الكتاب: الإحاطة في أخبار غرناطة المؤلف: محمد بن عبد الله بن سعيد السلماني اللوشي الأصل، الغرناطي الأندلسي، أبو عبد الله، الشهير بلسان الدين ابن الخطيب (المتوفى: 776هـ) الناشر: دار الكتب العلمية، بيروت الطبعة: الأولى، 1424 هـ عدد الأجزاء: 4   [ترقيم الكتاب موافق للمطبوع] ---------- الإحاطة في أخبار غرناطة لسان الدين بن الخطيب الكتاب: الإحاطة في أخبار غرناطة المؤلف: محمد بن عبد الله بن سعيد السلماني اللوشي الأصل، الغرناطي الأندلسي، أبو عبد الله، الشهير بلسان الدين ابن الخطيب (المتوفى: 776هـ) الناشر: دار الكتب العلمية، بيروت الطبعة: الأولى، 1424 هـ عدد الأجزاء: 4   [ترقيم الكتاب موافق للمطبوع] لسان الدين ابن الخطيب محمد بن عبد الله بن سعيد بن عبد الله بن سعيد بن علي بن أحمد السّلماني، قرطبيّ الأصل، ثم طليطليّ، ثم لوشيّ، ثم غرناطيّ. يكنى أبا عبد الله، ويلقّب بلسان الدين، وهو من الألقاب المشرقية. وزير، طبيب، أديب، مؤرخ، وفقيه مالكي أندلسي. ولد بمدينة لوشة في الخامس والعشرين من شهر رجب سنة 713 هـ. نشأ لسان الدين بغرناطة، وتأدّب على شيوخها، وهم كثر، فأخذ عنهم القرآن، والفقه، والتفسير، واللغة، والرواية، والطب، وصناعة التعديل. التزم خدمة عدد من السلاطين كأبي الحجاج والسروي محمد الخامس المعروف بالغني بالله وتعرف على علماء المغرب وأصحاب مناصبها كابن خلدون وغيره وبدأ فيها يكتب بعض آثاره المنظومة والمنثورة. كما وتقلّد بعض المناصب الحكومية ولذلك كان يتوخى تسلم زمام الأمور على الإطلاق، فأخذ يقوم بإبعاد رقبائه، الأمر الذي كلّفه حياته. حتى أنه لم يكن يحتمل وجود صديقه الشهير عبد الرحمن ابن خلدون في غرناطة، إذ كان يقلقه اهتمام الغني بالله به. ثم شعر ابن الخطيب بأنّ أعداءه، أخذوا يكيدون له عند الغني بالله، وتخيّل أن الغني بالله أخذ يميل إلى قبول وشاياتهم، فاتّصل سرّاً بسلطان المغرب أبي فارس عبد العزيز بن أبي الحسن المريني، فوعده بأن يؤمّن له الحماية اللازمة والرعاية الكافية، وأخذ منه عهداً بالإقامة في كنفه. عندئذ استأذن الغنيّ بالله في تفقّد الثغور، وسار إليها في لمّة من فرسانه، ومعه ابنه عليّ، فمال إلى جبل طارق، فتلقّاه قائد الجبل، بناء على أمر سلطان المغرب المذكور أعلاه، فأجاز إلى سبتة في جمادى الآخرة من عام 773 هـ، ثم توجّه إلى تلمسان فوصلها في التاسع عشر من رجب من العام المذكور، واستقبله السلطان أحسن استقبال، وأحلّه من مجلسه محل الاصطفاء. وفي الشهر نفسه من السنة نفسها أرسل سلطان المغرب سفيره إلى غرناطة، فأتى بأسرة ابن الخطيب مكرّمة. عندئذ وجّه إليه القاضي النباهي تهمة الإلحاد والزندقة والطعن في الشريعة والوقوع في جناب الرسول الكريم، بعد أن نعى عليه تدخّله في شؤون القضاء أيام ولايته القضاء، فأصدر فتوى بإحراق كتبه، فأحرقت في ساحة غرناطة، وصودرت أملاكه، واستحثّ سلطان المغرب على تسليمه لإجراء العقوبة عليه، فرفض. ولمّا توفي سلطان المغرب في ربيع الآخر من عام 774 هـ فقد ابن الخطيب حاكماً مخلصاً يحميه من أعدائه. وأخيراً أودع في السجن، فطوقوا السجن ليلاً وقتلوه خنقاً. ثم أخرجوا جثته من القبر، وأشعلوا من حوله النار، فاحترق شعره واسودّت بشرته، ثم أعيد إلى القبر قبل أن يحترق، وذلك في ربيع الأول من العام 776 هـ. أفاد ابن خطيب من أبرز أساتذة ذلك العصر ولكنه لم يرب الكثير من التلامذة إذ لم يكن له مجلس درس. آثاره وله تأليفات كثيرة تربو على الستّين مؤلّفاً، ما بين كتاب ورسالة، منها: آداب الوزارة، الإحاطة في أخبار غرناطة، أوصاف الناس في التاريخ والصلاة، جيش التوشيح، رقم الحلل في نظم الدول، روضة التعريف بالحب الشريف، ريحانة الكتاب وغيرها. [ المجلد الاول ] مقدمة المحقّق بسم الله الرّحمن الرّحيم هذا هو كتاب «الإحاطة، في أخبار غرناطة» نقدّمه للقرّاء والباحثين، بعد أن أدركنا أنّنا، بعون الله تعالى، سنقوى على تذليل الصّعاب التي نمرّ بها في أثناء التحقيق؛ فالكتاب موسوعة تاريخية وأدبية وجغرافية، يحتاج إلى لجنة من المؤرّخين والأدباء والجغرافيين المهتمّين بالحقل الأندلسي؛ لأن الجهد الفردي غير كاف لنشر مثل هذه الموسوعات العلمية التي تحتاج إلى مجهود جماعي؛ لتحقيق أماكنها الجغرافية والتعريف بأعلامها التاريخية والأدبية، ودراسة الشعر الذي يشغل خمس الكتاب أو أكثر بقليل. وهذا الكتاب أشهر وأضخم مؤلّفات لسان الدين ابن الخطيب، التي تنوف على السّتّين. وقد استهلّه بمقدّمة مسجّعة بدأها بالحمد والثّناء، ثم انتقل إلى ذكر السبب الذي دعاه إلى كتابته وهو أن بعض المصنّفين أفرد لوطنه تاريخا، كتاريخ مدينة بخارى لمحمد بن أحمد بن سليمان الفخار، وتاريخ بغداد للخطيب أبي بكر أحمد بن علي البغدادي، وتاريخ دمشق لأبي القاسم علي بن الحسن بن عساكر، وتاريخ مصر لعبد الرحمن بن أحمد بن نواس، وتاريخ مالقة لأبي عبد الله بن عسكر، فداخلته عصبية حبّ الوطن، فأقدم على كتابة تاريخ لوطنه غرناطة. وعنوان الكتاب يدلّ على الغاية التي رمى إليها ابن الخطيب بتأليفه؛ وهي تقديم صورة شاملة عن كل ما يتعلّق بمدينة غرناطة من أوصاف وأخبار، فذكر مروجها وجبالها وأنهارها، وتغنّى بها فقال «1» : [الكامل] بلد تحفّ به الرياض كأنّه ... وجه جميل والرياض عذاره € الجزء: المقدمة ¦ الصفحة: 3 وكان قبله قد تغنّى بها ابن جبير، صاحب الرحلة، فقال «1» : [مجزوء الرمل] يا دمشق الغرب هاتي ... ك، لقد زدت عليها تحتك الأنهار تجري ... وهي تنصبّ إليها وترجم لثلاث وتسعين وأربعمائة شخصية أندلسية، ممّن حكموا غرناطة، أو وفدوا إليها من المغرب أو المشرق، من ملوك، وأمراء، وأعيان، وولاة، ووزراء، وقضاة، وعلماء، وزهّاد، وصوفيّة ... ولم ينس أن يكتب سيرته الذاتية في آخر الكتاب، ولكنها ترجمة موجزة تناولت نسبه ومولده ونشأته وتقلّده الوزارة لأبي الحجّاج يوسف النّصري ثم لولده الغني بالله، ونكبته مع الغني وهجرته إلى المغرب، ثم عوده مع الغني سنة 763 هـ، ثم مشيخته، ومؤلّفاته، وإيراده بعض شعره. والكتاب لم يكتب دفعة واحدة؛ فقد بدأ بجمعه قبل نفيه مع سلطانه الغني بالله سنة 761 هـ، واستأنف العمل فيه بعد عودته من المنفى سنة 763 هـ، فراجعه وزاد فيه فجعله في ستة مجلدات. وظلّ يضيف إليه وينقّح فيه حتى عام 771 هـ، تاريخ غزوة الغني بالله لأحواز مدينة إشبيلية التي كانت آنذاك في قبضة الإسبان «2» . وقد يكون زاد فيه بعد هذا التاريخ، ونرجّح أن يكون انتهى من تأليفه سنة 772 هـ، أي قبل فراره إلى المغرب بسنة. وقد استعمل ابن الخطيب غير تسمية للكتاب، فذكره، إلى جانب العنوان الذي وضعناه له، باسم «الإحاطة، في تاريخ غرناطة» وقال: إنه في سبعة أسفار «3» ، ثم ذكره باسم «الإحاطة بما تيسّر من تاريخ غرناطة» وقال: إنه كتاب كبير في تسعة أسفار «4» . ثم عاد واختصره باسم «تاريخ غرناطة» وقال: إنه في اثني عشر سفرا «5» . وقد استعمل ابن الخطيب هذه التسمية الأخيرة المختصرة في مواطن كثيرة. وفي كتابه «اللمحة البدرية» ذكر اسم كتاب عنوانه: «الإماطة، عن وجه الإحاطة، فيما أمكن من تاريخ غرناطة» «6» . ثم عاد وذكره في كتابه المذكور عند حديثه عن عوائد أهل غرناطة وأوصافهم، فقال العبارة التالية: «من كتاب الإماطة، عن وجه الإحاطة، فيما أمكن من تاريخ غرناطة» «7» . ثم أورد هذه العبارة نفسها في كتاب الإحاطة «8» . ونحن، € الجزء: المقدمة ¦ الصفحة: 4 بدورنا، نميل إلى أن كتاب «الإماطة» هو اسم آخر لكتاب «الإحاطة» أو هو مختصر كتاب «الإحاطة» ؛ لأنّ ابن الخطيب لم يذكر «الإماطة» في ثبت كتبه في آخر «الإحاطة» . والترتيب الذي اعتمده هو ذكر الحاضرة غرناطة، ووصف محاسنها والحديث عن الذين سكنوها وتولّوها، ملتزما الترتيب الأبجدي لأصحاب التراجم، لا الترتيب التاريخي. وقدّم للكتاب، وجعله قسمين، القسم الأول في حلي المعاهد والأماكن والمنازل والمساكن، والقسم الثاني في حلي الزائر والقاطن والمتحرّك والساكن «1» . وبعد أن انتهى من مقدمة الكتاب بدأ في القسم الأوّل بفصل يدور حول اسم مدينة غرناطة، فقدّم لنا وصفا جغرافيّا دقيقا لهذه المدينة «2» ، ثم تناول تاريخها منذ أن نزلها العرب أيام الفتح حتى سلاطين بني نصر «3» . وذكر قراها، وقال: إنها تنوف على ثلاثمائة قرية «4» . ثم انتهى إلى فصل ثان ذكر فيه سير أهل غرناطة وأخلاقهم وأحوالهم وأنسابهم وجندهم وزيّهم «5» . وأنهى القسم الأول بفصل ثالث حصره فيمن تداول هذه المدينة منذ أصبحت دار إمارة «6» . ثم بدأ القسم الثاني، ويتناول الذين ترجم لهم، وعقد في آخره ترجمة مختصرة لنفسه. والكتب التي اعتمدها ابن الخطيب في جمع مادته كثيرة، أهمها تاريخ أبي عبد الله محمد بن جزي الغرناطي، الذي شرع في أثناء مقامه بفاس بكتابة تاريخ عام لبلده غرناطة، ولكنه مات سنة 757 هـ قبل أن يتمّه. وقد صرّح ابن الخطيب بأنه اطّلع على هذا الكتاب بمدينة فاس عندما قام بسفارة إلى المغرب سنة 755 هـ، وسار على منهاجه عند تأليف «الإحاطة» «7» . أضف إلى ذلك الوثائق والمعلومات التي اعتمدها والتي أخذها من معاصريه ذوي الشأن. ويعدّ كتاب «الإحاطة» من أهم المصادر الأندلسية في التراجم والتاريخ..؛ فهو من جهة معجم في التراجم، ومن جهة ثانية كتاب في التاريخ، إلّا أنه كتاب تراجم أكثر منه كتاب تاريخ. وبرغم ذلك، فإنه يلقي علينا الضوء على أهم ظاهرة اجتماعية كانت منتشرة في أيامه في بلاد المغرب والأندلس معا، ألا وهي مصارعة الثيران؛ فقد ذكر أنه حضر في المغرب في عهد أبي عنان فارس بن أبي الحسن بن أبي سعيد بن € الجزء: المقدمة ¦ الصفحة: 5 أبي يوسف يعقوب بن عبد الحق المريني، عندما أرسله سلطان غرناطة الغني بالله رسولا على إثر بيعته عام 755 هـ، مصارعة بين ثور وأسد، انتهت بانتصار الثور وجرح الأسد، وخروج طائفة من الرجال المسلحين أخذوا يناوشون الأسد الجريح إلى أن قتلوه، بعد أن أردى بعضهم «1» . وفي مكان آخر يصف ابن الخطيب المصارع الغرناطي بأنه فارس مغوار صارع الثور وهو ممتط فرسه المدرّب، ثم قتله برمحه. وهذا النوع الثاني من المصارعة ما يزال موجودا في إسبانيا حتى اليوم. وقد لاقى كتاب «الإحاطة» استحسانا من قبل قارئيه، فعدّه المقري من الكتب التي ذاع صيتها بالمشرق والمغرب، وذهب إلى أن المشارقة كانوا أشدّ إعجابا به من المغاربة، وأكثر لهجا بذكره، مع قلّته في تلك البلاد المشرقية، إذ اعتنى باختصاره الأديب المصري الشهير بدر الدين محمد بن إبراهيم البشتكي، المتوفّى سنة 830 هـ، وسمّاه: «مركز الإحاطة، في أدباء غرناطة» ، وفي في مجلدين بخطّه «2» . وبرغم ما في كتابه من إيجابيات، وهي كثيرة جدّا، فإن لنا بعض المؤاخذات عليه والنقد له، إذ الكمال لواهبه، ومنها أنه كثير التكرار في كتاباته، من ذلك رسالة ينقلها في «الإحاطة» ثم يوردها كما هي في كتابه «الريحانة» ، وقد صدرت عنه عن سلطان غرناطة الغني بالله، وتتعلق بمجموع الفتوحات والغزوات التي قام بها السلطان المذكور، أرسلها إلى صاحب تونس أبي إسحاق المستنصر إبراهيم بن أبي بكر ابن يحيى الحفصي «3» . ورسالة ثانية هي رسالة «السياسة» ، وقد نقلها في «الإحاطة» ضمن ترجمته الشخصية، ثم أوردها كما هي في الريحانة «4» . كذلك نقل في «الإحاطة» بعض مقاماته ورسائله وبعض كتبه الصغيرة، وأوردها كما هي في الريحانة. وقد طبع هذا الكتاب مرتين؛ طبعة ناقصة بجزءين في مجلد واحد، وطبعة كاملة بأربعة أجزاء، بتحقيق الأستاذ محمد عبد الله عنان، مصر، 1973- 1977، وقد رأينا أن نتولّى هذا العمل تحقيقا وإشرافا، فآلينا على أنفسنا ألّا نوفّر جهدا في سبيل القدرة على الاضطلاع بكل ما يحتاجه التحقيق، فبذلنا في إخراجه من العناية ما استطعنا عليه؛ صحّحنا عددا غير قليل من أخطاء القراءة، التي لا تكاد صفحة تخلو منها تحريفا وتصحيفا ونقصا وتشويها، وبخاصة الشعر حيث قمنا بمراجعته وضبطه وفقا للمصادر التي ورد فيها، وقرنّا النصوص بهوامش وتعليقات تفسيرية، فعرّفنا € الجزء: المقدمة ¦ الصفحة: 6 بالأعلام والأماكن حيث كان ذلك ضروريّا، وشرحنا الألفاظ التي تتطلب الشرح وبخاصة بعض المصطلحات الأندلسية غير المعروفة عند المشارقة، بصورة تتّفق مع ما تتطلبه المناهج العلمية الحديثة من أساليب البحث والتحقيق المقارن. وقد تمّ ذلك بعد أن رأى الحاجّ محمد علي بيضون، صاحب دار الكتب العلمية، أن نعيد طبع هذا الكتاب؛ إذ رغب إلينا في أن نقوم بتحقيقه، فقبلنا طلبه، وتولّينا الكتاب بالتحقيق العلمي، وشرعنا بالعمل منذ أكثر من ثلاث سنوات، احتجنا في خلالها إلى أناة قد لا يقوى عليها الكثير من الناس، فجاء الكتاب كما يراه القارئ، وبحسبنا أننا أدّينا الذي يجب علينا في هذا السبيل، فإن قصّرنا فما توفيقنا إلّا بالله تعالى، والكمال لله تعالى وحده. وارتأينا أن نتمّم عملنا بتقديم نبذة موجزة عن سيرة المؤلّف فنقول: هو «1» محمد بن عبد الله بن سعيد بن عبد الله بن سعيد بن علي بن أحمد السّلماني، نسبة إلى سلمان، وسلمان حيّ من مراد من عرب اليمن القحطانيين. قرطبيّ الأصل، ثم طليطليّه، ثم لوشيّه، ثم غرناطيّه. يكنى أبا عبد الله، ويلقّب بلسان الدين، وهو من الألقاب المشرقية، وقد أسبغ عليه الغني بالله لقب ذي الوزارتين؛ لجمعه بين الوزارة والكتابة. ويقال له: «ذو العمرين» ؛ لاشتغاله بتدبير الحكم في نهاره، والتصنيف في ليله. ولد بمدينة لوشة في الخامس والعشرين من شهر رجب سنة 713 هـ، وتوفي قتيلا بمدينة فاس في ربيع الأول من عام 776 هـ. أصل سلفه بني سلمان، كما مرّ معنا قبل قليل، من عرب اليمن، استقرّوا عقب الفتح بقرطبة، ثم غادروها وانتقلوا مع كثير من المعارضين للحكم الرّبضي، ومع أعلام الجالية القرطبية، كيحيى بن يحيى الليثي وأمثاله، عند وقعة الرّبض الشهيرة سنة 202 هـ إلى طليطلة واستقرّوا بها. وعندما شعروا بقرب سقوط طليطلة «2» غادروا إلى لوشة. € الجزء: المقدمة ¦ الصفحة: 7 عرف بيته في القديم بقرطبة وطليطلة ببني وزير، ثم حديثا بلوشة ببني الخطيب. وقد أطلق لقب «الخطيب» على جدّه الأعلى «سعيد» ؛ كونه كان خطيبا بلوشة، فعرف به أبناؤه من بعده. وسعيد هذا هو أول من استوطن لوشة، وكان من أهل العلم والصّلاح والدين والخير والفضل، توفي عند تغلّب العدو على بلده عنوة. انتقل جدّه الأقرب سعيد والد أبيه من لوشة إلى غرناطة عندما نافسه جيرته بنو الطنجالي الهاشميون، وكان مستوليا على خلال حميدة من فقه وحساب وأدب وخط وتلاوة، تزوج من إحدى قريبات زوجة السلطان أبي عبد الله محمد بن محمد بن يوسف النّصري (671- 701 هـ) ، ما أحكم الصّلة بينه وبين القصر. وكانت وفاته في ربيع الآخر من عام ثلاثة وثمانين وستمائة. ولد أبوه «1» عبد الله بغرناطة عام 672 هـ، وكان من أهل العلم والأدب، ومن أكابر علماء غرناطة. ترك غرناطة وانتقل إلى لوشة مخصوصا بلقب الوزارة. ولمّا تولّى السلطان أبو الوليد إسماعيل بن فرج النّصري (713- 725 هـ) مقاليد الحكم، عاد عبد الله إلى غرناطة ليخدم في القصر السّلطاني. ثم لازم السلطان أبا عبد الله محمد بن إسماعيل بن فرج النصري (725- 733 هـ) ، ثم السلطان أبا الحجاج يوسف بن إسماعيل بن فرج النصري (733- 755 هـ) . خدم كمشرف على مخازن الطعام، ثم في ديوان الإنشاء مع الوزير أبي الحسن ابن الجيّاب، إلى أن توفي يوم الاثنين السابع من جمادى الأولى عام أحد وأربعين وسبعمائة، مع ولده الأكبر في موقعة طريف. نشأ لسان الدين بغرناطة، وتأدّب على شيوخها، وهم كثر، فأخذ عنهم القرآن، والفقه، والتفسير، واللغة، والرواية، والطب، وصناعة التعديل. وقد ذكرهم تحت عنوان «المشيخة» في آخر كتاب «الإحاطة» «2» . وروى ابن خلدون أن لسان الدين تأدّب على مشيخة غرناطة وأخذ عن أشياخه دون أن يذكرهم، واكتفى بالقول بأنه اختصّ بصحبة الحكيم المشهور يحيى بن هذيل، فأخذ عنه العلوم الفلسفية، وبرّز في الطب، ونبغ في الشعر والترسّل «3» . وأضاف أنه امتدح السلطان أبا الحجاج، وملأ الدولة بمدائحه، فرقّاه السلطان إلى خدمته، وأثبته في ديوان الكتّاب ببابه مرءوسا بأبي € الجزء: المقدمة ¦ الصفحة: 8 الحسن ابن الجيّاب، شيخ النظم والنثر. ولمّا هلك ابن الجيّاب سنة 749 هـ ولّاه أبو الحجّاج رئاسة الكتّاب ببابه، وثنّاها بالوزارة، ولقّبه بها يوم كان الحاجب أبو النعيم رضوان رئيس وزرائه «1» ، ثم أرسله سفيرا عنه إلى سلطان المغرب أبي عنان المريني، ليستمدّ منه العون على عدوّه الإسباني، فجلّى في أغراض سفارته «2» . ولمّا مات أبو الحجاج، أبقاه ابنه السلطان الجديد الغني بالله محمد بن أبي الحجاج يوسف النصري (755- 793 هـ) في مركزه وزاد في تكريمه، وضاعف حظوته، وأعلى مجلسه، وأرسله سفيرا عنه إلى سلطان المغرب أبي عنان المريني؛ لتجديد أواصر المحبة التي كانت قائمة بين أبيه أبي الحجاج يوسف وبين أبي عنان، وذلك في الثامن والعشرين من ذي القعدة سنة 755 هـ. وفي الخامس عشر من محرم من العام 756 هـ، عاد ابن الخطيب إلى غرناطة. وفي الثامن والعشرين من رمضان من عام 760 هـ، قام أخو الغني بالله، إسماعيل بن أبي الحجاج يوسف النصري، الذي كان معتقلا في أبراج قلعة الحمراء، بمؤازرة بعض الناقمين على الغني، بثورة على هذا الأخير، وأقصوه عن الحكم، وقتلوا الحاجب رضوان، ونادوا بإسماعيل سلطانا، ففرّ الغني إلى وادي آش. وسعى ابن الخطيب إلى مصانعة السلطان الجديد، فاستبقاه في الوزارة، ولكن لأسابيع قليلة فقط، حيث قبض عليه واعتقله. وسعى سلطان المغرب أبو سالم المريني لدى سلطان غرناطة الجديد إلى أن يجيز للغني الانتقال إلى المغرب برفقة ابن الخطيب، فأفرج عن ابن الخطيب، فلحق بسلطانه المخلوع في وادي آش، وانتقل الاثنان من هناك إلى المغرب، فوصلا مدينة فاس في السادس من محرم سنة 761 هـ «3» . وفي السادس لذي القعدة من العام التالي، توفيت زوجته أمّ ولده، فدفنها بالبستان المتصل بداره بمدينة سلا، ووصفها بواحدة نساء زمانها. ولمّا ثاروا بغرناطة وقتلوا السلطان إسماعيل، ونادوا بمحمد بن إسماعيل بن فرج سلطانا، جاز الغني بالله إلى الأندلس مع قاضي حضرته أبي الحسن النباهي ووزيره ابن الخطيب، ففرّ السلطان الجديد، واستردّ الغني ملكه، وذلك في الحادي والعشرين من شهر جمادى الآخرة سنة 763 هـ «4» . وفي الثامن من رمضان أصدر € الجزء: المقدمة ¦ الصفحة: 9 الغني مرسوما بإعادة ابن الخطيب إلى منصبه في الوزارة. وفي أوائل سنة 764 هـ وصل ابن خلدون إلى غرناطة، بعد أن فقد نفوذه في بلاط فاس، فاستقبله الغني أحسن استقبال، وفي سنة 765 هـ أرسله الغني سفيرا إلى قشتالة، وفي سنة 766 هـ عاد ابن خلدون إلى المغرب، بعد أن فترت العلاقات مع ابن الخطيب. ثم شعر ابن الخطيب بأنّ أعداءه، وفي مقدمتهم الوزير أبو عبد الله محمد بن يوسف ابن زمرك، والقاضي أبو الحسن علي بن عبد الله النباهي، والوزير سليمان بن داود، أخذوا يكيدون له عند الغني بالله، وتخيّل أن الغني بالله أخذ يميل إلى قبول وشاياتهم، فاتّصل سرّا بسلطان المغرب أبي فارس عبد العزيز بن أبي الحسن المريني، فوعده بأن يؤمّن له الحماية اللازمة والرعاية الكافية، وأخذ منه عهدا بالإقامة في كنفه. عندئذ استأذن الغنيّ بالله في تفقّد الثغور، وسار إليها في لمّة من فرسانه، ومعه ابنه عليّ، فمال إلى جبل طارق، فتلقّاه قائد الجبل، بناء على أمر سلطان المغرب المذكور أعلاه، فأجاز إلى سبتة في جمادى الآخرة من عام 773 هـ، ثم توجّه إلى تلمسان فوصلها في التاسع عشر من رجب من العام المذكور، واستقبله السلطان أحسن استقبال، وأحلّه من مجلسه محل الاصطفاء. وكان قد بعث، وهو يغادر وطنه إلى غير رجعة، برسالة وداع إلى الغني بالله، يبرّىء فيها نفسه ونزاهة مقصده، وبعث منها نسخة إلى ابن خلدون، أوردها هذا الأخير كاملة في كتابيه «كتاب العبر» و «التعريف بابن خلدون» «1» ، وهي من أروع الرسائل إجادة وبلاغة، وقد بدأها بأربعة أبيات من الشعر، نذكر منها هذين البيتين: [المنسرح] بانوا فمن كان باكيا يبكي ... هذي ركاب السّرى بلا شكّ تصدّع الشّمل مثلما انحدرت ... إلى صبوب جواهر السّلك وفي الشهر نفسه من السنة نفسها أرسل سلطان المغرب سفيره إلى غرناطة، فأتى بأسرة ابن الخطيب مكرّمة. عندئذ وجّه إليه القاضي النباهي تهمة الإلحاد والزندقة والطعن في الشريعة والوقوع في جناب الرسول الكريم، بعد أن نعى عليه تدخّله في شؤون القضاء أيام ولايته القضاء، فأصدر فتوى بإحراق كتبه، فأحرقت في ساحة غرناطة، وصودرت أملاكه، واستحثّ سلطان المغرب على تسليمه لإجراء العقوبة عليه، فرفض. ولمّا € الجزء: المقدمة ¦ الصفحة: 10 توفي سلطان المغرب في ربيع الآخر من عام 774 هـ فقد ابن الخطيب حاكما مخلصا يحميه من أعدائه، فلجأ إلى الوزير أبي بكر ابن غازي، الذي تولّى أمور الدولة ريثما يكبر ابن السلطان الطفل السعيد. وانتقل ابن الخطيب والوزير ابن غازي من تلمسان إلى فاس، فقام الثوّار واقتحموا مدينة فاس ونادوا بولاية أحمد ابن السلطان أبي سالم، فأذعن ابن غازي لمطالبهم، فخلع الطفل السعيد، ودخل أحمد البلد وجلس على العرش، وذلك في أوائل محرم من العام 776 هـ. عندئذ تحقّق لسلطان غرناطة ما يريده، فقبض سلطان المغرب الجديد على ابن الخطيب، وأودعه السجن، وأخبر الغنيّ بالأمر، فأرسل الغنيّ وزيره ابن زمرك إلى فاس، فأحضر ابن الخطيب في مجلس شورى، ووجّهت إليه التّهم المذكورة، وامتحن بالعذاب. وبرغم دفاعه عن نفسه وظهور براءته من تهمة الزندقة، فقد أعيد إلى السجن. ثم دسّ إليه خصمه الوزير سليمان بن داود بعض الأوغاد من حاشيته، فطرقوا السجن ليلا وقتلوه خنقا. وفي اليوم الثاني أخرجت جثّته ودفن في مقبرة باب المحروق، أحد أبواب فاس القديمة. ثم أخرجوه في اليوم الثالث من القبر، وأشعلوا من حوله النار، فاحترق شعره واسودّت بشرته، ثم أعيد إلى القبر قبل أن يحترق، وذلك في ربيع الأول من العام 776 هـ «1» . وما يزال قبره قائما في باب المحروق بفاس في ضريح صغير عليه هذه العبارة: «هذا ضريح العلّامة لسان الدين ابن الخطيب» . ولم يتخذ ابن الخطيب النثر والشعر وسيلة للتكسّب، بل كتبهما ليظهر مواهبه، ويتمشّى مع مفهوم العصر، الذي كان يفرض على كل أديب أن ينثر وينظم. امتلك ناصية الأدب، شعرا ونثرا، فكان له نثر مستملح غلب عليه السّجع وجمع بين دقّة الصّنعة ورقّة الطّبع، وشعر برع فيه ونبغ، سواء في القصيدة العربية الكلاسيكية أو في فنّ التوشيح، حتى انتهت إليه رئاسة هذا الفن، وصار من ألمع شعراء وأدباء عصره، ما دفع ابن خلدون إلى القول: «ونبغ في الشعر والترسّل بحيث لا يجارى فيهما» «2» . وأضاف: «وكان الوزير ابن الخطيب آية من آيات الله في النظم والنثر، والمعارف والأدب، لا يساجل مداه، ولا يهتدى فيها بمثل هداه» «3» . كما عدّه ابن الأحمر «شاعر الدنيا، وعلم المفرد والثّنيا، وكاتب الأرض إلى يوم العرض ... » «4» . € الجزء: المقدمة ¦ الصفحة: 11 وكان ابن الخطيب معجبا بشعره، معتدّا به، اسمعه وهو يقول من قصيدة هنّأ بها الغني بالله يوم عقد بيعته سنة 755 هـ «1» : [الطويل] ودونكها من بحر فكري جواهرا ... تقلّد في نحر وتنظم في عقد ركضت لها خيل البديهة جاهدا ... وأسمعت آذان المعاني على بعد تناول فيه موضوعات الشعر العربي وأغراضه المعروفة من مديح ورثاء وغزل ... وقد استفرغ معظم مدائحه في سلاطين بني نصر، وكان أبو الحجّاج يوسف أوفرهم نصيبا. كما مدح سلاطين بني مرين بالمغرب. وجرى في قصائد المديح ومقطوعاته على سنن قدماء المسارقة، فبدأها بالغزل ووصف الخمر والطّلل، وعدّد فيها صفات الممدوح المعروفة من شجاعة وكرم ومروءة وعدل ... كذلك له مدائح نبوية قالها في مناسبة ذكرى مولد الرسول الكريم، أشاد فيها بذكره، وأشار إلى بعض معجزاته، وهي تختلف عن قصائد المدح من حيث دفق العاطفة وحرارة الإيمان. وفي الرثاء بدت عاطفته صادقة، عبّر فيه بوجدانية صادقة عن إحساسه العميق بحقيقة الموت، ولا سيما في رثاء زوجته التي أخذت منه كل مأخذ، فقد أظهر رثاؤه مدى لوعته وحرقته على فقدها، حيث أحسّ بقرب الرحيل، فطلب منها أن تمهّد لديها مضطجعا له «2» : [المنسرح] روّع بالي وهاج بلبالي ... وسامني الثّكل بعد إقبال فانتظريني، فالشّوق يقلقني ... ويقتضي سرعتي وإعجالي ومهّدي لي لديك مضطجعا ... فعن قريب يكون ترحالي ولمّا توقّع، وهو في السجن، مصيبة الموت، نظم شعرا مؤثّرا، بكى فيه نفسه «3» : [المتقارب] بعدنا وإن جاورتنا البيوت ... وجئنا لوعد ونحن صموت وكنّا عظاما فصرنا عظاما «4» ... وكنّا نقوت فها نحن قوت وكنّا شموس سماء العلا ... غربن فناحت عليها السّموت € الجزء: المقدمة ¦ الصفحة: 12 فقل للعدا ذهب ابن الخطيب ... وفات فمن ذا الذي لا يفوت؟ ومن كان يفرح منهم له ... فقل: يفرح اليوم من لا يموت وجادت قريحته بشعر الغزل، فسار فيه على خطى ابن زيدون وأمثاله ممّن كانت المحبوبات يقمن بزيارتهم عند قدوم الظلام، كقوله فيمن عاتبته؛ لأنه تناساها «1» : [البسيط] زارت ونجم الدّجى يشكو من الأرق ... والزّهر سابحة من لجّة الأفق والليل من روعة الإصباح في دهش ... قد شاب مفرقه من شدّة الغرق قالت: تناسيت عهد الحبّ، قلت لها: ... لا والذي خلق الإنسان من علق وقد أجمع النّقّاد على أنه من كبار وشّاحي الأندلس، برغم أنّ فن التوشيح طمس رسمه في زمانه، وأهمّ موشّحاته تلك التي مطلعها «2» : جادك الغيث إذا الغيث همى ... يا زمان الوصل بالأندلس لم يكن وصلك إلّا حلما ... في الكرى أو خلسة المختلس وقد عارض فيها موشحة ابن سهل الإسرائيلي الإشبيلي، التي مطلعها «3» : هل درى ظبي الحمى أن قد حمى ... قلب صبّ حلّه عن مكنس؟ فهو في حرّ وخفق مثلما ... لعبت ريح الصّبا بالقبس وتآليفه جيدة في ملح الشعر والخبر، وقد توزّع إنتاجه في التأليف ما بين نظم ونثر، يدور حول الأدب، والتاريخ، والجغرافيا، والسياسة، والطب، وأصول الدين، والتصوّف والشريعة، والموسيقى، والتراجم، بعضه كتبه في غرناطة، والبعض الآخر في المغرب، ويربو على الستّين مؤلّفا، ما بين كتاب ورسالة. وقد أورد ابن الخطيب ثبتا بمؤلّفاته في ترجمته التي عقدها لنفسه في آخر كتابه «الإحاطة» «4» ، غير أن هذا الثّبت لا يشمل كل كتبه. كما ذكر بعض كتبه ورسائله في كتابيه «نفاضة الجراب» «5» € الجزء: المقدمة ¦ الصفحة: 13 و «ريحانة الكتّاب» «1» . وذكر المقري مؤلّفات ابن الخطيب وقال: إنها نحو الستين «2» . ومؤلّفاته التي وصلت إلينا تدور في معظمها حول الأدب والتاريخ، وما لم يصل إلينا فقد أحرق معظمه، ويتعلق بالطب والأخلاق والعقائد. أولا- مؤلّفاته التاريخية: 1- الإحاطة، في أخبار غرناطة: تحدّثنا عنه في أول المقدمة. 2- أعمال الأعلام، فيمن بويع قبل الاحتلام، من ملوك الإسلام، وما يجرّ ذلك من شجون الكلام: هو آخر مؤلّف كتبه ابن الخطيب، وقد ألّفه للوزير أبي بكر بن غازي، القائم بالدولة، والوصيّ على الطفل محمد السعيد، الذي تولّى الحكم في المغرب بعد موت والده السلطان عبد العزيز المريني سنة 774 هـ. وفيه استأنف حملته على القاضي أبي الحسن النباهي، ونعته ب «الجعسوس» أي القزم الدميم. ولم يتح له القدر إكماله، فتركه ناقصا، والذي كتبه يشتمل على ثلاثة أقسام: قسم يتناول تاريخ المشرق ومصر والشام. والثاني يتناول تاريخ الأندلس حتى أيام ابن الخطيب. والثالث يتناول تاريخ المغرب وإفريقية. نشر منه فقط القسمان الثاني والثالث. 3- رقم الحلل، في نظم الدول: عبارة عن أرجوزة من نظم ابن الخطيب نفسه، أهداها إلى سلطان المغرب في أثناء إقامته بمدينة سلا في المدة التي قضاها منفيّا بالمغرب ما بين 760 و 763 هـ. وتدور حول تاريخ الدول الإسلامية بالمشرق والأندلس، منذ أيام الرسول الكريم حتى أيام ابن الخطيب، بدءا بالخلفاء الراشدين، ومرورا بدولة بني أمية، وبني العباس، وبني الأغلب، والفاطميين، وبني أمية بالأندلس، وانتهاء بدولة بني نصر بغرناطة وبني حفص بإفريقية وبني مرين بالمغرب. وهكذا سرد ابن الخطيب التاريخ الإسلامي شعرا، وقام في الوقت نفسه بشرح ما رواه نظما. والكتاب، على حدّ قول المقري، في غاية الحلاوة والعذوبة والجزالة، وقد ابتدأه بقوله «3» : [الرجز] الحمد لله الذي لا ينكره ... من سرحت في الكائنات فكره وهذا الكتاب مطبوع في تونس. وهو أيضا من منشورات وزارة الثقافة بدمشق، 1990. € الجزء: المقدمة ¦ الصفحة: 14 4- طرفة العصر، في دولة بني نصر: يقع في ثلاثة أسفار، ويؤرّخ لبني نصر. وهو مفقود. 5- قطع الفلاة، بأخبار الولاة: عبارة عن رسالة قصيرة في النثر، تمثّل فيها ابن الخطيب بشعر من نظم غيره. وتدور حول ولاة مغاربة أمثال ابن الربيب، أحد خدّام السلطان أبي سالم المريني، الذي كان مكلّفا بصرف جراية ابن الخطيب في أثناء إقامته بالمغرب، ووالي مكناسة عبد الله بن محمد. والرسالة لا تزيد عن عشر صفحات، وقد أوردها ابن الخطيب في كتابه «نفاضة الجراب» «1» . 6- اللّمحة البدريّة، في الدولة النّصرية: كتاب مختصر لتاريخ بني نصر بغرناطة، بدأ تدوينه عام 763 هـ، وانتهى منه أول عام 765 هـ، وقد توخّى فيه الصدق وبعد النظر في درك الحقائق. وهو مطبوع. 7- نفاضة الجراب، في علالة الاغتراب: هو سجلّ لمذكّرات ابن الخطيب الشخصية عن المدة التي قضاها منفيّا في مدينة سلا المغربية مع سلطانه الغني بالله ما بين 760 و 763 هـ. وهو في أربعة أسفار، طبع منه فقط السّفر الثاني، وفيه يهنّئ سلطان المغرب أبا سالم المريني بمناسبة فتح تلمسان، ويذكر بعض القصائد والرسائل التي كتبها في سلا، ويتحدّث عن حال غرناطة في عهد السلطان أبي سعيد البرميخو المغتصب، ويرثي زوجته التي توفيت في عام 762 هـ. ويأتي من حيث الأهمية بعد كتاب «الإحاطة» . وجاء اسم الكتاب في كتابه «الريحانة» هكذا: «نفاخة الجراب» في ثلاثة أسفار «2» . وجاء في مكان آخر من الكتاب نفسه: «نفاضة الجراب» «3» . ثانيا- مؤلّفاته في الجغرافيا والرحلات: 1- خطرة الطّيف، ورحلة الشتاء والصيف: رسالة مسجّعة وصف فيها ابن الخطيب رحلة قام بها برفقة سلطانه أبي الحجاج يوسف النّصري في السابع عشر من محرم لعام 748 هـ، لتفقّد مقاطعات غرناطة الشرقية. وردت ضمن أربع رسائل جمعها الدكتور أحمد مختار العبادي في كتاب أسماه: «مشاهدات لسان الدين بن الخطيب في بلاد المغرب والأندلس» «4» تحت عنوان: «خطرة الطيف، في رحلة الشتاء والصيف» . € الجزء: المقدمة ¦ الصفحة: 15 2- معيار الاختبار، في أحوال المعاهد والديار: رسالة في الأدب والترسّل المسجّع، وصف فيها ابن الخطيب أهم مدن المغرب والأندلس، وقد دوّنها في أثناء المدة التي قضاها في المنفى مع سلطانه الغني بالله بين عامي 760 و 763 هـ. ووردت ضمن أربع رسائل جمعها الدكتور أحمد مختار العبادي في كتاب أسماه «مشاهدات لسان الدين بن الخطيب في بلاد المغرب والأندلس» «1» تحت عنوان: «معيار الاختبار، في ذكر أحوال المعاهد والديار» . والعنوان الذي اخترناه من «نفاضة الجراب» حيث جاء فيه أنه «كتاب غريب مصوّر لم يسبق متقدم إلى غرضه» «2» . وجاء العنوان في «الإحاطة» و «أزهار الرياض» هكذا: «معيار الاختيار» «3» ، وفي «النفح» : «معيار الأخبار» «4» . 3- مفاضلة بين مالقة وسلا: عبارة عن رسالة مسجّعة قارن فيها ابن الخطيب بين مدينة مالقة الأندلسية ومدينة سلا المغربية، وقد تحيّز فيها إلى مالقة التي كانت آنذاك تابعة لمملكة غرناطة. وقد وردت ضمن أربع رسائل جمعها الدكتور أحمد مختار العبادي في كتاب أسماه: «مشاهدات لسان الدين ... » «5» تحت عنوان «مفاخرات مالقة وسلا» . وهذا العنوان اخترناه من كتاب «الإحاطة» «6» ، وهو في كتاب «الريحانة» «7» هكذا: «مفاخرة بين مالقة وسلا» ، وهو عند المقري «8» : «مفاضلة مالقة وسلا» . ونستطيع أن نعدّ هذه الرسالة ضمن الرسائل الأدبية، وبمعنى آخر، فهي رسالة في أدب الجغرافيا. ثالثا- مؤلّفاته في التراجم: 1- الإكليل الزاهر، فيما فضل عند نظم التاج من الجواهر: هو تتمة لكتابه «التاج المحلّى» ، كتبه لسلطانه أبي الحجاج يوسف النصري، واعتمد فيه أسلوب السّجع في ترجمة بعض أعلام عصره. وقد ورد العنوان نفسه في كتابه «ريحانة الكتاب» «9» هكذا: «الإكليل الزاهر، فيمن فضل عند نظم التاج من الجواهر» . وهو غير مطبوع، وتوجد منه نسخة مخطوطة في مكتبة الإسكوريال تحت رقم 554. € الجزء: المقدمة ¦ الصفحة: 16 2- التاج المحلّى، في مساجلة القدح المعلّى: يقع في سفر، وهو مفقود، وقد كتبه لسلطانه أبي الحجاج يوسف النصري في زمان الحداثة، ويترجم لمائة وعشرة شعراء عاشوا في مملكة غرناطة في القرن الثامن الهجري. وقد ورد اسمه في كتابه «ريحانة الكتاب» «1» هكذا: «التاج المحلّى، ومساجلة القدح المعلّى» . وكتاب «القدح المعلّى» الذي يساجله ابن الخطيب هو لابن سعيد الأندلسي. 3- عائد الصلة: يقع في سفرين، وهو مفقود، وقد وصل به «صلة الصلة» للأستاذ أبي جعفر بن الزبير، المتوفّى سنة 708 هـ. ويترجم لطائفة من الأعلام الذين لم يرد ذكرهم في كتاب ابن الزبير. 4- الكتيبة الكامنة، في من لقيناه بالأندلس من شعراء المائة الثامنة: كتبه في جمادى الآخرة من عام 774 هـ، بعد وفاة السلطان أبي فارس عبد العزيز المريني بثلاثة أشهر. وفيه يحمل بشدّة على القاضي أبي الحسن النباهي وينعته بأقسى النعوت. ويترجم لمائة وثلاثة من أدباء وشعراء وفقهاء الأندلس المعاصرين له. ذكره في ثبت كتبه، الذي أورده في كتابه «الإحاطة» «2» تحت عنوان: «الكتيبة الكامنة، في أدباء المائة الثامنة» . وكذا أورده المقري «3» . وأورده في مكان آخر هكذا «4» : «الكتيبة الكامنة، في شعراء المائة الثامنة» . ونحن اعتمدنا العنوان الذي اعتمده محقّق الكتاب، الدكتور إحسان عباس، طبعة دار الثقافة، بيروت، 1963. والعنوان نفسه ذكره ابن الخطيب في مقدمة الكتاب المذكور «5» . وينسب إليه كتاب عنوانه: «تحفة ذوي الأدب، في مشكل الأسماء والنسب، في ضبط ما وقع في الموطإ والصحيحين من الأسماء والنسب» . والكتاب نشره تروغرتمان في ليدن، سنة 1905، ويقع في إحدى وسبعين ومائتي صفحة «6» . رابعا- المؤلّفات الأدبية (شعرا ونثرا) : 1- أبيات الأبيات: مفقود، اختاره ابن الخطيب من مطالع ما له من الشعر، وذكره ضمن مؤلّفاته التي كتبها في بادئ الأمر «7» . كما ذكره المقري في كتابيه «النفح» و «الأزهار» «8» ، دون أن يزيد شيئا عمّا جاء به ابن الخطيب. € الجزء: المقدمة ¦ الصفحة: 17 2- تافه من جمّ، ونقطة من يمّ: مفقود، وهو عبارة عن مجموعة رسائل اقتضبها ابن الخطيب من نثر شيخه أبي الحسن علي بن محمد الأنصاري، المعروف بابن الجيّاب، على حدّ قول ابن الخطيب نفسه في ترجمة شيخه المذكور في المجلد الرابع من كتابه «الإحاطة» . وذهب المقري إلى أن ابن الخطيب جمع في هذا الكتاب نثر ابن الجيّاب «1» . وأضاف أنه دوّن أيضا شعر شيخه ابن الجيّاب «2» . 3- تخليص الذهب، في اختيار عيون الكتب: مفقود، وأغلب الظن أنه يدور حول ثلاثة كتب أدبية، لم يذكر اسمها. 4- جيش التوشيح: كتاب في سفرين؛ السّفر الأول مطبوع بتونس، سنة 1967، وفيه مائة وخمس وستون موشحة لستة عشر وشّاحا عاشوا في القرن السادس الهجري، ومن ضمنها خمس عشرة موشحة خرجاتها عجمية (الإسبانية القديمة) . والسفر الثاني مفقود، ويدور حول وشّاحي القرن السابع الهجري والنصف الأول من القرن الثامن الهجري. 5- خلع الرّسن، في أمر القاضي ابن الحسن: مفقود، وقد ألّفه للسلطان أبي فارس عبد العزيز المريني، بعد أن فرّ من الأندلس إلى المغرب، وفيه يهجو خصمه اللدود القاضي أبا الحسن علي بن عبد الله ابن الحسن النباهي، صاحب كتاب «المرقبة العليا» . وورد اسمه في مكان آخر بهذا الاسم «3» : «خلع الرّسن، في التعريف بأحوال ابن الحسن» . 6- الدرر الفاخرة، واللّجج الزاخرة، مفقود، جمع فيه ابن الخطيب ديوان شعر أبي جعفر أحمد بن إبراهيم ابن صفوان المالقي، المتوفّى سنة 763 هـ، أيام مقامه بمالقة عند توجّهه بصحبة السلطان أبي الحجاج إلى نجدة الجزيرة الخضراء عام 744 هـ، حسبما يذكر في ترجمة ابن صفوان المذكور، في الجزء الأول من كتاب الإحاطة. 7- ريحانة الكتّاب، ونجعة المنتاب: يقع في ثمانية أسفار، وفيه طائفة كبيرة من الرسائل السلطانية والسياسية، يتعلق بعضها بوصف الغزوات والوقائع الحربية التي جرت في إشبيلية وجيان والجزيرة الخضراء وجبل طارق، وبعضها يطلب فيها الإنجاد والعون من سلاطين المغرب. كما يحتوي على مخاطبات ملوك النصارى الإسبان. € الجزء: المقدمة ¦ الصفحة: 18 وهو مطبوع في مجلدين، بتحقيق الأستاذ محمد عبد الله عنان، مكتبة الخانجي بالقاهرة، 1981. 8- السّحر والشّعر: عبارة عن مختارات شعرية لمشارقة وأندلسيين أمثال أبي العتاهية، وابن الرومي، وابن رشيق، والمعتمد بن عباد، وابن عمّار، وابن اللبانة، تعالج موضوعات شتى، من ضمنها الوصايا والنقد. توجد منه نسخة مخطوطة في مكتبة الإسكوريال تحمل الرقم 456، ونسخة أخرى بخزانة الرباط العامّة ذات الرقم.D 1295 9- الصّيّب والجهام، والماضي والكهام: عنوان الديوان الذي جمع فيه ابن الخطيب معظم شعره، ويقع في سفرين، ويعالج معظم أغراض الشعر. السفر الأول حقّقه الدكتور محمد الشريف قاهر، الجزائر، 1973. والسفر الثاني مفقود. 10- طلّ الغمام، المقتضب من الصّيّب والجهام: أغلب الظنّ أنه مختصر ديوان شعر ابن الخطيب، السابق الذّكر، إذ لم يذكره ابن الخطيب ضمن مؤلّفاته، كما لم يذكره ممّن ترجم له، وانفرد ابن القاضي بذكره «1» . 11- فتات الخوان، ولقط الصّوان: مفقود، ويقع في سفر واحد، ويتضمن فقط مقطوعات شعرية. 12- كناسة الدّكّان، بعد انتقال السّكّان: كتاب أدب وترسّل، يدور حول العلاقات السياسية بين مملكتي غرناطة والمغرب في القرن الثامن الهجري. ويضمّ مجموعة من الرسائل السلطانية التي كتبها كلّ من أبي الحجّاج يوسف وولده الغني بالله إلى سلطان المغرب أبي عنان فارس، وقد جمعها ابن الخطيب عند إقامته بمدينة سلا المغربية، بعد التجائه مع سلطانه الغني بالله إلى المغرب. وهو مطبوع بالقاهرة، 1966. 13- المباخر الطيبية، في المفاخر الخطيبية: مفقود، ألّفه للسلطان أبي فارس عبد العزيز المريني، بعد هروبه إلى المغرب سنة 773 هـ. يدور موضوعه حول الرّدّ على خصومه الذين انتقصوا من منزلة بني الخطيب؛ يذكر فيه نباهة سلفه وما لهم من المجد، ويردّ على من جاهر له بالعداوة وقدح في فخر أسلافه. 14- مثلى الطريقة، في ذمّ الوثيقة: عبارة عن رسالة صغيرة يعرّض فيها ابن الخطيب بالموثقين والعدول، وقد أوجبها محاورة صدرت في ذلك بينه وبين بعض € الجزء: المقدمة ¦ الصفحة: 19 شيوخ تلك الطريقة، تضمّنت نظما ونثرا، وفقها وحكاية «1» . وهذه الرسالة منشورة ضمن: دراسات ووثائق، المؤسسة الوطنية للكتاب، الجزائر، 1983، بتحقيق الدكتور عبد المجيد التركي. 15- مساجلة البيان: لم يرد ذكره في أيّ من المصادر التي ترجمت لابن الخطيب، كما أنه لم يرد اسمه ضمن مؤلّفات ابن الخطيب، التي ذكرها بنفسه. وانفرد التطواني بذكره في كتابه: «ابن الخطيب من خلال كتبه» «2» . وأغلب الظن أنه يدور حول علم البيان، وهو واحد من علوم البلاغة العربية؛ علم البيان، وعلم البديع، وعلم المعاني. 16- النّفاية، بعد الكفاية: مفقود، كذا ورد اسمه في كتاب «الإحاطة» ، وجاء فيه أنه في نحو «قلائد العقيان» و «مطمح الأنفس» لابن خاقان «3» . وهو عند المقري «4» : «النّقاية» بالقاف. ولابن الخطيب كتاب في غرض الهجاء، مفقود، ويوجد منه قسم في الخزانة العامّة بالرباط تحت رقم 1233، أوله: الباب الثالث والأربعون «5» . خامسا- مؤلّفاته في الشريعة والتّصوّف والحثّ على جهاد النفس: 1- استنزال اللّطف الموجود، في سرّ الوجود: كذا ورد اسمه في الإحاطة، ونفح الطيب وأزهار الرّياض «6» . وجاء في «ريحانة الكتاب» «أسرار» بدل «سرّ» ، كما يقول ابن الخطيب نفسه: «وثبتّ في صدر كتابي المسمّى ب «استنزال اللّطف الموجود، في أسرار الوجود، وهو ما جمعته لهذا العهد ... » «7» . وهذا المؤلّف عبارة عن رسالة صغيرة في التصوّف، توجد منه نسخة مخطوطة في المكتبة العامّة بتطوان تحمل الرقم 353. 2- أنشدت على أهل الرّدّ: عبارة عن رسالة في الشعر، مفقودة، يدور موضوعها حول الرّدّ على أصحاب الآراء المضلّة وأهل الزندقة، وقد ذكرها ابن الخطيب في ترجمة الغني بالله محمد بن يوسف النصري، وهي أول ترجمة في الجزء الثاني من كتابه «الإحاطة» . € الجزء: المقدمة ¦ الصفحة: 20 3- الحلل المرقومة، في اللّمع المنظومة: عبارة عن أرجوزة من ألف بيت في أصول الفقه «1» . توجد منه نسخة مخطوطة في خزانة القرويين بفاس، تحمل الرقم 78 «2» . 4- حمل الجمهور، على السّنن المشهور: عبارة عن رسالة مفقودة، يدور موضوعها حول السّنن المشهور، كجهاد النّفس، وإخماد البدع، والاشتداد على أهل الزّيغ والزندقة، الذين أضاقوا الشريعة بأضاليلهم. وقد ذكرها ابن الخطيب في ترجمة الغني بالله، في أوّل الجزء الثاني من كتابه «الإحاطة» «3» . 5- رجز الأصول: هو أرجوزة مفقودة تبحث في أصول الفقه، وقد شرحها ابن خلدون، صاحب كتاب العبر، وصرّح ابن الخطيب نفسه بأنّ له خمس أراجيز من نظمه في أصول الفقه، نظمها بمدينة سلا «4» . 6- الرّدّ على أهل الإباحة: هو كتاب مفقود، يردّ فيه ابن الخطيب على من أباح ما لم يبح. 7- الرّميمة: أغلب الظّنّ أنه مقالة مفقودة تدور حول أصول الدين والدّفاع عن الشريعة، وقد ورد ذكرها فقط في كتاب الإحاطة «5» . 8- روضة التعريف، بالحبّ الشريف: كتاب في التصوّف، موضوعه المحبة الروحية والإلهية، عارض به «ديوان الصبابة» لأبي العباس أحمد بن يحيى بن أبي حجلة التّلمساني، وتكلّم فيه على طريقة أهل الوحدة المطلقة. وجعله خصومه وثيقة اتّهام وجّهوها إليه فنسبوه إلى مذهب الحلول وغيره، ما أدّى إلى نكبته التي ذهبت فيها نفسه. نشره الأستاذ عبد القادر أحمد عطا، بدار الفكر العربي بالقاهرة، سنة 1968. 9- الزّبدة الممخوضة: نعتقد أنّه مقالة مفقودة تدور حول أصول الدين، ورد ذكرها فقط في كتاب الإحاطة «6» . € الجزء: المقدمة ¦ الصفحة: 21 10- سدّ الذريعة، في تفضيل الشريعة: كتاب مفقود، يبحث في أصول الدين. 11- كتاب المحبة: مفقود، ويقع في سفرين، وموضوعه المحبة الإلهية. 12- الغيرة، على أهل الحيرة: رسالة مفقودة يدور موضوعها حول الغيرة على الدين، وتغيّر أحوال الملحدين، وهو ما وقع به العمل على إذهاب الآراء المضلّة، وقد ذكرها ابن الخطيب في ترجمة الغني بالله، في أوّل الجزء الثاني من كتابه «الإحاطة» «1» . سادسا- مؤلّفاته في السياسة: 1- الإشارة إلى أدب الوزارة: هو كتاب في السياسة، ذكره ابن الخطيب بهذا الاسم في كتابه «الريحانة» ، وذكر منه ما يقارب خمس صفحات تتناول الوزير والوزارة «2» . واكتفى في الإحاطة بذكره باسم: «الإشارة» «3» ، وكذا ذكره المقري «4» . وذكره الدكتور أحمد مختار العبادي باسم: «الإشارة، إلى أدب السياسة في الوزارة» «5» . نشره الأستاذ عبد القادر زمامة بدمشق، 1972. 2- بستان الدول: كتاب مفقود، يدور حول السياسة والحرب والقضاء وأهل الحرف والمهن، لم يكن يسمع بمثله قبل أن يؤلّف. يشتمل على عشر شجرات: أولها شجرة السلطان، ثمّ شجرة الوزارة، ثمّ شجرة الكتابة، ثمّ شجرة القضاء، ثمّ شجرة الشرطة والحسبة، ثمّ شجرة العمل، ثمّ شجرة الجهاد (أسطول وخيول) ، ثمّ شجرة ما يضطر باب الملك إليه من الأطباء، والبيازرة والبياطرة، والشعراء، ثمّ شجرة الرعايا. كذا ذكر ابن الخطيب أنها عشر شجرات، ولكنه لم يورد منها إلّا تسعا «6» . وهذا الكتاب لم يكمل، كتب منه ابن الخطيب فقط نحو ثلاثين جزءا تقارب الأسفار. 3- تخصيص الرياسة، بتلخيص السياسة: الكتاب مفقود، كذا أورده ابن الخطيب في كتابه «نفاضة الجراب» ، وقال: هذا المؤلّف أرجوزة نظمتها في فنّ € الجزء: المقدمة ¦ الصفحة: 22 السياسة، في نحو ستمائة بيت «1» . ثمّ أورده في الكتاب المذكور باسم: «السياسة» «2» . وقد يكون هو نفسه الذي ذكره الدكتور أحمد مختار العبادي باسم: «قصيدة في السياسة» ، وقال: توجد من هذه القصيدة نسخة مخطوطة في خزانة الرباط تحت رقم (د 7740) «3» . وذكره ابن الخطيب في كتاب الإحاطة «4» باسم: «رجز السياسة» . ثمّ ذكره «5» باسم: «السياسة المدنية» . 4- رسالة السياسة: أوردها ابن الخطيب في آخر كتابه «الإحاطة» ضمن ترجمته الشخصية، فقال: «ولنختتم هذا الغرض ببعض ما صدر عني في السياسة، وكان إملاؤها في ليلة واحدة» «6» . كذلك أوردها في كتابه «ريحانة الكتاب» «7» . وهي رسالة قصيرة تقع في أقلّ من عشرين صفحة، بطلها الخليفة هارون الرشيد، وتدور حول الوزير، والجند، والعمّال، والولد، والخدم، والحرم. 5- رسالة في السياسة: هي رسالة قصيرة، ذكرها الدكتور أحمد مختار العبادي فقال «8» : لابن الخطيب رسالة في السياسة مكتوبة باللغة القشتالية (الإسبانية القديمة) وموجّهة إلى ملك قشتالة بدرو المعروف بالقاسي، نشرها المؤرّخ الإسباني لوبث دي أيالا Lopez De Ayala في كتابه: «حوليات ملوك قشتالة.Castilla ,Tomo I.pp.483 -493 ,Madrid ,6771 Gronica de los Reyes de « 6- رسالة في أحوال خدمة الدولة ومصائرهم، وتنبيههم على النظر في عواقب الرياسة بعيوب بصائرهم: وجّهها ابن الخطيب إلى الخطيب أبي عبد الله محمد بن أحمد ابن مرزوق، وتوجد منها نسخة مخطوطة في خزانة الرباط تحت رقم (د. 0972 د. 1421) «9» . 7- كتاب الوزارة: يبحث في شؤون الوزارة. ذكره ابن الخطيب في كتابه الإحاطة «10» دون أن يتحدّث عنه بشيء. ومثله فعل المقري «11» . € الجزء: المقدمة ¦ الصفحة: 23 8- مقامة السياسة: كذا أدرجها ابن الخطيب في كتابه الإحاطة «1» ، دون أن يتحدّث عنها. وبهذا الاسم أيضا أوردها المقري «2» . وأوردها الدكتور أحمد مختار العبادي تحت اسم «رسالة في غرض السياسة» وقال «3» : هي مقامة توجد منها نسخة مخطوطة في خزانة الرباط تحت رقم (د. 1092 د. 1421) . سابعا- مؤلّفاته في الطّبّ والأغذية: 1- أرجوزة في فن العلاج من صنعة الطب: عدد أبياتها نحو ألف وستماية بيت، تتضمّن ذكر جميع الأمراض الكلية والجزئية، وذكر أسبابها وعلاماتها وتدبيرها وجلب العلاج بحسب أحوالها. توجد منها نسخة مخطوطة بخزانة القرويين، ضمن رسائل ابن الخطيب الطبيّة «4» . وقد أورد ابن الخطيب اسمها في الإحاطة «5» هكذا: «رجز الطب» . وكذا أوردها المقري في أزهار الرياض «6» . 2- الأرجوزة المعلومة: مفقودة، وهي أرجوزة طبيّة موضوعها الرتبة وعلاج السموم. وقد صرّح ابن الخطيب بأنه كتبها ليعارض بها من جهة أرجوزة أبي علي بن سينا الطبية، الموسومة ب «الأرجوزة المجهولة» التي موضوعها العلاج من الرأس إلى القدم، ولتكتمل بها، من جهة ثانية، صناعة الطب كمالا لا يشينه نقص «7» . 3- البيطرة: مفقود، ويقع في سفر واحد يجمع لما يرجع إلى البيطرة من محاسن الخيل وغير ذلك من علاج الحيوانات. 4- البيزرة: مفقود، ويقع في مجلد يبحث في أحوال الجوارح من الطيور. 5- الرجز في عمل التّرياق الفاروقي: مفقود، ويدور حول الترياق الفاروقي، وهو دواء مركّب يدفع السموم، وهو أجلّ المركّبات؛ لأنه يفرّق بين المرض والصّحّة. € الجزء: المقدمة ¦ الصفحة: 24 6- رسالة تكوين الجنين: مفقودة، وتتناول، كما يبدو من عنوانها، مراحل الحمل. كذا ورد اسمها في الإحاطة «1» . وجاء في النفح وأزهار الرياض «2» : «تكون بدل «تكوين» . 7- رسالة الطاعون: كذا ورد اسمها في الإحاطة وأزهار الرياض «3» . ثم ورد في الإحاطة ونفح الطيب «4» اسم آخر هو: «الكلام على الطاعون المعاصر» . وأغلب الظن أنهما رسالة واحدة تتحدّث عن علاج مرض الطاعون الذي اجتاح الأندلس وغيرها من البلدان الإسلامية غير مرة. وقد تكون هي نفسها: «مقنعة السائل، عن المرض الهائل» ، وهي الرسالة الصّحّيّة التي تتحدّث عن مرض الطاعون الذي دهم الأندلس في سنة 749 هـ. وقد نشرت بألمانيا مع ترجمة لها بالألمانية في مجلة أكاديمية العلوم سنة.Bayerische Akademic Der Wissens haft،1863 8- عمل من طبّ، لمن حبّ: كتاب ضخم يقع في سفر، ويبحث في مختلف الأمراض وكيفية علاجها، وقد ألّفه ابن الخطيب لسلطان المغرب أبي سالم إبراهيم بن أبي الحسن المريني، في أثناء إقامته بسلا بعد أن خلع سلطانه الغني بالله في عام 761 هـ. توجد منه نسخة مخطوطة بخزانة القرويين بفاس تحمل الرقم 40/607، كذلك في المكتبة الوطنية بمدريد برقم 211، والمكتبة الأهلية بباريس برقم 3011. 9- المسائل الطبيّة: مفقود، وهو عبارة عن رسالة طبيّة وصحيّة تقع في سفر واحد. 10- المعتمدة في الأغذية المفردة: كذا ورد اسم هذا المؤلّف في الإحاطة ونفح الطيب «5» . وكان ابن الخطيب والمقري «6» قد ذكراه أيضا باسم «رجز الأغذية» . وهو عبارة عن أرجوزة من نظم ابن الخطيب، تتحدّث عن منافع الأغذية ومضارّها. توجد منها نسخة مخطوطة بخزانة القرويين الكبرى «7» . € الجزء: المقدمة ¦ الصفحة: 25 11- الوصول، لحفظ الصّحّة في الفصول: يبحث في الحمية، وقد فرغ ابن الخطيب من تأليفه سنة 771 هـ. توجد منه نسخة مخطوطة في الخزانة العامّة برباط الفتح تحت رقم.D 1299 12- اليوسفي في صناعة الطب: كذا ورد اسمه في الإحاطة والنفح «1» . وكان ابن الخطيب والمقري «2» قد ذكراه أيضا باسم: «اليوسفي في الطب» . والكتاب مفقود، وهو ممتع، يقع في سفرين كبيرين، ألّفه ابن الخطيب لسلطانه أبي الحجاج يوسف، ونسبه إليه اقتداء بالرازي الطبيب المشهور في كتابه «المنصوري» . كذلك ألّف في الموسيقى، وقد أشار نفسه إلى ذلك في كتابه «الإحاطة» «3» دون أي إضافة. ومثله فعل المقري «4» . وله مؤلّفات مفقودة لا نعلم عنها شيئا هي: 1- تقرير الشّبه، وتحرير المشبّه: ذكره ابن الخطيب، ضمن ترجمته لنفسه في آخر كتابه «الإحاطة» «5» ، دون أن يتحدّث عنه بشيء. كذلك ذكره المقري في كتابيه «النفح» و «الأزهار» «6» ، وجاء فيهما أنه: «تقرير الشبه، وتحرير الشّبه» . 2- قطع السلوك: ذكره ابن الخطيب، ضمن ترجمته لنفسه، في آخر كتابه الإحاطة «7» دون ذكر أيّ شيء آخر. وأخيرا نقدّم شكرنا الحارّ للحاج محمد علي بيضون، صاحب دار الكتب العلمية؛ لتشجيعه إيّانا على القيام بهذا العمل الشّاقّ، فبذلنا الاستطاعة والجهد، وما يكلّف الإنسان إلّا ما تصل قدرته إليه. حرسنا الله تعالى من التردّي في مهاوي الغواية، وجعل لنا من العرفان بأقدارنا أمنع وقاية، وستر عيوبنا بكرمه الضافي، ولا كدّر علينا ما منحنا من مشرع إغضائه النمير الصافي. كفر كلا في الثالث والعشرين من تموز 2002 أ. د. يوسف علي طويل € الجزء: المقدمة ¦ الصفحة: 26 ثبت بأسماء مصادر ومراجع الدراسة والتحقيق 1- قرآن كريم. 2- أخبار مجموعة في فتح الأندلس وذكر أمرائها لمجهول. تحقيق الأستاذ إبراهيم الأبياري، دار الكتاب اللبناني، بيروت، 1981. 3- أخبار وتراجم أندلسية مستخرجة من معجم السّفر للسلفي. تحقيق الدكتور إحسان عباس. دار الثقافة، بيروت، 1963. 4- اختصار القدح المعلّى، في التاريخ المحلّى لابن سعيد. تحقيق الأستاذ إبراهيم الأبياري، دار الكتاب اللبناني، بيروت، 1980. 5- الأدب الأندلسي من الفتح إلى سقوط الخلافة للدكتور أحمد هيكل. دار المعارف بمصر، 1979. 6- أزهار الرياض، في أخبار عياض للمقري (1- 3) . تحقيق الأساتذة مصطفى السقا وإبراهيم الأبياري وعبد الحفيظ شلبي. مطبعة لجنة التأليف والترجمة والنشر. القاهرة، 1939- 1942. 7- أزهار الرياض، في أخبار عياض للمقري (4- 5) . تحقيق الأساتذة سعيد أحمد أعراب ومحمد بن تاويت وعبد السلام الهراس. الرباط، 1978- 1980. 8- الاستقصاء، لأخبار المغرب الأقصى للناصري (1- 9) . تحقيق الأستاذين جعفر الناصري ومحمد الناصري. دار الكتاب، الدار البيضاء، 1954. 9- الإشارة، إلى أدب الوزارة لابن الخطيب. نشره الأستاذ عبد القادر زمامة. دمشق، 1972. 10- الأعلام للزّركلي (1- 8) . دار العلم للملايين. بيروت، 1980. 11- أعمال الأعلام، فيمن بويع قبل الاحتلام، من ملوك الإسلام لابن الخطيب. القسم الثاني، تحقيق الأستاذ إ. ليثقي بروقنسال. دار المكشوف، بيروت، 1956. € الجزء: المقدمة ¦ الصفحة: 27 12- أعمال الأعلام، فيمن بويع قبل الاحتلام، من ملوك الإسلام لابن الخطيب. القسم الثالث، تحقيق الدكتور أحمد مختار العبادي والأستاذ محمد إبراهيم الكتاني. دار الكتاب، الدار البيضاء، 1964. 13- الأغاني لأبي فرج الأصفهاني (1- 25) . شرحه الدكتور يوسف طويل، والأستاذان عبد علي مهنا وسمير جابر. دار الكتب العلمية، بيروت، 1986. 14- إنباه الرواة، على أنباه النحاة للقفطي (1- 3) . تحقيق الأستاذ محمد أبو الفضل إبراهيم. دار الكتب المصرية، 1950. 15- الأنيس المطرب، بروض القرطاس، في أخبار ملوك المغرب، وتاريخ مدينة فاس. عني بتصحيحه وطبعه الأستاذ كارول تورنبرغ. دار الطباعة المدرسية بمدينة أو بسالة، 1843. 16- البداية والنهاية في التاريخ لابن كثير (1- 14) . مكتبة المعارف، بيروت، 1979- 1980. 17- برنامج شيوخ الرعيني، تحقيق الأستاذ إبراهيم شبّوح. وزارة الثقافة بدمشق، 1962. 18- بغية الروّاد، في ذكر الملوك من بني عبد الواد ليحيى بن محمد ابن خلدون (1- 2) . الجزائر، 1903. 19- بغية الملتمس في تاريخ رجال أهل الأندلس للضبي. دار الكاتب العربي، القاهرة، 1967. 20- بغية الوعاة، في طبقات اللغويين والنحاة للسيوطي. دار المعرفة، بيروت. 21- البيان المغرب، في أخبار الأندلس والمغرب لابن عذاري المراكشي (1- 4) . تحقيق الأساتذة ج. س. كولان وإ. ليقي بروقنسال وإحسان عباس. دار الثقافة، بيروت. 22- البيان المغرب لابن عذاري المراكشي (قسم الموحدين) . تحقيق الأساتذة محمد إبراهيم الكتاني ومحمد بن تاويت ومحمد زنيبر وعبد القادر زمامة. دار الثقافة ببيروت، دار الغرب الإسلامي ببيروت، الدار البيضاء، 1985. 23- تاج المفرق، في تحلية علماء المشرق، المعروف ب (رحلة البلوي) للشيخ خالد البلوي. مخطوط رقم 1053 جغرافية بدار الكتب. 24- تاريخ ابن الوردي، المسمّى تتمة المختصر في أخبار البشر (1- 2) . تحقيق الأستاذ أحمد رفعت البدراوي. دار المعرفة، بيروت، 1970. 25- تاريخ افتتاح الأندلس لابن القوطية. تحقيق الأستاذ إبراهيم الأبياري. دار الكتاب اللبناني. بيروت، 1982. € الجزء: المقدمة ¦ الصفحة: 28 26- تاريخ الأندلس لابن الكردبوس. تحقيق الدكتور أحمد مختار العبادي. معهد الدراسات الإسلامية بمدريد، 1971. 27- تاريخ الفكر الأندلسي لأنجل جنثالث بالنثيا. نقله إلى العربية الدكتور حسين مؤنس. القاهرة. 1955. 28- تاريخ قضاة الأندلس أو المرقبة العليا فيمن يستحقّ القضاء والفتيا لابن الحسن النباهي. تحقيق الدكتورة مريم قاسم، دار الكتب العلمية، بيروت، 1995. 29- تاريخ المنّ بالإمامة لابن أبي صاحب الصلاة. تحقيق الدكتور عبد الهادي التازي. دار الأندلس، بيروت، 1964. 30- تتمة المختصر: انظر تاريخ ابن الوردي. 31- تذكرة الحفاظ للذهبي (1- 4) . الهند، حيدر آباد الدكن، 1955. 32- التعريف بابن خلدون ورحلته شرقا وغربا لابن خلدون. تحقيق الأستاذ محمد بن تاويت الطنجي. طبعة لجنة التأليف والترجمة والنشر، القاهرة، 1951. 33- تقويم البلدان لأبي الفداء. تحقيق رينود وماك كوكين دي سلان. باريس، 1850. يطلب من مكتبة المثنى ببغداد ومؤسسة الخانجي بمصر. 34- التكملة لكتاب الصلة لابن الأبار (1- 4) . تحقيق الدكتور عبد السلام الهراش. دار الفكر، بيروت، 1995. 35- تكملة المعاجم العربية لرنيهارت دوزي. نقله إلى العربية الدكتور محمد سليم النعيمي. وزارة الثقافة والفنون بالعراق. 36- جذوة الاقتباس لابن القاضي. طبعة الرباط، 1973. 37- جذوة المقتبس، في ذكر ولاة الأندلس للحميدي. الدار المصرية للتأليف والترجمة، 1966. 38- جغرافية الأندلس وأوروبا من كتاب المسالك والممالك لأبي عبيد البكري. تحقيق الدكتور عبد الرحمن الحجي. دار الإرشاد، بيروت، 1968. 39- جمهرة أنساب العرب لابن حزم. تحقيق الأستاذ عبد السلام محمد هارون. دار المعارف بمصر، 1962. 40- جيش التوشيح لابن الخطيب. تحقيق الأستاذين هلال ناجي ومحمد ماضور. مطبعة المنار بتونس، 1967. 41- حسن المحاضرة، في تاريخ مصر والقاهرة للسيوطي (1- 2) . تحقيق الأستاذ محمد أبو الفضل إبراهيم، القاهرة، 1967- 1968. € الجزء: المقدمة ¦ الصفحة: 29 42- الحلّة السّيراء لابن الأبّار (1- 2) . تحقيق الدكتور حسين مؤنس. الشركة العربية للطباعة والنشر. القاهرة، 1963. 43- الحلل الموشيّة، في ذكر الأخبار المراكشية للسان الدين بن الخطيب. مطبعة التقدم الإسلامية بتونس، 1329 هـ. وهناك طبعة الرباط (1936) بتحقيق الأستاذ علوش مصدّرة بعبارة «مجهول المؤلف» ، وهي عبارة صحيحة؛ لأنه لا يصحّ أن ينسب هذا الكتاب إلى ابن الخطيب لأسباب عدّة، منها الصياغة والمضمون. ونحن اعتمدنا طبعة تونس، لعدم توفّر الثانية. 44- خريدة القصر، وجريدة العصر للعماد الكاتب الأصفهاني (قسم شعراء المغرب والأندلس، الجزء الثاني) . تحقيق الأستاذين عمر الدسوقي وعلي عبد العظيم. دار نهضة مصر، القاهرة، 1969. 45- ابن الخطيب من خلال كتبه لمحمد بن أبي بكر التطواني. دار الطباعة المغربية، تطوان، 1954. 46- دائرة المعارف الإسلامية (1- 15) . نقلها إلى العربية الأساتذة أحمد الشنتاوي وإبراهيم خورشيد وعبد الحميد يونس. دار المعرفة ببيروت. 47- دار الطراز في عمل الموشحات لابن سناء الملك. تحقيق الدكتور جودت الركابي. دار الفكر بدمشق، 1980. 48- درّة الحجال، في أسماء الرجال لابن القاضي. تحقيق الأستاذ محمد الأحمدي أبو النور. القاهرة، 1970. 49- الدرر الكامنة، في أعيان المائة الثامنة لابن حجر العسقلاني (1- 4) . الهند، حيدر آباد الدكن، مطبعة دائرة المعارف العثمانية، 1930. 50- الديباج المذهّب، في معرفة أعيان المذهب لابن فرحون. الطبعة الأولى، مصر، 1351 هـ. 51- ديوان ابن الحداد الأندلسي. تحقيق الدكتور يوسف علي طويل. دار الكتب العلمية، بيروت، 1990. 52- ديوان الحطيئة. دار صادر، بيروت، 1967. 53- ديوان ابن خفاجة، دار بيروت للطباعة والنشر. بيروت، 1980. 54- ديوان ابن دراج القسطلي. تحقيق الدكتور محمود علي مكّي. منشورات المكتب الإسلامي بدمشق، 1961. 55- ديوان ابن عبد ربّه. تحقيق الدكتور محمد رضوان الداية. مؤسسة الرسالة، بيروت، 1979. € الجزء: المقدمة ¦ الصفحة: 30 56- ديوان أبي الأسود الدؤلي. (ضمن نفائس المخطوطات، المجموعة الثانية، ص 6- 51، من تحقيق الأستاذ محمد آل ياسين، بغداد، 1954) . 57- ديوان أبي تمام. تحقيق الدكتور شاهين عطية. دار صعب، بيروت. 58- ديوان أبي نواس. تحقيق الأستاذ أحمد عبد المجيد الغزالي. دار الكتاب العربي، بيروت، 1953. 59- ديوان امرئ القيس. تحقيق الأستاذ محمد أبو الفضل إبراهيم. دار المعارف بمصر، 1969. 60- ديوان البحتري (1- 2) . شرحه الدكتور يوسف الشيخ محمد. دار الكتب العلمية، بيروت، 1987. 61- ديوان بشار بن برد. جمعه وحقّقه السيد بدر الدين العلوي. دار الثقافة، بيروت، 1983. 62- ديوان جميل بثينة. دار بيروت، بيروت، 1984. 63- ديوان أبي الحسن الششتري. تحقيق الدكتور علي سامي النشار. طبعة الإسكندرية، 1960. 64- ديوان الفرزدق (شرح ديوان الفرزدق) . تحقيق الأستاذين سيف الدين الكاتب وأحمد عصام الكاتب. دار مكتبة الحياة، بيروت، 1983. 65- ديوان قيس بن الخطيم. تحقيق الدكتور ناصر الدين الأسد. الطبعة الأولى، القاهرة، 1962. 66- ديوان لبيد بن ربيعة العامري. دار صادر، بيروت. 67- ديوان المتنبي (العرف الطّيّب في شرح ديوان أبي الطّيّب) . شرحه الشيخ ناصيف اليازجي. دار القلم، بيروت. 68- ديوان مهيار الديلمي (1- 4) . دار الكتب المصرية، القاهرة. 69- ديوان النابغة الذبياني. تحقيق الأستاذ فوزي عطوي. دار صعب، بيروت، 1980. 70- الذخيرة، في محاسن أهل الجزيرة لابن بسام الشنتريني (أربعة أقسام في ثمانية مجلدات) . تحقيق الدكتور إحسان عباس. دار الثقافة، بيروت، 1978- 1979. 71- الذيل والتكملة لابن عبد الملك المراكشي (1- 6) . تحقيق الأستاذين محمد بن شريفة وإحسان عباس. دار الثقافة، بيروت، 1965- 1973. € الجزء: المقدمة ¦ الصفحة: 31 72- الذيل والتكملة لابن عبد الملك المراكشي. الجزء الثامن. تحقيق الدكتور محمد بن شريفة. مطبوعات أكاديمية المملكة المغربية. 73- رايات المبرزين، وغايات المميزين لابن سعيد الأندلسي. تحقيق الدكتور محمد رضوان الداية. دار طلاس، دمشق، 1987. 74- رحلة ابن بطوطة، وتسمّى تحفة النّظّار في غرائب الأمصار وعجائب الأسفار. دار بيروت للطباعة والنشر، بيروت، 1980. 75- رحلة البلوي: انظر تاج المفرق. 76- رسائل ابن حزم الأندلسي (1- 4) . تحقيق الدكتور إحسان عباس. المؤسسة العربية للدراسات والنشر. بيروت، 1980- 1983. 77- رسائل ابن سبعين لابن سبعين. تحقيق الدكتور عبد الرحمن بدوي. الدار المصرية للتأليف والترجمة، القاهرة، 1956. 78- رقم الحلل، في نظم الدول لابن الخطيب. تعليق الدكتور عدنان درويش. وزارة الثقافة بدمشق، 1990. 79- روضة التعريف، بالحب الشريف لابن الخطيب. نشره الأستاذ عبد القادر أحمد عطا، دار الفكر العربي بالقاهرة، 1968. 80- الروض المعطار، في خبر الأقطار للحميري. تحقيق الدكتور إحسان عباس. مؤسسة ناصر للثقافة. بيروت، 1980. 81- ريحانة الكتّاب، ونجعة المنتاب لابن الخطيب (1- 2) . تحقيق الأستاذ محمد عبد الله عنان. مكتبة الخانجي بالقاهرة، 1980- 1981. 82- زاد المسافر، وغرّة محيّا الأدب السافر لأبي بحر صفوان بن إدريس التجيبي المرسي. تحقيق الأستاذ عبد القادر محداد. دار الرائد العربي، بيروت، 1939. 83- السفن الإسلامية على حروف المعجم للأستاذ درويش النخيلي. الإسكندرية، 1974. 84- سير أعلام النبلاء للذهبي (1- 23) . تحقيق الأستاذين شعيب الأرنؤوط وإبراهيم الزيبق. مؤسسة الرسالة، بيروت، 1981- 1988. 85- شذرات الذهب، في أخبار من ذهب للعماد الحنبلي (1- 8) . نشره القدسي، القاهرة، 1350- 1351 هـ. 86- شروح سقط الزند لأبي العلاء المعري (1- 5) . دار الكتب المصرية، 1945- 1948. € الجزء: المقدمة ¦ الصفحة: 32 87- الشعر والشعراء لابن قتيبة (1- 2) . دار الثقافة، بيروت، 1969. 88- صبح الأعشى، في صناعة الإنشاء للقلقشندي (1- 14) . شرحه وعلّق عليه الأستاذ محمد حسين شمس الدين والدكتور يوسف علي طويل. دار الكتب العلمية، بيروت، 1987. 89- الصلة لابن بشكوال (1- 3) . تحقيق الأستاذ إبراهيم الأبياري. دار الكتاب المصري بالقاهرة، دار الكتاب اللبناني ببيروت، 1989. 90- صلة الصلة لابن الزبير. تحقيق الأستاذ إ. ليقي بروفنسال. الرباط، 1937. 91- الصّيّب والجهام، والماضي والكهام لابن الخطيب. تحقيق الدكتور محمد الشريف قاهر. الشركة الوطنية للنشر والتوزيع. الجزائر. 1973. 92- الضوء اللامع للسخاوي (1- 12) . طبعة مصر، 1353- 1355 هـ. 93- طبقات الشعراء لابن سلام. نشر جوزف هل. دار الكتب العلمية، بيروت، 1982. 94- العبر، في خبر من غبر للذهبي (1- 4) . تحقيق الدكتور صلاح الدين المنجد. الكويت، 1960- 1963. 95- عنوان الدراية، فيمن عرف من العلماء في المائة السابعة ببجاية لأبي العباس الغبريني. نشر بعناية الأستاذ محمد بن أبي شنب، الجزائر، 1910. 96- عيون الأنباء، في طبقات الأطباء لابن أبي أصيبعة. تحقيق الدكتور نزار رضا. دار مكتبة الحياة. بيروت، 1965. 97- غاية النهاية في طبقات القرّاء لابن الجزري (1- 3) . تحقيق برجشتراسر. القاهرة، 1932- 1933. 98- الغصون اليانعة، في محاسن شعراء المائة السابعة لابن سعيد. تحقيق الأستاذ إبراهيم الأبياري. دار المعارف بمصر، 1977. 99- الفلاكة والمفلوكون لشهاب الدين أحمد بن علي الدلجي. مكتبة الأندلس ببغداد، 1385 هـ. 100- الفهرست لابن النديم. ضبطه وشرحه الدكتور يوسف علي طويل. دار الكتب العلمية، بيروت، 1996. 101- فهرسة ابن خير لابن خير (1- 2) . تحقيق الأستاذ إبراهيم الأبياري. دار الكتاب المصري بالقاهرة، دار الكتاب اللبناني ببيروت، 1989. 102- فوات الوفيات لابن شاكر الكتبي (1- 5) . تحقيق الدكتور إحسان عباس. دار الثقافة، بيروت، 1973- 1974. € الجزء: المقدمة ¦ الصفحة: 33 103- قضاة قرطبة للخشني. تحقيق الأستاذ إبراهيم الأبياري. دار الكتاب اللبناني، بيروت، 1982. 104- قلائد الجمان، في التعريف بقبائل عرب الزمان للقلقشندي. تحقيق الأستاذ إبراهيم الأبياري. دار الكتاب اللبناني، بيروت، 1982. 105- قلائد العقيان، في محاسن الأعيان لابن خاقان. القاهرة، 1284 هـ. 106- الكامل في التاريخ لابن الأثير (1- 12) . دار صادر، بيروت، 1982. 107- كتاب العبر، وديوان المتبدإ والخبر لابن خلدون (ثمانية مجلدات في أربعة عشر جزءا) . دار الكتاب اللبناني، بيروت، 1981. 108- كتاب القوافي للأخفش. تحقيق الدكتور عزّة حسن. دمشق، 1970. 109- الكتيبة الكامنة، في من لقيناه بالأندلس من شعراء المائة الثامنة لابن الخطيب. تحقيق الدكتور إحسان عباس. دار الثقافة، بيروت، 1963. 110- كشف الظنون، عن أسامي الكتب والفنون لحاجي خليفة (1- 2) . إستانبول، 1941- 1943. 111- كناسة الدكّان، بعد انتقال السّكّان لابن الخطيب. تحقيق الدكتور محمد كمال شبانة والدكتور حسن محمود. دار الكاتب العربي للطباعة والنشر، القاهرة، 1966. 112- لسان الدين ابن الخطيب، حياته وتراثه الفكري لمحمد عبد الله عنان. مكتبة الخانجي، القاهرة، 1968. 113- لسان العرب لابن منظور (1- 15) . دار صادر، بيروت. 114- اللمحة البدرية، في الدولة النصرية لابن الخطيب. دار الآفاق الجديدة، بيروت، 1980. 115- مثلى الطريقة، في ذمّ الوثيقة لابن الخطيب. تحقيق الأستاذ عبد المجيد التركي، دراسات ووثائق المؤسسة الوطنية للكتاب. الجزائر، 1983. 116- مجمع الأمثال للميداني (1- 2) . تحقيق الأستاذ محمد محيي الدين عبد الحميد. مطبعة السّنّة المحمدية، 1955. 117- محيط المحيط للمعلّم بطرس البستاني. مكتبة لبنان، بيروت، 1977. 118- مختار الصّحاح للرازي. مؤسسة الرسالة، دار البصائر، بيروت، 1985. 119- المختصر، في أخبار البشر لأبي الفدا (1- 4) . المطبعة الحسينية المصرية، الطبعة الأولى. € الجزء: المقدمة ¦ الصفحة: 34 120- مدخل إلى الأدب الأندلسي للدكتور يوسف طويل. دار الفكر اللبناني، بيروت، 1991. 121- مذكرات الأمير عبد الله آخر ملوك بني زيري بغرناطة، المسمّاة بكتاب التبيان. نشر وتحقيق إ. ليقي بروفنسال. دار المعارف بمصر، 1955. 122- مرآة الجنان لأبي محمد اليافعي (1- 4) . الهند، حيدر آباد الدكن، 1337- 1339 هـ. 123- المرقبة العليا. انظر: تاريخ قضاة الأندلس. 124- مروج الذهب للمسعودي (1- 4) ضبطها الأستاذ يوسف أسعد داغر. دار الأندلس، بيروت، 1981. 125- مسالك الأبصار، في ممالك الأمصار لشهاب الدين ابن فضل الله العمري (الجزء الحادي عشر) . مخطوطة مصوّرة بالميكروفيلم في مكتبة الجامعة الأميركية في بيروت تحت رقم.Mic -A -08 126- مشاهدات لسان الدين بن الخطيب في بلاد المغرب والأندلس (مجموعة من رسائله) لابن الخطيب. نشر وتحقيق الدكتور أحمد مختار العبادي. مؤسسة شباب جامعة الإسكندرية، 1983. 127- المطرب، من أشعار أهل المغرب لابن دحية. تحقيق الأستاذ إبراهيم الأبياري والدكتور حامد عبد الحميد والدكتور أحمد أحمد بدوي. دار العلم للجميع، بيروت، 1955. 128- مطمح الأنفس، ومسرح التأنّس، في ملح أهل الأندلس لابن خاقان. دراسة وتحقيق الأستاذ محمد علي شوابكة. دار عمار، مؤسسة الرسالة، بيروت، 1983. 129- المعجب، في تلخيص أخبار المغرب لعبد الواحد المراكشي. تحقيق الأستاذ محمد سعيد العريان، القاهرة، 1963. 130- معجم الأدباء لياقوت الحموي (1- 5) . دار الكتب العلمية، بيروت، 1991. 131- معجم البلدان لياقوت الحموي (1- 5) . دار صادر، دار بيروت، بيروت، 1984. 132- معجم السّفر للسلفي. تحقيق الأستاذ عبد الله البارودي. دار الفكر، بيروت، 1993. 133- معجم الشعراء للمرزباني، ومعه المؤتلف والمختلف للآمدي. تصحيح الدكتور ف. كرنكو. دار الكتب العلمية، بيروت، 1982. € الجزء: المقدمة ¦ الصفحة: 35 134- المعجم في أصحاب القاضي الإمام أبي علي الصدفي لابن الأبار. تحقيق الأستاذ إبراهيم الأبياري. دار الكتاب المصري بالقاهرة، دار الكتاب اللبناني، بيروت، 1989. 135- المغرب، في حلى المغرب لابن سعيد الأندلسي (1- 2) . تحقيق الدكتور شوقي ضيف. دار المعارف بمصر، 1964. 136- المقتبس من أنباء أهل الأندلس لابن حيان القرطبي (تتمة السفر الثاني، ويؤرّخ من سنة 232 حتى 267 هـ) . تحقيق الدكتور محمود علي مكي. دار الكتاب العربي، بيروت، 1973. 137- المقتبس في أخبار بلد الأندلس لابن حيان القرطبي (ويؤرّخ من سنة 360 حتى 364 هـ) . تحقيق الأستاذ عبد الرحمن الحجي. دار الثقافة، بيروت، 1965. 138- المقتبس لابن حيان القرطبي (الجزء الخامس، ويؤرّخ من سنة 300 حتى 330 هـ) . نشره ب. شالميتا وف. كورنيطي والدكتور محمود صبح. المعهد الإسباني العربي للثقافة. كلية الآداب بالرباط، مدريد، 1979. 139- المقتبس في تاريخ الأندلس لابن حيان الأندلسي. تحقيق الدكتور عبد الرحمن علي الحجي، بيروت، 1965. 140- المقتضب من كتاب تحفة القادم لابن الأبار. اختيار الأستاذ إبراهيم بن محمد البلفيقي، وتحقيق الأستاذ إبراهيم الأبياري. دار الكتاب اللبناني، بيروت، 1983. 141- الملل والنّحل للشهرستاني (1- 2) . تحقيق الأستاذ محمد سيد كيلاني. دار المعرفة، بيروت. 142- مملكة غرناطة في عهد بني زيري البربر للدكتورة مريم قاسم. مكتبة الوحدة العربية بالدار البيضاء، دار الكتب العلمية ببيروت، 1994. 143- المؤنس، في تاريخ إفريقيا وتونس لابن أبي دينار. تحقيق الأستاذ محمد شمام. المكتبة العتيقة بتونس، 1967. 144- نثير فرائد الجمان، في نظم فحول الزمان لابن الأحمر. تحقيق الأستاذ محمد رضوان الداية. دار الثقافة، بيروت، 1967. 145- النجوم الزاهرة، في ملوك مصر والقاهرة لابن تغري بردي (1- 16) . نسخة مصوّرة عن طبعة دار الكتب. وزارة الثقافة، المؤسسة المصرية العامّة للتأليف والترجمة والطباعة والنشر. € الجزء: المقدمة ¦ الصفحة: 36 146- نخبة الدهر، في عجائب البر والبحر. طبع بمدينة بطرسبورغ في مطبعة الأكاديمية الإمبراطورية، سنة 1865. 147- نزهة المشتاق، في اختراق الآفاق للشريف الإدريسي (1- 2) . دار عالم الكتاب، بيروت، 1989. 148- نصوص عن الأندلس من كتاب ترصيع الأخبار وتنويع الآثار والبستان في غرائب البلدان والمسالك إلى جميع الممالك لأحمد بن عمر العذري، المعروف بابن الدلائي. تحقيق الدكتور عبد العزيز الأهواني. وطبعة معهد الدراسات الإسلامية. 149- نفاضة الجراب، في علالة الاغتراب لابن الخطيب. تحقيق الدكتور أحمد مختار العبادي. دار الكاتب العربي للطباعة والنشر بالقاهرة. 150- نفح الطيب، من غصن الأندلس الرطيب للمقري (1- 10) . تحقيق الدكتورة مريم قاسم والدكتور يوسف طويل. دار الكتب العلمية، بيروت، 1995. 151- نهاية الأندلس وتاريخ العرب المتنصرين للأستاذ محمد عبد الله عنان. مطبعة لجنة التأليف والترجمة والنشر، 1966. 152- نيل الابتهاج، بتطريز الديباج لأحمد بابا التنبكتي. طبعة فاس. 153- هديّة العارفين أسماء المؤلّفين وآثار المصنّفين من كشف الظنون لإسماعيل باشا البغدادي (1- 2) . إستانبول، 1951- 1955. 154- الوافي بالوفيات لصلاح الدين الصفدي (1- 22) . إستانبول وفيسبادن، 1931- 1983. 155- الوفيات لابن قنفذ. تحقيق الأستاذ عادل نويهض. دار الآفاق الجديدة، بيروت، 1983. 156- وفيات الأعيان لابن خلّكان (1- 5) . تحقيق الدكتورة مريم قاسم والدكتور يوسف طويل. دار الكتب العلمية، بيروت، 1998. الجزء: المقدمة ¦ الصفحة: 37 [ مقدمة المؤلف ] بسم الله الرّحمن الرّحيم وصلّى الله على سيّدنا محمد وآله وصحبه وسلّم قال الشيخ الأديب البارع أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن الخطيب السّلماني: أمّا «1» بعد حمد الله الذي أحصى الخلائق عددا، وابتلاهم اليوم ليجزيهم غدا، وجعل جيادهم تتسابق في ميادين الآجال إلى مدى، وباين بينهم في الصور والأخلاق والأعمال والأرزاق فلا يجدون بما «2» قسم محيصا ولا فيما حكم ملتحدا «3» ، وسعهم «4» علمه على تباين أفراقهم «5» وتكاثف أعدادهم والدا وولدا، ونسبا وبلدا، ووفاة ومولدا، فمنهم النّبيه والخامل، والحالي والعاطل، والعالم والجاهل، ولا يظلم ربّك أحدا. وجعل لهم الأرض ذلولا يمشون في مناكبها ويتّخذون من جبالها بيوتا ومن متاعها عددا. وخصّ بعض أقطارها بمزايا تدعو إلى الاغتباط والاعتمار «6» ، وتحثّ على السكون والاستقرار، متبوّءا فسيحا، وهواء صحيحا، وماء نميرا، وامتناعا شهيرا، ورزقا رغدا. فسبحان من جعل التّفاضل في المساكن والسّاكن، وعرّف العباد عوارف اللطف في الظاهر والباطن، ولم يترك شيئا سدى. والصلاة والسلام على سيّدنا ومولانا محمد «7» الذي ملأ الكون نورا وهدى، وأوضح سبيل الحق وكانت طرائق قددا «8» ، أعلى الأنام يدا، وأشرف الخلق ذاتا وأكرمهم محتدا، الذي أنجز الله به من نصر دينه الحقّ موعدا، حتى بلغت دعوته ما زوي «9» له من هذا المغرب الأقصى فرفعت بكل هضبة معلما وبنت بكل قلعة مسجدا. والرّضى على آله وأصحابه الذين كانوا لسماء سنّته عمدا، ليوث العدا، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 3 وغيوث النّدى، ما أقل ساعد يدا، وعمر فكر «1» خالدا، وما صباح بدا، وأورق شدا، فإن الله، عزّ وجهه، جعل الكتاب لشوارد العلم قيدا، وجوارح اليراع تثير في السهول الرّقاع صيدا. ولولا ذلك لم يشعر آت في الخلق بذاهب، ولا اتصل شاهد بغائب، فماتت الفضائل بموت أهلها، وأفلت نجومها عن أعين مجتليها، فلم يرجع إلى خبر ينقل، ولا دليل يعقل، ولا سياسة تكتسب، ولا أصالة إليها ينتسب، فهدى سبحانه وألهم، وعلّم الإنسان بالقلم، علم ما لم يكن «2» يعلم، حتى ألفينا المراسم بادية، والمراشد هادية، والأخبار منقولة، والأسانيد موصولة، والأصول محرّرة، والتواريخ مقرّرة، والسير مذكورة، والآثار مأثورة، والفضائل من بعد أهلها باقية خالدة، والمآثر ناطقة شاهدة، كأنّ النهار «3» القرطاس، والليل المداد، ينافسان الليل والنهار، في عالم الكون والفساد، فمهما طويا شيئا، ولعا هما «4» بنثره، أو دفنا ذكرا دعوا إلى نشره. فلو «5» أنّ لسان الدهر نطق، وتأمّل هذه «6» المناقضة وتحقّق، لأتى بما شاء من عتب ولوم، وأنشده: [الوافر] أعلّمه الرماية كل يوم «7» ولمّا كان الفنّ «8» التاريخي مأرب البشر، ووسيلة إلى ضمّ النشر، يعرفون به أنسابهم في «9» ذلك شرعا وطبعا ما فيه، ويكتسبون به عقل التجربة في حال السكون والتّرفيه «10» ، ويستدلّون ببعض ما يبدي «11» به الدهر وما يخفيه، ويرى العاقل من «12» تصريف قدرة الله تعالى ما يشرح صدره بالإيمان ويشفيه، ويمرّ على مصارع الجبابرة فيحسبه «13» بذلك واعظا ويكفيه، وكتاب الله يتخلّله من القصص ما يتمّم هذا «14» الشاهد لهذا الفن ويوفّيه. وقال الله تعالى «15» : وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْباءِ الرُّسُلِ ما نُثَبِّتُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 4 بِهِ فُؤادَكَ «1» . وقال عزّ وجلّ «2» : نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِما أَوْحَيْنا إِلَيْكَ هذَا الْقُرْآنَ وَإِنْ كُنْتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الْغافِلِينَ (3) «3» . فوضح «4» سبيل مبين، وظهر أن القول بفضله يقتضيه «5» عقل ودين، وأن بعض المصنّفين ممّن ترك نومه لمن دونه، وأنزف ماء شبابه مودعا إياه بطن كتابه يقصده الناس ويردونه، اختلفت في مثل هذا الباب أغراضهم؛ فمنهم من اعتنى بإثبات حوادث الزمان، ومنهم من اعتنى برجاله بعد اختيار الأعيان، عجزا عن الإحاطة بهذا الشأن، عموما في أكثر الأقطار «6» وخصوصا في بعض البلدان، فاستهدف إلى التعميم فرسان الميدان، وتوسّعوا بحسب مادة الاطّلاع وجهد الإمكان، وجنح إلى التخصيص من أثر «7» الأولوية بحسب ما يخصّه من المكان، ويلزمه من حقوق السكان، مغرما برعاية عهود وطنه وحسن العهد من الإيمان، بادئا بمن يعوله كما جاء في الطّرق الحسان. فتذكرت جملة من موضوعات من أفرد لوطنه «8» تاريخا هزّ إليها- علم الله- وفاء وكرم، ودار عليها بقول «9» الله من رحمته الواسعة حرم، كتاريخ «10» مدينة بخارى لأبي عبد الله محمد بن أحمد بن سليمان الفخار. وتاريخ أصبهان لأبي نعيم أحمد بن عبد الله الحافظ صاحب الحلية. وتاريخ أصبهان أيضا لأبي زكريا يحيى بن عبد الوهاب بن قندة الحافظ. وتاريخ نيسابور للحاكم أبي عبد الله بن اليسع، وذيله لعبد الغافر بن إسماعيل. وتاريخ همذان لأبي شجاع شيرويه بن شهردار بن شيرويه محمد بن فنا خسرو الديلمي. وتاريخ طبقات أهل شيراز لأبي عبد الله محمد بن عبد العزيز بن القصار. وتاريخ هراة، أظنه لأبي عبد الله الحسن بن محمد الكتبي. وأخبار هراة أيضا ومن نزلها من التابعين وغيرهم من المحدّثين لأبي إسحاق أحمد بن ياسين الحداد. وتاريخ سمرقند لعبد الرحمن بن محمد الأردسي. وتاريخ نسف لجعفر بن المعبر المستغفري. وتاريخ جرجان لأبي القاسم حمزة بن يوسف بن إبراهيم السهمي. وتاريخ الرّقّة لأبي علي محمد بن سعيد بن عبد الرحمن القشيري. وتاريخ بغداد للخطيب أبي بكر بن ثابت، وذيله لأبي سعيد عبد الكريم بن محمد بن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 5 منصور السمعاني. وأخبار بغداد لأحمد بن أبي طاهر. وتاريخ واسط لأبي الحسين علي بن الطيب الخلافي. وتاريخ من نزل حمص من الصحابة ومن دخلها، ومن ارتحل عنها، ومن أعقب، ولم يعقّب، وحدّث ولم يحدّث، لأبي القاسم عبد الصمد بن سعيد القاضي. وتاريخ دمشق لأبي القاسم علي بن الحسن بن عساكر. وتاريخ مكة للأزرقي. وتاريخ المدينة لابن النجّار. وتاريخ مصر لعبد الرحمن بن أحمد بن نواس. وتاريخ الإسكندرية لوجيه الدين أبي المظفر منصور بن سليمان بن منصور بن سليم الشافعي. وتاريخ طبقات فقهاء تونس لأبي محمد عبد الله بن إبراهيم بن أبي العبّاس بن خلف التميمي. وعنوان الدّراية في ذكر من كان في الماية السابعة ببجاية، لأبي العباس بن الغبريني. وتاريخ تلمسان لابن الأصفر، وتاريخها أيضا لابن هديّة. وتاريخ فاس لابن عبد الكريم، وتاريخها أيضا لابن أبي زرع. وتاريخ فاس أيضا للقونجي، وتاريخ سبتة، المسمّى بالفنون السّتّة، لأبي الفضل عياض بن موسى بن عياض، تركه في مسوّدته. وتاريخ بلنسية لابن علقمة. وتاريخ إلبيرة لأبي القاسم محمد بن عبد الواحد الغافقي الملّاحي. وتاريخ شقورة لابن إدريس. وتاريخ مالقة لأبي عبد الله بن عسكر، تركه غير متمّم، فتمّمه بعد وفاته ابن أخيه أبو بكر خمسين. والإعلام بمحاسن الأعلام من أهل مالقة، لأبي العباس أصبغ بن العباس. والاحتفال في أعلام الرجال، لأبي بكر الحسن بن محمد بن مفرّج القيسي. وتاريخ قرطبة، ومنتخب كتاب الاحتفال، وتاريخ الرؤساء والفقهاء والقضاة بطليطلة، لأبي جعفر بن مظاهر، ومنتخبه لأبي القاسم بن بشكوال. وتاريخ فقهاء قرطبة لابن حيّان. وتاريخ الجزيرة الخضراء لابن خمسين. وتاريخ قلعة يحصب، المسمّى بالطالع السّعيد، لأبي الحسن بن سعيد. وتاريخ بقيرة، لأبي عبد الله بن المؤذن. والدّرّة المكنونة في أخبار أشبونة، لأبي بكر بن محمد بن إدريس الفرابي العالوسي. ومزيّة ألمريّة لأبي جعفر أحمد بن خاتمة، من أصحابنا. وتاريخ ألمرية وباجة، لشيخنا نسيج وحده أبي البركات بن الحاج، متّع الله بإفادته، وهو في مبيّضته، لم يرمها بعد. فداخلتني «1» عصبيّة لا تقدح في دين ولا منصب، وحميّة لا يذمّ في مثلها متعصّب، رغبة أن يقع «2» سؤالهم وذكرهم من فضل الله جناب مخصب، ورأيت أن هذه الحضرة «3» التي لا خفاء بما وفّر الله من أسباب إيثارها، وأراده من جلال الجزء: 1 ¦ الصفحة: 6 مقدارها، جعلها «1» ثغر الإسلام ومتبوّأ العرب الأعلام، قبيل رسوله، عليه أفضل الصلاة وأزكى «2» السلام، وما خصّها به من اعتدال الأقطار، وجريان الأنهار، وانفساح الاعتمار «3» ، والتفاف الأشجار. نزلها العرب الكرام عند دخولهم مختطّين ومقتطعين «4» ، وهبّوا بدعوة فضلها مهطعين «5» ، فعمروا وأولدوا، وأثبتوا المفاخر وخلّدوا، إلى أن صارت دار ملك، ولبّة «6» سلك، فنبه المقدار وإن كان نبيها، وازدادت الخطّة ترفيعا «7» ، وجلب إلى «8» سوق الملإ بما نفق فيها. فكم ضمّت جدرانها من رئيس يتّقي الصباح هجومه، ويتخوّف اللّيل طروقه «9» ووجومه، ويفتقر الغيث لنوافله «10» الممنوحة وسجومه، وعالم يبرز للفنون فيطيعه عاصيها، ويدعو «11» بالمشكلات فيأخذ بنواصيها، وعالم «12» بالله قد وسم السجود جبينه، وأشعث أغبر لو أقسم على الله لأبرّ يمينه، وبليغ قد «13» أذعنت لبراعة خطّه وشيجة الخط، يغوص على درر البدائع، فيلقيها من طرسه الرائع «14» على الشّط، لم يقم بحقها ممتعض حقّ الامتعاض، ولا فرّق بين جواهرها وبين «15» الأغراض. هذا وسمر «16» الأقلام مشرعة، ومكان القول والحمد لله ذو سعة، فهي الحسناء «17» التي عدمت الذّام، وزيّنت «18» الليالي والأيام. والهوى «19» إن قيل كلفت بمغانيها، وقصرت الأيام على معانيها، فعاشق الجمال عذره مقبول «20» ، ولله درّ أبي الطيب حيث الجزء: 1 ¦ الصفحة: 7 يقول «1» : [الوافر] ضروب الناس عشّاق ضروبا ... فأعذرهم أشفّهم حبيبا فلست ببدع ممّن فتن بحب وطن، ولا بأول ما شاقه منزل فألقى بالعطن، فحبّ الوطن معجون بطينة «2» ساكنه، وطرفه مغرى بإتمام «3» محاسنه، وقد نبّه علي بن العباس «4» على السّبب، وجاء في التماس التّعليل بالعجب، حيث يقول: [الطويل] وحبّب أوطان الرجال إليهم ... مآرب قضّاها الشّباب هنالكا إذا ذكروا أوطانهم ذكّرتهم ... عهود الصّبا فيها فحنّوا لذلكا ورميت في هذا المعنى بسهم سديد، وألمحت بغرض إن لم يكنه فليس ببعيد: [الطويل] أحبّك يا مغنى الجلال بواجب ... وأقطع في أوصافك الغرّ أوقات تقسّم منك التّرب قومي وجيرتي ... ففي الظّهر أحياء وفي البطن أموات وقد كان أبو القاسم الغافقي «5» من أهل غرناطة، قام من هذا الغرض بفرض، وأتى من كله ببعض، فلم يشف من غلّة، ولا سدّ خلّة، ولا كثّر قلّة، فقمت بهذا الوظيف، وانتدبت فيه للتأليف، ورجوت على نزارة حظّ الصّحة، وازدحام الشواغل الملحّة، أن أضطلع من هذا القصد بالعبء الذي طالما طأطأت له الأكتاد، وأقف منه الموقف الذي تهيّبته الأبطال الأنجاد، فاتخذت الليل جملا لهذه الطّيّة «6» ، وانتضيت غارب العزم ونعمت المطيّة، بحيث لا مؤانس إلّا ذبال «7» يكافح جيش الدّجى، ودفاتر تلفح الحجا، وخواطر تبتغي إلى سماء الإجادة معرجا؛ وإذا صحب العمل صدق النّيّة، أشرقت من التّوفيق كلّ ثنيّة، وطلعت من السّداد كلّ غرّة سنيّة، وقد علم الله أني لم أعتمد منها دنيا أستمنحها، ولا نسمة جاه يستنشق ريحها؛ وإنما هو صبح الجزء: 1 ¦ الصفحة: 8 تبيّن، وحقّ رأيته عليّ قد تعيّن، بذلت فيه جهدي، وأقطعته جانب سهدي، لينظم هذا البلد بمثله، مما أثير كامنه، وسطّرت محاسنه، وأنشر بعد الممات جانبه «1» : [الوافر] وما شرّ الثلاثة أمّ عمرو ... بصاحبك الذي لا تصبحينا فلم أدع واحدة إلّا استنجدتها، ولا حاشية إلّا احتشدتها، ولا ضالّة إلّا نشدتها؛ والمجتهد في هذا الغرض مقصّر، والمطيل مختصر، إذ ما ذكر لا نسبة بينه وبين ما أغفل، وما جهل أكثر مما نقل، وبحار المدارك مسجورة «2» ، وغايات الإحسان على الإنسان محجورة؛ ومن أراد أن يوازن هذا الكتاب بغيره من الأوضاع فليتأمّل قصده، ويثير كامنه، ويبدي خبائنه «3» ، تتّضح له المكرمة، ولا تخفى عليه النّصفة، ويشاهد مجزي السّيّئة بالحسنة، والإغراب عن الوصمة والظّنّة، إذ الفاضل في عالم الإنسان، من عددت سقطاته، فما ظنّك بمفضوله. وللمعاصر مزية المباشرة، ومزيد الخبرة، وداعي التشفّي والمقارضة؛ وسع الجميع السّتر، وشملهم البرّ، ونشرت جنائزهم لسقي الرحمة، ومثني الشفاعة، إلّا ما شذّ من فاسق أباح الشرع حماه، أو غادر وسمه الشؤم الذي جناه، فتختلّ عرضه عن تخليد مجد، وتدوين فخر، وإبقاء ذكر، لمن لم يهمّه قطّ تحقيق اسم أبيه، ولم يعمل لما بعد يومه، فكم خلف مما ذكر فيه يجده بين يديه، شفيعا في زلّة، أو آخذا بضبع إلى رتبة، أو قائما عند ضيم بحجّة؛ أو عانس يقوم لها مقام متاع ونحلة، أو غريب يحلّ بغير قطره فيفيده نحلة، صاعد خدم قاعدا ونائما. وقد رضينا بالسلامة عن الشكر، والإصغاء عن المثوبة، والنّصفة عوض الحسرة، إذ الناس على حسب ما سطّر ورسم، ولا حول ولا قوّة إلّا بالله العليّ العظيم. والترتيب الذي انتهت إليه حيلتي، وصرفت في اختياره مخيلتي، هو أني ذكرت البلدة «4» ، حاطها الله، منبّها منها على قديمها، وطيب هوائها وأديمها، وإشراق علاها، ومحاسن حلاها، ومن سكنها وتولّاها، وأحوال أناسها، ومن دال بها من الجزء: 1 ¦ الصفحة: 9 ضروب القبائل وأجناسها، وأعطيت صورتها، وأزحت في الفخر ضرورتها، وذكرت الأسماء على الحروف المبوّبة، وفصلت أجناسهم بالتراجم المترتّبة، فذكرت الملوك والأمراء، ثم الأعيان والكبراء، ثم الفضلاء، ثم القضاة، ثم المقرئين والعلماء، ثم المحدّثين والفقهاء، وسائر الطلبة النجباء، ثم الكتّاب والشعراء، ثم العمّال الأثراء، ثم الزّهّاد والصّلحاء، والصوفيّة والفقراء، ليكون الابتداء بالملك، والاختتام بالمسك، ولينظم الجميع انتظام السّلك، وكلّ طبقة تنقسم إلى من سكن المدينة بحكم الأصالة والاستقرار، أو طرأ عليها مما يجاورها من الأقطار، أو خاض إليها وهو الغريب أثباج «1» البحار، أو ألمّ بها ولو ساعة من نهار؛ فإن كثرت الأسماء نوّعت وتوسّعت، وإن قلت اختصرت وجمعت. وآثرت ترتيب الحروف في الأسماء، ثم في الأجداد والآباء، لشرود الوفيات والمواليد، التي رتّبها الزمان عن الاستقصاء، وذهبت إلى أن أذكر الرجل ونسبه وأصالته وحسبه، ومولده وبلده، ومذهبه وأنحاله؛ والفنّ الذي دعا إلى ذكره، وحليته ومشيخته، إن كان ممّن قيّد علما أو كتبه؛ ومآثره إن كان ممّن وصل الفضل بسببه؛ وشعره إن كان شاعرا؛ وأدبه وتصانيفه، إن كان ممّن ألّف في فن أو هذّبه؛ ومحنته إن كان ممّن بزّه «2» الدهر شيئا أو سلبه؛ ثم وفاته ومنقلبه، إذ استرجع الله من منحه حياته ما وهبه. وجعلت هذا الكتاب قسمين، ومشتملا على فنّين: القسم الأول؛ «في حلى المعاهد والأماكن، والمنازل والمساكن» . القسم الثاني؛ «في حلى الزّائر والقاطن، والمتحرّك والسّاكن» . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 10 القسم الأوّل في حلى المعاهد والأماكن والمنازل والمساكن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 11 فصل في اسم هذه المدينة ووضعها على إجمال واختصار بسم الله الرّحمن الرّحيم يقال «1» غرناطة، ويقال إغرناطة «2» ، وكلاهما أعجمي، وهي مدينة كورة إلبيرة، فبينهما فرسخان وثلثا فرسخ «3» . وإلبيرة من أعظم كور الأندلس، ومتوسّطة ما اشتمل عليه الفتح من البلاد، وتسمّى في تاريخ الأمم السالفة من الرّوم، سنام «4» الأندلس، وتدعى في القديم بقسطيليّة. وكان لها من الشّهرة والعمارة، ولأهلها من الثروة والعدّة، وبها من الفقهاء والعلماء، ما هو مشهور. قال أبو مروان بن حيّان: كان يجتمع بباب المسجد الجامع من إلبيرة خمسون حكمة «5» ، كلها من فضّة لكثرة الأشراف بها. ويدلّ على ذلك آثارها الخالدة، وأعلامها الماثلة، كطلل مسجدها الجامع، الذي تحامى استطالة البلى، كسلت عن طمس معالمه أكفّ الرّدى، إلى بلوغ ما فسح له من المدى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 13 بناه الأمير محمد بن عبد الرحمن بن الحكم، أمير المؤمنين الخليفة «1» بقرطبة، رحمه الله، على تأسيس حنش بن عبد الله الصّنعاني الشافعي، رحمه الله، وعلى محرابه لهذا الوقت: «بسم الله العظيم، بنيت لله؛ أمر ببنائها الأمير محمد بن عبد الرحمن، أكرمه الله، رجاء ثوابه العظيم؛ وتوسيعا لرعيته؛ فتمّ بعون الله على يدي عبد الله بن عبد الله، عامله على كورة إلبيرة في ذي قعدة سنة خمسين ومائتين» . ولم تزل الأيام تخيف ساكنها، والعفاء يتبوّأ مساكنها، والفتن الإسلامية تجوس أماكنها، حتى شملها الخراب، وتقسّم قاطنها الاغتراب، وكلّ الذي فوق التّراب تراب. وانتقل أهلها مدة أيام الفتنة البربريّة «2» سنة أربعمائة من الهجرة، فما بعدها، ولجأوا إلى مدينة غرناطة، فصارت حاضرة الصّقع، وأمّ المصر، وبيضة ذلك الحقّ، لحصانة وضعها، وطيب هوائها، ودرور مائها، ووفور مدتها، فأمن فيها الخائف، ونظم النّشر، ورسخت الأقدام، وتأثّل المصر، وهلمّ جرّا. فهي بالأندلس، قطب بلاد الأندلس، ودار الملك، وقرى الإمارة، أبقاها الله متبوّأ الكلمة إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها بقدرته. من «كتاب إلبيرة» «3» ، قال: بعد ذكر إلبيرة، وقد خلفها بعد ذلك كله مدينة غرناطة من أعظم مدنها وأقدمها، عندما انقلبت العمارة إليها من إلبيرة، ودارت أفلاك البلاد الأندلسية، فهي في وقتنا هذا قاعدة الدّنيا، وقرارة العليا، وحاضرة السلطان، وقبّة العدل والإحسان. لا يعدلها في داخلها ولا خارجها بلد من البلدان، ولا يضاهيها في اتّساع عمارتها، وطيب قرارتها، وطن من الأوطان. ولا يأتي على حصر أوصاف جمالها، وعدّ أصناف جلالها، قلم البيان. أدام الله فيها العزّ للمسلمين والإسلام، وحرسها ومن اشتملت عليه من خلفائه، وأنصار لوائه، بعينه التي لا تنام، وركنه الذي لا يرام. وهذه المدينة من معمور الإقليم الخامس «4» ، يبتدئ من الشرق، من بلاد يأجوج ومأجوج، ثم يمرّ على شمال خراسان، ويمرّ على سواحل الشام، ممّا يلي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 14 الشمال، ويمرّ على بلاد الأندلس، قرطبة وإشبيلية وما والاها إلى البحر المحيط الغربي. وقال صاعد بن أحمد في كتاب «الطّبقات» : إنّ معظم الأندلس في الإقليم الخامس، وطائفة منها في الإقليم الرابع، كمدينة إشبيلية، ومالقة، وغرناطة، وألمريّة ومرسية. وذكر العلماء بصناعة الأحكام أنّ طالعها الذي اختطّت به السّرطان، ونحلوها، لأجل ذلك، مزايا، وحظوظا من السعادة، اقتضاها تسيير أحكام القرانات الانتقاليّة على عهد تأليف هذا الموضع. وطولها سبع وعشرون درجة وثلاثون دقيقة «1» ، وعرضها سبع وثلاثون درجة وعشر دقائق. وهي مساوية في الطول بأمر يسير لقرطبة، وميورقة، وألمريّة؛ وتقرب في العرض من إشبيلية، وألمريّة، وشاطبة وطرطوشة، وسردانية، وأنطاكية، والرّقة. كل ذلك بأقلّ من درجة. فهي «2» شاميّة في أكثر أحوالها، قريبة من الاعتدال، وبينها وبين قرطبة، أعادها الله تعالى، تسعون ميلا. وهي منها بين شرق وقبلة. وبحر الشام «3» يحول ويحاجز بين الأندلس وبلاد العدوة «4» ، وبين غرب وقبلة على أربعة برد «5» . والجبال بين شرق وقبلة، والبراجلات «6» بين شرق وجوف «7» ، والكنبانيّة «8» بين غرب وقبلة، وبين جوف وغرب، فهي لمكان جوار السّاحل، ممارة بالبواكر «9» السّاحلية، طيبة البحار، وركاب لجهاد البحر، ولمكان استقبال الجبال، المقصودة «10» بالفواكه المتأخّرة اللحاق، معلّلة بالمدّخرات، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 15 ولمكان «1» استدبار الكنبانيّة واضطبار «2» البراجلات؛ بحر من بحور الحنطة، ومعدن للحبوب المفضلة، ولمكان شلير، جبل الثلج «3» ، أحد مشاهير جبال الأرض، الذي ينزل به الثلج شتاء وصيفا، وهو على قبلة منها على فرسخين؛ وينساب منه ستة وثلاثون نهرا من فوّهات الماء، وتنبجس من سفوحه العيون، صحّ منها الهواء، واضطردت في أرجائها وساحاتها المياه، وتعدّدت الجنّات بها والبساتين، والتفّت الأدواح، وشمّر الرّوّاد على منابت العشب في مظانّ العقار مستودعات الأدوية والتّرياقيّة. وبردها لذلك في المنقلب الشتوي شديد، وتجمد بسببه الأدهان والمائعات، ويتراكم بساحاتها الثلج في بعض السنين، فجسوم أهلها لصحّة الهواء صلبة، وسحانهم خشنة، وهضومهم قويّة، ونفوسهم لمكان الحرّ الغريزي جريّة «4» . وهي دار منعة وكرسي ملك، ومقام حصانة. وكان ابن غانية «5» يقول للمرابطين في مرض موته، وقد عوّل عليها للامتساك بدعوتهم: الأندلس درقة، وغرناطة قبضتها؛ فإذا جشّمتم يا معشر المرابطين القبضة، لم تخرج الدرقة من أيديكم. ومن أبدع ما قيل في الاعتذار عن شدّة بردها، ما هو غريب في معناه، قول شيخنا القاضي أبي بكر بن شبرين رحمه الله «6» : [الطويل] رعى الله من غرناطة متبوّءا ... يسرّ كئيبا «7» أو يجير طريدا تبرّم منها صاحبي عندما «8» رأى ... مسارحها بالبرد «9» عدن جليدا هي الثّغر صان الله من أهلت به ... وما خير ثغر لا يكون برودا؟ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 16 وقال الرّازي عند ذكر كورة إلبيرة: ويتصل بأحواز قبرة كورة إلبيرة، وهي بين الشّرق والقبلة، وأرضها سقي غزيرة الأنهار، كثيرة الثّمار، ملتفّة الأشجار، أكثرها أدواح الجوز، ويحسن فيها قصب السّكر؛ ولها معادن جوهرية من ذهب، وفضة، ورصاص، وحديد. وكورة إلبيرة أشرف الكور، نزلها جند دمشق. وقال: لها من المدن الشريفة مدينة قسطيليّة، وهي حاضرة إلبيرة، وفحصها لا يشبّه بشيء من بقاع الأرض طيبا ولا شرفا إلّا بالغوطة؛ غوطة دمشق. وقال بعض المؤرّخين «1» : ومن كرم أرضنا أنها لا تعدم زريعة «2» بعد زريعة؛ ورعيا بعد رعي، طول العام؛ وفي عمالتها المعادن الجوهرية من الذهب، والفضة، والرّصاص، والحديد، والتوتيا. وبناحية دلاية «3» من عملها، عود اليلنجوج «4» ، لا يفوقه العود الهندي ذكا «5» وعطر رائحة. وقد سيق منه لخيران «6» صاحب ألمرية أصل كان منبته بين أحجار هناك. وبجبل شلير منها سنبل فائق الطّيب، وبه الجنطيانا، يحمل منه إلى جميع الآفاق، وهو عقير رفيع، ومكانه من الأدوية الترياقية مكانه. وبه المرقشينة على اختلافها، واللّازورد. وبفحصها وما يتصل به القرمز. وبها من العقّار والأدوية النّباتية والمعدنية ما لا يحتمل ذكرها الإيجاز. وكفى بالحرير الذي فضلت به فخرا وقيتة، وغلّة شريفة، وفائدة عظيمة، تمتاره منها البلاد، وتجلبه الرفاق، وفضيلة لا يشاركها فيها إلّا البلاد العراقية. وفحصها «7» الأفيح، المشبّه بالغوطة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 17 الدمشقية «1» ، حديث الرّكاب، وسمر الليالي، قد دحاه الله في بسيط سهل «2» تخترقه «3» المذانب، وتتخلّله الأنهار جداول، وتتزاحم فيه القرى والجنّات، في ذرع أربعين ميلا أو نحوها، تنبو العين فيها عن وجهه؛ ولا تتخطّى المحاسن منها إلّا مقدار رقعة الهضاب، والجبال المتطامية منه بشكل ثلثي دارة «4» ، قد عرت «5» منه المدينة فيما يلي المركز لجهة القبلة، مستندة إلى أطواد سامية، وهضاب عالية، ومناظر مشرفة؛ فهي قيد البصر، ومنتهى الحسن، ومعنى الكمال، أضفى الله عليها، وعلى من بها من عباده المؤمنين جناح ستره، ودفع عنهم عدوّ الدّين بقدرته. فصل في فتح هذه المدينة ونزول العرب الشاميين من جند دمشق بها وما كانت عليه أحوالهم، وما تعلق بذلك من تاريخ قال المؤلّف: اختلف المؤرّخون في فتحها؛ قال ابن القوطيّة «6» : إن يليان «7» الرّومي الذي ندب العرب إلى غزو الأندلس طلبا لوتره «8» من ملكها لذريق بما هو معلوم، قال لطارق بن زياد مفتتحها عندما كسر جيش الرّوم على وادي لكّه: قد فضضت جيش القوم «9» ودوّخت حاميتهم، وصيّرت الرّعب في قلوبهم، فاصمد لبيضتهم؛ وهؤلاء أدلّاء من أصحابي، ففرّق جيوشك في البلدان بينهم «10» ، واعمد أنت إلى طليطلة بمعظمهم، وأشغل القوم عن النظر في أمرهم «11» ، والاجتماع إلى وليّ رأيهم. قال «12» : ففرّق طارق جيوشه من إستجّة؛ فبعث مغيثا «13» الرّومي، مولى الوليد بن عبد الملك بن مروان إلى قرطبة؛ وبعث جيشا آخر إلى مالقة «14» ؛ وأرسل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 18 جيشا ثالثا إلى غرناطة مدينة إلبيرة؛ وسار هو في معظم الناس إلى كورة جيّان «1» يريد طليطلة. قال «2» : فمضى الجيش الذي وجّه طارق إلى مالقة ففتحها، ولجأ علوجها إلى جبال هناك ممتنعة. ثم لحق ذلك الجيش بالجيش المتوجّه إلى إلبيرة، فحاصروا مدينتها، وفتحوها عنوة؛ وألفوا بها يهودا ضمّوهم إلى قصبة غرناطة؛ وصار لهم ذلك سنّة متّبعة، متى وجدوا بمدينة فتحوها «3» يهودا، يضمّونهم إلى قصبتها، ويجعلون معهم طائفة من المسلمين يسدّونها. ثم مضى الجيش إلى تدمير. وكان دخول طارق بن زياد الأندلس يوم الاثنين لخمس خلون من رجب سنة اثنتين وتسعين «4» . وقيل في شعبان، وقيل في رمضان، بموافقة شهر غشت من شهور العجمية. وذكر معاوية بن هشام وغيره «5» : أن فتح ما ذكر تأخّر إلى دخول موسى بن نصير في سنة ثلاث وتسعين. فتوجّه ابنه عبد الأعلى في جيش إلى تدمير فافتتحها، ومضى» إلى إلبيرة فافتتحها، ثم توجّه إلى مالقة. قال المؤلّف رحمه الله: ولمّا استقرّ ملك الإسلام بجزيرة الأندلس، ورمى إلى قصبتها الفتح، واشرأبّ في عرصاتها الدّين، ونزلت قرطبة وسواها العرب، فتبوّؤوا الأوطان، وعمروا البلدان، فالدّاخلون على يد موسى بن نصير يسمّون بالبلديّين، والداخلون بعضهم مع بلج بن بشر القشيري، يسمّون بالشّاميين. وكان دخول بلج بن بشر القشيري بالطّالعة البلجيّة سنة خمس وعشرين ومائة. ولمّا دخل الشاميّون مع أميرهم بلج، حسبما تقرّر في موضعه، وهم أسود الشّرى «7» عزّة وشهامة، غصّ بهم السابقون إلى الأندلس، وهم البلديّون، وطالبوهم بالخروج عن بلدهم الذي فتحوه، وزعموا أنه لا يحملهم وإياهم، واجتمعوا لغزوهم، فكانت الحروب تدور بينهم، إلى أن وصل الأندلس أبو الخطّار حسام بن ضرار الكلبي، عابرا إليها البحر من ساحل تونس، وأظلّ على قرطبة على حين غفلة، وقد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 19 ستر خبر نفسه، والحرب بينهم، فانقاد إليه الجميع بحكم عهد مدينه حنظلة بن صفوان والي إفريقية «1» ، وقبض على وجوه الشاميّين عازما عليهم في الانصراف حسبما هو مشهور؛ ورأى تفريق القبائل في كور الأندلس، ليكون أبعد للفتنة، ففرّقهم، وأقطعهم ثلث أموال أهل الذّمّة، الباقين من الرّوم، فخرج القبائل الشاميون عن قرطبة. قال أبو مروان: أشار على أبي الخطار، أرطباس قومس الأندلس، وزعيم عجم الذمّة «2» ، ومستخرج خراجهم لأمراء المسلمين- وكان هذا القومس شهير العلم والدهاء- لأول الأمر، بتفريق القبائل الشاميين العلمين عن البلد، عن دار الإمارة قرطبة، إذ كانت لا تحملهم، وإنزالهم بالكور، على شبه منازلهم التي كانت في كور شامهم، ففعل ذلك على اختيار منهم؛ فأنزل جند دمشق كورة إلبيرة، وجند الأردن كورة جيّان، وجند مصر كورة باجة، وبعضهم بكورة تدمير؛ فهذه منازل العرب الشاميين؛ وجعل لهم ثلث أموال أهل الذّمّة من العجم طعمة؛ وبقي العرب والبلديّون والبرابر «3» شركاؤهم؛ فلمّا رأوا بلدانا شبه بلدانهم بالشام، نزلوا وسكنوا واغتبطوا وكبروا وتموّلوا، إلّا من كان قد نزل منهم لأول قدومه في الفتوح على عنائهم موضعا رضيّا، فإنه لم يرتحل عنه، وسكن به مع البلديّين. فإذا كان العطاء أو حضر الغزو ولحق بجنده، فهم الذين كانوا سمّوا الشّادّة حينئذ. قال أحمد بن موسى: وكان الخليفة يعقد لواءين، لواء غازيا، ولواء مقيما؛ وكان رزق الغازي بلوائه مائتي دينار. ويبقى المقيم بلا رزق ثلاثة أشهر؛ ثم يدال بنظيره من أهله أو غيرهم. وكان الغزاة من الشّاميين مثل إخوة المعهود له أو بنيه أو بني عمّه، يرزقون عند انقضاء غزاته عشرة دنانير؛ وكان يعقد المعقود له مع القائد؛ يتكشّف عمّن غزا، ويستحقّ العطاء، فيعطى على قوله تكرمة له؛ وكانت خدمتهم في العسكر، واعتراضهم إليه؛ وكان من الشّاميين غازيا من غير بيوتات العقد، ارتزق خمسة دنانير عند انقضاء الغزو. ولم يكن يعطى أحد من البلديين شيئا غير المعقود له؛ وكان البلديّون أيضا يعقد لهم لواءان؛ لواء غاز، ولواء مقيم؛ وكان يرتزق الغازي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 20 مائة دينار وازنة؛ وكان يعقد لغيره إلى ستة أشهر، ثم يدال بنظيره من غيرهم؛ ولم يكن الدّيوان والكتبة إلّا في الشّاميين خاصّة؛ وكانوا أحرارا من العشر، معدّين للغزو، ولا يلزمهم إلّا المقاطعة على أموال الرّوم التي كانت بأيديهم؛ وكان العرب من البلديين يؤدّون العشر، مع سائر أهل البلد، وكان أهل بيوتات منهم يغزون كما يغزو الشاميّون، بلا عطاء، فيصيّرهم إلى ما تقدّم ذكره. وإنما كان يكتب أهل البلد في الغزو؛ وكان الخليفة يخرج عسكرين، إلى ناحيتين، فيستنزلهم؛ وكانت طائفة ثالثة يسمّون النّظراء من الشاميين والبلديين، كانوا يغزون كما يغزو أهل البلد من الفريقين. وقد بيّنّا نبذة من أحوال هؤلاء العرب. والاستقصاء يخرج كتابنا عن غرضه، والإحاطة لله سبحانه. ذكر ما آل إليه حال من ساكن المسلمين بهذه الكورة من النصارى المعاهدين «1» على الإيجاز والاختصار قال المؤلّف: ولمّا استقرّ بهذه الكورة الكريمة أهل الإسلام، وأنزل الأمير أبو الخطار قبائل العرب الشاميّين بهذه الكورة، وأقطعهم ثلث أموال المعاهدين، استمرّ سكناهم في غمار من الروم؛ يعالجون فلاحة الأرض، وعمران القرى، يرأسهم أشياخ من أهل دينهم، أولو حنكة ودهاء ومداراة، ومعرفة بالجباية اللازمة لرؤوسهم. وأحدهم رجل يعرف بابن القلّاس، له شهرة وصيت، وجاه عند الأمراء بها. وكانت لهم بخارج الحضرة، على غلوتين «2» ، تجاه باب إلبيرة في اعتراض الطريق إلى قولجر، كنيسة شهيرة، اتخذها لهم أحد الزعماء من أهل دينهم، استركبه بعض أمرائها في جيش خشن من الروم، فأصبحت فريدة في العمارة والحلية؛ أمر بهذمها الأمير يوسف بن تاشفين «3» ، لتأكّد رغبة الفقهاء، وتوجّه فتواهم. قال ابن الصّيرفي: خرج أهل الحضرة لهدمها يوم الاثنين عقب جمادى الآخرة من عام اثنين وتسعين وأربعمائة، فصيّرت للوقت قاعا، وذهبت كلّ يد بما أخذت من أنقاضها وآلاتها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 21 قلت: ومكانها اليوم مشهور، وجدارها ماثل ينبئ عن إحكام وأصالة، وعلى بعضها مقبرة شهيرة لابن سهل بن مالك، رحمه الله. ولمّا تحرّكت لعدو الله الطّاغية ابن رذمير ريح الظّهور، على عهد الدولة المرابطيّة، قبل أن يخضد الله شوكته على إفراغة «1» بما هو مشهور، أملت المعاهدة «2» من النصارى لهذه الكورة إدراك الثّرّة، وأطمعت في المملكة، فخاطبوا «3» ابن رذمير من هذه الأقطار، وتوالت عليه كتبهم وتواترت رسلهم، ملحّة بالاستدعاء مطمعة في دخول غرناطة «4» ، فلمّا أبطأ عنهم، وجّهوا إليه زماما يشتمل على اثني عشر ألفا من أنجاد مقاتليهم، لم يعدّوا فيها شيخا ولا غرّا، وأخبروه أنّ من سمّوه، ممّن شهرت «5» أعينهم لقرب مواضعهم، وبالبعد من يخفى أمره، ويظهر عند ورود شخصه، فاستأثروا طمعه وابتعثوا جشعه، واستفزّوه بأوصاف غرناطة، وما لها من الفضائل «6» على سائر البلاد وبفحصها الأفيح، وكثرة فوائدها من القمح والشّعير، والكتّان، وكثرة المرافق، من الحرير والكروم، والزيتون، وأنواع الفواكه، وكثرة العيون والأنهار، ومنعة قبّتها «7» وانطباع رعيّتها، وتأتي أهل حاضرتها، وجمال إشرافها وإطلالها، وأنّها المباركة التي يمتلك منها غيرها، المسمّاة سنام الأندلس عند الملوك في تواريخها، فرموا حتى أصابوا غربه، فانتخب وأحشد، وتحرّك أول شعبان من عام خمسة عشر وخمسمائة «8» وقد أخفى مذهبه، وكتم أربه، فوافى «9» بلنسية، ثم إلى مرسية، ثم إلى بيرة، ثم اجتاز بالمنصورة ثم انحدر إلى برشانة، ثم تلوّم إلى وادي ناطلة. ثم تحرّك إلى بسطة، ثم إلى وادي آش، فنزل بالقرية المعروفة بالقصر «10» وصافح المدينة بالحرب، ولم يحل بطائل، فأقام عليها شهرا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 22 قال صاحب كتاب «الأنوار الجليّة» «1» : فبدأ «2» بحث المعاهدة بغرناطة في استدعائه، فافتضح تدبيرهم باجتلابه، وهمّ أميرها «3» بتثقيفهم «4» ، فأعياهم ذلك، وجعلوا يتسلّلون إلى محلّته على كل طريق، وقد أحدقت جيوش المسلمين من أهل العدوة «5» والأندلس بغرناطة، حتى صارت كالدّائرة، وهي في وسطها كالنّقطة، لمّا أنذروا بغرضه؛ وتحرّك من وادي آش فنزل بقرية دجمة «6» ؛ وصلّى الناس بغرناطة صلاة الخوف، يوم عيد النّحر من هذه السنة في الأسلحة والأبّهة؛ وبعيد الظهر من غده، ظهرت أخبية الرّوم بالقيل شرق المدينة، وتوالى الحرب على فرسخين منها، وقد أجلى السّواد، وتزاحم الناس بالمدينة، وتوالى الجليد، وأظلّت الأمطار. وأقام العدو بمحلّته بضع عشرة ليلة لم تسرح له سارحة، إلّا أنّ المعاهدة تجلب «7» له الأقوات؛ ثم أقلع وقد ارتفع طعمه عن المدينة، لأربع بقين من ذي الحجة عام عشرين «8» ، بعد أن تفرّغ مستدعيه إليها، وكبيره يعرف بابن القلّاس، فاحتجّوا ببطئه وتلوّمه حتى تلاحقت الجيوش، وأنهم قد وقعوا مع المسلمين في الهلكة، فرحل عن قرية مرسانة إلى بيش، ومن الغد إلى السكة من أحواز قلعة يحصب «9» ثم اتصل إلى لدوبيانة، ونكب إلى قبرة واللسّانة «10» ، والجيوش المسلمة في أذياله. وأقام بقبرة1» أياما، ثم تحرّك إلى بلاي والعساكر في أذياله، وشيجة في فحص الرّنيسول «12» مكافحة في أثنائها، مناوشة، وظهورا عليه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 23 ولمّا جنّ الليل، أمر أميرهم «1» برفع خبائه من وهدة كان فيها إلى نجدة، فساءت الظنون، واختلّ الأمر، ففرّ الناس وأسلموا، وتهيّب العدو المحلّة، فلم يدخلها إلّا بعد هدأة من الليل واستولى عليها. وتحرّك بعد الغد منها إلى جهة الساحل فشقّ العمامة الآمنة من الإقليم والشّارّات «2» ، فيقول بعض شيوخ تلك الجهة: إنه اجتاز بوادي شلوبانية المطلّ الحافّات، والمتحصّن المجاز، وقال بلغته: أيّ قبر هذا لو ألفينا من يصبّ علينا التراب! ثم عرّج يمنة حتى انتهى إلى بلّش، وأنشأ بها جفنا «3» صغيرا يصيد له حوتا، أكل منه كأنه نذر كان عليه، وفّى به، أو حديث أراد أن يخلّد عنه، ثم عاد إلى غرناطة، فاضطرب بها محلته بقرية ذكر، على ثلاثة فراسخ منها قبلة، ثم انتقل بعد ذلك بيومين إلى قرية همدان «4» ، وبرز بالكتب جاعرسطة «5» من المدينة، وكان بينه وبين عساكر المسلمين مواقعة عظيمة؛ ولأهل غرناطة بهذا الموضع حدثان ينظرونه من القضايا المستقبلة. قال ابن الصّيرفي: وقد ذكر في بعض كتب الجفر: «هذا الفحص، بخراب يجبى عن يتامى وأيامى» . وكان هذا اليوم معرّضا لذلك، فوقى الله؛ وانتقل بعد يومين إلى المرج مضيّقا عليه والخيل تحرجه، فنزل بعين أطسة، والجيوش محدقة به، وهو في نهاية من كمال التّعبئة، وأخذ الحذر، بحيث لا تصاب فيه فرصة؛ ثم تحرّك على البراجلات، إلى اللقوق، إلى وادي آش، وقد أصيب كثير من حاميته؛ وطوى المراحل إلى الشرق؛ فاجتاز إلى مرسية، إلى جوف شاطبة، والعساكر في كل ذلك تطأ أذياله، والتّناوش «6» يتخطّر به، والوباء يسرع إليه، حتى لحق بلاده، وهو ينظر إلى قفاه، مخترما، مفلولا من غير حرب، يكاد الموت يستأصل محلّته وجملته. ولمّا بان للمسلمين من مكيدة جيرانهم المعاهدين، ما أجلت عنه هذه القضية، أخذهم الإرجاف، ووغرت لهم الصّدور. ووجّه إلى مكانهم الحزم، ووجّه القاضي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 24 أبو الوليد بن رشد الأجر، وتجشّم المجاز «1» ، ولحق بالأمير علي بن يوسف بن تاشفين بمرّاكش، فبيّن له أمر الأندلس، وما منيت «2» به من معاهدها، وما جنوه عليها من استدعاء الرّوم، وما في ذلك من نقض العهد، والخروج عن الذّمة، وأفتى بتغريبهم، وإجلائهم عن «3» أوطانهم وهو أخفّ ما يؤخذ به من عقابهم؛ وأخذ بقوله، ونفّذ بذلك عهده، وأزعج منهم إلى برّ العدوة، في رمضان من العام المذكور، عدد جمّ، أنكرتهم الأهواء، وأكلتهم الطرق، وتفرّقوا شذر مذر، وأصاب كثير من الجلاء جمعتهم من اليهود؛ وتقاعدت بها منهم طائفة، هبّت لها بممالأة بعض الدول ريح، فأمّروا وأكثروا إلى عام تسعة وخمسين وخمسمائة، ووقعت فيهم وقيعة احتشّتهم، إلّا صابة «4» لهذا العهد قليلة، قديمة المذلّة، وحالفت الصّغار. جعل الله العاقبة لأوليائه. ذكر ما ينسب إلى هذه الكورة من الأقاليم التي نزلتها العرب بخارج غرناطة، وما يتصل بها من العمالة فصل فيما اشتمل عليه خارج المدينة من القرى والجنّات والجهات قال المؤلّف رحمه الله: ويحفّ «5» بسور هذه المدينة المعصومة بدفاع الله تعالى، البساتين العريضة المستخلصة، والأدواح الملتفّة، فيصير سورها من خلف ذلك كأنّه من دون سياج كثيفة، تلوح نجوم الشّرفات «6» أثناء خضرائه، ولذلك ما قلت فيه في بعض الأغراض «7» : [الكامل] بلد تحفّ «8» به الرّياض كأنّه ... وجه جميل والرّياض عذاره وكأنّما واديه معصم غادة ... ومن الجسور المحكمات سواره فليس تعرى عن جنباته من الكروم والجنّات جهة، إلّا ما لا عبرة به مقدار غلوة، أما ما حازه السّفل من جوفيه، فهي عظيمة الخطر، متناهية القيم، يضيق جدّه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 25 من عدا أهل الملك، عن الوفاء بأثمانها، منها ما يغلّ في السنة الواحدة نحو الألف من الذّهب، قد غصّت الدكاكين بالخضر الناعمة، والفواكه الطيّبة، والثمر المدّخرة، يختصّ منها بمستخلص السلطان «1» ، المرور طوقا على ترائب بلده ما بينهن منية؛ منها الجنّة «2» المعروفة بفدّان الميسة، والجنة المعروفة بفدّان عصام، والجنة المعروفة بالمعروي، والجنة إلى المنسوبة إلى قدّاح بن سحنون، والجنة المنسوبة لابن المؤذّن، والجنة المنسوبة لابن كامل، وجنة النّخلة العليا، وجنة النخلة السفلى، وجنة ابن عمران، والجنة التي إلى نافع، والجرف الذي ينسب إلى مقبل، وجنّة العرض، وجنة الحفرة، وجنة الجرف، ومدرج نجد، ومدرج السّبيكة «3» ، وجنّة العريف «4» : كلها لا نظير لها في الحسن والدّمانة «5» والربيع، وطيب التربة، وغرقد «6» السّقيا، والتفاف الأشجار، واستجادة الأجناس، إلى ما يجاورها ويتخلّلها، ممّا يختصّ بالأحباس الموقفة، والجنّات المتملّكة، وما يتصل بها بوادي سنجيل ما يقيّد الطّرف، ويعجز الوصف، قد مثلث منها على الأنهار المتدافعة العباب، المنارة والقباب، واختصّت من أشجار العاريات ذات العصير الثاني بهذا الصّقع، ما قصرت عنه الأقطار. وهذا الوادي من محاسن هذه الحضرة، ماؤه رقراق من ذوب الثلج، ومجاجة الجليد، وممرّه على حصى جوهرية، بالنبات والظّلال محفوفة، يأتي من قبلة علام البلد إلى غربه، فيمرّ بين القصور النّجدية، ذوات المناصب الرفيعة، والأعلام الماثلة. ولأهل الحضرة بهذه الجنّات كلف، ولذوي البطالة فوق نهره أريك من دمث الرمل، وحجال من ملتفّ الدّوح، وكان بها سطر من شجر الحور؛ تنسب إلى مامل «7» ، أحد خدّام الدولة الباديسية، أدركنا المكان، يعرف بها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 26 قال أبو الحجاج يوسف بن سعيد بن حسّان: [الطويل] أحنّ إلى غرناطة كلما هفّت ... نسيم الصّبا تهدى الجوى وتشوق سقى الله من غرناطة كل منهل ... بمنهل سحب ماؤهنّ هريق ديار يدور الحسن بين خيامها ... وأرض لها قلب الشّجيّ مشوق أغرناطة العليا بالله خبّري ... أللهائم الباكي إليك طريق؟ وما شاقني إلا نضارة منظر ... وبهجة واد للعيون تروق تأمّل إذا أمّلت حوز مؤمّل ... ومدّ من الحمرا عليك شقيق وأعلام نجد والسّبيكة قد علت ... وللشّفق الأعلى تلوح بروق وقد سلّ شنّيل «1» فرندا مهنّدا ... نضى فوق درّ ذرّ فيه عقيق إذا نمّ منه طيب نشر أراكه ... أراك فتيت المسك وهو فتيق ومهما بكى جفن الغمام تبسّمت ... ثغور أقاح للرّياض أنيق ولقد ولعت الشعراء بوصف هذا الوادي، وتغالت الغالات فيه، في تفضيله على النيل بزيادة الشّين «2» ، وهو ألف من العدد، فكأنه نيل بألف ضعف، على عادة متناهي الخيال الشعري؛ في مثل ذلك. ولقد ألغزت فيه لشيخنا أبي الحسن بن الجيّاب «3» ، رحمه الله، وقد نظم في المعنى المذكور ما عظم له استطرابه وهو: [البسيط] ما اسم إذا زدته ألفا من العدد ... أفاد معناه لم ينقص ولم يزد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 27 وإنما ائتلفا من بعد ما اختلفا ... معنى بشين ومن نزر ومن بلد ثم يتصل بالحسن العادي البديع، وهو على قسمين، خمس من محكم الكدان في نهاية الإبداع والإحكام، يتّصل به بناء قديم محكم، ويستقبل الملعب، العيدي، ما بين ذنابي الجسر إلى جدار الرابطة، وملعب بديع الشكل، عن يمينه جناح بديع، عن ميدانه عدوات النهر، وعن يساره الجنّات، ويفضي بعد انتهائه إلى الرّابطة، إلى باب القصر المنسوب إلى السّيد «1» ، وسيأتي ذكره؛ ويرتفع من هذا النهر الزّلال جداول، تدور بها أعداد من الأرحيّ لا نظير لها استعدادا وإفادة. فصل وتركب ما ارتفع من هذه المدينة من جهاتها الثلاث، الكروم البديعة، طوقا مرقوما، يتصل بما وراءها من الجبال، فتعمّ الرّبى والوهاد، وتشمل الغور والنّجد، إلّا ما اختصّ منها بالسّهل الأفيح، متّصلا بشرقي باب إلبيرة، إلى الخندق العميق، وهو المسمّى «بالمشايخ» ، بسيط جليل، وجوّ عريض، تغمى على العدّ أمراجه ومصانيعه، تلوح مبانيها، ناجمة بين الثّمار والزيتون، وسائر ذوات الفواكه، من اللّوز والإجاص والكمثرى، محدقة من الكروم المسحّة، والرياحين الملتفّة، ببحور طامية تأتي البقعة الماء؛ ففيها كثير من البساتين والرّياض، والحصون، والأملاك المتّصلة السكنى، على الفصول؛ وإلى هذه الجهة يشير الفقيه القاضي، أبو القاسم بن أبي العافية، رحمه الله، في قصيدة، يجيب بها عروس الشعراء، الأديب الرّحّال أبا إسحاق السّاحلي، وكان ممّن نيطت عليه بهذا العهد، التّمائم: [الكامل] يا نازحا لعب المطيّ بكوره ... لعب الرّياح الهوج بالأملود ورمت به للطّية القصوى التي ... ما وردها لسواه بالمورود هلّا حننت إلى معاهدنا التي ... كنت الحليّ لنحرها والجيد؟ ورياض أنس بالمشايخ «2» طارحت ... فيه الحمائم صوت سجع العود ومبيتنا فيها وصفو مدامنا ... صفو المودّة لابنة العنقود والعيش أخضر والهوى يدني جنى ... زهرات ثغر أو ثمار نهود الجزء: 1 ¦ الصفحة: 28 والقضب رافلة يعانق بعضها ... بعضا إذا اعتنقت غصون قدود لهفي على ذاك الزمان وطيبه ... وعلى مناه وعيشه المحسود تلك الليالي لا ليالي بعدها ... عطّلن إلّا من جوى وسهود كانت قصارا ثم طلن ففيها «1» ... تأتي على المقصور والممدود وأما ما استند إلى الجبل، فيتصل به البيازين في سفح الجبل، المتصل بالكدية ابن سعد، متّصلا بالكدية المبصلة، المنسوبة لعين الدّمع «2» ، منعطفة على عين القبلة، متصلة بجبل الفخّار «3» ، ناهلة في غمر الماء المجلوب على ذلك السّمت؛ أوضاع بديعة، وبساتين رائقة، وجنّات لا نظير لها، في اعتدال الهواء، وعذوبة الماء، والإشراف على الأرجاء، ففيها القصور المحروسة، والمنارة المعمورة، والدّور العالية، والمباني القصبيّة «4» ، والرياحين النّضيرة، قد فضّ فيها أهل البطالة، من أولي الحبرة، الأكياس، وأرخصوا على النفقة عليها، غالي النّشب «5» ، تتنازع في ذلك غير الخادمين، من خدّام الدولة على مرّ الأيام، حتى أصبحت نادرة الأرض، والمثل في الحسن. ولهذه البقعة ذكر يجري في المنظومات على ألسنة البلغاء من ساكنيها وزوّارها؛ فمن أحسن ما مرّ من ذلك قول شيخنا أبي البركات «6» : [الطويل] ألا قل لعين الدمع يهمي بمقلتي ... لفرقة عين الدمع وقفا على الدّم وذكرته في قصيدة فقلت: [الكامل] يا عهد عين الدمع، كم من لؤلؤ ... للدمع جاد به عساك تعود! تسري نواسمك اللّدان بليلة ... فيهزّني شوق إليك شديد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 29 وقلت من أبيات تكتب في قبّة بقصري الذي اخترعته بها: [الطويل] إذا كان عين الدمع عينا حقيقة ... فإنسانها ما نحن فيه ولادع فدام لخيل الأنس واللهو ملعبا ... ولا زال مثواه المنعّم مرتع تودّ الثّريّا أن تكون له ثرى ... وتمدحه الشّعرى وتحرسه ألمع وقال صاحبنا الفقيه أبو القاسم بن قطبة «1» من قصيدة: [الطويل] أجل إنّ عين الدمع قيد النّواظر ... فسرّح عيونا في اجتلاء النّواظر وعرّج على الأوزان إن كنت ذا هوى ... فإنّ رباه مرتع للجآذر وصافح بها كفّ البهار مسلّما ... وقبّل عذار الأنس بين الأزاهر وخذها على تلك الأباطح والرّبى ... معتّقة تجلو الصّدا للخواطر مدامة حان أنسى للدهر «2» عمرها ... فلم تخش أحداث الدّهور الدّوائر تحدّث عن كسرى وساسان قبله ... وتخبر عن كرم يخلّد داثر وهي طويلة. وقال أيضا من قصيدة طويلة: [الطويل] وليلا بعين الدمع وصلا قطعته ... وأنجمه بين النّجوم سعود ترى الحسن منشور اللواء بسرّه ... وظلّ الأماني في رباه مديد فبتنا ومن روض الخدود أزاهر ... لدينا ومن ورد الرّياض خدود وتفّاحنا وسط الرّياض مورّد ... ورمّاننا وسط الصّدور نهود وقد عرفت نصّ الهوى وذميله ... تهائم من أكبادنا ونجود وقال من قصيدة: [البسيط] ومل بنا نحو عين الدمع نشربها ... حيث السّرور بكأس الأنس يسقيني حيث المنى وفنون اللهو راتعة ... والطّير من طرب فيها تناجيني وجدول الماء يحكي في أجنّته ... صوارما جرّدت في يوم صفّين وأعين الزهر في الأغصان جاحظة ... كأنها بهوى الغزلان تغريني الجزء: 1 ¦ الصفحة: 30 ومن ذلك: [الطويل] سهرت بعين الدمع أرعى ربوعه ... وحسبي من الأحباب رعي المنازل ينافحني عرف إذا هبّت الصّبا ... ويقنعني طيف الحبيب المراسل والأقاويل في ذلك أكثر من أن يحاط بها كثرة، وما سوى هذه الجهة فغير لاحق بهذه الرّتبة، مما معوّله على محض الفائدة وصريح العائدة. وتذهب هذه الغروس المغروسة قبلة، ثم يفيض تيارها إلى غرب المدينة، وقد تركت بها الجبال الشّاهقة، والسّفوح العريضة، والبطون الممتدة، والأغوار الخائفة، مكلّلة بالأعناب، غاصّة بالأدواح، متزاحمة بالبيوت والأبراج، بلغ إلى هذا العهد عددها في ديوان الخرص «1» ، إلى ما يناهز أربعة عشر ألفا، نقلت ذلك من خطّ من يشار إليه في هذه الوظيفة؛ وقاها الله مضرّة السنين، ودفع عنها عباب القوم الظّالمين، وعدوان الكافرين. فصل ويحيط «2» بما خلف السّور من المنى، والجنّات، في سهل المدينة، العقار الثمين، العظيم الفائدة، المتعاقبة الغلّة، الذي لا يعرف الجمام، ولا يفارق الزّرع من الأرض البيضاء، ينتهي ثمن المرجع منها العلي، إلى خمسة وعشرين دينارا من الذهب العين، لهذا العهد فيه مستخلص السلطان، ما يضيق عنه نطاق القيمة، ذرعا وغبطة وانتظاما؛ يرجع إلى دور ناجمة، وبروج سامية، وبيادر فسيحة، وقصاب «3» للحمائم والدّواجن ماثلة، منها في طوق البلد، وحمى سورها، جملة؛ كالدّار المنسوبة إلى هذيل، والدار المنسوبة إلى أم مرضى، والدار البيضاء، والدار المنسوبة إلى السّنينات، والدار المعروفة بنبلة ووتر؛ وبالمرج ما يساير جرية النّهر كقرية وكروبها حصن خريز، وبستان وبشر عيون، والدار المنسوبة إلى خلف، وعين الأبراج، والحشّ «4» المنسوب إلى الصّحاب؛ وقرية رومة وبها حصن وبستان، والدار المنسوبة إلى العطشى، وبها حصن؛ والدار المنسوبة لابن جزي، والحشّ المنسوب لأبي علي؛ وقرية ناجرة، ومنها فضل بن مسلمة الحسني، وبها حصن، وحوله الجزء: 1 ¦ الصفحة: 31 ربض، فيه من الناس أمّة؛ وقرية سنيانة وفيها حصن؛ وقرية أشكر؛ وقريتي بيبش وواط، وبهما حصنان؛ وقرية واط عبد الملك بن حبيب. وفي هذه القرى الجمل الضخمة من الرجال؛ والفحول من الحيوان الحارث لآثار الأرض؛ وعلاج الفلاحة؛ وفي كثير منها الأرحى والمساجد. وما سوى هذه من القرى، المستخلص من فضلة الإقطاع، وقصرت به الشّهرة عن هذا النّمط، فكثير. ويتخلّل هذا المتاع الغبيط «1» الذي هو لباب الفلاحة، وغير هذه المدرة «2» الطيّبة؛ سائر القرى التي بأيدي الرّعيّة، مجاورة لهذه الحدود، وبنات لهذه الأمهات. منها ما انبسط وتمدّد، فاشترك فيه الألوف من الخلق، وتعدّدت منه الأشكال؛ ونحن نوقع الاسم منه على البقعة من غير ملاحظة للتّعدّد. ومنها ما انفرد بمالك واثنين فصاعدا، وهو قليل؛ وتنيف أسماؤها على ثلاثمائة قرية ما عدا ما يجاور الحضرة من كثير من قرى الإقليم أو ما استضافته حدود الحصون المجاورة «3» . فمن ذلك: حوز الساعدين «4» وفيه القرى. وحوز وتر «5» ، ومنها إبراهيم بن زيد المحاربي. وقرية قلجار «6» . وقرية ياجر الشاميّين. وقرية ياجر البلديين «7» . وقرية قشتالة «8» ، ومنها قاسم بن إمام من أصحاب سحنون، ونزل بها جدّه عطية بن خالد المحاربي. وقرية أججر «9» . وقرية أرملة الكبرى. وقرية أرملة الصغرى «10» . وقرية رقاق وهمدان «11» ، منها الغريب بن يزيد الشّمر، جدّ بني أضحى. وقرية الغيضون. وقرية لسّانة «12» . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 32 وحارة الجامع. وحارة الفراق. وقرية غرليانة. وحشّ البكر «1» . وغدير الصغرى وغدير الكبرى، من إقليم البلاط، منها يربوع بن عبد الجليل، ونزل بها جدّه يربوع بن عبد الملك بن حبيب. وقرية قولر «2» . وقرية جرليانة «3» . وقرية حارة عمروس «4» . وحشّ الطّلم «5» . وقرية المطار. وقرية الصّرمورتة «6» . وقرية بلسانة «7» . وقرية الحبشان. وقرية الشوش «8» . وقرية عرتقة. وقرية جيجانة «9» . وقرية السّيجة. وقنب قيس «10» . وقرية برذنار «11» . وقرية دوير تارش. وقرية آقلة «12» . وقرية أحجر «13» . وقرية تجرجر «14» . وقرية والة. وقرية أنقر. وقرية الغروم «15» . وقرية دار وهدان. وقرية بيرة «16» . وقرية القصيبة. وقرية أنطس. وقرية فنتيلان «17» . وقرية سنبودة. وحش زنجيل. وقرية أشتر. وقرية غسّان «18» ، منها مطر بن عيسى بن الليث. وقرية شوذر «19» . وقرية سنتشر «20» . وقرية ابن ناطح. وقرية الملّاحة «21» ، ومنها محمد بن عبد الواحد الغافقي أبو القاسم الملاحي. وقرية القمور، منها أصبغ بن مطرّف. وقرية نفجر وغرنطلة «22» . وقرية بيرة، وبها مسجد قراءة ابن حبيب. وقرية قولجر «23» ، منها الجزء: 1 ¦ الصفحة: 33 سهل بن مالك. وقرية شون «1» ، منها محمد بن هانىء الأزدي الشاعر المفلق، ومحمد بن سهل، جدّ هذا البيت، بني سهل بن مالك. وقرية بليانة «2» . وقرية برقلش «3» . وقرية ضوجر. وقرية البلّوط «4» . وقرية أنتيانة «5» . وقرية مرسانة «6» . وقرية الدّوير. وقرية الشّلان. وقرية طغنر «7» ، منها الطّغنري صاحب الفلاحة. وقرية حش الدجاج. وقرية حش نوح. وقرية حش خليفة. وحش الكوباني. وحش المعيشة. وحش السلسلة. وقرية الطرف «8» . وقرية إلبيرة «9» . وقرية الشّكروجة «10» ، ومنها عيسى بن محمد بن أبي زمنين. وعين الحورة. وحش البومل. وقرية بلومال «11» . وقرية رقّ المخيض. وقرية الغيضون الحورة. وقرية أشقطمر. وقرية الدّيموس الكبرى. وقرية الديموس الصغرى «12» . وقرية دار الغازي. وقرية سويدة. وحش قصيرة. وقرية الرّكن. وقرية ألفنت «13» ، ومنها صخر بن أبان. وقرية الكدية «14» . وقرية لاقش «15» . وقرية قربسانة «16» . وقرية برسانة برياط. وقرية الولجة. وقرية ماس. وحش علي. وحش بني الرّسيلية. وحش رقيب. وحش البلّوطة. وحش الرّوّاس. وحش مرزوق. وقرية قبالة «17» . وقرية نبالة. وقرية العيران. وبرج هلال «18» . وقرية قلتيش «19» . وقرية الجزء: 1 ¦ الصفحة: 34 القنار «1» . وقرية أربل. وقرية بربل. وقرية قرباسة. وقرية أشكن. وقرية قلنبيرة «2» . وقرية سعدى. وقرية قلقاجج «3» . وقرية فتن «4» . وقرية مرنيط. وقرية ددشطر. وقرية شتمانس «5» . وقرية أرنالش «6» . وقرية وابشر «7» . وقرية ققلولش «8» . وقرية النّبيل «9» . وقرية الفخّار «10» . وقرية القصر «11» ، ومنها محمد بن أحمد بن مرعياز الهلالي. وقرية بشر. وقرية بنوط «12» . وقرية كورة. وقرية لص. وقرية بيش «13» . وقرية قنتر «14» . وقرية دور. وقرية قلنقر. وقرية غلجر «15» ، ومنها هشام بن عبد العظيم بن يزيد الخولاني. وقرية ذرذر «16» . وقرية ولجر. وقرية قنالش «17» . وقرية إبتايلس. وقرية سج. وقرية منشتال «18» . وقرية الوطا «19» . وقرية واني. وقرية قريش. وقرية الزّاوية «20» . وقد ذكرنا أن أكثر هذه القرى أمصار، فيها ما يناهز خمسين خطبة، تنصب فيها لله المنائر، وترفع الأيدي، وتتوجّه الوجوه. وجملة المراجع العلمية المرتفعة فيها، في الأزمنة، في العام بتقريب، ومعظمها السقي الغبيط السّمين، العالي، مائتا ألف وثنتان «21» وستون ألفا، وينضاف إلى ذلك مراجع الأملاك السلطانية، ومواضع أحباس المساجد، وسبل الخير، ما الجزء: 1 ¦ الصفحة: 35 ينيف على ما ذكر، فيكون الجميع باحتياط، خمسمائة ألف وستّون ألفا، والمستفاد فيها من الطعام المختلف الحبوب للجانب السلطاني، ثلاثمائة ألف قدح ويزيد، ويشتمل سورها وما وراءه من الأرحاء الطّاحنة بالماء، على ما ينيف على مائة وثلاثين رحى «1» ، ألحفها الله جناح الأمنة، ولا قطع عنها مادّة الرحمة، بفضله وكرمه. فصل وقد فرغنا من ذكر رسوم هذا القطر ومعاهده، وفرغنا من تصويره وتشكيله، وذكر قراه وجنّاته «2» ، وقصوره ومتنزّهاته، فنحن الآن نذكر بعضا من سير أهله، وأخلاقهم، وغير ذلك من أحوالهم بإجمال واختصار، فنقول «3» : أحوال هذا القطر في الدّين وصلاح العقائد أحوال سنيّة، والنّحل فيهم معروفة «4» ؛ فمذاهبهم «5» على مذهب مالك بن أنس، إمام دار الهجرة جارية، وطاعتهم للأمراء محكمة، وأخلاقهم في احتمال المعاون الجبائيّة جميلة. وصورهم حسنة، وأنوفهم» معتدلة غير حادّة، وشعورهم سود مرسلة، وقدودهم متوسطة معتدلة، إلى القصر، وألوانهم زهر مشربة بحمرة، وألسنتهم فصيحة عربية، يتخلّلها غرب «7» كثير، وتغلب عليهم «8» الإمالة، وأخلاقهم أبيّة في معاني المنازعات، وأنسابهم عربيّة، وفيهم من البربر والمهاجرة كثير. ولباسهم الغالب على طرقاتهم «9» ، الفاشي بينهم، الملفّ المصبوغ «10» شتاء، وتتفاضل «11» أجناس البزّ «12» بتفاضل الجدّة، والمقدار، والكتّان والحرير، والقطن، والمرعزّى، والأردية الإفريقيّة، والمقاطع التونسية، والمآزر المشفوعة صيفا، فتبصرهم في المساجد، أيّام الجمع، كأنّهم الأزهار المفتّحة، في البطاح الكريمة، تحت الأهوية المعتدلة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 36 وأنسابهم حسبما يظهر من الإسترعات «1» ، والبيعات السلطانية والإجازات، عربية: يكثر فيها القرشي، والفهري، والأموي، والأمّي، والأنصاري، والأوسي، والخزرجي، والقحطاني، والحميري، والمخزومي، والتّنوخي، والغسّاني، والأزدي، والقيسي، والمعافري، والكناني، والتّميمي، والهذلي، والبكري، والكلابي، والنّمري، واليعمري، والمازني، والثّقفي، والسّلمي، والفزاري، والباهلي، والعبسي، والعنسي، والعذري، والحججي، والضّبّي، والسّكوني، والتّيمي، والعبشمي، والمرّي، والعقيلي، والفهمي، والصّريحي، والجزلي، والقشيري، والكلبي، والقضاعي، والأصبحي، والهواري، والرّعيني، واليحصبي، والتّجيبي، والصّدفي، والحضرمي، والحيّ، والجذامي، والسّلولي، والحكمي، والهمداني، والمذحجي، والخشني، والبلوي، والجهني، والمزني، والطّائي، والغافقي، والأسدي، والأشجعي، والعاملي، والخولاني، والأيادي، واللّيثي، والخثعمي، والسّكسكي، والزّبيدي، والتّغلبي، والثّعلبي، والكلاعي، والدّوسي، والحواري، والسّلماني. هذا، ويرد كثير في شهادتهم، ويقلّ من ذلك السّلماني نسبا، وكالدّوسي، والحواري، والزّبيدي؛ ويكثر فيهم، كالأنصاري، والحميدي، والجذامي، والقيسي، والغسّاني، وكفى بهذا شاهدا على الأصالة، ودليلا على العروبيّة. وجندهم «2» صنفان؛ أندلسي وبربري؛ والأندلسي «3» منها يقودهم رئيس من القرابة أو حصيّ «4» من شيوخ الممالك. وزيّهم في القديم شبه «5» زيّ أقتالهم وأضدادهم من جيرانهم الفرنج، إسباغ الدّروع، وتعليق التّرسة، وحفا «6» البيضات، واتخاذ عراض الأسنّة، وبشاعة قرابيس السروج، واستركاب حملة الرّايات خلفه «7» ؛ كلّ منهم بصفة «8» تختصّ بسلاحه، وشهرة يعرف بها. ثم عدلوا الآن عن هذا الذي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 37 ذكرنا «1» ، إلى الجواشن المختصرة، والبيضات المرهفات «2» ، والسّروج العربية، والبيت «3» اللّمطية، والأسل العطفية «4» . والبربري منه، يرجع «5» إلى قبائله المرينيّة، والزّناتية، والتّجانية، والمغراوية «6» والعجيسية، والعرب المغربية إلى أقطاب ورؤوس، يرجع أمرهم إلى رئيس، على رؤسائهم، وقطب لعرفائهم، من كبار القبائل المرينيّة، يمتّ إلى ملك المغرب بنسب. والعمائم تقلّ في زيّ أهل هذه الحضرة، إلّا ما شاد «7» في شيوخهم وقضاتهم وعلمائهم، والجند العربي «8» منهم. وسلاح جمهورهم العصيّ الطويلة، المثنّاة بعصيّ صغار ذوات «9» عرى في أواسطها «10» ، تدفع بالأنامل عند قذفها تسمّى «بالأمداس» ؛ وقسيّ الإفرنجة «11» يحملون على التّدريب «12» بها على الأيام. ومبانيهم متوسطة، وأعيادهم حسنة، مائلة إلى الاقتصاد؛ والغنى «13» بمدينتهم فاش، حتى «14» في الدكاكين التي تجمع صنائعها كثيرا من الأحداث، كالخفّافين «15» ومثلهم. وقوتهم الغالب، البرّ الطيّب، عامّة العام «16» ، وربما اقتات في فصل الشتاء الضّعفة والبوادي «17» والفعلة في الفلاحة، الذّرة العربية، أمثل أصناف القطاني «18» الطيبة. وفواكههم اليابسة عامّة العام، متعددة؛ يدّخرون العنب سليما من الفساد إلى شطر «19» العام؛ إلى غير ذلك «20» من التّين، والزّبيب، والتفاح، والرّمّان، والقسطل «21» ، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 38 والبلّوط، والجوز، واللّوز، إلى غير ذلك ممّا لا ينفد «1» ، ولا ينقطع مدده إلّا في الفصل الذي يزهد في استعماله. وصرفهم فضّة خالصة، وذهب إبريز طيّب محفوظ «2» ، ودرهم مربّع الشّكل، من وزن المهدي القائم بدولة الموحّدين، في الأوقية منه سبعون درهما، يختلف الكتب فيه. فعلى عهدنا، في شقّ: «لا إله إلّا الله، محمد رسول الله» ؛ وفي شقّ آخر: «لا غالب إلّا الله، غرناطة» . ونصفه وهو القيراط، في شقّ: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ (2) «3» . وفي شقّ: وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ «4» . ونصفه وهو الرّبع، في شقّ: هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدى «5» . وفي شقّ: وَالْعاقِبَةُ لِلتَّقْوى «6» . ودينارهم في الأوقية منه، ستة دنانير وثلثا دينار؛ وفي الدينار الواحد ثمن أوقية وخمس ثمن أوقية. وفي شقّ منه: قُلِ اللَّهُمَّ مالِكَ الْمُلْكِ ... بِيَدِكَ الْخَيْرُ «7» . ويستدير به قوله تعالى: وَإِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمنُ الرَّحِيمُ (163) «8» . وفي شقّ: «الأمير عبد الله محمد بن «9» يوسف بن أمير المسلمين أبي الحجّاج بن أمير المسلمين أبي الوليد إسماعيل بن نصر، أيّد الله أمره» . ويستدير به شعار هؤلاء الأمراء: «لا غالب إلّا الله» . ولتاريخ تمام هذا الكتاب، في وجّه: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصابِرُوا وَرابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (200) «10» . ويستدير به: «لا غالب إلا الله» . وفي وجه: «الأمير عبد الله الغني بالله، محمد بن يوسف بن إسماعيل بن نصر، أيّده الله وأعانه» . ويستدير بربع: «بمدينة غرناطة حرسها الله» . وعادة «11» أهل هذه المدينة الانتقال إلى حلل «12» العصير أوان إدراكه، بما تشتمل عليه دورهم، والبروز إلى الفحوص «13» الجزء: 1 ¦ الصفحة: 39 بأولادهم «1» ، معوّلين في ذلك على شهامتهم وأسلحتهم، وعلى كثب دورهم «2» ، واتّصال أمصارهم بحدود أرضه. وحليهم في القلائد، والدّمالج، والشّنوف «3» ، والخلاخل الذّهب الخالص، إلى هذا العهد، في أولي «4» الجدّة؛ واللجين في كثير من آلات الرّجلين، فيمن عداهم. والأحجار النفيسة من الياقوت، والزّبرجد والزّمرّد ونفيس الجوهر، كثير ممّن «5» ترتفع طبقاتهم المستندة إلى ظلّ دولة، أو أصالة «6» معروفة موفّرة. وحريمهم، حريم جميل، موصوف بالسحر «7» ، وتنعّم الجسوم، واسترسال الشّعور، ونقاء الثّغور، وطيب النّشر «8» ، وخفّة الحركات، ونبل الكلام، وحسن المحاورة، إلّا أن الطّول يندر فيهنّ. وقد بلغن من التّفنّن في الزينة لهذا العهد، والمظاهرة بين المصبغات، والتّنفيس «9» بالذّهبيّات والدّيباجيّات، والتّماجن في أشكال الحلي، إلى غاية نسأل الله أن يغضّ عنهنّ فيها، عين الدهر، ويكفكف الخطب، ولا يجعلها من قبيل الابتلاء والفتنة، وأن يعامل جميع من بها بستره، ولا يسلبهم خفيّ لطفه؛ بعزّته وقدرته. فصل فيمن تداول هذه المدينة من لدن أصبحت دار إمارة باختصار واقتصار قال المؤلّف «10» : أول من سكن هذه المدينة سكنى استبداد، وصيّرها دار ملكه ومقرّ أمره، الحاجب المنصور أبو مثنّى زاوي بن زيري «11» بن مناد، لمّا تغلّب جيش البربر مع أميرهم سليمان بن الحكم على قرطبة، واستولى على كثير من كور الأندلس عام ثلاثة وأربعمائة فما بعدها، وظهر على طوائف الأندلس، واشتهر أمره، وبعد صيته. ثم اجتاز البحر إلى بلد قومه بإفريقية، بعد أن ملك غرناطة سبع سنين، واستخلف ابن أخيه حبّوس بن ماكسن، وكان حازما داهية، فتوسّع النظر إلى أن مات الجزء: 1 ¦ الصفحة: 40 سنة تسع وعشرين وأربعمائة «1» . وولي بعده حفيده عبد الله بن بلكّين بن باديس، إلى أن خلع عام ثلاثة وثمانين وأربعمائة، وتصيّر أمرها إلى أبي يعقوب يوسف بن تاشفين ملك لمتونة عند تملّكه الأندلس، ثم إلى ولده عليّ بن يوسف. وتنوّب إمارتها جملة من أبناء الأمراء اللمتونيين وقرابتهم كالأمير أبي الحسن علي بن الحاجّ وأخيه موسى، والأمير أبي زكريا يحيى بن أبي بكر بن إبراهيم، والأمير أبي الطّاهر تميم، والأمير أبي محمد مزدلي، والأمير أبي بكر بن أبي محمد، وأبي طلحة الزّبير بن عمر، وعثمان بن بدر اللّمتوني، إلى أن انقرض أمرهم عام أربعين وخمسمائة. وتصيّر الأمر للموحّدين، وإلى ملكهم أبي محمد عبد المؤمن بن علي «2» ، فتناوبها جملة من بنيه وقرابته، كالسيّد أبي عثمان ابن الخليفة؛ والسّيّد أبي إسحاق ابن الخليفة؛ والسّيّد أبي إبراهيم ابن الخليفة؛ والسيد أبي محمد ابن الخليفة؛ والسيد أبي عبد الله، إلى أن انقرض منها أمر الموحّدين. وتملّكها المتوكّل على الله أمير المؤمنين أبو عبد الله محمد يوسف بن هود «3» في عام ستة وعشرين وستمائة، ثم لم ينشب أن تملّكها أمير المسلمين الغالب بالله محمد بن يوسف بن نصر الخزرجي، جدّ هؤلاء الأمراء الكرام موالينا، رحم الله من درج منهم، وأعان من خلفه، إلى أن توفي عام أحد وسبعين وستمائة. ثم ولي الأمر بعده ولده وسميّه محمد بن محمد، فقام بها أحمد قيام، وتوفي عام أحد وسبعمائة. ثم ولي بعده سميّه محمد إلى أن خلع يوم عيد الفطر من عام ثمانية وسبعمائة، وتوفي عام أحد عشر وسبعمائة في ثالث شوّال منه. ثم ولي بعده أخوه نصر بن مولانا أمير المسلمين أبي عبد الله، فأرتب أمره، وطلب الملك اللّاحق به مولانا أمير المسلمين أبو الوليد إسماعيل بن فرج، فغلب على الإمارة، ثاني عشر ذي القعدة من عام ثلاثة عشر وسبعمائة؛ وانتقل نصر إلى وادي آش مخلوعا، موادعا بها إلى أن مات عام اثنين وعشرين وسبعمائة. وتمادى ملك السلطان أمير المسلمين أبي الوليد إلى السادس والعشرين من رجب عام خمسة وعشرين وسبعمائة، ووثب عليه بعض قرابته فقتله، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 41 وعوجل بالقتل مع من حضر منهم. وتولّى الملك بعده ولده محمد، واستمرّ سلطانه إلى ذي الحجة من عام أربعة وثلاثين وسبعمائة، وقتل بظاهر جبل الفتح «1» . وولي بعده أخوه مولانا السلطان أبو الحجاج لباب هذا البيت، وواسطة هذا العقد، وطراز هذه الحلية، ثم اغتاله ممرور من أخابيث السّوقة، قيّضه الله إلى شهادته، وجعله سببا لسعادته، فأكبّ عليه في الرّكعة الآخرة من ركعتي عيد الفطر، بين يدي المحراب، خاشعا، ضارعا، في الحال الذي أقرب ما يكون العبد من ربّه، وهو ساجد، وضربه بخنجر مهيّئ للفتك به، في مثل ذلك الوقت، كان، زعموا، يحاول شحذه منذ زمان، ضربة واحدة، على الجانب الأيسر من ظهره، في ناحية قلبه، فقضى عليه، وبودر به فقتل. وولي الأمر بعده محمد «2» ، ولده أكبر بنيه، وأفضل ذويه، خلقا وخلقا وحياء وجودا، ووقارا وسلامة وخيريّة، ودافع دولته من لا يعبأ الله به «3» ؛ ثم تدارك الأمر سبحانه، وقد أشفى، ودافع وكفى، بما يأتي في محلّه إن شاء الله. وهو أمير المسلمين لهذا العهد، متّع الله به، وأدام مدته، وكتب سعادته، وأطلق بالخير يده، وجعله بمراسيم الشريعة من العاملين، ولسلطان يوم الدين من الخائفين، المراقبين، بفضله. وقد أتينا بما أمكن من التعريف بأحوال هذه الحضرة على اختصار. ويأتي في أثناء التّعريف برجالها كثير من تفصيل ما أجمل، وتتميم ما بدأ، وإيضاح ما خفي بحول الله تعالى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 42 القسم الثاني في حلى الزّائر والقاطن والمتحرّك والسّاكن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 43 بسم الله الرّحمن الرّحيم أحمد بن خلف بن عبد الملك الغساني القليعي «1» من أهل غرناطة، يكنى أبا جعفر، من جلّة أعيانها، تنسب إليه الساقية الكبرى المجاورة لطوق الحضرة إلى إلبيرة، وما والاها. حاله: قال ابن الصّيرفي: كان الفقيه أبو جعفر القليعي، من أهل غرناطة، فريد عصره، وقريع دهره، في الخير والعلم والتّلاوة؛ وله حزب من اللّيل، وكان سريع الدّمعة، كثير الرّواية؛ وهو المشار إليه في كل نازلة، وله العقد والحلّ والتقدّم والسّابقة، مع منّة في جلائل الأمور، والنّهضة بالأعباء وسموّ الهمّة. غريبة في شأنه: قال: كان باديس بن حبّوس أمير بلده يتفرّس فيه أن ملك دولته ينقرض على يديه، فكان ينصب لشأنه أكلبا، ويتملّظ بسيفه إلى قتله، فحماه الله منه بالعلم، وغلّ يده، وأغمد سيفه، ليقضي الله أمرا كان مفعولا. مشيخته: روى «2» عن أبي عمر بن القطّان، وأبي عبد الله بن عتّاب، وأبي زكريا القليعي، وأبي مروان بن سراج؛ وكان ثقة صدوقا، أخذ عنه الناس. محنته: ولمّا أجاز أمير لمتونة يوسف بن تاشفين البحر مستدعى إلى نصر المسلمين، ثاني حركاته إلى الأندلس، ونازل حصن أليط «3» ، وسارع ملوك الطوائف الجزء: 1 ¦ الصفحة: 45 إلى المسير في جملته، كان ممّن وصل إليه الأمير عبد الله بن بلكّين بن باديس، صاحب غرناطة، ووصل صحبته الوزير أبو جعفر بن القليعي، لرغبته في الأجر مع شهرة مكانه، وعلوّ منصبه، ولنهوض نظرائه من زعماء الأقطار إلى هذا الغرض. وكان مضرب خيام القليعي قريبا من مضرب حفيد باديس، ولمنزلته عند الأمير يوسف بن تاشفين، وله عليها الحفوف وله به استبداد وانفراد كثير وتردّد كثير، حتى نفى بذلك حفيد باديس، وأنهم عينه. قال المؤرّخ: وكيفما دارت الحال، فلم يخل من نصح لله ولأمير المسلمين. قلت: حفيد باديس كان أدرى بدائه، قصّر الله خطانا من مدارك الشّرور. فلمّا صدر حفيد باديس إلى غرناطة، استحضره ونجهه، وقام من مجلسه مغضبا، وتعلقت به الخدمة، وحفّت به الوزعة «1» والحاشية، وهمّوا بضربه؛ إلّا أن أمّ عبد الله تطارحت على ابنها في استحيائه، فأمر بتخليصه، وسجنه في بعض بيوت القصر؛ فأقبل فيه على العبادة والدعاء والتّلاوة؛ وكان جهير الصوت، حسن التّلاوة، فأرتج القصر، وسكنت لاستماعه الأصوات، وهدأت له الحركات، واقشعرّت الجلود. وخافت أم عبد الله على ولدها، عقابا من الله بسببه، فلاطفته حتى حلّ عقاله، وأطلقه من سجنه. ولمّا تخلّص أعدّها غنيمة. وكان جزلا، قويّ القلب، شديد الجزم؛ فقال الصّيد بغراب أكيس؛ فاتخذ الليل جملا؛ فطلع له الصباح بقلعة يحصب، وهي لنظر ابن عبّاد «2» ، وحثّ منها السّير إلى قرطبة؛ فخاطب منها يوسف بن تاشفين بملء فيه، بما حرّكه وأطمعه؛ فكان من حركته إلى الأندلس، وخلع عبد الله بن بلكّين من غرناطة، واستيلائه عليها، ما يرد في اسم عبد الله وفي اسم يوسف بن تاشفين، إن شاء الله. وبدا لحفيد باديس في أمر أبي جعفر القليعي، ورأى أنه أضاع الحزم في إطلاقه، فبحث عنه من الغد، وتقصّت عنه البلدة، فلم يقع له خبر، إلى أن اتّصل به خبر نجاته، ولحاقه بمأمنه. فرجع باللائمة على أمّه، ولات حين مندم. ولم يزل أبو جعفر مدّته في دول الملوك، من لمتونة، معروف الحقّ، بعيد الصّيت والذّكر، صدر الحضرة، والمخصوص بعلوّ المرتبة إلى حين وفاته «3» . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 46 أحمد بن محمد بن أحمد بن يزيد الهمداني اللخمي من أهل غرناطة. حاله: كان فقيها وزيرا جليلا حسيبا حافلا. وفاته: توفي بإلبيرة قبل الثلاثين وأربعمائة. ذكره أبو القاسم الغافقي في تاريخه وابن اليسر في مختصره وأثنى عليه. أحمد بن محمد بن أضحى بن عبد اللطيف بن غريب ابن يزيد بن الشّمر بن عبد شمس بن غريب الهمداني الإلبيري «1» من نزلاء قرية همدان؛ ذكره ابن حيّان، والغافقي، وابن مسعدة، وغيرهم؛ فقال جميعهم: كان من أهل البلاغة، والبيان، والأدب، والشعر البارع. مناقبه: قدم على الخليفة أبي مطرّف عبد الرحمن «2» ، فقام خطيبا بين يديه، فقال «3» : الحمد لله المحتجب بنور عظمته، عن أبصار بريّته، والدّال بحدوث خلقه على أوّليّته، والمنفرد بما أتقن من عجائب دهره ومنن «4» صمديّته، وأشهد أن لا إله إلّا الله وحده، لا شريك له، إقرارا بوحدانيته «5» ، وخضوعا لعزّه «6» وعظمته. وأشهد أن محمدا عبده ورسوله «7» ، انتخبه من أطيب «8» البيوتات، واصطفاه من أطيب البيوتات، حتى قبضه الله إليه، واختار له ما لديه. وقد قبل سعيه، وأدّى أمانته، فصلّى الله عليه وسلّم تسليما. ثم إنّ الله لمّا أن بعثه «9» من أكرم خلقه، وأكرمه «10» برسالته وأنزل عليه محكم تنزيله، واختار له من أصحابه وأشياعه مخلفا «11» ، جعل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 47 منهم أئمّة يهدون بالحق، وبه يعدلون؛ فجعل الله الأمير، أعزّه الله، وارث ما خلّفوه من معاليهم «1» ، وباني ما أسّسوه من مشاهدهم، حتى أمّن المسالك، وسكن الخائف، رحمة من الله، ألبسه كرامتها، وطوّقه فضيلتها «2» ، وَاللَّهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ «3» : [الرجز] الله «4» أعطاك التي لا فوقها ... وقد أراد الملحدون عوقها عنك ويأبى الله إلّا سوقها ... إليك حتى قلّدوك طوقها ثم أردف قوله بهذه الأبيات «5» : [الطويل] أيا ملكا ترمى «6» به قضب الهند ... إذا لمعت بين المغافر والزّرد «7» ومن بأسه في منهل الموت وارد ... إذا أنفس الأبطال كلّت «8» عن الورد ومن ألبس الله الخلافة نعمة ... به فاقت النّعمى وجلّت عن الحدّ «9» فلو نظمت مروان في سلك فخرها ... لأصبح من مروان واسطة العقد تجلّى على «10» الدّنيا فأجلى «11» ظلامها ... كما انجلت الظّلماء عن قمر السّعد إمام هدى «12» أضحت به العرب غضّة «13» ... ملبّسة نورا كواشية «14» البرد كفاني لديه أن جعلت وسائلي «15» ... ذماما «16» شآميّ الهوى مخلص الودّ يؤكّد ما يدلي به من متانة «17» ... خلوص «18» أبيه عبدك الفارس النّجد «19» الجزء: 1 ¦ الصفحة: 48 تأمّل رواه «1» والرّماح شواجر ... وخيل إلى خيل بأبطالها تردي رأى أسدا وردا يخفّ «2» إلى الوغى ... وربّتما «3» أربى على الأسد الورد فأنعم عليه اليوم «4» يا خير منعم ... بإظهار تشريف «5» وعقد يد عندي ولا تشمت الأعداء أن جئت قاصدا ... إلى ملك الدّنيا فأحرم من «6» قصدي فعند الإمام المرتضى كلّ نعمة ... وشكرا لما يلحيه «7» من نعمة عندي فلا زال في الدّنيا سعيدا مظفّرا ... وبوّىء في دار العلى جنّة الخلد وكان «8» من بيت سماحة «9» وفصاحة وخطابة، فعلا «10» شرفه بهذه الخصال؛ فسجّل له على أرحية؛ وحصن نبيل ببني هود «11» وغير ذلك، فانقلب مرعيّ الوسائل، ومقضيّ الرّسائل «12» . قال «13» المؤلّف: أرى ابن فركون قبل الست عشرة والثلاثمائة. أحمد بن محمد بن أحمد بن هشام القرشي «14» من أهل غرناطة، يكنى أبا جعفر، ويعرف بابن فركون. أوليته: وكفى بالنسب القرشي أوّليّة. حاله من عائد الصلة: كان «15» من صدور القضاة «16» بهذا الصّقع الأندلسي، اضطلاعا «17» بالمسائل ومعرفة بالأحكام من مظانّها، كثير المطالعة والدّروب، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 49 وحيّ «1» الإجهاز في فصل القضايا، نافذ المقطع، كثير الاجتهاد والنّظر، مشاركا في فنون، من عربيّة، وفقه، وقراءة، وفرائض، طيّب النّغمة بالقرآن، حسن التّلاوة، عظيم الوقار، بين طبع ومكسوب، فائق الأبّهة، مزريا بمن دونه من الفقهاء، وعاقدي الشروط، مسقطا للكنى والتّجلّات، يعامل الكهول معاملة الأحداث، ويتهاون بتعاملات ذلك فيجعلها دبر أذنيه، ويسترسل في إطلاق عنان النّادرة الحارة، في مجالس حكمه، فضلا عن غيرها؛ وجد ذلك من يحمل عليها سببا للغرض منه. نباهته: ترشّح بذاته، وباهر أدواته، إلى قضاء المدن النّبيهة، والأقطار الشهيرة، كرندة، ومالقة، وغيرهما. ثم ولّي قضاء الجماعة، في ظلّ جاه، وضمن حرمة. غريبة في أمره: حدث أنه كان يقرأ في شبيبته على الأستاذ الصالح أبي عبد الله بن مستقور «2» بكرم له خارج الحضرة، على أميال منها في فصل العصير. قال: وجّهني يوما بغلّة من الرّبّ «3» لأبيعه بالبلد، فأصابني مطر شديد، وعدت إليه بحال سيّئة، بعد ما قضيت له وطره؛ وكان له أخ أسنّ منه، فعاتبه في شأني، وقال له: تأخذ صبيّا ضعيفا يأتيك لفائدة يستفيدها، وتعرّضه لمثل هذه المشقّة، في حقّ مصلحتك، ليس هذا من شيم العلماء، ولا من شيم الصّالحين. فقال له: دعه، لا بدّ أن يكون قاضي الجماعة بغرناطة؛ فكان كذلك، وصدقت فراسته، رحمه الله تعالى. مشيخته: قرأ بالقرية على الأستاذ أبي القاسم بن الأصفر؛ وبغرناطة على العالم القاضي أبي الحسن محمد بن يحيى بن ربيع الأشعري، وعلى الشيخ المفتي أبي بكر محمد بن أبي إبراهيم بن مفرّج الأوسي بن الدبّاغ الإشبيلي، وعلى الخطيب الزاهد أبي الحسن العدّال، وعلى الأستاذ النّحوي أبي الحسن علي بن محمد بن علي بن يوسف بن الصّايغ؛ بالصاد المهملة، والغين المعجمة، وعلى الأستاذ أبي الحسن الأبّدي «4» ؛ وأبي عبد الله محمد بن إبراهيم الطائي، عرف بابن مستقور. ولمّا دالت الدولة، كان له في مشايعة مخلوعها أمور اقتضتها منه أريحيّة وحسن وفاء، أوجبت عليه الخمول بعد استقرار دائلها السلطان أبي الوليد، رحمه الله؛ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 50 وأصابته أيام الهيج محن، ونسبت إليه نقائص زوّرتها حسدته، فصرف عن القضاء؛ وبقي مدّة مهجور الفناء، مضاع المكان، عاطل الدّولة، منتبذا في مليك له؛ خارج الحضرة، ينحني على خرثيّ «1» ساقط القيمة، ودفاتر ساقطة الثمن، يتعلّل بعلالتها، ويرجى الوقت بيسيرها. حدّثني الوزير أبو بكر بن الحكيم، قال: زرته في منزله بعد عزله، ونسبة الأمور التي لا تليق بمثله، فأنشدني بما ينبئ عن ضجره وضيق صدره: [المجتث] أنا من الحكم تائب ... وعن دعاويه هارب «2» بعد التّفقّه عمري «3» ... ونيل أسنى المراتب وبعد ما كنت أرقى ... على المنابر خاطب «4» أصبحت أرمى بعار ... للحال غير مناسب أشكو إلى الله أمري ... فهو المثيب المعاقب وثبت اسمه في التاريخ المسمّى «بالتاج» تأريخي بما نصّه: شيخ الجماعة وقاضيها، ومنفّذ الأحكام وممضيها، وشايم «5» سيوفها الماضية ومنتضيها، رأس بفضيلة نفسه، وأحيا دارس رسم القضاء بدرسه، وأودع في أرض الاجتهاد، بذر السّهاد، فجنى ثمرة غرسه؛ إلى وقار يودّ رضوى رجاحته، وصدر تحسد الأرض الغبيطة ساحته، ونادرة يدعوها فلا تتوقّف، ويلقى عصاها فتتلقّف؛ ولم يزل يطمح بأمانيه، ويضطلع بما يعانيه، حتى رفع إلى الرّتبة العالية، وحصل على الحال الحالية؛ وكان له في الأدب مشاركة، وفي قريض النظم حصّة مباركة. انتهى إليّ قوله يهنّئ السلطان أبا عبد الله بن نصر «6» ، بالإبلال من مرض في اقتران بعيد وفتح، وذلك «7» : [الطويل] شفاؤك للملك اعتزاز وتأييد ... وبرؤك مولانا به عندنا «8» عيد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 51 مرضت فلم تأو النّفوس لراحة ... ولا كان للدّنيا قرار وتمهيد ولم تستطع عيني تراك مؤلّما «1» ... ولازمها طول اعتلالك تسهيد وشعره مختلف عن نمط الإجادة التي تناسب محلّه في العلم، وطبقته في الإدراك فاختصرته. مولده: عام تسعة وأربعين وستمائة. وفاته: في السادس عشر لذي القعدة عام تسعة وعشرين وسبعمائة. ذكرته في كتاب «عائد الصّلة» قاضيا، وفي كتاب «التّاج المحلى» قاضيا أديبا. وذكره أبو بكر بن الحكيم «2» في كتاب «الفوائد المستغربة، والموارد المستعذبة» من تأليفه. أحمد بن محمد بن أحمد بن محمد بن عبد الله بن يحيى ابن عبد الرحمن بن يوسف بن سعيد بن جزيّ الكلبي «3» من أهل غرناطة، ويعرف بابن جزيّ. أوليّته معروفة، وأصالته شهيرة، تنظر فيما مرّ من ذلك عند ذكر سلفه، وفيما يأتي في ذلك، بحول الله وقوته. حاله: من أهل الفضل والنّزاهة، والهمّة، وحسن السّمة، واستقامة الطّريقة، غرب في الوقار، ومال إلى الانقباض، وترشّح إلى رتب سلفه. له مشاركة حسنة في فنون، من فقه وعربيّة، وأدب، وحفظ، وشعر، تسمو ببعضه الإجادة، إلى غاية بعيدة. مشيخته: قرأ على والده الخطيب أبي القاسم، ولازمه، واستظهر ببعض موضوعاته، وتأدّب به؛ وقرأ على بعض معاصري أبيه، وروى، واستجلب له أبوه كثيرا من أهل صقعة وغيرهم. نباهته: ثم أرسم في الكتابة السلطانية لأوّل دولة السابع من الملوك النّصريين، منفق سوق الحلية من أبناء جنسه، أبي الحجاج بن نصر، فورى زنده، ودرّت أحلاب قريحته، وصدر له في مدائحه شعر كثير. ثم تصرّف في الخطط الشّرعية، فولّي القضاء ببرجة، ثم بأندرش، وهو الآن قاضي مدينة وادي آش، مشكور السّيرة، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 52 معروف النّزاهة، أعانه ذلك وسوّده، وبلغ به رتبة سلفه. وجرى ذكره في كتاب التّاج بما نصّه: «فاضل تحلّى بالسكينة والوقار، فمدّت إليه رقاب سلفه يد الافتقار، ما شئت من هدوء وسكون، وجنوح إلى الخير وركون، عني بالمحافظة على سمته من لدن عقل، ولزم خدمة العلم فما عاد ولا انتقل، ووجد من أبيه رحمه الله مرعى خصيبا فابتقل، وعمل على شاكلة سلفه في سلامة الجانب، وفضل المذاهب، وتحلّى بتلك المآثر وتوشّح، وتأهّل إلى الرّتب في سنّن الشّبيبة وترشّح؛ وله مع ذلك في لجّة الفقه سبح، وعلى بعض موضوعات أبيه شرح؛ وأدبه ساطع، وكلامه حسن المقاطع. فمن ذلك ما كتب به إليّ، وقد خاطبت ما أمكن من نظمه «1» : [المتقارب] فديتك يا سيّدي مثلما ... فداك الزمان الذي زنته وقوله في المقطوعات من ذلك في معنى التورية «2» : [الخفيف] كم بكائي لبعدكم وأنيني «3» ... من ظهيري على الأسى من معيني جرّح «4» الخدّ دمع عيني ولكن ... عجب «5» أن يجرّح ابن معين وقال في الغنى «6» : [الطويل] أرى الناس يولون الغنيّ كرامة ... وإن لم يكن أهلا لرفعة مقدار ويلوون عن وجه الفقير وجوههم ... وإن كان أهلا أن يلاقى بإكبار بنو الدّهر جاءتهم أحاديث جمّة ... فما صحّحوا إلّا حديث ابن دينار «7» ومن بديع ما صدر عنه، قوله ينسج على منوال امرئ القيس في قصيدته الشهيرة «8» : [الطويل] أقول لحزمي «9» أو لصالح أعمالي ... (ألا عم صباحا أيها الطّلل البالي) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 53 أما واعظي شيب سما فوق لمّتي ... (سموّ حباب الماء حالا على حال) أنار به ليل الشّباب كأنه ... (مصابيح رهبان تشبّ لقفّال) نهاني عن غيّ وقال منبّها ... (ألست ترى السّمّار والناس أحوالي) ؟ يقولون غيّره لتنعم برهة ... (وهل يعمن «1» من كان في العصر الخالي) ؟ أغالط «2» دهري وهو يعلم أنني ... (كبرت وأن لا يحسن اللهو أمثالي) ومؤنس نار الشّيب يقبح لهوه ... (بآنسة كأنّها خطّ تمثال) «3» أشيخا وتأتي فعل من كان عمره ... (ثلاثين شهرا في ثلاثة أحوال) وتشغفك الدّنيا وما إن شغفتها ... (كما شغف المهنوءة الرجل الطّالي) ألا إنّها الدنيا إذا ما اعتبرتها ... (ديار لسلمى عافيات بذي خال) فأين الذين استأثروا قبلنا بها ... (لناموا فما إن من حديث ولا صال) ذهلت بها غيّا «4» فكيف الخلاص من ... (لعوب تنسّيني إذا قمت سربالي) وقد علمت مني مواعيد توبتي ... (بأنّ الفتى يهذي وليس بفعّال) ومذ وثقت نفسي بحبّ محمد ... (هصرت بغصن ذي شماريخ «5» ميّال) وأصبح شيطان الغواية خاسئا ... (عليه قتام «6» سيّء الظّنّ والبال) ألا ليت شعري هل تقول عزائمي ... (لخيلي كرّي كرّة بعد إجفال) فأنزل دارا للنّبيّ «7» نزيلها ... (قليل هموم ما يبيت بأوجال) فطوبى لنفس جاورت خير مرسل ... (بيثرب أدنى دارها نظر عالي) ومن «8» ذكره عند القبول تعطّرت ... (صبا وشمأل في منازل قفّال) جوار رسول الله مجد مؤثّل ... (وقد يدرك المجد المؤثّل أمثالي) ومن «9» ذا الذي يثني عنان السّرى وقد ... (كفاني، ولم أطلب، قليلا من المال) ألم تر أنّ الظّبية استشفعت به ... (تميل عليه هونة غير مجفال) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 54 وقال لها عودي فقالت له نعم ... (ولو قطّعوا رأسي لديك وأوصالي) فعادت إليه والهوى قائل لها ... (وكان عداء الوحش مني على بالي) رثى «1» لبعير قال أزمع مالكي ... (ليقتلني والمرء ليس بفعّال) وثور ذبيح بالرسالة شاهد ... (طويل القرا «2» والرّوق أخنس ذيّال) وحنّ إليه الجذع حنّة عاطش ... (لغيث من الوسميّ رائده خالي) وأصلين من نخل قد التأما له ... (فما «3» احتبسا من لين مسّ وتسهال) وقبضة «4» ترب منه ذلّت لها الظّبا ... (ومسنونة زرق كأنياب أغوال) وأضحى ابن جحش بالعسيب مقاتلا ... (وليس بذي رمح وليس بنبّال) وحسبك من سيف «5» الطّفيل إضاءة ... (كمصباح زيت في قناديل ذبّال) وبذّت «6» به العجفاء كلّ مطهّم ... (له حجبات مشرفات على الفال) ويا خسف أرض تحت باغيه إذ علا ... (على هيكل نهد الجزارة جوّال) وقد أخمدت نار لفارس طالما ... (أصابت غضى جزلا وكفّت بأجزال) «7» أبان سبيل الرّشد إذ سبل الهدى ... (يقلن لأهل الحلم ضلّا بتضلال) لأحمد خير العالمين انتقيتها ... (ورضت «8» فذلّت صعبة أيّ إذلال) وإنّ رجائي أن ألاقيه غدا ... (ولست بمقليّ الخلال ولا قالي) فأدرك آمالي وما كلّ آمل ... (بمدرك أطراف الخطوب ولا والي) «9» ولا خفاء ببراعة هذا النّظم، وإحكام هذا النّسج، وشدّة هذه العارضة. وله تقييد في الفقه على كتاب والده، المسمّى بالقوانين الفقهية، ورجز في الفرائض يتضمّن العمل. وإحسانه كثير. وتقدم قاضيا بحضرة غرناطة، وخطيبا بمسجد السلطان، ثامن شوّال من عام ستين وسبعمائة. ثم انصرف عنها، وأعيد إليها في عام ثلاثة «10» وستين، موصوفا بالنّزاهة والمضاء. مولده: في الخامس عشر من جمادى الأولى عام خمسة عشر وسبعمائة، وهو الآن بقيد الحياة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 55 أحمد بن محمد بن أحمد بن عبد الرحمن بن علي ابن محمد بن سعدة بن سعيد بن مسعدة بن ربيعة بن صخر ابن شراحيل بن عامر بن الفضل بن بكر بن بكّار بن البدر ابن سعيد بن عبد الله العامري يكنى أبا جعفر، من أهل غرناطة. أوّليته: عامر الذي ينتسبون إليه، عامر بن صعصعة بن هوازن بن منصور بن عكرمة بن حفصة بن قيس بن عيلان بن مضر بن نزار بن معدّ بن عدنان. ومن مناقبهم: ميمونة أم المؤمنين، زوج رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وعمرو بن عامر من أصحابه، وعاصم بن عبد الله الجعلي، ويزيد بن الحميري، وغيرهم، منزل جدّهم الداخل إلى الأندلس، وهو بكر بن بكّار بن البدر بن سعيد بن عبد الله، قرية طغنر من إقليم براجلة ابن خريز من إلبيرة. قال ابن الصيرفي في تاريخه الصغير: منزل بني مسعدة، موضع كرم ومحمدة، ينتسبون في عامر، وهم أعيان علية، فرسان أكابر، وحجّاب وكتّاب ووزراء، ولهم سابقات ومفاخر، وأوائل وأواخر. ومنهم على القدم جليل ونبيه، ومنهم كان وضيع بن جرّاح الفقيه، لم يدخل أحد منهم في الفتنة يدا، ولا تأذّى مسلما، ولا معاهدا «1» ، على قدرتهم على ذلك، وكفى به فخرا لا ينقطع أبدا. ودخل جدّهم الأندلس بعقد بني مروان له، سنة أربع وتسعين من الهجرة. ويأتي من ذكر أعلامهم ما يدلّ على شرف بيتهم، وأصالته، وعلوّه وجلالته. حاله: كان صدرا جليلا، فقيها مضطلعا، من أهل النّظر السّديد والبحث، قائما على المسائل، مشاركا في كثير من الفنون، جزلا مهمّا، جاريا على سنن سلفه، ريّان من العربية. وختم سيبويه تفقّها، وقرأ الفقه، واستظهر كتاب التّلقين، ودرس الأحكام الجيدة، وعرضها في مجلس واحد، وقرأ أصول الفقه، وشرح المستصفى شرحا حسنا، وقرأ الإرشاد والهداية، وكان صدرا في الفرائض والحساب، وألّف تاريخ قومه وقرابته. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 56 ولايته: ولّي القضاء بمواضع من الأندلس كثيرة من البشارات «1» ، أقام بها أعواما خمسة؛ ثم لوشة، وأقام بها ثلاثة أعوام؛ ثم بسطة وبرشانة. ثم انتقل إلى مالقة وأقام بها أعواما خمسة. نبّهت على مقدار الإقامة لما في ضمن طول سني الولاية من استقامة أمر الوالي. وكان له من أمير المسلمين بالأندلس حظوة لطيفة لم تكن لغيره، استنزلها بسحر التلطّف، وخطبها بلسان التّملّق حتى استحكمت له أسبابها. حدّثني بعض أشياخي ممّن كان يباشر مال السلطان يومئذ، قال: وجّه ابن مسعدة ابنه من مالقة، بكتاب في بعض الأغراض الضرورية، ثم رغب فيه أن ينعم على ولده بالمشافهة لإلقاء أمر ينوب عنه فيه، فلما حضر تناول رجل السلطان فقبّلها، وقال: أمرني أبي أن أنوب في تعفير الوجه، في هذه الرّجل الكريمة الجهاديّة عنه خاصّة؛ لبعد عهده بها، إلى أمثال هذا مما اقتضت الانتفاع بعاجل من الدّنيا زهيد، لا يدري ما الله صانع فيه، والإبقاء بما تجاوز الإفراط في تقدّمه بمالقة، بعده دار الأعلام، وديوان العقد، وهو حدث خليّ من العلم، قريب العهد بالبلوغ، فكانت على أنها غاية الصّدور ملعبا، إلى أن ضرب الدهر ضرباته، وانتقلت الحال. مشيخته: أولهم قاضي الجماعة أبو الحسن بن أبي عامر بن ربيع، وثانيهم القاضي أبو عامر يحيى بن عبد الرحمن بن ربيع، وثالثهم أبو يحيى بن عبد المنعم الخزرجي، ورابعهم العدل الرّاوية أبو الوليد العطّار، وخامسهم أبو إسحاق بن إبراهيم بن أحمد الخشني، وسادسهم الأستاذ أبو الحسن الكناني الإشبيلي، وسابعهم محمد بن إبراهيم بن مفرّج الأوسي الدبّاغ، وثامنهم أبو جعفر أحمد بن علي الرّعيني، وتاسعهم أبو علي بن أبي الأحوص. وصمته: فروى الناس أنه وجد بخزانته بعد وفاته زمام يشتمل على مثالب أهل غرناطة، مما يحدث على الأيام في أفرادهم من فلتات يجريها عدم الاتّصاف بالعصمة. استقرّ عند ولده الفضل، زعموا، ثم خفي أثره، ستر الله عيوبنا برحمته. وفاته: توفي بمالقة قرب صلاة المغرب، يوم الأحد الموفّي عشرين لذي الحجة عام تسعة وتسعين وستمائة، ودفن بخارج باب قبالة في مالقة المذكورة بمقربة من رابعة بني عمّار، وبالروضة المنسوبة لبني يحيى، نقلت من خط ولده الفضل. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 57 أحمد بن محمد بن أحمد بن قعنب الأزدي يكنى أبا جعفر، ويعرف بابن قعنب. أوّليّته: ذكر الأستاذ ابن الزّبير في «صلته» وغيره، أن قوما بغرناطة يعرفون بهذه المعرفة، فإن كان منهم، فله أوّليّة لا بأس بها. حاله: كان من شيوخ كتّاب الشّروط معرفة بالمسائل، واضطلاعا بالأحكام، وانفرد بصحّة الوثيقة، باقعة «1» من بواقع زمانه، وعيّابة «2» في مشايخ قطره، يألف النّادرة الحارّة في ملاء من النّوك والغفلة، فلا يهتزّ لموقع نادرة، ولا يضحك عقب عقد صرعة، لقلقه غير ما مرة، غير مجلس من مجالس القضاء من بني مسعود المزراة أحكامهم، المرميّة بتهكّمه وإزرائه، فتقتّع «3» في طريق حكمهم خطى منفسحة، غير مكترث بهوانه، ولا غاصّ بلسانه. وربما قال لبعض الوزعة «4» من قادته بمحبسه، وقد توقّفوا به في بعض الطريق، توقّعا لسكون غضب قاضيهم، ابعثوا بعضهم إلى هذا المحروم، لنرى ما عزم عليه، بكلام كثير الفتور والاستكانة، له في هذا الباب شهرة. ذكر بعض نزعاته: حدّثني ملازمه، وقف عليه، أبو القاسم بن الشيخ الرئيس أبي الحسن بن الجيّاب، وقد أعمل والده، رحلة إلى مالقة لزيارة شيخه الذي تلمذ له، وشهر بالتشيّع فيه، أبي عبد الله السّاحلي، صاحب الأتباع والطريقة، وكان مفرط الغلوّ فيه، واستصحب ولده الصغير، فسأله عن سفر أبيه وسعيه، فقال: نعم، واحتمل أخي، فقال: أظنه منذر ولد كان غير مغتطس، فحمله الشيخ، فغطّسه، واستغرب كلّ من حضر ضحكا، فلم يبتسم هو كأنه لا شعور عنده بما ذهب إليه، فكانت إحدى الطّوام عند الشيخ. وحدّثني، قال: جاءت امرأة تخاصم ميّارا «5» ، أوصلها من بعض المدن، في أمر نشأ بينهما، وبيده عقد، فقال بعض جيرانه، من نصّه حاكيا: «وأنه جامعها من موضع كذا إلى كذا» ولم يرسم المدّ على ألف «جا» ، فقال الشيخ للمرأة: أتعرفين أن هذا الميّار جامعك في الطريق أي فعل بك، فقالت: معاذ الله، ونفرت من ذلك، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 58 فقال: كذا شهد عليك الفقيه، وأشار إلى جاره. ومثل ذلك كثير. ولّي القضاء بأماكن عديدة كلوشة، وبسطة، والمسند، وبرجة، وأرجبة، وغير ذلك. مشيخته: يحمل عن الأستاذ أبي جعفر بن الزبير، والخطيب الصالح أبي عبد الله بن فضيلة، وأبي محمد بن سماك، وأبي الحسن بن مستقور. مولده: عام سبعين وستمائة. توفي قاضيا ببرجة بعد علّة سدكت «1» به في السادس عشر من شعبان من عام اثنين وثلاثين وسبعمائة، وانتقل منها في وعاء خشب. ودفن بمقبرة إلبيرة، تجاوز الله عنه ورحمه. أحمد بن محمد بن سعيد بن زيد الغافقي من أهل غرناطة، وجلّة بيوتها، ويأتي من ذكر ذلك ما فيه كفاية. حاله: هذا الرجل ممّن صرفت إلى الله رجعاه، وخلصت له معاملته، وخلص إليه انقطاعه. نازع في ذلك نفسا جامحة في الحزم، عريقة في الغفلة، فكتب الله له النصر عليها دفعة، فشمّر وفوّت الأصول للحضرة في باب الصّدقة، ونبذ الشواغل، وحفظ كتاب الله على الكبرة، واستقبل المحراب، ملغيا سواه، درأ به، فاتّفق على فضله، وغبط في حسن فيئته. وله ديوان نبيل يتضمّن كثيرا من فقه النفس والبدن، دلّ على نبله، وهو بحاله الموصوفة إلى هذا العهد. نفعه الله تعالى. مولده: بغرناطة عام تسعين وستمائة. أحمد بن أبي سهل بن سعيد بن أبي سهل الخزرجي من أهل الحمّة «2» ، يكنى أبا جعفر. حاله: من أهل الخير والعفاف والطهارة والانقباض، والصحة والسّلامة، أصيل البيت، معروف القدم ببلده، حرّ النادرة، قرأ بالحضرة، واجتهد، وحصّل؛ ولازم الأستاذ أبا عبد الله الفخّار وغيره من أهل عصره. وولّي القضاء ببلدة الحمّة، ثم بغربي مالقة. وهو الآن قاض بها، مشكور السّيرة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 59 أحمد بن عمر بن يوسف بن إدريس بن عبد الله ابن ورد التميمي من أهل ألمريّة. يكنى أبا القاسم، ويعرف بابن ورد. حاله: قال الملّاحي: كان من جلّة الفقهاء المحدّثين. قال ابن الزّبير كذلك، وزاد: موفور الحظّ من الأدب والنحو والتاريخ، متقدّما في علم الأصول والتّفسير، حافظا متقنا، ويقال إن علم المالكيّة انتهت إليه الرياسة فيه، وإلى القاضي أبي بكر بن العربي، في وقتهما، لم يتقدّمهما في الأندلس أحد بعد وفاة أبي الوليد بن رشد. قال: أخبرني الثّقة أبو عبد الله بن جوبر عن أبي عمر بن عات، قال: حديث ابن العربي، اجتمع بابن ورد، وتبايتا ليلة، وأخذا في التّناظر والتذاكر، فكانا عجبا. يتكلّم أبو بكر فيظن السامع أنه ما ترك شيئا إلّا أتى به، ثم يجيبه أبو القاسم بأبدع جواب ينسي السامعين ما سمعوا قبله. وكانا أعجوبتي دهرهما. وكان له مجلس يتكلّم فيه على الصّحيحين، ويخصّ الأخمسة بالتفسير. حلوله غرناطة: قال المؤرّخون: ولّي قضاء غرناطة سنة عشرين، فعدل وأحسن السّيرة، وبه تفقّه طلبتها إذ ذاك. مشيخته: روي عن أبي علي الغسّاني، وأبي الحسن بن سراج، وأكثر عنه، وأبي بكر بن سابق الصقيلي، وأبي محمد بن عبد الله بن فرج، المعروف بالعسّال الزّاهد، ولازمه، وهو آخر من روى عنه. ورحل إلى سجلماسة، وناظر عند ابن العوّاد. وروي أيضا عن أبي الحسن المبارك، المعروف بالخشّاب، وكان الخشّاب يحمل عن أبي بكر بن ثابت الخطيب وغيره. من روى عنه: وروى عنه جماعة كأبي جعفر بن الباذش، وأبي عبيد الله، وابن رفاعة، وابن عبد الرحيم، وابن حكيم وغيرهم. وآخر من روى عنه، أبو القاسم بن عمران الخزرجي بفاس. وفاته: توفي بألمريّة في الثاني عشر لرمضان سنة أربعين وخمسمائة. أحمد بن محمد بن علي بن أحمد بن علي الأموي «1» يكنى أبا جعفر، ويعرف بابن برطال، أصله من قرية تعرف بحارة البحر من وادي طرّش نصر، حصن منتماس من شرقي مالقة، من بيت خير وأصالة، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 60 وانتقل سلفه إلى مالقة، فتوشّجت لهم بها عروق، وصاهروا إلى بيوتات نبيهة. حاله: كان من أهل الخير، وكان على طريقة مثلى من الصّمت، والسّمت، والانقباض، والذكاء، والعدالة والتخصّص، محوّلا في الخير، ظاهر المروءة، معروف الأصالة، خالص الطّعمة، كثير العفّة، مشهور الوقار والعفاف، تحرّف بصناعة التوثيق على انقباض. دخوله غرناطة: تقدّم قاضيا بغرناطة، بعد ولاية القضاء ببلده، وانتقل إليها، وقام بالرّسم المضاف إلى ذلك، وهو الإمامة بالمسجد الأعظم منها، والخطابة بجامع قلعتها الحمراء؛ واستقلّ بذلك إلى تاسع جمادى الثانية من عام أحد وأربعين وسبعمائة، على قصور في المعارف، وضعف في الأداة، وكلال في الجدّ، ولذلك يقول شيخنا أبو البركات بن الحاج «1» : [الرمل] إنّ تقديم ابن برطال دعا ... طالب «2» العلم إلى ترك الطّلب حسبوا الأشياء عن «3» أسبابها ... فإذا الأشياء عن غير سبب إلّا أنه أعانته «4» الدربة والحنكة على تنفيذ الأحكام، فلم تؤثر عنه فيها أحدوثة، واستظهر بجزالة أمضت حكمه، وانقباض عافاه عن الهوادة، فرضيت سيرته، واستقامت طريقته. مشيخته: لقي والده، شيخ القضاة، وبقيّة المحدّثين، وله الرواية العالية، والدرجة الرفيعة، حسبما يأتي في اسمه، ولم يؤخذ عنه شيء فيما أعلم. شعره: أنشدني الوزير أبو بكر بن ذي الوزارتين أبي عبد الله بن الحكيم، قال: أنشدني القاضي أبو جعفر بن برطال لنفسه، مودّعا في بعض الأسفار «5» : [الكامل] أستودع اللهمّ «6» من لوداعهم ... قلبي وروحي إذ دنى لوداعي «7» الجزء: 1 ¦ الصفحة: 61 بانوا وطرفي «1» والفؤاد ومقولي ... باك ومسلوب العزاء وداع فتولّ يا مولاي حفظهم ولا ... تجعل تفرّقنا فراق وداع وفاته: توفي، رحمه الله وعفا عنه، أيام الطاعون الغريب «2» بمالقة، في منتصف ليلة الجمعة خامس صفر عام خمسين وسبعمائة «3» ، وخرجت جنازته في اليوم التالي، ليلة وفاته في ركب من الأموات، يناهز الألف، وينيف بمائتين، واستمرّ ذلك مدة، وكان مولده عام تسعة وثمانين وستمائة، رحمه الله تعالى. أحمد بن عبد الله بن محمد بن الحسن بن عميرة المخزومي «4» بلنسي شقوري الأصل، يكنى أبا مطرّف. أوّليّته: لم يكن من بيت نباهة؛ ووقع لابن عبد الملك في ذلك نقل، كان حقه التجافي عنه، لو وفّق. حاله: قال ابن عبد الملك «5» : كان أوّل طلبه العلم شديد العناية بشأن الرواية، فأكثر من سماع الحديث وأخذه عن مشايخ أهله، وتفنّن «6» في العلوم، ونظر في العقليّات «7» وأصول الفقه، ومال إلى الأدب «8» فبرع فيه «9» براعة عدّ بها من كبار مجيدي النّظم. وأما «10» الكتابة، فهو «11» علمها المشهور، وواحدها الذي «12» عجزت عن ثانيه «13» الدّهور، ولا سيما في مخاطبة الإخوان، هنالك استولى على أمد الإحسان، وله المطوّلات المنتخبة، والقصار المقتضبة، وكان يملح كلامه نظما ونثرا بالإشارة إلى التاريخ «14» ، ويودعه إلماعات بالمسائل «15» العلمية الجزء: 1 ¦ الصفحة: 62 منوّعة المقصد «1» . قلت: وعلى الجملة، فذات أبي المطرّف فيما ينزع إليه، ليست من ذوات الأمثال، فقد كان نسيج وحده، إدراكا وتفنّنا، بصيرا بالعلوم، محدّثا، مكثرا، راوية ثبتا، سجرا في التاريخ والأخبار، ريّان، مضطلعا بالأصلين، قائما على العربية واللغة، كلامه كثير الحلاوة والطّلاوة، جمّ العيون، غزير المعاني والمحاسن، وافد أرواح المعاني، شفّاف اللفظ، حرّ المعنى، ثاني بديع الزمان، في شكوى الحرفة، وسوء الحظ، ورونق الكلام، ولطف المأخذ، وتبريز النثر على النظم، والقصور في السّلطانيات. مشيخته: روى عن أبي الخطاب بن واجب، وأبي الربيع بن سالم، وأبي عبد الله بن فرج وأبي علي الشّلوبين، وأبي عمر بن عات، وأبي محمد بن حوط الله، لقيهم، وقرأ عليهم، وسمع منهم، وأجازوا له؛ وأجاز له من أهل المشرق أبو الفتوح نصر بن أبي الفرج وغيره. من روى عنه: روى عنه ابنه القاسم، وأبو بكر بن خطّاب، وأبو إسحاق البلقيني الحفيد، والحسن بن طاهر بن الشّقوري، وأبو عبد الله البرّي. وحدّث عنه أبو جعفر بن الزّبير، وابن شقيف، وابن ربيع، وغيرهم مما يطول ذكره. نباهته: صحب أبا عبد الله بن عبد العزيز بن عبد الله بن خطّاب قبل توليته ما تولّى من رياسة بلده، وانتفع به كثيرا؛ وكتب عن الرئيس أبي جميل زيّان بن سعد وغيره من أمراء شرق الأندلس. ثم انتقل إلى العدوة «2» ، واستكتبه الرشيد أبو محمد عبد الواحد بمراكش، مدة يسيرة؛ ثم صرفه عن الكتابة وولّاه قضاء مليانة من نظر مرّاكش الشرقي، فتولّاه قليلا، ثم نقله إلى أقصى رباط الفتح. وتوفي الرشيد، فأقرّه على ذلك الوالي بعده، أبو الحسن المعتضد أخوه؛ ثم نقله إلى قضاء مكناسة الزّيتون؛ ثم لمّا قتل المعتضد لحق بسبتة، وجرى عليه بطريقها ما يذكر في محنته. ثم ركب البحر منها متوجّها إلى إفريقية، فقدم بجاية على الأمير أبي زكريا يحيى بن الأمير أبي زكريا. ثم توجّه إلى تونس فنجحت بها وسائله، وولّي قضاء مدينة الأرش. ثم انتقل إلى قابس، وبها طالت مدة ولايته؛ واستدعاه المستنصر بالله محمد بن أبي زكريا، ولطف محلّه منه، حتى كان يحضر مجالس أنسه، وداخله بما قرفته الألسن بسببه حسبما يذكر في وصمته. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 63 مناقبه: وهي الكتابة والشعر؛ كان يذكر أنه رأى في منامه النبيّ، صلى الله عليه وسلم، فناوله أقلاما، فكان يروى له أن تأويل تلك الرّؤيا، ما أدرك من التّبريز في الكتابة، وشياع الذكر، والله أعلم. ومن بديع ما صدر عنه، فيما كتب في غرض التّورية، قطعة من رسالة، أجاب بها العبّاس بن أمية، وقد أعلمه باستيلاء الروم على بلنسية، فقال: «بالله أيّ نحو ننحو، أو مسطور نثبت أو نمحو؛ وقد حذف الأصل والزّائد، وذهبت الصّلة والعائد؛ وباب التعجّب طال، وحال اليأس لا تخشى الانتقال؛ وذهبت علامة الرّفع، وفقدت نون الجمع؛ والمعتلّ أعدى الصّحيح والمثلّث أردى الفصيح؛ وامتنعت الجموع من الصّرف، وأمنت زيادتها من الحذف؛ ومالت قواعد الملّة، وصرنا جمع القلّة؛ وظهرت علامة الخفض، وجاء بدل الكلّ من البعض» . ومن شعره في المقطوعات التي ورّى فيها بالعلوم قوله «1» : [الخفيف] قد عكفنا على الكتابة حينا ... وأتت «2» خطّة القضاء تليها وبكلّ لم يبق للجهد إلّا ... منزلا نابيا وعيشا كريها نسبة بدّلت ولم تتغيّر ... مثل ما يزعم المهندس فيها وكقوله مما افتتح به رسالة «3» : [البسيط] يا غائبا سلبتني الأنس غيبته ... فكيف صبري وقد كابدت بينهما؟ دعواي أنّك في قلبي فعارضها «4» ... شوقي إليك فكيف الجمع بينهما؟ وفي مثل ذلك استفتاح رسالته أيضا «5» : [الكامل] إن «6» الكتاب أتى وساحة طرسه ... روح «7» موشّى بالبديع مرتّع «8» وله حقوق ضاق وقت وجوبها ... ومن الوجوب مضيّق «9» وموسّع الجزء: 1 ¦ الصفحة: 64 وفي مثل ذلك في استفتاح رسالة أيضا «1» : [الكامل] كبّرت بالبشرى «2» أتت وسماعها ... عيدي الذي لشهوده تكبيري وكذلك الأعياد سنّة يومها ... مختصّة بزيادة التّكبير وفي أغراض أخر «3» : [الخفيف] بايعونا مودّة هي عندي ... كالمرآة «4» بيعها بالخداع فسأقضي بردّها ثم أقضي ... بعدها «5» من مدامعي ألف صاع وله في معنى آخر «6» : [الطويل] شرّطت عليهم عند تسليم مهجتي ... وعند انعقاد البيع قربا يواصل فلمّا أردت الأخذ بالشّرط أعرضوا ... وقالوا يصحّ البيع والشّرط باطل تصانيفه: له تأليف في كائنة ميرقة «7» وتغلّب الرّوم عليها، نحى فيه منحى العماد الأصفهاني، في الفتح القدسي «8» ؛ وكتابه في تعقيبه على فخر الدين بن الخطيب الرّازي في كتاب المعالم في أصول الفقه منه؛ وردّه على كمال الدين أبي محمد بن عبد الكريم السّماكي في كتابه المسمّى بالتّبيان في علم البيان؛ واقتضابه النبيل في ثورة المريدين «9» ، إلى غير ذلك من التعاليق والمقالات، ودوّن الأستاذ أبو عبد الله بن هانىء السّبتي كتابته وما يتخلّلها من الشّعر في سفرين بديعين أتقن ترتيبهما، وسمّى ذلك «بغية المستطرف، وغنية المتطرّف، من كلام إمام الكتابة ابن عميرة أبي المطرّف» . دخوله غرناطة: قال شيخنا أبو الحسن بن الجيّاب: عمير أخبر بذلك من شيوخه، والرجل ممّن يركن إليه في أخباره فيما أحقّوا على سبيل الرواية والإخبار، من شرّق الأندلس إلى غرناطة، إلى غربها إلى غير ذلك، عند رحلته، وهو الأقرب، وقال: قال المخبر: عهدي به طويلا، نحيف الجسم، مصفرّا، أقنى الأنف؛ أصيب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 65 بمالقة ما أحوج ما كان إليه، وقد استقبل الكبرة «1» ، ونازعه سوء الحظّ. قال الشيخ أبو الحسن الرّعيني: إنه كتب إليه يعلمه بهذه الحادثة عليه، وأن المنهوب من ماله يعدل أربعة آلاف دينار عشرية، وكان ورقا وعينا وحليّا وذلك أنه لمّا قتل المعتضد، اغتنم الفطرة، وفصل عن مكناسة، قاصدا سبته، فلقي الرفقة التي كان فيها جمع من بني مرين، سلبوه وكلّ من كان معه. مولده: بجزيرة شقر «2» ، وقيل ببلنسية، في رمضان اثنتين وثمانين وخمسمائة. وفاته: توفي بتونس ليلة الجمعة الموفية عشرين ذي الحجة عام ستة وخمسين وستمائة «3» . قال ابن عبد الملك «4» : ووهم ابن الزبير في وفاته، إذ جعلها في حدود الخمسين وستمائة أو بعدها. أحمد بن عبد الحق بن محمد بن يحيى ابن عبد الحق الجدلي «5» من أهل مالقة، يكنى أبا جعفر، ويعرف بابن عبد الحق. حاله: من «6» صدور أهل العلم والتفنّن في هذا الصّقع الأندلسي، نسيج وحده في الوقار والحصافة، والتزام مثلى الطريقة، جمّ التّحصيل، سديد النظر، كثير التخصّص، محافظ على الرسم، مقبوض العنان في التّطفيف في إيجاب الحقوق لأهلها، قريب من الاعتدال في معاملة أبناء جنسه، مقتصد مع ثروته، مؤثر للترتيب في كافّة أمره، متوقّد الفكرة مع سكون، ليّن العريكة مع مضاء؛ مجموع خصال حميدة مما يفيد التجريب والحنكة؛ مضطلع بصناعة العربية، حائز قصب السّبق فيها، عارف بالفروع والأحكام، مشارك في فنون من أصول، وطبّ، وأدب، قائم على الجزء: 1 ¦ الصفحة: 66 القراءة «1» ، إمام في الوثيقة، حسن الخطّ، مليح السّمة والشيبة، عذب الفكاهة، حسن العهد، تامّ الرجولية. نباهته: تصدّر «2» للإقراء ببلده على وفور أهل العلم، فكان سابق الحلبة، ومناخ الطيّة، إمتاعا، وتفنّنا، وحسن إلقاء. وتصرّف في القضاء ببلّش وغيرها من غربي بلده، فحسنت سيرته، واشتهرت طريقته، وحمدت نزاهته. ثم ولّي خطّة القضاء بمالقة، والنظر في الأحباس «3» بها، على سبيل من الحظوة والنّباهة، مرجوعا إليه في كثير من مهمّات بلده، سائمة وجوه السعادة، ناطقة ألسن الخاصّة والعامّة بفضله، جمّاعة نزاهته، آويا إلى فضل بيته. واتّصلت ولايته إيّاها إلى هذا العهد، وهي أحد محامد الوالي، طول مدة الولاية، لا سيما القاضي، ممّا يدلّ على الصبر، وقلّة القدح، وسدّ أبواب التّهم، والله يعينه، ويمتّع به بمنّه. مشيخته: قرأ على الأستاذ أبي عبد الله بن بكر، وهو نجيب حلبته، والسّهم المصيب من كنانته، لازمه، وبه تفقّه وانتفع، وتلا القرآن عليه وعلى محمد «4» بن أيوب، وعلى أبي القاسم بن درهم علمي وقتهما في ذلك، وعلى غيرهما، وتعلّم الوثيقة على العاقد القاضي أبي القاسم بن العريف. وروى عن الخطيبين المحدّثين أبي عثمان بن عيسى وأبي عبد الله الطّنجالي، وغيرهما. دخوله غرناطة: تردّد إليها غير ما مرّة، منها في أمور عرضت في شؤونه الخاصّة به، ومنها مع الوفود الجلّة، من أهل بلده، تابعا قبل الولاية، متبوعا بعدها. ومن شعره قوله في جدول «5» : [الكامل] ومقارب الشّطّين أحكم صقله «6» ... كالمشرفيّ إذا اكتسى بفرنده فحمائل «7» الدّيباج منه خمائل ... ومعانق «8» فيها البهار بورده وقد اختفى طرف «9» له في دوحة ... كالسّيف ردّ ذبابه في غمده الجزء: 1 ¦ الصفحة: 67 وقوله في شجر نارنج مزهر «1» : [الكامل] وثمار نارنج نرى أزهارها ... مع ناتئ «2» النّارنج في تنضيد فإذا نظرت إلى تألّفها «3» أتت ... كمباسم أومت للثم خدود وفاته: في زوال يوم الجمعة السابع «4» والعشرين لرجب عام خمسة وستين وسبعمائة. مولده: ثامن شوّال عام ثمانية وتسعين وستمائة. أحمد بن عبد الرحمن بن محمد بن عبد الرحمن بن محمد ابن الصقر الأنصاري الخزرجي «5» يكنى أبا العباس، من أهل الثّغر الأعلى. أوّليته: من سرقسطة «6» ، حيث منازل الأنصار هنالك؛ انتقل جدّ أبيه عبد الرحمن بابنه الصغير «7» منها لحدوث بعض الفتن بها إلى بلنسية، فولد له ابنه عبد الرحمن أبو العباس «8» هذا؛ ثم انتقل أبوه إلى ألمريّة، فولد أبو العباس بها، ونقله أبوه إلى سبتة فأقام بها مدّة «9» . حاله: كان «10» محدّثا مكثرا ثقة، ضابطا، مقرئا، مجوّدا، حافظا للفقه، ذاكرا للمسائل «11» ، عارفا بأصولها «12» ، متقدّما في علم الكلام، عاقدا للشروط، بصيرا بعللها؛ حاذقا بالأحكام، كاتبا بليغا، شاعرا محسنا، أتقن «13» أهل عصره خطّا، وأجلّهم منزعا، ما اكتسب قطّ شيئا من متاع الدّنيا، ولا تلبّس بها، مقتنعا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 68 باليسير، راضيا بالدّون، مع الهمّة العليّة، والنفس الأبيّة، على هذا قطع عمره، وكتب من دواوين العلم ودفاتره، ما لا يحصى كثرة، بجودة «1» وضبط وحسن خطّ؛ وعني به أبوه في صغره، فأسمعه كثيرا من الشروح، وشاركه في بعضهم. نفعه الله. نباهته: استدعاه أبو عبد الله بن حسّون، قاضي مرّاكش، إلى كتابته، إلى أن صرف، واستقرّ هو متولّي حكمها وأحكامها، والصلاة في مسجدها، ثم ترك الأحكام، واستقرّ في الإمامة. ولمّا تصيّر الأمر إلى الموحّدين، ألحقه عبد المؤمن «2» منهم، بجملة طلبة العلم، وتحفّى به، وقدّمه إلى الأحكام بحضرة مرّاكش، فقام بها مدّة، ثم ولّاه قضاء غرناطة، ثم نقله إلى إشبيلية قاضيا بها مع وليّ عهده. ولمّا صار الأمر إلى يعقوب «3» ، ألزمه خدمة الخزانة العلمية وكانت عندهم من الخطط التي لا يعيّن لها إلّا كبار أهل العلم وعليّهم، وكانت مواهب عبد المؤمن له جزلة، وأعطياتهم مترافهة كثيرة. مشيخته: قرأ القرآن على أبيه، وأكثر عنه، وأجاز له، وعلى أبي الحسن التطيلي، قال: وهو أول من قرأت عليه. من روى عنه: روى عنه أبو عبد الله، وأبو خالد يزيد بن يزيد بن رفاعة، وأبو محمد بن محمد بن علي بن وهب القضاعي. دخوله غرناطة: صحبة «4» القاضي أبي القاسم بن جمرة، ونوّه به واستخلفه إذ وليها، وقبض عليه بكلتي يديه، ثم استقضي بها أبو الفضل عياض بن موسى، فاستمسك به، واشتمل عليه؛ لصحبة كانت بينهما وقرابة، إلى أن صرف عنها أبو الفضل عياض، فانتقل إلى وادي آش، فتولّى أحكامها والصلاة بها، ثم عاد إلى غرناطة سنة ست وثلاثين، إلى أن استقضي بغرناطة في دولة أبي محمد بن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 69 عبد المؤمن بن علي؛ فحمدت سيرته، وشكر عدله، وظهرت نزاهته، ودام بها حتى ظنّ من أهلها. شعره: وشعره في طريقة الزهد، وهي لا ينفذ فيها إلّا من قويت عارضته، وتوفّرت مادّته «1» : [الطويل] إلهي لك الملك العظيم حقيقة ... وما للورى مهما منعت نقير تجافى بنو الدنيا مكاني فسرّني ... وما قدر مخلوق جداه حقير وقالوا فقير وهو «2» عندي جلالة ... نعم صدقوا إني إليك فقير وشعره في هذا المعنى كثير، وكله سلس المقادة، دالّا على جودة الطبع. ومن شعره قوله «3» : [الكامل] أرض العدو بظاهر متصنّع ... إن كنت مضطرّا إلى استرضائه «4» كم من فتى ألقى بوجه «5» باسم ... وجوانحي تنقدّ «6» من بغضائه تصانيفه: له» تصانيف مفيدة تدلّ على إدراكه وإشرافه، كشرحه «الشّهاب» ، فإنه أبدع فيه، وكتابه «أنوار الأفكار، فيمن دخل جزيرة الأندلس من الزّهّاد والأبرار» ، ابتدأ تأليفه، وتوفي دون إتمام غرضه فيه، فكمّله عبد الله ابنه. محنته: كان ممّن وقعت عليه المحنة العظمى بمرّاكش يوم دخول الموحّدين إياها، يوم السبت لاثنتي عشرة ليلة بقيت من شوّال عام أحد «8» وأربعين وخمسمائة، على الوجه المشهور في استباحة دماء كل من اشتملت عليه من الذّكور البالغين؛ إلّا من تسترّ بالاختفاء في سرب أو غرفة أو مخبأ. وتمادى القتل فيها ثلاثة أيام، ثم نودي بالعفو عمّن أشارته الفتكة الكبرى، فظهر من جميع الخلق بها، ما يناهز السبعين رجلا، وبيعوا بيع أسارى المشركين، هم وذراريهم، وعفي عنهم، فكان أبو العباس ممّن تخطّته المنيّة، واستنقذه من الرّقّ العفو، وحسبك بها محنة، نفعه الله، وضاعت له في ذلك وفي غيره كتب كثيرة بخطّه وبغير خطّه، مما تجلّ عن القيمة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 70 مولده: بألمريّة في أواخر شهر ربيع سنة اثنتين «1» وخمسمائة. وفاته: توفي بمرّاكش بين صلاة الظهر والعصر، في يوم الأحد لثمان خلون من جمادى الأولى سنة تسع وخمسين وخمسمائة «2» . ودفن يوم الاثنين بعده عقب صلاة الظهر، وصلّى عليه القاضي أبو يوسف حجاج؛ وكانت جنازته عظيمة المحفل، كثيرة الجمع؛ برز إليها الرجال والنساء ورفعوا نعشه على الأيدي، رحمه الله. ومما رثاه به جاره وصديقه أبو بكر بن الطفيل «3» ، وهو بإشبيلية، بعث بها إلى ابنه مع كتاب في غرض العزاء «4» : [الوافر] لأمر ما تغيّرت الدّهور ... وأظلمت الكواكب والبدور وطال على العيون الليل حتى «5» ... كأنّ النّجم فيه لا يغور أحمد بن أبي القاسم بن عبد الرحمن يعرف بابن القبّاب، من أهل فاس، ويكنى أبا العباس. حاله: هذا الرجل، صدر عدول «6» الحضرة الفاسيّة، وناهض عشّهم، طالب، فقيه، نبيه، مدرك، جيّد النظر، سديد الفهم؛ حضر الدرس بين يدي السلطان، وولّي القضاء بجبل الفتح «7» ، متّصفا فيه بجزالة وانتهاض. تعرّفت به بمدينة فاس، فأعجبتني سيمته؛ ووصل مدينة سلا في غرض اختبار واستطلاع الأحوال السلطانية؛ واستدعيته فاعتذر ببعض ما يقبل، فخاطبته بقولي «8» : [الوافر] أبيتم دعوتي إمّا لشأو «9» ... وتأبى لومه مثلى الطريقه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 71 وبالمختار للناس اقتداء ... وقد حضر الوليمة والعقيقه وغير غريبة أن رقّ حرّ ... على من حاله مثلي رقيقه وإمّا زاجر الورع اقتضاها ... ويأبى ذاك دكان الوثيقه وغشيان المنازل لاختبار ... يطالب بالجليلة والدّقيقه شكرت مخيلة كانت مجازا ... لكم وحصلت بعد على الحقيقه وتفرّع الكلام على قولي: «ويأبى ذاك دكان الوثيقه» ، بما دعي إلى بيانه بتصنيفي فيه الكتاب المسمّى «بمثلى الطريقة في ذمّ الوثيقه» . دخوله غرناطة: في عام اثنين وستين وسبعمائة، موجّها من قبل سلطان المغرب أبي سالم بن أبي الحسن لمباشرة صدقة عهد بها لبعض الرّبط «1» ؛ وهو إلى الآن، عدل بمدينة فاس، بحال تجلّة وشهرة. ثم تعرّفت أنه نسك ورفض العيش من الشهادة ككثير من الفضلاء. أحمد بن إبراهيم بن الزّبير بن محمد بن إبراهيم بن الحسن ابن الحسين بن الزبير بن عاصم بن مسلم بن كعب الثّقفي «2» يكنى أبا جعفر. أوّليته: كعب الذي ذكر، هو كعب بن مالك بن علقمة بن حباب بن مسلم بن عدي بن مرّة بن عوف بن ثقيف؛ أصله من مدينة جيّان، منزل قنّسرين، من العرب الداخلين إلى الأندلس؛ ونسبه بها كبير، وحسبه أصيل، وثروته معروفة. خرج به أبوه عند تغلّب العدوّ عليها عام ثلاثة وأربعين وستمائة، ولأبيه إذ ذاك إثراء وجدة أعانته على طلب العلم، وإرفاد «3» من أحوجته الأزمة في ذلك الزمان من جالية العلماء عن قرطبة وإشبيلية كأبي الحسن الصائغ وغيره، فنصحوا له، وحطبوا في حبله. حاله: كان خاتمة المحدّثين، وصدور العلماء والمقرئين، نسيج وحده، في حسن التعليم، والصبر على التّسميع، والملازمة للتدريس، لم تختلّ له، مع تخطّي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 72 الثمانين، ولا لحقته سآمة، كثير الخشوع والخشية، مسترسل العبرة، صليبا في الحق، شديدا على أهل البدع، ملازما للسّنّة، جزلا، مهيبا، معظّما عند الخاصّة والعامّة، عذب الفكاهة، طيّب المجالسة، حلو النّادرة، يؤثر عنه في ذلك حكايات، لا تخلّ بوقار، وتحلّ بجلال منصب. فنونه: إليه انتهت الرّياسة بالأندلس في صناعة العربية، وتجويد القرآن، ورواية الحديث، إلى المشاركة في الفقه، والقيام على التّفسير، والخوض في الأصلين. مشيخته: أخذ عن الجلّة المقرئين، كالمقرئ أبي عبد الله محمد بن إبراهيم بن مستقور «1» الغرناطي الطائي. نباهته وخططه: ولّي قضاء المناكح، والخطبة بالحضرة، وبلغ من الشّهرة والإشادة بذكره، ما لم يبلغه سواه. تصانيفه: من تأليفه كتاب «صلة الصّلة» لابن بشكوال، التي وصلتها بعده، وسمّيت كتابي ب «عائد الصلة» ، وافتتحت أول الأسماء فيه باسمه؛ وكتاب «ملاك التأويل، في المتشابه اللفظ في التّنزيل» غريب في معناه؛ والبرهان في ترتيب سور القرآن؛ وشرح الإشارة للباجي في الأصول؛ وسبيل الرّشاد في فضل الجهاد؛ وردع الجاهل عن اغتياب المجاهل، في الرد على الشّودية «2» ، وهو كتاب جليل ينبئ عن التفنّن والاضطلاع؛ وكتاب الزمان والمكان، وهو وصمة، تجاوز الله عنه. شعره: وشعره مختلف عن نمط الإجادة، مما حقّه أن يثبت أو ثبت في كتاب شيخنا أبي البركات المسمّى «شعر من لا شعر له» مما رواه، ممّن ليس الشعر له بضاعة، من الأشياخ الذي عدّ صدر عنهم هو. فمن شعره «3» : [السريع] ما لي وللتسئال لا أمّ لي ... سألت «4» من يعزل أو من يلي حسبي ذنوب «5» أثقلت كاهلي ... ما إن أرى إظلامها «6» ينجلي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 73 يا ربّ، عفوا إنها جمّة ... إن لم يكن عفوك لا أمّ لي محنته: نشأت بينه وبين المتغلب بمالقة من الرؤساء التّجيبيين من بني إشقيلولة «1» ، وحشة أكّدتها سعاية بعض من استهواهم رجل ممخرق من بني الشّعوذة، ومنتحلي الكرامة، يمتطيها، زعموا إلى النبوّة، يعرف بالفزاري، واسمه إبراهيم، غريب المنزع، فذّ المآخذ، أعجوبة من أعاجيب الفتن، يخبر بالقضايا المستقبلة، ويتسوّر سور حمى العادة في التطوّر من التقشّف والخلابة، تبعه ثاغية وراغية، من العوام الصّمّ البكم، مستفزّين فيه حياته؛ وبعد زمن من مقتله، على يد الأستاذ بغرناطة، قرعه بحقّه، وبادره بتعجيل نكيره، فاستغاث بمفتونه الرئيس، ظهير محاله فاستعصى له؛ وبلغ الأستاذ النياحة، ففرّ لوجهه، وكبس منزله لحينه، فاستولت الأيدي على ذخائر كتبه، وفوائد تقييده عن شيوخه، على ما طالت له الحسرة، وجلّت فيه الرزيّة. ولحق بغرناطة آويا إلى كنف سلطانها الأمير أبي عبد الله بن الأمير الغالب بالله بن نصر؛ فأكرم مثواه، وعرف حقّه، وانثال عليه الجمّ الغفير لالتماس الأخذ عنه، إلى أن نالته لديه سعاية، بسبب جار له، من صلحاء القرابة النّصرية، كان ينتابه لنسبة الخيريّة، نميت عنه في باب تفضيله، واستهالت للأمر كلمة، أوجبت امتحانه، وتخلّل تلك الألقيّة «2» من الشكّ، ما قصر المحنة على إخراجه من منزله المجاور لذلك المتّهم به، ومنعه من التصرّف، والتزامه قعر منزل انتقل إليه بحال اعتزال من الناس، محجورا عليه مداخلتهم؛ فمكث على ذلك زمانا طويلا، إلى أن سرّيت عنه النكبة، وأقشعت الموجدة، فتخلّص من سرارها بدره؛ وأقلّ من شكاتها جاهه، وأحسنت أثرها حاله، وكثر ملتمسه، وعظمت في العالم غاشيته؛ فدوّن واستمع، وروى ودرّب، وخرّج وأدّب وعلّم، وحلّق وجهر. وكانت له الطّايلة على عدوّه، والعاقبة للحسنى، بعد ثبات أمره، والظّفر بكثير من منتهب كتبه. وآلت الدولة للأمير أبي عبد الله نصر بمالقة، فطالب الفزاريّ المذكور، واستظهر بالشّهادات عليه، وبالغ في دحض دعوته، إلى أن قتل على يده بغرناطة. حدّثنا شيخنا أبو الحسن بن الجيّاب، قال: لما أمر بالتأهّب للقتل وهو في السجن الذي أخرج منه إلى مصرعه، جهر بتلاوة «ياسين» ، فقال له أحد الذّعرة، ممّن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 74 جمع السجن بينهم «اقرأ قرآنك؛ على أيّ شيء تتطفّل على قرآننا اليوم» أو ما هو في معناه. فتركها مثلا للوذعيّته. مولده: ببلده جيّان في أواخر عام سبعة وعشرين وستمائة. وفاته: وتوفي بغرناطة في الثامن لشهر ربيع الأول عام ثمانية وسبعمائة. وكانت جنازته جنازة بالغة أقصى مبالغ الاحتفال، نفر لها الناس من كل أوب، واحتمل طلبة العلم نعشه على رؤوسهم، إلى جدثه، وتبعه ثناء جميل، وجزع كبير، رحمه الله. ورثاه طائفة من طلبته؛ وممّن أخذ عنه منهم، القاضي أبو جعفر بن أبي حبل في قصيدة أولها: [الطويل] عزيز على الإسلام والعلم ماجد ... فكيف لعيني أن يلمّ بها الكرى؟ وما لمآقي لا تفيض شؤونها ... نجيعا على قدر المصيبة أحمرا؟ فو الله ما تقضي المدامع بعض ما ... يحقّ ولو كانت سيولا وأبحرا حقيق لعمري أن تفيض نفوسنا ... وفرض على الأكباد أن تتفطّرا أحمد بن عبد الولي بن أحمد الرعيني يكنى أبا جعفر؛ ويعرف بالعوّاد، صنعة لأبيه الكاتب الصالح. حاله: هو من بيت تصاون، وعفاف، ودين، والتزام السّنّة؛ كانوا في غرناطة في الأشعار، وتجويد القرآن، والامتياز بحمله، وعكوفهم عليه، نظراء بني عظيمة بإشبيلية، وبني الباذش بغرناطة؛ وكان أبو جعفر هذا، المترجم له ممّن تطوى عليه الخناصر، معرفة بكتاب الله، وتحقيقا لحقه، وإتقانا لتجويده، ومثابرة على تعليمه، ونصحا في إفادته؛ على سنن الصالحين، انقباضا عن الناس، وإعراضا عن ذوي الوجاهة، سنيّا في قوله وفعله، خاصّيّا في جميع أحواله، مخشوشنا في ملبسه، طويل الصّمت إلّا في دست تعليمه، مقتصرا في مكسبه، متّقيا لدينه، محافظا على أواده. سأل منه رجل يوما كتب رقعة، ففهم من أمره، فقال: يا هذا، والله ما كتبت قطّ يميني إلّا كتاب الله، فأحبّ أن ألقاه على سجيّتي بتوفيقه، إن شاء الله، وتسديده. مشيخته: قرأ على الأستاذ أبي جعفر بن الزّبير، والأستاذ أبي جعفر الحزموني الكفيف، وأبي عبد الله بن رشيد وغيرهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 75 وفاته: توفي في شهر ذي الحجة من عام خمسين وسبعمائة، ودفن بجبّانة باب الفخّارين «1» في أسفل السفح تجاه القصور الحكمية، وأتبعه الناس أحسن الثناء. أحمد بن علي بن أحمد بن خلف الأنصاري «2» من أهل غرناطة؛ يكنى أبا جعفر، ويعرف بابن الباذش. أوّليّته: أصله من جيّان، من بيت خيريّة وتصوّن. حاله: قال القاضي أبو محمد بن عطية: إمام في المقرئين، ومقدّم في جهابذة الأستاذين، راوية، مكثر، متفنّن في علوم القراءة، مستبحر، عارف بالأدب والإعراب، بصير بالأسانيد، نقّاد لها، مميّز لشاذّها من معروفها. قال ابن الزّبير: وما علمت فيما انتهى إليه نظري وعلمي، أحسن انقيادا لطرق القراءة، ولا أجلّ اختيارا منه، لا يكاد أحد من أهل زمانه، ولا ممّن أتى بعده أن يبلغ درجته في ذلك. مشيخته: تفقّه بأبيه الإمام أبي الحسن، وأكثر الرواية عنه، واستوفى ما كان عنده، وشاركه في كثير من شيوخه. أخذ القراءات عرضا عن الإمام المقرئ أبي القاسم بن خلف بن النحّاس، رحل إلى قرطبة ولازمه؛ وعلى المقرئ أبي جعفر هابيل بن محمد الحلاسي، وأبي بكر بن عيّاش بن خلف المقرئ، وأبي الحسن بن زكريا، وأبي الحسن شريح بن محمد، وأبي محمد عبد الله بن أحمد الهمداني الجيّاني، رحل إليه إلى جيان، وتلا على جميع من ذكر. وروى بالقراءة والسّماع والإجازة على عالم كثير، كأبي داود وأبي الحسن بن أخي الرّش المقرئين، أجازا له؛ وأبي علي الغسّاني في الإمامة والإتقان، وقد أسمع عليه؛ وأبي القاسم خلف بن صواب المقرئ، وأبي عامر محمد بن حبيب الجيّاني، وأبي عبد الله محمد بن أحمد التّجيبي الشهير، وأبي محمد بن السيد، وأبي الحسن بن الأخضر، وأبي محمد عبد الله بن أبي جعفر الحافظ، وعالم كثير غير هؤلاء يطول ذكرهم. من روى عنه: روى عنه أبو محمد عبد الله، وأبو خالد بن رفاعة، وأبو علي القلعي المعدّي، وأبو جعفر بن حكم، وأبو الحسن بن الضّحّاك، وابنه أبو محمد عبد المنعم، وهو آخر من حدّث عنه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 76 تصانيفه: ألّف كتاب «الإقناع» في القراءات، لم يؤلّف في بابه مثله؛ وألّف كتاب «الطرق المتداولة» في القراءات، وأتقنه كل الإتقان، وحرّر أسانيده وأتقنها، وانتقى لها، ولم يتّسع عمره لفرش حروفهم وخلافهم من تلك الطرق. وألّف غير ما ذكر. مولده: في ربيع الأول سنة إحدى وتسعين وأربعمائة. وفاته: توفي ثاني جمادى الآخرة سنة أربعين وخمسمائة «1» ، وكان عمره تسعا وأربعين سنة. أحمد بن عبد النور بن أحمد بن راشد رحمه الله يكنى أبا جعفر، من أهل مالقة، ويعرف بيته بها ببني راشد. قال شيخنا أبو البركات: نقلت اسم هذا من خطّه، ولا نعلم له نسبا إذ لم يكتبه، وشهر بابن عبد النّور. حاله: كان قيّما على العربية إذ كانت جلّ بضاعته؛ يشارك مع ذلك في المنطق، على رأي الأقدمين، وعروض الشعر، وفرائض العبادات من الفقه، وقرض الشعر. وكان له اعتناء بفكّ المعمّى، والتّنقير عن اللّغوز. وكان ذكيّ الصوت عند قراءة القرآن، خاشعا به. رحل من بلده مالقة إلى سبتة، ثم انتقل إلى الأندلس وأقرأ بوادي آش مدة، وتردّد بين ألمريّة وبرجة، يقرئ بها القرآن، وغير ذلك مما كان يشارك فيه. وناب عن بعض القضاة وقتا، ودخل غرناطة أثناء هذا السّفر. مشيخته: قال: أخذ القرآن قراءة على طريقة أبي عمرو والدّاني، على الخطيب أبي الحسن الحجاج بن أبي ريحانة المربلّي «2» ، ولا يعلم له في بلده شيخ سواه، إذ لم يكن له اعتناء بلقاء الشيوخ، والحمل عنهم. ومن علمي أنه لقي أبا الحسن بن الأخضر المقرئ العروضي بسبتة، وذاكره في العروض، ولا أعلم هل أخذ عنه أم لا. ورأيت في تقاييدي أن القاضي أبا عبد الله بن برطال حدّثني أن ابن النّور قرأ معه الجزوليّة «3» على ابن مفرّج المالقي تفقها، وقيّد عليه تقييدا عرضه بعد ذلك، على ابن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 77 مفرج هذا؛ وهو محمد بن يحيى بن علي بن مفرج المالقي. وروى عن أبي الحجّاج المتقدّم الذّكر تيسير أبي عمرو الداني، وجمل الزّجّاجي، وأشعار الستّة، وفصيح أحمد بن يحيى بن ثعلب؛ وقفت في ذلك على رقّ أجاز فيه بعض الآخذين عنه، ولم ينصّ فيه على كيفية أخذه لهذا الكتيّب عن أبي الحجّاج. قال: ورأيت في ذلك الرّقّ أوهاما تدلّ على عدم شعوره بهذا الباب جملة، وقبول التّلقين فيه، فلا ينبغي أن يركن إلى مثله فيه. ورأيت بخط بعض أصحابه، أنه تفقّه على أبي ريحانة، ولعلّ ذلك في صغره قبل أن يتحكّم طلبه ويتفنّن، إذ الفنون التي كان يأخذ منها لم يكن أبو ريحانة مليّا بها، ولا منسوبا إليها. تصانيفه: منها كتاب «الحلية في ذكر البسملة والتصلية» . وكتاب «رصف المباني في حروف المعاني» ، وهو أجلّ ما صنّف وممّا يدلّ على تقدّمه في العربية. وجزء في العروض. وجزء في شواذّه. وكتاب في شرح الكوامل لأبي موسى الجزولي، يكون نحو الموطّأ في الجرم، وكتاب شرح مغرب أبي عبد الله بن هشام الفهري، المعروف بابن الشّواش، ولم يتمّ، انتهى فيه إلى همزة الوصل، يكون نحو الإيضاح لأبي علي. وله تقييد على الجمل غير تام. شعره: قال: وشعره وسط، بعيد عن طرفي الغثّ، والثمين أبعد؛ وكان لا يعتني فيه ولا يتكلّفه، ولا يقصد قصده؛ وإنّ ذلك لعذر في عدم الإجادة. قال الشيخ: ولديّ جزء منه تصفّحته على أن أستجيد منه شيئا أثبته له في هذا التّعريف، فرأيت «1» بعضه أشبه ببعض من الغرابة، فكتبت من ذلك، لا مؤثرا له على سواه من شعره؛ بل لمرجّح كونه أوّل خاطر بالبال، ومتلمّح خطّه بالبصر، فمن ذلك قوله من قصيدة، ومن خطه نقلت: [الطويل] محاسن من أهوى يضيق لها الشرح ... له الهمّة العلياء والخلق السّمح له بهجة يغشى البصائر نورها ... وتعشى بها الأبصار إن غلس الصّبح إذا ما رنا فاللّحظ سهم مفوّق ... وفي كل عضو من إصابته جرح إذا «2» ما انثنى زهوا وولّى تبخترا ... يغار لذاك القدّ من لينه الرّمح وإن نفحت أزهاره عند روضة ... فيخجل ريّا زهرها ذلك النّفح هو الزّمن المأمول عند ابتهاجه ... فلمّته ليل، وغرّته صبح الجزء: 1 ¦ الصفحة: 78 لقد خامرت نفسي مدامة حبّه ... فقلبي من سكر المدامة لا يصحو «1» وقد هام قلبي في هواه فبرّحت ... بأسراره عين لمدمعها سبح غفلته ونوكه: كان هذا الرجل من البله في أسباب الدنيا؛ له في ذلك حكايات دائرة على ألسنة الشقاة من الملازمين له وغيرهم، لولا تواترها لم يصدّق أحد بها، تشبه ما يحكى عن أبي علي الشلوبين. منها أنه اشترى فضلة ملف فبلّها، فانتقصت كما يجري في ذلك، فذرعها بعد البلّ فوجدها تنقصت، فطلب بذلك بائع الملف، فأخذ يبيّن له سبب ذلك فلم يفهم. ومنها أنه سار إلى بعض بساتين ألمرية مع جماعة من الطلبة واستصحبوا أرزّا ولبنا، فطلبوا قدرا لطبخه، فلم يجدوا، فقال: اطبخوا في هذا القدر، وأشار إلى قدر بها بقيّة زفت مما يطلى به السّواني «2» عندهم، فقالوا له: وكيف يسوغ الطبخ بها، ولو طبخ بها شيء مما تأكله البهائم لعافته، فكيف الأرز باللبن؟ فقال لهم: اغسلوا معائدكم، وحينئذ تدخلون فيها الطعام. فلم يدروا ممّا يعجبون، هل من طيب نفسه بأكله مما يطبخ في تلك القدر، أم من قياسه المعدة عليها. ومنها أنهم حاولوا طبخ لحم مرّة أخرى في بعض النّزه فذاق الطعام من الملح بالمغرفة، فوجده محتاجا للملح، فجعل فيه ملحا وذاقه على الفور، قبل أن ينحلّ الملح ويسري في المرقة الأولى، فزاد ملحا إلى أن جعل فيه قدر ما يرجح اللحم، فلم يقدروا على أكله. ومنها أنه أدخل يده في مفجر صهريج فصادفت يده ضفدعا كبيرا، فقال لأصحابه: تعالوا إن هنا حجرا رطبا. ومنها أنه استعار يوما من القائد أبي الحسن بن كماشة، جوادا ملوكيّا، قرطاسي اللّون، من مراكب الأمراء؛ فقال: وجّه لي تلك الدّابّة، فتخيّل أنه يريد الرّكوب إلى بعض المواضع، ثم تفطّن لغفلته، وقال: أي شيء تصنع به، قال: أجعله يسني شيئا يسيرا في السّانية، فقال: تقضى الحاجة، إن شاء الله بغيره؛ ووجّه له حمارا برسم السانية، وهو لا يشعر بشيء من ذلك كله. قلت: وفي موجودات الله تعالى عبر، وأغربها عالم الإنسان، لما جبلوا عليه من الأهواء المختلفة، والطّباع المشتّتة، والقصور عن فهم أقرب الأشياء، مع الإحاطة بالغوامض. حدّثنا غير واحد، منهم عمّي أبو القاسم، وابن الزّبير؛ إذنا في الجملة، قالا: حدّثنا أبو الحسن بن سراج عن أبي القاسم بن بشكوال، أن الفقيه صاحب الوثائق أبا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 79 عمر بن الهندي، خاصم يوما عند صاحب الشّرطة والصلاة، إبراهيم بن محمد، فنكل وعجز عن حجّته، فقال له الشرطي: ما أعجب أمرك، أبا عمر، أنت ذكي لغيرك، بكيّ» في أمرك؛ فقال أبو عمر: كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ آياتِهِ لِلنَّاسِ «2» . ثم أنشد متمثّلا: [المنسرح] صرت كأني ذبالة نصبت ... تضيء للناس وهي تحترق قال: وحدّثني الشيخ أبو العباس بن الكاتب ببجاية، وهو آخر من كتبنا معه الحديث من أصحاب ابن الغمّاز، قال: كنت آويا إلى أبي الحسن حازم القرطجاني بتونس؛ وكنت أحسن الخياطة، فقال لي: إن المستنصر خلع على جبّة جربيّة من لباسه، وتفصيلها ليس من تفصيل أثوابنا بشرق الأندلس، وأريد أن تحلّ أكمامها؛ وتصيّرها مثل ملابسنا. فقلت له: وكيف يكون العمل؟ فقال: تحلّ رأس الكمّ، ويوضع الضيّق بالأعلى، والواسع بالطرف. فقلت: وبم يحيّر الأعلى؟ فإنه إذا وضع في موضع واسع، سطت علينا فرج ما عندنا؛ ما يصنع فيها إلا أن رقّعنا بغيرها، فلم يفهم. فلما يئست منه تركته وانصرفت. فأين هذا الذهن الذي صنع المقصورة وغيرها من عجائب كلامه. مولده: في رمضان من عام ثلاثين وستمائة. وفاته: توفي بألمرية يوم الثلاثاء السابع والعشرين لربيع الآخر من عام اثنين وسبعمائة، ودفن بخارج باب بجاية بمقبرة من تربة الشيخ الزاهد أبي العباس بن مكنون. أحمد بن محمد بن علي بن محمد بن يحيى بن محمد ابن مصادف بن عبد الله يكنى أبا جعفر، ويعرف بابن مصادف؛ من أهل بسطة، واستوطن غرناطة، وقرأ وأقرأ بها. حاله: من أهل الطلب والسّلاطة والاجتهاد، وممّن يقصر محصّله عن مدى اجتهاده، خلوب «3» اللسان، غريب الشّكل، وحشيّه، شتيت الشّعر معفيه، شديد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 80 الاقتحام والتّسوّر، قادر على اللّصوق بالأشراف. رمى بنفسه على مشيخة الوقت يطرقهم طروق الأمراض الوافدة، حتى استوعب الأخذ عن أكثرهم، يفكّ عن فائدته فكّ المتبرّم، وينتزعها بواسطة الحيا، ويسلّط على قنصها جوارح التبذّل والإطراء، إلى أن ارتسم في المقرئين بغرناطة، محوّلا عليه بالنّحب والملق، وسدّ الترتيب المدني؛ ولوثة تعتاده في باب الرّكوب والثّقافة «1» ، وهو لا يستطيع أن يستقرّ بين دفّتي السّرج، ولا يفرق بين مبسوط الكف، أخذ نفسه في فنون، من قرآن، وعربيّة، وتفسير، وامتحن مرّات لجرّ حركة القلقلة الذي لا يملك عنانه، ثم تخلّص من ذلك، وهو على حاله إلى الآن. مشيخته: قرأ على الخطيب ببسطة، وأبي الأصبغ بن عامر، والخطيبين بها أبي عبد الله وأبي إسحاق ابن عمّه، وأبي عبد الله بن جابر، وعلى أبي عثمان بن ليون بألمريّة، والخطيب أبي عبد الله بن الغربي بحمّة «2» . وتلا القرآن بقراءاته السبع على شيخنا أبي عبد الله بن الوالي العوّاد. وروى عن شيخنا أبي الحسن بن الجيّاب، وعلى الحاج أبي الحجاج الساحلي، فكتب الإقراء، وأخذ الفقه عن الأستاذ أبي عبد الله البيّاني «3» . وقرأ على قاضي الجماعة أبي القاسم البيّاني، وقرأ على قاضي الجماعة أبي القاسم الحسني. ولازم أستاذ الجماعة أبا عبد الله الفخّار، وقرأ عليه العربية، وصاهره على بنته الأستاذ المذكور، وانتفع به، إلى أن ساء ما بينهما عند وفاة الشيخ فرماه بترمية بيضاء تخلّقها، مثيرة عجب، مرّة. وحاله متصلة على ذلك، وقد ناهز الاكتهال. أحمد بن حسن بن باصة الأسلمي المؤقّت بالمسجد الأعظم بغرناطة أصله من شرق الأندلس، وانتقل إليها والده، يكنى أبا جعفر. حاله: كان نسيج وحده، وقريع دهره، معرفة بالهيئة، وإحكاما للآلة الفلكية، ينحت منها بيده ذخائر، يقف عندها النظر والخبر، جمال خطّ، واستواء صنعة، وصحة وضع، بلغ في ذلك درجة عالية، ونال غاية بعيدة، حتى فضل بما ينسب إليه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 81 من ذلك كثيرا من الأعلام المتقدمين، وأزرت آلاته بالحمايريات والصّفاريّات وغيرها من آلات المحكمين، وتغالى الناس في أثمانها، أخذ ذلك عن والده الشيخ المتفنن شيخ الجماعة في هذا الفن. وفاته: في عام تسعة «1» وسبعمائة. أحمد بن محمد بن يوسف الأنصاري من أهل غرناطة؛ يكنى أبا جعفر، ويعرف بالحبالي. حاله: عكف صدرا من زمانه منتظما في العدول «2» ، آويا إلى تخصيص وسكون ودماثة، وحسن معاملة، له بصر بالمساحة والحساب، وله بصر بصناعة التعديل وجداول الأبراج، وتدرّب في أحكام النجوم، مقصود في العلاج بالرّقا والعزائم، من أولي المسّ والخبال، تعلّق بسبب هذه المنتحلات بأذيال الدول، وانبتّ من شيمته الأولى، فنال استعمالا في الشهادات المخزنية، وخبر منه أيام قربه من مبادئ الأمور والنّواهي، ومداخلة السلطان؛ صمت وعقل، واقتصار على معاناة ما امتحن به، وهو الآن بقيد الحياة. مشيخته: أخذ تلك الصناعة عن الشيخ أبي عبد الله الفخّار، المعروف بأبي خزيمة، أحد البواقع الموسومين بصحة الحكم فيها، وعلى أبي زيد بن مثنى؛ وقرأ الطب على شيخنا أبي زكريا بن هذيل، رحمه الله؛ ونسب إليه عند الحادثة على الدولة وانتقالها إلى يد المتغلّب، اختيار وقت الثورة وضمان تمام الأمر، وشهد بذلك بخطّ، وغيب من إيثارها. فلما عاد الأمر إلى السلطان المزعج بسببها إلى العدوة، أوقع به نكيرا كثيرا، وضربه بالسّياط التي لم يخلّصه منها إلا أجله، وأجلاه إلى تونس في جملة المغرّبين في أواخر عام ثلاثة وستين وسبعمائة. وأخبرني السلطان المذكور أن المترجم به كتب إليه بمدينة فاس، قبل شروعه في الوجهة، يخبره بعودة الملك إليه، وبإيقاعه المكروه الكبير به، بما شهد بمهارته في الصنعة، إن صحّ ذلك كله من قوانينها، نسأل الله أن يضفي علينا لبوس ستره، ويقينا شرّ عثرات الألسن بمنّه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 82 أحمد بن محمد الكرني من أهل غرناطة. حاله: شيخ الأطباء بغرناطة على عهده، وطبيب الدار السلطانية. كان نسيج وحده، في الوقار والنّزاهة، وحسن السّمت، والتزام مثلى الطريقة، واعتزاز الصّنعة؛ قائما على صناعة الطبّ، مقرئا لها، ذاكرا لنصوصها، موفّقا في العلاج، مقصودا فيه، كثير الأمل والمثاب، مكبوح العنان عمّا تثبت به أصول صناعته من علم الطبيعة، سنيّا، مقتصرا على المداواة؛ أخذ عن الأستاذ أبي عبد الله الرّقوطي، ونازعه بالباب السلطاني، لمّا شدّ، واحتيج إلى ما لديه في حكم بعض الأموال المعروضة على الأطبّاء، منازعة أوجبت من شيخه يمينا أن لا يحضر معه بمكان، فلم يجتمعا بباب السلطان بعد، مع التمسّك بما لديهما، وأخذ عن ابن عروس وغيره، وأخذ عنه جملة من شيوخنا كالطبيب أبي عبد الله بن سالم، والطبيب أبي عبد الله بن سراج وغيرهما. حدّثني والدي بكثير من أخباره في الوقار وحسن الترتيب، قال: كنت آنس به، ويعجبني استقصاؤه أقوال أهل هذا الفن من صنعته، على مشهوره، فلقد عرض عليه، لعليل لنا، بعض ما يخرج، وفيه حيّة، فقال على فتور، وسكونة، ووقار كثير: هذا العليل يتخلص، فقد قال الرئيس ابن سينا في أرجوزته: [الرجز] إن خرج الخلط مع الحيّات ... في يوم بحران فعن حياة وهذا اليوم من أيام البحرانية، فكان كما قال. وفاته: كان حيّا سنة تسعين وستمائة. أحمد بن محمد بن أبي الخليل، مفرّج الأموي «1» مولاهم، من أهل إشبيلية، يكنى أبا العباس، وكناه ابن فرتون أبا جعفر وتفرّد بذلك، يعرف بالعشّاب، وابن الرّوميّة، وهي أشهرهما وألصقهما به. أوّليّته: قال القاضي أبو عبد الله «2» : كان ولاء «3» جدّه أحد أطباء قرطبة، وكان قد تبنّاه، وعن مولاه أخذ علم النبات. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 83 حاله: كان نسيج وحده، وفريد دهره، وغرّة جنسه، إماما في الحديث، حافظا، ناقدا، ذاكرا تواريخ المحدّثين وأنسابهم وموالدهم ووفاتهم، وتعديلهم، وتجريحهم؛ عجيبة نوع الإنسان في عصره، وما قبله، وما بعده، في معرفة علم النبات، وتمييز العشب، وتحليتها، وإثبات أعيانها، على اختلاف أطوار منابتها، بمشرق أو مغرب حسّا، ومشاهدة، وتحقيقا، لا مدافع له في ذلك، ولا منازع، حجة لا تردّ ولا تدفع، إليه يسلّم في ذلك ويرجع. قام على الصّنعتين؛ لوجود القدر المشترك بينهما، وهما الحديث والنبات، إذ موادهما الرّحلة والتّقييد، وتصحيح الأصول وتحقيق المشكلات اللفظية، وحفظ الأديان والأبدان، وغير ذلك. وكان زاهدا في الدنيا، مؤثرا بما في يديه منها، موسّعا عليه في معيشته، كثير الكتب، جمّاعا لها، في كل فنّ من فنون العلم، سمحا لطلبه العلم، ربما وهب منها لملتمسه الأصل النفيس، الذي يعزّ وجوده، احتسابا وإعانة على التعليم؛ له في ذلك أخبار منبئة عن فضله، وكرم صنعه، وكان كثير الشّغف بالعلم، والدّؤوب على تقييده ومداومته، سهر الليل من أجله، مع استغراق أوقاته، وحاجات الناس إليه، إذ كان حسن العلاج في طبّه المورود، الموضوع، لثقته ودينه. قال ابن عبد الملك «1» : إمام المغرب قاطبة فيما كان سبيله، جال الأندلس، ومغرب العدوة، ورحل إلى المشرق، فاستوعب المشهور من إفريقيّة، ومصره، وشامه، وعراقه، وحجازه، وعاين الكثير ممّا ليس بالمغرب؛ وعاوض كثيرا فيه، كلّ ما أمكنه، بمن يشهد له بالفضل في معرفته، ولم يزل باحثا على حقائقه، كاشفا عن غوامضه، حتى وقف منه على ما لم يقف عليه غيره، ممّن تقدّم في الملّة الإسلامية، فصار واحد عصره فردا، لا يجاريه فيه أحد بإجماع من أهل ذلك الشأن. مذاهبه: كان «2» سنّيّا ظاهريّ المذهب، منحيا على أهل الرأي، شديد التعصّب لأبي محمد علي بن أحمد بن سعيد بن حزم، على دين متين، وصلاح تامّ، وورع شديد؛ انتشرت عنه تصانيف أبي محمد بن حزم، واستنسخها «3» ، وأظهرها، واعتنى بها، وأنفق عليها أموالا جمّة، حتى استوعبها جملة، حتى لم يشذّ له منها إلّا ما لا خطر، متقدما ومقتدرا على ذلك بجدّته ويساره، بعد أن تفقّه طويلا على أبي الحسن «4» محمد بن أحمد بن زرقون في مذهب مالك. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 84 مشيخته: البحر الذي لا نهاية له؛ روى «1» بالأندلس عن أبي إسحاق الدّمشقي «2» ، وأبي عبد الله اليابري «3» ، وأبي البركات بن داود «4» ، وأبي بكر بن طلحة، وأبي عبد الله بن الحر، وابن العربي، وأبي علي الحافظ، وأبي زكريا بن مرزوق، وابن يوسف، وابن ميمون الشريشي، وأبي الحسن بن زرقون، وأبي ذرّ مصعب، وأبي العباس ابن سيّد الناس، وأبي القاسم البرّاق، وابن جمهور، وأبي محمد بن محمد بن الجنّان، وعبد المنعم بن فرس، وأبي الوليد بن عفير؛ قرأ عليهم وسمع. وكتب إليه مجيزا من أهل الأندلس والمغرب، أبو البقاء بن قديم، وأبو جعفر حكم الجفّار، وأبو الحسن الشّقوري، وأبو سليمان بن حوط الله، وأبو زكريا الدمشقي، وأبو عبد الله الأندرشي، وأبو القاسم بن سمجون، وأبو محمد الحجري. ومن أهل المشرق جملة، منهم أبو عبد الله الحمداني بن إسماعيل بن أبي صيف، وأبو الحسن الحويكر نزيل مكة. وتأدّى إليه أذن طائفة من البغداديين والعراقيين له في الرواية، منهم ظفر بن محمد، وعبد الرحمن بن المبارك، وعلي بن محمد اليزيدي، وفناخسرو فيروز بن سعيد، وابن سنيّة، ومحمد بن نصر الصّيدلاني، وابن تيميّة، وابن عبد الرحمن الفارسي، وابن الفضل المؤذّن، وابن عمر بن الفخّار، ومسعود بن محمد بن حسّان المنيغي، ومنصور بن عبد المنعم الصاعدي، وابن هوازن القشيري، وأبو الحسن النّيسابوري. وحجّ «5» سنة اثنتي عشرة «6» وستمائة، فأدّى الفريضة سنة ثلاث عشرة «7» ، ولقّب بالمشرق بحب الدّين. وأقام في رحلته نحو ثلاثة أعوام، لقي فيها من الأعلام العلماء، أكابر جملة؛ فمنهم ببجاية أبو الحسن بن نصر «8» ، وأبو محمد بن مكّي «9» ؛ وبتونس أبو محمد المرجاني «10» ؛ وبالإسكندرية أبو الأصبغ بن عبد العزيز «11» ، وأبو الجزء: 1 ¦ الصفحة: 85 الحسن بن جبير الأندلسي «1» ، وأبو الفضل بن جعفر بن أبي الحسن بن أبي البركات، وأبو محمد عبد الكريم الربعي، وأبو محمد العثماني أجاز له ولم يلقه، وبمصر أبو محمد بن سحنون الغماري ولم يلقه، وأبو الميمون بن هبة الله القرشي؛ وبمكة أبو علي الحسن بن محمد بن الحسين، وأبو الفتوح نصر بن أبي الفرج الحصري؛ وببغداد «2» أحمد بن أبي السعادات، وأحمد بن أبي بكر؛ وابن أبي «3» خط طلحة، وأبو نصر القرشي «4» ، وإبراهيم بن أبي ياسر القطيعي، ورسلان «5» المسدي، والأسعد بن بقاقا» ، وإسماعيل بن باركش الجوهري، وإسماعيل بن أبي البركات. وبرنامج مرويّاته وأشياخه، مشتمل على مئين «7» عديدة، مرتبة أسماؤهم على البلاد العراقية وغيرها، لو تتبّعتها لاستبعدت الأوراق، وخرجت عمّا قصدت. قال القاضي أبو عبد الله المراكشي بعد الإتيان على ذلك «8» : منتهى الثّقات أبو العباس النباتي، من التّقييد الذي قيّد، وعلى ما ذكره في فهارس له منوّعة، بين بسط، وتوسّط، واقتضاب، وقفت منها بخطّه، وبخطّ بعض أصحابه، والآخذين عنه. من أخذ عنه: حدّث ببغداد برواية واسعة، فأخذ عنه بها أبو عبد الله بن سعيد اللّوشي؛ وبمصر الحافظ أبو بكر القط، وبغيرها من البلاد أمّة وقفل برواية واسعة، وجلب كتبا غريبة. تصانيفه: له «9» فيما ينتحله من هذين الفنّين تصانيف مفيدة، وتنبيهات نافعة، واستدراكات نبيلة بديعة «10» ، منها في الحديث ورجاله «11» «المعلم بزوائد البخاري على مسلم» ، و «اختصار غريب «12» حديث مالك» للدّارقطني، و «نظم الدّراري فيما الجزء: 1 ¦ الصفحة: 86 تفرّد به مسلم عن البخاري» ، و «توهين طرق حديث الأربعين» ، و «حكم الدّعاء في أدبار الصّلوات» ، و «كيفية الأذان يوم الجمعة» ، و «اختصار الكامل في الضّعفاء والمتروكين» لأبي محمد بن عدي، و «الحافل في تذييل الكامل» ؛ و «أخبار محمد بن إسحاق» . ومنها في النبات «1» ، «شرح حشائش دياسقوريدوس وأدوية جالينوس» ، والتنبيه على أوهام ترجمتها «2» ؛ و «التنبيه على أغلاط الغافقي «3» » ، والرّحلة النّباتية والمستدركة، وهو الغريب الذي اختصّ به، إلّا أنه عدم عينه بعده، وكان معجزة في فنّه؛ إلى غير ذلك من المصنّفات الجامعة، والمقالات المفيدة المفردة، والتعاليق المنوّعة. مناقبه: قال ابن عبد الملك وابن الزّبير، وغيرهما «4» : عني تلميذه، الآخذ به، الناقد، المحدّث، أبو محمد بن قاسم الحرّار، وتهمم بجمع أخباره، ونشر مآثره، وضمّن ذلك مجموعا حفيلا نبيلا. شعره: ذكره أبو الحسن بن سعيد في «القدح المعلّى» ، وقال «5» : جوّال بالبلاد المشرقية «6» والمغربية، جالسته بإشبيلية بعد عوده «7» من رحلته، فرأيته متعلقا بالأدب، مرتاحا إليه ارتياح البحتري لحلب، وكان غير متظاهر بقول الشّعر، إلّا أن أصحابه يسمعون منه، ويروون عنه، وحملت عنه «8» في بعض الأوقات، فقيّدت عنه هذه الأبيات: [البسيط] خيّم بجلّق «9» بين الكأس والوتر ... في جنّة هي ملء السّمع والبصر ومتّع الطّرف في مرأى محاسنها ... تروض «10» فكرك بين الروض والزّهر وانظر إلى ذهبيّات الأصيل بها ... واسمع إلى نغمات الطّير في الشّجر «11» وقل لمن لام في لذّاته بشرا ... دعني فإنّك عندي من سوى البشر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 87 قال: وكثيرا «1» ما يطنب على دمشق، ويصف محاسنها، فما انفصل «2» عني إلّا وقد امتلأ خاطري من شكلها، فأتمنّى أن أحلّ مواطنها، إلى أن أبلغ «3» الأمل قبل المنون: [الوافر] ولو أني «4» نظرت بألف عين ... لما استوفت محاسنها العيون دخوله غرناطة: دخلها غير ما مرّة لسماع الحديث، وتحقيق النبات؛ ونقر عن عيون النبات بجبالها، أحد خزائن الأدوية، ومظان الفوائد الغريبة، يجري ذلك في تواليفه بما لا يفتقر إلى شاهد. مولده: في محرم سنة إحدى وستين وخمسمائة. وفاته: توفي بإشبيلية عند مغيب الشفق من ليلة الاثنين مستهل ربيع الآخر سنة سبع وثلاثين وستمائة «5» . وكان ممّا رثي، قال ابن الزّبير: ورثاه جماعة من تلامذته كأبي محمد الحرّار، وأبي أمية إسماعيل بن عفير، وأبي الأصبغ عبد العزيز الكبتوري «6» وأبي بكر محمد بن محمد بن جابر السقطي، وأبي العباس بن سليمان؛ ذكر جميعهم الحرار المذكور في كتاب ألّفه في فضائل الشيخ أبي العباس، رحمه الله. أحمد بن عبد الملك بن سعيد بن خلف بن سعيد بن خلف ابن سعيد بن محمد بن عبد الله بن سعيد بن الحسن ابن عثمان بن محمد بن عبد الله بن سعيد بن عمّار بن ياسر صاحب رسول الله، صلى الله عليه وسلم «7» أوّليّته: بيت بني سعيد العنسي، بيت مشهور في الأندلس بقلعة يحصب، نزلها جدّهم الأعلى، عبد الله بن سعيد بن عمّار بن ياسر؛ وكان له حظوة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 88 لمكانه من اليمانيّة بقرطبة؛ وداره بقرب قنطرتها، كانت معروفة؛ وهو بيت القيادة والوزارة، والقضاء، والكتابة، والعمل، وفيما يأتي، وما مرّ كفاية من التنبيه عليه. حاله: قال الملّاحي: كان من جلّة الطلبة، ونبهائهم؛ وله حظّ بارع من الأدب، وكتابة مفيدة، وشعر مدوّن. قال أبو الحسن بن سعيد في كتابه المسمّى ب «الطالع» «1» : نشأ محبّا في الأدب، حافظا للشعر، وذاكرا لنظم الشريف الرّضي، ومهيار، وابن خفاجة، وابن الزّقاق، فرقّت طباعه، وكثر اختراعه وإبداعه؛ ونشأت معه حفصة بنت الحاجّ الرّكوني؛ أديبة زمانها، وشاعرة أوانها، فاشتدّ بها غرامه، وطال حبّه وهيامه؛ وكانت بينهما منادمات ومغازلات أربت على ما كان بين علوة وأبي عبادة؛ يمرّ من ذلك إلمام في شعر حفصة، إن شاء الله. نباهته وحظوته: ولمّا وفدت الأندلس، على صاحب أمر الموحّدين في ذلك الأوان، وهو محتلّ بجبل الفتح «2» ، واحتفل شعراؤها في القصائد، وخطباؤها في الخطب بين يديه، كان في وفد غرناطة، أبو جعفر هذا المترجم به، وهو حدث السنّ في جملة أبيه وإخوته وقومه، فدخل معهم على الخليفة، وأنشده قصيدة؛ قال أبو الحسن بن سعيد، كتبت منها من خط والده قوله «3» : [الطويل] تكلّم فقد أصغى إلى قولك الدّهر ... وما لسواك اليوم «4» نهي ولا أمر ورم كلّ ما قد شئته فهو كائن ... وحاول فلا برّ يفوت ولا بحر وحسبك هذا البحر فألا «5» فإنه ... يقبّل تربا داسه جيشك الغمر «6» وما صوته «7» إلّا سلام مردّد ... عليك وعن بشر بقربك يفتر «8» بجيش لكي يلقى أمامك من غدا ... يعاند أمرا لا يقوم له أمر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 89 أطلّ «1» على أرض الجزيرة سعدها ... وجدّد فيها ذلك الخبر الخبر «2» فما طارق إلّا لذلك مطرق ... ولا ابن نصير لم يكن ذلك النّصر هما مهّداها كي تحلّ بأفقها ... كما حلّ عند التّمّ بالهالة البدر قال: فلمّا أتمّها أثنى عليه الخليفة، وقال لعبد الملك أبيه: أيّهما خير عندك في ابنيك؛ فقال يا سيّدنا: محمد دخل إليكم مع أبطال الأندلس وقوّادها، وهذ مع الشعر، فانظروا ما يجب أن يكون خيرا عندي، فقال الخليفة: كلّ ميسّر لما خلق له، وإذا كان الإنسان متقدّما في صناعة فلا يؤسف عليه، إنما يؤسف على متأخّر القدر، محروم الحظ. ثم أنشد فحول الشعراء والأكابر. ثم لمّا ولّي غرناطة ولده السيد أبو سعيد، استوزر أبا جعفر المذكور، واتصلت حظوته إلى أن كان ما يذكر من نكبته. محنته: قال قريبه وغيره: فسد ما ببنه وبين السيد أبي سعيد لأجل حفصة الشاعرة، إذ كانت محلّ هواه، ثم اتصلت بالسيّد، وكان له بها علاقة، فكان كلّ منهما على مثل الرّضف «3» للآخر، ووجد حسّاده السبيل، إلى إغراء السيّد به، فكان مما نمي به عنه، أن قال لحفصة يوما: وما هذا الغرام الشديد به، يعني السيد، وكان شديد الأدمة «4» ، وأنا أقدر أن أشتري لك من المعرض أسودا خيرا منه بعشرين دينارا؛ فجعل السيد يتوسّد له المهالك، وأبو جعفر يتحفّظ كل التحفّظ. وفي حالته تلك يقول: [الكامل] من يشتري مني الحياة وطيبها ... ووزارتي وتأدّبي وتهذّبي بمحلّ راع في ذرى ملمومة ... زويت عن الدنيا بأقصى مرتب لا حكم يأخذه بها إلّا لمن ... يعفو ويرؤف دائما بالمذنب فلقد سئمت من الحياة مع امرئ ... متغضّب متغلّب مترتّب الموت يلحظني إذا لا حظته ... ويقوم في فكري أوان تجنّبي لا أهتدي مع طول ما حاولته ... لرضاه في الدنيا ولا للمهرب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 90 وأخذ في أمره مع أبيه وإخوته، وفتنة ابن مردنيش «1» مضطربة؛ فقال له أخوه محمد وأبوه: إن حركنا حركة كنا سببا لهلاك هذا البيت، ما بقيت دولة هؤلاء القوم، والصبر عاقبته حميدة، وقد كنّا ننهاك عن الممارجة «2» ، فلم تركب إلّا هواك؛ وأخذ مع أخيه عبد الرحمن، واتفقا على أن يثورا في القلعة باسم ابن مردنيش، وساعدهما قريبهما على ذلك حاتم بن حاتم بن سعيد، وخاطبوا ابن مردنيش، وصدر لهم جوابه بالمبادرة، ووصلت منه خيل ضاربة، وتهيّأ لدخول القلعة؛ وتهيّأ الحصول في القلعة، وخافوا من ظهور الأمر؛ فبادر حاتم وعبد الرحمن إلى القلعة، وتمّ لهما المراد؛ وأخّر الجبن أبا جعفر ففاتاه، وتوقّع الطلب في الطريق إلى القلعة، فصار متخفّيا إلى مالقة، ليركب منها البحر إلى جهة ابن مردنيش؛ ووضع السيّد عليه العيون في كل جهة، فقبض عليه بمالقة، وطولع بأمره فأمر بقتله صبرا، رحمه الله. جزالته وصبره: قال أبو الحسن بن سعيد: حدّثني الحسين بن دويرة، قال: كنت بمالقة لمّا قبض على أبي جعفر، وتوصّلت إلى الاجتماع به، ريثما استؤذن السيد في أمره حين حبس، فدمعت عيني لما رأيته مكبولا؛ قال: أعليّ تبكي بعد ما بلغت من الدنيا أطايب لذّاتها؟ فأكلت صدور الدجاج، وشربت في الزّجاج، وركبت كل هملاج «3» ، ونمت في الديباج، وتمتعت بالسّراري والأزواج، واستعملت من الشمع السّراج الوهّاج، وهأنا في يد الحجّاج، منتظرا محنة الحلّاج؛ قادم على غافر، لا يحوج إلى اعتذار ولا احتجاج. فقلت: ألا أبكي على من ينطق بمثل هذا؟ ثم تفقّد، فقمت عنه، فما رأيته إلّا مصلوبا، رحمه الله. شعره «4» : [الطويل] أتاني كتاب منك يحسده الدّهر ... أما حبره ليل، أما طرسه فجر؟ به جمع الله الأمانيّ لناظري ... وسمعي وفكري فهو سحر ولا سحر ولا غرو أن أبدى العجائب ربّه ... وفي ثوبه برّ، وفي كفّه بحر ولا عجب إن أينع الزّهر طيّه ... فما زال صوب القطر يبدو به الزّهر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 91 ومن شعره ما يجري مجرى المرقص، وقد حضر مع الرّصافي والكتندي ومعهم مغنّ بروطة «1» : [مجزوء الكامل] لله يوم مسرّة ... أضوى وأقصر من ذباله لما نصبنا للمنى ... فيه من أوتار حباله ظل «2» النهار بها كمر ... تاع، وأجفلت الغزاله وشعره مدوّن كما قلنا، وهذا القدر عنوان على نبله. غريبة في أمره مع حفصة قال حاتم بن سعيد: وكان قد أجرى الله على لسانه، إذا حرّكت الكأس بها غرامه، أن يقول: والله لا يقتلني أحد سواك؛ وكان يعني بالحبّ، والقدر موكل بالمنطق، قد فرغ من قتله بغيره من أجلها. قال: ولمّا بلغ حفصة قتله لبست الحداد، وجهرت بالحزن، فتوعّدت بالقتل، فقالت في ذلك: [الخفيف] هدّدوني من أجل لبس الحداد ... لحبيب أردوه لي بالحداد رحم الله من يجود بدمع ... أو ينوح على قتيل الأعادي وسقته بمثل جود يديه ... حيث أضحى من البلاد الغوادي ولم ينتفع بعد بها، ثم لحقت به بعد قليل. وفاته: توفي على حسب ما ذكر، في جمادى الأولى من سنة تسع وخمسين وخمسمائة. أحمد بن سليمان بن أحمد بن محمد بن أحمد القرشي، المعروف بابن فركون «3» يكنى أبا جعفر. أوّليّته: قد مرّ ذلك في اسم جدّه قاضي الجماعة «4» ، وسيأتي في اسم والده. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 92 حاله: شعلة من شعل الذكاء والإدراك، ومجموع خلال حميدة على الحداثة، طالب نبيل، مدرك، نجيب، بذّ أقرانه كفاية، وسما إلى المراتب، فقرأ، وأعرب، وتمر «1» ، وتدرّب، واستجاز له والده شيوخ بلده فمن دونهم، ونظم الشعر، وقيّد كثيرا، وسبق أهل زمانه في حسن الخط سبقا أفرده بالغاية القصوى؛ فيراعه اليوم المشار إليه بالظّرف والإتقان، والحوا، والإسراح؛ اقتضى ذلك كله ارتقاؤه إلى الكتابة السلطانية. ومزية الشّفوف بها، بالخلع والاستعمال؛ واختصّ بي، وتأدب بما انفرد به من أشياخ تواليفي، فآثرته بفوائد جمّة، وبطن حوضه من تحلّمه، وترشّح إلى الاستيلاء على الغاية. شعره: أنشد له بين يدي السلطان في الميلاد الكريم: [الكامل] حيّ المعاهد بالكثيب وجادها ... غيث يروي حيّها وجمادها مولده: في ربيع الآخر من عام سبعة وأربعين وسبعمائة. أحمد بن إبراهيم بن أحمد بن صفوان من أهل مالقة؛ يكنى أبا جعفر، ويعرف بابن صفوان «2» . حاله: بقيّة الأعلام، أديب من أدباء هذا القطر، وصدر من صدور كتّابه، ومشيخة طلبته، ناظم، ناثر، عارف، ثاقب الذهن، قويّ الإدراك، أصيل النظر، إمام الفرائض والحساب والأدب والتّوثيق، ذاكر للتاريخ واللغة، مشارك في الفلسفة والتصوّف، كلف بالعلوم الإلهية، آية الله في فكّ المعمّى، لا يجاريه في ذلك أحد ممّن تقدّمه، شأنه عجب، يفكّ من المعمّيات والمستنبطات، مفصولا وغير مفصول؛ شديد التعصّب لذي ودّ، وبالعكس، تامّ الرّجولة، قليل التّهيّب، مقتحم حمى أهل الجاه والحمد والمضايقة، إذا دعاه لذلك داع حبل نقده على غاربه، راض بالخمول، متبلّغ بما تيسّر، كثير الدؤوب والنظر، والتقييد والتصنيف، على كلال الجوارح، وعائق الكبرة «3» ، متقارب نمطي الشعر والكتابة، مجيد فيهما، ولنظمه شفوف على نثره. مشيخته: قرأ على الأستاذ أبي محمد الباهلي، أستاذ الجملة من أهل بلده، ومولى النّعمة عليهم، لازمه وانتفع به؛ ورحل إلى العدوة، فلقي جملة، كالقاضي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 93 المؤرّخ أبي عبد الله بن عبد الملك، والأستاذ التعالمي أبي العباس بن البنّاء «1» ، وقرأ عليهم بمرّاكش. نباهته: استدعاه السلطان، ثاني الملوك من بني نصر «2» ، إلى الكتابة عنه مع الجلّة، ببابه، وقد نما عشّه، وعلا كعبه، واشتهر ذكاؤه وإدراكه. ثم جنح إلى العودة لبلده. ولمّا ولّي الملك السلطان أبو الوليد، ودعاه إلى نفسه، ببلده مالقة، استكتبه رئيسا مستحقّا، إذ لم يكن ببلده. فأقام به واقتصر على كتب الشروط، معروف القدر، بمكان من القضاة ورعيهم، صدرا في مجالس الشّورى؛ وإلى الآن يجعل إلى زيارة غرناطة، حظّا من فصول بعض السنين، فينصب بها العدالة، ثم يعود إلى بلده في الفصل الذي لا يصلح لذلك. وهو الآن بقيد الحياة، قد علقته أشراك الهرم، وفيه بعد مستمتع، بديع، كبير. تصانيفه: من تواليفه، «مطلع الأنوار الإلهية» ؛ و «بغية المستفيد» ؛ و «شرح كتاب القرشي في الفرائض» ، لا نظير له. وأما تقاييده على أقوال يعترضها، وموضوعات ينتقدها، فكثيرة. شعره: قال في غرض التّصوّف: وبلغني أنه نظمها بإشارة من الخطيب، وليّ الله، أبي عبد الله الطّنجالي، كلف بها القوّالون والمسمّعون بين يديه «3» : [الكامل] بان الحميم فما الحمى والبان ... بشفاء من عنه الأحبّة بانوا لم ينقضوا عهدا بينهم ولا ... أنساهم ميثاقك الحدثان لكن جنحت لغيرهم فأزالهم ... عن أنسهم بك موحش غيران لو صحّ حبّك ما فقدتهم ولا ... سارت بهم عن حبّك الأظعان تشتاقهم، وحشاك هالة بدرهم ... والسّرّ منك لخلّهم «4» ميدان ما هكذا أحوال أرباب الهوى ... نسخ الغرام بقلبك السّلوان لا يشتكي ألم البعاد متيّم ... أحبابه في قلبه سكّان ما عندهم إلّا الكمال وإنما ... غطّى على مرآتك «5» النّقصان الجزء: 1 ¦ الصفحة: 94 شغلتك بالأغيار عنهم مقلة ... إنسانها عن لمحهم وسنان غمّض جفونك عن سواهم معرضا ... إنّ الصّوارم حجبها الأجفان واصرف إليهم لحظ فكرك شاخصا ... ترهم «1» بقلبك حيث «2» كنت وكانوا ما بان «3» عن مغناك من ألطافه ... يهمي عليها سحابها الهتّان وجياد أنعمه ببابك ترتمي ... تسري إليك بركبها الأكوان جعلوا دليلا فيك «4» منك عليهم ... فبدا على تقصيرك البرهان يا لا محا سرّ الوجود بعينه ... السّرّ فيك بأسره والشّان ارجع لذاتك إن أردت تنزّها ... فيها لعيني ذي الحجا بستان هي روضة مطلولة بل جنّة ... فيها المنى والرّوح والرّيحان كم حكمة صارت تلوح لناظر ... حارت لباهر صنعها الأذهان حجبت بشمسك «5» عن عيانك شمسها ... شمس محاسن ذكرها التّبيان «6» لولاك ما خفيت عليك آياتها «7» ... والجوّ من أنوارها ملآن أنت الحجاب لما تؤمّل منهم ... ففناؤك الأقصى لهم وجدان فاخرج إليهم عنك مفتقرا لهم ... إنّ الملوك بالافتقار تدان واخضع لعزّهم ولذ بهم «8» يلح ... منهم عليك تعطّف «9» وحنان هم رشّحوك إلى الوصول إليهم ... وهم على طلب الوصال عوان «10» عطفوا جمالهم على أجمالهم ... فحلى «11» المشوق الحسن والإحسان يا ملبسين عبيدهم حلل الضّنى ... جسمي بما تكسونه يزدان لا سخط عندي للذي ترضونه ... قلبي بذاك مفرح «12» جذلان فبقربكم عين الغنا وببعدكم ... محض الفنا ومحبّكم ولهان «13» الجزء: 1 ¦ الصفحة: 95 إني كتمت عن الأنام هواكم ... حتى دهيت وخانني الكتمان ووشت بحالي عند ذاك «1» مدامع ... أدنى مواقع قطرها طوفان وبدت عليّ شمائل عذريّة ... تقضي بأني فيكم هيمان فإذا نطقت فذكركم لي منطق ... ما عن «2» سواكم للّسان بيان وإذا صمتّ فأنتم سرّي الذي ... بين الجوانح في الفؤاد يصان فبباطني وبظاهري لكم هوى ... من جنده الإسرار والإعلان وجوانحي «3» وجميع أنفاسي وما ... أحوي، عليّ لحبّكم أعوان وإليكم مني المفرّ فقصدكم ... حرم به للخائفين أمان وقال يذمّ الدنيا ويمدح عقبى من يقلّل منها: [الطويل] حديث الأمان في الحياة شجون ... إن ارضاك شأن أحفظتك شؤون يميل إليها جاهل بغرورها ... فمنه اشتياق نحوها وأنين وذو الحزم ينبو عن حجاه فحالها ... يقيه إذا شكّ عراه يقين إليك صريع الأمن سنحة ناصح ... على نصحه سيما الشّفيق تبين تجاف عن الدّنيا ودن باطّراحها ... فمركبها بالمطمعين حرون وترفيعها خفض وتنعيمها أذى ... ومنهلها للواردين أجون إذا عاهدت خانت وإن هي أقسمت ... فلا ترج برّا باليمين يمين يروقك منها مطمع من وفائها ... وسرعان ما إثر الوفاء تخون وتمنحك الإقبال كفّة حابل ... ومن مكرها في طيّ ذاك كمين سقاه، لعمر الله، إمحاضك الهوى ... لمن أنت بالبغضاء فيه قمين «4» ومن تصطفيه وهو يقطعك القلا ... وتهدى له الإعزاز وهو يهين ألا إنّها الدنيا فلا تغترر بها ... ولود الدّواهي بالخداع تدين يعمّ رداها الغرّ والخبّ ذا الدّها ... ويلحق فيها بالكناس عرين وتشمل بلواها نبيلا وخاملا ... ويلقى مذال غدرها ومصون أبنها، لحاها الله، كم فتنة لها ... تعلّم صمّ الصّخر كيف يلين الجزء: 1 ¦ الصفحة: 96 فلا ملك سام أقالت عثاره ... ولو أنه للفرقدين خدين ولا معهد إلّا وقد نبهت به ... بعيد الكرى للثّاكلات جفون أبيت لنفسي أن يدنّسها الكرى ... سكون إليها موبق وركون فليس قرير العين فيها سوى امرئ ... قلاه لها رأي يراه ودين أبيت طلاق الحرص فالزّهد دائبا ... خليل له مستصحب وقرين إذا أقبلت لم يولها بشر شيّق ... ولا خفّ للإقبال منه رزين وإن أدبرت لم يلتفت نحوها بها ... وأدّ «1» على ما لم توات حزين خفيف المطا من حمل أثقال همّها ... إذا ما شكت ثقل الهموم متون على حفظه للفقر أبهى ملاءة ... سنا حليها وسط الزريّ يدين برجف تخال الخائفين منازل ... لهنّ مكان حيث حلّ مكين منازل نجد عندها وتهامة ... سوى واستوى هند لديه وصين يرود رياضا أين سار وورده ... زلال اعتاض الورود معين فهذا أثيل الملك لا ملك ثائر ... لأعدائه حرب عليه زبون وهذا عريض العزّ لا عزّ مترف ... له من مشيدات القصور سجون حوت شخصه أوصافها فكأنّه ... وإن لم يمت فوق التّراب دفين فيا خابطا عشواء والصّبح قد بدا ... إلام تغطّي ناظريك دجون؟ أفق من كرى هذا التّعامي ولا تضع ... بجهلك علق العمر فهو ثمين إذا كان عقبى ذي جدّة إلى بلى ... وقصارى ذي الحياة منون ففيم التفاني والتنافس ضلّة؟ ... وفيم التّلاحي والخصام يكون؟ إلى الله أشكوها نفوسا عميّة ... عن الرّشد والحقّ اليقين تبين وأسأله الرّجعى إلى أمره الذي ... بتوفيقه حبل الرّجاء متين فلا خير إلّا من لدنه وجوده ... لتيسير أسباب النّجاة ضمين وجمعت «2» ديوان شعره أيّام مقامي بمالقة عند توجّهي صحبة الرّكاب السلطاني إلى إصراخ الخضراء عام أربعة وأربعين وسبعمائة؛ وقدّمت صدره خطبة، وسمّيت الجزء ب «الدّرر الفاخرة، واللّجج الزاخرة» ، وطلبت منه أن يجيزني، وولدي عبد الله، رواية ذلك عنه، فكتب بخطّه الرائق بظهر المجموع ما نصّه: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 97 «الحمد لله مستحقّ الحمد؛ أجبت سؤال الفقيه، الأجلّ، الأفضل، السّري، الماجد، الأوحد، الأحفل، الأديب البارع، الطّالع في أفق المعرفة والنّباهة، والرّفعة المكينة والوجاهة، بأبهى المطالع، المصنّف، الحافظ، العلّامة، الحائز في فنّي النظم والنثر، وأسلوبي الكتابة والشّعر، رتبة الرياسة «1» ؛ الحامل لراية التقدّم والإمامة؛ محلّي جيد العصر بتواليفه «2» الباهرة الرّواء؛ ومجلّي محاسن بنيه، الرائقة على منصّة الإشهاد «3» والأنباء؛ أبي عبد الله بن الخطيب، وصل الله سعادته ومجادته «4» ؛ وسنى من الخير الأوفر، والصّنع الجميل «5» الأبهر، مقصده وإرادته؛ وبلّغه في نجله الأسعد، وابنه الراقي بمحتده الفاضل، ومنشئه الأطهر، محلّ الفرقد، أفضل ما يؤمّل نحلته إياه في «6» المكرمات وإفادته؛ وأجزت له ولابنه عبد الله المذكور، أبقاهما الله تعالى، في عزّة سنيّة الخلال، وعافية ممتدّة الأفياء، وارفة الظّلال؛ رواية جميع ما تقيّد في الأوراق، المكتتب على ظهر أوّل ورقة منها، من نظمي ونثري؛ وما تولّيت إنشاءه، واعتمدت بالارتحال «7» والرواية، اختياره وانتقاءه، أيام عمري؛ وجميع ما لي من تصنيف وتقييد، ومقطوعة وقصيد «8» ، وجميع ما أحمله عن أشياخي رضي الله عنهم، من العلوم، وفنون المنثور والمنظوم؛ بأيّ وجه تأدّى «9» إليّ، وصحّ حملي له، وثبت إسناده لديّ «10» إجازة تامّة، في ذلك كله عامّة، على سنن الإجازات الشّرعية «11» ، وشرطها المأثور عند أهل الحديث المرعيّ، والله ينفعني وإيّاهما بالعلم وحمله، وينظمنا جميعا في سلك حزبه المفلحين «12» وأهله، ويفيض علينا من أنوار بركته وفضله. قال ذلك وكتبه بخطّ يده الفانية، العبد الفقير إلى الغني «13» به، أحمد بن إبراهيم بن أحمد بن صفوان، ختم الله له بخير؛ حامدا لله تعالى، ومصلّيا ومسلما على محمد نبيّه المصطفى الكريم، وعلى آله الطاهرين ذوي المنصب العظيم، وصحبه «14» البررة، أولي «15» المنصب والأثرة والتقديم؛ في سادس ربيع الآخر عام أربعة وأربعين وسبعمائة، وحسبنا الله ونعم الوكيل» . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 98 واشتمل هذا الجزء الذي أذن بحمله عنه من شعره على جملة من المطوّلات، منها قصيدة يعارض بها الرئيس أبا عليّ بن سينا في قصيدته الشهيرة في النّفس التي مطلعها: «هبطت إليك من المحلّ الأرفع» ، أولها: «أهلا بمسراك المحب الموضع» . وأول قصيدة: [الطويل] لمعناك في الأفهام سرّ مكتّم ... عليه نفوس العارفين تحوم وأول أخرى: [الكامل] أزهى حجابك رؤية الأغيار ... فامح الدّجى بأشعّة الأنوار وأول أخرى: [الطويل] ثناء وجودي في هواكم هو الخلد ... ومحو رسومي حسن ذاتي به يبدو ومطلع أخرى: [الطويل] ألا في الهوى بالذّلّ ترعى الوسائل ... ودمعي «1» أنادي مجيب وسائل ومطلع أخرى: [الطويل] هم القصد جادوا بالرّضى أو تمنّعوا ... صلوا اللوم فيما أودعوا القلب أودعوا ومن أخرى: [البسيط] سقى زمان «2» الرّضا هام من السّحب ... إلهي «3» العود من أثوابه القشب ومن أخرى: [الكامل] يا فوز نفسي في هواك هواؤها ... رقّت معانيها وراق مناؤها ومن أخرى: [الكامل] أمّا الغرام فبالفؤاد غريم ... هيهات منّي ما العذول يروم ومن شعره في المقطوعات قوله «4» : [الكامل] رشق «5» العذار لجينه بنباله ... فغدا يدور «6» على المحبّ الواله الجزء: 1 ¦ الصفحة: 99 خطّ العذار بصفحتيه لامه ... خطّا توعّده بمحو جماله فحسبت أنّ جماله شمس الضّحى ... حسنا وذاك الخطّ خطّ زواله فدنا «1» إليّ تعجّبا وأجابني ... والرّوع يبدو من خلال مقاله إنّ الجمال اللام آخره «2» فعج ... عن رسمه واندب على أطلاله ومن أبياته في التّورية بالفنون قوله «3» : [الوافر] كففت عن الوصال طويل شوقي ... إليك وأنت للرّوح الخليل وكفّك للطويل «4» فدتك نفسي ... قبيح ليس يرضاه الخليل وقال في التّورية بالعروض «5» : [الكامل] يا كاملا شوقي إليه وافر ... وبسيط خدّي في هواه عزيز عاملت أسبابي لديك «6» بقطعها «7» ... والقطع في الأسباب ليس يجوز وقال في التّورية بالعربية «8» : [الوافر] أيا قمرا مطالعه جناني ... وغرّته توارى «9» عن عياني «10» أأصرف في هواك عن اقتراحي «11» ... وسهدي وانتحابي علّتان؟ وقال أيضا: [الرجز] لا تصحبن يا صاحبي غير الوفي ... كلّ امرئ عنوانه من يصطفي كم من خليل بشره زهر الرّبى ... وطيّ ذاك البشر حدّ المرهف ظاهره يريك سرّ من رأى ... وأنت من إعراضه في أسف ووقعت بينه وبين قاضي بلده أبي عمرو بن المنظور مقاطعة، انبرى بها إلى مطالبته بما دعاه إلى التحوّل مضطرّا إلى غرناطة، وأخذ بكظمه، وطوّقه الموت الجزء: 1 ¦ الصفحة: 100 في أثناء القطيعة، فقال في ذلك متشفّيا، وهو من نبيه كلامه، وكلّه نبيه: [الطويل] تردّى ابن منظور وحمّ حماه ... وأسلمه حام له ونصير تبرّأ منه أولياء غروره ... ولم يقه بأس المنون ظهير وأودع بعد الأنس موحش بلقع ... فحيّاه فيه منكر ونكير ولا رشوة يدلي القبول رشادها ... فينسخ بالسّير المريح عسير ولا شاهد يغضي له عن شهادة ... تخلّلها إفك يصاغ وزور ولا خدعة تجدي ولا مكر نافع ... ولا غشّ مطويّ عليه ضمير ولكنه حقّ يصول وباطل ... يحول ومثوى جنّة وسعير وقالوا قضاء الموت حتم على الورى ... يدير صغير كأسه وكبير فلا تنتسم ريح ارتياح لفقده ... فإنّك عن قصد السّبيل تحور فقلت بلى حكم المنيّة شامل ... وكلّ إلى ربّ العباد يصير ولكن تقدّم الأعادي إلى الرّدى ... نشاط يعود القلب منه سرور وأمن ينام المرء في برد ظلّه ... ولا حيّة للحقد ثمّ تثور وحسبي بيت قاله شاعر مضى ... غدا مثلا في العالمين يسير وإنّ بقاء المرء بعد عدوّه ... ولو ساعة من عمره لكثير مولده: قال بعض شيوخنا: سألته عن مولده فقال لي: في آخر خمسة وتسعين وستمائة، أظنّ في ذي قعدة منه الشكّ. وفاته: بمالقة في آخر جمادى الثانية من عام ثلاثة وستين وسبعمائة. أحمد بن أيوب اللّمائي «1» من أهل مالقة، يكنى أبا جعفر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 101 حاله: قال صاحب الذّيل «1» : كان أديبا ماهرا، وشاعرا «2» جليلا، وكاتبا نبيلا «3» . كتب عن أوّل الخلفاء الهاشميين بالأندلس، علي «4» بن حمّود، ثم عن غيره من أهل بيته؛ وتولّى تدبير أمرهم «5» ، فحاز لذلك صيتا شهيرا، وجلالة عظيمة. وذكره ابن بسّام في كتاب «الذّخيرة» ، فقال «6» : كان أبو جعفر هذا في «7» وقته أحد أئمة الكتّاب، وشهب الآداب «8» ، ممّن سخّرت له فنون البيان، تسخير الجنّ لسليمان، وتصرّف في محاسن الكلام، تصرّف الرياح بالغمام، طلع من ثناياه، واقتعد مطاياه؛ وله إنشاءات سريّة، في الدولة الحمّودية، إذ كان علم أدبائها، والمضطلع بأعبائها، إلّا أني لم أجد عند تحريري هذه النّسخة، من كلامه، إلّا بعض فصول له «9» من منثور، وهي ثماد من بحور. فصل: من «10» رقعة خاطب بها أبا جعفر بن العباس: «غصن ذكرك عندي ناضر، وروض شكرك لديّ عاطر، وريح إخلاصي لك صبا، وزمان «11» آمالي فيك صبا، فأنا شارب ماء إخائك، متفيّئ ظلّ «12» وفائك؛ جان منك ثمرة فرع طاب أكله، وأجناني البرّ قديما أصله، وسقاني إكراما برقه، وروّاني إفضالا ودقه؛ وأنت الطّالع في فجاجه، السّالك لمنهاجه؛ سهم في كنانة الفضل صائب، وكوكب في سماء المجد ثاقب، إن أتبعت الأعداء نوره أحرق، وإن رميتهم به أصاب الحدق؛ وعلى الحقيقة فلساني يقصر عن جميل أسرّه «13» ، ووصف ودّ أضمره» . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 102 شعره: قال، ومما وجد بخطه لنفسه «1» : [الكامل] طلعت طلائع «2» للربيع فأطلعت ... في الرّوض وردا قبل حين أوانه حيّا أمير المسلمين «3» مبشّرا ... ومؤمّلا للنّيل من إحسانه ضنّت سحائبه عليه بمائها «4» ... فأتاه يستسقيه ماء بنانه دامت لنا أيّامه موصولة ... بالعزّ والتّمكين في سلطانه قال: وأنشدني الأديب أبو بكر بن معن، قال: أنشدني أبو الربيع بن العريف لجدّه الكاتب أبي جعفر اللمائي، وامتحن بداء النّسمة من أمراض الصّدر، وأزمن به، نفعه الله، وأعياه علاجه، بعد أن لم يدع فيه غاية، وفي ذلك يقول «5» : [الكامل] لم يبق من شيء أعالجها به «6» ... طمع الحياة، وأين من لا يطمع؟ «وإذا المنيّة أنشبت أظفارها ... ألفيت كلّ تميمة لا تنفع» «7» ودخل عليه بعض أصحابه فيها، وجعل يروّح عليه فقال له بديهة «8» : [المنسرح] روّحني عائدي فقلت له: مه «9» ... ، لا تزدني على الذي أجد أما ترى النار وهي خامدة ... عند هبوب الرياح تتّقد؟ ودخل غرناطة غير ما مرة، منها متردّدا بين أملاكه، وبين من بها من ملوك صنهاجة؛ قالوا: ولم تفارقه تلك الشّكاية حتى كانت سبب وفاته. وفاته: بمالقة عام خمسة وستين وأربعمائة. ونقل منها إلى حصن الورد، وهو عند حصن منت ميور إذ كان قد حصّنه، واتّخذه لنفسه ملجأ عند شدّته، فدفن به، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 103 بعهد منه بذلك، وأمر أن يكتب على قبره بهذه الأبيات «1» : [الطويل] بنيت ولم «2» أسكن وحصّنت جاهدا ... فلمّا أتى المقدور صيّره «3» قبري ولم يك «4» حظّي غير ما أنت مبصر ... بعينك ما بين الذّراع إلى الشّبر فيا زائرا قبري أوصّيك جاهدا ... عليك بتقوى الله في السّرّ والجهر فلا «5» تحسنن بالدّهر ظنّا فإنما ... من الحزم ألّا يستنام «6» إلى الدهر أحمد بن محمد بن طلحة «7» من أهل جزيرة شقر، يكنى أبا جعفر، ويعرف بابن جدّه طلحة. حاله: قال صاحب «القدح المعلّى» «8» : من بيت مشهور بجزيرة شقر من عمل بلنسية، كتب عن ولاة الأمر «9» من بني عبد المؤمن، ثم استكتبه ابن هود «10» ، حين تغلّب على الأندلس، وربما استوزره «11» ، وهو ممّن كان والدي يكثر مجالسته، وبينهما مزاورة، ولم أستفد منه إلّا ما كنت أحفظه من «12» مجالسته. شعره: قال «13» : سمعته يوما «14» يقول، تقيمون القيامة بحبيب «15» ، والبحتري، والمتنبي، وفي عصركم من يهتدي إلى ما لم يهتد إليه المتقدّمون ولا المتأخّرون، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 104 فانبرى إليه «1» شخص له همّة «2» وإقدام، فقال «3» : يا أبا جعفر، أين «4» برهان ذلك، فما أظنك تعني إلّا نفسك «5» ، فقال «6» : ما أعني إلّا نفسي، ولم لا، وأنا الذي أقول «7» : [السريع] يا هل ترى أظرف «8» من يومنا ... قلّد جيد الأفق طوق العقيق وأنطق الورق بعيدانها ... مطربة «9» كلّ قضيب وريق والشّمس لا تشرب خمر النّدى ... في الرّوض إلّا بكؤوس «10» الشّقيق فلم ينصفوه في الاستحسان، وردّوه في الغيظ «11» كما كان، فقلت له: يا سيدي، هذا والله «12» السّحر الحلال، وما سمعت من شعراء عصرنا مثله، فبالله إلّا ما لازمتني وزدتني من هذا النمط، فقال لي: لله درّك، ودرّ أبيك من منصف ابن منصف. اسمع، وافتح أذنيك. ثم أنشد «13» : [الوافر] أدرها فالسماء بدت عروسا ... مضمّخة الملابس بالغوالي وخدّ الأرض «14» خفّره «15» أصيل ... وجفن «16» النّهر كحّل بالظّلال وجيد الغصن يشرف «17» في لآل ... تضيء بهنّ أكناف اللّيالي فقلت: بالله أعد وزد، فأعاد والارتياح قد ملأ «18» عطفه، والتّيه قد رفع أنفه، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 105 ثم قال «1» : [السريع] لله نهر عندما زرته ... عاين طرفي منه سحرا حلال إذ «2» أصبح الطّلّ به ليلة ... وجال «3» فيه «4» الغصن مثل «5» الخيال فقلت: ما على هذا مزيد في الاستحسان «6» ، فعسى أن يكون المزيد في الإنشاد، فزاد ارتياحه وأنشد «7» : [الوافر] ولمّا ماج بحر الليل بيني ... وبينكم وقد جدّدت ذكرا أراد لقاءكم «8» إنسان عيني ... فمدّ له المنام عليه جسرا فقلت «9» : إيه زادك الله إحسانا، فزاد «10» : [الوافر] ولمّا أن رأى إنسان عيني ... بصحن الخدّ منه غريق ماء أقام له العذار عليه جسرا ... كما مدّ الظلام على الضّياء فقلت: فما تكرّر «11» ويطول، فإنه مملول، إلّا ما أوردته آنفا، فإنه كنسيم الحياة، وما إن يملّ، فبالله إلّا ما زدتني «12» ، وتفضّلت عليّ بالإعادة، فأعاد وأنشد: [الكامل] هات المدام إذا رأيت شبيهها ... في الأفق يا فردا بغير شبيه فالصّبح قد ذبح الظلام بنصله ... فغدت حمائمه تخاصم فيه «13» دخوله غرناطة: دخلها مع مخدومه المتوكل على الله ابن هود وفي جملته، إذ كان يصحبه في حركاته، ويباشر معه الحرب، وجرت عليه الهزائم، وله في ذلك كلّه شعر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 106 محنته: قالوا «1» : لم يقنع بما أجرى عليه أبو العباس الينشتي «2» من الإحسان، فكان يوغر صدره من الكلام فيه، فذكروا أن الينشتي قال يوما في مجلسه: رميت يوما بسهم من كذا، فبلغ إلى كذا؛ فقال ابن طلحة لشخص كان إلى جانبه: والله لو كان قوس قزح؛ فشعر أبو العباس إلى قوله ما يشبه ذلك، واستدعى الشخص، وعزم عليه، فأخبره بقوله، فأسرّها في نفسه، إلى أن قوّى الحقد عليه، من ما بلغه عنه من قوله يهجوه: [الوافر] سمعنا بالموفّق فارتحلنا ... وشافعنا له حسب وعلم ورمت يدا أقبّلها وأخرى ... أعيش بفضلها أبدا وأسمو فأنشدنا لسان الحال عنه «3» ... يد شلّا وأمر لا يتمّ فزادت موجدته «4» عليه، وراعى أمره إلى أن بلغته أبيات قالها في شهر رمضان، وهو على حال الاستهتار: [الوافر] يقول أخو الفضول وقد رآنا ... على الإيمان يغلبنا المجون «5» أتنتهكون «6» شهر الصّوم هلّا ... حماه منكم عقل ودين؟ فقلت اصحب سوانا، نحن «7» قوم ... زنادقة مذاهبنا فنون ندين بكلّ دين غير دين الر ... رعاع فما به أبدا ندين فحيّ على الصّبوح «8» الدّهر ندعو ... وإبليس يقول لنا أمين «9» أيا «10» شهر الصيام إليك عنّا ... إليك «11» ففيك أكفر ما نكون الجزء: 1 ¦ الصفحة: 107 قال: فأرسل إليه من هجم عليه، وهو على هذا «1» الحال، وأظهر إرضاء العامّة بقتله، وذلك في سنة إحدى وثلاثين وستمائة «2» . ولا خفاء أنه من صدور الأندلس، وأشدّهم عثورا على المعاني الغريبة المخترعة، رحمه الله. أحمد بن علي بن محمد بن علي بن محمد ابن خاتمة الأنصاري من أهل ألمريّة، يكنى أبا جعفر، ويعرف بابن خاتمة «3» . حاله: هذا «4» الرجل صدر يشار إليه، طالب متفنّن، مشارك، قويّ الإدراك، سديد النّظر، قوي الذهن، موفور الأدوات، كثير الاجتهاد، معين الطبع، جيّد القريحة، بارع الخط، ممتع المجالسة، حسن الخلق، جميل العشرة، حسنة من حسنات الأندلس، وطبقة في النظم والنثر، بعيد المرقى في درجة الاجتهاد، وأخذه بطرق الإحسان؛ عقد الشروط، وكتب عن الولاة ببلده، وقعد للإقراء ببلده، مشكور السّيرة، حميد الطريقة، في ذلك كله. وجرى ذكره في كتاب «التّاج» بما نصّه «5» : «ناظم درر الألفاظ، ومقلّد جواهر الكلام نحور الرّواة ولبّات الحفّاظ، والآداب «6» التي أصبحت شواردها حلم النائم وسمر الأيقاظ، وكم «7» في بياض طرسها وسواد نقسها «8» سحر الألحاظ «9» . رفع «10» في قطره راية هذا الشأن على وفور حلبته، وقرع فنّه البيان على سموّ هضبته، وفوّق سهمه إلى بحر الإحسان، فأثبته في لبّته؛ فإن أطال شأن الأبطال، وكاثر المنسجم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 108 الهطّال؛ وإن أوجز، فضح وأعجز؛ فمن نسيب تهيج به الأشواق، وتضيق عن زفراتها الأطواق؛ ودعابة تقلّص ذيل الوقار، وتزري بأكواس العقار؛ إلى انتماء للمعارف، وجنوح إلى ظلّها الوارف؛ ولم تزل معارفه ينفسح آمادها، وتحوز خصل السباق جيادها» . مشيخته: حسبما نقل بخطّه في ثبت استدعاه منه من أخذ عنه؛ الشيخ الخطيب، الأستاذ مولى النعمة، على أهل طبقته بألمريّة، أبو الحسن علي بن محمد بن أبي العيش المرّي؛ قرأ عليه ولازمه، وبه جلّ انتفاعه؛ والشيخ الخطيب الأستاذ الصالح أبو إسحاق إبراهيم بن العاص التّنوخي. وروى عن الراوية المحدّث المكثر الرحّال، محمد بن جابر بن محمد بن حسّان الوادي آشي؛ وعن شيخنا أبي البركات ابن الحاجّ، سمع عليه الكثير، وأجازه إجازة عامّة؛ والشيخ الخطيب أبو القاسم عبد الرحمن بن محمد بن شعيب القيسي من أهل بلده؛ والقاضي أبو جعفر القرشي بن فركون. وأخذ عن الوزير الحاجّ الزاهد، أبي القاسم محمد بن محمد بن سهل بن مالك. وقرأ على المقرئ أبي جعفر الأغرّ، وغيرهم. كتابته: ممّا «1» خاطبني به بعد إلمام الرّكب «2» السلطاني ببلده، وأنا صحبته «3» ، ولقائه إياي، بما يلقى به مثله من تأنيس وبرّ، وتودّد، وتردّد: [الكامل] يا من حصلت على الكمال بما رأت ... عيناي منه من الجمال الرائع مرأى «4» يروق وفي عطافي برده ... ما شئت من كرم ومجد بارع أشكو إليك من الزمان تحاملا ... في فضّ شمل لي بقربك جامع هجم البعاد عليه ضنّا باللّقا ... حتى تقلّص مثل برق لامع فلو انّني ذو مذهب لشفاعة ... ناديته: يا مالكي كن شافعي «5» شكواي إلى سيدي ومعظّمي؛ أقرّ الله تعالى بسنائه أعين المجد، وأدرّ بثنائه ألسن الحمد! شكوى الظمآن «6» صدّ عن القراح العذب لأول وروده، والهيمان ردّ عن استرواح القرب لمعضل صدوده، من زمان هجم عليّ بإبعاده «7» ، على حين الجزء: 1 ¦ الصفحة: 109 إسعاده «1» ، ودهمني بفراقه غبّ إنارة أفقي به وإشراقه؛ ثم لم يكفه ما اجترم في ترويع خياله الزاهر، حتى حرم عن تشييع كما له الباهر، فقطع عن توفية حقّه، ومنع من تأدية مستحقّه، لا جرم أنه أنف لشعاع «2» ذكائه، من هذه المطالع النائية «3» عن شريف الإنارة، وبخل بالإمتاع بذكائه، عن هذه المسامع النائية عن لطيف العبارة، فراجع أنظاره، واسترجع معاره؛ وإلّا فعهدي بغروب الشمس إلى الطّلوع «4» ، وأنّ البدر ينصرف «5» بين الاستقامة والرجوع. فما بال هذا النيّر الأسعد، غرب ثم لم يطلع من الغد، ما ذاك إلا لعدوى الأيام وعدوانها، وشأنها في تغطية إساءتها وجه إحسانها، وكما قيل: عادت هيف إلى أديانها؛ أستغفر الله أن لا يعدّ ذلك من المغتفر في جانب ما أوليت «6» من الأثر «7» ، التي أزرى العيان فيها بالأثر، وأربى الخبر على الخبر «8» ؛ فقد سرّت متشوّفات الخواطر، وأقرّت متشرّفات «9» النواظر، بما جلت «10» من ذلكم الكمال الباهر، والجمال الناضر، الذي قيّد خطى الأبصار، عن التشوّف والاستبصار؛ وأخذ بأزمّة القلوب، عن سبيل كل مأمول ومرغوب؛ وأنّى للعين بالتحوّل عن كمال الزّين؟ أو للطّرف «11» ، بالتحوّل «12» عن خلال الظّرف؟ أو للسّمع من مراد، بعد ذلك «13» الإصرار والإيراد، أو للقلب من مراد، غير تلكم الشيم الرافلة من ملابس الكرم في حلل وأبراد؛ وهل هو إلّا الحسن جمع في نظام، والبدر طالع التّمام، وأنوار الفضائل «14» ضمّها جنس اتفاق والتآم؛ فما ترعى العين منه في غير مرعى خصيب، ولا تستهدف الآذان «15» لغير سهم في حدق البلاغة مصيب؛ ولا تطلع «16» النفس سوى مطلع له في الحسن والإحسان أوفر نصيب. لقد أزرى بناظم حلاه فيما تعاطاه «17» التقصير، وانفسح من أعلاه بكل باع قصير، وسفه حلم القائل: إنّ الإنسان عالم صغير، شكرا للدهر على يد أسداها بقلب مزاره، وتحفة ثناء «18» أهداها بمطلع أنواره، على تغاليه في الجزء: 1 ¦ الصفحة: 110 ادّخار «1» نفائسه، وبخله بنفائس ادّخاره؛ ولا «2» غرو أن يضيق عنّا نطاق الذّكر، ولمّا يتّسع لنا سوار الشكر؛ فقد عمّت هذه الأقطار بما شاءت من تحف، بين تحف وكرامة، واجتنت أهلها ثمرة الرحلة في ظلّ الإقامة، وجرى الأمر في ذلك مجرى الكرامة. ألا وإنّ مفاتحتي لسيدي ومعظّمي، حرس الله تعالى مجده، وضاعف سعده! مفاتحة من ظفر من الدهر بمطلوبه، وجرى له القدر على وفق مرغوبه؛ فشرع له إلى أمله «3» بابا، ورفع له من خجله جلبابا، فهو يكلف بالاقتحام، ويأنف من الإحجام، غير أنّ الحصر عن درج قصده يقيّده، فهو «4» يقدم والبصر يبهرج نقده فيقعده؛ فهو يقدّم رجلا ويؤخّر أخرى، ويجدّد عزما ثم لا يتحرّى؛ فإن أبطأ خطابي فلواضح الاعتذار «5» ، ومثلكم لا يقبل حياة الأعذار؛ والله عزّ وجلّ يصل إليكم عوائد الإسعاد والإسعاف، ويحفظ لكم «6» ما للمجد من جوانب وأكناف، إن شاء الله تعالى. كتب «7» في العاشر من ربيع الأول عام ثمانية وأربعين وسبعمائة. دخوله غرناطة: دخل غرناطة غير ما مرّة، منها في استدعاء شمال الخواصّ من أهل الأقطار الأندلسية، عند إعذار الأمراء في الدولة اليوسفيّة «8» ، في شهر شعبان من عام أحد وخمسين وسبعمائة. شعره: كان مجلّيا، وأنشد في حلبة الشعراء قصيدة أولها «9» : [الكامل] أجنان خلد زخرفت أم مصنع؟ ... والعيد عاود أم صنيع يصنع؟ ومن شعره «10» : [الكامل] من لم يشاهد موقفا لفراق ... لم يدر كيف تولّه العشّاق إن كنت لم تره فسائل من رأى ... يخبرك عن ولهي وهول سياقي «11» من حرّ أنفاس وخفق جوانح ... وصدوع أكباد وفيض مآقي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 111 دهي الفؤاد فلا لسان ناطق ... عند الوداع ولا يد «1» متراق ولقد أشير لمن تكلّف رحلة ... أن عج عليّ ولو بقدر فواق «2» عليّ أراجع من ذماي حشاشة ... أشكو بها بعض الذي أنا لاق فمضى ولم تعطفه نحوي ذمّة ... هيهات! لا بقيا «3» على مشتاق يا صاحبيّ وقد مضى حكم النّوى «4» ... روحا عليّ بشيمة «5» العشّاق «6» واستقبلا بي «7» نسمة من «8» أرضكم ... فلعلّ نفحتها تحلّ وثاقي إني ليشفيني النّسيم إذا سرى ... متضوّعا من تلكم الآفاق من مبلغ بالجزع أهل مودّتي ... أني على حكم الصّبابة باق؟ ولئن تحوّل عهد قربهم «9» نوى ... ما حلت عن عهدي ولا «10» ميثاقي أنفت خلائقي الكرام لخلّتي ... نسبا إلى الإخلاق والإخراق «11» قسما به ما استغرقتني فكرة ... إلّا وفكري فيه واستغراقي لي آهة «12» عند العشيّ لعلّه ... يصغي لها، وكذا مع الإشراق أبكي إذا هبّ النسيم فإن تجد ... بللا به فبدمعي المهراق أومي بتسليم «13» إليه مع الصّبا ... فالذّكر كتبي والرفاق رفاقي من لي وقد شحط «14» المزار بنازح ... أدنى لقلبي من جوى أشواقي إن غاب عن عيني فمثواه الحشا ... فسراه «15» بين القلب والأحداق جارت عليّ يد النّوى بفراقه ... آها لما جنت النّوى بفراق أحباب قلبي هل لماضي عيشنا «16» ... ردّ فينسخ بعدكم بتلاق؟ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 112 أم هل لأثواب التجلّد راقع ... إذ ليس من داء المحبّة راق ما غاب كوكب حسنكم عن ناظري ... إلّا وأمطرت الدّما آماقي إيه أخيّ أدر عليّ حديثهم ... كأسا ذكت عرفا وطيب مذاق وإذا جنحت لماء او طرب فمن ... دمعي الهموع «1» وقلبي الخفّاق ذكراه راحي، والصّبابة حضرتي «2» ... والدمع ساقيتي «3» ، وأنت الساقي فليله «4» عنّي من لحاني إنني ... راض بما لاقيته وألاقي وقال «5» : [البسيط] وقفت والرّكب «6» قد زمّت ركائبه ... وللنفوس مع النّوى «7» تقطيع وقد تمايل نحوي للوداع وهل ... لراحل «8» القلب صدر الرّكب توديع؟ أضمّ منه كما أهوى «9» لغير نوى ... ريحانة في شذاها الطّيب مجموع تهفو «10» فأذعر خوفا من تقلّصها «11» ... إنّ الشّفيق بسوء الظنّ مولوع هل عند من قد دعا بالبين مقلته «12» ... أنّ الرّدى منه مرئيّ ومسموع؟ أشيّع القلب من «13» رغم عليّ وما ... بقاء جسم له للقلب تشييع أري وشاتي أنّي لست مفتقرا «14» ... لما جرى وصميم القلب مصروع الوجد طبع «15» وسلواني مصانعة ... هيهات يشكل مصنوع ومطبوع «16» «إنّ الجديد إذا ما زيد في خلق ... تبيّن النّاس أنّ الثّوب مرقوع» الجزء: 1 ¦ الصفحة: 113 وقال أيضا «1» : [الكامل] لولا حيائي من عيون النّرجس ... للثمت خدّ الورد بين السّندس ورشفت من ثغر الأقاحة ريقها ... وضممت أعطاف الغصون الميّس وهتكت أستار الوقار ولم أبل «2» ... للباقلا «3» تلحظ بطرف أشوس ما لي وصهباء الدّنان مطارحا ... سجع القيان مكاشفا وجه المسي شتّان بين مظاهر ومخاتل ... ثوب الحجا ومطهّر ومدنّس ومجمجم بالعذل باكرني به ... والطير أفصح مسعد بتأنّس نزّهت سمعي عن سفاهة نطقه ... وأعرته صوتا رخيم الملمس سفّهت في العشّاق يوما إن أكن ... ذاك الذي يدعى الفصيح الأخرس «4» أعذول وجدي ليس عشّك فادرجي «5» ... ونصيح رشدي بان نصحك فاجلس هل تبصر الأشجار والأطيار وال ... أزهار تلك الخافضات الأرؤس؟ تالله وهو أليّتي وكفى به ... قسما يفدّى برّه بالأنفس ما ذاك من شكو ولا لخلالة «6» ... لكن سجود مسبّح ومقدّس شكرا لمن برأ الوجود بجوده ... فثنى إليه الكلّ وجه المفلس وسما بساط الأرض فيه «7» فمدّه ... ودحا بسيط «8» الأرض أوثر مجلس ووشى بأنواع المحاسن هذه ... وأنار هذي بالجواري «9» الكنّس الجزء: 1 ¦ الصفحة: 114 وأدرّ أخلاف «1» العطاء تطوّلا ... وأنال فضلا من يطيع ومن يسي حتى إذا انتظم الوجود بنسبة ... وكساه ثوبي نوره والحندس «2» واستكملت كلّ النّفوس كمالها ... شفع العطايا بالعطاء الأنفس بأجلّ هاد للخلائق مرشد ... وأتمّ نور للخلائق مقبس بالمصطفى المهدي إلينا رحمة ... مرمى الرّجاء «3» ومسكة المتيئّس نعم يضيق الوصف عن إحصائها ... فلّ الخطيب بها لسان الأوجس «4» إيه فحدّثني حديث هواهم ... ما أبعد السّلوان عن قلب الأسي «5» إن كنت قد أحسنت نعت جمالهم ... فلقد سها عني العذول بهم وسي «6» ما إن دعوك ببلبل إلّا لما ... قد هجت من بلبال هذي الأنفس سبحان من صدع الجميع بحمده ... وبشكره من ناطق أو أخرس وامتدّت الأطلال ساجدة له ... بجبالها من قائم أو أقعس فإذا تراجعت الطيور وزايلت ... أغصانها بان «7» المطيع من المسي فيقول ذا: سكرت لنغمة منشد ... ويقول ذا: سجدت لذكر مقدّس كلّ يفوه بقوله «8» والحقّ لا ... يخفى على نظر اللّبيب «9» الأكيس وقال «10» : [الكامل] زارت على حذر من الرّقباء ... والليل ملتحف «11» بفضل رداء تصل الدّجى بسواد فرع فاحم ... لتزيد ظلماء إلى ظلماء فوشى «12» بها من وجهها وحليّها ... بدر الدّجى وكواكب الجوزاء أهلا بزائرة على خطر السّرى ... ما كنت أرجوها ليوم لقاء الجزء: 1 ¦ الصفحة: 115 أقسمت لولا عفّة عذريّة ... وتقى عليّ له رقيب رائي لنقعت غلّة لوعتي برضابها ... ونضحت ورد خدودها ببكائي ومن ذلك ما قاله أيضا «1» : [الخفيف] أرسلت ليل شعرها من عقص ... عن محيّا رمى البدور بنقص فأرتنا الصباح في جنح ليل ... يتهادى ما بين غصن ودعص «2» وتصدّت برامحات نهود ... أشرعت للأنام من تحت قمص فتولّت جيوش صبري انهزاما ... وبودّي ذاك اللقاء وحرصي ليس كلّ الذي يفرّ بناج ... ربّ ظعن «3» فيه حياة لشخص كيف لي بالسّلو عنها وقلبي ... قد هوى حلمه بمهوى لخرص» ما تعاطيت ظاهر الصّبر إلّا ... ردّني جيدها بأوضح نصّ ومن ذلك قوله أيضا «5» : [الخفيف] أنا بين الحياة والموت وقف ... نفس خافت ودمع ووكف حلّ بي من هواك ما ليس ينبي ... عنه نعت ولا يعبّر وصف عجبا لانعطاف صدغيك والمع ... طف والجيد ثم ما منك عطف ضاق صدري بضيق حجلك «6» واستو ... قف طرفي حيران ذاك «7» الوقف كيف يرجى فكاك قلب معنّى ... في غرام قيداه قرط وشنف «8» ومن ذلك قوله أيضا «9» : [البسيط] رقّ «10» السّنا ذهبا في اللّازورديّ ... فالأفق ما بين مرقوم وموشيّ كأنما الشّهب والإصباح ينهبها ... لآلىء «11» سقطت من كفّ زنجيّ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 116 ومن شعره في الحكم قوله «1» : [الطويل] هو الدّهر لا يبقي على عائذ به ... فمن شاء عيشا يصطبر لنوائبه فمن لم يصب في نفسه فمصابه ... لفوت «2» أمانيه وفقد حبائبه ومن ذلك قوله «3» : [الوافر] ملاك الأمر تقوى الله، فاجعل ... تقاه عدّة لصلاح أمرك وبادر نحو طاعته بعزم ... فما تدري متى يمضي «4» بعمرك ومن ذلك أيضا «5» : [الوافر] دماء فوق خدّك أم خلوق «6» ؟ ... وريق ما بثغرك أم رحيق؟ وما ابتسمت ثنايا أم أقاح ... ويكنفها شفاه أم شقيق «7» وتلك سناة نوم ما تعاطت ... جفونك أم هي الخمر العتيق لقد أعدت معاطفك انثناء ... وقلبي سكره ما إن يفيق جمالك حضرتي وهواك راحي ... وكأسك مقلتي فمتى أفيق؟ ومن شعره في الأوصاف «8» : [الخفيف] أرسل الجوّ ماء ورد رذاذا ... سمّع «9» الحزن والدّمائث رشّا فانثنى حول أسوق الدّوح حجلا ... وجرى فوق بردة الرّوض رقشا وسما في الغصون حلي بنان ... أصبحت من سلافة الطّل رعشا فترى الزّهر ترقم الأرض رقما ... وترى الريح تنقش الماء نقشا فكأنّ المياه سيف صقيل ... وكأنّ البطاح غمد موشّى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 117 وكتب عقب انصرافه من غرناطة في بعض قدماته عليها ما نصّه «1» : «ممّا قلته بديهة عند «2» الإشراف على جنابكم السعيد، وقدومي «3» مع النّفر الذين أتحفتهم السيادة «4» سيادتكم «5» بالإشراف عليه، والدخول إليه، وتنعيم الأبصار في المحاسن المجموعة لديه، وإن كان يوما قد غابت شمسه، ولم يتّفق أن كمل أنسه؛ وأنشده حينئذ بعض من حضر، ولعلّه لم يبلغكم، وإن كان قد بلغكم «6» ففضلكم يحملني في «7» إعادة الحديث «8» : [الطويل] أقول وعين الدّمع «9» نصب عيوننا ... ولاح لبستان الوزارة جانب أهذي سماء أم بناء سما به ... كواكب غضّت عن سناها الكواكب تناظرت الأشكال منه تقابلا ... على السّعد وسطى عقده والجنائب «10» وقد جرت الأمواه فيه مجرّة ... مذانبها شهب لهنّ ذوائب وأشرف من علياه «11» بهو تحفّه ... شماسي زجاج وشيها متناسب يطلّ على ماء به الآس دائرا ... كما افترّ ثغر أو كما اخضرّ شارب هنا لك ما شاء العلى من جلالة ... بها يزدهي بستانها والمراتب ولما أحضر الطعام هنا لك، دعي شيخنا القاضي أبو البركات «12» إلى الأكل، فاعتذر بأنه صائم، قد بيّته من الليل، فحضرني أن قلت «13» : [المتقارب] دعونا الخطيب أبا البركات ... لأكل طعام الوزير الأجلّ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 118 وقد ضمّنا في نداه جنان ... به احتفل الحسن حتى كمل «1» فأعرض عنّا لعذر «2» الصّيام ... وما كلّ عذر له مستقلّ فإنّ الجنان محلّ الجزاء ... وليس الجنان محلّ العمل وعندما فرغنا من الطعام أنشدت الأبيات شيخنا أبا البركات، فقال «3» : لو أنشدتنيها، وأنتم بعد لم تفرغوا منه «4» لأكلت معكم، برّا بهذه الأبيات، والحوالة في ذلك على الله تعالى. ولما «5» قضى الله، عزّ وجلّ، بالإدالة، ورجعنا إلى أوطاننا من العدوة، واشتهر عني ما اشتهر من الانقباض عن الخدمة، والتّيه على السلطان والدولة «6» ، والتّكبّر على أعلى رتب الخدمة، وتطارحت على السلطان في استنجاز وعد الرحلة، ورغبت في تفويت «7» الذمّة، ونفرت عن الأندلس بالجملة، خاطبني بعد صدر بلغ من حسن الإشارة، وبراعة الاستهلال الغاية، بقوله: «وإلى هذا يا سيدي، ومحلّ تعظيمي وإجلالي، أمتع الله تعالى الوجود بطول بقائكم! وضاعف في العزّ درجات ارتقائكم! فإنّه من الأمر الذي لم يغب عن رأي المقول «8» ، ولا اختلف فيه أرباب المحسوس «9» والمعقول؛ أنّكم بهذه الجزيرة شمس أفقها، وتاج مفرقها، وواسطة سلكها، وطراز ملكها، وقلادة نحرها، وفريدة دهرها «10» ، وعقد جيدها المنصوص، وكمال «11» زينتها «12» على المعلوم والمخصوص «13» ؛ ثم أنتم مدار أفلاكها، وسرّ سياسة أملاكها، وترجمان بيانها، ولسان إحسانها، وطبيب مارستانها، والذي عليه عقد إدارتها، وبه قوام إمارتها؛ فلديه «14» يحلّ المشكل، وإليه يلجأ في الأمر المعضل؛ فلا غرو أن تتقيّد بكم الأسماع والأبصار، وتحدّق نحوكم الأذهان والأفكار؛ ويزجر عنكم السانح والبارح «15» ، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 119 ويستنبأ ما تطرف عنه العين وتختلج الجوارح، استقراء «1» لمرامكم، واستطلاعا لطالع اعتزامكم، واستكشافا لمرامي «2» سهامكم، لا سيما مع إقامتكم على جناح خفوق، وظهوركم في ملتمع بروق، واضطراب الظّنون فيكم مع الغروب والشروق؛ حتى تستقرّ بكم الدّار «3» ، ويلقي عصاه التّسيار؛ وله العذر في ذلك إذ صدعها بفراقكم لم يندمل «4» ، وسرورها بلقائكم لم يكتمل؛ فلم يبر «5» بعد جناحها المهيض «6» ، ولا جمّ ماؤها المغيض، ولا تميّزت من داجيها لياليها البيض؛ ولا استوى نهارها، ولا تألقت أنوارها «7» ، ولا اشتملت نعماؤها، ولا نسيت غمّاؤها؛ بل هي كالنّاقه «8» ، والحديث العهد بالمكاره، تستشعر «9» نفس العافية، وتتمسّح «10» منكم باليد الشافية؛ فبحنانكم «11» عليها، وعظيم «12» حرمتكم على من لديها، لا تشربوا لها عذب المجاج بالأجاج، وتقنطوها «13» مما عوّدت من طيب المزاج، فما لدائها، وحياة قربكم غير طبّكم من علاج. وإني ليخطر بخاطري محبة فيكم، وعناية بما يعنيكم، ما نال جانبكم صانه الله بهذا الوطن من الجفاء، ثم أذكر ما نالكم من حسن العهد وكرم الوفاء، وأنّ الوطن إحدى المواطن الأظآر التي يحقّ لهنّ جميل الاحتفاء، وما يتعلّق بكم من حرمة أولياء القرابة وأولي «14» الصّفاء، فيغلب على ظني أنكم لحسن العهد أجنح، وبحقّ نفسكم على أوليائكم أسمح، والتي «15» هي أعظم قيمة في «16» فضائلكم أوهب وأمنح «17» ؛ وهب أنّ الدّرّ لا يحتاج في الإثباب إلى شهادة النّحور واللبّات، والياقوت غني المكان، عن مظاهرة القلائد والتّيجان؛ أليس أنّه أعلى للعيان، وأبعد عن مكابرة البرهان، تألقها في تاج الملك أنوشروان؟ والشمس «18» وإن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 120 كانت أمّ الأنوار وجلا الأبصار، مهما أغمى مكانها من الأفق قيل: أليل «1» هو أم نهار؟ وكما في علمكم ما فارق ذوو الأحلام «2» ، وأولو الأرحام، مواطن استقرارهم، وأماكن قرارهم، إلّا برغمهم واضطرارهم، واستبدال دار هي «3» خير من دارهم، ومتى توازن الأندلس بالمغرب، أو يعوّض عنها إلّا بمكة أو يثرب؟ ما تحت أديمها أشلاء أولياء وعبّاد، وما فوقه مرابط جهاد، ومعاقد ألوية في سبيل الله، ومضارب أوتاد؛ ثم يبوّئ «4» ولده مبوّأ أجداده، ويجمع له بين طرافه «5» وتلاده؛ أعيذ أنظاركم المسدّدة من رأي فائل «6» ، وسعي طويل لم يحل منه بطائل، فحسبكم من هذا الإياب السعيد، والعود الحميد، وهي طويلة. فأجبته عنها بقولي «7» : [السريع] لم في الهوى العذريّ أو لا تلم ... فالعذل لا يدخل أسماعي شأنك تعنيفي وشأني الهوى ... كلّ امرئ في شأنه ساعي «أهلا بتحفة القادم، وريحانة المنادم، وذكرى «8» الهوى المتقادم، لا يصغّر «9» الله مسراك! فما أسراك، لقد جلبت «10» إليّ من همومي ليلا، وجبت «11» خيلا ورجلا، ووفّيت من صاع الوفاء كيلا، وظننت بي الأسف على ما فات، فأعملت الالتفات، لكيلا «12» ، فأقسم لو أنّ الأمر «13» اليوم بيدي، أو كانت اللّمّة السوداء من عددي، ما أفلتّ أشراكي المنصوبة لأمثالك «14» ، حول المياه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 121 وبين المسالك، ولا علمت «1» ما هنا لك، لكنك طرقت حمى كسحته «2» الغارة الشّعواء، وغيّرت ربعه الأنواء، فخمد «3» بعد ارتجاجه، وسكت «4» أذين دجاجه، وتلاعبت الرياح الهوج «5» فوق فجاجه «6» ، وطال عهده بالزّمان «7» الأول، وهل عند رسم دارس من معوّل «8» وحيّا الله ندبا إلى زيارتي ندبك، وبآدابه الحكيمة «9» أدّبك: [الوافر] فكان وقد أفاد بك الأماني ... كمن أهدى الشّفاء إلى العليل وهي شيمة بوركت من شيمة، وهبة الله قبله من لدن المشيمة، ومن مثله في صلة رعي، وفضل سعي، وقول «10» ووعي: [مجزوء الخفيف] قسما بالكواكب الز ... زهر والزّهر عاتمه إنما الفضل ملّة ... ختمت بابن خاتمه كساني حلّة وصفه «11» ، وقد ذهب زمان التجمّل، وحمّلني ناهض «12» شكره، وكتدي «13» واه عن التحمّل، ونظرني بالعين الكليلة عن العيوب «14» فهلّا أجاد التأمّل، واستطلع طلع نثّي «15» ، ووالى في مركب «16» المعجزة حثّي، نَّما أَشْكُوا بَثِّي «17» : [الوافر] ولو ترك القطا ليلا لناما الجزء: 1 ¦ الصفحة: 122 وما حال شمل وتده «1» مفروق، وقاعدته فروق، وصواع «2» بني أبيه مسروق، وقلب «3» قرحه من عضّة الدهر دام، وجمرة حسرته ذات احتدام، هذا وقد صارت الصّغرى، التي كانت الكبرى، لمشيب لم يرع «4» أن هجم، لمّا نجم، ثم تهلّل عارضه وانسجم: [الكامل] لا تجمعي هجرا عليّ وغربة ... فالهجر في تلف الغريب سريع نظرت فإذا الجنب ناب «5» ، والنّفس فريسة ظفر وناب، والمال أكيلة انتهاب، والعمر رهن ذهاب، واليد صفر من كل اكتساب، وسوق المعاد مترامية، والله سريع الحساب: [الوافر] ولو نعطى الخيار لما افترقنا ... ولكن لا خيار مع الزمان وهب أنّ العمر جديد، وظلّ الأمن مديد، ورأي الاغتباط بالوطن سديد، فما الحجّة لنفسي إذا مرّت بمطارح جفوتها، وملاعب هفوتها، ومثاقف «6» قناتها، ومظاهر عزّاها «7» ومناتها، والزمان «8» ولود، وزناد الكون غير صلود «9» : [الكامل] وإذا امرؤ لدغته أفعى مرّة ... تركته حين يجرّ حبل يفرق «10» ثم أن المرغّب قد ذهب، والدهر قد استرجع ما وهب، والعارض قد اشتهب، وآراء «11» الاكتساب مرجوحة مرفوضة، وأسماؤه على الجوار مخفوضة، والنّيّة مع الله على الزّهد فيما بأيدي الناس معقودة، والتوبة بفضل الله عزّ وجلّ شروطها «12» غير معارضة «13» ولا منقودة، والمعاملة سامريّة، ودروع الصبر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 123 سابريّة، والاقتصاد قد قرّت العين بصحبته، والله قد عوّض حبّ الدنيا بمحبّته، فإذا راجعها مثلي من بعد الفراق، وقد رقى لدغتها ألف راق، وجمعتني بها الحجرة، ما الذي تكون الأجرة؟ جلّ شاني، وقد «1» رضي الوامق وسخط «2» الشاني، إني إلى الله تعالى مهاجر، وللغرض «3» الأدنى هاجر، ولأظعان السّرى زاجر، لأحد «4» إن شاء الله وحاجر، ولكن دعاني إلى «5» الهوى، لهذا «6» المولى المنعم هوى، خلعت نعلي الوجود وما خلعته، وشوق «7» أمرني فأطعته، وغالب والله صبري فما استطعته، والحال والله أغلب، وعسى أن لا يخيب المطلب؛ فإن يسّره «8» رضاه فأمل «9» كمل، وراحل احتمل، وحاد أشجى النّاقة والجمل؛ وإن كان خلاف ذلك، فالزمان «10» جمّ العوائق «11» ، والتسليم بمقامي لائق: [البسيط] ما بين غمضة «12» عين وانتباهتها ... يصرّف «13» الأمر من حال إلى حال وأما تفضيله هذا الوطن على غيره «14» ، ليمن طيره، وعموم خيره، وبركة جهاده، وعمران رباه ووهاده، بأشلاء عبّاده وزهّاده «15» ، حتى لا يفضله إلّا أحد الحرمين، فحقّ بريء من المين، لكنّي «16» للحرمين جنحت، وفي جوّ الشوق إليهما سرحت «17» ، فقد «18» أفضت إلى طريق قصدي محجّته، ونصرتني والمنّة لله حجّته، وقصد سيدي أسنى قصد، توخّاه الشكر «19» والحمد، ومعروف عرف به النّكر، وأمل «20» انتحاه الفكر، والآمال والحمد لله بعد تمتار، والله يخلق ما يشاء ويختار، ودعاؤه يظهر الغيب مدد، وعدّة وعدد، وبرّه حالي الظّعن 2» الجزء: 1 ¦ الصفحة: 124 والإقامة معتمل معتمد «1» ، ومجال المعرفة بفضله لا يحصره أحد «2» ، والسلام «3» » . وهو الآن بقيد الحياة، وذلك ثاني عشر شعبان عام سبعين وسبعمائة. أحمد بن عباس بن أبي زكريا «4» ويقال ابن زكريا. ثبت بخط ابن التّيّاني، أنصاريّ النسب، يكنى أبا جعفر. حاله: كان «5» كاتبا حسن الكتابة، بارع الخطّ فصيحا، غزير الأدب، قوي المعرفة، شارعا في الفقه، مشاركا في العلوم، حاضر الجواب، ذكيّ الخاطر، جامعا للأدوات السلطانية «6» ، جميل الوجه، حسن الخلقة، كلفا بالأدب، مؤثرا له على سائر لذّاته، جامعا للدواوين «7» العلمية، معنيا بها، مقتنيا للجيّد منها، مغاليا فيها، نفّاعا من خصّه بها «8» ، ولا يستخرج منها شيئا، لفرط بخله بها، إلّا لسبيلها، حتى لقد أثرى كثير من الورّاقين والتجّار معه فيها، وجمع منها ما لم يكن عند ملك. يساره: يقال إنه لم يجتمع عند أحد من نظرائه ما اجتمع عنده من عين وورق ودفاتر وخرق، وآنية، ومتاع وأثاث وكراع. مشيخته: روى عن أبي تمام غالب التّياني، وأبي عبد الله بن صاحب الأحباس. نباهته وحظوته: وزر لزهير العامريّ «9» الآتي ذكره، وارثا الوزارة عن أبيه، وهي ما هي في قطر متحرّ بينابيع السّخيلة، وثرّ بهذه الأمنة مستندا إلى قعساء العزّة، فتبنّك نعيما كثيرا، تجاوز الله عنه. دخوله غرناطة: الذي اتصل علمي أنه دخل غرناطة منكوبا حسبما يتقرّر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 125 نكبته: زعموا أنه كان أقوى الأسباب فيما وقع بين أميره زهير، وبين باديس أمير غرناطة، من المفاسدة، وفصل صحبه إلى وقم باديس وقبيله، وحطّه في حيّز هواه وطاعته، وكان ما شاء الله من استيلاء باديس على جملتهم، ووضع سيوف قومه فيهم، وقتل زهير، واستئصال محلّته؛ وقبض يومئذ على أحمد بن عباس، وجيء به إلى باديس، وصدره يغلي حقدا عليه، فأمر بحبسه، وشفاؤه الولوغ في دمه، وعجل عليه بعد دون أصحابه من حملة الأقلام. قال ابن حيان «1» : حديث ابن عباس أنه كان قد ولع «2» ببيت شعر صيّره هجواه أوقات لعبه بالشطرنج، أو معنى يسنح له مستطيلا بجدّه: [المتقارب] عيون الحوادث عنّي نيام ... وهضمي على الدهر شيء حرام وشاع «3» بيته هذا عند «4» الناس، وغاظهم، حتى قلب له مصراعه بعض الشعراء «5» فقال: «سيوقظها «6» قدر لا ينام» فما كان إلّا «كلا» و «لا» حتى «7» تنبّهت الحوادث لهضمه، انتباهة انتزعت منه نخوته وعزّته، وغادرته أسيرا ذليلا يرسف في وزن أربعين رطلا «8» من قيده، منزعجا من عضّه لساقه البضّة، التي «9» تألمت من ضغطة جوربه، يوم «10» أصبح فيه أميرا مطاعا، أعتى «11» الخلق على بابه، وآمنهم بمكره، فأخذه أخذ مليك مقتدر، والله غالب على أمره. وفاته: قال أبو مروان «12» : كان باديس قد أرجأ قتله مع جماعة من الأسرى، وبذل في فداء نفسه ثلاثين ألف دينار من الذّهب العين، مالت إليها نفس باديس إلّا أنه عرض ذلك على أخيه بلكّين، فأنف منه، وأشار عليه بقتله، لتوقعه إثارة فتنة أخرى على يديه، تأكل من ماله أضعاف فديته. قال: فانصرف يوما من بعض ركباته مع أخيه «13» ، فلمّا توسّط الدار التي فيها الجزء: 1 ¦ الصفحة: 126 أحمد «1» بقصبة غرناطة، لصق القصر، وقف هو وأخوه بلكّين، وحاجبه علي بن القروي، وأمر بإخراج أحمد إليه، فأقبل يرسف في قيده حتى وقف «2» بين يديه، فأقبل على سبّه وتبكيته بذنوبه، وأحمد يتلطّف «3» إليه، ويسأله إراحته مما هو فيه، فقال له: «اليوم تستريح من هذا الألم، وتنتقل إلى ما هو أشدّ» ؛ وجعل يراطن أخاه بالبربرية «4» ، فبان لأحمد وجه الموت، فجعل «5» يكثر الضّراعة، ويضاعف «6» عدد المال، فأثار غضبه، وهزّ مزراقه «7» ، وأخرجه من صدره؛ فاستغاث الله،- زعموا-، عند ذلك، وذكر أولاده وحرمه؛ للحين أمر باديس بحزّ رأسه ورمي «8» خارج القصر. حدّث خادم باديس، قال «9» : رأيت جسد ابن عباس ثاني يوم قتله 1» ، ثم قال لي باديس: خذ رأسه وواره مع جسده؛ قال «11» : فنبشت قبره «12» ، وأضفته إلى جسده، بجنب أبي «13» الفتوح قتيل باديس أيضا. وقال لي باديس «14» : ضع عدوّا إلى جنب عدو، إلى يوم القصاص؛ فكان قتل أبي جعفر عشيّة الحادي والعشرين من ذي حجة سنة سبع وعشرين وأربعمائة «15» ، بعد اثنين وخمسين يوما من أسره. وكان يوم مات ابن ثلاثين، نفعه الله ورحمه. أحمد بن أبي جعفر بن محمد بن عطيّة القضاعي «16» من أهل مرّاكش، وأصله القديم من طرطوشة ثم بعد من دانية، يكنى أبا جعفر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 127 حاله: كان كاتبا بليغا، سهل المأخذ، منقاد القريحة، سيّال الطبع. مشيخته: أخذ عن أبيه، وعن طائفة كبيرة من أهل مراكش. نباهته: كتب عن علي بن يوسف بن تاشفين، وعن ابنه «1» تاشفين، وعن أبي إسحاق، وكان أحظى كتّابهم. ثم لمّا انقطعت دولة لمتونة، دخل في لفيف الناس، وأخفى نفسه. ولمّا أثار الماسي «2» الهداية بالسوس، ورمى الموحّدين بحجرهم الذي رموا به البلاد، وأعيا أمره، وهزم جيوشهم التي جهّزوها إليه وانتدب منهم إلى ملاقاته، أبو حفص عمر بن يحيى الهنتائي، في جيش خشن من فرسان ورجّالة، كان أبو جعفر بن عطية، من الرّجالة، مرتسما بالرماية، والتقى الجمعان، فهزم جيش الماسي، وظهر عليه الموحّدون. وقتل الدّعي المذكور، وعظم موقع الفتح عند الأمير الغالب يومئذ أبو حفص عمر، فأراد إعلام الخليفة عبد المؤمن، بما سناه الله، فلم يلق في جميع من استصحبه من يجلي عنه، ويوفي ما أراده، فذكر له أن فتى من الرّماة يخاطر بشيء من الأدب والأشعار والرسائل فاستحضره، وعرض عليه غرضه، فتجاهل وظاهر بالعجز، فلم يقبل عذره، واشتدّ عليه، فكتب رسالة فائقة مشهورة، فلمّا فرغ منها وقرأها عليه اشتدّ إعجابه بها وأحسن إليه، واعتنى به، واعتقد أنه ذخر يتحف به عبد المؤمن، وأنفذ الرسالة، فلمّا قرئت بمحضر أكابر الدولة، عظم مقدارها، ونبه فضل منشئها، وصدر الجواب ومن فصوله الاعتناء بكاتبها، والإحسان إليه، واستصحابه مكرّما. ولما أدخل على عبد المؤمن سأله عن نفسه، وأحظاه لديه وقلّده خطّة الكتابة، وأسند إليه وزارته، وفوّض إليه النظر في أموره كلها؛ فنهض بأعباء ما فوّض إليه، وظهر فيه استقلاله وغناؤه، واشتهر بأجمل السّعي للناس واستمالتهم بالإحسان وعمّت صنائعه «3» ، وفشا معروفه، فكان محمود السّيرة، منحب «4» المحاولات، ناجح المساعي، سعيد المأخذ، ميسّر المآرب، وكانت وزارته زينا للوقت، كمالا للدولة. محنته: قالوا: واستمرّت حالته إلى أن بلغ الخليفة عبد المؤمن أن النصارى غزوا قصبة ألمرية، وتحصّنوا بها؛ واقترن بذلك تقديم ابنه يعقوب على إشبيلية، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 128 فأصحبه أبا جعفر بن عطية، وأمره أن يتوجّه بعد استقرار ولده بها إلى ألمرية؛ وقد تقدّم إليها السيد أبو سعيد بن عبد المؤمن، وحصر من بها النصارى، وضيّق عليهم، ليحاول أمر إنزالهم، ثم يعود إلى إشبيلية، ويتوجّه منها مع واليها، إلى منازلة الثائر بها على الوهيبي؛ فعمل على ما حاوله من ذلك؛ واستنزل النصارى من ألمريّة على العهد بحسن محاولته، ورجع السيد أبو سعيد إلى غرناطة، مزعجين إليها، حتى يسبقا جيش الطاغية؛ ثم انصرف إلى إشبيلية ليقضي الغرض من أمر الوهيبي. فعندما خلا منه الجوّ، ومن الخليفة مكانه، وجدت حسّاده السبيل إلى التدبير عليه، والسعي به، حتى أو غروا صدر الخليفة؛ فاستوزر عبد المؤمن ابن عبد «1» السلام بن محمد الكومي. وانبرى لمطالبة ابن عطية، وجدّ في التماس عوراته، وتشنيع سقطاته، وأغرى به صنائعه، وشحن عليه حاشيته، فبرّوا وراشوا وانقلبوا، وكان مما نقم على أبي جعفر، نكاة القرح بالقرح، في كونه لم يقف في اصطناع العدد الكثير من اللمتونيين، وانتياشهم من خمولهم، حتى تزوج بنت يحيى الحمار من أمرائهم؛ وكانت أمها زينب بنت علي بن يوسف، فوجدوا السّبيل بذلك إلى استئصال شأفته والحكام، حتى نظم منهم مروان بن عبد العزيز، طليقه ومسترقّ اصطناعه، أبياتا طرحت بمجلس عبد المؤمن «2» : [البسيط] قل للإمام أطال «3» الله مدّته ... قولا تبين لذي لبّ حقائقه إنّ الزراجين قوم قد وترتهم ... وطالب الثأر لم تؤمن بوائقه «4» وللوزير إلى آرائهم ميل ... لذاك ما كثرت فيهم علائقه فبادر الحزم في إطفاء «5» نارهم «6» ... فربما عاق عن أمر عوائقه هم العدوّ ومن والاهم كهم ... فاحذر عدوّك واحذر من يصادقه الله يعلم أني ناصح لكم ... والحقّ أبلج لا تخفى طرائقه «7» الجزء: 1 ¦ الصفحة: 129 قالوا: ولمّا وقف عبد المؤمن على هذه الأبيات البليغة في معناها وغر صدره على وزيره الفاضل «1» أبي جعفر، وأسرّ له في نفسه تغيّرا، فكان ذلك من أسباب نكبته. وقيل: أفضى إليه بسرّ فأفشاه، وانتهى ذلك كله إلى أبي جعفر وهو بالأندلس، فقلق وعجّل بالانصراف «2» إلى مرّاكش، فحجب عند قدومه، ثم قيد إلى المسجد في اليوم الثاني «3» بعده، حاسر العمامة، واستحضر الناس على طبقاتهم، وقرّروا «4» ما يعلمون من أمره، وما صار إليهم منه «5» ، فأجاب كلّ بما اقتضاه هواه، فأمر «6» بسجنه، ولفّ معه أخوه أبو عقيل عطية، وتوجّه عبد المؤمن في إثر ذلك زائرا إلى تربة المهدي «7» ، فاستصحبهما منكوبين بحال ثقاف. وصدرت عن أبي جعفر في هذه الحركة، من لطائف الأدب، نظما ونثرا في سبيل التوسّل بتربة إمامهم «8» ، عجائب لم تجد «9» ، مع نفوذ قدر الله فيه. ولما انصرف من وجهته أعادهما معه، قافلا إلى مراكش، فلما حاذى تاقمرت، أنفذ الأمر بقتلهما، بالشّعراء المتّصلة بالحصن على مقربة من الملّاحة هنالك، فمضيا لسبيلهما، رحمهما الله «10» . شعره وكتابته: كان ممّا خاطب به الخليفة عبد المؤمن مستعطفا كما قلناه من رسالة: «تالله لو أحاطت بي «11» خطيئة، ولم تنفكّ نفسي عن الخيرات بطيئة، حتى سخرت بمن في الوجود، وأنفت لآدم من السجود، وقلت: إن الله لم يوح إلى «12» الفلك إلى نوح، وبريت لقرار «13» ثمود نبلا، وأبرمت لحطب نار الخليل حبلا، وحططت عن يونس شجرة اليقطين، وأوقدت مع هامان على الطين، وقبضت قبضة من الطّير «14» من أثر الرسول فنبذتها؛ وافتريت على العذراء البتول «15» فقذفتها؛ وكتبت صحيفة «16» القطيعة بدار الندوة، وظاهرت الأحزاب بالقصوى من العدوة، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 130 وذممت كل قرشي، وأكرمت لأجل وحشي «1» كلّ حبشي، وقلت إن بيعة السّقيفة لا توجب لإمام «2» خليفة، وشحذت شفرة غلام «3» المغيرة بن شعبة، واعتقلت «4» من حصار الدار وقتل أشمطها «5» بشعبة، وغادرت الوجه من الهامة خضيبا، وناولت من قرع سنّ الخمسين «6» قضيبا، ثم أتيت حضرة المعصوم «7» لائذا، وبقبر الإمام المهديّ عائذا. لقد آن لمقالتي أن تسمع، وأن «8» تغفر لي هذه الخطيئات أجمع: [الطويل] فعفوا أمير المؤمنين فمن لنا ... بحمل «9» قلوب هدّها الخفقان [وكتب مع ابن له صغير آخرة] «10» : [البسيط] عطفا علينا أمير المؤمنين، فقد ... بان العزاء لفرط البثّ والحزن قد أغرقتنا ذنوب كلّها لجج ... وعطفة منكم أنجى من السّفن وصادفتنا سهام كلّها غرض ... لها ورحمتكم «11» أوقى من الجنن هيهات للخطب أن تسطو حوادثه ... بمن أجارته رحماكم من المحن من جاء عندكم يسعى على ثقة ... بنصره لم يخف بطشا من الزمن فالثوب يطهر بعد «12» الغسل من درن ... والطّرف ينهض بعد الرّكض من وسن أنتم بذلتم حياة الخلق كلّهم ... من دون منّ عليهم لا ولا ثمن ونحن من بعض من أحيت مكارمكم ... تلك الحياتين من نفس ومن بدن وصبية كفراخ الورق من صغر ... لم يألفوا النّوح في فرع ولا فنن قد أوجدتهم أياد منك سابغة «13» ... والكلّ لولاك لم يوجد ولم يكن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 131 ومن فصول رسالته التي كتب بها عن أبي حفص، وهي التي أورثته الكتابة العليّة والوزارة كما تقدم قوله «1» : «كتبنا «2» هذا من وادي ماسة بعد ما تزحزح «3» أمر الله الكريم، ونصر الله المعلوم «4» وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ «5» فتح بمسرى «6» الأنوار إشراقا، وأحدق بنفوس المؤمنين إحداقا، ونبّه للأماني النّائمة جفونا وأحداقا، واستغرق غاية الشكر استغراقا، فلا تطيق الألسن كنه «7» وصفه إدراكا ولا لحاقا؛ جمع أشتات الطبّ «8» والأدب، وتقلّب في النعم أكرم منقلب، وملأ دلاء الأمل إلى عقد الكرب «9» : [البسيط] فتح تفتّح أبواب السماء له ... وتبرز الأرض في أثوابها القشب وتقدّمت بشارتنا به جملة، حين لم تعط الحال بشرحه مهلة. كان أولئك الضالّون المرتدّون قد بطروا عدوانا وظلما، واقتطعوا الكفر معنى واسما، وأملى لهم الله ليزدادوا إثما؛ وكان مقدّمهم الشّقي قد استمال النفوس بخزعبلاته، واستهوى القلوب بمهولاته، ونصب له الشيطان من حبالاته، فأتته المخاطبة «10» من بعد وكثب، ونسلت إليه الرسل من كل حدب، واعتقدته الخواطر أعجب عجب؛ وكان الذي قادهم لذلك «11» ، وأوردهم تلك المهالك، وصول من بتلك «12» السواحل، ممّن ارتسم برسم الانقطاع عن الناس، فيما سلف من الأعوام، واشتغل على رغمه «13» بالصيام والقيام، آناء الليل «14» والأيام، لبسوا الناموس أثوابا، وتدرّعوا الرياء جلبابا، فلم يفتح الله لهم إلى التوفيق «15» بابا» . ومنها في ذكر صاحبهم «16» : الجزء: 1 ¦ الصفحة: 132 «فصرع والحمد «1» لله لحينه، وبادرت إليه بوادر منونه، وأتته وافدات الخطيئات عن يساره، ويمينه، وكان «2» يدّعي أن المنيّة في هذه الأعوام لا تصيبه، ويزعم أنه يبشّر بذلك والنوائب لا تنوبه؛ ويقول في سواه قولا كثيرا، ويختلق على الله إفكا وزورا؛ فلما عاينوا «3» هيئة اضطجاعه، ورأوا ما خطّته «4» الأسنة في أعضائه «5» ، ونفذ فيه من أمر الله ما لم يقدروا على استرجاعه؛ هزم لهم من كان لهم من الأحزاب، وتساقطوا على وجوههم كتساقط «6» الذّباب، وأعطوا عن بكرة أبيهم صفحة «7» الرّقاب، ولم تقطر كلومهم إلّا على الأعقاب «8» ؛ فامتلأت تلك الجهات بأجسادهم، وأذنت «9» الآجال بانقراض آمالهم «10» ، وأخذهم الله بكفرهم وفسادهم؛ فلم يعاين منهم إلّا من خرّ صريعا، وسقى الأرض نجيعا «11» ، ولقي من وقع «12» الهنديّات أمرا فظيعا؛ ودعت الضرورة باقيهم إلى التّرامي في الوادي، فمن كان يؤمل الفرار منهم ويرتجيه، ويسبح طامعا في الخروج إلى ما ينجيه، اختطفته الأسنّة اختطافا، وأذاقته موتا ذعافا «13» ؛ ومن لجّ في الترامي على لججه، ورام البقاء في ثجّه «14» ، قضى عليه شرقه، وألوى فرقته «15» غرقه. ودخل الموحّدون إلى الباقية «16» الكائنة فيه، يتناولون قتالهم طعنا وحربا «17» ، ويلقونهم بأمر الله هونا «18» عظيما وكربا، حتى سطت «19» مراقات الدماء على صفحات الماء، وحكت حمرتها على زرقه حمرة الشّفق على زرق «20» السماء؛ وظهرت «21» العبرة للمعتبر، في جري الدماء «22» جري الأبحر» . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 133 دخوله غرناطة: احتلّ بغرناطة عام أحد وخمسين وخمسمائة، لما استدعى أهل جهات ألمريّة، السيّد أبا سعيد إلى منازلة من بها النصارى؛ وحشد، ونزل عليها، ونصب المجانيق على قصبتها، واستصرخ من بها الطاغية «1» ، فأقبل إلى نصرهم؛ واستمدّ السيد أبو سعيد الخليفة، فوجّه إليه الكبير أبا جعفر بن عطية صحبة السيد أبي يعقوب ابنه، فلحق به، واتّصل الحصار شهورا سبعة، وبذل الأمن لمن كان بها، وعادت إلى ملكة الإسلام، وانصرف الوزير أبو جعفر صحبة السيد أبي يعقوب إلى إشبيلية، وجرت أثناء هذه أمور يطول شرحها؛ ففي أثناء هذه الحركة دخل أبو جعفر غرناطة، وعدّ فيمن ورد عليها. مولده: بمرّاكش عام سبعة وعشرين وخمسمائة «2» . وفاته: على حسب ما تقدّم ذكره، لليلة بقيت من صفر سنة ثلاث وخمسين وخمسمائة «3» . أحمد بن محمد بن شعيب الكرياني من أهل فاس، يكنى أبا العباس، ويعرف بابن شعيب من كريانة، قبيلة من قبائل الرّيف الغربي. حاله: من «عائد الصّلة» : من أهل المعرفة بصناعة الطب، وتدقيق النظر فيها، مشاركا في الفنون، وخصوصا في علم الأدب، حافظا للشعر؛ ذكر أنه حفظ منه عشرين ألف بيت للمحدثين، والغالب عليه العلوم الفلسفية، وقد مقت لذلك، وتهتّك في علم الكيمياء، وخلع فيه العذار، فلم يحل بطائل، إلّا أنه كان تفوّه بالوصول شنشنة المفتونين بها على مدى الدهر. وله شعر رائق، وكتابة حسنة، وخط ظريف. كتب في ديوان سلطان المغرب مرئسا، وتسرّى جارية روميّة اسمها صبح، من أجمل الجواري حسنا، فأدّبها حتى لقّنت حظّا من العربية، ونظمت الشعر، وكان شديد الغرام بها، فهلكت أشدّ ما كان حبّا لها، وامتداد أمل فيها، فكان بعد وفاتها لا يرى إلّا في تأوّه دائم، وأسف متماد، وله فيها أشعار بديعة في غرض الرّثاء. مشيخته: قرأ في بلده فاس على كثير من شيوخها، كالأستاذ أبي عبد الله بن أجروم نزيل فاس، والأستاذ أبي عبد الله بن رشيد، ووصل إلى تونس، فأخذ منها الطبّ والهيئة على الشيخ رحلة وقته في تلك الفنون، يعقوب بن الدرّاس. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 134 وكان مما خاطب به الشيخ أبا جعفر بن صفوان، وقد نشأت بينهما صداقة أوجبها القدر المشترك من الولوع بالصّنعة المرموزة، يتشوّق إلى جهة كانوا يخلون بها للشيخ فيها ضيعة بخارج مالقة كلأها الله: [المتقارب] رعى الله وادي شنيانة ... وتلك الغدايا وتلك اللّيالي «1» ومسرحنا بين خضر الغصون ... وودق المياه وسحر الظّلال ومرتعنا تحت أدواحه ... ومكرعنا في النّمير الزّلال نشاهد منها كعرض الحسام ... إذا ما انتشت فوقه كالعوالي «2» ولله من درّ حصبائه ... لآل وأحسن بها من لآل وليل به في ستور الغصون ... كخود ترنّم فوق الحجال وأسحاره كيف راقت وص ... حّ النسيم بها في اعتدال ولله منك أبا جعفر ... عميد الحلال حميد الخلال تطارحني برموز الكنوز ... وتسفر لي عن معاني المعالي وتبدلني في شجون الحديث ... ويا طيبة كلّ سحر حلال فألقط من فيك سحر البيان ... مجيبا به عن عريض النّوال أفدت الذي دونها معشر ... كثير المقال قليل النّوال فأصبحت لا أبتغي بعدها ... سواك وبعدكما لا أبالي «3» وخاطب الفقيه العالم أبا جعفر بن صفوان يسأله عن شيء من علم الصناعة بما نصّه: [الكامل] دار الهوى نجد وساكنها ... أقصى أماني النفس من نجد وممّا صدّر به رسالة: [الطويل] أيجمع هذا الشّمل بعد شتاته؟ ... ويوصل هذا الحبل بعد انبتاته؟ أما للبلى آية عيسويّة ... فينشر ميّت الأنس بعد مماته؟ ويورد عيني بعد ملح مدامعي ... برؤيته في عذبه وفراته؟ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 135 وأنشد له صاحبنا الجليل صاحب العلّامة «1» بالمغرب، أبو القاسم بن صفوان قوله: [المنسرح] يا ربّ ظبي شعاره نسك ... ألحاظه في الورى لها فتك يترك من هام به مكتئبا ... لا تعجبوا أن قومه التّرك أشكو له ما لقيت من حرق ... فيمشين «2» لاهيا إذا أشكو صبرت حتى أطلّ عارضه ... فكان صبري ختامه مسك ومن المعاتبة والفكاهة قوله: [السريع] وبائع للكتب يبتاعها ... بأرخض السّوم وأغلاه في نصف الاستذكار أعطيته ومحّض العين وأرضاه وله أيضا: [الكامل] يا من توعّدني بحادث هجره ... إنّ السّلوّ لدون ما يتوعّد هذا عذارك وهو موضع سلوتي ... فأكفف فقد سبق الوعيد الموعد وأظنّ سلوتنا غدا أو بعده ... فبذاك خبّرنا الغراب الأسود وله أيضا: [الكامل] قال العذول تنقّصا لجماله ... هذا حبيبك قد أطلّ عذاره لا بل بدا فصل الربيع بخدّه ... فلذا تساوى ليله ونهاره وله يرثي: [مجزوء الكامل] يا قبر صبح، حلّ في ... ك بمهجتي أسنى الأماني «3» وغدوت بعد عيانها ... أشهى البقاع إلى العيان أخشى المنيّة إنها ... تقصي مكانك عن مكاني «4» كم بين مقبور بفا ... س وقابر بالقيروان وله أيضا يرثيها: [الكامل] يا صاحب القبر الذي أعلامه ... درست وثابت حبّه لم يدرس الجزء: 1 ¦ الصفحة: 136 ما اليأس منك على التصبّر حاملي ... أيأستني فكأنني لم أيأس لمّا ذهبت بكلّ حسن أصبحت ... نفسي تعاني شجو كلّ الأنفس أصباح أيّامي ليال كلّها ... لا تنجلي عن صبحك المتنفّس وقال في ذلك: [مجزوء الكامل] أعلمت ما صنع الفرا ... ق غداة جدّ به الرّفاق؟ ووقفت منهم حيث للن ... نظرات والدمع استباق سبقت مطاياهم فما ... أبطا «1» بنفسك في السباق أأطقت حمل صدودهم ... للبين خطب لا يطاق عن ذات عرق أصعدوا ... أتقول دارهم العراق نزلوا ببرقة ثمهد ... فلذاك ما شئت البراق وتيامنوا عسفان أن ... يقفوا بمجتمع الرّفاق ما ضرّهم وهم المنى ... لو وافقوا بعض الوفاق قالوا تفرّقنا غدا ... فشغلت عن وعد التّلاق عمدا رأوا قتل العمي ... د فكان عيشك في اتّفاق أولى لجسمك أن يرقّ ... ودمع عينك أن يراق أمّا الفؤاد فعندهم ... دعه ودعوى الاشتياق أعتاد حبّ محلهم ... فمحلّ صدرك عنه ضاق واها لسالفة الشبا ... ب مضت بأيامي الرقاق أبقت حرارة لوعة ... بين الترائب والتّراق لا تنطفي وورودها ... من أدمعي كأس دهاق وقال أيضا: [الكامل] يا موحشي والبعد دون لقائه ... أدعوك عن شحط وإن لم تسمع يدنيك مني الشوق حتى إنني ... لأراك رأي العين لولا أدمعي وأحنّ شوقا للنّسيم إذا سرى ... لحديثكم وأصيح كالمستطلع كان اللّقاء «2» فكان حظّي ناظري ... وسط الفراق فصار حظّي مسمعي «3» الجزء: 1 ¦ الصفحة: 137 فابعث خيالك تهده نار الحشا ... إن كان يجهل من مقامي موضعي «1» واصحبه من نومي بتحفة قادم ... فصدى فليل ركابكم لم تجمع دخوله غرناطة: دخل غرناطة على عهد السابع من ملوكها الأمير محمد «2» لقرب من ولايته في بعض شؤونه؛ وحقّق بها تغيير أمر الأدوية المنفردة التي يتشوّف الطّيب إليها والشحرور، وهي بقرية شون «3» من خارجها. وفاته: رحمه الله، توفي بتونس في يوم عيد الأضحى من سنة تسع وأربعين وسبعمائة. أحمد بن عبد الله بن محمد بن أحمد بن محمد بن أحمد ابن محمد بن حسين بن علي بن سليمان بن عرفة اللخمي الفقيه، الرئيس، المتفنّن، حامل راية مذهب الشعر في وقته، المشار إليه بالبنان في ذلك ببلده، يكنى أبا العباس. حاله: كان فذّا في الأدب، طرفا في الإدراك، مهذب الشمائل، ذلق اللسان، ممتع المجالسة والمحاضرة، حلو الفكاهة، يرمي كل غرض بسهم، إلى شرف النشأة وعزّ المرتبة، وكرم المحتد، وأصالة الرياسة. حدّثني الشيخ أبو زكريا بن هذيل، قال: حضرت بمجلس ذي الوزارتين أبي عبد الله بن الحكيم، وأبو العباس بدر هالته، وقطب جلالته، فلم يحر بشيء إلّا ركض فيه، وتكلّم بملء فيه. ثم قمنا إلى زبّارين يصلحون شجرة عنب، فقال لعريفهم: حقّ هذا أن يقصر، ويطال هذا، ويعمل كذا. فقال الوزير: يا أبا العباس، ما تركت لهؤلاء أيضا حظّا من صناعتهم، يستحقّون به الأجرة، فعجبنا من استحضاره، ووساعة ذرعه، وامتداد حظّ كفايته. قدومه على غرناطة: قدم عليها مع الجملة من قومه عند تغلب الدولة النصرية على بلدهم، ونزول البلاء والغلاء والمحنة بهم، والجلاء بهم في آخر عام خمسة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 138 وسبعمائة، ويأتي التعريف بهم بعد إن شاء الله. وكان أوفر الدواعي في الاستعطاف لهم بما تقدّم بين يدي أدعيائهم، ودخولهم على السلطان، أن الذي تنخل بمثله السّخائم، وتذهب الإحن. وخطب لنفسه، فاستمرت حاله لطيف المنزلة، معروف المكانة، ملازما مجلس مدبّر الدولة، مرسوما بصداقته، مشتملا عليه ببرّه، إلى أن كان من تقلّب الحال، وإدالة الدولة، ما كان. شعره: وشعره نمط عال، ومحلّ البراعة حال، لطيف الهبوب، غزير المائية، أنيق الديباجة، جمّ المحاسن؛ فمنه في مذهب المدح، يخاطب ذا الوزارتين أبا عبد الله بن الحكيم «1» : [الكامل] ملّكت «2» رقيّ بالجمال فأجمل ... وحكمت في «3» قلبي بجورك فاعدل أنت الأمير على الملاح ومن يجر ... في حكمه إلّا جفونك يعزل إن قيل أنت البدر فالفضل الذي ... لك بالكمال ونقصه لم يجهل لولا الحظوظ لكنت أنت مكانه ... ولكان دونك في الحضيض الأسفل عيناك نازلتا القلوب فكلّها ... إما جريح أو مصاب المقتل هزّت ظباها بعد كسر جفونها ... فأصيب قلبي في الرّعيل الأول ما زلت أعذل في هواك ولم يزل ... سمعي عن العذّال فيك بمعزل أصبحت في شغل بحبك شاغل ... عن أن أصيخ إلى كلام العذّل لم أهمل الكتمان لكن أدمعي ... هملت ولو لم تعصني لم تهمل جمع الصحيحين الوفاء مع الهوى ... قلبي وأملى الدّمع كشف المشكل ما في الجنوب ولا الشمال جواب ما ... أهدى إليك مع الصّبا والشّمال «4» خلسا له من طيب عرفك نفحة ... تجيء بها دماء عليلها المتعلل إن كنت بعدي حلت عمّا لم أحل ... عنه وأهملت الذي لم أهمل أو حالت الأحوال فاستبدلت بي ... فإنّ حبي فيك لم يستبدل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 139 لا قيت بعدك ما لو أنّ أقلّه ... لاقى الثرى لأذاب صمّ الجندل وحملت في حبّك ما لو حمّلت ... شمّ الجبال أخفّه لم تحمل من حيف دهر بالحوادث مقدم ... حتى على حبس الهزبر المشبل قد كنت منه قبل كرّ صروفه ... فوق السّنام فصرت تحت الكلكل ونصول شيب قد ألمّ بلمّتي ... وخضاب أبي شيبة لم تنصل ينوي الإقامة ما بقيت وأقسمت ... لا تنزل اللذات ما لم يرحل ومسير ظعن ودان حميمه ... لاقى الحمام وإنّه لم يفعل يطوي على جسدي الضلوع فقلبه ... بأواره يغلي كغلي المرجل في صدره ما ليس في صدري له ... من مثله مثقال حبّة خردل أعرضت عنه ولو أشفّ لذمّه ... شعري لجرّعه نقيع الحنظل جلّيت في حلبات سبق لم يكن ... فيها مرتاح ولا بمؤمّل ما ضرّه سبقيه في زمن مضى ... أنّ المجلّى فيه دون الفسكل ساءته منّي عجرفيّة قلّب ... باق على مرّ الحوادث حوّل متحرّق في البذل مدّة سيره ... متجلّد في عسره متجمّل حتى يثوب له الغنى من ماجد ... بقضاء حاجات الكرام موكّل مثل الوزير ابن الحكيم وما له ... مثل يقوم مقامه متمثّل ساد الورى بحديثه وقديمه ... في الحال والماضي وفي المستقبل من بيت مجد قد سمعت بقبابه ... أقيال لخم في الزمان الأوّل سامي الدعائم طال بيت وزارة ... ومشاجع وأبي الفوارس نهشل يلقى الوفود ببسط وجه مشرق ... تجلو طلاقته هموم المجتلي فلآملي جدواه حول فنائه ... لقط القطا الأسراب حول المنهل وإذا نحى بالعدل فصل قضية ... لم تحظ فصلا من إطالة مفصل يقضي على سخب الخصوم وشغبهم ... ويقيم مغريهم مقام المؤمل ويلقّن الحج العييّ تحرّجا ... من رامح عند اللّجاج وأعزل فإذا قضى صور المحقّ بحقّه ... عنه وحلّق عقابه بالمبطل عجل على من يستحقّ مثوبة ... فإذا استحقّ عقوبة لم يعجل يا كافي الإسلام كلّ عظيمة ... ومعيده غضّا كأن لم يذبل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 140 وقال أيضا يمدحه بقصيدة من مطوّلاته: وإنما اجتلبت من مدحه للوزير ابن الحكيم لكونه يمدح أديبا ناقدا، وبليغا بالكلام بصيرا، والإجادة تلزم فيه منظومه، إذ لا يوسع القريحة فيه عذرا، ولا يقبل من الطّمع قدرا، وهي: [الكامل] أما الرّسوم فلم ترقّ لما بي ... واستعجمت عن أن تردّ جوابي واستبدلت بوحوشها من أنس ... بيض الوجوه كواعب أتراب ولقد وقفت بها أرقرق عبرة ... حتى اشتكى طول الوقوف صحابي «1» يبكي لطول بكاي في عرصاتها ... صحبي ورجّعت الحنين ركابي «2» ومن شعره في المقطوعات غير المطوّلات: [مجزوء البسيط] لم يبق ذو عين «3» لم يسبه ... وجهك من زين بلا مين فلاح بينهما طالعا ... كأنه قمر «4» بلا مين ومن ذلك قوله: [البسيط] كأنما الخال مصباح بوجنته ... هبّت عواصف أنفاسي فعطف «5» أو نقطة قطرت في الخدّ إذ رسمت ... خطّ الجمال بخطّ اللّام والألف ومن ذلك قوله: [المنسرح] وعدتني أن تزور يا أملي ... فلم أزل للطريق مرتقبا حتى إذا الشمس للغروب دنت ... وصيّرت من لجينها ذهبا آنسني البدر منك حين بدا ... لأنّه لو ظهرت لاحتجبا ومن ذلك قوله: [الرمل] هجركم ما لي عليه جلد ... فأعيدوا لي «6» الرضى أو فعدوا «7» ما قسا قلبي من هجرانكم ... ولقد طال عليه الأمد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 141 ومن ذلك قوله: [البسيط] أبدى عذارك عذري في الغرام به ... وزادني شغفا فيه إلى شغف كأنّه ظنّ أنّي قد نسيت له ... عهدا فعرّض لي «1» باللام والألف ومما هو أطول من المزدوجات قوله: [الطويل] ويوم كساه الدّجن «2» دكن ثيابه ... وهبّ «3» نسيم الروض وهو عليل ولاحت بأفلاك الأفق كواكب ... لها في البدور الطّالعات أفول وجالت جياد الرّاح بالرّاح جولة ... فلم تحل إلّا والوقار قتيل ومن ذلك: [الخفيف] عذلوني فيمن أحبّ وقالوا ... دبّ نمل العذار في وجنتيه وكذا النّمل كلّما حلّ شيئا ... منع النّفس أن تميل إليه قلت قبل العذار أعذر فيه ... ثم من بعده ألام عليه إنما دبّ نحو شهد بفيه ... فلذاك انتهى إلى شفتيه وإحسانه كثير، ومثله لا يقنع منه بيسير. وفاته: قال في «عائد الصلة» : «ولمّا كان من تغلّب الحال، وإدالة الدولة، وخلع الأمير، وقتل وزيره، يوم عيد الفطر من سنة سبع وسبعمائة، وانتهبت دار الوزير، ونالت الأيدي يومئذ، من شمله دهليز بابه، من أعيان الطبقات، وأولي الخطط والرّتب، ومنهم أبو العباس هذا، رحمه الله؛ فأفلت تحت سلاح مشهور، وحيّز مرقوف، وثوب مسلوف؛ فأصابته بسبب ذلك علّة أياما، إلى أن أودت به، فقضت عليه بغرناطة، في الثامن والعشرين لذي حجة من سنة سبع وسبعمائة «4» ؛ ودفن بمقبرة الغرباء من الرّبيط عبر الوادي تجاه قصور نجد، رحمة الله عليه» . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 142 أحمد بن علي الملياني «1» من أهل مرّاكش، يكنى أبا عبد الله وأبا العباس. صاحب العلامة «2» بالمغرب، الكاتب الشهير البعيد الشأن «3» في اقتضاء التّرة «4» ، المثل المضروب في العفّة «5» ، وقوة الصّريمة، ونفاذ العزيمة. حاله: كان «6» نبيه البيت، شهير الأصالة، رفيع المكانة، على سجيّة غريبة كانت «7» فيه، من الوقار والانقباض والصّمت. أخذ «8» بحظ من الطّب، حسن الخطّ، مليح الكتابة، قارضا للشعر، يذهب «9» نفسه فيه كلّ مذهب. وصمته: فتك «10» فتكة شنيعة «11» أساءت الظنّ بحملة الأقلام على مرّ «12» الدهر؛ وانتقل إلى الأندلس بعد مشقّة. وجرى ذكره في كتاب «الإكليل» بما نصّه «13» : «الصّارم، الفاتك، والكاتب الباتك «14» ، أيّ «15» اضطراب في وقار، وتجهّم تحته أنس عقار! اتخذه صاحب «16» المغرب صاحب علامته، وتوّجه تاج كرامته؛ وكان يطالب جملة من أشياخ مراكش بثأر عمّه، ويطوقهم دمه بزعمه، ويقصر على الاستبصار «17» منهم بنات همّه، إذ سعوا فيه حتى اعتقل، ثم جدّوا في أمره حتى قتل؛ فترصّد كتابا إلى مراكش يتضمّن أمرا جزما، ويشلّ «18» من أمور الملك عزما، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 143 جعل الأمر «1» فيه يضرب رقابهم، وسبي أسبابهم؛ ولمّا أكّد على حامله في العجل، وضايقه في تقدير الأجل، تأنّى حتى علم أنه قد وصل، وأنّ غرضه قد حصل. فرّ إلى تلمسان، وهي بحال حصارها، فاتّصل بأنصارها، حالّا بين أنوفها وأبصارها؛ وتعجّب من فراره، وسوء اغتراره، ورجحت «2» الظنون في آثاره. ثم اتّصلت «3» الأخبار بتمام الحيلة، واستيلاء القتل على أعلام تلك القبيلة، وتركها «4» شنعة على الأيام، وعارا في الأقاليم على حملة الأقلام؛ وأقام بتلمسان إلى أن حلّ مخنّق حصارها «5» ، وأزيل هميان «6» الضيقة عن خصرها؛ فلحق بالأندلس، فلم «7» يعدم برّا، ورعيا مستمرّا، حتى أتاه حمامه، وانصرمت أيامه» . شعره: من «8» الذي يدلّ على برّه «9» ، وانفساخ «10» خطاه في النّفاسة، وبعد شأوه، قوله: [الكامل] العزّ ما ضربت عليه قبابي ... والفضل ما اشتملت عليه ثيابي والزّهر ما أهداه غصن براعتي ... والمسك ما أبداه نقش «11» كتابي والمجد «12» يمنع أن يزاحم موردي ... والعزم يأبي أن يسام «13» جنابي فإذا بلوت صنيعة جازيتها ... بجميل شكري أو جزيل ثوابي وإذا عقدت مودّة أجريتها ... مجرى طعامي من دمي وشرابي وإذا طلبت من الفراقد والسّهى ... ثأرا فأوشك أن أنال طلابي وفاته: توفي رحمه الله يوم السبت تاسع ربيع الآخر عام خمسة عشر وسبعمائة، ودفن بجبّانة باب إلبيرة، تجاوز الله تعالى «14» عنه. أحمد بن محمد بن عيسى الأموي يكنى أبا جعفر، ويعرف بالزّيّات. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 144 حاله: من أهل الخير والصّلاح والأتباع، مفتوح عليه في طريق الله، نيّر الباطن والظاهر، مطّرح التصنّع، مستدلّ، مجانب للدنيا وأهلها، صادق الخواطر، مرسل اللسان بذكر الله، مبذول النصيحة، مثابر على اتّباع السّنّة، عارف بطريق الصوفيّة، ثبت القدم عند زلّاتها؛ ناطق بالحكمة على الأميّة؛ جميل اللقاء، متوغّل في الكلف بالجهاد، مرتبط للخيل، مبادر للهيعة، حريص على الشهادة، بركة من بركات الله في الأندلس، يعزّ وجود مثله. وفاته: توفي، رحمه الله، ببلده غرناطة، يوم الخميس الثاني والعشرين لجمادى الثانية من عام خمسة وستين وسبعمائة؛ وشارف الاكتهال. أحمد بن الحسن بن علي بن الزيّات الكلاعي «1» من أهل بلّش مالقة «2» ، يكنى أبا جعفر، ويعرف بالزيّات، الخطيب، المتصوّف الشهير. حاله: من «عائد الصلة» : كان جليل القدر، كثير العبادة، عظيم الوقار، حسن الخلق، مخفوض الجناح، متألّق البشر، مبذول المؤانسة، يذكّر بالسّلف الصالح في حسن شيمته وإعراب لفظه، مزدحم المجلس، كثير الإفادة، صبورا على الغاشية، واضح البيان، فارس المنابر غير مدافع، مستحقّ التصدّر في ذلك بشروط قلّما كملت عند غيره؛ منها حسن الصورة، وكمال الأبّهة، وجهوريّة الصوت، وطيب النّغمة، وعدم التّهيّب، والقدرة على الإنشاء، وغلبة الخشوع، إلى التفنّن في كثير من المآخذ العلمية، والرياسة في تجويد القرآن، والمشاركة في العربية، والفقه، واللغة، والأدب، والعروض، والمحاسّة «3» في الأصلين، والحفظ للتفسير. قال لي شيخنا أبو البركات بن الحاجّ، وقد جرى ذكر الخطابة: ما رأيت في استيفائها مثله. كان يفتح مجالس تدريسه أكثر الأحيان، بخطب غريبة، يطبّق بها مفاصل الأغراض، التي يشرع في التكلّم فيها، وينظم الشعر دائما في مراجعاته ومخاطباته، وإجازاته، من غير تأنّ ولا رويّة، حتى اعتاده ملكة بطبعه؛ واستعمل في السّفارة بين الملوك، لدحض السّخائم، وإصلاح الأمور، فكانوا يوجيون حقّه، ويلتمسون بركته، ويلتمسون دعاءه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 145 مشيخته: تحمّل العلم عن جملة؛ منهم خاله الفقيه الحكيم أبو جعفر أحمد بن علي المذحجي من أهل الحمّة «1» ، من ذوي المعرفة بالقرآن والفرائض. ومنهم القاضي أبو علي الحسين بن أبي الأحوص الفهري، أخذ عنه قراءة وإجازة. ومنهم العارف الرّباني أبو الحسن فضل بن فضيلة، أخذ عنه طريقة الصوفية وعليه سلك، وبه تأدّب، وبينهما في ذلك مخاطبات. ومنهم أبو الزهر ربيع بن محمد بن ربيع الأشعري، وأبو عبد الله محمد بن يحيى أخوه. ومنهم أبو الفضل عياض بن محمد بن عياض بن موسى، قرأ عليه ببلّش وأجاز له. ومنهم الأستاذ أبو جعفر بن الزبير، والأستاذ أبو الحسن التّجلي، وأبو محمد بن سماك، وأبو جعفر بن الطّباع، وأبو جعفر بن يوسف الهاشمي الطّنجلي «2» ، والأستاذ النحوي أبو الحسن بن الصّائغ، والكاتب الأديب أبو علي بن رشيق التّغلبي، والرّاوية أبو الحسن بن مستقور الطائي، والإمام أبو الحسن بن أبي الربيع، والأستاذ أبو إسحاق الغافقي الميربي، والإمام العارف أبو محمد عبد العظيم بن الشيخ البلوي، بما كان من إجازته العامّة لكل من أدرك عام أحد وأربعين وستمائة، وغير هؤلاء ممّن يشقّ إحصاؤهم. تصانيفه: كثيرة، منها المسمّاة ب «المقام المخزون في الكلام الموزون» ؛ والقصيدة المسمّاة ب «المشرف الأصفى في المأرب الأوفى» وكلاهما ينيف على الألف بيت؛ و «نظم السّلوك في شيم الملوك» ، و «المجتنى النّضير والمقتنى الخطير» ، و «العبارة الوجيزة عن الإشارة» ، و «اللطائف الرّوحانية والعوارف الربّانية» . ومن تواليفه: «أسّ مبنى العلم، وأسّ معنى الحلم» في مقدمة علم الكلام، و «لذّات السمع من القراءات السّبع» نظما، و «رصف نفائس اللآلي، ووصف عرائس المعالي» في النحو، و «قاعدة البيان وضابطة اللسان» في العربية، و «لهجة اللّافظ وبهجة الحافظ» ، والأرجوزة المسمّاة ب «قرّة عين السائل وبغية نفس الآمل» في اختصار السيرة النبوية، و «الوصايا النظامية في القوافي الثلاثية» ، وكتاب «عدّة الداعي، وعمدة الواعي» ، وكتاب «عوارف الكرم، وصلات الإحسان، فيما حواه العين من لطائف الحكم وخلق الإنسان» ، وكتاب «جوامع الأشراف والعنايات، في الصّوادع والآيات» ، و «النّفحة الوسيمة، والمنحة الجسمية «3» » ، تشتمل على أربع قواعد اعتقاديّة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 146 وأصوليّة وفروعيّة وتحقيقيّة، وكتاب «شروف المفارق في اختصار كتاب المشارق» ، و «تلخيص الدّلالة في تخليص الرسالة» ، و «شذور الذّهب في صروم الخطب» ، و «فائدة الملتقط وعائدة المغتبط» ، وكتاب «عدّة المحقّ وتحفة المستحقّ» . نثره: من ذلك خطبة ألغيت الألف من حروفها، على كثرة تردّدها في الكلام وتصرّفها، وهي: «حمدت ربي جلّ من كريم محمود، وشكرته عزّ من عظيم موجود، ونزّهته عن جهل كل ملحد كفور، وقدّسته عن قول كل مفسد غرور، كبير لو تقدم، في فهم نجد، قدير لو تصوّر في رسم لحد، لو عدته فكرة التصوّر لتصوّر، ولو حدته فكرة لتعذّر، ولو فهمت له كيفية لبطل قدمه، ولو علمت له كيفية لحصل عدمه، ولو حصره طرف لقطع بتجسّمه، ولو قهره وصف لصدع بتقسّمه، ولو فرض له شبح لرهقه كيف، ولو عرض له للحق عجل وريث. عظيم من غير تركّب قطر، عليم من غير ترتّب فكر، موجود من غير شيء يمسكه، معبود من غير وهم يدركه، كريم من غير عوض يلحقه، حكيم من غير عرض يلحقه، قوي من غير سبب يجمعه، عليّ من غير سبب يرفعه، لو وجد له جنس لعورض في قيموميته، ولو ثبت له حسّ لنوزع في ديموميّته» . ومنها: «تقدّس عن لمّ فعله، وتنزّه عن سمّ فضله، وجلّ عن ثمّ قدرته، وعزّ عن عمّ عزّته، وعظمت عن من صفته، وكثرت عن كم منّته؛ فتق ورتق، صوّر وحلق، وقطع ووصل، ونصر وخذل، حمدته حمد من عرف ربّه، ورهب ذنبه، وصفت حقيقة يقينه قلبه، وذكرت بصيرة دينه لبّه، قنهض لوعي بشروط نفضته وحدّ، وربط سلك سلوكه وشدّ، وهدم صرح عتوّه وهدّ، وحرس معقل عقله وحدّ، طرد غرور غرّته ورذله؛ علم علم تحقيق فنحا نحوه، وتفرّد له عزّ وجلّ بثبوت ربوبيّته وقدمه، ونعتقد صدور كلّ جوهر وعرض عن جوده وكرمه، ونشهد بتبليغ محمد صلّى ربّه عليه وسلّم، رسوله وخير خلقه، ونعلن بنهوضه في تبيين فرضه، وتبليغ شرعه، ضرب قبّة شرعه، فنسخت كلّ شرع، وجدّد عزيمته فقمع عدوّه خير قمع، قوّم كل مقوّم بقويم سمته، وكريم هديه، وبيّن لقومه كيف يركنون فوره بقصده، وسديد سعيه، بشّر مطيعه، فظفر برحمته؛ وحذّر عاصيه فشقي بنقمته. «وبعد، فقد نصحتم لو كنتم تعقلون، وهديتم لو كنتم تعلمون، وبصّرتم لو كنتم تبصرون، وذكّرتم لو كنتم تذكرون. وظهرت لكم حقيقة نشركم وبرزت الجزء: 1 ¦ الصفحة: 147 لكم خبيئة حشركم، فلم تركضون في طلق غفلتكم، وتغفلون عن يوم بعثكم، وللموت عليكم سيف مسلول، وحكم عزم غير معلول، فكيف بكم يوم يؤخذ كلّ بذنبه؛ ويخبر بجميع كسبه؛ ويفرّق بينه وبين صحبه، ويعدم نصرة حزبه، ويشغل بهمّه وكربه، عن صديقه وتربه، وتنشر له رقعته وتعيّن له بقعته، فربح عبد نظر وهو في مهل لنفسه، وترسّل في رضى عمله جنّة لحلول رمسه، وكسر صنم شهوته ليقرّ في بحبوحة قدسه، وحصر بنظر ينزله سرير سروره بين عقله وجسمه» . ومنها: «فتنبّه ويحك من سنتك ونومك، وتفكّر فيمن هلك من صحبك وقومك، هتف بهم من تعلم، وشبّ عليهم منه حرق مظلم، فخرّبت بصيحته ربوعهم، وتفرّقت لهو له جموعهم، وذلّ عزيزهم، وخسىء رفيعهم، وصمّ سميعهم، فخرج كلّ منهم عن قصره، ورمي غير موسّد في قبره؛ فهم بين سعيد في روضته مقرّب، وبين شقيّ في حفرته معذّب، فنستوهب منه عزّ وجل عصمته من كل خطيئة، وخصوصيّة تقي من كل نفس جريئة» . كتب إلى شيخنا الوزير ابن ذي الوزارتين ابن الحكيم، جوابا عن مخاطبة كتبها إليه يلتمس منه وصايته ونصحه هذا الشعر: [السريع] جلّ اسم مولانا اللّطيف الخبير ... وعزّ في سلطانه عن نظير هو الذي أوجد ما فوقها ... وتحتها وهو العليم الخبير ثم صلاة الله تترى على ... ياقوتة الكون البشير النذير وصحبه الأولى نالوا مرأى ... يرجع منه الطّرف وهو الحسير وبعد فأنفسهم جوهر ... للأرواح منه ما للأثير فإنك استدعيت من ناصر ... نصحا طويلا وهو منه قصير ولست أهلا أن أرى ناصحا ... لقلّة الصدق وخبث الضمير وإنما يحسن نصح الورى ... من ليس للشّرع عليه نكير ومستحيل أن يقود امرءا ... يد امرئ واهي المباني ضرير وا عجبا يلتمس الخير من ... معتقل العقل مهيض كسير لكن إذا لم يكن بدّ فعن ... جهد أوفّيك بتبر يسير فالقنه إن كنت به قانعا ... درّا نظيما يزدري بالنثير لازم أبا بكر على منهج ... ذاك تفز منه بخير كثير واقنع بما يكفي ودع غيره ... فإنما الدنيا هباء نثير الجزء: 1 ¦ الصفحة: 148 بنيّ لا تخدعنّك هذي الدّنا ... فإنها والله شيء حقير أين المشيدات أما زلزلت؟ ... أين أخو الإيوان أين السدير؟ أين أنو شروان أضحى كأن ... لم يك أين المعتدي أزدشير هذا مقال من وعاه اهتدى ... وحيط من كل مخوف مبير وصّى أبو بكر به أحمدا ... وأحمد في الوقت شيخ كبير انقرضت أيامه وانتهى ... وهنا ومن قبل أتاه النّذير وها هو اليوم على عدّة ... مبرمه للشّرّ وما من عذير ومن شعره في طريقه الذي كان ينتحله «1» : شهود ذاتك شيء «2» عنك محجوب ... لو كنت تدركه لم يبق مطلوب علو وسفل ومن هذا وذاك معا ... دور على نقطة الإشراق «3» منصوب ومنزل النّفس منه ميم مركزه «4» ... إن صحّ للغرض الظّنّي «5» مرغوب وإن تناءت مساويها فمنزلها «6» ... أوج الكمال وتحت الروح تقليب والروح إن لم تخنه النّفس قام له «7» ... في حضرة الملك تخصيص وتقريب ومن شعره «8» : [الكامل] دعني على حكم الهوى أتضرّع ... فعسى يلين لنا الحبيب ويخشع إني وجدت أخا التضرّع فايزا ... بمراده ومن الدّعا ما يسمع أهلا «9» وما شيء بأنفع للفتى ... من أن يذلّ عسى التذلّل ينفع وامح «10» اسم نفسك طالبا إثباته ... واقنع بتفريق لعلّك تجمع واخضع فمن دأب «11» المحبّ خضوعه ... ولربما نال المنى من يخضع الجزء: 1 ¦ الصفحة: 149 ومن شعره «1» : [الكامل] ما لي بباب غير بابك موقف ... كلّا «2» ولا لي «3» عن فنائك مصرف هذا مقامي ما حييت فإن أمت ... فالذلّ مأوى للضراعة «4» مألف غرضي وأنت به عليم لمحة ... تذر «5» الشّتيت الشّمل وهو مؤلّف وعليك ليس على سواك معوّلي ... جاروا عليّ لأجل ذا أو أنصفوا ومن المقطوعات في التجنيس «6» : [الوافر] يقال خصال أهل العلم ألف ... ومن جمع الخصال الألف سادا ويجمعها الصّلاح فمن تعدّى ... مذاهبه فقد جمع الفسادا ومنه في المعنى «7» : [البسيط] إن شئت فوزا بمطلوب الكرام غدا ... فاسلك من العمل المرضيّ منهاجا واغلب هوى النّفس لا تغررك خادعة «8» ... فكلّ شيء يحطّ القدر منها جا «9» دخوله غرناطة: دخل غرناطة مرارا عدة تشذّ عن الحصر، أوجبتها الدّواعي بطول عمره، من طلب العلم وروايته، وحاجة عامّة، واستدعاء سلطان، وقدوم من سفارة. كان الناس ينسالون عليه ويغشون منزله، فيما أدركت، كلما تبوّأ ضيافة السلطان، تبرّكا به، وأخذا عنه. مولده: ولد ببلّش بلده في حدود تسع وأربعين وستمائة «10» . وفاته: توفي ببلّش سحر يوم الأربعاء السابع عشر من شوّال عام ثمانية وعشرين وسبعمائة. وممّن رثاه شيخنا، نسيج وحده، العالم الصالح الفاضل، أبو الحسن بن الجيّاب بقصيدة أولها: [الطويل] على مثله خضابة الدهر فاجع ... تفيض نفوس لا تفيض المدامع الجزء: 1 ¦ الصفحة: 150 ورثاه شيخنا القاضي أبو بكر بن شبرين «1» ، رحمه الله، بقصيدة أولها: [المتدارك] أيساعد رائده الأمل ... أم يسمع سائله الطّلل؟ يا صاح، فديتك، ما فعل «2» ... ذا من الأحباب وما فعلوا؟ فأجاب الدمع مناديه ... أمّا الأحباب فقد رحلوا ورثاه من هذه البلدة طائفة، منهم الشيخ الأديب أبو محمد بن المرابع الآتي اسمه في العيادة له، بحول الله، بقصيدة أولها: [الكامل] أدعوك ذا جزع لو أنّك سامع ... ماذا أقول ودمع عيني هامع وأنشد خامس يوم دفنه قصيدة أولها: [الخفيف] عبرات «3» تفيض حزنا وثكلا ... وشجون تعمّ بعضا وكلّا ليس إلّا صبابة أضرمتها ... حسرة تبعث الأسى ليس إلّا وهي حسنة طويلة. إبراهيم بن محمد بن مفرّج بن همشك «4» المتأمّر، رومي «5» الأصل. أوّليّته: مفرج أو همشك، من أجداده، نصراني، أسلم على يدي أحد ملوك بني هود بسرقسطة؛ نزح إليهم، وكان مقطوع إحدى الأذنين، فكان النصارى إذا رأوه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 151 في القتال عرفوه، وقالوا: هامشك، معناه ترى المقطوع الأذن، إذ «ها» عندهم قريب مما هي في اللغة العربية، و «المشك» المقطوع الأذنين في لغتهم «1» . نباهته وظهوره: ولمّا خرج بنو هود عن سرقسطة، نشأ تحت خمول، إلّا أنه شهم متحرّك، خدم بعض الموحّدين في الصّيد، وتوسّل بدلالة الأرض؛ ثم نزع إلى ملك قشتالة واستقرّ مع النصارى؛ ثم انصرف إلى بقيّة اللّمتونيين «2» بالأندلس بعد شفاعة وإظهار توبة. ولمّا ولّي يحيى بن غانية قرطبة، ارتسم لديه برسمه. ثم كانت الفتنة عام تسعة وثلاثين وثار ابن حمدين بقرطبة، وتسمّى بأمير المؤمنين، فبعثه رسولا ثقة بكفايته ودربته وعجمة لسانه؛ لمحاولة الصلح بينه وبين ابن حمدين، فأغنى ونبه قدره؛ ثم غلي مرجل الفتنة وكثر الثوّار بالأندلس، فاتصل بالأمير ابن عياض بالشرق وغيره، إلى أن تمكّن له الامتزاز «3» بحصن شقوبش، ثم تغلّب على مدينة شقورة «4» وتملّكها وهي ما هي من النّعمة، فغلظ أمره، وساوى محمد بن مردنيش «5» أمير الشرق وداخله، حتى عقد معه صهرا على ابنته، فاتصلت له الرياسة والإمارة. وكان يعدّ سيفا لصهره المذكور، مسلّطا على من عصاه، فقاد الجيوش، وافتتح البلاد إلى أن فسد ما بينهما، فتفاتنا وتقاطعا، وانحاز بما لديه من البلاد والمعاقل، وعدّ من ثوّار الأندلس أولي الشوكة الحادّة، والبأس الشديد، والشّبا المرهوب. وآثاره بعد انقباض دولته تشهد بما تأثّل من ملك وسلف من الدولة؛ والدّار الآخرة خير لمن اتّقى. قال ابن صفوان: [الخفيف] وديار شكوى الزمان فتشك ... حدّثتنا عن عزّة ابن همشك حاله: قال محمد بن أيوب بن غالب، المدعو بابن حمامة: أبو إسحاق الرئيس، شجاع بهمة «6» من البهم. كان رئيسا شجاعا مقداما شديد الحزم، سديد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 152 الرأي، عارفا بتدبير الحرب، حميّ الأنف، عظيم السّطوة، مشهور الإقدام، مرتكبا للعظيمة. قال بعض من عرّف به من المؤرّخين: وهو وإن كان قائد فرسان، هو حليف فتنة وعدوان، ولم يصحب قطّ متشرّعا، ولا نشأ في أصحابه من كان متورّعا، سلّطه الله على الخلق وأملى له فأضرّ بمن جاوره من أهل البلاد، وحبّب إليه العيث في العباد. سيرته: كان جبّارا قاسيا، فظّا غليظا، شديد النّكال، عظيم الجرأة والعبث بالخلق؛ بلغ من عيثه فيهم إحراقهم بالنّار، وقذفهم من الشواهق والأبراج، وإخراج الأعصاب والرّباطات على ظهورهم، عن أوتار القسيّ بزعمه، وضمّ أغصان الشجر العادي بعضها إلى بعض، وربط الإنسان بينها، ثم تسريحها، حتى يذهب كل غصن بحظّه من الأعضاء؛ ورآه بعض الصالحين في النوم بعد موته، وسأله ما فعل الله بك فأنشده: [البسيط] من سرّه العيث في الدنيا بخلقة من ... يصوّر الخلق في الأرحام كيف يشا فليصبر اليوم صبري تحت بطشته ... مغلّلا يمتطي جمر الغضا فرشا شجاعته: زعموا أنه خرج من المواضع التي كانت لنصره متصيّدا، وفي صحبته محاولو اللهو وقارعو أوتار الغناء، في مائة من الفرسان، ونقاوة أصحابه؛ فما راعهم إلّا خيل العدو هاجمة على غرّة، في مائتي فارس ضعف عددهم؛ فقالوا: العدو في مائتي فارس، فقال: وإذا كنتم أنتم لمائة، وأنا لمائة، فنحن قدرهم؛ فعدّ نفسه بمائة. ثم استدعى قدحا من شرابه، وصرف وجهه إلى المغنّي؛ وقال: أعد لي تلك الأبيات، كان يغنّيه بها فتعجبه: [الخفيف] يتلقى النّدا بوجه حييّ ... وصدور القنا بوجه وقاح هكذا هكذا تكون المعالي ... طرق الجدّ غير طرق المزاح فغنّاه بها، واستقبل العدوّ، وحمل عليه بنفسه وأصحابه، حملة رجل واحد، فاستولت على العدو الهزيمة، وأتى على معظمهم القتل، ورجع غانما إلى بلده. ثم ضربت الأيام، وعاود التصيّد في موضعه ذلك، وأطلق بازه على حجلة، فأخذها، وذهب ليذكيها، فلم يحضره خنجر ذلك الغرض في الوقت، فبينما هو يلتمسه، إذ رأى نصلا من نصال المعترك من بقايا يوم الهزيمة، فأخذه من التراب، وذبح به الطائر، ونزل واستدعى الشراب؛ وأمر المغني فغنّاه بيتي أبي الطيب «1» : الجزء: 1 ¦ الصفحة: 153 [الطويل] تذكّرت ما بين العذيب وبارق ... مجرّ عوالينا ومجرى السّوابق وصحبة قوم يذبحون قنيصهم ... بفضلات «1» ما قد كسّروا في المفارق وقد رأيت من يروي هذه الحكاية عن أحد أمراء بني مردنيش، وعلى كل حال فهي من مستظرف الأخبار. دخوله غرناطة: قالوا، وفي سنة ست وخمسين وخمسمائة «2» ، في جمادى الأولى منها، قصد إبراهيم بن همشك بجمعه مدينة غرناطة، وداخل طائفة من ناسها، وقد تشاغل الموحّدون بما دهمهم من اختلاف الكلمة عليهم بالمغرب، وتوجّه الوالي بغرناطة السيد أبي سعيد إلى العدوة، فاقتحمها ليلا واعتصم الموحّدون بقصبتها؛ فأجاز بهم بأنواع الحرب، ونصب عليهم المجانيق، ورمى فيها من ظفر به منهم وقتلهم بأنواع من القتل. وعندما اتصل الخبر بالسيد أبي سعيد، بادر إليها فأجاز البحر، والتفّ به السيد أبو محمد بن أبي حفص بجميع جيوش الموحّدين والأندلس؛ ووصل الجميع إلى ظاهر غرناطة، وأصحر إليهم ابن همشك، وبرز منها، فالتقى الفريقان بمرج الرّقاد «3» من خارجها، ودارت الحرب بينهم، فانهزم جيش الموحّدين، واعترضت الفلّ تخوم الفدادين «4» وجداول المياه التي تتخلّل المرج «5» ، فاستولى عليهم القتل، وقتل في الوقيعة السيد أبو محمد؛ ولحق السيد أبو سعيد بمالقة؛ وعاد ابن همشك إلى غرناطة فدخلها بجملة من أسرى القوم، أفحش فيهم المثلة، بمرأى من إخوانهم المحصورين؛ واتصل الخبر بالخليفة بمراكش، وهو بمقربة سلا، قد فرغ من أمر عدوّه، فجهّز جيشا، أصحبه السيد أبا يعقوب ولده، والشيخ أبا يوسف بن سليمان زعيم وقته، وداهية زمانه؛ فأجازوا البحر، والتقوا بالسيد أبي سعيد بمالقة، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 154 وتتابع الجمع، والتفّ بهم من أهل الجهاد من المطوعة، واتصل منهم السير إلى قرية دلر «1» من قرى غرناطة؛ وكان من استمرار الهزيمة على ابن همشك الذي أمدّه بنفسه وجيشه، من نصارى وغيرهم، ما يأتي ذكره عند اسم ابن مردنيش في الموحدين، في حرف الميم، بحول الله تعالى. انخلاعه للموحدين عمّا بيده وجوازه للعدوة، ووفاته بها: قالوا «2» : ولمّا فسد ما بينه وبين ابن مردنيش بسبب بنته التي كانت تحت الأمير أبي محمد بن سعد بن مردنيش إلى أن طلّقها، وانصرفت إلى أبيها، وأسلمت إليه ابنها منه، مختارة كنف أبيها إبراهيم، نازعة في انصرامه إلى عروقها؛ فلقد حكي أنها سئلت عن ولدها، وإمكان صبرها عنه، فقالت: جرو كلب، جرو سوء، من كلب سوء، لا حاجة لي به؛ فأرسلت كلمتها في نساء الأندلس مثلا؛ فاشتدّت بينهما الوحشة والفتنة، وعظمت المحنة، وهلك بينهما من الرعايا الممرورين، المضطّرين، بقنّينة «3» الثوّار ممّن شاء الله بهلاكه، إلى أن كان أقوى الأسباب في تدمير ملكه. ولمّا صرف ابن سعد عزمه إلى بلاده، وتغلّب على كثير منها، خدم ابن همشك الموحّدين ولاذ بهم واستجارهم؛ فأجاز البحر، فقدم على الخليفة عام خمسة وستين وخمسمائة، وأقرّه بمواضعه؛ إلى أوائل عام أحد وسبعين، فطولب بالانصراف إلى العدوة بأهله وولده، وأسكن مكناسة وأقطع بها سآما «4» لها خطر، واتّصلت تحت عنايته إلى أن هلك. وفاته: قالوا: واستمرّ مقام ابن همشك بمكناسة غير كبير، وابتلاه الله بفالج غريب الأعراض، شديد سوء المزاج، إلى أن هلك؛ فكان يدخل الحمّام الحارّ، فيشكو حرّه بأعلى صراخه، فيخرج، فيشكو البرد كذلك، إلى أن مضى سبيله «5» . إبراهيم بن أمير المسلمين أبي الحسن بن أمير المسلمين أبي سعيد عثمان بن أمير المسلمين أبي يوسف يعقوب ابن عبد الحق ّ يكنى أبا سالم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 155 أوّليّته: الشمس تخبر عن حلي وعن حلل. فهو البيت الشهير، والجلال الخطير، والملك الكبير، والفلك الأثير، ملاك المسلمين، وحماة الدين، وأمراء المغرب الأقصى من بني مرين، غيوث المواهب؛ وليوث العرين، ومعتمد الصّريخ، وسهام الكافرين. أبوه السلطان أبو الحسن، الملك الكبير، البعيد شأو الصّيت والهمّة والعزيمة، والتحلّي بحليّ السّنّة، والإقامة لرسوم الملك، والاضطلاع بالهمّة، والصبر عند الشدّة. وأخوه أمير المسلمين فذلكة الحسب، وثير النّصبة، وبدرة المعدن، وبيت القصيد، أبو عنان، فارس، الملك الكبير، العالم المتبحّر، العامل النظّار، الجواد، الشجاع، القسور، الفصيح، مدد السعادة، الذي خرق الله به سياج العادة، فما عسى أن يطلب اللسان، وأين تقع العبارة، وماذا يحصر الوصف. عين هذا المجد فوّاره، وحسب هذا الحسب اشتهاره، قولا بالحق، وبعدا عن الإطراء، ونشرا للواء النّصفة، حفظ الله على الإسلام ظلّهم، وزيّن ببدور الدين والدنيا هالتهم، وأبقى الكلمة فيمن اختاره منهم. حاله: كان شابّا كما تطلّع وجهه، حسن الهيئة، ظاهر الحياء والوقار، قليل الكلام، صليفة عن اللفظ، آدم اللون «1» ، ظاهر السكون والحيريّة والحشمة، فاضلا متخلّقا. قدّمه أبوه، أمير الرتبة، موفّي الألقاب، بوطن سجلماسة، وهي عمالة ملكهم، فاستحقّ الرتبة في هذا الباب بمزيد هذه الرتبة المشترط لأول تأليفه. ولمّا قبضه الله إليه، واختار له ما عنده، أحوج ما كانت الحال إلى من ينظم الشّت، ويجمع الكلمة، ويصون الدّما سبحانه أحوج ما كانت الدنيا إليه، وصيّر إلى وارثه طواعية وقسرا ومستحقّا وغلابا، وسلما، وذاتا وكسبا، السلطان أخيه، تحصل هو وأخ له اسمه محمد، وكنيته أبو الفضل، يأتي التعريف بحاله في مكانه إن شاء الله، فأبقى، وأغضى، واجتنب الهوى، وأجاب داعي البرّ والشفقة والتقوى، فصرفهما إلى الأندلس؛ باشرت إركابها البحر بمدينة سلا ثاني اليوم الذي انصرفت من بابه، وصدرت عن بحر جوده، وأفضت بإمامة عنايته، مصحبا بما يعرض لسان الثّناء من صنوف كرامته، في غرض السّفارة عن السلطان بالأندلس، تغمّده الله برحمته، ونزل مربلّة من بلاد الأندلس المصروفة إلى نظره، واصلا السير إلى غرناطة. دخوله غرناطة: قدم هو وأخوه عليها، يوم عشرين من جمادى الأولى، من عام اثنين وخمسين وسبعمائة. وبرز السلطان إلى لقائهما، إبلاغا في التّجلّة، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 156 وانحطاطا في ذمّة التّخلّق، فسعيا إليه مرتجلين، وفاوضهما، حتى قضيت الحقوق، واستفرجت تفقّده وجرايته، وحلّا بأحظى الأمكنة، واحتفيا في سرير مجلسه مقسوم بينهما الحظّ، من هشّته ولحظته. فأما محمد، فسوّلت له نفسه الأطماع، واستفزّته الأهواء، أمرا كان قاطع أجله، وسعد أخيه، اختاره الله من دونه. وأمّا إبراهيم المترجم به، فجنح إلى أهل العافية، بعد أن ناله اعتقال، بسبب إرضاء أخيه أمير المسلمين فارس، في الأخريات لشهر ذي حجة من عام تسعة وخمسين وسبعمائة، وتقديم ولده الصبيّ، المكنى بأبي بكر، المسمّى بسعيد؛ لنظر وزيره في الحزم والكفاية، حرّكه الاستدعاء، وأقلقته الأطماع وهبّ به السائل، وعرّض بغرضه إلى صاحب الأمر بالأندلس، ورفق عن صبوحه، فشكا إلى غير مصمت، فخرج من الحضرة ليلا من بعض مجاري المياه، راكبا للخطر، في أخريات جمادى الأولى من العام بالحضرة المكتبة الجوار، من ثغور العدو، ولحق بملك قشتالة، وهو يومئذ بإشبيلية، قد شرع في تجرية إلى عدوّه من برجلونة، فطرح عليه نفسه، وعرض عليه مخاطبات استدعائه، ودسّ له المطامع المرتبطة بحصول غايته، فقبل سعايته، وجهّز له جفنا من أساطيله، أركب فيه، في طائفة تحريكه، وطعن بحر المغرب إلى ساحل أزمور «1» ، وأقام به منتظرا إلى إنجاز المواعد، ممّن بمرّاكش، فألفى الناس قد حطبوا في حبل منصور بن سليمان، وبايعوه بجملتهم، فأخفق مسعاه، وأخلف ظنّه، وقد أخذ منصور بمخنّق البلد الجديد دار ملك فاس، واستوثق له الأمر، فانصرف الجفن أدراجه. ولمّا حاذى لبلاد غمارة من أحواز أصيلا «2» . تنادى «3» به قوم منهم، وانحدروا إليه، ووعدوه الوفاء له، فنزل إليهم، واحتملوه فوق أكتادهم، وأحدقوا به في سفح جبلهم، وتنافسوا في الذّبّ عنه، ثم كبسوا أصيلا فملكوها، وضيّق بطنجة، فدخلت في أمره، واقتدت بها سبتة وجبل الفتح، واتصل به بعض الخاصّة، وخاطبه الوزير المحصور، وتخاذل أشياع منصور، فخذلوه، وفرّوا عنه جهارا بغير علّة، وانصرفت الوجوه إلى السلطان أبي سالم، فأخذ بيعاتهم عفوا، ودخل البلد المحصور، وقد تردّد بينه وبين الوزير المحصور مخاطبات في ردّ الدعوة إليه، فدخل البلد يوم الخميس خامس عشر «4» شعبان من عام التاريخ، واستقرّ وجدّد الله عليه أمره، وأعاد ملكه، وصرف عليه حقّه؛ وبلي هذا الأمير من سير الناس إلى تجديد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 157 عهد أبيه، وطاعتهم إلى أمره، وجنوحهم إلى طاعته، وتمنّي مدّته، حال غريبة صارت عن كثب إلى أضدادها، فصرف ولده إلى اجتثاث شجرة أبيه، فالتقط من الصّبية بين مراهق ومحتلم ومستجمع، طائفة تناهز العشرين، غلمانا ردنة، قتلوا إغراقا من غير شفعة توجب إباحة قطرة من دمائهم، ورأى أن قد خلا له الجوّ، فتواكل، وآثر الحجبة، وأشرك الأيدي في ملكه، فاستبيحت أموال الرعايا، وضاقت الجبايات، وكثرت الظلامات، وأخذ الناس حرمان العطاء، وانفتحت أبواب الإرجاف، وحدّت أبواب القواطع، إلى أن كان من أمره ما هو معروف. وفي أول من شهر رجب عام واحد وستين وسبعمائة، تحرّك الحركة العظمى إلى تلمسان، وقد استدعى الجهات، وبعض البلاد، ونهد في جيوش تجرّ الشوك والحجر، ففرّ سلطانها أمام عزمه، وطار الذّعر بين يدي الضّلالة، وكنّا قد استغثنا القرار في إيالته، وانتهى بنا الإزعاج إلى ساحل سلا من ساحل مملكته فخاطبته وأنا يومئذ مقيم بتربة أبيه، متذمّم بها، في سبيل استخلاص أملاكي بالأندلس، في غرض التهنئة والتوسّل: «مولاي، فتّاح الأقطار والأمصار، فائدة الزمان والأعصار، أثير هبات الله الآمنة من الاعتصار، قدوة أولي الأيدي والأبصار» . وفاته: وفي ليلة العشرين من شهر ذي قعدة من عام اثنين وستين وسبعمائة، ثار عليه بدار الملك، وبلد الإمارة المعروف بالبلد الجديد، من مدينة فاس، الغادر مخلفه عليها عمر بن عبد الله بن علي، نسمة السوء، وجملة الشؤم، المثل البعيد في الجرأة على قدر، اهتبل «1» غرّة انتقاله إلى القصر السلطاني بالبلد القديم، محتولا إليه، حذرا من قاطع فلكيّ الجدر منه استعجله ضعف نفسه، وأعانه على فرض صحته به، وسدّ الباب في وجهه، ودعا الناس إلى بيعة أخيه المعتوه، وأصبح حائرا بنفسه، يروم استرجاع أمر ذهب من يده، ويطوف بالبلد، يلتمس وجها إلى نجاح حيلته، فأعياه ذلك، ورشقت من معه السهام، وفرّت عنه الأجناد والوجوه، وأسلمه الدهر، وتبرّأ منه الجدّ. وعندما جنّ عليه الليل، فرّ على وجهه، وقد التفت عليه الوزراء، وقد سفّهت أحلامهم، وفالت آراؤهم، ولو قصدوا به بعض الجبال المنيعة، لولّوا وجوههم شطر مظنّة الخلاص، واتّصفوا بعذار الإقلاع، لكنهم نكلوا عنه، ورجعوا أدراجهم، وتسلّلوا راجعين إلى برّ غادر الجملة، وقد سلبهم الله لباس الحياء والرّجلة، وتأذّن الله لهم بسوء العاقبة، وقصد بعض بيوت البادية، وقد فضحه نهار الجزء: 1 ¦ الصفحة: 158 الغداة، واقتفى البعث أثره، حتى وقعوا عليه، وسيق إلى مصرعه، وقتل بظاهر البلد، ثاني اليوم الذي كان غدر فيه، جعلها الله له شهادة ونفعه بها، فلقد كان بقيّة البيت، وآخر القوم، دماثة وحياء، وبعدا عن الشرّ، وركونا للعافية. وأنشدت على قبره الذي ووريت به جثّته بالقلعة من ظاهر المدينة، قصيدة أدّيت فيها بعض حقّه: [الوافر] بني الدنيا، بني لمع السّراب، ... لدوا للموت وابنوا للخراب إبراهيم بن يحيى بن عبد الواحد بن أبي حفص عمر ابن يحيى الهنتاني، أبو إسحاق أمير المؤمنين بتونس، وبلاد إفريقية، ابن الأمير أبي زكريا، أمير إفريقية، وأصل الملوك المتأثّلين العزّ بها، والفرع الذي دوّح بها، من فروع الموحّدين بالمغرب، واستجلابه بها أبا محمد عبد المؤمن بن علي، أبا الملوك من قومه، وتغلّب ذريته على المغرب وإفريقية والأندلس معروف كله، يفتقر بسطه إلى إطالة كثيرة، تخرج عن الغرض. وكان جدّ هؤلاء الملوك من أصحاب المهدي، في العشرة الذين هبّوا لبيعته، وصحبوه في غربته، أبو حفص، عمر بن يحيى، ولم يزل هو وولده من بعده، مرفوع القدر، معروف الحق. ولمّا صار الأمر للناصر «1» أبي عبد الله بن المنصور أبي يوسف يعقوب بن عبد المؤمن بن علي، صرف وجهه إلى إفريقية، ونزل بالمهديّة، وتلوّك إليه ابن غانية «2» فيمن لفّه من العرب والأوباش، في جيش يسوق الشجر والمدر، فجهّز إلى لقائه عسكرا لنظر الشيخ أبي محمد عبد الواحد بن أبي حفص «3» ، جدّهم الأقرب، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 159 فخرج من ظاهر المهدية في أهبة ضخمة، وتعبئة محكمة، والتقى الجمعان، فكانت على ابن غانية، الدائرة، ونصر الشيخ محمد نصرا لا كفاء له، وفي ذلك يقول أحمد بن خالد من شعر عندهم: [الطويل] فتوح بها شدّت عرى الملك والدّين ... تراقب منّا منكم غير ممنون وفتحت المهدية على هيئة ذلك الفتح، وانصرف الناصر إلى تونس، ثم تفقّد البلاد، وأحكم ثقافها «1» ، وشرع في الإياب إلى المغرب، وترجّح عنده تقديم أبي محمد بن أبي حفص المصنوع له بإفريقية، على ملكها، مستظهرا منه بمضاء وسابقة وحزم؛ بسط يده في الأموال، وجعل إليه النظر في جميع الأمور، سنة ثلاث وستمائة. ثم كان اللقاء بينه وبين ابن غانية في سنة ست بعدها؛ فهزم ابن غانية، واستولى على محلّته؛ فاتصل سعده، وتوالى ظهره، إلى أن هلك مشايعا لقومه من بني عبد المؤمن، مظاهرا بدعوتهم عام تسعة وعشرين وستمائة «2» . وولي أمره بعده، كبير ولده، عبد الله، على عهد المستنصر بالله بن الناصر من ملوكهم؛ وقد كان الشيخ أبو محمد زوحم، عند اختلال الدولة، بالسيد أبي العلاء الكبير، عمّ أبي المستنصر على أن يكون له اسم الإمارة بقصبة تونس، والشيخ أبو محمد على ما لسائر نظره؛ فبقي ولده عبد الله على ذلك بعد، إلى أن كان ما هو أيضا معروف من تصيّر الأمر إلى المأمون أبي العلاء إدريس، ووقعه السيف في وجوه الدولة بمراكش، وأخذه بثرّة «3» أخيه وعمّه منهم. وثار أهل الأندلس على السيد أبي الربيع بعده بإشبيلية وجعجعوا بهم، وأخذوا في التشريد بهم، وتبديد دعوتهم؛ واضطربت الأمور، وكثر الخلاف، ولحق الأمير أبو زكريا بأخيه بإفريقية، وعرض عليه الاستبداد، فأنف من ذلك، وأنكره عليه إنكارا شديدا، خاف منه على نفسه؛ فلحق بقابس فارّا، واستجمع بها مع شيخها مكّي، وسلف شيوخها اليوم من بني مكي؛ فمهّد له، وتلقّاه بالرحب، وخاطب له الموحدين سرّا، فوعدوه بذلك، عند خروج عبد الله من تونس إلى الحركة، من جهة القيروان. فلمّا تحرّك نحوا عليه، وطلبوا منه المال، وتلكّأ، فاستدعوا أخاه الأمير أبا زكريا، فلم يرعه وهو قاعد في خبائه آمن في سربه، إلّا ثورة الجند به، والقبض عليه، ثم طردوه إلى مرّاكش؛ وقعد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 160 أخوه الأمير أبو زكريا مقعده، وأخذ بيعة الجند والخاصّة لنفسه، مستبدّا بأمره، ورحل إلى تونس، فأخذ بيعة العامّة، وقتل السّيد الذي كان بقصبتها؛ وقبض أهل بجاية حين بلغهم الخبر على واليها السّيد أبي عمران، فقتلوه تغريقا؛ وانتظمت الدولة، وتأثّل الأمر. وكان حازما داهية مشاركا في الطّلب، أديبا راجح العقل، أصيل الرأي، حسن السياسة، مصنوعا له، موفقا في تدبيره؛ جبى الأموال، واقتنى العدد، واصطنع الرجال، واستكثر من الجيش، وهزم العرب، وافتتح البلاد، وعظمت الأمنة بينه وبين الخليفة بمراكش الملقّب بالسّعيد. وعزم كلّ منهما على ملاقاة صاحبه، فأبى القدر ذلك؛ فكان من مهلك السعيد بظاهر تلمسان ما هو معروف. واتصل بأبي زكريا هلك ولده وليّ العهد أبي يحيى ببجاية، فعظم عليه حزنه وأفرط جزعه، واشتهر من رثائه فيه قوله: [الطويل] ألا جازع يبكي لفقد حبيبه ... فإني لعمري قد أضرّ بي الثّكل لقد كان لي مال وأهل فقدتهم ... فهأنا لا مال لديّ «1» ولا أهل سأبكي وأرثي حسرة لفراقهم ... بكاء قريح لا يملّ ولا يسلو «2» فلهفي ليوم فرّق الدهر بيننا ... ألا فرج يرجى فينتظم الشّمل؟ وإني لأرضى بالقضاء وحكمه ... وأعلم ربّي أنه حاكم عدل نسبه ابن عذاري المراكشي في البيان المغرب «3» . واعتلّ بطريقه فمات ببلد العنّاب لانقضاء أربعة من مهلك السعيد؛ وكان موت السعيد؛ يوم الثلاثاء، منسلخ صفر سنة ست وأربعين وستمائة. وبويع ولده الأمير أبو عبد الله بتونس وسنّه إحدى وعشرين سنة، فوجد ملكا مؤسّسا، وجندا مجنّدا، وسلطانا قاهرا ومالا وافرا؛ فبلغ الغاية في الجبروت والتّيه والنّخوة والصّلف، وتسمّى بأمير المؤمنين، وتلقّب بالمستنصر بالله؛ ونقم عليه أرباب دولته أمورا أوجبت مداخلة عمّه أبي عبد الله بن عبد الواحد، المعروف باللّحياني. ومبايعته سرّا بداره، وانتهى الخبر للمستنصر، فعاجل الأمر قبل انتشاره برأي الحزمة من خاصّته، كابن أبي الحسين، وأبي جميل بن أبي الحملات بن مردنيش، وظافر الكبير، وقصدوا دار عمّه فكبسوها، فقتلوا من كان بها، وعدّتهم تناهز خمسين، منهم عمّه، فسكن الإرجاف، وسلم المنازع، وأعطت الجزء: 1 ¦ الصفحة: 161 مقادها، واستمرّت أيّامه. وأخباره في الجود والجرأة والتّعاظم على ملوك زمانه، مشهورة. وكانت وفاته سنة أربع وسبعين وستمائة وولي أمره بعده ابنه الملقّب بالواثق بالله، وكان مضعوفا، ولم تطل مدته. عاد الحديث، وكان عمّه المترجم، لمّا اتصل به مهلك أخيه المستنصر، قد أجاز البحر من الأندلس، ولحق بتلمسان، وداخل كثيرا من الموحّدين بها، كأبي هلال، فهيّأ له أبو هلال تملّك بجاية، ثم تحرّك إلى تونس، فتغلّب عليها، فقتل الواثق وطائفة من إخوته وبنيه، منهم صبيّ يسمّى الفضل، وكان أنهضهم، واستبدّ بالأمر، وتمّت بيعته بإفريقية، وكان من الأمر ما يذكر. حاله: كان أيّدا «1» ، جميلا وسيما، ربعة بادنا، آدم اللون، شجاعا بهمة، عجلا غير مراخ، ولا حازم، منحطّا في هوى نفسه، منقادا للذّته، بريئا من التشمّت في جميع أمره. وولي الخلافة في حال كبره، ووخطه الشيب، وآثر اللهو، حتى زعموا أنه فقد فوجد في مزرعة باقلا مزهرة ألفي فيها بعد جهد، نائما بينها، نشوان يتناثر عليه سقطها؛ واحتجب عن مباشرة سلطانه؛ فزعموا أن خالصته «2» أبا الحسن بن سهل، داخل الناس بولده أبي فارس في خلعه، والقيام مكانه، وبلغه ذلك، فاستعدّ وتأهّب، واستركب الجند، ودعا ولده، فأحضره ينتظر الموت من يمينه وشماله، وأمر للحين فقتل وطرح بأزقّة المدينة، وعجّل بإزعاج ولده إلى بجاية، وعاد إلى حاله. دخوله غرناطة: قالوا: ولمّا أوقع الأمير المستنصر بعمّه أبي عبد الله، كان أخوه أبو إسحاق، ممّن فرّ بنفسه إلى الأندلس؛ ولجأ إلى أميرها أبي عبد الله بن الغالب بالله أبي عبد الله بن نصر، ثاني ملوكهم «3» فنوّه به، وأكرم نزله، وبوّأه بحال عنايته، وجعل دار ضيافته لأول نزوله القصر المنسوب إلى السّيد «4» خارج حضرته، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 162 وهو آثر قصوره لديه، وحضر غزوات أغزاها ببلاد الروم، فظهر منه في نكاية العدو وصدامه سهولة وغناء. ولمّا اتصل به موت أخيه تعجّل الانصراف، ولحق بتلمسان، وداخل منها كبيرا من الموحّدين، يعرف بأبي هلال بباجة كما تقدم، فملّكه أبو هلال منها بجاية، ثم صعد تونس فملكها، فاستولى على ملك ابن أخيه وما ثمّ من ذمّه، وارتكب الوزر الأعظم فيمن قتل معه، وكان من أمره ما يأتي ذكره إن شاء الله. إدبار أمره بهلاكه على يد الدّعيّ الذي قيّضه الله لهلاك حينه: قالوا: واتّهم بعد استيلائه على الأمر فتى من أخصّاء فتيان المستنصر؛ اسمه نصير، بمال وذخيرة؛ وتوجّه إليه طلبه، ونال منه. وانتهز الفتى فرصة لحق فيها بالمغرب واستقرّ بحلال المراعمة من عرب دبّاب، وشارع الفساد عليه، بجملة جهده، حريصا على إفساد أمره، وعثر لقضاء الله وقدره بدعيّ من أهل بجاية يعرف بابن أبي عمارة. حدّثني الشيخ المسنّ الحاج أبو عثمان اللّواتي من عدول المياسين، متأخر الحياة إلى هذا العهد؛ قال: خضت مع ابن أبي عمارة ببعض الدكاكين بتونس، وهو يتكهّن لنفسه ما آل إليه أمره، ويعدّ بعض ما جرى به القدر. وكان أشبه الخلق بأحد الصبية الذين ماتوا ذبحا، بالأمير أبي إسحاق، وهو الفضل، فلاحت لنصير وجه حيلته، فبكى حين رآه، وأخبره بشبهه بمولاه، ووعده الخلافة؛ فحرّك نفسا مهيّأة في عالم الغيب المحجوب إلى ما أبرزته المقادر، فوجده منقادا لهواه، فأخذ في تلقينه ألقاب الملك، وأسماء رجاله، وعوائده، وصفة قصوره، وأطلعه على إمارات جرت من المستنصر لأمراء العرب سرّا كان يعالجها نصير، وعرضه على العرب، بعد أن أظهر العويل، ولبس الحداد، وأركبه، وسار بين يديه حافيا، حزنا لما ألفاه عليه من المضيعة، وأسفا لما جرى عليه، فبايعته العرب النافرة، وأشادوا بذكره، وتقوّوا بما قرّره من إمارته؛ فعظم أمره، واتصل بأبي إسحاق نبأه فبرز إليه، بعد استدعاء ولده من بجاية، فالتقى الفريقان، وتمّت على الأمير أبي إسحاق الهزيمة، واستلحم الكثير ممّن كان معه؛ وهلك ولده، ولجأ أخوه الأمير أبو حفص لقلعة سنان، وفرّ هو لوجهه؛ حتى لحق ببجاية؛ وعاجله ابن أبي عمارة؛ فبعث جريدة من الجند لنظر أشياخ من الموحّدين، أغرت إليهم الإيقاع، فوصلت إلى بجاية، فظن من رآه من الفلّ المنهزم، فلم يعترضه معترض عن القصبة. وقبض على الأمير أبي إسحاق، فطوّقه الحمام، واحتزّ رأسه، وبعث إلى ابن أبي عمارة به، وقد دخل تونس، واستولى على ملكها، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 163 وأقام سنين ثلاثة، أو نحوها في نعماء لا كفاء له، واضطلع بالأمر، وعاث في بيوت أمواله، وأجرى العظائم على نسائه ورجاله إلى أن فشا أمره، واستقال الوطن من تمرّته فيه؛ وراجع أرباب الدولة بصائرهم في شأنه، ونهد إليه الأمير أبو حفص طالبا بثأر أخيه، فاستولى، ودحض عاره، واستأصل شأفته، ومثل به؛ والملك لله الذي لا تزن الدنيا جناح بعوضة عنده. وفي هذا قلت عند ذكر أبي حفص في الرجز المسمّى ب «نظم «1» الملوك» ، المشتمل على دول الإسلام أجمع، على اختلافها إلى عهدنا، فمنه في ذكر بني حفص: [الرجز] أوّلهم يحيى بن عبد الواحد ... وفضلهم ليس له من جاحد وهو الذي استبدّ بالأمور ... وحازها ببيعة الجمهور وعظمت في صقعه آثاره ... ونال ملكا عاليا مقداره ثم تولّى ابنه المستنصر ... وهو الذي علياه لا تنحصر أصاب ملكا رئيسا أوطانه ... وافق عزّا ساميا سلطانه ودولة أموالها مجموعه ... وطاعة أقوالها مسموعه فلم تخف من عقدها انتكاثا ... وعاث في أموالها عياثا هبّت بنصر عزّه الرياح ... وسقيت بسعده الرّماح حتى إذا أدركه شرك الرّدى ... وانتحب النّادي عليه والنّدى قام ابنه الواثق بالتّدبير ... ثم مضى في زمن يسير سطا عليه العمّ إبراهيم ... والملك في أربابه عقيم وعن قريب سلب الإماره ... عنه الدعيّ ابن أبي عماره عجيبة من لعب الليالي ... ما خطرت لعاقل ببال واخترم السيف أبا إسحاقا ... أبا هلال لقي المحاقا واضطربت على الدّعي الأحوال ... والحق لا يغلبه المحال ثم أبو حفص سما عن قرب ... وصيّر الدّعي رهين التّرب ورجع الحق إلى أهليه ... وبعده محمد يليه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 164 وهذه الأمور تستدعي الإطالة، مخلّة بالغرض، ومقصدي أن أستوفي ما أمكن من التواريخ التي لم يتضمنها ديوان، وأختصر ما ليس بقريب، والله وليّ الإعانة بمنّه. إبراهيم بن محمد بن أبي القاسم بن أحمد بن محمد ابن سهل بن مالك بن أحمد بن إبراهيم بن مالك الأزدي يكنى أبا إسحاق. أوّليّته: منزل جدّهم الداخل إلى الأندلس قرية شون «1» من عمل، أو قيل من إقليم إلبيرة. قال ابن البستي: بيتهم في الأزد، ومجدهم ما مثله مجد، حازوا الكمال، وانفردوا بالأصالة والجلال، مع عفّة وصيانة ووقار، وصلاح وديانة، نشأ على ذلك سلفهم، وتبعهم الآن خلفهم. وذكرهم مطرّف بن عيسى في تاريخه «2» ، في رجال الأندلس. وقال ابن مسعدة» : وقفت على عقد قديم لسلفي، فيه ذكر محمد بن إبراهيم بن مالك الأزدي، وقد حلّي فيه بالوزير الفقيه أبي أحمد بن الوزير الفقيه أبي عمرو إبراهيم. وتاريخ العقد سنة ثلاث وأربعمائة، فناهيك من رجال تحلّوا بالجلالة والطهارة منذ أزيد من أربعمائة سنة، ويوصفون في عقودهم بالفقه والوزارة منذ ثلاثمائة سنة، في وقت كان فيه هذا المنصب في تحلية الناس، ووصفهم، في نهاية من الضّبط والحرز، بحيث لا يتّهم فيه بالتّجاوز لأحد، لا سيما في العقود، فكانوا لا يصفون فيه الشخص إلّا بما هو الحقّ فيه والصدق، وما كان قصدي في هذا إلّا أن شرفهم غير واقف عليه، أو مستند في الظهور إليه، بل ذكرهم على قديم الزمان شهير وقدرهم خطير. قلت: ولمّا عقد لولدي عبد الله أسعده الله، على بنت الوزير أبي الحسن بن الوزير أبي الحسن القاسم بن الوزير أبي عبد الله بن الفقيه العالم الوزير، حزم فخارهم، ومجدّد آثارهم، أبي الحسن سهل بن مالك، خاطبت شيخنا أبا البركات بن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 165 الحاجّ، أعرض ذلك عليه، فكان من نصّ مراجعته: فسبحان الذي أرشدك لبيت السّتر والعافية والأصالة، وشحوب الأبرار، قاتلك الله ما أجلّ اختيارك. وخلف هذا البيت الآن على سنن سلفهم من التحلّي بالوزارة، والاقتياد من العظمة الزاكية، والاستناد القديم الكريم، واغتنام العمر بالنّسك، عناية من الله، اطّرد لهم قانونها، واتصلت عادتها، والله ذو الفضل العظيم. حاله: كان من أهل السرّ والخصوصيّة، والصّمت والوقار، ذا حظّ وافر من المعرفة بلسان العرب، ذكيّ الذّهن، متوقّد الخاطر، مليح النادرة، شنشنته معروفة فيهم. سار بسيرة أبيه، وأهل بيته، في الطهارة والعدالة، والعفاف والنّزاهة. وفاته «1» : .... إبراهيم بن فرج بن عبد البر الخولاني من أهل قرطبة، يكنى أبا إسحاق، ويعرف بابن حرّة. أوّليّته: من أهل البيوتات بالحضرة، ولي أبوه القهرمة لثاني «2» الملوك من بني نصر، فتأثّل مالا ونباهة. حاله: هذا الرجل من أعيان القطر، ووزراء الصّقع، وشيوخ الحضرة، أغنى هذه المدرة يدا، وأشغلهم بالعرض الأدنى نفسا، تحرّف بالتّجر المربوب في حجر الجاه، ونما ماله، تحاط به الجدات، وتنمو الأموال، ففار تنّورها، وفهق حوضها، كثير الخوض في التصاريف الوقتية، والأدوات الزمانية، وأثمان السلع، وعوارض الأسعار، متبجّح بما ظهرت به يده من علق مضنّة هرى المدينة، الذي ينفق على أسواقها، عند ارتفاع القيم، وتمييز الأسعار، وبلوغها الحدّ الذي يراه كفؤ حبّته، ومنتهى ثمن غلّته. غرق الفكر، يخاطب الحيطان والشّجر والأساطين، محاسبا إياها على معاملات وأغراض فنيّة، يري من التلبّس شيئا من المعارف والآداب والصنائع، وحجة من الحجج في الرّزق. تغلب عليه السّذاجة والصحّة، دمث، متخلّق، متنزّل، مختصر الملبس والمطعم، كثير التبذّل، يعظم الانتفاع به في باب التوسعة بالتسلّف الجزء: 1 ¦ الصفحة: 166 والمداينة، حسن الخلق، كثير التجمّل مبتلى بالموقب والطّانز «1» ، يسمع ذي القحة، ويصمّ على ذوي المسألة. ظهوره وحظوته: لبس الحظوة شملة، لم يفارق طوقها رقبته، إذ كان صهرا للمتغلب على الدولة أبي عبد الله بن المحروق «2» ، صار بسهم في جذور خطته، وألقى في مرقة حظوته، مشتملا على حاله، بعباءة جاهه. ثم صاهر المصيّر الأمر إليه بعده القائد الحاجب أبا النعيم رضوان، مولى الدولة النصرية، وهلمّ جرّا، بعد أن استعمل في السّفارة إلى العدوة وقشتالة، في أغراض تليق بمبعثه، مما يوجب فيه المياسير والوجوه، مشرّفين معزّزين بمن يقوم بوظيفة المخاطبة والجواب، والردّ والقبول. وولّي وزارة السلطان، لأول ملكه في طريق من ظاهر جبل الفتح إلى حضرته، وأياما يسيرة من أيام اختلاله، إلى أن رغب الخاصّة من الأندلسيين في إزالته، وصرف الأمر إلى الحاجب المذكور الذي تسقّط مع رئاسته المنافسة، وترضّى به الجملة. محنته: وامتحن هو وأخوه، بالتّغريب إلى تونس، عن وطنهما، على عهد السلطان الثالث من بني نصر «3» . ثم آب عن عهد غير بعيد، ثم أسن واستسرّ أديمه، وضجر عن الركوب إلى فلاحته التي هي قرّة عينه، وحظّ سعادته، يتطارح في سكّة المتردّدين بإزاء بابه، مباشر الثّرى بثوبه، قد سدكت «4» به شكاية شائنة، قلّما يفلت منها الشيوخ، ولا من شركها، فهي تزفه بولاء، بحال تقتحمها العين شعثا، وبعدا عن النظر، فلم يطلق الله يده من جدته على يده، فليس في سبيل دواء ولا غذاء إلى أن هلك. وفاته: في وسط شوّال عام سبعة وخمسين وسبعمائة. مولده: في سنة خمس وسبعين وستمائة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 167 إبراهيم بن يوسف بن محمد بن دهاق الأوسي «1» يكنى أبا إسحاق، ويعرف بابن المرأة. حاله: سكن مالقة دهرا طويلا، ثم انتقل إلى مرسية، باستدعاء المحدّث أبي الفضل المرسي والقاضي أبي بكر بن محرز، وكان متقدما في علم الكلام، حافظا ذاكرا للحديث والتفسير، والفقه والتاريخ، وغير ذلك. وكان الكلام أغلب عليه، فصيح اللسان والقلم، ذاكرا لكلام أهل التصوّف، يطرّز مجالسه بأخبارهم. وكان بحرا للجمهور بمالقة ومرسية، بارعا في ذلك، متفنّنا له، متقدّما فيه، حسن الفهم لما يلقيه، له وثوب على التمثيل والتّشبيه، فيما يقرب للفهم، مؤثرا للخمول، قريبا من كل أحد، حسن العشرة، مؤثرا بما لديه. وكان بمالقة يتّجر بسوق الغزل. قال الأستاذ أبو جعفر وقد وصمه: وكان صاحب حيل ونوادر مستظرفة، يلهي بها أصحابه، ويؤنسهم، ومتطلّعا على أشياء غريبة من الخواص وغيرها، فتن بها بعض الحلبة، واطّلع كثير ممّن شاهده على بعض ذلك، وشاهد منه بعضهم ما يمنعه الشرع من المرتكبات الشّنيعة، فنافره وباعده بعد الاختلاف إليه، منهم شيخنا القاضي العدل المسمّى الفاضل، أبو بكر بن المرابط، رحمه الله؛ أخبرني من ذلك بما شاهد مما يقبح ذكره، وتبرّأ منه من كان سعى في انتقاله إلى مرسية، والله أعلم بغيبه وضميره. تواليفه: منها «2» شرحه كتاب الإرشاد لأبي المعالي، وكان يعلقه من حفظه من غير زيادة وامتداد. وشرح الأسماء الحسنى. وألّف جزءا في إجماع الفقهاء، وشرح محاسن المجالس لأبي العباس أحمد بن العريف. وألّف غير ذلك. وتواليفه نافعة في أبوابها، حسنة الرصف والمباني. من روى عنه: أبو عبد الله بن أحلى، وأبو محمد عبد الرحمن بن وصلة. وفاته: توفي بمرسية سنة إحدى «3» عشرة وستمائة. إبراهيم بن أبي بكر بن عبد الله بن موسى الأنصاري تلمساني وقرشي الأصل، نزل بسبتة، يكنى أبا إسحاق، ويعرف بالتلمساني. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 168 حاله: كان فقيها عارفا بعقد الشروط، مبرّزا في العدد والفرائض، أديبا، شاعرا، محسنا، ماهرا في كل ما يحاول. نظم في الفرائض، وهو ابن ثمان «1» وعشرين سنة، أرجوزة محكمة بعلمها، ضابطة، عجيبة الوضع. قال ابن عبد الملك: وخبرت منه في تكراري عليه، تيقّظا وحضور ذهن، وتواضعا، وحسن إقبال وبرّ، وجميل لقاء ومعاشرة، وتوسّطا صالحا فيما يناظر فيه من التواليف، واشتغالا بما يعنيه من أمر معاشه، وتخاملا في هيئته ولباسه، يكاد ينحطّ عن الاقتصاد، حسب المألوف والمعروف بسبتة. قال ابن الزبير: كان أديبا لغويّا، فاضلا، إماما في الفرائض. مشيخته: تلا بمالقة على أبي بكر بن دسمان، وأبي صالح محمد بن محمد الزّاهد، وأبي عبد الله بن حفيد، وروى بها عن أبي الحسن سهل بن مالك، ولقي أبا بكر بن محرز، وأجاز له، وكتب إليه مجيزا أبو الحسن بن طاهر الدباج، وأبو علي الشلوبين. ولقي بسبتة الحسن أبا العباس بن علي بن عصفور الهواري، وأبا المطرّف أحمد بن عبد الله بن عفيرة، فأجازا له. وسمع على أبي يعقوب بن موسى الحساني الغماري. من روى عنه: روى عنه الكثير ممّن عاصره، كأبي عبد الله بن عبد الملك وغيره. تواليفه: من ذلك الأرجوزة الشهيرة في الفرائض، لم يصنّف في فنّها أحسن منها. ومنظوماته في السّير، وأمداح النبي، صلى الله عليه وسلم، من ذلك المعشّرات على أوزان العرب، وقصيدة في المولد الكريم، وله مقالة في علم العروض الدّوبيتي. شعره: وشعره كثير، مبرّز الطّبقة بين العالي والوسط، منحازا أكثر إلى الإجادة جمّة، وتقع له الأمور العجيبة فيه كقوله: [المنسرح] الغدر في الناس شيمة سلفت ... قد طال بين الورى تصرّفها ما كلّ من سرّبت «2» له نعم ... منك يرى قدرها ويعرفها بل ربما أعقب الجزاء بها ... مضرّة عنك عزّ مصرفها أما ترى الشمس تعطف بالنّ ... ور على البدر وهو يكسفها؟ دخوله غرناطة: أخبر عن نفسه أن أباه انتقل به إلى الأندلس، وهو ابن تسعة أعوام، فاستوطن به غرناطة ثلاثة أعوام، ثم رحل إلى مالقة، فسكن بها مدّة، وبها الجزء: 1 ¦ الصفحة: 169 قرأ معظم قراءته. ثم انتقل إلى سبتة، وتزوّج بها أخت الشيخ أبي الحكم مالك بن المرحّل. وهذا الشيخ جدّ صاحبنا وشيخنا أبي الحسين التلمساني لأبيه، وهو ممّن يطرّز به التأليف، ويشار إليه في فنون لشهرته. ومن شعره، وهو صاحب مطوّلات مجيدة، وأمادح مبدية في الإحسان معيدة، فمن قوله يمدح الفقيه أبا القاسم العزفي أمير سبتة: [الكامل] أرأيت من رحلوا وزمّوا العيسا «1» ... ولا نزلوا على الطلول حسيسا «2» ؟ أحسبت سوف يعود نسف ترابها ... يوما بما يشفي لديك نسيسا؟ هل مؤنس «3» نارا بجانب طورها ... لأنيسها؟ أم هل تحسّ حسيسا؟ مولده: قال ابن عبد الملك: أخبرني أنّ مولده بتلمسان سنة تسع وستمائة. وفاته: في عام تسعين وستمائة بسبتة، على سنّ عالية، فسحت مدى الانتفاع به. إبراهيم بن محمد بن إبراهيم الأنصاري الساحلي المشهور بالطّويجن «4» ، من غرناطة. حاله: من كتاب «عائد الصلة» : كان، رحمه الله، نسيج وحده في الأدب، نظما ونثرا، لا يشقّ فيهما غباره، كلام صافي الأديم، غزير المائية، أنيق الدّيباجة، موفور المادة، كثير الحلاوة، جامع بين الجزالة والرّقّة؛ إلى خطّ بديع، ومشاركة في فنون، وكرم نفس، واقتدار على كل محاولة. رحل بعد أن اشتهر فضله، وذاع أوجه، فشرّق، وجال في البلاد. ثم دخل إلى بلد السّودان، فاتصل بملكها، واستوطنها زمانا طويلا، بالغا فيها أقصى مبالغ المكنة، والحظوة، والشّهرة، والجلالة، واقتنى مالا دثرا، ثم آب إلى المغرب، وحوّم على وطنه، فصرفه القدر إلى مستقرّه من بلاد السودان، مستزيدا من المال. وأهدى إلى ملك المغرب هديّة تشتمل على طرف، فأثابه عليها مالا خطيرا، ومدحه بشعر بديع كتبناه عنه. وجرى ذكره في كتاب «التاج» بما نصّه «5» : الجزء: 1 ¦ الصفحة: 170 «جوّاب الآفاق، ومحالف الإباق «1» ، ومنفق سعد «2» الشّعر كل الإنفاق؛ رفع ببلده «3» للأدب راية لا تحجم، وأصبح فيها يسوّي ويلجم؛ فإن نسب، جرى ونظم نظم الجمان المحامد، وإن أبّن ورثى غبّر في وجوه السوابق وحثا. ولمّا اتّفق كساد سوقه، وضياق حقوقه، أخذ بالحزم، وأدخل على حروف علائه عوامل الجزم، يسقط على الدول سقوط الغيث، ويحلّ كناس الظّبا وغاب اللّيث، شيّع العجائب، وركّض النّجائب، فاستضاف بصرام، وشاهد البرابي والأهرام، ورمى بعزمته الشآم، فاحتلّ ثغوره المحوطة، ودخل دمشق، وتوجّه الغوطة، ثم عاجلها بالعراق، فحيّا بالسّلام مدينة السّلام، وأورد بالرّافدين رواحله، ورأى اليمن وسواحله، ثم عدل إلى الحقيقة عن المجاز، وتوجّه إلى شأنه الحجاز، فاستلم الرّكن والحجر، وزار القبر الكريم لمّا صدر، وتعرّف بمجتمع الوفود بملك السّود، فغمره بإرفاده، وصحبه إلى بلاده، فاستقرّ بأوّل أقاليم العرض، وأقصى ما يعمر من الأرض، فحلّ بها محلّ الحمر في الغار، والنور في سواد الأبصار؛ وتقيّد بالإحسان، وإن كان غريب الوجه واليد واللسان. وصدرت عنه رسائل أثناء إغرابه، تشهد بجلالة آدابه، وتعلّق الإحسان بأهدابه» . نثره: فمن ذلك ما خاطب به أهل غرناطة بلده؛ وقد وصل إلى مرّاكش: «سلام ليس دارين شعاره، وحلق الروض والنضير به صداره، وأنسى نجدا شمّه الزكي وعراره، جرّ ذيله على الشجر فتعطّر، وناجى غصن البان فاهتزّ لحديثه وتأطّر، وارتشف الندى من ثغور الشّقائق، وحيّا خدود الورد تحت أردية الحدائق، طربت له النّجدية المستهامة، فهجرت صباها ببطن تهامة، وحنّ ابن دهمان لصباه، وسلا به التّميمي عن ريّاه، وأنسى النّميري ما تضوّع برقيب من بطن نعماه، واستشرف السمر والبان، وتخلق بخلوقة الآس والظّيّان «4» ، حتى إذا راقت أنفاس تحيّاته ورقّت، وملكت نفائس النفوس واستشرقت، ولبست دارين في ملائها، ونظمت الجوزاء في عقد ثنائها، واشتغل بها الأعشى عن روضه ولها، وشهد ابن برد شهادة أطراف المساويك لها، خيّمت في ربع الجود بغرناطة ورقّت، وملأت دلوها إلى عقد ركبه، وأقبلت منابت شرقها عن غربه، لا عن عرفه؛ هناك تترى لها صدور المجالس تحمل صدورا، وترائب المعالي تحلّي عقودا نفيسة وجذورا، ومحاسن الشرف تحاسن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 171 البروج في زهرها، والأفنية في إيوانها، والأندية في شعب بوّانها «1» ، لو رآها النعمان لهجر سديره، أو كسرى لنبذ إيوانه وسريره، أو سيف لقصّر عن غمدانه، أو حسّان لترك جلّق «2» لغسّانه: [الطويل] بلاد بها نيطت عليّ تمائمي ... وأول أرض مسّ جلدي ترابها فإذا قضيت من فرض السلام ختما، وقضت من فاره الثّناء حتما، ونفضت طيب عرارها على تلك الأنداء، واقتطفت أزاهر محامدها أهل الودّ القديم والإخاء، وعمّت من هنالك من الفضلاء، وتلت سور آلائها على منبر ثنائها، وقصّت وعطفت على من تحمل من الطلبة بشارتهم، وصدرت عن إشارتهم، وأنارت نجما حول هالتهم المنيرة ودارتهم، فهناك تقصّ أحاديث وجدي على تلك المناهج، لا إلى صلة عالج، وشوقي إلى تلك العليا، لا إلى عبلة، والجزا إلى ذلك الشريف الجليل، فسقى الله تلك المعاهد غيداقا «3» يهمي دعاؤها، ويغرق روضها إغراقا، حتى تتكلّل منه نحور زندها درّا، وترنو عيون أطراف نرجسها إلى أهلها سررا، وتتعانق قدود أغصانها طربا، وتعطف خصور مذانبها على أطراف كثبانها لعبا، وتضحك ثغور أقاحيها «4» عند رقص أدواحها عجبا، وتحمّر خدود وردها حياء، وتشرق حدائق وردها سناء، وتهدي إلى ألسنة صباها خبر طيبة «5» وإنباء، حتى تشتغل المطريّة عن روضتها المردودة، والمتكلّىء عن مشاويه المجودة، والبكري عن شقائق رياض روضته النديّة، والأخطل عن خلع بيعته الموشيّة. فما الخورنق «6» وسراد، والرّصافة وبغداد، وما لفّ النّيل في ملأته كرما إلى أفدين سقايته، وحارته غمدان عن محراب، وقصر وابرية البلقاء عن غوطة ونهر، بأحسن من تلك المشاهد التي تساوي في حسنها الغائب والشاهد. وما لمصر تفخر بنيلها، والألف منها في شنيلها «7» ، وإنما زيدت الشين هنالك ليعد بذلك: [الوافر] ويا لله من شوق حثيث ... ومن وجد تنشّط بالصميم إذا ما هاجه وجد حديث ... صبا منها إلى عهد قديم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 172 أجنح إنساني في كل جانحة، وأنطق لساني من كل جارحة، وأهيم وقلبي رهين الأنين، وصريع البين، تهفو «1» الرياح البليلة إذا ثارت، وتطير به أجنحة البروق الخافقة أينما طارت، وقد كنت أستنزل قربهم براحة الأجل، وأقول عسى وطن يدنيهم ولعلّ، وما أقدر الله أن يدني على الشّحط، ويبري جراح البين بعد اليأس والقنط، هذا شوقي يستعيره البركان لناره، ووجدي لا يجري قيس في مضماره، فما ظنّك وقد حمت حول المورد الخصر، ونسمت ريح المنبت الخضر، ونظرت إلى تلك المعاهد من أمم، وهمست باهتصار ثمار ذلك المجد اليانع والكرم، وإن المحبّ مع القرب لأعظم همّا، وأشدّ في مقاساة الغرام غمّا: [الوافر] وأبرح ما يكون الشوق يوما ... إذ دنت الدّيار من الديار وقربت مسافة الدّوّار، لكن الدهر ذو غير، ومن ذا يحكم على القدر، وما ضرّه لو غفل قليلا، وشفى بلقاء الأحبّة غليلا، وسمح لنا بساعة اتفاق، ووصل ذلك الأمل القصير بباع، وروى مسافة أيام، كما طوى مراحل أعوام. لدّ إبليس، أفلا أشفقت من عذابي، وسمحت ولو بسلام أحبابي؟ أسلمتني إلى ذرع البيد، ومحالفة الذميل والوخيد «2» ، والتنقّل في المشارق والمغارب، والتمطّي في الصّهوات والغوارب. يا سابق البين دع محمله، وما بقي في الجسم ما يحمله، ويا بنات جديل، ما لكنّ وللذميل؟ ليت سقمي عقيم فلم يلد ذات البين، المشتّتة ما بين المحبين، ثم ما للزاجر الكاذب، وللغراب الناعب، تجعله نذير الجلا، ورائد الخلا، ما أبعد من زاجر، عن رأي الزّاجر، إنما فعل ما ترى، ذات الغارب والقرى، المحتالة في الأزمّة والبرى، المتردّدة بين التّأويب والسّرى؛ طالما باكرت النّوى، وصدعت صدع الثّوى، وتركت الهائم بين ربع محيل، ورسم مستحيل، يقفو الأثر نحوه، ويسأل الطّلل عن عهده، وإن أنصفت فما لعين معقودة، وإبل مطرودة، مالت عن الحوض والشّوط، وأسلمت إلى الحبل والعصا والسّوط، ولو خيّر النائي لأقام، ولو ترك القطا ليلا لنام، لكن الدهر أبو براقش «3» ، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 173 وسهم بينه وبين بنيه غير طائش؛ فهو الذي شتّت الشّمل وصدعه، وما رفع سيف بعماده إلّا وضعه، ولا بلّ غليلا أحرقه بنار وجده ولا نفعه. فأقسم ما ذات خضاب وطوق، شاكية غرام وشوق، برزت في منصّتها، وترجمت عن قضيّتها، أو غربت عن بيتها، ونفضت شرارة زفرتها عن عينها، ميلا حكت الميلا والغريض، وعجماء ساجلت بسجعها القريض، وكصّت «1» الفود فكأنما نقرت العود، وردّدت العويل، كأنما سمعت النّقيل، نبّهت الواله فثاب، وناحت بأشواقها فأجاب. حتى إذا افترّ بريقها، استراب في أنّتها، فنادى يا حصيبة الساق، ما لك والأشواق؟ أباكية ودموعك راقية؟ ومحرّرة وأعطافك حالية؟ عطّلت الخوافي، وحلّيت القوادم، وخضّبت الأرجل، وحضرت المآتم. أمّا أنت، فنزيعة خمار، وحليفة أنوار وأشجار، تتردّدين بين منبر وسرير، وتتهادين بين روضة وغدير؛ أسرفت في الغناء، وإنما حكيت خرير الماء، وولعت بتكرير الراء، فقالت: أعد نظر البقير، ولأمر ما جدع أنفه قصير، أنا التي أغرقت في الرّزء، فكنّيت عن الكل بالجزء؛ كنت أربع بالفيافي ما ألافي، وآنس مع مقيلي، بكرته وأصيلي، تحتال من غدير إلى شرج «2» ، وتنتقل من سرير إلى سرج، آونة تلتقط الحبّ، وحينا تتعاطى الحبّ، وطورا تتراكض الفنن، وتارة تتجاذب الشّجن، حتى رماه الدهر بالشّتات، وطرقه بالآفات، فهأنا بعده دامية العين، دائمة الأين، أتعلّل بالأثر بعد العين؛ فإن صعدت مناري، ألهبت منقاري، أو نكأت أحشائي، خضّبت رجلي بدمائي، فأقسم لا خلعت طوق عهده، حتى أردي من بعده، بل ذات خفض وترف، وجمال باهر وشرف، بسط الدهر يدها، وقبض ولدها، فهي إذا عقدت التّمائم على تريب، أو لفّت العمائم على نجيب، حثّت المفؤود، وأدارت عين الحسود، حتى إذا أينعت فسالها، وقضى حملها وفصالها، عمر لحدها بوحيد كان عندها وسطى، وفريد أضحى في نحر عشيرتها سمطا، استحثّت له مهبّات النسيم الطّارق، وخافت عليه من خطرات اللّحظ الرّاشق، فحين هشّ للجياد، ووهب التمائم للنّجاد ونادى الصريم، يا الآل والحريم، فشدّ الأناة، واعتقل القناة، وبرز يختال في عيون لامه، ويتعرّف منه رمحه بألفه ولامه، فعارضه شثن «3» الكفّين، عاري الشعر والمنكبين، فأسلمه لحتفه، وترك حاشية ردائه على عطفه، فحين انبهم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 174 لشاكلته ما جرى برزت لترى: [الطويل] فلم تلق فيها «1» غير خمس قوائم ... وأشلاء لحم تحت ليث سخايل يحطّ على أعطافه وترائبه ... بكفّ حديد النّاب صلب المفاصل أعظم من وجد إلى تلك الآفاق، التي أطلعت وجوه الحسن والإحسان، وسفرت عن كمال الشرف، وشرف الكمال عن كل وجه حسان، وأبرزت من ذوي الهمم المنيفة، والسّير الشريفة، ما أقرّ عين العلياء، وحلّى جيد الزمان، فتقوا للعلم أزهارا أربت على الروض المجود، وأداروا للأدب هالة استدارت حولها بدور السّعود، نظم الدهر محاسنهم حليّا في جيده ونحره، واستعار لهم الأفق ضياء شمسه وبدره، وأعرب بهم الفخر عن صميمه، وفسح لهم المجد عن مصدره، فهم إنسان عين الزمان، وملتقى طريقي الحسن والإحسان، نظمت الجوزاء مفاخرهم، ونثرت النّثرة مآثرهم، واجتلبت الشّعرى من أشعارهم، وطلع النور من أزرارهم، واجتمعت الثّريّا لمعاطاة أخبارهم، وودّ الدّلو لو كرع في حوضهم، والأسد لو ربض حول ربضهم، والنعايم لو غذّيت بنعيمهم، والمجرّة لو استمدّت من فيض كرمهم، عشق المسك محاسنهم فرقّ، وطرب الصبح لأخبارهم فخرق جبينه وشقّ، وحام النّسر حول حمامهم وحلّق، وقدّ الفخار جدار محامدهم وخلّق، إلى بلاغة أخرست لسان لبيد، وتركت عبد الحميد غير حميد، أهلّ ابن هلال لمحاسنهم وكبّر، وأعطى القارئ ما زجر به قلمه وسطّر، وأيس إياس من لحاقهم فأقصر لما قصّر. ومنها: فما للوشي تألّق ناصعه، وتأنّق يانعه، بأحسن ممّا وشته أنفاسهم، ورسمته أطراسهم، فكم لهم من خريدة غذّاها العلم ببرّه، وفريدة حلّاها البيان بدرّه، واستضاءت المعارف بأنوارهم، وباهت الفضائل بسناء منارهم، وجلّيت المشكلات بأنوار عقولهم وأفكارهم، جلّوا عروس المجد وحلّوا، وحلّوا في ميدان السيادة ونشأوا، وزاحموا السّهى بالمناكب، واختطّوا التّرب فوق الكواكب، لزم محلّهم التّكبير، كما لزمت الياء التّصغير، وتقدّموا في رتبة الأفهام، كما تقدّمت همزة الاستفهام، ونزلوا من مراتب العلياء، منزلة حروف الاستعلاء، وما عسى أن أقول ودون النهاية مدى نازح، وما أغنى الشمس عن مدح المادح، وحسبي أن أصف ما أعانيه من الشوق، وما أجده من التّوق، وأعلّل نفسي بلقائهم، وأتعلّل بالنّسيم الوارد من تلقائهم، وإن جلاني الدهر عن ورود حوضهم، وأقعدني الزمان عن اجتناء روضهم، فما ذهب ودادي، ولا تغيّر اعتقادي، ولا جفّت أقلامي عن مدادهم ولا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 175 مدادي، وأنا ابن جلا «1» في وجدهم، وطلّاع الثّنايا إلى كرم عهدهم، إن دعوا إلى ودّ صميم وجدوني، أضع العمامة عن ذوي عهد قديم عرفوني، ولو شرعوا نحوي قلم مكاتبتهم، وأسحّوا بالعلق الثّمين من مخاطبتهم، لكفّوا من قلبي العاني قيد إساره، وبلوا صدى وجدي المتحرّق بناره، ففي الكتابة بلغة الوطر، وقد يغني عن العين الأثر، والسلام الأثير الكريم الطيب الرّيا، الجميل المحيّا، يحضر محلّهم الأثير، وكبيرهم إذ ليس فيهم صغير، ويعود على من هناك من ذوي الودّ الصميم، والعهد القديم، من أخ برّ وصاحب حميم، ورحمة الله وبركاته» . ولا خفاء ببراعة هذه الرسالة على طولها، وكثرة أصولها، وما اشتملت عليه من وصف وعارضة، وإشارة وإحالة، وحلاوة وجزالة. شعره: ثبت لديّ من متأخّر شعره قوله من قصيدة، يمدح بها ملك المغرب «2» ، أمير المسلمين، عند دنوّ ركابه من ظاهر تلمسان ببابه أولها «3» : [الكامل] خطرت كميّاس «4» القنا المتأطّر ... ورنت بألحاظ الغزال الأعفر ومن شعره في النسيب: [البسيط] زارت وفي كلّ لحظ طرف محترس ... وحول كلّ كناس كفّ مفترس يشكو لها الجيد ما بالحلي من هدر ... ويشتكي الزّند ما بالقلب من خرس متى تلا خدّها الزّاهي الضّحى نطقت ... سيوف ألحاظها من آية الحرس في لحظها سحر فرعون ورقّتها ... آيات موسى وقلبي موضع القبس تخفي النّمومين من حلي ومبتسم ... تحت الكتومين من شعر ومن غلس وترسل اللّحظ نحوي ثم تهزأ بي ... تقول بعد نفوذ الرّمية احترس أشكو إليها فؤادا واجلا أبدا ... في النّازعات وما تنفكّ من عبس الجزء: 1 ¦ الصفحة: 176 يا شقّة النّفس إنّ النّفس قد تلفت ... إلّا بقيّة رجع الصّوت والنّفس هذا فؤادي وجفني فيك قد جمعا ... ضدّين فاعتبري إن شئت واقتبسي ويا لطارق نوم منك أرّقني ... ليلا ونبّهني للوجد ثم نسي ما زال يشرب من ماء القلوب فلم ... أبصرته ذابلا يشكو من اليبس ملأت طرفي عن ورد تفتح في ... رياض خدّيك صلّا غير مفترس وقلت للّحظ والصّدغ احرسا فهما ... ما بين مصم وفتّاك ومنتكس وليلة جئتها سحرا أجوس بها ... شبا العوالي وخيس الأخنف الشّرس أستفهم الليل عن أمثال أنجمه ... وأسأل «1» العيس عن سرب المها الأنس وأهتك السّتر لا أخشى بوادره ... ما بين منتهز طورا ومنتهس بتنا نعاطي بها ممزوجة مزجت ... حلو الفكاهة بين اللّين والشّرس أنكحتها من أبيها وهي آيسة ... فثار أبناؤها في ساعة العرس نور ونار أضاءا في زجاجتها ... فذاك خدّك يا ليلى وذا نفسي «2» حتى إذا آب نور الفجر في وضح ... معرّك جال بين الفجر والغلس وهيمنت بالضنا تحت الصباح صبا ... قد أنذرتها ببرد القلب واللّعس قامت تجرّ فضول الريط آنسة ... كريمة الذيل لم تجنح إلى دنس تلوث فوق كثيب الرمل مطرفها ... وتمسح النّوم عن أجفانها النّعس فظلّ قلبي يقفوها بملتهب ... طورا ودمعي يتلوها بمنبجس دهر يلوّن لونيه كعادته ... فالصبح في مأتم والليل في عرس وإحسانه كثير، ومقداره كبير. ثم آب إلى بلاد السودان، وجرت عليه في طريقه محنة، ممّن يعترض الرفاق ويفسد السبيل، واستقرّ بها على حاله من الجاه والشّهرة، وقد اتخذ إماء للتسرّي من الزّنجيّات، ورزق من الجوالك أولادا كالخنافسة. ثم لم يلبث أن اتصلت الأخبار بوفاته بتنبكتو، وكان حيّا في أوائل تسعة وثلاثين وسبعمائة «3» . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 177 إبراهيم بن عبد الله بن محمد بن إبراهيم بن أسد بن موسى ابن إبراهيم بن عبد العزيز بن إسحاق بن أسد بن قاسم النميري من أهل غرناطة، يكنى أبا إسحاق ويعرف بابن الحاجّ «1» . أوّليّته: بيت نبيه، يزعم من يعنى بالأخبار، أن جدّهم الداخل إلى الأندلس ثوابة بن حمزة النّميري، ويشركهم فيه بنو أرقم الوادي شيون «2» . وكان سكناه بجهة وادي آش، ولقومه اختصاص وانتقال ببعض جهاتها، وهي شوظر، والمنظر، وقرسيس، وقطرش؛ تغلّب العدو عليها على عهد عبد العزيز، وآوى جميعهم إلى كنف الدولة النصرية، فانخرطوا في سلك الخدمة، وتمحّض خلفهم بالعمل. وكان جدّه الأقرب إبراهيم، رجلا خيّرا من أهل الدين والفضل والطهارة والذكاء؛ كتب للرؤساء من بني إشقيلولة، عند انفرادهم بوادي آش. واختصّ بهم، وحصل منهم على صهر بأم ولد بعضهم، وضبط المهمّ من أعمالهم. ثم رابته منهم سجايا أوجبت انصرافه عنهم، وجنوحه إلى خالهم السلطان الذي كاشفوه بالثورة، فعرف حقّه، وأكرم وفادته، وقبل بيانه؛ فقلّده ديوان جنده، واستمرّت أيام عمره تحت رعيه، وكنف عنايته. وكان ولده عبد الله، أبو صاحبنا المترجم به، صدرا من صدور المستخدمين في كبار الأعمال، على سنن رؤسائهم، مكسابا متلافا، سريّ النفس، غاض الحواز. ولي الأشغال بغرناطة وسبتة؛ عند تصيّرها إلى إيالة بني نصر؛ وجرى طلاقه هذا، في صلّ دنيا عريضة؛ تغلّبت عليه بآخرة، ومضى لسبيله، مصدوقا بالكفاية، وبراعة الخط، وطيب النفس، وحسن المعاملة. حاله: هذا «3» الرجل نشأ على عفاف وطهارة؛ امتهك صبابة ترف من بقايا عافية، أعانته على الاستظهار ببزّة، وصانته من التحرّف بمهنة. ثم شدّ وبهرت خصاله، فبطح بالشّعر؛ وبلغ الغاية في إجادة «4» الخط، وحاضر بالأبيات، وأرسم «5» في كتابة الإنشاء، عام أربعة وثلاثين وسبعمائة، مستحقّا حسن سمة «6» ، وبراعة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 178 خط، وجودة أدب، وإطلاق يد، وظهور كفاية؛ وفي أثناء هذا الحال، يقيد ولا يفتر، ويروي الحديث، ويعلّق الأناشيد، ولا يغبّ النظم والنثر، ولا يعفي القريحة، معمّى، مخوّلا في العناية، مشتملا على الطهارة، بعيدا في زمان الشّبيبة عن الرّيبة، نزيها على الوسامة عن الصّبوة والرّقية، أعانه على ذلك نخوة في طبعه، وشفوف وهمّة. كان مليح الدّعابة، طيّب الفكاهة، آثر المشرق، فانصرف عن الأندلس في محرّم عام سبعة وثلاثين وسبعمائة، وألمّ بالدول، محرّكا إياها بشعره، هازّا أعطافها بأمداحه؛ فعرف قدره، وأعين على طيّته؛ فحجّ وتطوّف، وقيّد، واستكثر، ودوّن في رحلة سفره؛ وناهيك بها طرفة؛ وقفل إلى إفريقية، وكان علق بخدمة بعض ملوكها، فاستقرّ ببجاية لديه، مضطلعا بالكتابة والإنشاء. ثم انتقل إلى خدمة سلطان المغرب، أمير المسلمين أبي الحسن؛ ولم ينشب أن عاد إلى البلاد المشرقية، فحجّ، وفصل إلى إفريقية، وقد دالت الدولة بها بالسلطان المذكور، فتقاعد عن الخدمة، وآثر الانقباض؛ ثم ضرب الدهر ضرباته، وآل حال السلطان إلى ما هو معروف، وثابت للموحّدين برملة بجاية بارقة لم تكد تتقد حتى خبت، فعاد إلى ديوانه من الكتابة عن صاحب بجاية. ثم أبى مؤثرا للدّعة في كنف الدولة الفارسية «1» ، ونفض عن الخدمة يده، لا أحقّق مضطرا أم اختيارا، وحجة كليهما قائمة لديه، وانقطع إلى تربة الشيخ أبي مدين «2» بعبّاد تلمسان، مؤثرا للخمول، عزيزا به، ذاهبا مذهب التّجلّة من التجريد والعكوف بباب الله، مفخرا لأهل نحلته، وحجّة على أهل الحرص والتهافت، من ذوي طبقته، راجع الله بنا إليه بفضله. ثم جبرته الدولة الفارسية على الخدمة، وأبرته بزّة النّسك، فعاد إلى ديدنه من الكتابة، رئيسا ومرءوسا. ثم أفلت نفيه موت السلطان أبي عنان فلحق بالأندلس، وتلقي ببرّ وجراية، وتنويه وعناية، واستعمل في السفارة إلى الملوك؛ وولّي القضاء في الأحكام الشرعية بالقليم بقرب الحضرة؛ وهو الآن بحاله الموصوفة، صدرا من صدور القطر وأعيانه، يحضر مجلس السلطان، ويعدّ من نبهاء من ينتاب بابه، وقد توسّط من الاكتهال، مقيما لرسم الكتابة والظرف مع الترخيص للباس الحرير، والخضاب بالسواد، ومصاحبة الأبّهة، والحرص على التّجلّة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 179 وجرى ذكره في «التاج المحلّى» بما نصّه «1» : «طلع شهابا ثاقبا، وأصبح بشعره للشّعرى مصاقبا، فنجم وبرع، وتمّم المعاني واخترع؛ إلى خطّ يستوقف الأبصار رائقه، وتقيّد الأحداق حدائقه، وتفتن الألباب فنونه البديعة وطرائقه، من بليغ يطارد أسراب المعاني البعيدة فيقتنصها، ويغوص على الدّرر الفريدة فيخرجها، ويستخلصها بطبع مذاهبه دافقة، وتأييد رايته خافقة. نبه في عصره شرف البيان من بعد الكرى، وانتدب بالنشاط إلى تجديد ذلك البساط وانبرى، فدارت الأكواس، وتضوّع الورد والآس، وطاب الصّبوح، وتبدّل الروح المروح، ولم تزل نفحاته تتأرّج، وعقائل بناته تتبرّج، حتى دعي إلى الكتابة، وخطب إلى تلك المثابة، فطرّز المفارق برقوم أقلامه، وشنّف المسامع بدرّ كلامه؛ ثم أجاب داعي نفسه التي ضاق عنها جثمانه، لا بل زمانه، وعظم لها فكره وغمّه، وتعب في مداراتها، وكما قال أبو الطيب المتنبي: «وأتعب خلق الله من راد محمده» ، فارتحل لطيّته، واقتعد غارب مطيّته، فحجّ وزار، وشدّ للطّواف الإزار. ثم هبّ إلى المغرب وحوّم، وقفل قفول النسيم عن الرّوض بعدما تلوّم، وحطّ بإفريقية على نار القرى، وحمد بها صباح السّرى، ولم يلبث أن تنقل، ووحر الحميم شفافه وتنغل، ثم بدا له أخرى فشرق، وكان عزمه أن يجتمع فتفرّق» . مشيخته: روى «2» عن مشيخة بلده وأشجر، وقيّد واستكثر، وأخذ في رحلته عن أناس شتّى يشقّ إحصاؤهم. تواليفه: منها كتاب «المساهلة والمسامحة، في تبيين طرق المداعبة والممازحة» ، و «إيقاظ الكرام، بأخبار المنام» ، و «تنعيم الأشباح بمحادثة الأرواح» ، وكتاب «الوسائل، ونزهة المناظر والحمائل» و «الزّهرات، وإجالة النّظرات» ، وكتاب في «التّورية» على حروف المعجم، أكثره مروي الأسانيد عن خلق كثير، والله تعالى يخره؛ وجزء في تبيين المشكلات الحديثة الواصلة من زبيد اليمن إلى مكّة؛ وجزء في بيان اسم «3» الله الأعظم، وهو كبير الفائدة، و «نزهة الحدق، في ذكر الفرق» ، وكتاب الأربعين حديثا البلدانية، والمستدرك عليها من البلاد التي دخلتها، ورويت فيها، زيادة على الأربعين، و «روضة العباد المستخرجة من الإرشاد» ، وهو من تأليف شيخنا القطب أبي محمد الشافعي؛ والأربعون حديثا التي رويتها عن الأمراء والشيوخ، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 180 الذين رووا عن الملوك والأمراء؛ والشيوخ الذين رووا عن الملوك والخلفاء القريب عهدهم؛ ووصلت بها خاتمة ذكرت فيها فوائد مما رويته عن الملوك والأمراء، وعن الشيوخ الذين رووا عن الملوك والأمراء؛ وكتاب «اللّباس والصّحبة» وهو الذي جمعت فيه طرق المتصوّفة، المدّعي أنه لم يجمع مثله؛ وكتاب فيه شطر الحماسة لحبيب، وهو غير مكمل؛ ورجز «1» في الفرائض على الطريقة البديعة التي ظهرت ببلاد «2» الشرق؛ ورجز صغير في الحجب والسّلاح، ورجز في الجدل؛ ورجز «3» في الأحكام الشرعية سمّاه، ب «الفصول المقتضبة، في الأحكام المنتخبة» ؛ وكتاب سمّاه ب «مثاليث «4» القوانين، في التّورية والاستخدام والتّضمين» ، وهو كله من نظمه؛ وله تأليف سمّاه ب «فيض العباب، وإجالة قداح الآداب، في الحركة إلى قسنطينة والزّاب» . شعره: ومن شعره في المقطوعات «5» : [الكامل] طاب العذيب بماء «6» ذكرك وانثنى ... فكأنما ماء العذيب سلافه واهتزّ من طرب للقياك الحمى ... فكأنّما باناته «7» أعطافه ومن ذلك «8» : [الطويل] لي المدح يروى منذ كنت كأنما ... تصورت مدحا للورى وثناء وما لي هجاء فاعجبنّ لشاعر ... وكاتب سرّ لا يقيم هجاء ومن ذلك «9» : [الطويل] ولي فرس من علية الشّهب سابق ... أصرّفه يوم الوغى كيف أطلب غدوت «10» له في حلبة القوم مالكا ... يتابعني ما شئت في السّبق أشهب «11» الجزء: 1 ¦ الصفحة: 181 وقال، وقد وقف حاجب السلطان على عين ماء «فيض «1» الثغور» وشرب منها «2» : [المتقارب] تعجّبت من ثغر هذي البلاد ... وها أنت من عينه شارب «3» فلله ثغر أرى شاربا ... وعين بدا فوقها حاجب ومن ذلك «4» : [المتقارب] وحمراء في الكأس مشمولة ... تحثّ على العود في كلّ بيت فلا غرو أن جاءني سابقا ... إلى الأنس خلّ «5» يحثّ الكميت وقال مضمّنا، وقد تذكر حمراء غرناطة، وبابها الأحفل المعروف «بباب الفرج» «6» : [المتقارب] أقول وحمراء غرناطة تشوق ... تشوق النّفوس وتسبي المهج ألا ليت شعري بطول السّرى ... أرتنا الوجى واشتكت العرج وما لي في عرج رغبة ... ولكن لأقرع باب الفرج وقال ملغزا في قلم وهو ظريف «7» : [الطويل] أحاجيك «8» ما واش يراد حديثه ... ويهوى الغريب النازح الدار إفصاحه تراه مع الأحيان أصفر ناحلا ... كمثل مريض وهو قد لازم الرّاحه «9» وقال: [الطويل] وقالوا رمى في الكأس وردا فهل ترى ... لذلك وجها؟ قلت أحسن به قصدا ألم تجد اللذّات في الكأس حلبة؟ ... فلا تنكروا فيها الكميت ولا الوردا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 182 وقال «1» : [الطويل] كماة تلاقت تحت نقع سيوفهم ... وللهام رقص كلّما طلب الثّار فلا غرو أن غنّت وتلك رواقص ... لها «2» فيهم في مارد الحرب أوتار وقال: [الرجز] وعارض في خدّه نباته ... فحسنه بين الورى يسحرنا أجرى دموعي إذ جرت شوقا له ... فقلت هذا عارض ممطرنا وقال وقد توفي السلطان أبو يحيى بن أبي بكر، صاحب تونس، وولي ابنه أبو حفص بعد قتله لإخوته: [الطويل] وقالوا أبو حفص حوى الملك غاصبا ... وإخوته أولى وقد جاء بالنّكر فقلت لهم كفّوا فما رضي الورى ... سوى عمر من بعد موت أبي بكر وقال مضمّنا، وقد حضر الفتى الكبير عنبر قتالا، وكان فارسا مذكورا عند بني مرين: [الكامل] ولقد أقول وعنبر ذاك الفتى ... يلقى الفوارس في العجاج الأكور يا عاثرين لدى الجلاد لعا فقد ... بسقت لكم ريح الجلاد بعنبر وقال وقد اشتاق إلى السّبيكة «3» خارج حمراء غرناطة: [مجزوء الرمل] إنّ «4» إفراط بكائي ... لم يرع مني عريكه قد أذاب العين لمّا ... زاد شوقي للسّبيكه وقال: [الكامل] لمّا نزلت من السّبيكة صادني ... ظبي وددت لديه أن لم أنزل فاعجب لظبي صاد ليثا لم يكن ... من قبلها متخبّطا في أحبل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 183 وقال وهو ظريف: [الكامل] قد قارب العشرين ظبي لم يكن ... ليرى الورى عن حبّه سلوانا وبدا الربيع بخدّه فكأنما ... وافى الربيع ينادم النّعمانا وقال «1» : [الطويل] أتوني فعابوا من أحبّ جماله ... وذاك على سمع المحبّ خفيف فما فيه عيب غير أنّ جفونه ... مراض وأنّ الخصر منه ضعيف وقال: [المتقارب] أيا عجبا كيف تهوى الملوك ... محلّي وموطن أهلي وناسي وتحسدني وهي مخدومة ... وما أنا إلّا خديم بفاس نثره: ونثره تلو نظمه في الإجادة، وقد تضمّن الكتاب المسمى ب «نفاضة الجراب» منه ذكر كل بديع؛ فمما ثبت فيه، مما خاطبته به، وقد ولّي خطّة القضاء بالإقليم، أداعبه، وأثير ما تستحويه عجائبه: [السريع] يا «2» قاضي العدل الذي لم تزل ... تمتار شهب الفضل من شمسك قعدت للإنصاف بين الورى ... فاطلب لنا الإنصاف من نفسك «ما للقاضي، أبقاه الله، ضاق ذرع عدله الرّحيب، عن العجيب؛ وهمّ عن العتب، وضنّ على صديقه حتى بالكتب؛ أمن المدوّنة الكبرى ركب هذا التحريج، أم من المبسوطة ذهب إلى هذا الأمر المريج؛ أم من الواضحة امتنع عن الإمام ببديع الوفاء والتعريج؟ من أمثالهم ارض من أخيك بعشر ودّه إذا ولّي، وقد قنعنا والحمد لله بحبّة من مدّه، وإشارة من درجه، وبرّة وصاعة معتدلة، من زمان بلوغ أشدّه؛ فما باله يمطل مع الغنى، ويحوج إلى العنا، مع قرب الجنى؛ المحلة حلّة ضالع، ومطمع وطامع، ومرأى ورأي، ومستمع وسامع، والكنف واسع، والمكان لا ناء ولا شاسع؛ والضّرع حافل؛ والزّرع كاف كافل؛ والقريحة وارية الزّند، والإمالة خافقة البند؛ وهب أن البخل يقع بها في الخوان على الإخوان، فما باله يسمح بالبيان، وليس الخبر كالعيان؛ ويتعدّى حظّ الجنان، لا خطّ البنان؛ أعيذ سيدي من ارتكاب رأي ذميم، ينقل إلى نميرها بيت تميم؛ ويقصد معناه بتميم، وهلّا تلا حم؛ وعهدي بالسياسة القاضوية، وقد نامت في مهاد أهل الظرف، نوم أهل الكهف، ولم تبال بمردّد الويل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 184 واللهف، أو شربة لحفظ الصّحة بختجا، ودقّت لإعادة الشّبيبة عفصا ورد سختجا؛ وغطّت الصبح بالليل إذا سجا، ومدّت على ضاحي البياض صلّا سجسجا؛ وردّت سوسن العارض بنفسجا، ولبس بحرها الزّاخر من طحلب البحر منتسجا؛ وأحكام العامّة، ومزين المرأة ينصح ويرشد، ويطوي المحاسن وينشد، حتى حسنت الدّارة، وصحّت الاستدارة، وأعجبه الوجه الجميل، والقدّ الذي يميد في دكّة الدّار ويميل، وأغرى بالسّواك السّميم والتكميل، وولج بين شفرتي سيد الميل، وقيل لو صاح اليمين خاب فيك التّأميل؛ وامتدّ جناح برنس السّرق، واحتفل الغصن الرّطيب في الورق، ورشّ الورد بمائه عند رشح العرق. وتهيّأ لمنطلق، فقرأت عليه نساء أعوانه، وكتبة ديوانه، سورة الفلق؛ من بعد ما وقف الإمليق حجّابه على إقدامهم، وسحبهم جلاوزته من أقوامهم؛ فمثلوا واصطفّوا، وتألّفوا والتفّوا، وداروا وحفّوا، وما تسلّلوا ولا خفوا؛ كأنما أسمعتهم صيحة النّشر، وأخرجوا لأول الحشر، فعيونهم بملتقى المصراع معقودة، وأذهانهم لمكان الهيبة مفقودة، وحبالتهم قبل الطلب بها منقودة؛ فبعد ما فرش الوساد، وارتفع بالنّفاق الكساد، وذارع البكا وتأرّج الحسّاد، واستقام الكون وارتفع الفساد، وراجعت أرواحها الأجساد؛ جاءت السّادة القاضوية فجلست، وتنعّمت الأحداق بالنظر فيها واختلست، وسجّت الأكفّ حتى أفلست؛ وزانت شمسها ذلك الفلك، وجلت الأنوار ذلك الحلك، وفتحت الأبواب وقالت هيت لك؛ ووقفت الأعوان سماطين ومثلوا خطّين، وتشكّلوا مجرّة تنتهي منك إلى البطين، يعلنون بالهديّة ويجهرون، ولا يَعْصُونَ اللَّهَ ما أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ ما يُؤْمَرُونَ «1» ؛ من كل شهاب ثاقب وطائف غاسق واقب، وملاحظ مراقب؛ كميش الإزار، بعيد المزار، حامل للأوبار، خصيم مبين، وارث سوفسطائيّا عن رثين، مضطلع بفقه البين وحريمها، فضلا عن تلقين الخصوم وتعليمها، يرأسهم العريف المقرّب، والمقدّم المدرّب، والمشافه المباشر، والنّابح الشاكر، والنّهج العاشر؛ الذي يقتضي خلاص العقد، ويقطع الكالي والنّقد، ويزكّي ويجرّح، ويمسك ويسرّح ويطرح، ويحمل من شاء أو يشرّح، والمسيطر الذي بيده ميزان الرّزق، وجميع أجزاء المفترق، وكافة قابلة، وحم الدّواة الفاغرة، ورشا بلالة الصّدور الواغرة؛ فإذا وقف الخصمان بأقصى مطرح الشعاع، أيّان يجتمع الرّعاع، وأعلنّا النّداء، وطلب الأعداء، وصاحا: جعل الله أنفسنا لك الفداء، ورفع الأمر إلى مقطع الحق، والأولى بالمثوبة الأحق، أخذتهما الأيدي دفعا في القفيّ، ورفعا السّتر اللّطيف الخفيّ، وأمسكا بالحجر والأكمام، ومنعا المباشرة والإلمام؛ فإذا أدلى بحجّته من الجزء: 1 ¦ الصفحة: 185 أدلى، وسمعها دينه عدلا، وحقّ القول، واستقرّ الهول، ووجبت اليمين، أو الأداء الذي يفوت له الذخر الثمين، أو الرهن أو الضّمين، أو الاعتقال الذي هو على أحدهما كالأمين؛ نهش الصّل، الذي سليمه لا هل، ولسبت العقارب، التي لا يفلتها الهارب، ولا تخفى منها المشارب؛ وكم تحت ظلام الليل من غرارة يحملها غرّ، وصدّه ريح فيها صرّ؛ ويهدي ارتقاب قلّة شهد، وكبش يجرّ بقرنيه، ويدفع بعد رفع ساقيه؛ ومعزى وجدي وقلائد، وسرب دجاج، ذوات بجاج، يفضحن الطّارق، ويشعثن المفارق، فمتى يستفيق سيدي مع هذا اللّغط العائد بالصّلة، واللهو المتّصلة، وتفرغ يده البيضاء لأعمال ارتياض، وخطّ سواد في بياض، أو حنين لدوح أو رياض؛ أو إمتاع طرف، باكتشاف حرف، أو إعمال عدل لرسول في صرف، أو حشو طرف، بتحفة ظرف؛ شأنه أشدّ استغراقا، ومثواه أكثر طراقا، من ذكرى حبيب ومنزل «1» ، وأمّ معدّل؛ وكيف يستخدم القلم الذي يصرف ماء الحبر، بذوب التّبر، في ترّهات عدم جناها؛ وأقطع جانب الخيبة لفظها ومعناها؛ اللهمّ إلا أن تحصل النفس على كفاية تحتم لها الصّدر، ويشام من خلالها اللّجين الرفيع القدر، أو يحيى للفكاهة والأنس، أو ينفق لديها ذمام على الجنس؛ فربما تقع المخاطبة المبرورة، وتبيح هذا المرتكب الصعب الضرورة؛ والمرغوب من سيّدنا القاضي أن يذكرنا يوما بالإغفال في نعيمه، ولا يخيّب آمالنا المتعلّقة بأذيال زعيمه، ويسهمنا حظّا من فرائد خطّه، لا من فوايد خطّته، ويجعل لنا كفلا من فضل بريته وحنطته لا من فضل هرّته وقطّته؛ فقد غنينا عن الحلاوات بحلاوات لفظه، وعن الطرف المجموعة، بفنون حفظه، وعن قصب السّكر، بقصب أقلامه؛ وعن جنى الرّوم بروامه، وبهديه، عن جديه؛ وبمجاجته، عن دجاجته؛ وبدلجه عن أترجّه؛ وعن البر ببرّه، وعن الحبّ بحبّه؛ ولا نأمل إلّا طلوع بطاقته، وقد رضينا بوسع طاقته؛ وإلّا فلا بدّ أن يجيش جيش الكلام إلى عتبه، ونوالي عليه ضرايب الكتائب، حتى يتّقي بضريبة كتبه، والسلام» . فراجعني بما نصه: [الطويل] فنيت عن الإنصاف منّي لأنني ... كما قلت لكم من فراقكم قاض فمن سمعنا أو من بعينك إنني ... بكلّ الذي ترضاه يا سيدي راض الجزء: 1 ¦ الصفحة: 186 «عمرك الله أيها الإمام الفذّ، ومن بمدحه تطرب الأسماع وتلذّ، أوحد الدنيا وحائز الرّتبة العليا؛ ولولا أنك فوق ما يقال، والزّلّة إن لم تظهر العجز عن وصفك لا تقال، لأطلت في القول، وهدرت هدير قرع الشّول، لكن تحصيل الحاصل محال، ولكلّ في تهيّب كمالك مقال، ومقام وحال؛ ولولا أنّ الدعاء مأمول، وهو يظهر الغيب مقبول، والزيادة من فضل الله لا تنتهي، والنّعم قد توافيك، فوق ما تشتهي، لأريت أن ذلك أمر كفي، وأمر ظهر فيه ما خفي: [البسيط] إن قلت لا زلت مرفوعا فأنت كذا ... أو قلت زانك ربّي فهو قد فعلا إيه يا سيدي، ما هذه الكلمات السّحريّة والأنفاس النّفيسة الشّجرية، والألفاظ التي أنالت المرغوب وخالطت بشاشتها القلوب، والنّزعات الرّائقة، والأساليب الفائقة، والفصاحة التي سلبت العقول، والبلاغة التي أوجبت الذّهول؛ والبيان الذي لا يضيق صحيفه، ولا يبلغ أحد مدّه ونصيفه؛ يمينا بما احتوى من المحاسن، واللطائف التي لم يكن ماؤها بالآسن، وقسما ببراعتك التي هي الواسي المطاع، وطرسك الذي أبهجت به الأبصار والأسماع؛ لقد عاد لي بكتابتك عيد الشّوق، وجاد لي بخطابك جدّ التّوق، ولعهدي بنفسي رهن أشجاني، غير محلولة عقدة لساني، أشدّ من الصخرة جلدا، وأغلظ من الإبل كبدا؛ حتى إذا بدت حقيدة القلب وهبّ نسيمه الرّطب، وأفيح مورده العذب، وأضاء بنوره الشّرق والغرب، ولم يبق لي بثّ ولا شجن، ولا شاقني أهل ولا وطن؛ ومضى سيف اللسان بعد النبوّ، ونهض طرف الفكر بعد البكر، وهزّني الطّرب المثير للأفراح، ومشى الجذل في أطرافي وأعطافي مشي الرّاح؛ بيد أني خجلت ولا خجلة ربّة الخدر، وتضاءلت نفسي لجلالة ذلك القدر؛ وقلت ما لي بشربة من كأس بيانه، وقطرة من بحور إحسانه؛ حتى أؤدّي ولو بعض حقّك، وأكتب عقد ملك رقيّ لرقك، إنني على ما وليت من الصّدقة والصّداقة وبعد طلاقك؛ لكني أقوم في حقك مستغفرا، ولا أرضى أن أكون لذمّة المخدوم خفرا؛ على أنني أقول، قد كتبت فلم يردّ جوابي، وجرمت فهاج الجوى بي، ولعمري قد لزمت فيه خطّة الأدب، ولم أر التّثقيل على المولى الرّفيع الرّتب؛ فأما وقد نفقت عندك بضاعتي المزجاة، وشملني من لدنك الحلم والإناة، وشرّفتني بالخطاب الكريم، والرسالة التي عرفت في وجهها نضرة النعيم؛ فما أبغي إلّا إيرادها عليك وكلها خراج، ولبردها في الإجادة إنهاج؛ ولعلّك ترضى التّخريج من مدوّنة الأخبار، والمبسوطة والواضحة، لكن من الأعذار. وأمّا الولاية التي يقنع بسببها من الودّ بالعشر، أو بحبّة من المدّ إلى يوم النّشر، فلا بدّ أن يكون القانع محتاجا للوالي، ومفتقرا إلى التفقّد المتوالي؛ وأما إذا كان القانع هو الذي تولّى الخطّة، وأكسب الهرّ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 187 الذي أشار إليه والقطّة، فهو قياس عكسه كان أقيس، بل تعليم لمن وجد في نفسه خيفة وأوجس؛ وهأنا قد فهمت وعلمت، من حسن تأديبك ما علمت، وعلى ما فرّطت في جنبك ندمت، وإلى المعذرة والحمد لله ألهمت؛ ومع ذلك أعيد حديث الشيخ القاضي، وذكر عهدك به في الزمان الماضي؛ فلقد أجاد في الخضاب بالسّواد، واعتمد على قول المالكي الذي هدى إلى الرّشاد، وأوجبه بعضهم في بلاد الجهاد؛ وبيّن عمر منافع الخضاب الصادقة الإشهاد، وخضب بالسّواد جماعة من الصّحابة الأمجاد؛ وكان ذلك ترخيصا لم يعدّ شرعا، لكنه دفع شرّا وجلب نفعا؛ لا كأخيه الذي أبكى عين الحميم، وأنشد قول الرّضيّ يوم السقيم، وفجع قلوب أترابه، ولم يأت بيت النّصف من بابه؛ وإلّا فقد علم أن في الخير مشروع «1» ، وتعجّل الشيء قبل أوانه ممنوع، وستغبط أخاك ولو بعد حين، وما كل صاحب يحمد في إيضاح وتبيين، وإني لأرجو أن تتزوجها بكرا، تلاعبها وتلاعبك، أو ثيّبا تقصر عن حبّها مآربك؛ فلا جرم ترجع إلى الخضاب، وحينئذ تمتّع برشف الرّضاب؛ وإلّا قالت سيدي، لا تعظم المنى، ولا تجعل القطر قبل أن يموت عمر؛ لعمر الله إن هذا الموقف صعب، قد ملأ الروح منه روع ورعب؛ وإن أضاف إلى ذلك غلبة الأوهام، وظن الشيخوخة الصادرة عن نيل المرام، سكن المتحرك المصلوب، وتنغّص عند ذلك المحبوب؛ والله يعينك أيّها المولى، ويواليك من بسطه أضعاف ما ولى. وأما الأوصاف التي حسبتها أوصافي، وأوجبت حكمها بالقياس على خلافي، فهي لعمري أوصاف لا تراد، ومراع لا شكّ أنها تراد؛ غير أني بعيد العهد بهذه البلاد، لا أمت لها إلّا بالانتساب والميلاد، لا كالقضاة الذين ذكرت لهم عهدا، ونظمت حلاهم في جيد الدهر عقدا؛ ولو أنك بسرّك بصّرتني بشروط القضاء وسجايا أهل الصّرامة والمضاء، لحقّقت المناط، وأظهرت الزهد والاغتباط؛ لكني جهلت والآن ألهمت؛ وما علّم الإنسان إلّا ليعلم، والله يهدينا إلى الذي يكون أحسن وأقوم؛ وإني لأعلم سيدي بخبري، وأطلع جلاله على عجري «2» وبجري؛ ولكني رحلت عن تلك الحضرة، وعدمت النّظرة في تلك النّظرة؛ لبست الإهمال، واطّلعت في السفر والاعتمال، فأقيم بادي الكآبة، مهتاج الصّبابة، قد فارقت السّكن، وخلفت الدار مثيرة الشّجن: [الوافر] وكانت جنّتي فخرجت منها ... كآدم حين أخرجه الضّرار الجزء: 1 ¦ الصفحة: 188 حتى إذا حططت رحلي بالقرى، وقنعت بالزّاد الذي كفى معيارا والقرى؛ أدخلت إلى دار ضيقة المسالك، شديدة الظّلمة كالليل الحالك، تذكّرني القبر وأهواله وتنسيني الذي أهواه، بل تزيد على القبر برفل لا يتخلّص، وبراغيث كزريعة الكتّان حين تمحّص؛ وبعوض يطيل اللهز «1» ، ولا تغنّي حتى تشرب، وبوق يسقط سقوط النّدى، ويزحف إلى فراشي زحف العدا؛ وأراقم خارجة من الكوى، وحيّات بلدغها نزّاعة للشّوى؛ وجنون يسمع عزيفها، وسرّاق لا يعدم تخويفها؛ هذا ولا قرق لمن بالقهر حبس، إلّا حصير قد اسودّ من طول ما لبس؛ لا يجتزى في طهارته بالنّضح، ولا يحشد من جلس عليه إلّا بالجرح؛ حتى إذا سجا الليل، وامتدّ منه على الآفاق الذيل، فارقني العون فراق الكرى، ورأيت الدمع لما جرى قد جرى؛ فأتوسّد والله ذراعي، ولأحمد والله اضطجاعي؛ فكلا ليليّ محمومين «2» ، والوجع والسّهر محمولان على الرأس والعين؛ حتى إذا طلع الصبح، وآن لبالي وعيون الخصوم الفتح، أتاني عون قد انحنى ظهره ظهره، ونيّف عن المائة عمره، لا يشعر بالجون الصّيّب، ولا تسمعه كلمات أبي الطيّب؛ بربري الأصل، غير عارف بالفصل؛ حتى إذا أذنت للخصوم، وأردت إحياء الرسوم، دخل عليّ غولان عاقلان، وأثقل كتفي منهما مائلان، قد أكلا الثّوم النّيء والبصل، وعرقا في الزّنانير عرقا اتّصل، يهديان إليّ تلك الروائح، ويظهران لي المخازي والفضائح؛ فإذا حكمت لأحدهما على خصمه، وأردت الفصل الذي لا مطمع في فصمه؛ هرب العون هربا، وقضى من النجاة بنفسه أربا؛ واجتمع إلى النصحاء، وجاء المرضى والأصحّاء، كلّ يقول أتريد تعجيل المنايا، وإثكال الولايا، وإتعاب صديقك السّيد العماد، بمرتبة كما فعل مع القاضي الحدّاد؛ فأقول هذا جهاد، وما لي في الحياة مراد، فأرتكب الخطر، وأقضي في الحكم الوطر، والله يسلّم، ويكمل اللطف ويتمّم. وأما إذا جاء أحدكم لكتب عقد، وطمعت في نسيئة أو نقد، قطعت يومي في تفهّم مقصده، مستعيذا بالله من غضبه وحرده؛ حتى إذا ما تخلّصت منه، وملأت السّجل بما أثبته عنه، كشف عن أنياب عضل، وعبس عبوس المحب لانقطاع وصل؛ وقال: لقد أخطأت فيما كتبت، ورسمت ما أردت وأحببت؛ فأكتب عقدا ثانيا وثالثا، وأرتقب مع كل كلام حادث حادثا؛ فإذا رضي، فأسأله كيف؛ وسنّ السّالي الذي أظهره، أو اسمه أو السيف، أخرج من فمه درهما نتنا، قد لزم ضرسا عفنا؛ فأعاجله في البخور، وأحكّه في الصّخور، حتى إذا حمل لمن يبيع الجزء: 1 ¦ الصفحة: 189 خبز الذّرة منتنا، ويرى أنه قد فضل بذلك أنسا وحسنا، وجده ناقصا زائفا، فيرجع حامله وجلا خائفا، ويبقى القاضي فقيد الهجوع، يشدّ الحجر على بطنه من الجوع، على أنني أحمد خلاء البطن، وما بجسمي لا يحكى من الوهن؛ لتعذّر المرحاض، وبعد ماء الحياض، وكمون السّباع في الغياض، وتعلّق الأفاعي بالرّداء الفضفاض، ونجاسة الحجارة، وكثرة تردّد السّيارة، والانكشاف للريح العقيم، والمطر المنصبّ إلى الموضع الذميم. هذه الحال، وعلى شرحها مجال، وقد صدقتك سنن فكري، وأعلمتك بذات صدري، فتجلّى الغرارة غرور، وشهود الشّهد زور، والطّمع في الصّرّة إصرار، ودون التّبر يعلم الله تيّار. وأما الكبش، فحظّي منه غباره إذا خطر، والثّور بقرنه إذا العيد حضر، كما أن حظّي من الجدي التأذّي بمسلكه، وإنّ جدي السماء لأقرب لي من تملّكه، وأنا من الحلاوة سالم ابن حلاوة، ولا أعهد من طرف الطرف الدّماوة، ودون الدّجاج كل مدجّج، وعوض الأترجّ رجّة بكل معرج، ولو عرفت أنك تقبل على علّاتها الهدايا، وتوجب المزيد لأصحابك المزايا، لبعثت بالقماش، وأنفذت الرّياش، وأظهرت الغنى، والوقوف بمبنى المنى، وأوردتها عليك من غير هلع، مطّلعة في الجوف بعد بلع، من كل ساحليّة تقرّب إلى البحر، وعدوية لا تعدّ وصدر مجلس الصّدر، حتى أجمع بين الفاكهة والفكاهة، ويبدو لي بعد الشقف وجوه الوجاهة، وأتبرأ من الصّدّ المذموم، ولا أكون أهدأ من القطا لطرق اللّوم؛ لأنك زهدت في الدنيا زهد ابن أدهم، وألهمك الله من ذلك أكرم ما ألهم؛ فيدك من أموال الناس مقبوضة، وأحاديث اللها الفاتحة للها مرفوضة؛ وإذا كان المرء على دين خليله، ومن شأنه سلوك نهجه وسبيله، فالأليق أن أزهد في الصّفراء والبيضاء، وأقابل زخرف الدنيا بالبغضاء، وأحقّق وأرجو على يدك حسن التخلّي، والاطّلاع على أسرار التّجلّي؛ حتى أسعد بك في آخرتي ودنياي، وأجد بركة خاطرك في مماتي ومحياي؛ أبقاك الله بقاء يسر، وأمتع بمناقبك التي يحسدها الياقوت والدّر، ولا زلت في سيادة تروق نعتا، وسعادة لا ترى فيها عوجا ولا أمتا، وأقرأ عليك سلاما عاطر العرف، كريم التأكيد والعطف، ما رثى لحالي راث، وذكرت أدّاية حراث، ورحمة الله وبركاته. وكتبه أخوك ومملوكك، وشيعة مجدك، في الرابع والعشرين من جمادى الأولى عام أربعة وستين وسبعمائة» . مولده: بغرناطة عام ثلاثة عشر وسبعمائة. محنته: توجّه رسولا عن السلطان إلى صاحب تلمسان السلطان أحمد بن موسى بن يوسف بن عبد الرحمن بن يحيى بن يغمراسن بن زيّان، وظفر بالجفن الذي ركبه العدو، بأحواز جزيرة حبيبة، من جهة وهران، فأسر هو ومن بأسطول الجزء: 1 ¦ الصفحة: 190 سفره من المسلمين؛ وبلغ الخبر فعظم الفجع؛ وبينا «1» نحن نروم سفر أسطول يأخذ الثار، ويستقري الآثار، فيقيل العثار؛ إذ «2» اتّصل الخبر بمهادنة السلطان المذكور، ففدي من أسر بذلك المال الذي ينيف على سبعة آلاف من العين في ذلك؛ فتخلّص من المحنة لأيام قلائل، وعاد؛ فتولّى السلطان إرضاءه عمّا فقد، وضاعف له الاستغناء وجدّد؛ وكان حديثه من أحاديث الفرج بعد الشدّة محسوبا، وإلى سعادة السلطان منسوبا. وأنشدته شعرا في مصابه، بعدها، وقد قضيت له من برّ السلطان على عادتي، ما جبر الكسر، وخفض الأمر: [المتقارب] خلصت كما خلص الزّبرقان ... وقد محق النّور عنه السّرار «3» وفي السّيّق والرار ... في هذا سرّ وفي ذا أسرار «4» وكان تاريخ هذه المحنة المردفة المنحة، حسبما نقلته من خطّه؛ قال: «اعلموا يا سيدي أبقاكم الله تعالى، أنّ سفرنا من ألمريّة، كان في يوم الخميس السادس لشهر ربيع الآخر من عام ثمانية وستين وسبعمائة، وتغلّب علينا العدو في عشيّة يوم الجمعة الثاني منه، بعد قتال شديد؛ وكان خروجنا من الأسر في يوم السبت الثاني والعشرين لربيع الثاني المذكور، وكان وصولي إلى الأندلس في أسطول مولانا نصره الله، في جمادى الآخرة من العام المذكور، بعد أن وصلوا قرطاجنّة وأخذوا أجفانا ثلاثة من أجفان العدوّ، وعمل المسلمون الأعمال الكريمة» . إبراهيم بن خلف بن محمد بن الحبيب بن عبد الله بن عمر ابن فرقد القرشي العامري «5» قال ابن عبد الملك: كذا وقفت على نسبه بخطّه في غير ما موضع من أهل مورة «6» ، وسكن إشبيلية. حاله: كان متفنّنا في معارفه، محدّثا، راوية، عدلا، فقيها، حافظا، شاعرا، كاتبا، بارعا، حسن الأخلاق، وطئ الأكناف، جميل المشاركة لإخوانه وأصحابه، كتب بخطه الكثير من كبار الدّواوين وصغارها، وكان من أصحّ الناس كتبا، وأتقنهم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 191 ضبطا وتقييدا، لا تكاد تلقى فيما تولّى تصحيحه خللا، وكان رؤوفا شديد الحنان على الضعفاء والمساكين واليتامى، صليبا في ذات الله تعالى، يعقد الشروط محتسبا، لا يقبل ثوابا عليها إلّا من الله تعالى. مشيخته: تلا بالسّبع على أبي عمران موسى بن حبيب، وحدّث عن أبي الحسن بن سليمان بن عبد الرحمن المقرئ، وعبد الرحمن بن بقّي، وأبي عمرو ميمون بن ياسين، وأبي محمد بن عتّاب، وتفقّه بأبويّ عبد الله بن أحمد بن الحاجّ، وابن حميد، وأبي الوليد بن رشد، وأجاز له أبو الأصبغ بن مناصف، وأبو بكر بن قزمان، وأبو الوليد بن طريف. من روى عنه: روى عنه أبو جعفر، وأبو إسحاق بن علي المزدالي، وأبو أمية إسماعيل بن سعد السعود بن عفير، وأبو بكر بن حكم الشّرمسي، وابن خير، وابن تسع، وابن عبد العزيز الصدفي، وأبو الحجاج إبراهيم بن يعقوب، وأبو علي بن وزير، وأبو الحسن بن أحمد بن خالص، وأبو زيد محمد الأنصاري، وأبو عبد الله بن عبد العزيز الذّهبي، وأبو العباس بن سلمة، وأبو القاسم بن محمد بن إبراهيم المراعي، وأبو محمد بن أحمد بن جمهور، وعبد الله بن أحمد الأطلس. تواليفه: دوّن برنامجا ممتعا ذكر فيه شيوخه، وكيفيّة أخذه عنهم، وله رجز في الفرائض مشهور، ومنظوم كثير، وترسّل منوّع، وخطب مختلفة المقاصد، ومجموع في العروض. دخوله غرناطة: قال المؤرّخ: وفي عام أربعة وخمسين وخمسمائة، عند تغيّب الخليفة «1» بالمهديّة، استدعى السيد أبو سعيد الوالي بغرناطة، عند استقراره بها، الحافظ أبا بكر بن الجدّ، والحافظ أبا بكر بن حبيش، والكاتب أبا القاسم بن المراعي، والكاتب أبا إسحاق بن فرقد، وهو هذا المترجم به، فأقاموا معه مدّة تقرب من عامين اثنين بها. شعره: مما ينقل عنه قصيدة شهيرة في رثاء الأندلس: [المتقارب] ألا مسعد منجز ذو فطن ... يبكي بدمع معين هتن جزيرة أندلس حسرة ... لا غالب من حقود الزّمن ويندب أطلالها آسفا ... ويرثي من الشّعر ما قد وهن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 192 ويبكي الأيامى ويبكي اليتامى ... ويحكي الحمام ذوات الشّجن ويشكو إلى الله شكوى شج ... ويدعوه في السّرّ ثم العلن وكانت رباطا لأهل التّقى ... فعادت مناطا لأهل الوثن وكانت معاذا لأهل التّقى ... فصارت ملاذا لمن لم يدن وكانت شجى في حلوق العدا ... فأضحى لهم مالها محتجن وهي طويلة، ولديّ خلاف فيمن أفرط في استحسانها. وشعره عندي وسط. ومن شعره وهو حجّة في عمره عند الخلاف في ميلاده ووفاته، قال: [الطويل] ثمانون «1» مع ستّ عمرت وليتني ... أرقت دموعي بالبكاء على ذنب فلا الدّمع في محو الخطيئة غنية ... إذا هاج من قلب منيب إلى الرّبّ فيا سامع الأصوات رحماك أرتجي ... فهب «2» إنسكاب الدّمع من رقّة القلب وزكّ الذي تدريه من شيمة ... تعلّق بالمظلوم من شدّة الكرب وزكّ مثابي في العقود وكتبها ... لوجهك لم أقبل ثوابا على كتب ولا تحرمني أجر ما كنت فاعلا ... فحقّ اليتامى عندي من لذي صعب ولا تخزني يوم الحساب وهو له ... إذا جئت مذعورا من الهول والرّعب مولده: حسبما نقل من خط ابنه أبي جعفر، ولد، يعني أباه سنة أربع وثمانين وأربعمائة» . وفاته: بعد صلاة المغرب من ليلة الثلاثاء الثامن عشر من محرم عام اثنين وسبعين وخمسمائة. ونقل غير ذلك. إبراهيم بن محمد بن إبراهيم بن عبيدس بن محمود النفزي أبّذي «4» الأصل، غرناطي الاستقرار، ويكنى أبا إسحاق. حاله: خاتمة الرّحّال بالأندلس، وشيخ المجاهدات وأرباب المعاملات، صادق الأحوال، شريف المقامات، مأثور الإخلاص مشهور الكرامات، أصبر الناس على الجزء: 1 ¦ الصفحة: 193 مجاهداته، وأدومهم على عمل وذكر وصلاة وصوم، لا يفتر عن ذلك ولا ينام، آية الله في الإيثار، لا يدّخر شيئا لغد، ولا يتحرّف بشيء، وكان فقيها حافظا، ذاكرا للغة والأدب، نحويّا ماهرا، درس ذلك كلّه أول أمره، كريم الأخلاق، غلب عليه التصوّف فشهر به، وبمعرفة طريقه الذي ندّ فيها أهل زمانه، وصنّف فيها التصانيف المفيدة. ترتيب زمانه: كان يجلس إثر صلاة الصبح لمن يقصده من الصالحين، فيتكلم لهم بما يجريه الله على لسانه، وييسّر من تفسير، وحديث وعظة، إلى طلوع الشمس؛ فيتنفّل صلاة الضّحى، وينفصل إلى منزله، ويأخذ في أوراده، من قراءة القرآن والذّكر والصلاة إلى صلاة الظهر، فيبكّر فى رواحه، ويوالي التنفّل إلى إقامة الصلاة، ثم كذلك في كل صلاة، ويصل ما بين العشاءين بالتنفّل، هذا دأبه أبدا. وكان أمره في التوكّل عجبا، لا يلوي على سبب، وكانت تجبى إليه ثمرات كلّ شيء، فيدفع ذلك بجملته، وربما كان الطعام بين يديه، وهو محتاج، فيعرض من يسأله، فيدفعه جملة، ويبقى طاويا، فكان الضعفاء والمساكين له لياذا ينسلون من كل حدب، فلا يردّ أحدا منهم خائبا، ونفع الله بخدمته وصحبته، واستخرج بين يديه عالما كثيرا. مشيخته: أخذ القراءة عن أبي عبد الله الحضرمي، وأبي الكوم جودي بن عبد الرحمن، والحديث عن أبي الحسن بن عمر الوادي آشي، وأبي محمد عبد الله بن سليمان بن حوط الله، والنحو واللغة عن ابن يربوع وغيره. ورحل وحجّ، وجاور وتكرّر. ولقي هناك غير واحد، من صدور العلماء وأكابر الصوفية، فأخذ صحيح البخاري سماعا منه سنة خمس وستمائة عن الشّريف أبي محمد بن يونس، وأبي الحسن علي بن عبد الله بن المغرباني، ونصر بن أبي الفرج الحضرمي، وسنن أبي داود وجامع التّرمذي على أبي الحسن بن أبي المكارم نصر بن أبي المكارم البغدادي، أحد السامعين على أبي الفتح الكروخي، وأبي عبد الله محمد بن مستري الحمة، وأبي المعالي بن وهب بن البنا، وببجاية عن أبي الحسن علي بن عمر بن عطيّة. من روى عنه: روى عنه خلق لا يحصون كثرة؛ منهم أحمد بن عبد المجيد بن هذيل الغسّاني، وأبو جعفر بن الزبير، وغيره. تواليفه: صنّف في طريقة التصوّف وغيرها تصانيف مفيدة؛ منها «مواهب العقول وحقائق المعقول» ، و «الغيرة المذهلة، عن الحيرة والتّفرقة والجمع» ، و «الرحلة العنوية» ، ومنها «الرسائل في الفقه والمسائل» ، وغير ذلك. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 194 شعره: له أشعار في التصوّف بارعة، فمن ذلك ما نقلته من خط الكاتب أبي إسحاق بن زكريا في مجموع جمع فيه الكثير من القول: [الوافر] يضيق عليّ من وجدي الفضاء ... ويقلقني من الناس العناء وأرض الله واسعة ولكن ... أبت نفسي تحيط بها السماء رأينا العرش والكرسيّ أعلى ... فواليناهما حرم الولاء «1» فأين الأين منّا أو زمان ... بحيث لنا على الكلّ استواء شهدنا للإله بكلّ حكم ... فغاب القلب وانكشف الغطاء ويدعوني الإله إليه حقّا ... فيؤنسني من الخوف الرّجاء ويقبضني ويبسطني ويقضي ... بتفريقي وجمعي ما يشاء ويعي في وجود الخلق نحوا ... ينعت من تولّاه الفناء فكم أخفي وجودي وقت فقدي ... كأن الفقد والإحيا سواء فسكر ثم صحو ثم سكر ... كذاك الدهر ليس له انقضاء فوصفي حال من وصفي ولكن ... ظهور الحقّ ليس له خفاء إذا شمس النهار بدت تولّت ... نجوم الليل ليس لها انجلاء ومن شعره: [البسيط] كم عارف سرحت في العلم همّته ... فعقله لحجاب العقل هتّاك كساه نور الهدى بردا وقلّده ... درّا ففي قلبه للعلم أسلاك كسب ابن آدم في التحقيق كسوته ... إنّ القلوب لأنوار وأحلاك كلّف فؤادك ما يبدي عجائبه ... إنّ ابن آدم للأسرار درّاك كيف وكم ومتى والأين منسلب ... عن وصف باريها والجهل تبّاك كبّر وقدّس ونزّه ما أطقت فلم ... يصل إلى ملك الأملاك أملاك كرسيه ذلّ والعرش استكان له ... ونزه الله أملاك وأفلاك كلّ يقرّ بأنّ العجز قيّده ... والعجز عن درك الإدراك درّاك وقال: وهو ما اشتهر عنه، وأنشدها بعض المشارقة في رحلته في غرض اقتضى ذلك، يقتضي ذكره طولا: [البسيط] يا من أنامله كالمزن هامية ... وجود كفّيه أجرى من يجاريها الجزء: 1 ¦ الصفحة: 195 بحقّ من خلق الإنسان من علق ... انظر إلى رقعتي وافهم معانيها أني فقير ومسكين بلا سبب ... سوى حروف من القرآن أتلوها سفينة الفقر في بحر الرّجا غرقت ... فامنن عليها بريح منك يجريها لا يعرف الشوق إلّا من يكابده ... ولا الصّبابة إلّا من يعانيها وقال القاضي أبو عبد الله بن عبد الملك، وقد ذكره: على الجملة فبه ختم جلّة أهل هذا الشأن بصقع الأندلس، نفعه الله ونفع به. مولده: ولد بجيّان سنة اثنتين وستين وخمسمائة أو ثلاث وستين. إبراهيم بن عبد الرحمن بن أبي بكر التّسوليّ «1» من أهل تازيّ، يكنى أبا سالم، ويعرف بابن أبي يحيى. حاله: من أهل «الكتاب المؤتمن» «2» : كان «3» هذا الرجل قيّما على «التّهذيب» ، و «رسالة ابن أبي زيد» ، حسن الإقراء لهما؛ وله عليهما تقييدان نبيلان، قيّدهما أيام قراءته إياهما على أبي الحسن الصّغير، حضرت مجالسه بمدرسة عدوة الأندلس من فاس، ولم أر في متصدّري بلده أحسن تدريبا «4» منه. كان فصيح اللسان، سهل الألفاظ، موفيا حقوقها، وذلك لمشاركته الحضر فيما في أيديهم «5» من الأدوات؛ وكان مجلسه وقفا على «التهذيب» و «الرسالة» ؛ وكان مع ذلك شيخا «6» فاضلا، حسن اللقاء، على خلق بائنة من «7» أخلاق أهل مصره. امتحن بصحبة السلطان، فصار يستعمله في الرسائل، فمرّ في ذلك حظّ كبير من عمره ضائعا، لا في راحة دنيا، ولا في نصيب «8» آخرة. ثم قال: هذه «9» سنّة الله فيمن خدم الملوك، ملتفتا إلى ما يعطونه، لا إلى ما يأخذون من عمره وراحته، أن يبوؤا «10» بالصّفقة الخاسرة، لطف الله بمن ابتلي بذلك، وخلّصنا خلاصا جميلا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 196 ومن كتاب «عائد الصلة» «1» : الشيخ، الحافظ، الفقيه، القاضي، من صدور المغرب، مشاركا «2» في العلم، متبحّرا «3» في الفقه، كان وجيها عند الملوك، صحبهم، وحضر مجالسهم، واستعمل في السفارة، فلقيناه بغرناطة، وأخذنا بها عنه؛ تامّ السّراوة «4» ، حسن العهد، مليح المجالس، أنيق المحاضرة، كريم الطبع، صحيح المذهب. تصانيفه: قيّد «5» على «المدوّنة» بمجلس شيخه القاضي «6» أبي الحسن كتابا مفيدا وضمّ أجوبته على المسائل في سفر، وشرح كتاب «الرسالة» شرحا عظيم الفائدة. مشيخته: لازم «7» أبا الحسن الصغير، وهو كان قارىء كتب الفقه عليه، وجلّ انتفاعه في التفقّه به. وروى عن أبي زكريا بن أبي ياسين «8» ، قرأ عليه كتاب «الموطّأ» ، إلّا كتاب «المكاتب» ، وكتاب «المدبّر» ، فإنه سمعه بقراءة الغير، وعن أبي عبد الله بن رشيد، قرأ عليه «الموطأ» ، و «شفاء» عياض، وعن أبي الحسن بن عبد الجليل السّداري «9» ، قرأ عليه «الأحكام الصغرى» لعبد الحق، وأبي الحسن بن سليمان، قرأ عليه «رسالة ابن أبي زيد» ، وعن غيرهم. وفاته: فلج بآخرة، فالتزم منزله بفاس يزوره السلطان فمن «10» دونه، وتوفي بعد عام ثمانية وأربعين وسبعمائة «11» . إبراهيم بن محمد بن علي بن محمد ابن أبي العاصي التّنوخي «12» أصله من جزيرة طريف، ونشأ بغرناطة واشتهر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 197 حاله: من «عائد الصلة» : كان نسيج وحده حياء، وصدقة، وتخلّقا، ومشاركة، وإيثارا. رحل عند استيلاء العدو على جزيرة طريف، عام أحد وسبعين وستمائة، متحوّلا إلى مدينة سبتة، فقرأ بها واستفاد. وورد الأندلس، فاستوطن مدينة غرناطة، وكتب في الجملة عن سلطانها، وترقى معارج الرّتب، حالّا محالا، من غير اختلاف على فضله، ولا نزاع في استحقاقه، وأقرأ فنونا من العلم، بعد مهلك أستاذ الجماعة أبي جعفر بن الزبير، بإشارة منه به؛ وولّي الخطابة والإمامة بجامعها منتصف صفر عام ستة عشر وسبعمائة، وجمع بين القراءة والتدريس، فكان مقرئا للقرآن، مبرّزا في تجويده، مدرّسا للعربية والفقه، آخذا في الأدب، متكلّما في التفسير، ظريف الخط، ثبتا محققا لما ينقله. وألقى الله عليه من المحبة والقبول، وتعظيم الخلق له، ما لا عهد بمثله لأحد؛ بلغ من ذلك مبلغا عظيما، حتى كان أحبّ إلى الجمهور من أوصل أهلهم وآبائهم، يتزاحمون عليه في طريقه، يتمسّحون به، ويسعون بين يديه، ومن خلفه، ويتزاحم مساكينهم على بابه، قد عوّدهم طلاقة وجهه، ومواساته لهم بقوته، يفرّقه عليهم متى وجدوه، وربما أعجلوه قبل استواء خبزه، فيفرّقه عليهم عجينا، له في ذلك أخبار غريبة. وكان صادعا بالحق، غيورا على الدين، مخالفا لأهل البدع، ملازما للسّنّة، كثير الخشوع والتخلّق على علوّ الهمّة، مبذول المشاركة للناس والجدّ في حاجاتهم، مبتليا «1» بوسواس في وضوئه، يتحمل الناس من أجله مضضا في تأخير الصلوات ومضايقة أوقاتها. مشيخته: قرأ ببلده على الخطيب القاضي المقرئ أبي الحسن عبيد الله بن عبد العزيز القرشي، المعروف بابن القارئ، من أهل إشبيلية، وقرأ بسبتة على الأستاذ إمام المقرئين لكتاب الله، أبي القاسم محمد بن عبد الرحمن بن الطيّب بن زرقون القيسي الضرير، نزيل سبتة، والأستاذ أبي إسحاق الغافقي المريوني، وقرأ على الشيخ الوزير أبي الحكم بن منظور القيسي الإشبيلي، وعلى الشيخ الراوية الحاج أبي عبد الله محمد بن الكتامي التلمساني بن الخضّار، وقرأ بغرناطة على الأستاذ أبي جعفر بن الزبير، وأخذ عن أبي الحسن بن مستقور. شعره: كان يقرض شعرا وسطا، قريبا من الانحطاط. قال شيخنا أبو بكر بن الحكيم «2» في كتابه المسمّى ب «الفوائد المنتخبة، والموارد المستعذبة» : كتب إليه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 198 شيخنا وبركتنا أبو جعفر بن الزيّات في شأن شخص من أهل البيت النبوي بما نصّه: [الخفيف] رجل يدّعي القرابة للبي ... ت وإنّ الثريّا منه بمعزل سال «1» مني خطابكم وهو هذا ... ولكم في القلوب أرفع منزل فهبوه دعاءكم وامنحوني ... منه حظّا ينمي الثواب ويجزل وعليكم تحيّة الله مادا ... م أمير الهدى يولّي ويعزل فأجابه: [الخفيف] يا إمامي ومن به قطركم ذا ... ك وحادي البلاد أطيب منزل لم أضع ما نظمتم من يدي حتى ... أنيل الشّريف تحفة منزل وحباه بكلّ منح جزيل ... من غدا يمنح الثّواب ويجزل دمتم تنشرون علما ثواب الله فيه لكم أعزّ وأجزل تذكرون الله ذكرا كثيرا ... وعليكم سكينة الله تنزل وطلبتم منّي الدّعاء وإنّي ... عند نفسي من الشروط بمعزل لكن ادعو ولتدع لي برضا الله وأبدى فهم ذكر قد أنزل وحديث الرسول صلّى عليه ... كل وقت وربّ لنا الغيث ينزل وعليكم تحيّتي كل حين ... ما اطمأنّت بمكة أمّ معزل قال: ومما أنشدني من نظمه أيضا في معرض الوصيّة للطلبة «2» : [الكامل] اعمل بعلمك تؤت علما إنما ... عدوى علوم المرء منح الأقوم «3» وإذا الفتى قد نال علما ثم لم ... يعمل به فكأنما «4» لم يعلم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 199 وقال موطئا على البيت الأخير «1» : [المتقارب] أمولاي أنت الغفور الكريم ... لبذل النّوال مع المعذره «2» عليّ ذنوب وتصحيفها ... ومن عندك الجود والمغفره إسماعيل بن فرج بن إسماعيل بن يوسف بن محمد ابن أحمد بن محمد بن خميس بن نصر بن قيس الأنصاري الخزرجي «3» أمير المؤمنين «4» بالأندلس، رحمه الله. أوّليّته: تقرّر عند ذكر الملوك من قومه في اسم صنو جدّه، أمير المسلمين أبي عبد الله الغالب بالله. حاله: من كتاب «طرفة العصر في تاريخ دولة بني نصر» من تصنيفنا «5» : «كان، رحمه الله، حسن «6» الخلق، جميل «7» الرّواء، رجل جدّ، سليم الصدر، كثير الحياء، صحيح العقل «8» ، ثبتا في المواقف، عفيف الإزار، ناشئا في حجر الطهارة، بعيدا عن «9» الصّبوة، بريئا من المعاقرة. نشأ مشتغلا بشأنه، متبنّكا «10» نعمة أبيه، مختصّا بإيثار السلطان جدّه أبي أمّه، وابن عمّ والده، منقطعا إلى الصّيد، مصروف «11» اللّذّة إلى استجادة سلاحه، وانتقاء مراكبه، واستفراه جوارحه، إلى أن أفضى إليه الأمر، وساعدته الأيام، وخدمه الجدّ، وتنقّل «12» إلى بيته الملك به، وثوى في عقبه الذّكر، فبذل العدل في رعيّته، واقتصد في جبايته، واجتهد في مدافعة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 200 عدو الله «1» ، وسدّ ثلم ثغوره «2» ، فكان غرّة في قومه، ودرّة في بيته، وحسنة من حسنات دهره. وسيرد نبذ من أحواله، مما يدلّ على فضل جلاله» . صفته: كان معتدل القدّ، وسيم الصورة، عبل اليدين، أبيض اللون، كثير اللحية، بين السواد والصهوبة «3» أنجل أعين أفوه مليح العين، أقنى الأنف، جهير الصوت؛ أمه الحرّة الجليلة، العريقة في الملوك، فاطمة بنت أمير المؤمنين أبي عبد الله نخبة الملك، وواسطة العقد، وفخر الحرم، البعيدة الشّأو في العزّ والحرمة، وصلة الرّعي، وذكر التراث. واتصلت حياتها، ملتمسة الرأي، برنامجا للفوائد، تاريخا للأنساب، إلى أن توفيت في عهد حفيدها السلطان أبي الحجّاح، رحمها الله، وقد أنفت على تسعين من السنين، فكان الحفل في جنازتها، موازيا لمنصبها، ومتروكها، المفضي إليه خطيره، وقلت في رثائها: [الطويل] نبيت على علم بغائلة الدهر ... ونعلم أنّ الخلق في قبضة الدّهر ونركن للدنيا اغترارا بقهرها ... وحسبك من يرجو الوفاء من الغدر ونمطل بالعزم الزّمان سفاهة ... فيوم إلى يوم، وشهر إلى شهر وتغري بها نفسي المطامع والهوى ... ونرفض ما يبقى ضيعة العمر هو الدهر لا يبقى على حدثانه ... جديد ولا ينفكّ من حادث نكر وبين الخطوب الطارقات تفاضل ... كفضل من اغتالته في رفعة القدر ألم تر أنّ المجد أقوت ربوعه ... وصوّح من أدواحه كل مخضرّ ولاحت على وجه العلاء كآبة ... فقطّب من بعد الطلاقة والبشر وثبتّ اسمها في الوفيات من الكتاب المذكور بما نصّه: «السلطانة الحرّة، الطاهرة، فاطمة بنت أمير المسلمين أبي عبد الله ابن أمير المسلمين الغالب بالله، بقيّة نساء الملوك، الحافظة لنظام الإمارة، رعيا للمتات «4» ، وصلة للحرمة، وإسداء للمعروف، وسترا للبيوتات، واقتداء بسلفها الصالح، في نزاهة النفس، وعلوّ الهمّة، ومتانة الدين، وكشف الحجاب، ونفاذ العزم، واستشعار الصبر. توفّيت في كفالة حفيدها أمير المسلمين أبي الحجاج، مواصلا برّها، ملتمسا دعاءها، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 201 مستفيدا تجربتها وتاريخها، مباشرا مواراتها بمقبرة الجنان، داخل الحمراء، سحر يوم الأحد السابع لذي حجة، من عام تسعة وأربعين وسبعمائة» . أولاده: تخلّف «1» من الولد أربعة؛ أكبرهم محمد، وليّ الأمر «2» من بعده، وفرج شقيقه التالي له بالسنّ، المنصرف عن الأندلس بعد مهلك أخيه المذكور، المتقلب في الإيالات، الهالك أخيرا في سجن قصبة ألمرية عام أحد وخمسين وسبعمائة، مظنونا به الاغتيال، ثم أخوه أمير المسلمين أبو الحجاج، تغمّده الله برحمته، أقعد القوم في الملك، وأبعدهم أمدا في السعادة، ثم إسماعيل أصغرهم سنّا، المبتلي في زمان «3» الشبيبة في الثّقاف «4» المخيف مدة أخية، المستقرّ الآن موادعا مرفودا، بقصر المستخلص من ظاهر شالوبانية، وبنتين ثنتين من حظيّته علوة، عقد عليهما أخوهما أبو الحجاج، لرجلين من قرابته. وزراؤه: وزر «5» له أول أمره القائد البهمة «6» أبو عبد الله محمد بن أبي الفتح الفهري، وبيت هؤلاء القوّاد شهير، ومكانتهم من الملوك النصريين مكينة. أشرك معه في الوزارة الفقيه الوزير أبا الحسن علي بن مسعود بن علي بن مسعود المحاربي، من أعيان الحضرة، وذوي النباهة، فجاذب رفيقه حبل الخطّة، ونازعه لباس الحظوة، حتى ذهب باسمها ومسمّاها. وهلك القائد أبو عبد الله بن أبي الفتح، فخلص له شربها، وسيأتي التعريف بكل على انفراد. كتابه: كتب «7» عنه لأول أمره بمالقة، ثم بطريقه إلى غرناطة، وأياما يسيرة بها، الفقيه الكاتب أبو جعفر بن صفوان المتقدّم ذكره. ثم ألقى المقادة إلى كاتب الدولة قبل، شيخنا أبي الحسن بن الجيّاب فاصل الخطّة، وباري القوس، واقتصر عليه إلى آخر أيامه. قضاته: استقضى «8» أخا وزيره، الشيخ الفقيه أبا بكر بن يحيى بن مسعود بن علي، رجل الجزالة، وفيصل الحكم، فاشتدّ في إقامة الحكم «9» ، وغلظ بالشرع، واستعان بالجاه، فخيفت «10» سطوته، واستمرّ قاضيا إلى آخر أيامه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 202 رئيس جنده الغربي: الشيخ «1» البهمة «2» ، لباب قومه، وكبير بيته، أبو سعيد عثمان بن أبي العلاء «3» إدريس بن عبد الله «4» بن عبد الحق، مشاركا له في النعمة، ضاربا بسهم في المنحة، كثير التجنّي والدّالّة، إلى أن هلك المخلوع، وخلا الجوّ، فكان منه بعض الإقصار. الملوك على عهده: وأولا «5» بعدوة المغرب: كان على عهده من ملوك المغرب السلطان الشهير، جواد الملوك، الرّحب الجناب، الكثير الأمل، خدن العافية، ومحالف الترفية، مفحم «6» النّعيم، السعيد على خاصته وعامته، أبو سعيد عثمان بن السلطان الكبير، المجاهد، المرابط، أبي يوسف» بن عبد الحق. وجرت بينه «8» وبينه المراسلات، واتصلت أيامه بالمغرب بعد مهلكه وصدرا من أيام ولده أبي عبد الله حسبما مرّ «9» عند ذكره. وبمدينة تلمسان، وطن القبلة، الأمير أبو حمّو موسى بن عثمان بن يغمراسن بن زيّان. ثم توفي قتيلا «10» على عهده بأمر ولده المذكور، واستغرقت أيام ولده المذكور الوالي بعده، إلى أن هلك في صدر أيام أبي الحجاج؛ وجرت بينه وبين الأمير مراسلات وهدايات. وبمدينة تونس، الشيخ المتلقّب بأمير المؤمنين أبو يحيى زكريا بن أبي حفص المدعو باللّحياني، المتوثّب بها على الأمير أبي البقاء خالد بن أبي زكريا بن أبي حفص، وهو كبير، إلّا أن أبا حفص أكبر سنّا وقدرا، وقد تملّك تونس تاسع جمادى الآخرة من عام ظهر له اضطراب من بها، أحد عشر وسبعمائة، وتمّ له الأمر. واعتقل أبا البقاء بعد خلعه، ثم اغتاله في شوّال عام ثلاثة عشر وسبعمائة، ثم رحل عن تونس لما ظهر له من اضطراب أمره بها، وتوجّه إلى طرابلس «11» في وسط عام خمسة عشر «12» ، واستناب صهره الشيخ أبا عبد الله بن أبي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 203 عمر «1» ، ولم يعد بعد إليها. ثم اضطرب أمر إفريقية، وتنوّبه «2» عدة من الملوك الحفصيين، منهم الأمير أبو عبد الله بن أبي عمر «3» المذكور، وأبو عبد الله بن «4» اللّحياني، والسلطان أبو بكر بن الأمير أبي زكريا بن الأمير أبي إسحاق، لبنة تمامهم، وآخر رجالهم، واستمرّت أيامه إلى أيام ولده الأمير بالأندلس ومعظم أيام ولديه، رحم الله الجميع. ومن ملوك الروم بقشتاله؛ كان على عهده مقرونا بالعهد القريب من ولايته، الطاغية هرانده بن شانجة بن ألهنشة «5» بن هراندة المجتمع له ملك قشتالة وليون «6» ، وهو المتغلّب على إشبيلية، وقرطبة، ومرسية، وجيّان؛ ابن الهنشة «7» الذي جرت له وعليه هزيمة الأرك «8» والعقاب «9» ، ابن شانجه بن الهنشة المسمّى إنبرذور، وهو الذي أفرد صهره وزوج بنته بملك برتقال، إلى أجداد، يخرجنا تقصّي ذكرهم عن الغرض. ومن ملوك رغون «10» من شرق الأندلس، الطّاغية جايمش بن بطره بن جايمش الذي تغلب على بلنسية، ابن بطره بن الهنشة «11» ، إلى أجداد عدة كذلك. ثم هلك في أخريات أيامه، فولّي ملك أرغون «12» بعده ألهنشة «13» بن جايمش إلى أخريات «14» أيامه. وببرتقال ألهنشة «15» بن يومس «16» بن ألهنشة «17» بن شانجة بن ألهنشة «18» بن شانجة بن ألهونشة «19» ، وتسمّى «20» أولا دوقا. ذكر تصيّر الأمر إليه: لما ولي «21» الأمر بالأندلس، حرسها الله، السلطان أبو الجيوش نصر بن السلطان أبي عبد الله محمد بن السلطان الغالب بالله أبي عبد الله بن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 204 نصر، يوم عيد الفطر من عام ثمانية وسبعمائة، بالهجوم على أخيه أبي عبد الله الزّمن المقعد، الآمن في ركن بيته، واغتيال ابن الحكيم وزيره ببابه، والإشادة بخلعه حسبما يأتي في موضعه، استقرّ الأمر على ضعف أخيه، وسارع دخلته، فساءت السّيرة لمنافسة الخاصّة، وكان الرئيس الكبير عميد القرابة، وعلم الدولة أبو سعيد فرج، ابن عمّ السلطان المخلوع، وأخيه الوالي بعده، راسخا قدمه وعرفه، بمثوبة الوارث، ولنظره عن أبيه المسوّغ عن جدّه مالقة وما إليها، ولنظره مدينة سبتة، المضافة إلى إيالة المخلوع عن عهد قريب، قد أفرد بها ولده المترجم به، وجميعهم تحت طاعته، وفي زمان انقياد سوغ مديد الدولة، بل مدّ سروها لما شاء عزّ وجلّ من احتوائهم في حبل هذا الدايل، يتعقبون على الرئيس الكبير أمورا تثرّ مخيمة الصدور، وتستدعي فرض الطاعة، وتحتوي على مظنّات مخلة، واحترسوا صافيات منافعه، وأوعزوا إلى ولاة الأعمال بالتضييق على رجاله، وصرفوا سننه عن نظره. ولمّا بادر إلى الحضرة لإعطاء صفقة البيعة وتهنئة السلطان نصر عن روحه وابن عمّه، على عادته، داخله بعض أرباب الأمر، محذّرا، ومشيرا بالامتناع ببلده، والدّعاء لنفسه، ووعده بما وسعه، فاستعجل الانصراف إلى بلده، ولم تمرّ إلّا برهة، واشتعلت نار الفتنة، وهاجت مراجل الحفيظة، فتلاحق به ولده، وأظهر الانفراد والاستعداد في سابع عشر رمضان من هذا العام. وأقام ولده إسماعيل، برسم الملك والسلطان، ورتّب له ألقاب الملك، ودوّن ديوان الملك بحسبه، ونازل حضرة أنتقيرة، وناصبها القتال، فتملّكها؛ ودخلت مربلّة في طاعته، وتحرّك إلى بلّش فنازلها، ونصب عليها المجانيق فدانت، فضخمت الدعوة، ومكنت الجباية، والتفّ إليه من مساعير الحروب ومن أجاب. وتحرّك إلى غرناطة في أول شهر محرم، عام اثني عشر وسبعمائة، ونزل بقرية العطشا من مرجها. وبرز السلطان نصر في جيش خشن «1» ، مستجاد العدّة، وافر الرّجل «2» ، فكان اللقاء ثالث عشر الشهر، فأظهر الله أقلّ الفئتين «3» ، وانجرّت على الجيش الغرناطي الهزيمة، وكبا بالسلطان نصر فرسه في مجرى سقي لبعض الفدن، فنجا بعد لأي ودخل البلد مفلولا، وانصرف الجيش المالقي ظاهرا إلى بلده. وطال بالرئيس وولده الأمر وضرّستها الفتنة، وعظم احتياجه إلى المال، وكادت تفضحه المطاولة، وزاحمه الملك بمكلف ضخم، فاقتضى ذلك إذعانه إلى الصلح، وإصغاره المهادنة، على سبيله من المقام ببلده، مسلّما للسلطان في جبايته، جارية وطائفة في رئاسته، وأرزاق جنده، فتمّ ذلك في ربيع الأول من العام المذكور. ثم لقحت فتنة في العام الجزء: 1 ¦ الصفحة: 205 بعده، فعادت جذعة، وكانت ثورة الأشياخ في غرناطة في رمضان من العام المذكور هاتفين بخلعان السلطان، وطاعة مخلوعهم، وطالبين منه إسلام وزيره خدن الروم، المتهم على الإسلام أبي عبد الله «1» بن الحاجّ. ثم لحق زعماؤهم بمالقة عند اختلال ما أبرموه، فكانت الحركة الثانية لغرناطة بعد أمور اختصرتها، من استبداد السلطان أبي الوليد بأمره «2» ، والانحطاط في القبض على أبيه، إلى هوى جنده، والتصميم في طلب حقّه، فاتصل سيره، واحتلّ بلوشة سرار شوال فتملّكها. ورحل قافلا إلى وطنه، طريد كلب الشتاء، وافر الخزانة، واقتضى الرأي الفائل ممّن له النظر الجاش من زعيم شيوخ جندها، اتّهاما له بالطاغية، فسجنه. ثم بدا له في أمره، ثم سرّحه بعد استدعاء يمينه، فوغرت صدور حاشيته، وتبعهم من كان على مثل رأيهم، وهو شوكة حادّة، فصرفوا الوجوه إلى السلطان المقبل الحظ، المحبوب إليه هوى الملك، بما راعه، ثانيا من عنانه بأحواز أرجدونة، إلّا تثويب داعيهم، فكرّ إلى المدينة وبرز إليه جيشها، ملتفّا على عبد الحق بن عثمان، فأبلى» ، وصدق الحملة، فكادت تكون الدائرة؛ فلولا ثبوت السلطان لما استقبلت بأسفلهم الحملة، فولّوا منهزمين، وتبعهم إلى سور المدينة، وقد خفت اللّفيف والغوغاء النّاعقون «4» بالخلعان، الشّرهون إلى تبديل الدّعوات، وإلى «5» تسنّم المآذن والمنارات «6» والرّبا. وبرز أهل ربض البيّازين، الهافّون إلى مثل هذه البوارق، إلى شرف ربوتهم «7» ، كلّ يشير مستدعيا إعلانا بسوء الجوار، وملل الإيالات، والانحطاط، وبعد التلوّن والتقلّب، وسآمة العافية؛ شنشنة معروفة في الخلق مألوفة. وبودر غلق باب إلبيرة، ففضّ «8» قفله، ودخلت المدينة، وجاء «9» السلطان إلى معقل الحمراء بأهله وذخيرته وخاصّته، وبرز السلطان أبو الوليد بالقصبة القدمى تجاهها، بالدار الكبرى المنسوبة لابن المول، ينفذ الصكوك، ويذيع العفو، ويؤلف الشّارد، وضعفت بصائر المحصورين، وفشلوا على وجود الطعمة، ووفور المال، وتمكّن المنعة، فالتمسوا لهم ولسلطانهم عهدا نزلوا به، منتقلين إلى مدينة وادي آش، في سبيل العوض بمال معروف، وذخيرة موصوفة؛ وتمّ ذلك، وخرج السلطان رحمه الله مخلوعا، ساء به القرار، جانيا على ملكه الأخابيث والأغمار، ليلة الثامن والعشرين من شوّال عام ثلاثة عشر وسبعمائة، واستقرّ بها الجزء: 1 ¦ الصفحة: 206 موادعا مرة، ومحاربا أخرى، إلى أن هلك حسبما يأتي ذكره. وخلا للسلطان «1» الجوّ، وصرفت «2» إليه المقادة، وأطاعه القاصي والدّاني، ولم يختلف عليه اثنان، والبقاء الخلص لله وحده. مناقبه: اشتدّ «3» ، رحمه الله، على أهل البدع، وقصر الخوض على ما تضطر إليه الملّة. ولقد تذوكر بين يديه أهل البيت، فبذل في فدية بعضهم ما يعزّ بذله، ونقل منهم بعضا من حرف خبيثة، فزعموا أنه رأى رسول الله، صلى الله عليه وسلم، في النوم، فشكر «4» له ذلك. واشتدّ في إقامة الحدود، وإراقة المسكرات، وحظر تجلّي القينات للرجال في الولائم، وقصر طربهنّ على أجناسهنّ من الناس، وأخذ يهود الذمّة بالتزام سمة تشهرهم، وشارة تميّزهم، وليوفّى «5» حقّهم من المعاملة التي أمر بها الشّارع في الخطاب والطّرق «6» ، وهي شواشي صفر. ولقد حدّث من يخفّ حديثه، من الشيوخ أولي المجانة والدّعابة، قال: كنّا عاكفين على راح، وبرأسي شاشيّة ملف حمراء، فحاول أصحابي إنامتي، حتى أمكن ذلك، وبادروا إلى رقاع من ثوب أصفر، فصنعوا منها شاشية، ووضعوها في رأسي، مكان شاشيتي، وأيقظوني، فقمت لشأني، وقد هيّئوا ثمنا لشراء بقل وفاكهة، وجهّزوني لشرائه، فخرجت حتى أتيت دكان السوق، فساومته، فلمّا نظر إليّ قال لصاحبه: جزى الله هذا السلطان خيرا، والله لقد كنت أبادر هذا اللّعين بالسلام عند لقائه، أظنّه مسلما، وبصق عليّ؛ فهممت أن أوقع به، ثم فطنت للحلية، فانتزعتها، وبادرت فأوسعتهم ذمّا، وعظم خجلي، وسبقني إليهم عين لهم عليّ، فكاد الضحك يهلكهم عند دخولي. ومناقبه كثيرة. جهاده وبعض الأحداث في مدته: والتأثت «7» الأمور، لأول مدته، فجرت على جيشه بمظاهرة جيش المخلوع لجيش الرّوم، الهزيمة الشنيعة، بوادي فرتونة؛ أوقع بهم الطاغية بطره، كافل ملك الروم، المملك صغيرا على عهد أبيه، وعمّه الذّابّ عنه، ففشا في الأعلام القتل، وذلك في صفر من عام ستة عشر وسبعمائة، وظهر العدوّ بعدها فغلب على حصن شتمانس «8» وحصن بجيج «9» ، وحصن طشكر، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 207 وثغر «1» روط. ثم صرفت المطامع عزمه إلى الحضرة، فقصد مرجها، وكفّ الله عاديته، وقمعه، ونصر الإسلام عليه، ودالت للدين عليه الهزيمة العظمى بالمرج من ظاهر غرناطة على بريد منها، واستولى على محلّته «2» النّهب، وعلى فرسانه ورجاله القتل، وعظم الفتح، وبهر الصنع وطار الذكر، وثاب السّعد. وكانت الوقيعة سادس جمادى الأولى من عام تسعة عشر وسبعمائة، وفي ذلك يقول كاتبه شيخنا أبو الحسن بن الجيّاب: الحمد حقّ الحمد للرحمن ... كافي العدو وناصر الإيمان ومكيّف الصنع الكريم ودافع ال ... خطب العظيم وواهب الإحسان في كل أمر للمهيمن حكمة ... أعيت على الأفكار والأذهان واستقرّ ملكهم القتيل بأيدي المسلمين بعد فرارهم، فجعل في تابوت خشب، ونصب بالسور المنازل من الحمراء يسار الداخل بباب يعقوب من أبوابها، إذاعة للشّهرة، وتثبّتا لتخليد الفخر. ومن الغريب أنني في هذه الأيام بعد خمسين سنة تماما «3» ، تفقدت ذلك المكان في بعض ما أباشره، أيام نيابتي عن السلطان بدار ملكه على عادتي، فألفيته قد علا عليه كوم من الحجارة، رجم الصبيان إياه، فظهر لي تجديد الإشادة به، والاستفتاح بوقوع مثله، ولمّا كشف عن الرّمة لتنقل إلى وعاء ثان، ألفي بعظم القطن «4» العريض منها سنان مرهب ثبت في العظم، انتزع منه، وقد غالبتني الرقّة والإجهاش، وقلت اللهمّ ادّخر رضوانك لمن أودع في هذه الرّمّة الطاغية، سنان جهادك إلى اليوم، وأثبه وارفع درجته، إنك أهل لذلك. رجع «5» : واستقامت الأيام، وهلك المخلوع، فصفا الجو، واتّحدت الكلمة، وأمكن الجهاد، فتحرّك في شهر «6» رجب من عام أربعة وعشرين وسبعمائة، وأعمل القصد «7» إلى بلاد العدو، ونازل حصن إشكر «8» ، الشّجى المعترض «9» في حلق الجزء: 1 ¦ الصفحة: 208 بسطة، فأخذ بمخنّقه «1» ، ونشر الحرب عليه «2» ، ورمى بالآلة العظمى المتخذة بالنفط كرة حديد محماة طاق «3» البرج المنيع من معقله، فاندفعت يتطاير شررها، واستقرّت بين محصوريه، فعاثت عياث الصواعق السموية، فألقى الله الرعب في قلوبهم، وأتوا بأيديهم، ونزلوا قسرا على حكمه في الرابع والعشرين من الشهر، وأقام بظاهره، فصيّره دار جهاد، وعمل في خندقه بيده، وانصرف، فكانت غزاة جمّة البركة عظمت بها على الشرق الجدوى، وأنشد الشعراء في هذه الوجهة قصائد أشادت بفضلها، وشهرت من ذكرها، فمن ذلك عن كاتب سرّه «4» قوله «5» : [الكامل] أمّا مداك فغاية لم تلحق «6» ... أعيت على غرّ الجياد السّبق «7» ورفع إليه شيخنا الحكيم أبو زكريا بن هذيل، قصيدة أولها «8» : [الطويل] بحيث القباب «9» الحمر والأسد الورد ... كتائب سكان السماء لها جند أنشدني منها في وصف النفط قوله: وظنّوا بأنّ الصّعق «10» والرّعد في السما ... فحاق بهم من دونها الصّعق والرّعد غرائب أشكال سما هرمس بها ... مهنّدة «11» تأتي الجبال فتنهدّ ألا إنها الدنيا تريك عجائبا ... وما في القوى منها فلا بدّ أن يبدو وفي «12» العاشر لشهر رجب من عام خمسة وعشرين وسبعمائة، تحرّك للغزو «13» بعد أخذ الأهبة والاستكثار والاجتهاد للمطوعة، وقصد مدينة مرتش العظيمة الساحة، الطيبة البقعة، فأضرب بها المحلّات وكان القصد «14» إجمام الناس، فصوّب «15» الحشود ووجّهها إلى ما بها من بحر «16» الكروم والملتفّات، وأدواح الجزء: 1 ¦ الصفحة: 209 الأشجار، فأمعنوا في إفسادها، وبرز حاميتها، فناشبت الناس القتال، فحميت النفوس، وأريد منع الناس، فأعيا أمرهم وسال منهم البحر، فتعلّقوا بالأسوار، وقيل للسلطان: بادر بالركوب، فقد دخل الرّبض «1» ، فركب ووقف بإزائها، فدخل البلد «2» عنوة، واعتصم أهله بالقصبة، فدخلت أيضا القصبة عنوة، وانطلقت أيدي الغوغاء على من بها من ذكر وأنثى كبيرا أو صغيرا «3» ، فساءت القتلة، وقبحت الأحدوثة، ورفعت من الغد آكام من الجثث صعد ذراها المؤذّنون، وقفل إلى غرناطة بنصر لا كفاء «4» له، فكان «5» دخوله من هذه الغزاة في الرابع والعشرين لرجب المذكور. وفاته: ولما «6» فصل من مرتش نقم على أحد الرؤساء من قرابته، وهر ابن عمّه محمد بن إسماعيل، المعروف بصاحب الجزيرة، أمرا تقرّعه عليه، وبالغ في الإهمال له «7» ، وتوعّده بما أثار حفيظته، فأقدم عليه بالفتكة الشّنعاء التي ارتكبها منه بباب قصره، بين عبيده وأرباب دولته «8» ، آمن ما كان سربا، وأعزّ سلطانا «9» وجندا؛ وذلك يوم الاثنين ثالث يوم من دخوله من مرتش، بعد أن عاهد في الأمر جملة من القرابة والخدّام، فوثب به، وهو مجتاز بين السّماطين من ناسه إلى مجلس «10» كان يجلس فيه للناس، فاعتنقه وانتضى «11» خنجرا كان ملصقا في ذراعه، فأصابه بجراحات ثلاث؛ إحداهنّ في عنقه، بأعلى ترقوته، فخرّ صريعا. وصاح بكر وزيره، فعمّته سيوف الحاضرين من أصحاب الفاتك، ووقعت الرّجّة، وسلّت السيوف، وتشاغل كلّ بمن يليه، واستخلص السلطان من يديه، وحيل بينه وبينه؛ وحين تشاغل القوم بالوزير، رفع السلطان وظنّ أنه قد أفلت جريحا، فوقع البهت، وبادروا الفرار، فسدّت المذاهب، فقتلوا حيث وجدوا. وأخذت الظّنّة قوما من أبريائهم، فامتحنوا «12» ، ونهب «13» الغوغاء دورهم، وعلّقت بالجدران أشلاؤهم، وكان يوما عصيبا، وموقفا صعبا، واحتمل السلطان إلى بعض دور قصره، وبه صبابة روح، أشبه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 210 شيء بالعدم، للزوق العمامة بفوهة شريانه المبتور، ففاض لحينه بنفس زوال العمامة، رحمه الله. وكان من أخذ البيعة لولده الأمير أبي عبد الله من بعده، ما هو معروف في موضعه. ودفن غلس ليلة «1» الثلاثاء، ثاني يوم وفاته، بروضة الجنة «2» من قصره، إلى جانب جدّه؛ وتنوهي الاحتفال بقبره نقشا، وتخريما «3» ، وإحكاما، وحليا، وتمويها، يشقّ «4» على الوصف، وكتب بإزاء رأسه في لوح الرخام ما نصّه، من كلام شيخنا، بعد سطر الافتتاح: «هذا قبر السلطان الشهيد، فتّاح الأمصار، وناصر ملّة المصطفى المختار، ومحيي سبيل آبائه الأنصار، الإمام العادل، الهمام الباسل، صاحب الحرب والمحراب، الطاهر الأنساب والأثواب، أسعد الملوك دولة، وأمضاهم في ذات الله صولة، سيف الجهاد، ونور البلاد الحسام «5» المسلول في نصرة الإيمان، والفؤاد المعمور بخشية الرحمن، المجاهد في سبيل الله، المنصور بفضل الله، أمير المسلمين أبي الوليد إسماعيل بن الهمام الأعلى الطاهر الذات والفخار «6» ، الكريم المآثر والآثار، كبير الإمامة النّصرية، وعماد الدولة الغالبية، المقدّس، المرحوم أبي سعيد فرج، ابن علم الأعلام، وحامي حمى الإسلام، صنو الإمام الغالب، وظهيره «7» العليّ المراتب، المقدّس، المرحوم أبي الوليد إسماعيل بن نصر، قدّس الله روحه الطيّب، وأفاض عليها «8» غيث رحمته الصيّب، ونفعه بالجهاد والشهادة، وحباه «9» بالحسنى والزيادة، جاهد في سبيل الله حقّ الجهاد، وصنع له في فتح البلاد، وقتل كبار الأعاد «10» ، ما يجده مذخورا يوم التناد، إلى أن قضى الله بحضور أجله، فختم عمره بخير عمله، وقبضه إلى ما أعدّ له من كرامته وثوابه، وغبار الجهاد طيّ أثوابه، فاستشهد «11» رحمه الله شهادة أثبتت له في الشّهداء من الملوك قدما، ورفعت له في أعلام السعادة علما. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 211 «ولد رضي الله عنه، في الساعة المباركة بين يدي الصبح من يوم الجمعة سابع عشر شوّال «1» عام سبعة وسبعين وستمائة، وبويع يوم الخميس السابع والعشرين لشوّال عام ثلاثة عشر وسبعمائة، واستشهد في يوم الاثنين السادس والعشرين لشهر رجب «2» عام خمسة وعشرين وسبعمائة. فسبحان الملك الحق، الباقي بعد فناء الخلق» . وبعده من جهة اللوح الأخير «3» : [البسيط] تخصّ قبرك يا خير السلاطين ... تحيّة كالصّبا مرّت بدارين قبر به من بني نصر إمام هدى ... عالي المراتب في الدنيا وفي الدين أبو الوليد، وما أدراك من ملك ... مستنصر واثق بالله مأمون سلطان عدل وبأس غالب وندى ... وفضل تقوى وأخلاق ميامين لله ما قد طواه الموت من شرف ... وسرّ مجد بهذا اللحد مدفون ومن لسان بذكر الله منطلق ... ومن فؤاد بحبّ الله مسكون أما الجهاد فقد أحيا معالمه ... وقام منه بمفروض ومسنون فكم فتوح له تزهى «4» المنابر من ... عجب بهنّ وأوراق الدواوين مجاهد نال من فضل الشهادة ما ... يجبي عليه بأجر غير ممنون قضى كعثمان في الشهر الحرام ضحى ... وفاة مستشهد في الدار مطعون في عارضيه غبار الغزو تمسحه ... في جنّة الخلد أيدي حورها العين يسقى بها عين تسنيم «5» ، وقاتله ... مردّد بين زقّوم وغسلين تبكي البلاد عليه والعباد معا ... فالخلق ما بين أحزان أفانين لكنه حكم ربّ لا مردّ له ... فأمره الجزم بين الكاف والنون فرحمة الله ربّ العالمين على ... سلطان عدل بهذا القبر مدفون بعض ما رثي به: وعظمت «6» فيه فجيعة المسلمين لما ثكلوا من جهاده وعزمه، وبلوه من سعده وعزّ «7» نصره، فكثرت فيه المراثي، وتراهنت «8» في شجوه القرائح، وبكاه الغادي والرائح. فمن المراثي التي أنشدت على قبره، قول كاتبه شيخنا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 212 أبي الحسن بن الجيّاب «1» : [الطويل] أيا عبرة العين امزجي الدّمع بالدّم ... ويا زفرة الحزن احكمي وتحكّمي ويا قلب ذب وجدا وغمّا ولوعة ... فإنّ الأسى فرض على كل مسلم ويا سلوة الأيّام لا كنت فابعدي ... إلى حيث ألقت رحلها أمّ قشعم وصح بأناة الصبر سحقا تأخري ... وقل لشكاة الحزن أهلا تقدّمي ولم لا وشمس الملك والمجد والهدى ... وفتّاح أبواب النّدى والتكرّم ثوى بين أطباق الثرى رهن غربة ... وحيدا وأصمته الليالي بأسهم على ملك الإسلام فاسمح بزفرة ... تساقط درّا بين فذّ وتوأم على علم الأعلام والقمر الذي ... تجلّى بوجه العصر غرّة أدهم على أوحد الأملاك غير منازع ... أصالة أعراق وفضل تقدّم ومن مثل إسماعيل نور لمهتد ... وبشرى لمكروب وعفو لمجرم وما مثل إسماعيل للبأس والندى ... لإصراخ مذعور وإغناء معدم وما مثل إسماعيل للحرب يجتنى ... به الفتح من غرس القنا المتحطّم وما مثل إسماعيل سهم سعادة ... أصاب به الإسلام شاكلة الدم شهيد سعيد صبّحته شهادة ... تبوّأ منها في الخلود التنعم أتت وغبار الغزو طيّ ثيابه ... ظهير أمان من دخان جهنّم فتبّا لدار لا يدوم نعيمها ... فما عرسها إلّا طليعة مأتم ولا أنسها إلا رهين بوحشة ... ولا شهدها إلّا مشوب بعلقم فيا من يرى الدنيا مجاجة نحلة ... ألا فاعتبرها فهي نبتة أرقم فمن شام منها اليوم برق تبسّم ... ففي الغد تلقاه بوجه جهنّم فضاحكها باك وجذلانها شج ... وطالعها هاو ومبصرها عم وسرّاؤها تفنى وضرّاؤها معا ... فكلتاهما طيف الخيال المسلّم سطت بملوك الأرض من بعد آدم ... تبدّد منهم كلّ شمل منظم فكم من قصير قصّرت شأو عمره ... فخرّ صريعا لليدين وللفم وكم كسرت كسرى وفضّت جيوشه ... فلم تحمه منها كتائب رستم ولو أنها ترعى إمام هداية لأعفت ... عليّا من حسام ابن ملجم «2» الجزء: 1 ¦ الصفحة: 213 وما قتلت عثمان في جوف داره ... فقدس من مستسلم ومسلّم وما أمكنت فيروز «1» من عمر الرّضى ... فهدّت من الإسلام أرفع معلم إلى آخرها. وتضمن إجمال ما ذكر من ذلك، التاريخ المسمّى ب «قطع السلوك» «2» المنظوم رجزا من تأليفي بما نصّه: [الرجز] وعندما خيف انتثار السّلك ... ووزر الرّوم وزير الملك تدارك الأمر الإمام الطّاهر ... فعالج الدار طبيب ماهر وهو أبو الوليد إسماعيل ... والشمس لا يفقدها دليل ابن الرئيس الماجد الهمام ... فرد العلا وعلم الأعلام وجدّه صنو الإمام الغالب ... مناقب كالشّهب الثواقب فقاد من مالقة الجنودا ... ونشر الأعلام والبنودا وعاد نصر بمدى حمرائه ... أتى وأمر الله من ورائه فخلع الأمر وألقى باليد ... من بعد عهد موثّق مؤكّد وسار في الليل إلى وادي الأشى ... والملك لله يعزّ من يشا ولم يزل فيها إلى أن ماتا ... وطلّق الدنيا بها بتاتا واتّسق الأمر وقرّ الملك ... وربما جرّ الحياة الهلك ومن الرجز المذكور في وصف جهاده ومقتله: [الرجز] وكان يوم المرج في دولته ... ففرّق الأعداء من صولته وفتح المعاقل المنيعه ... وابتهجت بعدله الشريعه وانتبه الدهر له من نومه ... على يدي طائفة من قومه بكى عليه الحرب والمحراب ... وندبته الضّمّر العرّاب إسماعيل بن يوسف بن إسماعيل بن فرج بن نصر «3» السلطان الذي احتال على أخيه، المتوثّب على ملكه، يكنى أبا الوليد. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 214 حاله: كان صبيّا كما اجتمع وجهه، بادنا «1» دمث الخلق، ليّن الجانب، شديد البياض، كثيف الحاشية، متصلا بالجفوة، لطول الحجبة، وبعد التمرّن والحنكة، غرّا، فاقدا لحسن الأدب، عريقة ألفاظه في العجمة. تصيّر الأمر إلى أخيه السلطان خيرتهم ولباب بيتهم، يوم قتل أبوهما؛ وله مزية السّنّ والرّجاحة والسكنى بمحل وفاة الأب؛ فأبقى عليه، وأسكنه بعض القصور لصقه، ولم يضايق أمّه فيما استأثرت به من بيت المال، إذ كان إقليده في يدها، وبيضاؤه وصفراؤه في حكمها، ورفّه متبوّأه، واستدعى له ولأخيه المعلم الذي كان السبب في إفاتة إرماقهما، وإعدام حياتهما، الشيخ السّفلة محمد البطروجي البائس، فردّ ذلك السّرب، فاستمرّت أيام احتجابه وانتظاره على قصره، إلى رمضان من عام ستّين وسبعمائة. وحرّك سماسرة الفتنة له ولأمّه جواز الطمع في الملك، ودندنوا لها حتى رقصت على إيقاعهم، وخفّت إلى مواعدهم، وشمّروا إلى خلاص الأمر؛ وأحام الوثبة صهره الرئيس أبو عبد الله، حلف الشؤم زوج أخته، محمد بن إسماعيل، الشهير الكائنة، المذكور في موضعه من حرف الميم، فسيّرت إليه أمّه المال، فبثّه في الدعرة والشرار، حتى تمّ غرضه، واقتحم القلعة من بعض أسوارها عند البالية، وقد هدم منها شيء في سبيل إصلاحه، ليلة الأربعاء الثامن والعشرين لرمضان من عام ستين وسبعمائة؛ والسلطان ليلتئذ غير حالّ بها، فملؤوها لجبا ولغطا وصراخا وهولا وتنويرا، في جملة تناهز المائة؛ وانضاف إليهم أخوان رأيهم من حرّاسها وسكانها؛ فألبس الناس، وسقط في أيديهم. وأهدى الليل فتكتة هائلة، وأدّاها شنيعة، فاقتصر كل على النظر لنفسه، وانقسموا فرقتين؛ قصدت إحداهما دار كبير الدولة، وقيّوم التّفويض، وشيخ رجال الملك رضوان، المستبدّ بإحالة كورتها، الشيخ الذّهول، معزوز القدر، ورائب النّكتة، ومعود الإقالة، وجرّار رسن الأطواد، وطول الإملا، الماشي على خدّ الدنيا، المغضوض البصر عن النّظر، المستهين بكل سبّة وحيّة تسعى، المعوّل على نظره، وقوة سعده وإجابة دعوته، مع كونه نسيج وحده في عفافه وديانته، ورضى الناس به، وسقوط منافستهم من أجله، ومأويهم على مولّ لفظه، وبساط معاملته، وصحة عقده. فعالجوا بابه طويلا وتولّجوا داره، وقتلوه بين أهله وولده. وقصدت الأخرى دار الأمير المترجم به ومعها صهره، فأخرجوه، وأركبوه على فرس، راعد الفرائض، ممتقع اللون، مختلط القول، تحفّ به داياته بين مولولة، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 215 وتافلة ومعوّذة، قد جعلوا به سيفا مصلتا على سبيل اللّواعب بالنّصول والرّواقص، في مدارج اللهو؛ واستخرجت طبول الملك فقرعت، وقيدت الخيل من مرابطها فركبت، وقصدت الخزائن السلاحية ففرقت، وتمّ الأمر، وحلّ من الريب على دار الإمارة القصد، وخرجت الكتب إلى البلاد والقواعد، فالتقت باليد أمهاتها لقطع من بها من أولي الأمانة، بتمام الأمر، وهلاك السلطان، فتمّ له الأمر، وبادر أخوه السلطان لحينه لظهر سابق كان مرتبطا عند مجرّ له من الجنّة لصق القلعة، فاستأجر الليل، ووافق الحزم، فاستقرّ بوادي آش، وكان أملك بها، ونازلته المحلّات، وأخذ بمخنّقه الحصص، واستنصرت لمنازلته الناس، وأعملت الحيل؛ وتأذّن الله بثبوت قدمه، وانتقاله إلى ملك المغرب صبح عيد النحر من العام المذكور؛ إلى أن أعاد الله إليه أمره وردّ عليه حقّه، وتولّى بعد اليأس جبره، حسبما يذكر في موضعه، إن شاء الله. وخلا الجو لهذا الأمير المضعوف، واستولى على أريكة الملك الأغمار وأولو البطالة، وأولياء صهره الرئيس، خاطبها له ابتداء ثم ناقلها إلى نفسه انتهاء، وحاملها إلى غايته درجا، وإلى إعاقته سلّما؛ وهو ما هو من غشّ الحبيب، وسوء العقد، ودخل السريرة، واستيطان المكروه، فأغرى منه بالعهد نفسا مطاوعة للشهوة، متبرّمة بالامتحان والخلوة، بريّة من نور العلم وتهذيب الحكمة، ناشئة بين أخابيث القسوة، جانية أماني الشهوة والمخالفة، مضادّة للفلاح، حايدة عن سبيل النجاة، بمحل اغتراب عن النّصحاء، وانتباذ عن مقاعد الأحرار؛ فجرى طلق الجموح في التخلّف، حتى كبا لفيه ويديه، وأعان نسمة السوء الرئيس على نفسه؛ وقد كان اصطنع الرجال، واستركب أولي البسالة، وأسالف الدّعرة؛ واختصّ في سبيل خدمته والذبّ عنه، بالبؤساء والمساعير، يشركهم في الأكلة، ويصافيهم النعمة. وأظلم ما بينهما، فحذر كلّ جانب أخيه، إلّا أن المهين كا أضعف من أن يستأثر بخطة المعالجة، ويهتدي إلى سبيل الحزم. وفي عشيّ يوم الأربعاء السابع والعشرين من شهر شعبان، شارفه من مكمن غدره الرّحب بجوار قصره، وارتبط به الخيل واستكثر من الحاشية، وأخفى المساعير، وداخل الموروري المشؤوم على الدولة، فبادر رجاله سدّ الأبواب، وانخرط في جملة أوباشه من باب السلطان، من الرّجل لنظر ممالئه في العناء، وعونه على الهول الموروري، فأحاط به، وقد بادر الاعتصام بالمصنع ثاني الصرح المنسوب إلى هامان سموّا ونفالا في السّكاك «1» وسعة ذرع. وبعدما رقي وصرخ بالناس، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 216 يناشدهم الذّمام، فخفّ إليه منهم الكثير، وتراكموا بالطريق تحته، وتولّى استنزاله عن سويّه مملوك أبيه، العلج المخذول عبّاد، وقد تحصّل في قبضته الغادر، فقتل له في الغارب والذّروة، ووعده الحياة، فنزل عن أمان فسحة الغدر الصّراح، والوفاء المستباح. ولحين استهاله، أمر نقله إلى المطبق، فقيد مختبلا كثير الضراعة، إلى الأريّ «1» لصق قصره، وتعاورته السيوف، وألحق به صغيره قيس، استخرج من بعض الخزائن، وقد جهدت أمّه في إخفائه؛ فمضى لسبيله، وطرح رأسه على الرّعاع المجيبين لندائه، فانفضّوا لحينه، وبقي مطروحا موارى بحلس «2» دابّة من دواب الظهر، إلى يوم بعده، فووري هو وأخوه بمقربة من مدفن أبيهما، فكان من أمرهما عبرة. وقد استوفى ذلك الكتاب المسمى ب «نفاضة الجراب» من تأليفنا. وزراء دولته: قدّم للوزارة عشية «3» يوم ولايته، محمد بن إبراهيم بن أبي الفتح الفهري، بطالع الشؤم، ونعبة النحس. عهد بالطبيب الإسرائيلي الحبري العظيم المهارة في الفن النجومي، إبراهيم بن زرزار، يتطاير بتلك الولاية بكون النّحس الأعظم في درجة طالعها، جذوا انفرد بنحز أديمه الجهّالة، المعدودون في البهم والهمج، الذين لا يعبأ الله بهم؛ فكان الخبر وفوق الخبر، فلم ير في الأندلس وزارة أثقل وطأة، ولا أخبث عهدا، ولا أعظم شرها، ولا أكثر حجرا منها. ثم كانت عاقبتهما أنهما في النار خالدان فيها، وذلك جزاء الظالمين من رجل حبركى «4» ، كمد اللون، تنطف سحنته مرّة وسمّا، غائر العين، مطأطئ الرأس، طرف في الحقد والطمع وعيّ المنطق وجمود الكفّ، معدن من معادن الجهل، مثل في الخيانة؛ تناول الأمر مزاحما فيه بالرئيس المتوثّب، وابن عمّ نفسه، الغادر، الضخم الجرارة، بالوعث المهين، وثور النقل، وثعبان الفواكه، وصاعقة الأخونة «5» ، ووكيل الدولة المنحطّ عن خلالهم بالأبوّة والنشأة؛ فجرت أمورها أسوأ مجاريها، إلى أن كان ما أذن الله به، من مداخلة الرئيس الغادر، على قتل أميره المسكين المهين، مقلّده أنوه الرّتب، وتاركه وخطة الخيانة؛ ثم أخذه الأخذة الرابية بيد من أمدّه في الغيّ، وظاهره في الخزي؛ فجعله نكالا لما بين يديه وما خلفه، وموعظة للمتّقين، حسبما يأتي في اسمه، بحول الله تعالى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 217 كاتبه: واستعمل في الكتابة صاحبنا الرجل الأخرق، الطّوال، الأهوج، البريّ من الخلال الحميدة، إلّا ما كان من وسط الخط وسوقيّ السجع، والدرك الأسفل من النظم، عبد الحق «1» بن محمد بن عطية المحاربي، الآتي ذكره «2» . وهو الذي أفرده الله، جلّ جلاله؛ بالغاية البعيدة من مجال سوء العهد؛ وقلّة الوفاء. وتولّى القضاء أبو جعفر «3» أحمد بن أبي القاسم بن جزي أياما، ثم شهّر به قوم من الفقهاء منافسيه، ورشقوه بما أوجب صرفه؛ وقدّم للقضاء الشيخ المسنّ، الطويل السّباحة في بحر الأحكام، المفري الودجين والحلقوم بسكّين القضاء، المنبوز «4» بالموبقات فيه، تجاوز الله عنه، سلمون بن علي بن سلمون. وشيخ الغزاة على عهده، يحيى بن عمر بن عبد الله بن عبد الحق، شيخ الغزاة لأخيه، أصبح يوم الكائنة في قياده، ونصح له فأمر له؛ وضاعف برّه. الملوك على عهده مولده: في يوم الاثنين الثامن والعشرين لربيع الأول من عام أربعين وسبعمائة. وفاته: حسبما تقرّر آنفا في يوم الأربعاء السابع والعشرين لشعبان من عام أحد وستين وسبعمائة. أبو بكر بن إبراهيم، الأمير أبو يحيى المسوفي الصحراوي «5» من أمراء المرابطين، صهر علي بن يوسف بن تاشفين، زوج أخته، وأبو ولده منها يحيى، المشهور بالكرم. أوّليّته: معروفة تستقرأ عند ذكر ملوكهم. حالهم: كان مثلا في الكرم، وآية في الجود، أنسى أجواد الإسلام والجاهلية إلى الغاية؛ في الحياء والشجاعة والتّبريز في ميدان الفضائل. استوزر الوزير الحكيم الشهير أبا بكر بن الصائغ، واختصّه؛ فتجمّلت دولته ونبه قدره. وأخباره معه شهيرة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 218 ولايته: ولّي غرناطة سنة خمسمائة. ثم انتقل منها إلى سرقسطة عند خروج المستعين بن هود إلى روطة «1» ، فأقام بها مراسم الملك، وانهمك في اللذّات، وعكف على المعاقرة، وكان يجعل التّاج بين ندمائه، ويتزيّا بزيّ الملوك، إلى أن هلك بها تحت مضايقة طاغية الروم المستولي عليها بعد. خروجه من الصحراء: قال المؤرّخ: كان أبو بكر هذا رئيسا على بعض قبيله في الصحراء، وكان ابن عمّه منفردا بالتدبير؛ فاتفق يوما أن دخل على ابن عمّه في خبائه، وزوج ابن عمّه تمتشط في موضع قريب من الخباء؛ فاشتغلت نفس أبي «2» بكر بالمرأة لحسنها وجمالها، فحين دخل قال لابن عمّه: فلانة تريد الوصول إليك؛ وإنما قصد الاستئذان لرجل من أصحابه، فنطق باسم المرأة لشغل باله بها، فقال له ابن عمّه بعد طول صمت وفكرة، وقد أنكر ذلك: عهدي بهذا الشخص لا يستأذن علينا. فرجع عقله، وثاب لبّه، وعلم قدر ما من القبيح وقع فيه، فخرج من ذلك المجلس، وركب جمله، وهان عليه مفارقة وطنه من أجل العار، واستصحب نفرا قليلا من أصحابه على حال استعجال، ورحل ليلا ونهارا، حتى وصل سجلماسة «3» أولي عمالات علي بن يوسف ابن عمّه؛ واتصل به قدومه، فأوجب حقّه، وعرف قدره، وعقد له على أخته، وولّاه على سرقسطة دار ملك بني هود بشرق الأندلس، بعد ولاية غرناطة. نبذة من أخباره في الكرم: قالوا: لمّا حلّ بظاهر سجلماسة، مجهول الوفادة، خافي الأمر، نزل بظلّ نخلة بظاهرها، لا يعرف أحدا ولا يقصده، فجاء في ذلك الموضع رجل حداد فقراه «4» بعنز كان عنده، وتعرّف له، وأبو بكر يستغرب أمره؛ فلمّا فرغوا من أكلهم، قال للحداد: ألا تصحبنا لموضع أملنا، وتكون أحد إخواننا، حتى تحمد لقاءنا؟ فأجابه؛ وصحبه الحداد، وخدمه، فلمّا قربوا من مرّاكش، استأذن أبو بكر عليّ بن يوسف بن تاشفين، وأعلمه بنفسه، فأخرج له عليّ بن يوسف فرسا من عتاق خيله، وكسوة من ثيابه وألف دينار، فأمر أبو بكر بدفعها للحداد، فبهت الجزء: 1 ¦ الصفحة: 219 الحداد؛ وانصرف الرسول موجّها إلى مرسله فأخبره بما عاين من كرمه وفعله، فأعاده إليه في الحين بفرس أخرى، وكسى كثيرة، وآلاف من المال، فلمّا دخل مرّاكش، ولقي عليّ بن يوسف وأنزله، أنزل الحداد مع نفسه في بيت واحد، وشاركه في الأموال التي توجّه بها، فانصرف يجرّ وراءه دنيا عريضة. ولمّا ملك سرقسطة «1» ، اختصّ الوزير الحكيم أبا بكر بن الصائغ، ولطف منه محلّه. ذكر أنه غاب يوما عنه وعن حضور مجلسه بسرقسطة، ثم بكر من الغد، فلمّا دخل قال له: أين غبت يا حكيم عنّا؟ فقال: يا مولاي، أصابتني سوداء واغتممت، فأشار إلى الفتى الذي كان يقف على رأسه، وخاطبه بلسان عجمي» ، فأحضره طبقا مملوءا مثاقيل محشمة، وعليها نوادير ياسمين، فدفعه كلّه إليه، فقال ابن باجة: يا مولاي، لم يعرف جالينوس من هذا الطّب، فضحك. وذكر أنه أنشد شعرا في مدحه، وقد قعد للشراب، فاستفزّه الطرب، وحلف أن لا يمشي إلّا من فوق المال إلى منزله في طريقه، فالتمس الخدّام برنسه بأن كانوا يطرحون من المال شيئا له خطر، على أوعيته حتى يغمرها، فيمشي خطوا إلى أن وصل إلى منزله؛ وحسد الحكيم أصحابه، ولم يقدروا على مطالبته. واتفق أن سار الأمير أبو بكر، وأمر أصحابه بالتأهّب والاستعداد، فاستعدّ ابن باجة، واتخذ الأقبية والأخبية، واستفره الجياد من بغال الحمولة، فكانت له منها سبعة صفر الألوان، حمل عليها الثياب والفرش والمال؛ فلمّا نزل الأمير بمقرّه، مرّت عليه البغال المذكورة في أجمل الهيئات، فقال لجلسائه: لمن هذه البغال؟ ومن يكون من رجالنا هذا فأصابوا العزّة؟ فقالوا: هي للحكيم ابن الصائغ، صاحب سرقسطة، وليعلم مولانا أنّ في وسط كل حمل منها ألف دينار ذهبا سوى المتاع والعدّة؛ فاستحسن ذلك. وقال: أهذا حقّ؟ قالوا: نعم، فدعا الخازن على المال، وقال له ادفع لابن باجة خمسة آلاف دينار ليكمل له ذلك اثني عشر ألفا، فقد سمعته غير ما مرة يتمنّى أن يكون له ذلك؛ ثم بعث عنه في الحين وقال له: يا حكيم، ما هذا الاستعداد، فقال له: يا مولاي، كل ذلك من هباتكم وأعطياتكم، ولما علمت أن إظهار ذلك يسرّكم، فسرّ بذلك. وأخباره رحمه الله كثيرة. محنته: قالوا: ولمّا ولّي غرناطة سنة خمسمائة، ثار بها، وانبرى على قومه لأمر رابه، فانتبذ عنه قومه، وناصبوه الحرب، حتى استنزلوه عنوة، وقبضوا عليه، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 220 ووجّهوه إلى علي بن يوسف، فآثر الإبقاء عليه، وعفا عنه، واستعمله بسرقسطة؛ كذا ذكره الملّاحي، وأشار إليه. وعندي أن الأمر ليس كذلك، وأنّ الذي جرى له ذلك، أبو بكر بن علي بن يوسف بن تاشفين، فيتحقّق. وفاته: توفي بسرقسطة في سنة عشر وخمسمائة بعد أن ضاق ذرعه بطاغية الروم، الذي أناخ عليه بكلكله. وعندما تعرّف خبر وفاته، واتصلت بالأمير أبي إسحاق إبراهيم بن تاشفين، وهو يومئذ والي مرسية، بادر إلى سرقسطة، فضبطها، ونظر في سائر أمورها، ثم صدر إلى مرسية. رثاؤه: ورثاه الحكيم أبو بكر بن الصائغ «1» بمراث اشتهر عنه منها قوله «2» : [الطويل] سلام وإلمام ووسميّ مزنة «3» ... على الجدث النائي «4» الذي لا أزوره أحقّ أبو بكر تقضّى فلا ترى «5» ... تردّ جماهير الوفود ستوره لئن أنست تلك اللحود بلحده «6» ... لقد أوحشت أقطاره «7» وقصوره ومن ذلك قوله «8» : [الخفيف] أيها الملك قد «9» لعمري نعى المج ... د نواعيك «10» يوم قمنا فنحنا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 221 كما تقارعت والخطوب إلى أن ... غادرتك الخطوب في التّرب رهنا «1» غير أني إذا ذكرتك والدّه ... ر أخال اليقين في ذاك ظنّا وسألنا متى اللقاء فقيل «2» ال ... حشر قلنا صبرا إليه وحزنا إدريس بن يعقوب بن يوسف بن عبد المؤمن بن علي، أمير المؤمنين، الملقب بالمأمون، مأمون الموحدين «3» أوّليّته: جدّه عبد المؤمن، جذع الشجرة، وينبوع الجداول؛ هو ابن علي بن علوي بن يعلى بن موار بن نصر بن علي بن عامر بن موسى بن عون الله بن يحيى بن ورجايغ بن سطفور بن نفور بن مطماط بن هزرج بن قيس بن عيلان بن مضر بن نزار بن معدّ بن عدنان. وكان طالبا بربريّا ضعيفا، خرج مع عمّه يؤمّ للشرق، وكان رأى رؤيا هالته تدلّ على ملك، إذ كانت صفحته من طعام على ركبتيه، يأكل منها الناس، وكانت أمه رأت وهي حامل، كأنّ نارا خرجت منها أحرقت المشرق والمغرب؛ فكانت في نفسه حركة، لأجل هذه الرؤيا؛ فلمّا حلّ بسجلماسة، سمع بها عن المهدي، وكان رجلا يعرف بأبي عبد الله السّوسي، ووصف له بالعلم، فتشوّف إلى لقائه، ليرى ما عنده في تأويل رؤياه؛ فانصرف إليه مع بعض الطلبة، فلقي رجلا قد وسمه، على ما يزعم الناس، حدثان من أبي حامد الغزالي، وعلقت به دعوة منه، في إذهاب ملك أهل اللّثام «4» ، لحرق كتابه على أيديهم، فهو مغرّى بالخروج عليهم، مهيأ في عالم الغيب إلى تخريب دعوتهم؛ فوافق شنّ طبقة «5» ، وما اجتمع الدّاآن إلّا ليقتتلا، والله غالب على أمره، فأجلسه، وسأله عن اسمه، وبلده، وسنّه، ونسبه، بالتعريف؛ وأمره أن يخفي من أمره، وعبّر له رؤياه، بأنه يملك الأرض؛ فاهتزّت الآمال وتعاضدت؛ ونفذت مشيئة الله؛ بأن دالت الدولة، وهلك محمد بن تومرت المهدي؛ فأفضى الأمر إلى عبد المؤمن، واستولى على ملك اللّمتونيين، فأباد خضراءهم، واستأصل شأفتهم، واستولى على الجزء: 1 ¦ الصفحة: 222 ملك المغرب، فأقام به رسما عظيما، وأمرا جسيما، وأورثه بنيه من بعده، والله يؤتي ملكه من يشاء. حاله: كان، رحمه الله، شهما شجاعا، جريئا، بعيد الهمّة، نافذ العزيمة، قويّ الشكيمة، لبيبا، كاتبا أديبا، فصيحا، بليغا، أبيّا، جوادا، حازما. وذكره ابن عسكر المالقي في تاريخ بلده؛ قال: دخل مالقة من قبل أخيه، فوصل إليها في الحادي عشر من محرم، وهو شاب حدث، فكان منه من نباهة القدر وجلالة النفس، وأبّهة الملك ما يعجز عنه كثير من الملوك. ولحين وصوله عقد مجلس مذاكرة، استظهر له نبهاء الطلبة، وكان الشيخ علي بن عبد المجيد يحضره. وكان يبدو منه، مع حداثة سنّه، من الذكاء والنّبل والتفطّن، ما كان يبهت الحاضرين، وكانوا ينظرون منه إلى بدريّ الحسن، وأسديّ الهيبة، وكهليّ الوقار والتؤدة؛ واشتغل بما يشتغل به الملوك من تفخيم البناء، كبنيان رياض السيّد الذي على ضفة الوادي «1» بمالقة المعروف باسمه، لله ورسوله، وكان عرفاء البنّائين لا يتصرفون إلّا بنظره؛ واستمرّت ولايته مفخّم الأمر، عظيم الولاية، إلى أن نقل منها إلى قرطبة، ثم نقل إلى إشبيلية وفيها بويع الخلافة «2» . تصيّر الأمر إليه، وجوازه إلى العدوة: قام على أخيه العادل بين يدي مقلعة، ببمالأة أخيه السيد أبي زيد، أمير بلنسية وتحريكه إياه، فتمّ له ذلك؛ وعقدت له البيعة بمرّاكش والأندلس. ثم إن الموحدين في مراكش بدا لهم في أمره، وعدلوا عنه إلى ابن عمّه أبي زكريا بن الناصر؛ واتصل به خبر خلعهم إياه فهاجت نفسه، ووقدت جمرته، واستعدّ لأخذ ثأره، ورحل من إشبيلية، واستصحب جمعا من فرسان الروم، واستجاز البحر سنة ست وعشرين وستمائة، قاصدا مراكش؛ وبرز ابن عمّه إلى مدافعته، والتقى الجمعان فكانت الهزيمة على يحيى بن الناصر، وفرّ إلى الجبال، واستولى القتل على جيشه، ودخل المأمون مراكش فأمر بتقليد شرفاتها بالرؤوس فعمّتها على اتّساع السّاحة؛ واستحضر النّاكثين لبيعته وبيعة أخيه، وهم كبار الدولة، واستفتى قاضيه «3» بمرأى منهم، واستحضر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 223 خطوطهم وبيعاتهم، فأفتى بقتلهم، فقتل جماعتهم، وهم نحو مائة رجل «1» ، واتّصل البحث عمّن أفلت منهم، وصرف عزمه إلى محو آثار دولة الموحّدين، وتغيير رسمها، فأزال اسم مهديها عن الخطبة والسّكّة والمآذن، وقطع النداء عند الصلاة «تاصليت الإسلام» وكذلك «منسوب رب» «وبادرى» «2» ، وغير ذلك، مما جرى عليه عمل الموحّدين؛ وأصدر في ذلك رسالة حسنة، من إنشائه، يأتي ذكرها في موضعه. وعند انصرافه من الأندلس، خلا للأمير أبي عبد الله بن هود الجوّ، بعد وقائع خلت بينهما، وانتهز النصارى الفرصة؛ فعظمت الفتنة، وجلّت المحنة. دخوله غرناطة: لم يصحّ عندي أنه دخل غرناطة، مع غلبة الظن القريب من العلم بذلك، إلّا طريقه إلى مدافعته المتوكل بن هود بجهة مرسية؛ فإنه تحرك لمعالجة أمره في جيش إشبيلية باستدعاء أخيه السيد أبي زيد، والي بلنسية، بعد هزائم جرت بصقع الشرق لابن هود؛ فتحرك المأمون إليه، واحتلّ غرناطة، في رمضان من عام خمسة وعشرين وستمائة، وأنفذ منها كتابه إلى أخيه، يقوّي بصيرته، ويعلمه بنفوذه إليه؛ والتفّ عليه جيش غرناطة وما والاها، واتصل سيره إلى الشرق، فبرز ابن هود إلى لقائه، فكان اللقاء بخارج لورقة، فانهزم ابن هود، وفرّ إلى مرسية، وعساكر الموحدين في عقبه؛ واستقصاء مثل هذا يخرج عن الغرض. وخاطب لأول أمره، وأخذ الناس ببيعته من بأقطار الأندلس، صادعا بالأمر المعروف، والنّهي عن المنكر، والحضّ على الصلوات وإيتاء الزكاة، وإيتاء الصدقات، والنهي عن شرب الخمر والمسكرات والتحريض على الرعاية، فمن كتابه: «الحمد لله الذي جعل الأمر بالمعروف، والنّهي عن المنكر أصلين يتفرّع منهما مصالح الدنيا والدين، وأمر بالعدل والإحسان، إرشادا إلى الحق المبين، والصلاة والسلام على سيّدنا محمد النبي الكريم، المبعوث بالشريعة التي طهرت الجيوب من الأدران، واستخدمت بواطن القلوب وظواهر الأبدان، طورا بالشدة، وتارة باللّين؛ القائل، ولا عدول عن قوله: «ومن اتّقى الشّبهات استبرأ لدينه وعرضه» تنبيها على ترك الشكّ لليقين؛ وعلى آله أعلام الإسلام، الملقين راية الإسلام باليمين، الذين مكّنهم الله في الأرض، فأقاموا الصلاة، وآتوا الزكاة، وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر، وفاء بالواجب لذلك التمكين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 224 ومن فصل: «وإذا كنّا نوفي الأمة تمهيد دنياها، ونعنى بحماية أقصاها وأدناها، فالدين أهمّ وأولى، والتهمّم بإقامة الشريعة وإحياء شعائرها، أحقّ أن يقدّم وأحرى، وعلينا أن نأخذ بحسب ما يأمر به الشرع وندع، ونتبع السّنن المشروعة ونذر البدع. ولنا أن لا ندّخر عنها نصيحة، ولانغبنها أداة من الأدوات مريحة، ولنا عليها أن تطيع وتسمع» . ومن فصل: «وأول ما يتناول به الأمر النافذ، الصلاة لأوقاتها، والأداء لها على أكمل صفاتها، وشهودها إظهارا لشرائع الإيمان في جماعتها، فقد قال عليه الصلاة والسلام: «أحبّ الأعمال إليّ الصلاة لأوقاتها» . وقال: «أول ما ينظر فيه من أعمال العيد الصلاة» . وقال عمر: إن أهمّ أموركم عندي الصلاة، فمن حفظها وحافظ عليها حفظ دينه، ومن ضيّعها فهو لما سواها أضيع. وقال: «لا حظّ في الإسلام لمن ترك الصلاة، وهي الركن الأعظم من أركان الإيمان، والسور الأوثق لأعمال الإنسان، والمواظبة على حضورها في المساجد، وإيثار ما لصلاة الجماعة من المزية على صلاة الواحد، أمر لا يضيّعه المفلحون، ولا يحافظ عليها إلّا المؤمنون. قال ابن مسعود، رضي الله عنه: لقد رأينا، وما يتخلّف عنها إلّا المنافق معلوم النفاق، ولقد كان الرجل يؤتى يتهادى بين الرّجلين، حتى يقام في الصّف. وشهود الصبح، وعشاء الآخرة شاهد بمحضر الإيمان. ولقد جاء: حضور الصبح في جماعة يعدل قيام ليلة، وحسبكم بهذا الرّجحان. ومن الواجب أن يعتنى بهذه القاعدة الكبرى من قواعد الدين، ويأخذ بها في جميع الأمصار الصغير والكبير من المسلمين، ونيط في إلزامها قوله عليه الصلاة والسلام: «مروا أبناءكم بالصلاة لسبع واضربوهم عليها لعشر سنين» . وهي طويلة في معاني متعددة. نثره ونظمه: ولمّا غيّر رسوم الموحّدين وأوقع بأرباب دولتهم خبر النكث ببيعته وبيعتي أخيه وعمّه، كتب إلى الأقطار عن نفسه، ولم يكمل إنشاءه بكتابة رسالة بديعة اشتملت على فصول كثيرة تنظر في كتاب «المغرب» و «البيان المغرب» وغير ذلك. وكتابا بخطّه إلى أهل أندوجر «1» : «إلى الجماعة والكافّة من أهل فلانة، وقاهم الله عثرات الألسنة، وأرشدهم إلى محو السيئة بالحسنة؛ أما بعد فإنّه قد وصل من قبلكم كتابكم الذي «2» جدّد لكم أسهم الانتقاد، ورماكم من السّهاد «3» ، بالداهية النّاد «4» ؛ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 225 أتعتذرون من المحال بضعف الحال، وقلّة «1» الرجال؟ إذا نلحقكم بربّات الحجال. كأنّا لا نعرف مناحي أقوالكم، وسوء «2» منقلبكم وأحوالكم؛ لا جرم أنكم سمعتم بالعدوّ قصمه الله، وقصده إلى «3» ذلك الموضع عصمه الله؛ فطاشت قلوبكم خورا، وعاد صفوكم كدرا، وشممتم ريح الموت وردا وصدرا؛ وظننتم أنكم أحيط بكم من كل جانب «4» ، وأن الفضاء قد غصّ بالتفاف القنا واصطفاف المناكب «5» ، ورأيتم غير شيء فتخيّلتموه «6» طلائع الكتائب. تبّا لهمّتكم «7» المنحطّة، وشيمتكم «8» الرّاضية بأدون خطّة؛ أحين «9» ندبتم إلى حماية إخوانكم، والذبّ «10» عن كلمة إيمانكم، نسّقتم الأقوال وهي مكذوبة، ولفّقتم الأعذار وهي بالباطل مشوبة؛ لقد آن لكم أن تتبدلوا جلّ الخرصان «11» ، إلى مغازل النّسوان؛ وما لكم ولصهوات الخيول، وإنما على الغانيات جرّ الذيول. أتظهرون العناد «12» تخريصا، بل تصريحا وتلويحا، ونظنّ أن لا يجمع لكم شتّا، ولا يدني منكم نزوجا. أين المفرّ وأمر الله يدرككم، وطلبنا الحثيث لا يترككم؟ فأزيلوا «13» هذه النزعة النّفاقيّة من «14» خواطركم قبل أن نمحو بالسيف أقوالكم وأفعالكم، ونستبدل قوما غيركم، ثم لا يكونوا أمثالكم، ونحن نقسم بالله لو اعتسفتم كل بيداء سملق، واعتصمتم بأمنع معقل، وأحفل فيلق، ما ونينا عنكم زمانا، ولا ثنينا عن استئصال العزم منكم «15» عنانا فلا يغرّنكم الإمهال، أيّها الجهّال» . وهي طويلة. وقال عند الإيقاع بالأشياخ أولي الفساد على الدول، وصلبهم في الأشجار والأسوار، مما كلف السّلمي بحفظها واستظرافها «16» : [الكامل] أهل الحرابة والفساد من الورى ... يعزون في التشبيه بالذّكّار «17» الجزء: 1 ¦ الصفحة: 226 ففساده فيه الصلاح لغيره ... بالقطع والتّعليق في الأشجار ذكّارهم ذكري إذا ما أبصروا ... فوق الجذوع وفي «1» ذرى الأسوار لو عمّ عفو «2» الله سائر «3» خلقه ... ما كان أكثرهم من اهل النّار توقيعه: قال ابن عسكر: وكانت تصدر منه توقيعات نبيلة، فمنها أن امرأة رفعت رقعتها بأحد من الأجناد ممّن نزل دارها، وصدر لها أمر ينكر؛ فوقّع على رقعتها: «يخرج هذا النازل، ولا يعوّض بشيء من المنازل» . وغير ذلك مما اختصرناه. بنوه: أبو محمد عبد الواحد وليّ عهده، وأمير المؤمنين بعد وفاته، الملقّب بالرشيد؛ وعبد العزيز، ومان؛ وأبو الحسن علي، الملقّب بالسعيد، الوالي بعد أخيه الرشيد. بناته: ابنة العزيز، وصفية، ونجمة، وعائشة، وفتحونة؛ وأمّهات الجميع روميّات، وسرّيّات مغربيات. وزراؤه: وزر له الشيخ أبو زكريا بن أبي الغمر وغيره. كتّابه: كتب له جملة من مشاهير الكتّاب، منهم أبو زكريا الفازازي، وأبو المطرّف بن عميرة، وأبو الحسن الرّعيني، وأبو عبد الله بن عيّاش، وأبو العباس بن عمران، وغيرهم. وما منهم إلّا شهير كبير. وفاته: توفي، رحمه الله، بوادي أم الربيع، وقد طوى المراحل من ظاهر سبتة، مقلعا عن حصارها، مبادرا إلى مرّاكش، وقد اتصل به دخول يحيى بن الناصر إياها، فأعدّ السير وقد اشتدّ حنقه على أهلها، وأقسم أن يبيح حماها للرّوم، ويذهب اسمها ومسمّاها، فهلك عند دنوّه منها فجأة، فكانت عند أهل مراكش من غرر الفرج بعد الشدة؛ وكتمت زوجه حبابة الرومية، أم الرشيد ولده، خبر وفاته إلّا عن الأفراد من قوّاد النصارى وبعض الأشياخ، واتفق القول على مبايعة ابنها المذكور، بيعة خاصّة ثاني يوم وفاته؛ ثم جعل في هودج وأشيع أنه مريض، وزحفت الجيوش على تعبئته؛ وبرز يحيى بن الناصر من مراكش إلى لقائه، والتقى الجمعان فانهزم يحيى، واستولى الرشيد عليه، ودخل مراكش فاستقام الأمر؛ وكانت الجزء: 1 ¦ الصفحة: 227 وفاة المأمون أبي العلا، رحمه الله، ليلة الخامس عشر لمحرم عام ثلاثين وستمائة «1» . وجرى ذكر المأمون والمهدي وأوّليّتهم في الرجز المتضمّن ذكر المسلمة «2» من نظمي بما نصّه بعد ذكر الدولة اللّمتونية: [الرجز] ونجم المهديّ وهو الدّاهيه ... فأصبحت تلك المباني واهيه وانحكم الأمر له وانجمعا ... في خبر نذكر منه لمعا لم يأل فيها أن دعا لنفسه ... وكان في الحزم فريد جنسه أغرب في ناموسه ومذهبه ... وفي الذي سطّره من نسبه وعنده سياسة وعلم ... وجرأة وكلام وحلم ووافقت أيامه في الناس ... لدولة المسترشد العبّاسي ثم انقضت أيامه المنيفه ... وكان عبد المؤمن الخليفة فضاء لون سعده ووضحا ... ولاح مثل الشمس في وقت الضّحى ثم تلمسان وفاسا فتحا ... وملك أصحاب اللثام قد محا ولما انتهى القول إلى المأمون المترجم به، بعد ذكر من يليه وعبد المؤمن جدّه، قلت: [الرجز] ثم تولّى أمرهم أبو العلا ... فسلّط البيض على بيض الطّلا وهو الذي أركب جيش الروم ... وجدّ في إزالة الرسوم أسباط بن جعفر بن سليمان بن أيوب بن سعد السعدي سعد ابن بكر بن عفان الإلبيري هذا هو جدّ سعيد بن جودي بن سوادة بن جودي بن أسباط، أمير المغرب. وقدرهم بهذه المدينة شهير. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 228 حاله: وكان من أهل العلم والفقه، والدين المتين، والورع الشديد، والصلاح الشهير. نباهته: ولّاه الأمير عبد الرحمن قضاء إلبيرة حين بلغه زهده وورعه، وأنّه لم يشرك إخوته في شيء من ميراث أبيه، إذ كان لم يحضر الفتح، فبرىء به إليهم، وابتاع موئلا بوطنه أنيط به ماء، وانفرد به للعبادة والتبتّل، فاستقدمه هشام، فركب حماره وقدم عليه في هيئة رثّة بذلّة، فتوسّم فيه الخير، وقدّمه ووسّع له في الرّزق، ووهب له ضياعا كثيرة تعرف اليوم باسمه. وتوفي هشام وهو قاض بإلبيرة، فأقرّه ابنه الحكم ثم ولّاه شرطته، إلى أن توفي أسباط. قلت: انظر حال الشرطة عند الخلفاء من كان يختار لها لولايتها. أسلم بن عبد العزيز بن هشام بن خالد بن عبد الله بن خالد ابن حسين بن جعفر بن أسلم بن أبان مولى عثمان بن عفّان، رضي الله عنه؛ يكنى أبا الجعد. أوّليّته: من أهل شرق الأندلس، أصلهم من لوشة فتيّة غرناطة «1» ، وموضعهم بها معروف، وإلى جدّهم ينسب جبل أبي خالد المطلّ عليها، وكان لهم ظهور هنالك، وفيهم أعلام وفضلاء. حاله: كان أسلم من خيار أهل إلبيرة، شريف البيت، كريم الأبوّة، من كبار أهل العلم، وكانت فيه دعابة، لم ينسب إليه قطّ بسببها خزية في دين ولا زلّة. قال أبو الفضل عياض «2» : كان أسلم من خيار أهل إلبيرة، رفيع الدرجة في العلم، وعلوّ الهمّة في الإدراك، والرواية والدّيانة، والصّحبة، وبعد الرّحلة في طلب العلم، معروف النّصيحة والإخلاص للأمراء. مشيخته: لقي بمصر، المدني، ومحمد بن عبد الحكم، ويونس، والربيع بن سليمان المؤذن، وأحمد بن عبد الرحيم البرقي. وسمع من علي بن عبد العزيز، وسليمان بن عمران بالقيروان. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 229 من روى عنه: سمع منه عثمان بن عبد الرحمن، وعبد الله بن يونس، ومحمد بن قاسم، وغير واحد، وانصرف إلى الأندلس من رحلته، فنال الوجاهة العظيمة. ولايته: ولّاه قضاء الجماعة بغرناطة، الناصر لدين الله، أول ولايته، وسط سنة ثلاثمائة، إلى أن استعفى سنة تسع وثلاثمائة فأعفاه، ثم أعاده. وكان في قضائه صارما لا هوادة عنده. قال المؤرّخ: كان الناصر يستخلفه في سطح القصر إذا خرج إلى مغازيه. وحكى ابن حارث أن ابن معاذ وابن صالح أتيا يوما، فلمّا أخذا مجلسهما نظر إليهما وقال: ألقوا ما أنتم ملقون فأبهتهما. ودخل عليه محمد بن وليد يوما، فكلّمه في شيء، فقال أسلم: سمعنا وعصينا. فقال ابن وليد: ونحن قلنا واحتسبنا. وأتاه في بعض مجالسه شهود، بعضهم من أهل المدينة بقرطبة، وبعضهم من شلار من الرّبض الشرقي، يشهدون في ترشيد امرأة من الرّبض الغربي، فلما أخذوا مجالسهم، فتح باب الخوخة التي في المجلس الذي يجلس بدهليزه، ونادى من بخارجه فاجتمعوا؛ اسمعوا، عجبا لله درّ الشاعر حيث يقول: [الكامل] راحت مشرّقة ورحت مغرّبا ... شتّان بين مشرّق ومغرّب هؤلاء من أهل المدينة وشلار، يشهدون في ترشيد امرأة من ساكنات آخر بلاط مغيث، ثم سكت فدهش القوم وتسلّلوا. وبلغه عن بعض الشهود المتّهمين أنه أرشي في شهادته ببساط، فلما أتى ليؤدّيها، ودخل على أسلم، جعل يخلع نعليه عند المشي على بساط القاضي، فناداه: أبا فلان، البساط، الله الله؛ فتنبّه بأن أمره عند القاضي، ولم يجسر على أداء شهادته تلك. وخاصم فقيه عند أسلم رجلا في خادم أغربها، وجاء بشاهد أتى به من إشبيلية، فقال: يا قاضي، هذا شاهدي فاسمع منه، فصعّد أسلم في الشاهد وصوّب، وقال: أمحتسب «1» أو مكتسب أصلحك الله؟ فقال الشاهد: أحسن الظنّ أيها القاضي، فليس هذا إليك، هذا إلى الله المطّلع على ما في القلوب، ولم تقعد هذا المقعد لتسأل عن هذا وشبهه، وإنما عليك الظاهر، وتكل الباطن إلى الله، فإن شئت، فاسمع الشهادة كما يلزمني أداؤها، ثم اقبلها أو اضرب بها الحائط. وفي رواية أخرى، وليس لك أن تكشف السّتر المنسدل بينك وبيني، فإن هذا التفسير للشهود يوقف عن الشهادة عندك، ويعرّض لإهانتك أهل لائقة، وفي ذلك من ضياع الحقوق ما لا يخفى، فأخجل أسلم كلامه، وقال له: لك ما قلت، فأدّ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 230 شهادتك، يرحمك الله. قال: فأين الخادم؟ تحضر حتى أشهد على عينها، قال أسلم وفقيه أيضا: هاتوا الخادم، فجاءت من عند الأمين، فلمّا مثلت بين يديه، نظر منها مليّا، ثم قال: أعرف هذه الخادم ملكا لهذا الرجل، لا أعرف ملكه، زال عنها بوجه من الوجوه، إلى حين شهادتي هذه، سلام على القاضي، ثم خرج، فبقي أسلم متعجّبا منه. محنته: كفّ بصره في أخريات أيامه، فطلب لأجل ذلك الإعفاء فأعفي، ولزم بيته صابرا محتسبا إلى حين وفاته. مولده: سنة إحدى وثلاثين ومائتين. أسد بن الفرات بن بشر بن أسد المرّي من أهل قرية الصّير مورته «1» ، من إقليم البساط من قرى غرناطة. حاله: كان عظيم القدر والشرف والشّهرة، أصيل المعرفة والدين. مشيخته: خرج إلى المشرق، ولقي مالك بن أنس، رضي الله عنه، روى عنه سحنون بن سعيد. تآليفه: ألّف كتاب «المختلطة» ، وولّي القضاء بالقيروان أجمل ما كانت وأكثر علما، وولّاه زيادة الله «2» غزو صقلية، ففتحها وأبلى بلاء حسنا. وفاته: توفي، رحمه الله، محاصرا سرقوسة منها سنة ثلاث عشرة «3» ومائتين. هذا ما وقع في كتاب أبي القاسم الملّاحي. وذكره عياض فذكر خلافا في اسمه وفي أوّليته. أبو بكر المخزومي الأعمى الموروري المدوّري «4» حاله: كان أعمى «5» ، شديد القحة والشّرّ، معروفا بالهجاء، مسلّطا على الجزء: 1 ¦ الصفحة: 231 الأعراض، سريع الجواب، ذكيّ الذهن، فطنا للمعاريض «1» ، سابقا في ديوان «2» الهجاء، فإذا مدح ضعف شعره. دخوله غرناطة: وذكر شيء من شعره، ومهاترته مع نزهون بنت القلاعي. قال «3» أبو الحسن بن سعيد، في كتابه المسمّى ب «الطالع السعيد» : قدم على غرناطة أيام ولاية أبي بكر بن سعيد عمل غرناطة، ونزل قريبا منه، وكان يسمع به؛ فقال: صاعقة يرسلها الله، عزّ وجلّ، على من يشاء من عباده، ثم رأى أن يبدأه بالتأنيس والإحسان، فاستدعاه بهذه الأبيات: [المجتث] يا ثانيا للمعرّي ... في حسن نظم ونثر وفرط ظرف ونبل ... وغوص فهم وفكر صل ثم واصل حفيّا ... بكلّ شكر وبرّ «4» وليس إلّا حديث ... كما زها عقد درّ وشادن قد تغنّي «5» ... على رباب وزمر وما يسامح فيه ال ... غفور من كأس خمر وبيننا عقد حلف ... لبان شرك وكفر «6» فقم نجدّده عهدا ... بطيب شكر وسكر «7» والكأس مثل رضاع ... ومن كمثلك يدري؟ ووجّه «8» له الوزير أبو بكر بن سعيد عبدا صغيرا قاده، فلمّا استقرّ به المجلس، وأفعمته روائح النّدّ» والعود والأزهار، وهزّت عطفه الأوتار، قال: [البسيط] دار السّعيديّ ذي أم دار رضوان «10» ... ما تشتهي النّفس فيها حاضر دان الجزء: 1 ¦ الصفحة: 232 سقت أبارقها للنّدّ سحب ندى ... تحدو برعد لأوتار وألحان «1» والبرق من كلّ دنّ «2» ساكب مطرا ... يحيي به ميت أفكار وأشجان هذا النعيم الذي كنّا نحدّثه ... ولا سبيل له إلّا بآذان فقال أبو بكر بن سعيد: «ولا سبيل له إلّا بآذان» «3» ، فقال: حتى يبعث الله ولد زنا كلما أنشدت هذه الأبيات، قال: وإن قائلها أعمى، فقال: أمّا أنا، فلا أنطق بحرف في ذلك، فقال: من صمت نجا. وكانت نزهون بنت القلاعي، الآتي ذكرها، حاضرة، فقالت: ونراك يا أستاذ، قديم النغمة «4» ، بندّ وغناء وطيب شراب، تتعجب من تأتّيه، وتشبّهه بنعيم الجنة، وتقول: ما كان يلمّ إلّا بالسّماع، ولا يبلغ إليه إلّا بالعيان؟ لكن من يجيء من حصن المدوّر، وينشأ بين تيوس وبقر، من أين له معرفة بمجالس النّغم «5» ؟ فلما استوفت كلامها تنحنح الأعمى، فقالت له: دعه «6» ، فقال: من هذه الفاعلة «7» ؟ فقالت: عجوز مقام أمّك، فقال: كذبت، ما هذا صوت عجوز، إنما هذه نغمة قحبة محترقة تشمّ روائح كذا «8» منها على فرسخ «9» ، فقال له أبو بكر: يا أستاذ، هذه نزهون بنت القلاعي الشّاعرة الأديبة، فقال: سمعت بها لا أسمعها الله خيرا، ولا أراها إلّا أيرا «10» . فقالت له: يا شيخ سوء تناقضت، وأيّ خير أفضل للمرأة ممّا ذكرت «11» ؟ ففكّر المخزومي ساعة ثم قال: [الطويل] على وجه نزهون من الحسن مسحة ... وإن كان قد أمسى من الضّوء عاريا «12» الجزء: 1 ¦ الصفحة: 233 قواصد نزهون توارك «1» غيرها ... ومن قصد البحر استقلّ السّواقيا «2» فأعملت فكرها وقالت «3» : [المجتث] قل للوضيع مقالا ... يتلى إلى حين يحشر من المدوّر أنشئ ... ت والخرا «4» منه أعطر حيث البداوة أمست ... في أهلها «5» تتبختر لذاك «6» أمسيت صبّا ... بكلّ شيء مدوّر «7» خلقت أعمى ولكن ... تهيم في كلّ أعور جازيت شعرا بشعر ... فقل لعمري من أشعر «8» إن كنت في الخلق أنثى ... فإنّ شعري مذكّر فقال لها اسمعي «9» : [المتقارب] ألا قل لنزهونة ما لها ... تجرّ من التّيه أذيالها ولو أبصرت فيشة «10» شمّرت ... كما عوّدتني، سربالها الجزء: 1 ¦ الصفحة: 234 فحلف أبو بكر بن سعيد ألّا يزيد أحدهما على الآخر في هجوه كلمة، فقال المخزومي: أكون هجّاء الأندلس وأكفّ عنها دون شيء؟ فقال: أنا أشتري منك عرضها فاطلب، فقال: بالعبد الذي أرسلته فقادني إلى منزلك، فإنه ليّن القدّ رقيق الملمس «1» . فقال أبو بكر: لولا أنه صغير كنت أبلّغك فيه مرادك، وأهبه لك؛ ففطن لقصده، وقال: أصبر عليه حتى يكبر، ولو كان كبيرا ما آثرتني على نفسك؛ فضحك أبو بكر وقال: قد هجوت نثرا، وإن لم تهج نظما، فقال: أيها الوزير، لا تبديل لخلق الله. وانفصل المخزومي بالعبد بعدما أصلح بينه وبين نزهون. وقال يمدح القاضي بغرناطة أبا الحسن بن أضحى «2» ، رحمهما الله «3» : عجبا للزمان يطلب هضمي «4» ... وملاذي منه عليّ بن أضحى جاره قد سما على النّطح عزّا ... ليس يخشى من حادث الدهر «5» نطحا فكأنّي علوت قرن فلان ... أيّ تيس مطوّل القرن ألحى فقال له ابن أضحى: هلّا اقتصرت على ما أنت بسبيله، فكم تقع في الناس؟ فقال: أنا أعمى وهم حفر فلا أزال أقع فيها، فقال: فأعجبني كلامه على قبحه. وحديث مقامه بغرناطة يقتضي طويلا. وفاته: قال أبو القاسم بن خلف، كان حيّا بعد الأربعين وخمسمائة. أصبغ بن محمد بن الشيخ المهدي يكنى أبا القاسم؛ عالم مشهور. حاله: كان محقّقا بعلم العدد والهندسة، مقدّما في علم الهيئة والفلك وعلم النجوم، وكانت له مع ذلك عناية بالطّب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 235 تواليفه: تواليفه حسان، وموضوعاته مفيدة؛ منها كتاب «المدخل إلى الهندسة» في تفسير كتاب أقليدس. ومنها كتاب ثمار العدد المعروف ب «المعاملات» . ومنها كتابه الكبير في الهندسة، تقصّى فيه أجزاءها. ومنها كتاب في الآلة المعروفة بالأسطرلاب. ومنها تاريخه الذي ألّفه وهو تاريخ كبير. وفاته: قال ابن جماعة في تاريخه: أخبرني أبو مروان سليمان بن عيسى الناشىء المهندس، أنه توفي بمدينة غرناطة قاعدة الأمير حبّوس ليلة الثلاثاء لاثنتي عشرة ليلة بقيت لرجب سنة ست وعشرين وأربعمائة، وهو ابن ست وخمسين سنة شمسية. وعدّه من مفاخر الأندلس. أبو علي بن هدية من أهل غرناطة. حاله: قال أبو القاسم الملّاحي فيه: من أهل الدين، والفضل، والأمانة، والعدالة، والمعرفة بالتكسير والأعمال السلطانية، وولّي «المستخلص» «1» بغرناطة، فثقب وأجاد النظر. قال ابن الصّيرفي: ولما ولي الوزير أبو علي بن هديّة المستخلص، وباشر جلائل الأمور ودقائقها بنفسه، حمى المناصفين، ورفع المؤن والكلف عنهم، ووسّع بسليف البذر عليهم، وآثرهم بالنّصفة بالتزام حصّة بيت المال؛ ولم يكن له حجّاب ولا بوّاب، فكان القويّ والضعيف، والمشروف والشريف، والكبير والصغير، والرجل والمرأة، شرعا سواء في الوصول إليه، والتكلّم في مجلسه، فلم يهتضم جانب، ولا دحضت حجة؛ إلّا أنه ارتفعت الرّقبة، وزالت الهيبة، وأمحق نور الخطّة؛ وخصّ أحباس «2» جامع غرناطة بنظره، بفضل مال كثير من غلّته، ونبّه باجتماعه ليزيد به بلاطين في مسقفه من شرقه وغربه، فأكمل الله ذلك بسعيه وعلى يديه؛ ورام ربع المستخلص، وزاد به في حمّاماته؛ ورمّ حوانيته، واستحدث منيحة سمّاها المستحدثة، وغرس قضبان الجوز في مواضع المياه، وعوّض بما ذهب، وشمّر في جمع المال، ووالى الحفز على العمل، ونصح بمقتضى جهده، ومنتهى وسعه، ولم تمدّ يده في مصانعة، ولا مالت إلى مداخلة، ولكنه لم يحمل في حق، ولا نوقش في باطل. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 236 أم الحسن بنت القاضي أبي جعفر الطّنجالي من أهل لوشة. نبيلة حسيبة، تجيد قراءة القرآن، وتشارك في فنون من الطّلب، من مبادئ غريبة، وخلف وإقراء مسائل الطّبّ، وتنظم أبياتا من الشعر. وذكرتها في خاتمة «الإكليل» «1» بما نصّه: «ثالثة حمدة وولّادة، وفاضلة الأدب والمجادة، تقلّدت المحاسن من قبل ولّادة، وأولدت أبكار الأفكار قبل سنّ الولادة. نشأت في حجر أبيها، لا يدّخر عنها تدريجا ولا سهما، حتى نهض إدراكها وظهر في المعرفة حراكها، ودرّسها الطبّ ففهمت أغراضه، وعلمت أسبابه وأعراضه» . وفي ذكر شعرها: «ولمّا قدم أبوها من المغرب، وحدّث بخبرها المغرب، توجّه بعض الصدور إلى اختبارها، ومطالعة أخبارها، فاستنبل أغراضها واستحسنها، واستطرف لسنها، وسألها عن الخطّ، وهو أكسد بضاعة جلبت، وأشحّ درّة حلبت. فأنشدته من نظمها: [البسيط] الخطّ ليس له في العلم فائدة ... وإنّما هو تزيين بقرطاس والدرس سؤلي لا أبغي به بدلا ... بقدر علم الفتى يسمو على الناس وراجعها بعض المجّان، يغفر الله له: [مجزوء البسيط] إن فرط الدرس يا أمّي سحق ... وهذا هو المشهور في الناس «2» فخذ من الدرس شيئا تافها ... خطّا وبالفهم كلّ الناس «3» ومن شعرها في غرض المدح: [الكامل] إن قيل من للناس «4» ربّ فضيلة ... حاز العلا والمجد منه أصيل فأقول رضوان وحيد زمان ... إنّ الزمان بمثله لبخيل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 237 بلكّين بن باديس بن حبّوس بن ماكسن بن زيري ابن مناد الصّنهاجي «1» الأمير الملقّب بسيف الدولة، صاحب أمر والده والمرشح للولاية بعده. حاله: قال المؤرّخ «2» : كان زيري بن مناد، ممّن ظهر في حرب ابن يزيد بإفريقية، واتّسم هو وقومه بطاعة العبيديين أمراء الشيعة، فكانوا حربا لأضدادهم من زناتة الموالين لأملاك المراونة «3» لتحقّق جدّهم خزر بولايته عثمان بن عفان، رضي الله عنه؛ فلمّا صار الأمر إلى بني مناد بعد انتقال ملك الشيعة إلى المشرق، وولّي الأمر باديس بن منصور بن بلكّين بن زيري، ذهب أعمامه وأعمام أبيه إلى استضعافه، فلم يعطهم ذلك من نفسه، ووقعت بينهم الحرب التي قتل فيها عمّ أبيه ماكسن بن زيري، فرهب الباقون منهم صولة باديس، وخافوا عاديته على أنفسهم، على صغر سنّه؛ فخاطب شيخ بيته يومئذ زاوي بن زيري ومعه أبناء أخيه، المظفّر بن أبي عامر ليجوز إليه إلى الأندلس رغبة في الجهاد، فألفى همّة بعيدة، وملكا شامخا، يذهب إلى استخدام الأشراف واصطناع الملوك، فأذن في ذلك؛ فدخل منهم جماعة الأندلس مع أميرهم زاوي بن زيري، ومعه أبناء أخيه حباسة وحبّوس وماكسن؛ فأنزلهم المظفّر وأكرمهم، إلّا أنهم كابدوا مشقّة من دهرهم الذي أصارهم يخدمون بأبواب الملوك من أعدائهم غيرهم؛ فلمّا انهدمت الإمامة، وانشقّت عصا الجماعة، سعوا في الفتنة سعي غيرهم؛ من سائر قبائل البرابرة، عند تشديد أهل الأندلس للبربر؛ وانحازوا عند ظهورهم على أهل الأندلس، بملوك بني حمّود، إلى بلاد تضمّهم، فانحازت صنهاجة مع شيخهم ورئيسهم زاوي بن زيري إلى مدينة غرناطة. ثم آثر زاوي العودة إلى وطنه إفريقية، فخرج عن الأندلس حسبما يتفسر في موضعه. والتفّ قومه على ابن أخيه حبّوس بن ماكسن، في جماعة عظيمة تحمي حوزته، وأقام بها ملكا؛ وغلب على ما اتصل بمدينته من الكور، فتملّك قبرة «4» ، وجيّان «5» ، واتّسع نظره، وحمى وطنه ورعيّته ممّن جاوره من البرابر؛ وكان داهية شجاعا، فدامت رئاسته، واتصل ملكه، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 238 إلى أن هلك. فولى بعده ابنه باديس، وسيأتي التعريف به؛ وولد له ابنه بلكّين هذا المترجم به، فرشّحه إلى ملكه، وأخذ له بيعة قومه، وأهّله للأمر من بعده. قال المؤرّخ «1» : ونشأ لباديس بن حبّوس، ولد اسمه بلكّين، وكان عاقلا نبيلا، فرشّحه للأمر من بعده؛ وسمّاه سيف الدولة؛ وقال: ولّي مالقة في حياة أبيه، وكان نبيلا جليلا؛ ووقعت على كتاب بخطه نصّه بعد البسملة: «هذا ما التزمه واعتقد العمل به، بلكّين بن باديس، للوزير القاضي أبي عبد الله بن الحسن الجذامي سلّمه الله. اعتقد به إقراره على خطّة الوزارة، والقضاء في جميع كوره «2» ، وأن يجري من الترفيع والإكرام له إلى أقصى غاية، وأن يحمل «3» على الجراية في جميع أملاكه بالكور «4» المذكورة، حاضرتها وباديتها، الموروثة منها، والمكتسبة، القديمة الاكتساب والحديثة، وما ابتاع منها من العالي «5» ، رحمه الله وغيره، لا يلزمها وظيف بوجه، ولا يكلّف منها كلفة، على كل حال، وأن يجري في قرابته، وخوله وحاشيته وعامري ضيعه، على المحافظة والبرّ والحرية. وأقسم على ذلك كلّه بلكّين بن باديس بالله العظيم، والقرآن «6» الحكيم، وأشهد الله على نفسه وعلى التزامه له، وكفى بالله شهيدا. وكتب بخطّ يده مستهل شهر رمضان العظيم سنة ثمان «7» وأربعين وأربعمائة، والله المستعان» . ولا شكّ أن هذا المقدار يدلّ على نبل، ويعرف عن كفاية. سبب وفاته: قال صاحب البيان المغرب وغيره «8» : وأمضى باديس كاتب أبيه ووزيره «9» إسماعيل بن نغرالة «10» اليهودي على وزارته وكتابته وسائر أعماله، ورفعه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 239 فوق كل منزلة؛ وكان لولده بلكّين «1» خاصّة من المسلمين يخدمونه، وكان مبغضا في اليهودي «2» ، فبلغه أنه تكلّم في «3» ذلك لأبيه، فبلغ منه كلّ مبلغ؛ فدبّر «4» الحيلة، فذكروا أنه دخل عليه يوما فقبّل الأرض بين يديه، فقال له الغلام: ولم ذلك؟ فقال: يرغب العبد «5» أن تدخل داره مع من أحببت من عبيدك ورجالك، فدخل إليه بعد ذلك، فقدّم له ولرجاله طعاما وشرابا، ثم جعل السّم في الكأس لابن باديس، فرام القيء، فلم يقدر عليه، فحمل إلى قصره وقضى «6» نحبه في يومه؛ وبلغ الخبر إلى أبيه ولم يعلم السبب، فقرّر اليهوديّ عنده أنّ أصحابه وبعض جواريه سمّوه، فقتل باديس جواري «7» ولده، ومن فتيانه وبني عمّه جماعة كبيرة، وخافه سائرهم ففرّوا عنه. وكانت وفاته سنة ست وخمسين وأربعمائة. وبعده قتل اليهودي في سنة تسع وخمسين. باديس بن حبّوس بن ماكسن بن زيري بن مناد الصّنهاجي «8» كنيته أبو مناد، ولقبه الحاجب المظفّر بالله، الناصر لدين الله. أوّليّته: قد تقدّم الإلماع بذلك عند ذكر ابنه بلكّين. حاله: كان رئيسا يبسا، طاغية، جبّارا، شجاعا، داهية، حازما، جلدا، شديد الأمر، سديد الرأي، بعيد الهمّة، مأثور الإقدام، شره السيف، واري زناد الشرّ، جمّاعة للمال؛ ضخمت به الدولة، ونبهت الألقاب، وأمنت لحمايته الرعايا، وطمّ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 240 تحت جناح سيفه العمران، واتّسع بطاعته المرهبة الجوانب ببأسه النظر، وانفسخ الملك، وكان ميمون الطائر، مطعم الظّفر «1» ، مصنوعا له في الأعداء، يقنع أقتاله بسلمه، ولا يطمع أعداؤه في حربه. قال ابن عسكر «2» : يكنى أبا مسعود، وكان من أهل الحزم وحماية الجانب، وكان يخطب ويدعو للعلويّين بمالقة «3» ، فلمّا توفي إدريس بن يحيى العالي «4» ، ملك مالقة سنة ثمان وأربعين وأربعمائة «5» . وقال الفتح في قلائده «6» : «كان باديس بن حبّوس بغرناطة عاتيا في فريقه، عادلا عن سنن العدل وطريقه؛ يجترئ على الله غير مراقب، ويسري «7» إلى ما شاء غير ملتفت للعواقب؛ قد حجب سنانه لسانه، وسبقت إساءته إحسانه؛ ناهيك من رجل لم يبت من ذنب على ندم، ولم «8» يشرب الماء إلّا من قليب دم؛ أحزم من كاد ومكر، وأجرم من راح وابتكر؛ وما زال متّقدا في مناحيه، متفقّدا لنواحيه، لا يرام بريث ولا عجل، ولا يبيت له جار إلّا على وجل» . أخباره في وقائعه: ينظر إيقاعه بزهير العامري ومن معه في اسم زهير، فقد ثبت منه هنالك نبذة، وإيقاعه بجيش ابن عبّاد بمالقة عندما طرق مالقة وتملّكها، واستصرخ من استمسك بقصبتها من أساودتها، وغير ذلك مما هو معلوم، وشهرته مغنية عن الإطالة. ومن أخباره في الجبرية والقسوة، قال ابن حيّان: عندما استوعب الفتكة بأبي نصر بن أبي نور اليفرني أمير رندة المنتزي بها وقتله، ورجوعها إلى ابن عباد؛ حكى أبو بكر الوسنشاني الفقيه عن ثقة عنده من أصادقة التّجّار، أنه حضر مدينة غرناطة، حضرة باديس بن حبّوس الجبار، أيام حدث على أبي نصر، صاحب تاكرنّا، ما حدث، وأن أميرها باديس قام للحادثة وقعد، وهاج من داء عصبيّته ما قد سكن، وشقّ أثوابه، وأعلن أعواله، وهجر شرابه الذي لا صبر له عنه، وجفا ملاذّه؛ وأوهمته الجزء: 1 ¦ الصفحة: 241 نفسه الخبيثة تمالؤ رعيّته من أهل الأندلس، على الذي دهى أبا نصر، فسوّلت له نفسه حمل السيف على أهل حضرته جميعا، مستحضرا لهم، وكيما ينبرهم، ويخلص برابرته وعبيده فيريح نفسه، ودبر أن يأتي ذلك إليهم عند اجتماعهم بمسجدهم الجامع الأقرب أيام الجمعة، من قوة همومه؛ وشاور وزيره اليهودي يوسف بن إسماعيل، مدبّر دولته الذي لا يقطع أمرا دونه، مستخليا مستكتما بسرّه، مصمّما في عزمه، إن هو لم يوافقه عليه؛ فنهاه عن ذلك وخطّأ رأيه فيه، وسأله الأناة ومحض الرويّة، وقال له: هبك وصلت إلى إرادتك ممّن بحضرتك، على ما في استباحتهم من الخطر، فأنّى تقدر على الإحاطة بجميعهم من أهل حضرتك، وبسائط أعمالك؟ أتراهم يطمئنون إلى الذّهول عن مصائبهم، والاستقرار في موضعهم؟ ما أراهم إلّا سيوفا ينتظمون عليك في جموع، يغرقونك في لججها أنت وجندك؛ فردّ نصيحته، وأخذ الكتمان عليه، وتقدّم إلى عارضه باعتراض الجند في السلاح، والتّعبئة لركوبه يوم الفتكة، يوم تلك الجمعة، فارتجّ البلد. وذكر أن اليهودي دسّ نسوانا إلى معارف لهنّ من زعماء المسلمين بغرناطة، ينهاهم عن حضور المسجد يومهم، ويأمرهم بإخفاء أنفسهم؛ وفشا الخبر فتخلّف الناس عن شهود الجمعة؛ ولم يأته إلّا نفر من عامّتهم، اقتدوا بمن أتاه من مشيخة البربر وأغفال القادمين؛ وجاء إلى باديس الخبر، والجيش في السلاح حوالي قصره، فساءه وفتّ في عضده، ولم يشكّ في فشوّ سرّه، وأحضر وزيره وقلّده البوح بسرّه فأنكر ما قرفه به؛ وقال: ومن أين ينكر على الناس الحذر، وأنت قد استركبت جندك وجميع جيشك في التّعبئة، لا لسفر ذكرته، ولا لعدوّ وثب إليك، فمن هناك حدس القوم على أنك تريدهم، وقد أجمل الله لك الصّنع في نفارهم، وقادك إصارهم، فأعد نظرك يا سيدي، فسوف تحمد عاقبة رأيي وغبطة نصحي. فنصّح وزيره شيخ من موالي صنهاجته، فانعطف لذلك بعد لأي، وشرح الله صدره. ويجري التعريف بشيء من أمور وزيره. قال ابن عذاري المراكشي في كتابه المسمى ب «البيان المغرب» «1» : أمضى باديس كاتب أبيه ووزيره ابن نغرالة اليهودي «2» ، وعمالا متصرّفين من أهل ملّته، فاكتسبوا الجاه في أيامه واستطالوا على المسلمين. قال ابن حيّان: وكان هذا اللعين في ذاته، على ما زوى الله عنه من هدايته، من أكمل الرجال علما وحلما وفهما، وذكاء، ودماثة، وركانة، ودهاء، ومكرا، وملكا لنفسه، وبسطا من خلقه، ومعرفة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 242 بزمانه، ومداراة لعدوّه، واستسلالا لحقودهم بحلمه؛ ناهيك من رجل كتب بالقلمين، واعتنى بالعلمين، وشغف باللسان العربي، ونظر فيه، وقرأ كتبه، وطالع أصوله؛ فانطلقت يده ولسانه، وصار يكتب عنه وعن صاحبه بالعربي، فيما احتاج إليه من فصول التحميد لله تعالى، والصلاة على رسوله، صلى الله عليه وسلم، والتزكية لدين الإسلام، وذكر فضائله، ما يريده، ولا يقصر فيما ينشئه عن أوسط كتّاب الإسلام؛ فجمع لذلك «السّجيج في علوم الأوائل الرياضية» وتقدم منتحليها بالتدقيق للمعرفة النّجومية؛ ويشارك في الهندسة والمنطق، ويفوق في الجدل كلّ مستول منه على غاية؛ قليل الكلام مع ذكائه، ماقتا للسباب، دائم التفكّر، جمّاعة للكتب. هلك في العشر الثاني لمحرم سنة تسع وخمسين وأربعمائة «1» ، فجلّل اليهود نعشه، ونكّسوا لها أعناقهم خاضعين، وتعاقدوه جازعين، وبكوه معلنين؛ وكان قد حمل ولده يوسف المكنّى بأبي حسين على مطالعة الكتب، وجمع إليه المعلمين والأدباء من كل ناحية، يعلّمونه ويدارسونه، وأعلقه بصناعة الكتابة، ورشّحه لأول حركته، لكتابة ابن مخدومه بلكّين برتبة المترشّح لمكانه، تمهيدا لقواعد خدمته؛ فلما هلك إسماعيل في هذا الوقت، أدناه باديس إليه، وأظهر الاغتباط به، والاستعاضة بخدمته عن أبيه. ذكر مقتل اليهودي يوسف بن إسماعيل بن نغرالة الإسرائيلي: قال صاحب البيان «2» : وترك ابنا له يسمى «3» يوسف لم يعرف ذلّ «4» الذّمّة، ولا قذر اليهودية. وكان جميل الوجه، حادّ الذّهن، فأخذ «5» في الاجتهاد في الأحوال، وجمع «6» المال، واستخراج الأموال، واستعمال «7» اليهود على الأعمال، فزادت منزلته عند أميره «8» ، وكانت له عليه «9» عيون في قصره من نساء وفتيان، يشملهم «10» بالإحسان، فلا يكاد باديس يتنفس، إلّا وهو يعلم ذلك «11» . ووقع ما تقدم ذكره، في الجزء: 1 ¦ الصفحة: 243 ذكر بلكّين من اتّهامه بسمّه، وتولّيه التهمة به عند أبيه، للكثير من جواريه وخدّامه، وفتك هذا بقريب له، تلو له في الخدمة والوجاهة، يدعى بالقائد، شعر منه بمزاحمته إياه فتكة شهيرة؛ واستهدف للناس فشغلت به ألسنتهم، وملئت غيظا عليه صدورهم، وذاعت قصيدة الزاهد أبي إسحاق الإلبيري، في الإغراء بهم، واتفق أن أغارت على غرناطة بعوث صمادحية تقول إنها باستدعائه، ليصير الأمر الصّنهاجيّ إلى مجهزها الأمير بمدينة ألمريّة. وباديس في هذه الحال منغمس في بطالته، عاكف على شرابه. ونمي هذا الأمر إلى رهطه من صنهاجة، فراحوا إلى دار اليهودي مع العامّة، فدخلوا عليه، فاختفى، زعموا في بيت فحم، وسوّد وجهه، يروم التنكير فقتلوه لمّا عرفوه، وصلبوه على باب مدينة غرناطة، وقتل من اليهود في يومه، مقتلة عظيمة، ونهبت دورهم، وذلك سنة تسع وخمسين وأربعمائة «1» . وقبره اليوم وقبر أبيه يعرف أصلا من اليهود ينقلونه بتواتر عندهم، أمام باب إلبيرة، على غلوة، يعترض الطريق، على لحده حجارة كدان جافية الجرم؛ ومكانه من الترفّه والتّرف والظّرف والأدب معروف؛ وإنما أتينا ببعض أخباره لكونه ممّن لا يمنع ذكره في أعلام الأدباء والأفراد إلا نحلته. مكان باديس من الذكاء وتولّعه بالقضايا الآتية: قال ابن الصّيرفي: حدّثني أبو الفضل جعفر الفتى، وكان له صدق، وفي نفسه عزّة وشهامة وكرم، وأثنى عليه، وعرّف به، حسبما يأتي في اسم جعفر المذكور، قال: خاض باديس مع أصحابه في المجلس العلي، من دار الشّراب بقصره، واصطفّت الصّقاليب «2» والعبيد بالبرطل «3» المتصل به لتخدم إرادته، فورد عليه نبأ قام لتعرّفه عن مجلسه، ثم عاد إلى موضعه وقد تجهّم وجهه، وخبثت نفسه، فحذر ندماؤه على أنفسهم، وتخيّلوا وقوع الشّرّ بهم، ثم قال: أعلمتم ما حدث؟ قالوا: لا، والله يطلع على خير، قال: دخل المرابط «4» الدّمنة، فسري عن القوم، وانطلقت ألسنتهم بالدعاء بنصره، وفسحة عمره، ودوام دولته، ثم وجموا لوجومه، فلمّا رأى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 244 تكدّر صفوهم، قال: أقبلوا على شأنكم، ما نحن وذاك، اليوم خمر وغدا أمر «1» ، بيننا وبينه أمداد الفجو، والنّشور الجبال وأمواج البحار، ولكن لا بدّ له أن يتملّك بلدي، ويقعد منه مقعدي، وهذا أمر لا يلحقه أحد منّا، وإنما يشقى أحفادنا. قال جعفر: فلمّا دخل الأمير القصر، عند خلعه حفيد باديس برحبة مؤمّل «2» ، طاف بكل ركن ومكان منه، وأنا في جملته حتى انتهى إلى ذلك المجلس، فبسط له ما قعد عليه، فتذكرت قول باديس، وتعجبت منه تعجّبا ظهر عليّ، فالتفت إليّ أمير المسلمين منكرا، وسألني ما بي، فأخبرته وصدقته، وقصصت عليه قول باديس، فتعجّب، وقام إلى المسجد بمن معه، فصلّى فيه ركعات، وأقبل يترحّم على قبره. وفاته: قال أبو القاسم بن خلف: توفي باديس ليلة الأحد الموفي عشرين من شوّال سنة خمس وستين وأربعمائة «3» ، ودفن بمسجد القصر. قلت: وقد ذهب أثر المسجد، وبقي القبر يحفّ به حلق له باب، كل ذلك على سبيل من الخمول، وجدث القبر رخام، إلى جانب قبر الأمير المجاهد أبي زكريا يحيى بن غانية، المدفون في دولة الموحّدين به. وقد أدال اعتقاد الخليفة في باديس بعد وفاته، قدم العهد بتعرّف أخبار جبروته وعتوّه على الله سبحانه، لما جبلهم عليه من الانقياد للأوهام والانصياع للأضاليل، فعلى حفرته اليوم من الازدحام بطلاب الحوائج والمستشفين من الأسقام، حتى أولو الدّواب الوجيعة، ما ليس على قبر معروف الكرخي، وأبي يزيد البسطامي. ومن أغرب ما وقفت عليه رقعة رفعها إلى السلطان على يدي رجل من أهل الخبر مكتّب «4» يؤمّ في مسجد القصبة القدمى من دار باديس، يعرف بابن باق، وهو يتوسّل إلى السلطان ويسأل منه الإذن في دفنه مجاورا لقبره. وعفو الله أوسع من أن يضيق على مثله، ممّن أسرف على نفسه، وضيّع حقّ ربّه. ودائره اليوم طلول قد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 245 تغيّرت أشكالها وقسّم التملّك جنّاتها، ومع ذلك فمعاهدها إليه منسوبة، وأخباره متداولة. وقد ألمعت في بعض مشاهده بقولي من قصيدة، غريبة الأغراض، تشتمل على فنون، أثبتها إحماضا وفكاهة، لمن يطالع هذا الكتاب، وإن لم يكن جلبها ضروريّا فيه، فمنها «1» : [الطويل] عسى خطرة «2» بالرّكب يا حادي العيس ... على الهضبة الشّمّاء من قصر باديس بكرون بن أبي بكر بن الأشقر الحضرمي يكنى أبا يحيى. حاله: كان من ذوي الأصالة ومشايخ الجند، فارسا نجدا حازما سديد الرأي، مسموع القول، شديد العضلة «3» ، أيّدا «4» ، فحلا وسيما، قائدا عند الجند الأندلسي، في أيام السلطان ثاني ملوك بني نصر، من أحفل ما كان الأمر، يجرّ وراءه دنيا عريضة، وجبى الجيش على عهده مغانم كثيرة. قال شيخنا ابن شبرين في تذكرة ألفيتها بخطه: كان له في الخدمة مكان كبير، وجاه عريض، ثم صرفه الأمر عن رسمه، وأنزله الدهر عن حكمه، تغمّدنا الله وإياه برحمته. وفاته: في عام أربعة عشر وسبعمائة، ودفن بمقبرة قومه بباب إلبيرة. بدر مولى عبد الرّحمن بن معاوية الداخل يكنى أبا النصر، رومي الأصل. حاله: كان شجاعا داهية، حازما فاضلا، مصمّما تقيّا، علما من أعلام الوفاء. لازم مولاه في أعقاب النكبة، وصحبه إلى المغرب الأقصى، مختصّا به ذابّا عنه، مشتملا عليه، وخطب له الأمر بالأندلس، فتمّ له بما هو مذكور. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 246 قال أبو مروان في المقتبس: إن عبد الرّحمن لمّا شرّده الخوف إلى قاصية المغرب، وتنقّل بين قبائل البربر، ودنا من ساحل الأندلس- وكان بها همّه- يستخبر من قرب، فعرف أن بلادها مفترقة بفرقتي المضرية واليمانية، فزاد ذلك في أطماعه، فأدخل إليهم بدرا مولاه يحسّس عن خبرهم، فأتى القوم ويلي ما عندهم، فداخل اليمانيين منهم، وقد عصفت ريح المضريين بظهور بني العباس بالمشرق، فقال لهم: ما رأيكم في رجل من أهل الخلافة يطلب الدولة بكم، فيقيم أودكم ويدرّككم آمالكم؟ فقالوا: ومن لنا به في هذه الديار، فقال بدر: ما أدناه منكم، وأنا الكفيل لكم به، هذا فلان بمكان كذا وكذا يقدّمنّ نفسه فقالوا: فجىء به أهلا، إنّا سراع إلى طاعته، وأرسلوا بدرا بكتبهم يستدعونه، فدخل إليه بأيمن طائر، واستجمع إليه خلق كثير من أنصاره قاتل بهم يوسف الفهري، فقهره لأول وقائعه، وأخذ الأندلس منه وأورثها عقبه. محنته: قال الراوي: وكان من أكبر من أمضى عليه عبد الرحمن بن معاوية حكم سياسته وقوّمه معدلته، مولاه بدر المعتق منه بكل ذمّة محفوظة، الخائض معه لكل غمرة مرهوبة، وكل ذلك لم يغن عنه نقيرا لما أسلف في إدلاله عليه، وكثير من الانبساط لحرمته، فجمع مركب تحامله حتى أورده ألما يضيق الصدر عنه، وآسف أميره ومولاه، حتى كبح عنانه عن نفسه بعد ذلك كبحة أقعى بها أو شارف حمامه، لولا أن أبقى الأمير على نفسه التي لم يزل مسرفا عليها. قال: فانتهى في عقابه لمّا سخط عليه أن سلب نعمته، وانتزع دوره وأملاكه وأغرمه على ذلك كله أربعين ألفا من صامته، ونفاه إلى الثّغر، فأقصاه عن قربه، ولم يقله العثرة، إلى أن هلك، فرفع طمع الهوادة عن جميع ثقله وخدمته، وصيّر خبره مثلا في الناس بعده. تاشفين بن علي بن يوسف أمير المسلمين «1» بعد أبيه بالعدوة صالي حروب الموحدين. أوّليّته: فيما يختصّ به التعريف بأوّليّة قومه، ينظر في اسم أبيه وجدّه إن شاء الله. قال ابن الورّاق في كتاب المقياس وغيره «2» : وفي سنة اثنتين وعشرين وخمسمائة، ولّى الأمير علي بن يوسف أمير لمتونة، الشهير بالمرابط، ولده الأمير الجزء: 1 ¦ الصفحة: 247 المسمّى بسير عهده من بعده. وجعل له الأمر في بقية حياته؛ ورأى أن يولي ابنه تاشفين الأندلس، فولّاه مدينة «1» غرناطة، وألمريّة ثم قرطبة مضافة إلى ما بيده. قلت: وفي قولهم رأي أن يولّى الأندلس فولّاه مدينة غرناطة، شاهد كبير على ما وصفناه من شرف هذه المدينة؛ فنظر في مصالحها، وظهر له بركة في النصر على العدو، وخدمه الجدّ الذي أسلمه. وتبرّأ منه في حروبه مع الموحّدين حسبما يتقرّر في موضعه، فكانت له على النصارى وقائع عظيمة بعد لها الصّيت، وشاع الذّكر حسبما يأتي في موضعه. قال: فكبر ذلك على أخيه سير وليّ عهد أبيه، وفاوض أباه في ذلك وقال له: إن الأمر الذي أهّلتني إليه «2» لا يحسن لي مع تاشفين، فإنه قد حمل الذكر والثّناء دوني، وغطّى على اسمي، وأمال إليه جميع أهل «3» المملكة، فليس لي معه اسم ولا ذكر، فأرضاه بأن عزله عن الأندلس وأمره بالوصول إلى حضرته، فرحل عن الأندلس في أواسط سنة إحدى وثلاثين وخمسمائة ووصل مرّاكش، وصار من جملة من يتصرّف بأمر أخيه سير ويقف ببابه كأحد حجّابه؛ فقضى الله وفاة الأمير سير على الصورة القبيحة حسبما يذكر في اسمه، وثكله أبوه واشتدّ جزعه عليه، وكان عظيم الإيثار والإرضاء لأمّه قمر، وهي «4» التي تسبّبت في عزل تاشفين وإخماله نظرا إلى ابنها، فقطع المقدار بها عن أملها بهلاكه. ولمّا توفي الأمير سير، أشارت الأمّ المذكورة على أبيه بتقديم ولده إسحاق، وكان رؤوما لها، قد تولّت تربيته عند هلاك أمّه وتبنّته، فقال لها: هو صغير السّن لم يبلغ الحلم؛ ولكن حتى أجمع الناس في المسجد خاصّة وعامّة، وأخبرهم فإن صرفوا الخيار إليّ، فعلت ما أشرت به. فجمع الناس وعرض عليهم الأمر؛ فقالوا كلهم في صوت واحد: تاشفين، فلم توسعه السياسة مخالفتهم؛ فعقد له الولاية بعده ونقش اسمه في الدنانير والدراهم مع اسمه، وقلّده النظر في الأمور السلطانية، فاستقرّ بذلك. وكتب إلى العدوة والأندلس وبلاد المغرب ببيعته، فوصلت البيعات من كل جهة. ثم رمى به جيوش الموحّدين الخارجين عليه، فنبا جدّه ومرضت أيامه، وكان الأمر عليه لا له، بخلاف ما صنع الله له بالأندلس. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 248 قال أبو مروان الورّاق «1» : وكان «2» أمير المسلمين علي بن يوسف بن تاشفين قد أمل في ابنه تاشفين ما لم تكن الأقدار تساعده به، فتشاءم به وعزم على خلعه وصرف عهده إلى إسحاق «3» ولده الأصغر، ووجّه إلى عامله على إشبيلية عمر «4» ، أن يصل إليه ليجعله شيخ ابنه، إلى أن وافاه خبر أمضّه وأقلقه ولم يمهله، فأزعج تاشفين إلى عدوّه على غير أهبة بتفويضه إياه، وصرف المدد في إثره، وتوفي لسبع خلون من رجب سنة سبع وثلاثين «5» لفعله ذلك. ملكه ووصف حاله: فأفضى إليه ملك أبيه، بتفويضه إياه في حياته، لسبع خلون من رجب سنة سبع وثلاثين وخمسمائة، وكان بطلا شجاعا حسن الرّكبة والهيئة، سالكا ناموس الشريعة، مائلا إلى طريقة المستقيمين، وكتب المريدين؛ قيل إنه لم يشرب قطّ مسكرا ولا استمع إلى قينة، ولا اشتغل بلذّة ممّا يلهو به الملوك. الثّناء عليه: قال ابن الصيرفي «6» : وكان بطلا شجاعا، أحبّه الناس، خواصّهم وعوامّهم، وحسنت سياسته فيهم، وسدّ الثّغور، وأذكى «7» على العدو العيون، وآثر الجند، ولم يكن منه إلّا الجدّ، ولم تنل عنده الحظوة «8» ، إلّا بالعناء والنجدة. وبذلك حمل على الخيل، وقلّد الأسلحة، وأوسع الأرزاق، واستكثر من الرّماة «9» وأركبهم وأقام همّتهم «10» للاعتناء بالثغور ومباشرة الحرب، ففتح الحصون وهزم الجيوش وهابه العدو. ولم ينهض إلا ظاهرا ولا صدر إلّا ظافرا. وملك الملك ومهد بالحزم وتملّك «11» نفوس الرعيّة بالعدل «12» ، وقلوب الجند بالنّصفة. ثم قال: ولولا الاختصار الذي اشترطناه لأوردنا من سنى خلاله ما يضيق عنه الرّحب، ولا يسعه الكتب. دينه: قال المؤرّخ: عكف على زيارة قبر أبي وهب الزاهد بقرطبة، وصاحب أهل الإرادة، وكان وطئ الأكناف «13» ، سهل الحجاب، يجالس الأعيان ويذاكرهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 249 قال ابن الصيرفي: ولمّا قدم غرناطة أقبل على صيام النهار، وقيام الليل، وتلاوة القرآن، وإخفاء الصّدقة، وإنشاء العدل، وإيثار الحق. دعابته: قالوا: مرّ يوما بمرج القرون، من أحواز قلعة يحصب، فقال لزمّال من عبيده كان يمازحه: هذا مرجك؛ فقال الزمّال: ما هو إلّا مرجك ومرج أبيك، وأما أنا فمن أنا؟ فضحك وأعرض عنه. دخوله غرناطة: قالوا «1» : وفي عام ثلاثة وعشرين وخمسمائة، ولّي الأمير أبو محمد تاشفين بن أمير المسلمين عليّ بن أمير المسلمين يوسف، ووافاها في السابع عشر «2» لذي حجة؛ فقوّى الحصون وسدّ الثغور وأذكى العيون «3» ، وعمد إلى رحبة القصر، فأقام بها السقائف والبيوت، واتخذها لخزن السلاح ومقاعد الرجال، وضرب السّهام؛ وأنشأ السّقي، وعمل التّراس، ونسج الدّروع، وصقل البيضات والسيوف، وارتبط الخيل، وأقام المساجد في الثغور، وبنى لنفسه مسجدا بالقصر، وواصل الجلوس للنظر في الظّلامات، وقراءة الرّقاع، وردّ الجواب؛ وكتب التوقيعات، وأكرم الفقهاء والطلبة، وكان له يوم في كل جمعة، يتفرّغ فيه للمناظرة. وزراؤه: قال أبو بكر: وقرن الله به ممّن ورد معه، الزبير بن عمر اللّمتوني، ندرة الزمان كرما وبسالة، وحزما وأصالة، فكان كما جاء في الحديث عن رسول الله، صلى الله عليه وسلم: «من ولّي شيئا من أمور المسلمين فأراد الله به خيرا، جعل الله له بطانة خير، وجعل له وزيرا صالحا، إن نسي شيئا ذكّره، وإن ذكره أعانه» . عمّاله: الوزير أبو محمد الحسين بن زيد بن أيوب بن حامد بن منحل بن يزيد. كتّابه: الرئيس العالم أبو عبد الله بن أبي الخصال، والكاتب المؤرّخ أبو بكر الصيرفي وغيرهما «4» . ومن أخبار جهاده: خرج «5» الأمير تاشفين في رمضان عام أربعة وعشرين وخمسمائة بجيش غرناطة ومطوعتها، واتصل به جيش قرطبة إلى حصن السّكّة من عمل طليطلة، وقد اتخذه العدو ركابا لإضراره بالمسلمين، وشحنه وجمّ به شوكة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 250 حادّة بقومس مشهور؛ فأحدق به، ونشر الحرب عليه، فافتتحه عنوة وقتل من كان به؛ وأحيا قائده «فرند» ومن معه من الفرسان، وصدر إلى غرناطة، فبرز له الناس بروزا لم يعهد مثله. وفي شهر صفر من عام خمسة وعشرين أوقع بالعدو المضيق على أوّليته. وفي ربيع الأول من عام ستة وعشرين، تعرّف خروج عدو طليطلة إلى قرطبة؛ فبادر الأمير تاشفين إلى قرطبة، ثم نهد «1» إلى العدو في خفّ، وترك السيقة والثقل بأرجونة. وقد اكتسح العدوّ بشنت إشطبين «2» والوادي الأحمر. وأسرى الليل، وواصل الركض، وتلاحق بالعدو بقرية براشة. فتراءى الجمعان صبحا، وافتضح الجيش، ونشرت الرّماح والرّايات، وهدرت الطبول، وضاقت المسافة، وانتبذ العدو عن الغنيمة؛ والتفّ الجمع، فتقصرت الرّماح، ووقعت المسابقة، ودارت الحرب على العدو، وأخذ السيف مأخذه، فأتى القتل على آخرهم، وصدر إلى غرناطة ظافرا. وفي «3» آخر هذا العام خرج العدو «للنمط» وقد احتفل في جيشه إلى بلاد الإسلام، فصبح إشبيلية يوم النصف من رجب، وبرز إليه الأمير أبو حفص عمر بن علي بن الحاج، فكانت به الدّبرة «4» في نفر من المسلمين استشهد جميعهم؛ ونزل العدو على فرسخين من المدينة فجلّلها نهبا وغارة؛ فقتل عظيما، وسبى عظيما؛ وبلغ الخبر الأمير تاشفين، فطوى المراحل، ودخل إشبيلية، وقد أسرّها؛ واستؤصلت باديتها، وكثر بها التأديب والتنكيل فأخذ أعقاب العدو، وقد قصد ناحية بطليوس وباجة ويابرة في ألف «5» عديده من أنجاد الرجال، ومشهور الأبطال، فراش جولا عهدا بالرّوع، فظفر بما لا يحصيه أحد، ولا يقع عليه عدد؛ وانثنى على رسل لثقل «6» السيقة، وثقته ببعد الصّارخ «7» ، وتجشمت بالأمير تاشفين الأدلاء كل ذروة وثنيّة، وأفضى به الإعداد «8» إلى فلاة بقرب الزّلاقة، وهو المهيع الذي يضطر العدو إليه، ولم يكن إلّا كلّا ولا، حتى أقبلت الطلائع منذرة بإقبال العدوّ، والغنيمة في يده قد ملأت الأرض؛ فلما تراءى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 251 الجمعان، واضطربت «1» المحلات، ورتبت المراكب فأخذت مصافّها، ولزمت الرجال مراكبها» ، فكان القلب مع الأمير ووجوه المرابطين وأصحاب الطاعات؛ وعليه البنود الباسقات، مكتّبة «3» بالآيات، وفي المجتبين «4» كبار الدولة من أبطال الأندلس، عليهم حمر الرّايات بالصور الهائلة «5» ، وفي الجناحين أهل الثغر والأوشاب من أهل الجلادة، عليهم الرّايات المرقّعات بالعذبات المجزّعات. وفي المقدمة مشاهير زناته ولفيف الحشم بالرايات المصبغات المنبّقات «6» . والتقى الجمعان، ونزل الصبر، وحميت النفوس، واشتدّ الضرب والضراب وكثرت الحملات؛ فهزم الله الكافرين، وأعطوا رقابهم مدبرين، فوقع القتل، واستلحم العدوّ السيف، واستأصله الهلاك والأسار؛ وكان فتحا جليلا لا كفاء له، وصدر الأمير تاشفين ظافرا إلى «7» بلده في جمادى من هذا العام. ولو ذهبنا لاستقصاء حركات الأمير تاشفين وظهوره لاستدعى ذلك طولا كثيرا. بعض ما مدح به: فمن ذلك «8» : [الكامل] أمّا وبيض الهند عنك خصوم ... فالرّوم تبذل ما ظباك تروم تمضي سيوفك في العدا ويردّها ... عن نفسه حيث الكلام وخيم «9» وهذه القصائد قد اشتملت على أغراضها الحماسية، والملك سوق يجلب إليها ما ينفق عندها. وفاته: قد تقدّم انصرافه عن الأندلس سنة إحدى وثلاثين وخمسماية، وقيل: سنة اثنتين «10» ، واستقراره بمرّاكش مرءوسا لأخيه سير، إلى أن أفضى إليه الأمر بعد أبيه. قال: واستقبل تاشفين مدافعة جيش أمير الموحدين، أبي محمد عبد المؤمن بن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 252 علي خليفة مهديهم، ومقاومة أمر قضى الله ظهوره، والدفاع عن ملك بلغ مداه، وتمّت أيامه. كتب الله عليه، فالتأث سعده، وفلّ جدّه، ولم تقم له قائمة إلى أن هزم، وتبدّد عسكره، ولجأ إلى وهران، فأحاط به الجيش، وأخذه الحصار. قالوا: فكان من تدبيره أن يلحق ببعض السواحل، وقد تقدّم به وصول ابن ميمون قائد أسطوله، ليرفعه إلى الأندلس؛ فخرج ليلا في نفر من خاصّته فرّقهم الليل، وأضلّهم الرّوع، وبدّدتهم الأوعار، فمنهم من قتل، ومنهم من لحق بالقطائع البحرية؛ وتردّى بتاشفين فرسه من بعض الحافّات، ووجد ميّتا في الغد، وذلك ليلة سبع وعشرين لرمضان سنة تسع وثلاثين وخمسمائة؛ وصلبه الموحّدون، واستولوا على الأمر من بعده، والبقاء لله تعالى. ثابت بن محمد الجرجاني ثم الأسترآباذي «1» يكنى أبا الفتوح. حاله: قال ابن بسّام «2» : كان الغالب على أدواته علم اللّسان، وحفظ الغريب، والشعر الجاهلي والإسلامي، إلى المشاركة في أنواع التعاليم، والتصرّف في حمل السلاح، والحذق بأنواع «3» الجندية؛ والنّفاذ في أنواع «4» الفروسيّة، فكان الكامل في خلال جمّة. قال أبو مروان: ولم يدخل الأندلس أكمل من أبي الفتوح في علمه وأدبه. قال ابن زيدون: لقيته بغرناطة، فأخذت عنه أخبار المشارقة، وحكايات كثيرة؛ وكان غزير الأدب، قويّ الحفظ في اللغة، نازغا إلى علم الأوائل من المنطق والنجوم والحكمة، له بذلك قوة ظاهرة. طروؤه على الأندلس: قال صاحب الذخيرة «5» : طرأ على الحاجب «6» منذ صدر الفتنة للذائع من كرمه، فأكرمه «7» ورفع شأنه، وأصحبه ابنه «8» المرشّح لمكانه «9» ، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 253 فلم يزل له بهما «1» المكان المكين، إلى أن تغيّر عليه يحيى لتغيّر الزمان، وتقلّب الليالي والأيام بالإنسان، ولحق «2» بغرناطة بعسكر البرابرة، فحلّت به من أميرهم باديس الفاقرة «3» . من روى عنه: قال أبو الوليد: قرأت عليه بالحضرة الحماسة في اختيار أشعار العرب، يحملها عن أحمد بن عبد السلام بن الحسين البصري، ولقيه ببغداد سنة ثمان وسبعين وثلاثمائة، عن أبي رياش أحمد بن أبي هشام بن شبل العبسي بالبصرة سنة ثمان وأربعين وثلاثمائة، وله في الفضائل أخبار كثيرة. محنته ووفاته: لحقه عند باديس مع عمه يدّير بن حباسه تهمة في التدبير عليه، والتسوّر على سلطانه، دعتهما إلى الفرار عن غرناطة، واللّحاق بإشبيلية. قال أبو يحيى الورّاق: واشتدّ شوق أبي الفتوح إلى أهله عند هربه مع يدّير إلى إشبيلية لمّا بلغه أن باديس قبض على زوجته وبنيه وحبسهم بالمنكّب عند العبد قدّاح صاحب عذابه، وكان لها من نفسه موقع عظيم، وكانت أندلسيّة جميلة جدّا لها طفلان ذكر وأنثى، لم يطق عنهما صبرا وعمل على الرجوع إلى باديس طمعا في أن يصفح عنه، كما عمل مع عمّه من أبي ريش؛ فاستأمن إلى باديس يوم نزوله على باب إستجة إثر انهزام عسكر ابن عباد، وفارق صاحبه يدّير، ورمى هو بنفسه إلى باديس من غير توثّق بأمان أو مراسلة؛ فلما أدخل عليه وسلم، قال له: ابتدئ، بأي وجه جئتني يا نمّام؟ ما أجرأك على خلقك، وأشدّ اغترارك بسحرك، فرّقت بين بني ماكسن، ثم جئت تخدعني كأنك لم تصنع شيئا؛ فلاطفه، وقال اتّق الله يا سيدي، وارع ذمامي، وارحم غربتي وسوء مقامي، ولا تلزمني ذنب ابن عمّك؛ فما لي سبب فيه، وما حملني على الفرار معه إلّا الخوف على نفسي لسابق خلطته؛ ولقد لفظتني البلاد إليك مقرّا بما لم أجنه رغبة في صفحك، فافعل أفعال الملوك الذين يجلّون عن الحقد على مثلي من الصعاليك؛ قال: بل أفعل ما تستحقّه إن شاء الله؛ أن تنطلق إلى غرناطة، فدم على حالك، والق أهلك إلى أن أقبل، فأصلح من شأنك. فاطمأنّ إلى قومه، وخرج إلى غرناطة وقد وكّل به فارسان، وقد كتب إلى قدّاح بحبسه؛ فلمّا شارف إلى غرناطة قبض عليه، وحلق رأسه، وأركب على بعير، وجعل خلفه أسود فظّ ضخم يوالي صفعه، فأدخل البلد مشهّرا، ثم أودع حبسا ضيّقا، ومعه رجل من أصحاب يدّير أسر في الوقعة من صنهاجة، فأقاما في الحبس معا إلى أن قفل باديس. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 254 مقتله: قال أبو مروان في الكتاب المسمّى بالمتين: واستراح باديس أياما في غرناطة يهيم بذكر الجرجاني، ويعض أنامله، فيعارضه فيه أخوه بلكّين، ويكذب الظنون وسعى في تخليصه، فارتبك باديس في أمره أياما، ثم غافض أخاه بلكين فقتله وقتا أمن فيه أمر معارضته؛ لاشتغاله بشراب وآلة، وكانت من عادته؛ فأحضر باديس الجرجاني إلى مجلسه، وأقبل يشتمه ويسبّه ويبكّته، ويطلق الشماتة ويقول، لم تغن عنك نجومك يا كذّاب، ألم يعد أميرك الجاهل؟ يعني يدّير، أنه سوف يظفر بي ويملك بلدي ثلاثين سنة، لم لم تدقّق النظر لنفسك وتحذر ورطتك؟ قد أباح الله لي دمك. فأيقن أبو الفتوح بالموت؛ وأطرق ينظر إلى الأرض، لا يكلّمه ولا ينظر إليه؛ فزاد ذلك في غيظ باديس، فوثب من مجلسه والسيف في يده، فخبط به الجرجاني حتى جدّ له وأمر بحزّ رأسه؛ قال: وقدّم الصّنهاجي الذي كان محبوسا معه إلى السيف، فاشتدّ جزعه، وجعل يعتذر من خطيئته، ويلحّ في ضراعته؛ فقال له باديس: أما تستحي يا ابن الفاعلة؛ يصبر المعلم الضعيف القلب على الموت مثل هذا الصبر، ويملك نفسه عن كلامه لي واستعطافي، وأنت تجزع مثل هذا الجزع؟ وطال ما أعددت نفسك في أشدّاء الرجال، لا أقال الرجال، لا أقال الله مقيلك؛ فضرب عنقه، وانقضى المجلس. ومن تمام الحكاية ممّا جلبه ابن حيّان، قال: وكلّم الصنهاجيّون باديس في جثّة صنهاجهم المقتول مع أبي الفتوح، فأمرني بإسلامها إليهم، فخرجوا بها من فورهم إلى المقبرة على نعش، فأصابوا قبرا قد احتفر لميت من أهل البلد، فصبّوا صاحبهم الصّنهاجي فيه، وواروه من غير غسل ولا كفن ولا صلاة، فعجب الناس من تسحّيهم في الاغتصاب حتى الموتى في قبورهم. مولده: سنة خمسين وثلاثمائة. وفاته: كما ذكر ليلة السبت لاثنتين بقيتا من محرم سنة إحدى وثلاثين وأربعمائة. قال برهون من خدّام باديس: أمرني بمواراة أبي الفتوح إلى جانب قبر أحمد بن عباس، وزير زهير العامري، فقبراهما في تلك البقعة متجاوران، وقال: اجعل قبر عدوّ إلى جانب عدو إلى يوم القصاص، فيا لهما قبران أجمّا أدبا لا كفاء له، والبقاء لله سبحانه. جعفر بن أحمد بن علي الخزاعي من أهل غرناطة، ويعسوب الثاغية والراغية «1» من أهل ربض البيّازين، يكنى أبا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 255 أحمد الشهير ذكره بشرق الأندلس، المعروف بكرامة الناس، المقصود الحفرة، المحترم التّربة حتى من العدوّ، والرائق بغير هذه الملّة. خرج قومه من وطنهم عند تغلّب العدو على الشرق، فنزلوا ربض البيّازين جوفي «1» المدينة، وارتاشوا، وتلثّموا «2» ، وبنوا المسجد العتيق، وأقاموا رسم الإرادة، يرون أنهم تمسكوا من طريق الشيخ أبي أحمد بآثاره، فلا يغبّون بيته، ولا يقطعون اجتماعا، على حالهم المعروفة من تلاوة حسنة، وإيثار ركعات، ثم ذكر ثم ترجيع أبيات في طريق التصوّف، مما ينسب للحسين بن منصور الحلاج «3» وأمثاله، يعرفونها منهم مشيخة، قوّالون، هم فحول الأجمة وضرائك «4» تلك القطيعة يهيجون بلابلهم، فلا ينشبون أن يحمى وطيسهم، ويخلط مرعيّهم «5» بالهمل، فيرقصون رقصا غير مساوق للإيقاع الموزون، دون العجال الغالبة منهم، بإفراد كلمات من بعض المقول، ويكرّ بعضهم على بعض، وقد خلعوا خشن ثيابهم، ومرقوعات قباطيهم ودرانيكهم «6» . فيدوم حالهم حتى يتصبّبوا عرقا. وقوّالهم يحرّكون فتورهم، ويزمرون روحهم، يخرجون بهم من قول إلى آخر، ويصلون الشيء بمثله، فربما أخذت نوبة رقصهم بطرفي الليل التمام، ولا تزال المشيّعة لهم يدعونهم، ويحاجّونهم إلى منازلهم، وربما استدعاهم السلطان إلى قصره محمضا في لطائف نعيمه باخشيشانهم، مبديا التبرّك بألويتهم. ولهم في الشيخ أبي أحمد والد نحلتهم، وشحنة قلوبهم، عصبيّة له وتقليد بإيثاره، أنفجت «7» لعقده أيمانهم، وشرط في صحّة دينهم، وارتكبوا في النفور عن سماع المزمار القصبي المسمّى بالشّبابة الذي أرخص في حضور الولائم، مع نفخ برعه العدد الكثير من الجلّة الصلحاء القدوة مرتكبا، حتى ألحقوه بالكبائر الموبقة، وتعدّوا اجتنابه جبلة وكراهة طباعيّة، فتزوى عند ذكره الوجوه. وتقتحم عند الاتّهام به الدّور، وتسقط فيما الجزء: 1 ¦ الصفحة: 256 بينهم بفلتة سماعه أخوّة الطريق. وهم أهل سذاجة وسلامة، أولو اقتصاد في ملبس وطعمة واقتيات بأدنى بلغة، ولهم في التعصّب نزعة خارجيّة «1» ، وأعظمهم ما بين مكتسب متسبّب؛ وبين معالج مدرة، ومريع حياكة، وبين أظهرهم من الذّعرة والصعاليك كثير، والطّرق إلى الله عدد أنفاس الخلائق، جعلنا الله ممّن قبل سعيه، وارتضى ما عنده، ويسّره لليسرى. حاله: قام هذا الرجل مقام الشيخ أبي تمام قريبه على هيئة مهلكه، فسدّ مسدّه، على حال فتور وغرارة، حتى لان متن الخطة، وخفّ عليه بالمران ثقل الوظيفة، فأمّ وخطب، وقاد الجماعة من أهل الإرادة. وقضى في الأمور الشرعية بالرّبض، تحت ضبن «2» قاضي الجماعة، وهو الآن بعده على حاله، حسن السّجيّة، دمث الأخلاق، ليّن العريكة، سهل الجانب، مقترن الصدق والعفّة، ظاهر الجدّة، محمود الطريقة، تطأه أقدام الكلف، وتطرّح به المطارح القاصية، حوى على الشفاعات، مستور الكفاية في لفق الضعف، متوالي شعلة الإدراك في حجر الغفلة، وجه من وجوه الحضرة في الجمهورية، مرعيّ الجانب، مخفّف الوظائف، مقصودا من منتامي «3» أهل طريقه بالهدايا، مستدعى إلى من بالجهات منهم في كثير من الفصول، ظاهر الجدوى في نفير الجهاد، رحمه الله، ونفع بأهل الخير. مولده: عام تسعة وسبعمائة. وفاته: يوم الاثنين التاسع والعشرين لرمضان خمسة وستين وسبعمائة. جعفر بن عبد الله بن محمد بن سيدبونة الخزاعي » من أهل شرق الأندلس، من نظر دانية، يكنى أبا أحمد، الوليّ الشهير. حاله: كان «5» أحد الأعلام المنقطعي «6» القرين في طريق كتاب الله، وأولي الهداية الحقّة، فذّ، شهير، شائع الخلّة، كثير الأتباع، بعيد الصيت، توجب حقّه حتى الأمم الدائنة بغير دين الإسلام، عند التغلّب على قرية مدفنه بما يقضى منه بالعجب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 257 قال الأستاذ أبو جعفر بن الزّبير عند ذكره في الصّلة «1» : أحد أعلام «2» المشاهير فضلا وصلاحا؛ قرأ ببلنسية «3» ، وكان يحفظ نصف «المدوّنة» وأقرأها، ويؤثر «4» الحديث والتفسير والفقه، على غير ذلك من العلوم. مشيخته: أخذ «5» القراءات السبع عن المقرئ أبي الحسن بن هذيل، وأبي الحسن بن النّعمة، ورحل إلى المشرق، فلقي في رحلته جلّة، أشهرهم وأكبرهم في باب الزهد وأنواع سني الأحوال، ورفيع المقامات، الشيخ الجليل، الوليّ لله تعالى، العارف، أبو مدين شعيب «6» بن الحسين، المقيم ببجاية، صحبه وانتفع به، ورجع من عنده بعجائب دينية، ورفيع أحوال إيمانية، وغلبت عليه العبادة، فشهر بها حتى رحل إليه الناس للتبرّك بدعائه، والتيمّن برؤيته ولقائه، فظهرت بركته على القليل والكثير منهم وارتووا زلالا من ذلك العذب النّمير، وحظّه من العلم مع عمله الجليل موفور، وعلمه نور على نور. لقيت قريبه الشيخ أبا تمام غالب بن حسين بن سيدبونة حين ورد غرناطة، فكان يحدّث عنه بعجائب. دخوله غرناطة: وذكر المعتنون بأخباره بالحضرة إلى طريقه، أنه دخل الحضرة وصلّى في رابطة الرّبط من باب «7» ... وأقام بها أياما، فلذلك المسجد المزية عندهم إلى اليوم. وانتقل الكثير من أهله وأذياله عند تغلّب العدو على الشرق على بلدهم، إلى هذه الحضرة، فسكنوا منها ربض البيّازين، على دين وانقباض وصلاح، فيحجّون بكنوز من أسراره، ومبشّراته مضنون بها على الناس. وبالحضرة اليوم منهم بقية تقدّم الإلماع بذكرهم. وفاته: توفي، رحمه الله، بالموضع المعروف بزناتة، في شوّال سنة أربع وعشرين وستمائة، وقد نيّف على الثمانين «8» . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 258 الحسين بن عبد العزيز بن محمد بن أبي الأحوص القرشي الفهري نشأ بغرناطة، يكنى أبا علي، ويعرف بابن الناظر «1» . حاله: كان متفنّنا في جملة معارف، أخذ من كل علم سنا بحظّ وافر، حافظا للحديث والتفسير، ذاكرا للأدب واللغة والتواريخ، شديد العناية بالعلم، مكبّا على استفادته وإفادته، حسن اللقاء لطلبة العلم، حريصا على نفعهم، جميل المشاركة لهم. وقال الأستاذ: كان من بقايا أهل الضبط والإتقان لما رواه، وآخر مقرئي القرآن، ممّن يعتبر في الأسانيد ومعرفة الطرق والروايات، متقدّما في ذلك على أهل وقته، وهو أوفر من كان بالأندلس في ذلك. أقرأ القرآن والعربية بغرناطة مدة، ثم انتقل إلى مالقة «2» فأقرأ بها يسيرا، ثم انقبض عن الإقراء، وبقي خطيبا بقصبة مالقة نحوا من خمس «3» وعشرين سنة، ثم كرّ منتقلا إلى غرناطة «4» ، فولي قضاء ألمريّة، ثم قضاء بسطة، ثم قضاء مالقة. وصمته: قال الأستاذ: إلّا أنه كان فيه خلق أخلّت به، وحملته على إعداء ما ليس من شأنه، عفا الله عنه، فكان ذلك مما يزهّد فيه. مشيخته: روى عن الأستاذ المقرئ أبي محمد عبد الله بن حسين الكوّاب، أخذ عنه قراءة السبع وغير ذلك، وعن أبي علي وأبي الحسن بن سهل بن مالك الأزديّ، وأبي عبد الله محمد بن يحيى، المعروف بالحلبي، وجماعة غير هؤلاء، ورحل إلى إشبيلية فروى بها عن الشيخ الأستاذ أبي علي «5» أكثر كتاب سيبويه تفقّها، وغير ذلك. وأخذ عن جماعة كثيرة من أهلها، وقدم عليها. إذ ذاك القاضي أبو القاسم بن بقيّ، فلقيه بها وأخذ عنه، ورحل إلى بلنسية، فأخذ بها عن الحاج أبي الحسن بن خيرة، وأبي الربيع بن سالم، وسمع عليه جملة صالحة، كأبي عامر بن يزيد بن أبي العطاء بن يزيد وغيرهم، وبجزيرة شقر عن أبي بكر بن وضّاح، وبمرسية الجزء: 1 ¦ الصفحة: 259 عن جماعة من أهلها، وبأوريولة عن أبي الحسن بن بقيّ، وبمالقة عن آخرين، وتحصّل له جماعة نيّفوا على الستين. تصانيفه: منها المسلسلات، والأربعون حديثا، والترشيد في صناعة التّجويد، وبرنامج رواياته وهو نبيل. شعره: كان يقرض شعرا لا يرضى لمثله، ممّن برّز تبريزه في المعارف. مولده: يوم الخميس لاثنتي عشرة «1» ليلة بقيت من شوّال سنة خمسين وستمائة. وفاته: توفي بغرناطة لأربع عشرة «2» ليلة خلت من جمادى الآخرة «3» سنة تسع وتسعين وستمائة. الحسن بن محمد بن الحسن النباهي الجذامي «4» من أهل مالقة، يكنى أبا علي. أوّليّته: قال القاضي المؤرّخ أبو عبد الله بن أبي عسكر فيه: من حسباء مالقة وأعيانها وقضاتها، وهو جدّ بني الحسن المالقيين، وبيته بيت قضاء وعلم وجلالة، لم يزالوا يرثون ذلك كابرا عن كابر، استقضى جدّه المنصور بن أبي عامر، وكانت له ولأصحابه حكاية مع المنصور. قال القاضي ابن بياض: أخبرني أبي، قال: اجتمعنا يوما في متنزّه لنا بجهة الناعورة بقرطبة مع المنصور بن أبي عامر في حداثة سنّه، وأوان طلبه، وهو مرتج مؤمّل، ومعنا ابن عمّه عمرو بن عبد الله بن عسكلاجة، والكاتب ابن المرعزى، والفقيه أبو الحسن المالقي، وكانت سفرة فيها طعام، فقال ابن أبي عامر من ذلك الكلام الذي كان يتكلّم به: لا بدّ أن نملك الأندلس، ونحن نضحك منه ومن قوله. ثم قال: يتمنّى كلّ واحد منكم عليّ ما شاء أولّيه؛ فقال عمرو: أتمنى أن تولّيني المدينة، نضرب ظهور الجنّات. وقال ابن المرعزى: وأنا أشتهي الأسفح «5» ، القضاء في أحكام السّوق. وقال أبو الحسن: وأنا أحب هذه، أن توليني قضاء مالقة بلدي. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 260 قال موسى بن غدرون: قال لي: تمنّ أنت، فشققت لحيته بيدي، واضطربت به وقلت قولا قبيحا من قول السفهاء. فلمّا ملك ابن أبي عامر الأندلس، ولّى ابن عمّه المدينة، وولّى ابن المرعزى أحكام السوق، وولّى أبا الحسن المالقي قضاء ريّه، وبلغ كل واحد ما تمنّى، وأخذ منّي مالا عظيما أفقرني لقبح قولي: فبيت بني الحسن شهير، وسيأتي من أعلامه ما فيه كفاية. حاله: قال ابن الزّبير: كان طالبا نبيلا من أهل الدين والفضل والنّهى والنباهة. نباهته: قال ابن الزبير في كتاب نزهة البصائر والأبصار: استقضي بغرناطة. وفاته: توفي سنة اثنتين وسبعين وأربعمائة، ذكره ابن بشكوال في الصّلة، وعرّف بولايته قضاء غرناطة، وذكره ابن عسكر، وتوهّم فيه الملّاحي، فقال: هو من أهل إلبيرة. حسن بن محمد بن حسن القيسي من أهل مالقة، يكنى أبا علي، ويعرف بالقلنار. حاله: كان، رحمه الله، بقيّة شيوخ الأطباء ببلده، حافظا للمسائل الطّبية، ذاكرا للدواء، فسيح التّجربة، طويل المزاولة، متصرّفا في الأمور التي ترجع إلى صناعة اليدين صدلة وإخراعة، محاربا، مقدورا عليه في أخرياته، ساذجا، مخشوشنا، كثير الصحة والسلامة، محفوظ العقيدة، قليل المصانعة، بريّا من التشمّت، يعالج معيشته بيده في صبابة فلاحة. أخذ صناعة الطب عن أبي الحسن الأركشي «1» ، ومعرفة أعيان النبات عن المصحفي وسرح معه، وارتاد منابت العشب في صحبته، فكان آخر السحّارين بالأندلس، وحاول عمل التّرياق الفارق بالديار السلطانية عام اثنين وخمسين وسبعمائة مبرّزا في اختيار أجزائه، وإحكام تركيبه، وإقدام على اختبار مرهوب حياته، قتلا وصنجا وتقريصا، بما يعجب من إدلاله فيه، وفراهته عليه. حسن بن محمد بن باصة يكنى أبا علي، ويعرف بالصّعلعل، رئيس المؤقّتين بالمسجد الأعظم من غرناطة، أصله من شرق الأندلس. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 261 حاله: كان فقيها إماما في علم الحساب والهيئة، أخذ عنه الجلّة والنبهاء، قائما على الأطلال والرّخائم والآلات الشعاعية، ماهرا في التعديل، مع التزام السّنّة، والوقوف عند ما حدّ العلماء في ذلك، مداوم النظر، ذا مستنبطات ومستدركات وتواليف، نسيج وحده ورحقة وقته. وفاته: توفي بغرناطة عام ستة عشر وسبعمائة. الحسن بن محمد بن علي الأنصاري من أهل ... «1» ، يكنى أبا علي ويعرف بابن كسرى. حاله: كان متقدّما في حفظ الأدب واللغة، مبرّزا في علم النحو، شاعرا مجيدا، ممتع المؤانسة، كثير المواساة، حسن الخلق، كريم النفس، مثرّا «2» في نظم الشعر في غير فن، مدح الملوك والرؤساء، مؤثرا للخمول على الظهور، وفي تخامله يقول شعرا ثبت في موضعه. مشيخته: روى عن أبي بكر بن عبد الله بن ميمون الكندي، وأبي عبد الله الكندي، وأبي الحكم بن هرودس، وأبي عبد الله بن غالب الرّصافي. ممّن روى عنه: روى عنه أبو الطاهر أحمد بن علي الهواري السّبتي، وأبو عبد الله إبراهيم بن سالم بن صالح بن سالم. نباهته وإدراكه: من كتاب نزهة البصائر والأبصار، قال القاضي أبو عبد الله بن عسكر: نقلت من خط صاحبنا الفقيه القاضي، رحمه الله ما معناه: قال: حدّثني الفقيه الأديب أبو علي، قال: كنت بإشبيلية، وقد قصدتها لبعض الملوك، فبينما أنا أسير في بعض طرقها، لقيت الشيخ أبا العباس، فسلّمت عليه، ووقفت معه، وكنت قد ذكر لي أنّ بها رجلا من الصالحين، زاهدا، فاضلا، ينتقد من الشعر في الزهد والرقائق، ببدائع تعجب. وكان بالمغرب قد قصّد الهربيّ والنادر، فسألني أبو العباس عن مصيري، فأعلمته بقصدي، فرغب أن يصحبني إليه، حتى أتيناه، فرأيناه رجلا عاقلا، قاعدا في موضع قذر، فسلّمنا عليه، فردّ علينا، وسألناه عن قعوده في ذلك الموضع، فقال: أتذكّر الدّنيا وسيرتها، فزدنا به غبطة؛ ثم استنشدناه في ذلك الغرض من كلامه، ففكّر ساعة ثم أنشدنا كلاما قبيحا، تضمّن من القبيح ومن الإقذاع والفواحش ما لا يحلّ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 262 سماعه، فقمنا نلعنه، وخجلت من أبي العباس، واعتذرت له. ثم اتفق أن اجتمعنا في مجلس الأمير الذي كنت قد قصدته، فقال أبو العباس: إن أبا علي قد حفظ لبعض الحاضرين شعرا في الزهد، من أعذب الكلام وأحسنه، فسألني الأمير وطلب مني إنشاده، فخجلت ثم ثاب إليّ عقلي، فنظمت بيتين، فأنشدتهما إيّاه وهما: [المنسرح] أشهد ألّا إله إلّا الله ... محمد المصطفى رسول الله لا حول للخلق في أمورهم ... إنما الحول كلّه لله قال: فأعجب الأمير ذلك واستحسنه. ومن مقاماته بين يدي الملوك وبعض حاله، نقلت من خط صاحبنا الفقيه القاضي أبي الحسن بن أبي الحسن، قال: المروي منسوب إلى قرية بقرب مالقة، وهو الذي قال فيه الشيخ أبو الحجاج بن الشيخ رضي الله عنه: [المجتث] إذا سمعت من اسرى ... ومن إلى المسجد أسرى فقل ولا تتوقّف ... أبا علي ابن كسرى قال: وهو قريب الأستاذ الأديب أبي علي الإستجي ومعلّمه، وأحد طلبة الأستاذ أبي القاسم السّهيلي، وممّن نبع صغيرا، وارتحل إلى غرناطة ومرسية. وهو الذي أنشد في طفولته السيد أبا إسحاق بإشبيلية: [الكامل] قسما بحمص «1» وإنّه لعظيم ... وهي المقام وأنت إبراهيم وكان بالحضرة أبو القاسم السّهيلي، فقام عند إتمامه القصيدة، وقال: لمثل هذا أحسيك الحسا، وأواصل في تعليمك الإصباح والإمساء، وكان يوما مشهودا. وأنشد الأمير أبا يعقوب حين حلّها: [الطويل] أمعشر أهل الأرض في الطول والعرض ... بهذا استنادي في القيامة والعرض لقد قال فيك الله ما أنت أهله ... فيقضي بحكم الله فيك بلا نقض وإياك يعنى ذو الجلال بقوله ... كذلك مكّنّا ليوسف في الأرض وذكره ابن الزّبير، وابن عبد الملك، وابن عسكر، وغيرهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 263 ومن شعره في معنى الانقطاع والتسليم إلى الله تعالى، وهي لزوميّة، ولنختم بها، ختم الله لنا بالحسنى: [الطويل] إلهي أنت الله ركني وملجئي ... وما لي إلى خلق سواك ركون رأيت بني الأيام عقبى سكونهم ... حراك وفي عقبى الحراك سكون رضى بالذي قدّرت تسليم عالم ... بأنّ الذي لا بدّ منه يكون وفاته: توفي بمدينة مالقة في حدود ثلاث وستمائة. الحسين بن عتيق بن الحسين بن رشيق التغلبي يكنى أبا علي، مرسيّ الأصل، سبتيّ الاستيطان، منتم إلى صاحب الثورة على المعتمد «1» . حاله: كان نسيج وحده، وفريد دهره، إتقانا ومعرفة، ومشاركة في كثير من الفنون اللسانية والتعالميّة، متبحّرا في التاريخ، ريّانا من الأدب، شاعرا مفلقا، عجيب الاستنباط، قادرا على الاختراع والأوضاع، جهم المحيّا، موحش الشكل، يضمّ برداه طويّا لا كفاء له، تحرّف بالعدالة، وبرّز بمدينة سبتة، وكتب عن أميرها، وجرت بينه وبين الأديب أبي الحكم مالك بن المرحّل من الملاحات والمهاترات أشدّ ما يجري بين متناقضين، آلت به إلى الحكاية الشهيرة، وذلك أنه نظم قصيدة نصّها: [الكامل] لكلاب سبتة في النّباح مدارك ... وأشدّها دركا لذلك مالك «2» شيخ تفانى في البطالة عمره ... وأحال فكّيه الكلام الآفك كلب له في كلّ عرض عضّة ... وبكلّ محصنة لسان آفك متهمّم «3» بذوي الخنا متزمّع ... متهازل بذوي التّقى متضاحك أحلى شمائله السّباب المفتري ... وأعفّ سيرته الهجاء الماعك وألذّ شيء عنده في محفل ... لمز لأستار المحافل هاتك الجزء: 1 ¦ الصفحة: 264 يغشى مخاطره اللئيم تفكّها ... ويعاف رؤيته الحليم النّاسك لو أن شخصا يستحيل كلامه ... خرءا «1» للاك الخرء منه لائك فكأنه التمساح يقذف جوفه ... من فيه ما فيه ولا يتماسك أنفاسه وفساؤه من عنصر ... وسعاله وضراطه متشارك ما ضرفا من معدّ الله «2» ... لو أسلمته نواجذ وضواحك في شعره من جاهلية طبعه ... أثقال أرض لم ينلها فاتك صدر وقافية تعارضتا معا ... في بيت عنس أو بعرس فارك قد عمّ أهل الأرض بلعنه ... فللأعنية في السماء ملائك ولأعجب العجبين أنّ كلامه ... لخلاله مسك يروح ورامك إن سام مكرمة جثا متثاقلا ... يرغو كما يرغو البعير البارك ويدبّ في جنح الظلام إلى الخنا ... عدوا كما يعدو الظّليم الراتك نبذ الوقار لصبية يهجونه ... فسياله فرش لهم وأرائك يبدي لهم سوآته ليسوءهم ... بمسالك لا يرتضيها سالك والدهر باك لانقلاب صروفه ... ظهرا لبطن وهو لاه ضاحك واللسن تنصحه بأفصح منطق ... لو كان ينجو بالنّصيحة هالك تب يا ابن تسعين فقد جزت المدا ... وارتاح للّقيا بسنّك مالك أو ما ترى من حافديك نشابها ... ابن يضاجع جدّه ويناسك هيهات أيّة عشرة لهجت به ... هنوات مملوك وطيّع مالك يا ابن المرحّل لو شهدت مرحّلا ... وقد انحنى بالرّحل منه الحارك وطريد لوم لا يحلّ بمعشر ... إلّا أمال قفاه صفع دالك مركوب لهو لجاجة وركاكة ... وأراك من ذاك اللجاج البارك لرأيت للعين اللئيمة سحّة ... وعلا بصفع عرك أذنك عارك وشغلت عن ذمّ الأنام بشاغل ... وثناك خصم من أبيك مماحك قسما بمن سمك السماء مكانها ... ولديه نفس رداء نفسك شائك لأقول للمغرور منك بشيبة ... بيضاء طيّ الصّحف منها حالك لا تأمنن للذئب دفع مضرّة ... فالذئب إن أعفيته بك فاتك الجزء: 1 ¦ الصفحة: 265 عار على الملك المنزّه أن يرى ... في مثل هذا للملوك مسالك فكلامه للدّين سمّ قاتل ... ودنوّه للعرض داء ناهك فعليه ثم على الذي يصغى له ... ويل يعاجله وحتف واشك وأتاه من مثواه آت مجهز ... لدم الخناجر بالخناجر سافك وهي طويلة، تشتمل من التعريض والصريح على كل غريب، واتخذ لها كنانة خشبية كأوعية الكتب، وكتب عليها: «رقاص معجّل، إلى مالك بن المرحّل» . وعمد إلى كلب، وجعلها في عنقه، وأوجعه خبطا حتى لا يأوي إلى أحد، ولا يستقرّ، وطرده بالزّقاق متكتّما بذلك. وذهب الكلب وخلفه من الناس أمّة، وقرىء مكتوب الكنانة، واحتمل إلى أبي الحكم، ونزعت من عنق الكلب، ودفعت إليه، فوقف منها على كل فاقرة «1» كفّت من طماحه، وغضّت عن عنان مجاراته، وتحدّث بها مدة، ولم يغب عنه أنها من حيل ابن رشيق، فعوّق سهام المراجعة، ثم أقصر مكبوحا، وفي أجوبته عن ذلك يقول: [المتقارب] كلاب المزابل آذينني ... بأبوالهنّ على باب داري وقد كنت أوجعها بالعصا ... ولكن عوت من وراء الجدار واستدعاه بآخرة أمير المغرب السلطان أبو يعقوب، فاستكتبه، واستكتب أبا الحكم صدقة، فيقال إنه جرّ عليه خجلة كانت سبب وفاة أبي علي. ودخل الأندلس، وحطّ بها بألمريّة، وقد أصيب بأسر عياله، فتوسّل إلى واليها من قرابة السلطان الغالب بالله، بشعر مدحه فيه من قصيدة أولها: [الكامل] ملقي النوى ملق لبعض نوالكا ... فاشف المحبّ ولو بطيف خيالكا ومنها: لا تحسبنّي من فلان أو فلا ... أنا من رجال الله ثم رجالكا ومنها: نصب العدوّ حبائلا لحبائبي ... وعلقت في استخلاصها بحبالكا وفي خاتمها: وكفاك شرّ العين عيب واحد ... لا عيب فيه سوى فلول نصالكا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 266 ولحق بغرناطة، ومدح السلطان بها، ونجحت لديه مشاركة الرئيس بألمريّة. فجبر الله حاله، وخلّص أسره. ومما جمع فيه بين نثره ونظمه ما كتبه لمّا كتب إليه الأديب الطبيب صالح بن شريف بهاتين القصيدتين اللتين تنازع فيهما الأقوام، واتفقوا على أن يحكم بينهما الأحلام، وعبّر عن ذلك الأقلام، ولينظرهما من تشوّق إليهما بغير هذا الموضع. تواليفه: وأوضاعه غريبة، واختراعاته عجيبة، تعرّفت أنه اخترع في سفرة الشطرنج شكلا مستديرا. وله الكتاب الكبير في التاريخ، والتلخيص المسمّى ب «ميزان العمل» وهو من أظرف الموضوعات، وأحسنها شهرة. وفاته: كان حيّا عام أربعة وسبعين وستمائة. حبّوس بن ماكسن بن زيري بن مناد الصّنهاجي «1» يكنى أبا مسعود، ملك إلبيرة وغرناطة؛ وما والاها. حاله وأوّليّته: أما أوّليّته، فقد مرّ ذلك بما فيه كفاية عند ذكر بلكّين. ولمّا دخل زاوي بن زيري على الأندلس غبّ إيقاعه بالمرتضى الذي نصبته الجماعة، واستيلائه على محلّته بظاهر غرناطة، خاف «2» تمالؤ الأندلس عليه، ونظر للعاقبة، فأسند الأمر إلى ابن أخيه، حبّوس بن ماكسن، وكان بحصن آشر «3» ، فلمّا ركب البحر من المنكّب، وودّعه به زعيم البلدة وكبير فقهائها أبو عبد الله بن أبي زمنين، ذهب إلى ابن أخيه المذكور واستقدمه، وجرت بينه وبين ابن عمّه المتخلّف على غرناطة من قبل والده، محاورة انجلت عن رحيله تبعا لأبيه؛ حبّوس، فاستبدّ بالملك، ورأب الصّدع سنة إحدى «4» عشرة وأربعمائة. قال ابن عذاري في تاريخه «5» : فانحازت «6» صنهاجة مع شيخهم ورئيسهم حبّوس بن ماكسن، وقد كان أخوه حباسة هلك في الجزء: 1 ¦ الصفحة: 267 الفتنة، وبقي منهم معه بعد انصراف زاوي إلى إفريقية، جماعة عظيمة، فانحازوا إلى مدينة غرناطة، وأقام حبّوس بها ملكا عظيما، وحامى «1» رعيّته ممّن جاوره من سائر البرابرة «2» المنتشرين حوله، فدامت رئاسته. وفاته: توفي بغرناطة سنة ثمان وعشرين وأربعمائة «3» . الحكم بن عبد الرحمن بن محمد بن عبد الله ابن عبد الرحمن بن الحكم بن هشام بن عبد الرحمن ابن معاوية «4» صفته وحاله: كان أصهب العين، أسمر، أقنى، معسّل اللحية، جهير الصوت، طويل الصّلب، قصير الساقين، عظيم السّاعد، أفصم، وكان ملكا «5» جليلا، عظيم الصّيت، رفيع القدر، عالي الهمّة، فقيها بالمذهب، عالما بالأنساب، حافظا للتاريخ، جمّاعا للكتب، محبّا في العلم والعلماء، مشيرا للرجال من كل بلد، جمع العلماء من كل قطر، ولم يكن في بني أمية أعظم همّة، ولا أجلّ رتبة في العلم وغوامض الفنون منه. واشتهر بهمّته بالجهاد، وتحدّث بصدقاته في المحلول، وأملته الجبابرة والملوك. دخوله إلبيرة: قال ابن الفيّاض: كتب إليه من الثغر الجنوبي أن عظيم الفرنجة من النصارى حشدوا إليه وسألوه الممرة «6» بطول المحاصرة، فاحتسب شخوصه بنفسه إلى ألمرية في رجب سنة ثلاث وخمسين وثلاثمائة، في جحفل لجب من نجدة الأولياء وأهل المراتب. ولما أحلّ إلبيرة ورد عليه كتاب أحمد بن يعلى من طرطوشة بنصر الله العزيز وصنعه الكريم على الرّوم. ووافى ألمريّة، وأشرف على أمورها، ونظر إلى أسطولها وجدّده، وعدّته يومئذ ثلاثمائة قطعة، وانصرف إلى قرطبة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 268 مولده: لستّ بقين من جمادى الآخرة سنة اثنتين وثلاثمائة. وفاته: لأربع «1» خلون من صفر سنة ستّ وستين وثلاثمائة، وعمره نحو من ثلاث وستين سنة، وهو خاتمة العظماء من بني أمية. الحكم بن هشام بن عبد الرحمن بن معاوية بن هشام ابن عبد الملك بن مروان بن أمية «2» كنيته أبو العاصي. صفته: آدم، شديد الأدمة «3» ، طويل، أشمّ، نحيف، لم يخضب. بنوه تسعة عشر من الذكور، منهم عبد الرحمن وليّ عهده. بناته: إحدى وعشرون «4» ، أمّه أمّ ولد اسمها زخرف. وزراؤه وقوّاده: خمسة، منهم إسحاق بن المنذر، والعباس بن عبد الله، وعبد الكريم بن عبد الواحد، وفطيس بن سليمان، وسعيد بن حسّان. قضاته: مصعب بن عمران، وعمر «5» بن بشر، والفرج بن كنانة. وبشر بن قطن، وعبد «6» الله بن موسى، ومحمد بن تليد، وحامد بن محمد بن يحيى. كتابه: فطيس بن سليمان، وعطاف «7» بن زيد، وحجّاج بن العقيلي «8» . حاجبه: عبد الكريم بن عبد الواحد بن مغيث. حاله: كان الحكم شديد الحزم، ماضي العزم، ذا صولة تتّقى. وكان حسن التدبير في سلطانه، وتولية أهل الفضل، والعدل في رعيّته، مبسوط اليد بالعطاء الكثير، وكان فصيحا، بليغا، شاعرا مجيدا، أديبا، نحويّا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 269 قال ابن عذاري «1» : كانت فيه بطالة، إلّا أنه كان شجاعا «2» ، مبسوط اليد، عظيم العفو، وكان يسلّط قضاته وحكّامه على نفسه، فضلا عن ولده وخاصّته. وهو الذي جرت على يده الفتكة العظيمة بأهل ربض قرطبة «3» ، الذين هاجوا به وهتفوا بخلعانه، فأظهره الله عليهم، في خبر شهير. وهو الذي أوقع بأهل طليطلة أيضا، فأبادهم بحيلة الدّعاء إلى الطعام بما هو معلوم. دخوله غرناطة: قالوا: وبإلبيرة وأحوازها تلاقى مع عمّه أبي أيوب سليمان بن عبد الرحمن، فهزمه وقتله حسبما ثبت في اسم أبي أيوب. شعره: قالوا: وكان له خمس جوار قد استخلصهنّ لنفسه، وملّكهنّ أمره، فذهب يوما إلى الدخول عليهنّ، فتأبّين عليه، وأعرضن عنه، وكان لا يصبر عنهنّ، فقال «4» : [البسيط] قضب من البان ماست فوق كثبان ... ولّين «5» عنّي وقد أزمعن هجراني ناشدتهنّ بحقّي فاعتزمن على ال ... عصيان «6» حتى خلا منهنّ همياني ملكنني ملك من ذلّت عزيمته ... للحبّ ذلّ أسير موثّق عاني من لي بمغتصبات «7» الرّوح من بدني ... يغصبنني في الهوى عزّي وسلطاني ثم عطفن عليه بالوصال فقال «8» : [الخفيف] نلت كلّ «9» الوصال بعد البعاد ... فكأنّي ملكت كلّ العباد وتناهى السرور إذ نلت ما لم ... يغن عنه تكاثف الأجناد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 270 مناقبة: أنهى «1» إليه عباس بن ناصح وقد عاد من الثغر أن امرأة من ناحية وادي الحجارة سمعها تقول: وا غوثاه، يا حكم، ضيّعتنا، وأسلمتنا، واشتغلت عنّا، حتى استأسد العدوّ علينا، ورفع إليه شعر في هذا المعنى والغرض، فخرج من قرطبة كاتما وجهته، وأوغل في بلاد الشّرك، ففتح الحصون، وهدّم المنازل، وقتل وسبى «2» ، وقفل بالغنائم على الناحية التي فيها تلك المرأة، فأمر لأهل تلك الناحية بمال من الغنائم يفدون به أسراهم «3» ، ويصلحون به أحوالهم، وخصّ المرأة وآثرها، وأعطاها عددا من الأسرى، وقال لها: هل أغاثك الحكم؟ قالت: إي والله، أغاثنا وما غفل عنّا، أعانه الله وأعزّ نصره. وفاته: توفي لأربع بقين لذي الحجة سنة ست ومائتين، وكان عمره اثنتين» وخمسين سنة. وجرى ذكره في الرجز من نظمي في تاريخ دول الإسلام «5» بما نصّه: [الرجز] حتى إذا الدهر عليه احتكما ... قام بها ابنه المسمّى حكما واستشعر الثورة فيها وانقبض ... مستوحشا كاللّيث أقعى وربض حتى إذا فرصته لاحت تفض ... فأفحش الوقعة في أهل الرّبض وكان جبّارا بعيد الهمّه ... لم يرع من آل بها أو ذمّه حكم بن أحمد بن رجا الأنصاري من أهل غرناطة، يكنى أبا العاصي. حاله: كان من قرّائها ونبهائها، وكان من أهل الفضل والطلب، وإليه ينسب مسجد أبي العاصي، وحمام أبي العاصي ودربه بغرناطة، وكفى بذلك دليلا على الأصالة والتأثّل. ذكره أبو القاسم ولم يذكر من أمره مزيدا على ذلك. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 271 حاتم بن سعيد بن خلف بن سعيد بن محمد بن عبد الله ابن سعيد بن الحسين بن عثمان بن سعيد بن عبد الملك ابن سعيد بن عمّار بن ياسر «1» أوّليّته: قد مرّ بعض ذلك، وسيأتي بحول الله. حاله: قال أبو الحسن بن سعيد في كتابه الموضوع في مآثر القلعة «2» : كان صاحب سيف وقلم وعلم، ودخل في الفتنة المردنيشيّة «3» ، حسبما مرّ ذلك عند ذكر أخيه أبي جعفر، فصار من جلساء الأمير أبي عبد الله محمد بن سعد بن مردنيش بمرسية، وأرباب آرائه، وذوي الخاصّة من وزرائه، وكان مشهورا بالفروسية والشجاعة والرأي. حكاياته ونوادره: قال: كان التّندير والهزل قد غلبا عليه، وعرف بذلك، فصار يحمل منه ما لا يحمل من غيره. قالوا: فحضر يوما مع الأمير محمد بن سعد، يوم الجلاب «4» من حروبه، وقد صبر الأمير صبرا جميلا. ووالى الكرّ المرّة بعد المرة. وذلك بمرأى من حاتم؛ فردّ رأسه إليه، وقال: يا قائدا أبا الكرم، كيف رأيت؟ فقال له حاتم: لو رآك السّلطان اليوم لزاد في مرتّبك، فضحك ابن مردنيش، وعلم أنه أراد بذلك: لا تليق به المخاطرة، وإنما هو للثّبات والتدبير. وقال له يوما وقد جرى ذكر الجنّات: جنّ اليوم يا أبا الكرم على بستانك بالزّنقات. وأردت أن أكون من ضيافتك، فقال عبد الرحمن بن عبد الملك، وهو إذ ذاك وزير الأمير وبيده المجابي والأعمال: لعل الأمير اغترّ بسماع اسمه حاتم، ما فيه من الكرم إلّا الاسم، فقال الحاتم: ولعلّ الأمير اغترّ بسماع أمانة عبد الرحمن، فقدّمه على وزرائه، وما عنده من الأمانة إلّا الاسم، فقال ابن مردنيش وقد ضحك: الأولى فهمت، ولم أفهم الثانية، فقال له كاتبه أبو محمد السلمي: إنما أشار إلى قول رسول الله، صلى الله عليه وسلم، في عبد الرحمن بن عوف، رضي الله عنه، أمير هذه الأمة، وأمين في أهل السماء، وأمين في أهل الأرض؛ فطرب ابن مردنيش، وجعل يقول: أحسنتما. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 272 شعره: قال أبو الحسن: ولم أحفظ من شعر حاتم ما أورده في هذا المكان إلّا قوله يخاطب حفصة الرّكّونية الشاعرة، التي يأتي ذكرها، حين فرّ إلى مرسية، وتركها بغرناطة: [الوافر] أحنّ إلى ديارك يا حياتي ... وأبصر ذو وهد سيل الظّبات «1» وأهوى أن أعود إليك لكن ... خفوق البند «2» عاق عن القنات وكيف إلى جنابك من سبيل ... وليس يحلّه إلّا عداتي! مولده: في سنة خمس وثلاثين وخمسمائة، وقال أبو القاسم الغافقي فيه عند ذكره: كان طالبا نبيها، جميلا، سريّا، تامّ المروءة، جميل العشرة. وفاته: قال: مات بغرناطة سنة اثنتين وتسعين وخمسمائة «3» . حباسة بن ماكسن بن زيري بن مناد الصّنهاجي «4» كان شهما هيّبا، بهمة من البهم، كريما في قومه، أبيّا في نفسه، صدرا من صدور صنهاجة؛ وكان أشجع من أخيه حبّوس. وفاته: قال أبو مروان «5» عند ذكر وقعة «رمداي» بطرف قرطبة في حروب البرابرة لأهلها في شوّال عام اثنين وأربعمائة، قال «6» : واستلحم حباسة بن ماكسن الصنهاجي ابن أخي زاوي بن زيري، وهو فارس صنهاجة طرّا وفتاها؛ وكان قد تقدّم إلى هذه الناحية، زعموا لمّا بلغه اشتداد الأمر فيها، فرمى بنفسه على طلّابها، واتّفق أن ركب بسرج طري العمل متفتح اللّبد، وخانه مقعده عند المجاولة، لتقلّبه على الصّهوة؛ وقيل إنه كان منتبذا على ذلك، فتطارح على من بإزائه، ومضى قدما بسكرى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 273 شجاعته ونشوته، يصافح البيوت بصفحته، ويستقبل القنا بلبّاته، لا يعرض له شيء إلّا حطّه، إلى أن مال به سرجه، فأتيح حمامه لاشتغاله بذلك، بطعنة من يد المسمّى النّبيه النصراني، أحد فرسان الموالي العامريين؛ فسقط لفيه، وانتظمته رماح الموالي فأبادته؛ وحامى أخوه حبّوس، وبنو عمّه، وغيرهم من أنجاد البرابرة على جثته، فلم يقدروا على استنقاذها بعد جلاد طويل، وغلب عليه الموالي فاحتزّوا رأسه، وعجّلوا به إلى قصر السلطان، وأسلموا جسده للعامّة؛ فركبوه بكل عظيمة، واجتمعوا إليه اجتماع البغاث على كبير الصّقورة، فجرّوه في الطرق وطافوا به الأسواق، وقطعوا بعض أعضائه، وأبدوا شواره وكبده بكل مكروه من أنواع الأذى، بأعظم ما ركب ميت، فلمّا سئموا تجراره، أوقدوا له نارا فحرقوه بها جريا على ذميم عادتهم، في قبح المثلة، ولؤم القدرة. وانجلت الحروب في هذا اليوم لمصابه، عن أمر عظيم، وبلغ من جميع البرابرة الحزن عليه مناله، ورأت أن دماء أهل قرطبة جميعا لا تعدله. من الكتاب «المتين» . حبيب بن محمد بن حبيب من أهل النّجش «1» ، من وادي المنصورة «2» أخوه مالك النّجشي، دباب الحلقات، ومراد أذناب المقرّبين. حاله: كان على سجيّة غريبة من الانقباض المشوب بالاسترسال، والأمانة مع الحاجة، بادي الزّي واللسان، يحفظ الغريب من اللغة، ويحرّك شعرا لا غاية وراءه في الرّكاكة، وله قيام على الفقه وحفظ القرآن، ونغمة حسنة عند التّلاوة. قدم الحضرة غير ما مرة وكان الأستاذ، إمام الجماعة، وسيبويه الصناعة، أبو عبد الله بن الفخّار، المعروف بإلبيري، أبا مثواه ومحطّ طيّته، يطلب منه مشاركته بباب السلطان في جراية يرغب في تسميتها، وحال يروم إصلاحها، فقصدني مصحبا منه رقعة تتضمن الشّفاعة، وعرض عليّ قصيدة من شعره يروم إيصالها إلى السلطان، فراجعت الأستاذ برقعة أثبتها على جهة الإحماض وهي: «يا سيدي الذي أتشرّف، وبالانتماء إلى معارفه أتميّز، وصل إليّ عميد حصن النجش، وناهض أفراخ ذلك العشّ، تلوح عليه مخايل أخيه المسمّى بمالك، ويترجّج به الحكم في الغاية في أمثال تلك المسالك، أشبه من الغراب بالغراب، وإنها لمن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 274 عجائب الماء والتراب، فألقى من ثنائكم الذي أوجبته السيادة والأبوّة، ما يقصر عن طيب الألوّة، وتخجل عند مشاهدته الغرر المجلوّة، وليست بأولي برّ أسديتم، ومكرمة أعدتم وأبديتم، والحسنات وإن كانت فهي إليكم منسوبة، وفي أياديكم محسوبة، وبلوت من الرجل طلعة نتفة، لم يغادر من صفات النبل صفة، حاضر بمسائل من الغريب، وقعد مقعد الذكي الأريب. وعرض عليّ حاجته وغرضه، وطلب مني المشاركة، وهي مني لأمثاله مفترضة، ووعدني بإيقافي على قصيدة حبّرها، وأنسى بالخبر خبرها، وباكرني بها اليوم مباكرة الساقي بدهاقه، وعرضها عليّ عرض التاجر نفائس أعلاقه، وطلب مني أن أهذّب له ما أمكن من معانيها وألفاظها، وأجلو القذى عن ألحاظها، فنظرت منها إلى روض كثرت أثغابه، وجيش من الكلام زاحم خواصّه أو شابه، ورمت الإصلاح ما استطعت، فعجزت عن ذلك وانقطعت، ورأيت لا جدوى إلى ذلك الغرض، ما لم تبدّل الأرض غير الأرض. وهذا الفنّ، أبقى الله سيدي، ما لم يمتّ إلى الإجادة بسبب وثيق، وينتمي في الإحسان إلى مجد عريق، وكان رفضه أحسن وأحمد، واطّراحه بالفائدة أعود، وإذا اعتبره من عدل وقسط، وجده طريقين لا يقبل الوسط، فمنهما مالّ يقتنى ويدّخر، وسافل يهزأ به ويسخّر، والوسط ثقيل لا يتلبّس به نبيل. قيل لبعضهم: ألا تقول الشعر؟ فقال: أريد منه ما لا يتأتّى لي، ويتأتّى لي منه ما لا أريده. وقال بعضهم: فلان كمغنّ وسط لا يجيد فيطرب، ولا يسيء فيسلّي. فاقتضى نظركم الذي لا يفارق السّداد والتوفيق، وإرشادكم الذي رافقه الهدى ونعم الرفيق، أن يشير عليه بالاستغناء عن رفعها، والامتساك عن دفعها، فهو أقوى لأمته «1» ، وأبقى على سكنته وسمته، وأستر لما لديه، قبل أن يمدّ أبو حنيفة رجليه، وإن أصمّت عن هذا العذل مسامعه، وهفت به إلى النجاح مطامعه، فليعتمد على الاختصار، فذو الإكثار جمّ العثار، وليعدل إلى الجادة عن ثنيات الطّرق، ويجتزئ عن القلادة بما أحاط بالعنق، فإذا رتّبها وهذّبها، وأوردها من موارد العبارة أعذبها، تولّيت زفافها وإهداءها، وأمطت بين يدي الكفوء الكريم رداءها، والسلام» . حمدة بنت زياد المكتّب «2» من ساكني وادي الحمّة بقرية بادي من وادي آش. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 275 حالها: قال أبو القاسم: نبيلة، شاعرة، كاتبة؛ ومن شعرها وهو مشهور «1» : [الوافر] أباح الدّمع أسراري بوادي ... له في الحسن «2» آثار بوادي فمن نهر «3» يطوف بكلّ روض ... ومن روض يطوف بكل وادي ومن بين الظّباء مهاة إنس ... سبت لبّي وقد سلبت فؤادي «4» لها لحظ ترقّده لأمر ... وذاك الأمر يمنعني رقادي إذا سدلت ذوائبها عليها ... رأيت البدر في جنح السّواد «5» كأنّ الصّبح مات له شقيق ... فمن حزن تسربل في الحداد «6» ومن غرائبها «7» : [الطويل] ولمّا أبى الواشون إلّا قتالنا ... وما لهم عندي وعندك من ثار «8» الجزء: 1 ¦ الصفحة: 276 وشنّوا على آذاننا «1» كلّ غارة ... وقلّت حماتي عند ذاك وأنصاري رميتهم «2» من مقلتيك وأدمعي ... ومن نفسي بالسّيف والسّيل والنار وقال أبو الحسن بن سعيد في حمدة وأختها زينب «3» : شاعرتان، أديبتان، من أهل الجمال، والمال، والمعارف والصّون، إلّا أن حبّ الأدب كان يحملهما على مخالطة أهله، مع صيانة مشهورة، ونزاهة موثّق بها. حفصة بنت الحاج الرّكوني «4» من أهل غرناطة، فريدة الزمان في الحسن، والظّرف، والأدب، واللّوذعيّة؛ قال أبو القاسم: كانت أديبة، نبيلة، جيّدة البديهة، سريعة الشعر. بعض أخبارها: قال الوزير أبو بكر بن يحيى بن محمد بن عمر الهمداني: رغبت أختي إلى حفصة أن تكتب شيئا بخطها فكتبت «5» : [البسيط] يا ربّة الحسن، بل يا ربّة الكرم ... غضّي جفونك عمّا خطّه قلمي «6» تصفّحيه بلحظ الودّ منعمة ... لا تحفلي بقبيح «7» الخطّ والكلم قال أبو الحسن بن سعيد، وقد ذكر أنهما باتا بحوز مؤمّل «8» في جنّة له هنالك على ما يبيت عليه أهل الظّرف والأدب، قال «9» : [الطويل] الجزء: 1 ¦ الصفحة: 277 رعى الله ليلا لم يرع بمذمّم ... رعانا ووارانا بحوز مؤمّل «1» وقد نفحت «2» من نحو نجد أريجة «3» ... إذا نفحت هبّت بريح «4» القرنفل وغرّد قمريّ على الدّوح وانثنى ... قضيب من الرّيحان «5» من فوق جدول يرى «6» الرّوض مسرورا بما قد بدا له: ... عناق وضمّ وارتشاف مقبّل فقالت: [الطويل] لعمرك ما سرّ الرياض وصالنا «7» ... ولكنه أبدى لنا الغلّ والحسد ولا صفّق النّهر ارتياحا لقربنا ... ولا صدح «8» القمريّ إلّا لما وجد «9» فلا تحسن «10» الظّنّ الذي أنت أهله ... فما هو في كل المواطن بالرّشد فما خلت هذا الأفق أبدى نجومه ... لأمر سوى كي ما تكون «11» لنا رصد قال أبو الحسن بن سعيد: وبالله ما أبدع ما كتبت به إليه وقد بلغها أنه علق بجارية سوداء أسعت له من بعض القصور، فاعتكف معها أياما وليالي، بظاهر غرناطة، في ظلّ ممدود، وطيب هوى مقصور وممدود «12» : [مخلع البسيط] يا أظرف الناس قبل حال ... أوقعه نحوه «13» القدر عشقت سوداء مثل ليل ... بدائع الحسن قد ستر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 278 لا يظهر البشر في دجاها ... كلّا ولا يبصر الخفر بالله قل لي وأنت أدرى ... بكلّ من هام في الصّور من الذي هام في جنان «1» ... لا نور «2» فيه ولا زهر؟ فكتب إليها بأظرف اعتذار، وألطف أنوار: [مخلع البسيط] لا حكم إلّا لأمر ناه ... له من الذنب يعتذر «3» له محيّا به حياتي ... أعيذ مجلاه «4» بالسّور كضحوة «5» العيد في ابتهاج ... وطلعة الشّمس والقمر بسعده «6» لم أمل إليه إلّا ... اطّرافا «7» له خبر عدمت صبحي فاسودّ عشقي «8» ... وانعكس الفكر والنّظر إن لم تلح يا نعيم روحي ... فكيف لا تفسد الفكر؟ قال: وبلغنا أنه خلا مع حاتم وغيره من أقاربهم، لهم طرب ولهو، فمرّت على الباب مستترة، وأعطت البوّاب بطاقة فيها مكتوب «9» : [الخفيف] زائر قد أتى بجيد غزال ... طامع من محبّه بالوصال «10» أتراكم بإذنكم مسعفيه ... أم لكم شاغل من الأشغال؟ «11» فلمّا وصلت الرّقعة إليه، قال: وربّ الكعبة، ما صاحب هذه الرّقعة إلّا الرّقيعة حفصة؛ ثم طلبت فلم توجد، فكتب إليها راغبا في الوصال والأنس الجزء: 1 ¦ الصفحة: 279 الموصول «1» : [الخفيف] أيّ شغل عن الحبيب «2» يعوق ... يا صباحا «3» قد آن منه الشّروق صل وواصل فأنت أشهى إلينا ... من جميع «4» المنى فكم ذا نشوق بحياة الرّضى يطيب صبوح ... عرفا إن جفوتنا أو غبوق «5» لا وذلّ الهوى «6» وعزّ التلاقي ... واجتماع إليه عزّ الطريق وذكرها الأستاذ في «صلته» ، فقال: وكانت أستاذة وقتها، وانتهت إلى أن علّمت النساء في دار المنصور؛ وسألها يوما أن تنشده ارتجالا فقالت «7» : [المجتث] امنن عليّ بصكّ «8» ... يكون للدّهر «9» عدّه تخطّ يمناك فيه: ... الحمد لله وحده «10» قال: فمنّ عليها، وحرّز لها ما كان لها من ملك. وفاتها: قالوا: توفيت بحضرة مرّاكش في آخر سنة ثمانين أو إحدى وثمانين وخمسمائة «11» . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 280 الخضر بن أحمد بن الخضر بن أبي العافية «1» من أهل غرناطة، يكنى أبا القاسم. حاله: من كتاب «عائد الصلة» «2» : كان، رحمه الله، صدرا من صدور القضاة، من أهل النظر والتقييد، والعكوف على الطّلب، مضطلعا «3» بالمسائل، مسائل الأحكام؛ مهتديا «4» لمظنّات النّصوص، نسخ بيده الكثير، وقيّد على الكثير من المسائل، حتى عرف فضله، واستشاره الناس «5» في المشكلات. وكان بصيرا بعقد الشروط، ظريف الخطاب «6» ، بارع الأدب، شاعرا مكثرا، مصيبا غرض الإجادة. وتصرّف في الكتابة السلطانية، ثم في القضاء، وانتقل في الولايات الرفيعة النّبيهة. وجرى ذكره في «التّاج المحلّى» بما نصّه «7» : «فارس في ميدان البيان، وليس الخبر كالعيان؛ وحامل لواء الإحسان، لأهل هذا الشّان «8» ؛ رفل في حلل «9» البدائع فسحب أذيالها، وشعشع أكواس «10» العجائب فأدار جريالها «11» ، واقتحم على الفحول «12» أغيالها «13» ، وطمح إلى الغاية البعيدة فنالها، وتذوكرت المعضلات «14» فقال: أنا لها. عكف واجتهد، وبرز إلى مقارعة المشكلات ونهد، فعلّم وحصّل، وبلغ الغاية وتوصّل؛ وتولّى القضاء، فاضطلع بأحكام الشّرع، وبرع في معرفة الأصل والفرع، وتميّز في المسائل بطول الباع، وسعة الذّراع؛ فأصبح صدرا في مصره، وغرّة في صفحة عصره. وسيمرّ في بديع كلامه، وهثّات «15» أقلامه، وغرر إبداعه، ودرر اختراعه، ما يستنير «16» لعلم الحليم، وتلقي له البلغاء يد التسليم» . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 281 شعره: قال في غرض الحكمة والأمثال «1» : [الكامل] عزّ «2» الهوى نقصان والرأي الذي ... ينجيك منه، إذا ارتأيت مروما «3» فإذا رأيت الرأي يتّبع الهوى ... خالف وفاقهما تعدّ حكيما وكيف تخاف من الحليم مداجيا «4» ... خف من نصيحك ذي «5» السّفاهة شوما واحذر معاداة الرجال توقّيا ... منهم ظلوما كنت أو مظلوما فالناس «6» إما جاهل لا يتّقي ... عارا ولا يخشى العقوبة لوما أو عاقل يرمي بسهم مكيدة ... كالقوس ترسل سهمها مسموما فاحلم عن القسمين تسلم منهما ... وتسد فتدعى سيّدا وحليما «7» ودع المعاداة «8» التي من شأنها ... أن لا تديم على الصّفاء قديما «9» أبت المغالبة الوداد فلا تكن ... ممّن يغالب ما حييت نديما «10» وإذا منيت بقربه «11» فاخفض جنا ... ح «12» الذّلّ واخضع ظاعنا ومقيما إنّ الغريب لكالقضيب محاير «13» ... إن لم يمل للريح عاد رميما وارع «14» الكفاف ولا تجاوز حدّه ... ما بعده يجني عليك هموما وابسط يديك متى غنيت ولا تكن ... فيما «15» يكون به المديح ذميما وإذا بذلت فلا تبذّر إنّ ذا ال ... تبذير يومئذ أخوه رجيما «16» وعف الورود إذا تزاحم مورد ... واحسب ورود الماء منه حميما واصحب كريم الأصل ذا فضل فمن ... يصحب لئيم الأصل عدّ لئيما فالفضل من لبس الكرام فمن عرى ... عنه فليس لما «17» يقول كريما الجزء: 1 ¦ الصفحة: 282 (إنّ المقارن بالمقارن يفتدي) «1» ... مثل جرى جري الرياح قديما وجماع كلّ الخير في التّقوى فلا ... تعدم حلى التّقوى تعدّ عديما وقال يصف الشّيب من قصيدة، وهي طويلة؛ أولها «2» : [الكامل] لاح الصباح، صباح شيب المفرق ... فاحمد سراك نجوت ممّا تتّقي هي شيبة الإسلام فاقدر قدرها ... قد أعتقتك وحقّ قدر المعتق خطّت بفودك أبيضا في أسود ... بالعكس من معهود خطّ مهرق «3» كالبرق راع بسيفه «4» طرف الدّجى ... فأعار «5» دهمته شتات «6» الأبلق كالفجر يرسل في الدّجنّة خيطه ... ويجرّ «7» ثوب ضيائه بالمشرق كالماء يستره بقعر «8» طحلب ... فتراه بين خلاله كالزّئبق كالحيّة الرقشاء إلّا أنه ... لا يبرأ الملسوع منه إذا رقي كالنّجم عدّ لرجم شيطان الصّبا ... يا ليت شيطان الصّبا لم يحرق كالزّهر إلّا أنه لم يستنم «9» ... إلّا بغصن «10» ذابل لم يورق كتبسّم الزّنجيّ إلّا أنه ... يبكي العيون بدمعه «11» المترقرق وكذا البياض قذى العيون ولا ترى ... للعين أبكى «12» من بياض المفرق ما للغواني وهو لون خدودها ... يجزعن من لألائه المتألّق وأخلته لمع السّيوف ومن يشم ... لمع السّيوف على المفارق يفرق هو ليس ذاك ولا الذي أنكرته «13» ... كن «14» خائفا ما خفن منه واتّق داء يعزّ على «15» الطبيب دواؤه ... ويضيع خسرا فيه مال المنفق الجزء: 1 ¦ الصفحة: 283 لكنه والحقّ أصدق مقول ... شين المسيء الفعل زين المتّقي ومن مقطوعاته قوله «1» : [المتقارب] أقلّي فما الفقر بالمرء عار «2» ... ولا دار من يألف الهون دارا وما «3» يكسب العزّ إلّا الغنى ... غنى النّفس فلتتّخذه «4» شعارا وما اجتمع الشّمل في غيره ... فيحسن إلّا وساء انتشارا فزهرة غيرك لا تنظري «5» ... فيألم قلبك منه انكسارا وهزّي إليك بجذع الرّضى ... تساقط عليك الأماني ثمارا وقال أيضا: [المجتث] العلم حسن وزين ... والجهل قبح وشين والمال عزّ وعيش ... والفقر ذلّ وحين والناس أعضاء جسم ... فمنهم است وعين هذي مقالة حقّ ... ما في الذي قلت مين وقال أيضا: [الخفيف] إن أراك الزمان وجها عبوسا ... فستلقاه بعد ذلك طلقا «6» لا يهمّنك حاله إنّ في طر ... فة عين ترتاح فيه وتشقى أيّ عزّ رأيت أو أيّ ذلّ ... لذوي الحالتين في الدهر يبقى سل نجوم الدّجى إذا ما استنارت ... ما الذي في وقت الظّهيرة تلقى وتفكّر وقل بغير ارتياب ... كلّ شيء يفنى وربّك يبقى وقال أيضا «7» : [الكامل] لو أنّ أيام الشّباب تعود لي ... عود النّضارة للقضيب المورق ما إن بكيت على شباب قد ذوى ... وبقيت منتظرا لآخر مونق الجزء: 1 ¦ الصفحة: 284 وقال في القلم «1» : [الطويل] لك القلم الأعلى الذي طال فخره ... وإن لم يكن إلّا قصيرا مجوّفا تعلّم منه الناس «2» أبدع حكمة ... فها هو أمضى ما يكون محرّفا وقال في التشبيه: [البسيط] كأنما السّوسن الغضّ الذي افتتحت ... منه كمائمه المبيضّة اللون بنان كفّ فتاة قطّ ما خضبت ... تلقى بها من يراها خيفة العين وقال يعرّض بقوم من بني أرقم: [المتقارب] إذا ما نزلت بوادي الأشى «3» ... فقل ربّ من لدغه سلّم وكيف السلامة في موطن ... به عصبة من بني أرقم؟ وقال موريا بالفقه، وهو بديع «4» : [الخفيف] لي دين على الليالي قديم ... ثابت الرّسم منذ خمسين حجّه «5» أفأعدى بالحكم بعد عليها «6» ؟ ... أم لها في تقادم الدّهر «7» حجّه؟ ونختم مقطوعاته بقوله «8» : [الطويل] نجوت بفضل الله ممّا أخافه ... ولم لا وخير العالمين شفيع؟ وما ضعت في الدنيا بغير شفاعة ... فكيف إذا كان الشفيع أضيّع؟ وقال أيضا: [الطويل] عليك بتقوى الله فيما ترومه ... من الأمر تخلص بالمرام وبالأجر ولا ترج غير الله في نيل حاجة ... ولا دفع ضرّ في سرار ولا جهر فمن أمّ غير الله أشرك عاجلا ... وفارقه إيمانه وهو لا يدري «9» وفاته: توفي قاضيا ببرجة، وسيق إلى غرناطة، فدفن بباب إلبيرة عصر يوم الأربعاء آخر يوم من ربيع «10» عام خمسة وأربعين وسبعمائة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 285 خالد بن عيسى بن إبراهيم بن أبي خالد البلوي «1» من أهل قنتورية «2» ، من حصون وادي المنصورة. حاله: هذا الرجل من أهل الفضل والسذاجة، كثير التواضع، منحطّ في ذمّة التّخلّق، نابه الهيئة، حسن الأخلاق، جميل العشرة، محبّ في الأدب؛ قضى ببلده وبغيره، وحجّ وقيّد رحلته في سفر، وصف فيه البلاد ومن لقي، بفصول جلب أكثرها من كلام العماد الأصبهاني، وصفوان وغيرهما، من ملح. وقفل إلى الأندلس، وارتسم في تونس في الكتابة عن أميرها زمانا يسيرا؛ وهو الآن قاض ببعض الجهات الشرقية. وجرى ذكره في الرّحلة «3» التي صدرت عني في صحبة الرّكاب السلطاني عند تفقّد البلاد الشرقية؛ في فصل حفظه الناس، وأجروه في فكاهاتهم وهو: «حتى إذا الفجر تبلّج، والصّبح من باب المشرق تولّج، عدنا وتوفيق الله قائد، وكنفنا من عنايته صلة وعائد، تتلقّى ركابنا الأفواج، وتحيّينا الهضاب والفجاج إلى قنتورية، فناهيك من مرحلة قصيرة كأيام الوصال، قريبة البكر من الآصال، كان المبيت بإزاء قلعتها السّامية الارتفاع، الشهيرة الامتناع؛ وقد برز أهلها في العديد والعدّة؛ والاحتفال الذي قدم به العهد على طول المدّة، صفوفا بتلك البقعة خيلا ورجلا كشطرنج الرّقعة، لم يتخلّف ولد عن والد، وركب قاضيها ابن أبي خالد؛ وقد شهرته النّزعة الحجازيّة، وقد لبس من الحجازيّ، وأرخى من البياض طيلسانا، وتشبّه بالمشارقة شكلا ولسانا، وصبغ لحيته بالحنّاء والكتم «4» ، ولاث عمامته واختتم، والبداوة تسمه على الخرطوم، وطبع الماء والهواء يقوده قود الجمل المخطوم، فداعبته مداعبة الأديب للأديب؛ والأريب للأريب، وخيّرته بين خصلتين، وقلت: نظمت مقطوعتين، إحداهما مدح؛ والأخرى قدح؛ فإن همت ديمتك، وكرمت شيمتك، فللذين أحسنوا الحسنى، وإلّا فالمثل الأدنى. فقال: أنشدني لأرى على أيّ امرئ أتيت، وأفرق بين ما جنّيتني وما جنيت، فقلت: [الكامل] قالوا وقد عظمت مبرة خالد ... قاري الضيوف بطارف وبتالد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 286 ماذا تممت به فجئت بحجّة ... قطعت بكل مجادل ومجالد أن يفترق نسب يؤلّف بيننا ... أدب أقمناه مقام الوالد وأما الثانية فيكفي من البرق شعاعه، وحسبك من شرّ سماعه. ويسير التنبيه كاف للنّبيه؛ فقال: لست إلى قراي بذي حاجة، وإذا عزمت فأصالحك على دجاجة؛ فقلت: ضريبة غريبة، ومؤنة قريبة؛ عجّل ولا تؤجّل، وإن انصرم أمد النهار فأسجل؛ فلم يكن إلّا كلّا ولا، وأعوانه من القلعة تنحدر، والبشر منهم بقدومها يبتدر، يزفّونها كالعروس فوق الرّءوس، فمن قائل يقول: أمّها يمانيّة، وآخر يقول: أخوها الخصيّ الموجّه إلى الحضرة العليّة، وأدنوا مرابطها من المضرب، بعد صلاة المغرب، وألحفوا في السؤال، وتشطّطوا في طلب النّوال؛ فقلت: يا بني اللّكيعة جئتم ببازي، بماذا كنت أجازي، فانصرفوا وما كادوا يفعلون، وأقبل بعضهم على بعض يتلاومون؛ حتى إذا سلّت لذبحها المدى، وبلغت من طول أعمارها المدى، قلت: يا قوم، ظفرتم بقرّة العين، وأبشروا باقتراب اللقاء فقد ذبحت لكم غراب البين» . ولقد بلغني أنه لهذا العهد بعد أن طال المدى، يتظلّم من ذلك، وينطوي من أجله على الوجدة؛ فكتبت إليه: وصل الله عزّة الفقيه النّبيه، العديم النظير والتّشبيه؛ وارث العدالة عن عمّه وابن أبيه، في عزّة تظلّله، وولاية تتوّج جاهه وتكلّله. داود بن سليمان بن داود بن عبد الرحمن بن سليمان ابن عمر بن حوط الله الأنصاري الحارثي الأندي «1» يكنى أبا سليمان. أوّليّته: قال الأستاذ أبو جعفر بن الزبير: من بيت علم وعفاف، أصله من أندة «2» ، حصن بشرقي الأندلس، وانتقل أبو سليمان هذا مع أخيه أبي محمد إلى حيث يذكر بعد. حاله: قال ابن عبد الملك: كان حافظا للقراءة، عارفا بإقراء القرآن بها، أتقن ذلك عن أبيه، ثم أخيه كبيره أبي محمد، محدّثا متّسع الرواية، شديد العناية بها، كثير الجزء: 1 ¦ الصفحة: 287 السّماع، مكثرا، عدلا، ضابطا لما ينقله، عارفا بطرق الحديث. أطال الرّحلة في بلاد الأندلس، شرقها وغربها، طالبا العلم بها، ورحل إلى سبتة وغيرها من بلاد الأندلس العدوية «1» . وعني بلقاء الشيوخ كبارا وصغارا والأخذ منهم أتمّ عناية، وحصل له بذلك ما لم يحصل لغيره. وكان فهيما بصيرا بعقد الشروط، حاذقا في استخراج نكتها، تلبّس بكتبها زمانا طويلا بمسجد الوحيد من مالقة، وكان محبّا في العلم وأهله، حريصا على إفادته إيّاهم، صبورا على سماع الحديث، حسن الخلق، طيّب النفس، متواضعا، ورعا، منقبضا، ليّن الجانب، مخفوض الجناح، حسن الهدى، نزيه النفس، كثير الحياء، رقيق القلب، تعدّد الثّناء عليه من الجلّة. قال ابن الزّبير: كان من أهل العدالة والفضل، وحسن الخلق، وطيب النفس والتّواضع، وكثرة الحياء. وقال ابن عبد المجيد: كان ممّن فضّله الله بحسن الخلق والحياء على كثير من العلماء. وقال أبو عبد الله بن سلمة مثل ذلك. وقال ابن «2» ... بمثله. مشيخته: قال الأستاذ: أقرأ «3» بمرسية، وأخذ بها، وبقرطبة، ومالقة، وإشبيلية، وغرناطة وسبتة، وغيرها من بلاد الأندلس، وغرب العدوة، واعتناؤه يعينه وأخاه بباب الرّواة، والأخذ عن الشيوخ، حتى اجتمع لهما ما لم يجتمع لأحد من أهل عصرهما؛ فمن ذلك أبوهما أبو داود، وأبو الحسن صالح بن يحيى بن صالح الأنصاري، وأبو القاسم بن حسن، وأبو عبد الله بن حميد، وأبو زيد السّهيلي، وأبو عبد الله محمد بن محمد بن عراق الغافقي، وأبو العباس يحيى بن عبد الرحمن المجريطي، وعن ابن بشكوال. وأخذ عن أبي بكر بن الجد، وأبي عبد الله بن زرقون، وأبي محمد بن عبد الله، وأبي عبد الله بن الفخّار الحافظ، وأبي العباس بن مضاء، وأبي محمد بن بونة، وأبي محمد بن عبد الصمد بن يعيش الغسّاني، وأبي بكر بن أبي حمزة، وأبي جعفر بن حكم الزاهد، وأبي خالد بن يزيد بن رفاعة، وأبي محمد عبد المنعم بن الفرس، وأبي الحسن بن كوثر، وأبي عبد الله بن عروس، وأبي بكر بن أبي زمنين، وأبي محمد بن جمهور، وأبي بكر بن النّيار، وأبي الحسن بن محمد بن عبد العزيز الغافقي الشّقوري، وأبي القاسم الحوفي القاضي، وأبي بكر بن بيبش بن محمد بن بيبش العبدري، وأبي الوليد بن جابر بن هشام الحضرمي، وأبي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 288 بكر بن مالك الشّريشي، وأبي عبد اليسر الجزيري، وأبي بكر بن عبد الله السكسكي، وأبي الحجاج ابن الشيخ الفهري، وغيرهم ممّن يطول ذكرهم. قضاؤه وسيرته فيه: قال ابن أبي الربيع: لازمت «1» ابني حوط الله، فكان أبو محمد يفوق أخاه والناس في العلم، وكان أبو سليمان يفوق أخاه والناس في الحلم. واستقضي بسبتة وألمريّة والجزيرة الخضراء، وقام قاضيا بها مدة، ثم نقل منها إلى قضاء بلنسية آخر ثمان وستمائة، ثم صرف بأبي القاسم بن نوح، وقدّم على القضاء بمالقة في حدود إحدى عشرة «2» وستمائة، فشكرت أحواله كلها، وعرف في قضائه بالنّزاهة. قال أبو عبد الله بن سلمة: كان إذا حضر خصوم، ظهر منه من التواضع، ووطأة الأكناف، وتبيين المراشد، والصبر على المداراة، والملاطفة، وتحبيب الحقّ، وتكريه الباطل، ما يعجز عنه. ولقد حضرته. وقد أوجبت الأحكام عنده الحدود على رجل، فهاله الأمر، وذرفت عيناه، وأخذ يعتب عليه ويؤنّبه على أن ساق نفسه إلى هذا، وأمر بإخراجه ليحدّ بشهود في موضع آخر لرقّة نفسه، وشدّة إشفاقه. واستمرّت ولايته بمالقة إلى أن توفي. مولده: ببلدة أندة سنة ستين وخمسمائة «3» . وفاته: قال أبو عبد الرحمن بن غالب: توفي إثر صلاة الصبح من يوم السبت سادس ربيع الآخر سنة إحدى وعشرين وستمائة، ودفن إثر صلاة العصر يوم وفاته، بسفح جبل فاره «4» ، في الروضة المدفون بها أخوه أبو محمد، فأتبعه الناس ثناء جميلا؛ ذكر، واختلفوا في جنازته، وخرج إليها النساء والصبيان داعين متبكّين. رضوان النّصري الحاجب المعظّم «5» حسنة الدولة النصرية، وفخر مواليها. أوّليّته: روميّ الأصل، أخبرني أنه من أهل القلصادة «6» ، وأن انتسابه يتجاذبه القشتالية من طرف العمومة، والبرجلونيّة «7» من طرف الخؤولة، وكلاهما نبيه في الجزء: 1 ¦ الصفحة: 289 قومه، وأن أباه ألجأه الخوف بدم ارتكبه في محلّ أصالته من داخل قشتالة إلى السّكنى بحيث ذكر. ووقع عليه سباء «1» في سنّ الطفوليّة، واستقرّ بسببه بالدار السلطانية، ومحض إحراز رقّه، السلطان دايل قومه، أبو الوليد المارّ ذكره، فاختصّ به، ولازمه قبل تصيير الملك إليه، مؤثرا له مغتبطا بمخايل فضله، وتماثل استقامته، ثم صيّر الملك إليه فتدرّج في معارج حظوته، واختصّ بتربية ولده، وركن إلى فضل أمانته، وخلطه في قرب الجوار بنفسه، واستجلى الأمور المشكلة بصدقه، وجعل الجوائز السّنيّة لعظماء دولته على يده، وكان يوجب حقّه ويعرف فضله، إلى أن هلك، فتعلّق بكنف ولده، وحفظ شمله، ودبّر ملكه، فكان آخر اللّخف، وسترا للحرم، وشجى للعدا، وعدّة في الشّدة، وزينا في الرّخاء، رحمة الله عليه. حاله وصفته: كان هذا الرجل مليح الشّيبة والهيئة، معتدل القدّ والسّحنة، مرهب البدن، مقبل الصورة، حسن الخلق، واسع الصدر، أصيل الرأي، رصين العقل، كثير التجمّل، عظيم الصبر، قليل الخوف في الهيعات «2» ، ثابت القدم في الأزمات، ميمون النّقيبة «3» ، عزيز النّفس، عالي الهمّة، بادي الحشمة، آية في العفّة، مثلا في النزاهة، ملتزما للسّنّة، دؤوبا على الجماعة، جليس القبلة؛ شديد الإدراك مع السكون، ثاقب الذّهن مع إظهار الغفلة؛ مليح الدّعابة مع الوقار والسكينة، مستظهرا لعيون التاريخ، ذاكرا للكثير من الفقه والحديث، كثير الدّالّة «4» على تصوير الأقاليم وأوضاع البلاد، عارفا للسياسة، مكرما للعلماء، متركا للهوادة، قليل التصنّع، نافرا من أهل البدع؛ متساوي الظاهر والباطن، مقتصدا في المطعم والملبس. مكانته من الدين: اتّفق على أنه لم يعاقر مسكرا قطّ ولا زنّ بهناة، ولا لطخ بريبة، ولا وصم بخلّة تقدح في منصب، ولا باشر عقاب جاز، ولا أظهر شفاء من غائظ، ولا اكتسب من غير التّجر والفلاحة مالا. آثاره: أحدث المدرسة بغرناطة، ولم تكن بها بعد، وسبّب إليها الفوائد، ووقف عليها الرّباع المغلّة، وانفرد بمنقبها «5» ، فجاءت نسيجة وحدها بهجة وصدرا وظرفا وفخامة، وجلب الماء الكثير إليها من النهر، فأبّد سقيه عليها، وأدار السّور «6» الجزء: 1 ¦ الصفحة: 290 الأعظم على الرّبض الكبير المنسوب للبيّازين، فانتظم منه النّجد والغور، في زمان قريب، وشارف التمام إلى هذا العهد. وبنى من الأبراج المنيعة في مثالم الثّغور وروابي مطالعها المنذرة، ما ينيف على أربعين برجا، فهي ماثلة كالنجوم ما بين البحر الشرقي من ثغر بيرة «1» ، إلى الأحواز العربية. وأجرى الماء بجبل مورور، مهتديا إلى ما خفي على من تقدّمه، وأفذاذ أمثال هذه الأنقاب يشقّ تعداده. جهاده: غزا في السادس والعشرين من محرم عام ثلاثة وثلاثين وسبعمائة بجيش مدينة باغة» ، وهي ما هي من الشّهرة، وكرم البقعة، فأخذ بمخنّقها، وشدّ حصارها، وعاق الصريخ عنها، فتملّكها عنوة، وعمّرها بالحماة، ورتّبها بالمرابطة، فكان الفتح فيها عظيما. وفي أوائل شهر المحرم من عام اثنين وثلاثين وسبعمائة غزا بالجيش عدو المشرق، وطوى المراحل مجتازا على بلاد قشتالة، لورقة، ومرسية، وأمعن فيها. ونازل حصن المدوّر، وهو حصن أمن غائلة العدو، مكتنف بالبلاد، مدّ بالبسيني «3» ، موضوع على طيّة التجارة، وناشبه القتال، فاستولى عنوة عليه منتصف المحرم من العام المذكور، وآب مملوء الحقائب سبيا وغنما. وغزواته كثيرة، كمظاهرة الأمير الشهير أبي مالك على منازلة جبل الفتح، وما اشتهر عنه فيه من الجدّ والصبر، وأوثر عنه من المنقبة الدّالة على صحة اليقين، وصدق الجهاد، إذ أصابه سهم في ذراعه وهو يصلّي، فلم يشغله عن صلاته، ولا حمله توقع الإغارة على إبطال عمله. ترتيب خدمته وما تخلّل عن ذلك من محنته: لمّا استوثق أمر الأمير المخصوص بتربيته، محمد، ابن أمير المسلمين أبي الوليد نصر، وقام بالأمر وكيل أبيه الفقيه أبو عبد الله محمد بن المحروق، ووقع بينه وبين المترجم عهد على الوفاء والمناصحة، ولم يلبث أن نكبه وقبض عليه ليلة كذا من رجب عام ثمانية وعشرين وسبعمائة، وبعثه ليلا إلى مرسى المنكّب، واعتقله في المطبق من قصبتها بغيا عليه، وارتكب فيه أشنوعة أساءت به العامّة، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 291 وأنذرت باختلال الحال، ثم أجازه البحر، فاستقرّ بتلمسان، ولم يلبث أن قتل المذكور، وبادر سلطانه الموتور بفرقته عن سدّته، فاستدعاه، فلحق محلّه من هضبة الملك متملّيا ما شاء من عزّ وعناية، فصرفت إليه المقاليد، ونيطت به الأمور، وأسلم إليه الملك، وأطلقت يده في المال. واستمرّت الأحوال إلى عام ثلاثة وثلاثين وسبعمائة، والتأث الأمر، وظهر من سلطانه التنكّر عليه، فعاجله الحمام فخلّصه الله منه، وولي أخوه أبو الحجاج من بعده، فوقع الإجماع على اختياره للوزارة أوائل المحرم من عام أربعة وثلاثين وسبعمائة، فرضي الكلّ به، وفرحت العامّة والخاصّة للخطة، لارتفاع المنافسات بمكانه، ورضي الأضداد بتوسّطه، وطابت النفوس بالأمن من غائلته، فتولّى الوزارة وسحب أذيال الملك، وانفرد بالأمر، واجتهد في تنفيذ الأحكام، وتقدّم الولاة، وجواب المخاطبات وقوّاد الجيوش، إلى ليلة الأحد الثاني والعشرين من رجب عام أربعين وسبعمائة، فنكبه الأمير المذكور نكبة ثقيلة البرك، هائلة الفجأة من غير زلّة مأثورة، ولا سقطة معروفة، إلّا ما لا يعدم بأبواب الملوك من شرور المنافسات، ودبيب السّعايات الكاذبة. وقبض عليه بين يدي محراب الجامع من الحمراء إثر صلاة المغرب، وقد شهر الرّجال سيوفهم فوقه يحفّون به، ويقودونه إلى بعض دور الحمراء، وكبس ثقات السلطان منزله، فاستوعبوا ما اشتمل عليه من نعمة، وضمّ إلى المستخلص عقاره، وسوّغ الخبر عظيم غلاته. ثم نقل بعد أيام إلى قصبة ألمرية محمولا على الظّهر، فشدّ بها اعتقاله، ورتّب الحرس عليه إلى أوائل شهر ربيع الثاني من عام أحد وأربعين وسبعمائة، فبدا للسلطان في أمره واضطر إلى إعادته. ووجد فقد نصحه، وأشفق لما عدم من أمانته، والانتفاع برأيه، وعرض عليه بما لنوم الكفّ والإقصار عن ضرّه، فعفا عنه، وأعاده إلى محلّه من الكرامة، وصرف عليه من ماله، وعرض الوزارة فأباها، واختار بردّ العافية، وأنس لذّة التخلّي، فقدم لذلك من سدّ الثغور، فكان له اللفظ، ولهذا الرجل المعنى، فلم يزل مفزعا للرأي، محلّى في العظة على الولاية، كثير الآمل والغاشي، إلى أن توفي السلطان المذكور غرّة شوّال من عام خمسة وخمسين وسبعمائة، فشعب الثّأي «1» ، وحفظ البلوى، وأخذ البيعة لولده سلطاننا الأسعد أبي عبد الله، وقام خير قيام بأمره، وجرى على معهود استبرائه، وقد تحكّمت التجربة، وعلت السّنّ، وزادت أنّة الخشية، وقربت من لقاء الجزء: 1 ¦ الصفحة: 292 الله الشّقّة، فلا تسأل عمّا حطّ من خل، وأفاض من عدل، وبذل من مداراة. وحاول عقد السلم، وسدّ أمور الجند على القل، ودامت حاله متصلة على ما ذكر، وسنّه تتوسّط عشر التسعين إلى أن لحق بربّه. وقد علم الله أني لم يحملني على تقرير سيرته، والإشادة بمنقبته داعية، وإنما هو قول بالحق، وتسليم لحجّة الفضل، وعدل في الوصف، والله، عزّ وجلّ، يقول: وَإِذا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا «1» . وفاته: في ليلة الأربعاء الثامن والعشرين من رمضان من عام ستين وسبعمائة، طرق منزله بعد فراغه من إحياء ثلث الليل، متبذّل اللّبسة، خالص الطويّة، مقتضيا للأمن، مستشعرا للعافية، قائما على المسلمين بالكلّ، حاملا للعظيمة، وقد بادره الغادرون بسلطانه، فكسروا غلقه بعد طول معالجة، ودخلوا عليه وقتلوه بين أهله وولده، وذهبوا إلى الدايل برأسه، وفجعوا الإسلام، بالسائس الخصيب المتغاضي، راكب متن الصبر، ومطوق طوق النزاهة والعفاف، وآخر رجال الكمال والستر، الضافي على الأندلس، ولوئم من الغد بين رأسه وجسده، ودفن بإزاء لحود مواليه من السبيكة «2» ظهرا. ولم يشهد جنازته إلّا القليل من الناس، وتبرّك بعد بقبره. وقلت عند الصلاة عليه، أخاطبه دون الجهر من القول لمكان التقية: [الطويل] أرضوان، لا توحشك فتكة ظالم ... فلا مورد إلّا سيتلوه مصدر ولله سرّ في العباد مغيّب ... يشهّد بخافيه القضاء المقدّر سميّك مرتاح إليك مسلّم ... عليك ورضوان من الله أكبر فحثّ المطا ليس النعيم منغّص ... ولا العيش في دار الخلود مكدّر زاوي «3» بن زيري بن مناد الصّنهاجي الحاجب المنصور، يكنى أبا مثنّى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 293 أوّليّته: قد مرّ «1» ما حدث بين أبيه زيري وبين قرابته من ملوك إفريقية، وباديس بن منصور من المشاحنة التي أوجبت مخاطبة المظفر بن أبي عامر في اللّحاق بالأندلس، وإذنه في ذلك، فدخل الأندلس منهم على عهده جماعة وافرة من مساعير الحروب وآثار الحتوف، مع شيخهم هذا وأميرهم، ودخل منهم معه أبناء أخيه ماكسن وحباسة وحبّوس، وقاموا في جملة المظفّر، وزاوي مخصوص باسم الحجابة؛ فلمّا اختلّ بناء الخلافة، بمحمد بن عبد الجبار الملقّب بالمهدي، أذلّهم وتنكّر لهم، وأشاع بينهم وبين أمثالهم من البرابر، المغايرة، فكان ذلك سبب الفتنة التي يسمّيها أهل الأندلس بالبربرية؛ فانحاشوا، ونفروا عهده، وبايعوا سليمان بن الحكم، واستعانوا بالنصارى، وحرّكوا على أهل قرطبة خصوصا، وعلى أهل الأندلس عموما، ما شاء الله من استباحة، وإهلاك النفوس، وغلبوا على ملك الأندلس، وما وراء البيضة، واقتسموا أمّهات الأقطار، وانحازوا إلى بلاد تضمّهم، فانحازت صنهاجة مع رئيسهم المذكور إلى غرناطة، فأووا إليها، واتخذوها ملجأ، وحماها زاوي المذكور، وأقام بها ملكا، وأثّل بها سلطانا لذويه، فهو أوّل من مدّن غرناطة، وبناها وزادها تشييدا ومنعة، واتصل ملكه بها، وارتشحت عروقه، إلى أن كان من ظهوره بها وأحوازها، على عساكر الموالي، الراجعين بإمامهم المرتضى إلى قرطبة، البادين بقتاله، والآخذين بكظمه، بما تقرّر ويتقرّر في اسم المرتضى، من باب المحمّدين. وكان زاوي كبش الحروب، وكاشف الكروب، خدم قومه شهير الذّكر أصيل المجد، المثل المضروب في الدهاء، والرأي، والشجاعة، والأنفة، والحزم. قال بعضهم: أحكم التدبير، والدولة تسعده، والمقادر تنجده، وحكيت له في الحروب حكايات عجيبة. بعض أخباره في الرأي: قال أبو مروان: وقد مرّ ذكر الفتنة البربرية؛ لمّا خلص ملأ القوم، لتشاور أميرهم، وهم فرض في خروجهم من قرطبة، عندما انتهوا إلى فحص هلال، واجتمعوا على التّأسّي، وضرب لهم زعيمهم زاوي بن زيري بن مناد الصّنهاجي، مثلا بأرماح خمسة جمعها مشدودة، ودفعها لأشدّ من حضره منهم، وقال: اجهد نفسك في كسرها كما هي وأغمزها، فعالج ذلك فلم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 294 يقدر عليه، فقال له: حلّها وعالجها رمحا رمحا، فلم يبعد عليه دقّها، فأقبل على الجماعة، فقال: هذا مثلكم يا برابرة، إن جمعتم لم تطاقوا، وإن تفرّقتم لم تبقوا، والجماعة في طلبكم، فانظروا لأنفسكم وعجّلوا، فقالوا: نأخذ بالوثيقة، ولا نلقي بأيدينا إلى التهلكة، فقال لهم: بايعوا لهذا القرشي سليمان، يرفع عنكم الأنفة في الرياسات، وتستميلون إليه العامّة بالجنسية، ففعلوا، فلمّا تمّت البيعة قال: إن مثل هذا الحال لا يقوى على أهل الاستطالة، فيقيّد له رئيس كل قبيلة منكم، قبيلة يتكفّل السلطان بتقويمهم، وأنا الكفيل بصنهاجة، قال: وامتارت بطون القبائل على أرحامها، وقبائلها إلى أفخاذها وفصائلها، فاجتمع كل فريق منهم على تقديم سيّده، فاجتمعت صنهاجة على كبيرها زاوي، ولم تزل تلك القبائل المتألّفة بالأندلس لطاعة أميرها، المنادين له إلى أن أورثوهم الإمارة. التوقيع: قالوا «1» : ولمّا نازله المرتضى الذي أجلب به الموالي العامريين بظاهر غرناطة، خاطبه بكتاب يدعوه فيه إلى طاعته، وأجمل موعده فيه؛ فلما قرىء على زاوي قال لكاتبه: اكتب على ظهر رقعته: قُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ (1) السورة «2» . فلمّا بلغت المرتضى أعاد عليه كتابا يعده فيه بوعيده، فلمّا قرىء على زاوي، قال: ردّ عليه: أَلْهاكُمُ التَّكاثُرُ (1) «3» إلى آخرها، فازداد المرتضى غيظا، وناشبه القتال، فكان الظّهور لزاوي. قال المؤرّخ «4» : واقتتلت صنهاجه مع أميرهم مستميتين لما دهمهم من بحر العساكر، على انفرادهم وقلّة عددهم، إلى أن انهزم أهل الأندلس، وطاروا على وجوههم، مسلموهم وإفرنجهم، لا يلوون على أحد، فأوقع البرابر «5» بهم السيف، ونهبوا تلك المحلّات، واحتووا على ما لا كفاء له اتساعا وكثرة؛ ظلّ الفارس يجيء من أتباع المنهزمين ومعه العشرة، ولا تسل عمّا دون ذلك من فاخر النّهب، وخير الفساطيط، ومضارب الأمراء والرؤساء. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 295 قال ابن حيّان «1» : فحلّ بهذه الوقيعة على جماعة الأندلس مصيبة «2» أنست ما قبلها، ولم يجتمع لهم «3» جمع بعدها وفرّوا بإدبار «4» ، وباؤوا بالصّغار. منصرفه عن الأندلس: قال المؤرّخ «5» : ولهول ما عاينه زاوي من اقتدار أهل الأندلس في أيّام «6» تلك الحروب وجعاجعهم، وإشرافهم على التغلّب عليه، هان سلطانه عنده بالأندلس، وخرج «7» عنها نظرا إلى عاقبة أمره، ودعا بجماعة «8» من قومه لذلك فعصوه، وركب البحر بجيشه وأهله، فلحق بإفريقية وطنه. قال: فكان من أغرب الأخبار في «9» الدولة الحمّودية انزعاج ذلك الشيخ زاوي «10» عن سلطانه بعد ذلك الفتح العظيم الذي ناله على أهل الأندلس، وعبوره البحر بعد أن استأذن ابن عمّه المعز بن باديس، فأذن له. وحرص بنو عمّه بالقيروان، على رجوعه لهم لحال سنّه، وتقريبهم «11» يومئذ من مثله من مشيختهم لمهلك جميع إخوتهم، وحصوله هو على مقرّر «12» بني مناد، الغريب الشأن «13» ، في أن لا تحجب عنهم نساؤهم وكنّ زهاء ألف امرأة في ذلك الوقت، هنّ ذوات محرم من بنات إخوته وبناتهنّ وبني بنيهنّ. وكان رحيل زاوي عن الأندلس سنة عشر «14» وأربعمائة. قال ابن حيّان «15» : وأخبار هذا الداهية كثيرة، وأفعاله ونوادره مأثورة. زهير العامريّ، فتى المنصور بن أبي عامر «16» حاله: كان شهما داهية، سديد المذهب، مؤثرا للأناة، ولي بعد خيران صاحب ألمريّة، وقام بأمره أحمد قيام، سنة تسع «17» عشرة وأربعمائة، يوم الجمعة لثلاث الجزء: 1 ¦ الصفحة: 296 خلون من جمادى الأولى. وكان أميرا بمرسية، فوجّه عنه خيران حين أحسّ بالموت، فوصل إليه، وكان عنده إلى أن مات. فخرج زهير مع ابن عباس «1» إلى الناس، فقال لهم: أمّا الخليفة خيران فقد مات، وقد قدّم أخاه زهيرا هذا، فما تقولون؟ فرضي الناس به، فدامت مدة ولايته عشرة أعوام ونصف عام إلى أن قتل. مناقبه: قال أبو القاسم الغافقي «2» : وكان حسن السّيرة جميلها؛ بنى المسجد في ألمريّة، ودار «3» فيه من جهاته الثلاث، المشرق والمغرب والجوف؛ وبنى مسجدا ببجّانة، وشاور الفقهاء، وعمل بقولهم؛ وملك قرطبة، ودخل قصرها، يوم الأحد لخمس بقين من شعبان سنة خمس وعشرين وأربعمائة، ودام سلطانه عليها خمسة عشر شهرا ونصف شهر. قال ابن عذاري «4» : وأما زهير الفتى فامتدّت «5» أطناب مملكته من ألمريّة إلى قرطبة «6» ونواحيها، وإلى بيّاسة، وإلى الفجّ من أول طليطلة. وقالوا «7» : قرّ ما بينه وبين باديس فأرسل باديس «8» إلى زهير رسوله مكاتبا مستدعيا تجديد المحالفة، فسارع زهير، وأقبل نحوه، وضيّع الحزم، واغترّ بالعجب، ووثق بالكثرة، أشبه شيء بمجيء الأمير الضخم إلى عامل «9» من عمّاله، قد ترك رسم «10» الالتقاء بالنّظراء وغير ذلك من وجوه الحزم، وأعرض عن ذلك كله؛ وأقبل ضاربا بسوطه، حتى تجاوز الحدّ الذي جرت «11» العادة بالوقوف عنده من عمل باديس دون إذنه؛ وصيّر الأوعار والمضايق خلف ظهره، فلا يفكّر فيها، واقتحم البلد، حتى صار «12» إلى باب غرناطة. ولمّا وصل خرج باديس في جمعه، وقد أنكر اقتحامه عليه، وعدّه حاصلا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 297 في قبضته؛ فبدأه بالجميل والتّكريم، وأوسع عليه وعلى رجاله في «1» العطاء والقرى والتعظيم بما مكّن اغترارهم، وثبّت طمأنينتهم. ووقعت المناظرة بين زهير وباديس «2» ، ومن حضرهما من رجال دولتيهما، فنشأ «3» بينهما عارض الخلاف لأول وهلة، وحمل زهير أمره على التّشطّط، فعزم باديس على اللقاء «4» ووافقه عليه قوم من خدّامه، فأقام المراتب، ونصب الكتائب، وقطع قنطرة لا محيد عنها لزهير، والحائن «5» لا يشعر؛ وغاداه عن تعبئة محكمة، فلم يرعه إلّا رجّة القوم راجعين، فدهش زهير وأصحابه، إلّا أنه أحسن تدبير الثبات لو استتمّه، وقام فنصب الحرب، وثبت في قلب العسكر، وقدّم خليفته هذيلا في وجوه أصحابه إلى الموالي، فلمّا رأتهم صنهاجة، علموا أنهم الحماة والشّوكة «6» ، ومتى حصدوا لم يثبت من وراءهم، فاختلطوا بهم «7» ، واشتدّ القتال، فحكم الله لأقلّ الطائفتين من صنهاجة ليري الله «8» قدرته، فانهزم زهير وأصحابه وتقطّعوا، وعمل السيف فيهم فمزّقوا، وقتل زهير، وجهل مصرعه؛ وغنم رجال باديس من المال والمرافق «9» والأسلحة والحلية والعدّة والغلمان والخيام «10» ، ما لا يحاط بوصفه. وكانت وفاة زهير يوم الجمعة عقب شوّال، سنة تسع وعشرين وأربعمائة بقرية ألفنت خارج غرناطة. طلحة بن عبد العزيز بن سعيد البطليوسي وأخواه أبو بكر وأبو الحسن بنو القبطرنة «11» يكنى أبا محمد. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 298 حالهم: كانوا عيونا من عيون الأدب بالأندلس، ممّن اشتهروا بالظرف، والسّرو والجلالة. وقال أبو الحسن بن بسّام وقد ذكر أبا بكر منهم، فقال «1» : أحد فرسان الكلام «2» ، وحملة السيوف والأقلام، من أسرة أصالة، وبيت جلالة، أخذوا العلم أولا عن آخر، وورثوه كابرا عن كابر. ثلاثة كهقعة الجوزاء، وإن أربوا عن الشهر «3» في السّنا والسناء «4» . كتب أبو محمد عبد العزيز وأخواه عن ملك لمتونة، ودخلوا معه غرناطة. ذكر ذلك غير واحد. واجتزأت بذكر أبي محمد، وأتبعه أخويه اختصارا. شعره: من شعر أبي محمد، قوله في الاستدعاء «5» : [المتقارب] هلمّ إلى روضنا يا زهر «6» ... ولح في سماء المنى «7» يا قمر وفوّق «8» إلى الأنس سهم الإخاء ... فقد عطّلت قوسه والوتر «9» إذا لم تكن عندنا حاضرا ... فما بغصون «10» الأماني ثمر «11» وقعت من القلب وقع المنى ... وحزت «12» من العين حسن الحور قال أبو نصر «13» : بات مع أخويه في أيام صباه، واستطابة جنوب الشّباب وصباه، بالمنية المسمّاة بالبديع، وهي «14» روض كان المتوكل يكلف بموافاته، ويبتهج بحسن صفاته، ويقطف ريحانه «15» وزهره، ويقف «16» عليه إغفاءه وسهره، ويستفزّه الطرب متى ذكره، وينتهز فرص الأنس فيه روحاته وبكره، ويدير حميّاه على ضفة نهره، ويخلع سرّه فيه لطاعة جهره، ومعه أخواه، فطاردوا اللذّات حتى أنضوها، ولبسوا برود السرور فما «17» نضوها، حتى صرعتهم العقار، وطلّحتهم تلك الجزء: 1 ¦ الصفحة: 299 الأوقار «1» ؛ فلمّا همّ رداء الفجر أن يندى، وجبين الصبح أن يتبدّى «2» ، قام الوزير أبو محمد فقال «3» : [الخفيف] يا شقيقي وافى «4» الصّباح بوجه «5» ... ستر اللّيل نوره وبهاؤه فاصطبح، واغتنم مسرّة يوم ... لست «6» تدري بما يجيء مساؤه ثم استيقظ أخوه أبو بكر فقال: [الخفيف] يا أخي، قم تر النّسيم عليلا ... باكر الرّوض والمدام شمولا «7» في رياض تعانق الزّهر فيها ... مثل ما عانق الخليل خليلا «8» لا تنم واغتنم مسرّة يوم ... إنّ تحت التّراب نوما طويلا ثم استيقظ أخوهما أبو الحسن وقد ذهب «9» من عقله الوسن، فقال: [البسيط] يا صاحبيّ ذرا لومي ومعتبتي ... قم نصطبح قهوة «10» من خير ما ذخروا وبادرا غفلة الأيّام واغتنما ... فاليوم خمر ويبدو في غد خبر «11» وقال أبو بكر في بقرة أخذها له الرنق «12» صاحب قلمورية، وقد أعاد أرضه «13» : [الطويل] الجزء: 1 ¦ الصفحة: 300 وأفقدنيها الرّنق أمّا حفيّة ... إذا هي ضفّت «1» ألّفت بين رفدين «2» تعنّفني أمّي على أن رثيتها ... بشعري «3» وأن أتبعتها الدّم من عيني «4» لها الفضل عندي أرضعتني أربعا «5» ... وبالرغم ما بلّغتني رأس عامين «6» محمد بن إسماعيل بن فرج بن إسماعيل بن نصر الرئيس المتوثّب على الملك، وحيّ كرسي الإمارة، وعاقد صفقة الخسران المبين، يكنى أبا عبد الله. أوّليّته: معروفة. حاله: «من نفاضة الجراب» «7» وغيره: كان شيطانا، ذميم الخلق، حرفوشا، على عرف المشارقة، متراميا للخسائس، مألفا للدّعرة والأجلاف والسّوّار وأولي الريب، خبيثا كثير النّكر، منغمسا في العهن، كلفا بالأحداث، متقلبا عليهم في الطرق، خليع الرّسن، ساقط الحشمة، كثير التّبذّل، قوّاد عصبة كلاب، معالجا لأمراضها، مباشرا للصّيد بها، راجلا في ثياب منتاب الشّعر من الجلود والسوابل والأسمال؛ عقد له السلطان على بنته لوقوع القحط في رجال بيتهم، ونوّههه بالولاية، وأركبه، وأغضى له عن موبقات تقصر به، إلى أن هلك؛ وحاد الأمر عن شقيق زوجه، واستقرّ في أخيه، وثقل على الدولة، لكراهة طلعته، وسوء الأحدوثة به، فأمر بترك المباشرة، والدخول للقلعة، وأذن له في التّصرف في البلد والفحص، وأبقيت عليه النعمة، فداخل أمّ زوجه، وضمن لها تمام الأمر لولدها، وأمدّته بالمال، فنظر من المساعير شيعة، من كسرة الأغلاق، وقتلة الزقاق، ومختلسي البضائع، ومخيفي السّابلة، واستضاف من أسافلة الدولة، من آسفته بإقصار قصد، أو مطل وعد، أو حطّ رتبة، أو عزل عن ولاية، فاستظهر منهم بعدد ولا، كالشّقيّ الدّليل الموروري، الغريب الطّور، وإبراهيم بن أبي الفتح المنبوذ بالإضليع، قريع الجهل، ومستور العظيمة، وارتادوا عورة القلعة فاهتدوا منها إلى ما شاؤوا وتألّفوا بخارج. ثم تسلّلوا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 301 ببطن الوادي المعروف ب «هدارّه» ، إلى أن لصقوا بجناح السّور الصّاعد، الراكبة قوسه جرية النهر، وصعدوا مساوقين جناحه المتّصل بسور القلعة، وقد نقص كثير من ارتفاعه، لحدثان إصلاح فيه، فتسوّروه عن سلّم، ودافع بعض محاربيهم بعضا في استباق أدراجه، فدخلوا البلد في الثّلث الأخير من ليلة الأربعاء الثامن والعشرين لرمضان عام ستين وسبعمائة، ثم استغلظوا بالمشاعل، وقتلوا نائب الملك رضوانا النّصري، سايس الأمر، وبقيّة المشيخة، واستخرجوا السلطان الذي هو يزيفه، فنصبوه للناس، وتمّ الأمر، بما دلّ على احتقار الدنيا عند الله؛ وانخرط هذا الخبّ في طور غريب من التنزّل للسلطان، والاستخدام لأمّه، والتهالك في نصحه، وخلط نفسه فيه، وتبذّل في خدمته؛ يتولّى له الأمور، ويمشي في زيّ الأشراط بين يديه، ويتأتّى لشهواته، ويتظاهر بحراسته. ولمّا علم أن الأمر يشقّ تصيّره إليه من غير واسطة، بغير انقياد الناس إليه، من غير تدريج كاده «1» ، فألطف الحيلة في مساعدته على اللذّات، وإغرائه بالخبائث، وشغله بالعهر، وقتله بالشّهوات المنحرفة، وجعل يتبرّأ من دنّيته وينفق بين الناس من سلع اغتيابه، ويرى الجماهير الإنكار لصنيعه، ويزيّن لهم الاستعاضة منه بعد ما غلظت شوكته، وضمّ الرجال إلى نفسه موريا بحفظه؛ والاستظهار على صونه. وفي الرابع من شعبان عام أحد وستين وسبعماية، ثار به في محلّ سكناه في جواره، واستجاش أولياء غدره؛ وكبس منزله، مداخلا للوزير المشؤوم، عاقدا معه صفقة الغدر. وامتنع السلطان بالبرج الأعظم، فاستنزله وقتله، كما مرّ في اسم المذكور قبل، واستولى على الملك، فلم يختلف عليه اثنان. واشتغل طاغية الروم بحرب، كان بينه وبين القطالنيّين «2» ، فتمالأ لمسالمته، فاغتبط الصنيع وتهنّا المنحة، وتشطّط على الروم في شروط غير معتادة، سامحوه بها مكيدة واستدراجا، واجتاز أمير المسلمين المصاب بغدره إلى الأندلس، طالبا لحقّه، ومبادرا إلى ردّ أمره، فسقط في يده، ووجّه الجيش إليه بمثواه من بلد رندة، فانصرف عنها خائبا، ورجع أدراجه، يشكّ في النجاة، وتفرّغ إليه الطاغية، ففضّ عليه جمّه؛ وقد أجرت عليه شوكته وقيعة نصر الله فيها الدّين، وأملى لهذا الوغد، فلم يقله العثرة بعدها، ونازل حصونه المهتضمة، واستولى على كثير منها، وحام فلم يصحر غلوة، وأكذب ما موّه به من البسالة، وظهر للناس بلبس الصوف، وأظهر التّوبة على سريرة دخلة، وفسق مبين، وقلّ ما بيده، ونفد بيت ماله، فلم يجد شيئا يرجع إليه، من بعد ما سبك الآنية والحلية، وباع العقار لتبذيره، وسحّه المال سحّا، في أبواب الأراجيف الجزء: 1 ¦ الصفحة: 302 والاختلاف، والبهج بالغنا، فشرف الإنقاب إلى الفرار، وأزمع إلى الانسلال. وعندما تحرّك السلطان إلى غربي مالقة، ونجع أهلها بطاعته ودخلوا في أمره، وسقط عليه الخبر، اشتمل على الذخيرة جمعاء، وهي التي لم تشتمل خزائن الملوك مطلقا على مثلها، من الأحجار واللؤلؤ والقصب، والتفّ عليه الجمع المستميت، جمع الضلال ومردّ الغيّ، وخرح عن المدينة ليلة الأربعاء السابع عشر من جمادى الآخرة، وصوّب وجهه إلى سلطان قشتالة؛ مكظوم تجنيه، وموتور سوء جواره، من غير عهد، إلّا ما أمل من التبقّي عنده من التّذميم به، وضمان إتلاف الإسلام، واستباحة البلاد والعباد بنكرته. ولمّا استقرّ لديه نزله، تقبّض عليه، وعلى شرذمته المنيفة على ثلاثمائة فارس من البغاة، كشيخ جنده الغربي إدريس بن عثمان بن إدريس بن عبد الله بن عبد الحق، ومن سواه؛ تحصّل بسببهم بيد الطّاغية، كلّ ما تسمو إليه الآمال، من جواد فاره، أو منطقة ثقيلة، وسلاح محلّى، وجوشن رفيع، ودرع حصينة، وبلبلة منيعة، وبيضة مذهّبة، وبزّة فاخرة، وصامت عتيد، وذخيرة شريفة، فتنخّل منهم متولّي التسوّر، فجعلهم أسوة رأسهم في القتل، خرّ بعضهم يومئذ على بعض، في القتل، وأخذتهم السيوف، فحلّوا بعد الشّهرة، والتمثيل في أزقّة المدينة، وإشاعة النداء في الجزيرة، ثاني رجب من العام المؤرّخ به، وركب أسوق سائرهم الأداهم، واستخلصهم الإسار، وبادر بتوجيه رؤوسهم، فنصبت من فوق العورة التي كان منها تسوّرهم القلعة، فمكثت بها إلى أن استنزلت ووريت؛ وانقضى أمره على هذه الوتيرة مشؤوما دبيرا، لم يمتّعه الله بالنعيم، ولا هنّاه سكنى المحلّ الكريم، ولا سوّغه راحة، ولا ملأه موهبة، ولا أقام على فضله حجّة، ولا أعانه على زلفة. إنما كان رئيس السرّاق وعريف الخراب، وإمام الشّرار، ندر يوما في نفسه، وقد رفعت إلى امرأة من البدو تدّعي أنها سرقت دارها، قال: إن كان ليلا بعد ما سدّ باب الحمراء عليّ وعلى ناسي، فهي والله كاذبة، إذ لم يبق سارق في الدنيا، أو في البلاد، إلّا وقد تحصل خلفه، وقانا الله المحن، وثبّتنا على مستقرّ الرّشد، ولا عاقنا عن جادة الاستقامة. وزراء دولته: استوزر الوزير المشؤوم ممدّه في الغيّ، الوغد، الجهول، المرتاش من السرقة، الحقود على عباد الله لغير علّة عن سوء العاقبة، المخالف في الأدب سنن الشريعة، البعيد عن الخير بالعادة والطبيعة، دودة القزّ، وبغل طاحونة الغدر، وزقّ القطران، محمد بن إبراهيم بن أبي الفتح الفهري، فانطلقت يده على الإبشار، ولسانه على الأعراض، وعينه على النظر الشّزر، وصدره على التأوّه والرّين؛ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 303 يلقى الرجل كأنه قاتل أبيه، محدّقا إلى كمّيه، يحترش بهما خبيئة، أو يظنّ بهما رشوة، فأجاب الله دعاء المضطرين، ورغبات السّائلين، وعاجله بالأخذة الرّابية، والبطشة القاضية؛ فقبض عليه في ليلة السبت العاشر لرمضان من العام المذكور، وعلى ابن عمّه العصر فوط وعلى الحيرا من نواهض بيتهما، وأنفذ الأمر بتعريضهم، فمضى حكم الله بهذه المنيّة الفرعونية فيهم، لا تبديل لكلمات الله، قاهر الجبابرة، وغالب الغلاب، وجاعل العاقبة للمتّقين. واستوزر بعده، أولي الناس وأنسبهم إلى دولته، وأحقّهم بمظاهرته، المسوس الجبّار اليأس والفطرة، المختبل الفكرة، القيل، المرجّس، الحول، الشهير، الضّجر، محمد بن علي بن مسعود؛ فيما بلي الناس على طول الحمرة، وانفساح زمان التجربة، أسوأ تدبيرا، ولا أشرّ معاملة، ولا أبذأ لسانا، ولا أكثر شكوى ومعاتبة، ولا أشحّ يدا، ولا أجدب خوانا، من ذلك المشؤوم، بنعق البوم، ينعق بما لا يسمع، ويسرد الأكاذيب، ويسيء السّمع، فيسيء الإجابة، ويقود الجيش فيعود بالخيبة، إلى أن كان الفرار، فصحبه إلى مصرعه؛ وكان ممّن استؤثر به القيد الثقيل، والأسر الشديد، والعذاب الأليم، عادة بذلك عبد «المالاخوينا» ، التي كان يحجب سمتها، زمان ترفيهه، فقضت عليه سيّىء الميتة، مطّرح الجثّة. سترنا الله بستره ولا سلبنا في الحياة ولا في الممات ثوب عنايته. كاتب سرّه: صاحبنا الفقيه الأهوج، قصب الريح، وشجرة الخور، وصوت الصّدى، أبو محمد عبد الحق بن عطية، المستبدّ بتدبير الدّبير، خطا فوق الرّقاع الجاهلة، ومسارّة في الخلوات الفاسقة، وصدعا فوق المنابر الكبيبة، بحلّة لثّ الراية، ويذبّ عنه ذبّ الوالدة، ينتهي في الاعتذار عن هناته إلى الغايات القاصرة. قضاته: شيخنا أبو البركات، قيس ليلى القضاء، المخدوع بزخرف الدنيا على الكبرة والعناء، لطف الله به، وألهمه رشده. شيخ الغزاة على عهده: إدريس بن عثمان بن إدريس بن عبد الحق بن محيو، بقية بيت الدّبرة، ووشيجة الشجرة المجتثّة، عذّب في الجملة من أهل بيته عند القبض عليهم، واستقرّ في القبض الأشهب من قبيله بالمغرب، مطلق الإقطاع، مرموقا بعين التجلّة، مكنوفا بشهرة الأب، إلى أن سعي به إلى السلطان، نسيج وحده، فارس بن علي، واستشعر البثّ فطار به الذّعر لا يلوي عنانا، حتى سقط بإفريقيّة، وعبر البحر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 304 إلى ملك برجلونة «1» ، ثم اتّصل بالدولة النصرية، بين إدالة الغدر، وإيالة الشّرّ، فقلّده الدائل مشيخة الغزاة، ونوّه به، فاستراب معزله يحيى بن عمر، ففرّ إلى أرض الروم حسبما يذكر في اسمه؛ فقام له بهذا الوظيف، ظاهر الشّهرة والأبّهة، مخصوصا منه بالتجلّة، إلى أن كان ما كان من إزمانه وفراره؛ فوفّى له وصحبه ركابه، وقاسمه المنسجة شقّ الأبلة، واستقرّ بعد قتله أسيرا عانيا علق الدهر، لضنانة العدوّ بمثله، إلى أن أفلت من دون الأغلاق، وشدّ الوثاق. ولحق بالمسلمين في خبر لم يشتمل كتاب الفرج بعد الشدّة على مثله، والإغراب منه، يستقرّ في اسمه إلماع به؛ ثم استقرّ بالمغرب معتقلا، ثم مات رحمه الله. من كان على عهده من الملوك: وأولا بمدينة فاس دار ملك المغرب، السلطان، الخيّر، الكريم الأبوّة، المودود قبل الولاية، الليّن العريكة، الشهير الفضل في الحياة، آية الله في إغراب الصّنع، وإغراب الإدبار، أبو سالم إبراهيم بن علي بن عثمان بن يعقوب بن عبد الحق، أمير المسلمين، المترجم به في حرف الألف. ولمّا قتل يوم الحادي والعشرين لذي قعدة من عام اثنين وستين، قام بالأمر بعده أخوه المتحيّل أبو عامر تاشفين بن علي إلى أواخر صفر عام ثلاثة وستين؛ ولحق بالبلد الجديد، الأمير أبو محمد زيان بن الأمير أبي عبد الرحمن بن علي بن عثمان المترجم به في بابه، ثم المتولّي من عام ثمانية وستين وسبعمائة السلطان أبو فارس عمّه المؤمّل للمّ الشّعث، وضمّ النّشر، وتجديد الأمر بحول الله، ابن السلطان الكبير المقدّس، أبي الحسن بن سعيد بن يعقوب بن عبد الحق، وهو بعد متّصل الحال إلى اليوم. وبتلمسان الأمير أبو حمّو، موسى بن يوسف بن عبد الرحمن بن يحيى بن يغمراسن بن زيان. وبإفريقية الأمير الخليفة على عرفهم، إبراهيم بن أمير المؤمنين أبي يحيى بن حفص. وبقشتالة، بطره بن الهنشه بن هرانده بن شانجه المصنوع له، وليّ النعمة منه، ومستوجب الشكر من المسلمين لأجله، بإراحته منهم. وبرغون، بطره بن شانجه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 305 وبرندة، مزاحمه بالملك الفخم، أمير المسلمين حقيقة، المرتّب الحقّ، المعقود البيعة، وصاحب الكرّة، ووليّ حسن العاقبة، مجتثّ شجرته الخبيثة، وصارخ إيالته الدّنيّة، أبو عبد الله محمد بن أمير المسلمين أبي الحجاج بن أمير المسلمين أبي الوليد بن نصر. مولده: مولد هذه النّسمة المشؤومة أول يوم من رجب عام اثنين وثلاثين وسبعمائة. وفاته: توفي قتيلا ممثّلا به بطيلاطة من ظاهر إشبيلية، في ثاني يوم من رجب عام ثلاثة وستين وسبعمائة، وسيقت رؤوس أشياعه، الغادرين مع رأسه إلى الحضرة فصلبت بها. وفي ذلك قلت: [السريع] في غير حفظ الله من هامة ... هام بها الشّيطان في كل واد لا خلّفت ذكرا ولا رحمة ... في فم إنسان ولا في فؤاد محمد بن إسماعيل بن فرج بن إسماعيل بن يوسف ابن محمد بن أحمد بن خميس بن نصر الخزرجي «1» أمير المسلمين بالأندلس بعد أبيه، رحمه الله. أوّليّته: معروفة. حاله: كان معدودا في نبلاء الملوك «2» ، صيانة، وعزّا وشهامة، وجمالا، وخصلا؛ عذب الشمائل، حلوا لبقا، لوذعيّا، هشّا، سخيّا؛ المثل المضروب به في الشجاعة المقتحمة حدّ التهوّر حلس ظهور الخيل، وأفرس «3» من جال على ظهورها «4» ، لا تقع العين، وإن غصّت الميادين، على أدرب بركض الجياد منه، مغرما بالصّيد، عارفا بسمات السّقار «5» وشتات الخيل؛ يحبّ الأدب، ويرتاح إلى الشعر، وينبّه على العيون، ويلمّ بالنادرة الحارّة. أخذت له البيعة يوم مهلك أبيه، وهو «6» يوم الثلاثاء السابع والعشرين لرجب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 306 من «1» عام خمسة وعشرين وسبعمائة، وناله الحجب، واشتملت عليه الكفالة إلى أن شبّ «2» وظهر، وفتك بوزيره المتغلّب على ملكه، وهو غلام لم يبقل خدّه، فهيب شأنه، ورهبت سطوته، وبرز لمباشرة الميادين، وارتياد المطارد، واجتلاء الوجوه، فكان ملء العيون والصدور. ذكاؤه: حدّثني «3» القائد أبو القاسم ابن الوزير عبد الله بن عيسى وزير جدّه، قال: تذوكر يوما بحضرته تباين قول «4» المتنبي «5» : [المتقارب] ألا «6» خدّد الله ورد الخدود ... وقدّ قدود الحسان القدود وقول امرئ القيس «7» : [الطويل] وإن كنت قد ساءتك منّي خليقة ... فسلّي ثيابي من ثيابك تنسل «8» وقول إبراهيم بن سهل «9» : [البسيط] إنّي له من دمي المسفوك معتذر «10» ... أقول حمّلته في «11» سفكه تعبا فقال، رحمه الله، بديهة «12» : بينهما ما بين نفس ملك عربي وشاعر «13» ، ونفس يهودي تحت الذّمّة، وإنما تتنفّس بقدر همّتها «14» ، أو كلاما هذا معناه. ولما «15» نازل مدينة قبرة ودخل جفنها عنوة «16» ، ونال قصبتها، ورماها بالنّفط، وتغلّب عليها، وهي ما هي عند المسلمين، وعند النصارى «17» ، من الشّهرة والجلالة، بادرناه «18» نهنّئه بما الجزء: 1 ¦ الصفحة: 307 نسّق «1» له، فزوى «2» وجهه عنّا، وقال: ماذا تهنّونني به، كأنكم رأيتم تلك الخرقة بكذا «3» - يعني العلم الكبير- في منار إشبيلية «4» ، فعجبنا من بعد همّته، ومرمى عزمه «5» . شجاعته: أقسم أن يغير على باب مدينة بيّانة في عدّة قليلة عيّنها الميمن «6» ، فوقع البهت وتوقّعت الفاقرة، لقرب الصّريخ، ومنعة الحوزة، وكثرة الحامية، واتصال تخوم البلاد، ووفور الفرسان بذلك الصّقع؛ وتنخّل أهل الحفاظ، وهجم «7» على باب الكفّار نهارا، وانتهى إلى باب المدينة، وقد برزت الحامية، وتوقع فرسان الرّوم الكمناء، فأقصروا عن الإحصار، وحمي المسلمون فشدّ عليهم، فأعطوهم الضّمّة ودخلوا أمامهم المدينة؛ ورمى السلطان أحد الرجال النّاشبة بمزراق كان بيده محلّى السّنان رفيع القيمة، وتحامل «8» يريد الباب فمنع الإجهاز «9» عليه، وانتزاع الرّمح الذي كان يجرّه خلفه، وقال: اتركوه يعالج به رمحه «10» إن كان أخطأته المنيّة، وقد أفلت من أنشوطة خطر عظيم. جهاده ومناقبه: كان له وقائع في الكفّار، على قلّة أيامه، وتحرّك ونال البلاد، وفتح قبرة، ومقدّم جيش العدو الذي بيّت بظاهرها وأثخن فيه، وفتح الله على يده مدينة باغوة، وتغلب المسلمون على حصن قشتالة، ونازل حصن قشرة «11» بنفسه لدى قرطبة، فكاد أن يتغلّب عليه، لولا مدد اتّصل للنصارى به. وأعظم مناقبه تخليص جبل الفتح، وقد أخذ الطاغية بكظمه، ونازله على قرب العهد من تملّك المسلمين إياه، وناخ «12» بكلكله، وهدّ بالمجانيق أسواره، فدارى الطّاغية، واستنزل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 308 عزمه وتحفه «1» ، ولحق في موضع اختلاله، إلى أن صرفه عنه، وعقد له صلحا، ففازت به قداح الإسلام، وتخلّصه من بين ناب العدو وظفره؛ فكان الفتح عظيما لا كفاء له. بعض الأحداث في دولته: وفي شهر المحرم «2» من عام سبعة وعشرين وسبعمائة، نشأت بين المتغلّب «3» على دولته، وزيره، وبين شيخ الغزاة وأمير القبائل العدوية، عثمان بن أبي العلاء، الوحشة وألحقت ريحها السعايات، فصبّت على المسلمين شؤبوب فتنة عظم فيهم أثرها «4» معاطبا، وسئم الانصراف عن الأندلس، فلحق «5» بساحل ألمريّة، وأحوزته المذاهب وتحامت جواره الملوك، فداخل «6» أهل حصن أندرش، فدخل في طاعته، ثم استضاف «7» إليه ما يجاوره، فأعضل الدّاء، وتفاقمت اللأواء، وغامت سماء الفتنة «8» ، واستنفد خزائن الأموال المستعدة لدفاع العدو، واستلحق الشيخ أبو سعيد عمّ السلطان، وقد استقرّ بتلمسان، فلحق به، وقام بدعوته في أخريات صفر عام «9» سبعة وعشرين وسبعمائة؛ واغتنم الطاغية فتنة المسلمين فنزل ثغر بيرة «10» ، ركاب الجهاد، وشجى العدو، فتغلّب عليه، واستولى على جملة من الحصون التي تجاوره، فاتّسع نطاق الخوف «11» ، وأعيا داء الشّر، وصرف إلى نظر «12» ملك المغرب، في أخريات العام، رندة ومربلّة وما يليهما «13» ، وتردّدت الرسائل بين السلطان وبين شيخ الغزاة، فأجلت «14» الحال عن مهادنة، ومعاودة للطاعة، فصرف أميرهم أدراجه إلى العدوة، وانتقلوا إلى سكنى وادي آش على رسم الخدمة والحماية على شروط مقرّرة؛ وأوقع السلطان بوزيره، وأعاد الشيخ إلى محلّه من حضرته؛ أوائل عام ثمانية وعشرين بعده، واستقدم القائد الحاجب أبا النعيم رضوان من أعاصم حباليه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 309 قتيله، فقام بأمره أحسن قيام. وعبر البحر بنفسه بعد استقرار ملكه في الرابع والعشرين من شهر ذي حجة من «1» عام اثنين وثلاثين وسبعمائة، فاجتمع مع ملك المغرب السلطان الكبير أبي الحسن بن عثمان، فأكرم نزله، وأصحبه إلى الأندلس، وحباه بما لم يحب به ملك تقدّمه، من مغربيّات «2» الخيل، وخطير الذخيرة، ومستجاد العدّة؛ ونزل «3» الجيش على أثره جبل الفتح؛ وتوجّه الحاجب أبو النعيم بأكبر إخوة السلطان، مظاهرا على سبيل النّيابة، وهيّأ الله فتحه. ثم استنقاذه بلحاق السلطان، ومحاولة أمره كما تقدّم، فتمّ ذلك يوم «4» الثلاثاء الثاني عشر لذي «5» حجة من عام ثلاثة وثلاثين وسبعمائة. وزراء دولته: وزر له وزير أبيه «6» ، وأخذ له البيعة، وهو مثخن «7» بالجراحات التي أصابته يوم الفتك بأبيه السلطان أبي الوليد، ولم ينشب أن أجهز «8» جرح تجاوز عظم الدماغ، بعد مصابرة ألم العلاج الشديد، حسبما يأتي في اسمه، وهو أبو الحسن علي بن مسعود بن يحيى بن مسعود المحاربي. وترقى إلى الوزارة والحجابة وكيل أبيه محمد بن أحمد «9» المحروق، من أهل غرناطة، يوم الاثنين غرّة شهر رمضان من «10» عام خمسة وعشرين وسبعمائة، ويأتي التعريف بهم. ثم اغتيل «11» بأمره، عشيّ ثاني يوم من محرم فاتح تسعة وعشرين وسبعمائة. ثم وزر له القائد «12» أبو عبد الله بن القائد أبي بكر عتيق بن يحيى بن المول من وجوه الدولة، وصدور من يمتّ بوصله، إلى السابع عشر من رجب من العام؛ ثم صرف إلى العدوة. وأقام رسم الوزارة والحجابة والنيابة «13» أبو النعيم مولى أبيه، إلى آخر مدته، بعد أن التأث أمره الجزء: 1 ¦ الصفحة: 310 لديه، وزاحمه بأحد المماليك المسمى «1» بعصام حسبما يأتي ذكره في موضعه إن شاء الله. رئيس كتّابه: كتب له «2» كاتب أبيه قبله، وأخيه بعده، شيخنا نسيج وحده، أبو الحسن علي بن الجيّاب الآتي ذكره في موضعه إن شاء الله. قضاته: استمرّت الأحكام لقاضي أبيه، أخي «3» وزيره، الشيخ الفقيه أبي بكر «4» بن مسعود، رحمه الله، إلى عام سبعة وعشرين وسبعمائة، ووجّهه «5» رسولا عنه إلى ملك المغرب، فأدركته «6» وفاته بمدينة سلا، فدفن بمقبرة سلا «7» . رأيت قبره بها، رحمه الله. وتخلّف ابنه «8» أبا يحيى مسعود «9» عام أحد وثلاثين وسبعمائة؛ وتولّى الأحكام الشرعية القاضي أبو عبد الله محمد بن يحيى بن بكر الأشعري «10» ، خاتمة الفقهاء، وصدر العلماء، رحمه الله، فاستمرّت له الأحكام إلى تمام مدة أخيه بعده. أمه: روميّة اسمها «علوة» وكانت أحظى لدّاتها عند أبيه، وأمّ بكره، إلى أن نزع عنها في أخريات أمره، لأمر جرّته الدّالّة، وتأخّرت وفاتها عنه إلى مدة أخيه. من كان على عهده من الملوك بأقطار المسلمين والنصارى: فبفاس «11» ، السلطان الكبير، الشهير، الجواد، خدن العافية، وحلف السعادة، وبحر الجود، وهضبة الحلم، أبو سعيد عثمان بن أبي يوسف يعقوب بن عبد الحق، الذي بذل المعروف، وقرّب الصلحاء والعلماء، وأدنى مكانهم، وأعمل إشارتهم، وأوسع بأعطيته المؤمنين المسترفدين، وعظم قدره، واشتهر في الأقطار صيته، وفشا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 311 معروفه، وعرفت بالكفّ عن الدماء والحرمات عفّته، إلى أن توفي يوم الجمعة الخامس والعشرين من شهر ذي القعدة «1» عام أحد وثلاثين وسبعمائة. ثم صار الأمر إلى ولده السلطان، مقتفي «2» سننه في الفضل والمجد، وضخامة السلطان، مبرّا عليه بالبأس المرهوب، والعزم الغالب، والجدّ الذي لا يشوبه هزل، والاجتهاد الذي لا تتخلّله «3» راحة، الذي بعد مداه، وأذعن لصولته عداه، واتصلت ولايته مدته، ومعظم مدة أخيه الوالي بعده. وبتلمسان الأمير عبد الرحمن بن موسى «4» بن يغمراسن، من بني عبد الواد، مشيّد القصور، ومروّض الغروس، ومتبنّك التّرف، واتّصل «5» إلى تمام مدته، وصدرا من مدة أخيه بعده. وبتونس الأمير أبو يحيى، أبو بكر بن الأمير أبي زكريا بن الأمير أبي إسحاق لبنة تمام قومه، وصقر الجوارح «6» من عشّه، وسابق الجياد من حلبته، إلى تمام المدة، وصدرا كبيرا من دولة أخيه بعده. ومن ملوك النصارى «7» ، ملك على عهده الجفرتين القنيطية والتاكرونية، الطاغية المرهوب الشّبا، المسلط على دين الهدى، ألهنشة بن هراندة بن شانجه بن ألفنش بن هراندة، الذي احتوى على كثير من بلاد المسلمين حتى الجفرتين. واتصلت أيامه إلى أخريات أيام أخيه، وأوقع بالمسلمين على عهده، وتملّك الجزيرة الخضراء وغيرها. وبرغون، ألفنش بن جايمش بن ألفنش بن بطره «8» بن جايمش الذي استولى على بلنسية، ودام إلى آخر مدته، وصدرا من مدة أخيه. وقد استقصينا من العيون أقصى ما سحّ به الاستقصاء، وما أغفلناه أكثر، ولله الإحاطة. مولده: في الثامن من شهر المحرم من عام خمسة عشر وسبعمائة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 312 وفاته: وإلى هذا العهد مات؛ وغرت عليه من رؤوس الجند، من قبائل العدوة، الصّدور، وشحنت عليه القلوب غيظا؛ وكان شرها لسانه، غير جزوع ولا هيّاب «1» ، فربما يتكلّم بملء فيه من الوعيد الذي لا يخفى على المعتمد به. وفي ثاني يوم من إقلاع الطاغية من الجبل «2» ، وهو يوم الأربعاء الثاني «3» عشر من ذي حجة، وقد عزم على ركوب البحر من ساحل مربلة «4» ، فهو مع وادي ياروا من ظاهر جبل الفتح، تخفيفا للمؤونة، واستعجالا للصّدور، وقد أخذت على حركته المراصد؛ فلمّا توسّط كمين القوم، ثاروا إليه وهو راكب بغلا أثابه به ملك الروم، فشرعوا في عتبه بكلام غليظ، وتأنيب قبيح، وبدأوا بوكيله فقتلوه، وعجّل بعضهم بطعنه، وترامى عليه مملوك من مماليك أبيه، زنمة «5» من أخابيث العلوج يسمّى زيانا، صونع على مباشرة الإجهاز عليه، فقضى لحينه بسفح «6» الربوة الماثلة، يسرة العابر للوادي ممّن يقصد جبل الفتح «7» ، وتركوه بالعراء «8» بادي البوار، مسلوب البزّة، سييء المصرع، قد عدت عليه نعمه، وأوبقه سلاحه، وأسلمه أنصاره وحماته. ولمّا فرغ القوم من مبايعة أخيه السلطان «9» أبي الحجاج، صرفت الوجوه يومئذ «10» إلى دار الملك، ونقل القتيل إلى مالقة، فدفن على حاله تلك برياض تجاور منية السّيد، فكانت وفاته ضحوة يوم الأربعاء الثالث عشر لذي «11» حجة من عام ثلاثة «12» وثلاثين وسبعمائة. وأقيمت على قبره «13» بعد حين قبّة، ونوّه بقبره. وهو اليوم «14» ماثل رهن غربة، وجالب عبرة، جعلنا الله للقائه على حذر وأهبة، وبلوح الرخام الماثل عند رأسه مكتوب: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 313 هذا قبر السلطان الأجلّ، الملك الهمام، الأمضى الباسل، الجواد ذي المجد الأثيل، والملك الأصيل، المقدّس، المرحوم، أبي عبد الله محمد بن السلطان الجليل؛ الكبير، الرفيع، الأوحد، المجاهد، الهمام، صاحب الفتوح المسطورة «1» ، والمغازي المشهورة، سلالة أنصار النبي، صلى الله عليه وسلّم، أمير المؤمنين «2» ، وناصر الدين، الشهيد، المقدّس، المرحوم أبي الوليد بن فرج بن نصر، قدّس الله روحه وبرّد ضريحه. كان مولده في الثاني «3» لمحرم عام خمسة عشر وسبعمائة، وبويع في اليوم الذي استشهد فيه والده رضي الله عنه السادس والعشرين لرجب عام خمسة وعشرين وسبعمائة، وتوفي رحمه الله في الثالث عشر لذي حجة من عام ثلاثة وثلاثين وسبعمائة، فسبحان من لا يموت: [الكامل] يا قبر سلطان الشجاعة والنّدى ... فرع الملوك الصيد أعلام الهدى وسلالة السّلف الذي آثاره ... وضّاحة لمن اقتدى ومن اهتدى سلف لأنصار النبيّ نجاره ... قد حلّ منه في المكارم محتدا متوسّط البيت قد أسّست ... هـ سادة الأملاك أوحد أوحدا بيت بناه «4» محمّدون ثلاثة ... من آل نصر أورثوه محمّدا أودعت وجها قد تهلّل حسنه ... بدرا بآفاق الجلالة قد بدا وندّا يسحّ على العفاة مواهبا ... مثنى الأيادي السابغات وموحدا يبكيك مذعور بك استعدى على ... أعدائه فسقيتهم كأس الردى يبكيك محتاج أتاك مؤمّلا ... فغدا وقد شفعت يداك له اليدا أمّا سماحك فهو أسنى «5» ديّة ... أما جلالك فهو أسمى مصعدا جادت ثراك من الإله سحابة «6» ... لرضاه عنك تجود هذا المعهدا [وشرّ ما تبع هذا السلطان تواطؤ قتلته من بني أبي العلاء وأصهارهم وسواهم من شيوخ خدّامه، كالوكيل في مدة أخيه بعد، الشيخ الذهول مسافر بن حركات وسواه، على اكتتاب عقد بعد وفاته، بأمور من القول تقدح في أصل الديانة، وأغراض تقتضي إلى الوهن في الدّين، وهنات تسوّغ إراقة دمه الذي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 314 توفّرت الدواعي على حياطته، والذّبّ عنه، تولّى كبرها شيخنا أبو الحسن بن الجيّاب، مرتكبا منها وصمة محت على غرر فضله إلى كثير من خدّامه ومماليكه، وبعثوا بها إلى ملك المغرب، فاقتطعت جانب التمهيل والتأخير واللبث عن الحكم، والتعليل عن السّماع، وبروز الأغراض، واتّباع السيئة أمثالها. وقد كان، رحمه الله، من الجهاد وإقامة رسم الدين، بحيث تزلّ عن هذه الهنات صفاته، وتنكر هذه المذمّات صفاته، وكان بمكان من العزّ، وإرسال السّجية، ربما عذله الشيخ في بعض الأمر، فيسجم إضجارا وتمليحا بإخراجه؛ ولم يمرّ إلّا الزمان اليسير؛ وأوقع الله بالعصبة المتمالئة عليه من أولاد عبد الله، فسفتهم رياح النّكبات، واستأصلت نعمهم أيدي النّقمات، ولم تقم لهم من بعد ذلك قائمة، والله غالب على أمره] «1» . وتبعت هذا السلطان نفوس أهل «2» الحرية، ممّن له طبع رقيق، وحسّ لطيف؛ ووفاء كريم، ممّن كان بينه وبين سطوته دفاع؛ وفي جوّ اعتقاده له صفاء؛ فصدرت «3» مراث مؤثرة، وأقاويل للشجون مهيجة، نثبت منها يسيرا على العادة. فمن ذلك ما نظمه الشيخ الكاتب «4» القاضي أبو بكر بن شبرين؛ وكان على «5» فصاحة ظرفه، وجمال روايته، غراب قربه، ونائحة مأتمه، يرثيه ويعرّض ببعض من حمل عليه من «6» ناسه وخدّامه: [مجزوء الرمل] استقلّا ودعاني ... طائفا بين المغاني وانعما بالصبر إني ... لا أرى ما تريان ومن قوله «7» : [الخفيف] عين بكي لميّت غادروه ... في ثراه ملقى وقد غدروه دفنوه ولم يصلّ عليه ... أحد منهم ولا غسّلوه إنما مات يوم «8» مات شهيدا ... فأقاموا رسما ولم يقصدوه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 315 محمد بن محمد بن محمد بن يوسف بن محمد بن أحمد ابن محمد بن نصر بن قيس الخزرجي «1» ثالث الملوك من بني نصر، يكنى أبا عبد الله. أوّليّته: معروفة. حاله: كان من أعاظم أهل بيته، صيتا وهمّة، أصيل المجد، مليح الصورة، عريق الإمارة، ميمون النّقيبة، سعيد النّصبة، عظيم الإدراك؛ تهنّأ العيش مدة أبيه، وتملّى «2» السياسة في حياته، وباشر الأمور بين يديه، فجاء نسيج وحده إدراكا، ونبلا، وفخارا، وشأوا «3» . ثم تولّى الأمر بعد أبيه فأجراه على ديدنه؛ وتقيّل «4» سيرته، ونسج على منواله. وقد كان الدهر ضايقه في حصّته، ونغّصه ملاذّ الملك بزمانة «5» سدكت «6» بعينيه لمداخلة «7» السّهر، ومباشرة أنوار ضخام الشمع، إذ كانت تتّخذ له منها جذوع في أجسادها مواقيت تخبر بانقضاء ساعات الليل، ومضيّ الرّبع «8» ، وعلى التزامه لكنّه وغيبوبته في كسر بيته، فقد خدمته السّعود، وأمّلت بابه الفتوح، وسالمته الملوك، وكانت أيامه أعيادا. وكان يقرض الشعر ويصغي إليه ويثيب عليه، فيجيز الشعراء، ويرضخ «9» للندماء، ويعرف مقادير «10» العلماء، ويواكل الأشراف والرؤساء، ضاربا في كل إصلاح «11» بسهم، مالئا «12» من كل تجربة وحنكة، حارّ النّادرة، حسن التوقيع، مليح الخطّ، تغلب «13» عليه الفظاظة والقسوة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 316 شعره: كان «1» له شعر مستظرف من مثله، لا بل يفضل به الكثير ممّن ينتحل الشعر من الملوك. ووقعت «2» على مجموع له، ألّفه بعض خدّامه، فنقلت «3» من مطوّلاته: [السريع] واعدني وعدا وقد أخلفا ... أقلّ شيء في المليح «4» الوفا وحال عن عهدي ولم يرعه ... ما ضرّه لو أنّه «5» أنصفا ما بالها لم تتعطّف على ... صبّ «6» لها ما زال مستعطفا يستطلع الأنباء من نحوها ... ويرقب البرق إذا ما هفا خفيت سقما عن عيون الورى ... وبان حبّي بعد ما قد خفا لله كم من ليلة بتّها ... أدير من ذاك اللّمى قرقفا «7» متّعتني بالوصل منها وما ... أخلفت وعدا «8» خلت أن يخلفا ومنها: ملّكتك القلب وإني امرؤ ... عليّ ملك الأرض قد وقّفا أوامري في الناس مسموعة ... وليس منّي في الورى أشرفا يرهف سيفي في الوغى مصلتا «9» ... ويتّقى عزمي إذا ما أرهفا وترتجى يمناي يوم النّدى ... تخالها السّحب غدت وكفا نحن ملوك الأرض من مثلنا ... حزنا تليد الفخر والمطرفا نخاف إقداما ونرجى ندى ... لله ما أرجى وما أخوفا لي راية في الحرب كم غادرت ... ربع العدا قاعا بها صفصفا يا ليت شعري والمنى جمّة ... والدّهر يوما هل يرى منصفا هل يرتجي العبد «10» تدانيكم ... أو يصبح الدهر له مسعفا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 317 مناقبه: وأعظم مناقبه المسجد «1» الجامع بالحمراء، على ما هو عليه، من الظرف والتنجيد، والتّرقيش، وفخامة العمد، وإحكام أتوار «2» الفضة، وإبداع ثراها «3» ، ووقف عليه الحمّام بإزائه، وأنفق فيه مال الجزية «4» ، وأغرمها لمن يليه من الكفّار، فدوا به «5» زرعا، نهد «6» إليه صائفته لانتسافه، وقد أهمّتهم فتنة، فظهر بها منقبة يتيمة، ومعلوّة فذّة، فاق بها من تقدّمه، ومن تأخّره من قومه. جهاده: أغزى الجيش لأول أمره مدينة المنظر، فاستولى عليها عنوة، وملك «7» من احتوت عليه المدينة، ومن جملتهم الزّعيمة «8» صاحبة المدينة، من أفراد عقائل الروم، فقدمت الحضرة في جملة السّبي «9» ، نبيهة المركب، ظاهرة الملبس، رائقة «10» الجمال، خصّ بها ملك المغرب، فاتّخذها لنفسه، وكان هذا الفتح عظيما، والصّيت «11» بمزايه عظيما بعيدا. أنشدني. ما نقل عنه من الفظاظة والقسوة «12» : هجم لأول أمره على طائفة من مماليك أبيه، وكان سيّىء الرأي فيهم، فسجنهم في مطبق الأريّ من حمرائه، وأمسك مفتاح قفله عنده، وتوعّد من يرمقهم بقوت بالقتل، فمكثوا أياما، وصارت أصواتهم تعلو بشكوى الجوع، حتى خفتت ضعفا بعد أن اقتات آخرهم موتا من لحم من سبقه؛ وحملت الشفقة حارسا كان برأس المطبق، على أن طرح لهم خبزا يسيرا، تنقص أكله، مع مباشرة بلواهم، ونمي إليه ذلك، فأمر بذبحه على حافة الجبّ، فسالت عليهم دماؤه؛ وقانا الله مصارع السّوء، وما زالت المقالة عنها شنيعة، والله أعلم بجريرتهم لديه. وزراؤه: بقي «13» على خطة الوزارة وزير أبيه أبو «14» سلطان عزيز بن علي بن عبد المنعم الداني، الجاري ذكره بحول الله في محلّه، متبرّما، بحياته [إلى أن توفي، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 318 فأنشد عند موته: [السريع] مات أبو زيد فواحسرتا ... إن لم يكن قد «1» مات من جمعه مصيبة لا غفر الله لي ... أن كنت أجريت لها دمعه] «2» وتمادى «3» بها أمره، [يقوم بها حاشيته، وقد ارتاح إليها متولّيها بعده، المترفّع بدولته، القائد الشهير، البهمة أبو بكر بن المول. حدّث قارىء العشر من القرآن بين يدي السلطان، ويعرف بابن بكرون، وكان شيخا متصاونا ظريفا، قال: عزم السلطان على تقديم هذا الرجل وزيرا، وكان السلطان يؤثر الفأل، وله في هذا المعنى وساوس ملازمة، فوجّه إليّ الفقيه الكاتب صاحب القلم الأعلى يومئذ، أبو عبد الله بن الحكيم المستأثر بها دونه، والمتلقّف لكرتها قبله، وخرج لي عن الأمر، وطلب مني أن أقرأ آيا يخرج فألها عن الغرض؛ قال: فلمّا غدوت لشأني تلوت بعد التعوّذ قوله، عزّ وجلّ: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا بِطانَةً مِنْ دُونِكُمْ لا يَأْلُونَكُمْ خَبالًا وَدُّوا ما عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضاءُ مِنْ أَفْواهِهِمْ إلى قوله: بَيَّنَّا «4» ، فلما فرغت الآية، سمعته حاد عن رأيه الذي كان أزمعه] «5» ، وقدّم «6» للوزارة كاتبه أبا عبد الله بن الحكيم في ذي قعدة من عام ثلاثة وسبعمائة، وصرف إليه تدبير «7» ملكه، فلم يلبث أن تغلّب على أمره، وتقلّد جميع «8» شؤونه، حسبما يأتي في موضعه إن شاء الله. كتّابه: استقلّ برئاسته «9» وزيره المذكور، وكان ببابه من كتّابه جملة تباهى بهم دسوت «10» الملوك، أدبا وتفنّنا وفضلا وظرفا، كشيخنا تلوه وولي «11» الرّتبة الكتابية من «12» بعده، وفاصل الخطبة على أثره، وغيره ممّن يشار إليه في تضاعيف الأسماء، كالشيخ الفقيه القاضي أبي بكر بن شبرين، والوزير الكاتب أبي عبد الله بن عاصم، والفقيه الأديب أبي إسحاق بن جابر، والوزير الشاعر المفلق أبي عبد الله اللّوشي «13» ، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 319 من كبار القادمين عليه، والفقيه الرئيس أبي محمد الحضرمي، والقاضي الكاتب «1» أبي الحجاج الطرطوشي، والشاعر المكثر أبي العباس القرّاق «2» وغيرهم. قضاته: استمرّت ولاية قاضي أبيه الشيخ الفقيه أبي عبد الله محمد «3» بن هشام الألشي «4» ، قاضي العدل، وخاتمة أولي «5» الفضل، إلى أن توفي عام أربعة «6» وسبعمائة. وتولّى له القضاء القاضي أبو جعفر أحمد بن محمد بن أحمد بن محمد بن أحمد القرشي المنبوز «7» بابن فركون، وتقدّم التعريف به، والتنبيه على فضله، إلى آخر أيامه. من كان على عهده من الملوك بالأقطار «8» : وأول ذلك بفاس؛ كان على «9» عهده بها السلطان الرفيع القدر، السامي الخطر، المرهوب الشّبا، المستولي في العزّ وبعد الصّيت على المدى، أبو يعقوب يوسف بن يعقوب المنصور بن عبد الحق، وهو الذي وطّد الدولة المرينيّة «10» ، وجبا الأموال العريقة «11» ، واستأصل من تتّقى «12» شوكته من القرابة وغيرهم. وجاز إلى الأندلس في أيام أبيه وبعده، غازيا، ثم حاصر تلمسان، وهلك عليها في أوائل ذي قعدة عام ستة وسبعمائة، [فكانت دولته إحدى وعشرين سنة وأشهرا] «13» . ثم صار الأمر إلى حافده أبي ثابت عامر بن الأمير أبي عامر عبد الله بن يوسف بن يعقوب بعد اختلاف وقع ونزاع انجلى «14» عن قتل جماعة من كبارهم «15» ؛ منهم الأمير أبو يحيى بن السلطان أبي يوسف، والأمير أبو سالم بن السلطان أبي يعقوب. واستمرّ الأمر للسلطان «16» أبي ثابت إلى صفر «17» من عام ثمانية وسبعمائة. وصار الأمر «18» إلى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 320 أخيه أبي الربيع سليمان تمام مدّة «1» ملكه وصدرا من دولة أخيه نصر «2» ، حسبما يذكر في موضعه إن شاء الله. وبتلمسان الأمير أبو سعيد عثمان بن يغمراسن، ثم أخوه أبو عمران «3» موسى، ثم ولده أبو تاشفين عبد الرحمن إلى آخر مدة أخيه «4» . وبتونس «5» السلطان الفاضل، الميمون النّقيبة، المشهور الفضيلة، أبو عبد الله محمد بن الواثق يحيى بن المستنصر أبي عبد الله بن الأمير أبي زكريا بن أبي حفص، من أولي «6» العفّة، والنزاهة «7» ، والتؤدة، والحشمة، والعقل، عني بالصالحين «8» ، واختصّ بأبي محمد المرجاني، [فأشار بتقويمه] «9» ، وظهرت «10» عليه بركته، [وكان يرتبط إليه، ويقف في الأمور عنده، فلم تعدم الرعيّة بركة ولا صلاحا في أيامه] «11» ، إلى أن هلك في ربيع الآخر عام تسعة وسبعمائة، ووقعت بينه وبين هذا الأمير المترجم به «12» المراسلة والمهاداة. وبقشتالة «13» هراندة بن شانجه بن أدفونش «14» بن هراندة، [المستولي على إشبيليّة وقرطبة، ومرسية، وجيّان، ولا حول ولا قوة إلّا بالله] «15» . هلك أبوه وتركه صغيرا، مكفولا على عادتهم، فتنفّس المخنّق وانعقدت السلم، واتصل الأمان مدة أيامه، وهلك في دولة أخيه. وبرغون؛ جايمش «16» بن ألفنش بن بطره. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 321 الأحداث «1» : في عام ثلاثة وسبعمائة، نقم «2» على قريبه الرئيس أبي الحجاج بن نصر الوالي «3» بمدينة وادي آش، [أمرا أوجب عزله عنها، وكان مقيما بحضرته فاتخذ الليل جملا، وكان أملك بأمرها؛ وذاع الخبر، فاستركب الجيش، وقد حدّ ما ينزل في استصلابه، وجدّد الصكوك بولايته خوفا من اشتعال الفتنة، وقد أخذ على يديه، وأغرى أهل المدينة بحربه، فتداعوا لحين شعورهم باستعداده وأحاطوا به، فدهموه وعاجلوه، فتغلبوا عليه، وقيد إلى بابه أسيرا مصفّدا، فأمر أحد أبناء عمّه فقتله صبرا، وتملّا فتحا كبيرا، وأمن فتنة عظيمة] «4» . وفي شهر «5» شوّال من عام خمسة وسبعمائة قرع الأسماع النبأ العظم «6» ، الغريب، من تملّك «7» سبتة وحصولها في قبضته «8» ، وانتزاعها من يد «9» رئيسها أبي طالب عبد الله بن أبي القاسم، الرئيس الفقيه، ابن الإمام المحدّث أبي العباس العزفي حسبما يتقرّر في اسم الرئيس الفقيه أبي طالب إن بلّغنا الله ذلك؛ واستأصل ما كان لأهلها «10» من الذخائر والأموال، ونقل رؤساءها، وهم عدّة، إلى حضرته غرناطة في غرّة المحرم من العام، فدخلوا عليه، وقد احتفل بالملك، واستركب في الأبّهة الجند، فلثموا أطرافه، واستعطفه «11» شعراؤهم بالمنظوم من القول، وخطباؤهم بالمنثور منه، فطمأن روعهم وسكّن جأشهم، وأسكنهم في جواره، وأجرى عليهم الأرزاق الهلالية، وتفقّدهم في الفصول إلى أن كان من أمرهم ما هو معلوم. اختلاعه: في يوم عيد الفطر من عام ثمانية وسبعمائة أحيط بهذا السلطان، وأتت «12» الحيلة عليه، وهو مصاب بعينيه، مقعد في كنّه، فداخلت طائفة من وجوه «13» الدولة أخاه، وفتكت بوزيره الفقيه أبي عبد الله بن الحكيم، ونصبت للناس الأمير أبا الجيوش نصرا أخاه، وكبست «14» منزل السلطان، فأحيط به، وجعل الحرس عليه «15» ، وتسومع بالكائنة فكان «16» البهت، وسال من الغوغاء البحر، فتعلّقوا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 322 بالحمراء، يسألون عن الحادثة، فشغلوا بانتهاب «1» دار الوزير، وبها من مال الله ما يفوت الوصف، وكان الفجع في إضاعته على المسلمين، وإطلاق الأيدي الخبيثة عليه عظيما. وفي آخر اليوم عند الفراغ من الأمر، دخل «2» على السلطان المخلوع، الشهداء عليه بخلعه، بعد نقله من دار ملكه إلى دار أخرى، فأملى، رحمه الله، زعموا، وثيقة خلعه، مع شغب الفكر، وعظم الداهية، وانتقل، رحمه الله، بعد، إلى القصر المنسوب إلى السيد بخارج الحضرة؛ أقام به يسيرا، ثم نقل إلى مدينة المنكّب. وكان من أمره ما يذكر إن شاء الله. [ومما يؤثر من ظرفه؛ حدّث من كان منوطا به من خاصّته، مدة أيام إقامته بقصر نجد، قبل خلعه، قال: أرسل الله الأغربة على سقف القصر، وكان شديد التطيّر والقلق لذلك حسبما تقدّم من الإشارة إلى ذلك بحديث العشر؛ وكان من جملتها غراب، شديد الإلحاح، حادّ النّعيب والصياح، فأغرى به الرّماة من مماليكه بأنواع القسيّ؛ فأبادوا من الغربان أمّة؛ وتخطّأ الحتف ذلك الغراب الخبيث العبقان؛ فلمّا انتقل إلى سكنى الحمراء ظهر ذلك الغراب على سقفه؛ ثم لما أهبط مخلوعا إلى قصر شنيل تبعه، وقام في بعض السّقف أمامه، فقال يخاطبه رحمه الله: يا مشؤوم، يا محروم بين الغربان، قد خلّصت أمرنا، ولم يبق لك علينا طلب، ولا بيننا وبينك كلام؛ ارجع إلى هؤلاء المحارم فاشتغل بهم؛ قال: فأضحكنا على حال الكآبة بعذوبة منطقه، وخفّة روحه] «3» . وفاته: قد تقدّم ذكر استقراره بالمنكّب. وفي أخريات شهر جمادى الآخرة عام «4» عشرة وسبعمائة، أصابت السلطان نصرا «5» سكتة، توقّع منها موته، بل شكّ في حياته؛ فوقع التفاوض الذي تمخّض إلى «6» التوجيه عن السلطان المخلوع الذي بالمنكّب ليعود إلى «7» الأمر، فكان ذلك، وأسرع إلى إيصاله «8» إلى غرناطة في محفّة، فكان حلوله بها في رجب «9» من العام المذكور. وكان من قدر الله، أن أفاق الجزء: 1 ¦ الصفحة: 323 أخوه من مرضه، ولم يتمّ للمخلوع الأمر، فنقل من الدار التي كان بها إلى دار أخيه الكبرى، فكان آخر العهد به. ثم شاعت وفاته أوائل شوّال من العام المذكور، فذكر أنه اغتيل غريقا في البركة في الدار المذكورة لما توقع من عادية جواره؛ ودفن بمقبرة السّبيكة، مدفن قومه، بجوار «1» الغالب بالله جدّه، ونوّه بجدثه، وعليه مكتوب ما نصّه «2» : «هذا قبر السلطان الفاضل، الإمام العادل، علم الأتقياء، أحد الملوك الصلحاء، المخبت «3» الأوّاه، المجاهد في سبيل الله، الرّضيّ الأورع، الأخشى لله الأخشع، المراقب «4» في السرّ والإعلان، المعمور الجنان بذكره واللسان، السالك في سياسة الخلق وإقامة الحقّ، منهاج «5» التقوى والرّضوان، كافل الأمّة بالرأفة «6» والحنان، الفاتح لها بفضل سيرته، وصدق سريرته، ونور بصيرته، أبواب اليمن والأمان، المنيب الأوّاب، العامل بكلّ «7» ما يجده نورا مبينا يوم الحساب، ذي الآثار السّنيّة، والأعمال الطاهرة العليّة «8» ، القائم في جهاد الكفّار بماضي العزم وخالص النيّة، المقيم «9» قسطاس العدل، المنير «10» منهاج الحلم والفضل، حامي الذّمار، وناصر دين المصطفى المختار، المقتدي بأجداده الأنصار، المتوسّل بفضل «11» ما أسلفوه من أعمال البرّ والجهاد، ورعاية العباد والبلاد، إلى الملك القهّار، أمير المسلمين، وقامع المعتدين، المنصور بفضل الله، أبي عبد الله ابن أمير المسلمين الغالب بالله؛ السلطان الأعلى، إمام الهدى، وغمام «12» النّدى، محيي السّنّة، حسن الأمّة «13» ، المجاهد في سبيل الله، الناصر لدين الله، أبي عبد الله ابن أمير المسلمين الغالب بالله أبي عبد الله بن يوسف بن نصر، كرّم الله وجهه ومثواه، ونعّمه برضاه. ولد رضي الله عنه يوم «14» الأربعاء الثالث لشعبان المكرم من عام خمسة وخمسين وستمائة. وتوفي، قدّس الله روحه، وبرّد ضريحه، ضحوة يوم الاثنين الثالث لشوّال عام ثلاثة عشر وسبعمائة، رفعه الله إلى منازل أوليائه الأبرار، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 324 وألحقه بأئمّة الدين «1» ، لهم عقبى الدّار، وصلّى الله على سيّدنا «2» محمد المختار، وعلى آله، وسلّم تسليما» . ومن الجانب الآخر: [الطويل] رضى الملك الأعلى يروح ويغتدي ... على قبر مولانا الإمام المؤيّد مقرّ العلى والملك والبأس والنّدى ... فقدّس من مغنى كريم ومشهد ومثوى الهدى والفضل والعدل والتّقى ... فبورك من مثوى زكي وملحد فيا عجبا طود الوقار جلالة ... ثوى تحت أطباق الصفيح المنضّد وواسطة العقد الكريم الذي له ... مآثر فخر «3» بين مثنى وموحد محمد الرّضيّ سليل محمد ... إمام النّدى «4» نجل الإمام محمد فيا نخبة الأملاك غير منازع ... ويا علم الأعلام غير مفنّد بكتك بلاد كنت تحمي ذمارها «5» ... بعزم أصيل أو برأي مسدّد وكم معلم للدين أوضحت رسمه ... بنى لك في الفردوس أرفع مصعد كأنّك ما سست البلاد وأهلها ... بسيرة ميمون النّقيبة مهتد كأنك ما قدت الجيوش إلى العدا ... فصيّرتهم نهب القنا المتقصّد وفتحت من أقطارهم كلّ مبهم ... فتحت به باب النّعيم المخلّد كأنك ما أنفقت عمرك في الرّضى ... بتجديد غزوات «6» وتشييد مسجد وإنصاف مظلوم وتأمين خائف ... وإصراخ مذعور وإسعاف مجتد كأنّك ما أحييت للخلق «7» سنّة ... تجادل عنها باللسان «8» وباليد كأنّك ما أمضيت في الله عزمة ... تدافع فيها بالحسام المهنّد فإن تجهل الدنيا عليك وأهلها ... بذاك «9» ثواب «10» الله يلقاك في غد تعوّضت ذخرا من مقام خلافة ... مقيم «11» منيب خاشع متعبّد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 325 وكلّ الورى من كان أو هو كائن ... صريع الرّدى إن لم «1» يكن «2» فكأن قد فلا زال جارا للرسول محمد ... بدار نعيم في رضى الله سرمد وهذي القوافي قد وفيت بنظمها ... فيا ليت شعري هل يصيخ «3» لمنشد محمد بن محمد بن يوسف بن محمد بن أحمد بن محمد ابن خميس بن نصر الأنصاري الخزرجي «4» ثاني الملوك الغالبين «5» من بني نصر، وأساس «6» أمرهم، وفحل جماعتهم. أوّليّته: تقرّر بحول الله في اسم أبيه الآتي بعد حسب الترتيب المشترط. حاله: من كتاب «طرفة العصر» من تأليفنا؛ كان هذا السلطان أوحد الملوك جلالة، وصرامة، وحزما. مهّد «7» الدولة، ووضع ألقاب خدمتها، وقرّر «8» مراتبها، واستجاد أبطالها. وأقام رسوم الملك فيها، واستدرّ جباياتها، مستظهرا على ذلك بسعة الذّرع، وأصالة السياسة، ورصانة العقل، وشدّة الأسر، ووفور الدّهاء، وطول الحنكة، وتملأ التجربة، مليح الصورة، تامّ الخلق، بعيد الهمّة، كريم الخلق، كثير الأناة. قام بالأمر بعد أبيه، وباشره مباشرة الوزير أيام حياته، فجرى على سنن أبيه، من اصطناع أجناسه، ومداراة عدوّه، وأجرى «9» صدقاته، وأربى عليه بخلال، منها براعة الخطّ، وحسن التوقيع، وإيثار العلماء، والأطباء «10» ، والعدلين، والحكماء، والكتّاب، والشعراء، وقرض الأبيات الحسنة «11» ، وكثرة الملح، وحرارة النّادرة. وطما بحر من الفتنة لأول استقرار «12» أمره، وكثر «13» عليه المنتزون والثّوّار، وارتجّت الأندلس، وسط أكلب الكفّار، فصبر «14» لزلزالها رابط الجأش ثابت المركز، وبذل من الاحتيال والدّهاء المكنوفين بجميل الصبر، ما أظفره بخلوّ الجوّ «15» . وطال الجزء: 1 ¦ الصفحة: 326 عمره، وجدّ «1» صيته، واشتهر في البلاد «2» ذكره، وعظمت غزواته، وسيمرّ «3» من ذكره ما يدلّ على أجلّ من ذلك إن شاء الله. شعره وتوقيعه: وقفت على كثير من شعره، وهو نمط منحطّ بالنسبة إلى أعلام الشعراء، ومستظرف «4» من الملوك والأمراء. من «5» ذلك، يخاطب وزيره «6» : [المتقارب] تذكّر عزيز ليال مضت ... وإعطاءنا المال بالرّاحتين وقد قصدتنا ملوك الجهات ... ومالوا إلينا من العدوتين وإذ «7» سأل السّلم منّا اللّعين ... فلم يحظ إلّا بخفّي حنين وتوقيعه يشذّ عن الإحصاء «8» ، وبأيدي الناس إلى هذا العهد كثير من ذلك؛ فمما كتب به على رقعة كان رافعها يسأل التصرّف في بعض الشهادات ويلحّ عليها: [الوافر] يموت على الشّهادة وهو حيّ ... إلهي لا تمته على الشهاده وأطال الخطّ عند إلهي إشعارا بالضّراعة عند الدعاء والجدّ. ويذكر أنه وقع بظهر رقعة لآخر اشتكى ضرر أحد الجند المنزلين في الدّور، ونبزه بالتّعرّض لزوجه: «يخرج هذا النّازل «9» ، ولا يعوّض بشيء من المنازل» . بنوه: ثلاثة؛ وليّ عهده أبو عبد الله المتقدّم الذّكر، وفرج المغتال أيام أخيه، ونصر الأمير بعد أخيه «10» . بناته: أربع، عقد لهنّ، جمع أبرزهنّ إلى أزواجهنّ، من قرابتهنّ، تحت أحوال ملوكية، ودنيا عريضة، وهنّ: فاطمة، ومؤمنة، وشمس، وعائشة، منهنّ أمّ حفيدة إسماعيل الذي ابتزّ ملك بنيه عام ثلاثة عشر وسبعمائة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 327 وزيره «1» : كان وزيره، الوزير الجليل الفاضل، أبو سلطان «2» ، لتقارب الشّبه، زعموا في السّن والصورة، وفضل الذّات، ومتانة «3» الدين، وصحّة الطبع، وجمال الرّواء، أغنى وحسنت واسطته، ورفعت إليه الوسائل «4» ، وطرّزت باسمه الأوضاع، واتصلت «5» إلى أيامه أيام مستوزره، ثم صدرا من أيام وليّ عهده. كتّابه: ولّي «6» له خطّة الكتابة والرياسة العليا في الإنشاء «7» جملة، منهم كاتب أبيه أبو بكر «8» بن أبي عمرو اللّوشي، ثم الأخوان أبوا «9» علي الحسن والحسين، ابنا محمد بن يوسف بن سعيد اللّوشي؛ سبق الحسن وتلاه الحسين، وكانا توأمين؛ ووفاتهما متقاربة. ثم كتب له الفقيه «10» أبو القاسم محمد بن محمد بن العابد الأنصاري، آخر الشيوخ، وبقية الصّدور والأدباء «11» ، أقام كاتبا مدة «12» إلى أن أبرمه انحطاطه في هوى نفسه، وإيثاره المعاقرة، حتى زعموا «13» أنه قاء ذات يوم بين يديه. فأخّره عن الرّتبة «14» ، وأقامه في عداد كتّابه «15» إلى أن توفي تحت رفده «16» . وتولّى الكتابة الوزير أبو عبد الله بن الحكيم «17» ، فاضطلع بها إلى آخر دولته. قضاته: تولّى له خطّة القضاء قاضي أبيه الفقيه العدل «18» أبو بكر «19» بن محمد بن فتح الإشبيلي الملقّب بالأشبرون. تولّى قبل ذلك خطة السّوق، فلقي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 328 سكران «1» أفرط في قحته، واشتدّ في عربدته «2» ، وحمل على الناس، فأفرجوا عنه؛ فاعترضه واشتدّ عليه حتى تمكّن منه بنفسه، واستنصر «3» في حدّه، وبالغ في نكاله؛ واشتهر ذلك عنه، فجمع له أمر الشرطة وخطّة السوق، ثم ولّي القضاء، فذهب أقصى مذاهب الصّرامة، إلى أن هلك؛ فولي «4» خطّة القضاء بعده الفقيه العدل أبو عبد الله محمد «5» بن هشام من أهل ألش، لحكاية «6» غبطت السلطان بدينه «7» ، ودلّته على محلّه من العدل والفضل، فاتّصلت أيام قضائه إلى أيام «8» مستقضيه، رحمه الله. جهاده: وباشر «9» هذا السلطان الوقائع، فانجلت ظلماتها عن صبح نصره، وطرّزت مواقعها «10» بطراز جلادته وصبره؛ فمنها وقيعة المطران وغيرها، مما يضيق التأليف عن استقصائه. وفي «11» شهر المحرّم من عام خمسة وتسعين وستمائة، على تفئة «12» هلاك طاغية الروم، شانجه بن أذفونش، عاجل الكفّار «13» لحين دهشهم، فحشد أهل الأندلس، واستنفر المسلمين، فاغتنم الداعية، وتحرّك في جيش يجرّ الشّوك والشجر «14» ، ونازل مدينة قيجاطة وأخذ بكظمها، ففتحها الله على يديه، وتملّك بسببها جملة من الحصون التي «15» ترجع إليها؛ وكان الفتح في ذلك «16» عظيما، وأسكنها جيشا من المسلمين، وطائفة من الحامية، فأشرقت العدوّ بريقه. وفي صائفة عام تسعة وتسعين وستمائة، نازل مدينة القبذاق «17» فدخل جفنها، واعتصم من تأخّر أجله بقصبتها، ذات القاهرة العظيمة الشأن، الشهيرة في البلدان، فأحيط بهم، فخذلوا وزلزل الله أقدامهم؛ فألقوا باليد، وكانوا أمنع من عقاب الجو؛ وتملّكها على حكمه، وهي من جلالة الوضع، وشهرة المنعة، وخصب السّاحة، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 329 وطيب الماء، والوصول إلى أفلاذ «1» الكفر، والاطّلاع على عوراته، بحيث شهر. فكان تيسّر «2» فتحها من غرائب الوجود، وشواهد اللّطف، وذلك في صلاة الظهر من يوم الأحد الثامن لشهر شوّال عام تسعة وتسعين وستمائة؛ وأسكن بها رابطة المسلمين «3» ، وباشر العمل في خندقها بيده، رحمه الله، [فتساقط الناس، من ظهور دوابّهم إلى العمل، فتمّ ما أريد منه سريعا. وأنشدني شيخنا أبو الحسن الجيّاب يهنّئه بهذا الفتح: [الطويل] عدوّك مقهور وحزبك غالب ... وأمرك منصور وسهمك صائب وشخصك مهما لاح للخلق أذعنت ... لهيبته عجم الورى والأعارب وهي طويلة] «4» . من كان على عهده من الملوك: كان على عهده بالمغرب، السلطان الجليل، أبو يوسف يعقوب بن عبد الحق، الملقّب بالمنصور؛ وكان ملكا صالحا، ظاهر السذاجة، سليم الصدر، مخفوض الجناح، شارعا أبواب الدّالّة عليه منهم؛ أشبه بالشيوخ منه بالملوك، في إخمال «5» اللّفظ، والإغضاء عن الجفوة، والنداء بالكنية. وهو الذي استولى على ملك الموحّدين، واجتثّ شجرتهم من فوق الأرض، وورث سلطانهم، واجتاز إلى الأندلس، كما تقدّم مرّات ثلاثا «6» أو أزيد منها، وغزا العدوّ، وجرت بينه وبين السلطان المترجم به أمور، من سلم ومناقضة «7» ، وإعتاب، وعتب، [حسبما تدلّ على ذلك القصائد الشّهيرة المتداولة؛ وأولها ما كتب به على عهده، الفقيه الكاتب الصّدر، أبو عمرو بن المرابط، في غرض استنفاد للجهاد: [السريع] هل من معيني في الهوى أو منجدي ... من متهم في الأرض أو منجد؟ ] «8» وتوفي السلطان المذكور بالجزيرة الخضراء في عنفوان وحشة بينه وبين هذا السلطان في محرم «9» خمسة وثمانين وستمائة؛ وولي بعده الجزء: 1 ¦ الصفحة: 330 ولده «1» ، العظيم الهمّة، القوي العزيمة «2» ، أبو يعقوب يوسف، وجاز إلى الأندلس على عهده، واجتمع به بظاهر مربلّة «3» ، وتجدّد العهد، وتأكّد الودّ؛ ثم عادت الوحشة المفضية إلى تغلب العدوّ على مدينة «4» طريف، فرضة المجاز الأدنى، واستمرّت أيام السلطان أبي يعقوب إلى آخر مدة السلطان المترجم «5» به، ومدة ولده بعده. وبوطن تلمسان، أبو يحيى يغمور «6» ، وهو يغمراسن بن زيّان بن ثابت بن محمد بن بندوس بن طاع الله بن علي بن يمل، وهو أوحد أهل «7» زمانه جرأة وشهامة، ودهاء، وجزالة، وحزما. مواقفه في الحروب «8» شهيرة، وكانت بينه وبين بني مرين وقائع، كان عليه فيها الظهور، وربما ندرت الممانعة؛ وعلى ذلك فقويّ الشكيمة، ظاهر المنعة. ثم ولّي بعده ولده عثمان إلى تمام مدة السلطان المترجم به، وبعضا من دولة ولده. وبوطن إفريقية، الأمير الخليفة، أبو عبد الله بن أبي زكريا بن أبي حفص، الملقّب بالمستنصر، المثل المضروب، في البأس «9» والأنفة، وعظم الجبروت «10» ، وبعد الصّيت، إلى أن هلك سنة أربع «11» وسبعين وستمائة؛ ثم ولده الواثق بعده، ثم الأمير أبو إسحاق وقد تقدّم ذكره. ثم كانت دولة الدّعيّ «12» ابن أبي عمارة المتوثّب على ملكهم؛ ثم دولة أبي حفص مستنقذها من يده، وهو عمر بن أبي زكريا بن «13» عبد الواحد، ثم السلطان الخليفة الفاضل، الميمون النّقيبة، أبو عبد الله محمد بن الواثق يحيى بن المستنصر «14» أبي عبد الله بن الأمير زكريا «15» . وبوطن النّصارى، بقشتالة، ألفنش «16» بن هراندة، إلى أن ثار عليه ولده شانجه، واقتضت الحال إجازة سلطان المغرب، واستجار به؛ وكان من لقائه بأحواز الصّخرة من كورة تاكرنّا ما هو معلوم. ثم ملك «17» بعده ولده شانجه، واتّصلت الجزء: 1 ¦ الصفحة: 331 ولايته مدة أيام السلطان، وجرت بينهما خطوب إلى أن هلك عام أربعة «1» وسبعين «2» وستمائة. وولّي بعده ولده هراندة سبعة عشر «3» عاما، وصار الملك إليه، وهو صبيّ صغير، فتنفّس مخنّق أهل الأندلس، وغزا سلطانهم «4» وظهر إلى آخر مدته. وبرغون، ألفنش بن جايمش بن بطره بن جايمش، المستولي على بلنسية. ثم هلك وولّي بعده جايمش «5» ولده، وهو الذي نازل مدينة ألمرية على عهد نصر ولده، واستمرّت أيام حياته إلى آخر مدته. وكان لا نظير له في الدّهاء «6» والحزم والقوة. ومن الأحداث في أيامه: على عهده تفاقم الشّر «7» ، وأعيا داء الفتنة، ولقحت حرب الرؤساء الأصهار من بني إشقيلولة، فمن دونهم، وطنب سرادق الخلاف، وأصاب الأسر وفحول الثروة الرؤساء، فكان بوادي آش الرئيسان أبو محمد وأبو الحسن «8» ، وبمالقة وقمارش الرئيس أبو محمد عبد الله، وبقمارش رئيس آخر هو الرئيس أبو إسحاق. فأما الرئيس أبو محمد فهلك، وقام بأمره بمالقة، ولده، وابن أخت السلطان المترجم به. ثم خرج عنها في سبيل الانحراف والمنابذة إلى ملك «9» المغرب، ثم تصيّر أمرها إلى السلطان، على يد واليها من بني علي «10» . وأما الرئيسان، فصابرا المضايقة، وعزما «11» على النطاق والمقاطعة بوادي آش زمانا طويلا؛ وكان آخر أمرهما الخروج عن وادي آش إلى ملك المغرب؛ معوّضين بقصر كتامة؛ حسبما يذكر في أسمائهم؛ إن بلّغنا الله إليه. وفي أيامه كان «12» جواز السلطان المجاهد أبي يوسف يعقوب بن عبد الحق؛ إلى الأندلس؛ مغازيا «13» ومجاهدا في سبيل الله؛ في أوائل عام اثنين وسبعين وستمائة، وقد فسد ما بين سلطان النصارى وبين ابنه «14» . واغتنم المسلمون الغرّة، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 332 واستدعي سلطان المغرب إلى الجواز؛ ولحق به السلطان المترجم به؛ وجمع مجلسه بين المنتزين عليه وبينه؛ وأجلت الحال عن وحشة. وقضيت الغزاة؛ وآب السلطان إلى مستقرّه. وفي العام بعده، كان «1» إيقاع السلطان ملك المغرب بالزعيم «ذنّونه» ، واستئصال شأفته، وحصد شوكته. ثم عبر البحر ثانية بعد رجوعه إلى العدوة؛ واحتلّ بمدينة طريف في أوائل ربيع الأول عام سبعة وسبعين وستمائة؛ ونازل إشبيلية؛ وكان اجتماع السلطانين بظاهر قرطبة؛ فاتصلت اليد؛ وصلحت الضمائر؛ ثم لم تلبث الحال أن استحالت إلى فساد، فاستولى ملك المغرب على مالقة، بخروج المنتزي بها إليه، يوم «2» الأربعاء التاسع والعشرين لرمضان عام سبعة وسبعين «3» وستمائة. ثم رجعت إلى ملك «4» الأندلس بمداخلة من كانت بيده ولنظره، حسبما يأتي بعد إن شاء الله. وعلى عهده نازل طاغية الروم الجزيرة «5» الخضراء، وأخذ بمخنّقها، وأشرف على افتتاحها، فدافع «6» الله عنها، ونفّس حصارها «7» ، وأجاز الرّوم بحرها على يد الفئة القليلة من المسلمين، فعظم المنح «8» ، وأسفر الليل، وانجلت الشّدة، في وسط ربيع «9» الأول من عام ثمانية وسبعين وستمائة «10» . مولده: بغرناطة عام ثلاثة وثلاثين وستمائة. وأيام دولته ثلاثون سنة وشهر واحد، وستة أيام. وفاته: من كتاب «طرفة العصر» من تأليفنا في التاريخ، قال: واستمرّت الحال إلى أحد وسبعمائة، فكانت في ليلة الأحد الثامن من شهر شعبان في صلاة العصر، وكان السلطان، رحمه الله في مصلّاه، متوجّها إلى القبلة لأداء فريضته، على أتمّ ما يكون عليه المسلم من الخشية والتأهّب، زعموا أن شرقا كان يعتاده لمادة كانت تنزل من دماغه، وقد رجمت الظنون في غير ذلك لتناوله عشيّة يومه كعكا اتخذت له بدار الجزء: 1 ¦ الصفحة: 333 وليّ عهده، والله أعلم بحقيقة ذلك. ودفن منفردا، عن مدفن سلفه، شرقيّ المسجد الأعظم، في الجنان المتّصل بداره «1» . ثم ثني بحافده السلطان أبي الوليد، وعزّز «2» بثالث كريم من سلالته، وهو السلطان أبو الحجاج بن أبي الوليد، تغمّد الله جميعهم برحمته «3» ، وشملهم بواسع مغفرته وفضله. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 334 فهرس المحتويات إهداء 1 مقدمة المحقّق 3 أولا- مؤلّفاته التاريخية 14 ثانيا- مؤلّفاته في الجغرافيا والرحلات 15 ثالثا- مؤلّفاته في التراجم 16 رابعا- المؤلّفات الأدبية (شعرا ونثرا) 17 خامسا- مؤلّفاته في الشريعة والتّصوّف والحثّ على جهاد النفس 20 سادسا- مؤلّفاته في السياسة 22 سابعا- مؤلّفاته في الطّبّ والأغذية 24 ثبت بأسماء مصادر ومراجع الدراسة والتحقيق 27 مقدمة المؤلّف 3 القسم الأوّل في حلى المعاهد والأماكن والمنازل والمساكن فصل في اسم هذه المدينة ووضعها على إجمال واختصار 13 فصل في فتح هذه المدينة ونزول العرب الشاميين من جند دمشق بها وما كانت عليه أحوالهم، وما تعلق بذلك من تاريخ 18 ذكر ما آل إليه حال من ساكن المسلمين بهذه الكورة من النصارى المعاهدين على الإيجاز والاختصار 21 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 335 ذكر ما ينسب إلى هذه الكورة من الأقاليم التي نزلتها العرب بخارج غرناطة، وما يتصل بها من العمالة 25 فصل فيما اشتمل عليه خارج المدينة من القرى والجنّات والجهات 25 فصل 28 فصل 31 فصل 36 فصل فيمن تداول هذه المدينة من لدن أصبحت دار إمارة باختصار واقتصار 40 القسم الثاني في حلى الزّائر والقاطن والمتحرّك والسّاكن أحمد بن خلف بن عبد الملك الغساني القليعي 45 أحمد بن محمد بن أحمد بن يزيد الهمداني اللخمي 47 أحمد بن محمد بن أضحى بن عبد اللطيف بن غريب ابن يزيد بن الشّمر بن عبد شمس بن غريب الهمداني الإلبيري 47 أحمد بن محمد بن أحمد بن هشام القرشي 49 أحمد بن محمد بن أحمد بن محمد بن عبد الله بن يحيى بن عبد الرحمن بن يوسف بن سعيد بن جزيّ الكلبي 52 أحمد بن محمد بن أحمد بن عبد الرحمن بن علي بن محمد بن سعدة بن سعيد بن مسعدة بن ربيعة بن صخر بن شراحيل بن عامر بن الفضل بن بكر بن بكّار بن البدر بن سعيد بن عبد الله العامري 56 أحمد بن محمد بن أحمد بن قعنب الأزدي 58 أحمد بن محمد بن سعيد بن زيد الغافقي 59 أحمد بن أبي سهل بن سعيد بن أبي سهل الخزرجي 59 أحمد بن عمر بن يوسف بن إدريس بن عبد الله بن ورد التميمي 60 أحمد بن محمد بن علي بن أحمد بن علي الأموي 60 أحمد بن عبد الله بن محمد بن الحسن بن عميرة المخزومي 62 أحمد بن عبد الحق بن محمد بن يحيى بن عبد الحق الجدلي 66 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 336 أحمد بن عبد الرحمن بن محمد بن عبد الرحمن بن محمد بن الصقر الأنصاري الخزرجي 68 أحمد بن أبي القاسم بن عبد الرحمن 71 أحمد بن إبراهيم بن الزّبير بن محمد بن إبراهيم بن الحسن بن الحسين بن الزبير بن عاصم بن مسلم بن كعب الثّقفي 72 أحمد بن عبد الولي بن أحمد الرعيني 75 أحمد بن علي بن أحمد بن خلف الأنصاري 76 أحمد بن عبد النور بن أحمد بن راشد رحمه الله 77 أحمد بن محمد بن علي بن محمد بن يحيى بن محمد بن مصادف بن عبد الله 80 أحمد بن حسن بن باصة الأسلمي المؤقّت بالمسجد الأعظم بغرناطة 81 أحمد بن محمد بن يوسف الأنصاري 82 أحمد بن محمد الكرني 83 أحمد بن محمد بن أبي الخليل، مفرّج الأموي 83 أحمد بن عبد الملك بن سعيد بن خلف بن سعيد بن خلف بن سعيد بن محمد بن عبد الله بن سعيد بن الحسن بن عثمان بن محمد بن عبد الله بن سعيد بن عمّار بن ياسر صاحب رسول الله، صلى الله عليه وسلم 88 غريبة في أمره مع حفصة 92 أحمد بن سليمان بن أحمد بن محمد بن أحمد القرشي، المعروف بابن فركون 92 أحمد بن إبراهيم بن أحمد بن صفوان 93 أحمد بن أيوب اللّمائي 101 أحمد بن محمد بن طلحة 104 أحمد بن علي بن محمد بن علي بن محمد بن خاتمة الأنصاري 108 أحمد بن عباس بن أبي زكريا 125 أحمد بن أبي جعفر بن محمد بن عطيّة القضاعي 127 أحمد بن محمد بن شعيب الكرياني 134 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 337 أحمد بن عبد الله بن محمد بن أحمد بن محمد بن أحمد بن محمد بن حسين بن علي بن سليمان بن عرفة اللخمي 138 أحمد بن علي الملياني 143 أحمد بن محمد بن عيسى الأموي 144 أحمد بن الحسن بن علي بن الزيّات الكلاعي 145 إبراهيم بن محمد بن مفرّج بن همشك 151 انخلاعه للموحدين عمّا بيده وجوازه للعدوة، ووفاته بها 155 إبراهيم بن أمير المسلمين أبي الحسن بن أمير المسلمين أبي سعيد عثمان بن أمير المسلمين أبي يوسف يعقوب بن عبد الحقّ 155 إبراهيم بن يحيى بن عبد الواحد بن أبي حفص عمر بن يحيى الهنتاني، أبو إسحاق 159 إدبار أمره بهلاكه على يد الدّعيّ الذي قيّضه الله لهلاك حينه 163 إبراهيم بن محمد بن أبي القاسم بن أحمد بن محمد بن سهل بن مالك بن أحمد بن إبراهيم بن مالك الأزدي 165 إبراهيم بن فرج بن عبد البر الخولاني 166 إبراهيم بن يوسف بن محمد بن دهاق الأوسي 168 إبراهيم بن أبي بكر بن عبد الله بن موسى الأنصاري 168 إبراهيم بن محمد بن إبراهيم الأنصاري الساحلي 170 إبراهيم بن عبد الله بن محمد بن إبراهيم بن أسد بن موسى بن إبراهيم بن عبد العزيز بن إسحاق بن أسد بن قاسم النميري 178 إبراهيم بن خلف بن محمد بن الحبيب بن عبد الله بن عمر بن فرقد القرشي العامري 191 إبراهيم بن محمد بن إبراهيم بن عبيدس بن محمود النفزي 193 إبراهيم بن عبد الرحمن بن أبي بكر التّسوليّ 196 إبراهيم بن محمد بن علي بن محمد بن أبي العاصي التّنوخي 197 إسماعيل بن فرج بن إسماعيل بن يوسف بن محمد بن أحمد بن محمد بن خميس بن نصر بن قيس الأنصاري الخزرجي 200 إسماعيل بن يوسف بن إسماعيل بن فرج بن نصر 214 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 338 الملوك على عهده 218 أبو بكر بن إبراهيم، الأمير أبو يحيى المسوفي الصحراوي 218 إدريس بن يعقوب بن يوسف بن عبد المؤمن بن علي، أمير المؤمنين، الملقب بالمأمون، مأمون الموحدين 222 تصيّر الأمر إليه، وجوازه إلى العدوة 223 أسباط بن جعفر بن سليمان بن أيوب بن سعد السعدي سعد بن بكر بن عفان الإلبيري 228 أسلم بن عبد العزيز بن هشام بن خالد بن عبد الله بن خالد بن حسين بن جعفر بن أسلم بن أبان 229 أسد بن الفرات بن بشر بن أسد المرّي 231 أبو بكر المخزومي الأعمى الموروري المدوّري 231 أصبغ بن محمد بن الشيخ المهدي 235 أبو علي بن هدية 236 أم الحسن بنت القاضي أبي جعفر الطّنجالي 237 بلكّين بن باديس بن حبّوس بن ماكسن بن زيري بن مناد الصّنهاجي 238 باديس بن حبّوس بن ماكسن بن زيري بن مناد الصّنهاجي 240 ذكر مقتل اليهودي يوسف بن إسماعيل بن نغرالة الإسرائيلي 243 مكان باديس من الذكاء وتولّعه بالقضايا الآتية 244 بكرون بن أبي بكر بن الأشقر الحضرمي 246 بدر مولى عبد الرّحمن بن معاوية الداخل 246 تاشفين بن علي بن يوسف أمير المسلمين بعد أبيه بالعدوة 247 ثابت بن محمد الجرجاني ثم الأسترآباذي 253 جعفر بن أحمد بن علي الخزاعي 255 جعفر بن عبد الله بن محمد بن سيدبونة الخزاعي 257 الحسين بن عبد العزيز بن محمد بن أبي الأحوص القرشي الفهري 259 الحسن بن محمد بن الحسن النباهي الجذامي 260 حسن بن محمد بن حسن القيسي 261 حسن بن محمد بن باصة 261 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 339 الحسن بن محمد بن علي الأنصاري 262 الحسين بن عتيق بن الحسين بن رشيق التغلبي 264 حبّوس بن ماكسن بن زيري بن مناد الصّنهاجي 267 الحكم بن عبد الرحمن بن محمد بن عبد الله بن عبد الرحمن بن الحكم بن هشام بن عبد الرحمن بن معاوية 268 الحكم بن هشام بن عبد الرحمن بن معاوية بن هشام بن عبد الملك بن مروان بن أمية 269 حكم بن أحمد بن رجا الأنصاري 271 حاتم بن سعيد بن خلف بن سعيد بن محمد بن عبد الله بن سعيد بن الحسين بن عثمان بن سعيد بن عبد الملك بن سعيد بن عمّار بن ياسر 272 حباسة بن ماكسن بن زيري بن مناد الصّنهاجي 273 حبيب بن محمد بن حبيب 274 حمدة بنت زياد المكتّب 275 حفصة بنت الحاج الرّكوني 277 الخضر بن أحمد بن الخضر بن أبي العافية 281 خالد بن عيسى بن إبراهيم بن أبي خالد البلوي 286 داود بن سليمان بن داود بن عبد الرحمن بن سليمان بن عمر بن حوط الله الأنصاري الحارثي الأندي 287 رضوان النّصري الحاجب المعظّم 289 ترتيب خدمته وما تخلّل عن ذلك من محنته 291 زاوي بن زيري بن مناد الصّنهاجي 293 منصرفه عن الأندلس 296 زهير العامريّ، فتى المنصور بن أبي عامر 296 طلحة بن عبد العزيز بن سعيد البطليوسي وأخواه أبو بكر وأبو الحسن بنو القبطرنة 298 محمد بن إسماعيل بن فرج بن إسماعيل بن نصر 301 محمد بن إسماعيل بن فرج بن إسماعيل بن يوسف بن محمد بن أحمد بن خميس بن نصر الخزرجي 306 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 340 من كان على عهده من الملوك بأقطار المسلمين والنصارى 311 محمد بن محمد بن محمد بن يوسف بن محمد بن أحمد بن محمد بن نصر بن قيس الخزرجي 316 ما نقل عنه من الفظاظة والقسوة 318 من كان على عهده من الملوك بالأقطار 320 محمد بن محمد بن يوسف بن محمد بن أحمد بن محمد بن خميس بن نصر الأنصاري الخزرجي 326 من كان على عهده من الملوك 330 ومن الأحداث في أيامه 332 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 341 [ المجلد الثانى ] [ تتمة قسم الثانى ] بسم الله الرّحمن الرّحيم وصلّى الله على سيّدنا محمد وآله وصحبه وسلّم محمد بن يوسف بن إسماعيل بن فرج بن إسماعيل بن فرج ابن يوسف بن نصر الخزرجي «1» أمير المسلمين لهذا العهد بالأندلس، صدر الصدور، وعلم الأعلام، وخليفة الله، وعماد الإسلام، وقدوة هذا البيت الأصيل، ونير هذا البيت الكريم، ولباب هذا المجد العظيم، ومعنى الكمال، وصورة الفضل، وعنوان السّعد، وطائر اليمن، ومحول الصّنع، الذي لا تبلغ الأوصاف مداه، ولا توفي العبارة حقّه، ولا يجري النظم والنثر في ميدان ثنائه، ولا تنتهي المدائح إلى عليائه. أوّليّته: أشهر من إمتاع الضّحى، مستولية على المدى، بالغة بالسّعة بالانتساب إلى سعد بن عبادة عنان السماء، مبتجحة في جهاد العدا، بحالة من ملك جزيرة الأندلس، وحسبك بها، وهي بها في أسنى المزاين والحلي، وقدما فيه بحسب لمن سمع ورأى. حاله: هذا السلطان أيمن أهل بيته نقيبة، وأسعدهم ميلادا وولاية، قد جمع الله له بين حسن الصورة، واستقامة البنية، واعتدال الخلق، وصحّة الفكر، وثقوب الذّهن، ونفوذ الإدراك، ولطافة المسائل، وحسن التأنّي؛ وجمع له من الظّرف ما لم يجمع لغيره، إلى الحلم والأناة اللذين يحبّهما الله، وسلامة الصدر، التي هي من علامة الإيمان، ورقّة الحاشية، وسرعة العبرة، والتبريز في ميدان الطهارة والعفّة، إلى ضخامة التّنجّد، واستجادة الآلات، والكلف بالجهاد، وثبات القدم، وقوة الجأش، ومشهور البسالة، وإيثار الرّفق، وتوخّي السّداد، ونجح المحاولة. زاده الله من فضله، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 3 وأبقى أمره في ولده، وأمتع المسلمين بعمره. ساق الله إليه الملك طواعية واختيارا، إثر صلاة عيد الفطر على بغتة وفاة المقدّس أبيه، من عام خمسة وخمسين وسبعمائة، لمخايل الخير، ومزية السّن، ومظنّة «1» البركة، وهو يافع، قريب العهد «2» بالمراهقة، فأنبته الله النّبات الحسن، وسدل به السّتر، وسوّغ العافية، وهنّأ العيش؛ فلم تشحّ في مدته السماء، ولا كلب الأعداء، ولا تبدّلت الألقاب، ولا عونيت الشدائد، ولا عرف الخوف، ولا فورق الخصب، إلى أن كانت عليه الحادثة، ونابه التّمحيص الذي أكسبه الحنكة، وأفاده العبرة، فشهد بعناية الله في كفّ الأيدي العادية، وأخطأ ألم السّهام الرّاشقة، وتخييب الآمال المكايدة، وانسدال أروقة السّتر والعصمة، ثم العودة، الذي عرف الإسلام بدار الإسلام قدرها، وتملّأ عزّها ورجح وزنها، كما اختبر ضدّها فرصة الملك، وشاع العدل، وبعد الصيت، وانتشر الذّكر، وفاض الخير؛ وغزر القطر، فظهرت البركات، وتوالت الفتوح، وتخلّدت الآثار. وسيرد من بيان هذه الجمل، ما يسعه الترتيب بحول الله. ترتيب دولته الأولى: إذ هو ذو دولتين، ومسوّغ ولايتين، عزّزهما الله، بملك الآخرة، بعد العمر الذي يملأ صحايف البرّ، ويخلّد حسن الذّكر، ويعرف إلى الوسيلة، ويرفع في الرفيق الأعلى الدّرجة، عند الله خير وأبقى للذين آمنوا، وعلى ربّهم يتوكلون. وزراؤه وحجّابه: انتدب إلى النّيابة عنه، والتّشمير إلى الحجابة ببابه، الشيخ القائد المعتمد بالتّجلّة، المتحول من الخدّام النّبهاء، المتسود الأبوة؛ المخصوص بالقدح المعلّى من المزية، المسلّم في خصوصيّة الملك والتربية، ظهير العلم والأدب، وأمين الجدّ، ومولى السّلف، ومفرغ الرأي إلى هذا العهد، وعقد سفرة «3» السلطان، وبقية رجال الكمال من مشيخة «4» المماليك، وخيار الموالي، أبا النعيم رضوان، رحمه الله، فحمد الكلّ، وخلف السلطان، وأبقى الرّتب، وحفظ الألقاب، وبذل الإنصاف، وأوسع الكنف، واستدعى النّصيحة، ولم يأل جهدا في حسن السّيرة، وتظاهر المحض، وأفردني بالمزيّة وعاملني بما يرتدّ عنه جسر أطرف الموالاة والصّحبة، ووفّى لي الكيل الذي لا يقتضيه السّن، والقربة من الاشتراك في الرتبة، والتّزحزح عن الهضبة، والاختصاص باسم الوزارة على المشهر والغيبة، والمحافظة على التّشيّع والقدمة، بلغ في ذلك أقصى الغايات، مدارج التخلق المأثور عن الجلّة، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 4 والتودّد إليّ المرّة بعد المرّة، واختصصت بفوت المدّة بالسلطان، فكنت المنفرد بسرّه دونه، ومفضي همّه، وشفاء نفسه، فيما ينكره من فتنة تقع في سيرته، أو تصيّر توجيه السّذاجة في معاملاته، وصلاح ما يتغيّر عليه من قلبه، إلى أن لحق بربّه. شيخ الغزاة ورئيس الجند الغربي لأول أمره: أقر على الغزاة شيخهم على عهد أبيه، أبا زكريا يحيى بن عمر بن رحّو بن عبد الله بن عبد الحق، مطمح الطّواف «1» ، وموفى الاختيار، ولباب القوم، وبقيّة السلف، جزما ودهاء، وتجربة وحنكة وجدّا وإدراكا، ناهيك من رجل فذّ المنازع، غريبها، مستحقّ التقديم، شجاعة وأصالة، ورأيا ومباحثة، نسّابة قبيله، وأضحى قسّهم، وكسرى ساستهم، إلى لطف السّجية، وحسن التأنّي، لغرض السلطان، وطرق التّنزل للحاجات، ورقّة غزل الشّفاعات، وإمتاع المجلس، وثقوب الذّهن والفهم، وحسن الهيئة. وزاده خصوصيّة ملازمته «2» مجلس الرّقاع «3» المعروضة، والرسّل الواردة. وسيأتي ذكره في موضعه بحول الله تعالى. كاتب سرّه: قمت لأول الأمر بين يديه بالوظيفة التي أسندها إليّ أبوه المولى المقدّس، رحمه الله، من الوقوف على رأسه، والإمساك في التهاني والمبايعة بيده، والكتابة والإنشاء والعرض والجواب، والخلعة والمجالسة، جامعا بين خدمة القلم، ولقب الوزارة، معزّز الخطط برسم القيادة، مخصوصا بالنيابة عنه في الغيبة، على كل ما اشتمل عليه سور القلعة والحضرة، مطلق أمور الإيالة، محكما في أشتاته تحكيم الأمانة، مطلق الراية، ظاهر الجاه والنعمة. ثم تضاعف العزّ، وتأكد الرّعي، وتمحّض القرب، فنقلني من جلسة المواجهة، إلى صفّ الوزارة؛ وعاملني بما لا مزيد عليه من العناية، وأحلّني المحل الذي لا فوقه في الخصوصيّة، كافأ الله فضله، وشكر رعيه، وأعلى محلّه عنده. وأصدر لي هذا الظّهير لثاني يوم ولايته: هذا ظهير كريم، صفي شربه. وسفّرني في الرسالة عنه، إلى السلطان، الخليفة الإمام، ملك المغرب، وما إليه من البلاد الإفريقية، أبي عنان، حسبما يأتي ذكره. ثم أعفاني في هذه المدة الأولى، عن كثير من الخدمة، ونوّه بي عن مباشرة العرض بين يديه بالجملة، فاخترت للكلّ والبدلة، وما صان عنه في سبيل التجلّة، وإن كان منتهى أطوار الرّفعة، الفقيه أبا محمد بن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 5 عطية «1» ، مستنزلا عن قضاه وادي آش وخطابتها، فكان يتولّى ما يكتب بنظري، وراجعا لحكمي، ومتردّدا لبالي، مكفى المؤنة في سبيل الحمل الكلي، إلى وقوع الحادثة، ونفوذ المشيئة بتحويل الدولة. قضاته: جدّد أحكام القضاء والخطابة لقاضي أبيه الشيخ الأستاذ الشريف «2» ، نسيج وحده، وفريد دهره، إغرابا في الوقار، وحسن السّمت، وأصالة البيت «3» ، وتبحّرا في علوم اللّسان، وإجهازا في فصل القضايا، وانفرادا ببلاغة الخطبة، وسبقا في ميدان الدهاء والرّجاحة، أبي القاسم محمد بن أحمد بن محمد الحسني، الجانح إلى الإيالة النّصرية من مدينة سبتة «4» . وسيأتي التعريف به في مكانه، إن شاء الله. وتوفي، رحمه الله، بين يدي حدوث الحادثة، فأرجىء الأمر بمكانه، إلى قدوم متلقّف الكرة، ومتعاور تلك الخطّة، الشيخ الفقيه القاضي، أبي البركات قاضي أبيه، ووليها الأحقّ بها بعده، إذ كان غايبا في السّفارة عنه، فوقع التّمحيص قبل إبرام الأمر على حال الاستنابة. الملوك على عهده: وأوّلهم بالمغرب، السلطان، الإمام «5» ، أمير المسلمين، أبو عنان «6» ابن أمير المسلمين أبي الحسن «7» ابن أمير المسلمين أبي سعيد ابن أمير المسلمين أبي يوسف يعقوب بن عبد الحقّ، البعيد الشأو «8» في ميدان السّعادة، والمصمي أغراض السّداد، ومعظّم «9» الظّفر، ومخوّل الموهبة، المستولي على آماد الكمال «10» ، عقلا وفضلا وأبّهة ورواءا، وخطّا وبلاغة، وحفظا وذكاء «11» وفهما وإقداما «12» ، تغمّده الله برحمته، بعثني إلى بابه رسولا على إثر بيعته، وتمام أمره، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 6 وخاطبا إثره وودّه، مسترفدا من منحة قبوله، فألفيت بشرا مبذولا، ورفدا ممنوحا، وعزّا باذخا، يضيق الزمان عن جلالته، وتقصر الألسنة عن كنه وصفه، فكان دخولي عليه في الثامن والعشرين من شهر ذي قعدة عام خمسة وخمسين المذكور، وأنشدته بين يدي المخاطبة، ومضمن الرسالة: [المنسرح] خليفة الله ساعد القدر ... علاك ما لاح في الدّجى قمر فأحسب وكفى، واحتفل واحتفى، وأفضت بين يديه كرمته، إلى الحضور معه في بعض المواضع المطلة على مورد رحب. هاج به الخدّام أسدا، أرود، شثن الكفّين، مشعر اللّبدة، حتى مرق عن تابوت خشبي كان مسجونا به، من بعد إقلاعه، من بعض كواه، وأثارته من خلفه، واستشاط وتوقّد بأسا. وجلب ثور عبل الشّوى، منتصب المروى، يقدمه صوار من الجواميس، فقربت الخطى، وحميت الوغى، وبلغ الزئير والجوار ما شاء، في موقف من ميلاد الشيم العلى يخشى الجبان مقارعة العدا، ويوطن نفسه الشجاع على ملاقاة الرّدى، وخار الأسد عن المبارزة، لما بلغ منه ثقافا عن رد المناوشة، ومضطلعا بأعباء المحاملة، فتخطاه إلى طائفة من الرّجالة، أولي عدّة، وذوي دربة، حمل نفسه متطارحا كشهاب الرّجم، وسرك الدّجى، وأخذته رماحهم بإبادته، بعد أن أردى بعضهم، وجدّل بين يدي السلطان، متخبطا في دمه. وعرّض بعض الحاضرين، وأغرى بالنظم في ذلك، فأنشدته: [الكامل] أنعام أرضك تقهر الآسادا ... طبعا كسا الأرواح والأجسادا وخصائص لله بثّ ضروبها ... في الخلق ساد لأجلها من سادا إن الفضائل في حماك بضائع ... لم تخش من بعد النّفاق كسادا كان الهزبر محاربا فجزيته ... بجزاء من في الأرض رام فسادا فابغ المزيد من آلائه بشكره ... وارغم بما خوّلته الحسّادا فاستحسن تأتّي القريحة، وإمكان البديهة، مع قيد الصّفة، وهيبة المجلس. وكان الانصراف بأفضل ما عاد به سفير، من واد أصيل، وإمداد موهوب، ومهاداة أثيرة، وقطار مجنوب، وصامت محمول، وطعمة مسوعة. وكان الوصول في وسط محرم من عام ستة وخمسين وسبع مائة، وقد نجح السّعي، وأثمر الجهد، وصدقت المخيلة، وقد تضمّن رحلي الوجهة، والأخرى قبلها جزء. والحمد لله الذي له الحمد في الأولى والآخرة. وتوفي، زعموا، بحيلة، وقيل: حتف أنفه، لمّا نهكه المرض، وشاع عنه الإرجاف، وتنازع ببابه الوزراء، وتسابق إلى بابه الأبناء. وخاف مدبّر أمره، عايدة ملامته، على توقع برئه، وكان سيفه يسبق على سوطه، والقبر أقرب إلى من الجزء: 2 ¦ الصفحة: 7 تعرض لعتبه من سجنه، فقضى موضع هذا السبيل خاتمة الملوك الجلّة، من أهل بيته. جدّد الملك، وحفظ الرسوم، وأجرى الألقاب، وأغلظ العقاب، وصيّر إيالته أضيق من الخدّ. وأمدّ الأندلس، وهزم الأضداد، وخلّد الآثار، وبنى المدارس والزوايا، واستجلب الأعلام. وتحرّك إلى تلمسان فاستضافها إلى إيالته، ثم ألحق بها قسنطينة وبجاية، وجهز أسطوله إلى تونس، فدخلها وتملكها ثقاته في رمضان عام ثمانية وخمسين وسبعمائة، واستمرّت بها دعوته إلى ذي قعدة من العام، رحمة الله عليه. وكانت وفاته في الرابع عشر «1» لذي حجة من عام تسعة «2» وخمسين وسبعمائة. وصار الأمر إلى ولده المسمى بالسّعيد، المكنى بأبي بكر، مختار وزيره ابن عمر الفدودي. ورام ضبط الإيالة المشرقية فأعياه ذلك، وبايع الجيش الموجّه إليها منصور بن سليمان «3» ، ولجأ الوزير وسلطانه إلى البلد الجديد، مثوى الخلافة المرينيّة، فكان أملك بها. ونازله منصور بن سليمان، ثم استفضى إليه أمر البلد لحزم الوزير وقوّة شكيمته. وغادر السلطان أبو سالم إبراهيم بن السلطان أبي الحسن «4» ، أخو الهالك السلطان أبي عنان، الأندلس، وقد كان استقرّ بها بإزعاج أخيه إيّاه عن المغرب، كما تقدم في اسمه، فطلع على الوطن الغربيّ بإعانة من ملك النصارى، عانى فيها هولا كثيرا، واستقرّ بآخرة بعد إخفاق شيعته المرّاكشية، بساحل طنجة، مستدعى ممن بجبال غمارة، ودخلت سبتة وطنجة في طاعته. وفرّ الناس عن منصور بن سليمان، ضربة لازب، وتقبّض عليه وعلى ابنه، فقتلا صبرا، نفعهما الله. وتملك السلطان أبو سالم المدينة البيضاء يوم الخميس عشر لشعبان عام ستين وسبعمائة، بنزول الوزير وسلطانه عنها إليه. ثم دالت الدولة. وكان من لحاق السلطان برندة، واستعانته على ردّ ملكه ما يأتي في محلّه، والبقاء لله سبحانه. وبتلمسان السلطان أبو حمّو موسى بن يوسف بن يحيى بن عبد الرحمن بن يغمرس «5» بن زيان، قريب العهد باسترجاعها، لأول أيام السعيد. وبتونس «6» الأمير إبراهيم ابن الأمير أبي بكر ابن الأمير أبي حفص ابن الأمير أبي بكر بن أبي حفص بن إبراهيم بن أبي زكريا يحيى بن عبد الواحد، لنظر الشيخ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 8 رأس الدولة، وبقية الفضلاء، الشهير الذكر، الشائع الفضل، المعروف السياسة، أبي محمد عبد الله بن أحمد بن تافراقين، تحت مضايقة من عرب الوطن. ومن ملوك النصارى بقشتالة «1» ، بطره بن ألهنشه بن هراندة بن شانجه بن ألفنش «2» بن هرانده، إلى الأربعين «3» ، وهو كما اجتمع وجهه، تولى «4» الملك على أخريات أيام أبيه في محرم عام أحد وخمسين وسبعمائة. وعقد معه سلم «5» على بلاد المسلمين. ثم استمرّ ذلك بعد وفاته في دولة ولده المترجم به، وغمرت الرّوم فتنة «6» وألقت العصا، وأغضت القضاء، وأجالت على الكثير من الكبار الرّدى، بما كان من إخافته سائر إخوانه لأبيه، من خاصّته، العجلة الغالبة على هواه، فنبذوه على سوء بعد قتلهم أمّهم، وانتزوا عليه بأقطار غرسهم فيها أبوهم قبل موته بمرعيّة أمّهم. وسلك لأول أمره سيرة أبيه في عدوله عن عهوده بمكابيه لمنصبه، إلى اختصاص عجلة، أنف بحراه كبار قومه، من أجل ضياع بذره وانقراض عقبه، فمال الخوارج عليه، ودبّروا القبض عليه، وتحصّل في أنشوطة، يقضي أمره بها إلى مطاولة عقله أو عاجل خلع، لولا أنه أفلت وتخلّص من شرارها. فاضطره ذلك إلى صلة السّلم، وهو الآن بالحالة الموصوفة. الأحداث في أيامه: لم يحدث في أيامه حدث إلّا العافية المسحّة والهدنة المتّصلة، والأفراح المتجدّدة، والأمنة المستحكمة، والسّلم المنعقدة. وفي آخر جمادى عام ستة «7» وخمسين وسبعمائة لحق بجبل الفتح «8» ، فشمّم شعبته، وأبرّ مبتوته «9» ، كان على ثغره العزيز على المسلمين، من لدن افتتاحه، الموسوم الخطة، المخصوص بمزية تشييده، عيسى بن الحسن بن أبي منديل «10» ، بقيّة الشيوخ أولي الأصالة والدّهاء، والتزيّي بزي الخير، والمثل السائر في الانسلاخ من آية السعادة، والإغراق في سوء العقبى، والله غالب على أمره، فكان أملك بمصامّه، وقرّ عينه بلقاء ولده، والتمتع منه بجواد عتيق. ملّي من خلال السياسة، أرداه سوء الحظ، وشؤم النّصبة، واظلمّ ما بينه وبين الجزء: 2 ¦ الصفحة: 9 سلطانه، مسوغه برداء العافية على تفه صغر، وملبسه رداء العفّة على قدح الأمور، أبدى منها الخوف على ولده، وعرض ديسم عزمه، على ذوبان الجبل، فانحطّوا في هواه، وغرّوه بكاذب عصبة، فأظهر الامتناع سادس ذي قعدة من العام المذكور، واتصلت الأخبار، وساءت الظنون، وضاقت الصدور، ونكست الرءوس لتوقّع الفاقرة، بانسداد باب الصّريخ، وانبتات سبب «1» النّصرة، وانبعاث طمع العدوّ، وانحطّت الأطماع في استرجاعه واستقالته، لمكان حصانته، وسموّ الذّروة، ووفور العدّة، ووجود الطّعمة، وأخذه بتلاشي الفرصة. ثم ردفت الأخبار بخروج جيشه صحبة ولده إلى منازلة أشتبونة «2» ، وإخفاق أمله فيها، وامتساك أهلها بالدعوة، وانتصافهم من الطائفة العادية؛ فبودر إليها من مالقة بالعدد. وخوطب السلطان من ملك المغرب، أيّده الله، بالجليّة، فتحققت المنابذة؛ واستقرّت الظنون. وفي الخامس والعشرين من شهر ذي قعدة، ثار به أهل الجبل، وتبرّأ منه أشياعه، وخذلوه بالفرار، فأخذت شعابه ونقابه، فكرّ راجعا أدراجه إلى القاعدة الكبيرة، وقد أعجله الأمر، وحملته الطمأنينة على إغفال الاستعداد بها، وكوثر «3» فألقي به، وقد لحق به بعض الأساطيل بسبتة، لداعي تسوّر توطّى على إمارته، فقيّد هو وابنه، وخيض بهما البحر للحين، ولم ينتطح فيها عنزان، رحمه الله؛ سنام فئة ألقت بركها، وأناخت بكلكلها، وقد قدّر أنها واقعة، ليس لها من دون الله كاشفة، فقد كان من بالجبل برموا على إيالة ذينك المرتسمين، وألقوا أجوارها، وأعطوهما الصفقة، بما أطمعهما في الثورة، ولكل أجل كتاب. واحتمل إلى الباب السلطاني بمدينة فاس، وبرز الناس إلى مباشرة إيصالهما مجلوبين في منصّة الشهرة، مرفوعين في هضبة المثلة. ثم أمضى السلطان فيهما حكم الفساد، بعد أيام الحرابة، فقتل الشيخ بخارج باب السمّارين من البلد الجديد، بأيدي قرابته، فكان كما قال الأول: [الكامل] أضحت رماح بني أبيه تنوشه ... لله أرحام هناك تشقّق وقطعت رجل الولد ويده، بعد طول عمل وسوء تناول، ولم ينشب أن استنقذه حمامه فأضحى عبرة في سرعة انقلاب حالهما من الأمور الحميدة، حسن طلعة، وذياع حمد، وفضل شهرة، واستفاضة خيريّة، ونباهة بيت، وأصالة عزّ، إلى ضدّ هذه الخلال، وقانا الله مصارع السوء، ولا سلب عنا جلباب السّتر والعافية. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 10 وسدّ السلطان ثغر الجبل بآخر من ولده اسمه السعيد، وكنيته أبو بكر، فلحق به في العشر الأول من المحرم من عام سبعة وخمسين وسبعمائة، ورتّب له بطانته، وقدّر له أمره، وسوّغه رزقا رغدا، وعيشا خفضا. وبادر السلطان المترجم له، إلى توجيه رسوله؛ قاضيا حقّه، مقرّر السّرور بجواره، وأتبع ذلك ما يليق من الحال من برّ ومهاداة ونزل، وتعقبت بعد أيام المكافات، فاستحكم الودّ، وتحسنت الألفة إلى هذا العهد، والله وليّ توفيقهم ومسني الخير والخيرة على أيديهم. الحادثة التي جرت عليه: واستمرت أيامه كأحسن أيام الدول، خفض عيش، وتوالي خصب، وشياع أمن، إلّا أنّ شيخ الدولة القائد أبا النعيم، رحمه الله، أضاع الحزم. وإذا أراد الله إنفاذ قضائه وقدره، سلب ذوي العقول عقولهم، بما كان من أمنه جانب القصر الملزم دار سكناه، من علية فيها أخو السلطان، بتهاونه، يحيل أمّه المداخلة في تحويل الأمر إليه، جملة من الأشرار، دار أمرهم على زوج ابنتها الرئيس محمد بن إسماعيل بن فرج من القرابة الأخلاف، وإبراهيم بن أبي الفتح، والدليل الموروري، وأمدّته بالمال، فداخل القوم جملة من فرسان القيود، وعمرة السّجون، وقلاميد الأسوار. وكانت تتردّد إليه في سبيل زيارة بنتها الساكنة في عصمة هذا الخبيث، المنزوع العصمة، خارج القلعة حتى تمّ يوم الأربعاء الثامن والعشرين لرمضان من العام، اجتمعوا وقد خفي أمرهم، وقد تألّفوا عددا يناهز المائة بالقوس الداخل من وادي هدارّه إلى البلد، لصق الجناح الصاعد منه إلى الحمراء، وكان بسورها ثلم، لم يتمّ ما شرعوا فيه من إصلاحه؛ فنصبوا سلما أعدّ لذلك، وصعدوا منه. ولمّا استوفوا، قصدوا الباب المضاع المسلحة، للثقة بما قبله؛ فلمّا تجاوزوه أعلنوا بالصياح، واستغلظوا بالتهويل، وراعوا الناس بالاستكثار من مشاعل الخلفاء، فقصدت طائفة منهم دار الشيخ القائد أبي النّعيم؛ فاقتحمته غلابا وكسرت أبوابه؛ وقتلته في مضجعه؛ وبين أهله وولده، وانتهبت ما وجدت به. وقصدت الأخرى دار الأمير، الذي قامت بدعوته، فاستنجزته واستولت على الأمر. وكان السلطان متحوّلا بأهله إلى سكنى «جنّة العريف» خارج القلعة، فلمّا طرقه النبأ؛ وقرعت سمعه الطبول سدّده الله؛ وساند أمره في حال الحيرة، إلى امتطاء جواد كان مرتبطا عنده في ثياب تبذّله ومصاحبا لأفراد من ناسه؛ وطار على وجهه، فلحق بوادي آش قبل سبوق نكبته، وطرق مكانه بأثر ذلك، فلم يلف فيه، واتّبع فأعيا المتبع. ومن الغد، استقام الأمر لأولي الثورة، واستكملوا لصاحبهم أمر البيعة، وخاطبوا البلاد فألقت إلى صاحبهم بالأزمّة، وأرسلوا إلى ملك النصارى في عقد الصلح. وشرعوا في منازلة وادي آش، بعد أن ثبت أهلها مع الجزء: 2 ¦ الصفحة: 11 المعتصم بها، فلازمته المحلات وولي عليه التضييق، وخيف فوات البدر ونفاد القوة، فشرع السلطان في النظر لنفسه، وخاطب السلطان أبا سالم ملك المغرب في شأن القدوم عليه، فتلقاه بالقبول وبعث من يمهد الحديث في شأنه، فتمّ ذلك ثاني يوم عيد النّحر من العام. وكنت عند الحادثة على السلطان، ساكنّا بجنتي المنسوبة إليّ من الحضرة، منتقلا إليها بجملتي، عادة المترفين، إذ ذاك من مثلي، فتخطاني الحتف، ونالتني النكبة، فاستأصلت النعمة العريضة، والجدة الشهيرة، فما ابتقت طارفا ولا تليدا، ولا ذرت قديما ولا حديثا، والحمد لله مخفّف الحساب، وموقظ أولي الألباب، ولطف الله بأن تعطّف السلطان بالمغرب إلى شفاعة بي بخطّه، وجعل أمري من فصول قصده. ففكّت عني أصابع الأعداء، واستخلصت من أنيابهم، ولحقت بالسلطان بوادي آش، فذهب البأس، واجتمع الشّمل. وكان رحيل الجميع ثاني عيد النحر المذكور، فكان النزول بفحص ألفنت، ثم الانتقال إلى لوشة، ثم إلى أنتقيره، ثم إلى ذكوان، ثم إلى مربلّة، يضم أهل كلّ محل من هذه مأتما للحسرة، ومناحة للفرقة. وكان ركوب البحر صحوة الرابع والعشرين من الشهر، والاستقرار بمدينة سبتة، وكفى بالسلامة غنما، والأرض لله يورثها من يشاء من عباده، والعاقبة للمتقين. وكان الرحيل إلى باب السلطان، تحت برّ لا تسعه العبارة، ولقاؤنا إياه بظاهر البلد الجديد لإلمام ألمّ عاقه عن الإصحار والتغنّي على البعد، يوم الخميس السادس لمحرم من عام أحد وستين بعده، في مركب هائل، واحتفال رائع رائق، فعورض فيه النزول عن الصّهوات، والبرّ اللائق بمناصب الملوك، والوصول إلى الدار السلطانية، والطعام الجامع للطبقات وشيوخ القبيل. وقمت يومئذ فوق رأس السلطان وبين يدي مؤمّله، فأنشدته مغريا بنصره، كالوسيلة بقولي «1» : [الطويل] سلا هل لديها من مخبّرة ذكر؟ ... وهل أعشب الوادي ونمّ به الزّهر؟ فهاج الامتعاض، وسالت العبرات، وكان يوما مشهودا، وموقفا مشهورا، طال به الحديث، وعمرت به النوادي، وتوزّعتنا النزائل على الأمل، شكر الله ذلك وكتبه لأهله، يوم الافتقار إلى رحمته. واستمرّت الأيام، ودالت الدولة للرئيس بالأندلس، والسلطان تغلبه المواعيد، وتونسه الآمال، والأسباب تتوفّر، والبواعث تتأكّد. وإذا أراد الله أمرا هيّأ أسبابه، واستقرّت بي الدار بمدينة سلا، مرابطا، مستمتعا بالغيبة، تحت نعمة كبيرة، وإعفاء من التكليف. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 12 وفي اليوم السابع لشوال من عام التاريخ، قعد السلطان بقبّة العرض بظاهر جنّة المصارة لتشييعه «1» ، بعد اتخاذ ما يصلح لذلك؛ من آلة وحلية، وقد برز الخلق، لمشاهدة ذلك الموقف المسيل للدموع، الباعث للرّقّة، المتبع بالدّعوات، لما قذف الله في القلوب من الرحمة، وصحبه به في التغرّب من العناية، فلم تنب عنه عين، ولا خمل له موكب، ولا تقلّصت عنه هيبة، ولا فارقته حشمة، كان الله له في الدنيا والآخرة. وأجاز، واضطربت الأحوال، بما كان من هلاك معينه السلطان أبي سالم، وغدر الخبيث المؤتمن على قلعته به، عمر بن عبد الله بن علي، صعّر الله حزبه، وخلّد خزيه، وسقط في يده، إلّا أنّه ثبتت في رندة من إيالة الأندلس، الراجعة إلى إيالة المغرب، قدمه، فتعلّل بها، وارتاش بسببها، إلى أن فتح الله عليه، وسدّد عزمه، وأراه لمّا ضعفت الحيل صنعه، فتحرّك إلى برّ مالقة، وقد فغر عليها العدوّ فمه، ثم أقبل على مالقة، مستميتا دونها، فسهّل الله الصّعب، وأنجح القصد، واستولى عليها، وانثالت عليه لحينها البلاد، وبدا الريّس المتوثّب على الحضرة، بعد أن استوعب الذّخيرة والعدّة، في جملة ضخمة ممن خاف على نفسه، لو وفّى بذمّة الغادر وعهده، واستقرّ بنادي صاحب قشتالة، فأخذه بجريرته «2» ، وحكّم الحيلة في جنايته وغدره، وألحق به من شاركه في التّسوّر من شيعته، ووجّه إلى السلطان برءوسهم تبع رأسه. وحثّ السلطان أسعده الله خطاه إلى الحضرة، يتلقّاه الناس، مستبشرين، وتتزاحم عليه أفواجهم مستقبلين مستغفرين، وأحقّ الله الحقّ بكلماته، وقطع دابر الكافرين. وكان دخول السلطان دار ملكه، وعوده إلى أريكة سلطانه، وحلوله بمجلس أبيه وجدّه، زوال يوم السبت الموفي عشرين لجمادى الثانية من عام ثلاثة وستين وسبعمائة، جعلنا الله من همّ الدنيا على حذر، وألهمنا لما يخلص عنده من قول وعمل. وتخلّف الأمير وولده بكره، أسعده الله، بمدينة فاس فيمن معه من جملة، وخلّفه من حاشية ولد المستولي على ملك المغرب في إمساكه إلى أن يسترجع رندة في معارضة هدفه. ثم إن الله جمع لأبيه بجمع شمله، وتمّم المقاصد بما عمّه من سعده. وكان وصولي إليه معه، في محمل اليمن والعافية، وعلى كسر التّيسير من الله والعناية يوم السبت الموفي عشرين شعبان عام ثلاثة وستين وسبعمائة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 13 ترتيب الدولة الثانية السعيدة الدور إلى بيعة الكور: هنّأ المسلمين ببركتها الوافرة، ومزاياها المتكاثرة، السلطان، أيّده الله، قد مرّ ذكره، ويسّر الله من ذلك ما تيسّر. وزراؤه: اقتضى حزمه إغفال هذا الرّسم جملة، مع ضرورته في السياسة، وعظم الدخول، حذرا من انبعاث المكروه له من قبله، وإن كان قدّم بهذا اللقب في طريق منصرفه إلى الأندلس، وأيّاما من مقامه برندة، فنحله عن كره، علي بن يوسف بن كماشة، من عتاق خدّامه وخدّام أبيه، مستصحبا إيّاه، مسدول التّجمّل على باطن نفرة، مختوم الجرم، على شوكه، في حطبه في حبل المتغلب، وإقراضه السيئة من الحسنة، والمنزل الخشن، إلى الإنفاق منه على الخلال الذّميمة، ترأسها خاصّة الشّوم، علاوة على حمل الشيخ الغريب الأخبار، والطّمع في أرزاق الدور، والاسترابة بمودّة الأب، وضيق العطن، وقصر الباب، وعيّ اللّسان، ومشهور الجبن. ولمّا وقع القبض، وساء الظنّ، بعثه من رندة إلى الباب المريني ليخلي منه جنده، ويجسّ مرض الأيام، بعد أن نقل من الخطة كعبه، فتيسّر بعد منصرفه الأمر، وتسنّى الفتح. وحمله الجشع الفاضح، والهوى المتّبع، على التشطّط لنفسه، والكدح لخويصته بما أقطعه الجفوة، وعسر عليه العودة على السلطان بولده، إلى أن بلغ الخبر برجوع أمره، ودخول البلاد في طاعته، فألقى ما تعيّن إليه، وأهوى به الطمع البالغ في عرش الدولة، ويرتاش في ريق انتقامها. وتحرّك وراية الإخفاق خافقة على رأسه، قطب مخلصه، وجؤجوة عوده، من شيخ تدور بين فتكه رحى جعجعة، وتثور بين أضلاعه حيّة مكيدة، وينعق فوق مساعيه غراب شوم وطيرة. وحدّث حرفاؤه صرفا من مداخلة سلطان قشتالة، أيام هذه المجاورة، فبلغ أمنيته من ضرب وعد؛ واقتناء عهد، واتخاذ مدد، وترصيد دار قرار، موهما نفسه البقاء والتعمير والتملّي، وانفساح المدة والأمر، وقيادة الدّجن «1» عند تحوّل الموطن لملّة الكفر، يسمح لذلك، لنقصان عقله، وقلّة حيائه وضعف غيرته. وطوى المراحل، وقيّض حمّى تزلزل لها فكّاه، أضلّها الحسرة، وانتزاء الخبائث. وتلقّاه بمالقة، إيعاز السلطان بالإقامة بها، لما يتّصل به من سوء تصريفه، ثم أطلع شافع الحياء في استقامة وطنه طوق عتبه، وصرفه إلى منزله، ناظرا في علاج مرضه. ثم لمّا أفاق وقفه دون حدّه، ولم يسند إليه شيئا من أموره، فشرع في ديدنه من الفساد عليه، وتمرّس سلطان قشتالة، شاكيا إليه بثّه، وأضجر لسكنى باديته بالثّغر، فراب السلطان أمره، وأهمّه شأنه، فتقبّض عليه وعلى ولده، وصرفا في الجزء: 2 ¦ الصفحة: 14 جملة من دائرة السّوء ممن ثقلت وطأته، فغرّبوا إلى تونس، أوائل شهر رمضان من عام ثلاثة وستين. ثم لما قفل من الحجّ، واستقرّ ببجاية يريد المغرب، حنّ إلى جوار النّصرانية، التي ريم سلفه العبوديّة إليها، فعبر البحر إلى برجلونة «1» ، ينفض عناء طريق الحجّ على الصّلبان، ويقفو على آثار تقبيل الحجر الأسود، تقبيل أيدي الكفّار. ثم قصد باب المغرب رسولا عن طاغية برجلونه في سبيل فساد على المسلمين، فلم ينجح فيه قصده، فتقاعد لمّا خسر فيه ضمانه، وصرف وكره إلى الاتصال بصاحب قشتالة، وعنّ على كتب إليه بخطّه، يتنفّق عنده ويغريه بالمسلمين، فتقبّض عليه، وسجن بفاس مع أرباب الجرائم. وعلى ذلك استقرّ حاله إلى اليوم، وأبرأ إلى الله من التّجاوز في أمره. ومن يضلل الله فما له من هاد. ولمّا وفدت على السلطان بولده، وقرّت عيني بلقائه، تحت سداده وعزّه، وفوق أريكة ملكه، وأدّيت ما يجب من حقّه؛ عرضت عليه غرضي، ونفضت له خزانة سرّي، وكاشفته ضميري بما عقدت مع الله عهدي، وصرفت إلى التّشريق «2» وجهي، فعلقت بي لركومه علوق الكرامة، ولاطفني بما عاملت البرّ بين الدّعر والضّنانة، ويضرب الآماد، وخرج لي عن الضرورة، وأراني أن مؤازرته أبرّ القرب، وراكنني إلى عهد بخطّه، فسح فيه لعامين أمد الثواء، واقتدى بشعيب، صلوات الله عليه، في طلب الزّيادة على تلك النّسبة، وأشهد من حضر من العلية، ثم رمى إلي بعد ذلك بمقاليد رأيه، وحكّم عقلي في اختيار عقله، وغطّى من جفائي بحلمه، وحثا في وجوه شهواته تراب زجري، ووقف القبول على وعظي، وصرف هواه في التحول ثانيا وقصدي، واعترف بقبول نصحي، فاستعنت بالله، وعاملت وجهه فيه. وصادقني مقارضة الحقّ بالجهاد، ورمى إليّ بدنياه، وحكّمني فيما ملكته يداه، وغلّبني على أمره لهذا العهد، والله غالب على أمره. فأكمل المقام ببابه إلى هذا التاريخ مدّة أجرى الله فيها، من يمن النّقيبة، واطّراد السّداد، وطرد الهوى، ورفض الزّور، واستشعار الجدّ، ونصح الدّين، وسدّ الثغور، وصون الجباية، وإنصاف المرتزقة، ومحاولة العدوّ، وقرع الأسماع بلسان الصّدق، وإيقاظ العيون من نوم الغفلة، وقدح زناد الرّجولة، ما هو معلوم، يعضّد دعواه، ولله المنّة، سجية السّذاجة، ورفع التّسمّت، وتكوّر المنسأة، وتفويت العقار في سبيل القربة، والزّهد في الزّبرج «3» ، وبثّ حبال الآمال، والتّعزيز بالله عن الغنيمة، وجعل الثوب غطاء الليل، ومقعد المطالعة فراش الجزء: 2 ¦ الصفحة: 15 النّوم، والشغل لمصلحة الإسلام، لريم الأنفاس، فأثمر هذا الكرخ، وأثبج هذا المسعى مناقب الدولة، بلغت أعنان السماء «1» ، وآثارا خالدة ما بقيت الخضراء على الغبراء، وأخبارا تنقل وتروى، إن عاندها الحاسد، فضحه الصّباح المنير، وكاثره القطر المنثال، وأعياه السّيل المتدافع. فما يختص من ذلك بالسلطان، فخامة الرتبة، ونباهة الألقاب، وتجمّل الرياش، وتربع الشريعة، وارتفاع التّشاجر ببابه، والمنافسة والاغتباط منه، بمجالس التنبيه والمذاكرة، وبدار الدموع في حال الرّقة، والإشادة باحتقار الدنيا بين الخاصة، وتعيين الصدقات في الأوقات العديدة، والقعود لمباشرة المظالم ستة عشر يوما في كل شهر من شهور الأهلّة، يصل إليه فيها اليتيم والأرملة، فيفرح الضعيف، وينتظر حضور الزمن، ويتغمّد هفوة الجاهل، ويتأثر لشكوى المصاب، ويعاقب الوزعة على الأغلاط، إلى إحسان الملكة في الأسرى، والإغراب في باب الحلم، والإعياء في ترك الحظ، والتبرّي من سجيّة الانتقام، والكلف بارتباط الخيل، واقتناء أنواع السلاح، ومباشرة الجهاد، والوقار في الهيعات «2» ، وإرسال سجيّة الإيمان، وكساد سوق المكيدة، والتصامم عن السعاية؛ هذا مع الشباب الغضّ، والفاحم الجعد، وتعدّد حبائل الشيطان في مسالك العمر، ومطاردة قانص اللّذات في ظلّ السّلم، ومغازلة عيون الشهوات من ثنايا الملوك. وأيم الله الذي به تستخلص الحقوق، وتيسّر السّتور، وتستوثق العهود، ولا تطمئن القلوب إلّا به؛ ما كاذبته، ولا راضيت في الهوادة طوله، ولا سامحته في نقيض هذه الخلال. ولقد كنت أعجب من نفاق أسواق الذّكرى لديه، وانتظام أقيسة النصح عنده، وإيقاع نبات الرّشد فيه نصيحة، وأقول: بارك الله فيها من سجيّة، وهنّأ المسلمين بها من نفس زكيّة. وسيأتي بيان هذه النتائج، وتفسير مجمل هذه الفضائل بحول من لا حول إلّا به سبحانه. والحال متصلة على عهده الوثير من إعانته بالوسوع والخروج له عن هذه العهدة، والتسليم له في البقيّة، إرهافا لسيف جهاده، وجلاء لمرآة نصحه، وتسوية لميزان عدله، وإهابة لمحمد رشده، شدّ العقدة، عقدة وغيرة على حرمة ماله وعرضه، ورعاية للسان العلم المنبئ عن شأنه، ونيابة عنه في معقل ملكه، ومستودع ماله وذخيرته، ومحافظة على سرّه وعلانيته لحرمه وولده، وعمرانا للجوانح بتفضيله وحبّه، معاملة أخلص الله قصدها لوجهه، وأمحضها من أجله، ترفعه عن جراية الجزء: 2 ¦ الصفحة: 16 رحل هلالها، وإقطاع تنجع قدرته، أو فصلة تعبث البنان بنشيرها، وخطّة تشدّ إليه على منشورها. والله يرجح ميزاني عنده، ويحظى وسيلتي لديه، ويحرّك مكافأة سعيي في خواطر حجّه، وينبّه لتبليغ أملي من حجّ بيت الله، وزيارة رسول الله، بمنّه وكرمه، فما على استحثاث الأجل من قرار، ولا بعد الشّيب من إعذار، وحسبنا الله ونعم الوكيل. أولاده «1» : كمل له في هذا الوقت من الولد أربعة؛ ثلاثتهم ذكور، يوسف بكره، وأراه يتلوه سعد، ثم نصر، غلمة روقة، قد أفرغهم الله في قالب الكمال، إذا رأيتهم حسبتهم لؤلؤا منثورا، فسح الله لهم أمد السعادة، وجعل مساعيهم جانحة إلى حسنى العقبى، سالكا بهم سبيل الاهتداء بفضل الله ورحمته. قضاته «2» : قدّم لأول قدومه، الفقيه القاضي، الحسيب، الخيّر، أبا جعفر بن أحمد بن جزي، شاكرا بلاءه بمالقة، إذ كان قد ألقاه قاضيا بها للمتغلّب، فلم يأل جهدا في الإجلاب على من اعتصم بقصبتها، والتحريض على استنزالهم، فاتّخذ زلفة لديه، فأجرى الأحكام، وتوخّى السّداد. ثم قدّم «3» إليها الفقيه القاضي الحسيب، أبا الحسن علي بن عبد الله بن الحسن، عين الأعيان ببلده مالقة، والمخصوص برسم التّجلّة، والقيام بوظيفة «4» العقد والحلّ بها «5» في الدولة الأولى، وأصالة البيت، والانقطاع إليه، ومصاحبة ركابه في طلب الملك، ومتسوّر المشاق من أجله، وأولى الناس باستدرار خلف دولته، فسدّد وقارب، وحمل الكلّ «6» ، وأحسن فصاحة «7» الخطبة والخطّة، وأكرم المشيخة وأرضى، واستشعر النّزاهة، ولم يقف في حسن التأنّي عند «8» غاية، واشتمل معها لفق الخطابة، فأبرز وأعلم، تسمّيا وحفظا وجهوريّة، فاتّفق في ذلك على رجاحته، واستصحب نظره على الأحباس، فلم يقف في النصح عند غاية، أعانه الله. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 17 كتّابه «1» : أسند الكتابة إلى الفقيه المدرك، المبرّز في كثير من الخلال، ملازمه أيضا في طلب الملك، ومطاردة قنص الحظّ، أبي عبد الله بن زمرك، ويأتي التعريف بجميعهم. شيخ غزاته: متولي ذلك في الدولة الأولى، الشيخ أبو زكريا يحيى بن عمر بن رحّو بن عبد الله بن عبد الحق «2» ، قدّمه إليها معتبا إياه، طاويا بساط العدوّ بالجملة، قدّموها بابنه عثمان على الخاصّة يومئذ، لمظاهرته في الوجهة، وسعيه في عودة الدّولة، واستمرّت الحال إلى اليوم الثالث عشر لشهر رمضان من عام أربعة وستين وسبعمائة، وكان القبض على جملتهم، وأجلى هذا البيت من سفرة السياسة مدّة، مجتزيا فيه بنظره على رسمه في الوزارة من قبيله. ثم قدّم إليها موعوده بها القديم الخدمة، وسالف الأدمة، لمّا لجأ إلى وادي آش مفلتا من وبقة الحادثة، الشيخ أبا الحسن علي بن بدر الدين بن موسى بن رحّو بن عبد الله بن عبد الحق، حلف السّداد أيامه، والمقاربة والفضل والدّماثة، المخصوص على اختصار بيمن النّقيبة، واستمرّت أيامه إلى نقبة القفول عن غزوة جيّان أخريات محرم من عام تسعة وستين، وتوفي، رحمه الله، حتف أنفه، فاحتفل لمواراته، وإقرابه من تأبّيه، واستغفاره، والاعتراف بصدق موالاته، وتفجيعه لفقده، وما أعرب به من وفاء نجده، وقدّم لها عهدا طرف اختياره، الأمين، الشّهم، البهمة، خدن الشّهرة، والمشار إليه بالبسالة، وفرع الملك والأصالة، عبد الرحمن ابن الأمير أبي الحسن علي بن السلطان أبي علي عمر ابن أمير المسلمين أبي سعيد عثمان ابن أمير المسلمين أبي يوسف يعقوب بن عبد الحق، إذ كان قد لحق به، بعد ظهور أتيح له بوطنه من المغرب، استقرّ مبايعا بعمالة سجلماسة وما إليها، وطن جدّه، وميراث سلفه، ففسح له جانب قبوله، وأحلّه من قربه محلّ مثله، وأنزله بين ثغر الاغتباط ونحره، ثم استظهر به على هذا الأمر، فأحسن الاختيار، وأعزّ الخطة، وهو القائم عليها لهذا العهد، وإلى الله أسباب توفيقه. ظرف السلطان وحسن توقيعه: بذّ في هذا الباب من تقدّمه، وكثرة وقوعه، بحيث لا يعدّ نادره، وقليل الشيء يدلّ على كثيره. مرّ بي يوما ومعي ولده، يروم اتخاذ حذق القرآن، فقلت له: أيّدك الجزء: 2 ¦ الصفحة: 18 الله، الأمير يريد كذا، ولا بدّ له من ذلك، وأنا وكيله عليك في هذا، فقال: حسبنا الله ونعم الوكيل. ولا خفاء ببراعة هذا التوقيع، وغرابة مقاصده، ومجالسه على الأيام معمورة بهذا ومثله. الملوك على عهده: بالمغرب» السلطان الجليل إبراهيم ابن السلطان أبي الحسن ابن السلطان أبي سعيد ابن السلطان أبي يوسف يعقوب بن عبد الحق. تولّى ملك المغرب حسبما تقدم في اسمه «2» ، وألقى إليه بالمقاليد، واستوسقت له الطاعة، وبحسب ما بثّ الله من اشرباب «3» الخلق إليه، وتعطّشهم إلى لقائه، ورغبتهم في إنهاضه إلى ملك أبيه، كان انقلابهم إلى ضد هذه الخلال، شرقا بأيامه وإحصاء لسقطاته، وولعا باغتيابه وتربصا لمكروه به، إذ أخفقت فيه الآمال، واستولت الأيدي من خدّامه على ملكه. وقيّض الله لإبادة أمره، وتغيّر حاله وهدّ ركنه، الخائن الغادر نسمة السوء وقذار ناقة الملك، وصاعقة الوطن وحرد السّيد عمر بن عبد الله بن علي «4» مؤتمنة على البلد الجديد، دار ملكه ومستودع ماله وذخيرته، فسدّ الباب دونه، وجهر بخلعانه. وفض في اتّباع الناعق المشؤوم سور ماله، وأقام الدّعوة باسم أخيه أبي عمر، ذي اللّوثة، الميؤوس من إفاقته، وذلك ضحوة اليوم الثامن عشر لشوال من عام اثنين وستين وسبعمائة. وبادر السلطان أبو سالم البيعة من متحول سكناه بقصر البلد القديم «5» ، وصابر الأمر عامة اليوم. ولمّا جنّ الليل، فرّ لوجهة، وأسلم وزراءه وخاصّته، وقيّدت خطاه الخيريّة، فأوى إلى بعض البيوت، وبه تلاحق متبوعه، فقيد إلى مصرعه السّوء بظاهر بلده، وحز رأسه، وأوتي به إلى الغادر. وكان ما بين انفصال السلطان عنه مودّعا إلى الأندلس بإعانته، ومطوّق فضل تلقيه وقفوله وحسن كفالته، ثمانية أشهر ويوم واحد. واستمرّت دعوة أخيه المموّه به إلى الرابع والعشرين من صفر من عام ثلاثة وستين وسبعمائة، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 19 واستدعي من باب قشتالة الأمير محمد أبو زيّان ابن الأمير أبي زيد بن عبد الرحمن ابن السلطان المعظّم أبي الحسن. وقد استقرّ نازعا إليه أيام عمّه السلطان أبي سالم، وقع عليه اختيار هذا الوزير الغادر، إذ وافق شنّ تغلّبه طبق ضعفه «1» ، وأعمل الحيلة في استجلابه، فوصل حسب غرضه، وأجريت الأمور باسمه، وأعيد أخوه المعتوه إلى مكانه، واستمرّت أيام هذا الأمير مغلوبا عليه، مغرى بالشراب على فيه وبين الصّحب إلى أن ساءت حاله، وامتلأت بالموجدة على الوزير نفسه، فعاجله بحتفه، وباشر اغتياله، وأوعز إلى خدامه بخنقه، وطرحه بحاله في بعض سواقي قصره، متبعا ببعض أواني خمره، يوهم بذلك قاتله، تردّيه سكرا، وهويه طفوحا. ووقف عليه بالعدول عند استخراجه، وندب النّاس إلى مواراته، وبايع يومه ذلك أبا فارس عبد العزيز وارث ملك أبيه السلطان أبي الحسن، المنفرد به، وخاطب الجهات بدعوته، وهو صبيّ ظاهر النبل والإدراك، مشهور الصّون، وأعمل الحيلة لأول أمره، على هذا الوزير مخيف أريكة ملكه، ومظنّة البدا في أمره، فطوّقه الحمام واستأصل ما زراه من مال وذخيرة، شكر الله على الدولة صنيعة، وفي ذلك يقول: [الطويل] لقد كان كالحجاج في فتكاته ... تحاذره البرّاء دوما وتخشاه تغدّى به عبد العزيز مبادرا ... وعاجله من قبل أن يتعشّاه وكان بعده وليّه الحق ونصيره لا إله إلّا هو. وهو اليوم ملك المغرب، مزاحما بابن أخيه، السلطان أبي سالم، المعقود البيعة بمرّاكش وما إليها، جمع الله شتات الإسلام، ورفع عن البلاد والعباد مضرّة الفتنة. وبتلمسان السلطان أبو حمو موسى ابن الأمير أبي يعقوب يوسف «2» بن عبد الرحمن بن يحيى بن يغمراسن بن زيّان. حسبما كان في الدولة الأولى، متفقها منه على خلال الكرم والحزم، مضطلعا بأمره والقيام على ما بيده. وبتونس «3» ، الأمير أبو سالم إبراهيم ابن الأمير أبي يحيى بن أبي حفص، حسبما تقدم ذكره. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 20 ومن ملوك النصارى: فبقشتالة سلطانها المتقدم الذكر في الدولة الأولى، بطره ابن السلطان ألهنشة «1» بن هراندة بن شانجه بن ألهنشة «2» بن هراندة، متأكّدة بينهما السلم الجمّة، والهدنة المبرمة، بما سلف من مظاهرته إيّاه، والحرص على ما استحانه من المغرب في أسطوله، وبعثه إليه برأس عدوّه المتوثّب على ملكه، ورؤوس أشياعه، الظالمين الغدرة، وأتباعه الفجرة، مستمرّة أيامه إلى وسط شعبان عام سبعة وستين، صارفا وجهه إلى محاربة صاحب برجلونة «3» ، مستوليا على كثير من قواعده الشهيرة، وقلاعه المنيعة، لما أسلفه به من إجازته، أخيه أندريق المدعوّ بالقند، ومظاهرته حتى ساءت أحواله وأحوال عدوّه، وأوهنت الحركات قوى جيشه، وأضعف الاحتشاد عمرة أرضه، واشرأبّت القلوب إلى الانحراف عن دعوته، ومالت النفوس إلى أخيه، وقامت البلاد بدعوته، وتلاحقت الوجوه بجهته، ورام التمسّك بإشبيلية دار ملكه، فثار أهلها به في عام سبعة وستين. فخرج فارّا عنها ... «4» به والسلاح يهشّ إليه، وبعد أن استظهر بخويصته، وأحمل ما قدر عليه من ذخيرة، ورفع من له من ولد وحرمة، رأى سخنة العين من انتهاب قصوره، وتشعيث منازله، وعياث الأيدي في خزائنه، وأسمعه الناس من محض التأنيب وأعراض الشمّات، ما لا مزيد عليه، ولاذ بصاحب برتغال، فنأى عنه جانبه لما يجنيه أبواه من مخالفة رأي الأمّة فيه، فقصد بلاد غليسية، وتلاحق أخوه أندريق بحضرة إشبيلية، فاستوى على الملك وطاعت لأمره البلاد، وعاجله المسلمون لأول أمره، فاستولوا على كثير من الثغور، والحمد لله. ولمّا توسّد له الأمر تحوّل لاستئصال شأفة المخلوع، فأجلى عن غليسية في البحر، واستقرّ ببلد بيونة، ممّا وراء دروب قشتالة، وانتبذ عن الخطّة القشتالية وأمر نفسه، ولجأ إلى ابن صاحب الأنتكيرة «5» ، وهو المعروف ببرقسين أبي الأمير، وبين أول أرضه وبين قشتالة؛ ثمانية أيام، فقبله ولد السلطان المذكور، الساكن بأول ما تلقّاه من تلك الأرض، وسفر بينه وبين أبيه فأنكر الأب استئذانه إياه، والمراجعة في نصره، حميّة له، وامتعاضا للواقع. وحال هذه الأمة غريبة في الحماية الممزوجة بالوفاء والرقّة، والاستهانة بالنفوس في سبيل الحمد، وبين يدي العشائق، عادة العرب الأول. وأخبارهم في القتال غريبة، من الاسترجال والزحف على الأقدام، أميرهم ومأمورهم، والجثوّ في الأرض، أو دفن ببعض الأرض في التّراب، والاستظهار في الجزء: 2 ¦ الصفحة: 21 حال المحاربة ببعض الألحان المهيّجة، ورماتهم قسيّهم غريبة جافية، وكلّهم في دروع، والإحجام عندهم، والتقهقر مقدار الشّبر ذنب عظيم، وعار شنيع، ورماتهم يثبتون للخيل في الطّراد، وحالهم في باب التّحليّ بالجواهر، وكثرة آلات الفضة، غريب. وبعد انقضاء سبعة عشر يوما كان رجوعه ورجوع البرنس المذكور معه مصاحبا بأمراء كثيرين من خترانه «1» وقرابته، وبعد أن أسلفوه مالا كثيرا، واختصّ منه صاحب الأنتكيرة، بمائتي ألف دينار من الذهب إلى ما اختصّ به غيره، وارتهنوا فيه ولده وذخيرته. وكان ينفق على نفسه وجيشه بحسب دينار واحد من الذهب للفارس في ثلاثة أيام. وكان تأليف الجيوش في بنبلونة في أزيد من ثلاثين ألفا، وعسر عليهم المجاز على فحص أحدونيه، لبلاد تمسك لطاعة القند أخيه؛ فصالح القوم صاحب نبارّه «2» على الإفراج لهم، ونزلت المحلّات في فحص نبارّة، ما بين حدود أرض نبارّة وقشتالة، ونزل المتصيّر إليه أمر قشتاله، القند بإزائها في جموع لم تنتظم لمثله، إلّا أنه لشهامته واغتراره، أجاز خندقا كان بين يديه، وعبر جسرا نشب فيه عند الجولة. وكان اللقاء بين الفريقين يوم السبت سادس إبريل العجمي، وبموافقة شعبان من عام ثمانية وستين. وكان هذا الجمع الإفرنجي الآتي من الأرض الكبيرة «3» في صفوف ثلاثة، مرتبة بعضها خلف بعض، ليس فيهم فارس واحد، إنما هم رجّالة، سواء أميرهم ومأمورهم، في أيديهم عصي جافية في غلظ المعاصم؛ يشرعونها أمامهم، بعد إثبات زجاجها «4» فيما خلفهم من الأرض، يستقبلون منها وجوه عدوّهم، ونحور خيله، ويجعلونها دعائم وتكآت لبناء مصافّهم، فلم تقلقهم المحلات، وبين أيديهم من الرّماه النّاشبة الدّارعة، ما لا يحصيهم إلّا الله عزّ وجلّ. وسايرهم السلطان، مستدعى نصرهم راجلا أميالا برأيهم؛ إلى أن أعيا بعد ميلين منها فأركبوه بغلة حملوه بينهم عليها، إلى موقف اللقاء والقند، وكان على مقدمة القوم الدك أخو البرنس، والبرنس مع السلطان مستجيره في القلب، والقند المعروف بقند أرمانيان، وكثير من الأمراء؛ ردى وسيفه دونهم، ومن خلف الجميع الخيل بجنبها ساستهم وغلمانهم وخدّامهم، ووراءها دوابّ الظّهر وأبغالهم، وفي أثناء هذه العبيّة من البنود وآلات الحرب والطرب والأبواق ما يطول ذكره. وكان في مقدمة القند المستأثر بملك قشتالة؛ أخوه شانجه في رجل قشتالة، قد ملأ السّهل والجبل، ومن خلفهم أولو الجزء: 2 ¦ الصفحة: 22 الخيل الجافية القبيلية، المسبغة الدّروع، من رأس إلى حافر، في نحو ألف وخمسمائة، وفي القلب أخوه الآخر دنطية في جمهور الزّعماء والفرسان والدّرق، وهو الأكثر من رجال الجيش اليوم، ومن ورائهم السلطان أندريق في لفيف من الناس. ولما حمل بعضهم على بعض أقدم رماة الفرنج، ثقة بدروعهم، فعظم أثرهم فيمن بإزائهم من رماة عدوهم ورجالهم، لكونهم كشفاء، فكشفوا إياهم. وحملت خيل قشتالة الدّارعة، فزحزحت كرّ المصافّ الإفرنجي، واتصل الحرب بالبرنس، وهو مطلّ عليهم في ربوة، فصاح بهم بحيث أسمع، وتناول شيئا من التراب فاستفه، وكسر ثلاث عصيي، وفعل من معه مثل فعله، وهي عادتهم عند الغضب، وعلامة الإقدام الذي لا نكوص بعده. ووجّه إلى أخيه في المقدمة، يقول له: إن وجدت في نفسك ضعفا، فاذكر أنك ولد صاحب الأنتكيرة. وحمل الكلّ حملة رجل واحد، فلم تجد الخيل الدّارعة سبيلا، وقامت في نحورها تلك الأسنّة، فولّوا منهزمين. ولمّا رأى القند هزيمة أخيه، تقدّم بنفسه بمن معه من مدد الأمة الرّغونية «1» ، وهو ينادي: يا أهل قشتالة، يا موالي، إياكم والعار، ها أنذا، فلم يثبت أمره، وتراجع فلّه. فعند ذلك فرّ في أربعة من أولي ثقته، واستولى القتل والأسر على خاصّته، وتردّى المنهزمون في الوادي خلفهم، فكان ذلك أعون الأسباب على هلكهم، فأناف عدد من هلك في هذه الوقيعة، حسبما اشتهر، خمسين ألفا. وامتلأت أيدي هذه الأمة من الأسلحة والأموال والأمتعة والأسرى الذين يفادونهم بمال عظيم، واتصل القند المنهزم بأرض رغون، ثم نجم من البلاد الفرنسية، ودخل أخوه بهذه الأمة أوائل البلاد معترفا بحميد سعيهم، وعزيز نصرهم، وقد رابه استيلاؤهم، وأوجسه تغلبهم، وساءه في الأرض الرّعّادة عياثهم فاستأذنهم في اللّحوق بقواعد أرضه، وقبض الأموال التي تجبي منها نفقاتهم، وقبض منها ديونهم قبله. وحثّ السّير، فوصل طليطلة، لا يصدّق بالنجاة، وخاطب السلطان المترجم به، وقدر ودّه، وحذّره سورة هذه الأمة التي فاض بحرها وأعيا أمرها، وأنهى إليه شرّها، وشره إلى استئصال المسلمين، وحدّ له مواعدها التي جعلت لذلك. ووصل إشبيليّة؛ وانثالت البلاد عليه، وعادت الإيالة إلى حكمه، ثم شرع في جعل الضرائب، وفرض الأموال، وأخاف الناس بالطّلب والتّبعات، فعاد نفورهم عنه جزعا، وامتنعوا من الغرم، وطردوا العمّال، وأحسّ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 23 بالشّرّ، فتحصّن بإشبيلية وجهاتها على نفسه، وطال على الأمة الواصلة في سبيل نصره الأمر. فرجعت إلى بلادها، ووقيت نفرة الفرسان، وأولي الأتباع، وأظهروا الخلاف، وكشفت جيّان وجهها في خلعانه، والرّجوع إلى دعوة أخيه المتصرّف، فتحرّك إليها السلطان المترجم به، بعد أن احتشد المسلمين، فكان من دخولها عنوة، واستباحة المسلمين إياها وتخريبها، ما هو مذكور في موضعه. ثم ألحقت بها مدينة أبّدة، الذاهبة في مخالفة مذاهبها والحمد لله. وخالفت عليه قرطبة، واستقرّ بها من الكبار جملة، كاتبوا أخاه، واستعجلوا، فتعرّف في هذه الأيام، أنه قد بلغ أرض برغش، ونار الفتنة بينهم، ويد الإسلام لهذا العهد، والمنية لله، وحده غالبة. وإنما مددنا القول في ذكر هذه الأحوال الرّومية، لغرابة تاريخها، وليستشعر الحذر، ويؤخذ من الأمة المذكورة وغيرها، والله وليّ نصر المؤمنين بفضله. وبأرض رغون سلطانها الكائن على الدولة الأولى. بعض مناقب الدولة لهذا العهد: وأولا ما يرجع إلى مناقب الحلم والكظم من مآزق الجهاد الأكبر، وهو جهاد النفس. فمن ذلك أن السلطان لمّا جرت الحادثة، وعظه التمحيص، وألجأ إلى وادي آش، لا يملك إلّا نفسه في خبر طويل، بادر إلى مخاطبة ثقته بقصبة ألمريّة، قلعة الملك، ومظنّة الامتناع، ومهاد السّلامة، ومخزن الجباية والعدّة، وقد أصبح محلّ استقراره، بينها، وبين المنتزى سدّا، وبيعة أهلها لم ينسخ الشرع منها حكما يناشده الله في رمقه، ويتملّقه في رعي ذمّته، والوفاء له، وإبراء غربته، وتمسّكه من أمانته، فردّ عليه أسوأ الردّ، وسجن رسوله في المطبق، وخرج منها لعدوّه، وناصح بعد في البغي عليه. فلمّا ردّ الله الأمر، وجبر الحق، أعتب وأجرى عليه الرّزق. ولمّا ثار في الدولة الثانية الدليل البركي «1» ، هاتفا بالدعوة لبعض القرابة، وأكذبه الله، وعقّه الشيطان بعد نشر راية الخلاف، وجعل للدولة، علوّ اليد، وحسن العاقبة، وتمكّن من المذكور، أبقى عليه، وغلّب حكم المصلحة العامة في استحيائه، وهو من مغربات الحلم المبني على أساس الدين، وابتغاء وجه الله. ولمّا أجلى عن الترشيح من القرابة، بعد تقرّب التهمة، وغمس الأيدي في المعصية، صرفوا إلى المغرب صرف العافية، وأجرى على من تخلّفوه عوائد الجزء: 2 ¦ الصفحة: 24 الأرزاق، ومرافق المواسم، ووعد ضعفاءهم بالإرفاد، وتجوفي عمّا يرجع للجميع من عقار ورباع، وأسعفت آمالهم في لحاق ذويهم من أهل وولد. وممّا يرجع إلى عوائد الرّفق، ومرافق العدل من مأزق في جهاد النفس، وقوف وكيل الدولة، مع من يجاور مستخلص «1» السلطان من العامرين «2» ومما ولي الفلاحة، وقد ادّعوا أضرارا، يجرّه الحوار بين يدي القاضي بالحضرة، حتى بعد منقطع الحقّ، على ما يخصّ السلطان من الأصول التي جرّها الميراث عن كريم السّلف. ولا كقضية التاجر المعروف بالحاج اللبّاس، من أهل مدينة وادي آش، وقد تحصّلت في داره، من قبل التاجر المذكور جارية من بنات الروم، في سبيل تفوّت الذّمم، ومستهلك المتولات، وترقّت إلى تربية ولده، وأصبحت بعض الأظآر «3» لأمرائه، واتّصل بها كلفه، وزاد هيمانه، وغشي مدافن الصّالحين من أجلها، وأنهيت إليه خبره وبثّه، وقرّرت عنده شجوه، وألمعت بما ينقل في هذا الباب عن الملوك قبله، فبادر إلى إخراجها من القصر بنفسه، وانتزاعها من أيدي الغبطة، انتزاع القهر، بحاله في جميل الزّي، فمكّنت منها يد عاشقها الذّاهل، وقد خفّت نفسه، وسكن حسّه، وكاد لقاؤه إيّاها أن يقضي عليه. ونظائر هذا الباب متعددة. ومن مواقف الصّدق والإحسان من خارق جهاد النفس، بناء المارستان الأعظم، حسنة هذه التخوّم القصوى، ومزيّة المدينة الفضلى. لم يهتد إليه غيره من الفتح الأول، مع توفّر الضرورة، وظهور الحاجة، فأغرى به همّة الدّين، ونفس التقوى، فأبرزه موقف الأخدان «4» ، ورحلة الأندلس، وفذلكة الحسنات، فخامة بيت، وتعدّد مساكن، ورحب ساحة، ودرور مياه، وصحّة هواء، وتعدّد خزائن ومتوضآت، وانطلاق جراية، وحسن ترتيب، أبرّ على مارستان مصر «5» ، بالسّاحة العريضة، والأهوية الطيّبة، وتدفّق المياه من فورات المرمل، وأسود الصخر، وتموّج البحر، وانسدال الأشجار، إلى موافقته إياي، وتسويغه ما اخترعته بإذنه، وأجريته بطيب نفسه، من اتخاذ المدرسة والزاوية، وتعيين التّربة، مغيرا في ذلك كله على مقاصد الجزء: 2 ¦ الصفحة: 25 الملوك، نقشا عليه، بطيب اسمه في المزيد، وتخليد في الجدرات للذّكر، وصونا للمدافن غير المعتادة، في قلب بلده بالمقاصر والأصونة، وترتيل التلاوة، آناء الليل «1» ، وأطراف النهار. وكل ذلك إنما ينسب إلى صدقاته، وعلوّ همّته. ويشهد بما ينبّه الحسّ إلى المنقبة العظمى، في هذا الباب، من إمداد جبل الفتح، مع كونه في إيالة غيره، وخارج عن ملكة حكمه، وما كان من إعانته، وسدّ ثغره، فانهار إليه على خطر السّرى، والظهر البعيد المسعى، ما ملأ الأهواء، وقطع طمع العداة، أنفقت عليه الأموال، ما إن مفاتحه لتنوء بالعصبة أولي القوة، بودر بذلك، بين يدي التفاؤل، بنزول العدوّ إياه، فكان الكرى «2» على إيصال الطعام إليه، بحساب درهم واحد وربع درهم للرّطل من الطعام، منفعة فذّة، وحسنة كبرى، وبدعا من بدع الفتوى. وفي موقف الاستعداد لعدوّ الإسلام، من خارق جهاد النفس، إطلاق البنى «3» ، للمدّة القريبة، والزمان الضيق، باثنين وعشرين ثغرا من البلاد المجاورة للعدوّ، والمشتركة الحدود، مع أراضيه، المترامية النيران لقرب جوابه، منها ثغر أرجدونة «4» ، المستولي عليه الخراب، أنفق في تجديد قصبته؛ واتخاذ جبّه، ما يناهز عشرين ألفا من الذهب، فهو اليوم شجى العدو، ومعتصم المسلمين، وحصن أشر، وما كان من تحصين جبله بالأسوار والأبراج، على بعد أقطاره، واتخاذ جباب الماء به، واحتفار السانية «5» الهايلة بربضه، ترك بها من الآثار ما يشهد بالقوة لله، والعناية بالإسلام. ثم ختم ذلك بنديد حصن الحمراء، رأس الحضرة، ومعقل الإسلام، ومفزع الملك، ومعقد الأيدي، وصوان المال والذّخيرة، بعد أن صار قاعا صفصفا، وخرابا بلقعا، فهو اليوم عروس يجلي المهضب، ويغازل الشهب، سكن لمكانه الإرجاف، وذوت نجوم الأطماع، ونقل إليه مال الجباية، المتفضّل لهذا العهد، بحسب التدبير، ونفّد الخراج، وصوّن الألقاب، وقمع الخزانة بما لم يتقدّم به عهد، من ثمانين سنة، والحمد لله، وتجديد أساطيل الإسلام، وإزاحة علل جيوش المرج، وعساكر البحر، فهي لهذا العهد، ملس الأديم، شارعة الشّبا، منقضّة جفاتها إلى مساواة الأعداء، راكبة ظهور المحاسن، قلقة الموافق، قدما إلى الجهاد، قد تعدّد إغزاؤها، وجاست الجزء: 2 ¦ الصفحة: 26 البحر سوابحها، وتعرّفت بركتها، والحمد لله، وأنصاب جيش الجهاد، استغرق الشهور المستقبلة، لرود الصفراء والبيضاء الأهلّة إلى أكفّ أهلها، على الدوام، بعد أن كانت يتحيّفها المطل، وينقصها المطال، والحمد لله. وفي مواقف الجهاد الحسّي، وبيع النّفوس من الله، وهو ثمرة الجهاد الأول، ما لا يحتاج عليه إلى دليل، من الجوف «1» إلى حصن أشر، قبل الثغر، والجارح المطلّ على الإسلام، والعزم على افتتاحه، وقد غاب الناس من مساورته، وأعيا عليهم فتحه، فلزمه السلطان بنفسه، بياض يوم القيظ، محرضا للمقاتلة، مواسيا لهم، خالطا نفسه بالمستنفرة، يصابر لهيب النار، ووقع السلاح، وتعميم الدّخان، مفديا للكلمات، محرّضا لذوي الجراح، مباشرا الصلاة على الشهداء، إلى أن فتحه الله على يده، بعزمه وصبره، فباشر رمّ سوره بيده، وتحصين عورته بنفسه، ينقل إليه الصّخر، وينال الطّين، ويخالط الفعلة، لقرب محلّ الطاغية، وتوقع المفاجأة. ثم كان هذا العمل قانونا مطّردا في غيره، وديدنا في سواه، حسبما نذكر في باب الجهاد. وفي باب النصيحة للمسلمين من مآزق الجهاد الأكبر، ما صدر في هذه الدولة، من مخاطبة الكافة، بلسان الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، صدعت بذلك الخطباء من فوق أعواد المنابر، وأسمعت آذان المحافل، ما لم يتقدم به عهد في الزمان الغابر. نص الكتاب: ولمّا صحّت الأخبار بخروج الأمة الإفرنسية إلى استئصال هذه البقيعة، والله متمّ نوره، ولو كره الكافرون، صدر من مخاطبة الجمهور في باب التحريض بما نصّه: «من أمير المسلمين عبد الله محمد ابن مولانا أمير المسلمين أبي الحجاج ابن مولانا أمير المسلمين أبي الوليد نصر، أيّده الله ونصره، وأوى أمره، وخلّد مآثره، إلى أوليائنا الذين نوقظ من الغفلة أحلامهم، وندعوهم لما يطهّر من الارتياب إيمانهم، ويخلص لله أسرارهم وإعلانهم، يرثي لعدم إحسانهم، وخيبة قياسهم، ويغار من استيلاء الغفلات على أنواعهم وأجناسهم، ونسأل الله لهم ولنا إقالة العثرات، وتخفيض الشدائد المعتورات، وكفّ أكفّ العوادي المبتدرات. إلى أهل فلانة، دافع الله عن فئتهم الغريبة، وعرّفهم في الذراري والحرم عوارف اللطائف القريبة، وتداركهم بالصنائع العجيبة، سلام عليكم أجمعين، ورحمة الله وبركاته. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 27 أما بعد حمد الله الذي لا نشرك به أحدا، ولا نجد من دونه ملتحدا، مبتلي قلوب المؤمنين أيها أقوى جلدا، وأبعد في الصبر مدى، ليزيد الذين اهتدوا هدى، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الذي أنقذ من الردى، وتكفل الشفاعة لمن غدا، ضاربا هام العدا، ومجاهدا من اتخذ مع الله ولدا، والرضى عن آله الذين كانوا لسماء ملّته عمدا، فلم ترعهم الكتائب الوافرة وكانوا لهم أقل عددا، ولا هالتهم أمم الكفر وإن كانت أظهر جمعا وأكثر عددا، صلاة لا تنقطع أبدا، ورضى لا يبلغ مدى. فإنا كتبنا إليكم، كتبكم الله فيمن امتلأ قلبه غضبا لأعدائه وحميّة، ورمى بفكره غرض السّداد، فلم يخط منه هدفا ولا رمية. وقد «1» اتصل بنا الخبر الذي يوجب نصح الإسلام، ورعي الجوار والذّمام، وما جعل الله تعالى «2» للمأموم على الإمام، فوجب علينا «3» إيقاظكم من مراقدكم المستغرقة، وجمع أهوائكم المفترقة «4» ، وتهييئكم إلى مصادمة الشدائد المرعدة المبرقة، وهو أنّ كبير «5» النصرانية، الذي إليه ينقادون، وفي مرضاته يصادقون ويعادون، وعند رؤية صليبه يبكون «6» ويسجدون، لما رأى الفتن قد أكلتهم خضما وقضما «7» ، وأوسعتهم هضما فلم تبق لهم «8» عصبا ولا عظما، ونثرت ما كان نظما، أعمل نظره فيما يجمع منهم ما افترق، ويرفع ما طرق، ويرفو «9» ما مزّق الشّتات وخرق، فرمى الإسلام بأمة عددها كالقطر «10» المنثال، والجراد الذي تضرب به الأمثال، وعاهدهم وقد حضر التمثال، وأمرهم وشأنهم الامتثال، أن يدمنوا «11» لمن ارتضاه «12» الطاعة، ويجمعوا من «13» ملّته الجماعة، ويطلع الكلّ على هذه الفئة القليلة الغريبة بغتة كقيام السّاعة، وأقطعهم، قطع الله بهم، العباد والبلاد، والطّارف والتّلاد «14» ، وسوّغهم الحريم المستضعف «15» والأولاد، وبالله نستدفع ما لا نطيقه، ومنه نسأل عادة الفرج، فما سدّت لديه طريقة، إلّا أنّا رأينا غفلة الناس مع الجزء: 2 ¦ الصفحة: 28 تصميمهم مؤذنة بالبوار «1» ، وأشفقنا للذين «2» من وراء البحار، وقد أصبح معظمهم «3» في لهوات الكفّار، وأردنا أن نهزّهم «4» بالموعظة التي تكحل البصائر بميل الاستبصار، وتلهمكم الاستنصار بالله عند عدم الانتصار، فإن جبر الله الخواطر بالضراعة إليه، والانكسار، ونسخ الإعسار بالإيسار، وأنجد اليمين بانتهاء اليسار، وإلا فقد تعيّن في الدنيا والآخرة حظّ الخسار، فإنّ من ظهر عليه عدوّ دينه «5» ، وهو عن «6» الله مصروف، وبالباطل مشغوف، وبغير العرف معروف، وعلى الحطام المسلوب ملهوف «7» ، فقد تلّه «8» الشيطان للجبين، وخسر «9» الدنيا والآخرة، وذلك «10» هو الخسران المبين. ومن نفذ فيه قدر الله عن أداء الواجب وبذل المجهود، وآجر «11» بالعبودية وجه الواحد الأحد المعبود، ووطّن النفس عن «12» الشهوات الموبقة في دار الخلود، العائدة بالحياة الدّائمة والوجود، أو الظّهور على عدوّه المحشور إليه المحشود «13» ، صبرا على المقام المحمود، وبيعا «14» تكون الملائكة فيه من «15» الشهود، حتى تعيث «16» يد الله في ذلك البناء المهدوم، بقوة الله المحمود، والسّواد الأعظم الممدود، كان على أمر ربّه «17» بالحياء المردود: قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنا إِلَّا إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ وَنَحْنُ نَتَرَبَّصُ بِكُمْ أَنْ يُصِيبَكُمُ اللَّهُ بِعَذابٍ مِنْ عِنْدِهِ أَوْ بِأَيْدِينا فَتَرَبَّصُوا إِنَّا مَعَكُمْ مُتَرَبِّصُونَ (52) «18» . فالله «19» الله في الهمم، فقد خبت «20» ريحها. والله الله في العقائد، فقد خفتت «21» مصابيحها. والله الله في الرّجولة «22» ، فقد فلّ حدّها. والله الله في الغيرة، فقد نعس «23» جدّها، والله الله في الدّين، فقد طمع الجزء: 2 ¦ الصفحة: 29 العدوّ في تحويله. والله الله في الحريم، فقد مدّ إلى استرقاقه يد تأميله. والله الله في المساكن التي زحف لسكناها، والله الله في الملّة التي يريد إطفاء نورها وسناها «1» ، وقد كمل فضلها وتناهى، والله الله في القرآن العظيم «2» . والله الله في الجيران. والله الله في الطّارف والتّالد، والله الله في الوطن الذي توارثه الولد عن الوالد. اليوم تستأسد النفوس المهينة، اليوم يستنزل الصبر والسكينة. اليوم «3» تحتاج الهمم أن ترعى هذه النفوس الكريمة الذّمم، اليوم يسلك سبيل العزم والحزم والشدة والشّمم، اليوم يرجع إلى الله تعالى المصرّون، اليوم يفيق من نومه الغافلون «4» والمغترون، قبل أن يتفاقم الهول، ويحقّ القول، ويسدّ الباب، ويحيق العذاب، ويسترق بالكفر «5» والرّقاب، فالنساء تقي بأنفسهنّ أولادهنّ الصغار، والطّيور ترفرف لتحمي الأوكار «6» ، إذا أحست العياث «7» بأفراخها والإضرار. تمرّ الأيام عليكم مرّ السحاب، وذهاب الليالي لكم ذهاب، فلا خبر يفضي إلى العين، ولا حديث في الله تعالى يسمع بين اثنين، ولا كدّ إلّا لزينة يحلّى بها نحر وجيد، ولا سعي إلّا في «8» متاع لا يغني في الشدائد ولا يفيد. وبالأمس ندبتم إلى التماس رحمى أو رضى «9» مسخّر السحاب، واستقالة كاشف العذاب، وسؤال مرسل الدّيمة، ومحيي البشر والبهيمة، وقد أمسكت عنكم رحمة السماء؛ واغبرّت جوانبكم المخضرّة احتياجا إلى بلالة الماء وَفِي السَّماءِ رِزْقُكُمْ وَما تُوعَدُونَ (22) «10» وإليها الأكفّ تمدّون، وأبوابها بالدعاء تقصدون، فلم يصحر «11» منكم عدد معتبر، ولا ظهر للإنابة ولا للصدقة «12» خبر، وتتوقّون عن «13» إعادة الرغبة إلى الغني «14» الحميد، والولي الذي إِنْ يَشَأْ «15» يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ «16» . وأيم الله لو كان لهوا لارتقبت الساعات، وضاقت المتّسعات، وتزاحمت على جماله وغصّت الجماعات «17» . أتعزّزا على الله وهو القوي العزيز؟ وتلبيسا «18» على الله وهو الجزء: 2 ¦ الصفحة: 30 الذي يميّز الخبيث من الطيب والشّبه من الإبريز؟ أمنابذة والنواصي بيده «1» ؟ أغرورا في الشدائد «2» بالأمل والرجوع بعد إليه؟. من يبدأ الخلق ثم يعيده؟ ثم «3» ينزل الرزق ويفيده؟ من يرجع إليه في الملمّات؟ من يرجّى في الشدائد والأزمات؟ من يوجد في المحيا والممات؟ أفي الله شكّ يختلج القلوب؟ أم «4» غير الله يدفع المكروه، وييسّر المطلوب؟ تفضلون على اللجإ إليه في الشدائد، بواسم الجهل «5» ، وثرّة الأهل «6» وطائفة منكم قد برزت إلى استسقاء رحمته، تمدّ إليه الأيدي والرقاب، وتستكشف بالخضوع لعزته «7» العقاب، وتستعجل إلى مواعد «8» إجابته الارتقاب، وكأنكم أنتم «9» عن كرمه قد استغنيتم، أو على الامتناع من الرجوع إليه بنيتم. أما تعلمون كيف كان نبيّكم صلوات الله وسلامه عليه من التبلغ باليسير، والاستعداد إلى دار الرحيل «10» الحقّ والمسير، ومداومة الجوع، وهجر الهجوع، والعمل على الإياب إلى الله والرجوع؛ دخلت عليه «11» فاطمة، رضي الله عنها، وبيدها كسرة شعير، فقال: ما هذه «12» يا فاطمة؟ فقالت: يا رسول الله، خبزت قرصة، وأحببت أن تأكل منها. فقال: يا فاطمة، أما أنه أول طعام دخل جوف أبيك منذ ثلاث؟ وكان صلى الله عليه وسلم يستغفر في اليوم سبعين مرة، يلتمس رحماه، ويقوم وهو المغفور له ما تقدّم من ذنبه وما تأخّر، حتى تورّمت «13» قدماه، وكان شأنه الجهاد، ودأبه الجدّ والاجتهاد، ومواقف صبره تعرفها الرّبى والوهاد. فإذا لم تقتدوا به فبمن تقتدون؟ وإذا لم تهتدوا بهديه «14» فبمن تهتدون؟ وإذا لم ترضوه باتّباعكم فكيف تعتزون «15» إليه وتنتسبون؟ وإذا لم ترغبوا في الاتّصاف بصفاته غضبا لله تعالى وجهادا، وتقللا من العرض الأدنى وسهادا، ففيم ترغبون؟ فابتروا حبال الآمال، فكلّ آت قريب، واعتبروا بمثلات ما دهم «16» من تقدم من أهل البلاد والقواعد، فذهولكم عنها غريب، وتفكّروا في منابرها التي كان «17» يعلوها واعظ أو خطيب، ومطيل ومطيب، ومساجدها المتعدّدة الصفوف، والجماعات الجزء: 2 ¦ الصفحة: 31 المعمورة بأنواع الطّاعات «1» ، وكيف أخذ الله فيها بذنب المترفين من دونهم، وعاقب الجمهور بما أغمضوا «2» عيونهم، وساءت بالغفلة عن الله عقبى جميعهم، وذهبت النقمات بعاصيهم، ومن داهن في أمره من مطيعهم، وأصبحت مساجدهم مناصب للصلبان، واستبدلت مآذنهم بالنواقيس من الأذان. هذا والناس ناس، والزمان زمان. فما هذه الغفلة عن من إليه الرّجعى وإليه المصير؟ وإلى متى التّساهل في حقوقه وهو السميع البصير؟ وحتى متى مدّ الأمل في الزمن القصير؟ وإلى متى نسيان اللّجإ إلى الولي النصير؟ قد تداعت الصلبان مجلبة «3» عليكم، وتحرّكت الطواغيت من كلّ جهة إليكم. أفيخذلكم الشيطان وكتاب الله قائم فيكم؟ وألسنة الآيات تناديكم؟ لم تمح سطورها، ولا احتجب نورها، وأنتم بقايا من افتتحها «4» من عدد قليل، وصابر فيها كلّ خطب جليل، فوالله لو تمحّض الإيمان، ورضي الرحمن، ما ظهر التّثليث في هذه الجزيرة على التوحيد، ولا عدم الإسلام فيها عزم «5» التأييد. ولكن شمل الداء، وصمّ النداء، وعميت الأبصار، فكيف الاهتداء والباب مفتوح، والفضل ممنوح؟ فتعالوا نستغفر الله جميعا، فهو الغفور الرحيم، ونستقبل مقيل العثرات «6» ، فهو الرّءوف الحليم، ونصرف الوجوه إلى الاعتراف بما قدّمت أيدينا، فقبول المعاذير من شأن الكريم. سدّت الأبواب، وضعفت الأسباب، وانقطعت الآمال إلّا منك يا كريم «7» ، يا فتّاح، يا وهّاب يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدامَكُمْ (7) «8» يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ (123) «9» وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (139) «10» يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصابِرُوا وَرابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (200) «11» . أعدّوا الخيل وارتبطوها، وروّضوا النفوس على الشهادة واغبطوها «12» ، فمن خاف الموت رضي بالدنيّة، ولا بدّ على كلّ حال من المنيّة، والحياة مع الذلّ ليست من شيم «13» أهل العقول والنفوس السّنيّة، واقتنوا السلاح والعدّة، وتعرّفوا إلى الله في الرّخاء يعرفكم في الشدّة، واستشعروا القوة بالله تعالى على أعدائه وأعدائكم، واستميتوا من دون أبنائكم، وكونوا كالبنيان «14» المرصوص الجزء: 2 ¦ الصفحة: 32 لحملات العدو «1» النازل بفنائكم، وحطّوا «2» بالتعويل على الله وحدة بلادكم، واشتروا من الله جلّ جلاله أبناءكم «3» . ذكروا أنّ امرأة احتمل السبع ولدها، وشكت إلى بعض الصالحين، فأشار عليها بالصدقة فتصدّقت برغيف، فأطلق السبع ولدها. وسمعت النداء: يا هذه، لقمة بلقمة، وإنّا لما استودعناه لحافظون. اهجروا «4» الشهوات، واستدركوا الباقيات «5» من قبل الفوات، وأفضلوا «6» لمساكينكم من الأقوات، واخشعوا لما أنزل الله تعالى من الآيات، وخذوا نفوسكم بالصّبر على الأزمات، والمواساة في المهمّات، وأيقظوا جفونكم من السّنات. واعلموا أنكم رضّع «7» ثدي كلمة التوحيد، وجيران البلد الغريب، والدّين الوحيد، وحزب التمحيص، ونفر المرام العويص «8» ، فتفقّدوا معاملتكم «9» مع الله تعالى، فمهما رأيتم «10» الصّدق غالبا، والقلب للمولى الكريم مراقبا، وشهاب اليقين «11» ثاقبا، فثقوا بعناية الله التي لا يغلبكم معها غالب، ولا ينالكم من أجلها «12» عدوّ مطالب، وأنكم «13» في السّتر الكثيف، وعصمة «14» الخبير اللّطيف. ومهما رأيتم الخواطر متبدّدة، والظنون بالله متردّدة، والجهات التي تخاف وترجى متعدّدة، والغفلة عن الله ملابسها «15» متجدّدة، وعادة دواعي الخذلان دائمة، وأسواق الشهوات قائمة، واعلموا «16» أنّ الله منفّذ فيكم وعده ووعيده في الأمم الغافلين، وأنكم قد ظلمتم أنفسكم ولا عدوان إلّا على الظّالمين. والتوبة تردّ الشارد والله يحبّ التّوّابين، ويحب المتطهّرين، وهو القائل: إِنَّ الْحَسَناتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئاتِ ذلِكَ ذِكْرى لِلذَّاكِرِينَ «17» . وما أقرب صلاح الأحوال، إذا صلحت العزائم، وتوالت على حزب الشيطان الهزائم، وخملت الدّنيا الدنيّة في العيون، وصدقت فيها عند الله الظّنون: حزب الشيطان الهزائم، وخملت الدّنيا الدنيّة في العيون، وصدقت فيها عند الله الظّنون: يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا وَلا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ (5) «18» . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 33 وثوبوا «1» سراعا إلى طهارة القلوب، وإزالة الشّوب «2» ، واقصدوا أبواب غافر الذنوب «3» وقابل التّوب، واعلموا أنّ سوء الأدب مع الله يفتح أبواب الشدائد، ويسدّ طريق «4» العوائد، فلا تمطلوا بالتوبة أزمانكم، ولا تأمنوا مكر الله فتغشوا إيمانكم، ولا تعلّقوا متابكم بالصّرائر «5» ، فهو علّام السرائر، وإنما علينا معاشر الأولياء «6» أن ننصحكم وإن كنّا أولى بالنّصيحة، ونعتمدكم بالموعظة الصريحة، الصادرة- علم الله- عن صدق القريحة، وإن شاركناكم في الغفلة، فقد ناديناكم «7» إلى الاسترجاع والاستغفار، وإنما لكم لدنيا «8» نفس مبذولة في جهاد الكفّار، وتقدّم «9» إلى ربّكم العزيز الغفّار، وتقدّم لديكم إلى مواقف الصّبر التي لا ترتضي «10» بتوفيق الله الفرار، واجتهاد فيما يعود بالحسنى وعقبى الدّار، والاختيار لله وليّ الاختيار، ومصرّف الأقدار. وها نحن نسرع في الخروج إلى مدافعة هذا العدوّ، ونفدي بنفوسنا البلاد والعباد، والحريم المستضعف والأولاد، ونصلى «11» من دونهم نار الجلاد، ونستوهب منكم الدّعاء إلى «12» من وعد بإجابته، وتقبّل «13» من صرف إليه وجه إنابته. اللهمّ كن لنا في هذا الانقطاع «14» نصيرا، وعلى أعدائك ظهيرا، ومن انتقام عبدة الأصنام مجيرا «15» . اللهمّ قوّ من ضعفت حيلته، فأنت القوي المعين، وانصر من لا نصير له إلّا أنت، إياك «16» نعبد، وإياك نستعين. اللهمّ ثبّت أقدامنا وانصرنا عند تزلزل الأقدام، ولا تسلمنا عند لقاء عدوّ الإسلام، فقد ألقينا إليك يد الاستسلام. اللهمّ دافع بملائكتك المسوّمين، [عمّن ضيّقت أرجاؤه، وانقطع إلّا منك رجاؤه. اللهمّ هيّئ لضعفائنا، وكلّنا ضعيف فقير، إليك، ذليل بين يديك حقير، رحمة تروى بالأزمة وتشبع، وقوة تطرد وتستتبع. يا غلاب الغلّاب، يا هازم الأحزاب، يا كريم العوائد، يا مفرّج الشدائد، ربّنا أفرغ علينا صبرا، وثبّت أقدامنا، وانصرنا على القوم الكافرين «17» ] . اللهمّ اجعلنا «18» ممن تيقّظ فتيقّظ، وذكر الجزء: 2 ¦ الصفحة: 34 فتذكّر، ومن قالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزادَهُمْ إِيماناً وَقالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ (173) فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ (174) «1» . وقد وردت علينا المخاطبات من قبل «2» إخواننا المسلمين الذين عرفنا في القديم والحديث اجتهادهم، وشكرنا في ذات الله تعالى جهادهم، بني مرين، أولي الامتعاض لله والحميّة، والمخصوصين بين القبائل الكريمة بهذه المزية، بعزمهم على الامتعاض لحقّ الجوار، والمصارخة التي تليق بالأحرار، والنّفرة لانتهاك ذمار نبيّهم «3» المختار، وحركة سلطانهم «4» محلّ أخينا بمن له من الأولياء والأنصار، إلى الإعانة على هؤلاء الكفّار، ومدافعة أحزاب الشيطان وأهل النّار، فاسألوا الله تعالى إعانتهم على هذا المقصد الكريم الآثار، والسعي الضّمين للعزّ والأجر والفخار، والسّلام الكريم يخصّكم أيها الأولياء، ورحمة الله وبركاته «5» . في الثاني عشر من شهر رمضان المعظم من عام سبع وستين وسبعمائة. عرّفنا الله خيره، صحّ هذا، فكان دفاع الله أقوى، وعصمته أكفى. والحمد لله على عوائده الحسنى. ومن الغيرة على الدين، وتغيّر أحوال الملحدين، من مآزق جهاد النفس، ما وقع به العمل من إخماد البدع، وإذهاب الآراء المضلة، والاشتداد على أهل الزّيغ والزّندقة. وقد أضاقت أرباب هذه الأضاليل الشريعة، وسدّت مضرّهم في الكافّة، فيسلّط عليهم الحكّام، واستدعيت الشهادات، وأخذهم التّشريد، فهل تحسّ منهم أحدا، أو تسمع لهم ركزا؟ وقيّد في ذلك عني مقالات أخرى. منها رسالة «الغيرة على أهل الحيرة» ، ورسالة «حمل الجمهور على السنن المشهور» . ورسالة «أنشدت على أهل الرّد» . فارتفع الخوض، وكسدت تلك الأسواق الخبيثة، وصمّ منها الصّدى، ووضح نار الهدى، والحمد لله، ولو تتبعت مناقب الهدى، لأخرج ذلك عن الغرض. الأحداث: وفي غرة ذي الحجة كانت الثورة الشّنعاء المجحفة بالدولة، وقد كان السلطان أنذر بطائفة، تداخل بعض القرابة، فعاجله بالقبض عليه، وهو في محل ولايته، فصفّد وأحمل إلى قصبة ألمريّة، وخاف أرباب المكيدة افتضاح الأمر، فتعجّلوا إبراز الكامن، وإظهار الخبث، وتولّى ذلك جملة من بني غرون ذنابى بيت الجزء: 2 ¦ الصفحة: 35 الإدبار، وقد عابهم من بني مطرون، يدور أمرهم على الدّليل البركي «1» ، فأكذب الله دعوتهم، بعد أن أركبوا الشيخ عليّا بن نصر، ونصبوه تلقاء القلعة بباب البنود «2» ، ودعوا الناس إلى بيعته. وأخذ السلطان حذره، وناصبهم القتال، وأشاع العطا، واستركب الجيش. وعمّر الأسوار، فأخفق القصد، وفرّ الدليل البركي، وتقبّض على الرئيس المذكور، وجعل الله العاقبة الحسنة للسلطان. وكان ممّا أمليته يومئذ بين يدي السلطان، من الكلام المرسل، ما هو نصه، بعد الصّدر: وإلى هذا فممّا أفادته الفطر السليمة، والحلم والقضاء بالشريعة، والنّقل الشرعي والسّنن المرعي، أنّ مغالب الحقّ مغلوب، ومزاحم الله مهزوم، ومكابر البرهان بالجهل موسوم، ومرتع الغيّ مهجور، وسيف العدوان مفلول، وحظّ الشيطان موكوس، وحزب السلطان منصور. ولا خفاء بنعمة الله علينا، التي اطّردها في المواطن العديدة؛ والهضبات البعيدة، والشّبهات غير المبينة، والظّلمات الكثيفة، معلن بوفور الحظّ من رحمته، وإبراز القداح في مجال كرامته، والاختصاص بسيما اختياره، فجعل العصمة ليلة الحادث علينا من دون مضجع أمانا، ونهج لنا سبيل النّجاة بين يدي كسبه علينا، وسخّر لنا ظهري الطّريف والطريق، بعد أن فرّق لنا بحر الليل، وأوضح لنا خفيّ المسلك، وعبّد لنا عاصي الحزم، ودمّث غمر الشّعراء «3» ، وأوطأنا صهوة المنعة، وضرب وجوه الشّرذمة المتبعة، بعد أن ركضوا قنيب البراذن البادئة، من خزائن إهدائنا، المتجمّلة بحلي ركبنا؛ وتحمّلوا السلاح والرّياش المختار من أثير صلاتنا، وأبهروا الأنفاس التي طال ما رفعها إيناسنا وأبلغها الريق تأميننا، وصبّبوا العرق الذي أفضله طعامنا، شرهين إلى دمنا، المحظور بالكتاب والسّنّة، المحوط بسياج البيعة، المحصّن عنهم بتقديم النّعمة، وحرمة الأب ومتعدّد الأذمّة، فجعل الله بيننا وبينهم حاجزا، وسدّ ليأجوجهم من المردة مانعا، وانقلبوا يعضّون الأنامل الغضّة من سريط جفاننا، ويقلّبون الأكفّ التي أجدبها الدّهر، ترفيعا من المهن المترتّبة في خدمتنا، قد حالهم صغار القدر، وذلّ الخيبة، وكبح الله جماعتهم عن التّنفق بتلك الوسيلة. واحتللنا قصبة وادي آش، لا نملك إلّا أنفسنا، لم يشبها غشّ الملّة، ولا كياد الأمّة، ولا دنّسها والحمد لله عار الفاحشة، ولا وسمها الشّوم في الولاية، ولا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 36 أحبط عمل نجابتها دخل العقيدة، ولا مرض السّريرة، مذ سلّمنا المقادة لمن عطف علينا القلوب، وصيّر إلينا ملك أبينا من غير حول ولا حيلة، نرى أنّها أملك لحرمتنا، وأعلم بما كنّا، وأرحم بنا، فتشبّثت بها القدم، وحميت لنا من أهلها، رعاهم الله الهمم، وصدقت في الذّبّ عنّا العزائم، وحاصرنا جيش العدو، وأولياء الشياطين، وظهر الباطل، فبان الظّفر والاستقبال، وظهرت الفئة القليلة، والله مع الصابرين، فغلبوا هناك وانقلبوا صاغرين. ومع ما لنا من الضّيق، وأهمّنا من الأمر، فلم نطلق به غارة، ولا شرهنا إلى تغيير نعمة، ولا سرّحنا عنّا اكتساح على هجمة، ولا شعنا لبسا في بيت ولا حلّة، وأمسكنا الأرماق بيسير الحلال الذي اشتملته خزائننا من أعشار وزكوات، وحظوظ من زراعات، وارتقبنا الفرج ممّن محّص بالشّدة، والإقالة ممن نبّه من الغفلة، وألهم الإقلاع والتّوبة. ثم وفّقنا سبحانه، وألهمنا من أمرنا رشدا، وسلك بنا طريقا في بحر الفتنة يبسا، فدناه بحقن الدماء، وتأمين الأرجاء، وشكرنا على البلاء؛ كشكرنا إيّاه على الآلاء. وخرجنا على الأندلس، ولقد كاد، لولا عصمته، بأن نذهب مذاهب الزّوراء، ونستأصل الشّأفة «1» ، ونستأصل العرصة «2» ، سبحانه ما أكمل صنعه، وأجمل علينا ستره، إلى أن جزنا البحر، ولحقنا بجوار سلطان المغرب. لم تنب عنّا عين، ولا شمخ علينا أنف، ولا حمل علينا بركب «3» ، ولا هتفت حولنا غاشية، ولا نزع عنّا للتقوى والعفاف ستر، بل كان الناس يوجبون لنا الحقّ الذي أغفله الأوغاد من أبناء دولتنا، والضّفادع ببركة نعمتنا، حتى إذا الناس عافوا الصّيحة، وتملّوا الحسرة، وسيموا الخسار والخيبة، وسامهم الطّغام «4» الذين يرجون لله وقارا، ولا يألون لشعائره المعظّمة احتقارا، كلاب الأطماع، وعبدة الطاغوت «5» ، ومدبّر وحجون الجهل، ومياسيس أسواق البعد عن الرّب، وعرائس محرم الزينة، ودود القزّ، وثغار النّهم الأعزّة على المؤمنين بالباطل، الأذلّة في أنفسهم بالحق، ممن لا يحسن المحاولة، ولا يلازم الصّهوة، ولا يحمل السلاح، ولا ينزه مجتمع الحشمة عن الفحشاء، ولا يطعم المسكين، ولا يشعر بوجود الله، جاروا من شقيّهم المحروم، على مضعوف ملتفّ في الحرم المحصور، محتف بلطف المهد، معلّل بالخداع، مسلوب الجرأة بأيدي انتهازهم، شؤم على الإسلام، ومعرّة في وجه الدين، أخذ الله الجزء: 2 ¦ الصفحة: 37 منهم حقّ الشريعة، وأنصف أئمّة الملّة، فلم ينشبوا أن تهارشوا، فعضّ بعضهم، واستأصلهم البغي، وألحم للسيف، وتفنن القتل، فمن بين مجدّل يوارى بأحلاس الدّواب الوبرة، وغريق يزفّ به إلى سوء الميتة، واستبينت حرمة الله، واستضيم الدّين، واستبيحت المحرّمات، واستبضعت الفروج في غير الرّشدة، وساءت في عدوّ الدّين الحيلة، فتحرّكنا عن اتفاق من أرباب الفتيا، وعزم من أولي الحريّة، وتحريض من أولي الحفيظة والهمّة، وتداحر من الشوكة، وتحريك من وراء البحر من الأمة، فكان ما قد علمتم من تسكين الثّائرة وإشكا العديم، وإصمات الصارخ، وشعب الثّأي «1» ، ومعالجة البلوى، وتدارك القطر، وقد أشفى، وكشف الضرّ والبأساء، أما الحبوة فالتمسها، وجلّ الرّبّ، واستشاط عليها جوّ السماء. وأمّا مرافق البحر ومرافده، فسدّت طرقها أساطيل الأعداء. وأما الحميّة، فبدّدها فساد السيرة، وغمط الحق، وتفضيل الأذى. وأمّا المال، فاصطلم السّفه بيضاءه وصفراءه، وكبس خزائنه حتى وقع الإدقاع والإعدام، وأقوى العامر، وافتقرت المجابي والمغابن، واغتربت جفون السيوف من حلاها، وجردتموا الآلة إلى أعلاها، والدّغل المستبطن الفاضح، ويمحض الحين، وأسلمت للدواء العرصة، وتخرّبت الثغور من غير مدافعة، واكتسحت الجهات فلم يترك بها نافخ، ووقع القول، وحقّ البهت، وخذل الناصر، وتبرّأت الأواصر، فحاكمنا العدو إلى النّصفة، ولم نقرّه على الدّنيّة، وباينّاه أحوج ما كنّا إلى كدحه، وأطمع ما أصبحنا في مظاهرته على الكفّار مثله، اعتزازا بالله، وثقة به، ولجأ إليه، وتوكلا عليه، سبحانه ما أبهر قدرته، وأسرع نصرته، وأوجى أمره، وأشدّ قهره. وركبنا بحر الخطر، بجيش من التجربة، ونهدنا قدما، لا نهاب الهول ولا نراقبه، وأطللنا على أحواز ريّه «2» في الجمع القليل، إلّا من مدد الصّبر المفرد، إلّا من مظاهرة الله الغفل، إلّا من زينة الحق المظلّل جناح عقابه يجتاح الروح، تسدّ جياده بصهيل العزّ، المطالعة غرره بطليعة النصر. فلمّا أحسّ بنا المؤمنون المطهّرون بساحتهم انتزوا من عقال الإيالة الظالمة، والدّعوة الفاجرة، وتبرأوا من الشّرذمة الغاوية، والطّائفة المناصبة لله المحاربة، وأقبلوا ثنيّات وأفرادا، وزرافات ووحدانا، ينظرون بعيون لم ترو من غيبتنا، من محيّا رحمة، ولا اكتحلت بمنظر رأفة، ووجوه عليها قسوة الخسف، وإبشار عليها بوس الجهد، يتعلّقون بأذيالنا تعلّق الغريق، يئنّون من الجوع والخوف أنين المرضى، ويجهشون بالبكاء، ويعلنون لله ولنا بالشكوى، فعرّفناهم الأمان من الأعداء، وأول عارفة جعلونا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 38 عليهم، وصرفنا وجه التّأمين والتّأنيس، وجميل الودّ إليهم، وخارطناهم «1» الإجهاش والرّقعة، ووثّبنا «2» لهم من الذّلة، واستولينا على دار الملك ببلدهم، فأنزلنا منها أخابيث كان الأشقياء مخلّفوهم بها، من أخلاف لا يزال تطأ إبشارهم الحدود، وتأنف من استكفائهم اليهود، وانثالت علينا البلاد، وشمّر الطاغية ذيله عن الجهات، وراجع الإسلام رمق الحياة، وحثثنا السير إلى دار الملك، وقد فرّ عنها الشقي الغاصب، بشوكة بغيه، التي أمدّته في الغيّ، وأجرته على حرمة الله. وقصد دار قشتالة، بكل ما صانت الحقاق من ذخيرة، وحجبت الأمهاء من خرزة ثمينة، يتوعدون المسلمين بإدالة الكفر من الإيمان، واقتياد جيوش الصّلبان، وشدّ الحيازم إلى تبديل الأرض غير الأرض، وسوم الدّين، وطمس معالم الحق، كيادا لرسول الله في أمته، ومناصبة له في حنيفيّته، وتبديلا لنعمة الله كفرا، ولمعروف الحقّ نكرا، أصبح له الناس على مثل الرّضف، يرتقبون إطلال الكريهة، وسقوط الظّلّة، وعودة الكرّة، وعقبى المعرّة، والله من ورائهم محيط، وبما يعملون محيط، ولدعاء المستضعفين من المؤمنين مجيب، ومنهم وإن قعدوا في أقصى الأرض قريب. ولم نقدم مذ حللنا بدار الملك شيئا على مراسلة صاحب قشتالة في أمره، نناشده العهد، ونطري له الوفاء، ونناجزه إلى الحقّ، ونقوده إلى حسن التلطّف، إلى الذي نشاء من الأمن، فحسم الداء، واجتثّ الأعداء، وناصح الإسلام وهو أعدا عدوه، وحزم الدين، وهو المعطل من أدوائه، وصارت صغرى عناية الله بنا، التي كانت العظمى، واندرجت أولاها في الأخرى، وأتت ركائب اليمن واليمين تترى، ورأى المؤمنون أن الله لم يخلق هذا الصّقع سدى ولا هباء عبثا، وأن له فينا خبيئة غيب، وسرّ عناية، يبلّغنا إيّاها، ويطوّقنا طوقها، لا مانع لعطائه، ولا معدّد لآلائه، له الحمد ملء أرضه وسمائه. فمن اضطردت له هذه العجائب، فحملته عوائق الاستقامة مزية جيوب التقوى، كيف لا يتمنّى، ويدين لله بمناصحته، ويحذر عناد الله بمخالفته، ويخشى عاقبة أمره، إنها لا تعمي الأبصار، ولكن تعمي القلوب التي في الصدور. فقلّمنا أظفار المطالبة وأغضينا عن البقيّة وسوّغنا من كشف وجهه في حربنا نعمة الإبقاء، وأقطعنا رحم من قطع طاعتنا جانب الصّفح، وأدررنا لكثير ممن شحّ عنّا ولو بالكلمة الطيّبة جورية الرزق، ووهنا ما وجب لنا من الحق، ودنّا له بكظم الغيظ؛ وعمرنا الرّتب بأربابها، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 39 وجردنا الألقاب بعد خرابها، وقبضنا الجباية محمّلة كتد العادة، مقودة بزمام الرّفق، ممسوحا عطفها بكفّ الطواعية، فبلّلنا صدأ الجيش الممطول بالأماني، المعلّل بالكذب، المستخدم في الذبّ عن مجاثم الفحشاء، ومراقد العهر، ودارينا الأعداء، وحسمنا الداء، وظهر أمر الله وهم كارهون، إلّا أن تلك الشّر ذمة الخبيثة أبقت جراثيم نفاق، ركبها انحجار الغدر، وبذر بها حصيد الشّرّ، وأخلطوا الحقائب اللّعنة ممن ساء ظنّه، وخبث فكره، وظنّ أن العقاب لا يفلته، والحقّ لا يذره، والسياسة لا تحفزه، فدبّت عقاربهم، وتدارت طوافاتهم، وتأبّت فسادهم، فدبّروا أمرا تبره الله تتبيرا، وأوسعه خزيا وبيلا، وجفلوا يرتادون من أذيال القرابة، من استخلصه الشيطان وأصحبه الخذلان، من لا يصلح لشيء من الوظائف، ولا يستقلّ ببعض الكلف، فحركوا منهم زاهق زمانه، من شرّ الدّواب الذين لا يسمعون، فأجّرهم رسنه، وتوقف وقفة العين بين الورد والصّدر، بخلال ما أطلعنا الله طلع نيّته، فعاجلناه بالقبض، واستودعناه مصفدا ببعض الأطباق البعيدة، والأجباب العميقة، فخرج أمرهم، وخافوا أن نحترش السعايات، صباب مكرهم، وتتبع نفاقهم، فأقدموا إقدام العير على الأسد، استعجالا للحين، ورجعا لحكم الخيار، وإقداما على التي هي أشدّ، تولّى كبرها، وكشف وجهه في معصيتها الخبيث البركي «1» حلف التهور والخرق، المموّه بالبسالة وهو الكذوب النّكوث الفلول، تحملنا هفوته، وتغمّدنا بالعفو قديما وحديثا زلّته، وأعرضنا فيه عن النّصيحة، وأبقينا له حكم الولاية، وأنسنا من نفرته، وتعاففنا عن غرّته، وسوّغنا الجرائم التي سبقت، والجرائر التي سلفت، من إفساد العهد وأسر المسلمين، والافتيات على الشرع، والصّدوع بدعوى الجاهلية، فلم يفده إلّا بطرا، ولم يزده إلّا مكرا، والخير في غير أهله يستحيل شرّا، والنفع ينقلب ضرّا. والتفّت عليه طائفة من الخلائق، بنو غرّون قرعاء الجبل والمشأمة، وأذناب بيت الإدبار، ونفاية الشرّار، عرك جرأتهم مكان صهرهم البائس، ابن بطرون، الضعيف المنّة السقيط الهمّة، الخامل التفصيل والجملة، وغيرهم ممن يأذن الله بضلال كيدهم وتخييب سعيهم، فاقتحموا البلد صبيحة يهتفون بالناس أن قد طرق حمامهم، وأن العدو قد دهمهم، ملتفتين يرون أنهم في أذيالهم، وأنّ رماحهم تنهشهم وتنوشهم، وسرعانهم ترهقهم، كأنهم سقطوا من السماء، أو ثاروا من بين الحصباء، ثم جالوا في أزقّة البلد يقذفون في الصّفاح نار الحباحب «2» ركضا فوق الصّخر المرصوف، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 40 وخوضا في الماء غير المرهوف. ثم قصدوا دار الشيخ البائس علي بن أحمد بن نصر، نفاية البيت، ودردى القوم، ممسوخ الشكل، قبيح اللّتغ، ظاهر الكدر، لإدمان المعاقرة، مزنون بالمعاقرة والرّبت على الكبرة، ساقط الهمّة، عديم الدّين والحشمة، منتمت في البخل والهلع، إلى أقصى درجات الخسّة، مثل في الكذب والنميمة، معيّب المثانة، لا يرق بوله، ولا يجفّ سلسه، فاستخرجوه مبايعا في الخلافة، منصوبا بأعلى كرسي الإمامة، مدعوما بالأيدي لكونه قلقا لا يثبت على الصّهوة، مختارا لحماية البيضة، والعدل في الأمة، مغتما للذبّ عن الحنيفية السّمحة، وصعدوا به إلى ربوة بإزاء قلعتنا، منتترا باب البنود «1» ، مستندا إلى الربض، مطلا على دار الملك، قد أقام له رسم الوزارة ابن مطرون الكاري، الكسح الدروب برسم المسومة، الحرد، المهين الحجة، فحل طاحونة الغدر، وقدر السّوق والخيانة، واليهودي الشكل والنّحل، وقرعت حوله طبول الأعراس، إشادة بخمول أمره، واستهجان آلته، ونشرت عليه راية فال رأيها، وخاب سعيها، ودارت به زعنفة من طغام من لا يملي ولا يزيد المكا والصّغير من حيله، وانبثّت في سكك البلد مناديه، وهتف أولياء باطله باسمه وكنيته، وانتجزوا مواعيد الشيطان فأخلفت، ودعوا سماسير الغرور فصمّت، وقدحوا زناد الفتنة فصلدت وما أوارت. ولحين شعرنا بالحادثة، ونظرنا إلى مرج الناس، واتصل بنا ريح الخلاف، وجهير الخلعان، استعنّا بالله وتوكلنا عليه، وفوّضنا أمرنا إلى خير الناصرين، وقلنا: ربّنا افتح بيننا وبين قومنا بالحق، وأنت خير الفاتحين، واستركبنا الجند، وأذعنا خبر العطاء، وأطلقنا بريح الجهاد، ونفير الجلاد. وملأنا الأكفّ بالسلاح، وعمرنا الأبراج بالرجال، وقرعنا طبول الملك، ونشرنا ألوية الحق؛ واستظهرنا بخالصة الأمراء أولياء الدعوة، وخاطبنا فقيه الرّبض، نخبر مخبره؛ ونسبر غوره، فألفيناه متواريا في وكره، مرعيا على دينه، مشفقا من الإخطار برمّه، مشيرا بكمّه. وتفقّدنا البلد، فلم نرتب بأحد من أهله. فلما كملت البيعة، وفخمت الجملة، أنهدنا الجيش، وليّ أمرنا، الذي اتخذناه ظهيرا؛ واستنبطناه مشيرا، والتزمناه جليسا وصهيرا، ولم ندخر عنه محلّا أثيرا، الشيخ الأجلّ، أبا سعيد عثمان ابن الشيخ أبي زكريا يحيى بن عمر بن رحّو، ممهّد الرعب بقدومه، والسّعد في خدمتنا بخدمه، في جيش كثيف الجملة، سابغ العدّة، مزاح العلة، وافر النّاشية، أخذ بباب الربض وشعابه، ولفّ عليه أطنابه، وشرع إليه أمله. ولم يكن إلّا كلّا ولا، حتى داسه الجزء: 2 ¦ الصفحة: 41 بالسّنابك، وتخلّفه مجرّ العوالي، ومجرى السوابق، وهو الحمى الذي لا يتوعد، والمجد الذي لا يغرب، فلولا تظاهر مشيخته بشعار السّلم؛ واستظلاله بظلال العافية، لحثّ الفاقرة، ووقعت به الرّزيّة. وفرّ الأعداء لأول وهلة، وأسلموا شقيّهم أذلّ من وتد في قاع، وسلحفة في أعلى يفاع، فتقبّض عليه، وأخذت الخيل أعقاب الغدرة أشياعه، وقيد إلينا يرسف في قيد المهزم، ثعلبان مكيدة، وشكيّة ضلال ومظنّة فضيحة، وأضحوكة سمر. فتضرّع بين أيدينا، وأخذته الملامة، وعلاه الخزي، وثلّ إلى المطبق، حتى نستدعي حكم الله في جرمه، ونقتضي الفتيا في جريرته، ونختار في أقسام ما عرضه الوحي من قتلته. وهدأت الثائرة، والحمد لله من يومها، واجتثّت شجرة الخلاف من أصلها، فالحمد لله الذي أتمّ نوره ولو كره الكافرون إِنَّ هؤُلاءِ مُتَبَّرٌ ما هُمْ فِيهِ وَباطِلٌ ما كانُوا يَعْمَلُونَ (139) «1» .وماذا رابهم منّا، أصغر الله منقلبهم، وأخزى مردّهم، واستأصل فلكهم؟ أولا يتبنى أمر وارثه، ثم عوده إلينا طواعية، ثم رفعنا وطأة العدو وحربه، ومددنا ظلال الأمن دفعة، وأنفأنا رمق الثغور، حين لم يجدوا حيلة إلّا ما عرفوا من أمنه، وبلوا من حيطته وتسوّغا من هدنة، وانسحبت فوق آمالهم وحريمهم من عفّة، وأظهر الله علينا من نعمة. ربّنا أنك تعلم ما نخفي وما نعلن، وما يخفى على الله من شيء في الأرض ولا في السماء. اللهمّ ألبسنا سريرتنا، وعاملنا بدخلتنا فيهم، وإن كنّا أردنا لجماعتهم شرّا، وفي دينهم إغماضا، وعن العدل فيهم عدولا، فعاملنا بحسب ما تبلوه من عقيدنا، وتستكشفه من خبيئتنا، وإن كنت تعلم صحة مناصحتنا لسوادهم؛ واستنفادنا الجهد في إتاحة عافيتهم، ورعي صلاحهم، وتكيف آمالهم، فصل لنا عادة صنعك فيهم، ومسّلنا طاعتهم، واهد بنا جماعتهم، وارفع بنظرنا إطاعتهم، يا أرحم الراحمين. ولما أسفر صبح هذا الصّنع عن حسن العفو، واستقرّ على التي هي أزكى، وظهر لنا، لا تخاف بالله دركا ولا تخشى، وأن سبيل الحق أنجى ومحجّته أحجى، خاطبنا كم نجلو نعم الله قبلنا عليكم، ونشيد بتقوى الله بناديكم، وعنايته لدينا ولديكم، ونهدي طرف صنعه الجميل قبلنا إليكم ليكسبكم اعتبارا، فزجّوا الله وقارا، وتزيّدوا يقينا واستبصارا، وتصفّوا العين من اختار لكم اختيارا. وهو حسبنا ونعم الوكيل، والله يصل سعدكم، ويحرس مجدكم. كتب في كذا. والسلام عليكم، ورحمة الله وبركاته. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 42 الجهاد في شعبان من عام سبعة وستين وسبعمائة: اقتضى نظر الحزم، ورأى الاجتهاد للإسلام إطلاق الغارات على بلد الكفرة من جميع جهات المسلمين، فعظم الأثر، وشهر الذكر، واكتسحت الماشية، وألحم السيف. وكان ثغر برغة، الفائزة به يد الكفرة، لهذه السنين القريبة، قد أهمّ القلوب، وشغل النفوس، وأضاق الصدور، لانبتات «1» مدينة رندة، بحيث لا يخلص الطّيف، ولا تبلغ الرسالة من الطّير وغيرها إلى ناحية العدو، فوقع العمل على قصده واستعانة الله عليه، واستنفر لمنازلته أهل الجهات الغربية من مالقة ورندة، وما بينهما، ويسّر الله في فتحه، بعد قتال شديد، وحرب عظيمة، وجهاد شهير، واستولى المسلمون عليه، فامتلأت أيديهم أثاثا وسلاحا ورياشا وآلة، وطهّرت للحين مساجده، وزيّنت بكلمة الله مشاهده، وأنست بالمؤمنين معاهده، ورتّبت فيه الحماة والرماة، والفرسان الكماة، واتّصلت بفتحة الأيدي، وارتفعت العوائق، وأوضحت بين المسلمين وأخوانهم السبل، والحمد لله. وتوجّهت بفتحه الرسائل، وعظمت المنن الجلائل، وفرّ العدو لهذا العهد عن حصن السهلة، من حصون الحفرة اللّويشيّة، وسدّ الطريق الماثلة، وذلك كله في العشر الأوسط لشعبان من هذا العام. ثم أجلب المسلمون في رندة في أخرياته وقصدوا باغة وجيرة فاستنزلوا أهلها، وافتتحوها، فعظمت النعمة، واطّرد الفتح، واتسعت الجهة. وكانت مما خوطبت به الجهة المرينيّة «2» من إملائي: المقام الذي نبشره بالفتح ونحيّيه، ونعيد له خبر المسرّة بعد أن نبديه؛ ونسأل الله أن يضع لنا البركة فيه، ونشرك مساهمته فيما نهصره من أغصان الزهور ونجنيه، ونعلم أن عزّة الإسلام وأهله أسنى أمانيه، وإعانتهم أهمّ ما يعنيه. مقام محلّ أخينا الذي نعظم قدره، ونلتزم برّه، ونعلم سرّه في مساهمة المسلمين وجهره؛ السلطان الكذا، الذي أبقاه الله في عمل الجهاد ونيّته؛ متكفلة بنشر كلمة الله طويّته، متممة من ظهور الدين الحنيف أمنيته، معظّم جلاله، ومجزل ثنائه، ومؤمّل عادة احتفاله بهذا الوطن الجهادي واعتنائه، أيّد الله أمره، وأعزّ نصره. سلام كريم عليكم، ورحمة الله وبركاته. أما بعد حمد الله، واصل سبب الفتوح، ومجزل مواهب النّصر الممنوح، ومؤيد الفئة القليلة بالملائكة والرّوح، والصلاة والسلام على سيدنا ومولانا محمد نبيّه، الآتي بنور الهدى بيّن الوضوح، الداعي من قبوله ورضوانه إلى المنهل المورود والباب المفتوح، والرّضا عن آله وأصحابه، أسود السّروج وحماة السّروح، والمقتفين الجزء: 2 ¦ الصفحة: 43 نهجه في جهاد عدوّ الله بالعين القارّة والصدر المشروح، والدعاء لمقامكم العلي بالعز الرفيع الصّروح، فإنا كتبناه إليكم، كتب الله لكم سبوغ المواهب، ووضوح المذاهب، وعزة الجانب، وظفرة الكتائب. من حمراء غرناطة حرسها الله، ونعم الله واكفة السحائب، كفيلة بنيل الرغائب، والله يصل لنا ولكم عوارف اللطائف، ويجعل الشّهيد دليلا على الغائب. وإلى هذا وصل الله إعزازكم، وحرس أحوازكم، وعمر بالحقيقة من أمراد مجازنا ومجازكم. فإنّا بادرنا تعريفكم بما فتح الله علينا من الثغر العزيز على الإسلام، العائد رزؤه الفادح على عبادة الأصنام، ركاب الغارات، وممكّن حياة المضرّات، ومخيف الطريق السابلة؛ والمسارح الآهلة، حصن برغة. ويسّر الله في استرجاعه، مع شهرة امتناعه، وتطهّر من دنس الكفّار، وأنيرت مئذنته بكلمة الشهادة الساطعة الأنوار، وعجلنا ذلك على حين وضعت الحرب فيه أوزارها، ووفت الأوتار أوبارها، فسار الكتاب إليكم، وأجير الأجر لم يجفّ عرقه، وعذر الاستعجال لاحبة طرقه. ولما عدنا إلى حضرتنا، بعد ما حصّناه وعمّرناه، وأجزلنا نظر الحزم له وفرقناه، لم تكد البنود لمسرّة فتحه أن تعاد إلى أماكن صونها، مرتقبة عادة الله في عونها، حتى طرقت الأنباء السارة بتوالي الصنع وانفراده، بتشفيع أفراده، وذلك أن أهل رندة، حرسها الله، نافسوا جيرانهم من أهل مالقة، كان الله لجميعهم، وتولّى شكر صنيعهم، فيما كان من امتيازهم بحصن برغة، الجار المصاقب لها، فحميت هممهم السنيّة، وهانت في الله موارد المنيّة، وتضافر العمل والنيّة، وظهر نجح المقاصد الدينية في إتاحة الفتوح الهنيّة، فوجهوا نحو حصن وحبر، وهو الداين صحر المدينة ونحرها، والعدوّ الذي لا يفتر عن ضرّها، والحيّة الذكر التي هي مروان أمرها؛ ففتحوه بعون الله وقوته، وتهنّوا بعده سلوك الطريق، وإشاعة الريق، ومراصد الحرس، ومجلوّ الجرس، وأنصفوا، وانصرفوا إلى حصن باغة، من مشاهد تلك الحفرة، فناشبوه القتال، وأذاقوه الوبال، وفوقوا إليه النّبال، ففتحه الله فتحا هينا، لم تفتّ فيه للمسلمين نفس، ولا تطرّق لنصر التيسير لبس، فقابلنا بها لشكر هذه النعم المتوالية، والمنن المتقدّمة والتالية، وأعدنا الأعلام إلى مراكزها المشرفة المراقب، والطبول إلى قرعها عملا من الإشارة بالواجب، وشكرنا الله على اتصال المواهب، ووضوح المذاهب، وخاطبنا مقامكم الذي نرى الصّنائع متواترة بنيّته الصالحة وقصده، ويعتد في الحرب والسلم بمجده، علما بأن هذه المسرّات، نصيبكم منها النصيب الأوفى؛ وارتياحكم إلى مثلها لا يخفى. ونحن نرقب ما تنجلي عنه هذه النكايات التي تفتّت كبد العدو تتاليها، وتروع أحوازه وما يليها، ولا بدّ له من امتعاض يروم به صرع المعرّة، ويأبى الله أن ذلك يأتي بالكرّة، والله يجعلها محركات لحتفه المرقوب، وحينه المجلوب، ويحقق حقّ القلوب، في نصرة المطلوب، عرّفناكم بما تريدون الجزء: 2 ¦ الصفحة: 44 عملا بواجب برّكم، ومعرفة بقدركم، وما يتزايد نعرفكم به، ويتصل سبب التأكيد والتعجيل بسببه، والسلام. الغزاة إلى حصن أشر «1» : وفي أوائل شهر رمضان بعده، أعمل السلطان الحركة السعيدة إلى حصن أشر، وهو قفل الثغر الذي فضّه الطاغية، وسورها الذي فرغه الكفر، وجارحه المحلّق على البلاد، والمتحكم لولا فضل الله في الأموال والأولاد، فتأذن الله برد مغتصبه، والشّفا من وصبه، وأحاط به وناصبه الحرب، ففتحه الله على يده عنوة، على سموّ ذروته، وبعد صيته وشهرته، واختيار الطاغية في حاميته بعد حرب لم يسمع بمثله، فاز بمزية الحمد فيها السلطان، لمباشرته إياها بنفسه، وحمل كلّها فوق كاهله، واتّقاد ما حمد من الحميّة بتحريضه. ثم لما كان بعد الفتح من استخلاص القصبة وسدّ ثلمها بيده، ومصابرة جو القيظ عامّة يومه، فحاز ذكرا جميلا وحلّ من القلوب محلّا أثيرا، ورحل منها، بعد أن أسكن بها من الفرسان رابطة متخيرة، ومن الرّماة جملة، وتخلّف سلاحا وعدّة، فكان الفتح على المسلمين، في هذا المعقل العزيز عليهم جليلا، والمنّ من الله جزيلا، والصنع كثيرا، وصدرت المخاطبة للمغرب بذلك، على الأسلوب المرسل الخلي من السجع الغني. الغزاة المعملة إلى أطريرة «2» : في شهر شعبان من عام ثمانية وستين وسبعمائة، كانت الحركة إلى مدينة أطريرة بنت إشبيلية، وبلدة تلك الناحية الآمنة، مهاد الهدنة البعيدة عن الصّرمة، حرك إليها بعد المدى، وآثرها بمحض الرّدى، من بين بلاد العدا، ما أسلف به أهلها المسلمين، من قتل أسراهم في العام قبله. فنازلها السلطان أول رمضان، وناشبها الحرب واستباح المدينة وربضها عنوة، ولجأ أهلها إلى قصبتها المنيعة، ذات الأبراج المشيّدة، وأخذ القتال بمخنّقهم، وأعان الزحام على استنزالهم، فاستنزلوا على حكم المسلمين، فيما يناهز خمسة، بما لم يتقدمه عهد؛ ولا اكتحلت به في هذه المدة عين، ولا تلقته عنها أذن، وامتلأت أيدي المسلمين، بما لم يعلمه إلّا الله، من شتّى الغنائم، وأنواع الفوائد، واقتسم الناس السّبي ربعا على الأكفال والظهور، وتقديرا بقدر الرجال، وحملا فوق الظهور للفرسان، وعمرانا للسروج الجزء: 2 ¦ الصفحة: 45 والأعضاد بالصّبية، وبرز الناس إلى ملاقاة السلطان، في هول من العزّ شهير من الفخر، وبعيد من الصيت، قرّت له أعينهم، وقعد لبيعتهم أياما تباعا، وملأ بهم البلاد هدايا وتحفا والحمد لله، وصدرت المخاطبة بذلك إلى السلطان بالمغرب بما نصه من الكلام المرسل من إنشائي. الغزاة إلى فتح جيّان: وفي آخر محرم من عام تسعة وستين وسبعمائة، كانت الحركة الكبرى إلى مدينة جيان، إحدى دور الملك، ومدن المعمود، وكرسيّة الإمارة، ولو أن المدن الشهيرة افتتحها الله عنوة، ونقل المسلمون ما اشتملت عليه من النّعم والأقوات والأموال والأنعام والأثواب والدّواب والسّلاح، ومكّنهم من قتل المقاتلة، وسبي الذرية، وتخريب الديار، ومحو الآثار، واستنساف النّعم، وقطع الأشجار. وهذا الفتح خارق، تعالى أن يحيط به النّظم والنثر. فذكره أطير، وفخره أشهر. وصدرت في ذلك المخاطبة من إملائي إلى ملك المغرب. وأصاب الخلق عقب القفول في هذه الغزاة، مرض وافد، فشا في الناس كافة، وكانت عاقبته السّلامة؛ وتدارك الله بلطفه، فلم يتّسع المجال لإنشاد الشعراء، ومواقف الإطراء، إلى شغل عن ذلك. الغزاة إلى مدينة أبدة: وفي أول ربيع الأول من هذا العام، كان الغزو إلى مدينة أبدة، واحتلّ بظاهرها جيش المسلمين، وأبلى السلطان في قتالها، وقد أخذت بعد جارتها جيّان أقصى أهبة، واستعدّت بما في الوسع والقوة، وكانت الحرب بها مشهورة. وافتتحها المسلمون فانتهبوها، وأعفوا مساكنها العظيمة البناء، وكنائسها العجيبة المرأى، وألصقوا أسوارها بالثّرى، ورأوا من سعة ساحتها، وبعد أقطارها، وضخامة بنائها، ما يكذّب الخبر فيه المرأى، ويبلّد الأفكار، ويحيّر النّهى. ولله الحمد على آلائه التي لا تحصى. وقفل المسلمون عنها، وقد أخربوها، بحيث لا تعمر رباعها، ولا تأتلف حجورها وجموعها. وصدرت المخاطبة بذلك إلى صاحب المغرب من إنشائي بما نصّه: وإلى هذا العهد جرت الحادثة على ملك قشتالة، بطره بن أدفونش بن هراندة بن شانجه، وهو الذي تهيأ به الكثير من الصّنع للمسلمين، بمزاحمة أخيه أندريق في الملك وتضييقه عليه، وحياز سبعة من كبار أصحابه، وأهل ملّته إليه، وافتقار بطره المذكور إلى إعانة المسلمين، وإجلابهم على من آثر طاعته ضدّه، فانهزم بظاهر حصن منتيل، ومعه عدد من فرسان المسلمين، ولجأ إلى الحصن على غير أهبة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 46 ولا استعداد، فأخذ أخوه الذي هزمه بمخنّقه، وأدار على الحصن البناء، وفرّ جيش المحصور، فاجتمع فلّه بأحواز أبدة، وراسلوا المسلمين في مظاهرتهم على استنقاذهم، فتوجهت الفتيا بوجوب ذلك. ووقع الاستنفار والاحتشاد حرصا على تخليصه، ليسبّب بقاؤه بقاء الفتنة تستأصل الكفر، وتشغل بعض العدو ببعضه. وفي أثناء هذه المحاولة تباطن الحاين المحصور بمن معه، وبعد عليه الخلاص من ورطته، ومساهمة المسلمين إياه في محنته؛ وانقطعت عنه الأنباء بفرج من كربته، فداخل بعض أمراء أخيه وظهرائه، ممن يباشر حصاره، وكان قومسا شهيرا من المدد الذي ظاهره، من أهل إفرنسية، ووعده بكل ما يطمع من مال ومهد، وتوفية عهد، فأظهر له القبول، وأضمر الخديعة. ولما نزل إليه، سجنه ومن لحق به من الأدلّاء وأولي الحرّة بالأرض وأمسكه، وقد طيّر الخبر إلى أخيه، فأقبل في شرذمة من خواصّه وخدّامه، فهجم عليه وقتله، وأوسع العفو من كان محصورا معه، وطير إلى البلاد برأسه، وأوغر التّبن في جثّته، ولبس ثياب الحزن من أجله، وإن كان معترفا بالصّواب في قتله، وخاطب البلاد التي كانت على مثل الجمر من طاعة الجاهر بمظاهرة المسلمين، وما جرّ ذلك من افتتاح بلادهم، وتخريب كنائسهم، والإتيان على نعمهم، فأجابته ضربة، واتفقت على طاعته، فلم يختلف عليه منها اثنان، إلّا ما كان من مدينة قرمونة. واجتمعت كلمة النصارى، ووقع ارتفاع شتاتهم، وصرفوا وجوههم إلى المسلمين، وشاع استدعاؤهم جميع من بأرض الشرق من العدوّ الثقيل ببرجلونة «1» ، وعدوّ الأشبونة، والعدو الثّقيل الوطأة بإفرانسيّة. وقد كان الله، جلّ جلاله، ألهم أهل البصائر النظر في العواقب، والفكر فيما بعد اليوم أعمل. ووقع لي إذن السلطان، المخلي بيني وبين النصائح، في مخاطبة سلطان النصارى المنكوب لهذا العهد، فأشرت عليه بالاحتراز من قومه، والتّفطّن لمكايد من يحطب في حبل أخيه، وأريته اتخاذ معقل يحرز ولده وذخيرته، ويكون له به الخيار على دهره، واستظهرت له على ذلك بالحكايات المتداولة، والتواريخ المعروفة، لتتّصل الفتنة بأرضهم، فقبل الإشارة وشكر النصيحة، واختار لذلك مدينة قرمونة المختصّة بالجوار المكتّب، من دار ملكهم إشبيلية، فشيّد هضابها، وحصّن أسوارها، وملأها بالمخازن طعاما وعدّة، واستكثر من الآلات، واستظهر عليها بالثّقات، ونقل إليها المال والذخيرة، وسجن بها رهان أكابر إشبيلية، وأسرى المسلمين، وبالغ في ذلك، فيما لا غاية وراءه ولا مطمع، ولا ينصرف إلى مصرعه الذي دعاه القدر إليه، حتى تركها عدّة خلفه، وأودع الجزء: 2 ¦ الصفحة: 47 بها ولده وأهله، ولجأ إليها بعض من خدّامه ممن لا يقبل مهدنة ضدّه، ولا يقرّ أمان عدوه، والتفوا على صغير من ولده كالنّحل على شهده، ولجأوا إلى المسلمين، فبغّض عليهم الكرّة والفتح بقاء هذا الشّجى المعترض في حلقه، وأهمّه تغيير أمره، وجعجع به المسلمون لأجله، وأظهروا لمن انحاز بقرمونة الامتساك بعهده، فعظم الخرق، وأظهر الله نجح الحيلة، وصدّق بها المخيّلة، وتفتّر الأمر، وخمدت نار ذلك الإرجاف، واشتغل الطاغية بقرمونة، بخلال ما خوطب به صاحب الأرض الكبيرة «1» ، فطمّعه في المظاهرة، وتحطّب له ملك قشتالة، وعقد السّلم مع صاحب برطغال «2» والأشبونة، ونشأت الفتن بأرضهم، وخرجت عليهم الخوارج، فأوجب إزعاجه إلى تلك الجهة، وإقرار ما بالبلاد المجاورة للمسلمين من الفرسان والحماة تقاتل وتدافع عن أحوازها، وجعل الخصص موجّهة قرمونة، وانصرف إلى سدّ الفتوق التي عليه بلطف الحيلة، ببواطن أرضه، وأحشاء عمالته، وصار في ملكه أشغل من ذات النّحيين، فساغ الرّيق، وأمكن العذر، وانتهز الغرّة، واستؤنفت الحركة، فكانت إلى حصن منتيل والحويز، ففتحهما الله في رمضان من عام سبعين وسبعمائة، ثم إلى ثغر روطة، ففتحه الله عن جهد كبير، واتصل به حصن زمرة، فأمّن الإسلام عادية العدوّ بتلك الناحية، وكبس أهل رندة بإيعاز من السلطان إليها وإلى من بالجبل، جبل الفتح، حصن برج الحكيم والقشتور، فيسّر الله فتحهما في رمضان أيضا. ثم كانت الحركة إلى الجزيرة الخضراء «3» ، باب الأندلس، وبكر الفتح الأول، فكانت الحركة إليها شهر ذي الحجة من العام المذكور. ووقع تحريض الناس بين يدي قصدها في المساجد بما نصّه: معاشر المسلمين المجاهدين، وأولي الكفاية عن ذوي الأعذار من القاعدين، أعلى الله بعلوّ أيديكم كلمة الدين، وجعلكم في سوى الأجر والفخر من الزاهدين، اعلموا، رحمكم الله، أن الإسلام بالأندلس ساكن دار، والجزيرة الخضراء بابه، ومبعد مغار، والجزيرة الخضراء ركابه، فمن جهتها اتصلت في القديم والحديث أسبابه، ونصرته على أعدائه وأعداء الله أحبابه، ولم يشكّ العدو الكافر الذي استباحها، وطمس بظلمة الكفر صباحها، على أثر اغتصابها، واسوداد الوجوه المؤمنة لمصابها، وتبديل محاربها، وعلوق أصله الخبيث في طيّب تراثها، أن صريع الدين الحنيف بهذا الوطن الشريف لا ينتعش ولا يقوم، بعد أن فري الحلقوم، وأن الباقي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 48 رمق يذهب، وقد سدّ إلى التّدارك المذهب، لولا أن الله دفع الفاقرة «1» ووقاها، وحفظ المسكنة واستبقاها، وإن كان الجبل «2» عصمة الله نعم البقية، وبمكانه حفّت التقية، فحسبك من مصراع باب فجع بثانيه، ومضايق جوار حيل بينه وبين أمانيه. والآن، يا عباد الله، قد أمكنكم الانتهاز، فلا تضيّعوا الفرصة، وفتر المخنّق فلا تسوّغه غصّة، واعمروا البواطن بحميّة الأحرار، وتعاهدوا مع الله معاهد الأولياء الأبرار، وانظروا للعون من الذّراري والأبكار، والنشأة الصّغار، زغب الحواصل في الأكوار، والدين المنتشر بهذه الأقطار، واعملوا للعواقب تحمدوا عملكم، وأخلصوا لله الضمائر يبلّغكم من فضله أملكم، فما عذر من سلّم في باب وكره، وماذا ينتظر من أذعن لكيد عدوّه ومكره. من هذه الفرضة، دخل الإسلام تروّع أسوده، ومن هذه الجهة طلع الفتح الأول تخفق بنوده، ومنها تقتحم الطير الغريب، إذا رامت الجواز وفوده، فيبصر بها صافّات والدليل يقوده. الباب المسدود، يا عباد الله، فافتحوه، وجه النّصر تجلّى يا عباد الله فالمحوه، الداء العضال يا عباد الله فاستأصلوه، حبل الله يا رجال الله قد انقطع فصلوه. في مثلها ترخص النفوس الغالية، في مثلها تختبر الهمم العالية، في مثلها تشهر العقائد الوثيقة، وتدسّ الأحباس العريقة، فنضّر الله وجه من نظر إلى قلبه، وقد امتلأته حميّة الدين، وأصبح لأن تكون كلمة الله هي العليا متهلّل الجبين. اللهمّ إنّا نتوسّل إليك بأسرار الكتاب الذي أنزلته، وعناية النبيّ العربي الذي أوفدت من خصوص الرّحمات وأجزلت، وبكل نبيّ ركع لوجهك الكريم وسجد، وبكل وليّ سدّه من إمدادك كما وجد، ألا ما رددت علينا ضالّتنا الشاردة، وهنّأتنا بفتحها من نعمك الواردة، يا مسهل المآرب العسرة، يا جابر القلوب المنكسرة، يا وليّ الأمة الغريبة، يا منزل اللطائف القريبة، اجعل لنا من ملائكة نصرك مددا، وأنجز لنا من تمام نورك الحقّ موعدا. ربّنا آتنا من لدنك رحمة، وهيّئ لنا من أمرنا رشدا. فوقع الانفعال، وانتشرت الحميّة، وجهزت الأساطيل. وكانت منازلتها يوم السبت الثالث والعشرين من الشهر المذكور، وعاطاها المسلمون الحرب، فدخلت البنية وهي المدينة الملاصقة لها عنوة، قتل بها من الفرسان الدّارعة عدّة، وصرفت الغنائم إلى المدينة الكبرى، فرأوا من أمر الله، ما لا طاقة لهم به، وخذلهم الله جلّ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 49 جلاله، على منعة الأسوار وبعد مهاوي الأغوار، وكثرة العدّ والعدد، وطلبوا الأمان لأنفسهم، وكان خروجهم عنها يوم الاثنين الخامس والعشرين من الشهر المذكور، السعيد على المسلمين، في العيد والسرور، برد الدين، ولله الحمد على آلائه، وتوالي نعمه وإرغام أعدائه. وفي وسط ربيع الأول من عام أحد وسبعين وسبعمائة، أعمل الحركة إلى أحواز إشبيلية دار الملك، ومحل الشّوكة الحادّة، وبها نائب سلطان النصارى، في الجمع الخشن من أنجاد فرسانهم، وقد عظم التضييق ببلدة قرمونة، المنفرد بالانتزاء على ملك النصارى، والانحياز إلى خدمة المسلمين، فنازل المسلمون مدينة أشونة «1» ، ودخلوا جفنها عنوة، واعتصم أهلها بالقصبة، فتعاصت، واستعجل الإقلاع منها لعدم الماء المروي والمحلّات، فكان الانتقال قدما إلى مدينة مرشانة وقد أحدقوا بها، وبها العدّة والعديد من الفرسان الصّناديد، ففتحها الله سبحانه، إلّا القصبة، واستولى المسلمون فيها، وفي جارتها، من الدواب والآلات على ما لا يأخذه الحصر، وقتل الكثير من مقاتلتها، وعمّ جميعها العدم والإحراق، ورفعت ظهور دواب المسلمين من طعامها ما تقلّه أظهر مراكب البحار، ما أوجب في بلاد المسلمين التّوسعة، وانحطاط الأسعار، وأوجب الغلاء في أرض الكفّار، وقفل، والحمد لله، في عزّ وظهور، وفرح وسرور. مولده السعيد النّشيئة «2» ، الميمون الطلوع والجيئة: المقترن بالعافية، منقولا من تهليل نشأته المباركة، وحرز طفولته السعيدة، في نحو ثلث ليلة الاثنين والعشرين من جمادى الآخرة عام تسعة وثلاثين وسبعمائة. قلت: ووافقه من التاريخ الأعجمي رابع ينير من عام ألف وثلاثمائة وسبعة وسبعين «3» لتاريخ الصّفر. واقتضت صناعة التعديل بحسب قيمودا وبطليموس، أن يكون الطالع ببرج القمر؛ لاستيلائه على مواضع الاستقبال المتقدم للولادة، ويكون التخمين على ربع ساعة وعشر ساعة، وثلث عشر الساعة السادسة من ليلة الاثنين المذكورة، والطالع من برج السّنبلة، خمس عشرة درجة، وثمان وأربعون دقيقة من درجة. كان الله له في الدنيا والآخرة، وحسبنا الله ونعم الوكيل. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 50 محمد بن يوسف بن محمد بن أحمد بن خميس بن نصر ابن قيس الخزرجي الأنصاري «1» من ولد سعد بن عبادة، صاحب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، ابن سليمان بن حارثة بن خليفة بن ثعلبة بن طريف بن الخزرج بن حارثة بن ثعلبة بن عمر بن يعرب بن يشجب بن قحطان بن هميسع بن يمن بن نبت بن إسماعيل بن إبراهيم صلّى الله عليه وعلى محمد الكريم. أمير المسلمين بالأندلس ودايلها خدمة النّصريين بها. يكنى أبا عبد الله، ويلقب بالغالب بالله. أوّليّته: وقد اشتهر عند كثير ممن عني بالأخبار أن هذا البيت النّصري من ذرّية سعد بن عبادة سيد الخزرج، وصاحب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. وصنّف الناس في اتصال نسبهم بقيس بن سعد بن عبادة غير ما تصنيف. وأقوى ما ذكر قول الرّازي: دخل الأندلس من ذرّية سعد بن عبادة رجلان، نزل أحدهما أرض تاكرونّا، ونزل الآخر قرية من قرى سقر سطونة، تعرف بقرية الخزرج، ونشأ بأحواز أرجونة من كنبانيّة «2» قرطبة، أطيب البلاد مدرة، وأوفرها غلّة، وهو بلده، وبلد جدّه، في ظل نعمة، وعلاج فلاحة، وبين يدي نجدة وشهرة، بحيث اقتضى ذلك، أن يفيض شريان الرياسة، وانطوت أفكاره على نيل الإمارة، ورآه مرتادو أكفاء الدول أهلا، فقد حوا رغبته، وأثاروا طمعه. حدّث شيخنا الكاتب الشاعر، محمد بن محمد بن عبد الله اللّوشي اليحصبي، وقد أخبرني أنه كان يوجد بمدينة جيّان رجل من أهل الماليّة، وكان له فرس أنثى من عتاق الخيل، على عادة أولي المالية، وكان له من أهل الثغور، من ارتباط الخيل، والتنافس في إعداد القوة. وشهرت هذه الفرس في تلك الناحية، وبعث الطّاغية ملك الروم في ابتياعها، فعلقت بها كفّ هذا الرجل، وآثر بها نفسه، وازداد غبطة بها لديه، ورأى في النوم قائلا يقول له: سر إلى أرجونة، بفرسك، وابحث عن رجل اسمه كذا، وصفته كذا، فأعطه إياها، فإنه سيملك جيّانا وسواها، ينتفع بها عقبك. وأرجىء الأمر، فعرض عليه ثانية، وحثّ في ذلك في الثّالثة، فسأل ثقة له خبيرا بتلك الناحية وأهلها، فقال له المخبر، وكان يعرف بابن يعيش، فوصفه له، فتوجه الفقيه إلى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 51 أرجونة، ونزل بها، وتسومع به، وأقبل السلطان وأظهاره، وتكلموا في شأنه، فذكر غرضه فيه، وأظهر العجز عن الثّمن، وسأل منه تأخير بعضه، فأسعفه، واشترى منه الفرس بمال له خطر. فلما كمل له القصد، طلب منه الخلوة به في المسجد من الحصن، وخرج له عن الأمر، وأعطاه بيعته، وصرف عليه الثّمن، واستكتمه السلطان خيفة على نفسه، وانصرف إلى بلده. قال: وفي العام بعده، دعا إلى نفسه بأرجونة، وتملّك مدينة جيّان، واختلف في السبب الذي دعاه إلى ذلك، فقيل: إن بعض العمال أساء معاملته في حقّ مخزني، وقيل غير ذلك. حاله: هذا الرجل كان آية من آيات الله في السّذاجة والسلامة والجمهورية، جنديّا، ثغريّا شهما، أيّدا، عظيم التّجلّد، رافضا للدّعة والرّاحة، مؤثرا للتقشف، والاجتراء باليسير، متبلغا بالقليل، بعيدا عن التّصنّع، جافي السلاح، شديد العزم، مرهوب الإقدام، عظيم التّشمير، مقريا لضيفه، مصطنعا لأهل بيته، فظّا في طلب حظّه، محميا لقرابته وأقرانه وجيرانه، مباشرا للحروب بنفسه، تتغالى الحكاة في سلاحه، وزينة دبوره. يخصف النعل، ويلبس الخشن، ويؤثر البداوة، ويستشعر الجدّ في أموره. سعد بيوم الجمعة، وكان فيه تملّكه جيّان؛ ثم حضرة الملك غرناطة، وقيل: يوم قيامه شرع فيه الصّدقة الجارية على ضعفاء الحضرة، ومنائهم إلى اليوم. وتملك مدينة إشبيلية «1» في أخريات ربيع الأول من عام ظهوره، وهو عام تسعة وعشرين وستمائة نحوا من ثلاثين يوما. وملك قرطبة في العشر الأول لرجب من العام المذكور، وكلاهما عاد إلى ملك ابن هود. ولما تمّ له القصد من تملّك البيضة، والحصول على العمّال، مباشرا للحسابات بنفسه، فتوفّر ماله، وغصّت بالصامت خزائنه، وعقد السّلم الكبير، وتهنّأ أمره، وأمكنه الاستعداد، فأنعم الأهواء، وملأ بطن الجبل المتصل بالقلعة حبوبا مختلفة، وخزائن درّة، ومالا وسلاحا وارية ظهرا، وكراعا، فوجد فائدة استعداده، ولجأ إلى ما ادّخره من عتاده. سيرته: تظاهر لأول أمره بطاعة الملوك بالعدوة وإفريقية، يخطب لهم زمانا يسيرا، وتوصل بسبب ذلك إلى إمداد منهم وإعانة، ولقبل ما افتتح أمره بالدعاء للمستنصر العباسي ببغداد، حاذيا حذو سميّه ابن هود، للهج العامة في وقته، بتقلد تلك الدعوة، إلى أن نزع عن ذلك كله. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 52 وكان يعقد للناس مجلسا عاما، يومين في كل أسبوع، فترتفع إليه الظلامات، ويشافه طالب الحاجات، وتنشده الشعراء، وتدخل إليه الوفود، ويشافه أرباب النصائح في مجلس اختصّ به أهل الحضرة، وقضاة الجماعة، وأولي الرتب النّبيهة في الخدمة، بقراءة أحاديث من الصّحيحين، ويختم بأعشار من القرآن. ثم ينتقل إلى مجلس خاص، ينظر فيه في أموره، فيصرف كل قصد إلى من يليق به ذلك، ويؤاكل بالعشيّات خاصته من القرابة؛ ومن يليهم من نبهاء القوّاد. أولاده: أعقب ثلاثة من الذكور، محمدا وليّ عهده وأمير المسلمين على أثره؛ والأميرين أبا سعيد فرج، وأبا الحجاج يوسف؛ توفّيا على حياته؛ حسبما يتقرر بعد إن شاء الله. وزراء دولته: وزر له جماعة؛ الوزير أبو مروان عبد الملك بن يوسف بن صناديد، زعيم قاعدة جيّان؛ وهو الذي مكّنه من ناصية جيّان المذكورة. واستوزر علي بن إبراهيم الشّيباني من وجوه حضرته، وذوي النّسب من الفضلاء أولي الدّماثة والوقار. واستوزر الرئيس أبا عبد الله ابن الرئيس أبي عبد الله الرّميمي. واستوزر الوزير أبا يحيى ابن الكاتب من أهل حضرته، وغيرهم ممن تبلغ به الشهرة مبلغا فيهم. كتّابه: كتب له من الجلّة جماعة، كالكاتب المحدّث الشهير أبي الحسن علي بن محمد بن محمد بن سعيد اليحصبي اللّوشي، ولما توفي كتب عنه ولده أبو بكر بن محمد. هؤلاء مشاهير كتّابه، ومن المرؤوسين أعلام، كأبي بكر بن خطاب وغيره. قضاته: ولي له قضاء الجماعة، القاضي العالم الشهير، أبو عامر يحيى بن عبد الرحمن بن ربيع الأشعري، من جلّة أهل الأندلس في كبر البيت، وجلالة المنصب، وغزارة العلم. ثم ولي بعده الفقيه أبو عبد الله محمد بن إبراهيم بن عبد الجليل بن غالب الأنصاري الخزرجي. ثم ولي بعده الفقيه أبو عبد الله محمد بن إبراهيم بن عبد السلام التميمي، وهذا الرجل من أهل الدين والأصالة، وآخر قضاة العدل. ثم ولي بعده الفقيه القاضي أبو عبد الله محمد بن عياض بن موسى اليحصبي. ثم ولي بعده الفقيه القاضي الحسيب أبو عبد الله بن أضحى، وبيته شهير، ولم تطل مدته. وولي بعده آخر قضاته أبو بكر محمد بن فتح بن علي الإشبيلي، الملقب بالأشبرون. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 53 الملوك على عهده: بمرّاكش المأمون إدريس، مأمون الموحّدين، مزاحما بأبي زكريا يحيى بن الناصر بن المنصور بن عبد المؤمن بالجبل. ولما توفي المأمون ولي الرشيد أبو محمد عبد الواحد في سنة ثلاثين وستمائة، وولي بعده أبو حفص عمر بن إسحاق المرتضى، إلى أن قتله إدريس الواثق أبو دبّوس في عام خمسة وستين. وولي بعده يسيرا بنو عامر بن علي بمراكش، وتعاقب منهم على عهده جلّة؛ كالأمير عثمان وابنه حمو، وأخيه أبي يحيى بن عبد الحق. واستمرّ الملك في أسنّ أملاكهم، أبي يوسف يعقوب بن عبد الحق بن محيو إلى آخر أيامه. وبتلمسان، شبيهه يغمراسن بن زيّان، أول ملوكهم، وتقدمه أخوه أكبر منه برهة. ويغمراسن أول من أثّل الملك، وحاز الذّكر، واستحق الشهرة. وبتونس، الأمير أبو زكريا يحيى بن عبد الواحد بن أبي حفص. وخاطبه السلطان المترجم به، والتمس رفده، وقد حصل على إعانته، وولي بعد موته ولده المستنصر أبو عبد الله، ودامت أيامه إلى أول أيام ولد السلطان المترجم له عام أربعة وسبعين. وبقشتالة هراندة بن ألهنشة بن شانجه الإنبرطور. وهراندة هذا هو الذي ملك قرطبة وإشبيلية، ولما هلك ولي بعده ألفنش ولده ثلاثا وثلاثين سنة، واستمرّ ملكه مدة ولايته، وصدرا من دولة ولده بعده. وبرغون جايمش ابن بطره ابن ألفونش قمط برجلونه. وجايمش هذا هو الذي ملك بلنسية وصيّرها دار ملكه من يد أبي جميل زيّان بن مردنيش. لمع من أخباره: قام ابن أبي خالد بدعوته بغرناطة، كما ذكر في اسمه، ودعاه وهو بجيّان، فبادر إليها في أخريات رمضان من عام خمسة وثلاثين وستمائة، بعد أن بعث إليه الملأ من أهلها ببيعتهم مع رجلين من مشيختهم؛ أبي بكر «1» الكاتب، وأبي جعفر التّيزولي. قال ابن عذاري في تاريخه «2» : أقبل وما زيّه بفاخر، ونزل «3» عشي اليوم الذي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 54 وصل بخارج غرناطة، على أن يدخلها من الغد، ثم بدا له فدخلها عند غروب الشمس، نظرا للحزم. وحدّث أبو محمد البسطي قال «1» : عاينته «2» يوم دخوله وعليه شاشيّة «3» ملفّ مضلعة أكتافها مخرّقة «4» . وعند ما نزل بباب جامع القصبة، كان مؤذن المغرب في الحيعلة، وإمامه يومئذ أبو المجد المرادي قد غاب، فدفع الشيخ السلطان إلى المحراب، وصلّى «5» بهم، على هيئته تلك، بفاتحة الكتاب. وإِذا جاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ (1) «6» . والثانية ب قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1) «7» . ثم وصل قصر باديس، والشمع بين يديه «8» . وفي سنة ثلاث وأربعين وستمائة، صالح طاغية الروم، وعقد معه السّلم الذي طاحت في شروطه جيّان. وكان واقع بالعدو الراتب تجاه حضرته، المختص بحصن بليلش على بريد من الحضرة، وكان الفتح عظيما، ثم حالفه الصّنع بما يضيق المجال عن استيعابه. وفي حدود اثنين وستين وستمائة صالح طاغية الروم، وعقد معه السلم، وعقد البيعة لولي عهده، واستدعى القبائل للجهاد. مولده: في عام خمسة وتسعين وخمسمائة بأرجونة، عام الأرك «9» . وفاته: في منتصف جمادى الثانية من عام واحد وسبعين وستمائة، ورد عليه وقد أسنّ، جملة من كتّاب الزّعائم، يقودون جيشا من أتباعهم، فبرز إلى لقائهم بظاهر حضرته، ولما كرّ آئبا إلى قصره، سقط ببعض طريقه، وخامره خصر، وهو راكب، وأردفه بعض مماليكه، واسمه صابر الكبير، وكانت وفاته ليلة الجمعة التاسع الجزء: 2 ¦ الصفحة: 55 والعشرين لجمادى الثانية المذكورة، ودفن بالمقبرة الجامعة العتيقة بسنام السّبيكة، وعلى قبره اليوم منقوش: «هذا قبر السلطان الأعلى، عزّ الإسلام، جمال الأنام، فخر الليالي والأيام، غياث الأمة، غيث الرحمة، قطب الملة، نور الشريعة، حامي السنّة، سيف الحق، كافل الخلق، أسد الهيجاء، حمام الأعداء، قوام الأمور، ضابط الثغور، كاسر الجيوش، قامع الطغاة، قاهر الكفرة والبغاة، أمير المؤمنين، علم المهتدين، قدوة المتقين، عصمة الدين، شرف الملوك والسلاطين، الغالب بالله، المجاهد في سبيل الله، أمير المسلمين، أبو عبد الله محمد بن يوسف بن نصر الأنصاري، رفعه الله إلى أعلى عليّين، وألحقه بالذين أنعم الله عليهم من النبيّين والصّدّيقين، والشهداء والصالحين. ولد، رضي الله عنه، وأتاه رحمة من لدنه، عام أحد وتسعين وخمسمائة، وبويع له يوم الجمعة السادس والعشرين من رمضان عام خمسة وثلاثين وستمائة، وكانت وفاته يوم الجمعة بعد صلاة العصر التاسع والعشرين لجمادى الآخرة عام أحد وسبعين وستمائة، فسبحان من لا يفنى سلطانه، ولا يبيد ملكه، ولا ينقضي زمانه، لا إله إلّا هو الرحمن الرحيم» . ومن جهة أخرى: [البسيط] هذا محلّ العلى والمجد والكرم ... قبر الإمام الهمام الطاهر العلم لله ما ضمّ هذا اللحد من شرف ... ومن شيم علوية الشّيم بالجود والباس ما تحوي صفائحه ... لا بأس عنترة ولا ندى هرم مغني الكرامة والرضوان يعهده ... فخر الملوك الكريم الذات والشيم مقامه في كلا يومي ندى ووغى ... كالغيث في مجد وكالليث في أجم مآثر تليت آثارها سورا ... تقرّ بالحق فيها جملة الأمم كأنه لم يسر في محفل لجب ... تضيق عنه بلاد العرب والعجم ولم يباد العدا منه ببادرة ... يفتر منها الهدى عن ثغر مبتسم ولم يجهز لهم خيلا مضمرة ... لا تشرب الماء إلّا من قليب دم ولم يقم حكم عدل في سياسته ... تأوي رعيته منه إلى حرم من كان يجهل ما أولاه من نعم ... وما حواه لدين لله من حرم فتلك آثاره في كل مكرمة ... أبدى وأوضح من نار على علم لا زال تهمي على قبر تضمّنه ... سحائب الرحمة الوكّافة الدّيم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 56 محمد بن عبد الله بن محمد بن عبد الله بن أبي عامر ابن محمد بن أبي الوليد بن يزيد بن عبد الملك المعافري، المنصور بن أبي عامر «1» معظّم الظّفر، وخدن السّعد، وملقى عصيّ الجدّ، وجوّ رياح الشهرة، وديوان فنون السياسة، وحجاج الدولة العبشميّة «2» ، في التّخوم المغربية، المزيّ «3» بالظّرف وكمال السّجية، والجهاد العظيم، العريق في بحبوحة بلاد الكفار، رحمه الله تعالى. أوّليّته: دخل جدّه عبد الملك الأندلس مع طارق مولى موسى بن نصير في أول الداخلين من المغرب، وكان له في فتحها أثرا جميلا، وإلى ذلك أشار مادحه محمد بن حسان «4» : [الطويل] وكلّ عدوّ أنت تهزم «5» عرشه ... وكلّ فتوح عنك يفتح بابها وإنّك «6» من عبد المليك الذي له ... حلى فتح قرطاجنّة «7» وانتهابها ونزل عبد الملك الجزيرة الخضراء لأول الفتح، فساد أهلها، وكثر عقبه بها؛ وتكررت فيهم النّباهة، وجاوروا الخلفاء بقرطبة. وكان والد محمد هذا، من أهل الدين والعفاف والزهد في الدنيا والقعود عن السلطان. سمع الحديث، وأدّى الفريضة، ومات منصرفا عن الحج بإطرابلس. حاله: كان هذا الرجل بكر الدهر، وفائدة الأيام، وبيضة العمر، وفرد الخلق في اضطراد السّعد، وتملد العاجل من الحظ، حازما، داهية، مشتملا على أقطار السؤدد، هويّا إلى الأقاصي، وطموحا، سوسا حميّا، مصطنعا للرجال، جالبا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 57 للأشراف، مستميلا للقلوب، مطبقا المفاصل، مزيحا للعلل، مستبصرا في الاستبداد، خاطبا جميل الذكر، عظيم الصبر، رحيب الذّرع، طموح الطرف، جشع السيف، مهادي جياد العقاب والمثوبة، مهيبا، جزلا، منكسف اللون، مصفر الكفّ، آية الله، جلّ جلاله، في النّصر على الأعداء ومصاحبة الظّفر، وتوالي الصّنع. نباهته: قال المؤرخ «1» : سلك سبيل القضاء «2» في أوّليّته، مقتفيا آثار عمومته وخؤولته، يطلب «3» الحديث في حداثته. وكتب منه كثيرا، ولقي الجلّة من رجاله، ثم صحب الخليفة الحكم «4» متحزّبا في زمرته، وولي له الأعمال من القضاء والإمامة، ثم استكفاه، فعدل عن سبيله، وصار في أهل الخدمة. ثم اختصّه بخدمة أمّ ولده هشام، فزاد بخاصّته لولي العهد، عزّا ومكانة من الدولة، فاحتاج الناس إليه، وغشوا بابه، وبلغ الغاية من أصحاب السلطان معه، إسعاف، وكرم لقاء، وسهولة حجاب، وحسن أخلاق، فاستطار ذكره، وعمّر بابه، وساعده الجدّ. ولمّا صار أمر المسلمين إليه، بلغ «5» التي لا فوقها عزّا وشهرة. الثناء عليه: قال: وفي الدولة العامرية، وأعين محمد على أمره، مع قوة سعده، بخصال مؤلفة لم تجتمع لمن قبله، منها الجود، والوقار، والجدّ والهيبة، والعدل والأمن، وحبّ العمارة، وتأمير المال، والضبط للرعية، وأخذهم بترك الجدل والخلاف والتّشغّب، من غير وهن في دينه، وصحّة الباطن، وشرح كل فضل، وجلب كلّ ما يوجب عن المنصور فيه. غزواته وظهوره على أعدائه: واصل، رحمه الله، الغزو بنفسه، فيما يناهز خمسين غزوة، وفتح فيها البلاد، وخضد شوكة الكفر، وأذلّ الطواغيت وفضّ مصاف الكفّار، وبلغ الأعماق، وضرب على العدو الضرائب، إلى أن تلقّاه عظيم الروم بنفسه وأتحفه بابنته في سبيل الرغبة في صهره، فكانت أحظى عقائله، وأبرّت في الدين والفضل على سائر أزواجه، وعقد اثني عشر بروزا إلى تلقي ملوك الروم القادمين عليه مصطهرين بإلحاح سيفه، منكبّين على لثم سريره. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 58 شعره: ومما يؤثر من شعره «1» : [الطويل] رميت بنفسي هول كلّ عظيمة «2» ... وخاطرت والحرّ الكريم يخاطر «3» وما صاحبي إلّا جنان مشيّع ... وأسمر خطّيّ وأبيض باتر «4» ومن شيمتي «5» أني على كلّ «6» طالب ... أجود بمال لا تقيه المعاذر وإني لزجّاء الجيوش إلى الوغى ... أسود تلاقيها أسود خوادر فسدت «7» بنفسي أهل كلّ سيادة ... وكاثرت «8» حتى لم أجد من أكاثر وما شدت بنيانا «9» ولكن زيادة ... على ما بنى عبد المليك وعامر رفعنا العوالي «10» بالعوالي سياسة «11» ... وأورثناها في القديم معافر «12» وبلغ في ملكه أقطار المغرب، إلى حدود القبلة «13» ، وبمدينة فاس، إثر ولده المقلّد فتح تلك الأقطار، ونهد أولئك الملوك الكبار. دخوله غرناطة: قال صاحب الديوان في الدولة العامرية، وقد مرّ ذكر المنصور، قومس الفرنجة بمدينة برشلونة: وهذه الأمة أكثر النصرانية جمعا، وأوسعها، وأوفرها من الاستعداد، وما أوطىء من الممالك والبلاد، وفتح من القواعد، وهزم من الجيوش. وقفل المنصور عنها، وهو أطمع الناس في استئصالها؛ ثم خصّهم بصائفة سنة خمس وسبعين، وهي الثالثة عشرة «14» لغزواته؛ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 59 وقد احتفل لذلك، واستبلغ في النّفير، واستوفى أتمّ الأبّهة، وأكمل العدّة، فجعل طريقه على شرقي الأندلس؛ لاستكمال ما هنالك من الأطعمة، فسلك طريق إلبيرة، إلى بسطة، إلى تدمير؛ وعزم في هذه الغزوات بريل ملك فرنجة ونازل مدينة برجلونة؛ فدخلها عنوة يوم الاثنين النصف من صفر، سنة أربع وسبعين أو خمس بعدها. قلت: وفي دخول المنصور بجيشه بلد إلبيرة؛ ما يحقق دعوى من ادّعى دخول المعتمدين من أهل الأندلس لذلك العهد؛ إذ كان يصحب المنصور في هذه الغزوة، من الشعراء المرتزقين بديوانه من يذكر؛ فضلا عن سائر الأصناف على ندارة هذا الصنف من الخدام؛ بالنسبة للبحر الزاخر من غيرهم. والذي صحّ أنه حضر ذلك، أبو عبد الله محمد بن حسين الطّبني، أبو القاسم حسين بن الوليد، المعروف بابن العريف، أبو الوضّاح بن شهيد، عبد الرحمن بن أحمد، أبو العلا صاعد بن الحسن اللغوي، أبو بكر زيادة الله بن علي بن حسن اليمني، عمر بن المنجم البغدادي، أبو الحسن علي بن محمد القرشي العباسي، عبد العزيز بن الخطيب المحرود، أبو عمر يوسف بن هارون الزيّادي، موسى بن أبي طالب، مروان بن عبد الحكم بن عبد الرحمن، يحيى بن هذيل بن عبد الملك بن هذيل المكفوف، سعد بن محمد القاضي، ابن عمرون القرشي المرواني، علي النقاش البغدادي، أبو بكر يحيى بن أمية بن وهب، محمد بن إسماعيل الزبيدي، صاحب المختصر في اللغة، أحمد بن درّاح القسطليّ، متنبيّ الأندلس، أبو الفرج منيل بن منيل الأشجعي، محمد بن عبد البصير، الوزير أحمد بن عبد الملك بن شهيد، محمد بن عبد الملك بن جهور، محمد بن الحسن القرشي، من أهل المشرق، أبو عبيدة حسان بن مالك بن هاني، طاهر بن محمد المعروف بالمهنّد، محمد بن مطرّف بن شخيص، سعيد بن عبد الله الشّنتريني، وليد بن مسلمة المرادي، أغلب بن سعيد، أبو الفضل أحمد بن عبد الوهاب، أحمد بن أبي غالب الرّصافي، محمد بن مسعود البلخي، عبادة بن محمد بن ماء السماء، عبد الرحمن بن أبي الفهد الإلبيري، أبو الحسن بن المضيء البجلي الكاتب، عبد الملك بن سهل، الوزير عبد الملك بن إدريس الجزيري، قاسم بن محمد الجيّاني. قال المؤرخ: هؤلاء من حفظته منهم، وهم أكثر من أن يحصوا، فعلى هذا يتبنى القياس في ضخامة هذا الملك، وانفساح هذا العزّ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 60 وفاته: توفي، رحمه الله، منصرفا من غزاته المسمّاة بقنالش والرّيد، وقد دوّخ أقطار قشتالة، ليلة الاثنين سبع وعشرين لرمضان عام اثنين وتسعين وثلاثمائة «1» ، وقد عهد أن يدفن ببلد وفاته، بعد وصية شهيرة صدرت عنه، إلى المظفّر ولده، فدفن بمدينة سالم، التي بناها في نحر العدو من وادي الحجارة، وبقصرها، وقبره معروف إلى اليوم. وكان قد اتخذ له من غبار ثيابه الذي علاها في الجهاد، وعاء كبيرا بحديه، رحمه الله. وكتب على قبره هذا الشعر «2» : [الكامل] آثاره تنبيك عن أخباره «3» ... حتى كأنّك بالعيان «4» تراه تالله لا يأتي الزمان بمثله ... أبدا ولا يحمي الثغور سواه «5» محمد بن عباد بن محمد بن إسماعيل بن محمد بن إسماعيل ابن قريش بن عباد بن عمرو بن أسلم بن عمرو بن عطاف ابن نعيم، لخمي النسب «6» أوّليّته: دخل الأندلس جدّه عطاف مع بلج بن بشر القشيري، من أشراف الطّالعة البلجية، وهم من عرب حمص من أرض الشام، وموضعه بها يعرف بالعريش في آخر الجفار بين مصر والشام. ونزل عطاف بقرية تعرف بيومين من إقليم طشانة على ضفة النهر الأعظم من أرض إشبيلية. ولمّا هلك قريش، ورث السيادة إسماعيل بن قريش، وهو القاضي المشهور بالفضل والدهاء، يكنّى أبا الوليد. ولي الشرطة الوسطى لهشام بن الحكم، وخطّة الإمامة إلى صلاة الجمعة. ثم خلفه أبو القاسم المنفرد برئاسة إشبيلية، المتحف فيها بخطط الوزارتين والقضاء الجزء: 2 ¦ الصفحة: 61 والمظالم. وعزّ جاهه، وكثرت حاشيته، وتعدّدت غلمانه، وأذعنت له عداته. ثم خلفه الأمير المعتضد ولده، وكان خيّرا حازما، سديد الرأي، مصنوعا له في الأعداء، فلمّا توفي، تصيّر الأمر إلى ولده المترجم به، المكني أبا القاسم إلى حين خلعه. حاله: قالوا كلّهم: كان المعتمد، رحمه الله، فارسا شجاعا، بطلا مقداما، شاعرا ماضيا، مشكور السيرة في رعيته. وقال أبو نصر في قلائده «1» : «وكان المعتمد على الله ملكا قمع العدا، وجمع «2» بين البأس والنّدا، وطلع على الدنيا بدر هدى، لم يتعطل يوما كفّه ولا بنانه، آونة يراعه وآونة سنانه، وكانت أيامه مواسم، وثغور «3» برّه بواسم» . لقبه أولا الظّافر، ثم تلقب «4» بالمعتمد، كلفا بجاريته اعتماد، لمّا ملّكها، لتتّفق حروف لقبه بحروف اسمها، لشدة ولوعه بها. وزراؤه: ابن زيدون. وابن عمّار، وغيرهما. أولاده المملّكون: عبيد الله، يكنى أبا الحسن، وهو الرّشيد، وهو الذي لم يوافق أباه على استصراخ المرابطين، وعرّض بزوال الملك عنهم، فقال: أحبّ إليّ أن أكون راعي إبل بالعدوة من أن ألقى الله، وقد حوّلت الأندلس دار كفر، وكان قد ولّاه عهده، وبويع له بإشبيلية، وهو المحمول معه إلى العدوة. ثم الفتح، وهو الملقب بالمأمون، كان قد بويع له بقرطبة، وهو المقتول بها، المحمل رأسه إلى محلّة العدوّ المرابطين، المحاصرة لأبيه بإشبيلية. ثم يزيد الراضي، وكان قد ولّاه رندة، فقتل لما ملكها اللمتونيون. ثم عبد الله، ويكنّى أبا بكر. هؤلاء الأربعة من جاريته اعتماد، السيدة الكبرى، والمدعوة بالرّميكيّة منسوبة إلى مولاها رميك بن حجاج، الذي ابتاعها منه المعتمد. ملمّته: لمّا تكالب أدفونش بن فردلاند على الأندلس بعد أخذه مدين طليطلة ضيق بالمعتمد، وأجحف في الجزية التي كان يتّقي بها على المسلمين عاديته، وعلى ذلك أقسم أخذها وتجنّى عليه، وطمع في البلاد، فحكى بعض الإخباريين أنه وجّه إليه رسله في آخر أمره لقبض تلك الضريبة، مع قوم من رؤساء النصارى، ونزلوا خارج باب إشبيلية، فوجّه إليهم المال، مع بعض الوزراء، فدخلوا على اليهودي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 62 المذكور في خبائه، وأخرجوا المال، فقال لهم: لا أخذت منه هذا العيار ولا أخذت منه إلّا ذهبا مشجّرا، ولا يؤخذ منه في هذا العام إلّا أجفان البلاد، ونقل كلامه إلى المعتمد، فبادر بالقبض عليه وعلى النصارى، ونكّل بهم، وقتل اليهودي بعد أن بذل في نفسه زنة جسمه ذهبا، فلم يقبل منه، واحتبس النصارى، وراسله الطاغية في إطلاقهم، فأبى إلّا أن يخلي منه حصن الحدود، فكان ذلك. واستصرخ اللّمتونيّين، وأجاز البحر بنفسه، وأقسم الطاغية بإيمانه المغلّطة ألّا يرفع عنه يده. وهاجت حفيظة المعتمد، واجتهد في جواز المرابطين، وكان مما هو معلوم من الإيقاع بالطاغية في وقعة الزّلاقة «1» ، فإنه الذي أصلى نارها بنفسه، فعظم بلاؤه، وشهر صبره، وأصابته الجراح في وجهه ويده، رحمه الله. وفي ذلك يقول أبو بكر بن عبادة المرّي «2» : [الوافر] وقالوا كفّه جرحت فقلنا ... أعاديه تواقعها «3» الجراح وما أثر «4» الجراحة ما رأيتم ... فتوهنها المناصل والرّماح ولكن فاض سيل البأس «5» منها ... ففيها من مجاريه انسياح «6» وقد صحّت وسحّت بالأماني ... وفاض الجود منها والسّماح رأى منه أبو يعقوب فيها ... عقابا لا يهاض له جناح «7» فقال له لك القدح المعلّى ... إذا ضربت بمشهدك القداح ولما اتصلت به الصّيحة؛ بين يدي دخول المدينة، ركب في أفراد من عبيده؛ وعليه قميص يشفّ عن بدنه، والسيف منتضى بيده، ويمّم باب الفرج، فقدّم الداخلين، فردّهم على أعقابهم؛ وقتل فارسا منهم؛ فانزعجوا أمامه؛ وخلّفوا الباب؛ فأمر بإغلاقه؛ وسكنت الحال؛ وعاد إلى قصره. وفي ذلك الجزء: 2 ¦ الصفحة: 63 يقول «1» : [مجزوء الكامل] إن يسلب القوم العدا «2» ... ملكي وتسلمني الجموع فالقلب بين ضلوعه ... لم تسلم القلب الضّلوع قد رمت يوم نزالهم ... ألّا تحصّنني الدّروع وبرزت ليس سوى القمي ... ص عن الحشا شيء دفوع أجلي تأخّر لم يكن ... بهواي ذلّي والخضوع ما سرت قطّ إلى القتا ... ل «3» وكان من أملي الرجوع شيم الأولى «4» أنا منهم ... والأصل تتبعه الفروع جوده: وأخبار «5» جوده شهيرة، ومما يؤثر من ذلك، على استصحاب حال العزّ، ووفور ذات اليد، وأدوات الملك، غريب. والشاهد المقبول بقاء السجيّة ومصاحبة الخلق الملكية، مع الإقتار والإيسار، وتقلّب الأطوار. وتعرّض له الحصري القرموني الضرير بخارج طنجة؛ وهو يجتاز عليها في السواحل من قهر واعتقال، بأشعار ظاهرة المقت، غير لائقة بالوقت، ولم يكن بيده، زعموا، غير ثلاثين دينارا «6» كانت بخفّه، معدّة لضرورة ضرر وأزمة، وأطبع عليها دمه، وأدرج قطعة شعر طيّها اعتذار عن نزرها، راغبا في قبول أمرها، فلم يراجعه الحصري بشيء عن ذلك، فكتب إليه «7» : [مجزوء الرمل] قل لمن جمع العل ... م وما «8» أحصى صوابه كان في الصّرة شعر ... فتنظّرنا «9» جوابه قد أثبناك «10» فهلّا ... جلب الشّعر جوابه «11» ؟ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 64 حلمه: رفع إليه صدر دولته شعر، أغري فيه بأبي الوليد بن زيدون، وهو شهير، وتخيّر له موقع وترصّد حين، وانتظر به مؤجره، وهو «1» : [الكامل] يا أيها الملك الأعزّ «2» الأعظم ... اقطع وريدي كلّ باغ يسلم «3» واحسم بسيفك داء «4» كلّ منافق ... يبدي الجميل وضدّ ذلك يكتم لا تتركن للناس موضع شبهة «5» ... واحزم فمثلك في العظائم يحزم قد قال شاعر كندة فيما مضى ... قولا «6» على مرّ الليالي يعلم «لا يسلم الشّرف الرفيع من الأذى ... حتى يراق على جوانبه الدّم «7» » فوقّع على الرقعة «8» : [الكامل] كذبت مناكم، صرّحوا أو جمجموا ... الدّين أمتن والسجيّة «9» أكرم خنتم ورمتم أن أخون وإنما ... حاولتم أن يستخفّ يلملم «10» وأردتم تضييق صدر لم يضق ... والسّمر في صدر «11» النّحور تحطّم وزحفتم بمحالكم لمجرّب ... ما زال يثبت للمحال «12» فيهزم أنّى رجوتم غدر من جرّبتم ... منه الوفاء وظلم «13» من لا يظلم أنا ذا «14» كم لا السّعي «15» يثمر غرسه ... عندي ولا مبنى الصّنيعة يهدم «16» كفّوا وإلّا فارقبوا لي بطشة ... يبقى «17» السّفيه بمثلها يتحلّم «18» الجزء: 2 ¦ الصفحة: 65 توقيعه ونثره في البديهة: كتب مع الحمائم إلى ولده الرشيد عقب الفراغ من وقعة الزّلّاقة: يا بني، ومن أبقاه الله وسلّمه، ووقاه الأسواء وعصمه، وأسبغ عليه آلاءه وأنعمه، كتبته، وقد أعزّ الله الدين، وأظهر المسلمين، وفتح لهم على يدي مستدعيات الفتح المبين، بما يسّره الله في أمسه وسناه، وقدّره سبحانه وقضاه، من هزيمة أدفونش ابن فردلند لعنه الله وأصلاه، وإن كان طاح للجحيم، ولا أعدمه وإن كان أهل العيش الذّميم، كما قنعه الخزي العظيم. وأتى القتل على أكثر رجاله وحماته، واتصل النّهب سائر اليوم، والليلة المتصلة به، جميع محلّاته، وجمع من رؤوسهم بين يديّ، من مشهوري رجالهم، ومذكوري أبطالهم، ولم يختر منهم إلّا من شهر وقرّب، وامتلأت الأيدي ممّا سلب ونهب. والذي لا مرية فيه، أن الناجي منهم قليل، والمفلت من سيوف الجزع والبعد قتيل، ولم يصبني بفضل الله إلّا جرح أشوى، وحسن الحال عندنا والله وزكى، ولا يشغل بذلك بال، ولا يتوهم غير الحال التي أشرت إليها حال، والأدفونش بن فرذلاند، إن لم يصبح تحت السيوف فسيموت لا محالة كمدا، وإن كان لم تعلقه أسراد الحمام فغدا، فإن برأسه طمرة ولحام. فإذا ورد كتابي هذا، فمر بجمع الخاص والعام، من أهل إشبيلية، وجيرانها الأقربين، وأصفيائنا المحبين، في المسجد الجامع، أعزّهم الله، وليقرأ عليهم فيه، ليأخذوا من المسرّة بأنصبائهم، ويضيفوا شكرا لله إلى صالح دعائهم، والحمد لله على ما صنع حقّ حمده، جلّ المزيد لأمر حين، إلّا من عنده والسلام. تلطّفه وظرفه: قال أبو بكر الداني: سألني في بعض الأيام عند قدومي عليه بأغمات، قاضيا حقّ نعمته، مستكثرا من زيارته، مستمتعا برائق أدبه، على حال محنته، عن كتبي، فأعلمته بذهابها في نهب حضرته. وكنت قد جلبت في سفرتي تلك، الأشعار الستة، بشرح الأستاذ أبي الحجاج الشّنتمري الأعلم، وكانت مستعارة، فكتمتها عنه. ووشى إليه أحد الأصحاب، فخجل بكرمه وحسن شيمته، من الأخذ معي في ذكر ما كتمته، فاستطرد إلى ذلك بغرض نبيل، ونحا فيه نحوا، يعرب عن الشّرف الأصيل، وأملى عليّ، في جملة ما كان يمليه: [الكامل] وكواكب لم أدر قبل وجوهها ... أنّ البدور تدور في الأزرار نادمتها في جنح ليل دامس ... فأعرنه مثلا من الأنوار في وسط روضة نرجس كعيونها ... ما أشبه النّوار بالنّوار فإذا تواصفنا الحديث حسبتني ... ألهو بملتقط لدرّ نثار الجزء: 2 ¦ الصفحة: 66 فإذا اكتحلت برقّ ثغر باسم ... سكبت جفوني أغزر الأمطار حذر الملام وخيفة من جفوة ... تذر الصدور على شفير هار ترك الجواري الآنسات مذاهبي ... وسوّلها ظفر بريشة الأشعار فلم أتمالك عند ذلك ضحكا، وعلمت أن الأمر قد سرّي إليه، فأعلمته قصّتها، فبسط العذر بفضله، وتأوّل الأمر، وقسّم الأشعار، على ثلاثة من بنيه؛ ذوي خطّ رائع، ونقل حسن، وأدب بارع، أخذوا في نسخها، وصرفوا الأصل لأجل قريب. محنته: ولم يلبث أمير اللمتونيين بعد جوازه إلى الأندلس، وظهوره على طائفة الروم، أن فسد ما بينه وبين رؤساء الطوائف بالأندلس، وعزم على خلعهم، فأجاز من سبتة العساكر، وسرب الأمداد. وأخذ المعتمد بالعزم يحصّن حصونه، وأودع المعاقل عدّته، وقسّم على مظان الامتناع ولده، وصمدت الجموع صمدة بنيه، ونازل الأمير سير إشبيلية، دار المعتمد، وحضرة ملكه، ونازل الأمير محمد ابن الحاج قرطبة، وبها المأمون، ونزل جرور من قواده رندة، وبها الرّاضي ابن المعتمد. واستمرّ الأمر، واتصلت المحاصرة، ووقعت أمور يضيق الكتاب على استقصائها. فدخلت قرطبة في جمادى الآخرة عام أربعة وثمانين وأربعمائة، وقتل الراضي، وجلب رأسه فطيف به بمرأى من أبيه. وكان دخول إشبيلية على المعتمد، دخول القهر والغلبة، يوم الأحد لعشر بقين من رجب، وشملت الغارة، واقتحمت الدّور، وخرج ابن عباد في شكّته «1» ، وابنه مالك في أمّته معهما، فقتل مالك الملقب بفخر الدولة ورهقت الخيل، وكثر، فدخل القصر ملقيا بيده. ولما جنّ الليل، وجّه ابنه الأكبر الرشيد إلى الأمير، فحجب عنه، ووكّل بعض خدمه به، وعاد إلى المعتمد فأخبره بالإعراض عنه، فأيقن بالهلكة، وودّع أهله، وعلا البكاء، وكثر الصّراخ، وخرج هو وابنه، فأنزلا في خباء حصين، ورقبا بالحرس، وأخرج الحرم من قصره، وضمّ ما اشتمل عليه، وأمر بالكتب إلى ولده برندة ففعل. ولمّا نزل، واستوصلت ذخيرته، سلا، وأجيز المعتمد البحر، ومن معه إلى طنجة، فاستقرّ بها في شعبان من العام، وفي هول البحر عليه في هذا الحال، يقول رحمه الله: [البسيط] لم أنس والموت يدنيني ويقصيني ... والموت كأنّ المنى يأتيني أبصرت هولا لو أنّ الدهر أبصره ... لما خوّفا لأمر ليس بالدّون الجزء: 2 ¦ الصفحة: 67 قد كنت ضانّا بنفس لا أجود بها ... فبعتها باضطرار بيع مغبون كم ليلة بتّ مطويا على حرق ... في عسر من عيون الدبر في العين فتلك أحسن أم ظللت به ... في ظلّ عزّة سلطان وتمكين؟ ولم يكن والذي تعنو الوجوه له ... عرضي مهانا ولا مالي بمخزون وكم خلوت من الهيجا بمعترك ... والحرب ترفل في أثوابها الجون يا ربّ إن لم تدع حالا أسرّ به ... فهب لعبدك أجرا غير ممنون وجرى على بناته شيء يوم خروجهن، واضطرتهن الضيقة إلى معيشتهنّ من غزل أيديهن، وجرت عليه محن طال لها شجنه وأقعده قيده، إلى أن نقل إلى أغمات وريكة، وحلّ عنه الاعتقال، وأجري عليه رزقه، تبلّغ به لمدة من أعوام أربعة، واستنقذه حمامه، رحمة الله عليه. وصوله إلى غرناطة: قال ابن الصّيرفي: وقد أجرى ذكر تملّك يوسف بن تاشفين غرناطة، وخلع أميرها عبد الله بن بلقّين حفيد باديس، يوم الأحد لثلاث عشرة خلت من رجب عام ثلاثة وثمانين «1» ، ولحق ابن عباد «2» وحليفه ابن مسلمة «3» بخيل ورجل ورماة وعدد، وحلّ ذلك من ابن عباد تضمّنا لمسرّة أمير المسلمين، وتحقّقا بموالاته، فدخلا عليه، وهنّئاه، وقد تحكّمت في نفس ابن عباد الطماعيّة في إسلام غرناطة إلى ابنه، بعد استصفاء نعمة صاحبها، عوضا عن الجزيرة الخضراء، وكان قد أشخصه معه، فعرّض بغرضه، فأعرض أمير المسلمين عن الجميع إعراضا، كانت منية كل منهما التخلّص من يده، والرجوع إلى بلده، فأعمل ابن عباد الحيلة، فكتب، يزعم أنه وردت عليه تحثّه من إشبيلية في اللحاق أنباء مهمة طرقت بتحرك العدو، واستأذن بها في الصّدور، فأخذ له ولحليفه ابن مسلمة، فانتهزا الفرصة، وابتدرا الرجعة، ولحق كل بموضعه يظنّ أنه ملك رئاسة أمره. مولده: ولد المعتمد على الله بمدينة باجة سنة إحدى وثلاثين وأربعمائة. وولّي سنة إحدى وستين. وخلع سنة أربع وثمانين. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 68 وفاته: كانت وفاة المعتمد على الله بأغمات في ربيع الأول سنة ثمان وثمانين وأربعمائة، بعد أن تقدمت وفاته وفاة الحرة اعتماد، وجزع عليها جزعا أقرب سرعة لحاقه بها. ولما أحسّ بالمنية رثى نفسه بهذه الأبيات وأمر أن تكتب على قبره «1» : [البسيط] قبر الغريب سقاك الرّائح الغادي ... حقّا ظفرت بأشلاء ابن عبّاد بالحلم بالعلم بالنّعمى إذا اتصلت ... بالخصب إن أجدبوا بالرّيّ للصادي بالطّاعن الضارب الرّامي إذا اقتتلوا ... بالموت أحمر بالضّرغامة العادي بالدهر في نقم بالبحر في نعم ... بالبدر في ظلم بالصّدر في النادي نعم هو الحقّ فاجاني «2» على قدر ... من السماء ووافاني «3» لميعاد ولم أكن قبل ذاك النّعش أعلمه ... أنّ الجبال تهادى فوق أعواد كفاك فارفق بما استودعت من كرم ... روّاك كلّ قطوب البرق رعّاد يبكي أخاه الذي غيّبت وابله ... تحت الصّفيح بدمع رائح غادي حتى يجودك دمع الطّلّ منهمرا ... من أعين الزّهر لم تبخل بإسعاد فلا «4» تزل صلوات الله نازلة «5» ... على دفينك لا تحصى بتعداد بعض ما رثي به: قال ابن الصّيرفي: وخالف في وفاة المعتمد، فقال: كانت في ذي حجة. فلمّا انفصل الناس من صلاة العيد، حفّ بقبره ملأ، يتوجعون ويترحمون عليه، وأقبل ابن عبد الصمد، فوقف على قبره وأنشد «6» : [الكامل] ملك الملوك، أسامع فأنادي ... أم قد عدتك عن السّماع عوادي؟ لمّا خلت «7» منك القصور فلم «8» تكن ... فيها كما قد كنت في الأعياد أقبلت في هذا الثرى لك خاضعا ... وتخذت «9» قبرك موضع الإنشاد الجزء: 2 ¦ الصفحة: 69 ثم خرّ يبكي، ويقبّل القبر ويعفر وجهه في التّراب، فبكى ذلك الملأ حتى أخضلوا ملابسهم، وارتفع نشيجهم، فلله درّ ابن عبد الصمد، وملاذ ذلك البلد. محمد بن سعد بن محمد بن أحمد بن مردنيش الجذامي «1» قال بعضهم: ينتمي في تجيب، الأمير أبو عبد الله. أوّليّته: معروفة. وعلى يد أبيه جرت الوقيعة الكبرى بظاهر إفراغة «2» ، على ابن رذمير الطاغية، فجلّت الشّهرة، وعظمت الأثرة. قال بعضهم: تولى أبوه سعد قيادة إفراغه وما إليها، وضبطها. ونازلها ابن رذمير، فشهر غناؤه بها في دفاعه، وصبره على حصاره، إلى أن هزمه الله عزّ وجلّ، على يدي ابن غانية. وظهر بعد ذلك فحسن بلاؤه، وبعد صيته. ورأس ابنه محمد، ونفق في ألفته. وكان بينه وبين ابن عياض المتأمّر بمرسية صهر، ولّاه لأجله بلنسية. فلما توفي ابن عياض، بادرها ابن سعد، وبلغه أثناء طريقه غدر العدوّ بحصن جلال، فكرّ وقاد له وفتحه. وعاد فملك بلنسية، وقد ارتفع له صيت شهير، ثم دخلت مرسية في أمره، واستقام له الشّرق، وعظمت حاله. حاله: قال ابن حمامة: ساد من صغره بشجاعته ونجابته، وصيت أبيه، فمال بذلك إلى القيادة، وسنّه إحدى وعشرون سنة. ثم ارتقى إلى الملك الراسخ، والسلطان الشامخ، بباهر شجاعته وشهامته، فسما قدره، وعظم أمره، وفشى في كل أمة ذكره. وقال غيره: كان بعيد الغور، قويّ السّاعد، أصيل الرأي، شديد العزم، بعيد العفو، مؤثرا للانتقام، مرهوب العقوبة. وقال في مختصر «ثورة المريدين» «3» : كان عظيم القوة في جسمه، ذا أيد في عظمته، جزّارة في لحمه، وكان له فروسيّة، وشجاعة، وشهامة، ورئاسة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 70 بطالته وجوده: قال: وكان له يومان في كل جمعة؛ الاثنين والخميس، يشرب مع ندمائه فيهما، ويجود على قوّاده، وخاصته وأجناده، ويذبح البقر فيهما، ويفرق لحومها على الأجناد، ويحضر القيان بمزاميرهن وأعوادهن، ويتخلل ذلك لهو كثير، حتى ملك القلوب من الجند، وعاملوه بغاية النّصح، وربما وهب المال في مجالس أنسه. ذكر أنه استدعى يوما ابن الأزرق أحد قوّاده، فشرب معه ومع القرابة، في مجلس قد كساه بأحمر الوشي والوطيء والآنية من الفضة وغيرها، وتمادى في لهو وشراب عامة اليوم، فلما كمل نهاره معهم، وهبهم الآنية، وكلّ ما كان في المجلس من الوشي وغير ذلك. ما نقم عليه ووصم به: قالوا: كان عظيم الانهماك في ميدان البطالة، واتخذ جملة من الجواري، فصار يراقد منهن جملة تحت لحاف واحد «1» . وانهمك في حب القيان، والزّمر والرقص. قالوا: وكان له فتى اسمه حسن، ذو رقبة سمينة، وقفا عريض، فإذا شرب، كان يرزّه، ويعطيه بعد ذلك عطاء جزيلا. وفي ذلك يقول كاتبه المعروف بالسّالمي، وكان يحضر شرابه ويخمر: [المنسرح] أدر كؤوس المدام والرّزّ ... فقد ظفرنا بدولة العزّ ونعم الكفّ من قفا حسن ... فإنها في ليانة الخزّ وصاحب إن طلبت أخدعه ... فلم يك «2» في بذله بمعتزّ انحنى على أخداعي فأطربني ... وهزّ عطفيّ أيّما هزّ وأجزل صلة السّالمي حين أنشدها إياه، واشتهرت هذه الأبيات بالشرق، واستظرفها الناس. فردّ مرسية دار مجونه، وبلغ في زمانه ألفا وأربعين. وآثر زيّ النصارى من الملابس، والسلاح، واللّجم، والسروج. وكلف بلسانهم يتكلم مباهتة، وألجأه الخروج عن الجماعة، والانفراد بنفسه إلى الاحتماء بالنصارى، ومصانعتهم، والاستعانة بطواغيتهم، فصالح صاحب برشلونة لأول أمره على ضريبة، وصالح ملك الجزء: 2 ¦ الصفحة: 71 قشتالة على أخرى؛ فكان يبذل لهم في السنة خمسين ألف مثقال. وابتنى لجيشه من النصارى منازل معلومات وحانات للخمور، وأجحف برعيّته لأرزاق من استعان به منهم، فعظمت في بلاده المغارم وثقلت، واتخذ حوانيت بيع الأدم والمرافق، تختنق بجانبه، وجعل على الأغنام وعروض البقر، مؤنا غريبة. وأما رسوم الأعراس والملاهي، فكانت قبالاتها غريبة. حدّث بعض المؤرخين عن الثقة، قال: كنت بجيّان مع الوزير أبي جعفر الوقّشي، فوصل إليه رجل من أهل مرسية، كان يعرفه، فسأله الوزير عن أحوال ابن مردنيش وعن سيره، فقال الرجل: أخبرك بما رأيته من جور عمّاله وظلمهم؛ وذلك أن أحد الرعية بشاطبة واسمه محمد بن عبد الرحمن، كان له بنظر شاطبة، ضويعة يعيش بها، وكان لازمها أكثر من فائدها، فأعطى لازمها حتى افتقر، وفرّ إلى مرسية. وكان أمر ابن مردنيش، أنه من فرّ من الرعيّة أمام الغزو، أخذ ماله للمخزن. قال الرجل الشّاطبي: فلما وصلت إلى مرسية فارّا عن وطني، خدمت الناس في البنيان، فاجتمع لي مثقالان سعديّان، فبينما أنا أمشي في السوق، وإذا بقوم من أهل بلدي شاطبة، ومن قرابتي، فسألتهم عن أولادي وزوجتي، فقالوا: إنهم في عافية، ففرحت فرحا عظيما، وسألتهم عن الضّويعة، فقالوا: إنها باقية بيد أولادك، فقلت لهم: عسى تبيتوا عندي الليلة، فاشتريت لحما وشرابا، وضربنا دفّا. فلمّا كان عند الصباح، وإذا بنقر عنيف بالباب. فقلت: من أنت؟ فقال: أنا الطّرقون الذي بيده قبالة اللهو، وهي متّفقة بيدي، وأنتم ضربتم البارحة الدّف فأعطنا حق العرس الذي عملت. فقلت له: والله ما كانت لي عرس، فأخذت وسجنت، حتى افتديت بمثقال واحد من الذي خدمت به، وجئت إلى الدار، فقيل لي إن فلانا وصل من شاطبة السّاعة، فمشيت لأسأله عن أولادي، فقال: تركتهم في السّجن، وأخذت الضّويعة من أيديهم في رسم الجبالي، فرجعت إلى الدار، إلى قرابتي، وعرّفتهم بالذي طرأ عليّ، وبكيت طول ليلتي، وبكوا معي، فلمّا كان من الغد، وإذا بناقر بالباب، فخرجت، فقال: أنا رجل صاحب المواريث، أعلمنا أنكم بكيتم البارحة، وأنه قد مات لكم ميت من قرابتكم غنيّ، وأخذتم كلّ ما ترك، فقلت: والله ما بكيت إلّا نفسي، فكذبني وحملني إلى السجن، فدفعت المثقال الثاني، ورجعت إلى الدار وقلت: أخرج إلى الوادي، إلى باب القنطرة، أغسل ثيابي من درن السجن، وأفرّ إلى العدوة، فقلت لامرأة تغسل الثياب: اغسلي مما عليّ، وجرّدتها، ودفعت لي زنارا ألبسه. فبينا أنا كذلك، وإذا بالخصيّ قائد ابن مردنيش، يسوق ستين رجلا من أهل الجبل، لابسي الزنانير، فرآني على شكلهم، فأمر بحملي إلى السّخرة والخدمة بحصن مسقوط عشرة أيام، فلبثت أخدم وأحضر مدة عشرة أيام، وأنا أبكي وأشتكي للقائد المذكور، حتى أشفق عليّ وسرّحني. فرجعت أريد مرسية، فقيل لي عند باب البلد: كيف اسمك؟ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 72 فقلت: محمد بن عبد الرحمن، فأخذني الشرطي، وحملت إلى القابض بباب القنطرة، فقالوا: هذا من كتبته من أرباب الحالي بكذا وكذا دينار، فقلت: والله ما أنا إلّا من شاطبة، وإنما اسمي وافق ذلك الاسم، ووصفت له ما جرى عليّ، فأشفق وضحك مني؛ وأمر بتسريحي، فسرت على وجهي إلى هنا. بعض الأحداث في أيامه، ونبذ من أخباره: استولى على بلاد الشّرق، مرسية وبلنسية وشاطبة ودانية، ثم اتسع نطاق ملكه، فولّي جيّان، وأبدة، وبيّاسة، وبسطة، ووادي آش. وملك قرمونة، ونازل قرطبة وإشبيلية، وكاد يستولي على جميع بلاد الأندلس، فولّي صهره ابن همشك، وقد مرّ في باب إبراهيم، مدينة جيّان وأبدة وبيّاسة، وضيّق منها على قرطبة، واستولى على إستجة، ودخل غرناطة سنة سبع وخمسين وخمسمائة، وثار عليه يوسف بن هلال من أصهاره بحصن مطرنيش وما إليه. ثم تفاسد ما بينه وبين صهره الآخر ابن همشك، فكان سبب إدبار أمره، واستولى العدو في مدة ابن سعد على مدينة طرطوشة عام ثلاثة وأربعين وخمسمائة، وعلى حصن إقليج، وحصن شرانية. دخوله غرناطة: ولما دخل ابن همشك «1» مدينة غرناطة، وامتنعت عليه قصبتها، وهزم الجيش المصرخ لمن حصر بها من الموحدين بمرج الرّقاد «2» وثاب أثناء ذلك أمر الموحدين، فتجهز لنصرهم السيد أبو يعقوب، وأجاز البحر، واجتمعوا بالسيد أبي سعيد بمالقة، استمدّ ابن همشك صهره الأسعد، أبا عبد الله محمد بن سعد، فخرج بنفسه في العسكر الكبير من أهل الشرق والنصارى، فوصل إلى غرناطة، واضطربت محلته بالربوة السامية المتصلة بربض البيّازين، وتعرف إلى اليوم بكدية مردنيش، وتلاحق جيش الموحدين بأحواز غرناطة، فأبينوا جيش عدوهم، فكانت عليه الدّبرة، وفر ابن مردنيش، فلحق بجيان، واتصلت عليه الغلبة من لدن منتصف عام ستين، فلم يكن له بعده ظهور. وفاته: وظهر عليه أمر الموحدين، فاستخلصوا معظم ما بيده، وأوقعوا بجنده الوقائع العظيمة، وحصر بمدينة مرسية، واتصل حصاره، فمات أثناء الحصار في عاشر الجزء: 2 ¦ الصفحة: 73 رجب من عام سبعة وستين وخمسمائة «1» وله ثمانية وأربعون عاما، ووصل أمره أبو القمر هلال «2» ، وألقى باليدين إلى الموحدين، فنزل على عهد ورسوم حسبما يأتي في موضعه. محمد بن يوسف بن هود الجذامي أمير المسلمين بالأندلس، يكنى أبا عبد الله، ويلقب من الألقاب السلطانية بالمتوكل على الله «3» . أوّليّته: من ولد المستعين بن هود. وأوّليتهم معروفة، ودولتهم مشهورة، وأمراؤهم مذكورون. خرج من مرسية تاسع رجب عام خمسة وعشرين وستمائة إلى «الصّخور» من جهاتها، في نفر يسير من الجنود معه، وكان الناس يستشعرون ذلك، ويرتقبون ظهور مسمّى باسمه واسم أبيه، ويندّدون بإمرته وسلطانه. وجرى عليه بسبب ذلك امتحان في زمن الموحّدين مرات، إذ كان بعض الهاتفين بالأمور الكائنة، والقضايا المستقبلة، يقول لهم: يقوم عليكم قائم من صنف الجند، اسمه محمد بن يوسف، فقتلوا بسبب ذلك شخصا من أهل جيّان. ويقال إن شخصا ممن ينتحل ذلك، لقي ابن هود، فأمعن النظر إليه، ثم قال له: أنت سلطان الأندلس، فانظر لنفسك، وأنا أدلّك على من يقيم ملكك، فاذهب إلى المقدّم الغشتي فهو القائم بأمرك. وكان الغشتي «4» رجلا صعلوكا «5» يقطع الطريق، وتحت يده جماعة من أنجاد «6» الرجال، وسباع الشرّار، قد اشتهر أمرهم، فنهض إلى المقدم، وعرض عليه الأمر، وقال: نستفتح بمغاورة إلى أرض العدو، على اسمك وعلى سعدك، ففعلوا، فجلبوا كثيرا من الغنائم والأسرى، وانضاف إلى ابن هود طوائف مثل هؤلاء، وبايعوه الجزء: 2 ¦ الصفحة: 74 ب «الصّخيرات» «1» كما ذكر، من ظاهر مرسية، وتحرّك إليه السيد أبو العباس بعسكر مرسية، فأوقع به وشرّده، ثم ثاب إليه ناسه، وعدل إلى الدّعاء للعباسيين، فتبعه اللّفيف، ووصل تقليد الخليفة المستنصر بالله ببغداد، فاستنصر الناس في دعوته، وشاع ذكره، وملك القواعد، وجيّش الجيوش، وقهر الأعداء، ووفّى للغشتي بوعده، فولّاه أسطول إشبيلية، ثم أسطول سبتة، مضافا إلى أمرها، وما يرجع إليه، فثار به أهلها بعد وخلعوه، وفرّ أمامهم في البحر، وخفي أثره إلى أن تحقق استقراره أسيرا في البحر بغرب الأندلس، ودام زمانا، ثم تخلّص في سنّ الشيخوخة، ومات برباط آسفي. حاله: كان شجاعا، ثبتا، كريما حيّيا، فاضلا، وفيّا، متوكّلا عليه، سليم الصدر، قليل المبالاة، فاستعلى لذلك عليه ولاته بالقواعد، كأبي عبد الله بن الرّميمي بألمريّة، وأبي عبد الله بن زنون بمالقة، وأبي يحيى عتبة بن يحيى الجزولي بغرناطة. وكان مجدودا، لم ينهض له جيش، ولا وفّق لرأي؛ لغلبة الخفّة عليه، واستعجاله الحركات، ونشاطه إلى اللقاء، من غير كمال استعداد. بعض الأحداث في أيامه «2» : جرت عليه هزائم، منها هزيمة السلطان الغالب بالله إيّاه مرّتين، إحداهما بظاهر إشبيلية، وركب البحر فنجا بنفسه، ثم هزمه بإلبيرة من أحواز غرناطة، زعموا كل ذلك في سنة أربع وثلاثين وستمائة أو نحوها. وفي سنة خمس وثلاثين، كان اللقاء بينه وبين المأمون إدريس أمير الموحدين بإشبيلية، فهزمه المأمون أقبح هزيمة، واستولى على محلّته، ولاذ منه بمدينة مرسية. ثم شغل المأمون الأمر، وأهمّته الفتنة الواقعة بمرّاكش، فصرف وجهه إليها، وثاب الأمر للمتوكل، فدخلت في طاعته ألمريّة، ثم غرناطة، ثم مالقة. وفي سبع وعشرين وستمائة، تحرّك بفضل شهامته بجيوش عظيمة، لإصراخ مدينة ماردة، وقد نازلها العدوّ وحاصر، ولقي الطّاغية بظاهرها، فلم يتأنّ، زعموا، حتى دفع بنفسه العدوّ، ودخل في مصافّه، ثم لمّا كرّ إلى ساقته، وجد الناس منهزمين لما غاب عنهم، فاستولت عليه هزيمة شنيعة، واستولى العدو على ماردة بعد ذلك. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 75 وفتح عليه في أمور، منها تملّكه إشبيلية سنة تسع وعشرين وستمائة، وولّى عليها أخاه الأمير أبا النجاة سالما الملقب بعماد الدولة. وفي سنة إحدى وثلاثين، رجعت قرطبة إلى طاعته، واستوسق أمره. وتملّك غرناطة ومالقة عام خمسة وعشرين وستمائة، ودانت له البلاد. وفي العشر الأول من شوال، دخل في طاعته الريّسان أبو زكريا، وأبو عبد الله، ابنا الرئيس أبي سلطان عزيز بن أبي الحجاج بن سعد، وخرجا عن طاعة الأمير أبي جميل، وأخذا البيعة لابن هود على ما في أيديهما. وفي سنة ست وعشرين وستمائة، تملك الجزيرة الخضراء عنوة، يوم الجمعة التاسع لشعبان من العام، وفي العشر الوسط من شوال ورد عليه الخبر ليلا بقصد العدوّ وجهة مدينة وادي آش، فأسرى ليله مسرجا بقية يومه، ولحق بالعدو على ثمانين ميلا، فأتى على آخرهم، ولم ينج منه أحد. إخوته: الرئيس أبو النجاة سالم، وعلامته: «وثقت بالله» ، ولقبه «عماد الدولة» ، والأمير أبو الحسن عضد الدولة، وأسره العدو في غارة، وافتكّه بمال كثير، والأمير أبو إسحاق شرف الدولة. وكلهم يكتب عنه، من الأمير فلان. ولده: أبو بكر الملقب بالواثق بالله، أخذ له البيعة على أهل الأندلس، في كذا، وولّي بعده وليّ عهده، واستقلّ بملك مرسية، ثم لم ينشب أن هلك. دخوله غرناطة: دخل غرناطة مرّات عديدة، إحداها في سنة إحدى وثلاثين وستمائة، وقد وردت عليه الرّاية والتقليد من الخليفة العباسي ببغداد. وبمصلّى غرناطة، قرىء على الناس كتابه، وهو قائم، وزيّه السّواد، ورايته السوداء بين يديه، وكان يوم استسقاء، فلم يستتمّ على الناس قراءة الكتاب يومئذ، إلّا وقد جادت السماء بالمطر، وكان يوما مشهودا، وصنعا غريبا، وأمر بعد انصرافه، أن يكتب عنه بتلك الألقاب التي تضمّنها الكتاب المذكور إلى البلاد. وفاته: اختلف الناس في سبب وفاته، فذكر أنه قد عاهد زوجه ألّا يتخذ عليها امرأة طول عمره، فلمّا تصيّر إليه الأمر، أعجبته روميّة حصلت له بسبب السّبي من أبناء زعمائهم، من أجمل الناس، فسترها عند ابن الرّميمي خليفته، فزعموا أن ابن الرميمي علق بها، ولما ظهر حملها، خاف افتضاح القصة، فدبّر عليه الحيلة، فلمّا حلّ بظاهر ألمريّة، عرض عليه الدخول إليها، فاغتاله ليلا، بأن أقعد له أربعة رجال، قضوا عليه خنقا بالوسائد. ومن الغد ادّعى أنه مات فجأة، ووقف عليه العدول، والله أعلم بحقيقة الأمر سبحانه، وكانت وفاته ليلة الرابع والعشرين من جمادى الآخرة عام خمسة وثلاثين وستمائة. وفي إرجاف الناس بولاية ابن هود، والأمر قبل وقوعه، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 76 يقول الشاعر: [الطويل] همام به زاد الزمان طلاقة ... ولذّت لنا فيه الأماني موردا فقل لبني العباس ها هي دولة ... أغار بها الحقّ المبين وأنجدا فإن الذي قد جاء في الكتب وصفه ... بتمهيد هذي الأرض قد جاء فاهتدا فإن بشّرتنا بابن هود محمد ... فقد أظهر الله ابن هود محمّدا محمد بن أحمد بن زيد بن أحمد بن زيد بن الحسن ابن أيوب بن حامد بن زيد بن منخل الغافقي يكنى أبا بكر، من أهل غرناطة. وسكن وادي آش. أوّليّته: أصل هذا البيت من إشبيلية، وذكره الرّازي في الاستيعاب، فقال: وبإشبيلية بيت زيد الغافقي، وهم هناك جماعة كبيرة، فرسان ولهم شرف قديم، وقد تصرّفوا في الخدمة. بلديّون «1» ، ثم انتقلوا إلى طليطلة، ثم قرطبة، ثم غرناطة. وذكر الملّاحي في كتابه الحسن بن أيوب بن حامد بن أيوب بن زيد، وعدّه من أهل الشّورى، وقضاة الجماعة بغرناطة. وأحمد بن زيد بن الحسن هو المقتول يوم قيام بني خالد، بدعوة السلطان أبي عبد الله الغالب بالله بن نصر «2» ، وكان عامل المتوكل على الله بن هود بها، وعمّن جمع له بين الدّين والفضل والماليّة. حاله ونباهته ومحنته ووفاته: كان هذا الرجل عينا من أعيان الأندلس، وصدرا من صدورها، نشأ عفّا متصاونا عزوفا، وطلاوة، نزيها، أبيّا، كريم الخؤولة، طيّب الطّعمة، حرّ الأصالة، نبيه الصّهر. ثم استعمل في الوزارة ببلده، ثم قدّم على من به من الفرسان، فأوردهم الموارد الصفيّة بإقدامه، واستباح من العدوّ الفرصة، وأكسبهم الذكر والشهرة، وأنفق في سبيل الله، إلى غضاضة الإيمان، وصحّة العقد، وحسن الشّيمة، والاسترسال في ذكر التواريخ، والأشعار الجاهليّة، والأمثال، والتمسّك بأسباب الدين، وسحب أذيال الطّهارة، وهجر الخبايث، وإيثار الجدّ، والانحطاط في هوى الجماعة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 77 مشيخته: قرأ بغرناطة على شيخ الجماعة أبي عبد الله بن الفخّار، وببلده على الأستاذ أبي عبد الله الطرسوني، وبه انتفاعه. وكان جهوري الصّوت، متفاضلا، قليل التهيّب في الحفل. ولما حدث بالسلطان أبي عبد الله من كياد دولته، وتلاحق بوادي آش مفلتا، قام بأمره، وضبط البلد على دعوته، ولمّ المداهنة في أمره، وجعل حيل عدوه دبر أذنه، إلى أن خرج عنها إلى العدوة، فكان زمان طريقه مفديا له بنفسه، حتى لحق بمأمنه، فتركها مغربة. خبر في وفاته ومعرجه: وكانت الحمد لله على محمده، واستأثر به الدّاخل، فشدّ عليه يد اغتباطه، وأغرى به عقد ضنانته، وخلطه بنفسه، ثم أغرى به لمكانته من الشهامة والرياسة، فتقبّض عليه، وعلى ولده، لباب بني وقته، وغرّة أبناء جنسه، فأودعهما مطبق أرباب الجرائم، وهمّ باغتيالهما، ثم نقلهما إلى مدينة المنكّب ليلة المنتصف لمحرم من عام اثنين وستين وسبعمائة في جملة من النّبهاء مأخوذين بمثل تلك الجريرة. ثم صرف الجميع في البحر إلى بجاية، في العشر الأول لربيع الأول مصفّدين. ولما حلّوا بها، أقاموا تحت برّ وتجلّة. ثم ركبوا البحر إلى تونس، فقطع بهم أسطول العدو بأحواز تكرنت، ووقعت بينه وبين المسلمين حرب، فكرم مقام المترجم يومئذ، وحسن بلاؤه. قال المخبر: عهدي به، وقد سلّ سيفا، وهو يضرب العدو ويقول: اللهمّ اكتبها لي شهادة. واستولى العدو على من كان معه من المسلمين، ومنهم ولده، وكتب: افتكّ الجميع ببلد العنّاب، وانصرف ابنه إلى الحج، وآب لهذا العهد بخلال حميدة كريمة، من سكون وفضل ودين وحياء، وتلاوة، إلى ما كان يجده من الرّكض، ويعانيه من فروسية، فمضى على هذا السبيل من الشهادة، نفعه الله، في ليلة الجمعة الثامن لرجب من عام اثنين وستين وسبعمائة. شعره: أنشدني قاضي الجماعة أبو الحسن بن الحسن له: [البسيط] يا أيها المرتجي للطف «1» خالقه ... وفضله في صلاح الحال والمال لو كنت توقن حقا لطف قدرته ... فاشمخ بأنفك عن قيل وعن «2» قال فإنّ لله لطفا عزّ خالقنا ... عن أن يقاس بتشبيه وتمثال وكل أمر وإن أعياك ظاهره ... فالصّنع في ذاك لا يجري على بال الجزء: 2 ¦ الصفحة: 78 محمد بن أحمد بن محمد الأشعري من أهل غرناطة، يكنى أبا عبد الله، ويعرف بابن المحروق، الوكيل بالدار السلطانية، القهرمان بها، المستوزر آخر عمره، سداد من عون. حاله وأوليته وظهوره: كان، رحمه الله، من أهل العفاف والتّصاون، جانحا إلى الخير، محبّا في أهل الإصلاح، مغضوض الطّرف عن الحرم، عفيفا عن الدماء، مستمسكا بالعدالة، من أهل الخصوصيّة، كتب الشروط، وبرّز في عدول الحضرة. وكان له خط حسن، ومشاركة في الطلب، وخصوصا في الفرائض، وحظّه تافه من الأدب. امتدح الأمراء، فترقى إلى الكتابة مرءوسا مع الجملة. وعند الإيقاع بالوزير ابن الحكيم، تعيّن لحصر ما استرفع من منتهب ماله، وتحصّل بالدار السلطانية من أثاثه وخرثيّه «1» ، فحزم واضطلع بما كان داعية ترقيه إلى الوكالة، فساعده الوقت، وطلع له جاه كبير، وتملّك أموالا عريضة، وأرضا واسعة، فجمع الدنيا بحزمه ومثابرته على تنمية داخله. وترقى إلى سماء الوزارة في الدّولة السادسة من الدول النّصرية «2» ، بتدبير شيخ الغزاة، وزعيم الطائفة عثمان بن أبي العلي «3» ، فوصله إلى أدوار دنياه، والله قد خبّأ له المكروه في المحبوب، وتأذّن الله سبحانه بنفاد أجله على يده، فاستولى وحجب السلطان. ثم وقعت بينه وبين مرشّحه الوحشة الشهيرة عام سبعة «4» وعشرين وسبعمائة، مارسا لمكان الفتنة، صلة فارط في حجب السلطان، وأجلى جمهور ما كان ببابه، ومنع من الدخول إليه، فاضطربت حاله، وأعمل التدبير عليه، فهجم عليه بدار الحرّة الكبيرة جدّة السلطان، وكان يعارضها في الأمور، ويجعلها تكأة لغرضه، فتيان من أحداث المماليك المستبقين مع محجوبه، تناولاه سطّا بالخناجر، ورمى نفسه في صهريج الدار، وما زالا يتعاورانه من كل جانب حتى فارق الحياة، رحمه الله تعالى. مشيخته: قرأ على الأستاذ أبي جعفر بن الزّبير، وكانت له فيه فراسة صادقة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 79 محمد بن فتح بن علي الأنصاري يكنى أبا بكر، ويشهر بالأشبرون، قاضي الجماعة. حاله: كان طرفا في الدّهاء والتخلّق والمعرفة بمقاطع الحقوق، ومغامز الرّيب، وعلل الشهادات، فذّا في الجزالة، والصّرامة، مقداما، بصيرا بالأمور، حسن السيرة، عذب الفكاهة، ظاهر الحظوة، عليّ الرتبة. خرج من إشبيلية عند تغلّب العدوّ عليها، وولّي القضاء بمالقة وبسطة. ثم ولّي الحسبة بغرناطة، ثم جمعت له إليها الشّرطة. ثم قدّم قاضيا، واستمرّت ولايته نحوا من ثلاثين سنة. وفاته: توفي ليلة الحادي عشر من شهر ربيع الأول عام ثمانية وتسعين وستمائة. محمد بن أحمد بن علي بن حسن بن علي ابن الزيات الكلاعي «1» ولد الشيخ الخطيب أبي جعفر بن الزيات، من أهل بلّش، يكنى أبا بكر. حاله: من «عائد الصلة» من تأليفنا: كان، رحمه الله، شبيها بأبيه، في هديه، وحسن سمته ووقاره، إلّا أنه كان حافظا للرتبة، مقيما للأبّهة، مستدعيا بأبيه ونفسه للتجلّة، بقية من أبناء المشايخ، ظرفا وأدبا ومروءة وحشمة، إلى خطّ بديع قيد البصر، ورواية عالية، ومشاركة في فنون، وقراءة، وفقه، وعربية، وأدب وفريضة، ومعرفة بالوثاق والأحكام. تولّى القضاء ببلده، وخلف أباه على الخطابة والإمامة، فأقام الرّسم، واستعمل في السّفارة، فسدّ مسدّ مثله، وأقرأ ببلده، فانتفع به. مشيخته: قرأ على الأستاذ الخطيب أبي محمد بن أبي السّداد الباهلي، وبغرناطة على شيخ الجماعة الأستاذ أبي جعفر بن الزبير، ومن أعلام مشيخته جدّه للأمّ، خال أبيه، الحكمي العارف أبو جعفر ابن الخطيب أبي الحسن بن الحسن المذحجي الحمي، والخطيب الربّاني أبو الحسن فضل بن فضيلة، والوزير أبو عبد الله بن رشيد. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 80 محمد بن علي بن عبد الله بن محمد بن الحاج «1» يكنّى أبا عبد الله، ويعرف بابن الحاج. أوّليّته وحاله: كان أبوه نجّارا من مدجّني مدينة إشبيلية، من العارفين بالحيل الهندسية، بصيرا باتخاذ الآلات الحربية الجافية، والعمل بها. وانتقل إلى مدينة فاس على عهد أبي يوسف المنصور بن عبد الحق، واتخذ له الدّولاب المنفسح القطر، البعيد المدى، مليّن المركز والمحيط، المتعدّد الأكواب، الخفيّ الحركة، حسبما هو اليوم ماثل بالبلد الجديد، دار الملك بمدينة فاس، أحد الآثار التي تحدو إلى مشاهدتها الرّكاب، وبناء دار الصّنعة بسلا. وانتقل بعد مهلك أبيه إلى باب السلطان ثاني الملوك من بني نصر «2» ، ومتّ إليه بوسيلة أدنت محلّه، وأسنت جراياته، إلى أن تولّى وزارة ولده أمير المسلمين، أبي الجيوش نصر «3» ، واضطلع بتدبيره، ونقم الناس عليه إيثاره لمقالات الرّوم، وانحطاطه في مهوى لهم، والتشبّه بهم في الأكل والحديث، وكثير من الأحوال والهيئات والاستحسان، وتطريز المجالس بأمثالهم وحكمهم، سمة وسمت منه عقلا، لنشأته بين ظهرانيهم، وسبقت إلى قوى عقله المكتسب في بيوتهم، فلم تفارقه بحال، وإن كان آية في الدهاء، والنظر في رجل بعيد الغور، عميق الفكر، قائم على الدّمنة، منطو على الرّضف، ليّن الجانب، مبذول البشر، وحيد زمانه في المعرفة بلسان الرّوم وسيرهم، محكم الأوضاع في أدب الخدمة، ذرب بالتصرف في أبواب الملوك. وكان من ثورة العامة بسلطانه ما تقدم، وجهروا بإسلامه إليهم، وقد ولّوه بسبب الثورة، وطوّقوه كياد الأزمة، فضنّ به السلطان ضنانة أعربت عن وفائه، وصان مهجته، واستمرّ الأمر إلى أن خلع الملك عن الملك. وكان نزول الوزير المذكور تحت خفارة شيخ الغزاة، وكبير الطائفة، عثمان بن أبي العلى، فانتقل محفوظ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 81 الجملة، محوط الوفر، ولم ينشب إلى أن لجأ إلى العدوة، واتصل بالأمير أبي علي عمر بن السلطان الكبير أبي سعيد، فحرّكه، زعموا، على محادّة أبيه، وحمله على الانتزاء، فكان ما هو معلوم من دعائه إلى نفسه، ومنازعة أبيه، ولقائه إياه بالمقرمدة «1» ، وفلّ جيشه، وفي أثنائه هلك المترجم به. وفاته: توفي بفاس الجديد في العشر الأول من شعبان عام أربعة عشر «2» وسبعمائة. محمد بن رضوان بن محمد بن أحمد بن إبراهيم ابن أرقم النّميري من أهل وادي آش، يكنى أبا يحيى. حاله: كان صدرا شهيرا، عالما علما، حسيبا، أصيلا، جمّ التحصيل، قويّ الإدراك، مضطلعا بالعربية واللغة، إماما في ذلك، مشاركا في علوم من حساب وهيئة وهندسة. قال الشيخ: كان في هذا كله أبرع من لقيته، إلى سراوة وفضل وتواضع ودين، جاريا في ذلك على سنن سلفه، وعلوّ محتده، جالسته، رحمه الله، كثيرا عند علية من أدركته بغرناظة؛ لإقامته بها، وتكرر لقائي إياه بها وبغيرها، فرأيت أصيلا جليلا قد جمع علما وفضلا، وحسن خلق، وكان حسن التقييد، لخطّه رونق يمتاز به، ويبعد عن غيره. ولّي القضاء ببلده، ثم ولّي بعد مدة ببرشانة «3» ، فحمدت سيرته. مشيخته: أخذ القراءات السبع عن أبي كرم جودي بن عبد الرحمن، وقرأ عليه الغريب واللغة، ولازمه في ذلك، وأجاز له إجازة عامة، وأخذ من غيره ببلده، وصحب بغرناطة جملة من العلماء بها، أيام اختلافه إليها، وإقامته بها. تواليفه: ألّف كتابا سماه «الاحتفال في استيفاء ما للخيل من الأحوال» ، وهو كتاب ضخم وقفت عليه من قبله وأفدته. واختصر الغريب المصنّف، وله تقاييد منثور ومنظوم في علم النجوم، ورسالة في الأسطرلاب الخطي والعمل به، وشجرة في أنساب العرب. وفاته: وفي ليلة السبت السابع عشر لشهر ربيع الآخر عام سبعة وخمسين وسبعمائة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 82 محمد بن محمد بن إبراهيم بن محمد بن إبراهيم ابن محمد بن خلف بن محمد بن سليمان بن سوار ابن أحمد بن حزب الله بن عامر بن سعد الخير بن عيّاش «1» المكنى بأبي عيشون بن حمّود، الداخل إلى الأندلس صحبة موسى بن نصير، ابن عنبسة بن حارثة بن العباس بن المرداس، يكنّى أبا البركات، بلفيقي «2» الأصل، مروي «3» النشأة والولادة والسلف، يعرف بابن الحاج، وشهر الآن في غير بلده بالبلفيقي، وفي بلده بالمعرفة القديمة. أوّليّته: قد تقدم اتصال نسبه بحارثة بن العباس بن مرداس، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحد خطبائه وشعرائه، رئيس في الإسلام، ورئيس في الجاهلية. وكان لسلفه، وخصوصا لإبراهيم، من الشهرة بولاية الله، وإيجاب الحقّ من خلقه ما هو مشهور، حسبما تنطق به الفهارس، يعضّد هذا المجد من جهة الأمومة، كأبي بكر بن صهيب، وابن عمه أبي إسحاق، وغيرهم، الكثير ممن صنّف في رجال الأندلس، كأبي عبد المجيد المالقي، وابن الأبار، وابن طلحة، وابن فرتون، وابن صاحب الصلاة، وابن الزّبير، وابن عبد الملك، فلينظر هناك. حاله: نشأ ببلده ألمرية عمود العفة، فضفاض جلباب الصّيانة، غضيض طرف الحياء، نائي جنب السّلام، حليف الانقباض والازورار، آويا إلى خالص النّشب وبحت الطّعمة، لا يرى إلّا في منزل من سأله، وفي حلق الأسانيد، أو في مسجد من المساجد خارج المدينة المعدّة للتّعبّد، لا يجيء سوقا، ولا مجمعا، ولا وليمة، ولا مجلس حاكم أو وال، ولا يلابس أمرا من الأمور التي جرت عادته أن يلابسها بوجه من الوجوه. ثم ترامى إلى رحلة، فجاس خلال القطر الغربي إلى بجاية، نافضا إياه من العلماء والصلحاء والأدباء والآثار بتقييده، وأخذه قيام ذكر، وإغفال شهرة. ثم صرف عنانه إلى الأندلس، فتصرف في الإقراء، والقضاء، والخطابة. وهو الآن نسيج الجزء: 2 ¦ الصفحة: 83 وحده في أصالة عريقة، وسجيّة على السلامة مفطورة، فما شئت من صدر سليم، وعقد وثيق، وغور قريب، ونصح مبذول، وتصنّع مرفوض، ونفس ساذجة، وباطن مساو للظاهر، ودمعة سريعة، وهزل يثمر تجلّة، وانبساط يفيد حسن نيّة، إلى حسن العهد، وفضل المشاركة، ورقّة الحاشية، وصلابة العود، وصدق العزيمة، وقوة الحامية، وبلاغة الموعظة، وجلّة الوقت، وفائدة العصر، تفننا وإمتاعا، فارس المنابر غير الهيّابة، ولا الجزوع، طيّب النّغمة بالقرآن، مجهشا في مجال الرّقة، كثير الشفقة لصالح العامة، متأسفا لضياع الأوقات، مدمعا على الفيئة، مجمّا، محوّلا في رئاسة الدين والدنيا. هذا ما يسامح فيه الإيجاز، ويتجافى عنه الاختصار، ويكفي فيه الإلماع والإشارة، أبقى الله شيخنا أبا البركات. مشيخته وولايته: تقدم قاضيا بقنالش «1» ، في جمادى الثانية عام خمسة عشر وسبع مائة ثم ولّي مربلّة، وإستبونة «2» ثم كانت رحلته إلى بجاية. ثم عاد فقعد بمجلس الإقراء من مالقة للكلام على صحيح مسلم، متّفقا على اضطلاعه بذلك. ثم رحل إلى فاس. ثم آب إلى الأندلس، واستقرّ ببلده ألمرية، فقعد بمسجدها الجامع للإقراء، ثم قدّم قاضيا ببرجة ودلّاية، والبينول «3» وفنيانة «4» ، ثم نقل عنها إلى بيرة، ثم غربي ألمرية. ثم قدّم قاضيا بمالقة، ثم قدّم بغربها مضافا إلى الخطابة، ثم أعيد إلى قضاء ألمرية، بعد وفاة القاضي أبي محمد بن الصائغ. ومن كتاب «طرفة العصر» من تأليفنا في خبر ولايته ما نصه: فتقلّد الحكم في الثالث والعشرين لشعبان من عام سبعة «5» وأربعين وسبعمائة، ثالث يوم وصوله مستدعى، وانتابه الطّلبة ووجوه الحضرة والدولة، مهنئين بمثواه من دار الصيانة، ومحل التّجلّة، إحدى دور الملوك بالحمراء، فطفقوا يغشونه بها زرافات ووحدانا، في إتاحة الخير، وإلهام السّداد، وتسويغ الموهبة. وكان وصوله، والأفق قد اغبرّ، والأرض قد اقشعرّت لانصرام حظّ من أيام الشتاء الموافق لشهر ولايته، لم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 84 يسح فيه الغمام بقطرة، ولا لمعت السماء بنزعة، حتى أضرّت الأنفس الشحّ، وحسر العسر عن ساقه، وتوقفت البذور، فساعده الجدّ بنزول الرّحمة عند نزوله من مرقاة المنبر، مجابة دعوة استسقائه، ظاهرة بركة خشوعه، ولذلك ما أنشدته في تلك الحال «1» : [الكامل] ظمئت إلى السّقيا الأباطح والرّبا ... حتى دعونا العام عاما مجدبا والغيث مسدول الحجاب وإنما ... علم الغمام قدومكم فتأدّبا وتولى النظر في الأحكام فأجال قداحها، مضطلعا بأصالة النظر، وإرجاء المشبّهات، وسلك في الخطابة طريقة مثلى، يفرغ في قوالب البيان أغراضها، ويصرف على الأحكام الكوائن والبساطات أساليبها، من المحاكاة، باختلاف القبض والبسط، والوعد والوعيد، حظوظها على مقبض العدل، وسبب الصواب يقوم على كثير مما يصدع به، من ذلك شاهد البديهة، ودليل الاستيعاب. قال شيخنا أبو البركات: ثم صرفت عنها للسبب المتقدم، وبقيت مقيما بها، لما اشتهر من وقوع الوباء بألمريّة، ثم أعدت إلى القضاء والخطابة بألمرية، وكتب بذلك في أوايل رجب عام تسعة وأربعين. وبقيت على ذلك إلى أن صرفت بسبب ما ذكر. ثم أعدت إليها في أواخر رجب سنة ست وخمسين، عسى أن يكون الانقطاع لله سبحانه. فأنا الآن أتمثل بما قاله أبو مطرّف «2» بن عميرة رحمه الله: [الخفيف] قد نسبنا إلى الكتابة يوما ... وأتت «3» خطّة القضاء تليها وبكلّ لم نطق للمجد إلّا ... منزلا نابيا وعيشا كريها نسبة بدّلت فلم تتغيّر ... مثل ما يزعم المهندس فيها بدّل من لفظ الكتابة إلى الخطابة. وأغرب ما رأيت ما أحكي لك، وأنت أعلم ببعض ذلك، أن أفضل ما صدر عني في ذلك، الخطة من العمل الذي أخلصت لله فيه، ورجوت منه المثوبة عليه، وفيه مع ذلك مفتخر لمن أراد أن يفتخر غير ملتفت للدنيا، فعليه عوّلت سبحانه. انتهى كلامه. تصانيفه: كتب إليّ بخطّه ما نصه، وهو فصل من فصول: وأما تواليفي فأكثرها، أو كلها عير متمّمة، في مبيّضات. منها كتاب قد يكبو الجواد في أربعين الجزء: 2 ¦ الصفحة: 85 غلطة عن أربعين من النّقّاد، وهو نوع من تصحيف الحفّاظ للدّارقطني، منها «سلوة الخاطر فيما أشكل من نسبة النّسب الرّتب إلى الذّاكر» . ومنها كتاب «قدر جمّ في نظم الجمل» . ومنها كتاب «خطر فبطر، ونظر فحظر، على تنبيهات على وثائق ابن فتّوح» . ومنها كتاب «الإفصاح فيمن عرف بالأندلس بالصّلاح» . ومنها «حركة الدّخولية في المسألة المالقية» . ومنها «خطرة المجلس في كلمة وقعت في شعر استنصر به أهل الأندلس» جزء صغير. ومنها «تاريخ ألمريّة» غير تام. ومنها ديوان شعره المسمى ب «العذب والأجاج في شعر أبي البركات ابن الحاج» «1» . ومختصره سمّاه القاضي الشريف «اللؤلؤ والمرجان، اللذان من العذب والأجاج يستخرجان» «2» . ومنها «عرائس بنات الخواطر المجلوّة على منصّات المنابر» يحتوي على فصول الخطب التي أنشئت بطول بنى والخطابة. ومنها «المؤتمن على أنباء أبناء الزمن» . ومنها تأليف في أسماء الكتب، والتّعريف بمؤلفيها، على حروف المعجم. ومنها «ما اتفق لأبي البركات فيما يشبه الكرامات» . ومنها كتاب «ما رأيت وما رئي لي من المقامات» . ومنها كتاب «المرجع بالدّرك على من أنكر وقوع المشترك» . ومنها «مشبّهات اصطلاح العلوم» . ومنها «ما كثر وروده في مجلس القضاء» . ومنها «الغلسيّات» ، وهو ما صدر عني من الكلام على صحيح مسلم أيام التكلّم عليه في التّغليس. ومنها «الفصول والأبواب، في ذكر من أخذ عني من الشيوخ والأتباع والأصحاب» . ثم قال: وقد ذهب شرخ الشّباب ونشاطه، وتقطّعت أوصاله، ورحل رباطه، وأصبحت النفس تنظر لهذا كله بعين الإمهال والإغفال، وقلّة المبالاة التي لا يصل أحد بها إلى منال. وهذه الأعمال لا ينشّط إليها إلّا المحرّكات التي هي مفقودة عندي، أحدها طلبة مجتمعون متعطّشون إلى ما عندي، متشوّفون غاية التّشوّف، وأين هذه بألمرية؟ الثاني، طلب رياسة على هذا، ومتى يرأس أحد بهذا اليوم، وعلى تقدير أن يرأس به وهو محال في عادة هذا الوقت، فالتشوّف لهذه الرياسة مفقود عندي. الثالث، سلطان يملأ يد من يظهر مثل هذا، على يده غبطة، وما تم هذا. الرابع، نيّة خالصة لوجه الله تعالى في الإفادة، وهذا أيضا مفقود عندي، ولا بدّ من الإنصاف. الخامس، قصد بقاء الذّكر، وهذا خيال ضعيف بعيد عني. السادس، الشفقة على شيء ابتدى، وسعي في تحصيل مباديه، أن يضيع على قطع ما سوى هذا الإشفاق، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 86 وهذا السادس، هو الذي في نفسي منه شيء، وبه أنا أقيد أسماء من لقيت، وما أخذت، ويكون إن شاء الله إبراز إذا الصّحف نشرت. وأكثر زماني يذهب في كيفية الخروج عما أنا فيه، فإذا ينظر إليّ العاقل في هذا الوقت بعين البصيرة، لا يسعه إلّا الشّفقة عليّ، والرّحمة لي، فإنه يرى رجلا مطرقا أكثر نهاره، ينظر إلى مآله، فلا ينشط إلى إصلاحه، وهو سابع ولا يلبس بالعبادة، وهو في زمانها المقارب للفوت، ولا ينهض إلى إقامة حقّ كما ينبغي لعدم المعين، ولا يجنح إلى شيء من راحات الدنيا، ويشاهد من علوم الباطل الذي لا طاقة له على رفعه ما يضيّق صدر الحرّ يقضي نصف النهار، محتلّا في مكان غير حسن، تارة يفكر، وتارة يكتب ما هو على يقين منه أنه كذا لا ينتفع به، ونصف النهار يقعد للناس، تارة يرى ما يكره، وتارة يسمع ما يكره، لا صديق يذكّره بأمر الآخرة، ولا صديق يسليه بأمر الدنيا، يكفيني من هذه الغزارة، اللهمّ إليك المشتكى يا من بيده الخلق، ولا حول ولا قوة إلّا بالله. شعره: من مطوّلاته في النزعة الغربية التي انفرد بها، منقولا من ديوانه، قال: ومما نظمته بسبتة في ذي الحجة من عام خمسة وعشرين وسبعمائة، في وصف حالي، وأخذها عني الأستاذ بسبتة، أبو عبد الله بن هاني، والأديب البارع أبو القاسم الحسيني، وأبو القاسم بن حزب الله، وسواهم. ولما انفصلت من سبتة إلى بلاد الريف «1» زدت عليها أبياتا في أولها، وكثر ذلك بوادي لو من بلاد الريف وهي: [الطويل] تأسفت لكن حين عزّ التأسّف ... وكفكفت دمعا حين لا عين تذرف ورام سكونا هو في رجل طائر ... ونادى بأنس والمنازل تعنف أراقب قلبي مرّة بعد مرة ... فألفيه ذيّاك الذي أنا أعرف سقيم ولكن لا يحسّ بدائه ... سوى من له في مأزق الموت موقف وجاذب قلبا ليس يأوي لمألف ... وعالج نفسا داؤها يتضاعف وأعجب ما فيه استواء صفاته ... إذ الهمّ يشقيه أو السرّ ينزف إذا حلّت الضّرّاء لم ينفعل لها ... وإن حلّت السّراء لا يتكيّف مذاهبه لم تبد غاية أمره ... فؤاد، لعمري، لا يرى منه أطرف فما أنا من قوم قصارى همومهم ... بنوهم وأهلهم وثوب وأرغف الجزء: 2 ¦ الصفحة: 87 ولا لي بالإسراف فكر محدث ... سيغدو حبيبي أو سيشعر مطرف ولا أنا ممّن لهوه جلّ شأنه ... بروض أنيق أو غزال مهفهف ولا أنا ممّن أنسه غاية المنى ... بصوت رخيم أو نديم وقرقف ولا أنا ممّن تزدهيه مصانع ... ويسبيه بستان ويلهيه مخرّف ولا أنا ممن همّه جمعها فإن ... تراءت يثب بسعي لها وهو مرجف على أنّ دهري لم تدع لي صروفه ... من المال إلّا مسحة أو مجلف ولا أنا ممن هذه الدار همّه ... وقد غرّه منها جمال وزخرف ولا أنا ممن للسّؤال قد انبرى ... ولا أنا ممن صان عنه التّعطف ولا أنا ممن نجّح الله سعيهم ... فهمّتهم فيها مصلّى ومصحف فلا في هوى أضحى إلى اللهو قائدا ... ولا في تقى أمسى إلى الله يزلف أحارب دهري في نقيض طباعه ... وحربك من يقضي عليك تعجرف وأنظره شزرا بأصلف ناظر ... فيعرض عنّي وهو أزهى وأصلف وأضبطه ضبط المحدّث صحفه ... فيخرج في التّوقيع أنت المصحف ويأخذ مني كلّ ما عزّ نيله ... ويبدو بجهلي منه في الأخذ محتف أدور له في كل وجه لعلّني ... سأثبته وهو الذي ظلّ يحذف ولما يئسنا منه تهنّا ضرورة ... فلم تبق لي فيها عليه تشوّف تكلّفت قطع الأرض أطلب سلوة ... لنفسي فما أجدى بتلك التكلّف وخاطرت بالنفس العزيزة مقدما ... إذا ما تخطّى النّصل قصد مرهف وصرّفت نفسي في شؤون كثيرة ... لحظّي فلم يظفر بذاك التّصرّف وخضت لأنواع المعارف أبحرا ... ففي الحين ما استجرتها وهي تترف ولم أحل من تلك المعاني بطائل ... وإن كان أهلوها أطالوا وأسرفوا وقد مرّ من عمري الألذّ وها أنا ... على ما مضى من عهده أتلهّف وإني على ما قد بقي منه إن بقي ... لحرمة ما قد ضاع لي أتخوّف أعدّ ليالي العمر والفرض صومها ... وحسبك من فرض المحال تعسّف على أنها إن سلّمت جدليّة ... تعارض آمالا عليها ينيّف تحدّثني الآمال وهي كدينها ... تبدّل في تحديثها وتحرّف بأنّي في الدّنيا سأقضي مآربي ... وبعد يحقّ الزهد لي والتقشّف وتلك أمان لا حقيقة عندها ... أفي قرني الضّدّين يبقى التكلّف؟ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 88 وربّ أخلّاء شكوت إليهم ... ولكن لفهم الحال إذ ذاك لم يفوا «1» فبعضهم يزري عليّ وبعضهم ... يغضّ وبعض يرثي ثم يصدف وبعضهم يومي إليّ تعجّبا ... وبعض بما قد رأيته يتوقف وبعضهم يلقي جوابه على ... مقتضى العقل الذي عنه يتوقّف يسيء استماعا ثم يعدّ إجابة ... على غير ما تحذوه يحذو ويخصف ولا هو يبدي لي عليّ تعقّلا ... ولا هو يرثي لي ولا هو يعنف وما أمرنا إلّا سواء إنما ... عرفنا وكلّ منهم ليس يعرف فلو قد فرغنا من علاج نفوسنا ... وحطّوا الدنيّة من عليل وأنصفوا «2» أما لهم من علّة أرمت بهم ... ولم يعرفوا أغوارها وهي تتلف؟ وحضنا لهم في الكتب عن كنه أمرهم ... ومثلي عن تلك الحقائق يكشف وصنّفت في الآفات كلّ غريبة ... فجاء كما يهوى الغريب المصنّف وليس عجيبا من تركّب جهلهم ... فإن يحجبوا عن مثل ذاك وصرّفوا «3» إذا جاءنا بالسّخف من نزو عقله ... إذا ما مثلناه أزهى وأسخف فما جاءنا إلّا بأمر مناسب ... أينهض عن كفّ الجبان المثقّف؟ ولكن عجيب الأمر علمي وغفلتي ... فديتكم أيّ المحاسن أكشف إلّا أنها الأقدار يظهر سرّها ... إذا ما وفى المقدور فالرأي يخلف أيا ربّ إن اللّب طاش بما جرى ... به قلم الأقدار والقلب يرجف وإنّا لندعوهم ونخشى وإنما ... على رسمك الشّرعي من لك يعكف أقول وفي أثناء ما أنا قائل ... رأيت المنايا وهي لي تتخطّف وإني مع السّاعات كيف تقلّبت ... لأسهمها إن فوّقت متهدّف وما جرّ ذا التّسويف إلّا شيبتي ... تخيّل لي طول المدى فأسوّف إذا جاء يوم قلت هو الذي يلي ... ووقتك في الدنيا جليس مخفّف أقدّم رجلا عند تأخير أختها ... إذا لاح شمس فالنّفس تكسف كأنّي لداني المراقد منهم ... ولم أودعهم والخضّ ريّان ينسف وهبني أعيش هل إذا شاب مفرقي ... وولّى شبابي هل يباح التّشوّف؟ وكيف ويستدعي الطريق رياضة ... وتلك على عصر الشّباب توظّف الجزء: 2 ¦ الصفحة: 89 متى يقبل التّقويم غير عطوفة ... وبي بعده حسّان «1» فالنّار تنسف؟ ولو لم يكن إلّا ظهورة سرّه ... إذا ما دنا التّدليس هان التنطّف أمولى الأسارى أنت أولى بعذرهم ... وأنت على المملوك أحقّ وأعطف قذفنا بلجّ البحر والقيد آخذ ... بأرجلنا والرّيح بالموج تعصف وفي الكون من سرّ الوجود عجائب ... أطلّ عليها العارفون وأشرفوا «2» وكعت عليهم نكثة فتأخّروا ... وددت بأن القوم بالكل أسعف فليس لنا إلّا أن نحطّ رقابنا ... بأبواب الاستسلام والله يلطف فهذا سبيل ليس للعبد غيرها ... وإلّا فماذا يستطيع المكلّف وقال: وضمنها محاورة بينه وبين نفسه، وقيّدتها عنه زوال يوم الثلاثاء التاسع والعشرين لمحرم خمس وخمسين وسبعمائة، برابطة العقاب «3» ، متعبد الشيخ ولي الله أبي إسحاق الإلبيري، رحمه الله، فمنها «4» : [الكامل] يأبى شجون حديثي الإفصاح ... إذ لا تقوم بشرحه الألواح قالت صفية إذ مررت «5» بها ... أفلا تنزّل ساعة ترتاح؟ فأجبتها لولا الرقيب لكان لي «6» ... ما تبتغي بعد الغدوّ رواح قالت: وهل في الحيّ حيّ غيرنا؟ ... فاسمح فديتك فالسماح رياح فأجبتها: إنّ الرقيب هو الذي «7» ... بيديه منّا هذه الأرواح وهو الشهيد على موارد عبده ... سيّان ما الإخفاء والإفصاح «8» قالت وأين يكون جود «9» الله إذ ... يخشى «10» ومنه هذه الأفراح فافرح بإذن «11» الله جلّ جلاله ... واشطح فنشوان الهوى شطّاح الجزء: 2 ¦ الصفحة: 90 وانهج «1» على ذمم الرجال ولا تخف ... فالحكم «2» رحب والنّوال مباح وانزل على حكم السّرور ولا تبل ... فالوقت صاف ما عليك جناح واخلع عذارك في الخلاعة يا أخي ... باسم الذي دارت به الأقداح وانظر إلى هذا النهار فسنّه ... ضحكت ونور جبينه وضّاح أنواره ضحكت «3» وأترع كأسه ... فقد استوى ريحانه والرّاح وانظر إلى الدنيا بنظرة رحمة ... فجفاؤها بوفائها ينزاح فأجبتها لو كنت تعلم «4» ما الذي ... يبدو لتاركها وما يلتاح من كلّ معنى غامض من أجله ... قد ساح قوم في الجبال وناحوا «5» حتى لقد سكروا من الأمر الذي ... هاموا به عند العيان فباحوا «6» لعذرتني وعلمت أني طالب ... ما الزهد في الدنيا له مفتاح فاترك صفيّك قارعا باب الرضى ... والله جلّ جلاله الفتّاح يا حيّ «7» ، حيّ على الفلاح وخلّني ... فجماعتي حثّوا المطيّ وراحوا «8» وقيدت من خطه في جملة ما كتب إليّ ما نصه: ومما نظمته بغرناطة، وبعضه ببرجة، وهو مما يعجبني، وأظنه كتبه لك، وهو غريب المنزع، وإنه لكما، قال «9» : [الكامل] خذها على رغم الفقيه سلافة ... تجلى بها الأقمار في شمس الضّحى أبدى أطباء القلوب لأهلها ... منها شرابا للنفس مبرّحا «10» وإذا المرائي «11» قال في نشوانها ... قل أنت بالإخلاص فيمن قد صحا ياقوتة «12» دارت على أربابها ... فاهتزّت الأقدام منها واللّحا مزجت فغار الشيخ من تركيبها ... فلذاك جرّدها وصاح وسرّحا «13» فبدت «14» فغار الشيخ من إظهارها ... فاشتدّ يبتدر الحجاب ملوّحا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 91 لا تعترض أبدا على مسترفد «1» ... قد غار من أسرارها أن يفضحا «2» وكذاك لا تعتب على مستهتر ... لم يدر ما الإيضاح لمّا أوضحا سكران يعثر في ذيول لسانه ... كفرا ويحسب أنه قد سبّحا كتم الهوى حريّة «3» بعض وبع ... ض ضاق ذرعا بالغرام فبرّحا لا تخشينّ «4» على العدالة هاتفا ... ثغر «5» ارتياح العاشقين فجرّحا «6» الحبّ خمر العارفين قد ضفت «7» ... حتما على من ذاقها أن يشطحا فاشطح على هذا الوجود وأهله ... عجبا فليس براجح من رجّحا كبّر عليهم إنهم موتى على ... غير الشّهادة ما أغرّ وأقبحا واهزأ بهم فمتى يقل نصحاؤهم ... أهج «8» فقل حتى ألاقي مفلحا وإذا أريبهم «9» استخفّ فقل له ... بالله يا يحيى بن يحيى دع جحا أبني سليم قد نجا مجنونكم ... مجنون ليلى العارفين «10» به قد محا هل يستوي من لم يبح بحبيبه ... مع من بذكر حبيبه قد أفصحا «11» فافرح وطب وابهج «12» وقل ما شئته «13» ... ما أملح الفقراء يا ما أملحا ومن مقطوعاته التي هي آيات العجائب، وطرر حلل البدائع في شتى الأغراض والمقاصد، قوله يعتذر لبعض الطلبة، وقد استدبره ببعض حلق العلم بسبتة «14» : [السريع] إن كنت أبصرتك لا أبصرت ... بصيرتي في الحقّ برهانها لا غرو أني لم أشاهدكم ... فالعين لا تبصر إنسانها «15» الجزء: 2 ¦ الصفحة: 92 ومنها قوله في غرض التورية، وهو بديع في معناه «1» : [الطويل] يلومونني بعد العذار على الهوى ... ومثلي في وجدي «2» له لا يفنّد «3» يقولون «4» أمسك عنه قد ذهب الصّبا ... وكيف يرى «5» الإمساك والخيط أسود؟ «6» ومنها قوله في المجبّنات، وهو من الغريب البديع «7» : [الطويل] ومصفرّة الخدّين مطويّة الحشا ... على «8» الجبن والمصفرّ يؤذن بالخوف لها هيئة «9» كالشمس عند طلوعها ... ولكنها في الحين تغرب في الجوف ومنها قوله في النّصح، ولها حكاية تقتضي ذلك: [الكامل] لا تبذلنّ نصيحة إلّا لمن ... تلقى لبذل النّصح منه قبولا فالنصح إن وجد القبول فضيلة ... ويكون إن عدم القبول فضولا ومنها في الحكم «10» : [الخفيف] ما رأيت الهموم تدخل إلّا ... من دروب العيون والآذان غضّ طرفا وسدّ سمعا ومهما «11» ... تلق همّا فلا تثق بضمان ومنها قوله، وهو من المعاني المبتكرات «12» : [الكامل] حزنت عليك العين يا مغنى الهوى ... فالدمع منها بعد بعدك ما رقا «13» الجزء: 2 ¦ الصفحة: 93 ولذاك قد «1» صبغت «2» بلون أزرق ... أو ما ترى ثوب المآتم أزرقا؟ ومنها قوله في المعاني الغربية. قال: ومما نظمته في عام أربعة وأربعين في التفكر في المعاني، مغلق العينين: [السريع] أبحث فيما أنا حصّلته ... عند انغماض العين في جفنها أحسبني كالشاة مجترّة ... تمضغ ما يخرج من بطنها وقال: ومما نظمته بين أندرش وبرجة «3» عام أربعة وأربعين، وأنا راكب مسافر، وهو مما يعجبني، إذ ليس كل ما يصدر عني يعجبني. قلت ويحقّ أن يعجبه «4» : [الطويل] تطالبني نفسي بما ليس لي به ... يدان «5» فأعطيها الأمان «6» فتقبل عجبت لخصم لجّ في طلباته ... يصالح عنها «7» بالمحال فيفصل [قال: ومما نظمته في السنّة المذكورة من ذمّ النساء] «8» : [الخفيف] ما رأيت النّساء يصلحن إلّا ... للذي يصلح الكنيف لأجله «9» فعلى هذه الشريطة صالح «10» ... هنّ لا تعد بامرئ عن محلّه قال: ومما نظمته في السنّة المذكورة «11» : [الخفيف] قد هجرت «12» النساء دهرا فلم أب ... لغ أذاني «13» صفاتهنّ الذميمه ما عسى أن يقال في هجو من قد ... خصّه المصطفى بأقبح شيمه أو يبقى لناقص «14» العقل والدّي ... ن إذا عدّت المثالب قيمه؟ وقال: وما نظمته في تاريخ لا أذكره الآن، هذان البيتان، ولم أر معناهما لمن مضى. ولو رحل رجل إلى خراسان، ولم يأت إلّا بهما، كان ممن لم يخفق الجزء: 2 ¦ الصفحة: 94 مسعاه، ولا أجدب مرعاه، ينفتح بهما للقلب باب من الراحة فسيح، إذا أجهده ما يكابد من المضاضة، ونقض العهود، واختلاف الوعود. وهذه المحنة من شرّ ما ابتلي به بنو آدم، شنشنة نعرفها من أمرهم. ولقد عهدنا إلى آدم من قبل فنسي «1» : [الطويل] رعى الله إخوان الخيانة إنهم ... كفونا مؤونات البقاء «2» على العهد فلو «3» قد وفوا كنّا «4» أسارى حقوقهم ... نراوح ما «5» بين النّسيئة والنقد وقال يداعبني، وعلى سبيل الكناية يخاطبني: ولقد لقيت رجلا ببلاد الهند يعرف بأبي البركات ابن الحاج، وكان برد في بستان كان له، فقلت أهجوه عام أربعة وأربعين وسبعمائة: [الكامل] قالوا أبو البركات جمّ «6» ماؤه ... فغدا أبو البركات لا البركات «7» قلنا لأن يكنى بموجوداته ... أولى من أن يكنى بمعدومات ومما نظمته عام خمسة وأربعين وسبعمائة «8» : [السريع] قد كنت معذورا بعلمي وما ... أبثّ من وعظي بين البشر «9» من حيث قد أمّلت إصلاحهم ... بالوعظ والعلم فخان النّطر فلم أجد أوعظ للناس من ... أصوات وعّاظ جلود البقر ومما نظمته بمرسى تلهى، من بلد هنين «10» ، عام ثلاثة وخمسين، وقد أصابني هوس في البحر وخاطبت به بعض الأصحاب: [الكامل] رأسي به هوس جديد لا الذي ... تدريه من هوس قديم فيه قد حلّ ما أبديه من هذا كما ... قد حلّ من ذاك الذي أخفيه الجزء: 2 ¦ الصفحة: 95 ومن الملح قوله: قال: وبتّ بحمام الخندق من داخل ألمرية ليلة الجمعة الثامن من شهر محرم عام اثنين وثلاثين منفردا، فطفىء المصباح، وبقيت مفكرا، فخطر ببالي ما يقول الناس من تخيّل الجنّ في الأرحاء والحمامات، وعدم إقدام كافة الناس إلّا ما شذّ عند دخولها منفردين بالليل، لا سيما في الظلام، واستشعرت قوة في نفسي عند ذلك، أعراض وأوهام، فقلت مرتجلا، رافعا بذلك صوتي: [الكامل] زعم الذين عقولهم قدرها ... إن عرّضت للبيع غير ثمين أن الرّحا معمورة بالجن وال ... حمّام عندهم كذا بيقين إن كان ما قالوه حقا فاحضروا ... للحرب هذا اليوم من صفّين فلئن حضرتم فاعلموا بحقيقة ... بأني مصارع قيس المجنون قال: ودخلت رياضا يوما، فوجدت كساء منشورا للشمس لم أعرفه من حوائجي، ولا من حوائج حارسة البستان، فسألتها فقالت: هو لجارتي، فقلت: [الكامل] من منصفي من جارتي جارت على ... مالي كأني كنت من أعدائها عمدت إلى الشمس التي انتشرت على ... أرضي وأمّت فيه بئس كسائها لولا غيوم يوم تيبس الكسا ... سرّت لحجب السّحب جلّ ضيائها لقضيت منهم الخسار لأنني ... أصبحت مزورا على بخلائها قلت: وصرت إلى مغنى بحمّة بجّانة «1» ، وسار معي كلب كان يحرس رياضي اسمه قطمير، وهو، فيما يذكر، كلب أهل الكهف، في بعض الأقوال، فتبعني من ألمريّة إلى الحمّة، ثم من الحمّة إلى ألمرية، فقلت: [المتقارب] رحلت وقطمير كلبي رفيقي ... يونس قلبي بطول الطريق فلمّا أنخت أناخ حذائي ... يلاحظني لحظ خلّ شفيق ويرعى أذمّة رفقي كما ... يتغنّى الصديق الصدوق على حين قومي بني آدم ... بلؤمهم لم يوفوا حقوقي ولا فرق بين الأباعد منهم ... وبين أخ مستحب شفيق أو ابن متى تلقاه تلقه ... هويّ اشتياق بقلب خفوق الجزء: 2 ¦ الصفحة: 96 فما منهم من وليّ حميم ... ولا ذي إخاء صحيح حقيق وناهيك ممن يفضّل كلبا ... عليهم فيا ويلهم من رفيق ألا من يرقّ لشيخ غريب ... أبي البركات الفتى البلفيق وقال: وممّا نظمته بتاريخ لا أذكره هذين البيتين «1» : [الطويل] وإنّي لخير «2» من زماني وأهله ... على أنني للشّرّ أوّل سائق «3» لحى الله دهرا قد تقدّمت أهله ... فتلك لعمر الله إحدى البوائق ومن النزعات الشاذة الأغراض: [البسيط] لا بارك الله في الزّهاد إنهم ... لم يتركوا عرض الدنيا لفضلهم بل أثقلتهم تكاليف الحياة فلم ... يصايروها فملّوا ثقل حملهم وعظّم الناس منهم تركها فغدوا ... من غبطة التّرك في حرص لأجلهم نعم أسلّم أن القوم إذ زهدوا ... زادا وأعلى الناس طرّا فضل تركهم من حيث قد أحرزوا التّرجيح دونهم ... لا شيء أبين من ترجيح فضلهم فالمال والجود والراحات غاية ما ... يحكي لنا الزهد في ذاعن أجلّهم والزاهدون براحات القلوب مع ال ... أبدان سرّوا وعزّوا بعد ذلّهم فكل ما فرّقوا قد حصّلوا غرضا ... منه وزادوا ثناء الناس كلّهم قال: ومما نظمته عام أربعين في ذم الخمر من جهة الدنيا، لا من جهة الدين، إذ ليس بغريب: [الطويل] لقد ذمّ بعض الخمر قوم لأنها ... تكرّ على دين الفتى بفساد وقد سلّموا قول الذي قال إنها ... تحلّ من الدنيا بأعظم ناد وتذهب بالمال العظيم فلن ترى ... لمدمنها من طارف وتلاد فيمسي كريما سيّدا ثم يغتدي ... سفيها حليف الغيّ بعد رشاد وقالوا: تسلّى وهو عارية لها ... وإلّا فلم يأتوا لذاك بشاد وصلّ «4» ونور وحسناء طفلة ... ومرأى به للطّريف سير جواد الجزء: 2 ¦ الصفحة: 97 وهلّا «1» يداوى من مرارتها التي ... أواخرها مقرونة بمهاد؟ ولو أشرب الإنسان مهلا بهذه ... لأصبح مسرورا بأطيب زاد ومن حسن حال الشّاربين يقيّؤ ... نها بالرغم من برق وساد «2» ومن حسن ذا المحروم أنّ مدامه ... إذا غلبت تكسوه ثوب رقاد فيختلف النّدمان طرّا لروحه ... ويحدوهم نحو المروءة حادي ومن حسنه بين الورى ضرب ظهره ... فيمسي بلا حرب رهين جلاد مجانين في الأوهام قد ضلّ سعيهم ... يخففون بيعا بحسن غواد ومن نظمه في الإنحاء على نفسه، واستبعاد وجوه المطالب في جنسه، ممّا نظمته يوم عرفة عام خمسين «3» وأنا منزو في غار ببعض جبال ألمرية «4» : [الخفيف] زعموا أنّ في الجبال رجالا «5» ... صالحينا «6» قالوا من الأبدال وادّعوا أنّ كلّ من ساح فيها ... فسيلقاهم على كلّ حال فاخترقنا تلك الجبال مرارا ... بنعال طورا ودون نعال ما رأينا فيها سويّ «7» الأفاعي ... وشبا «8» عقرب كمثل النبال وسباعا يجرون «9» بالليل عدوا ... لا تسلني عنهم بتلك الليالي «10» ولو أنّا «11» لدى العدوة الأخ ... رى رأينا نواجذ الرّئبال «12» وإذا أظلم الدّجى جاء إبلي ... س إلينا يزور طيف الخيال «13» الجزء: 2 ¦ الصفحة: 98 هو كان الأنيس فيها ولولا ... هـ أصيبت عقولنا بالخبال «1» خلّ عنك المحال يا من تعنّى ... ليس يلقى «2» الرّجال غير الرجال قال: ومن المنازع الغريبة ذمّ الأصحاب ومدح الأعداء، فمن ذلك قولي: [المتقارب] جزى الله بالخير أعداءنا ... فموردهم أنسى المصدر هم حملونا على العرف كرها ... وهم صرفونا عن المنكر وهم أقعدونا بمجلس حكم ... وهم بوّؤونا ذرى المنبر وهم صيّرونا أئمة علم ... ودين وحسبك من مفخر عدوّي بأول فدي مأثم ... وإن جئت بالإثم لم يعذر وأنت ترى تمحيص من يعد ... ل بين المسيء وبين البري «3» ولا زوّد الله أصحابنا ... بزاد تقيّ ولا خيّر هم جرّؤونا على كل إثم ... وما كنت لولاهم بالمخبر وعدّوا من اكبار آثامنا ... فكانوا أضرّ من الفاتر أعارني القوم ثوب التّقى ... وإني مما أعاروني بري إذا خدعوني ولم ينصحوا ... وإني بالنّصح منهم حري فمن كان يكذب حال الرّضى ... يصدق في غضب يفتري بلى سوف تلقى لدى الحالتين ... يحكم النّفس هوى الفري فياربّ أبق علينا عقولنا ... نبيع بها وبها نشتري قال: وما رأيت هذا المعنى قط لأحد، ثم رأيت بعد ذلك لبعضهم ما معناه: [الطويل] عداتي لهم فضل عليّ ومنّة ... فلا أذهب الرحمن عنّي الأعاديا هم بحثوا عن زلّتي فاجتنبتها ... وهم نافسوني فاكتسبت المعاليا فوقع حافري على ساق هذا. قال: ومما نظمته، متخيّلا أني سابق معناه: [الوافر] خلسنا ليلة من كفّ دهر ... ضنين بالليالي الطيّبات الجزء: 2 ¦ الصفحة: 99 سلكنا للهوى والعقل فيها ... مسالك قد جلين على الشّتات قضينا بعض حقّ النفس فيها ... وحقّ الله مرعيّ الثّبات فلم نر قبله في الدهر وقتا ... بدت حسناته في السيّئات ثم رأيت بعد ذلك على هذا: [مخلع البسيط] لا وليال على المصلّى ... تسرق في نسكها الذنوب فوقعت ساقي على حافر هذا المحروم، إلا أني جرّدت ذلك في المعنى، وأوضحته، وجلوته على كرسي التّقعيد والتّنجيد، فلولا التاريخ لعاد سارق البرق. نثره: وأمّا نثره، فنمط مرتفع عن معتاد عصره، استنفارا وبلاغة، واسترسالا وحلاوة، قلّما يعرّج على السّجع، أو يأمر على التّكليف، وهو كثير بحيث لا يتعيّن عيونه، ولكن نلمع منه نبذة، ونجلب منه يسيرا. كتب إليّ عند إيابي من الرّسالة إلى ملك المغرب، متمثّلا ببيتين لمن قبله، صدّر بهما «1» : [السريع] أيتها «2» النفس إليه اذهبي ... فحبّه المشهور من مذهبي أيأسني «3» التّوبة من حبّه ... طلوعه شمسا من المغرب بل محلّك أمثل من التمثيل بالشمس، فلو كان طلوعك على هذه الأقطار شمسا، لأصبح جلّها لك عبّاد. ولو كان نزولك مطرا لتكيّفت الصّخور ترابا دمثا. ولولا معرفتنا معشر إخوان الصّفا، بإقرار أنفسنا، لحكمنا بأن قلوبنا تمائم لأصدقائنا، ولكن سبقت عيون السعادة بالكلّات، فلو تصادف بالرضى محلّا؛ لأنّ تحصيل الحاصل محال، لا زلت محروسا، بعين الذي لا تأخذه سنة ولا نوم مكنوفة ببركة الذي يرومه رائم، والسلام. وكتب إليّ عند ما تقلّدت من رئاسة الإنشاء ما تقلدت: تخصكم يا محلّ الابن الأرضى ولادة، والأخ الصادق إخلاصا وودّا، خصّكم الله من السعادة بأعلاها مرقى، وأفضلها عقبى، وأحمدها غنى، وأكرمها مسعى، تحيّة اللهفان إلى أيام لقائك، المسلى عنها بتأميل العود إليها، المزجى أوقاته بترداد الفكر فيها، محمد بن الحاج، أبقاه الله، عن شوق، والذي لا إله إلّا هو، لم أجد قط مثله إلى وليّ حميم. والله على ما نقول وكيل، معرّفا أنني بعلاقمه، وتصليني عن كسره مجامعه، لما اعتنى به الجزء: 2 ¦ الصفحة: 100 من توقّلكم بالرّتبة التي ما زال أحبّاؤكم بها ممطولي برّه، على أنك لم تزد بذلك رتبة على ما كنت باعتبار الأهليّة، والمكانة العليّة، إلّا عند الأطفال والأغفال، والمحلّقين من النساء والرجال، لكن أفزعتنا هذه المخاطبة المحظيّة في قالب الجمهور، ولم نسر فيها، على الأصح، لكن على الجمهور، ولو كانت مصارف الوجود بيدي، لوافتك من الوجود منازل أسمائه منازل، وأوطأتك أفلاكه مراكب، وأوردتك كوثره مشربا، وأحللتك أرفعه معقلا، وأقبستك بدره مصباحا، وأهدتك أسراره تحفا. وقد تبلغ المقاصد مبالغ لا تنتهي أقاصيها الأعمال، فنحن وما نضمره لتلك الجملة الجليلة الفاضلة، مما الله رقيب عليه، ومحيط بدقائقه. ولو كانت لهذا العبد الغافل، المأسور في قيد نفسه، المحزون على انتهاب الأيام، رأس عمره في غير شيء، دعوة يساعدها الوجد حتى يغلب على ظنّه أن العليم بذات الصدور، ولّاها من قبوله بارقة لخصّك بها، والله شهيد على ما تكنّه الأفئدة، وهو حسبنا ونعم الوكيل. والفضل جمّ، والمحاسن عديدة، فلنقصر اضطرارا، ولنكفّ امتثالا للرسم، وانقيادا، أمتع الله به. محمد بن عبد الله بن منظور القيسي «1» من أهل مالقة، يكنى أبا بكر. أوّليّته: أصله «2» من إشبيلية، من البيت المشهور بالتّعيين والتقدّم، والأصالة، تشهد بذلك جملة أوضاع، منها «الرّوض المحظور «3» في أوصاف بني منظور» ، وغيره. حاله: من كتاب «عائد الصلة» . كان «4» جمّ التواضع والتخلّق، كثير البرّ، مفرط الهشّة، مبذول «5» البشر، عظيم المشاركة، سريع اللسان إلى الثّناء، مسترسلا في باب الإطراء، دربا على الحكم، كثير الحنكة، قديم العالة، بصيرا بالشّروط، ولّي القضاء بجهات كثيرة، وتقدم بمالقة، بلده فشكرت «6» سيرته، وحمدت مدارته. وكان سريع الجزء: 2 ¦ الصفحة: 101 العبرة، كثير الخشية، حسن الاعتقاد، معروف الإيثار والصّدقة، شائع الإقراء لمن ألمّ بصقعه، واجتاز على محلّ ولايته، جاريا على سنن سلفه، ينظم وينثر، فلا يقصر. مشيخته: قرأ «1» على الأستاذ أبي محمد بن أبي السّداد الباهلي، ولازمه وانتفع به، وسمع على غيره من الأعلام، كالخطيب الولي أبي عبد الله الطّنجالي، والعدل الراوية المسنّ أبي عبد الله بن الأديب، والمسن أبي الحكم مالك بن المرحّل، وعلى الشيخ الصوفي أبي عبد الله محمد بن أحمد الأقشري الفاسي، ولبس عنه خرقة التّصوف، وعلى الخطيب أبي عبد الله بن رشيد، وعن الشيخ القاضي أبي المجد بن الأحوص، وعلى ابن مجاهد الرّندي، المعروف بالسّمّار، والخطيب أبي العباس بن خميس بالجزيرة الخضراء، وعلى الخطيب الزاهد أبي عبد الله السلّال. وكتب إليه بالإجازة، أبو عبد الله بن الزبير، والفقيه أبو الحسن بن عقيل الرّندي، والوزير المعمّر أبو عمر «2» الطّنجي، وأبو الحكم بن منظور، ابن عم أبيه، والأستاذ أبو عبد الله بن الكماد. نقلت ذلك من خطه. تواليفه: أخبرني «3» أنه ألّف «نفحات المسوك «4» ، وعيون التّبر المسبوك في أشعار الخلفاء والوزراء والملوك» . وكتاب «السّحب «5» الواكفة والظلال الوارفة، في الردّ على ما تضمّنه المضنون «6» به على غير أهله من اعتقاد الفلاسفة» . وكتاب الصّيّب الهتّان، الواكف بغايات الإحسان، والمشتمل على أدعية مستخرجة من الأحاديث الصحيحة النبوية وسور القرآن» . وكتاب «البرهان والدليل في خواص سور التّنزيل، وما في قراءتها في النوم من بديع التأويل «7» » . وكتاب يشتمل على أربعين حديثا في الرقائق، موصولة الأسانيد. وكتاب «تحفة الأبرار في مسألة النبوة والرسالة، وما اشتملت عليه من الأسرار» . وكتاب «الفعل المبرور، والسّعي المشكور، فيما وصل إليه، أو تحصل لديه من نوازل القاضي أبي عمر بن منظور» . شعره: ومن شعره قوله «8» : [البسيط] ما للعطاس ولا للفأل من أثر ... فثق فديتك «9» بالرحمن واصطبر الجزء: 2 ¦ الصفحة: 102 وسلّم الأمر فالأحكام ماضية ... تجري على السّنن «1» المربوط بالقدر محمد بن علي بن الخضر بن هارون الغساني من أهل مالقة، يكنى أبا عبد الله، ويعرف بابن عسكر «2» . حاله: من كتاب «الذّيل والتكملة» «3» : كان مقرئا «4» مجوّدا، نحويا «5» ، متوقّد الذهن، متفنّنا في جملة معارف، ذا حظّ صالح من رواية الحديث، تاريخيا، حافظا، فهيما «6» ؛ مشاورا، دؤوبا «7» في الفتوى، متينا في «8» الدّين، تامّ المروءة، سنيّا فاضلا، معظّما عند الخاصة والعامة، حسن الخلق، جميل العشرة، رحيب «9» الصّدر، مسارعا إلى قضاء الحوايج «10» ، شديد الإجمال «11» ، محسنا إلى من أساء إليه، نفّاعا بجاهه، سمحا بذات يده، متقدّما في عقد الوثائق، بصيرا بمعانيها، سريع البديهة «12» في النظم والنثر، مع البلاغة والإحسان في الفنّين. ولّي قضاء مالقة نائبا عن القاضي «13» أبي عبد الله بن الحسن مدة، ثم ولي «14» مستبدّا بتقديم الأمير أبي عبد الله بن نصر «15» ، يوم السبت لليلتين بقيتا من رمضان عام «16» خمسة وثلاثين «17» . وأشفق «18» من ذلك وامتنع منه وخاطبه مستعفيا، وذكر أنه لا يصلح للقيام بما قلّده من تلك الخطّة تورّعا منه، فلم يسعفه. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 103 فتقلّدها، وسار فيها أحسن سيرة، وأظهر الحقوق التي كان الباطل قد غمرها، ونفّذ الأحكام. وكان ماضي العزيمة، مقداما، مهيبا، جزلا في قضائه، لا تأخذه في الله لومة لائم، واستمرّ على ذلك بقية عمره. مشيخته: روى «1» عن أبي إسحاق الزّوالي، وأبي بكر بن «2» عتيق بن منزول «3» ، وأبي جعفر الجيان «4» ، وأبي حسن الشقوري، وأبي الحجاج بن الشيخ، وأبي الخطّاب بن واجب، وأبي زكريا الأصبهاني مقيم غرناطة. من روى عنه: روى «5» عنه أبو بكر بن خميس ابن أخته، وأبو العون «6» ، وأبو عبد الله بن بكر الإلبيري «7» . وحدّث عنه بالإجازة، أبو عبد الله الأبّار «8» ، وأبو القاسم بن عمران، وكتب بالإجازة للعراقيين من «9» أهل بغداد الذين استدعوها من أهل الأندلس، حسبما تقدم «10» في رسم أبي بكر بن هشام، وضمنها نظما ونثرا اعترف له بالإجادة فيهما. تصانيفه: صنّف «11» كتبا كثيرة، أجاد فيها وأفاد، منها «المشرع الرّوي في الزيادة على المروي «12» » . ومنها «أربعون حديثا» التزم فيها موافقة اسم شيخه، اسم الصابي «13» ، وما أراه سبق إلى ذلك، وهو شاهد بكثرة شيوخه، وسعة روايته. ومنها «نزهة الناظر في مناقب عمّار بن ياسر» . ومنها «الخبر «14» المختصر، في السّلوى «15» عن ذهاب البصر» ، ألّفه لأبي محمد بن أبي الأحوص «16» الضرير الواعظ. ومنها الجزء: 2 ¦ الصفحة: 104 «رسالة في ادّخار الصبر، وافتخار القصر والفقر» . ومنها «الإكمال والإتمام في صلة الإعلام بمجالس «1» الأعلام من أهل مالقة الكرام» . وله اسم آخر، وهو «مطلع الأنوار ونزهة الأبصار «2» ، فيما احتوت عليه مالقة من الرؤساء والأعلام والأخيار، وتقيّد من المناقب والآثار» . واخترمته المنيّة عن إتمامه فتولّى إتمامه ابن أخته أبو بكر محمد بن خميس المذكور، وقد نقلت منه في هذا الكتاب. شعره: ومن شعره، وقد نعيت إليه نفسه قبل أن تغرب من سماء معارفه شمسه «3» : [الطويل] ولما انقضى «4» إحدى وخمسون حجّة ... كأنّي منها بعد كرب «5» أحلم ترقّيت أعلاها لأنظر فوقها ... مدى «6» الحتف منّي علّني «7» منه «8» أسلم إذا هو قد أدنت إليه كأنما ... ترقّيت فيه نجوة وهو سلّم «9» وقال في أحدب: [السريع] وأحدب تحسب في ظهره ... جاء «10» به في نهر عائمة مثلّث الخلقة لكنّه ... في ظهره زاوية قائمة ومن أمثال نظمه قوله، وقد استدعيت منه إجازة «11» : [الطويل] أجبتك لا أني «12» لما رمته أهل ... ولكنّ ما أجبت «13» محتمل سهل وما العلم إلّا البحر طاب مذاقه ... وما لي علّ في الورود ولا نهل «14» الجزء: 2 ¦ الصفحة: 105 فكيف «1» أراني أهل ذاك وقد أتى ... عليّ المميتان «2» البطالة والجهل وأسأل «3» ربي العفو عني فإنه ... لما يرتجيه العبد من فضله «4» أهل مولده: تخمينا في نحو أربع وثمانين وخمسمائة. وفاته: ظهر يوم الأربعاء لأربع خلون من جمادى الآخرة، عام ستة وثلاثين وستمائة «5» . محمد بن يحيى بن محمد بن يحيى بن أحمد بن محمد ابن أبي بكر بن سعد الأشعري المالقي «6» يكنى أبا عبد الله، ويعرف بابن بكر، من ذرية «7» بلج بن يحيى بن خالد بن عبد الرحمن بن يزيد «8» بن أبي بردة. واسمه عامر بن أبي عامر بن أبي موسى. واسمه عبد الله بن قيس، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم. ذكره ابن حزم «9» في جملة من دخل الأندلس من العرب «10» . حاله: من «عائد الصلة» : كان «11» من صدور العلماء، وأعلام الفضلاء، سذاجة ونزاهة ومعرفة وتفننا. فسيح الدرس، أصيل النظر، واضح المذهب، مؤثرا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 106 للإنصاف، عارفا بالأحكام والقراءات «1» ، مبرّزا في الحديث تاريخا وإسنادا وتعديلا وتجريحا «2» ، حافظا للأنساب والأسماء والكنى، قائما على العربية، مشاركا في الأصول والفروع، واللغة والعروض والفرائض والحساب، مخفوض الجناح، حسن التخلق «3» ، عطوفا على الطلبة، محبّا في العلم والعلماء، مجلّا لأهله «4» ، مطّرح «5» التصنّع، عديم المبالاة بالملبس، بادي الظاهر، عزيز النفس، نافذ الحكم، صوّالة، معروف بنصرة من أزر إليه. تقدّم للشياخة «6» ببلده مالقة، ناظرا في أمور العقد والحل، ومصالح الكافة. ثم ولّي القضاء بها، فأعزّ الخطة، وترك الهوادة وإنفاد الحق «7» ملازما للقراءة والإقراء، محافظا للأوقات، حريصا على الإفادة. ثم ولّي القضاء «8» والخطابة بغرناطة في العشر الأول لمحرم سبعة وثلاثين وسبعمائة، فقام بالوظائف، وصدع «9» بالحق، وجرّح «10» الشهود فزيّف منهم ما ينيف على السبعين «11» عددا، واستهدف بذلك إلى معاداة ومناضلة خاض ثبجها، وصادم تيّارها، غير مبال بالمغبّة، ولا حافل بالتّبعة، فناله لذلك من المشقّة، والكيد العظيم ما نال مثله، حتى كان «12» يمشي إلى الصلاة ليلا في مسلّة، لا يطمئن على حاله. جرت في هذا الباب حكايات إلى أن استمرت الحال على ما أراده الله، وعزم عليه الأمير في بعض من الخطّة، ليردّه إلى العدالة، فلم يجد في قناته مغمزا، ولا في عوده معجما، وتصدّر لبثّ العلم بالحضرة، يقرئ فنونا منه جمّة، فنفع وخرّج، ودرّس العربية والفقه والأصول، وأقرأ القرآن، وعلم الفرائض والحساب، وعقد مجالس الحديث شرحا وسماعا، على سبيل من انشراح الصّدر، وحسن التجمّل، وخفض الجناح «13» . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 107 وذكره القاضي المؤرخ أبو الحسن بن الحسن، فقال «1» : وأما شيخنا، وقريبنا مصاهرة، أبو عبد الله بن أبي بكر، فصاحب عزم ومضاء، وحكم صادع وقضاء. كان له، رحمه الله، مع كل قولة صولة، وعلى كل رابع لا يعرف ذرّة، فأحرق قلوب الحسدة والصّب، وأعزّ الخطّة بما أزال عنها من الشّوائب، وذهّب وفضّض «2» كواكب الحق بمعارفه، ونفذ في المشكلات، وثبت في المذهلات «3» ، واحتج وبكّت، وتفقّه ونكّت. توقيعه: قال: وحدّثنا صاحبنا أبو جعفر الشّقوري قال «4» : كنت قاعدا في مجلس حكمه فرفعت إليه امرأة رقعة، مضمونها أنها محبّة في مطلّقها، وتبتغي من يستشفع لها في ردّها، فتناول الرّقعة، ووقع في ظهرها للحين من غير مهلة: الحمد لله، من وقف على ما بالمقلوب «5» ، فليصغ لسماعه إصاغة مغيث، وليشفع للمرأة عند زوجها، تأسّيا بشفاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم لبربرة في مغيث. والله يسلم لنا العقل والدين، ويسلك بنا مسالك المهتدين. والسلام يعتمد على من وقف على هذه الأحرف من كاتبها، ورحمة الله. قال صاحبنا: فقال لي بعض الأصحاب: هلّا كان هو الشفيع لها؟ فقلت: الصحيح أنّ الحاكم لا ينبغي أن يباشر ذلك بنفسه على النصوص «6» . شعره: ولم يسمع له شعر إلّا بيتين في وصف قوس عربي النّسب في شعر من لا شعر له، وهما: [البسيط] هام الفؤاد ببنت «7» النّبع والنّشم ... زوراء «8» تزري بعطف البان والصّنم قوام قامتها تمام معطفها ... من يلق مقتلها تصميه أو تصم مشيخته: قرأ على الأستاذ المتفنّن الخطيب أبي محمد بن أبي السّداد الباهلي «9» القرآن العظيم جمعا وإفرادا، وأخذ عنه العربية والفقه والحديث، ولازمه، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 108 وتأدب به. وعلى الشيخ الراوية الصالح أبي عبد الله محمد بن عيّاش الخزرجي القرطبي، قرأ عليه كثيرا من كتب الحديث، منها كتاب صحيح مسلم، وسمع عليه جميعه إلّا دولة واحدة. ومن أشياخه القاضي أبو القاسم قاسم بن أحمد بن حسن بن السّكوت، والفقيه المشاور الصّدر الكبير أبو عبد الله بن ربيع، والخطيب القدوة الولي أبو عبد الله بن أحمد الطّنجالي، والشيخ القاضي أبو الحسن ابن الأستاذ العلّامة أبي الحجاج بن مصامد، والأستاذ خاتمة المقرئين أبو جعفر بن الزّبير، والخطيب المحدّث أبو عبد الله بن رشيد، والخطيب الولي الصالح أبو الحسن «1» بن فضيلة، والأستاذ أبو الحسن بن اللّباد المشرفي، والشيخ الأستاذ أبو عبد الله بن الكماد السّطّي اللّبليسي. وأجازه من أهل سبتة شيخ الشّرفاء أبو علي بن أبي التّقى طاهر بن ربيع، والعدل الراوية أبو فارس عبد العزيز بن الهواري، وأبو إسحاق التلمساني، والحاج العدل الراوية أبو عبد الله بن الحصّار، والأستاذ المقرئ ابن أبي القاسم بن عبد الرحيم القيسي، والأستاذ أبو بكر بن عبيدة، والشيخ المعمر أبو عبد الله بن أبي القاسم بن عبيد الله الأنصاري. ومن أهل إفريقية الأديب المعمر أبو عبد الله محمد بن هارون، وأبو العباس أحمد بن محمد الأشعري المالقي نزيل تونس، ومحمد بن محمد بن سيّد الناس اليعمري، وعثمان بن عبد القوي البلوي. ومن أهل مصر النّسابة شرف الدين عبد المؤمن بن خلف الدّمياطي، والمحدّث الراوية أبو المعالي أحمد بن إسحاق، وجماعة غيرهم من المصريين والشاميين والحجازيين. مولده: في أواخر ذي حجة من عام أربعة «2» وسبعين وستمائة. وفاته: فقد في مصاب «3» المسلمين يوم المناجزة بطريف «4» شهيدا محرّضا، زعموا أن بغلة كان عليها كبت به، وأفاق رابط الجأش، مجتمع القوى. وأشار عليه بعض المنهزمين بالركوب فلم يكن عنده قوة عليه. وقال: انصرف، هذا يوم الفرج «5» ، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 109 إشارة إلى قوله تعالى في الشهداء: فَرِحِينَ بِما آتاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ «1» ، وذلك ضحى يوم الاثنين السابع من جمادى الأولى عام أحد وأربعين وسبعمائة. محمد بن أحمد بن محمد بن محمد بن عبد الله بن محمد ابن محمد بن محمد بن علي بن موسى بن إبراهيم بن محمد ابن ناصر بن حيّون بن القاسم بن الحسن بن محمد ابن الحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه «2» حسبما نقل من خطه: أوّليّته: معروفة، كان وليته مثله. حاله: هذا «3» الفاضل جملة من جمل الكمال، غريب في الوقار والحصافة، وبلوغ المدى، واستولى على الأمم حلما وأناة، وبعدا عن الريب، وتمسكا بعرى النزاهة، واستمساكا مع الاسترسال، وانقباضا مع المداخلة، معتدل الطريقة، حسن المداراة، مالكا أزمّة الهوى، شديد الشفقة، كثير المواساة، مغار حبل الصبر، جميل العشرة، كثيف ستر الحيا، قوي النفس، رابط الجأش، رقيق الحاشية، ممتع المجالسة، متوقد الذهن، أصيل الإدراك، بارعا بأعمال المشيخة، إلى جلال المنتمى، وكرم المنصب ونزاهة النفس، وملاحة الشّيبة، وحمل راية البلاغة، والإعلام في ميادين البيان، رحلة الوقت في التبريز بعلوم اللسان، حائز الخصل «4» والفضل في ميدانها، غريبة «5» غزيرة الحفظ، مقنعة الشّاهد «6» ، مستبحرة النظر، أصيلة التوجيه، بريّة عن النّوك والغفلة، مرهفة باللغة والغريب والخبر والتاريخ والبيان، وصناعة البديع، وميزان العروض، وعلم القافية، وتقدّما في الفقه، ودرسا له، وبراعة في الأحكام، وإتقان التّدريس، والصبر، والدّؤوب عليه، بارع التصنيف، حاضر الذهن، فصيح اللسان، مفخرة من مفاخر أهل بيته. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 110 ولايته: قدم على الحضرة في دولة الخامس من ملوك بني نصر «1» ، كما استجمع شبابه، يفهق علما باللسان، ومعرفة بمواقع البيان، وينطق بالعذب الزّلال من الشعر، فسهّل له كنف البر، ونظم في قلادة كتاب الإنشاء، وهو إذ ذاك ثمينة الخزرات، محكمة الرّصف، فشاع فضله، وذاع رجله. ثم تقدم، فنقل من طور الحكم، إلى أن قلّد الكتابة والقضاء والخطابة بالحاضرة، بعد ولاية غيرها التي أعقبها ولاية مالقة في الرابع من شهر ربيع الآخر عام سبعة وثلاثين وسبعمائة. فاضطلع بالأحكام، وطبّق مفصل الفضل، ماضي الصّريمة، وحيّ الإجهار، نافذ الأمر، عظيم الهيبة، قليل النّاقد، مطعم التوفيق، يصدع في مواقف الخطب، بكل بليغ من القول، مما يريق ديباجته، ويشفّ صقاله، وتبرأ من كلال الخطباء جوانبه وأطرافه. واستعمل في السّفارة للعدوّ ناجح المسعى، ميمون النّقيبة، جزيل الحياء والكرامة، إلى أن عزل عن القضاء في شعبان من عام سبعة وأربعين وسبعمائة، من غير زلّة تخفض، ولا هنة تؤثر، فتحيّز إلى التّحليق لتدريس العلم، وتفرّغ لإقراء العربية والفقه، ولم ينشب أميره المنطوي على الهاجس، المغري بمثله، أن قدّمه قاضيا بوادي آش، بنت حضرته، معزّزة بسندها الكبير الخطّة، فانتقل إليه بجملته. وكانت بينه وبين شيخنا أبي الحسن بن الجيّاب، صداقة صادقة، ومودة مستحكمة، فجرت بينهما أثناء هذه النّقلة، بدائع، منها قوله، يرقب «2» خطّة القضاء التي اخترعها، ويوليها خطة الملامة «3» : [السريع] لا مرحبا بالناشز الفارك ... إن جهلت رفعة مقدارك لو أنها قد أوتيت رشدها ... ما برحت تعشو إلى نارك أقسمت بالنّور المبين الذي ... منه بدت مشكاة أنوارك ومظهر الحكم الحكيم الذي ... يتلو عليه «4» طيب أخبارك ما لقيت مثلك كفؤا لها ... ولا أوت أكرم من دارك «5» الجزء: 2 ¦ الصفحة: 111 ثم أعيد إلى القضاء بالحضرة، فوليها، واستمرت حاله وولايته على متقدّم سمته من الفضل والنّزاهة والمراجعة فيما يأنف فيه من الخروج عن الجادّة، إلى أن هلك السلطان «1» مستقضيه، مأموما به، مقتديا بسجدته، يوم عيد الفطر، خمسة وخمسين وسبعمائة. وولي الأمر ولده «2» الأسعد، فجدّد ولايته، وأكّد تجلّته، ورفع رتبته، واستدعى مجالسته. مشيخته: قرأ «3» ببلده سبتة على أبيه الشريف الطاهر، نسيج وحده في القيام، وعلى أبي عبد الله بن هاني وبه جلّ انتفاعه، وعليه جلّ استفادته. وأخذ عن الإمام شيخ المشيخة أبي إسحاق الغافقي. وروى عن الخطيب أبي عبد الله الغماريّ، والخطيب المحدّث أبي عبد الله بن رشيد، والقاضي أبي عبد الله القرطبي، والفقيه الصالح أبي عبد الله بن حريث. وأخذ عن الأستاذ النظار أبي القاسم بن الشاط وغيره. محنته: دارت عليه يوم مهلك السلطان المذكور رحى الوقيعة، فعركته بالثّقال، وتخلّص من شرارها هولا، لتطارح الأمير المتوثّب أمام ألمريّة عليه، خاتما في السّجدة، ودرس الحماة إياه عند الدّجلة، من غير التفات لمحل الوطأة، ولا افتقاد لمحل صلاة تلك الأمّة، فغشيه من الأرجل، رجل الرّبى كثيرة، والتفّ عليه مرسل طيلسانه، سادّا مجرى النّفس إلى قلبه، فعالج الحمام وقتا، إلى أن نفّس الله عنه، فاستقلّ من الرّدى، وانتبذ من مطّرح ذلك الوغى، وبودر بالفصاد، وقد أشفى، فكانت عثرة لقيت لما ومتاعا، فسمح له المدى آخر من يوثق به، من محل البثّ، ومودعات السّرّ من حظيّات الملك، أن السلطان عرض عليه قبل وفاته في عالم الحلم، كونه في محراب مسجده، مع قاضيه المترجم به، وقد أقدم عليه كلب، أصابه بثوبه، ولطّخ ثوبه بدمه، فأهمّته رؤياه، وطرقت به الظنون مطارقها، وهمّ بعزل القاضي، انقيادا لبواعث الفكر، وسدّا لأبواب التوقيعات، وقد تأذن الله بإرجاء العزم، وتصديق الحلم، وإمضاء الحكم، جلّ وجهه، وعزّت قدرته، فكان من الأمر ما تقرر في محله. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 112 تصانيفه: وتصانيفه بارعة، منها، «رفع الحجب المستورة في «1» محاسن المقصورة «2» » ، شرح فيها مقصورة الأديب أبي الحسن حازم بما تنقطع الأطماع فيه. ومنها «رياضة الأبيّ «3» في قصيدة الخزرجي» ، أبدع في ذلك بما يدل على الاطلاع وسداد الفهم، وقيّد على «كتاب التّسهيل» لأبي عبد الله بن مالك تقييدا جليلا، وشرحا بديعا، قارب التمام. وشرع في تقييد على الخبر المسمّى ب «درر السّمط في خبر السّبط» . ومحاسنه جمّة، وأغراضه بديعة. شعره: وأمّا الشعر، فله فيه القدح المعلّى، والحظّ الأوفى، والدّرجة العليا، طبقة وقته، ودرجة عصره، وحجة زمانه، كلامه متكافئ في اللفظ والمعنى، صريح الدّلالة، كريم الخيم، متحصّد الحبل، خالص السّبك، وأنا أثبت منه جزما خصّني به، سمّاه جهد المقل، اشتمل من حرّ الكلام، على ما لا كفاء له. الحمد لله تردّده أخرى الليالي، فهو المسؤول أن يعصمنا من الزّلل، زلل القول، وزلل الأعمال. والصلاة على سيدنا محمد خاتم الإرسال. هذه أوراق ضمنتها جملة من بنات فكري، وقطعا مما يحيش به في بعض الأحيان صدري، ولو حزمت لأضربت عن كتبها كل الإضراب، ولزمت في دفنها وإخفائها دين الأعراب، لكني آثرت على المحو الإثبات، وتمثلت بقولهم إن خير ما أوتيته العرب الأبيات. وإذا هي عرضت على ذلك المجد، وسألها كيف نجت من الوأد، فقد أوتيتها من حرمكم إلى ظلّ ظليل، وأحللتها من بنائكم معرّسا ومقيل، وأهديتها علما بأن كرمكم بالإغضاء عن عيوبها جدّ كفيل، فاغتنم قلة التهدئة مني، إن جهد المقلّ غير قليل، فحسبها شرفا أن تبوّأت في جنابك كنفا، وكفاها مجدا وفخرا أن عقدت بينها وبين فكرك عقدا وجوارا ومما قلت في حرف الهمزة. مولده: بسبتة في السادس لشهر ربيع الأول «4» من عام سبعة وتسعين وستمائة. وفاته: توفي قاضيا بغرناطة في أوائل شعبان «5» من عام ستين وسبعمائة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 113 محمد بن أحمد بن عبد الملك الفشتالي «1» قاضي الجماعة ببيضة الإسلام فاس، يكنى أبا عبد الله. حاله: هذا الرجل له أبوّة صالحة، وأصالة زاكية، قديم الطلب، ظاهر التخصّص، مفرط في الوقار، نابه البزّة والركبة، كثير التهمة، يوهم به الفارّ، وصدر الصّدور في الوثيقة والأدب، فاضل النفس، ممحوض النصح، جميل العشرة لإخوانه، مجري الصّداقة نصحا ومشاركة وتنفيقا على سجيّة الأشراف وسنن الحسباء، مديد الباع في فن الأدب، شاعر مجيد، كاتب بليغ، عارف بالتّحسين والتّقبيح، من أدركه، أدرك علما من أعلام المشيخة. قدّمه السلطان الكبير العالم أبو عنان فارس، قاضيا بحضرته، واختصّه، واشتمل عليه، فاتصل بعده سعده، وعرف حقّه. وتردّد إلى الأندلس في سبيل الرسالة عنه، فذاع فضله، وعلم قدره. ولما كان الإزعاج من الأندلس نحو النّبوة التي أصابت الدولة، بلوت من فضله ونصحه وتأنيسه، ما أكد الغبطة، وأوجب الثناء، وخاطبته بما نصه: [الكامل] من ذا يعدّ فضائل الفشتالي ... والدهر كاتب آيها والتّالي علم إذا التمسوا الفنون بعلمه ... مرعى المشيح ونجعة المكتال نال الذي لا فوقها من رفعة ... ما أمّلتها حيلة المحتال وقضى قياس تراثه عن جدّه ... إن المقدّم فيه عين التالي قاضي الجماعة، بماذا أثنى على خلالك المرتضاة؟ أبقديمك الموجب لتقديمك؟ أم بحديثك الداعي لتحمّل حديثك؟ وكلاهما غاية بعد مرماها، وتحامى المتصوّر حماها، والضالع لا يسام سبقا، والمنبتّ لا أرضا قطع ولا ظهرا أبقى. وما الظنّ بأصالة تعترف بها الآثار وتشهد، وأبوّة صالحة كانت في غير ذات الحق تزهد، وفي نيل الاتصال به تجهد، ومعارف تقرر قواعد الحق وتمهّد، وتهزم الشّبه إذا تشهّد. وقد علم الله أن جوارك لم يبق للدهر عليّ جوارا «2» ، ولا حتّ من غصني ورقا ولا نوّارا. هذا وقد زأر على أسد وحمل ثورا، فقد أصبحت في ظل الدولة التي وقف على سيدي اختيارها، وأظهر خلوص إبريزه معيارها، تحت كنف وعزّ مؤتنف، وجوار أبي دلف، وعلى ثقة من الله بحسن خلف. وما منع من انتساب ما لديه من الجزء: 2 ¦ الصفحة: 114 الفضائل إلّا رحلة لم يبرك بعد حملها، ولا قرّ عملها، وأوحال حال بيني وبين مسوّر البلد القديم «1» مهلها. ولولا ذلك لا غتبطت الزّائد، واقتنيت الفوائد، والله يطيل بقاءه، حتى تتأكد القربة، التي تنسى بها الغربة، وتعظم الوسيلة، التي لا تذكر معها الفضيلة. وأمّا ما أشار به من تقييد القصيدة التي نفق سوقها استحسانه، وأنس باستظرافها إحسانه، فقد أعمل وما أمهل، والقصور باد إذا تأمّل، والإغضاء أولى ما أمّل، فإنما هي فكرة قد أخمدت نارها الأيام، وغيّرت آثارها اللّئام. وقد كان الحق إجلال مطالعة سيدي من خللها، وتنزيه رجله عن تقبيل مرتجلها. لكنّ أمره ممتثل، وأتى من المجد أمرا لا مردّ له مثل. والسلام على سيدي من معظم قدره، وملتزم برّه، ابن الخطيب، ورحمة الله. فكتب إليّ مراجعا، وهو المليء بالإحسان: [الكامل] وافت يجرّ الزّهو فضلة بردها ... حسناء قد أضحت نسيجة وحدها لله أي قصيدة أهديت لو ... يهتدي المعارض نحو غاية قصدها لابن الخطيب بها محاسن جمّة ... قارعت عنه الخطوب ففلّت من حدّها «2» سرّ البلاغة عنه أودع حافظا ... قد صانه حتى فشا من عندها في غير عقد نفثنه بسحرها «3» ... فلذا أتى سلسا منظّم عقدها لم أدر ما فيها وقمت معاونا ... من طرسها أو معلما من بردها حتى دفعت بها لأبعد غاية ... باعا تقصّر في البلوغ بحدّها حدّان من نظم ونثر إنّ من ... يلقاهما منها بذلّة عبدها أولى يدا بيضاء موليها فما ... لي مزية من «4» أن أقوم بحمدها ورفضت تكذيب المنى متشيّعا ... لعلي مرآها يصادق وعدها فبذلت شعري رافعا من برّها ... وهززت عطفي رافلا من بردها خذها، أعزّ الله جنابك، وأدال للأنس على الوحشة اغترابك، كغبّة «5» الطائر المتجعد، ونهبة الثائر المستوفز، ومقة اللّحظ، قليلة اللّفظ، قد جمعت من سوامها وانقحامها، بين نظم قيد، وصلود زند، ونوّعت، فعلى إقدامها وانحجامها إلى قاصر الجزء: 2 ¦ الصفحة: 115 ومعتد، وليتني إذا جادت سحابة ذلك الخاطر الماطر الودق، وانجاب العاني عن مزنة فكرتي، بتقاضي الجواب، انجياب الطّوق، وأيقنت أني قد سدّ عليّ باب القول وأرتحج، وقلت: هذه السّالفة الكلية فسدت لها الدّاعة من تكلّم الإمرة ولم أنه إذ أعوزت المرّة بالحلوة، لكني قلت: وجدّ المكثر كجهد المقلّ، والواجب قد يقلّ الامتثال فيه بالأقلّ. فبعثت بها على علّاتها، وأبلغتها عذرها، في أن كتبت عن شوقها بلغاتها، وهي لا تعدم من سيدي في إغضاء كريم، وإرضاء سليم. والله، عزّ وجلّ، يصل بالتأنيس الحبل، ويجمع الشّمل. والسلام الكريم يخصّ تلك السيادة، ورحمة الله وبركاته. من محمد بن أحمد الفشتالي. وهو الآن قاض بفاس المذكورة، محمود السيرة، أبقاه، وأمتع به. محمد بن محمد بن أحمد بن أبي بكر بن يحيى ابن عبد الرحمن بن أبي بكر بن علي بن داود القرشي المقري «1» يكنى أبا عبد الله، قاضي الجماعة بفاس وتلمسان. أوّليّته: نقلت من خطّه، قال «2» : وكان الذي اتخذها من سلفنا قرارا بعد أن كانت لمن قبله مرارا «3» ، عبد الرحمن بن أبي بكر بن علي المقري، صاحب أبي مدين «4» ، الذي دعا له ولذرّيته، بما ظهر فيهم من قبول «5» وتبيّن. وهو أبي الخامس؛ فأنا محمد بن محمد بن أحمد بن أبي بكر بن يحيى بن عبد الرحمن، وكان هذا الشيخ عروي «6» الصلاة، حتى أنه ربما امتحن بغير شيء فلم يؤنس منه التفات، ولا استشعر منه شعور، ويقال: إن هذا الحضور، ممّا أدركه من مقامات شيخه أبي مدين. ثم «7» اشتهرت ذريّته على ما ذكر من طبقاتهم بالتجارة، فمهّدوا طريق الصحراء الجزء: 2 ¦ الصفحة: 116 بحفر الآبار، وتأمين التّجار، واتخذوا طبل الرّحيل «1» ، وراية التّقدم «2» عند المسير. وكان ولد يحيى، الذي «3» كان أحدهم أبو بكر، خمسة رجال، فعقدوا الشّركة بينهم فيما ملكوه «4» وفيما يملكونه على السواء بينهم والاعتدال، وكان «5» أبو بكر ومحمد، وهما أرومتا نسبي من جميع جهات الأم والأب «6» بتلمسان، وعبد الرحمن وهو شقيقهما الأكبر بسجلماسة، وعبد الواحد وعلي، وهما شقيقاهم الصغيران، بأي والأتن «7» فاتخذوا هذه «8» الأقطار والحوايط والدّيار، فتزوجوا «9» النساء، واستولدوا الإماء. وكان التلمساني يبعث إلى الصّحراوي بما يرسم له من السلع. ويبعث إليه الصحراوي بالجلد والعاج والجوز والتّبر، والسّجلماسي كلسان الميزان يعرّفهما بقدر الرّجحان والخسران «10» ، ويكاتبهما بأحوال التّجار، وأخبار البلدان، حتى اتسعت أموالهم، وارتفعت في الفخامة «11» أحوالهم. ولما افتتح التّكرور كورة أي والأتن وأعمالها، أصيبت أموالهم فيما أصيب من أموالها، بعد أن جمع من كان بها «12» منهم إلى نفسه الرّجال، ونصب دون «13» ماله القتال. ثم اتصل بملكهم فأكرم مثواه، ومكّنه من التجارة بجميع بلاده، وخاطبه بالصديق الأحبّ، والخلاصة الأقرب. ثم صار يكاتب من بتلمسان، يستقضي منهم مآربه، فيخاطبه بمثل تلك المخاطبة، وعندي من كتبه وكتب الملوك بالمغرب، ما ينبئ عن ذلك، فلما استوثقوا من الملوك، تذلّلت لهم الأرض للسّلوك، فخرجت أموالهم عن الحدّ، وكادت تفوق «14» الحصر والعدّ؛ لأن بلاد الصحراء، قبل أن يدخلها أهل مصر، كانت «15» تجلب لها من المغرب ما لا بال له «16» من السّلع، فيعاوض «17» عنه بماله بال من الثمن «18» . ثم قال أبو مدين: الدنيا ضمّ جنب أبو حمو «19» ، وشمل ثوباه. كان يقول: لولا الشناعة لم أزل في بلادي تاجرا من غير تجار الصحراء الذين يذهبون بخبيث السّلع، ويأتون بالتّبر الذي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 117 كلّ أمر الدنيا له تبع، ومن سواهم يحمل منها الذّهب، ويأتي إليها بما يضمحلّ عن قريب ويذهب، إلى ما يغيّر من العوائد، ويجرّ السفهاء إلى المفاسد. ولما هلك «1» هؤلاء الأشياخ، جعل أبناؤهم ينفقون مما تركوا لهم ولم يقوموا بأمر التثمير قيامهم، وصادفوا توالي الفتن، ولم يسلموا من جور السلطان «2» ، فلم تزل «3» حالهم في نقصان إلى هذا الزمان «4» ، فها أنا ذا لم أدرك «5» في ذلك إلا أثر نعمة اتخذنا فصوله عيشا، وأصوله حرمة. ومن جملة ذلك خزانة كبيرة من الكتب، وأسباب كثيرة تعين على الطلب، فتفرّغت بحول الله، عزّ وجلّ، للقراءة، فاستوعبت أهل البلد لقاء، وأخذت عن بعضهم عرضا وإلقاء، سواء المقيم القاطن، والوارد والظاعن. حاله: هذا «6» الرجل مشار إليه بالعدوة المغربية اجتهادا، ودؤوبا، وحفظا وعناية، واطلاعا، ونقلا ونزاهة، سليم الصدر، قريب الغور، صادق القول، مسلوب التّصنّع، كثير الهشّة، مفرط الخفّة، ظاهر السذاجة، ذاهب أقصى مذاهب التخلّق، محافظ على العمل، مثابر على الانقطاع، حريص على العبادة، مضايق في العقد والتوجّه، يكابد من تحصيل النيّة بالوجه واليدين مشقّة، ثم يغافض «7» الوقت فيها، ويوقعها دفعة متبعا إياها زعقة التكبير، برجفة ينبو عنها سمع من لم يكن «8» تأنّس بها عادة، بما هو دليل على حسن المعاملة، وإرسال السّجية، قديم النّعمة، متصل الخيريّة، مكبّ على النظر والدرس والقراءة، معلوم الصّيانة والعدالة، منصف في المذاكرة، حاسر الذراع «9» عند المباحثة، راحب عن الصّدر في وطيس المناقشة، غير مختار للقرن، ولا ضانّ «10» بالفائدة، كثير الالتفاف، متقلّب الحدقة، جهير بالحجّة، بعيد عن المراء والمباهتة، قائل بفضل أولي الفضل من الطّلبة، يقوم أتمّ القيام على العربيّة والفقه والتفسير، ويحفظ الحديث، ويتهجّر بحفظ الأخبار «11» والتاريخ والآداب، ويشارك مشاركة فاضلة في الأصلين والجدل والمنطق، ويكتب ويشعر الجزء: 2 ¦ الصفحة: 118 مصيبا في ذلك «1» غرض الإجادة، ويتكلم في طريقة الصّوفية كلام أرباب المقال، ويعتني بالتّدوين فيها. شرّق وحجّ، ولقي جلّة، واضطبن «2» رحلة مفيدة، ثم آب إلى بلده، فأقرأ به، وانقطع إلى خدمة العلم. فلما ولي ملك المغرب السلطان، محالف الصّنع ونشيدة الملك، وأثير الله من بين القرابة والإخوة أمير المسلمين «3» أبو عنان فارس «4» ، اجتذبه وخلطه بنفسه، واشتمل عليه، وولّاه قضاء الجماعة بمدينة فاس، فاستقلّ بذلك أعظم الاستقلال، وأنفذ الحكم «5» ، وألان الكلمة، وآثر التّسديد، وحمل الكلّ «6» ، وخفض الجناح، فحسنت عنه القالة «7» ، وأحبّته الخاصّة والعامة. حضرت بعض مجالسه للحكم، فرأيت من صبره على اللّدد «8» ، وتأتّيه «9» للحجج ورفقه بالخصوم، ما قضيت منه العجب. دخوله غرناطة: ثم «10» لمّا أخّر عن القضاء، استعمل بعد لأي في الرّسالة، فوصل الأندلس، أوائل جمادى الثانية من عام ستة «11» وخمسين وسبعمائة. فلما قضى غرض الرسالة «12» ، وأبرم عقد وجهته، واحتلّ مالقة في منصرفه، بدا له في نبذ الكلفة، واطّراح «13» وظيفة الخدمة، وحلّ التّقيّد، إلى ملازمة الإمرة، فتقاعد، وشهر غرضه، وبتّ في الانتقال، طمع من كان صحبته، وأقبل على شأنه، فخلّي بينه وبين همّه. وترك وما انتحله من الانقطاع إلى ربّه. وطار الخبر إلى مرسله، فأنف من تخصيص إيالته بالهجرة، والعدول عنها، بقصد التّخلّي والعبادة، وأنكر ما نحله «14» غاية الإنكار، من إبطال عمل الرسالة، والانقباض قبل الخروج عن العهدة، فوغر صدره على صاحب الأمر، ولم يبعد حمله على الظّنّة والمواطأة على النّفرة، وتجهّزت جملة من الخدّام المجلّين في مآزق «15» الشّبهة، المضطلعين بإقامة الحجة، مولين خطّة الملام، مخيّرين بين سحائب عاد من الإسلام، مظنّة إغلاق النعمة «16» ، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 119 وإيقاع المثلة «1» ، والإساءة «2» بسبب القطيعة والمنابذة. وقد كان المترجم به لحق بغرناطة فتذمّم بمسجدها، وجأر «3» بالانقطاع إلى الله، وتوعّد من يجيره «4» بنكير من يجير ولا يجار عليه سبحانه، فأهمّ أمره، وشغلت القلوب آبدته، وأمسك الرسل بخلال ما صدرت شفاعة اقتضت «5» له رفع التّبعة، وتركه إلى تلك الوجهة. ولمّا تحصّل ما تيسّر من ذلك، انصرف محفوفا بعالمي القطر، قاضي الجماعة أبي القاسم الحسني المترجم «6» به قبله، والشيخ الخطيب أبي البركات بن الحاج، مستهلين «7» لوروده، مشافهين للشفاعة «8» في غرضه، فأقشعت «9» الغمّة، وتنفّست الكربة. وجرى أثناء هذا من المراسلة والمراجعة، ما تضمّنه الكتاب المسمّى ب «كناسة الدّكان بعد انتقال السّكان» المجموع بسلا ما صورته: «المقام الذي يحبّ الشّفاعة، ويرعى الوسيلة، وينجز العدّة، ويتمّم الفضيلة، ويضفي مجده المنن الجزيلة، ويعيى حمده الممادح العريضة الطويلة، مقام محلّ والدنا الذي كرم مجده، ووضح سعده، وصحّ في الله تعالى عقده، وخلص في الأعمال الصالحة قصده، وأعجز الألسنة حمده، السلطان الكذا «10» ابن السلطان الكذا ابن السلطان الكذا، أبقاه الله سبحانه لوسيلة يرعاها، وشفاعة يكرم مسعاها، وأخلاق جميلة تجيب دعوة الطّبع الكريم إذا دعاها، معظّم سلطانه الكبير، وممجّد مقامه الشهير، المتشيّع لأبوّته الرفيعة قولا باللّسان واعتقادا بالضمير، المعتمد منه بعد الله على الملجإ الأحمى والوليّ النّصير. فلان «11» . سلام كريم، طيب برّ عميم، يخص مقامكم الأعلى، وأبوّتكم الفضلى، ورحمة الله وبركاته. أما بعد «12» حمد الله، الذي جعل الخلق الحميدة دليلا على عنايته بمن حلّاه حلاها، وميّز بها النفوس النفيسة، التي اختصّها بكرامته وتولّاها، حمدا يكون كفوا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 120 للنعم التي أولاها، وأعادها ووالاها، والصلاة والسلام «1» على سيدنا ومولانا محمد عبده ورسوله، المترقّي من درجات الاختصاص أرفعها وأعلاها، الممتاز من أنوار الهداية بأوضحها وأجلاها، مطلع آيات السعادة يروق مجتلاها، والرضا عن آله وصحبه الذين خبر صدق ضمائرهم لمّا ابتلاها، وعسل ذكرهم «2» في الأفواه فما أعذب أوصافهم على الألسن وأحلاها، والدعاء لمقام أبوّتكم حرس الله تعالى علاها، بالسعادة التي يقول الفتح: أنا طلّاع الثّنايا وابن جلاها «3» ، والصّنائع التي تخترق المفاوز بركائبها المبشّرات فتفلي فلاها. فإنّا كتبنا إليكم، كتب الله تعالى لكم عزّة مشيّدة البناء، وحشد على أعلام صنائعكم الكرام جيوش الثناء، وقلّدكم قلائد «4» مكارم الأخلاق، ما يشهد لذاتكم منه بسابقة الاعتناء. من حمراء غرناطة حرسها الله، والودّ باهر السّناء «5» ، مجدّ على الأناء، والتشيّع رحب الدّسيعة «6» والفناء. وإلى هذا، وصل الله تعالى سعدكم، وحرس مجدكم! فإننا خاطبنا مقامكم الكريم، في شأن الشيخ الفقيه الحافظ الصالح أبي عبد الله المقري، خار الله تعالى لنا وله، وبلّغ الجميع من فضله العميم أمله، جوابا عمّا صدر من مثابتكم «7» فيه من الإشارة المتمثّلة «8» ، والمآرب المعملة، والقضايا غير المهملة، نصادركم بالشفاعة التي مثلها بأبوابكم لا يردّ، وظمآها عن منهل قبولكم لا تجلى «9» ولا تصدّ، حسبما سنّه الأب الكريم والجدّ، والقبيل الذي وضح منه في المكارم الرسم والحدّ. ولم نصدر الخطاب حتى ظهر لنا من أحواله صدق المخيّلة، وتبلّج صبح الزّهادة والفضيلة، وجود النفس الشّحيحة بالعرض الأدنى البخيلة، وظهر تخلّيه عن هذه الدار، واختلاطه باللفيف والغمار، وإقباله على ما يعني مثله من صلة الأوراد، ومداومة الاستغفار. وكنّا لما تعرّفنا إقامته بمالقة لهذا الغرض الذي شهره، والفضل الذي أبرزه للعيان الجزء: 2 ¦ الصفحة: 121 وأظهره، أمرنا أن يعتنى بأحواله، ويعان على فراغ باله، ويجرى عليه سيب من ديوان الأعشار الشرعية وصريح ماله، وقلنا: أما أتاك من غير مسألة مستند صحيح لاستدلاله، ففرّ من مالقة على ما تعرّفنا لهذا السبب، وقعد بحضرتنا مستور المنتمى والمنتسب، وسكن بالمدرسة بعض الأماكن المعدّة لسكنى المتّسمين بالخير، والمحترفين ببضاعة الطّلب، بحيث لم يتعرّف وروده ووصوله إلّا ممّن لا يؤبه بتعريفه، ولم تتحقق زوائده وأصوله لقلّة تصريفه. ثم تلاحق إرسالكم الجلّة. فوجبت حينئذ الشفاعة، وعرضت على سوق الحلم والفضل من الاستلطاف والاستعطاف البضاعة، وقررنا ما تحققناه من أمره، وانقباضه عن زيد الخلق وعمره، واستقباله الوجهة التي من ولّى وجهه شطرها فقد آثر أثيرا، ومن ابتاعها بمتاع الدنيا فقد نال فضلا كبيرا وخيرا كثيرا، وسألنا منكم أن تبيحوه ذلك الغرض الذي رماه بعزمه، وقصر عليه أقصى همّه. فما أخلق مقامكم أن يفوز منه طالب الدّنيا بسهمه، ويحصل منه طالب الآخرة على حظّه الباقي وقسمه، ويتوسّل الزاهد بزهده والعالم بعلمه، ويعوّل البريء على فضله، ويثق المذنب بحلمه. فوصل الجواب الكريم بمجرد الأمان، وهو أرب من آراب «1» ، وفائدة من جراب، ووجه من وجوه إعراب، فرأينا أن المطل بعد جفاء، والإعادة ليس يثقلها خفاء، ولمجدكم بما ضمّنا عنه وفاء، وبادرنا الآن إلى العزم عليه في ارتحاله، وأن يكون الانتقال عن رضا منه من صفة حاله، وأن يقتضي له ثمرة المقصد، ويبلغ طيّة الإسعاف في الطريق إن قصد، إذ كان الأمان لمثله ممن تعلّق بجناب الله من مثلكم حاصلا، والدّين المتين بين نفسه وبين المخافة فاصلا، وطالب «2» كيمياء السّعادة بإعانتكم واصلا. ولما مدّت اليد في تسويغ حالة هديكم عليها أبدا يحرّض، وعلمكم يصرّح بمزيتها ولا يعرّض، فكمّلوا أبقاكم الله ما لم تسعنا فيه مشاحة الكتاب، وألحقوا بالأصل حديث هذه الإباحة فهو أصحّ حديث في الباب، ووفّوا غرضنا من مجدكم، وخلّوا بينه وبين مراده من ترك الأسباب، وقصد غافر الذنب وقابل التّوب بإخلاص المتاب، والتّشمير ليوم العرض وموقف الحساب، وأظهروا عليه عناية الجناب، الذي تعلّق به، أعلق الله به يدكم من جناب، ومعاذ الله أن تعود شفاعتنا من لدنكم عير مكملة الآراب. وقد بعثنا من ينوب عنا في مشافهتكم بها أحمد المناب، ويقتضي خلاصها بالرّغبة لا بالغلاب، وهما فلان وفلان. ولولا الأعذار لكان في هذا الغرض إعمال الرّكاب، بسبق «3» أعلام الكتاب، وأنتم تولون هذا القصد من مكارمكم ما يوفّر الثناء الجميل، ويربي على التّأميل، ويكتب على الودّ الصريح العقد وثيقة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 122 التّسجيل. وهو سبحانه يبقيكم لتأييد المجد الأثيل، وإنالة الرّفد الجزيل. والسلام الكريم يخصّ مقامكم الأعلى، ومثابتكم الفضلى، ورحمة الله تعالى وبركاته. في الحادي والعشرين لجمادى الآخرة من عام سبعة وخمسين وسبعمائة، والله ينفع بقصده، وييسر علينا الرجعة إلى وجهه وفضله «1» . مشيخته: قال «2» : فممّن أخذت عنه، واستفدت منه علماها، يعني تلمسان، الشامخان، وعالماها الراسخان: أبو زيد عبد الرحمن، وأبو موسى عيسى، ابنا محمد بن عبد الله بن الإمام «3» ، وحافظها ومدرّسها ومفتيها أبو موسى عمران بن موسى بن يوسف المشذالي «4» ، صهر شيخ المتأخرين «5» أبي علي ناصر الدين «6» على ابنته، ومشكاة الأنوار التي يكاد زيتها يضيء ولو لم تمسسه نار، الأستاذ أبو إسحاق إبراهيم بن حكيم الكناني «7» السّلوى، رحمه الله. ومنهم القاضي أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن عبد النور «8» ، والشيخ أبو عبد الله محمد بن الحسن «9» البرّوني، وأبو عمران موسى بومن «10» المصمودي الشهير بالبخاري. قال: سمعت البرّوني يقول: كان الشيخ أبو عمران يدرّس البخاري «11» ، ورفيق له يدرّس صحيح مسلم، وكانا يعرفان بالبخاري ومسلم، فشهدا عند قاض، فطلب المشهود عليه بالإعذار فيهما، فقال له أبو عمران: أتمكّنه من الإعذار في الصّحيحين البخاري ومسلم؟ فضحك القاضي، وأصلح بين الخصمين. ثم قال: ومن شيوخي الصلحاء الذين لقيت بها، خطيبها الشيخ أبو عثمان سعيد بن إبراهيم بن علي الخياط، أدرك أبا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 123 إسحاق الطيّار. ومنهم أبو عبد الله بن محمد الكرموني، وكان بصيرا بتفسير الرّؤيا، فمن عجائب شأنه، أنه كان في سجن أبي يعقوب يوسف بن عبد الحق مع من كان فيه، من أهل تلمسان أيام محاصرته لها، فرأى أبا جمعة علي التّلالسي الجرايحي منهم، كأنه قائم على ساقية دائرة، وجميع أقداحها وأقواسها تصب في نقير في وسطها، فجاء ليشرب، فاغترف الماء، فإذا فيه فرث ودم، فأرسله، واغترف فإذا هو كذلك، ثلاثا أو أكثر، ثم عدل إلى خاصّة ماء، فجاءها وشرب منها. ثم استيقظ، وهو النهار، فأخبره، فقال: إن صدقت الرؤيا، فنحن عن قليل خارجون من هذا السجن. قال: كيف؟ قال: الساقية الزمان، والنّقير السلطان، وأنت جرايحي، تدخل يدك في جوفه فينالها الفرث والدّم، وهذا ما لا يحتاج معه إلى دليل، فأخرج، فوجد السلطان مطعونا بخنجر، فأدخل يده في جوفه، فناله الفرث والدّم، فخاط جراحته وخرج، فرأى خاصّة ماء، فغسل يده وشرب. ولم يلبث السلطان أن توفي، وسرّحوا من كان في سجنه. ومن أشياخه الإمام نسيج وحده، أبو عبد الله محمد بن إبراهيم بن أحمد الآبلي التلمساني، وهو رحلة الوقت في القيام على الفنون العقلية، وإدراكه وصحّة نظره. حدّث قال: قدم على مدينة فاس، شيخنا أبو عبد الله محمد بن يحيى الباهلي، عرف بابن المسفّر، رسولا من صاحب بجاية. وزاره الطلبة، فكان مما حدّثهم أنهم كانوا على زمان ناصر الدين، يستشكلون كلاما وقع في تفسير سورة الفاتحة من كتب فخر الدين، واستشكله الشيخ معهم. وهذا نصه: ثبت في بعض العلوم العقلية، أن المركّب مثل البسيط في الجنس، والبسيط مثل المركّب في الفصل، وأن الجنس أقوى من الفصل، فأخبروا بذلك الشيخ الآبلي لما رجعوا إليه، فتأمله ثم قال: هذا كلام مصحّف، وأصله أن المركّب قبل البسيط في الحسّ، والبسيط قبل المركّب في العقل، وأن الحسّ أقوى من العقل، فأخبروا ابن المسفّر، فلجّ، فقال لهم الشيخ: التمسوا النسخ، فوجدوا في لفظ بعضها كما قال الشيخ. رحلته: رحل «1» إلى بجاية مشرّقا، فلقي بها جلّة، منهم الفقيه أبو عبد الله محمد بن يحيى الباهلي، ابن المسفّر «2» . ومنهم قاضيها أبو عبد الله محمد ابن الشيخ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 124 أبي يوسف يعقوب الزّواوي، فقيه ابن فقيه. ومنهم أبو علي «1» حسن بن حسن إمام المعقولات بعد ناصر الدين. وبتونس قاضي الجماعة وفقيهها أبو عبد الله بن عبد السلام «2» ، وحضر دروسه، وقاضي المناكح أبو محمد اللخمي «3» ، وهو حافظ فقهائها في وقته، والفقيه أبو عبد الله بن هارون شارح ابن الحاجب في الفقه والأصول. ثم حجّ فلقي بمكة إمام الوقت أبا عبد الله محمد بن محمد بن عبد الرحمن التّوزري، المعروف بخليل، وإمام المقام أبا العباس رضيّ «4» الدين الشافعي، وغير واحد من الزّائرين والمجاورين وأهل البلد. ثم دخل الشام، فلقي بدمشق شمس الدين بن قيّم الجوزية، صاحب ابن تيميّة، وصدر الدين الغماري المالكي، وأبا القاسم بن محمد اليماني الشافعي وغيرهم. وببيت القدس أبا عبد الله بن مثبت، والقاضي شمس الدين بن سالم، والفقيه أبا عبد الله بن عثمان، وغيرهم. تصانيفه: ألّف «5» كتابا يشتمل على أزيد من مائة مسألة فقهية، ضمّنها كل أصيل «6» من الرأي والمباحثة. ودوّن في التّصوّف إقامة المريد، ورحلة المتبتّل، وكتاب الحقائق والرّقائق، وغير ذلك. شعره: نقلت «7» من ذلك قوله: هذه لمحة العارض لتكملة ألفيّة ابن الفارض، سلب الدهر من فرائدها مائة وسبعة وسبعين، فاستعنت على ردّها بحول الله المعين. من فصل الإقبال «8» : [الطويل] رفضت السّوى وهو الطّهارة عندما ... تلفّعت في مرط الهوى وهو زينتي وجئت الحمى وهو المصلّى ميمّما ... بوجهة قلبي وجهها وهو قبلتي وقمت وما استفتحت إلّا بذكرها ... وأحرمت إحراما لغير تجلّة «9» فديني إن لاحت ركوع وإن دنت ... سجود وإن لاهت «10» قيام بحسرة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 125 على أننا في القرب والبعد واحد ... تؤلّفنا «1» بالوصل عين التّشتّت وكم من هجير خضت ظمآن طاويا ... إليها وديجور طويت برحلة «2» وفيها لقيت الموت أحمر والعدا ... بزرقة «3» أسنان الرّماح وحدّة وبيني وبين العذل فيها منازل ... تنسّيك أيام الفجار ومؤتة ولمّا اقتسمنا خطّتينا فحامل ... فجار بلا أجر وحامل برّة خلا مسمعي من ذكرها فاستعدته ... فعاد ختام الأمر أصل القضيّة وكم لي على حكم الهوى من تجلّد ... دليل على أنّ الهوى من سجيّتي يقول سميري والأسا سالم الأسى ... ولا توضع الأوزار إلّا لمحنة لو أنّ مجوسا بتّ موقد نارها ... لما ظلّ إلّا منهلا ذا شريعة ولو كنت بحرا لم يكن فيه نضحة ... لعين إذا نار الغرام استحرّت «4» فلا ردم من نقب «5» المعاول آمن ... ولا هدم إلّا منك «6» شيد بقوّة فممّ تقول الأسطقسّات «7» منك أو ... علام مزاج ركّبت أو طبيعة فإن قام لم يثبت له منك قاعد ... وإلّا فأنت الدّهر صاحب قعدة فما أنت يا هذا الهوى؟ ماء أو هوا ... أم النار أم دسّاس عرق الأمومة؟ وإني على صبري كما أنت «8» واصف ... وحالي أقوى القائمين بحجّة أقلّ الضّنى أن عجّ من جسمي الضّنى ... وما شاكه معشار بعض شكيّتي وأيسر شوقي أنني ما ذكرتها ... ولم أنسها إلّا احترقت بلوعة وأخفي الجوى قرع الصواعق منك في ... جواي وأخفى الوجد صبر المودّة وأسهل ما ألقى من العذل أنني ... أحبّ أقلّي «9» ذكرها وفضيحتي وأوج حظوظي اليوم منها حضيضها ... بالأمس وسل حرّ الجفون الغزيرة وأوجز أمري أنّ دهري كلّه ... كما شاءت الحسناء يوم الهزيمة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 126 أروح وما يلقى التأسّف راحتي ... وأغدو ما يعدو التفجّع خطّتي وكالبيض بيض الدهر والسّمر سوده ... مساءتها في طيّ طيب المسرّة وشأن الهوى ما قد عرفت ولا تسل ... وحسبك أن لم يخبر الحبّ رؤيتي سقام بلا برء، ضلال بلا هدى ... أوام بلا ريّ، دم لا بقيمة ولا عتب فالأيام ليس لها رضا ... وإن ترض منها الصّبر فهو تعنّتي «1» ألا أيها اللّوّام عني قوّضوا ... ركاب ملامي فهو أول محنتي ولا تعذلوني في البكاء ولا البكى ... وخلّوا سبيلي ما استطعتم ولوعتي فما سلسلت بالدمع عيني إن جنت ... ولكن رأت ذاك الجمال فجنّت تجلّى وأرجاء الرّجاء حوالك ... ورشدي غاو والعمايات عمّت فلم يستبن حتى كأني كاسف ... وراجعت إبصاري «2» له وبصيرتي ومن فصل الاتصال «3» : [الطويل] وكم موقف لي في الهوى خضت دونه ... عباب الرّدى بين الظّبا والأسنّة فجاوزت في حدّي مجاهدتي له ... مشاهدتي لمّا سمت بي همّتي وحلّ جمالي في الجلال فلا أرى ... سوى صورة التّنزيه في كلّ صورة وغبت عن الأغيار في تيه حالتي ... فلم أنتبه حتى امتحى اسمي وكنيتي وكاتبت ناسوتي بأمّارة الهوى ... وعدت إلى اللاهوت بالمطمئنّة وعلم يقيني صار عينا حقيقة ... ولم يبق دوني حاجب غير هيبتي وبدّلت بالتّلوين تمكين عزّة ... ومن كلّ أحوالي مقامات رفعة وقد غبت بعد الفرق والجمع موقفي ... مع المحو والإثبات عند تثبّتي وكم جلت في سمّ الخياط «4» وضاق بي ... لبسطي وقبضي بسط وجه البسيطة وما اخترت إلّا دنّ بقراط زاهدا ... وفي ملكوت النفس أكبر عبرة وفقري مع الصّبر اصطفيت على الغنى ... مع الشكر إذ لم يحظ فيه مثوبتي وأكتم حبّي ما كنى عنه أهله ... وأكني إذا هم صرّحوا بالخبيّة وإنّي في جنسي ومنه لواحد ... كنوع، ففصل النوع علّة حصّتي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 127 تسبّبت في دعوى التوكّل ذاهبا ... إلى أنّ أجدى حيلتي ترك حيلتي وآخر حرف صار مني أولا ... مريدا وحرف في مقام العبودة تعرّفت يوم الوقف منزل قومها ... فبتّ بجمع سدّ خرق التّشتّت فأصبحت أقضي النفس منها منى الهوى ... وأقضي على قلبي برعي الرعيّة فبايعتها بالنفس دارا سكنتها ... وبالقلب منه منزلا فيه حلّت فخلّص الاستحقاق نفسي من الهوى ... وأوجب الاسترقاق تسليم شفعة فيا نفس لا ترجع تقطّع بيننا ... ويا قلب لا تجزع ظفرت بوحدة ومن فصل الإدلال «1» : [الطويل] تبدّت «2» لعيني من جمالك لمحة ... أبادت فؤداي من سناها بلفحة «3» ومرّت بسمعي من حديثك ملحة ... تبدّت لها فيك القران وقرّت ملامي أبن، عذري استبن، وجدي استعن ... سماعي أعن، حالي أبن، قائلي اصمت فمن شاهدي سخط ومن قاتلي «4» رضا ... وتلوين أحوالي وتمكين رتبتي مرامي إشارات، مراعي تفكّر «5» ... مراقي نهايات، مراسي تثبّت وفي موقفي والدّار أقوت رسومها ... تقرّب أشواقي تبعّد حسرتي معاني أمارات، مغاني تذكّر ... مباني بدايات، مثاني تلفّت وبثّ غرام، والحبيب بحضرة ... وردّ سلام والرقيب بغفلة ومطلع بدر في قضيب على نقا ... فويق محلّ عاطل دون دجية ومكمن سحر بابليّ له بما ... حوت أضلعي فعل القنا السّمهريّة ومنبت مسك من شقيق ابن منذر ... على سوسن غضّ بجنّة وجنّة ورصف اللآلي في اليواقيت كلّما ... تعلّ بصرف الرّاح في كل سحرة سل السلسبيل العذب عن طعم ريقه ... ونكهته يخبرك عن علم خبرة ورمّان كافور عليه طوابع ... من الندّ «6» لم تحمل به بنت مزنة ولطف هواء بين خفق وبانة ... ورقّة ماء في قوارير فضّة لقد عزّ الصّبر حتى كأنّه ... سراقة لحظ منك للمتلفّت الجزء: 2 ¦ الصفحة: 128 وأنت وإن لم تبق مني صبابة ... منى النفس لم تقصد سواك بوجهة وكلّ فصيح منك يسري لمسمعي ... وكلّ مليح منك يبدو لمقلتي تهون عليّ النّفس فيك وإنها ... لتكرم أن تغشى سواك بنظرة فإن تنظريني بالرّضا تشف علّتي ... وإن تظفريني باللقا تطف غلّتي وإن تذكريني والحياة بقيدها ... عدلت لأمتي منيتي بمنيّتي وإن تذكريني بعدما أسكن الثرى ... تجلّت دجاه عند ذاك وولّت صليني وإلّا جدّدي الوعد تدركي ... صبابة نفس أيقنت بتفلّت فما أمّ بوّ هالك بتنوفة «1» ... أقيم لها خلف الحلاب فدرّت فلمّا رأته لا ينازع خلفها ... إذا هي لم ترسل عليه وضنّت بكت كلّما راحت عليه وإنها ... إذا ذكرته آخر الليل حنّت بأكثر منّي لوعة غير أنني ... رأيت وقار الصّبر أحسن حلية فرحت كما أغدو إذا ما ذكرتها ... أطامن أحشائي على ما أجنّت أهوّن ما ألقاه إلّا من القلى ... هوى ونوى نيل الرّضا منك بغيتي أخوض الصّلى أطفي العلا والعلوّ لا ... أصلّ السّلا أرعى الخلى بين عبرتي ألا قاتل الله الحمامة غدوة ... لقد أصلت الأحشاء نيران لوعة وقاتل مغناها وموقف شجوها ... على الغصن ماذا هيّجت حين غنّت فغنّت غناء أعجميّا فهيّجت ... غرامي من ذكرى عهود تولّت فأرسلت الأجفان سحبا وأوقدت ... جواي الذي كانت ضلوعي أكنّت «2» نظرت بصحراء البريقين نظرة ... وصلت بها قلبي فصلّى وصلّت فيا لهما قلبا شجيّا ونظرة ... حجازيّة لو جنّ طرف لجنّت ووا عجبا للقلب كيف اعترافه ... وكيف بدت أسراره خلف سترة وللعين لمّا سوئلت كيف أخبرت ... وللنفس لما وطّنت كيف دلّت وكنّا سلكنا في صعود من الهوى ... يسامي بأعلام العلا كلّ رتبة إلى مستوى ما فوقه فيه «3» مستوى ... فلمّا توافينا ثبثّ وزلّت الجزء: 2 ¦ الصفحة: 129 وكنّا عقدنا عقدة الوصل بيننا ... على نحر قربان لدى قبر شيبة مؤكدة بالنّذر أيام عهده ... فلمّا تواثقنا اشتددت وحلّت ومن فصل الاحتفال «1» : [الطويل] أزور اعتمارا أرضها بتنسّك ... وأقصد حجّا بيتها بتحلّة وفي نشأتي الأخرى ظهرت بما علت ... له نشأتي الأولى على كلّ فطرة ولولا خفاء الرّمز لا ولن ولم ... تجدها لشملي مسلكا بتشتّت ولو لم يجدّد عهدنا عقد خلّة ... قضيت ولم يقض المنى صدق توبة بعثت إلى قلبي بشيرا بما رأت ... على قدم عيناي منه فكفّت فلم يعد أن شام البشارة شام ما ... جفا الشّام من نور الصفات الكريمة فيالك من نور لو أنّ التفاتة ... تعارض منه بالنفوس النّفيسة تحدّث أنفاس الصّبا أن طيبها ... بما حملته من حراقة حرقة وتنبىء آصال الربيع عن الرّبا ... وأشجاره إن قد تجلّت فجلّت وتخبر أصوات البلابل أنها ... تغنّت بترجيعي «2» على كلّ أيكة فهذا جمالي منك في بعد حسرتي ... فكيف به إن قرّبتني بخلّة تبدّى وما زال الحجاب ولا دنا ... وغاب ولم يفقده شاهد حضرتي له كلّ غير في تجلّيه مظهر ... ولا غير إلّا ما محت كفّ غيرة تجلّي دليل واحتجاب تنزه ... وإثبات عرفان ومحو تثبّت فما شئت من شيء وآليت أنه ... هو الشيء لم تحمد فجار أليّتي وفي كل خلق منه كلّ عجيبة ... وفي كلّ خلق منه كل لطيفة وفي كل خاف منه مكمن حكمة ... وفي كل باد منه مظهر جلوة أراه بقلب «3» القلب واللّغز كامنا ... وفي الزّجر والفال الصحيح الأدلة وفي طيّ أوفاق الحساب وسرّ ما ... يتمّ من الأعداد فابدأ بستّة وفي نفثات السّحر في العقد التي ... تطوع «4» لها كلّ الطّباع الأبيّة يصوّر شكلا مثل شكل ويعتلي ... عليه بأوهام النفوس الخبيثة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 130 وفي كلّ تصحيف وعضو بذاته ... اختلاج وفي التّقويم مجلى لرؤية وفي خضرة الكمّون تزجي شرابه ... مواعيد عرقوب على إثر صفرة وفي شجر قد خوّفت قطع أصلها ... فبان بها حمل لأقرب مدّة وفي النّخل في تلقيحه واعتبر بما ... أتى فيه عن غير البريّة واسكت وفي الطابع السّبتي في الأحرف التي ... يبيّن منها النّظم كلّ خفية وفي صنعة الطّلسم والكيمياء وال ... كنوز وتغوير المياه المعينة وفي حرز أقسام المؤدّب محرز ... وحزب أصيل الشّاذليّ وبكرة وفي سيمياء الحاتميّ ومذهب اب ... ن سبعين إذ يعزى إلى شرّ بدعة وفي المثل الأولى وفي النّحل الألى ... بها أوهموا لمّا تساموا بسنّة وفي كل ما في الكون من عجب وما ... حوى الكون إلّا ناطقا بعجيبة فلا سرّ إلّا وهو فيه سريرة ... ولا جهر إلّا وهو فيه كحلية سل الذّكر عن أنصاف أصناف ما ابتنى ... عليه الكلام من حروف سليمة وعن وضعها في بعضها وبلوغ ما ... أتت فيه أمضى عدّها وتثبّت فلا بدّ من رمز الكنوز لذي الحجا ... ولا ظلم إلّا ظلم صاحب حكمة ولولا سلام ساق للأمن خيفتي ... لعاجل مسّ البرد خوفي لميتتي ولو لم تداركني ولكن بعطفها ... درجت رجائي أن نعتني خيبتي ولو لم تؤانسني عنّا قبل لم ولم ... قضى العتب منّي بغية بعد وحشتي ونعم أقامت أمر ملكي بشكرها ... كما هوّنت بالصبر كلّ بليّة ومن فصل الاعتقال «1» : [الطويل] سرت بفؤادي إذ سرت فيه نظرتي ... وسارت ولم تثن العنان بعطفة وذلك لما أطلع الشمس في الدّجى ... محيّا ابنة الحيّين في خير ليلة يمانيّة لو أنجدت حين أنجدت «2» ... لما أبصرت عيناك حيّا كميّت لأصحمة «3» في نصحها قدم بنى ... لكلّ نجاشيّ بها حصن ذمّة ألمّت فحطّت رحلها ثم لم يكن ... سوى وقفة التّوديع حتى استقلّت الجزء: 2 ¦ الصفحة: 131 فلو سمحت لي بالتفات وحلّ من ... مهاوي الهوى والهون جدّ تفلّتي ولكنها همّت بنا فتذكّرت ... قضاء قضاة الحسن قدما فصدّت أجلت خيالا إنني لا أجلّه ... ولم أنتسب منه لغير تعلّة على أنني كلّي وبعضي حقيقة ... وباطل أوصافي وحقّ حقيقتي وجنسي وفصلي والعوارض كلّها ... ونوعي وشخصي والهواء وصورتي «1» وجسمي ونفسي والحشا وغرامه ... وعقلي وروحانيّتي القدسيّة وفي كلّ لفظ عنه ميل لمسمعي ... وفي كل معنى منه معنى للوعتي ودهري به عيد ليوم عروبة ... وأمري أمري والورى تحت قبضتي ووقتي شهود في فناء شهدته ... ولا وقت لي إلّا مشاهد غيبة أراه معي حسّا ووهما وإنه ... مناط الثّريّا من مدارك رؤيتي وأسمعه من غير نطق كأنه ... يلقّن سمعي ما توسوس مهجتي ملأت بأنوار المحبّة باطني ... كأنّك نور في سرار سريرتي وجلّيت بالإجلال أرجاء ظاهري ... كأنّك في أفقي كواكب زينة فأنت الذي أخفيه عند تستّري ... وأنت الذي أبديه في حين شهرتي فته أحتمل، واقطع أصل واعل استفل ... ومر أمتثل واملل أمل، وارم أثبت فقلبي إن عاتبته فيك لم أجد ... لعتبي فيه الدهر موقع نكنة ونفسي تنبو عن سواك نفاسة ... فلا تنتمي إلّا إليك بمنّة تعلّقت الآمال منك بفوق ما ... أرى دونه ما لا ينال بحيلة وحامت حواليها وما وافقت حمى ... سحائب يأس أمطرت ماء عبرتي فلو فاتني منك الرّضى ولحقتني ... بعفو بكيت الدهر فوت فضيلة ولو كنت في أهل اليمين منعّما ... بكيت على ما كان من سبقيّة وكم من مقام قمت عنك مسائلا ... أرى كلّ حيّ كلّ حيّ وميّت أتيت بفاراب أبا نصرها فلم ... أجد عنده علما يبرّد غلّتي ولم يدر قولي ابن سيناء سائلا ... فقل كيف أرجو عنده برء علّتي فهل في ابن رشد بعد هذين مرتجى ... وفي ابن طفيل لاحتثاث مطيّتي؟ لقد ضاع لولا أن تداركني حمى ... من الله سعي بينهم طول مدّتي فقيّض لي نهجا إلى الحقّ سالكا ... وأيقظني من نوم جهلي وغفلتي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 132 فحصّنت أنظار الجنيد «1» جنيدها ... بترك فلي من رغبة ريح رهبة وكسّرت عن رجل ابن أدهم أدهما ... وأنقذته من أسر حبّ الأسرة وعدت على حلّاج شكري «2» بصلبه ... وألقيت بلعام التّفاتي «3» بهوّة فقولي مشكور ورأيي ناجح ... وفعلي محمود بكلّ محلّة رضيت بعرفاني فأعليت للعلا ... وأجلسني بعد الرّضا فيه جلّتي فعشت ولا ضيرا أخاف ولا قلى ... وصرت حبيبا في ديار أحبّتي فها أنا ذا أمسي وأصبح بينهم ... مبلّغ نفسي منهم ما تمنّت وأنشدني قوله في حال قبض وقيّدتها عنه «4» : [الطويل] إليك بسطت الكفّ أستنزل الفضلا ... ومنك قبضت الطّرف أستشعر الذّلّا وها أنا ذا قد قمت «5» يقدمني الرّجا ... ويحجمني «6» الخوف الذي خامر العقلا أقدّم رجلا إن يضيء برق مطمع ... وتظلم أرجائي فلا أنقل الرّجلا ولي عثرات لست آمل أن هوت ... بنفسي ألّا أستقل وأن أصلى فإن تدرّكني رحمة أنتعش بها ... وإن تكن الأخرى فأولى بي الأولى قال، ومما نظمته من الشعر «7» : [مجزوء الكامل] وجد تسعّره الضلو ... ع وما تبرّده المدامع همّ تحرّكه الصّبا ... بة والمهابة لا تطاوع أملي «8» إذا وصل الرّجا ... أسبابه فالموت قاطع بالله يا هذا الهوى ... ما أنت بالعشّاق صانع؟ قال: ومما كتبت به لمن بلغني عنه بعض الشيء «9» : [الرمل] نحن، إن تسأل بناس، معشر ... أهل ماء فجّرته الهمم عرب من بيضهم أرزاقهم ... ومن السّمر الطوال الخيم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 133 عرّضت أحسابهم أرواحهم ... دون نيل العرض وهي الكرم أورثونا المجد حتى إننا ... نرتضي الموت ولا نزدحم ما لنا في الناس من ذنب سوى ... أننا نلوي إذا ما اقتحموا قال: ومما قلته مذيّلا به قول القاضي أبي بكر بن العربي «1» : [مجزوء الوافر] أما والمسجد الأقصى ... وما يتلى به نصّا لقد رقصت بنات الشو ... ق بين جوانحي رقصا قولي: [مجزوء الوافر] فأقلع بي إليه هوى ... جناحا عزمه قصّا «2» أقلّ القلب واستعدى ... على الجثمان فاستعصى فقمت أجول بينهما ... فلا أدنى ولا أقصى قال: ومما قلته في التورية بشأن راوي المدوّنة «3» : [البسيط] لا تعجبنّ لظبي قد دها أسدا ... فقد دها أسدا من قبل سحنون قال: ومما قلته من الشعر «4» : [البسيط] أنبتّ عودا بنعماء «5» بدأت بها ... فضلا وألبستها بعد اللّحى الورقا فظلّ مستشعرا مستدثرا أرجا «6» ... ريّان ذا بهجة يستوقف الحدقا فلا تشنه بمكروه الجنى فلكم ... عوّدته من جميل من لدن خلقا وانف القذى عنه واثر الدهر منبته ... وغذّه برجاء واسقه غدقا «7» واحفظه من حادثات الدهر أجمعها ... ما جاء منها على ضوء وما طرقا ومما قيّدت عنه أيام مجالسته ومقامه بغرناطة، وقد أجرى ذكر أبي زيد ابن الإمام، أنه «8» شهد مجلسا بين يدي السلطان أبي تاشفين عبد الرحمن بن أبي حمّو، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 134 ذكر فيه أبو زيد المذكور، أن ابن القاسم مقيد بالنظر بأصول مالك، ونازعه أبو موسى عمران بن موسى المشذالي «1» ، وادّعى أنه مطلق الاجتهاد، واحتج له بمخالفته لبعض ما يرويه أو «2» يبلغه عنه لما ليس من قوله، وأتى من ذلك بنظائر كثيرة. قال: فلو تقيّد بمذهبه لم يخالفه لغيره، فاستظهر أبو زيد بنصّ لشرف الدين بن «3» التلمساني، ومثّل فيه الاجتهاد المخصوص باجتهاد ابن القاسم بالنظر إلى مذهب مالك، والمزني إلى الشافعي. فقال أبو موسى عمران «4» : هذا مثال، والمثال لا يلزم «5» صحّته، فصاح به أبو زيد «6» ابن الإمام وقال لأبي عبد الله بن أبي عمر «7» : تكلّم، فقال: لا أعرف ما قال هذا الفقيه، والذي أذكره من كلام أهل العلم أنه لا يلزم من فساد المثال فساد الممثّل به، فقال أبو موسى للسلطان: هذا كلام أصولي محقق، فقلت لهما «8» يومئذ، وأنا حديث السن: ما أنصفهما «9» الرّجل، فإن المثل «10» كما يؤخذ على جهة التحقيق، كذلك يؤخذ على جهة التقريب، ومن ثمّ جاء ما قال «11» هذا الشيخ، أعني ابن أبي عمران «12» ، وكيف لا وهذا سيبويه يقول: وهذا مثال ولا يتكلّم به، فإذا صحّ أن المثال قد يكون تقريبا، فلا يلزم صحة المثال، ولا فساد الممثّل لفساده، فهذان القولان من أصل واحد. وقال: شهدت مجلسا آخر عند هذا السلطان، قرىء فيه على أبي زيد ابن الإمام حديث: «لقّنوا موتاكم لا إله إلا الله» ، من «13» صحيح مسلم، فقال له الأستاذ أبو إسحاق بن حكم السّلوي: هذا الملقّن محتضر حقيقة، ميّت مجازا، فما وجه ترك محتضريكم إلى موتاكم، والأصل الحقيقة؟ فأجابه أبو زيد بجواب لم يقنعه. وكنت قد قرأت على الأستاذ بعض «التنقيح» ، فقلت: زعم القرافي أن المشتقّ إنما يكون حقيقة في الحال، مجازا في الاستقبال، مختلفا فيه في الماضي، إذا كان محكوما به. وأمّا «14» إذا كان متعلّق الحكم كما هنا، فهو حقيقة مطلقا إجماعا، وعلى هذا التقرير لا مجاز ولا سؤال. ولا يقال: إنه احتجّ على ذلك بما فيه نظر؛ لأنّا نقول: إنه نقل الإجماع، وهو أحد الأربعة التي لا يطالب عنها «15» بالدليل، كما ذكر أيضا. بل الجزء: 2 ¦ الصفحة: 135 نقول: إنه أساء حيث احتجّ في موضع الوفاق، كما أساء اللخمي وغيره في الاحتجاج على وجوب الطّهارة ونحوها. بل هذا أشنع، لكونه مما علم كونه من الدّين ضرورة «1» . ثم إنّا لو سلّمنا نفي الإجماع، فلنا أن نقول: إن ذلك إشارة إلى ظهور العلامات التي يعقبها الموت عادة؛ لأنّ تلقينه قبل ذلك، إن لم يدهش، فقد يوحش، فهو تنبيه على وقت التلقين: أي لقّنوا من تحكمون بأنه ميت. أو يقال «2» : إنما عدل عن الاحتضار لما فيه من الإبهام، ألا ترى اختلافهم فيه: هل هو «3» أخذ من حضور الملائكة أو حضور الأجل، أو حضور الجلّاس؟ ولا شك أن هذه حالة خفيّة يحتاج في نصها «4» إلى دليل الحكمة أو إلى وصف ظاهر يضبطها، وهو ما ذكرناه، أو من حضور الموت، وهو أيضا ممّا لا يعرّف بنفسه، بل بالعلامات. فلمّا وجب اعتبارها، وجب كون تلك التسمية إشارة إليها، والله أعلم. وقال: وكان أبو زيد يقول، فيما جاء من الأحاديث: ما «5» معنى قول ابن أبي زيد: «وإذا سلّم الإمام، فلا يلبث «6» بعد سلامه ولينصرف» ، وذلك بعد أن ينتظر «7» من يسلّم من خلفه لئلّا يمر بين يدي أحد، وقد ارتفع عنه حكمه، فيكون كالداخل مع المسبوق جمعا بين الأدلة. وقلت «8» : وهذا من ملح الفقيه. وقال: كان أبو زيد يعني الإمام، يصحّف قول الخونجي في الجمل والمقارنات التي يمكن اجتماعه معها، فيقول: و «المفارقات» ، ولعلّه في هذا كما قال أبو عمرو بن العلاء للأصمعي لمّا قرأ عليه: [مجزوء الكامل] وغررتني وزعمت أنك ... لابن في الصّيف «9» تامر فقال: [مجزوء الكامل] وغررتني وزعمت أنك ... لا تني «10» بالضّيف تامر فقال: أنت في تصحيفك أشهر من الحطيئة، أو كما يحكى «11» عن الشافعي أنه لما صلّى في رمضان بالخليفة، لم يكن يومئذ يحفظ القرآن، فكان ينظر في الجزء: 2 ¦ الصفحة: 136 المصحف، وقرأ الآية «صنعة الله أصيب بها من أساء. إنما المشركون نحس. وعدها إياه «1» ، تقية لكم خير لكم. هذا أن دعوا للرحمن ولدا، لكل امرئ منهم يومئذ شأن يغنيه» «2» . وقال «3» : وذكر أبو زيد ابن الإمام في مجلسه يوما أنه سئل بالمشرق عن هاتين الشريطتين «4» : وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْراً لَأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ (23) «5» ، فإنهما يستلزمان «6» بحكم الإنتاج «ولو علم الله فيهم خيرا لتولّوا وهم معرضون» وهو محال. ثم أراد أن يرى ما عند الحاضرين، فقال ابن حكم: قال الخونجي: والإهمال بإطلاق لفظه، لو وأن في المتّصلة، فهاتان القضيتان على هذا مهملتان، والمهملة في قوة الجزئية، ولا قياس على «7» جزئيّتين. فلما اجتمعت ببجاية بأبي علي حسين بن حسين، أخبرته بهذا، وبما أجاب به الزّمخشري وغيره، ممّا يرجع إلى انتفاء أمر «8» تكرار الوسط. فقال لي: الجوابان في المعنى سواء؛ لأن القياس على الجزئيّتين إنما امتنع لانتفاء أمر تكرار «9» الوسط. وأخبرت بذلك شيخنا أبا عبد الله الآبلي، فقال: إنما يقوم القياس على الوسط، ثم يشترط فيه بعد ذلك أن لا يكون من جزئيتين ولا سالبتين، إلى سائر ما يشترط، فقلت: ما المانع من كون هذه الشروط تفصيلا لمجمل ما ينبني عليه الوسط «10» وغيره، وإلا فلا مانع لما قاله ابن حسين. قال الآبلي: وأجبت بجواب السّلوي، ثم رجعت إلى ما قاله الناس، لوجوب كون مهملات القرآن كلّية؛ لأن الشّرطية لا تنتج جزئيّة. فقلت: هذا فيما يساق منها للحجة مثل لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتا «11» . أما في مثل هذا فلا قلت «12» . وكان يلزم السؤال الأول لو لم يكن للمتولي سبب تأخر، حسبما تبين في مسألة، لو لم يطع الله، فلينظر ذلك في اسم شيخنا أبي بكر يحيى بن هذيل رحمه الله. وقال «13» : لما ورد تلمسان الشيخ الأديب أبو الحسن بن فرحون، نزيل طيبة، على تربتها السلام، سأل ابن حكم عن معنى هذين البيتين: [الوافر] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 137 رأت قمر السماء فأذكرتني ... ليالي وصلنا «1» بالرّقمتين كلانا ناظر قمرا ولكن ... رأيت بعينها ورأت بعيني ففكّر ثم قال: لعل هذا الرجل كان ينظر إليها، وهي تنظر إلى قمر السماء، فهي تنظر إلى القمر حقيقة، وهو لفرط «2» الاستحسان يرى أنها الحقيقة. فقد رأى بعينها لأنها ناظرة الحقيقة. وأيضا وهو ينظر إلى قمر مجازا، وهو لإفراطه استحسانها «3» يرى أنّ قمر السماء هو المجاز، فقد رأت بعينه؛ لأنها ناظرة المجاز. قلت: ومن هذا يعلم وجه الفاء في قوله تعالى: فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ والفاء فأذكرتني بمثابة قولك أذكرتني، فتأمّله، فإن بعض من لا يفهم كلام الأستاذ كل «4» الفهم، ينشده: «وأذكرتني» . فالفاء في البيت الأول، منبّهة على الثاني، وهذا النحو يسمى «الإيذان في علم البيان» . وقال: سألني ابن حكم عن نسب هذا «5» المجيب في هذا البيت: [الكامل] ومهفهف الأعطاف قلت له انتسب ... فأجاب ما قتل المحبّ حرام ففكرت ثم قلت له «6» : أراه تميميا؛ لإلغائه «ما» النافية. فاستحسنه مني لصغر سني يومئذ. وسأل ابن فرحون ابن حكم يوما «7» : هل تجد في التّنزيل ستّ فاءات مرتبة ترتيبها في هذا البيت: [البسيط] رأى فحبّ فرام الوصل فامتنعت ... فسام صبرا فأعيا نيله فقضى ففكر ابن «8» حكم، ثم قال: نعم قوله عزّ وجلّ: فَطافَ عَلَيْها طائِفٌ مِنْ رَبِّكَ وَهُمْ نائِمُونَ (19) فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ (20) فَتَنادَوْا «9» إلى آخرها، فمنعت له البناء في فَتَنادَوْا. فقال لابن فرحون: فهل عندك غيره؟ فقال: نعم، قوله عزّ وجلّ: فَقالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ ناقَةَ اللَّهِ وَسُقْياها (13) «10» إلى آخرها، فمنع لهم بناء الآخرة لقراءة الواو. فقلت له: امنع ولا تسند، فيقال «11» : إن المعاني قد تختلف باختلاف الحروف، وإن كان السّند لا يسمع الكلام عليه. وأكثر ما وجدت الفاء تنتهي في كلامهم إلى هذا العدد، سواء بهذا الشرط وبدونه، كقول نوح عليه السلام: فَعَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْتُ فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 138 وَشُرَكاءَكُمْ «1» . وكقول امرئ القيس: «غشيت ديار الحيّ بالبكرات، البيتين «2» » . لا يقال قوله: فالحبّ «3» سابع؛ لأنا نقول إنه عطف على «عاقل» المجرّد منها، ولعلّ حكمة السّتة أنها أول الأعداد التامة، كما قيل في حكمة خلق السماوات والأرض فيها، وشأن اللسان عجيب. وقال «4» : سمعت ابن حكم يقول: كتب «5» بعض أدباء فاس إلى صاحب له: [المجتث] ابعث إليّ بشيء ... مدار فاس عليه وليس عندك شيء ... ممّا أشير إليه فبعث إليه ببطّة من مرّي «6» شرب، يشير بذلك إلى الرّياء. وحدّثت أن قاضيها أبا محمد عبد الله بن أحمد بن الملجوم دعي «7» إلى وليمة، وكان كثير البلغم، فوضع بين يديه صهره أبو العباس بن الأشقر غضارا من اللّوز المطبوخ بالمرّي، لمناسبة لمزاجه، فخاف أن يكون قد عرّض له بالرياء. وكان ابن الأشقر يذكر بالوقوع في الناس، فقدّم «8» له القاضي غضار المقروض، فاستحسن الحاضرون فطنته. وقال عند ذكر شيخه أبي محمد عبد الله بن عبد الواحد المجاصي: دخلت عليه بالفقيه أبي عبد الله السّطي في أيام عيد، فقدّم لنا طعاما، فقلت: لو أكلت معنا، فرجونا بذلك ما يرفع من حديث «من أكل مع مغفور له، غفر له» فتبسّم، وقال لي: دخلت على سيدي أبي عبد الله الفاسي بالإسكندرية، فقدّم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 139 لنا «1» طعاما، فسألته عن هذا الحديث فقال: وقع في نفسي «2» شيء، فرأيت النبيّ صلى الله عليه وسلم في المنام، فسألته عنه، فقال «3» : لم أقله، وأرجو أن يكون كذلك. وصافحته بمصافحته الشيخ أبا عبد الله زيان، بمصافحته أبا سعيد عثمان بن عطية الصعيدي، بمصافحته أبا العباس أحمد الملثّم، بمصافحته المعمّر، بمصافحته رسول الله صلى الله عليه وسلم. وحدّث عن شيخه أبي محمد الدّلاصي، أنه كان للملك العادل مملوك اسمه محمد، فكان يخصّه لدينه وعقله، بالنداء باسمه، وإنما كان ينعق «4» بمماليكه: يا ساقي، يا طبّاخ، يا مزين. فناداه «5» ذات يوم: يا فرّاش، فظنّ أن «6» ذلك لموجدة «7» عليه. فلم ير أثر ذلك، وتصوّرت له به خلوة، فسأله عن مخالفته لعادته «8» ، فقال له: لا عليك، كنت يومئذ جنبا، فكرهت أن أذكر «9» اسم رسول الله صلى الله عليه وسلم، على تلك الحالة. وقال: أنشدني المجاصي، قال: أنشدني الإمام «10» نجم الدين الواسطي، قال: أنشدني شرف الدين الدمياطي، قال: أنشدني تاج الدين الآمدي «11» ، مؤلف «الحاصل» ، قال: أنشدني الإمام فخر الدين «12» لنفسه: [الطويل] نهاية إقدام العقول عقال ... وأكثر سعي العالمين ضلال وأرواحنا في وحشة «13» من جسومنا ... وحاصل دنيانا أذى «14» ووبال «15» الجزء: 2 ¦ الصفحة: 140 ولم نستفد من بحثنا طول عمرنا ... سوى أن جمعنا فيه قيل وقال «1» وكم من رجال قد رأينا ودولة «2» ... فبادوا جميعا مسرعين وزالوا وكم من جبال قد علت شرفاتها ... رجال فماتوا والجبال جبال «3» وقال «4» : وقد مرّ من ذكر الشريف القاضي أبي علي حسين بن يوسف بن يحيى الحسني في عداد شيوخه وقال: حدّثني أبو العباس الرّندي عن القاضي أبي العباس بن الغمّاز «5» ، قال: لمّا قدم القاضي أبو العباس بن الغماز من بلنسية، نزل بجاية؛ فجلس بها في الشهود مع عبد الحق بن ربيع «6» ، فجاء عبد الحق يوما، وعليه برنس أبيض، وقد حسنت شارته، وكملت هيئته، فلمّا نظر إليه ابن الغماز أنشده: [الخفيف] لبس البرنس الفقيه فباهى ... ورأى أنه المليح فتاها «7» لو زليخا رأته حين تبدّى ... لتمنّته أن يكون فتاها وقال أيضا: إن ابن الغمّاز جلس لارتقاب الهلال بجامع الزّيتونة، فنزل الشهود من المئذنة وأخبروا أنهم لم يهلّوه «8» . وجاء حفيد له صغير، فأخبره أنه أهلّه، فردّهم معه، فأراهم إياه، فقال: ما أشبه الليلة بالبارحة. وقد «9» وقع لنا مثل هذا مع أبي الربيع بن سالم «10» ، فأنشدنا فيه: [الطويل] توارى هلال الأفق عن أعين الورى ... وأرخى حجاب الغيم دون محيّاه فلمّا تصدّى لارتقاب شقيقه ... تبدّى له دون الأنام فحيّاه الجزء: 2 ¦ الصفحة: 141 وجرى في ذكر أبي عبد الله بن النجار «1» ، الشيخ التعالمي من أهل تلمسان، فقال «2» : ذكرت يوما قول ابن الحاجب فيما يحرّم من النساء بالقرابة، وهي «أصول وفصول، أول أصوله، وأول فصل من كل أصل وإن علا» ، فقال: إن تركّب لفظ التّسمية العرفية من الطّرفين حلّت، وإلّا حرمت، فتأمّلته، فوجدته كما قال: لأن أقسام هذا الضابط أربعة: التّركيب من الطرفين، كابن العم وابنة العم مقابله كالأب والبنت، والتركيب «3» من قبل الرجل كابنة الأخ والعمّ مقابله كابن الأخت والخالة. وذكر الشيخ الرئيس أبا محمد عبد المهيمن بن محمد الحضرمي. وقال «4» : كان ينكر إضافة الحول إلى الله عزّ وجلّ، فلا يجيز أن يقال: «بحول الله وقوّته» ، قال: لأنه لم يرد إطلاقه «5» ، والمعنى يقتضي امتناعه؛ لأنّ الحول كالحيلة، أو قريب منها. وحكى «6» عن شيخه أبي زيد عبد الرحمن الصّنهاجي «7» ، عن القاضي أبي زيد عبد الرحمن بن علي الدّكالي، أنه اختصم عنده رجلان في شاة، ادّعى أحدهما أنه أودعها الآخر، وادّعى الآخر أنها ضاعت منه، فأوجب اليمين على المودع «8» أنها ضاعت من غير تضييع، فقال: كيف أضيّع، وقد شغلتني حراستها عن الصلاة، حتى خرج وقتها؟ فحكم عليه بالغرم، فقيل له في ذلك، فقال: تأوّلت قول عمر: و «من ضيّعها فهو لما سواها أضيع» . وحكى عن الشيخ الفقيه رحلة الوقت أبي عبد الله الآبلي، حكاية في باب الضّرب، وقوة الإدراك، قال «9» : كنت يوما مع القاسم بن محمد الصّنهاجي، فوردت عليه طومارة من قبل القاضي أبي الحجاج الطرطوشي فيها: [السريع] خيرات ما تحويه مبذولة ... ومطلبي تصحيف مقلوبها الجزء: 2 ¦ الصفحة: 142 فقال لي: ما مطلبه؟ فقلت: «نارنج» . ودخل «1» عليه وأنا عنده بتلمسان الشيخ الطبيب «2» أبو عبد الله الدبّاغ المالقي «3» ، فأخبرنا أن أديبا استجدى وزيرا بهذا الشّطر: «ثمّ حبيب قلّما ينصف» فأخذته وكتبته، ثم قلبته وصحّفته، فإذا به «4» : قصبتا ملفّ شحمي. وقال: قال «5» شيخنا الآبلي: لما نزلت تازة مع أبي الحسن بن برّي، وأبي عبد الله التّرجالي، فاحتجت إلى النوم، وكرهت قطعهما إلى «6» الكلام، فاستكشفت منهما عن معنى هذا البيت للمعري: [الطويل] أقول لعبد الله لمّا سقاؤنا ... ونحن بوادي عبد شمس وهاشم فجعلا يفكّران فيه، فنمت حتى أصبحا، ولم يجداه، وسألوني عنه، فقلت: معناه «أقول لعبد الله لمّا وهي سقاؤنا، ونحن بوادي عبد شمس: شم لنا برقا» . قلت: وفيه نظر «7» . وإن استقصينا مثل هذا، خرجنا عن الغرض. مولده: نقلت من خطه: كان «8» مولدي بتلمسان أيام أبي حمّو موسى بن عثمان بن يغمراسن بن زيّان. وقد وقفت على تاريخ ذلك، ورأيت «9» الصّفح عنه؛ لأن أبا الحسن بن موسى «10» سأل أبا الطاهر السّلفي عن سنّه، فقال: أقبل على شأنك، فإني سألت أبا الفتح بن زيّان بن مسعدة «11» عن سنّه، فقال: أقبل على شأنك، فإني سألت «12» محمد بن علي بن محمد اللبّان عن سنّه فقال: أقبل على شأنك، فإني سألت حمزة بن يوسف السّهمي عن سنّه، فقال: أقبل على شأنك، فإني سألت أبا بكر محمد بن علي النفزي «13» عن سنّه، فقال: أقبل على شأنك، فإني سألت بعض أصحاب الشافعي عن سنّه، فقال: أقبل على شأنك، فإني سألت أبا إسماعيل التّرمذي عن سنّه، فقال: أقبل على شأنك، فإني سألت الشافعي «14» عن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 143 سنّه، فقال: أقبل على شأنك، فإني سألت مالك بن أنس عن سنّه، فقال: أقبل على شأنك، ليس من المروءة إخبار الرجل عن سنّه «1» . وفاته: توفي بمدينة فاس في أخريات محرم من عام تسعة وخمسين وسبعمائة، وأراه توفي في ذي حجة من العام قبله. ونقل إلى تربة سلفه بمدينة تلمسان حرسها الله. محمد بن عياض بن محمد بن عياض بن موسى اليحصبي من أهل سبتة، حفيد القاضي الإمام أبي الفضل عياض، يكنى أبا عبد الله. حاله: قال الأستاذ أبو جعفر بن الزبير: كان من عدول القضاة، وجلّة سراتهم، وأهل النزاهة فيهم، شديد التحري في الأحكام والاحتياط، صابرا على الضعيف فيهم والملهوف، شديد الوطأة على أهل الجاه وذوي السّطوة، فاضلا، وقورا، حسن السّمت، يعرّفه كلامه أبدا، ويزينه ذلك لكثرة وقاره، محبّا في العلم وأهله، مقرّبا لأصاغر الطلبة، ومكرّما لهم، ومعتنيا بهم، معملا جهده في الدّفع عنهم، لما عسى أن يسوءهم؛ ليحبّب إليهم العلم وأهله، ما رأينا بعده في هذا مثله. سكن مالقة مع أبيه عند انتقال أبيه إليها، إلى أن مات أبوه سنة خمس وخمسين وستمائة. حدّثني شيخنا أبو الحسن بن الجيّاب، وجرى ذكر إعرابه لفظ من حديثه عن شيوخه، قال: دخلت على القاضي المذكور، فسأل أحدنا عن أبيه، فقال: ابن فلان. وذكر معرفة مشتركة بين تجّار فاس، فقال: أيهما الذي ينحت في الخشب، والذي يعمل في السلاح؟ فما فطن لقصده لسذاجته. وحدّثني عن ذكر جزالته أنها كانت تقع له مع السلطان مستقضيه، مع كونه مرهوبا، شديد السّطوة، وقائع تنبىء عن تصميمه، وبعده عن الهوادة؛ منها أن السلطان أمر بإطلاق محبوس كان قد سجنه، فأنفذ بين يدي السلطان الأمر للسّجّان بحبسه، وتوعّده إن أطلقه. ومنها إذاعة ثبوت العيد في أخريات يوم كان قد أمل السلطان البروز إلى العيد في صباحه، فنزل عن القلعة ينادي: عبد الله، يا ميمون، أخبر الناس عن عيدهم اليوم، وأمثال ذلك. مشيخته: قرأ بسبتة، وأسند بها، فأخذ عن أبي الصبر أيوب بن عبد الله الفهري وغيره، ورحل إلى الجزيرة الخضراء، فأخذ بها كتاب سيبويه وغيره تفقيها على النحويّ الجليل أبي القاسم عبد الرحمن بن القاسم القاضي المتفنن. وأخذ بها أيضا كتاب «إيضاح الفارسي» عن الأستاذ أبي الحجاج بن مغرور، وأخذ بإشبيلية وغيرها الجزء: 2 ¦ الصفحة: 144 عن آخرين. وقرأ على القاضي أبي القاسم بن بقيّ بن نافحة، وأجاز له. وكتب له من أهل المشرق جماعة كثيرة، منهم أبو جعفر محمد بن أحمد بن نصر بن أبي الفتح الصّيدلاني، وأجاز له بأصبهان، وهو سبط حسن بن مندة، أجاز له في شوال سنة ثمان وتسعين وخمسمائة. وتحمل عن أبي علي الحداد، شيخ السّلفي الحافظ عن محمود الصيرفي ونظائرهما، وجماعة من إصبهان كثيرة كتبوا له بالإجازة. وكتب له من غيرها من البلاد نيّف وثمانون رجلا، منهم أحد وستون رجلا كتبوا له مع الشيخ المحدث أبي العباس المغربي، والقاضي أبي عبد الله الأزدي، وقد نصح على جميعهم في برنامجيهما، واستوفى أبو العباس الغربي نصوص الإسترعات، وفيها اسم القاضي أبو عبد الله بن عياض. من روى عنه: قال الأستاذ أبو جعفر، رحمه الله: أجاز لي مرتين اثنتين «1» . وقال: حدّثني أبو عبد الله مشافهة بالإذن، أنبأنا أبو الطاهر بركات بن إبراهيم الخشوعي كتابة من دمشق، أنبأنا أبو عبد الله محمد بن أحمد الرّازي، المعروف بابن الحطّاب، بالحاء المهملة، أخبرنا محمد بن أحمد بن عبد الوهاب البغدادي بالفسطاط، أخبرنا موسى بن محمد بن عرفة السمسار ببغداد، قال أبو عمرو بن أحمد بن الفضل النّفزي: أخبرنا إسماعيل بن موسى، أخبرنا عمر بن شاكر عن أنس بن مالك، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يأتي على الناس زمان، الصّابر منهم على دينه، كالقابض على الجمر» . هذا الإسناد قريب يعزّ مثله في القرب لأمثالنا، ممن مولده بعد الستمائة، وإسماعيل بن موسى من شيوخ التّرمذي، قد خرّج عنه الحديث المذكور، لم يقع له في مصنّفه ثلاثي غيره. مولده: بسبتة سنة أربع وثمانين وخمسمائة. وفاته: توفي بغرناطة يوم الخميس الثامن والعشرين لجمادى الآخرة سنة أربع وخمسين وستمائة. محمد بن عياض بن موسى بن عياض بن عمر بن موسى ابن عياض اليحصبي من أهل سبتة، ولد الإمام أبي الفضل، يكنى أبا عبد الله. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 145 حاله: كان فقيها جليلا، أديبا، كاملا. دخل الأندلس، وقرأ على ابن بشكوال كتاب الصّلة، وولي قضاء غرناطة. قال ابن الزّبير: وقفت على جزء ألّفه في شيء من أخبار أبيه، وحاله في أخذه وعلمه، وما يرجع إلى هذا، أوقفني عليه حفدته بمالقة. وفاته: توفي سنة خمس وسبعين وخمسمائة. محمد بن أحمد بن جبير بن سعيد بن جبير بن محمد بن سعيد ابن جبير بن محمد بن مروان بن عبد السلام بن مروان ابن عبد السلام بن جبير الكناني «1» الواصل إلى الأندلس. أوّليّته: دخل جدّه عبد السلام بن جبير في طالعة بلج بن بشر بن عياض القشيري في محرم ثلاث وعشرين ومائة. وكان نزوله بكورة شدونة. وهو من ولد ضمرة بن كنانة بن بكر بن عبد مناف بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان. بلنسي الأصل، ثم غرناطي الاستيطان. شرّق، وغرّب، وعاد إلى غرناطة. حاله: كان «2» أديبا بارعا، شاعرا مجيدا، سنيّا فاضلا، نزيه المهمة، سريّ النفس، كريم الأخلاق، أنيق الطريقة في الخط. كتب بسبتة «3» عن أبي سعيد عثمان بن عبد المؤمن، وبغرناطة عن غيره من ذوي قرابته، وله فيهم أمداح كثيرة. ثم نزع عن ذلك، وتوجّه إلى المشرق. وجرت بينه وبين طائفة من أدباء عصره، مخاطبات ظهرت فيها براعته وإجادته. ونظمه فائق، ونثره بديع. وكلامه المرسل، سهل حسن، وأغراضه جليلة، ومحاسنه ضخمة، وذكره شهير، ورحلته نسيجة وحدها، طارت كل مطار، رحمه الله. رحلته: قال من عني بخبره «4» : رحل ثلاثا من الأندلس إلى المشرق، وحجّ في كل واحدة منها. فصل عن غرناطة أول ساعة من يوم الخميس لثمان خلون من شوال، ثمان وسبعين وخمسمائة، صحبة أبي جعفر بن حسان، ثم عاد إلى وطنه الجزء: 2 ¦ الصفحة: 146 غرناطة لثمان بقين من محرم واحد وثمانين، ولقي بها أعلاما يأتي التعريف بهم في مشيخته، وصنّف الرحلة المشهورة، وذكر مناقله فيها وما شاهده من عجايب البلدان، وغرايب المشاهد، وبدايع الصّنايع، وهو كتاب مؤنس ممتع، مثير سواكن النفوس إلى الرّفادة على تلك المعالم المكرمة والمشاهد العظيمة. ولما «1» شاع الخبر المبهج بفتح بيت المقدس على يد السلطان الناصر صلاح الدين يوسف بن أيوب بن شادي «2» ، قوي عزمه على عمل الرحلة الثانية، فتحرك إليها من غرناطة، يوم الخميس لتسع خلون من ربيع الأول من سنة خمس وثمانين وخمسمائة، ثم آب إلى غرناطة يوم الخميس لثلاث عشرة «3» خلت من شعبان سبع وثمانين. وسكن غرناطة، ثم مالقة، ثم سبتة، ثم فاس «4» ، منقطعا إلى إسماع الحديث والتصوّف، وتروية ما عنده. وفضله بديع، وورعه يتحقق، وأعماله الصالحة تزكو. ثم رحل الثالثة من سبتة، بعد موت زوجته عاتكة أم المجد بنت الوزير أبي جعفر الوقّشي «5» ، وكان كلفا بها، فعظم وجده عليها. فوصل مكة، وجاور بها طويلا، ثم بيت المقدس، ثم تجوّل بمصر والإسكندرية، فأقام «6» يحدّث، ويؤخذ عنه إلى أن لحق بربه. مشيخته: روى بالأندلس عن أبيه، وأبي الحسن بن محمد بن أبي العيش، وأبي عبد الله بن أحمد بن عروس، وابن الأصيلي. وأخذ العربية عن أبي الحجاج بن يسعون. وبسبتة عن أبي عبد الله بن عيسى التميمي السّبتي. وأجاز له أبو الوليد بن سبكة، وإبراهيم بن إسحاق بن عبد الله الغسّاني التونسي، وأبو حفص عمر بن عبد المجيد بن عمر القرشي الميّانجي، نزيلا مكة، وأبو جعفر أحمد بن علي القرطبي الفنكي، وأبو الحجاج يوسف بن أحمد بن علي بن إبراهيم بن محمد البغدادي، وصدر الدين أبو محمد عبد اللطيف الحجري رئيس الشّافعية بأصبهان. وببغداد العالم الحافظ المتبحر نادرة الفلك أبو الفرج، وكناه أبو الفضل ابن الجوزي. وحضر بعض مجالسه الوعظية وقال فيه: «فشاهدنا رجلا ليس بعمرو ولا زيد، وفي جوف الفرا كلّ الصّيد» ، وبدمشق أبو الحسن أحمد بن حمزة بن علي بن عبد الله بن عباس السّلمي الجواري، وأبو سعيد عبد الله بن محمد بن أبي عصرون، وأبو الطاهر الجزء: 2 ¦ الصفحة: 147 بركات الخشوعي، وسمع عليه، وعماد الدين أبو عبد الله محمد بن محمد بن حامد الأصبهاني من أئمة الكتاب، وأخذ عنه بعض كلامه، وغيره، وأبو القاسم عبد الرحمن بن الحسين بن الأخضر بن علي بن عساكر، وسمع عليه، وأبو الوليد إسماعيل بن علي بن إبراهيم والحسين بن هبة الله بن محفوظ بن نصر الرّبعي، وعبد الرحمن بن إسماعيل بن أبي سعيد الصّوفي، وأجازوا له، وبحرّان الصّوفي العارف أبو البركات حيّان بن عبد العزيز، وابنه الحاذي حذوه. من أخذ عنه: قال ابن عبد الملك «1» : أخذ «2» عنه أبو إسحاق بن مهيب، وابن الواعظ، وأبو تمام بن إسماعيل، وأبو الحسن بن «3» نصر بن فاتح بن عبد الله البجّائي، وأبو الحسن بن علي الشّادي «4» ، وأبو سليمان بن حوط الله، وأبو زكريا، وأبو بكر يحيى بن محمد بن أبي الغصن «5» ، وأبو عبد الله بن حسن بن مجبر «6» ، وأبو العباس بن عبد المؤمن البنّاني «7» ، وأبو «8» محمد بن حسن اللّواتي، وابن «9» تامتيت، وابن محمد الموروري، وأبو عمر بن سالم، وعثمان بن سفيان بن أشقر التّميمي التونسي. وممّن أخذ عنه «10» بالإسكندرية، رشيد الدين أبو محمد عبد الكريم بن عطاء الله، وبمصر رشيد الدين بن العطّار، وفخر القضاة ابن الجيّاب، وابنه جمال القضاة. تصانيفه: منها نظمه. قال ابن عبد الملك «11» : «وقفت منه على مجلد متوسط يكون على «12» قدر ديوان أبي تمام حبيب بن أوس. ومنه جزء سماه «نتيجة وجد الجوانح في تأبين القرين الصالح» في مراثي زوجه أم المجد. ومنه جزء سماه «نظم الجمان في التشكي من إخوان الزمان» . «وله ترسيل بديع، وحكم مستجادة» ، وكتاب رحلته. «وكان أبو الحسن الشّادي يقول: إنها ليست من تصانيفه، وإنما قيّد معاني ما الجزء: 2 ¦ الصفحة: 148 تضمنته، فتولى ترتيبها، وتنضيد معانيها بعض الآخذين عنه، على ما تلقاه منه» . والله أعلم. شعره: من ذلك القصيدة الشهيرة التي نظمها، وقد شارف المدينة المكرّمة طيبة، على ساكنها من الله أفضل الصلوات، وأزكى التسليم «1» : [المتقارب] أقول وآنست بالليل نارا ... لعلّ سراج الهدى قد أنارا وإلّا فما بال أفق الدّجى ... كأنّ سنا البرق فيه استطارا ونحن من الليل في حندس ... فما باله قد تجلّى نهارا؟ وهذا النّسيم شذا المسك قد ... أعير أم المسك منه استعارا؟ وكانت رواحلنا تشتكي ... وجاها فقد سابقتنا ابتدارا وكنّا شكونا عناء السّرى ... فعدنا نباري سراع المهارى أظنّ النفوس قد استشعرت ... بلوغ هوى تخذته شعارا بشائر صبح السّرى آذنت ... بأنّ الحبيب تدانى مزارا جرى ذكر طيبة ما بيننا ... فلا قلب في الركب إلّا وطارا حنينا إلى أحمد المصطفى ... وشوقا يهيج الضلوع استعارا ولاح لنا أحد مشرقا ... بنور من الشّهداء استنارا «2» فمن أجل ذلك ظلّ الدّجى ... يحلّ عقود النجوم انتثارا ومن طرب الرّكب حثّ الخطا ... إليها ونادى البدار البدارا ولمّا حللنا فناء الرسول ... نزلنا بأكرم مجد «3» جوارا وحين دنونا لفرض السلام ... قصرنا الخطا ولزمنا الوقارا فما نرسل اللّحظ إلّا اختلاسا ... ولا نرجع «4» الطّرف إلّا انكسارا ولا نظهر الوجد إلّا اكتتاما ... ولا نلفظ القول إلّا سرارا سوى أننا لم نطق أعينا ... بأدمعها غلبتنا انفجارا وقفنا بروضة دار السلام «5» ... نعيد السلام عليها مرارا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 149 ولولا مهابته في النفوس ... لثمنا الثّرى والتزمنا الجدارا قضينا بزورته «1» حجّنا ... وبالعمرتين «2» ختمنا اعتمارا إليك إليك نبيّ الهدى ... ركبت البحار وجبت القفارا وفارقت أهلي ولا منّة ... وربّ كلام يجرّ اعتذارا وكيف نمنّ على من به ... نؤمّل للسيّئات اغتفارا دعاني إليك هوى كامن ... أثار من الشوق ما قد أثارا فناديت «3» لبّيك داعي الهوى ... وما كنت عنك أطيق اصطبارا ووطّنت نفسي بحكم «4» الهوى ... عليّ وقلت رضيت اختيارا أخوض الدّجى وأروض السّرى ... ولا أطعم النوم إلّا غرارا ولو كنت لا أستطيع السبيل ... لطرت ولو لم أصادف مطارا «5» وأجدر من نال منك الرضى ... محبّ ثراك «6» على البعد زارا عسى لحظة منك لي في غد ... تمهّد لي في الجنان القرارا فما ضلّ من بمسراك «7» اهتدى ... ولا ذلّ من بذراك استجارا وفي غبطة من منّ الله عليه لحجّ بيته، وزيارة قبره صلى الله عليه وسلم يقول «8» : [المتقارب] هنيئا لمن حجّ بيت الهدى ... وحطّ عن النّفس أوزارها وإنّ السعادة مضمونة ... لمن حجّ «9» طيبة أوزارها وفي مثل ذلك يقول «10» : [المتقارب] إذا بلغ المرء «11» أرض الحجاز ... فقد نال أفضل ما أمّ له «12» الجزء: 2 ¦ الصفحة: 150 وإن «1» زار قبر نبيّ الهدى ... فقد أكمل الله ما أمّله «2» وفي تفضيل المشرق «3» : [الكامل] لا يستوى شرق البلاد وغربها ... الشرق حاز الفضل باستحقاق «4» انظر «5» جمال «6» الشمس عند طلوعها ... زهراء تعجب «7» بهجة الإشراق وانظر إليها عند الغروب كئيبة ... صفراء تعقب ظلمة الآفاق وكفى بيوم طلوعها من غربها ... أن تؤذن الدنيا بعزم «8» فراق وقال في الوصايا «9» : [الطويل] عليك بكتمان المصائب واصطبر ... عليها فما أبقى الزمان شفيقا كفاك من الشكوى «10» إلى الناس أنها «11» ... تسرّ عدوّا أو تسيء «12» صديقا وقال «13» : لصانع «14» المعروف فلتة عاقل ... إن لم تضعها في محلّ عاقل «15» كالنفس في شهواتها إن لم تكن ... وقفا «16» لها عادت بضرّ عاجل نثره: من حكمه قوله «17» : إن شرف الإنسان فشرف «18» وإحسان، وإن فاق فتفضّل وإرفاق «19» ، ينبغي أن يحفظ الإنسان لسانه، كما يحفظ الجفن إنسانه. فربّ كلمة تقال، تحدث عثرة لا تقال. كم كست فلتات الألسنة الحداد، من ورائها ملابس الجزء: 2 ¦ الصفحة: 151 حداد «1» . نحن في زمن لا يحظى فيه بنفاق، إلّا من عامل بنفاق. شغل الناس عن طريق الآخرة بزخارف الأغراض، فلجّوا في الصّدود عنها والإعراض، آثروا دنيا هي أضغاث أحلام، وكم هفت في حبها من أحلام، أطالوا فيها آمالهم، وقصروا أعمالهم، ما بالهم، لم يتفرغ لغيرها بالهم، ما لهم في غير ميدانها استباق «2» ، ولا بسوى هواها اشتياق «3» . تالله لو كشفت الأسرار، لما كان هذا الإصرار، ولسهرت العيون، وتفجّرت من شؤونها الجفون «4» . فلو أن عين البصيرة من سنتها هابّة، لرأت جميع ما في الدنيا ريحا «5» هابّة، ولكن استولى العمى على البصائر، ولا يعلم الإنسان «6» ما إليه صائر. أسأل الله هداية سبيله، ورحمة تورد نسيم الفردوس وسلسبيله، إنه الحنّان المنّان لا ربّ سواه. ومنها «7» : فلتات الهبات، أشبه شيء بفلتات الشّهوات. منها نافع لا يعقب ندما، ومنها ضارّ يبقي في النفس ألما. فضرر الهبة وقوعها عند من لا يعتقد لحقّها أداء، وربما أثمرت «8» عنده اعتداء. وضرر الشهوة أن لا توافق ابتداء، فتصير لمتبّعها «9» داء، مثلها كمثل السّكر يلتذّ صاحبه بحلاوة «10» جناه، فإذا صحا يعرف «11» قدر ما جناه. عكس هذه القضية هي الحالة المرضية. مولده: ببلنسية سنة تسع وثلاثين وخمسمائة، وقيل: بشاطبة سنة أربعين وخمسمائة. وفاته: توفي بالإسكندرية ليلة الأربعاء التاسع والعشرين لشعبان أربع عشرة وستمائة. محمد بن أحمد بن محمد بن أحمد بن محمد بن أحمد بن محمد بن عبد الرحمن بن علي بن شبرين «12» يكنى أبا بكر، شيخنا الفقيه القاضي المؤرخ الكاتب البارع، رحمة الله عليه. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 152 أوّليّته: أصله «1» من إشبيلية، من حصن شلب من كورة باجة، من غربيّ صقعها، يعرفون فيها ببني شبرين معرفة قديمة. ولّي جدّه القضاء بإشبيلية، وكان من كبار أهل العلم، تشهد بذلك الصلاة. وانتقل أبوه منها عند تغلّب العدو عليها عام ستة وأربعين وستمائة، فاحتل رندة ثم غرناطة، ثم انتقل إلى سكنى سبتة، وبها ولد شيخنا أبو بكر، وانتقل عند الحادثة إلى غرناطة «2» ، فارتسم بالكتابة السلطانية، وولّي القضاء بعدة جهات، وتأثّل مالا وشهرة، حتى جرى مجرى الأعيان من أهلها. حاله: كان «3» فريد دهره، ونسيج وحده في حسن السّمت والرّواء «4» ، وكمال الظّرف وجمال الشّارة، وبراعة الخطّ، وطيب المجالسة، خاصّيا، وقورا، تام الخلق، عظيم الأبّهة، عذب التّلاوة لكتاب الله، من أهل الدين والفضل والعدالة، تاريخيّا، مقيّدا، طلعة اختيار أصحابه، محققا لما ينقله، فكها مع وقاره، غزلا، لوذعيّا، عليّ شأن الكتابة، جميل العشرة، أشدّ الناس على الشّعر، ثم على المحافظة، ما يحفظه من الأبيات من غير اعتيام ولا تنقيح، يناغي الملكين في إثباتها، مقرّرة التواريخ، حتى عظم حجم ديوانه، تفرّدت أشعاره بما أبرّ على المكثرين، مليح الكتابة، سهلها، صانعا، سابقا في ميدانها، راجحا كفّة المنثور. وكانت له رحلة إلى تونس، اتّسع بها نطاق روايته. وتقلّب بين الكتابة والقضاء، منحوس الحظ في الاستعمال، مضيّقا فيه، وإن كان وافر الجدّ، موسّعا عليه. وجرى ذكره في كتاب «التاج المحلّى» بما نصّه: خاتمة المحسنين، وبقية الفصحاء اللّسنين، ملأ العيون هديا وسمتا، وسلك من الوقار طريقة لا ترى فيها عوجا ولا أمتا، ما شئت من فضل ذات، وبراعة أدوات. إن خطّ، نزل ابن مقلة عن درجته وإن خطّ. وإن نظم أو نثر، تبعت البلغاء ذلك الأثر. وإن تكلّم أنصت الحفل لاستماعه، وشرع لدرره النّفيسة صدق أسماعه. وفد على الأندلس عند كائنة سبتة، وقد طرحت النّوى برحاله، وظعن عن ربعه بتوالي إمحاله، ومصرّف بلاده، والمستولي على طارفها وتالدها، أبو عبد الله بن الحكيم، قدّس الله صداه، وسقى منتداه، فاهتزّ لقدومه اهتزاز الصّارم، وتلقاه تلقي الأكارم، وأنهض إلى لقائه آماله، وألقى له قبل الوسادة ماله، ونظمه في سمط الكتّاب، وأسلاه عن أعمال الجزء: 2 ¦ الصفحة: 153 الأقتاد، ونزل ذمامه تأكّدا في هذه الدول، وقوفي له الآتية منها على الأول، فتصرّف في القضاء بجهاتها، ونادته السيادة هاك وهاتها، فجدّد عهد حكّامه العدول من سلفه وقضاتها. وله الأدب الذي تحلّت بقلائده اللّبات والنّحور، وقصرت عن جواهره البحور. وسيمرّ من ذلك في تضاعيف هذا المجموع ما يشهد بسعة ذرعه، ويخبر بكرم عنصره، وطيّب نبعه. مشيخته: قرأ «1» على جدّه لأمّه الأستاذ الإمام «2» أبي بكر بن عبيدة الإشبيلي، وسمع على الرئيس أبي حاتم، وعلى أخيه أبي عبد الله الحسين، وعلى الأستاذ أبي إسحاق الغافقي، وعلى الشريف أبي علي بن أبي الشرف، وعلى الإمام أبي عبد الله بن حريث. وسمع على العدل أبي فارس عبد العزيز الجزيري. وسمع بحضرة غرناطة على الأستاذ أبي جعفر بن الزبير، وعلى العدل أبي الحسن بن مستقور، وعلى الوزير أبي محمد بن المؤذن، وعلى الخطيب أبي عبد الله بن رشيد. وبمالقة على الخطيب ولي الله تعالى، أبي عبد الله الطّنجالي، وعلى الوزير الصّدر أبي عبد الله بن ربيع، وعلى القاضي العدل أبي عبد الله بن برطال. وببجاية على الإمام أبي علي ناصر الدين المشذالي، وعلى أبي العباس الغبريني. وبتونس على أبي علي بن علوان، وعلى قاضي الجماعة أبي إسحاق «3» بن عبد الرّفيع، وسمع على الخطيب الصّوفي وليّ الله تعالى، أبي جعفر الزيات، والصوفي أبي عبد الله بن برطال، وعلى الصدر أبي القاسم محمد بن قائد الكلاعي. وأجازه عالم كثير من أهل المشرق والمغرب. شعره: وشعره متعدّد الأسفار، كثير الأغراض. وفي الإكثار مجلّل الاختيار، فمنه قوله «4» : [الطويل] أخذت بكظم الرّوح يا «5» ساعة النوى ... وأضرمت في طيّ الحشا لاعج الجوى فمن مخبري يا ليت شعري متى اللّقا ... وهل تحسن الدنيا وهل يرجع الهوى؟ سلا كلّ مشتاق وأكثر «6» وجده ... وعند النّوى «7» وجدي وفي ساكن الهوى ولي نيّة ما عشت في حفظ عهدهم ... إلى يوم ألقاهم وللمرء ما نوى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 154 وقال: [المنسرح] باتوا فمن كان باكيا يبك ... هذي ركاب الشرى بلا شكّ فمن ظهور الرّكاب معملة ... إلى بطون الرّبى إلى الفلك تصدّع الشّمل مثلما انحدرت ... إلى صبوب جواهر السّلك كن بالذي حدّثوا على ثقة ... ما في حديث الفراق من إفك من النّوى قبل لم أزل حذرا ... هذا النّوى جلّ «1» مالك الملك وقال: [السريع] يا أيها المعرّض اللّاهي ... يسوؤني هجرك والله يا «2» ليت شعري كم أرى فيك ... لا أقفك عن ويّه وعزاه «3» ويحي مغيري إلى باخل واه ... من ذا الذي رآه «4» من يرد الله فيه فتنة ... يشغله في الدنيا بتيّاه يا غصن البان ألا عطفة ... على معنّى جسمه واه؟ أوسعني بعدك ذلّا وقد ... را يثنيا «5» عندك ذا جاه ذكرك لا ينفكّ عن خاطري ... وأنت عني غافل ساه يكفيك يا عثمان من جفوني ... لو كان ذنبي ذنب جهجاه هيهات لا معترض لي على ... حكمك أنت الآمر النّاهي «6» قلت: جهجاه المشار إليه رجل من غفّار، قيل: إنه تناول عصا الخطبة من يد عثمان، رضي الله عنه، فكسرها على ركبته، فوقعت فيها الأكلة فهلك. وقال: [البسيط] يا من أعاد صباحي فقده حلكا ... قتلت عبدك لكن لم تخف دركا مصيبتي ليست كالمصائب لا ... ولا بكائي عليها مثل كلّ بكا فمن أطالب في شرع الهوى بدمي ... لحظي ولحظك في قتلي قد اشتركا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 155 وقال، وقد سبقه إليه الرّصافي؛ وهو ظريف: [المنسرح] أشكو إلى الله فرط بلبالي «1» ... ولوعة لا تزال تذكي لي بمهجتي حائك شغلت به ... حلو المعاني طرازه عالي سألته لثم خاله فأبى ... ومنّ ذا نخوة وإذلال وقال حالي يصون خالي ... يدني فويحي بالحال والخال «2» يقرّبني الآل من مواعده ... وأتّقي منه سطوة الآل لكن على ظلمه وقسوته ... فلست عنه الزّمان بالسالي وقال أيضا مضمنا «3» : [البسيط] لي همّة كلّما حاولت أمسكها ... على المذلّة في أرجاء «4» أرضيها قالت: ألم تك «5» أرض الله واسعة ... حتى يهاجر عبد مؤمن فيها وقال مسترجعا من ذنبه، ومستوحشا من شيبه: [السريع] قد كان عيبي قبل «6» في غيب ... فمذ بدا شيبي بدا عيبي لا عذر اليوم ولا حجّة ... فضحتني والله يا شيبي وقال «7» : [الخفيف] أثقلتني الذنوب ويحي وويسي ... ليتني كنت زاهدا كأويس «8» وجرت بينه وبين السلطان ثالث الأمراء من بني نصر «9» ، بعد خلعه من ملكه، وانتثار سلكه، واستقراره بقصبة المنكّب، غريبا من قومه، معوّضا بالسهاد من نومه، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 156 قد فلّ الدهر سباته، وتركه يندب ما فاته، والقاضي المترجم به يومئذ مدبّر أحكامها، وعلم أعلامها، ومتولّي نقضها وإبرامها، فارتاح يوما إلى إيناسه، واجتلاب أدبه والتماسه، وطلب منه أن يعبّر عن حاله ببيانه، وينوب في بثّه عن لسانه، فكتب إليه: [الطويل] قفا نفسا فالخطب فيها يهون ... ولا تعجلا إنّ الحديث شجون علمنا الذي قد كان من صرف دهرنا ... ولسنا على علم بما سيكون ذكرنا نعيما قد تقضّى نعيمه ... فأقلقنا شوق له وحنين وبالأمس كنّا كيف شئنا وللدّنا ... حراك على أحكامنا وسكون وإذا بابنا مثوى الفؤاد ونحونا ... تمدّ رقاب أو تشير عيون فنغص من ذاك السرور مهنأ ... وكدر من ذاك النّعيم معين ونبا عن الأوطان بين ضرورة ... وقد يقرب الإنسان ثم يبين أيا معهد الإسعاد حيّيت معهدا ... وجادك من سكب الغمام هتون تريد الليالي أن تهين مكاننا ... رويدك إنّ الخير ليس يهون فإن تكن الأيام قد لعبت بنا ... ودارت علينا للخطوب فنون فمن عادة الأيّام ذلّ كرامها ... ولكنّ سبيل الصابرين مبين لئن خاننا الدهر الذي كان عبدنا ... فلا عجب إنّ العبيد تخون وما غضّ منّا مخبري غير أنه ... تضاعف إيمان وزاد يقين وكتب إلى الحكم بن مسعود، وهو شاهد المواريث بهذه الدّعابة التي تستخفّ الوقور، وتلج السّمع الموقور: أطال الله بقاء أخي وسيدي، لأهل الفرائض يحسن الاحتيال في مداراتهم، وللمنتقلين إلى الدار الآخرة يأمر بالاحتياط في أمواتهم، ودامت أقلامه مشرعة لصرم الأجل المنسّأ، معدّة لتحليل هذا الصّنف المنشّأ من الصّلصال والحمأ. فمن ميّت يغسل وآخر يقبر، ومن أجل يطوى وكفن ينشر، ومن رمس يفتح وباب يغلق، ومن عاصب يحبس ونعش يطلق، فكلما خربت ساحة، نشأت في الحانوت راحة، وكلما قامت في شعب مناحة، اتّسعت للرزق مساحة، فيباكر سيدي الحانوت وقد احتسى مرقته، وسهّل عنقفته، فيرى الصّعبة بالمناصب شطرا، فيلحظ هذا برفق وينظر إلى هذا شزرا، ويأمر بشقّ الجيوب تارة والبحث عن الأوساط أخرى. ثم يأخذ القلم أخذا رفيقا، ويقول وقد خامره السرور: رحم الله فلانا لقد كان لنا صديقا، وربما أدبره بالانزعاج الحثيث، وقال مستريح منه كما جاء في الحديث. وتختلف عند ذلك الجزء: 2 ¦ الصفحة: 157 المراتب، وتتبين الأصدقاء والأجانب، فينصرف هذا، وحظّه التهريب، والنظر الحديد، وينفصل هذا وبين يديه المنذر الصّيت والنعش الجديد. ثم يغشى دار الميت ويسأل عن الكيت والكيت، ويقول: عليّ بما في البيت. أين دعاء الثّاغية والرّاغية؟ أين عقود الأملاد بالبادية؟ وقد كانت لهذا الرجل حالا في حال. وقد ذكر في الأسماء الخمسة فقيل: ذو مال. وعيون الأعوام ترنو من عل، وأعناقهم تشرئبّ إلى خلف الكلل، وأرجلهم تدبّ إلى الأسفاط دبيب الصّقور إلى الحجل. والموتى قد وجبت منهم الجنوب، وحضر الموروث والمكسوب، وقيّد المطعوم والمشروب. وعدّت الصحاح، ووزنت الأرطال وكيلت الأقداح. والشّهود يغلظون على الورثة في الأليّة، ويصونهم بالبتات في النشأة الأوّلية. والروائح حين تفعم الأرض طيبا، وتهدي الأرواح شذا يفعل في إزعاجها على الأبدان فعلا عجيبا. والدلّال يقول: هذا مفتاح الباب، والسّمسار يصيح: قام النّدا فما تنتظرون بالثبات؟ والشّاهد يصيح فتعلو صيحته، والمشرف يشرب فتسقط سبحته. والمحتضر يهسّ ألا حيّ فلا تسمعون، ويباهي لون العباء عليه الجواب رب أرجعون. ما هذا النّشيج والضّجيج؟ متّ كلا لم أمت. ومن حجّ له الحجيج، فترتفع له الأصوات، كي لا يفسح فيه الممات. ويبقر بطنه برغمه، ويحفر له بجانب أبيه وبحذا أمّه. ثم يشرع في نفسه الفرض، ولو أكفئت السماوات على الأرض. ويقال لأهل السّهام: أحسنوا، فالإحسان ثالث مراتب الإسلام، وقد نصّ ابن القاسم على أجرة القسّام. وسوّغه أصبغ وسحنون، ولم يختلف فيه مطّرف وابن الماجشون. إن قيل إيصال الحقائق إلى أرجائها، حسن فجزاء الإحسان إحسان، وقيل إخراج النّسب والكسور كفايه، فللكاهنين حلوان. اللهمّ غفرا، ونستقيل الله من انبساط يجرّ غدرا، ونسأل الله حمدا يوجب المزيد من نعمائه وشكرا. ولولا أن أغفل عن الخصم، وأثقل رحل الفقيه أبي النجم، لأستغلّن المجلس شرحا، ولكان لنا في بحر المباسطة سبح، ولأفضنا في ذكر الوارث والورّاث، وبيّنّا العلّة في أقسام الشهود مع المشتغل بنسبة الذكور مع الإناث. والله يصل عزّ أخي ومجده، ويهب له قوة تخصّه بالفائدة وجدّه، ويزيده بصيرة يتّبع بها الحقوق إلى أقصاها، وبصرا لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلّا أحصاها، ودام يحصي الخراريب والفلوس والأطمار، ويملأ الطّوامر بأقلامه البديعة الصّنعة، ويصل الطّومار بالطّومار والسلام. والشيء بالشيء يذكر، قلت: ومن أظرف ما وقعت عليه في هذا المعنى، قال بعض كتاب الدولة الحكمية «1» بمنورقة، وقد ولّاه خطّة المواريث، وكتب إليه راغبا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 158 في الإعفاء: [الطويل] وما نلت من شغل المواريث رقعة ... سوى شرح نعش كلّما مات ميّت وأكتب للأموات صكّا كأنهم ... يخاف عليهم في الجباب التّفلّت كأني لعزرائيل صرت مناقضا ... بما هو يمحو كلّ يوم وأثبت وقال: فاستظرفها الرئيس أبو عثمان بن حكم وأعفاه. مولده: في أواخر أربعة وسبعين وستمائة. وفاته: قال في العائد: ومضى لسبيله، شهابا من شهب هذا الأفق، وبقيّة من بقايا حلبة السّبق، رحمه الله، في ليلة السبت الثاني من شهر شعبان المكرم عام سبعة وأربعين وسبعمائة، وتخلّف وقرا لم يشتمل على شيء من الكتب، لإيثاره اقتناء النّقدين، وعيّن جراية لمن يتلو كتاب الله على قبره على حدّ من التّعزرة والمحافظة على الإتقان. ودفن بباب إلبيرة في دار اتخذها لذلك. محمد بن أحمد بن قطبة الدّوسي «1» من أهل غرناطة، يكنى أبا القاسم. حاله: مجموع خلال بارعة، وأوصاف كاملة، حسن الخطّ، ذاكر للتاريخ والأخبار، مستول على خصال حميدة من حسن رواء وسلامة صدر، إلى نزاهة الهمّة، وإرسال السّجية، والبعد عن المصانعة، والتحلّي بالوقار والحشمة، شاعر، كاتب. ومناقبه يقصر عنها الكثير من أبناء جنسه، كالفروسيّة، والتجنّد، والبسالة، والرّماية، والسّباحة، والشطرنج، متحمّد بحمل القنا، مع البراعة، مديم على المروءة، مواس للمحاويج من معارفه. ارتسم في الديوان فظهر غناؤه، وانتقل إلى الكتابة، معزّزة بالخطط النّبيهة العلمية، وحاله الموصوفة متّصلة إلى هذا العهد، وهو معدود من حسنات قطره. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 159 وثبت في «التاج المحلى» بما نصّه: «سابق ركض المحلّى، أتى من أدواته بالعجائب، وأصبح صدرا في الكتّاب وشهما في الكتائب. وكان أبوه، رحمه الله، بهذه البلدة، قطب أفلاكها، وواسطة أسلاكها، ومؤتمن رؤسائها وأملاكها، وصدر رجالها، ووليّ أرباب مجالها، فقد نثل ابنه سهامها، فخبر عدالة وبراعة وفهما، وألقاه بينهم قاضيا شهما، فظهر منه نجيبا، ودعاه إلى الجهاد سميعا مجيبا، فصحب السّرايا الغريبة المغيرة، وحضر على هذا العهد من الوقائع الصغيرة والكبيرة، وعلى مصاحبة البعوث، وجوب السّهول والوعوث، فما رفض اليراعة للباتر «1» ، ولا ترك الدّفاتر للزمان الفاتر. شعره: وله أدب بارع المقاصد، قاعد للإجادة بالمراصد. وقال من الرّوضيات وما في معناها: [الطويل] دعيني ومطلول الرّياض فإنني ... أنادم في بطحائها الآس والوردا أعلّل هذا بخضرة شارب ... وأحكي بهذا في تورّده الخدّا وأزهر غضّ البان رائد نسمة ... ذكرت به لين المعاطف والقدّا وقال: [الطويل] وليل أدرناها سلافا كأنها ... على كفّ ساقيها تضرّم نار «2» غنينا عن المصباح في جنح ليلها ... بخدّ مدير لا بكأس عقار وقال: [الرمل] يومنا يوم سرور فلتقم ... تصدع الهمّ بكاسات المدام إنما الدّنيا منام فلتكن ... مغرما فيها بأحلى المنام وقال: [الطويل] وبي منك ما لو كان للشرب ما صحا ... وبالهيم ما روّت صداها المناهل أحبّك ما هبّت من الروض نسمة ... وما اهتزّ غصن في الحديقة مائل فإن شئت أن تهجر وإن شئت فلتقبل ... فإنّي لما حمّلتني اليوم حامل وقال: [الكامل] كم قلت للبدر المنير إذا بدا ... هيهات وجه فلانة تحكي لنا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 160 فأجابني بلسان حال واعتنى ... لا الشمس تحكيها فأحكيها أنا وصرفت وجهي نحو غصن أملد ... قد رام يشبه قدّها لمّا انثنى فضحكت هزءا عند هزّ قوامها ... إذا رام أن يحكى قواما كالقنا وكتبت إليه في غرض يظهر من الأبيات: [الطويل] جوانحنا نحو اللقاء جوانح ... ومقدار ما بين الدّيار قريب وتمضي الليالي والتزاور معوز ... على الرغم منّا إنّ «1» ذا لغريب فديتك عجّلها لعيني زيارة ... ولو مثل ما ردّ اللّحاظ مريب وإنّ لقائي جلّ عن ضرب موعد ... لأكرم ما يهدى الأريب أريب فراجعني بقوله، والتجنّي شيمة: [الطويل] لعمرك ما يومي إذا كنت حاضرا ... سوى يوم صبّ من عداه يغيب أزور فلا ألفي لديك بشاشة ... فيبعد منّي الخطو وهو قريب فلا ذنب للأيام في البعد بيننا ... فإني لداعي القرب منك مجيب وإنّ لقاء جاء من غير موعد ... ليحسن لكن مرّة ويطيب وإحسانه كثير، وفيما ثبت كفاية لئلّا نخرج عن غرض الاختصار. محمد بن محمد بن أحمد بن قطبة الدّوسي «2» يكنى محمد أبا بكر، أخو الذي قبله. حاله: تلوه في الفضل والسّراوة، وحسن الصورة، ونصاعة الطّرف، مرب عليه بمزيد من البشاشة والتنزّل، وبذل التودّد، والتبريز في ميدان الانقطاع، متأخر عنه في بعض خلال غير هذا. ذكيّ الذهن، مليح الكتابة، سهلها، جيّد العبارة، متأتّي اليراع، مطلق اليد، حسن الخطّ، سريع بديهة المنثور، معمّ، مخول في التخصّص والعدالة. كتب الشّروط بين يدي أبيه، ونسخ كثيرا من أمّهات الفقه، واستظهر كتبا، من ذلك «المقامات الحريرية» . وكتب بالدار السلطانية، واختصّ بالمراجعة عمّن بها، والمفاتحة أيام حركات السلطان عنها إلى غيرها. حميد السيرة، حسن الوساطة، نجديّ الجاه، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 161 مشكور التصرّف، خفيف الوطأة. وولّي الخطابة العليّة، مع الاستمساك بالكتابة. ولم يؤثر عنه الشعر» ، ولا عوّل عليه. محمد بن محمد بن محمد بن قطبة الدّوسي يكنى أبا بكر، وقد ذكرنا أباه وعمّه، ويأتي ذكر جدّه. حاله: نبيل المقاصد في الفن الأدبي، مشغول به، مفتوح من الله عليه فيه، شاعر مطبوع، مكثر، انقاد له مركب النظم، في سنّ المراهقة، واشتهر بالإجادة، وأنشد السلطان، وأخذ الصّلة، وارتسم لهذا العهد في الكتابة. وشرع في تأليف يشتمل على أدباء عصره. شعره: ومما خاطب به أحد أصحابه: [الطويل] إذا شمت من نحو الحمى في الدّجا برقا ... أبى الدّمع إلّا أن يسيل ولا يرقى ومهما تذكّرت الزمان الذي مضى ... تقطّعت الأحشاء من حرّ ما ألقى خليليّ، لا تجزع لمحل فأدمعي ... تبادر سقيا في الهوى لمن استسقى وما ضرّ من أصبحت ملك يمينه ... إذا رقّ لي يوما وقد حازني رقّا فنيت به عشقا وإن قال حاسد ... أضلّ الورى من مات في هاجر شقّا تلهّب قلبي من تلهّب خدّه ... فيا نعم ذاك الخدّ فاض بأن أشقى ومنها: وكم من صديق كنت أحسب أنه ... إذا كذبت أوهامنا رفع الصّدقا محمد بن محمد بن محمد بن أحمد بن قطبة الدّوسي «2» ابن عمّ المذكورين قبله، يكنى أبا القاسم. حاله: حسن «3» الصورة، لازم القراءة على شيوخ بلده، ونظم الشعر على الحداثة، وترشح للكتب بالدار السلطانية مع الجماعة، ممن هو في نظمه. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 162 ومن شعره، كتب إليّ بما نصّه: [الكامل] احسب وحدّه يوم رأسك ربما ... تعطي السّلامة في الصراع سلّما محمد بن محمد بن محمد بن أحمد بن قطبة الدّوسي أخو الفقيه أبي بكر بن القاسم بن محمد المذكور. حاله: شاب حسن فاضل، دمث، متخلّق، جميل الصورة، حسن الشكل، أحمر الوجنتين. حفظ كتبا من المبادىء النحوية، وكتب خطّا حسنا، وارتسم في ديوان الجند مثل والده، وهو الآن بحاله الموصوفة. شعره: قيّد أخوه لي من الشعر الذي زعم أنه من نظمه، قوله: [المتقارب] حلفت بمن ذاد عنّي الكرى ... وأسهر جفني ليلا طويلا وألبس جسمي ثياب النّحول ... وعذّب بالهجر قلبي العليلا ما حلت عن ودّه ساعة ... ولا اعتضت منه سواه بديلا محمد بن محمد بن أحمد بن محمد بن عبد الله بن يحيى ابن عبد الرحمن بن يوسف بن جزيّ الكلبي «1» من أهل غرناطة وأعيانها، يكنى أبا عبد الله. أوّليّته: تنظر في اسم أبيه في ترجمة المقرئين والعلماء. حاله: من أعلام الشّهرة على الفتاوة، وانتشار الذكر على الحداثة، تبريزا في الأدب، واضطلاعا بمعاناة الشعر، وإتقان الخطّ، وإيضاحا للأحاجي والملغزات. نشأ بغرناطة في كنف والده، رحمه الله، مقصور التّدريب عليه، مشارا إليه في ثقوب الذهن، وسعة الحفظ، ينطوي على نبل لا يظهر أثره على التفاتة، وإدراك، تغطّي شعلته مخيّلة غير صادقة، من تغافله. ثم جاش طبعه، وفهق حوضه، وتفجّرت ينابيعه، وتوقّد إحسانه. ولمّا فقد والده، رحمه الله، ارتسم في الكتابة، فبذّ جلّة الشعراء، إكثارا واقتدارا، ووفور مادة، مجيدا في الأمداح، عجيبا في الأوضاع، صدّيقا في النّسيب، مطبوعا في المقطوعات، معتدلا في الكتابة، نشيط البنان، جلدا على العمل، سيّال الجزء: 2 ¦ الصفحة: 163 المجاز، جموح عنان الدّعابة، غزلا، مؤثرا للفكاهة. انتقل إلى المغرب لشفوف خصله، على ما قد قسّم الحظوظ. سبحانه من رزقه بهذه البلاد، فاستقرّ بباب ملكه، مرعيّ الجناح، أثير الرتبة، مطلق الجراية، مقرّر السّهام، معتبا وطنه، راضيا عن جيرته، ديدن من يستند إلى قديم، ويتحيّز إلى أصالة. تواليفه: أخبرني عند لقائه إياي بمدينة فاس في غرض الرسالة؛ عام خمسة «1» وخمسين وسبعمائة، أنه شرع في تأليف تاريخ غرناطة، ذاهبا هذا المذهب الذي انتدبت إليه، ووقفت على أجزاء منه تشهد باضطلاعه، وقيّد بخطّه من الأجزاء الحديثة والفوائد والأشعار ما يفوت الوصف، ويفوق الحدّ. وجرى ذكره في «التاج» بما نصه «2» : «شمس في سماء «3» البلاغة بازغة، وحجّة على بقاء الفطرة الغريزية «4» في هذه البلاد المغربية بالغة، وفريدة وقت أصاب من فيها نادرة أو نابغة، من جذع «5» بن علي القادح، وجرى «6» من المعرفة كل بارح، لو تعلّقت الغوامض بالثريّا لنالها، وقال أنا لها. وربما غلبت الغفلة على ظاهره، وتنطبق «7» أكمامها على أزاهره، حتى إذا قدح في الأدب زنده، تقدّم المواكب بنده، إلى خطّ بارع، يعنو طوال الطويل منه إلى سرّ وبراعة، كما ترضى المسك والكافور عن طرس وحبر. شعره: فمن غرامياته وما في معناها قوله «8» : [الطويل] متى يتلاقى شائق ومشوق ... ويصبح عاني «9» الحبّ وهو طليق أما أنها أمنيّة عزّ نيلها ... ومرمى لعمري في الرّجاء «10» سحيق ولكنني «11» خدعت «12» قلبي تعلّة ... أخاف انصداع القلب فهو رقيق وقد يرزق الإنسان من بعد يأسه ... وروض الرّبى بعد الذبول يروق الجزء: 2 ¦ الصفحة: 164 تباعدت لما زادني القرب لوعة ... لعلّ فؤادي من جواه يفيق ورمت شفاء الداء بالداء مثله ... وإني «1» بألّا أشتفي لحقيق وتالله ما للصّبّ في الحبّ راحة ... على كلّ حال إنه لمشوق ويا «2» ربّ قد ضاقت عليّ مسالكي «3» ... فها أنا في بحر الغرام غريق ولا سلوة ترجى ولا صبر «4» ممكن ... وليس إلى وصل الحبيب طريق ولا الحبّ عن تعذيب قلبي ينثني ... ولا القلب للتّعذيب منه يطيق شجون يضيق الصّدر عن زفراتها ... وشوق نطاق الصبر عنه يضيق نثرت عقود الدّمع ثم نظمتها ... قريضا فذا درّ وذاك عقيق بكيت أسى حتى بكى حاسدي معي ... كأنّ عذولي عاد وهو صديق «5» ولو أنّ عند الناس بعض محبّتي ... لما كان يلفى «6» في الأنام مفيق أيا عين كفّي الدمع ما بقي الكرى ... إذا منعوك النّوم «7» سوف تذوق ويا نائما «8» عن ناظريّ أما ترى «9» ... لشمسك من بعد الغروب شروق؟ رويدك رفقا بالفؤاد فإنه ... عليك وإن عاديته «10» لشفيق نقضت عهودي ظالما بعد عقدها ... ألا إنّ عهدي كيف كنت وثيق كتمتك حبّي «11» يعلم الله مدّة ... وبين ضلوعي من هواك حريق فما زلت بي حتى فضحت «12» فإن أكن ... صبرت «13» فبعد «14» اليوم لست أطيق وقال «15» : [الكامل] ومورّد الوجنات معسول اللّمى ... فتّاك لحظ «16» العين في عشّاقه الجزء: 2 ¦ الصفحة: 165 الخمر بين لثاته والزّهر في ... وجناته والسّحر في أحداقه ميّاد» غصن البان في أثوابه ... ويلوح بدر التّمّ في أطواقه من للهلال «2» بثغره أو خدّه «3» ... هب أنه يحكيه في إشراقه ولقد تشبّهت الظّباء «4» بشبهة ... من خلقه وعجزن عن أخلاقه نادمته وسنا محيّا الشمس قد ... ألقى على الآفاق فضل رواقه في روضة ضحكت ثغور أقاحها ... وأسال «5» فيها المزن من آماقه أسقيه كأس سلافة كالمسك في ... نفحاته والشهد عند مذاقه صفراء لم يدر الفتى أكواسها ... إلّا تداعى همّه لفراقه ولقد تلين الصّخر «6» من سطواته ... فيعود للمعهود من إشفاقه وأظلّ أرشف من سلافة «7» ثغره ... خمرا تداوي القلب من إحراقه ولربما عطفته عندي «8» نشوة ... تشفي «9» الخبال بضمّه وعناقه أرجو نداه «10» إذا تبسّم ضاحكا ... وأخاف منه العتب في إطراقه أشكو القساوة من هواي «11» وقلبه ... والضّعف من جلدي ومن ميثاقه يا هل لعهد قد مضى من عودة ... أم لا سبيل بحالة للحاقه يا ليت «12» لو كانت لذلك حيلة ... أو كان يعطى المرء باستحقاقه فلقد يروق الغصن بعد ذبوله ... ويتمّ «13» بدر التّمّ بعد محاقه الجزء: 2 ¦ الصفحة: 166 ومما اشتهر عنه في هذا الغرض «1» : [الكامل] ذهبت حشاشة قلبي المصدوع «2» ... بين السّلام ووقفة التوديع ما أنصف الأحباب يوم وداعهم ... صبّا «3» يحدّث نفسه برجوع أنجد بغيثك «4» يا غمام فإنني ... لم أرض يوم البين فعل «5» دموع من كان يبكي الظاغنين بأدمع ... فأنا الذي أبكيهم بنجيع إيه وبين الصّدر مني والحشا ... شجن طويت على شجاه ضلوعي «6» هات الحديث عن «7» الذين تحمّلوا ... واقدح «8» بزند الذّكر نار ولوعي عندي شجون في التي جنت النّوى «9» ... أشكو الغداة «10» وهنّ في توديع «11» من وصلي الموقوف أو من سهدي «12» ال ... موصول أو من نومي المقطوع «13» ليت الذي بيني وبين صبابتي ... بعد «14» الذي بيني وبين هجوعي يا قلب «15» لا تجزع لما فعل النّوى «16» ... فالحرّ ليس لحادث بجزوع أفبعد «17» ما غودرت في أشراكه ... تبغي النّزوع؟ ولات حين نزوع ومهفهف مهما هبت ريح الصّبا ... أبدت له عطفاه عطف مطيع جمع المحاسن وهو منفرد بها ... فاعجب لحسن مفرد مجموع والشمس لولا إذنه ما آذنت ... خجلا وإجلالا له بطلوع «18» الجزء: 2 ¦ الصفحة: 167 ما زلت أسقي خدّه من أدمعي ... حتى تفتّح عن رياض ربيع إن كان يرنو عن نواظر شادن ... فلربّ ضرغام بهنّ صريع عجبا لذاك الشعر زاد بفرقه ... حسنا كحسن الشّعر بالتّصريع منع الكرى ظلما وقد منع الضّنا ... فشقيت «1» بالممنوح والممنوع جرّدت ثوب العزّ عني طائعا ... أتراه يعطفه عليّ خضوعي؟ لم أنتفع» لبسا من الملبوس في ... حبّي ولا بعذاري المخلوع بجماله استشفعت في إجماله ... ليحوز أجر منعّم وشفيع يا خادعي عن سلوتي وتصبّري «3» ... لولا الهوى ما كنت بالمخدوع أوسعتني بعد «4» الوصال تفرّقا ... وأثبتني سوءا لحسن صنيعي أسرعت فيما ترتضي فجزيتني «5» ... بطويل هجران إليّ سريع «6» أشرعت رمحا من قوامك ذابلا «7» ... فمنعت من «8» ماء الرّضاب شروعي خذ من حديث تولّعي وتولّهي ... خبرا صحيحا ليس بالمصنوع «9» يرويه خدّي مسندا عن أدمعي ... عن مقلتي عن قلبي المصدوع «10» كم من ليال في هواك قطعتها ... وأنا «11» لذكراهنّ في تقطيع لا والذي طبع الكرام على الهوى ... ويعزّ سلوان «12» الهوى المطبوع ما غيّرتني الحادثات ولم أكن ... بمذيع سرّ للعهود مضيع لا خير في الدنيا وساكنها «13» معا ... إن كان قلبي منك غير جميع وقال في غير ذلك في غرض يظهر من الأبيات: [الطويل] وقالوا عداك البخت والحزم عندما ... غدوت غريب الدّار منزلك الفنت الجزء: 2 ¦ الصفحة: 168 ألم يعلموا أنّ اغترابي حرامة ... وأن ارتحالي عن دارهم هو البخت؟ نعم لست أرضى عن زماني أو أرى ... تهادي السفن المواخر والبخت لقد سئمت نفسي المقام ببلدة ... بها العيشة النّكراء والمكسب السّحت يذلّ بها الحرّ الشريف لعبده ... ويجفوه بين السّمت من سنة ستّ إذا اصطافها المرء اشتكى من سمومها ... أذى ويرى فيه أدّا يبتّ ولست كقوم في تعصبّهم عتوا ... يقولون بغداد لغرناطة أخت رغبت بنفسي أن أساكن معشرا ... مقالهم زور وودّهم مقت يدسّون في لين الكلام دواهيا ... هي السّمّ بالآل المشود لها لتّ فلا درّ درّ القوم إلّا عصيبة ... إليّ بإخلاص المودّة قد متّوا وآثرت أقواما حمدت جوارهم ... مقالهم صدق وودّهم بحت لهم عن عيان الفاحشات إذا بدت ... تعام وعن ما ليس يعينهم صمت فما ألفوا لهوا ولا عرفوا خنى ... ولا علموا أنّ الكروم لها بنت به كل مرتاح إلى الضّيف والوغى ... إذا ما أتاه منهما النبأ البغت وأشعث ذي طمرين أغناه زهده ... فلم يتشوّف للذي ضمّه التّخت صبور على الإيذاء بغيض على العدا ... معين على ما يتّقي جأشه الشّتّ «1» ولي صاحب مثلي يمان جعلته ... جليسي نهارا أو ضجيعي إذا بتّ وأجرد جرّار الأعنّة فارح ... كميت وخير الخيل قدّاحها الكمت تسامت به الأعراق في آل أعوج ... ولا عوج في الخلق منه ولا أمت وحسبي لعضّات النوائب منجدا ... عليها الكميت الهند والصّارم الصّلت قطعت زماني خبرة وبلوته ... فبالغدر والتّخفيف عندي له نعت ومارست أبناء الزمان مباحثا ... فأصبح حبلي منهم وهو منبتّ وذي صلف يمشي الهوينا ترفّقا ... على نفسه كيلا يزايلها السّمت إذا غبت فهو المروة القوم عندهم ... له الصّدر من ناديهم وله الدّست وإن ضمّني يوما وإياه مشهد ... هو المعجم السّكيت والعمّة الشّخت فحسبي عداتي أن طويت مآربي ... على عزمهم حتى صفا لهم الوقت وقلت لدنياهم إذا شئت فاغربي ... وكنت متى أعزم فقلبي هو البتّ وأغضيت عن زلّاتهم غير عاجز ... فماذا الذي يبغونه لهم الكبت؟ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 169 وقال «1» : [الكامل] لا تعد ضيفك إن ذهبت لصاحب ... تعتدّه لكن تخيّر وانتق أو ما ترى الأشجار مهما ركّبت ... إن خولفت أصنافها لم تغلق «2» ومنه في المقطوعات: [السريع] وشادن تيّمني حبّه ... حظّي منه الدّهر هجرانه مورّد الخدين حلو اللّمى ... أحمر مضني الطّرف وسنانه لم تنطو الأغصان في الروض بل ... ضلّت له تسجد أغصانه يا أيها الظّبي الذي قلبه ... تضرّم في القلب نيرانه هل عطفة ترجى لصبّ شبح ... ليس يرجى عنك سلوانه؟ يودّ أن لو زرته في الكرى ... لو متّعت بالنوم أجفانه قد رام أن يكتب ما نابه ... والحبّ لا يمكن كتمانه فأفضيت أسراره واستوى ... إسراره الآن وإعلانه وقال «3» : [مخلع البسيط] نهار وجه وليل شعر ... بينهما الشّوق يستثار قد طلبا بالهوى فؤادي ... فأين «4» لي عنهما الفرار؟ وكيف يبغي النجاة شيء ... يطلبه الليل والنهار؟ وقال في الدّوبيت: زارت ليلا وأطلعت فجرها ... صبحا فجمعت بين صبح وظلام لما بصرت بالشمس قالت يا فتى ... جمع الإنسان بين الأختين حرام وقال في غرض التّورية «5» : [الطويل] أبح لي يا روض «6» المحاسن نظرة ... إلى ورد ذاك الخدّ أروي به الصّدى «7» وبالله لا تبخل عليّ بعطفة «8» ... فإني رأيت «9» الرّوض يوصف بالنّدى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 170 وقال «1» : [السريع] وعاشق صلّى ومحرابه ... وجه غزال ظلّ يهواه قالوا تعبّدت «2» ؟ فقلت نعم ... تعبّدا يفهم معناه وقال وهو مليح جدّا «3» : [الخفيف] وصديق شكا بما «4» حمّلوه ... من قضاء يقضي بطول «5» العناء قلت فاردد ما حمّلوك عليهم ... قال من يستطيع «6» ردّ القضاء؟ وقال «7» : [المتقارب] لسانان هاجا «8» من خاصماه ... لسان الفتى ولسان القضا إذا لم تحز واحدا منهما ... فلست أرى لك أن تنطقا وقال «9» : [الكامل] تلك الذّؤابة «10» ذبت من شوقي لها ... واللّحظ يحميها بأيّ سلاح يا قلب فانجح 1» لا إخالك ناجيا ... من فتنة الجعديّ والسفّاح «12» وإحسانه كثير. ويدل بعض الشيء على كلّه، ويحجر طلّ الغيث على وبله. وفاته: اتصل بنا خبر وفاته بفاس مبطونا في أوائل ثمانية وخمسين وسبعمائة. ثم تحقّقت أن ذلك في آخر شوال من العام قبله «13» . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 171 محمد بن محمد بن محمد بن عبد الرحمن بن إبراهيم ابن يحيى بن محمد بن الحكيم اللخمي «1» يكنى أبا القاسم. حاله: من كتاب «عائد الصلة» : فرع دوحة الأصالة والخصوصيّة، والعلم والدين، والمكانة والجلالة، مجلي بيته، ومجدّد مآثره برّا، ومجاملة، وخيريّة. نشأ بأطراف جملته من الفنون؛ من حساب وفريضة وأدب وقراءة ووثيقة، إلى خطّ حسن، وأدب تكفّله، حتى انقاد له أو كاد. أعبط في وقيعة الطاعون قاضيا ببعض الجهات، وكاتبا للدار السلطانية، فكانت فيه الفجيعة عظيمة. وجرى ذكره في «التاج المحلّى» بما نصّه «2» : «من فروع «3» مجد وجلالة، ورث الفضل لا عن كلالة. أشرف، مجيد، معظّم، مخوّل في العشيرة، وصل لباب المجد بفرائد الخلال الأثيرة، وأصبح طرفا في الخير والعفاف، واتّصف من العدالة بأحسن اتّصاف، وسلك «4» من سنن سلفه، أثر هاد «5» لا يزال يرشده ويدلّه، ويسدّده فيما يعقده أو يحلّه، واتّسم بميسم الحياء، والحياء خير كله، إلى نزاهة لا ترضى بالدّون، ونجابة تتهالك في صون الفنون، وطمح في هذا العهد إلى نمط في البلاغة رفيع، وجنح إلى مساجلة ما يستحسنه من مخترع وبديع، وصدرت منه طرف تستملح، وتستحلى إذا استحلى. ونحن نورد ما أمكن من آياته، ونجلي بعض غرره وشيّاته. شعره: ومن مقطوعات آياته: [الطويل] وهبّت فهزّت عندما أن «6» رأت به ... الطّلا مثل الطفل يرضع في المهد وروض «7» حباه المزن خلعة برقة ... وباتت رباه من حباه على وعد يحدّثنا عن كرمها ماء «8» مزنها ... فتبدي ابتسام الزّهر في لثمة الخدّ عجبنا لما رأينا من برّها «9» ... بدور حباب الكأس تلعب بالنّرد الجزء: 2 ¦ الصفحة: 172 وقال: [الطويل] شربنا وزنجيّ الدّياجي موقد ... مصابيح من زهر النجوم الطّوالع عقارا رأته حين أقبل حالكا ... فجاءت بمصفرّ من اللون فاقع عجبت لها ترتاع منه وإنها ... لفي الفرقد قرّت لدم المدامع «1» وقال: [الخفيف] لاح في الدّرّ والعقيق «2» فحيّا ... أم مزاج أدّاه صرف المحيّا؟ من بنات الكروم والرّوم بكرا ... أقبلت ترتدي حياء «3» يهيّا خلتها والحباب يطفو عليها ... شفقا فوقه نجوم الثّريّا قهوة كالعروس في الكأس تجلى ... صاغ من لؤلئتها «4» المزج حليا وقال: [البسيط] ويوم أنس صقيل الجوّ ذي نظر ... كأنه من وميض البرق قد خلقا ما زلت فيه لشمس الطّست مصطحبا ... وبالنجوم وبالأكواس مغتبقا صفراء كالعسجد المسبوك إن شربت ... تبدي احمرارا على الخدّين مؤتلقا كذلك الشمس في أخرى عشيّتها ... إذا توارت أثارت بعدها شفقا وقال «5» : [الطويل] بنفسي حبيب صال «6» عامل قدّه ... عليّ ولمّا ينعطف وهو كالغصن ويا عجبا منه متى صار ذابلا ... ونضرته لم تنأ عن خوطه اللّدن «7» وأعجب من ذا أن سيف لحاظه ... يمزّق أفلاذ الحشا وهو في الجفن وقال «8» : [الكامل] بأبي وغير أبي غزال نافر ... بين الجوانح يغتدي ويروح قمر تلألأ واستنار جبينه «9» ... غارت به بين الكواكب يوح الجزء: 2 ¦ الصفحة: 173 لم يرض غير القلب منزلة فهل ... يا ليت شعري بالذّراع يلوح ومما نسب لنفسه وأنشدنيه: [الكامل] ليل الشّباب انجاب أول وهلة ... عن صبح شيب لست عنه براض إن سرّني يوما سواد خضابه ... فنصوله عن ساقي «1» ببياض هلّا اختفى فهو الذي سرق الصّبا ... والقطع في السّرقات أمر ماض فعليه ما اسطاع «2» الظهور بلمّتي ... وعليّ أن ألقاه بالمقراض وفاته: توفي، رحمه الله، بغرناطة في السابع عشر شهر ربيع الآخر عام خمسين وسبعمائة، في وقيعة الطاعون، ودفن بباب إلبيرة رحمة الله عليه. محمد بن محمد بن عبد الله بن محمد بن محمد بن علي ابن محمد اللّوشي اليحصبي «3» يكنى أبا عبد الله، ويعرف باللوشي. أوّليّته: من لوشة، وقرأ العلم بها، وتعرّف بالسلطان الغالب بالله محمد قبل تصيّر الملك له، وتقدم عنده. تضمّن ذكره الكتاب المسمّى ب «طرفة العصر في أخبار بني نصر» ، وتقرر ذلك في حرف الحاء في اسم أبي عمر اللوشي، كاتب الدولة النّصرية، رحمه الله. حاله: من كتاب «عائد الصلة» : كان، رحمه الله، من أهل الحسب والأصالة، شاعرا، مدّاحا. نشأ مدلّلا في حجور الدولة النصرية، خفيفا على أبوابها، مفضّلا على مدّاحها. ثم تجنّى بآخرة، ولزم طورا من الخمول في غير تشكّ، أعرض به عن أرباب الدّنيا، وأعرض عنه، واقتصر على تبلّغ من علالة مؤمّل كان له خارج غرناطة، غير مساد من ثلمه، ولا مصلح في خلله، أخذ نفسه بالتّقشّف، وسوء المسكن، والتهاون بالملبس، حملا عليها في غير أبواب الرياضة، مجانبا أرباب الخطط، وفيّا لمن لحقته من السلطان موجدة، تختلف معاملته لمن يعرفه في اليوم مرّات، من إعراض عنه، وقبول عليه، ولصوق به، كل ذلك عن سلامة، وتهيّب نفس. مليح الدّعابة، ذاكرا لفنون من الأناشيد، حسن الجدّ، متجافيا عن الأعراض. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 174 وجرى ذكره في «التاج» بما نصّه «1» : شاعر مفلق، وشهاب في أفق «2» البلاغة متألّق، طبّق مفاصل الكلام بحسام لسانه، وقلّد نحور الكلام «3» ما يزري بجواهر الملوك «4» من إحسانه. ونشأ في حجور الدولة النصرية مدللا بمتاته، متقلبا في العزّ في أفانينه وأشتاته، إذ لسلفه الذّمام الذي صفت منه الحياض والحمام، والوداد الذي قصرت عنه الأنداد، والسابقة التي أزرى بخبرها العيان، وشهدت بها أرجونة وجيّان، محيّز ثمرة الطيب. وله همّة عالية، بعيدة المرمى، كريمة المنتمى، حملته بآخرة على الانقباض والازدراء والزهد في الازدياد والاستكثار، والاقتصاد والاقتصار، فعطف على انتجاع غلّته، والتزام محلّته، ومباشرة فلاحة صان بها وجهه؛ ووفّاه الدهر حقّه ونجمه، واحتجبت عقائل بيانه لهذا العهد وتقنّعت، وراودتها النّفس فتمنّعت، وله فكاهة وأنس الزمان مناجاة القينات، عند البيات، وأعذب من معاطاة الرّاح في الأقداح» . شعره: قال: وله أدب بلغ في الإجادة الغاية، ورفع للجبين من السّنن الرّاية. ومن مقطوعاته يودع شيخنا الفقيه القاضي أبا البركات بن الحجاج: [الطويل] رأوني وقد أغرقت في عبراتي ... وأحرقت في ناري لدى زفراتي فقالوا سلوه تعلموا كنه حاله ... فقلت سلوا عني أبا البركات فمن قال إني بالرّحيل محدّث ... روت عنه أجفاني غريب ثبات ونادى فؤادي ركبه فأجابه ... ترحّل وكن في القوم بعض عدات ومن مقطوعاته البديعة من قصيدة مجازيّة: [الطويل] سيخطب قسّ العزم في منبر السّرى ... وهل في الدّنا يوم المسير أطيق؟ وأقطع زند الهجر والقطع حقّه ... فما زال طيب العمر عنّي يريق «5» مولده: في حدود ثمانية وسبعين وستمائة. وفاته: في الموفّى عشرين من شهر ربيع الثاني من عام اثنين وخمسين وسبعمائة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 175 محمد بن محمد بن عبد الرحمن بن إبراهيم بن يحيى ابن الحكيم اللخمي «1» يكنى أبا بكر. أوّليّته: مرّت في اسم ذي الوزارتين. حاله: من كتاب «عائد الصلة» : «كان صدر أبناء أصحاب النّعم، وبقيّة أعلام البيوت، ترف نشأة، وعزّ تربية، وكرم نفس، وطيب مجالسة، وإمتاع محاضرة، وصحة وفاء، وشياع مشاركة في جملة فاضلة، محدّثا تاريخيا، كاتبا بليغا، حسن الخطّ، مليح الدّعابة، ظريف التوقيع، متقدم الحيلة في باب التحسين والتنقيح، يقرض الشعر، ويفكّ المعمّى، ويقوم على جمل الكتاب العزيز، حفظا وتجويدا، وإتقانا، ويسرد نتف التاريخ، وعيون الأخبار، إلى حسن الخلق، وكمال الأبّهة، وحلاوة البساطة، واحتمال المنابشة، والمثابرة على حفظ المودة، والاستقالة من الهفوة، والتمسّك بالاستعتاب والمعذرة. كتب بالدار السلطانية أكثر عمره، وتصدّر بعد في قيادة المواضع النّبيهة، محاربا ذا قدرة في ذلك، ومع ذلك فشائع المعروف، ذائع المشاركة. قيّد الكثير، ودوّن وصنّف، وحمل عن الجلّة ممن يشقّ إحصاؤهم، وكان غرّة من غرر هذا القطر، وموكبا من مواكب هذا الأفق، لم يتخلف بعده مثله. وجرى ذكره في «التاج المحلّى» بما نصّه «2» : «ماجد أقام رسم «3» المجد بعد عفائه، فوفّى الفضل حقّ وفائه. بيته في رندة أشهر في الأصالة من بيت امرئ القيس، وأرسى في بحبوحة الفخر من قواعد الرّضوى وأبي قيس. استولى على الجود البديع البعيد المدى، وحجّت إليه من كل فج طلّاب النّدى، وعشت إلى ضوء ناره فوجدت على النار التّقى والهدى. ولّي الوزارة النّصرية التي اعتصر منها طريفا بتالد، فأحيت مآثرها الخالدة مآثر يحيى بن خالد» . ولمّا أدار عليها الدهر كأس النّوائب، وخلص إليها سهمه الصّائب، بين صحائف الكتب وصفائح الكتائب، تطلّعت من خلالها الرائقة لباب الوجود، وبكتها بسيل أجفانها عين الباس والجود، وطلع على الجزء: 2 ¦ الصفحة: 176 أعقاب هذه الفضائل محلّى من صفحاتها، وأعاد لو ساعده الدهر من لمحاتها، وارتقى من الكتابة إلى المحلّ النّبيه، واستحقّها من بعض ميراث أبيه، وبنى وشيّد، ودوّن فيها وقيّد، وشهر في كتب الحديث وروايته، وجنى «1» ثمرة رحلة أبيه، وهو في حجر ذؤابته «2» ، وأنشأ الفهارس، وأحيا الأثر الدّارس، وألّف كتابه المسمى ب «الموارد المستعدبة والمقاصد المنتخبة» فسرح الطّرف، وروضه طيّب الجنى والعرف. وله شعر أنيق الحلية، حاز في نمط العلية. وبيني وبين هذا الفاضل وداد صافي الحياض، وفكاهة كقطع الرّياض، ودعابة سحبت الدّالة أذيالها، وأدارت الثّقة والمقة جريالها. وسيمرّ في هذا الديوان كل رائق المحيّا، عاطر الريّا. مشيخته: قرأ على الأستاذ أبي جعفر الحريري، والأستاذ أبي الحسن القيجاطي، والأستاذ إسحاق بن أبي العاصي. وأخذ عن الطّم والرّمّ، من مشايخ المشرق والمغرب، فمنهم الولي الصالح فضل بن فضيلة المعافري، إلى العدد الكثير من أهل الأندلس، كالخطباء الصلحاء أبي عبد الله الطّنجالي، وأبي جعفر الزيّات، وأبي عبد الله بن الكمّاد، وغيرهم من الرّنديين والمالقيين والغرناطيين، حسبما تضمنه برنامجه. تواليفه: ألّف الكتاب المسمى، «الفوائد المنتخبة والموارد المستعدبة» . وكمّل التاريخ المسمى ب «بميزان العمل» لابن رشيق. ودوّن كتابا في عبارة الرؤيا سمّاه «بشارة القلوب بما تخبره الرؤيا من الغيوب» و «الأخبار المذهّبة» و «الإشارة الصّوفية، والنّكت الأدبية» . والهودج في الكتب. والإشارة في ألف إنشاده. شعره وكتابته: قال في التاريخ ما نصّه: «وتهادته إلى هذا العهد رتب السّيادة، واستعمل في نبيهات القيادة؛ فوجّه إلى معقل قرطمة من كورة ريّه وهو واليه، وبطاحه في مجرى جياده وصحر عواليه. وقد حللت مالقة صحبة الرّكب السلطاني في بعض التّوجّهات، إلى تلك الجهات، في بعض ما أتحف من مقعده، المتصل المستمر، بهديّة مشتملة على ضروب من البرّ فخاطبته مقيما لسوق الانبساط، وغير حائد على الوداد والاغتباط، على ما عوّل عليه من حمل الإفراط، والانتظام في هذا المعنى والانخراط: [الطويل] ألام على أخذ القليل وإنما ... أعامل أقواما أقلّ من الذّرّ فإن أنا لم آخذه منهم فقدته ... ولا بدّ من شيء يعين على الدّهر الجزء: 2 ¦ الصفحة: 177 سيدي، أطلق الله يدك بما تملك، وفتر عن منحك البخل لئلّا تهلك. كنت قد هوّمت، وحذّرني القلق فتلوّمت. ولومي كما علمت سيء الخصال، عزيز الوصال. يمطل ديني، ويعاف طيره ورد عيني. فإذا الباب يدقّ بحجر، فأنبأني عن ضجر، وجار الجنب يؤخذ بالذّنب، فقمت مبادرا وجزعت، وإن كان الجزع مني نادرا. واستفهمت من وراء الغلق، عن سبب هذا القلق. فقالت امرأة من سكان البوادي: رابطة الفؤاد يا قوم، رسول خير، وناعق طير، وقرع إذلال، لا فرع إدلال. حطّوا شعار الحرب والحرب، فقد ظفرتم ببلوغ الأرب، فتأخرت عن الإقدام، وأنهدت إليه، فحنّ عمر بن أبي ربيعة عمن كان بالدّار من الخدّام، فأسفرت الوقيعة عن سلام وسلم، ولم يزن أحد منا بكلم. ونظرت إلى رجل قرطبي الطّلعة والأخلاق، خاو على الإطلاق، تنهّد قبل أن يسلّم، وارتمض لما ذهب من الشّبيهة وتألّم. شنشنة معروفة، وعين تلك الجهات معاذ الله مصروفة. وقد حمّلته سيادتكم من المبرّة ضروبا شتّى، وتجاوزت في المسرّات غاية حتى. ولم تضع عضوا من جسده، فضلا عن منكبه ويده، إلّا علّقته وعاء ثقيلا، وناطت به زنبيلا. واستلقى كالمنيّ إذا ترك المعترك، وعلت حوله تلك الأثقال، وتعاورها الانتقال، وكثر بالزّقاق القيل والقال. فلمّا تخلّصت إلى الدار، وسترت معرفتها بالجدار، وتناولها الاختبار الفاضح، وبان قصورها الواضح، فتلاشت، بعد ما جاشت، ونظرت إلى قعب من اللّبن الممزوق، الذي لا يستعمل في البيوت ولا يباع في السّوق، فأذكرتني قول الشاعر: [البسيط] تلك «1» المكارم لا قعبان من لبن ... شيبت بماء فعادت بعد أبوالا أما زبده فرفع، وأما جبنه فاقتيت به وانتفع، وأما من بعثه من فضلاء الخدّام فدفع، وكأني به قد ألحّ وصفع، والتفت إلى قفّة قد خيطت، وبعنق ذاك البائس قد نيطت، رمس فيها أفراخ الحمائم، وقلّدت بجيده كما يتقلد بالتمائم، وشدّ حبلها بمخنقه، وألزم منها في العاجل طائره في عنقه، هذا بعد ما ذبحت، وأما حشوها فربحت. ولو سلكتم الطريقة المثلى، لحفظتم جثّتها من العفن كما تحفظ جثة القتلى، وأظنكم لم تغفلوا هذا الغرض الأدنى، ولا أهملتم هذه الهمم التي غريزة في المبنى. فإني رميت منها اللهو رمي المختبر، فكلح من مرارة الصبر، ولما أخرجتها من كفن القفّة، واستدعيت لمواراتها أهل الصّفة، تمثّلت تمثّل اللبيب، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 178 بقول أبي تمام حبيب «1» : [الكامل] هنّ الحمام فإن كسرت عيافة «2» ... من حائهنّ فإنهنّ حمام «3» ولو أن إحدى الدّجاجتين لاحت عليها مخيّلة سرّ، لكانت من بقايا مواطني ديوك بني مرّ، وبعث بها حلالك حلاله، وأهدى منها اجتهاد من أحسن. ولم يكن بالهديّة ما يذكر، ولا كانت مما ينكر، أستغقر الله، فلو لم تكن التّحفة، إلّا تلك الفكاهة العاطرة والغمامة الماطرة، التي أحسبها الأمل الأقصى، وتجاوزت إلّا من التي لا تعدّ ولا تحصى، للزم الشكر ووجب، وبرز من حرّ المدح ما تيسّر واحتجب. فالمكارم وإن تغيّرت أنسابها، وجهل انتسابها، وادّعي إرثها واكتسابها، إليكم تنشر يدها، وتسعى لأقدامها، ولبيتكم تميل بهواديها، وبساحتكم يسيل واديها، وعلى أرضكم تسحّ غواديها. ومثلي أعزكم الله، لا يغضي من قدر تحفكم الحافلة، ولا يقدر من شكرها على فريضة ولا نافلة، ولكنها دعابة معتادة، وفكاهة أصدرتها ودادة. ولا شكّ أنكم بما جبلتم عليه قديما وحديثا، تغتفرون جفائي، الذي سيّرتموه سمرا وحديثا في جنب وفائي، وتغضون وتتحملون، وبقول الشاعر تتمثّلون، وأسمع من الألفاظ اللغوية التي يسرّ بها سمعي، وإن ضمنت شتمي ووصفي: [الطويل] بعثت بشيء كالجفاء وإنما ... بعثت بعذري كالمدلّ إلى غدر وقلت لنفسي لا تردعي فإنه ... كما قيل شيء قد يعين على الدهر وما كان قدر الودّ والمجد مثله ... فخذه على قدر الحوادث أو قدري وإن كنت لم أحسن صنيعي فإنّني ... سأحسن في حسن القبول له شكري وقدرك قدر النيل عندي وإنني ... لدى قدرك العالي أدقّ من الذّرّ قنعت وحظّي من زماني وودّكم ... هباء ومثلي ليس يقنع بالنّزر أتاني كتاب منك باه مبارك ... لقيت به الآمال باهتة الثّغر جلا من بنات الفكر بكرا وزفّها ... إلى ناظري تختال في حبر الحبر فألفاظها كالزّهر والزهر يانع ... وقدر المعاني في الأصالة كالزهر نجوم معان في سماء صحيفة ... ولكنها تسري النجوم ولا تسري تضمّن من نوع الدعابة ما به ... رجوت الذي قد قيل في نشوة الخمر الجزء: 2 ¦ الصفحة: 179 رعى الله مسراها الكريم فجلّ ما ... جلته من البشرى وأبدت من البشر لعمري لقد أذكرتني دولة الصّبا ... وأهديت لي نوع الجلال من السّحر ولما أتت تلك الفكاهة غدوة ... وجدت نشاطا سائر اليوم في بشري ولا سيما إن كان ملحم بردها ... عميد أولي الألباب نادرة العصر نشرت بها ما قد طويت بساطه ... زمانا وبي طيّ الأمور مع النشر ونعم خليل الخير أنت محافظا ... على سنن الإخلاص في السّرّ والجهر ودونكها تلهو بها وتديرها ... سحيريّة الأنفاس طيّبة النّشر فراجعني بقوله: وقد منّ سيدي الجواب، محتويا على العجب العجاب، فيالك من فكاهة كوثرية المناهل، عنبرية المسائل، ولو لم يكن إلّا وصف القرطبي المستوى الطّلعة، الشّرطي الصّنعة. وأما وصف اللبن وفراخ الحمام، فقد بسطتم في المزاح القول. وامتنعتم في الكلام الفصل. وذلك شيء يعجز عن مساجلتكم فيه أرباب البلاغة والبيان، فكيف بمثلي ممن له القول المهلهل النّسيج الواهي البيان. ولا بدّ من عرض ذلك على سيدي القطب الكبير الإمام، وأستاذنا علم الأعلام، وكبير أئمة الإسلام، فيحكم بيننا بحكم الفصل، وينصف بما لديه من الحق والعدل. وقد كنت أحيد عن مراجعتكم حيدة الجبان، وأميل عن ذلك ميلة الكودن «1» عن مجاراة السّمر الهجان، وأعدل عن مساجلة أدبكم الهتّان، عدول الأعزل عن مبارزة جيّد السّنان. إلى أن وثقت بالصفح، وعوّلت على ما لديكم من الإغضاء والسّمح، ووجّهت حاملة السرّ والظروف، كي تتصل الهدايا ولا ينقطع المعروف. وأستقيل من انبساط يجرّ عذرا، وأسأله سبحانه وتعالى حمدا يوجب المزيد من إنعامه وشكرا. دام سيدي وآماله مساعدة، والكلمة على فضله واحد. ومن شعره في النّسك واللّجإ إلى الله تعالى «2» : أيا من له الحكم في خلقه ... ويا من «3» بكربي له أشتكي تولّ أموري ولا تسلمني ... وإن أنت أسلمتني أهلك تعاليت من مفضل «4» منعم ... ونزّهت من طالب مدرك الجزء: 2 ¦ الصفحة: 180 ومن ذلك ونقلته من خطّه «1» : [الطويل] تصبّر إذا ما أدركتك ملمّة ... فصنع إله العالمين عجيب وما يدرك «2» الإنسان عار بنكبة ... ينكّب «3» فيها صاحب وحبيب ففي من مضى للمرء ذي العقل أسوة «4» ... وعيش كرام الناس ليس يطيب ويوشك أن تهمي سحائب نعمة ... فيخصب ربع للسّرور «5» جديب إلهك يا هذا مجيب «6» لمن دعا ... وكلّ الذي عند القريب قريب مولده: عام خمسة وستين وستمائة. وفاته: من «عائد الصلة» ، قال: وختم الله عمره بخير العمل من الإنابة والتهدّج، والتزام الورد، وإن كان مستصحب الخيرية. وحلّ ببلد ولايتهم رندة، فكانت بها تربته في الثالث والعشرين لربيع الآخر عام خمسين وسبعمائة. محمد بن محمد بن علي بن العابد الأنصاري ولد المذكور بعد، الكاتب بالدار السلطانية. حاله: من كتاب طرفة العصر وغيره، قال: كان كاتبا مشهورا، بليغا، ذا معرفة، بارع الخطّ، أوحد زمانه في ذلك، وقورا، معذب اللفظ، منحطا في هوى نفسه، محارفا «7» بحرفة الأدب على جلالة قدره. وكتابته نقيّة، جانحة إلى الاختصار. شعره: وثيق، تقلّ فيه أرواح المعاني كشعر أبيه، وتوشيحه فائق. تولّى كتابة الإنشاء لثاني الملوك النصريين «8» ، واستمرّ قيامه بها على حجر شديد من السلطان ومحمل؛ لملازمته المعاقرة وانهماكه في البطالة، واستعمال الخمر، حتى زعموا أنه قاء يوما بين يديه، فأخّره عنها، وقدّم الوزير أبا عبد الله بن الحكيم. وفي ذلك الجزء: 2 ¦ الصفحة: 181 يقول: [الطويل] أمن عادة الإنصاف والعدل أن أجفا ... لأن زعموا أني تحسّيتها صرفا؟ وأقام بقيّة عمره تحت رفد وبرّ. وفاته: توفي في حدود التسعين وستمائة. وكان شيخنا ابن الجيّاب قد آثره بكتبه، وكانت نفيسة أعلاها بخط أبيه، رحمه الله. محمد بن مالك المرّي الطّغنري «1» من أهل غرناطة، من ذوي البيتية والحسب فيها. ذكره الأستاذ «2» في الكتاب المسمّى بالصلة، والغافقي «3» ، وغيرهما. حاله: أديب نبيل، شاعر؛ على عهد الأمير عبد الله بن بلقّين بن باديس، صاحب غرناطة. قال: وكان أولا يميل إلى البطالة والراحة. ثم إنه استيقظ من غفلته، وأقلع عن راحته، وأجبّ في توبته. وكان من أهل الفضل والخير والعلم. من تواليفه: كتابه الشهير في الفلاحة، وهو بديع، سمّاه «زهرة البستان، ونزهة الأذهان» ، عبرة في الظّرف. قال: وجرى له مع سماجة «4» خليفة عبد الله بن بلقّين قصة. إذ فاجأه سماجة مع إخوان له، ولم يشعروا به، فأنشده ابن مالك ارتجالا، وقد أخذ بلجام دابته: [الخفيف] بينما نحن في المصلّى نساق ... وجناح العشيّ فيه جنوح إذ «5» أتانا سماجة يتلألأ ... فردى «6» الشمس من تجلّيه «7» يوح فطفقنا يقول بعض لبعض ... أغبوق شرابنا أم صبوح؟ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 182 قال: فتكلّم الوزير سماجة باللسان البربري مع عبيده، فرجعوا مسرعين، ووقف سماجة مع الوزير ابن مالك، إلى أن أتاه عبيده، بوعاء فيه جملة كبيرة من الدراهم، تنيف على الثلاثمائة دينار. فقال: ادفعوها إليه، وانصرف. وأتاهم العبيد مع الدراهم، بطعام وشراب. قال ابن مالك: وذلك أوّل مال تأثّلته. شعره: ومنه «1» [السريع] صبّ على قلبي هوى لاعج ... ودبّ في جسمي ضنى دارج في شادن أحمر «2» مستأنس ... لسان تذكاري به لاهج ما «3» قدر نعمان إذا ما مشى ... وما عسى يفعله «4» عالج؟ فقدّه من رقّة مائس ... وردفه من ثقله «5» مائج عنوان ما في ثوبه وجهه ... تشابه الداخل والخارج فلا تقيسوه ببدر الدّجى ... ذا معلم الوجه وذا ساذج وقد نسبها بعض الناس لغيره. وفاته: قال الأستاذ: كان حيّا سنة ثمانين وأربعمائة. وأمر أن يكتب على قبره: [الخفيف] يا خليلي، عرّج على قبري تجد ... أكلة «6» التّرب بين جنبي ضريح خافت الصوت إن نطقت ولكن ... أيّ نطق إن اعتبرت فصيح؟ أبصرت عينيّ العجائب لكن ... فرّق» الموت بين جسمي وروحي «8» محمد بن علي بن محمد بن عبد الله بن عبد الملك الأوسي المدعو بالعقرب، من إقليم الآش «9» . حاله: كان حسن النظم والنثر، ذكيّا من أهل المعرفة بالعربية والأدب، موصوفا بجودة القريحة، والنبل والفطنة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 183 أدبه وشعره: ذكره الملّاحي وقال: حدّثني قاضي الأحكام بغرناطة، أبو القاسم الحسن بن قاسم، الهلالي صاحبنا، قال: كان الأستاذ أبو عبد الله العقرب جارنا، قد وقع بينه وبين زوجه زهرة بنت صاحب الأحكام، أبي الحسن علي بن محمد تنازع، فرفعته إلى القاضي بغرناطة، أبي عبد الله بن السّماك العاملي، وكنت يومئذ كاتبا له، فرأى القاضي قوّته وقدرته على الكلام وضعفها، وإخفاق نظمها، وشفق لحالها. وكان يرى أن النساء ضعاف، وأن الأغلب من الرجال يكون ظالمهن. وكان كثيرا ما يقول في مجلسه: رويدك، رفقا بالقوارير، وحين رأى ما صدر عن القاضي من الجمل، فقلت له: وأين حلاوة شعرك والقاضي أديب يهتز إليه ويرتاح؟ فطلب مني قرطاسا، وجلس غير بعيد، ثم كتب على البديهة بما نصّه: [الكامل] لله حيّ، يا أميم، حواك ... وحمائم فوق الغصون حواك غنّين حتى خلتهنّ عنينني ... بغنائهنّ فنحت في مغناك ذكّرنني «1» ما كنت قد أنسيته ... بخطوب هذا الدهر من ذكراك أشكو الزّمان إلى الزّمان ومن شكى ... صرف الزمان إلى الزمان فشاكي يا ابن السّماك «2» المستظلّ برمحه ... والعزل «3» ترهب ذا السلاح الشاكي راع الجوار فبيننا في جوّنا ... حقّ السّرى والسير في الأفلاك وابسط إلى الخلق المؤوب ببسطة ... ظرف الكرام بعفّة النّساك وأنا ذاكر إن لم يفت من لم يمت ... فدارك ثم دارك ثم ذاك «4» ثم دفعها إلى القاضي، فكتب القاضي بخطه في ظهر الرقعة: لبّيك، لبّيك. ثم أرسلني أصلح بين العقرب وزوجه، فإن وصل صلحهما إلى خمسين دينارا، فأنا أؤدّيها عنه من مالي، فجمعت بينهما، وأصلحت بينهما عن تراض منهما، رحمهما الله تعالى. محمد بن علي بن عبد الله بن علي القيسي العرادي من أهل غرناطة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 184 حاله: كان فتى حسن السّمت، ظاهر السكون، بادي التّصوّن والعفّة، دمث الأخلاق، قليل الكلام، كثير الحياء، مليح الخط، ظريفه، بادي النّجابة. أبوه وجدّه من تجار سوق العطر، نبهاء السوق. نظم الشعر، فجاء منه بعجب، استرسالا وسهولة، واقتدارا، ونفوذا في المطوّلات، فأنفت له من الإغفال، وجذبته إلى الدار السلطانية، واشتدّت براعته، فكاد يستولي على الأمر لولا أن المنية اخترمته شابا، فثكل منه الشعر، قريع إجادة، وبارع ثنيّة شهرة، لو انفسح له الأمد. مولده: في ذي الحجة عام أحد وثلاثين وسبعمائة. وفاته: توفي مبطونا على أيام قريبة من إسراعه بغرناطة، عن سنّ قريبة من العشرين، في عام خمسة وخمسين وسبعمائة. وأبوه أمين العطارين. محمد بن علي بن العابد الأنصاري يكنى أبا عبد الله، أصله من مدينة فاس. حاله: من خطّ القاضي أبي جعفر بن مسعدة، علم كتّاب دار الإمارة النّصرية الغالبيّة، الذي بنوره يستصبحون، وسراجهم الذي بإشراقه وبهجته ونهج محدته يهتدون. رفع لواء الحمد، وارتدى بالفهم والعلم والحلم. كان، رحمه الله، إماما في الكتابة، والأدب، واللغة، والإعراب، والتاريخ والفرائض والحساب، والبرهان عليه، عارفا بالسّجلات والتّوثيق، أربى على الموثّقين من الفحول المبرّزين في حفظ الشعر ونظمه، ونسبته إلى قائله حافظا مبرّزا. درس الحديث، وحفظ الأحكام لعبد الحق الإشبيلي، ونسخ الدواوين الكبار، وضبط كتب اللغة، وقيّد على كتب الحديث، واختصر التّفسير للزمخشري، وأزال عنه الاعتزال، لم يفتر قطّ من قراءة أو درس أو نسخ أو مطالعة، ليله ونهاره. لم يكن في وقته مثله. مشيخته: أخذ بفاس عن أبي العباس أحمد بن قاسم بن البقّال الأصولي، وأبي عبد الله بن البيوت المقرّي، وعن الزاهد أبي الحسن بن أبي الموالي، وغيرهم. شعره: ومنه قوله: [الكامل] طرقت تتيه على الصّباح الأبلج ... حسناء تختال اختيال تبرّج في ليلة قد ألبست بظلامها ... فضفاض برد بالنجوم مدبّج وشعره مدوّن كثير. وفاته: توفي بحضرة غرناطة عام اثنين وستين وسبعمائة في ذي القعدة منه. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 185 محمد بن هاني بن محمد بن سعدون الأزدي الإلبيري الغرناطي «1» من أهل قرية سكون، يكنى أبا القاسم، ويعرف بالأندلسي، وكأنها تفرقة بينه وبين الحكمي أبي نواس. أوّليّته: قال غير واحد من المؤرخين «2» : هو من ذرية يزيد بن حاتم بن قبيصة بن المهلّب بن أبي صفرة، وقيل: من ولد أخيه روح بن حاتم. حاله: كان من فحول الشعراء، وأمثال النظم، وبرهان البلاغة، لا يدرك شأوه، ولا يشقّ غباره، مع المشاركة في العلوم، والنفوذ في فكّ المعمّى. خرج من الأندلس ابن سبع وعشرين سنة، فلقي جوهرا المعروف بالكاتب مولى المعزّ بن المنصور العبيدي، صاحب المغرب، وامتدحه، وكان لئيما، فأعطاه مائتي درهم، فوجد لذلك، وقال: أههنا كريم يقصد؟ فقيل: بلى، جعفر بن يحيى بن علي بن فلاح بن أبي مروان، وأبو علي بن حمدون، فامتدحهما، ثم اختصّ بجعفر بن يحيى وأبي علي، فبالغا في إكرامه، وأفاضا عليه من النعم والإحسان ما لم يمرّ بباله، وسارت أشعاره فيهما، حتى أنشدت للمعزّ العبيدي، فوجهه جعفر بن علي إليه في جملة طرف وتحف بعث بها إليه، كان أبو القاسم أفضلها عنده، فامتدح المعز لدين الله، وبلغ المعزّ من إكرامه الغاية. ثم عاد إلى إفريقية، ثم توجه إلى مصر، فتوفي ببرقة. وجرى ذكره في «تخليص الذهب» من تأليفنا بما نصّه: «العقاب الكاسرة، والصّمصامة الباترة، والشّوارد التي تهادتها الآفاق، والغايات التي أعجز عنها السّباق» . وصمته: وذكره ابن شرف في مقاماته، قال: وأما ابن هاني محمد، فهو نجدي الكلام، سردي النظام، إلّا أنه إذا ظهرت معانيه، في جزالة مبانيه، رمى عن منجنيق، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 186 لا يؤثر في النّفيق. وله غزل معرّي، لا عذري، لا يقنع بالطّيف، ولا يصفع بغير السيف، وقد قدّه به الذات، وعظم شأنه فاحتمل الثواب، وكان يقف دولته في أعلى منزلته، ناهيك من رجل يستعين على صلاح دنياه، بفساد أخراه، لرداءة دينه، وضعف يقينه. ولو عقل ما ضاقت عليه معاني الشّعر، حتى يستعين عليه بالكفر. شعره: كان أول ما مدح به جعفر بن علي قوله «1» : [الكامل] أحبب بتيّاك القباب قبابا ... لا بالحداة ولا الرّكاب ركابا «2» فيها قلوب العاشقين تخالها ... عنما بأيدي البيض والعنّابا «3» وقال يمدح جعفر بن علي من القصيدة الشهيرة «4» : [الطويل] أليلتنا إذا أرسلت واردا وحفا «5» ... وبانت «6» لنا الجوزاء في أذنها شنفا «7» وبات لنا ساق يقوم «8» على الدّجى ... بشمعة صبح «9» لا تقطّ «10» ولا تطفا أغنّ غضيض خفّف «11» اللّين قدّه ... وأثقلت «12» الصّهباء أجفانه الوطفا «13» ولم يبق إرعاش المدام له يدا ... ولم يبق إعنات «14» التّثنّي له عطفا نزيف قضاه السّكر إلّا ارتجاجة ... إذا كلّ عنها «15» الخصر حمّلها الرّدفا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 187 يقولون حقف فوقه «1» خيزرانة ... أما يعرفون الخيزرانة والحقفا؟ جعلنا حشايانا «2» ثياب مدامنا ... وقدّت لنا الظّلماء من جلدها لحفا فمن كبد تدني إلى كبد هوى ... ومن شفة توحي إلى شفة رشفا بعيشك نبّه كأسه وجفونه ... فقد نبّه الإبريق من بعد ما أغفا وقد فكّت الظلماء بعض قيودنا ... وقد قام جيش الليل للصبح فاصطفّا «3» وولّت نجوم للثّريّا كأنها ... خواتيم تبدو في بنان يد تخفى ومرّ على آثارها دبرانها ... كصاحب ردء «4» كمّنت خيله خلفا وأقبلت الشّعرى العبور ملمّة «5» ... بمرزمها اليعبوب تجنبه طرفا «6» وقد قبّلتها «7» أختها من ورائها ... لتخرق من ثنيي مجرّتها سجفا» تخاف زئير الليث قدّم «9» نثرة ... وبربر في الظّلماء ينسفها نسفا «10» كأنّ معلّى قطبها «11» فارس له ... لواءان مركوزان قد كره الزّحفا كأن السّماكين اللذين تظاهرا ... على لبّتيه «12» ضامنان له الحتفا «13» فذا رامح يهوي إليه سنانه ... وذا أعزل قد عضّ أنمله لهفا كأنّ قدامى النّسر والنّسر واقع ... قصصن فلم تسم الخوافي له ضعفا «14» كأن أخاه حين دوّم طائرا ... أتى دون نصف البدر فاختطف النّصفا كأن رقيب الليل «15» أجدل مرقب ... يقلّب تحت الليل في ريشه طرفا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 188 كأنّ بني نعش ونعش «1» مطافل ... بوجرة قد أضللن في مهمه خشفا «2» كأنّ سهاها «3» عاشق بين عوّد ... فآونة يبدو وآونة يخفى كأنّ سهيلا «4» في مطالع أفقه ... مفارق إلف لم يجد بعده إلفا كأنّ الهزيع الآبنوسيّ موهنا «5» ... سرى بالنسيج الخسروانيّ ملتفّا «6» كأن ظلام الليل إذ مال ميلة ... صريع مدام بات يشربها صرفا كأن نجوم الصّبح خاقان معشر «7» ... من التّرك نادى بالنّجاشيّ فاستخفى «8» كأن لواء الشمس غرّة جعفر ... رأى القرن فازدادت طلاقته ضعفا «9» وقد جاشت الظلماء «10» بيضا صوارما ... ومركوزة «11» سمرا وفضفاضة زعفا «12» وجاءت عتاق الخيل تردي كأنها ... تخطّ لنا أقلام آذانها صحفا هنالك تلقى جعفرا خير «13» جعفر ... وقد بدّلت يمناه من لينها «14» عنفا وكائن «15» تراه في الكريهة جاعلا «16» ... عزيمته برقا وصولته خطفا وشعره كثير مدوّن، ومقامه شهير. وفيما أوردناه كفاية. وهو من إلبيرة الأصيلة. وفاته: قالوا: لمّا توجّه إلى مصر، شرب ببرقة وسكر ونام عريانا، وكان البرد شديدا فأفلج، وتوفي في سنة إحدى وستين وثلاثمائة «17» ، وهو ابن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 189 اثنتين «1» وأربعين سنة. ولما بلغت المعزّ وفاته، تأسّف عليه وقال: هذا رجل كنا نطمع أن نفاخر به أهل المشرق. محمد بن يحيى بن محمد بن يحيى بن علي بن إبراهيم ابن علي الغسّاني البرجي الغرناطي «2» يكنى أبا القاسم، من أهل غرناطة. حاله: فاضل «3» مجمع على فضله، صالح الأبوّة، طاهر النشأة، بادي الصّيانة والعفّة، طرف في الخير والحشمة، صدر في الأدب، جمّ المشاركة، ثاقب الذهن «4» ، جميل العشرة، ممتع المجالسة، حسن الخطّ «5» والشعر والكتابة، فذّ في الانطباع، صنيع «6» اليدين، يحكم على «7» الكثير من الآلات العلمية، ويجيد تفسير الكتاب «8» . رحل إلى العدوة «9» ، وتوسّل إلى ملكها، مجدّد الرسم، ومقام «10» الجلّة، وعلم دست الشعر والكتابة، أمير المسلمين أبي عنان فارس «11» ، فاشتمل عليه، ونوّه به، وملأ بالخير يده، فاقتنى جدة وحظوة وشهرة وذكرا «12» ، وانقبض مع استرسال الملك «13» ، وآثر الراحة، وجهد في التماس الرّحلة الحجازية، ونبذ الكلّ، وسلا الخطّة، فأسعفه سلطانه بغرضه، وجعل حبله «14» على غاربه، وأصحبه رسالة إلى النبيّ الكريم من إنشائه، متصلة بقصيدة من نظمه، وكلاهما تعلن «15» في الخلفاء بعد شأوه، ورسوخ قدم علمه، وعراقة البلاغة، في نسب خصله، حسبما تضمّنه الكتاب الجزء: 2 ¦ الصفحة: 190 المسمى ب «مساجلة البيان» . ولما هلك وولّي ابنه، قدّمه قاضيا بمدينة ملكه، وضاعف التّنويه به، فأجرى الخطّة، على سبيل من السّداد والنزاهة. ثم لمّا ولّي السلطان أبو سالم عمّه، أجراه على الرسم المذكور، وهو الآن بحاله الموصوفة، مفخر من مفاخر ذلك الباب السلطاني على تعدّد مفاخره، يحظى بكل اعتبار. شعره: ثبتّ «1» في كتاب «نفاضة الجراب» من تأليفنا، عند ذكر المدعى الكبير بباب ملك المغرب، ليلة ميلاد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وذكر من أنشد ليلتئذ من الشّعراء ما نصّه: وتلاه الفقيه الكاتب الحاج القاضي، جملة «2» السّذاجة، وكرم الخلق، وطيب النفس، وخدن العافية، وابن الصّلاح والعبادة، ونشأة القرآن، المتحيّز إلى حزب السلامة، المنقبض عن الغمار، العزوف عن فضول القول والعمل، جامع المحاسن، من عقل رصين، وطلب ممتع، وأدب نقّادة «3» ، ويد صناع، أبو القاسم بن أبي زكريا البرجي، فأنشدت له على الرسم المذكور هذه القصيدة الفريدة «4» : [البسيط] أصغى إلى الوجد لمّا جدّ عاتبه ... صبّ له شغل عمّن يعاتبه لم يعط للصبر من بعد الفراق يدا ... فضلّ من ظلّ إرشادا يخاطبه لولا النّوى لم يبت حرّان «5» مكتئبا ... يغالب الوجد كتما وهو غالبه يستودع «6» الليل أسرار الغرام وما ... تمليه أشجانه فالدّمع كاتبه لله عصر بشرقيّ الحمى سمحت ... بالوصل أوقاته لو عاد ذاهبه يا جيرة أودعوا إذ ودّعوا حرقا ... يصلى بها من صميم القلب ذائبه «7» يا هل ترى تجمع «8» الأيّام فرقتنا ... كعهدنا أو يردّ القلب ساكبه؟ ويا أهيل ودادي، والنّوى قذف ... والقرب قد أبهمت دوني مذاهبه هل ناقض العهد بعد البعد حافظه ... وصادع الشّمل يوم الشّعب شاعبه؟ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 191 ويا ربوع الحمى لا زلت ناعمة ... يبكي عهودك مضنى الجسم شاحبه يا من لقلب مع الأهواء منعطف ... في كل أوب له شوق يجاذبه يسمو إلى طلب الباقي بهمّته ... والنفس بالميل للفاني تطالبه وفتنة المرء بالمألوف معضلة ... والأنس بالإلف نحو الإلف جاذبه أبكي لعهد الصّبا والشّيب يضحك بي «1» ... يا للرّجال سبت جدّي ملاعبه ولن ترى كالهوى أشجاه سالفه ... ولا كوعد المنى أحلاه كاذبه وهمّة المرء تغليه وترخصه ... من عزّ نفسا لقد عزّت مطالبه ما هان كسب المعالي أو تناولها ... بل هان في ذاك ما يلقاه طالبه لولا سرى الفلك السّامي لما ظهرت ... آثاره ولما لاحت كواكبه في ذمّة الله ركب للعلا ركبوا ... ظهر السّرى فأجابتهم نجائبه يرمون عرض الفلا بالسّير عن عرض «2» ... طيّ السّجلّ إذا ما جدّ كاتبه كأنهم في فؤاد «3» الليل سرّ هوى ... لولا الضّرام لما خفّت جوانبه شدّوا على لهب الرّمضاء وطأتهم ... فغاص في لجّة الظّلماء راسبه وكلّفوا الليل من طول السّرى شططا ... فخلّفوه وقد شابت ذوائبه حتى إذا أبصروا الأعلام ماثلة «4» ... بجانب الحرم المحميّ جانبه بحيث يأمن من مولاه خائفه ... من ذنبه وينال القصد راغبه فيها وفي طيبة الغرّاء لي أمل ... يصاحب القلب منه ما يصاحبه لم «5» أنس لا أنس أياما بظلّهما ... سقى ثراه عميم الغيث ساكبه شوقي إليها وإن شطّ المزار بها ... شوق المقيم وقد سارت حبائبه إن ردّها الدهر يوما بعد ما عبثت ... في الشّمل منّا يداه لا نعاتبه «6» معاهد شرفت بالمصطفى فلها ... من فضله «7» شرف تعلو مراتبه محمد المجتبى الهادي الشّفيع إلى ... ربّ العباد أمين الوحي عاقبه أوفى الورى ذمما، أسماهم همما ... أعلاهم كرما، جلّت مناقبه هو المكمّل في خلق وفي خلق ... زكت حلاه «8» كما طابت مناسبه الجزء: 2 ¦ الصفحة: 192 عناية قبل بدء الخلق سابقة ... من أجلها «1» كان آتيه وذاهبه جاءت تبشّرنا الرّسل الكرام به ... كالصّبح تبدو تباشيرا كواكبه «2» أخباره سرّ علم الأوّلين وسل ... بدير تيماء ما أبداه راهبه تطابق الكون في البشرى بمولده ... وطبّق الأرض أعلاما تجاوبه فالجنّ تهتف إعلانا هواتفه ... والجنّ تقذف إحراقا ثواقبه ولم تزل عصمة التأييد تكنفه ... حتى انجلى الحقّ وانزاحت شوائبه سرى وجنح ظلام الليل منسدل ... والنّجم لا يهتدي في الأفق ساربه يسمو لكلّ سماء منه منفرد ... عن الأنام وجبرائيل صاحبه لمنتهى وقف الرّوح الأمين به ... وامتاز قربا فلا خلق يقاربه لقاب «3» قوسين أو أدنى فما علمت ... نفس بمقدار ما أولاه واهبه أراه أسرار ما قد كان أودعه ... في الخلق والأمر باديه وغائبه وآب والبدر في بحر الدّجى غرق ... والصّبح لمّا يؤب للشرق آيبه فأشرقت بسناه الأرض واتّبعت ... سبل النجاة بما أبدت مذاهبه وأقبل الرّشد والتاحت زواهره ... وأدبر الغيّ فانجابت «4» غياهبه وجاء بالذكر آيات مفصّلة ... يهدى بها من صراط الله لا حبه نور من الحكم لا تخبو سواطعه ... بحر من العلم لا تفنى عجائبه له مقام الرّضا المحمود شاهده ... في موقف الحشر إذ نابت نوائبه والرّسل تحت لواء الحمد يقدمها ... محمد أحمد السامي مراتبه له الشّفاعات مقبولا وسائلها ... إذا دهى الأمر واشتدّت مصاعبه والحوض يروي الصّدى من عذب مورده ... لا يشتكي غلّة الظمآن شاربه محامد المصطفى لا ينتهي أبدا ... تعدادها، هل يعدّ القطر حاسبه؟ فضل تكفّل بالدّارين يوسعها ... نعمى ورحمى فلا فضل يناسبه حسبي التوسّل منها بالذي سمحت ... به القوافي وجلّتها غرائبه حيّاه من صلوات الله صوب حيا ... تحدى إلى قبره الزّاكي نجائبه الجزء: 2 ¦ الصفحة: 193 وخلّد الله ملك المستعين به ... مؤيّد الأمر منصورا كتائبه إمام عدل بتقوى الله مشتمل ... في الأمر والنهي يرضيه يراقبه مسدّد الحكم ميمون نقيبته ... مظفّر العزم صدق الرأي صائبه مشمّر للتّقى أذيال مجتهد ... جرّار أذيال سحب الجود ساحبه قد أوسعت أمل الرّاجي مكارمه ... وأحسبت «1» رغبة العافي رغائبه وفاز بالأمن محبورا مسالمه «2» ... وباء بالخزي مقهورا محاربه كم وافد آمل معهود نائله ... أثنى وأثنت بما أولى حقائبه ومستجير بعزّ من مثابته ... عزّت مراميه وانقادت مآربه وجاءه الدهر يسترضيه معتذرا ... مستغفرا من وقوع الذنب تائبه لولا الخليفة إبراهيم لانبهمت ... طرق المعالي ونال الملك غاصبه سمت لنيل تراث المجد همّته ... والملك ميراث مجد وهو عاصبه «3» ينميه للعزّ والعليا أبو حسن ... سمح الخلائق محمود ضرائبه من آل يعقوب حسب الملك مفتخرا ... بباب عزّهم السامي تعاقبه أطواد حلم رسا بالأرض محتده ... وزاحمت «4» منكب الجوزا مناكبه تحفّها من مرين أبحر زخرت ... أمواجها وغمام ثار صائبه بكلّ نجم لدى الهيجاء ملتهب ... ينقضّ وسط سماء النّقع ثاقبه أكفّهم في دياجيها مطالعه ... وفي نحور أعاديهم مغاربه يا خير من خلصت لله نيّته ... في الملك أو خطب العلياء خاطبه جرّدت والفتنة الشّعواء ملبسة ... سيفا من العزم لا تنبو مضاربه وخضتها غير هيّاب ولا وكل ... وقلّما أدرك المطلوب هائبه صبرت نفسا لعقبى الصبر حامدة ... والصبر مذ «5» كان محمود عواقبه فليهن دين الهدى إذ كنت ناصره ... أمن يواليه أو خوف يجانبه لا زال ملكك والتأييد يخدمه ... تقضي بخفض مناويه قواضبه «6» الجزء: 2 ¦ الصفحة: 194 ودمت في نعم تضفو «1» ملابسها ... في ظلّ عزّ علا تصفو مشاربه ثم الصلاة على خير البريّة ما ... سارت إليه بمشتاق ركائبه ومن شعره ما قيّده لي بخطه صاحب قلم الإنشاء بالحضرة «2» المرينية، الفقيه الرئيس الصدر المتفنن أبو زيد بن خلدون «3» : [الطويل] صحا القلب عمّا تعلمين فأقلعا ... وعطّل من تلك المعاهد أربعا «4» وأصبح لا يلوي على حدّ منزل ... ولا يتبع الطّرف الخليّ المودّعا وأضحى من السّلوان في حرز معقل ... بعيد على الأيام أن يتضعضعا يرد الجفان النّجل عن شرفاته ... وإن لحظت عن كل أجيد أتلعا عزيز على داعي الغرام انقياده ... وكان إذا ناداه للوجد أهطعا «5» أهاب به للشّيب أنصح واعظ ... أصاخ له قلبا منيبا ومسمعا وسافر في أفق التفكّر والحجا ... زواهره لا تبرح الدّهر طلّعا لعمري لقد أنضيت عزمي تطلّبا ... وقضّيت عمري رقية «6» وتطلّعا وخضت عباب البحر أخضر مزبدا ... ودست أديم الأرض أغبر أسفعا «7» ومن شعره حسبما قيّده المذكور «8» : [المتقارب] نهاه النّهى بعد طول التجارب ... ولاح له منهج الرّشد لاحب «9» وخاطبه دهره ناصحا ... بألسنة الوعظ من كلّ جانب فأضحى إلى نصحه واعيا ... وألغى حديث الأماني الكواذب وأصبح لا تستبيه «10» الغواني ... ولا تزدريه حظوظ المناصب الجزء: 2 ¦ الصفحة: 195 وإحسانه «1» كثير في النظم والنثر، والقصار والمطولات. واستعمل في السّفارة إلى ملك مصر وملك قشتالة، وهو الآن قاضي «2» مدينة فاس، نسيج وحده في السلامة والتّخصيص «3» ، واجتناب فضول القول والعمل، كان الله له. محمد بن يوسف بن محمد بن أحمد بن محمد بن يوسف ابن محمد الصّريحي «4» يكنى أبا عبد الله، ويعرف بابن زمرك. أصله من شرق الأندلس، وسكن سلفه ربض البيّازين من غرناطة، وبه ولد ونشأ، وهو من مفاخره. حاله: هذا «5» الفاضل صدر من صدور طلبة الأندلس وأفراد نجبائها، مختص «6» ، مقبول، هشّ، خلوب، عذب الفكاهة، حلو المجالسة، حسن التوقيع، خفيف الروح، عظيم الانطباع، شره المذاكرة، فطن بالمعاريض «7» ، حاضر الجواب، شعلة من شعل الذكاء، تكاد تحتدم جوانبه، كثير الرقة، فكه، غزل مع حياء وحشمة، جواد بما في يده، مشارك لإخوانه. نشأ عفّا، طاهرا، كلفا بالقراءة، عظيم الدّؤوب، ثاقب الذهن، أصيل الحفظ، ظاهر النّبل، بعيد مدى الإدراك، جيّد الفهم، فاشتهر فضله، وذاع أرجه، وفشا خبره، واضطلع بكثير من الأغراض، وشارك في جملة «8» من الفنون، وأصبح متلقّف كرة البحث، وصارخ الحلقة، وسابق الحلبة، ومظنّة الكمال. ثم ترقّى في درج المعرفة والاضطلاع، وخاض لجّة الحفظ، وركض قلم التّقييد والتّسويد والتعليق، ونصب نفسه للناس، متكلّما فوق الكرسي المنصوب، وبين «9» الحفل المجموع، مستظهرا بالفنون «10» التي بعد فيها شأوه، من العربية والبيان واللغة، وما يقذف به في لج النقل، من الأخبار والتفسير. متشوّفا مع ذلك إلى السّلوك، مصاحبا للصّوفية، آخذا نفسه بارتياض ومجاهدة، ثم عانى الأدب، فكان الجزء: 2 ¦ الصفحة: 196 أملك به، وأعمل الرّحلة في طلب العلم والازدياد، وترقّى «1» إلى الكتابة عن ولد السلطان أمير المسلمين بالمغرب أبي سالم إبراهيم ابن أمير المسلمين أبي الحسن علي بن عثمان بن يعقوب، ثم عن السلطان، وعرف في باب «2» الإجادة. ولمّا جرت الحادثة على السلطان صاحب الأمر بالأندلس، واستقرّ بالمغرب، أنس به، وانقطع إليه، وكرّ صحبة «3» ركابه إلى استرجاع حقّه، فلطف منه محلّه، وخصّه بكتابة سرّه. وثابت الحال، ودالت الدولة، وكانت له الطائلة، فأقرّه على رسمه معروف الانقطاع والصّاغية، كثير الدالّة، مضطلعا بالخطّة خطّا وإنشاء ولسنا ونقدا، فحسن منابه، واشتهر فضله، وظهرت مشاركته، وحسنت وساطته، ووسع الناس تخلّقه، وأرضى للسلطان حمله، وامتدّ في ميدان النثر «4» والنظم باعه، فصدر عنه من المنظوم في أمداحه قصائد بعيدة الشّأو في مدى الإجادة، [حسبما يشهد بذلك، ما تضمّنه اسم السلطان، أيّده الله، في أول حرف الميم، في الأغراض المتعددة من القصائد والميلاديّات، وغيرها «5» ] . وهو بحاله الموصوفة إلى الآن «6» ، أعانه الله تعالى «7» وسدّده. شيوخه: قرأ «8» العربية على الأستاذ رحلة الوقت «9» في فنّها أبي عبد الله بن الفخّار ثم على إمامها «10» القاضي الشريف، إمام الفنون اللّسانية، أبي القاسم محمد بن أحمد الحسني، والفقه والعربية على الأستاذ المفتي أبي سعيد بن لب، واختصّ بالفقيه الخطيب الصّدر المحدّث أبي عبد الله بن مرزوق فأخذ عنه كثيرا من الرّواية، ولقي القاضي الحافظ أبا عبد الله المقري عندما قدم «11» رسولا إلى الأندلس، وذاكره، وقرأ الأصول الفقهية على أبي علي منصور الزّواوي، وروى «12» عن جملة، منهم القاضي أبو البركات ابن الحاج، والمحدّث أبو الحسن «13» ابن التلمساني، والخطيب أبو عبد الله ابن اللوشي، والمقرئ أبو عبد الله ابن بيبش. وقرأ بعض الفنون العقلية بمدينة فاس على الشّريف الرحلة الشهير أبي عبد الله العلوي التّلمساني، واختصّ به اختصاصا لم يخل فيه من إفادة «14» مران وحنكة في الصّناعة «15» . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 197 شعره: وشعره «1» مترام إلى نمط «2» الإجادة، خفاجيّ «3» النّزعة، كلف بالمعاني البديعة، والألفاظ الصّقيلة، غزير المادة. فمنه في غرض النّسيب «4» : رضيت بما تقضي عليّ وتحكم ... أهان فأقصى أم أصافي فأكرم إذا كان قلبي في يديك قياده ... فمالي عليك في الهوى أتحكّم على أن روحي في يديك بقاؤه ... بوصلك يحيى أو بهجرك يعدم وأنت إلى المشتاق نار وجنّة ... ببعدك يشقى أو بقربك ينعم ولي كبد تندى إذا ما ذكرتم ... وقلب بنيران الشوق يتضرّم ولو كان ما بي منك بالبرق ما سرى ... ولا استصحب الأنواء تبكي وتبسم أراعي نجوم الأفق في اللّيل ما دجى ... وأقرب من عينيّ للنوم أنجم وما زلت أخفي الحبّ عن كل عادل ... وتشفي دموع الصّب ما هو يكتم كساني الهوى ثوب السّقام وإنه ... متى صحّ حبّ المرء لا شيء يسقم فيا من له العقل الجميل سجيّة ... ومن جود يمناه الحيا يتعلّم وعنه يروّي الناس كلّ غريبة ... تخطّ على صفح الزمان وترسم إذا أنت لم ترحم خضوعي في الهوى ... فمن ذا الذي يحني عليّ ويرحم وحلمك حلم لا يليق بمذنب ... فما بال ذنبي عند حلمك يعظم؟ وو الله ما في الحيّ حيّ ولم ينل ... رضاك وعمّته أياد وأنعم ومن قبل ما طوّقتني كل نعمة ... كأنّي وإياها سوار ومعصم وفتّحت لي باب القبول مع الرضى ... يغضّ الحيّ طرفي كأني مجرم ولو كان لي نفس تخونك في الهوى ... لفارقتها طوعا وما كنت أندم وأترك أهلي في رضاك إلى الأسى ... وأسلم نفسي في يديك وأسلم أما والذي أشقى فؤادي في الهوى ... وإن كان في تلك الشّقاوة ينعم لأنت من قلبي ونزهة خاطري ... ومورد آمالي وإن كنت أحرم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 198 ومن ذلك ما خاطبني به، وهي «1» من أول نظمه، قصيدة مطلعها: [الطويل] «أما وانصداع النّور في «2» مطلع الفجر» وهي طويلة «3» . ومن بدائعه التي عقم عن مثلها قياس قيس، واشتهرت بالإحسان اشتهار الزّهد بأويس «4» ، ولم يحل مجاريه ومباريه إلّا بويح وويس، قوله في إعذار الأمير ولد سلطانه، المنوّه بمكانه، وهي من الكلام الذي عنيت الإجادة بتذهيبه وتهذيبه، وناسب الحسن بين مديحه ونسيبه «5» : [الطويل] معاذ الهوى أن أصحب القلب ساليا ... وأن يشغل اللوّام بالعذل باليا دعاني أعط الحبّ فضل مقادتي ... ويقضي عليّ الوجد ما كان قاضيا ودون الذي رام العواذل صبوة ... رمت بي في شعب الغرام المراميا وقلب إذا ما البرق أومض موهنا «6» ... قدحت به زندا من الشوق واريا خليليّ إني يوم طارقة النّوى ... شقيت بمن لو شاء أنعم باليا وبالخيف يوم النّفر يا أمّ مالك ... تخلّفت «7» قلبي في حبالك عانيا «8» وذي أشر عذب الثّنايا مخصّر ... يسقّي به ماء النعيم الأقاحيا أحوم عليه ما دجا الليل ساهرا ... وأصبح دون الورد ظمآن صاديا «9» يضيء ظلام الليل ما بين أضلعي ... إذا البارق النّجديّ وهنا بدا ليا أجيرتنا بالرّمل والرّمل منزل ... مضى العيش فيه بالشّبية حاليا ولم أر ربعا منه أقضى لبانة ... وأشجى حمامات وأحلى مجانيا سقت طلّه «10» الغرّ الغوادي ونظّمت ... من القطر في جيد الغصون لآليا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 199 أبثّكم أني على النّأي حافظ ... ذمام الهوى لو تحفظون ذماميا أناشدكم والحرّ أوفى بعهده ... ولن يعدم الأحسان والخير «1» جازيا وورد «2» على السلطان أبي سالم ملك المغرب، رحمة الله تعالى عليه، وفد الأحابيش بهديّة من ملك السودان، ومن جملتها الحيوان الغريب المسمّى بالزّرافة «3» ، فأمر من يعاني الشعر من الكتّاب بالنظم في ذلك الغرض، فقال وهي من بدائعه: [الكامل] لولا تألّق بارق التّذكار ... ما صاب واكف دمعي المدرار لكنه مهما تعرّض خافقا ... قدحت يد الأشواق زند أواري «4» وعلى «5» المشوق إذا تذكّر معهدا ... أن يغري الأجفان باستعبار أمذكّري غرناطة حلّت بها ... أيدي السّحاب أزرّة النّوّار؟ كيف التخلّص للحديث وبيننا «6» ... عرض الفلاة وطافح زخّار «7» ؟ وغريبة قطعت إليك على الونى ... بيدا تبيد بها هموم السّاري تنسيه طيّته «8» التي قد أمّها ... والرّكب فيها ميّت الأخبار يقتادها من كلّ مشتمل الدّجى ... وكأنما عيناه جذوة نار خاضوا بها لجج الفلا فتخلّصت ... منها خلوص البدر بعد سرار سلمت بسعدك من غوائل مثلها ... وكفى بسعدك حاميا لذمار وأتتك يا ملك الزمان غريبة ... قيد النّواظر نزهة الأبصار موشيّة الأعطاف رائقة «9» الحلى ... رقمت بدائعها يد الأقدار راق العيون أديمها فكأنه ... روض تفتّح عن شقيق بهار ما بين مبيضّ وأصفر فاقع ... سال اللّجين به خلال نضار يحكي حدائق نرجس في شاهق ... تنساب فيه أراقم الأنهار الجزء: 2 ¦ الصفحة: 200 وأنشد «1» السلطان في ليلة ميلاد رسول الله صلى الله عليه وسلم، عقب ما فرغ من البنية الشهيرة ببابه، رحمه الله تعالى: [الطويل] تأمّل أطلال الهوى فتألّما ... وسيما الجوى والسّقم منها تعلّما أخو زفرة هاجت له منه «2» ذكرة ... فأنجد في شعب الغرام وأتهما وأنشد «3» السلطان في وجهة للصّيد أعملها، وأطلق أعنّة الجياد في ميادين ذلك الطّراد وأرسلها قوله: [الكامل] حيّاك يا دار الهوى من دار ... نوء السّماك بديمة مدرار وأعاد وجه رباك طلقا مشرقا ... متضاحكا بمباسم النّوّار أمذكّري دار الصّبابة والهوى ... حيث الشّباب يرفّ «4» غصن نضار عاطيتني عنها الحديث كأنما ... عاطيتني عنها كؤوس عقار إيه وإن أذكيت نار صبابتي ... وقدحت زند الشّوق بالتّذكار يا زاجر الأظعان وهي مشوقة ... أشبهتها في زفرة وأوار حنّت إلى نجد وليست دارها ... وصبت إلى هنديّة والقار «5» شاقت به برق الحمى واعتادها ... طيف الكرى بمزارها المزوار «6» ومن شعره في غير المطولات «7» : [الطويل] لقد زادني وجدا وأغرى بي الجوى ... ذبال «8» بأذيال الظّلام قد التفّا تشير وراء الليل منه بنانة ... مخضّبة والليل قد حجب الكفّا تلوح سنانا حين لا تنفح الصّبا ... وتبدو «9» سوارا حين تثني له العطفا قطعت به ليلا يطارحني الجوى ... فآونة يبدو وآونة يخفى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 201 إذا قلت لا يبدو أشال لسانه ... وإن قلت لا يخبو الصّبابة إذ لفّا «1» إلى أن أفاق الصّبح من غمرة الدّجى ... وأهدى نسيم الروض من طيبه عرفا لك الله يا مصباح أشبهت مهجتي ... وقد شفّها من لوعة الحبّ ما شفّا وممّا ثبت له في صدر رسالة «2» : [الطويل] أزور بقلبي معهد الأنس والهوى ... وأنهب من أيدي النسيم رسائلا ومهما سألت البرق يهفو من الحمى ... يبادره «3» دمعي مجيبا وسائلا فياليت شعري والأماني تعلّل ... أيرعى لي الحيّ الكرام الوسائلا؟ وهل جيرتي الأولى كما قد عهدتهم ... يوالون بالإحسان من جاء سائلا؟ ومن أبياته الغراميات «4» : [الوافر] قيادي قد تملّكه الغرام ... ووجدي لا يطاق ولا يرام «5» ودمعي دونه صوب الغوادي ... وشجوي «6» فوق ما يشدو «7» الحمام إذا ما الوجد لم يبرح فؤادي ... على الدّنيا وساكنها السّلام وفي غرض يظهر من الأبيات «8» : [الطويل] ومشتمل بالحسن أحوى مهفهف ... قضى رجع طرفي من محاسنه الوطر «9» فأبصرت أشباه الرياض محاسنا ... وفي خدّه جرح بدا منه لي أثر فقلت لجلّاسي خذوا الحذر إنما ... به وصب من أسهم الغنج والحور ويا وجنة قد جاورت سيف لحظه ... ومن شأنها تدمي من اللّمح بالبصر تخبّل للعينين جرحا وإنما ... بدا كلف منه على صفحة القمر الجزء: 2 ¦ الصفحة: 202 وممّا يرجع إلى باب الفخر، ولعمري لقد صدق في ذلك «1» : [الطويل] ألائمة «2» في الجود والجود شيمتي «3» ... جبلت على آثارها «4» يوم مولدي ذريني فلو أنّي أخلّد بالغنى ... لكنت ضنينا بالذي ملكت يدي ومن مقطوعاته «5» : [المتقارب] لقد علم الله أنّي امرؤ ... أجرّر ثوب العفاف القشيب فكم غمّض الدهر أجفانه ... وفازت قداحي بوصل الحبيب وقيل رقيبك في غفلة ... فقلت أخاف الإله الرّقيب وفي مدح كتاب «الشّفا» «6» طلبه الفقيه أبو عبد الله بن مرزوق عندما شرع في شرحه «7» : [الطويل] ومسرى ركاب للصّبا قد ونت به ... نجائب سحب للتراب نزوعها تسلّ سيوف البرق أيدي حداتها ... فتنهلّ خوفا من سطاها دموعها ومنها: ولا مثل تعريف الشّفاء حقوقه ... فقد بان فيه للعقول جميعها بمرآة حسن قد جلتها يد النّهى ... فأوصافه يلتاح فيه بديعها نجوم اهتداء، والمداد يجنّها ... وأسرار غيب واليراع تذيعها لقد حزت فضلا يا أبا الفضل شاملا ... فيجزيك عن نصح البرايا شفيعها ولله ممّن قد تصدّى لشرحه ... فلبّاه من غرّ المعاني مطيعها فكم مجمل فصّلت منه وحكمة ... إذا كتم الإدماج منه تشيعها محاسن والإحسان يبدو خلالها ... كما افترّ «8» عن زهر البطاح ربيعها الجزء: 2 ¦ الصفحة: 203 إذا ما أصول المرء طابت أرومة «1» ... فلا عجب أن أشبهتها فروعها بقيت لأعلام الزمان تنيلها ... هدى ولأحداث الخطوب تروعها ومما امتزج فيه نثره ونظمه، وظهر فيه أدبه وعلمه، قوله يخاطبني جوابا عن رسالة خاطبت بها الأولاد، وهم مع مولانا أيّده الله بالمنكّب «2» : [مخلع البسيط] ما لي بحمل الهوى يدان ... من بعد ما أعوز التّداني أصبحت أشكو إلى «3» زمان ... ما بتّ منه على أمان ما بال عينيك تسجمان ... والدّمع يرفضّ كالجمان؟ ناداك والإلف عنك وان ... والبعد من بعده كواني؟ «4» يا شقّة «5» النفس، من هوان ... لجج «6» في أبحر الهوان لم يثنني «7» عن هواك ثان ... يا بغية القلب «8» قد كفاني «9» يا جانحة الأصيل، أين يذهب قرصك المذهّب، وقد ضاق بالشوق المذهب. أمست شموس الأنس محجوبة عن عيني، وقد ضرب البعد الحجاب بينها وبيني. وعلى كل حال، من إقامة وارتحال. فما محلك من قلبي محلا بينها. وما كنت لأقنع من وجهك تخيّلا وشبيها. ومن أين انتظمت لك عقول التّشبيه واتّسقت، ومن بعض المواقع والشمس لو قطعت. صادك منذور، وأنت تتجمل بثوبي زور، وجيب الظلام على دينارك حتى الصباح مزرور، ووراءك من الغروب غريم لا يرحم، ومطالب تتقلّب منه في كفّه المطالب. ويا برق الغمام من أي حجاب تبتسم، وبأي صبح ترتسم، وأي غفل من السحاب تسم. أليست مباسم الثغور، لا تنجد بأفقي ولا تغور؟ هذا وإن كانت مباسمك مساعدة، والجوّ ملبس لها من الوجوم شعارا، فلطالما ضحكت فأبكت الغوادي، وعقت الرائح والغادي. أعوذ بواشم البروق، بنواسم الطّفل والشروق، ذوات الزائرات المتعددة الطّروق، فهي التي قطعت وهادا ونجادا، واهتدت بسيف الصباح من السحاب قرابا ومن البروق نجادا، واهتدت خبر الذين أحبّهم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 204 مستظرفا مستجادا، فعالها ولعلها، والله يصل في أرض الوجود نهلها وعلّها، وأن يبل ظعين الشوق بنسيمها البليل، وأن نعوضه من نار الغليل، بنار الخليل، وخير طبيب يداوي الناس وهو عليل. فشكواي إلى الله لا أشكو إلى أحد. هل هو إلّا فرد تسطو رياح الأشواق على ذبالته، وعمر الشوق قد شبّ على الطّوق، ووهب الجمع للفرق ولم يقنع بالمشاهدة بالوصف دون الذّوق. وقلب تقسم أحشاؤه الوجد، وقسم باله الغور والنّجد. وهموم متى وردت قليب القلب، لم تبرح ولم تعد، فلله الأمر من قبل ومن بعد. أستغفر الله يا سيدي الذي يوقد أفكاري حلو لقائه، وأتنسّم أرواح القبول من تلقائه، وأسأل الله أن يديم لي آمالي بدوام بقائه. إن بعد مداه، قربت منّا يداه، وإن أخطأنا رفده أصبنا نداه. فثمرات آدابه الزّهر تجيء إلينا، وسحائب بنانه الغرّ تصوّب دوالينا أو علينا، على شحط هواه، وبعد منتواه. ولا كرسالة سيدي الذي عمّت فضائله وخصّت، وتلت على أولياء نعمته أنباء الكمال وقصّت، وآي قضى كل منها عجبا، ونال من التماح غرّتها واجتلاء صفحتها أربا. فلقد كرمت عنه بالاشتراك في بنوّته الكريمة نسبا، ووصلت لي بالعناية منه سببا. تولّى سيدي خيرك من يتولّى خير المحسنين، ويجزل شكر المنعمين. أما ما تحدّث به من الأغراض البعيدة العذيبة، وأخبر عنه من المعاني الفريدة العجيبة، والأساليب المطيلة، فيعجز عن وصفه، وإحكام رصفه، القلم واللسان، ويعترف لها بالإبداع المستولي على أمد الإحسان البديع وحسّان. ولقد أجهدت جياد الارتجال، في مجال الاستعجال، فما سمحت القريحة إلّا بتوقّع الآجال، وعادت من الإقدام إلى الكلال. فعلمت أن تلك الرسالة الكريمة، من الحق الواجب على من قرأها وتأمّلها، أن لا يجري في لجّة من ميادينها، ويديم يراع سيدي الإحسان كرينها، لكن على أن يفسح الرياض للقصي مدى، ويقتدي بأخلاق سيدي التي هي نور وهدى، فإنه والله يبقيه، ويقيه ممّا يتّقيه، بعد ما أعاد في شكوى البين وأبدى، وتظلّم من البعد واستعدى، ورفع حكم العتاب عن ذرات النّسيم والاقتعاب، ورعى وسيلة ذكرها في محكم الكتاب. وولّى فضله ما تولّى، وصرف هواه إلى هوى المولى أن صور السعادة على رأيه، أيّده الله تجلّى، وثمرة فكره المقدس، أيّده الله تتحلّى. شكر الله له عن جميع نعمه التي أولى، وحفظ عليه مراتب الكمال التي هو الأحقّ بها والأولى. وقد طال الكلام، وجمحت الأقلاح. ولسيدي وبركتي الفضل، أبقى الله بركته، وأعلى في الدارين درجته، والسلام الكريم يخصّكم، من مملوككم ابن زمرك، ورحمة الله وبركاته، في الخامس عشر لجمادى الأولى عام تسعة وستين. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 205 وخاطبني كذلك، وهو من الكلام المرسل: أبو معارفي، ووليّ نعمتي، ومعيد جاهي، ومقوّم كمالي، ومورد آمالي، ممن توالى نعمه عليّ، ويتوفّر قسمه لدي؛ وأبوء له بالعجز، عن شكر أياديه التي أحيت الأمل، وملأت أكفّ الرغبة، وأنطقت الحدائق، فضلا عن اللسان، وأياديه البيض وإن تعددت، ومننه العميمة وإن تجدّدت، تقصر عن إقطاع أسمى شرف المجلس في الروض الممطور بيانه. فماذا أقول، فيمن صار مؤثرا إليّ بالتقديم، جاليا صورة تشريفي، بالانتساب إليه في أحسن التقويم ... «1» وإني ثالث اثنين أتشرف بخدمتها، وأسحب في أذيال نعمتها: [الطويل] خليليّ، هل أبصرتما أو سمعتما ... بأكرم من تمشي إليه عبيد؟ اللهمّ، أوزعني شكر هذا المنعم، الذي أثقلت نعمه ظهر الشكر، وأنهضت كمال الحمد، اللهمّ أدم بجميع حياته، وأمتع بدوام بقائه الإسلام والعباد، وأمسك بيمن آرائه رمق ثغر الجهاد. يا أكرم مسئول، وأعزّ ناصر. تفضّل سيدي، والفضل عادته، بالتعريف بما يقرّ عين التطلّع ويقنع غلّة التشوّف. ولقد كان المماليك لما مثلنا بين يدي مولانا، أيّده الله، لم يقدم عملا عن السؤال ولا عن الحال، إقامة لرسم الزيارة، وعملا بالواجب، فإنني أرى الديار بطرفي، فعلى أن أرى الديار بعيني، وعلى ذلك يكون العمل إن شاء الله. وإن سأل سيدي شكر الله احتفاءه، وأبقى اهتمامه، عن حال المماليك، من تعب السفر، وكدّ الطريق، فهي بحمد الله دون ما يظنّ. فقد وصلنا المنكّب تحت الحفظ والكلاءة، محرزين شرف المساوقة، لمواكب المولى، يمن الله وجهته، وكتب عصمته، واستقرّ جميعنا بمحلّ القصبة، وتاج أهبتها، ومهبّ رياح أجرائها، تحت النعم الثرّة، والأنس الكامل الشامل. قرّب الله أمد لقائكم، وطلع على ما يسرّ من تلقائكم. ولما بلغنا هذه الطّيّة، وأنخنا المطيّة، قمنا بواجب تعريفكم على الفور بالأدوار، ورفعنا مخاطبة المالك على الابتدا. والسلام. مولده: في الرابع عشر من شوال ثلاثة وثلاثين وسبعمائة. انتهى السفر السادس هنا، والحمد لله ربّ العالمين الجزء: 2 ¦ الصفحة: 206 ومن السفر السابع المفتتح بقوله ومن الطّارئين منهم في هذا الباب محمد بن أحمد بن محمد بن أبي خيثمة الجبّائي سكن غرناطة، يكنى أبا الحسن. حاله: كان مبرّزا في علوم اللسان نحوا ولغة وأدبا، متقدما في الكتابة والفصاحة، جامعا فنون الفضائل، على غفلة كانت فيه. مشيخته: روى عن أبي الحسن بن سهل، وأبي بكر بن سابق، وأبي الحسن بن الباذش، وأبي علي الغساني وغيرهم. وصحب أبا الحسن بن سراج صحبة مواخاة. تواليفه: صنّف في شرح غريب البخاري مصنّفا مفيدا. وفاته: توفي ليلة الثامن والعشرين من جمادى الأولى سنة أربعين وخمسمائة. محمد بن أحمد بن عبد الله بن أحمد الإستجّي الحميري من أهل مالقة، وأصله من إستجّة، انتقل سلفه إلى مالقة، يكنّى أبا عبد الله. حاله: كان من جملة حملة العلم، والغالب عليه الأدب، وكان من أهل الجلالة، ومن بيت علم ودين. أقرأ ببلده، وقعد بالجامع الكبير منه، يتكلّم على صحيح البخاري، وانتقل في آخر عمره إلى غرناطة. وقال الأستاذ «1» : كان من أبرع أهل زمانه في الأدب نظما ونثرا. شعره: منقولا من خط الوزير الرّاوية أبي محمد عبد المنعم بن سماك، وقد ذكر أشياخه فقال: الشيخ المتفنن الأديب، البارع، الشاعر المفلق، قرأ على أشياخها، وأقرأ وهو دون العشرين سنة. وكانت بينه وبين الأستاذ المقرئ الشهير أبي العباس، الملقب بالوزعي، قرابة، وله قصيدة أولها: [الكامل] ما للنسيم لدى الأصيل عليلا ومنها: حتى النسيم إذا ألّم بأرضهم ... خلعوا عليه رقّة ونحولا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 207 وكان يقول: كان الأستاذ أبو العباس يستعيدني هذا البيت ويقول: نعم أنت قريبي. وقدم على غرناطة، أظنّ سنة تسع وثلاثين وستمائة. محنته: قال الأستاذ: جرى له قصة، نقل بعض كلامه فيها، على بعض أحاديث الكتّاب من جهة استشهاد أدبي عليه فيها، غالب أدبه، فأطلق عنان الكلام، وما أكثر مما يطاق فيما يأنفه إدراكات تلك الأفهام، ولكل مقام مقال، ومن الذي يسلم من قيل وقال. وكان ذلك سبب الانقطاع، ولم يؤت من قصر باع، وانتقل إلى غرناطة، فتوفي في أثر انقطاعه وانتقاله. شعره: من ذلك قوله في غرض يظهر من الأبيات: [الطويل] قضوا في ربى نجد ففي القلب مرساه ... وغنّوا إن أبصرتم «1» ثمّ مغناه أما هذه نجد أما ذلك الحمى؟ ... فهل عميت عيناه أم صمّ «2» أذناه؟ دعوه يوفّي ذكره باتّشامه ... ديون هواه قبل أن يتوفّاه ولا تسألوه سلوة فمن العنا ... رياضة من قد شاب في الحب فوداه «3» أيحسب من أصلى فؤادي بحبّه ... بأني «4» سأسلو عنه، حاشاه حاشاه؟ متى غدر الصّبّ الكريم وفى «5» له ... وإن أتلف القلب الحزين تلافاه وإن حجروا معناه وصرّحوا به ... فإن معناه أحقّ بمعناه ويا سابقا عيس الغرام سيوفه ... وكلّ إذا يخشاه في الحبّ يخشاه أرحها فقد ذابت من الوجد والسّرى ... ولم يبق إلّا عظمها أو بقاياه ويا صاحبي عج بي على الخيف «6» من منى ... وما للتعنّي «7» لي بأنّي ألقاه وعرّج على وادي العقيق لعلّني ... أسائل عمّن كان بالأمس مأواه وقل للّيالي قد سلفن بعيشه ... وعمر على رغم العذول قطعناه هل العود أرجوه أم العمر ينقضي ... فأقضي ولا يقضى الذي أتمنّاه؟ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 208 ومن شعره أيضا، قوله، رحمه الله: [الطويل] سرت من ربى نجد معطّرة الرّيّا ... يموت لها قلبي وآونة يحيا تمسّح أعطاف الأراك بليلة ... وتنثر كافورا على التربة اللّميا وترتدّ «1» في حجر الرياض مريضة ... فتحيي بطيب العرف من لم يكن يحيا وبشرى «2» بأنفاس الأحبّة سحرة ... فيسرع دمع العين في إثرها جريا سقى «3» الله دهرا ذكره بنعيمه ... فكم لجفوني عند ذكراه من سقيا نآني «4» محيّاه الأنيق وحسنه ... ومن خلقي قد كنت لا أحمل النأيا وبي رشأ من أهل غرناطة غدا ... يجود بتعذيبي ويبخل باللّقيا رماني فصابني «5» بأول نظرة ... فيا عجبا من علّم الرّشأ الرّميا وبدّد جسمي نوره وكأنه ... أشعّة شمس قابلت جسدي مليا تصوّر لي من عالم الحسن خالصا ... فمن عجب أن كان من عالم الدنيا وهمّ بأن يرقى إلى الحور جسمه ... فثقّلته كتبا وحمّلته حليا إذا ما انثنى أو لاح أو جاح أو رنا ... سبا القصب والأقمار والمسك والضيا رعى الله دهرا كان ينشر وصله ... برود طواها البين في صدره طيّا مشيخته: ومما يشتمل على أسماء شيوخه، ويدلّ على تبحّره في الأدب ورسوخه، إجازته أبا الوليد إسماعيل بن تبر الأيادي، وعندها يقال: أتى الوادي: [الخفيف] إنّ لي عند كلّ نفحة بستا ... ن من الورد أو من الياسمينا نظرة والتفاتة أتمنّى ... أن تكوني حللت فيما تلينا ما هذه الأنوار اللائحة، والنّوار الفائحة، إني لأجد ريح الحكمة، ولا مفنّد، وأرد مورد النعمة، ولا منكد، أمسك دارين ينهب، أم المندل الرطب في الغرام الملهب، أم نفحت أبواب الجنّة ففاح نسيمها، وتوضحت أسباب المنّة فلاح الجزء: 2 ¦ الصفحة: 209 وسيمها: [الطويل] محيّاك أم نور الصباح تبسّما ... وريّاك أم نور الأقاحي «1» تنسّما فمن شمّ من ذا نفحة رقّ شيمة ... ومن شام من ذا لمحة راق مبسما؟ أجل خلق الإنسان من عجل. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لتفهموا أسرار الحكم وتعوا، وإذا رأيتم رياض الجنّة فارتعوا، يعني مجالس الذّكر، ومأنس النظر والفكر، ومطالع المناظرة، ومواضع المحاضرة، فهذه بتلك، وقد انتظمت الجواهر النبوية في سلك، ولهان حمى للعطارة وطيس، بين مسك المداد وكافور القراطيس. فيا أيها المعلم الأوحد، والعالم الذي لا تنكر أمامته ولا تجحد، حوّمت على علم الملوك، ولزمت بحلم طريق الحكم المسلوك، فلم تعد أمل الحكماء، ولم تعد إلّا بعمل العلماء، وقد قال حكيمهم الفاضل، وعظيمهم الذي لا مناظر له ولا مفاضل: إذا خدمت الأمراء فكن بين استلطاف واستعطاف، تجن المعارف والعوارف دانية القطاف، فتعلّمهم وكأنك تتعلّم منهم، وترويهم وكأنك تروي عنهم، فأجريت الباب، وامتريت من العلم اللّباب، ثم لم تبعد، فقد فعل النحويون ذلك في يكرم، ويعد، ويعزّ، ولا غرو أن تقرأ على من هو دونك، وتستجيز الإجازة عن القوم العظام يقصدونك. فهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم، قد أمره الله بأن يقرأ على أبيّ بن كعب، فهل في حيّ الخواطر الذكية من حيّ؟ فقال له، رضي الله عنه: الله أمرك أن تقرأ عليّ، والعناية الرّبانية تنادي إليّ إليّ، وإذا قال لي: من أحبّ مولاي، واستعار لزينته حلاي: فما على الحبيب من اعتراض ... وللطّبيب تصرّف في المراض «2» قد يرحل المرء لمطلوبه ... والسبب المطلوب في الرّاحل «3» عجت متواضعا، فما أبرمت في معاجك، ولا ظلمت في السؤال نعجته إلى نعاجك، فإنه سرّ الله، لا يحلّ فيه الإفشاء، وحكمة الله البالغة، والله يؤتي الحكمة من يشاء، وإن لبست من التواضع شعارا، ولبست عن الترفع تنبيها على السّر المكتوم وإشعارا، فهذه الثريّا من العجائب إذا ارتفعت في أعلى صعودها، وأسمى راياتها الخافقة وبنودها، نهاية وجودها الحسّي عدم، وغاية وصفها الشّبهي أن تشبّه بقدم، فإذا همّت بالركوع، وشمّت في المغرب ريح الوقوع، كان لها من السّمو القدح الجزء: 2 ¦ الصفحة: 210 المعلّى، وعادت قرطا تتزيّن به الآذان وتتحلّى: وفي الشرق كأس وفي مغاربها ... قرط وفي وسط السماء قدم هذه آثار التواضع متلوّة السّور، مجلوّة الصّور، وكان بعضهم إذا أعطى الصّدقة، يعطيها ويده تحت يد السّائل، وهكذا تفهم المسائل. فإنه لما سمع النبوة تقول: اليد العليا خير من اليد السّفلى، أراد أن يؤثر المقام الأعلى. ولما أعطى أبو بكر، رضي الله عنه، ماله كله، أعطى عمر، رضي الله عنه، النصف من المال، لا احتياطا على ماله، ولكن ليقف لأبي بكر في مقام القصور عن كماله، تفويضا وتسليما، وتنبيها لمن كان له قلب وتعليما. ورؤي الدّارقطني، رحمه الله عليه، يحبس أباه بركابه، فلا ينكر عليه، فقيل له في ذلك، فقال: رأيته يبادر إلى فضيلة، فكرهت مخالفته: [البسيط] فوق السماء وفوق الزّهر ما طلبوا ... وهم إذا «1» ما أرادوا غاية نزلوا وإلى هذا وصل الله حفظك، وأجزك من الخيرات حظّك، فإنه وصلتني الكرّاسة المباركة، الدّالّة على التفنن في العلوم والمشاركة، فبينما أنا أتلو الإجازة، وأريق صدور البيان وإعجازه، ألقي إليّ كتاب كريم، إنه من أبي الوليد، وإنه بسم الله الرحمن الرحيم، فحرت، ووقفت كأنني سحرت، وقلت: ساحران تظاهرا معا، وأحدهما قاتلي، فكيف إذا اجتمعا: [الطويل] فلو كان رمحا واحدا لاتّقيته ... ولكنه رمح وثان وثالث ومن لعبت بشيمته المثاني ... فأحرى أن تطير به المثالث «2» وطار بي الشوق كلّ مطار، وقرأت سماء فكرتي سورة الانفطار، وكدت أصعد إلى السماء توقّدا، واختلط بالهواء تودّدا: [الكامل] كانت جواهرنا أوائل قبل ذان ... فالآن صارت بالتحول ثوان وجدت وراء الحسن وهي كثيفة ... فوجودهن الآن في الأذهان ولم يكف أن بهرت بالحسن الخلوب، حتى أمرت أن أنظم على ذاك الأسلوب، وبالحريّ لذلك النثر البديع، الحريريّ أو البديع، ولذلك النّظم العجيب، المتنبي أو حبيب، ولذلك التصوف الرقيق، الحارث بن أسد ذي التحقيق. وأما الحديث، فما لك تقطع تلك المسالك، إلّا أن العربية ليس لأحد معه فيها دليل، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 211 أستغفر الله إلّا للخليل، لكن أصول الدين مجريّة، تركت تلك الميادين. هنّاك الله جمع كل منقبة جليلة، فترى الفضيلة لا تردّ فضيلة، فمر الرديف وقد ركب غضنفرا، أو المدّعي صفة فضل، وكلّ الصّيد في جوف الفرا «1» . من يزحم البحر يغرق، ومن يطعم الشجر يشرق. وهل يبارى التوحيد بعمل، أو يجارى البراق بجمل؟ ذلك انتهى إلى سدرة المنتهى، وهل انبرى ليلطم خدّه في الثرى؟ لا تقاس الملائكة بالحدّادين، ولا حكماء يونان بالفدادين. أفي طريق الكواكب يسلك، وعلى الفلك الأثير يستملك؟ أين الغد من الأمس، وظلمة الغسق من وضح الشمس؟ ولولا ثقتي بغمام فضلك الصّيّب، لتمثلت لنفسي بقول أبي الطيب «2» : [الطويل] إذا شاء أن يلهو بلحية أحمق ... أراه غباري ثم قال له ألحق «3» فإن رضيت أيها العلم، فما لجرح إذا أرضاكم. ألم تر كيف أجاري أعوج بمغرب أهوج وأجاري ذا العقال بجحش في عقال؟ ظهر بهذه الظّلمة، ذلك الضياء، وبضدّها تتبين الأشياء. وما يزكو بياض العاج حتى يضاف إلى سواد الأبنوس. ألفاظ تذوب رقّة، وأغراض تملك حبّ الكريم ورقّة الزّهر، والزّهر بين بنان وبيان، والدرّ طوع لسان وإحسان: [الوافر] وقالوا ذاك سحر باهليّ «4» ... فقلت وفي مكان الهاء باء وأما محاسن أبي الوليد، فيقصر عنها أبو تمام وابن الوليد: [المتقارب] معان لبسن ثياب الجمال ... وهزّت لها الغانيات القدودا كسون عبيدا ثياب عبيد ... وأضحى لبيد لديها بليدا وكيف أعجب من إجرائك لهذه الجياد، وأياديك من إياد؟ أورثت هذه البراعة المساعدة، عن قسّ بن ساعدة؟ أجدّك أنت الذي وصف رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: كأني أنظر إليه في سوق عكاظ على جمل أورق، وهو يقول أيها الناس: مطر ونبات، وآباء وأمهات، إلى قوله: [مجزوء الكامل] في الذاهبين الأوّلي ... ن من القرون لنا بصائر الجزء: 2 ¦ الصفحة: 212 لمّا رأيت موارد ... للموت ليس لها مصادر أيقنت أنّي لا محا ... لة حيث صار القوم صائر إيه بغير تمويه. رجع الحديث الأول إلى ما عليه المعوّل. سألتني، أيها السيد الذي يجب إسعافه، أن أرغم أنف القلم حتى يجري رعافه، وأن أكحّل جفون الأوراق بمداد الأقلام، وأن أجمع الطّروس والأمدّة «1» ، بين إصباح وإظلام، وأطرّز بياض السّوسن بخضرة الآس، وأبرز العلم الأبيض تحت راية بني العباس، فقلت مبادرا ممتثلا، وجلت في ميدان الموافقة متمثّلا: [البسيط] لبّيك لبّيك أضعافا مضاعفة ... إنّي أجبت ولكن داعي الكرم أتى من المجد أمر لا مردّ له ... أمشي على الرأس فيه لا على القدم دعاء والله مجاب؛ ونداء ليس دونه حجاب: [المتقارب] كتبت ولو أني أستطيع ... لإجلال قدرك بين البشر قددت البراعة من أنملي ... كأنّ «2» المداد سواد البصر نعم أجزت، سيدي الفقيه الأجل، الخطيب الأكرم، العالم العلم، الأوحد الأكمل، الحسيب الأحفل الأطول، أبا الوليد بن الفقيه الأجل، المعظم الموقر، المكرم المبارك الأظهر، المرحوم أبي زكريا يحيى بن سعيد بن قتري الأيادي القرموني، ونبيه السّادات النجباء المباركين، أبا القاسم أحمد، وأبا إسحاق إبراهيم، وأبا الحسين بتزيا. ونعمت الأغصان والشجرة، والأقنان والثمرة، أقرّ الله بهم أعين المجد، ولا زالوا بدورا في مطالع السّعد، ولا برحوا في مكارم يجنون نوّارها، ويجتلون أنوارها، وتفيض عليهم يد العناية الإلهية، نهرها الكوثري ونهارها، جميع ما رويته قراءة وسماعا، وإجازة ومناولة، من العلوم على اختلافها، وتباين أصنافها، بأي وجه رويته، وعلى أي وصف تقلّدته ودريته، وكذلك أجزتهم جميع ما قلته وأقوله، من مسطور ومرسوم، ومنثور ومنظوم، وتصرّفت فيه من منقول ومفهوم، وقصائدي المسماة بالرّوحانيات، ومعشّراتي الحبيبات، وما نظمته من الوتريات، وشرحي لشعر أبي الطيب المسمى ب «ظهور الإعجاز بين الصدور والأعجاز» ، وكتابي المسمى «شمس البيان في لمس البنان» ، والزهرة الفائحة في الزّهرة اللائحة، ونفح الجزء: 2 ¦ الصفحة: 213 الكمامات في شرح المقامات، واقتراح المتعلمين في اصطلاح المتكلمين، وكتاب التّصوّر والتصديق، في التوطية لعلم التحقيق، ورقم الحلل، في نظم الجمل، ومفتاح الإحسان، في إصلاح اللسان. وما أنشأته من السلطانيات نظما ونثرا، وخطابة وشعرا. والله تعالى يجعل أعمالنا خالصة لوجهه بمنّه وكرمه، فليقل الفقيه الأجل، وبنوه الأكرمون، رضي الله عنهم، أنبأنا وأخبرنا وحدّثنا، أو ما شاءوا من ألفاظ الرواية، بعد تحري الشروط المرعيّة، في الإجازات الشرعية، وإن ذهبوا حفظ الله كمالهم، وأراهم في الدارين آمالهم، إلى تسمية من لي من المشايخ، قدّس الله أرواحهم، وزحزح عن النار أشباحهم: فمنهم الأستاذ الخطيب الكبير، العالم الفاضل الجليل، البقيّة الصالحة، آخر الأدباء، وخاتمة الفضلاء، أبو جعفر أحمد بن يحيى بن إبراهيم الحميري القرطبي الدّار، رضي الله عنه. قرأت عليه بقرطبة شعر أبي الطيب قراءة فهم لمعانيه، وإعراب لألفاظه؛ وتحقيق للغته، وتنقير عن بديعه. وكذلك قرأت عليه أكثر شعر أبي تمام. وسمعت عليه كتاب الكامل لأبي العباس المبرّد، ومقامات التميمي، كان يرويها عن منشئها، وكانت عنده بخط أبي الطاهر. وتفقهت عليه «تبصرة الضمري» . وكان على شياخته، رحمه الله، ثابت الذهن، مقبل الخاطر، حافظ المعيّا: [الوافر] يروع ركانة ويذوب ظرفا ... فما تدري أشيخ أم غلام نأتيه بمقاطيع الشعر فيصلحها لنا. ويقف على ما نستحسنه منها، فنجده أثبت منّا، ولقد أنشدته يوما، في فتى مفقود العين اليسرى: [الكامل] لم تزو إحدى زهرتيه ولا انثنت ... عن نورها وبديع ما تحويه لكنه قد رام يغلق جفنه ... ليصيب بالسّهم الذي يرميه فاستفادهما وحفظهما، ولم يزل، رحمه الله، يعيدهما مستحسنا لهما، متى وقع ذكرى. وكان يروي عن الإمام المازري بالإجازة، وعن القاضي أبي مروان بن مسرّة، وعن الأستاذ عباس، وعن أبي عبد الله بن أبي الخصال. ومنهم الفقيه الأجل العالم العدل، المحدّث الأكمل، المتفنن، الخطيب، القاضي أبو محمد بن حوط الله. سمعت عليه كتبا كثيرة بمالقة، بقراءة الفقيه الأستاذ أبي العباس بن غالب، ولقيته بقرطبة أيضا، وهو قاضيها. وحدّثني عن جدّي، وعن جملة شيوخ، وله برنامج كبير، وأخوه القاضي الفاضل أبو سليمان أيضا منهم. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 214 ومنهم الفقيه الأجلّ، العالم العلم، الأوحد، النحوي، الأديب المتفنن، أبو علي عمر بن عبد المجيد الأزدي، قرأت عليه القرآن العزيز مفردات، وكتاب الجمل، والإيضاح، وسيبويه تفقها، وكذلك الأشعار السّتة تفقها، وما زلت مواظبا له إلى أن توفي رحمه الله. وكان فريد عصره في الذكاء والزكا. ولم يكن في حلبة الأستاذ أبي زيد السّهيلي أنجب منه على كثرتهم. وقد قال الأستاذ أبو القاسم السهيلي للإمام المنصور، رضي الله: هو أقعد لكتاب سيبويه منّا. وقال لي يوما، وقد نظر إلى طالب يصغي بكليته إلى ثان، فقلت: ماذا؟ فقال: إنّ حبّ الشيء يعمي ويصمّ، فقلت له: ويعيد الصّبح ليلا مدلهمّ، فاستحسنه. ومنهم الفقيه الأجلّ، الأديب الأريب الكامل، اللغوي الشهير، أبو علي ابن كسرى الموري، قريبي ومعلّمي. وكان من طلبة أبي القاسم السّهيلي، وممن نبغ صغيرا. وهو الذي أنشد في طفولته السيد أبا إسحاق الكبير بإشبيلية: [الكامل] قسما بحمص «1» وإنه لعظيم ... فهي المقام وأنت إبراهيم وكان بالحضرة الأستاذ أبو القاسم السهيلي، فقام عند إتمامه القصيدة، فقال: لمثل هذا كنت أحسيك الحسا، ولمثل هذا كنت أواصل في تعليمك الإصباح والإمساء. وقد أنشد هذا لأمير المؤمنين أبي يعقوب «2» ، رضي الله عنه: [الطويل] أمعشر أهل الأرض بالطّول والعرض ... بهذا أنادي في القيامة والعرض فقد قال الله فيك ما أنت أهله ... فيقضى بحكم الله فيك بلا نقض فإياك يعنى ذو الجلال بقوله ... كذلك مكّنّا ليوسف في الأرض ومنهم الفقيه الأجل، العالم المحدّث، الحافظ الفاضل المؤثر، السيد أبو محمد القرطبي، قرأت عليه القرآن بالروايات مفردات، وتفقهت في الجمل والأشعار، وأجازني جميع ما رواه. وكذلك فعل كل واحد ممن تقدّم ذكره. وكان، رحمه الله، آخر الناس علما ونزاهة وحسن خلق، وجمال سمت وأبهة ووقار، وإتقان وضبط، وجودة وحفظ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 215 ومنهم الفقيه الأجل، الحاج الفاضل، الشّهيد في كائنة العقاب «1» ، المحدّث الورع، الزاهد الطاهر، أبو عبد الله بن حسين بن صاحب الصلاة الأنصاري، وعليه كان ابتدائي للقراءة، وكان مبارك التعليم، حسن التفهيم، شديد التواضع. ومنهم الفقيه الأجل الفاضل الورع، المحدث، الحاج الملهم، المجاب الدعوة، الميمون النّقيبة، الأوّاب، أبو الحجاج بن الشيخ، رضي الله عنه. وهذا الكتاب على الإطالة مني، ولكن القرطاس فنّي، والسلام الأتمّ عليكم، ورحمة الله وبركاته. قال ذلك، وكتبه العبد المعترف بذنبه، الراجي رحمة ربّه، محمد بن عبد الله الحميري ثم الإستجي، في أواسط شعبان المكرم من عام أحد وأربعين وستمائة. وفاته: من خطّ الوزير أبي محمد عبد المنعم بن سماك، قال: قدم غرناطة، أظنّ سنة تسع وثلاثين وستمائة، وشكى علّة البطن مدة ثمانية أشهر بدار أبي، رحمه الله، مرّضناه الثلاثة الأخوة، إلى أن توفي، رحمه الله، ودفن بمدفنه، مغنى الأدب، بروضة الفقيه أبي الحسن سهل بن مالك. محمد بن أحمد بن علي الهوّاري «2» يكنى أبا عبد الله، ويعرف بابن جابر، من أهل ألمريّة. حاله: رجل «3» كفيف البصر، مدلّ على الشعر، عظيم الكفاية والمنّة على زمانته «4» . رحل إلى المشرق، وتظافر «5» برجل من أصحابنا يعرف بأبي جعفر الإلبيري، صارا روحين في جسد، ووقع الشّعر منهما بين لحيي أسد، وشمّرا «6» للكدية، فكان وظيف الكفيف النّظم، ووظيف «7» البصير الكتب، وانقطع الآن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 216 خبرهما. وجرى ذكره في الإكليل بما نصّه «1» : محسوب من طلبتها الجلّة، ومعدود فيمن طلع بأفقها من الأهلّة، رحل إلى المشرق، وقد أصيب ببصره، واستهان في جنب الاستفادة «2» بمشقّة سفره، على بيان عذره، ووضوح ضرّه. شعره: وشعره كثير، فمنه قوله «3» : [الطويل] سلو مسرّ «4» ذاك الخال في صفحة الخدّ ... متى رقموا بالمسك في ناعم الورد ومن هزّ «5» غصن القدّ منها لفتنتي ... وأودعه رمّانتي ذلك النّهد ومن متّع «6» القضب اللّدان بوصلها «7» ... إلى أن أعرن «8» الحسن من ذلك القدّ فتاة تفتّ القلب مني بمقلة ... له رقّة الغزلان في سطوة الأسد تمنّيت أن تهدي إليّ نهودها ... فقالت رأيت البدر يهداه أو يهدي فقلت وللرّمان «9» بدّ من الجنى ... فتاهت وقالت باللّواحظ لا الأيدي فقلت أليس القلب عندك حاصلا «10» ؟ ... فقالت «11» قلوب الناس كلّهم عندي وقلت «12» اجعليني من عبيدك في الهوى ... فقالت كفاني كم لحسني من عبد إذا شئت أن أرضاك عبدا فمت جوى «13» ... ولا تشتكي «14» واصبر على ألم الصّدّ ألم تر النّحل يحمل ضرّها ... لأجل الذي تجنيه من خالص الشهد؟ كذلك بذل النّفيس سهل لذي النّهى ... لما يكسب الإنسان من شرف الحمد ألست ترى كفّ ابن جانة طالما «15» ... أضاع كريم المال في طلب المجد الجزء: 2 ¦ الصفحة: 217 ومن شعره أيضا قوله «1» : [الكامل] عرّج على بان العذيب وناد ... وأنشد فديتك أين «2» حلّ فؤادي وإذا مررت على المنازل بالحمى ... فاشرح هنالك لوعتي وسهادي إيه فديتك يا نسيمة خبّري ... أرب «3» الأحبّة والحمى والوادي يا سعد، قد بان العذيب وبانه ... فانزل فديتك قد بدا إسعادي خذ في البشارة مهجتي يوما إذا ... بان العذيب ونور حسن سعاد «4» قد صحّ عيدي يوم أبصر حسنها ... وكذا الهلال علامة الأعياد وممّا نقلناه من خبر قيّده لصاحبنا الفقيه الأستاذ أبي علي منصور الزواوي، وممّا ادعاه لنفسه «5» : [الوافر] عليّ لكلّ ذي كرم ذمام ... ولي بمدارك المجد اهتمام وأحسن ما لديّ لقاء حرّ ... وصحبة «6» معشر بالمجد هاموا «7» وإني حين أنسب من أناس ... على قمم النجوم لها «8» مقام يميل بهم إلى المجد ارتياح ... كما مالت بشاربها المدام «9» هم لبسوا أديم الليل «10» بردا ... ليسفر من مرادهم «11» الظلام هم جعلوا متون العيس «12» أرضا ... فمذ عزموا الرّحيل فقد أقاموا «13» فمن كلّ البلاد لنا ارتحال ... وفي كلّ البلاد لنا مقام وحول موارد العلياء منها «14» ... لنا مع كلّ ذي شرف زحام تصيب سهامنا غرض المعالي ... إذا ضلّت عن الغوص «15» السّهام الجزء: 2 ¦ الصفحة: 218 وليس لنا من المجد اقتناع ... ولو أنّ النجوم لنا خيام «1» ننزّه عرضنا عن كل لوم ... فليس يشين سؤددنا ملام ونبذل لا نقول العام ماذا ... سواء كان خصب أو حطام إذا ما المحل عمّ بلاد قوم ... أثبناها فجاد بنا الغمام وإن حضر الكرام ففي يدينا ... ملاك أمورهم ولنا الكلام وفينا المستشار بكل علم ... ومنّا اللّيث والبطل الهمام فميدان الكلام لنا مداه ... وميدان الحروب بنا يقام كلا الأمرين ليس له بقوم ... سوانا يوم نازلة تمام يريق دم المداد بكل طرس ... وليس سوى اليراع لنا سهام وكتب بالمثقّفة العوالي ... بحيث الطّرس لبّات وهام إذا عبست وجوه الدهر منّا ... إليها فانثنت ولها انتقام لقد علمت قلوب الرّوم أنّا ... أناس ليس يعوزنا مرام وليس يضيرنا أنا قليل ... لعمر أبيك ما كثر الكرام إذا ما الرّاية الحمراء هزّت ... نعم فهناك للحرب ازدحام وما أحمرّت سدى بل من دماء ... ليس على جوانبها انسجام تظلّل من بني نصر ملوكا ... حلال النّوم عندهم حرام فكم قطعوا الدّجى في وصل مجد ... وكم سهروا إذا ما الناس ناموا «2» أبا الحجاج لم تأت الليالي ... بأكرم منك إن عدّ الكرام ولا حملت ظهور الخيل أمضى ... وأشجع منه إن هزّ الحسام وأنّى جئت من شرق لغرب ... ورمت بي الزمان كما ترام وجرّبت الملوك وكل شخص ... تحدّث عن مكارمه الأنام فلم أر مثلكم يا آل نصر ... جمال الخلق والخلق العظام ومنها: لأندلس بكم شرف وذكر ... تودّ بلوغ أدناه الشّآم سعى صوب الغمام بلاد قوم ... هم في كل مجدبة غمام الجزء: 2 ¦ الصفحة: 219 إليك بها مهذّبة المعاني ... يرينها ابتسام وانتظام لها لجناب مجدكم انتظام ... طواف وفي أركان إسلام نجزت وما كادت، وقد وطي الإيطاء صروحكم، وأعيا الإكثار حارثها وسروجها، والله وليّ التّجاوز بفضله. محمد بن أحمد بن الحدّاد الوادي آشي «1» يكنى أبا عبد الله. حاله: شاعر «2» مفلق، وأديب شهير، مشار إليه في التعاليم، منقطع القرين منها في الموسيقى، مضطلع بفكّ المعمّى. سكن ألمريّة، واشتهر بمدح رؤسائها من بني صمادح. وقال ابن بسّام: كان «3» أبو عبد الله هذا شمس ظهيرة، وبحر خبر وسيرة، وديوان تعاليم مشهورة، وضح في طريق المعارف وضوح الصّبح المتهلّل، وضرب فيها بقدح ابن مقبل «4» ، إلى جلالة مقطع، وأصالة منزع، ترى العلم ينمّ على أشعاره، ويتبيّن في منازعه وآثاره. تواليفه: ديوان «5» شعر «6» كبير معروف. وله في العروض تصنيف «7» ، مزج فيه بين الأنحاء الموسيقية، والآراء الجليلة. بعض أخباره: حدّث «8» بعض المؤرخين ممّا يدلّ على ظرفه أنه فقد سكنا «9» عزيزا عليه، وأحوجت الحال «10» إلى تكلّف سلوة، فلمّا حضر الندماء، وكان قد رصد الخسوف بالقمر «11» ، فلمّا حقّق أنه قد «12» ابتدأ، أخذ العود الجزء: 2 ¦ الصفحة: 220 وغنّى «1» : [المتقارب] شقيقك غيّب في لحده ... وتشرق يا بدر من بعده فهلّا خسفت وكان الخسوف «2» ... حدادا لبست على فقده؟ وجعل يردّدها، ويخاطب البدر، فلم يتمّ ذلك إلّا واعترضه الخسوف، وعظم من الحاضرين التعجّب. قال «3» : وكان مني في صباه بصبية من الرّوم، نصرانية، ذهبت بلبّه وهواه، تسمّى نويرة، افتضح بها، وكثر نسيبه. شعره: قال في الغرض المذكور «4» : [الطويل] حديثك ما أحلى! فزيدي وحدّثي ... عن الرّشإ الفرد الجمال المثلّث ولا تسأمي ذكراه فالذّكر مؤنسي ... وإن بعث الأشواق من كلّ مبعث وبالله فارقي خبل نفسي بقوله ... وفي عقد وجدي بالإعادة فانفثي «5» أحقّا وقد صرّحت ما بي أنه ... تبسّم كاللاهي، بنا، المتعبّث وأقسم بالإنجيل إنّي شابق «6» ... وناهيك دمعي من محقّ محنّث ولا بدّ من قصّي على القسّ قصّتي ... عساه مغيث المذنف المتغوّث ولم «7» يأتهم عيسى بدين قساوة ... فيقسو على بثّي «8» ويلهو بمكرث وقلبي من حلي التجلّد عاطل ... هوى في غزال الواديين المرعّث «9» سيصبح سرّي كالصباح «10» مشهّرا ... ويمسي حديثي عرضة المتحدّث ويغرى بذكري بين كأس وروضة ... ويشدو «11» بشعري فوق مثنى ومثلث الجزء: 2 ¦ الصفحة: 221 ومن شعره في الأمداح الصّمادحية «1» : [الطويل] لعلّك بالوادي المقدّس شاطىء ... وكالعنبر الهنديّ ما أنت واطئ «2» وإنّي في ريّاك واجد ريحهم «3» ... فروح الجوى بين الجوانح ناشئ ولي في السّرى من نارهم ومنارهم ... هداة حداة والنجوم طوافىء لذلك ما حنّت ركابي «4» وحمحمت ... عرابي وأوحى سيرها المتباطىء فهل هاجها ما هاجني؟ أو لعلّها ... إلى الوخد من نيران وجدي لواجىء رويدا فذا وادي لبيني وإنه ... لورد لباناتي وإني لظامىء ميادين تهيامي ومسرح ناظري ... فللشّوق غايات لها «5» ومبادئ ولا تحسبوا غيدا حمتها مقاصر ... فتلك قلوب ضمّنتها جآجىء ومنها: محا ملّة السّلوان مبعث حسنه ... فكلّ إلى دين الصّبابة صابىء فكيف أرفّي كلم طرفك في الحشا ... وليس لتمزيق المهنّد رافىء؟ وما لي لا أسمو مرادا وهمّة ... وقد كرمت نفس وطابت ضآضىء؟ وما أخّرتني عن تناه مبادئ ... ولا قصّرت بي عن تباه مناشئ ولكنّه الدّهر المناقض فعله ... فذو الفضل منحطّ وذو النقص نامئ كأنّ زماني إذ رآني جذيله ... يلابسني منه «6» عدوّ ممالئ فداريت إعتابا ودارأت عاتبا ... ولم يغنني أني مدار مدارىء فألقيت أعباء الزمان وأهله ... فما أنا إلّا بالحقائق عابىء ولازمت سمت الصّمت لاعن فدامة «7» ... فلي منطق للسّمع والقلب صابىء «8» ولولا علا الملك ابن معن محمد ... لما برحت أصدافهنّ اللآلئ لآلىء إلا أنّ فكري غائص ... وعلمي ذو ماء «9» ونطقي شاطىء الجزء: 2 ¦ الصفحة: 222 تجاوز حدّ الوهم واللّحظ والمنى ... وأعشى الحجا لألاؤه المتلالىء فتنعكس الأبصار «1» وهي حواسر ... وتنقلب الأفكار وهي خواسىء وقال من أخرى «2» : [الكامل] أقبلن في الحبرات يقصرن الخطا ... ويرين في «3» حلل الوراشين «4» القطا سرب الجوى لا الجوّ عوّد حسنه ... أن يرتعي حبّ القلوب ويلقطا مالت معاطفهنّ من سكر الصّبا ... ميلا يخيف قدودها أن تسقطا وبمسقط العلمين أوضح معلم ... لمهفهف سكن الحشا «5» والمسقطا ما أخجل البدر المنير إذا مشى ... يختال والخوط النضير إذا خطا ومنها في المدح: يا وافدي شرق البلاد وغربها ... أكرمتما خيل الوفادة فاربطا ورأيتما ملك البريّة فاهنآ ... ووردتما أرض المريّة فاحططا يدمي نحور الدّارعين إذا ارتأى ... ويذلّ عزّ العالمين إذا سطا وإحسانه كثير. دخل غرناطة، ومن بنات عملها وطنه، رحمه الله. محمد بن إبراهيم بن خيرة «6» يكنى أبا القاسم. ويعرف بابن المواعيني «7» ، حرفة أبيه، من أهل قرطبة. واستدعاه السيد أبو سعيد الوالي بغرناطة إليه، فأقام عنده مدة من عامين في جملة من الفضلاء مثله. حاله: قال ابن عبد الملك «8» : كان كاتبا بليغا، شاعرا مجيدا، استكتبه أبو حفص بن عبد المؤمن، وحظي عنده حظوة عظيمة، لصهر كان بينهما بوجه ما، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 223 ونال «1» فيه جاها عظيما، وثروة واسعة. وكان حسن الخطّ رائقه، سلك فيه «2» في ابتدائه مسلك المتقن أبي بكر بن خيرة «3» . مشيخته: روى «4» عن أبي بكر بن عبد العزيز، وابن العربي، وأبي الحسن شريح، ويونس بن مغيث، وأبي عبد الله حفيد مكّي، وابن أبي الخصال، وابن بقيّ «5» . تواليفه: له «6» تصانيف تاريخية وأدبية منها «ريحان الآداب «7» ، وريعان الشباب» لا نظير له. و «الوشاح المفضّل» «8» . وكتاب في الأمثال السائرة. وكتاب في الأدب «9» نحا فيه «10» منحى أبي عمر بن عبد البرّ في «بهجة المجالس» . وفاته: توفي بمرّاكش سنة أربع وستين وخمسمائة «11» . محمد بن إبراهيم بن علي بن باق الأموي «12» مرسي الأصل، غرناطي النشأة، مالقي الإسكان، يكنى أبا عبد الله. حاله: من عائد الصلة «13» : كان، رحمه الله تعالى «14» ، كاتبا أديبا ذكيّا، لوذعيّا، يجيد الخطّ، ويرسل النادرة، ويقوم «15» على العمل، ويشارك في الفريضة. وبذّ السّبّاق في الأدب الهزلي المستعمل بالأندلس. عمر «16» زمانا من عمره، محارفا للفاقة، يعالج بالأدب الكدية، ثم استقام له الميسم، وأمكنه البخت من امتطاء غاربه، فأنشبت الحظوة فيه أناملها بين كاتب وشاهد ومحاسب ومدير تجر، فأثرى ونما ماله، وعظمت حاله، وعهد «17» عندما شارف الرحيل بجملة تناهز الألف من العين، لتصرف في وجوه من البرّ، فتوهّم أنها كانت زكاة امتسك «18» بها. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 224 وجرى ذكره في التاج بما نصّه «1» : مدير أكواس «2» البيان المعتّق، ولعوب بأطراف الكلام المشقّق، انتحل لأول أمره الهزل من أصنافه، فأبرز درّ معانيه من أصدافه، وجنى ثمرة الإبداع لحين قطافه. ثم تجاوزه إلى المعرّب «3» وتخطّاه، فأدار كأسه المترع وعاطاه، فأصبح لفنّيه «4» جامعا، وفي فلكيه شهابا لامعا، وله ذكاء يطير شرره، وإدراك تتبلّج غرره، وذهن يكشف الغوامض، ويسبق البارق الوامض» ، وعلى ذلاقة لسانه، وانفساح أمد إحسانه، فشديد الصّبابة بشعره «6» ، مغل لسعره. شعره: أخبرني الكاتب أبو عبد الله بن سلمة، أنه خاطبه بشعر أجابه عنه بقوله، في رويّه «7» : [الخفيف] أحرز الخصل من بني سلمه ... كاتب تخدم الظّبا قلمه يحمل الطّرس عن «8» أنامله ... أثر الطّرس «9» كلّما رقمه «10» وتمدّ البيان فكرته «11» ... مرسلا حيث يمّمت ديمه خصّني متحفا بخمس إذا ... بسم الرّوض فقن مبتسمه قلت أهدى زهر الرّبا خضلا ... فإذا كلّ زهرة كلمه أقسم الحسن لا يفارقها ... فأبرّ انتقاؤها قسمه خطّ أسطارها ونمّقها ... فأتت كالقعود منتظمه كاسيا من حلاه لي حللا ... رسمها من بديع ما رسمه طالبا عند عاطش نهلا ... ولديه الغيوث منسجمه يبتغي الشّعر من أخي بله ... أخرس العيّ والقصور فمه أيها الفاضل الذي حمدت «12» ... ألسن المدح والثّنا شيمه لا تكلّف أخاك مقترحا ... نشر عار لديه قد كتمه الجزء: 2 ¦ الصفحة: 225 وابق في عزّة وفي دعة ... صافي «1» العيش واردا شبمه «2» ما ثنى الغصن عطفه طربا ... وشدا الطير فوقه «3» نغمه مشيخته: قرأ «4» على الأستاذ أبي جعفر بن «5» الزّبير، والخطيب أبي عثمان بن عيسى. وفاته: توفي «6» بمالقة في اليوم الثامن والعشرين لمحرم «7» عام اثنين وخمسين وستمائة «8» ، وأوصى بعد أن حفر قبره بين شيخيه الخطيبين أبي عبد الله الطّنجالي وأبي عثمان بن عيسى، أن يدفن به «9» ، وأن يكتب على قبره هذه الأبيات: [الطويل] ترحّم على قبر ابن باق وحيّه ... فمن حقّ ميت الحيّ تسليم حيّه وقل آمن الرحمن روعة خائف ... لتفريطه في الواجبات وغيّه قد اختار هذا القبر في الأرض راجيا ... من الله تخفيفا بقرب «10» وليّه فقد يشفع الجار الكريم لجاره ... ويشمل بالمعروف أهل نديّه وإني بفضل الله أوثق واثق ... وحسبي وإن أذنبت حبّ نبيّه محمد بن إبراهيم بن سالم بن فضيلة المعافري «11» من أهل ألمرية، يدعى بالبيوّ «12» ، ويكنى أبا عبد الله. حاله: من الإكليل الزاهر: شيخ «13» أخلاقه ليّنة، ونفسه كما قيل هيّنة، ينظم الشعر سهلا مساقه، محكما اتّساقه، على فاقة ما لها من إفاقة. أنشد السلطان «14» الجزء: 2 ¦ الصفحة: 226 بظاهر بلده قوله: [الطويل] سرت ريح نجد من ربى أرض بابل ... فهاجت إلى مسرى سراها بلابلي «1» وذكّرني عرف النّسيم الذي سرى ... معاهد أحباب سراة أفاضل فأصبحت مشغوفا بذكرى منازل ... ألفت، فوا شوقي لتلك المنازل فيا ريح هبّي بالبطاح وبالرّبا ... ومرّي على أغصان زهر الخمائل وسيري بجسمي للتي الروح عندها ... فروحي لديها من أجلّ الوسائل وقولي لها عني معنّاك بالهوى «2» ... له شوق معمود وعبرة ثاكل «3» فيا بأبي هيفاء كالغصن تنثني «4» ... بقدّ يقدّ «5» كاد ينقدّ مائل فتاة براها الله من فتنة فمن ... رآها ولم يفتن فليس بعاقل لها منظر كالشمس في رونق الضّحا ... ولحظ كحيل ساحر الطّرف بابلي «6» بطيب شذاها عطّرت كلّ عاطر ... كما بحلاها زيّنت كلّ عاطل رمتني بسهم من سهام جفونها ... فصادف ذاك السّهم مني مقاتلي «7» فظلت غريقا في بحار من الهوى ... وما الحبّ إلّا لجّة دون ساحل فيا من سبت عقلي وأفنت تجلّدي ... صليني فإنّ البعد لا شكّ قاتلي «8» فلي كبد شوقي إليك تفطّرت ... وقلب بنيران الجوى في مشاعلي «9» ولي أدمع تحكي ندا كف يوسف ... أمير العلى الأرضي الجميل الفضائل إذا مدّ بالجود الأنامل لم تزل ... بحور النّدى تهمي بتلك الأنامل ومن شعره قوله من قصيدة «10» : [الكامل] بهرت كشمس في غلالة عسجد ... وكبدر تمّ في قضيب زبرجد ثم انثنت كالغصن هزّته الصّبا ... طربا فتزري بالغصون الميّد الجزء: 2 ¦ الصفحة: 227 حوراء بارعة الجمال غريرة «1» ... تزهى فتزري بالقضيب الأملد إن أدبرت لم تبق عقل مدبّر ... أو أقبلت قتلت ولكن لا تدي «2» تواليفه: قال شيخنا أبو البركات: وابتلي «3» باختصار كتب الناس، فمن ذلك مختصره المسمّى ب «الدّرر المنظومة الموسومة، في اشتقاق حروف الهجا المرسومة» «4» ، وكتاب في حكايات تسمى «روضة الجنان» «5» ، وغير ذلك. وفاته: توفي في أواخر رمضان من عام تسعة وأربعين وسبعمائة، ودخل غرناطة غير مرة. محمد بن إدريس بن علي بن إبراهيم بن القاسم من أهل جزيرة شقر «6» ، يكنى أبا عبد الله، ويعرف بابن مرج الكحل «7» . حاله: كان شاعرا مفلقا «8» غزلا، بارع التّوليد، رقيق الغزل. وقال الأستاذ أبو جعفر: كان «9» شاعرا مطبوعا، حسن الكفاية، ذاكرا للأدب، متصرّفا فيه. قال ابن عبد الملك: وكانت بينه وبين طائفة من أدباء عصره مخاطبات، ظهرت فيها إجادته. وكان مبتذل اللباس، على هيئة أهل البادية، ويقال إنه كان أمّيّا. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 228 من أخذ عنه: روى عنه أبو جعفر بن عثمان الورّاد، وأبو الربيع بن سالم، وأبو عبد الله بن الأبّار، وابن عسكر، وابن أبي البقاء، وأبو محمد بن عبد الرحمن بن برطلة، وأبو الحسن الرعيني. شعره ودخوله غرناطة قال في عشيّة بنهر الغنداق، خارج «1» بلدنا لوشة بنت الحضرة، والمحسوب من دخلها فقد دخل إلبيرة، وقد قيل: إن «2» هذا النهر من أحواز برجة، وهذا الخلاف داع إلى ذكره «3» : [الكامل] عرّج بمنعرج الكثيب الأعفر ... بين الفرات وبين شطّ الكوثر ولنغتبقها «4» قهوة ذهبيّة ... من راحتي أحوى المراشف «5» أحور وعشيّة قد «6» كنت أرقب وقتها ... سمحت بها الأيام بعد تعذّر نلنا بها آمالنا «7» في روضة ... تهدي لناشقها «8» شميم العنبر والدّهر من ندم «9» يسفّه رأيه ... فيما مضى منه بغير تكدّر والورق تشدو والأراكة تنثني ... والشمس ترفل في قميص أصفر والرّوض بين مفضّض ومذهّب «10» ... والزّهر بين مدرهم ومدنّر والنهر مرقوم الأباطح والرّبى «11» ... بمصندل من زهره ومعصفر وكأنّه وكأنّ خضرة شطّه ... سيف يسلّ على بساط أخضر وكأنما ذاك الحباب فرنده ... مهما طفا في صفحة كالجوهر وكأنّه، وجهاته محفوفة ... بالآس والنّعمان، خدّ معذّر الجزء: 2 ¦ الصفحة: 229 نهر يهيم بحسنه من لم يهم ... ويجيد فيه الشّعر من لم يشعر ما اصفرّ وجه الشمس عند غروبها ... إلّا لفرقة حسن ذاك المنظر ولا خفاء ببراعة هذا النظم «1» . وقال منها «2» : أرأت جفونك مثله من منظر ... ظلّ وشمس مثل خدّ معذّر «3» وهذا تتميم عجيب لم يسبق إليه. ثم قال منها: وقرارة كالعشر بين خميلة ... سالت مذانبها بها كالأسطر فكأنّها مشكولة بمصندل ... من يانع الأزهار أو بمعصفر أمل بلغناه بهضب حديقة ... قد طرّزته يد الغمام الممطر فكأنه والزّهر تاج فوقه ... ملك تجلّى في بساط أخضر راق النّواظر منه رائق منظر ... يصف النّضارة عن جنان الكوثر كم قاد خاطر خاطر مستوفز ... وكم استفزّ جماله من مبصر لو لاح لي فيما تقدّم «4» لم أقل ... (عرّج بمنعرج الكثيب الأعفر) قال أبو الحسن الرّعيني، وأنشدني لنفسه «5» : [الكامل] وعشيّة كانت قنيصة فتية ... ألفوا من الأدب الصّريح شيوخا فكأنما العنقاء قد نصبوا لها ... من الانحناء إلى الوقوع فخوخا شملتهم آدابهم فتجاذبوا ... سرّ السّرور محدّثا ومصيخا والورق تقرأ سيرة «6» الطرب التي ... ينسيك منها ناسخا «7» منسوخا والنهر قد صفحت به نارنجة ... فتيمّمت من كان فيه منيخا فتخالهم حلل «8» السّماء كواكبا ... قد قارنت بسعودها المرّيخا خرق العوائد في السّرور نهارهم ... فجعلت أبياتي لهم «9» تاريخا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 230 ومن أبياته في البديهة «1» : [الوافر] وعندي من مراشفها «2» حديث ... يخبّر أنّ ريقتها مدام وفي أجفانها» السّكرى دليل ... وما «4» ذقنا ولا زعم الهمام تعالى الله ما أجرى دموعي ... إذا عنّت «5» لمقلتي الخيام وأشجاني إذا لاحت بروق ... وأطربني إذا غنّت حمام «6» ومن قصيدة «7» : [الطويل] عذيري من الآمال خابت قصودها ... ونالت جزيل الحظّ منها الأخابث وقالوا: ذكرنا بالغنى، فأجبتهم ... خمولا وما ذكر مع البخل ماكث يهون علينا أن يبيد أثاثنا ... وتبقى علينا المكرمات الأثائث «8» وما ضرّ أصلا طيّبا عدم الغنى ... إذا لم يغيّره من الدهر حادث وله يتشوق إلى أبي «9» عمرو بن أبي غياث: [الوافر] أبا «10» عمرو متى تقضى الليالي ... بلقياكم وهنّ قصصن ريشي أبت نفسي هوى إلّا شريشا ... وما «11» بعد الجزيرة من شريش وله من قصيدة «12» : [الكامل] طفل المساء وللنسيم تضوّع ... والأنس ينظم «13» شملنا ويجمّع والزّهر يضحك من بكاء غمامة ... ريعت لشيم سيوف برق تلمع والنّهر من طرب يصفّق موجه ... والغصن يرقص والحمامة تسجع فانعم أبا عمران واله بروضة ... حسن المصيف بها وطاب المربع الجزء: 2 ¦ الصفحة: 231 يا شادن البان الذي دون النقا ... حيث التقى وادي الحمى والأجرع الشمس يغرب نورها ولربما ... كسفت ونورك كلّ حين يسطع إن غاب نور الشمس بتنا «1» نتقي ... بسناك ليل تفرّق يتطلّع أفلت فناب سناك عن إشراقها ... وجلا من الظلماء ما يتوقّع فأمنت يا موسى الغروب ولم أقل ... «فوددت يا موسى لو أنّك يوشع» «2» وقال «3» : [الطويل] ألا بشّروا بالصبح من كان باكيا ... أضرّ به الليل الطويل مع البكا ففي الصبح للصّبّ المتيّم راحة ... إذا الليل أجرى دمعه وإذا شكا ولا عجب أن يمسك الصبح عبرتي ... فلم يزل الكافور للدّم ممسكا ومن بديع مقطوعاته قوله «4» : [الرمل] مثل الرّزق الذي تطلبه ... مثل الظّلّ الذي يمشي معك أنت لا تدركه متّبعا ... فإذا ولّيت عنه أتبعك «5» وقال «6» : [الطويل] دخلتم فأفسدتم قلوبا بملككم «7» ... فأنتم على ما جاء في سورة النّمل «8» وبالعدل «9» والإحسان لم تتخلّقوا ... فأنتم على ما جاء في سورة النحل «10» الجزء: 2 ¦ الصفحة: 232 وقال أبو بكر محمد بن محمد بن جهور: رأيت لابن مرج الكحل مرجا أحمر قد أجهد نفسه في خدمته فلم ينجب، فقلت «1» : [البسيط] يا مرج كحل ومن هذي المروج له ... ما كان أحوج هذا المرج للكحل يا حمرة «2» الأرض من طيب ومن كرم ... فلا تكن طمعا في رزقها العجل فإنّ من شأنها إخلاف آملها ... فما تفارقها كيفيّة الخجل فقال مجيبا بما نصّه «3» : [البسيط] يا قائلا إذ رأى مرجي وحمرته ... ما كان أحوج هذا المرج للكحل هو احمرار دماء الرّوم سيّلها ... بالبيض من مرّ من آبائي الأول أحببته أن حكى «4» من فتنت به ... في حمرة الخدّ أو إخلافه أملي وفاته: توفي ببلده يوم الاثنين لليلتين خلتا من شهر ربيع الأول سنة «5» أربع وثلاثين وستمائة، ودفن في اليوم بعده. محمد بن محمد بن أحمد الأنصاري من أهل مرسية، يكنى أبا عبد الله، ويعرف بابن الجنّان «6» . حاله: كان «7» محدّثا راوية، ضابطا، كاتبا بليغا، شاعرا بارعا، رائق الخطّ، ديّنا فاضلا، خيّرا، زكيّا «8» . استكتبه بعض أمراء الأندلس، فكان يتبرّم من ذلك، ويقلق منه. ثم خلّصه الله تعالى «9» منه. وكان من أعاجيب الزمان في إفراط القماءة «10» ، حتى يظنّ رائيه إذا «11» استدبره أنه طفل ابن ثمانية أعوام أو نحوها، متناسب الخلقة، لطيف الشمائل، وقورا. خرج من بلده حين تمكّن العدو من بيضته «12» عام أربعين. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 233 وستمائة، فاستقرّ بأوريولة «1» ، إلى أن استدعاه «2» إلى سبتة الرئيس بها «3» ، أبو علي بن خلاص «4» ، فوفد عليه، فأجلّ وفادته، وأجزل إفادته، وحظي عنده حظوة تامة. ثم توجّه إلى إفريقية، فاستقرّ ببجاية. وكانت بينه وبين كتّاب عصره مكاتبات ظهرت فيها براعته. مشيخته: روى «5» ببلده وغيرها «6» عن أبي بكر عزيز بن خطّاب، وأبي الحسن «7» سهل بن مالك، وابن قطرال، وأبي الرّبيع بن سالم، وأبي عيسى بن أبي السّداد، وأبي علي الشّلوبين، وغيرهم. من روى عنه: روى عنه صهره أبو القاسم بن نبيل، وأبو الحسن محمد بن رزيق. شعره: قال القاضي أبو عبد الله بن عبد الملك: وكان له في الزّهد، ومدح النبيّ صلى الله عليه وسلم، بدائع، ونظم في المواعظ للمذكّرين كثيرا. فمن ذلك قوله في توديع رمضان وليلة القدر: [الطويل] مضى رمضان كأن «8» بك قد مضى ... وغاب سناه بعد ما كان أومضا فيا عهده ما كان أكرم معهدا ... ويا عصره أعزر عليّ أن انقضا ألمّ بنا كالطيف في الصيف زائرا ... فخيّم فينا ساعة ثم قوّضا فياليت شعري إذ نوى غربة النّوى ... أبالسّخط عنّا قد تولّى أم الرّضا؟ قضى الحقّ فينا بالفضيلة جاهدا ... فأي فتى فينا له الحق قد قضا؟ وكم من يد بيضاء أسدى لذي تقى ... بتوبته فيه الصحائف بيّضا وكم حسن قد زاده حسنا وسنا ... محاه وبالإحسان والحسن عوّضا فلله من شهر كريم تعرّضت ... مكارمه إلّا لمن كان أعرضا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 234 نفى بينه وبين شجوك «1» معلما ... وفي إثره أرسل جفونك فيّضا وقف بثنيّات الوداع فإنها ... تمحّص مشتاقا إليها وتمحضا وإن قضيت قبل التفرّق وقفة ... فمقضيها من ليلة القدر ما قضى فيا حسنها من ليلة جلّ قدرها ... وحضّ عليها الهاشميّ وحرّضا لعلّ بقايا الشهر وهي كريمة ... تبيّن سرّا للأواخر أغمضا وقد كان أضفى ورده كي يفيضه ... ولكن تلاحى من تلاحى فقيّضا وقال اطلبوها تسعدوا بطلابها ... فحرّك أرباب القلوب وأنهضا جزى الله عنّا أحمدا للجزاء «2» ... على كرم أضفاه بردا وفضفضا وصلّى عليه من نبيّ مبارك ... رؤوف رحيم للرسالة مرتضى له عزّة أعلى من الشمس منزلا ... وعزمته أمضى من السّيف منتضى له الذّكر يهمي فضّ مسك ختامه ... تأرّج من ريّا فضائله الفضا عليه سلام الله ما انهلّ ساكب ... وذهّب موشيّ الرياض وفضّضا ومن ذلك قصيدة في الحج: [الطويل] مذاكرة الذّكرى تهيج اللّواعجا «3» ... فعالجن أشجانا يكاثرن عالجا «4» ركابا سرت بين العذيب وبارق ... نوافيج «5» في تلك الشّعاب نواعجا «6» تيمّمن من وادي الأراك منازلا ... يطرّينها في الأراك سجاسجا «7» لهنّ من الأشواق حاد فإن ونت ... حداه يرجّعن الحنين أهازجا ألا بأبي تلك الركاب إذا سرت ... هوادي يملأن الفلاة هوادجا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 235 براهم سوامح أو سراهم فأصبحوا ... رسوما على تلك الرسوم عوالجا لهم في منّى أسنى المنا ولدى الصّفا ... يرجّون من أهل الصّفاء «1» المناهجا سما بهم طوف ببيت طامح ... أراهم قبابا للعلى ومعارجا فأبدوا من اللّوعات ما كان كامنا ... وأذروا دموعا بل قلوبا مناضجا ولمّا دنوا نودوا هنيّا وأقبلوا ... إلى الرّكن من كل الفجاج أدراجا وقضّوا بتقبيل الجدار ولثمه ... حقوقا تقضّي للنفوس حوائجا إذا اعتنقوا تلك المعالم خلتهم ... أساور في إيمانها وجهالجا فلله ركب يمّموا نحو مكة ... لقد كرموا قصدا وحلّوا مناسجا أناخوا بأرجاء الرّجاء وعرّسوا ... فأصبح كلّ مايز «2» القدح فالجا فبشرى «3» لهم كم خوّلوا من كرامة ... فكانت لما قدّموه نتائجا بفتحهم باب القبول وللرّضا «4» ... ووفدهم أضحى على الباب والجا تميّز أهل السّبق لكنّ غيرهم ... غدا همجا بين الخليقة هامجا أيلحق جلس «5» للبيوت مداهم ... ولم يله «6» في تلك المدارج دارجا؟ ألا ليت شعري للضرورة هل أرى ... إلى الله والبيت المحجّب خارجا؟ له الله من ذي كربة ليس يرتجى ... لمرتجّها «7» يوما سوى الله فارجا قد أسهمت شتّى المسالك دونه ... فلا نهج يلقى فيه لله ناهجا يخوض بحار الذّنب ليس يهابها ... ويصعق ذعرا إن يرى البحر هائجا جبان إذا عنّ الهدى وإذا الهوى ... يعنّ له كان الجريء المهارجا يتيه ضلالا في غيابة همّه ... فلا حجر تهديه لرشد ولا حجا فواحربا لاح الصباح لمبصر ... وقلبي لم يبصر سوى الليل إذ سجا لعلّ شفيعي أن يكون معاجلا ... لداء ذنوب بالشّفاء معالجا فينشقني بيت الإله نوافحا ... ويعبق لي قبر النّبيّ نوافجا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 236 فما لي لإمالتي «1» سوى حبّ أحمد ... وصلت له من قرب قلبي وشائجا عليه سلام الله من ذي صبابة ... حليف شجا يكنّى من البعد ناشجا ولو أنصفت أجفانه حقّ وجده ... سفكت دما للدموع موازجا كتابته: وكتابته شهيرة، تضرب بذكره فيها الأمثال، وتطوى عليه الخناصر. قالوا: لما عقد أمير المسلمين أبو عبد الله محمد بن يوسف بن هود البيعة لابنه الواثق بالإمارة من بعده، تولّى إنشاءها، وجعل الحاء المهملة سجعها مردفا إياها بالألف، نحو «صباحا» و «صلاحا» ، وما أشبه ذلك، طال مجموعها فناهزت الأربعين، وطاب مسمعها، فأحرزت بغية المستمعين، فكتب إليه أبو المطرّف ابن عميرة، رسالته الشهيرة، يداعبه في ذلك، وهي التي أولها: «تحييك الأقلام تحيّة كسرى، وتقف دون مداك حسرى» . ومنها في الغرض: «وما لك أمنت تغيّر الحالات، فشننت غارتك على الحاءات، ونفضت عنها المهارق، وبعثت في طلبها السّوابق، ولفظتها من الأفواه، وطلبتها بين الشّفاه، حتى شهد أهل اللسان بتزحزحها عن ذلك المكان، وتوارت بالحلوق، ولو تغلغلت إلى العروق، لآثرتها جيادك، واقتنصها قلمك ومدادك» . وهي طويلة. فراجعه بقوله: «ما «2» هذه التحية الكسرويّة؟ وما هذا الرأي وما «3» هذه الرويّة؟ أتنكيت من الأقلام؟ أم «4» تبكيت من الأعلام؟ أم «5» كلا الأمرين توجّه القصد إليه، وهو الحق مصدّقا لما بين يديه؟ وإلّا فعهدي بالقلم يتسامى عن عكسه «6» ، ويترامى إلى الغاية البعيدة بنفسه، فمتى لانت أنابيبه للعاجم، ودانت أعاربه «7» بدين الأعاجم؟ وا عجبا لقد استنوق الجمل «8» ، واختلف القول والعمل، لأمر ما جدع أنفه قصير «9» ، وارتدّ على عقبه الأعمى أبو بصير. أمس أستسقي من سحابه فلا يسقيني، وأستشفي بأسمائه فلا يشفيني. واليوم يحلّني محلّ أنو شروان، ويشكو مني شكوى اليزيديّة «10» الجزء: 2 ¦ الصفحة: 237 من بني مروان، ويزعم أني أبطلت سحره «1» كما أبطل سحر بردوران، ويخفي في نفسه ما الله مبديه «2» ، ويستجدي بالأثر ما عند مستجديه. فمن أين جاءت هذه الطريقة المتّبعة، والطّريفة «3» المبتدعة، أيظنّ أنّ معمّاه لا يفكّ «4» ، وأنه لا يتجلّى «5» هذا الشّك؟ هل هذا «6» منه إلّا إمحاض التّيه، وإحماض تفتّيه، ونشوة من خمرة «7» الهزل، ونخوة من ذي ولاية آمن العزل؟ تالله لولا محلّه من القسم، وفضله في تعليم النّسم، لأسمعته «8» ما ينقطع به صلفه، وأودعته ما ينصدع به صدفه، وأشدت «9» بشرف المشرقي ومجده «10» ، وأشرت إلى تعاليه عن اللّعب بجدّه. ولكن هو القلم الأول، فقوله على أحسن الوجوه يتأوّل، ومعدود في تهذيبه، كلّ ما لسانه يهذي به. وما أنسانيه «11» ، إلّا الشيطان أياديه، أن أذكرها «12» ، وأنما أقول: [البسيط] ليت التحيّة كانت لي فأشكرها «13» ولا عتب إلّا على الحاء «14» ، المبرّحة بالبرحاء، فهي التي قيّمت «15» قيامتي في الأندية، وقامت عليّ قيام المعتدية «16» ، يتظلّم وهو عين الظالم، ويلين القول وتحته سمّ الأراقم «17» ، ولعمر البراعة وما نصعت «18» ، واليراعة وما صنعت، ما خامرني هواها «19» ، ولا كلفت بها دون سواها. ولقد عرضت نفسها عليّ مرارا، فأعرضت عنها ازورارا، ودفعتها عني بكل وجه، تارة بلطف وأخرى بنجه «20» ، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 238 وخفت منها السآمة، وقلت انكحي أسامة. فرضيت منها «1» بأبي جهم «2» وسوء سلكته «3» ، وابن أبي سفيان وصعلكته، وكانت أسرع من أمّ خارجة للخطبة، وأسمج من سجاح «4» في استنجاح تلك الخطبة. ولقد كنت أخاف من انتقال الطباع في عترتها «5» ، واستثقال الاجتماع من عشرتها «6» ، وأرى من الغبن والسّفاه، أخذها وترك بنات الأفواه والشّفاه «7» ، إذ هي أيسر مؤونة، وأكثر «8» معونة، فغلطي «9» فيها أن كانت بمنزل تتوارى صونا عن الشمس، ومن نسوة خفرات لا ينطقن إلّا بالهمس، ووجدتها أطوع من البنان للكفّ، والعنان للوكف «10» ، والمعنى للاسم، والمغنى للرّسم، والظّلّ للشخص، والمستبدل «11» للنصّ. فما عرفت منها إلّا خبرا «12» أرضاه، حتى حسبتها من الحافظات للغيب بما حفظ الله، فعجبت لها الآن كيف زلّت نعلها، ونشزت فنشرت ما استكتمها بعلها، واضطربت في رأيها اضطراب المختار بن «13» أبي عبيد، وضربت في الأرض تسعى عليّ بكلّ مكر وكيد، وزعمت أنّ حرف «14» الجيم خدعها، وألان «15» أخدعها، وأخبرها أن سيبلّغ بخبرها الخابور «16» ، وأحضرها لصاحبها كما أحضر بين يدي قيصر سابور «17» ، فقد جاءت إفكا وزورا، وكثرت من أمرها شزورا «18» ، وكانت كالقوس أرنّت وقد أصمت القنيص، والمراودة قالت ما جَزاءُ «19» وهي التي قدّت الجزء: 2 ¦ الصفحة: 239 القميص «1» ، وربما يظنّ بها الصدق، وظنّ الغيب ترجيم، ويقال: لقد خفضت الحاء بالمجاورة لهذا الأمر الجسيم «2» ، وتنتصر لها أختها «3» التي خيّمت بين النرجسة والرّيحانة، وختمت السورة باسم جعلت ثانيه أكرم نبيّ على الله سبحانه، فإن امتعضت لهذه المتظلّمة «4» ، تلك التي سبقت بكلمتها بشارة المتكلّمة «5» ، فأنا ألوذ بعدلها، وأعوذ بفضلها، وأسألها أن تقضي قضاء مثلها، وتعمل بمقتضى: فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِنْ أَهْلِها «6» على أنّ هذه التي قد أبدت مينها «7» ، ونسيت الفضل بيني وبينها، أن قال الحكمان: منها كان النشوز، عادت حرورية «8» العجوز، وقالت: التّحكّم «9» في دين الله لا يجوز، فعند ذلك يحصحص «10» الحقّ، ويعلم من الأولى بالحكم والأحقّ، ويصيبها ما أصاب أروى، من دعوة سعيدة «11» حين الدّعوى، ويا ويحها أن «12» أرادت أن تجني عليّ فجنت لي، وأناخت لي مركب السعادة وما ابتغت إلّا ختلي، فأتى شرّها بالخير، وجاء النّفع من طريق ذلك الضّير. أتراها علمت بما يثيره اعوجاجها، وينجلي عنه عجاجها؟ فقد أفادت عظيم الفوائد، ونظيم الفرائد، ونفس الفخر، ونفيس الذّخر «13» ، وهي لا تنكر «14» أن كانت من الأسباب، ولا تذكر إلّا يوم الملاحاة والسّباب. وإنما يستوجب الشكر جسيما، والثناء الذي يتضوّع نسيما، الذي شرّف إذ أهدى أشرف السّحاءات، وعرّف بما كان من انتحاء تلك الحاء المذمومة في الحاءات، فإنه وإن ألمّ بالفكاهة، فما أملى «15» من البداهة، وسمّى باسم السابق السّكيت، وكان من أمر مداعبته كيت وكيت، وتلاعب بالصّفات «16» ، تلاعب السّيل بالصفاة، والصّبا بالبانة، والصّبا بالعاشق ذي اللّبانة، فقد أغرب بفنونه، وأغرى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 240 القلوب بفتونه، ونفث بجفنه «1» الأطراف، وعبث من الكلام المشقّق الأطراف «2» ، وعلم كيف يلخّص «3» البيان، ويخلّص العقيان. فمن الحقّ أن أشكره على أياديه البيض، وأن آخذ لفظه «4» من معناه في طرف النقيض. تالله أيها الإمام الأكبر، والغمام المستمطر، والخبر «5» الذي يشفي سائله، والبحر الذي لا يرى ساحله، ما أنا المراد بهذا المسلك، ومن أين حصل «6» النور لهذا الحلك؟ وصحّ أن يقاس بين الحدّاد والملك؟ إنه لتواضع الأعزّة، وما يكون للأكارم «7» عند المكارم من العزّة، وتحريض الشيخ للتلميذ، في «8» إجازة الوضوء بالنّبيذ. ولو حضر الذي قضي له بجانب الغربيّ أمر البلاغة، وارتضى ما له في هذه الصناعة، من حسن السّبك لحليتها «9» والصّياغة، وأطاعته فيما أطلعته طاعة القوافي الحسان، وأتبعته فيما جمعته لكن بغير إحسان، لأذعن كما أذعنت، وظعن عن محلّ دعوى «10» الإجادة كما ظعنت، وأنّى يضاهى الفرات المعين «11» بالنّغبة «12» ، ويباهى بالفلوس من أوتي من الكنوز ما أنّ مفاتحه لتنوء بالعصبة، وأي حظّ للكلالة في النّشب «13» ، وقد اتصل للورثة عمود النّسب. هيهات والله بعد «14» المطلب، وشتّان الدّرّ والخشلب «15» ، وقد سيم الغلب، ورجع إلى قيادة السّلب، وإن كنّا ممّن تقدّم لشدّة الظمإ إلى المنهل، وكمن أقدم إلى عين تبوك بعد النّهي للعل والنّهل. فقد ظهرت بذلك «16» المعجزة عيانا، وملئ ما هناك «17» جنانا، وما تعرّضنا بإساءة الأدب واللّوم، ولكن علمنا أن آخر الشّرب «18» ساقي القوم، وإن أسهبنا فما نلنا رتبة ذلك الإيجاز، وإن أعرقنا فهوانا في الحجاز، فلكم قصيرات الحجال، ولنا قصيرات الخطا في هذا المجال، وإكثارنا في قلّة، وجارنا من الفقر في فقر وذلّة. ومن لنا بواحدة يشرق ضياؤها، ويخفي النجوم خجلها منها وحياؤها؟ إن لم تطل فلأنها للفروع كالأصل، وفي المجموع «19» كليلة الوصل. فلو سطع نورها الزاهر، ونورها الذي تطيب منه الجزء: 2 ¦ الصفحة: 241 الأنوار الأزاهر، لسجدت النّيران ليوسف ذلك الجمال، ووجدت نفحات ريّاها في أعطاف الجنوب والشمال، وأسرعت نحوها النفوس إسراع الحجيج يوم النّفر، وسار خبرها وسرى فصار حديث المقيمين والسّفر. وما أظن «1» تلك السّاخرة في تدلّيها «2» ، إلّا السّاحرة بتجنّيها، إذ كانت ربيبتها، بل ربيئتها، هذه التي سبقتني لمّا سقتني بسينها «3» ، ووجدت ريحها، لما فصلت من مصرها غيرها «4» وحين وصلت لم يدلني على سابقها «5» إلّا عبيرها، وكم رامت أن تستتر عني بليل حبرها في هذه المغاني، فأغراني بهاؤها وكل مغرم مغرى ببياض صبح الألفاظ والمعاني. وهل كان ينفعها تلفّحها بمرطها وتلفّعها؟ إذ نادتها المودّة، فقد عرفناك يا سودة. فأقبلت على شمّ نشرها وعرفها، ولثم سطرها وحرفها، وقريتها الثناء الحافل، وقرأتها فزيّنت بها المحاضر والمحافل «6» . ورمت أمر الجواب، فغرّتني «7» في الخطاب، لكن رسمت هذه الرّقعة التي هي لديكم بعجزي واشية، وإليكم منيّ على استحياء ماشية، وإن رقّ وجهها فما رقّت لها حاشية، فمنوا بقبولها على علّاتها «8» ، وانقعوا بماء سماحتكم حرّ غللها، فإنها وافدة من استقرّ قلبه عندكم وثوى، وأقرّ بأنه يلقط في هذه الصناعة ما يلقى للمساكين من النّوى. بقيتم، سيدي الأعلى «9» للفضل والإغضاء، ودمتم غرّة في جبين السّمحة البيضاء، واقتضيتم السعادة المتّصلة مدّة الاقتضاء، بيمن الله سبحانه. انتهى. ومحاسنه عديدة، وآماده بعيدة. دخوله غرناطة: دخلها مع المتوكل مخدومه، أو وجده بها. من روى عنه: روي عن أبي الحسن سهل بن مالك. وفاته: قال الأستاذ في الصلة «10» : انتقل إلى بجاية فتوفي بها في عشر الخمسين وستمائة «11» . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 242 محمد بن محمد بن أحمد بن شلبطور الهاشمي «1» من أهل «2» ألمريّة، يكنى أبا عبد الله، من وجوه بلده وأعيانه، نشأ نبيه البيت، ساحبا بنفسه وبماله ذيل الحظوة، متحلّيا بخصل من خطّ وأدب، وزيرا، متجنّدا، ظريفا، دربا على ركوب البحر وقيادة الأساطيل. ثم انحطّ في هواه انحطاطا أضاع مروءته، واستهلك عقاره، وهدّ بيته، وألجأه أخيرا إلى اللّحاق بالعدوة فهلك بها. وجرى ذكره في الإكليل بما نصّه «3» : مجموع شعر وخطّ، وذكاء عن درجة الظّرفاء غير منحطّ، إلى مجادة أثيلة البيت، شهيرة الحيّ والميت. نشأ في حجر التّرف والنعمة، محفوفا بالماليّة الجمّة، فلما غفل «4» عن ذاته، وترعرع بين لداته، أجرى خيول لذّاته، فلم يدع منها ربعا إلّا أقفره، ولا عقارا إلّا عقره، حتى حطّ بساحلها، واستولى بسعر «5» الإنفاق على جميع مراحلها، إلّا أنه خلص بنفس طيّبة، وسراوة سماؤها صيّبة، وتمتّع ما شاء من زير وبمّ «6» ، وتأنّس لا يعطي «7» القياد لهمّ. وفي عفو الله سعة، وليس مع التوكل على الله ضعة. شعره: من شعره «8» قوله يمدح السلطان، وأنشدها إياه بالمضارب من وادي الغيران عند قدومه من ألمرية «9» : [الطويل] أثغرك أم سمط من الدّرّ ينظم؟ ... وريقك أم مسك به الرّاح تختم؟ ووجهك أم باد من الصّبح نيّر؟ ... وفرعك أم داج من الليل مظلم؟ أعلّل منك النفس والوجد متلفي ... وهل ينفع التّعليل والخطب أعظم 1» ؟ وأقنع من طيف الخيال يزورني «11» ... لو أنّ جفوني بالمنام تنعم حملت الهوى حينا فلمّا علمته ... سلوت لأني بالمكارم مغرم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 243 ولي في أمير المسلمين محبّة ... فؤادي مشغوف بها ومتيّم بلغت المنى لما لثمت يمينه ... فها أنذا في جنّة الخلد أنعم يصوغ قومي الشّعر في طيب ذكره ... ويحسن فيه النّظم من ليس ينظم فاستمسك الدّين الحنيف زمانه ... وقام منار الحقّ والشّرك مغرم له نظر في المشكلات مؤيّد ... والله مهد إلى الرشد ملهم ويستغرق طارحا فيه وابل جوده ... فمن فعله في جوده يتعلم فلو أن أملاك البسيطة أنصفوا ... لألقوا إليه الأمر طوعا وسلّموا وفي الدّين والدنيا وفي البأس والنّدى ... لكم يا بني نصر مقام معظّم ومنها: إليك أمير المسلمين اقتضيتها ... حمائل شكر طيرها مترنّم تنمّ بعرف المسك أنفاسها ... إذا يفوه لراو في الندى بها فم فباسمك سيّرت في المسامع ذكرها ... ويغزى في أقصى البلاد ويشمم ولو أنني في المدح سحبان وائل ... وأنجدني فيه حبيب ومسلم لما كنت إلّا عن علاك مقصّر ... ومن بعض ما نشدت وتولي وتنعم بقيت ملاذا للأنام ورحمة ... وساعدك الإسعاد حيث يتمّم ومن شعره مذيّلا على البيت الأخير حسبما نسب إليه «1» : [البسيط] نامت جفونك يا سؤلي ولم أنم ... ما ذاك إلّا لفرط الوجد والألم «2» أشكو إلى الله ما بي من محبّتكم ... فهو العليم بما نلقى من السّقم «3» «إن كان سفك دمي أقصى مرادكم ... فما غلت نظرة منكم بسفك دمي» وممّا نسب إليه كذلك «4» : [السريع] قف بي وناد بين تلك الطّلول ... أين الألى كانوا عليها نزول أين ليالينا بهم والمنى ... نجنيه غضّا بالرضا والقبول لا حمّلوا بعض الذي حمّلوا ... يوم تولّت بالقباب الحمول إن غبتم يا أهل نجد ففي ... قلبي أنتم وضلوعي حلول الجزء: 2 ¦ الصفحة: 244 وممّا خاطبني «1» به: [الرجز] تالله ما أورى زناد القلق ... سوى ريح «2» لاح لي بالأبرق «3» أيقنت بالحين «4» فلولا نفحة ... نجديّة منكم تلافت رمقي لكنت أقضي بتلظّي زفرة ... وحسرة بين الدموع «5» تلتقي فآه من هول النّوى وما جنى ... على القلوب موقف التّفرّق يا حاكي الغصن انثنى متوّجا ... بالبدر تحت لمّة من غسق الله في نفس معنّى أقصدت ... من لاعج الشّوق بما لم تطق أتى على أكثرها برح «6» الأسى ... دع ما مضى منها وأدرك ما بقي ولو بإلمام خيال في الكرى ... إن ساعد الجفن رقيب الأرق فربّ زور من خيال زائر ... أقرّ عينيّ وإن لم يصدق شفيت «7» من برح الأسى لو أنّ من ... أصبح رقّي في يديه معتقي ففي معاناة الليالي عائق ... عن التّصابي وفنون القلق وفي ضمان ما يعاني المرء من ... نوائب الدهر مشيب المفرق هذا لعمري مع أني لم أبت ... منها بشكوى روعة أو فرق «8» فقد أخذت من خطوب غدرها ... بابن الخطيب الأمن ممّا أتّقي «9» فخر الوزارة الذي ما مثله ... بدر علا في مغرب أو مشرق ومذ أرانيه زماني لم أبل «10» ... من صرفه من مرعد «11» أو مبرق لا سيما منذ «12» حططت في حمى ... جواره «13» الأمنع رحل أينقي أيقنت أني في رجائي لم أخب ... وأنّ مسعى بغيتي لم يخفق ندب له في كلّ حسن آية ... تناسبت في الخلق أو في «14» الخلق الجزء: 2 ¦ الصفحة: 245 في وجهه مسحة بشر إن بدت ... تبهرجت أنوار شمس الأفق تعتبر الأبصار في لألئها «1» ... عليه من نور السّماح المشرق كالدهر في استينائه وبطشه ... كالسيف في حدّ الظّبا والرونق إن بخل الغيث استهلّت يده «2» ... بوابل من غيث جود غدق وإن وشت صفحة طرس انجلى ... ليل دجاها عن سنى مؤتلق بمثلها من حبرات أخجلت ... حواشي الرّوض خدود المهرق ما راق في الآذان أشناف سوى ... ملتقطات لفظه المفترق تودّ أجياد الغواني أن يرى ... حليّها من درّ ذاك المنطق فسل به هل آده «3» الأمر الذي ... حمّل في شرخ الشباب المونق؟ إذا رأى الرّأي فلا يخطئه ... يمن اختيار للطريق الأوفق إيه أبا عبد الإله هاكها ... عذراء تحثو في وجوه السّبق خذها إليك بكر فكر يزدري ... لديك بالأعشى لدى المحلّق «4» لا زلت مرهوب الجناب مرتجى ... موصول عزّ في سعود ترتقي مبلّغ الآمال فيما تبتغي ... مؤمّن الأغراض فيما «5» تتّقي ناب «6» في القيادة البحرية عن خاله القائد أبي علي الرّنداحي، وولّي أسطول المنكّب برهة. توفي «7» بمراكش في «8» عام خمسة وخمسين وسبعمائة رحمه الله. محمد بن محمد بن جعفر بن مشتمل الأسلمي من أهل ألمرية، يكنى أبا عبد الله، ويعرف بالبلياني. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 246 حاله: قال شيخنا أبو البركات: ناب عني في بعض الأعمال بألمريّة، وخطب بنحانس من غربيها، ثم خطب بحمة مرشانة، وهو الآن بها، وعقد الشروط قبل بألمريّة. عفيف طاهر الذّيل، نبيل الأغراض، مهذّب الأخلاق، قيّم على القراءات والنحو والأدب، جيّد الشعر والكتابة ...... «1» من الضبط، وإجادة العبارة عن المعنى المراد. تواليفه: قال: له رجز في علم الكلام جيد، ورجز آخر في ألفاظ فصيح ثعلب، عريّ عن الحشو، على تقعير فيه يغتفر لما جمع من اقتصاره، وله تأليف في الوباء «2» سماه بإصلاح النّيّة في المسألة «3» الطاعونية. مشيخته: قال: أخذ عنّي وعن أبيه جملة من الدواوين، وعن غيري من أهل بلده. شعره: قال: ومما أنشدني من شعره قوله: [الطويل] هفا بي من بين المغاني عقيقها ... ومن بينه انفضّت لعيني عقيقها ومالت من البيداء عنها قبابه «4» ... وأشرقني بالدمع منها شروقها يهيّج أنفاسي غراما نسيمها ... وتقدح نار الشوق عندي بروقها ومن دون واديها ظباء «5» خوادل «6» ... حكى لحظها ماضي الشّفار رقيقها فلو برزت للشمس «7» منهنّ في الضحى ... مخدّرة أضحت كمالا تفوقها نسيم الصّبا، إن سيّرت نحو الحمى ... تحيّي «8» الدّيار النّازحات تشوقها غريب كئيب مستهام متيّم ... جريح الجفون السّاهرات عريقها فهل عطفة ترجى وهل أمل يرى ... بعودة أيام تقضّى أنيقها؟ سقتنا ومن أدمع الصّبّ جودها «9» ... ومن «10» ديم الغيث الملتّات ريقها الجزء: 2 ¦ الصفحة: 247 قال: وأنشدني أيضا، وقال: كلفت إجازة هذا البيت الأول من هذه القصيدة، إذ ليس لي: [الكامل] من عادلي؟ من ناصري أو منصفي «1» ؟ ... هذا دمي «2» سفكته بنت المنصف أو من يخلّصني وقد أوهى صحي ... ح الجسم منّي لحظ طرف مدنف جفن تحيّر والهوى يهديه ... لفؤاد كلّ من الهوى لم يألف متناعس يهدي السّهاد ويصرع ال ... بطل الكميّ بلحظه المتضعّف تبدو وتشدو للعيون وللمسا ... مع فهي بين مكحّل ومشنّف ملكت بصنعتها عنان عنانها ... وعدت عليها كأنّها «3» لم تعرف تغني إذا غنّت بطيب صوتها ... عن أن يزوّد لحنها بالمعزف أمّا تغنّت أو تثنّت تهتف ... قمريّ نغمتها وغضّ المعطف يأتي على تكرار «4» ما غنّت به ... صدقا بكلّ غريب مستطرف «5» تهدي النفوس «6» على اختلاف طباعها ... من نبلها ما تشتهي بتلطّف كنّا وجفن الدهر عنّا ناعس ... من «7» خلف ستر للأمان مسجّف حتى وشى بالسّر دهر حاسد ... كلف بتنغيص الكريم الأشرف واخجلتا إن لم أمت يوم النّوى ... لهفا وما إن كنت بعد بمنصف لكنني مما نحلت وذبت لم ... يرني الحمام فكنت عنه أختفي «8» كم ذا أبيت وليس لي من مسعد ... في حالتي غير الدموع الذّرف يا هل ترى هذا الزمان وصرفه ... هل يسمحان بعودة وتألّف؟ صبرا أبا يعقوبهم فهي النّوى ... لولا همت شوقا للقيا يوسف قال: وأنشدني أيضا لنفسه، والبيت الأخير لغيره: [البسيط] ما للأحبّة في أحكامهم جاروا؟ ... نأوا جميعا فلا خلّ ولا جار الجزء: 2 ¦ الصفحة: 248 كيف البقاء «1» وقد بانت قبابهم ... وقد خلت منهم وا أسفي الدّار؟ حداة تمسهم بالقلب قد رحلوا ... يا ليتهم حملوا الجثمان إذ ساروا «2» جار الزمان علينا في فراقهم ... من قبل أن تنقضي للصّبّ أوطار ساروا فخيّمت الأشواق بعدهم ... ما لي عليها سوى الآماق أنصار تراك يا ربعهم ترجو رجوعهم؟ ... يا ليت لو ساعدت في ذاك أقدار ودّعت منهم شموسا ما مطالعها ... إلّا من الوشي أطواق وأزرار أستودع الله من فاز الفراق بهم ... وخلّفونا «3» ودمع العين مدرار قلت: ولا خفاء بتخلّف هذا النمط عن الإجادة، والله يقبض ويبسط، وشافعنا عرض الإكثار. وفاته: توفي في آخر أربعة وستين وسبعمائة. محمد بن محمد بن حزب الله «4» من أهل وادي آش، يكنى أبا عبد الله، ويعرف باسم جدّه. حاله: دمث، متخلق، سهل الجانب، كثير الدّعابة، خفيف الروح، له خطّ حسن، ووراقة بديعة، وإحكام لبعض العملية، واقتدار على النظم. اتصل بباب السلطان ملك المغرب، وارتسم كاتبا مع الجملة، فارتاش، وحسنت حاله. وجرى ذكره في الإكليل الزاهر بما نصّه: راقم «5» واشي، رقيق الجوانب والحواشي، تزهى بخطّه المهارق والطروس، وتتجلّى في حلل بدائعه كما تتجلّى العروس، إلى خلق كثير التجمل، ونفس عظيمة التحمّل. ودود سهل الجانب، عذب المذانب. لمّا قضيت الوقيعة بطريف «6» ، أقال الله عثارها، وعجّل ثارها، قذف به موج ذلك البحر، وتفلّت إفلات الهدي المقرب إلى النحر، ورمى به إلى رندة القرار، وقد عرى من أثوابه كما عرى الغرار، فتعرّف للحين بأديبها المفلق، وبارقها المتألق الجزء: 2 ¦ الصفحة: 249 أبي الحجاج المنتشافري، فراقه ببشر لقائه، ونهل على الظمأ في سقائه، وكانت بينهما مخاطبات، أنشدنيها بعد إيابه، وأخبرني بما كان من ذهاب زاده وسلب ثيابه. وخاطبني من شرح حاله في ارتحاله بما نصّه: ولما دخلت رندة الأنيقة البطاح، المحتوية على الأدب والسّماح، والعلم والصلاح، أبرز القدر أن لقيت بها شيخنا المعمّر رئيس الأدباء، وقدوة الفقهاء، أبا الحجاج المنتشافري، وكنت لم أشاهده قبل هذا العيان، ولا سمح لي بلقائه صرف الزمان، ولم أزل أكلف بمقطوعاته العجيبة، وأولع بضرائبه الغريبة، وتأتي منه مخاطبات تزري بالعقود بهجة، وتطير لها العقود لهجة. نظم كما تنفّس الصبح عن تسيمه، ونثر كما تأسس الدّر بتنظيمه، فأحلّني منه محلّ الروح من الجسد، وشهد لي أني أعزّ من عليه ورد، ورآني قد ظهرت على مضاضة الاكتئاب، لكوني قريب عهد بالإياب، مهزوما انهزام الأحزاب، خالي الوطاب «1» ، نزر الثياب، فقال: فيم الجزع، ذهب بحول الله الخوف وأمن الفزع، فأجبته عجلا، وقلت أخاطبه مرتجلا: [الكامل] لا تجزعي، نفسي، لفقد معاشري ... وذهاب مالي في سبيل القادر يا رندة «2» ، ها أنت خير بلاده ... وبها أبو حجاج المنتشافري سيريك حسن فرائد من نظمه ... فتزيل كل كآبة في الخاطر فأجابني مرتجلا: [الكامل] سرّاي، يا قلبي المشوق، وناظري، ... بمزار ذي الشّرف السّنيّ الطاهر روض المعارف زهرها الزّاهي ... أوصافه «3» أعيت ثناء «4» الشاكر ولواد آش من «5» فخار لم يزل ... من كابن حزب الله نور النّاظر وافى يشرّف رندة بقدومه ... فغدت به أفقا لبدر زاهر من روضة الأدباء أبدى زهرة ... قد أينعت عن فكر حبر ماهر جمع المآثر بالسّناء «6» وبالسّنا ... أعظم به من صانع لمآثر ما زلت أسمع من ثناه مآثرا ... كانت لسامعها معا والذّاكر الجزء: 2 ¦ الصفحة: 250 حتى رأى بصري حقائق وصفه ... فتنعّمت كالأقمار نواظري «1» لا زال محبوّا بكل مسرّة ... تجري له بالحظّ حكم مغادر ثم خاطبه القاضي المنتشاقري بعد انصرافه إلى وطنه بقوله: [المتقارب] أبى الدّمع بعدك إلّا انفجارا ... لدهر ببعدك في الحكم جارا أذاق اللقاء الحلو لو لم يصل «2» ... به للنّوى جرعات مرارا رعى الله لمح ذاك اللقاء ... وإن يك أشواقنا قد أثارا قصاراي شكواي طول النوى ... وفقدي أناة وصل قصارا سقتني القداح ومن بعده ... فؤادي «3» القريح قد اذكت أوارا ألا يا صبا، هبّ من أربعي ... إلى وادي آشي «4» تحي الدّيارا ألا خصّ من ربعها منزلا ... بأربابه الأكرمين استنارا وهم إلى حزب الإله الألى «5» ... تساموا فخارا وطابوا نجارا فأجابه بأبيات منها «6» : تألّق برق العلا واستنارا ... فأجّج إذ لاح في القلب نارا وذكّرني وقت «7» أنس مضى ... برندة حيث الجلال استشارا «8» وكانت لنفسي سنا «9» في حماها ... طوالا فأصبحت «10» لديها قصارا فأجريت دمع العيون اشتياقا ... ففاضت لأجل فراقي بحارا وقالت لي النّفس من لم يجد ... نصيرا سوى الدّمع قلّ انتصارا قطعت المنى عندها لمحة ... وودّعتها وامتطيت القفارا وضيّعت تلك المنى غفلة ... ووافيت أبغي المنى «11» ديارا «12» ومنها: أرقت لذاك السّنا ليلة ... وما نومها ذقت إلّا غرارا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 251 وجسمي أجلّ الجسوم التهابا ... وقلبي أشدّ القلوب انكسارا إلى أن تجرّعت كأس النّوى ... وقلت زماني على الشّمل جارا وصبّرت نفسي لفقدانها ... هنالك بالرّغم ليس اختيارا وقال من قصيدة «1» : [الطويل] حننت «2» لبرق لاح من سرحتي نجد ... حنين تهاميّ «3» يحنّ «4» إلى نجد وقلت لعلّ القلب تبرا كلومه ... ومن ذا يصدّ النار عن شيمة الوقد؟ لكن «5» شاركتني في المحبّة فرقة ... فها أنا في وجدي وفي كلفي وحدي «6» وهو إلى هذا العهد بالحال الموصوفة. محمد بن إبراهيم بن عيسى بن داود الحميري «7» من أهل مالقة، يكنى أبا عبد الله، ويعرف بابن عيسى. حاله: كان أديبا، حسن الخطّ، جيّد النظم، متظرّفا، لوذعيّا، مطبوعا، منحطّا في هواه، جامحا في ميدان بطالته، معاقرا للنّبيذ، على حفظ للرسم، واضطلاع بالخدمة، وإيثار للمروءة، ومعرفة بمقادير الأمور، وتشبّث بأذيال الحظوة. كتب للرئاسة السّعيدية بمالقة، ونظر على ألقاب جبايتها، وانتفع الناس بجاهه وماله، ووقع الثناء على حسن وساطته. ثم سافر عنها، وقد سمت مجادة السلطان في غرض انتقالها إلى العدوة، معوّضة بمدينة سلا من مالقة. وكان ما كان من معاجلة الأمر، والقبض على الريّس، وقيام ولده بالأمر، فانبتّ المذكور بالعدوة، وكانت بها وفاته. وجرى ذكره في الإكليل الزاهر بما نصه «8» : علم من أعلام هذا الفن، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 252 ومشعشعي «1» راح هذا الدّن، بمجموع «2» أدوات، وفارس يراعة ودواة «3» ، ظريف المنزع، أنيق المرأى والمسمع، اختصّ بالرئاسة وأدار «4» فلك إمارتها، واتّسم باسم كتابتها ووزارتها، ناهضا بالأعباء، راقيا «5» في درج «6» التقريب والاجتباء، مصانعا دهره في راح وراحة، آويا إلى فضل وسماحة، وخصب ساحة، كلما فرغ من شأن خدمته، وانصرف عن ربّ نعمته، عقد شربا، وأطفأ من الاهتمام بغير الأيام حربا، وعكف على صوت يستعيده، وظرف يبديه ويعيده. فلما تقلّبت «7» بالرئاسة الحال، وقوّضت منها الرحال، استقرّ بالمغرب غريبا، يقلّب طرفا مستريبا، ويلحظ الدنيا تبعة عليه وتثريبا «8» ، وإن كان لم يعدم من أمرائها «9» حظوة وتقريبا، وما برح يبوح بشجنه، ويرتاح إلى عهود وطنه. شعره وكتابته: ممّا كتبه، وبيّن فيه أدبه قوله «10» : [الكامل] يا نازحين ولم أفارق منهم ... شوقا تأجّج في الضّلوع «11» ضرامه غيّبتم عن ناظري وشخصكم ... حيث استقرّ من الضلوع مقامه رمت النّوى شملي فشتّت نظمه ... والبين رام لا تطيش سهامه وقد اعتدى فينا وجدّ مبالغا ... وجرت بمحكم جوره أحكامه أترى الزمان مؤخّرا في مدّتي ... حتى أراه قد انقضت أيّامه تحملها «12» يا نسيم نجديّة النّفحات، وجديّة اللّفحات، يؤدي «13» عني نغمها إلى الأحبّة سلاما، ويورد «14» عليهم لفحها بردا وسلاما، ولا تقل كيف تحمّلني نارا، وترسل على الأحبّة مني إعصارا، كلّا إذا أهديتهم تحية إيناسي، وآنسوا من جانب هبوبك نار ضرام أنفاسي، وارتاحوا إلى هبوبك، واهتزّوا في كفّ مسرى جنوبك، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 253 وتعللّوا بها تعليلا، وأوسعوا آثار مهبّك تقبيلا، أرسلها عليهم بليلا، وخاطبهم بلطافة تلطفّك تعليلا. ألم تروني كيف جئتكم بما حملني عليلا «1» : [الوافر] كذاك «2» تركته ملقى بأرض ... له فيها التعلّل بالرّياح إذا هبّت إليه صبا إليها ... وإن جاءته من كلّ النواحي تساعده الحمائم حين يبكي ... فما ينفكّ موصول النّياح «3» يخاطبهنّ مهما طرن شوقا ... أما فيكنّ واهبة «4» الجناح؟ ولولا «5» تعلّله بالأماني، وتحدّث نفسه بزمان التّداني، لكان قد قضى نحبه، ولم أبلّغكم إلّا نعيه أو ندبه، لكنه يتعلّل من الآمال بالوعد الممطول، ويتطارح باقتراحاته على الزمن المجهول، ويحدّث نفسه وقد قنعت من بروق الآمال بالخلّب «6» ، ووثقت بمواعيد الدهر القلّب «7» ، فيناجيها بوحي ضميره، وإيماء تصويره: كيف أجدك يوم الالتقاء بالأحباب، والتخلّص من ربقة الاغتراب؟ أبائنة الحضور أم بادية الاضطراب؟ كأنّي بك وقد استفزّك وله السرور، فصرفك عن مشاهدة الحضور، وعاقتك غشاوة الاستعبار للاستبشار، عن اجتلاء محيّا ذلك النهار «8» : [البسيط] يوم يداوي زماناتي من ازماني ... أزال «9» تنغيص أحياني فأحياني جعلت لله نذرا صومه أبدا ... أفي به وأوفّي شرط إيماني إذا ارتفعنا وزال البعد وانقطعت ... أشطان دهر قد التفّت بأشطاني «10» أعدّه «11» خير أعياد الزمان إذا ... أوطاني السّعد فيه ترب أوطاني أرأيت «12» كيف ارتياحي إلى التّذكار، وانقيادي إلى معلّلات توهّمات الأفكار؟ كأنّ البعد باستغراقها قد طويت شقّته، وذهبت عني مشقّته، وكأنّي بالتّخيّل بين تلك الجزء: 2 ¦ الصفحة: 254 الخمائل أتنسّم صباها، وأتسنّم رباها «1» ، وأجتني أزهارها، وأجتلي أنوارها، وأجول في خمائلها، وأتنعّم ببكرها وأصائلها، وأطوف بمعالمها، وأتنشّق أزهار كمائمها، وأصيخ بأذن الشّوق «2» إلى سجع حمائمها، وقد داخلتني الأفراح، ونالت منّي نشوة الارتياح، ودنا السّرور لتوسّم «3» ذهاب الأتراح. فلمّا أفقت من غمرات سكري، ووثبت من هفوات فكري، وجدت «4» مرارة ما شابه لبّي «5» في استغراق دهري، وكأنّي من حينئذ عالجت وقفة الفراق، وابتدأت منازعة الأشواق، وكأنما أغمضتني «6» للنّوم، وسمح لي بتلك الفكرة الحلم «7» : [الكامل] ذكر الدّيار فهاجه تذكاره ... وسرت به من حينه أفكاره فاحتلّ منها حيث كان حلوله ... بالوهم فيها واستقرّ قراره ما أقرب الآمال من غفواته ... لو أنها قضيت بها أوطاره «8» فإذا جئتها أيها القادم، والأصيل قد خلع عليها بردا مورّسا، والربيع قد مدّ على القيعان منها سندسا، اتّخذها «9» فديتك معرّسا «10» ، واجرر ذيولك فيها متبخترا «11» ، وبثّ فيها من طيب نفحاتك عنبرا، وافتق عليها من نوافج «12» أنفاسك مسكا أذفرا، واعطف معاطف «13» بانها، وأرقص قضب ريحانها، وصافح صفحات نهرها، ونافح «14» نفحات زهرها. هذه كلّها أمارات، وعن أسرار مقاصدي عبارات، هنالك تنتعش بها صبابات، تعالج صبابات، تتعلّل بإقبالك، وتعكف على لثم أذيالك، وتبدو لك في صفة الفاني المتهالك، لاطفها بلطافة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 255 اعتلالك، وترفّق بها ترفّق أمثالك، فإذا مالت «1» بهم إلى هواك الأشواق، ولووا إليك الأرؤس والأعناق، وسألوك عن اضطرابي في الآفاق، وتقلّبي بين الإشآم والإعراق، فقل لهم: عرض له في أسفاره، ما يعرض للبدر في سراره، من سرّ «2» السّرار، وطاق «3» المحاق، وقد تركته وهو يسامر الفرقدين، ويساير النّيّرين، وينشد إذا راعه البين «4» : [البسيط] وقد نكون وما يخشى تفرّقنا ... واليوم «5» نحن وما يرجى تلاقينا لم يفارق وعثاء «6» الأسفار، ولا ألقى من يده عصا التّسيار، يتهاداه الغور «7» والنّجد، ويتداوله الإرقال «8» والوخد، وقد لفحته الرّمضاء، وسئمه «9» الإنضاء. فالجهات تلفظه، والآكام تبهظه، تحمل «10» همومه الرّواسم، وتحفى «11» به النّواسم: [البسيط] لا يستقرّ بأرض حين يبلغها ... ولا له غير حدو العيس إيناس ثم إذا استوفوا سؤالك عن حالي، وتقلّبي بين «12» حلّي وترحالي، وبلغت القلوب منهم الحناجر، وملأت الدموع المحاجر، وابتلّت ذيولك بمائها، لا بل تضرّجت بدمائها، فحيّهم عنّي تحيّة منفصل، وودّعهم «13» وداع مرتحل. ثم اعطف عليهم ركابك، ومهّد لهم جنابك، وقل لهم إذا سألني عن المنازل بعد سكانها، والرّبوع بعد ظعن أظعانها، بماذا أجيبه، وبماذا يسكن وجيبه «14» . فسيقولون لك هي البلاقع «15» المقفرات، والمعارف «16» التي أصبحت نكرات: [السريع] صمّ صداها وعفا «17» رسمها ... واستعجمت عن منطق السائل الجزء: 2 ¦ الصفحة: 256 قل لهم: كيف الرّوض وآسه؟ وعمّاذا «1» تتأرّج أنفاسه؟ عهدي به والحمام يردّد أسجاعه، والذّباب يغني به هزجا فيحكّ بذراعه ذراعه، وغصونه تعتنق، وأحشاء جداوله تصطفق، وأسحاره تتنسّم وآصاله تغتبق «2» ، كما كانت بقية نضرته، وكما عهدتها أنيقة خضرته، وكيف التفاته «3» عن أزرق نهره، وتأنّقه في تكليل إكليله بيانع زهره. وهل رقّ نسيم أصائله «4» ، وصفت موارد جداوله؟ وكيف انفساح ساحاته، والتفاف دوحاته؟ وهل تمتدّ كما كانت مع العشيّ فينانة سرحاته؟ عهدي بها، المديدة الظّلال، المزعفرة السّربال، لم تحدّق الآن به عيون نرجسه، ولا صدّ «5» بساط سندسه. وأين منه مجالس لذّاتي، ومعاهد غدواتي وروحاتي؟ إذ أباري في المجون لمن أباري، وأسابق إلى اللّذات كلّ من يجاري «6» . فسيقولون لك: ذوت أفنانه، وانقصفت أغصانه، وتكدّرت غدرانه، وتغيّر ريحه «7» وريحانه، وأقفرت معالمه، وأخرست حمائمه، واستحالت به «8» حلل خمائله، وتغيّرت وجوه بكره وأصائله، فإن صلصل حنين رعد فعن قلبي لفراقه خفق، وإن تلألأ برق فعن حرّ حشاي ائتلق، وإن سحّت السّحب فمساعدة لجفني، وإن طال بكاؤها فعنّي، حيّاها الله تعالى «9» منازل، لم تزل بمنظوم الشّمل أواهل. وحين انتثرت «10» نثرت أزهارها أسفا، ولم تثن الريح من أغصانها معطفا، أعاد الله تعالى «11» الشّمل فيها إلى محكم نظامه، وجعل الدهر الذي فرّقه يتأنّق في أحكامه. وهو سبحانه يجبر الصّدع، ويعجّل الجمع، إنه بالإجابة جدير، وعلى ما يشاء قدير. إيه بنيّ، كيف حال من استودعتهم أمانتك، وألزمتهم صونك وصيانتك، وألبستهم نسبك، ومهّدت لهم حسبك؟ الله في حفظهم فهو اللّائق بفعالك، والمناسب لشرف خلالك، ارع لهم الاغتراب لديك، والانقطاع إليك، فهم أمانة الله تعالى في يديك، وهو سبحانه يحفظك بحفظهم، ويوالي بلحظك أسباب لحظهم، وإن ذهبتم إلى معرفة الأحوال، فنعم الله ممتدّة الظّلال، وخيراته ضافية «12» السّربال؛ لولا الشوق الملازم، والوجد الذي سكن الحيازم. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 257 ووقفت من شعره على قصيدة من جملة رسالة، أثبتها وهي «1» : [الطويل] أللبرق يبدو تستطير «2» الجوانح ... وللورق تشدو تستهلّ «3» السّوافح «4» وقلبي «5» للبرق الخفوق مساعد ... ووجدي «6» للورق الثكالى مطارح إذا البرق أورى في الظلام زنادي «7» ... فللوجد في زند الصّبابة قادح وكم وقفة لي حيث مال بي الهوى ... أغادي «8» بها شكوى الجوى وأراوح تنازعني منها الشّجون «9» فأشتكي ... ويكثر بثّي عندها فأسامح أبثّ شجوني والحمام يصيخ لي ... ويسعدني فيما تبيح «10» التّبارح وتطرب أغصان الأراك فتنثني ... إلى صفحة النهر الصّقيل «11» تصافح فتبتسم الأزهار منها تعجّبا ... فتهدي إليها عرفها وتنافح كذلك حتى ماد عطف مثقّفي «12» ... وطرفي أبدى هزّة وهو مارح فلمّا التظى وجدي ترنّم صاهلا ... فقلت: أمثلي يشتكي الوجد نابح «13» ؟ صرفت عدوّ البيد أرخو عنانه «14» ... وقلت له: شمّر فإنّي «15» سابح «16» تهيّأ لقطع البيد واعتسف السّرى ... سيلقاك غيظان بها وممايح «17» فحمحم لو يسطيع «18» نطقا لقال له «19» ... بمثلي تلقى هذه وتكافح وحمّلته عزما تعوّد مثله ... فقام به مستقبلا من يناطح الجزء: 2 ¦ الصفحة: 258 ويمّمت بيدا لم أصاحب لجوّها «1» ... سوى جلد لا يتّقى منه فاضح «2» وماضي الغرارين «3» استجدت مضاءه «4» ... إذا جرّدت يوم الجلاد الصّفائح ومندمج صدق الأنابيب نافذ به ... عند كرّي في الحروب أفاتح وسرت فلا ألقى سوى الوحش نافرا ... وقد شردت عنّي الظّباء «5» السوانح تحدّق نحوي «6» أعينا لم يلح لها ... هنالك إنسيّ «7» ولا هو لائح وقد زأرت أسد تقحّمت غيلها ... فقلت: تعاوت إنها لنوابح وكم طاف بي للخبر «8» من طائف بها «9» ... فلم أصغ سمعا نحوها وهو صائح ويعرض لي وجها دميما ومنظرا ... شنيعا له تبدو عليه القبائح فما راعني منه تلوّن حاله ... بل ايقظ عزمي فانثنى وهو كالح فلمّا اكتست شمس العشيّ شحوبها ... ومالت إلى أفق الغروب تنازح «10» تسربلت للإدلاج جنح دجنّة ... فها «11» أنذا غرسي إلى القصد جانح فخضت «12» ظلام الليل والنّجم شاخص ... إليّ بلحظ «13» طرفه لي لامح يردّده «14» شزرا إليّ كأنما ... عليّ له حقد به لا يسامح وراقب من شكل «15» السّماك نظيره ... خلا أنّ شكلي «16» أعزل وهو رامح يخطّ وميض البرق لي منه أسطرا ... على صفحة الظّلماء فهي لوائح إذا خطّها ما بين عينيّ لم أزل «17» ... أكلّف دمعي نحوها فهو طامح وما زلت سرّا في حشا النبل «18» كامنا ... إلى أن بدا من ناسم الصّبح فاتح «19» الجزء: 2 ¦ الصفحة: 259 وهبّ نسيم الصبح فانعطفت «1» له ... قدود غصون قد رقتها صوادح «2» تجاذبن «3» من ذكري أحاديث لم تزل ... يردّدها منها «4» مجدّ ومازح وملت إلى التّعريس لما انقضى السّرى ... أروض له نفسي وعزمي جامح ومال الكرى بي ميلة سكنت لها ... على نصب الوعثاء منّي الجوارح «5» كم «6» أخذت منه الشّمول بثارها ... فبات يسقّى «7» وهو ريّان طافح وقرّبت الأحلام لي كلّ مأمل «8» ... فأدنته منيّ وهو في الحقّ نازح أرتني وجوها لو بذلت لقربها ... حياتي لمن بالقرب منه يسامح لقلّ لها عمري وما ملكت يدي ... وحدّثت «9» نفسي أنّ تجري «10» رابح وما زلت أشكو بيننا غصص «11» النّوى ... وما طوّحت بي في الزمان الطوائح فمنها ثغور للسّرور بواسم ... لقربه «12» ومنها للفراق نوائح تقرّبها الأحلام منّي ودونها ... مهامه فيها للهجير لوافح وبحر طمت أمواجه وشآبيب «13» ... وقفر به للسّالكين جوامح «14» قضيت حقوق الشوق في زورة الكرى «15» ... فإنّ زيارات الكرى لموانح يقرّبن «16» آمالا تباعد بينها ... وتعبث فيها بالنفوس الطّوامح «17» فلمّا تولّى عنّي النوم أعقبت «18» ... هموم أثارتها الشّجون فوادح وعدت إلى شكوى البلاء «19» ولم أزل ... أردّدها والعذر منّي واضح وما بلّغت عني مشافهة الكرى ... تبلّغها عنّي الرياح اللّواقح «20» وحسبك قلب في إسار اشتياقه ... وقد أسلمته في يديه الجوانح الجزء: 2 ¦ الصفحة: 260 وفاته: قال شيخنا أبو بكر بن شبرين: توفي بسجلماسة في صفر عام ستة عشر وسبعمائة. محمد بن محمد بن عبد الله بن مقاتل «1» من أهل مالقة، يكنى أبا بكر. حاله: من كتاب الإكليل: نابغة «2» مالقية، وخلف وبقيّة، ومغربي الوطن، أخلاقه مشرقيّة. أزمع الرحيل إلى المشرق، مع اخضرار العود وسواد المفرق «3» ، فلمّا توسّطت السفينة اللّجج، وقارعت الثّبج «4» ، مال «5» عليها البحر فسقاها كأس الحمام، وأولدها قبل التمام، وكان فيمن اشتملت عليه أعوادها، وانضمّ على نوره سوادها، جملة «6» من الطلبة والأدباء، وأبناء السراة الحسباء، أصبح كلّ منهم مطيعا، لداعي الرّدى وسميعا، وأحيوا فرادى وماتوا جميعا، فأجروا الدموع حزنا، وأرسلوا العبرات عليهم مزنا. وكأنّ «7» البحر لمّا طمس سبل «8» خلاصهم وسدّها، وأحال «9» هضبة سفينتهم وهدّها، غار على نفوسهم النّفيسة واستردها «10» . والفقيه أبو بكر مع إكثاره، وانقياد نظامه ونثاره، لم أظفر من أدبه إلّا بالقليل التافه، بعد وداعه وانصرافه. فمن ذلك قوله وقد أبصر فتى عاثرا «11» : [الكامل] ومهفهف هافي المعاطف أحور ... فضحت أشعّة نوره الأقمارا زلّت له قدم فأصبح عاثرا ... بين الأنام لعا «12» لذاك عثارا لو كنت أعلم ما يكون فرشت في ... ذاك المكان الخدّ والأشفارا «13» الجزء: 2 ¦ الصفحة: 261 وقال متغزّلا «1» : [الطويل] أيا لبني الرّفاء تنضي ظباؤهم ... جفون ظباهم والفؤاد «2» كليم لقد قطّع الأحشاء منهم مهفهف ... له التّبر خدّ واللّجين أديم يسدّد إذ يرمي قسيّ حواجب ... وأسهمها من مقلتيه تسوم وتسقمني عيناه وهي سقيمة ... ومن عجب سقم جناه سقيم ويذبل جسمي في هواه صبابة ... وفي وصله للعاشقين نعيم وفاته: توفي في حدود أخريات عام تسعة وثلاثين وسبعمائة غريقا بأحواز الغبطة من ساحل ألمريّة. محمد بن أحمد بن أحمد بن صفوان القيسي ولد الشيخ أبي الطاهر، من أهل مالقة. من كتاب الإكليل: نبيل فطن، متحرك ذهن، كان أبوه، رحمه الله، يتبرّم بجداله، ويخشى مواقع رشق نباله، ويشيم بأرقّ الاعتراض في سؤاله، فيشفق من اختلال خلاله، إذ طريقه إنما هي أذواق لا تشرح، وأسرار لا تفضح. وكان ممن اخترم، وجدّ حبل أمله وصرم، فأفل عقب أبيه، وكان له أدب يخوض فيه. فمن ذلك، وقد أبصر فتى وسيما على ريحانه: [البسيط] بدر تجلّى على غصن من الآس ... يبري ويسقم فهو الممرض الآسي عادى المنازل إلّا القلب منزلة ... فما له وجميع الناس من ناس وقال: يا عالما بالسّرّ والجهر ... وملجأي في العسر واليسر جد لي بما أملته منك ... مولاي «3» واجبر بالرّضا كسري وفاته: في عام خمسة وسبعمائة. محمد بن محمد بن عبد الواحد بن محمد البلوي «4» من أهل ألمريّة، يكنى أبا عبد الله، ويعرف بنسبه، وقد مرّ ذكر أبيه في العمّال. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 262 حاله: هذا «1» الرجل من أبناء النّعم، وذوي البيوتات، كثير السكون والحياء، آل به ذلك أخيرا للوثة «2» لم يستفق منها، لطف الله به. حسن الخطّ، مطبوع الأدب، سيّال الطبع، معينه. وناب عن بعض القضاة، وهو الآن رهين ما ذكر، يتمنّى أهله وفاته «3» ، والله وليّ المعافاة بفضله «4» . وجرى ذكره في الإكليل بما نصّه «5» : من أولي الخلال «6» البارعة والخصال، خطّا رائقا، ونظما بمثله لائقا، ودعابة يسترها تجهّم، وسكوتا «7» في طيّه إدراك وتفهّم. عني بالرواية «8» والتقييد، ومال في النظم إلى بعض التوليد، وله أصالة ثبتت «9» في السّرو عروقها، وتألّقت في سماء المجادة بروقها، وتصرّف بين النيابة في الأحكام الشرعية، وبين الشهادات العملية «10» المرعية. شعره: ومن شعره فيما خاطبني به، مهنئا في إعذار أولادي، أسعدهم الله، افتتح ذلك بأن قال: قال يعتذر عن خدمة الإعذار، ويصل المدح والثناء على بعد الدار، وذلك بتاريخ الوسط من شعبان في عام تسعة وأربعين وسبعمائة «11» : [الكامل] لا عذر لي عن خدمة الإعذار «12» ... ولئن «13» نأى وطني وشطّ مزاري أو عاقني عنه الزمان وصرفه ... تقضي الأماني «14» عادة الأعصار قد كنت أرغب أن أفوز «15» بخدمتي ... وأحطّ رحلي «16» عند باب الدار بادي «17» المسرّة بالصنيع «18» وأهله ... متشمّرا فيه بفضل إزاري «19» الجزء: 2 ¦ الصفحة: 263 من شاء أن يلقى الزمان وأهله ... ويرى جلا الإشعاع في الأفكار «1» فليأت حيّ ابن الخطيب ملبّيا ... فيفوز بالإعظام والإكبار كم ضمّ من صيد «2» كرام فضلهم «3» ... يسمو ويعلو في ذوي الأقدار إن جئت ناديه فنب «4» عنّي وقل ... نلت المنى بتلطف ووقار يا من له الشرف القديم ومن له ال ... حسب الصميم العدّ يوم فخار يهنيك ما قد نلت من أمل به ... في الفرقدين النّيّرين لساري «5» تجلاك قطبا كلّ تجر «6» باذخ ... أملان مرجوّان في الإعسار «7» عبد الإله وصنوه قمر العلا ... فرعان من أصل زكا ونجار «8» ناهيك من قمرين في أفق العلا ... ينميهما نور من الأنوار زاكي الأرومة «9» معرق «10» في مجده ... جمّ الفضائل طيّب الأخبار رقّت طبائعه وراق جماله ... فكأنما خلقا من الأزهار وحلت «11» شمائل حسنه فكأنما ... خلعت عليه رقّة الأسحار فإذا تكلّم قلت طلّ «12» ساقط ... أو وقع درّ من نحور جواري أو فتّ مسك الحبر «13» في قرطاسه ... بالروض «14» غبّ الواكف المدرار تتبسّم «15» الأقلام بين بنانه ... فتريك نظم الدرّ في الأسطار «16» فتخال من تلك البنان كمائما ... ظلّت «17» تفتّح ناضر النّوّار تلقاه فيّاض الندى متهلّلا ... يلقاك بالبشرى والاستبشار الجزء: 2 ¦ الصفحة: 264 بحر البلاغة قسّها وأيادها ... سحبانها خبر من الأخبار «1» إن ناظر العلماء فهو إمامهم ... شرف المعارف، واحد النّظّار أربى على العلماء بالصّيت الذي ... قد طار «2» في الآفاق كل مطار ما ضرّه إن لم يجيء متقدّما ... بالسّبق «3» يعرف آخر المضمار إن كان أخّره الزمان لحكمة ... ظهرت وما خفيت كضوء نهار الشمس تحجب وهي أعظم نيّر «4» ... وترى من الآفاق إثر دراري يا ابن الخطيب خطبتها لعلاكم ... بكرا تزفّ لكم من الأفكار جاءتك من خجل على قدم الحيا ... قد طيّبت بثنائك المعطار وأتت «5» تؤدّي بعض حقّ واجب ... عن نازح الأوطان والأوطار «6» مدّت يد التّطفيل نحو علاكم ... فتوشّحت «7» من جودكم «8» بنضار فابذل لها في النّقد صفحك إنها ... تشكو من التّقصير «9» في الأشعار لا زلت في دعة وعزّ دائم ... ومسرّة تترى «10» مع الأعمار «11» ومن السّلطانيات قوله من قصيدة نسيبها: [الطويل] تبسّم ثغر الدهر في القضب الملد ... فأذكى الحياء «12» خجلة وجنة الورد ونبّه وقع الطّلّ ألحاظ نرجس ... فمال إلى الوسنان، عاد إلى الشّهد «13» وثمّ لسبر «14» الروض في مسكة الدّجى ... نسيم شذا الخير كالمسك والنّدّ وغطّى ظلام الليل حمرة أفقه ... كما دار مسودّ العذار على الخدّ وباتت قلوب الشّهب تخفق رقّة ... لما حلّ بالمشتاق من لوعة الوجد وأهمى عليه الغيم أجفان مشفق ... يذكّره «15» فاستمطر الدّمع للخدّ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 265 ومنها: كأن «1» لم أقف في الحيّ وقفة عاشق ... غداة افترقنا والنّوى رندها يعدي «2» وناديت حادي العيس عرّج لعلّني ... أبثّك وجدي إن تمرّ على نجد فقال اتّئد يا صالح ما لك ملجأ ... سوى الملك المنصور في الرّفق والرّفد وممّا خاطبني به قوله: [الخفيف] علّلوني ولو بوعد محال ... وحلّوني ولو بطيف خيال واعلموا أنني أسير هواكم ... لست أنفكّ إنما «3» عن عقال فدموعي من بينكم في انسكاب ... وفؤادي من سحركم في اشتغال يا أهيل الحمى كفاني غرامي ... حسبي «4» ما قد جرّ ... «5» ال من مجيري من لحظ ريم ظلوم ... حلّل الهجر بعد طيب الوصال ناعس الطّرف أسمر الجفن مني ... طال منه الجوى بطول الليالي «6» بابليّ اللّحاظ أصمى فؤاده ... ورماه من غنجه بنبال وكسا الجسم من هواه نحولا ... قصده في النّوى بذاك النحال ما ابتدا في الوصال يوما بعطف ... مذ روى في الغرام باب اشتغال ليس لي منه في الهوى من مخبر ... غير تاج العلا وقطب الكمال علم الدين عزّه وسناه ... ذروة المجد بدر أفق الجلال هو غيث النّدى وبحر العطايا ... هو شمس الهدى فريد المعالي «7» إن وشى في الرقاع بالنقش قلنا ... صفحة الطّرس حلّيت باللآلي «8» أو دجا الخطب فهو فيه شهاب ... راية الصبح في ظلال «9» الضلال أو يني العضب فهو في الأمن ماض ... صادق العزم ضيق المجال لست تلقى مثاله في زمان ... جلّ في الدّهر يا أخي عن مثال قد نأى حبّي ما «10» له عن دياري ... لا لجدوى ولا لنيل نوال الجزء: 2 ¦ الصفحة: 266 لكن اشتقت أن أرى منه وجها ... نوره فاضح لنور الهلال وكما همت فيه ألثم كفّا ... قد أتت بالنّوال قبل السؤال سأل «1» ابن الخطيب عذرا أجابت ... تلثم النّعل قبل شسع «2» النعال وتوفّي حقّ الوزارة عمن ... هو ملك لها على كل حال محمد بن محمد بن الشّديد «3» من أهل مالقة، يكنى أبا عبد الله. حاله: ذكر في الإكليل بما نصّه «4» : شاعر مجيد حوك الكلام، ولا يقصر فيه عن درجة الأعلام. رحل إلى الحجاز لأوّل أمره فطال بالبلاد المشرقية ثواؤه، وعمّيت أنباؤه، وعلى هذا العهد وقفت له على قصيدة بخطّه غرضها نبيل، ومرعاها غير وبيل، تدلّ على نفس ونفس، وإضاءة قبس، وهي: [الوافر] لنا في كلّ مكرمة مقام ... ومن فوق النجوم لنا مقام روينا من مياه المجد لمّا ... وردناها وقد كثر الزحام ومنها: فنحن هم وقل لي من سوانا ... لنا التّقديم قدما والكلام لنا الأيدي الطّوال بكلّ ضرب «5» ... يهزّ به لدى الروع الحسام ونحن اللّابسون لكلّ درع ... يصيب السّمر «6» منهنّ انثلام بأندلس لنا أيام حرب ... مواقفهنّ في الدنيا عظام ثوى «7» منها قلوب الرّوم خوفا «8» ... يخوّف منه في المهد الغلام حمينا جانب الدين احتسابا ... فها هو لا يهان ولا يضام وتحت الراية الحمراء منّا ... كتائب لا تطاق ولا ترام بنو نصر وما أدراك ما هم ... أسود الحرب والقوم الكرام الجزء: 2 ¦ الصفحة: 267 لهم في حربهم فتكات عمرو ... فللأعمار عندهم انصرام يقول: عداتهم مهما ألمّوا ... أتونا ما من الموت اعتصام إذا شرعوا الأسنّة يوم حرب ... فحقّق أنّ ذاك هو الحمام كأنّ رماحهم فيها نجوم ... إذا ما أشبه الليل الغمام «1» أناس تخلف الأيام ميتا ... بحيّ منهم فلهم دوام رأينا من أبي الحجاج شخصا ... على تلك الصفات له قيام موقّى العرض محمود السجايا ... كريم الكفّ مقدام همام يجول بذهنه في كلّ شيء ... فيدركه وإن عزّ المرام قويم الرأي في نوب الليالي ... إذا ما الرأي فارقه القوام له في كلّ معضلة مضاء ... مضاء الكفّ ساعده «2» الحسام رؤوف قادر يغضي ويعفو ... وإن عظم اجتناء واجترام تطوف ببيت سؤدده القوافي ... كما قد طاف بالبيت الأنام وتسجد في مقام علاه شكرا ... ونعم الرّكن ذلك والمقام أفارسها إذا ما الحرب أخنت «3» ... على أبطالها ودنا الحمام وممطرها إذا ما السّحب كفّت ... وكفّ أخي الندى أبدا غمام لك الذكر الجميل بكلّ قطر ... لك الشرف الأصيل المستدام لقد جبنا «4» البلاد فحيث سرنا ... رأينا أنّ ملكك لا يرام فضلت ملوكها شرقا وغربا ... وبتّ لملكها يقظا وناموا «5» فأنت لكلّ معلوّة مدار ... وأنت لكلّ مكرمة إمام جعلت بلاد أندلس إذا ما ... ذكرت تغار مصر والشآم مكان أنت فيه مكان عزّ ... وأوطان حللت بها كرام وهبتك من بنات الفكر بكرا ... لها من حسن لقياك ابتسام فنزّه طرف مجدك في حلاها ... فللمجد الأصيل بها اهتمام الجزء: 2 ¦ الصفحة: 268 محمد بن مسعود بن خالصة بن فرج بن مجاهد ابن أبي الخصال الغافقي «1» الإمام البليغ، المحدّث الحجّة، يكنى أبا عبد الله. أصله من فرغليط من شقورة، من كورة جيّان، وسكن قرطبة وغرناطة. حاله: قال ابن الزّبير عند ذكره: ذو الوزارتين، أبو عبد الله بن أبي الخصال. كان من أهل المعارف الجمّة، والإتقان لصناعة الحديث، والمعرفة برجاله، والتقييد لغريبه، وإتقان ضبطه، والمعرفة بالعربية واللغة والأدب، والنّسب والتاريخ، متقدما في ذلك كله. وأما الكتابة والنظم، فهو إمامهما المتفق عليه، والمتحاكم فيهما إليه. ولما ذكره أبو القاسم الملّاحي بنحو ذلك قال: لم يكن في عصره مثله، مع دين وفضل وورع. قال أبو عمرو ابن الإمام الإستجّي في سمط الجمان، لما ذكره: البحر الذي لا يماتح ولا يشاطر، والغيث الذي لا يساجل ولا يقاطر، والروض الذي لا يفاوح ولا يعاطر، والطّود الذي لا يزاحم ولا يخاطر، الذي جمع أشتات المحاسن، على ماء غير ملح ولا آسن؛ وكثرت فواضله، فأمنت المماثل والمحاسن، الذي قصرت البلاغة على محتده، وألقيت أزمة الفصاحة في يده، وتشرّفت الخطابة والكتابة باعتزائهما إليه، فنثل كنانتها، وأرسل كمائنها، وأوضح أسرارها ودفائنها، فحسب الماهر النّحرير، والجهبذ العلّامة البصير إذا أبدع في كلامه، وأينع في روض الإجادة نثاره ونظامه، وطالت قنى الخطيّة الذبل أقلامه، أن يستنير بأنواره، ويقتضي بعض مناهجه وآثاره، وينثر على أثوابه مسك غباره، وليعلم كيف يتفاضل الخبر والإنشاء، ويتلو إنّ الفضل بيد الله يؤتيه من يشاء. وعضّه العقور أبو نصر في قلائده، حيث قال «2» : «هو وإن كان خامل المنشأ نازله، لم ينزله المجد منازله، ولا فرّع للعلاء هضابا، ولا ارتشف للسّنا رضابا، فقد تميّز بنفسه، وتحيّز من أبناء «3» جنسه، وظهر بذاته، وفخر بأدواته» . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 269 مشيخته: قال الأستاذ أبو جعفر بن الزبير في الصلة «1» : روى عن الغساني، والصّدفي، وأبي الحسن بن الباذش، وأبي عمران بن تليد، وأبي بحر الأسدي، وأبي عبد الله النّفزي، وجماعة غيرهم. تواليفه: قال الأستاذ: وأمّا كتبه وشعره وتواليفه الأدبية، فكل ذلك مشهور، متداول بأيدي الناس، وقلّ من يعلم بعده، أن يجتمع له مثله، رحمه الله. من روى عنه: روى عنه ابن بشكوال، وابن حبيش، وابن مضاء وغيرهم، وكل ذلك ذكره في رحاله، وهو أعرف بتقدّمه في احتفاله. شعره: وله شعر كثير، فمن إخوانياته ما خاطب به أبا إسحاق بن خفاجة: [الكامل] هبّ النسيم هبوب ذي إشفاق ... يذهبن الهوى بجناحه الخفّاق وكأنما صبح الغصون بنشوة ... باحت لها سرائر العشاق وإذا تلاعبت الرياح ببانه ... لعب الغرام بمهجة المشتاق مه يا نسيم فقد كبرت عن الصّبا ... لم يبق من تلك الصّبابة باق إن كنت ذاك فلست ذاك ولا ... أنا قد أذنت «2» مفارقي بفراق ولقد عهدت سراك من عدد الهوى ... والموت في نظري وفي استنشاق أيام لو عنّ السّلوّ لخاطري ... قرّبته هديا «3» إلى أشواقي «4» الهوى إلفي والبطالة مركبي ... والأمن ظلّي والشباب رواقي «5» في حيث قسّمت المدامة قسمة ... ضيزى «6» لأن السكر من أخلاقي «7» لا ذنب للصّهباء أني غاصب ... ولذاك قام السكر باستحقاق ولقد صددت الكأس فانقبضت بها ... من بعدها انبسطت يمين السّاقي وتركت في وسط النّدامى خلّة ... هامت بها الوسطى من الأعلاق فاستسرفوني مذكرين وعندهم ... أنى أدين اللهو دين نفاق وحبابها نفث الحباب وربما ... سدكت يد الملسوع منه براق الجزء: 2 ¦ الصفحة: 270 وكأنه لما توقّر فوقها «1» ... نور تجسّم من ندى الأحداق لو بارح نفح النّوى في روضة ... فأثارها وسرى عن الأحداق ولقد جلوا والله يدرأ كيدهم ... فتّانة الأوصاف والأعراق أغوى بها إبليس قدما آدم «2» ... والسّرّ يرمى في هواها الباقي «3» تالله أصرف نحوها وجد الرضا ... لو شعشعت برضا أبي إسحاق ومن نسيبه «4» : [المنسرح] وليلة عنبريّة الأفق ... رويت فيها السرور من طرق وكنت حرّان فاقتدحت بها ... نارا من الرّاح برّدت حرقي «5» وافت «6» بها «7» عاطلا وقد لبست ... غلالة فصّلت من الحدق فاجا «8» بها الدهر من بنيه دجى «9» ... لقيته كالإصباح في نسق «10» قامت لنا في المقام أوجههم ... وراحهم بالنجوم والشّفق وأطلع «11» البدر من ذرى غصن ... تهفو عليه القلوب كالورق من عبد شمس بدا سناه وهل ... ذا «12» النور «13» إلّا لذلك «14» الأفق مدّ بحمراء من مدامته ... بيضاء كفّ «15» مسكيّة العبق فخلتها وردة منعّمة ... تحمل من سوسن على طبق الجزء: 2 ¦ الصفحة: 271 يشرب في الراح حين يشربها «1» ... ما غادرت مقلتاه من رمق «2» وقال «3» : [المنسرح] يا حبذا ليلة لنا سلفت ... أغرت بنفسي الهوى وما «4» عرفت دارت بظلمائها المدام فكم ... نرجسة من بنفسج قطفت وقال في مغنّ زار، بعده أغبّ وشطّ المزار «5» : [الكامل] وافى وقد عظمت عليّ ذنوبه ... في غيبة قبحت بها آثاره فمحا إساءته لنا «6» إحسانه ... واستغفرت لذنوبه أوتاره وقال يعتذر عن استبطاء مكاتبة «7» : [الطويل] ألم تعلموا «8» والقلب رهن لديكم ... يخبّركم «9» عني بمضجره «10» بعدي؟ فلو «11» قلّبتني «12» الحادثات مكانكم ... لأنهبتها وفري وأوطأتها «13» خدّي ألم تعلموا أني وأهلي وواحد «14» ... فداء «15» ولا أرضى بتفدية «16» وحدي؟ ومن قوله في غرض المدح يخاطب تاشفين بن علي، ويذكر الوقعة بكركى، يقول فيها: [البسيط] الله أعطاك فتحا غير مشترك ... وردّ عزمك عن فوت إلى درك الجزء: 2 ¦ الصفحة: 272 أرسل عنان جواد أنت راكبه ... واضمم يديك ودعه في يد الملك حتى يصير إلى الحسنى على ثقة ... يهدي سبيلك هاد غير مؤتعك قد كان بعدك للأعداء مملكة ... حتى استدرّت عليهم كورة الفلك سارت بك الجرد «1» أو طار الفضاء «2» بها ... والحين قد قيّد الأعداء في شرك فما تركت كميّا غير منعفر ... ولا تركت نجيعا غير منسفك ناموا وما نام موتور على حنق ... أسدى إذا فرصة ليست «3» من السلك فصبّحتهم جنود الله باطشة ... والصبح من عبرات الفجر في مسك من كل مبتدر كالنّجم منكدر ... تفيض أنفسهم غيظا من المسك فطاعنوكم بأرماح وما طعنت ... وضاربوكم بأسياف ولم تحك تعجّل النّحر فيهم قبل موسمه ... وقدّم الهدي منهم كلّ ذي نسك فالطير عاكفة والوحش واقفة ... قد أثقلتها لحوم القوم عن حرك عدت على