين. 12- أن يكون حريضا على تحصيل العلم، محبا للتعلم، سهل القبول. 13- أن يكون محبا للصدق وأهله، كبير النفس، محبا للعدل، غير متعصب لمذهب أو رأي. 14- أن يطبق ما يدعو إليه على نفسه حتى يتبعه تلاميذه ويقلدوه في أقواله وأفعاله. 15- أن يكون بعيدا عن الخفة والسخف، ذا مروءة ونزاهة. 16- أن يكون مخلصا لا يبتغي من علمه وعمله إلا مرضاة الله وإحقاق الحق.   1 نفس المرجع: ص155. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 131 إعداد معلم التربية الإسلامية مدخل ... إعداد معلم التربية الإسلامية: يقصد بإعداد المعلم ذلك النشاط الذي تقوم به المؤسسة التربوية المتخصصة قبل الخدمة. ويتمثل في تدريبه على تعلم وإتقان مهنة التعليم ليكون قادرا على ممارسة هذه المهنة. إن التعرف على استعداد وإمكانات الطالب الفطرية من أهم العوامل المساعدة في إنجاح عملية إعداد المعلم حتى يمكن صقلها أولا، ثم تكتمل صفات المعلم ومهاراته التعليمية بالتدريب والمران والممارسة. ومن الأهمية الفائقة اختيار الشخص المناسب لمهنة التعليم اعتمادا على مقومات شخصية أهمها قوة العقيدة والتحلي بالأخلاق الحميدة والرغبة الأكيدة في ممارسة مهنة التعليم وتحمل أعبائها، إن المعلم هو قائد الموقف التعليمي الذي يقود المتعلمين إلى العلم النافع في الدنيا والآخرة، وينبغي أن يكون منهج إعداد المعلم معينا له في القيام بواجبه خير قيام: لذلك يجب أن تشمل برامج إعداد المعلمين أربعة أنواع من الإعداد هي: الإعداد الروحي والخلقي، والإعداد الثقافي، والإعداد الأكاديمي، والإعداد التربوي. إن التربويين يؤكدون على أهمية أن تتسم برامج إعداد المعلم بالتوازن السليم بين جوانب الإعداد الروحي والخلقي، والإعداد الثقافي والأكاديمي التخصصي والتربوي أو المهني، ويركزون على أن يكون البرنامج متكاملا ومترابطا بحيث يؤدي إلى تكوين معلم متكامل الشخصية من جميع الجوانب ذي قدرة على تحمل مسئولياته وواجباته في عالم متغير يشهد تطورا علميا وتقنيا سريعا وانفجارا معرفيا ضخما. هناك العديد من الدراسات التي تناولت واقع التربية العملية في مؤسسات إعداد المعلم في العالم العربي. وتشير هذه الدراسة إلى أن التربية العملية لم تحظ بالعناية المطلوبة، وأن معظم برامج إعداد المعلمين الحالية على المستوى العربي لا توجه الاهتمام الكافي إلى الجانب العملي التطبيقي، حيث يغلب عليه الطابع الشكلي في الإشراف والتنظيم. وقد انتهت بعض هذه الدراسات إلى عدد من التوصيات التي تهدف إلى تطوير الجزء: 1 ¦ الصفحة: 132 التربية العملية منها ما يلي: 1- زيادة الوقت المخصص للتربية العملية عما هو منفذ الآن. 2- تكوين إدارة خاصة للتربية العملية على شكل مركز بحوث مصغر مزود بالمشرفين والباحثين المتخصصين للإعداد والإشراف على التربية العملية. 3- عقد دورات تدريبية وتنشيطية لتطوير أساليب العمل في التربية العملية. 4- عقد اللقاءات بين المشرفين ومدراء المدارس والموجهين والمدرسين لتعضيد التعاون والتفاعل في تحقيق أهداف التربية العملية وتقويم ممارساتها. 5- تدريس المقررات التربوية والنفسية بطريقة وظيفية وتوجيهها مهنيا للإسهام في رفع الكفاءة المهنية للمعلم وإكسابه المهارات اللازمة لنجاحه. 6- التركيز أثناء الإعداد والتمهيد للتربية العملية على معامل طرق التدريس والورش وبرامج التدريس المصغر وشرائط الفيديو الخاصة بمهارات التدريس. 7- التنسيق بين الأقسام المسئولة عن إعداد المعلم من أجل تنمية المهارات الأساسية للتدريس وتنمية الاتجاهات الإيجابية نحو المهنة. 8- إعداد نماذج من الدروس الجيدة وتسجيلها تليفزيونيا لاستخدامها في معامل طرق التدريس أو التدريس المصغر. 9- التركيز على الموضوعية والتنوع والشمول في تقويم الفرد تحت التدريب. وقصارى القول أن مؤسسات إعداد المعلم لا تعمل على إيجاد التوازن بين محتويات برامج ومناهج الإعداد من جهة ومواقف الحياة العملية من جهة أخرى، كما قد تزيد برامج الإعداد في الدراسات النظرية ذات الطابع غير الوظيفي على حساب الجانب التطبيقي مما يحدث فجوة بين ما تعلمه المعلم خلال إعداده وما يواجهه في حياته العملية. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 133 أولا: الإعداد الروحي والخلقي لمعلم التربية الإسلامية 1- التربية الروحية والخلقية لمعلم التربية الإسلامية: تقوم التربية في الإسلام على عقد الصلة بين الإنسان وخالقه، وهذه الصلة تمثل الجانب الروحي في الإنسان، وهي التي تسمو به إلى كريم السجايا وغر الخلال ونبالة الطبع وحميد الأخلاق، وتعتبر التربية الروحية الحلقة الأساسية في سلسلة التربية الإسلامية التي تبدأ بمعرفة الله عز وجل وصولا إلى طاعته وتقواه. فالتربية الروحية تعني "زيادة الإيمان بالله سبحانه وتعالى والتقرب إليه ومحبته وخشيته والتعرف عليه بآلائه وفضله، والطمع في رحمته والخوف من عقابه والإيمان بكتبه ورسله وباليوم الآخر وبالقدر خيره وشره"1. والخلق الحسن منبعه العقيدة الصافية، وما الأخلاق إلا الجانب التطبيقي للعقيدة الإسلامية، ولا تقل أهمية الأخلاق الفاضلة في حياة الإنسان عن أهمية العقيدة الإسلامية الصافية. والالتزام بالأخلاق الفاضلة هو السبيل إلى تحقيق العبودية لله سبحانه وتعالى وهي غاية الوجود الإنساني. وقد جاءت أحكام الشريعة الإسلامية داعية إلى الأخلاق الحميدة التي أساسها المحبة، فالعبادات جميعا ما هي إلا رياضة لترويض النفس على الخلق الحسن. وغاية الخلق القويم الصلة بالذات الإلهية العليا وبناء حياة الفرد والمجتمع والحضارة الإنسانية الراقية. وفي المفهوم الإسلامي لا قيمة لأي عمل مهما عظم إن لم يتحقق فيه شرطان هما: الإخلاص والمتابعة وهما من سمات الخلق الحسن. وتكمن أهمية التربية الخلقية في الإسلام في سعيها إلى تكوين خير فرد وخير مجتمع وخير حضارة.   1 محمد جميل بن علي خياط: الإعداد الروحي والخلقي للمعلم، جامعة أم القرى، المملكة العربية السعودية: 1994, ص60. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 134 قال جل شأنه: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} . وليس بخاف عنا ضرورة الاهتمام بالتربية الروحية لمعلمي المستقبل حتى يدركوا مسئولياتهم ويحبوا مهنتم ويقبلوا عليها بإخلاص وتتولد لديهم دوافع جديدة نابعة من دينهم الإسلامي الحنيف كالدعوة إلى الله والجهاد في سبيله وإعلاء كلمته. والتربية الروحية لمعلمي المستقبل تتصدى للمذاهب والأفكار الهدامة والبدع والصراعات المذهبية والطائفية التي تسود بين الطلاب، فهي تنمي في نفس المعلم مجموعة من المبادئ السامية والقيم الرفيعة كالعدل والإيثار على النفس والصبر والعطف على الضعيف والتواضع لله وبذل المال والنفس في سبيله. والإيمان أساس الأخلاق الحميدة التي هي أساس العلم الصحيح، الذي هو أساس العمل الصالح. وتلتقي أركان الإسلام الخمسة عند الغاية التي بعث بها الرسول حيث قال: "إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق". وتؤثر العقيدة القوية في نفس صاحبها فتدفعه إلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. ولا شك أن الروح قوة عظيمة في الإنسان يستدل بها على خالفه عز وجل وبها يميل إلى التمسك بالقيم والمبادئ الإسلامية، "والطاقة الروحية في الإنسان هي أكبر طاقة، وأعظمها وأشدها اتصالا بحقائق الوجود، فطاقة الجسم محدودة بكيانها المادي وما تدركه الحواس، وطاقة العقل أكثر طلاقة، ولكنها محدودة بما يعقل، محدودة بالزمان والمكان، بالبدء والنهاية ومحكوما بالفناء. وطاقة الروح وحدها هي التي لا تعرف الحدود والقيود. لا تعرف الزمان والمكان"1. وتحكم أخلاق الإنسان عليه بصلاحه أو فساده، قال سبحانه وتعالى: {فَأَمَّا مَنْ طَغَى، وَآَثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا، فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى، وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى، فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى} 2.   1 محمد قطب: منهج التربية الإسلامية. مرجع سابق، ص47. 2 النازعات: 37-41. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 135 وتعنى التربية الإسلامية بغرس الأخلاق الحميدة في الإنسان، وهي تضع مبادئ وقواعد مستنبطة أساسا من القرآن الكريم والسنة الشريفة لتنظيم السلوك الإنساني على نحو يحقق الغاية من وجود الإنسان. والأخلاق في التربية الإسلامية ذات طابعين: طابع إلهي وطابع إنساني، ويقصد بالطابع الإلهي أنها من عند الله ويراد بها وجه الله. فينبغي أن يلتزم الإنسان بما جاء من عند الله ويطبقه في حياته إذا أراد الصلاح في الدنيا والفلاح والنجاة في الآخرة. والتربية الإسلامية ذات طابع إنساني؛ إذ إنها تضع القواعد العامة لهذا النظام الأخلاقي وتترك للإنسان الحرية في تحديد أسلوب وطريقة التطبيق بحسب الظروف ومتطلبات الحياة. ومن هنا يتضح لنا أن الأخلاق في الإسلام "تعني التمسك بالخير والبعد عن الشر والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والالتزام بكل ما هو فضيلة والابتعاد عن كل ما هو رذيلة لتحقيق الهدف الأسمى وهو عبادة الله سبحانه وتعالى"1. إن صاحب الخلق الحسن هو الذي يبذل ماله وجهده ووقته ونصيحته ومحبته لأخيه المسلم ابتغاء وجه الله لا يريد بذلك جزاء ولا شكرا؛ امتثالا لقوله -صلى الله عليه وسلم: "لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه" 2. وصاحب الخلق الرفيع هو الذي يكف عن أخيه جميع أنواع الأذى فلا يغتابه في غيبته ولا يؤذيه في حضرته، مقتديا بقول الرسول -صلى الله عليه وسلم: "المسلم من سلم الناس من لسانه ويده". وهو الذي يلقى أخاه بوجه باسم مستبشر مغتبطا برؤيته، متأسيا بقول الرسول الكريم: "تبسمك في وجه أخيك صدقة". فالأخلاق ليست نظريات ومثل عليا فحسب، بل فيها جانب التطبيق أيضًا، فالرسول عليه أفضل الصلاة والسلام حث أمته على مراعاة الخلق الحسن في كل عمل فقال: "ما من شيء أثقل في الميزان من حسن الخلق" 3.   1 محمد قطب، المرجع السابق: ص76. 2 البخاري: كتاب الإيمان، ج1، ص57. 3 صحيح البخاري: كتاب الأدب للفرد، ص81. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 136 2- أثر التربية الروحية والخلقية في العملية التعليمية: 1- في طريقة التدريس: إن قيمة الإنسان الحقيقية تتجلى في إيمانه وأخلاقه وسلوكه لا في مظهره أو ماله أو جاهه كما ورد في الحديث الشريف: "إن الله لا ينظر إلى صوركم ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم". ولكي ينال الإنسان رضا الله ويحقق النجاح عليه أن يتمسك بالأخلاق الفاضلة ويتحلى بالإيمان الصحيح. ويصبح الإيمان الصحيح والأخلاق الحميدة ضرورة لكل من يتقلد مسئولية التعليم والتربية حيث يناط به تربية وتعليم الأجيال. تعتبر طرق التدريس أحد مكونات المنهج مما يستوجب العناية بها وتطويرها بما يحقق الأهداف التعليمية. والإسلام أحرز قصب السبق على غيره في هذا المجال. فالقرآن الكريم غني بأساليب التعليم المختلفة كالترغيب والترهيب وضرب الأمثال والقصص القرآني، كما أن السنة الشريفة مرجع للمعلمين. يستمدون منها مختلف الطرق والأساليب في التعليم. وكان الرسول عليه السلام يتدرج مع أصحابه في التعليم مع مراعاة اختلاف المستويات العلمية والفروق الفردية واختيار الوقت المناسب والموقف المناسب، كذلك عدم الإكثار عليهم حتى لا يملوا. وقد جاء في الحديث الشريف: "من حدث قوما بحديث لم تبلغه عقولهم فقد فتنهم" 1، وروي عنه -صلى الله عليه وسلم: "نحن معشر الأنبياء أمرنا أن ننزل الناس منازلهم ونخاطبهم على قدر عقولهم". ومن هنا يتضح أن أسلوب المعاملة والألفاظ التي يستخدمها المعلم تؤثر تأثيرًا كبيرا في تعليم الأفراد. ولقد أهتم المربون الأوائل بالمعلم وأسلوبه وأثره في التعليم، وكتبوا كثيرا عن الصفات التي يجب أن يتحلى بها المعلم والمتعلم. وكتب ابن جماعة2 كثيرا عن أثر الأخلاق في طريقة التعليم "فحث المعلم على استخدام الترغيب كأسلوب من أساليب التدريب   1 الزبيدي: إتحاف المتقين، ج2، ص67. 2 هو أبو عبد الله محمد بن إبراهيم بن سعد الله بن جماعة "639-733هـ"، أورد الكثير من الآراء التربوية في كتابة تذكرة السامع والمتكلم في أدب العالم والمتعلم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 137 الجيد فيرغب طلابه في طلب العلم في جميع الأوقات ويذكرهم بفضل العلم وما أعده الله سبحانه وتعالى من مكانة للمتعلمين وأنهم ورثه الأنبياء"1. ومن الآراء الصائبه لابن جماعة مطالبته المعلم بما يلي: "أن يراقب أحوال الطلبة في آدابهم وهديهم وأخلاقهم باطنا وظاهرا فمن صدر منه من ذلك ما لا يليق من ارتكاب محرم أو مكروه أو مما يؤدي إلى فساد حال أو ترك أشغال أو إساءة أدب في حق الشيخ أو كثرة الكلام بغير توجيه أو فائدة أو حرص على كثرة الكلام أو معاشرة من لا تليق عشرته أو غير ذلك ... يحرض الشيخ بالنهي عن ذلك بحضور من صدر منه غير معرض به ولا مهين له. فإن لم ينته نهاه سرا ويكتفي بالإشارة مع من يكتفي بها فإن لم ينته نهاه عن ذلك جهرا ويغلظ القول عليه إن اقتضاه الحال ليزجر هو وغيره فإن لم ينته فلا بأس حينئذ بطرده والإعراض عنه إلى أن يرجع"2. 2- في العلاقة بين المعلم والمتعلمين: لا شك أن للتربية الروحية والخلقية تأثيرا كبيرا على علاقة المعلم بالمتعلم من حيث قوة وعمق هذه العلاقة مما يساعد على التفاعل الإيجابي بين المعلم والمتعلم، وهذا ينعكس بقوة على العملية التعليمية ويسهم إسهاما بناء في إنجاحها. إن أفضل نموذج للعلاقة الحسنة بين المعلم والمتعلم والأثر الحميد الناتج عنها هو: قدوة المعلم محمد -صلى الله عليه وسلم- وما تركه من أثر عظيم في الصحابة التقاة فكان منهم العلماء والأجلاء والمجاهدون الأشاوس والمنفقون الأسخياء. جيل لم يشهد العالم مثله فاستحق أن يصفه الله بقوله: {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ} 3 وذلك لأن الرسول -صلى الله عليه وسلم- المعلم الأول قد أعده ورباه الله عز وجل، الذي بين لنا منهج هذا الإعداد   1 محمد جميل خياط، المرجع السابق ص87. 2 نقلا عن محمد جميل خياط. نفس المرجع، ص88. 3 الأحزاب: 23. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 138 في القرآن الكريم وسنة رسوله الكريم. فإذا التزم المربون بالمنهج الإسلامي المستمد من القرآن والسنة في إعداد المعلمين روحيا وخلقيا نشأت علاقة طيبة بينهم وبين طلابهم، أساسها المحبة المتبادلة والاحترام والنصح. فليس المعلم في مفهوم التربية الإسلامية ناقلا للمعرفة فحسب بل هو أب ومرشد ومعلم وقدوة. ومن ثم فإن العلاقة بين المعلم والمتعلم لا تنحصر في إطار المادة العلمية الضيق، إنما تتجاوزه إلى إطار العلاقة الاجتماعية والتعاون في جميع مجالات الحياة بالإضافة إلى العلاقة العلمية. إن المعلم الذي تم إعداده روحيا وخلقيا يعد ويدرب طلابه لمواجهة متطلبات ومشكلات الحياة الدنيا كما يعدهم ويدربهم للحياة الآخرة أيضا. إن هذا المعلم يبارك الله في تعليمه ويستفيد منه طلابه علما وأدبا وتطبيقا كما يحملون له الاحترام والتبجيل والتقدير وأسمى آيات المحبة. إن التربية الروحية والخلقية تدفع كلا من المعلم والطالب إلى مراعاة حقوق الآخر طبقا لما جاء في القرآن الكريم والسنة الشريفة. 3- وسائل وأساليب الإعداد الروحي لمعلم المستقبل: يرى محمد قطب أن خير وسيلة للتربية الروحية هي عقد الصلة الدائمة بين العبد وربه، وقد أجمل وسائل تنمية تلك الصلة في ثلاث نقاط: "بيان قدرة الله المبدعة في هذا الكون، بيان رقابة الله واطلاعه الدائم على الإنسان وإثارة التقوى والخشية الدائمة لله ومراقبته في كل عمل وفكرة وشعور"1. ويمكن تحقيق التربية الروحية من خلال مجالين هما: مجال العقيدة ومجال العبادة. 1- مجال العقيدة: يجب تدريب الدراسين على العبودية المطلقة لله عز وجل مما يؤدي إلى زيادة الإيمان به سبحانه وتعالى. وخير وسيلة لذلك هي الربط بين المعالم الكونية وخالقها من خلال المناهج التربوية. وهذا غائب في مناهجنا   1 محمد قطب، منهج التربية الإسلامية: ج1. ص42-44. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 139 التعليمية في الوقت الحاضر، لذا يتطلب الأمر أن تهتم المناهج التعليمية في مؤسسات إعداد المعلمين بالتركيز على بيان قدرة الله على كل شيء وإحاطته بكل شيء علما. وذلك باتباع الوسائل التالية: 1- إثارة حساسية العقل للتفكير في آيات الله في الكون ليشعر بعظمة الله وليتيقن من قدرته المطلقة {قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا تُغْنِي الْآَيَاتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ} 1. 2- إثارة حساسية القلب ليشعر برقابة الله الدائمة في السر والعلن {يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ} 2. 3- إثارة القلب لتقوى الله وخشيته {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ، الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} 3 كذلك إثارة القلب للخوف من عذاب الله: {وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ} 4. 4- التذكير بالموت والبعث والحساب: قال تعالى: {أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ} 5 ثم إثارة الطمأنينة في النفوس وحثها على العودة إلى الله غافر الذنوب: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} 6. 5- بيان مأثر القرآن العظيم والحث على مداومة تلاوته. يقول عز وجل: {الَّذِينَ آَتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلَاوَتِهِ أُولَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ} 7.   1 يونس: 101. 2 غافر: 19. 3 آل عمران: 133-134. 4 البقرة: 281. 5 المؤمنون: 115. 6 الزمر: 53. 7 البقرة: 121. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 140 2- مجال العبادة: العبادة هي الجانب التطبيقي من العقيدة والعبادة، كما عرفها ابن تيمية اسم جامع لما يحبه الله ويرضاه من الأفعال والأقوال الباطنة والظاهرة. وكل عمل يقوم به الإنسان ابتغاء وجه الله عبادة. وينبغي ترسيخ المفهوم العام الواسع للعبادة في عقول الدارسين، وحثهم على ممارسة تلك العبادة في حياتهم اليومية ومحاسبة كل من يقصر أو يشذ عنها. كما يجب التركيز على العبادات في منهج التربية الإسلامية وتشجيع الطلاب على ممارستها وحضهم على التمسك بها في حياتهم اليومية حتى تعمر نفوسهم بالحب والخير وبالرحمة والشفقة على سائر المخلوقات. وهذه النتائج العملية للعبادة إحدى الثمار التي يجنيها الإنسان في حياته الدنيا. ويجدر بالمعلمين أن يستغلوا تلك النتائج لغرس الخصال الطيبة والأخلاق الحميدة في نفوس الطلاب. 3- الالتزام بالمبادئ والقيم الإسلامية: إن الإعتزاز بالمبادئ والقيم الإسلامية من مظاهر قوة العقيدة. فالمبادئ والقيم الإسلامية من عند الله جل شأنه، وهي بذلك تسمو على المبادئ والقيم التي وضعها البشر، والمعلمون مسئولون عن حث وتعويد الدارسين على الالتزام بتطبيق تلك المبادئ والقيم في مجرى حياتهم حتى تسمو أرواحهم وتصفو قلوبهم. 4- التأكيد على علم الله الشامل: إن التأكيد على علم الله الشامل وإحاطته بكل شيء والتسليم بأن فوق كل ذي علم عليم من الوسائل المهمة في تقوية العقيدة. فينبغي على المسلم ألا يغتر بتدفق المعلومات وغزارتها وتفجر المعرفة وازديادها المستمر في هذا العصر، كما ينبغي ألا تأسر فكره وتملك قلبه وتخلب بصره فينبهر بها انبهارا يجعله يسلم بها كحقائق دون نظر وتدبر وإعمال فكر. وينبغي على المسلم أن يؤمن بأن كل تلك المعلومات والمعارف لا تساوي قطرة في محيط علم الله سبحانه وتعالى1.   1 محمد جميل خياط: مرجع سابق، ص104-106. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 141 4- وسائل وأساليب الإعداد الخلقي لمعلم المستقبل: الأخلاق هي الضوابط والقوانين التي تحكم السلوك ونوع العلاقة بين الإنسان وغيره. لذلك أصبح الاهتمام بالتربية الخلقية ضرورة في كل مراحل التربية والتعليم وبخاصة في مرحلة إعداد المعلم، حيث إنها قوام المسلم فمتى حسنت الأخلاق حسنت الأعمال. وحسن الخلق وسيلة فعالة من وسائل الترغيب في تربية النشء وإعداد المعلم الصالح. ومن واجب المعلمين والمربين العمل على السمو والارتقاء بأخلاق الطلاب وتنميتها وصقلها، فهم مطالبون بتبصير الدراسين بأهمية الأخلاق الحميدة وفوائدها الكثيرة التي تعود على الإنسان بالنفع والخير العميم، كذلك تبيان مضار الأخلاق الذميمة والصفات المرذولة وما تجرة من مصائب وويلات في الدنيا والآخرة. وبذلك ينشأ الاستعداد لدى الطلاب للالتزام بالأخلاق الفاضلة والسجايا الحميدة ومن واجب المربين أيضا تنمية قوة الإرادة في الدارسين ليتغلبوا على أهوائهم وشهواتهم وليتبعوا الخلق الكريم في شتى المواقف1. سبق أن ذكرنا أن القدوة أسلوب تربوي يجب الاهتمام به من أجل التحلي بالأخلاق الفاضلة وتنميتها وصقلها. كما أن طبيعة النشأة تؤثر في الإعداد الخلقي للدارسين، فإذا كانت النشأة تتفق وشرعية الإسلام فلن تكون هناك صعوبة في التأكيد على الأخلاق الحميدة وتدريب الدارسين للالتزام بها وتطبيقها في شتى مجالات وظروف الحياة. ولا شك أن هذه النشأة الإسلامية تساعد المربين على تنميتها وصقلها، على خلاف النشأة غير السليمة التي تشكل عقبة أمام المربين الذي يسعون إلى غرس الأخلاق الفاضلة في الدارسين. ومن هنا تبرز أهمية الاختيار السليم للدارسين قبل التحاقهم بالكليات والمعاهد المتخصصة في إعدادهم، وقبل كل ذلك لا بد من التزام أعضاء هيئة التدريس بالمؤسسات   1 يوسف مصطفى القاضي، ومقداد بالجن: علم النفس التربوي في الإسلام، الرياض: دار المريخ، 1981، ص373-375. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 142 التعليمية بالأخلاق الفاضلة وتطبيقهم لها في حياتهم العامة والخاصة حتى يكونوا قدوة حسنة للدارسين. ويمكن استخدام أساليب ووسائل التربية الإسلامية لتنمية وصقل الأخلاق الفاضلة في نفوس الدارسين. كما تنشأ ضرورة تزويد الدارسين بزاد الثقافة الإسلامية العامة والخلقية لتوحيد مفاهيم هؤلاء الدراسين مما يؤدي إلى تميز وتفرد الشخصية الإسلامية عن غيرها من الشخصيات. وتقتضي الضرورة دعم طرائف التدريس بالأساليب القرآنية والنظريات التربوية المختلفة التي تدعو إلى اتباع الأخلاق الفاضلة حتى تسهم في تكوين الوجدان الديني المطلوب. ويتأتى ذلك بتعويد الدارسين على النظر إلى الأشياء نظرة إسلامية يحكمها الإيقاع الإسلامي. كما ينبغي تحديد الدور الاجتماعي للتربية الخلقية، وذلك من خلال ترسيخ الأصول السليمة في إعداد الدارس المسلم وغرس الاتجاهات الحميدة والمبادئ الأخلاقية في الحقل التعليمي. والتربية الأخلاقية ليست بمنأى عن التربية الروحية أو التربية العملية، فكلها عناصر مترابطة متفاعلة بمعنى أن درس الدين هو درس أخلاق وأن درس الطبيعة درس أخلاق. وحتى تؤتي التربية الأخلاقية ثمارها النافعة ينبغي على المعلم أن يبدأ بإصلاح نفسه أولا وأن يكون ذا خلق كريم، وأن يوجه الدارسين دائمًا إلى الأخلاق الفاضلة، وأن يبين للدارسين أن أهم ما تعانيه الإنسانية في هذا العصر هو أزمة الأخلاق، وأن إصلاح وتهذيب الأخلاق وتنميتها هو السبيل إلى الاستقرار والبناء والتقدم، ومن هنا يتضح أن التربية الأخلاقية أهم مهمة يضطلع بها المربي في العصر الحاضر. إن المربين مطالبون بالتحذير من أمراض العصر الأخلاقية ومحاربتها، بالإضافة إلى ثغرات الحرية الزائفة التي تهتم بالتكالب على اللذات والتي تستثير دافع حب الذات والأنانية المفرطة. إن طهارة القلوب والاستقامة واتباع القيم الفاضلة ومكارم الأخلاق هي سبيلنا إلى الإصلاح الخلقي. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 143 وخليق بالمربي أن يستخدم أساليب ووسائل التربية الإسلامية الأكثر مناسبة وتأثيرا في نفس المتربي. ويمكن استخدام هذه الأساليب والوسائل بطريقتين هما: الطريقة المباشرة وطريقة الإيحاء. ويمكن تنفيذ الطريقة المباشرة عن طريق الوعظ والإرشاد وذكر الفوائد والأضرار، وينعكس ذلك على نفوس الدارسين فيسهل توجيههم إلى فعل الخير وتجنب الشر. أما الإيحاء فيمكن بواسطته غرس الكثير من الأخلاق الحميدة في نفوس الدارسين. ومجال العبادات هو أفضل المجالات لتنمية وصقل الأخلاق الفاضلة في نفوس الدارسين، ويمكن تحقيق ذلك باتباع الخطوات العملية التالية: 1- تدريس مادة علمية تحت عنوان "نماذج مشرقة من حياة السلف الصالح" تتضمن مناقبهم وخصالهم الحميدة وسعيهم الدائب إلى إصلاح النفوس، كما يتم التركيز فيها على أخلاق صحابة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في تعاملهم مع الناس. 2- تدريس مادة علمية تحت عنوان "صفات المؤمنين في القرآن والسنة وكيف نطبقها في الحياة" ويمكن استنباط هذه المادة من الأخلاق الإسلامية الواردة في القرآن الكريم والسنة الشريفة. وينبغي أن يركز المعلمون على تدريب وتعويد الدارسين على التمسك بهذه الصفات والمبادئ التي يتحلى بها أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم. 3- التزام أعضاء هيئة التدريس في مؤسسات إعداد المعلمين بالتعاليم الإسلامية فيما يختص بالمظهر العام، وفي المأكل والمشرب، والتمسك بالآداب الإسلامية بصفة عامة في تعاملهم مع الآخرين. 4- الاهتمام بتنظيم النشاطات المختلفة التي تهدف إلى تعزيز وتنمية المبادئ والقيم الإسلامية، ونبذ العادات والتقاليد والأخلاق التي تتنافى مع الشريعة الإسلامية. 5- نشر الوعي التربوي الإسلامي للناس بصفة عامة وللمعلمين بصفة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 144 خاصة عن طريق التعاون بين المؤسسات التربوية والمؤسسات الإعلامية. 6- استخدام الاتجاهات الحديثة في إعداد المعلم وبخاصة ما يرتبط بطرائق التدريس، ومنها على سبيل المثال ما يعرف بطريقة التدريس المصغر. وتهدف هذه الطريقة إلى تنظيم المهارات واكتسابها في أسرع وقت ممكن؛ لأنها تكسب المتعلم المهارات بالتدريج بحيث يقتصر كل موقف تعليمي على اكتساب مهارة واحدة لتكون موضع التدريب والإعداد. وقد طبق الرسول عليه السلام هذه الطريقة كما ثبت أن الصحابة -رضي الله عنهم- كانوا يتبعون هذه الطريقة في دراسة القرآن الكريم، فقد ورد ما معناه "ما كان الواحد منا يتجاوز عشر آيات من القرآن حتى يحفظها ويفهم معناها ويعمل بها فحصلنا على العلم والعمل معا". ومن الأقوال المأثورة في هذا المجال "ومن أراد أخذ العلوم دفعة واحدة ذهبت عنه دفعة واحدة"1. ولتعميم الفائدة يمكن تطبيق هذه الطريقة في دراسة جميع المواد التعليمية عن طريق الربط بين الآيات القرآنية والآيات الكونية لمعرفة عظمة الله عز وجل وقدرته. 7- التركيز على إلزام الدارسين بمزاولة العبادات المفروضة وتدريبهم على الإتيان بالنوافل المندوبة بشروطها وخشوعها لتقوية الصلة بين المخلوق والخالق وتذوق حلاوة الإيمان. وصفوة القول أن نجاح إعداد المعلمين يتوقف على اختيارهم في ضوء مجموعة من الصفات الشخصية، وعلى تفهمهم واستيعابهم للمهام التي يمارسونها وفق برنامج متوازن يؤدي إلى اكتسابهم الخبرات من الأداء الفعال في العملية التربوية.   1 محمد جميل خياط. مرجع سابق، ص112، 113. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 145 ثانيًا: الإعداد الثقافي والأكاديمي والتربوي لمعلم التربية الإسلامية بعد إعداد المعلم روحيا وخلقيا يوجه الاهتمام إلى إعداده ثقافيًّا وأكاديميًّا وتربويًّا يتضمن الإعداد الثقافي تزويد المعلم بمعرفة شاملة وعامة في الجوانب الأساسية للنشاطات البشرية وبالمعلومات الضرورية التي يحتاج إليها في ميادين المعرفة المختلفة. وتسهم الثقافة العريضة للمعلم في فهم جوانب التقدم الإنساني المختلفة ومعرفة العلاقة بين مادة تخصه والمواد الأخرى، فضلا عن الإسهام في تكوين علائق اجتماعية طيبة بين المثقفين والمهنيين. ولا شك أن الثقافة العامة ضرورية للمعلم لكونه مربيا في عصر ظهرت فيه أهمية وحدة المعرفة. كما أن ثقافة المعلم المتميزة تكسبه ثقة تلاميذه وتساعده على التأثير فيهم بالإضافة إلى الإسهام في توسيع أفقه وإنضاج شخصيته. ويتضمن الإعداد الأكاديمي دراسة مجموعة المواد التي سيقوم المعلم بتدريسها لطلابه بالإضافة إلى ما يتلقاه المعلم من الدورات العلمية والعملية وما تسفر عنه المؤتمرات التربوية والبحوث. ويعني الإعداد التربوي تزويد المعلم بمهارات فنية وتعليمية وبأصول مهنة التدريس حتى يكون مؤهلًا لمزاولة هذه المهنة. يجب أن يقوم برنامج إعداد المعلم على أسس علمية وموضوعية قابلة للقياس والتقويم والتأكد من صلاحية المعلمين ومدى قدرتهم على ممارسة مهنة التعليم؛ لأن الدور الريادي الذي يقوم به المعلم هو دور أساسي في تحسين وتطوير القيم الأخلاقية والثقافية وإحراز التقدم الاجتماعي والاقتصادي، فالمعلم من خلال التربية يمكنه أن يستغل قدراته وطاقاته الذهنية في تحقيق هذه الأهداف. وهذا يتطلب أن يكون الغرض من برنامج إعداد المعلمين تطوير العلوم العامة والثقافة الشخصية لكل طالب وزيادة قدراته وإمكاناته التي تتيح له أن يعلم ويثقف الأخرين بكفاءة تامة بالإضافة إلى الوعي بالمبادئ التي تؤكد على العلائق الإنسانية واكتساب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 146 الشعور بالمسئولية تجاه الإسهام في التقدم الاجتماعي والثقافي والاقتصادي عن طريق التدريس وعن طريق القدرة. وحتى يتسنى تحقيق هذا الغرض يجب أن يتضمن برنامج إعداد المعلمين دراسة في الثقافة العامة، ودراسة المبادئ والعناصر الأساسية في علم النفس وعلم الاجتماع وعلاقتها بالتربية ونظريات التعليم والتربية المقارنة والتربية التجريبية وطرائق تدريس المواد المختلفة، ودراسات تتعلق بموضوعات مادة التربية الإسلامية، تعقبها تدريبات في طرائق التدريس وإدارة النشاطات اللامنهجية تحت إشراف وتعليم معلمين مؤهلين، ولكي يتم تنفيذ هذا البرنامج بكفاءة يجب أن تكون هيئات التدريس في مؤسسات إعداد المعلمين مؤهلة بدرجة كافية للتدريس في مجال تخصصها مع توفير وتأمين تسهيلات وسائل البحوث في هذه المؤسسات وقيام المدرسين والطلبة بأعمال البحوث والوقوف على نتائجها. إن أهمية الإعداد الأكاديمي تنبثق من واقع الاتساع الكبير في عالم المعرفة في الزمن المعاصر، الذي يتميز بالتخصص الدقيق، وهذا يتطلب أن يتعمق المعلم في مجال تخصصه واستيعاب كل جديد يظهر في هذا الميدان، وهذا شرط أساسي لنجاحه في القيام بدورة كخبير في المادة الدراسية. وتبرز أهمية الإعداد التربوي من واقع أن المعلم هو العنصر الذي لا غنى عنه في إنجاز العملية التعليمية. فلم تعد غاية التعليم مجرد توصيل المعلومات إلى عقول التلاميذ بل أصبحت -مع تطور الأفكار التربوية- إعداد الإنسان الصالح الذي يمكنه المشاركة بطريقة فعالة مثمرة في حياة مجتمعه. ومن هنا يظهر دور المعلم البارز في الحياة الاجتماعية والثقافية للمجتمع الذي يعيش فيه. فالإعداد التربوي للمعلم يكتسب أهمية كبيرة؛ لأنه يعد المعلم الفاهم لحقيقة العملية التربوية وأهدافها، والقادر على فهم طبيعة التلاميذ وطبيعة المجتمع الذي يعيشون فيه. وهذا يتطلب أن تقدم مؤسسات إعداد المعلمين مقررات تربوية ذات كفاءة وفاعلية تزود الجزء: 1 ¦ الصفحة: 147 الدارسين بالقدرات والمهارات اللازمة التي تساعدهم على أداء مهامهم التربوية وتنمية قدراتهم واتجاهاتهم والرفع من مستوى كفاءتهم وتزويدهم بالمعلومات والخبرات اللازمة لفهم الاتجاهات الحديثة للتربية وطرائق التدريس، وعمليات إعداد الدروس وإنتاج الوسائل التعليمية وكيفية الاستخدام الأمثل لها. كما يجب أن تشمل تلك المقررات أساليب التنظيم والتخطيط المدرسي، ومشكلات التعليم وأساليب التقويم، وربط تلك المقررات بظروف وواقع البيئة الاجتماعية وبأهداف السياسة العامة للتعليم في أي بلد تتم فيه. ويجب أيضًا إعداد المعلومات لمواجهة مواقف التدريس، كذا الاهتمام بالتربية العملية والتطبيق الميداني لها لما لها من فائدة كبرى تؤدي إلى اكتسابه الخبرة والمهارة في حياته العملية والمهنية بحيث ترتبط أهداف الإعداد التربوي بالمعطيات النظرية والتطبيقية لعلوم التربية والنفس والاجتماع فتعمل جميعا على تنمية الجانب التربوي للمعلم. ويجب أن تكون هذه متسقة مع تنمية الجانب الثقافي والمعرفي لديه أيضًا. وإذا كانت التربية هي إعداد النفس والعقل الإنساني معا للتلقي في إطار الدين والخلق والرسالة القائمة، فإن الثقافة هي الثمرة الناضجة التي تمثل الشطر الثالث لبناء الأجيال1 ويقصد بالثقافة الإسلامية الجوانب الخلقية والوجدانية والاجتماعية والفكرية في الثقافة القائمة ذات الطابع الإسلامي. وهذا يعني أن الثقافة الإسلامية استمدت وجودها من منهج القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة. وواقع حياتنا اليوم ينبئ بأننا في أشد الحاجة إلى المحافظة على السمات والمقومات الجوهرية للثقافة الإسلامية مع القدرة على الحركة والأخذ والعطاء، فهذه الثقافة الإسلامية تستطيع أن تحقق إسهام البشرية جمعاء في بناء المجتمع الرشيد؛ لأنها تقوم على التكامل بين القوى المختلفة: الروح والمادة، والعقل والوجدان، الدنيا والآخرة، كما أنها تحقق   1 أنور الجندي، التربية وبناء الأجيال، مرجع سابق: ص219. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 148 التوازن والتوائم بين هذه القوى. وحتى يتسنى رفع مستوى إعداد المعلمين وضمان استمرارهم ونجاحهم وبعيدا عن الاجتهاد الشخصي فإن أي برنامج مستقبلي لإعداد المعلم يجب أن يقوم على أسس علمية وموضوعية قابلة للقياس والتقويم والتأكد من صلاحية المعلمين ومدى قدرتهم على ممارسة ومزاولة تلك المهنة. ولكي يتبوأ المعلم موقعه الأساسي في ميدان المهن الاجتماعية الرفيعة وجب عليه أن يتبع منهجية علمية تتفق وطبيعة مهنته باعتبارها مهنة شريفة وسامية. إن على مؤسسات إعداد المعلم وتدريبه أن تجري تحليلًا علميًّا دقيقًا لخصائص مهنة التعليم ومتطلباتها، وأن تحدد بدقة المعارف والمعلومات والمهارات والاتجاهات التي يمتلكها المعلم والتي يستطيع من خلالها القيام بالدور الذي تقتضيه مهنة التعليم، ولا ريب أنه إذا توافرت هذه الخصائص في منهجية إعداده فإن من المتوقع أن يكون متفاعلًا مع طلابه قادرا على تحديد الاحتياجات التربوية وتحديد المشكلات والصعوبات التي قد تعترض عمليات التعلم عندهم. وفضلًا عن ذلك تقع على عاتقة مسئولية تصميم البرامج والمشاركة في بناء المناهج والنشاطات التي تتفق ومستوياتهم وفق قدراتهم والفروق الفردية فيما بينهم. من الثابت أن المعلم له أثر كبير في تربية طلابه، فهو يشكل حياتهم في المستقبل ويجعل منهم لبنات في صرح مجتمع صالح فاضل، وكما ذكرنا آنفا فإن المعلم هو العمود الفقري الذي لا غنى عنه في إنجاز العملية التعليمية، لذا فإن المعلم الذي لم يسبق له الحصول على الإعداد التربوي لا يستطيع أن يوجه العملية التربوية توجيها صحيحًا، حيث إن ذلك يتطلب فهم غاية التعليم والعوامل المختلفة المؤثرة في مسيرته وهو أيضًا لا يستطيع تحريك فاعلية التلاميذ والأخذ بيدهم في طريق النمو إلا إذا فهم طبيعتهم وخصائص نموهم فهما واعيا، كما أنه لا يستطيع إعداد تلاميذ ليكونوا أعضاء نافعين في المجتمع إلا إذا درس حياة الجماعة ومشكلاتها الجزء: 1 ¦ الصفحة: 149 دراسة متعمقة، فالمعلم له دور فعال في الحياة الاجتماعية والثقافية للمجتمع الذي يعيش فيه. ويمكن أن تفتح أسس الإسلام في التربية والتعليم الطرق أمام كل أساس صحيح راسخ لبناء تربوي سليم يقوم على الإيمان بالخالق والعمل الصالح في سبيل خدمة الإنسان والبشرية بأسرها، والتواصي بالحق والسعي وراء الحقيقة وتحري المعرفة الصحيحة والمعلومات الدقيقة ونشرها بين الناس، ثم التواصي بالصبر الذي يشمل ضبط النفس والتغلب على الشهوات، فإن ضبط النفس أساس كل سلوك أخلاقي كريم. والحقل التعليمي في الوقت الحاضر في مسيس الحاجة إلى معلمين صادقين وهداة مخلصين يستمد منهم الطالب عزم الإيمان والنشاط والدافع القوي للعمل المثمر الفعال. ما أحوج تعليمنا اليوم إلى معلمين تربويين أكفاء يزودون الطلاب بالمعرفة الصحيحة ويمدون يد العون لهم، ويدعون إلى الهدى، وينصرون الحق ويدحضون الباطل، فيصبح المعلم والمتعلم في مضمار العلم أخوة متحابين يسعون بدأب إلى تحقيق الهدف المنشود والغاية المرجوة من التربية الإسلامية. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 150 ثالثًا: الكفايات التي يحتاج إليها معلم التربية الإسلامية 1- كفايات تتعلق بالجانب النفسي: 1- الإلمام بطبيعة وخصائص المرحلة التي يدرسها "إبتدائية، إعدادية، ثانوي". 2- الإلمام بخصائص النمو لتلاميذ المرحلة التي يدرسها. 3- الإلمام بنظريات التعليم والتعلم الخاصة بهذه المرحلة. 4- معرفة وفهم حاجات ومشكلات التلاميذ. 5- تقدير وفهم ميول واتجاهات التلاميذ. 2- كفايات تتعلق بالجانب المعرفي: 1- فهم منهج التربية الإسلامية ومعرفة أهدافه في المرحلة المنوط بها الجزء: 1 ¦ الصفحة: 150 2- التمكن العميق من المعلومات والحقائق والمفاهيم الخاصة بالتربية الإسلامية في مرحلة التدريس. 3- الاستيعاب والتطبيق الجيد لإجراءات وأساليب وطرائق تدريس التربية الإسلامية. 4- الفهم الكامل لأهداف كل فرع من فروع التربية الإسلامية على حدة ومعرفة تحقيق الأهداف التعليمية في ضوء ذلك. 3- كفايات خاصة بتخطيط الدروس وإعدادها: 1- الإلمام بواجبات ومطالب التدريس الخاصة بالتربية الإسلامية في المرحلة التي يدرسها. 2- الإلمام التام بأساليب وإجراءات التقويم. 3- الإلمام بكيفية تخطيط وإعداد وتنظيم الدروس وفقا لطبيعة كل فرع من أفرع التربية الإسلامية. 4- الإلمام بالنشاطات التعليمية المصاحبة للمنهج. 5- الإلمام بكيفية اختيار الوسائل التعليمية الفعالة وعملها وإعدادها. 6- الإلمام بكيفية استخدام الكتب المدرسية المختصة. 7- الإلمام بكيفية الإفادة من البيئة المحلية واستخدام الأحداث الجارية في التدريس. 8- الإلمام بكيفية ربط الدروس الجديدة بالدروس السابقة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 151 رابعًا: أبرز المهارات التي يحتاج إليها معلم التربية الإسلامية: ذكر إبراهيم عطا1 أهم المهارات التي يحتاج إليها معلم التربية الإسلامية لإتقان عمله وأداء واجبه بكفاءة كما يلي: 1- القدرة على القراءة الصحيحة وتمثل الآيات القرآنية والأحاديث النبوية أثناء القراءة: 2- القدرة على إخراج الحروف من مخارجها الأصلية. 3- القدرة على الفهم الكامل للمعنى الإجمالي للآيات القرآنية والأحاديث النبوية. 4- القدرة على بيان علاقة المفردات، الجمل بعضها البعض. 5- القدرة على ربط الآية بسبب نزولها. 6- القدرة على توجيه الأحكام في الآيات: العقدية والشرعية، والاجتماعية، والقيمية، بالإضافة إلى الحديث النبوي. 7- القدرة على بيان سر المفردات، والجمل ومعانيها. 8- القدرة على التوفيق بين الآيات التي يتوهم أن بينها تعارضا. 9- القدرة على التوفيق بين الأحاديث التي يتوهم أن بينها تعارضا. 10- القدرة على التوفيق بين الآيات القرآنية والأحاديث النبوية التي يبدو أن بينها تعارضا. 11- القدرة على إدراك العلاقة بين آيتين أو حديثين، أو آية وحديث بينهما اتصال في المعنى. 12- القدرة على التمييز بين الأحكام الشرعية، والمعايير الخلقية وغيرها. 13- القدرة على ربط العقيدة بالآيات القرآنية، والحديث النبوي. 14- القدرة على الاستعانة ببعض المظاهر الكونية لدعم القضية التي يعالجها. 15- القدرة على ربط المواقف الحياتية بالقضية الدينية التي يعالجها. 16- القدرة على ربط العبادات والمعاملات بالناحية العملية. 17- القدرة على إدراك المعنى القريب والمعنى البعيد للآية القرآنية.   1 طرق تدريس التربية الإسلامية، مرجع سابق، ص31-33. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 152 والحديث النبوي. 18- القدرة على بيان العلاقة بين الآية القرآنية والحديث النبوي، والعكس من حيث العموم والخصوص والإطلاق والتقييد والتفصيل والإجمال ... إلخ. 19- القدرة على توجيه تدريس السيرة النبوية، وسير الأعلام من المسلمين إلى الهدف المطلوب. 20- القدرة على التعامل مع المسائل الفقهية وربطها بالواقع. 21- القدرة على التمييز بين القيمة الصحيحة التي تتفق مع الإسلام وبين غيرها. 22- القدرة على توصيل المعلومات بسرعة ودقة. 23- القدرة على توجيه الطلاب إلى المصادر التي يجدون فيها حلا لمشاكلهم الدينية. 24- القدرة على تقديم القضية مقرونة بالدليل. 25- القدرة على توليد المواقف بما يخدم تدريس التربية الدينية. ولاكتساب كل ما سبق من كفايات ومهارات لا بد من توافر دعائم تكوين الشخصية الناضجة في التربية الإسلامية وهي ثلاث كما يلي: 1- الضمير: ويقصد به الوازع الداخلي الذي يرشد الإنسان إلى الصواب ويوجهه إلى الصلاح والخير، ذلك أن القلب هو الدعامة الأولى وقد عبر التنزيل العزيز بالقلب عن الضمير، فقال عز وجل: {يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ، إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} 1 "إن القلب السليم هو عنوان القوة الروحية والطاقة الكافية التي يمد بها الله تعالى الإنسان، وهو القوة المعنوية التي تساعد على مواجهة الصعاب والشدائد والمحن التي يتعرض لها الإنسان في الحياة.   1 الشعراء: 88، 89. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 153 2- العقل: ويعتبر العقل الركيزة الثانية الناجحة في مفهوم التربية الإسلامية، ويدعو الإسلام إلى تنمية العقل وصقله عن طريق الثقافة المتنوعة الواسعة والعميقة، وهناك الكثير من الآيات القرآنية التي تحث عقل الإنسان على التفكير والتدبر فيقول سبحانه وتعالى: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ} 1 وفي آية أخرى: {وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ} 2. 3- الإرادة: والإرادة هي القوة الموجهة والواقية من الانحراف والزلل إلى مهاوى الشر كالفساد والتخريب والعدوان وغيرها. وقد أشاد القرآن بالعزم الصادق في قوله جل شأنه: {فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ} 3. ولذلك يجب أن تركز البرامج التربوية على الدعائم الثلاث المذكورة آنفا لتكوين الأفراد الصالحين والمجتمع الفاضل الذي تتحقق فيه العدالة بين الناس.   1 الرعد: 4. 2 العنكبوت: 43. 3 الأحقاف: 35. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 154 خامسا: بعض كفاءات التدريس اللازمة لمعلم التربية الإسلامية 1- مادة القرآن الكريم وما تتطلبه من كفاءات: هناك مجموعة من الكفاءات التي يحتاج إليها معلم التربية الإسلامية لكي يمارس عمله بإتقان وكفاءة في مجال تدريس مادة القرآن الكريم، أهمها ما يلي: 1- أن تتوافر عنده القدرة الكافية على تدريب الطلاب على الالتزام بآداب التلاوة. 2- أن يجيد تطبيق أحكام التجويد وأحكام التلاوة عند قراءته الآيات القرآنية. كما يجب أن يعرف الأسلوب الصحيح لتدريب الطلاب على الجزء: 1 ¦ الصفحة: 154 تطبيق أحكام التجويد والتقيد بعلامات الوقف أثناء التلاوة. 3- أن يكون قادرا على ضرب الأمثلة من الآيات القرآنية. 4- أن يكثر من استخدام المسجد المدرسي والمكتبة المدرسية لتدريس القرآن الكريم. 5- أن يكون عنده القدرة المتميزة على إتقان شرح ومناقشة معاني الآيات المتعلقة بموضوع الدرس بالمشاركة الفعالة من الطلاب. 6- أن يكون قادرا على تدريب الطلاب على استنتاج الأحكام الشرعية والآدب والقيم والمبادئ الإسلامية من الآيات القرآنية ومناقشتها. 7- أن يعنى بإبراز المواقف التربوية المختلفة من خلال القصص القرآني. 8- أن يركز على تدريب الطلاب على ربط درس القرآن الكريم بواقع حياتهم وما يتصل به من موضوعات فروع التربية الإسلامية. 9- أن يستخدم الوسائل التعليمية استخداما صحيحا وبخاصة التسجيلات الصوتية لكبار المقرئين، ومعامل اللغة والرسوم التوضيحية واللوحات المختلفة. 2- مادة العقيدة "التوحيد" وما تتطلبه من كفاءات: 1- أن تكون عنده القدرة على التقديم الجيد لموضوع الدرس بما يتيسر من القرآن الكريم أو الحديث الشريف المتصل اتصالا وثيقا بموضوع الدرس. 2- أن يستخدم بكفاءة الأفلام التعليمية التي تتناول بعض الظواهر الكونية المرتبطة بالموقف التعليمي لبيان قدرة الله سبحانه وتعالى. 3- أن يكون قادرا على توجيه الطلاب إلى تأمل وتدبر الآيات الكونية ومظاهر الخلق المختلفة التي تدل على قدرة الله عز وجل كالملاحظة والمشاهدة والتفكير. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 155 4- أن يتفنن في توظيف المواقف المختلفة في تقوية وتعميق العقيدة الإسلامية الصحيحة في نفوس الطلاب. 5- أن يهتم بتوعية الطلاب وتبصيرهم بخطورة البدع والخراقات على سلامة العقيدة، وأن يكون قادرا على إقناع الطلاب باستخدام طرائق ووسائل الدفاع عن العقيدة ومواجهة حملات التشكيك والفتنة. 6- أن يكون قادرا على تبصير الطلاب بالمكانة السامية لرسالة الإسلام كخاتمة لجميع الرسالات السماوية. 7- أن يمتاز بالقدرة على تحفيز وإقناع الطلاب للإيمان باليوم الآخر وبالقضاء والقدر. 8- أن يكون قادرا على تدريب الطلاب على طرق الاستدلال الصحيحة وقواعد الحوار السليمة. 3- مادة الحديث والثقافة الإسلامية وما تتطلبه من كفاءات: 1- أن يمتاز بالقدرة على تدريب الطلاب على استخدام مراجع علم الحديث مثل كتب الصحاح والسنن والمسانيد، والتفرقة بين الحديث النبوي والحديث القدسي. 2- أن يكون قادرا على تدريب الطلاب على استخدام المعاجم المفهرسة لعلم الحديث. 3- أن تكون عنده القدرة على ربط مادة الحديث والثقافة الإسلامية بواقع حياة الطلاب. 4- أن يتميز بكفاءة تدريب الطلاب على استنباط الأحكام والآداب من خلال الأحاديث التي يدرسونها وإشراكهم في مناقشتها. 5- أن تكون عنده القدرة على تقسيم الحديث الذي يقوم بتدريسه إلى وحدات فكرية مناسبة. 6- أن يكون قادرا على تعريف الطلاب بالعلاقة الوثيقة بين الحديث الجزء: 1 ¦ الصفحة: 156 الشريف والقرآن الكريم وباقي أفرع التربية الإسلامية الأخرى. 7- أن تكون عنده القدرة على إذكاء الرغبة في نفوس الطلاب كي يحفظوا ما يتيسر من الأحاديث النبوية. 8- أن يكون قادرًا على استخدام عناصر التشويق والجذب في تقديم العناصر المختلفة للثقافة الإسلامية. 9- أن يتمتع بميزة التمهيد الجيد لدرس الحديث بالأساليب المختلفة مثل أسلوب القصة. 10- أن يكون قادرا على إبراز المغزى الحقيقي من دراسة موضوعات الثقافة الإسلامية. 11- أن يتميز بالقدرة على استثارة وحث تفكير الطلاب للتعرف على الملامح الأساسية لحياة الرسول -صلى الله عليه وسلم- قبل البعثة، ثم التعرف على جهاد الرسول وصحابته والصعاب والشدائد التي واجهتهم في سبيل نشر الدعوة الإسلامية. 12- أن يكون قادرا على التقويم الذكي الواعي لجوانب القدوة في الشخصيات الإسلامية للاقتداء بها. 3- مادة الفقه وما تتطلبه من كفاءات: 1- القدرة على توضيح الفروق بين مصادر التشريع الإسلامي. 2- القدرة على استغلال المناسبات الدينية لبيان وتوضيح أهم الأحكام المتعلقة بها ومناقشتها. 3- القدرة على الاستخدام الأمثل للأدلة الشرعية لتدعيم مناقشة الأحكام الفقهية مع الطلاب. 4- القدرة على توجيه عقول الطلاب إلى مناقشة المشكلات الاجتماعية البارزة في ضوء الأحكام الفقهية التي يدرسونها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 157 5- القدرة على تعريف وتبصير الطلاب بالأسس التي قام عليها الفكر الإسلامي. 6- التميز بالقدرة على دفع الطلاب وتشجيعهم على عرض ما يصادفهم من مشكلات أو عادات تتعارض مع الشريعة الإسلامية لمناقشتها ومعرفة حكمها. 7- القدرة على حفز مشاعر الطلاب لاحترام المبادئ والقيم الإسلامية، كذلك استثارة مشاعرهم للالتزام بالجانب التطبيقي للعبادات والمعاملات. 8- المهارة في استغلال المواقف التعليمية المناسبة لتدريب الطلاب على بعض المهارات الأساسية كالوضوء والتيمم. 5- طرق تدريس التربية الإسلامية وما تتطلبه من كفاءات: ويجب أن يتمتع معلم التربية الإسلامية ببعض الكفاءات المتصلة بطرق التدريس واستخدامها حتى يمكنه تحديد طريقة التدريس المناسبة للدرس. ومن أهم هذه الكفاءات ما يلي: 1- القدرة على تحديد واستخدام طرائق تدريس متنوعة تتناسب مع طبيعة التربية الإسلامية. 2- المهارة المتميزة في اختيار طريقة التدريس التي تناسب الهدف والمحتوى. 3- القدرة على التوفيق بين طريقة التدريس ومستوى الطلاب مع مراعاة ما بينهم من فروق. 4- المهارة في استخدام طريقة التدريس التي تحفز الطلاب على المشاركة الإيجابية في الدرس ومناقشة ما لديهم من أفكار وتساؤلات. 5- المهارة في الاستخدام الجيد للأدلة المناسبة في الوقت المناسب لدعم المواقف التعليمية. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 158 6- المهارة في استخدام الوسائل التعليمية من خلال طرق التدريس التي يختارها. 6- الوسائل التعليمية المستخدمة في تدريس التربية الإسلامية وما تتطلبه من كفاءات: يجدر بمعلم التربية الإسلامية أن يدرك دوره ومسئوليته في العمل التربوي من خلال الوسائل التعليمية. فينبغي أن يدرك أن من أهم واجباته أن يربط كل دروسه في التربية الإسلامية بالبيئة المحيطة، وأن يعرف الطرائق الصحيحة لاستخدام الوسائل التعليمية حتى يتحقق الهدف من استخدامها، ومن الضروري أن تتوافر الكفاءات التالية عند معلم التربية الإسلامية كي يستخدم الوسائل التعليمية بكفاءة: 1- الإدراك السليم والمعرفة الصحيحة لمفهوم الوسائل التعليمية ودورها الفعال في تربية الطلاب. 2- المهارة في استخدام الوسائل التعليمية من حيث وقت وكيفية عرضها. 3- القدرة على استخدام الوسائل التعليمية المتوافرة والتي يمكن أن يبتكرها في تدريس التربية الإسلامية. 4- القدرة على المواءمة بين إنتاج الوسائل التعليمية وطبيعة الطالب والموقف التعليمي والأهداف السلوكية التي وضعها المعلم بنفسه. 5- القدرة على التنويع المناسب في الوسائل التعليمية المستخدمة في المواقف التعليمية المختلفة. 6- المهارة في استغلال إمكانات البيئة في إنتاج الوسائل التعليمية اللازمة. 7- التقويم في تدريس التربية الإسلامية وما تتطلبه من كفاءات: 1- التقويم أحد المكونات الإساسية للمنهج الدراسي، وهو الوسيلة التي تمكننا من الحكم على مدى تحقيق الأهداف، وهو عملية تشخيصية علاجية ينبغي فهمها واستيعابها وحسن استخدامها، ويجب أن يلم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 159 معلم التربية الإسلامية بوسائل التقويم المتاحة مما يوجب أن تتوافر لديه الكفاءات التالية: 2- المهارة في استثمار التقويم للتعرف على مواطن ضعف الطلاب لتقديم العلاج المناسب. 3- المهارة في الاستغلال الأمثل لعملية التقويم في التعرف على مستويات الطلاب، مما ييسر عملية التوجيه والإرشاد. 4- المهارة في جعل التقويم عاملا مساعدا في الإسهام في عملية تطوير المناهج وتحديثها. 5- التمكن من جعل التقويم شاملا لجميع جوانب النمو المختلفة. 6- القدرة على تنويع وسائل التقويم مع استمرارية التقويم خلال فترة الدراسة واتفاقه مع الأهداف التربوية. 7- القدرة على إقناع الطلاب بأن الغرض من التقويم هو مساعدتهم على معرفة أخطائهم وتصحيحها لرفع مستوى أدائهم والارتقاء بمهاراتهم. 8- المهارة في جعل وسائل التقويم المستخدمة قادرة على إظهار الفروق الفردية بين الطلاب وفق تخطيط جيد. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 160 سادسًا: دور معلم التربية الإسلامية في تحقيق أهداف التربية الإسلامية يعتبر المعلم العنصر الأساسي في العملية التربوية التعليمية والدعامة الأولى في نجاحها، ويتوقف عليه إلى حد كبير تحقيق أهداف البرامج التعليمية والنمو المتكامل للتلميذ في مجالاته المختلفة جسمية وعقلية ووجدانية وأخلاقية واجتماعية. فوظيفة المعلم لا تقتصر على مجرد تزويد التلاميذ بالمعلومات بل تتعدها إلى تربية الشخصية والميول والقدرات وإعداد المواطن الصالح. وهذا يتطلب تزويد المعلم بقدر من الثقافة العامة عن نفسه وعن المجتمع الذي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 160 يعيش فيه، وعن التغيرات المستمرة التي تحدث فيه، كذا تزويده بقدر من التخصص والمعرفة بالمادة التي سيقوم بتدريسها، وبالأصول التربوية والنفسية التي تحكم التدريس بصفة عامة وتدريس مادته بصفة خاصة. لقد زادت أهمية معلم التربية الإسلامية في هذا العصر الذي طغت فيه الماديات على الروحانيات، فأصبح مرجعا يستقي منه السلوك السليم، ويعتد بآرائه، ويعتمد عليه في غرس العقيدة الإسلامية في نفوس النشء مشاركا في ذلك بعض المؤسسات التربوية، بالإضافة إلى تنمية القيم الرفيعة والآداب والاتجاهات الإسلامية النبيلة والأخلاق الفاضلة، والجانب الفكري عند تلاميذه، فضلا عن المعلومات الواردة في الدرس. وهذا العبء الثقيل الملقى على عاتق مدرس التربية الإسلامية تدعمه جهود الباحثين في مختلف التخصصات التربوية لرفع كفاءة العملية التعليمية. وتزداد مسئولية معلم التربية الإسلامية تجاه الطلاب الذين يصلون مرحلة النضوج التي تؤهلهم لفهم جوهر القيمة الأخلاقية. إن الشك والقلق ظاهرتان طبيعيتان في مرحلة الشباب، ويمكن تخفيف تأثيرهما من خلال تنمية إدراك وفهم المراهق وتعريفه بالجوانب الدينية من خلال دروس التربية الإسلامية إذا صاحبها عرض شيق وأسلوب جميل جذاب ومضمون رفيع وأدلة مقنعة. ينبغي أن يكون المعلم ذا تفكير مرن ومستجيبا للتقدم والتطور العلمي السريع ولروح العصر. وهو مطالب بأن يكون نافذة على مبتكرات ومخترعات العالم الخارجي ونموذجا للفضائل والمثل العليا. إن من المحكمة تعيين مدرس كفء للتربية الإسلامية ذي بصيرة نافذة وفهم واضح لأهداف مهنة التعليم ورضاء تام عن عمله. وقد سلف القول بأن الواجب الأساسي لمعلم التربية الإسلامية هو إعداد الطالب روحيا وخلقيا لترقية الحياة على الأرض وعمارة الكون وفق الجزء: 1 ¦ الصفحة: 161 منهج الله، كما أن من واجباته تنمية وجدان الطالب وضميره عن طريق توجيهه إلى النظر إلى معجزات الله في الكون وملاحظة قدرته المبدعة، كذلك الاهتمام بالاستخدام الصحيح للطاقة البدنية وتوجيهها لخير الطلاب والمجتمع. إن مهمة المعلم ليست مجرد تزويد المتعلم بالمعرفة الدينية الضرورية فحسب بل عليه تصحيح مفاهيمه الخاطئة كذلك. كما يجب عليه إقناع طلابه بمحاربة الأفكار الهدامة وإشباع رغباتهم لمعرفة الحقيقة والمعلومات الصحيحة. ولكي يؤدي واجبه كاملا وبكفاءة وإتقان، فإن على معلم التربية الإسلامية أن يعد نفسه إعدادا مناسبا لهذه المهمة كما يلي: 1- أن يعرف واجباته معرفة تامة وأنه ينمي معرفته بحاجات تلاميذه المحدودة والمباشرة وبأحدث النظريات التربوبية. 2- أن يكون له أسلوب تعليم متميز، وأن يتيح الفرصة لتلاميذه للاشتراك في الحوار والمناقشة. 3- أن يكون قادرا على التوجيه والإرشاد الديني والتربوي والتعليمي وإرشاد الطلاب إلى طريق الخير والتقوى والآداب الإسلامية، ثم يكافئ الممتازين منهم ولا يستخدم العقوبة إلا في حالة الضرورة. 4- أن يطبق على نفسه ما يقول لتلاميذه، وأن تتطابق أفعاله مع أقواله. 5- أن يبدي اهتمامه الكبير بالمواد التربوية حتى يقتفي تلاميذه أثره. 6- أن تكون له معايير محددة يحكم بموجبها على تلاميذه، وعلى أساسها يوزع المكافآت والعقوبات. 7- أن يعرف كيف يجذب انتباه التلاميذ إلى الدرس عن طريق تنويع طرق التدريس حسب الموقف التعليمي. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 162 8- أن يدرك أهمية استخدام الوسائل التعليمية في التدريس، وأن ينطبع في ذهنه الدور البارز الذي تلعبه الوسائل التعليمية كذا الأسلوب الأمثل لاستخدامها. وبالإضافة إلى ذلك يجب أن ينتج وسائله الخاصة بطريقة مبتكرة وأن يشجع تلاميذه لإنتاج بعض الوسائل التعليمية من أجل المسابقات. 9- أن يراعي الفروق الفردية بين تلاميذه ويخاطب التلاميذ على قدر عقولهم وأن يبدي الاهتمام برغباتهم وميولهم. 10- أن يحسن اختيار الأسلوب الذي يصلح لكل موقف من مواقف التدريس موجها اهتمامه الأكبر إلى صياغة الدروس في صورة حوار والاستعانة ببعض الأمثال. 11- أن يجعل مادة التربية الإسلامية مقبولة ومحببة إلى نفوس التلاميذ، بإتاحة الفرصة لهم لعرض أفكارهم وآرائهم. والعمل على خفض القلق والتخفيف من الضغوط من حولهم؛ إذ يجد بعض التلاميذ صعوبة في فهم واستيعاب بعض دروس التربية الإسلامية مثل دروس العقيدة، كما تبدو بعض الدروس جافة بالنسبة لهم. إن واجب معلم التربية الإسلامية تبسيط هذه الدروس باستخدام الكلمات المتداولة في الحياة اليومية، وبضرب أمثال من واقع الحياة وربطها بخبرات وبيئة التلاميذ. 12- أن يكتسب المعرفة العميقة بالعمليات التعليمية والسلوكية لأهميتها وضرورتها لمستقبله المهني. فمعلم التربية الإسلامية يمكنه أن يقنع تلاميذه بمقدرته وكفاءته، مما يجعلهم يثقون به ويقبلون على الدروس التي يلقيها عليهم. 13- أن يشارك تلاميذه النشاطات التربوية التي يمارسونها حتى يستطيع أن يوطد أواصر المحبة والمودة بينه وبين تلاميذه. ويمكن أن يشترك الجزء: 1 ¦ الصفحة: 163 المعلم في المناسبات الدينية، وأن يلقي بعض الأحاديث من خلال إذاعة المدرسة المحلية، وأن يؤدي الصلوات مع تلاميذه في مسجد المدرسة، وأن يشاركهم الزيارات إلى الأماكن الدينية. 14- أن يسهم إسهاما فعالا في إشباع اهتمامات التلاميذ بالمشكلات المعاصرة، عن طريق تنظيم محاضرات غير رسمية عن المشكلات التي تهم التلاميذ وتثير تفكيرهم، ويقدم الحلول الإسلامية لها. كما يمكنه أيضًا الاشتراك في اللقاءات التي تهدف إلى تنمية الوعي الديني. 15- أن يسهم في حل مشكلات التلاميذ المرتبطة بالمدرسة والبيت فقد يكون حلقة اتصال بينهما يستطيع بواسطتها الاشتراك في إرشاد التلاميذ وحل مشكلاتهم، وإقامة جسر من العلائق الطيبة والتعاون بين المدرسة والبيت. إن هذا السلوك كثيرا ما ينعكس على تصرفات التلاميذ وعلى تكوين صفاتهم الشخصية وتمسكهم بمبادئ الدين. وبذلك يكون المعلم شريك الوالدين في التربية والتنشئة والتعليم والتقويم وهو -عند الضرورة- يتبادل الآراء مع الوالدين بشأن مستقبل أبنائهما، وعما يؤثر في العملية التعليمية. 16- قد يشارك معلم التربية الإسلامية في تطوير منهج التربية الإسلامية من خلال تقديم اقتراحات هادفة، ومن خلال الإسهام في عملية تأليف كتب التربية الإسلامية. ومن هنا يتضح الدور المتميز والمهم لمعلم التربية الإسلامية الذي يجب أن تتنوع مصادر إعداده لتشمل المبادئ والقيم الرفيعة والأخلاق الحميدة المستمدة من مصادر التشريع الإسلامي، والنظم الاجتماعية والعادات والتقاليد التي تتفق مع التعاليم الإسلامية، كذا نتائج التجارب والبحوث التربوية والاجتماعية والنفسية، كما يجب الاستفادة من الدراسات والتجارب والخبرات التي تتمشى مع القيم والمبادئ الإسلامية. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 164 إن المعلم صاحب رسالة توجب عليه أن يكون مخلصا متحمسا لها أمينا عليها. وأن يلتزم بالقوانين الأخلاقية التي ينادي بها. وغني عن القول أن رسالة المعلم تستمر مدى الحياة وفقا لقدراته الطبيعية، وهذا يقتضي توفير الفرص والإمكانات التي تساعده على أداء رسالته والاستمرار في طلب المزيد من المعرفة والعلم النافع. بعد أن تناولنا مجالات وأساليب إعداد معلم التربية الإسلامية يتضح لنا أن هذا المعلم أهم عناصر العملية التعليمية وجوهرها، فهو الذي يتحكم في الموقف التعليمي بعناصره المختلفة، وهو خير من يضطلع بمسئولية تربية النشء على المبادئ والقيم الرفيعة والأخلاق الفاضلة التي جاءت بها شريعة الإسلام. ولا جدال في أهمية دور معلم التربية الإسلامية في بناء البشر وإصلاح أحوال المجتمع لأنه يتعامل مع عقائد ومبادئ وآداب منبعها الدين الإسلامي ومصبها النفس البشرية. لذلك يجب أن يحظى إعداد وتدريب معلم التربية الإسلامية بالاهتمام البالغ ليكون ملتزما بالإسلام عقيدة وشريعة ومنهج حياة. وليكون قدوة حسنة لطلابه، وحتى يستطيع تطبيق الأسلوب العلمي في مجال التعليم من خلال تخطيط برامج إعداد المعلم في ضوء الجوانب الدينية والمعرفية للمجتمع، وفي ضوء التطور المستمر في جميع مناحي الحياة. إن حسن إعداد المعلم يؤهله للقيام بتنظيم الخبرات التربوية وإدارتها وتنفيذها طبقا للأهداف المحددة لكل منها، وهو أهدى سبيل للحصول على المعارف واكتساب المهارات والصفات الطيبة ويمهد له الطريق لتحمل المسئوليات ويروض نفسه على القيام بالمهام المتوقعة في حياته المهنية وحياته العامة. ولإعداد المعلم الإسلامي القدوة يجب أن نراعي الأمور التالية عند التخطيط لبرامج كليات ومعاهد إعداد المعلمين: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 165 1- غرس الآداب الإسلامية: ويتأتي ذلك عن طريق عرض شامل لسير المعلمين المسلمين البارزين الذين كانوا مثالا يحتذى في السجايا الحميدة والأخلاق الفاضلة والخصال الطيبة والأدب الجم. ولا يخفى عنا أن هذه الخلال الكريمة ذات أثر فعال في مجال التربية والتعليم، حيث إن المتعلم سريع التأثر بمعلمه الذي يحبه. وترجع ضرورة تحلي المعلم بالأخلاق الحميدة والصفات الطيبة إلى كون صفاته وأخلاقه تنتقل منه إلى الجيل الذي يتلقى عنه والذي بدوره ينقلها إلى الجيل الذي يأتي بعده. 2- مراعاة الاستعدادات والمواهب الفطرية: يجب مراعاة الاستعدادات والمواهب الفطرية عند اختيار من يجري إعدادهم لممارسة مهنة التعليم والتربية. إن الإستعداد الفطري شرط لازم لكل من يتصدى لمهمة التعليم والتربية ويريد إن يقوم بواجبه على الوجه الأكمل وبالصورة الصحيحة حيث إن مهنة التعليم تتطلب استعدادات ومهارات خاصة. 3- مراعاة التدرج أثناء الإعداد: يتطلب الإعداد السليم للمعلم مراعاة التدرج معه من السهل إلى الصعب ومن درس إلى درس، فلا نحمله فوق طاقته، بل يتم تدريبه على اكتساب مهارات التدريس مهارة مهارة حتى يستطيع فهمها واستيعابها وتطبيقها جيدا. 4- التزود بالثقافة العامة: يقتضي التطور السريع والكبير في حقول المعرفة والمعلومات وفي المجالات الاجتماعية والاقتصادية الاهتمام بمادة الثقافة العامة أثناء إعداد المعلم مع التركيز على التخصص. فالتزود بالثقافة العامة صار أمرا حيويا في الحياة المعاصرة؛ لأن وظيفة المعلم ليست مجرد نقل المعلومات بل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 166 تهذيب نفوس التلاميذ وتثقيف عقولهم ومساعدتهم على اتباع مبادئ وقيم رسالة الإسلام في الحياة العملية. وهذا يتطلب إلمام المعلم بمعارف كثيرة غير تخصصه. كما أن الثقافة العامة تؤهل المعلم تأهيلا متميزا يجعله قادرًا على الإجابة عن تساؤلات الطلاب الخارجة عن المنهج، كما تزيد من احترام وتقدير الطلاب له. فضلا عن مساعدته في التمهيد الجيد لدروسه، وبالتالي يستطيع أن يجذب انتباههم ويستثير تفكيرهم. 5- التزويد بالعلوم الاجتماعية: لما كانت مهمة المعلم تقديم الطالب إلى المجتمع وتقديم المجتمع إلى الطالب، حيث إن المعلم والطلاب أفراد يعيشون في مجتمع واحد. فقد صار الاهتمام بالعلوم الاجتماعية والنفسية في ضوء الشريعة الإسلامية من الأمور التي يجب مراعاتها عند التخطيط لبرامج إعداد المعلم. ويتأتى نجاح المعلم في مهمته بمعرفته الجيدة للعلوم التي تتناول المجتمع ومشكلاته ومنها: علم الاجتماع، والتاريخ، والجغرافيا، وعلم النفس. 6- التركيز على العلائق الاجتماعية والإنسانية: يجب الاهتمام بتنمية العلائق بين المعلم وتلاميذه. إن العوامل والظروف الاقتصادية والاجتماع والبيئية النفسية لها تأثير كبير على كل من المعلم والطالب، وعلى العملية التعليمية برمتها. مما يتطلب تعميق مفهوم اجتماعيات التعليم وإنسانيته، ويؤكد ذلك أهمية أن يكون المعلم اجتماعيا يشارك طلابه أفراحهم ويشاطرهم أحزانهم وآلامهم، وبذلك تتوثق عرى المحبة والاحترام بين المعلم وطلاب، فيتعاونون فيما بينهم، ويساعد ذلك على إقبال الطلاب على الدروس وعدم التخلف عن غيرهم1.   1 محمد جميل خياط، مرجع سابق، ص191-194. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 167 إن طبيعة عمل المعلم تقتضي توفير أنواع مختلفة من الإعداد هي: الإعداد الروحي والخلقي، والإعداد الثقافي والإعداد الأكاديمي والإعداد التربوي، إن الإعداد الروحي والخلقي لا غنى عنه لمعلم التربية الإسلامية الذي ينبغي أن يكون قدوة حسنة طلابه، كما أن الإعداد التربوي يساعد المعلم على الإلمام بمتطلبات التربية والتعليم وبخصائص الطلاب فضلا عن تزويده بالطرائق المختلفة التي تجعله قادرا على استثمار وتوظيف التخصص العلمي بنجاح كبير. إن التغير السريع والشامل الذي تفرضه الحياة المعاصرة على جميع الجوانب العلمية والاقتصادية والاجتماعية يفرض على معلم التربية الإسلامية مواجهة هذا التغير بما يتفق مع المبادئ والنظم الاجتماعية الإسلامية، بحيث يستثمر هذا التغير الحضاري لصالح المجتمع الذي يعيش فيه متأسيا بمبادئ الشريعة الإسلامية، ورافضًا التغيرات الحضارية المنحرفة. كما أن التطور الهائل في حقل المعلومات والتزايد المطرد للمعرفة في عالمنا المعاصر يتطلب من معلم التربية الإسلامية أن يضيف الجديد من المعلومات وأن يتزود بمهارات جديدة تتيح له استخدام الوسائل الجديدة للحصول على المعرفة وتعرف مصادرها. وهنا تبرز أهمية الإعداد الثقافي للمعلم الذي يفتح آفاقا جديدة للمعرفة تساعد المعلم على القيام بواجبه بكفاءة متميزة. ويفرض الإعداد الأكاديمي تعمق المعلم في مجال تخصصه واستيعاب كل جديد فيه كشرط أساسي لنجاحه في أداء مهمته. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 168 خاتمة : التربية الإسلامية جزء في رسالة الإسلام، وهي كائن حي ينمو نموا كاملا إذا أتيح له المناخ الملائم في البيئة المناسبة، والتربية الإسلامية تزدهر في المجتمع الذي يتبنى الإسلام عقيدة وشريعة ونظام حياة. ذلك المجتمع الذي يربي فيه المعلم النشء على العقيدة الإسلامية والأخلاق الفاضلة لكي يستطيع النهوض وتحمل أعباء الدعوة الإسلامية وتبعات إقامة المجتمع الإسلامية. فللعقيدة الإسلامية أكبر الأثر في نفس الإنسان، فحين يشب الفرد على عقيدة التوحيد وخشية الله والاستعانة به تتولد فيه الملكة الفطرية التي تتقبل كل فضيلة وتبتعد عن كل رذيلة حيث تربي في نفسه الوازع الديني الذي يأمره وينهاه، حتى يصير الإقبال على فعل الخير عادة من عاداته. تهدف التربية الإسلامية إلى تنشئة الإنسان الصالح الذي يعبد الله ويعمر الأرض ويسخرها لخدمة العقيدة وفق شريعة الله ومنهجه، ومن ثم فإن عمارة الأرض وتسخير ثرواتها لخدمة الإنسان وما يستلزم ذلك من التعرف على سنن الله في الكون، والعلم بخواص المادة وطرق الاستفادة منها في خدمة العقيدة وتحقيق الخير للناس، كل ذلك يعد عبادة يتقرب بها الباحثون إلى الله. ولما كان هدف التعليم في نظر الإسلام هو تنشئة الإنسان العابد لله على المعنى الشامل للعبادة فيجب أن يحقق التعليم أمرين هما: تعريف الإنسان بخالقه ليعبده اعتقادا بواحدانيته وتطبيقا لشريعته، وتعريفه أيضًا بسنن الله في الكون ليعبده بعمارة الأرض. وهكذا تلتقي على الشريعة مع علوم المادة كالرياضيات والكيمياء الجزء: 1 ¦ الصفحة: 169 والطب والأحياء في أنها كلها علوم إسلامية طالما أنه في إطار الإسلام ومتفقة مع تصويره، وملتزمة بأحكامه. ويحث الإسلام على استثمار الطاقات والمواهب الفطرية بعد ضبطها وتوجيهها في الاتجاه الصحيح. ويجب أن يقوم المنهج الإسلامي على أسس عقائدية منبثقة من تعاليم الإسلام وأحكامه، وأن توجه الجهود والبحوث لصياغة هذه الأسس لتكون سلاحا في وجه الأفكار والمذاهب الهدامة التي تستهوي الشباب. كما يجب أن تراعي هذه الأسس العقائدية احترام الإسلام للعقل والفكر ومؤازرته للعلم النافع وتوجيه الإنسان لتسخير الكون لمصلحة البشر وتقدمه. ويقتضي صالح النشء أن تكون المفاهيم الإسلامية في العلوم الطبيعية والفنون وما شابهها هي الأساس والروح السارية في تلك العلوم، حيث إن المنهج من شأنه أن يطبع المتعلمين بالطابع الإسلامي من خلال تعلمهم مختلف العلوم بالإضافة إلى القرآن والسنة. وفي مقدمة اهتمامات المنهج تكوين الشخصية الإسلامية بطابعها المتميز تلك الشخصية التي تقرن القول بالعمل، وتستفيد من العلم الذي حصلته في الحياة العملية بما فيها من قدرة على التصرف والتعامل مع الناس والأحداث. والإسلام يضع دستورا شاملا للعمل ويربي المسلمين على إتقان جميع أشكال العمل الهادف. والمجتمع الإسلامي يحتاج إلى ألوان العمل جميعا، يدويا كان أو عقليا أو فنيا، والمعيار هو المهارة في العمل وإتقانه أيا كان نوعه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 170 المصادر والمراجع : 1- القرآن الكريم. 2- البخاري: صحيح البخاري، الرياض، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع 1401هـ، 1981م. 3- ابن كثير: تفسير القرآن العظيم. القاهرة. دار التراث، 1400هـ/ 1980م. 4- ابن حجر العسقلاني: فتح الباري بشرح صحيح البخاري، القاهرة، مصطفى البابي الحلبي، 1959. 5- الدمرداش عبد المجيد سرحان: المناهج المعاصرة، الكويت، مكتبة الفلاح، 1401هـ/ 1981م. 6- إبراهيم عصمت مطاوع وآخر: التربية الإسلامية وأسس طرق التدريس، القاهرة، 1981. 7- إبراهيم محمد الشافعي: التربية الإسلامية وطرق تدريسها، الكويت، مكتبة الفلاح، 1989. 8- إبراهيم محمد عطا: طرق تدريس التربية الإسلامية، ط2، القاهرة، مكتبة النهضة المصرية، 1996. 9- أحمد فؤاد الأهواني: التربية في الإسلام، القاهرة، دار المعارف، 1967. 10- إسحاق أحمد فرحان: التربية الإسلامية بين الأصالة والمعاصرة، عمان، الأردن، دار الفرقان للنشر والتوزيع، 1982. 11- إسماعيل ظافر وآخر: التدريس في اللغة العربية، الرياض، دار المريخ، 1984. 12- السيوطي: الجامع الصغير، القاهرة، مطبعة عبد الحميد حنفي، د. ت. 13- أنور الجندي: التربية وبناء الأجيال في ضوء الإسلام، بيروت، دار الجزء: 1 ¦ الصفحة: 171 الكتاب اللبناني، 1975. 14- أنور الجندي: مقدمات العلوم والمناهج، محاولة لبناء منهج إسلامي متكامل، المجلد الأول، الفكر الإسلامي، القاهرة، دار الأنصار، 1979. 15- جابر عبد الحميد وآخران: مهارات التدريس، القاهرة، دار النهضة العربية، د. ت. 16- حسين سليمان قورة: الأصول التربوية في بناء المناهج، القاهرة، دار المعارف، 1977. 17- حلمي أحمد الوكيل: تطوير المناهج، القاهرة، مكتبة الأنجلو المصرية، 1982. 18- سعيد إسماعيل علي: نشأة التربية الإسلامية: القاهرة، عالم الكتب، 1978. 19- سعيد إسماعيل علي: أصول التربية الإسلامية: القاهرة، دار الثقافة للطباعة والنشر، 1978. 20- سليمان الخطيب: أسس مفهوم الحضارة في الإسلام، القاهرة، الزهراء للإعلام العربي، 1986. 21- سيد قطب: في ظلال القرآن، الطبعة الشرعية العاشرة، بيروت، دار الشروق، 1402هـ/ 1982م. 22- سيد قطب: العدالة الاجتماعية في الإسلام، بيروت، دار الشروق، 1395هـ/ 1975م. 23- سيد قطب: خصائص التصور الإسلامي ومقومات، بيروت، دار الشروق 1402هـ/ 1982م. 24- سيد قطب: التصوير الفني في القرآن، بيروت، دار الشروق، 1402/ 1982م. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 172 25- صالح عبد العزبز وآخر: التربية وطرق التدريس، ج1، القاهرة، دار المعارف، 1976. 26- صبحي الصالح، الإسلام والمجتمع العصري، بيروت، دار الآداب، 1983. 27- عباس محمود العقاد: الديمقراطية في الإسلام، القاهرة، دار المعارف، 1971. 28- عباس محمود العقاد: إسلاميات 1، المجلد الخامس، بيروت، دار الكتب اللبناني، 1974. 29- عباس محمود العقاد: إسلاميات 2، المجلد السادس، دار الكتاب اللبناني، 1974. 30- عبد الرحمن الباني: مدخل إلى التربية في ضوء الإسلام، الرياض، المكتب الإسلامي، 1983. 31- عبد الرحمن عزام: الرسالة الخالدة، ط4، بيروت، دار الشروق، 1969. 32- عبد الحليم محمود: وسائل التربية عند الإخوان المسلمين، المنصورة، دار الوفاء، 1989. 33- عبد الرحمن النحلاوي: أصول التربية الإسلامية وأساليبها في البيت والمدرسة والمجتمع، دمشق، دار الفكر، 1979. 34- عبد الغني عبود: في التربية الإسلامية، القاهرة، دار الفكر العربي، 1977. 35- عبد الغني عبود: الملامح العامة للمجتمع الإسلامي، سلسلة الإسلام وتحديات العصر، الكتاب التاسع، القاهرة، دار الفكر العربي، 1979. 36- عبد الغني عبود وعبد الغني النووي: نحو فلسفة عربية للتربية، القاهرة، دار الاعتصام، 1979. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 173 37- عبد الغني محمد النووي: التربية الإسلامية بين الأصالة، والمعاصرة، قطر، دار قطري بن الفجاءة، 1986. 38- عبد الفتاح جلال: من الأصول التربوية في الإسلام، سرس الليان، جمهورية مصر العربية، المركز الدولي للتعليم الوظيفي للكبار في العالم العربي 1977. 39- عبد اللطيف فؤاد إبراهيم: تدريس الجغرافية، القاهرة، مكتبة مصر، 1975. 40- علي أحمد مدكور: منهج التربية الإسلامية، أصوله وتطبيقاته، الكويت، مكتبة الفلاح، 1987. 41- عمر محمد التومي الشيباني: فلسفة التربية الإسلامية، طرابلس، الجماهيرية الليبية الشعبية الاشتراكية، الشركة العامة للتوزيع والإعلام، 1975. 42- علي عبد الواحد وافي وآخرون: أصول التربية ونظام التعليم، القاهرة، مكتبة الأنجلو المصرية، 1955. 43- علي خليل أبو العينين: فلسفة التربية الإسلامية في القرآن الكريم، القاهرة، دار الفكر العربي، 1980. 44- محمد الهادي عفيفي وآخر: قراءات في التربية المعاصرة، القاهرة، عالم الكتب. 1973. 45- محمد جميل بن علي خياط: الإعداد الروحي والخلقي للمعلم، مكة المكرمة، جامعة أم القرى، 1994. 46- محمد سيف الدين فهمي: النظرية التربوية وأصولها الفلسفية والنفسية، القاهرة، مكتبة الأنجلو المصرية، 1980. 47- محمد عطية الإبراشي: روح التربية والتعليم، القاهرة، دار إحياء الكتب العربية، 1950. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 174 48- محمد عطية الإبراشي: التربية الإسلامية وفلاسفتها، القاهرة، دار الفكر العربي، 1976. 49- محمد عبد العليم مرسي: المعلم والمناهج وطرق التدريس، الرياض، عالم الكتب، 1985. 50- محمد عبد القادر أحمد: طرق تعليم التربية الإسلامية، القاهرة، مكتبة النهضة المصرية، 1985. 51- محمد عزت عبد الموجود وآخرون: أساسيات المنهج وتنظيماته، القاهرة، دار الثقافة للطباعة والنشر، 1981. 52- محمد قطب: منهج التربية الإسلامية، ج1، ج2، بيروت، دار الشروق، 1401هـ/ 1981م. 53- محمد منير مرسي: التربية الإسلامية، أصولها وتطورها في البلاد العربية، القاهرة، عالم الكتب، 1982. 54- محمود السيد سلطان: بحوث في التربية الإسلامية، القاهرة، دار المعارف، 1979. 55- يحيى هندام وآخر: المناهج، أصولها وتخطيطها وتقويمها، القاهرة، دار النهضة العربية، 1975. 56- يوسف الحمادي: أساليب تدريس التربية الإسلامية، الرياض، دار المريخ، 1987. 57- يوسف مصطفى القاضي ومقداد يالجن: علم النفس التربوي في الإسلام، الرياض، دار المريخ، 1981. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 175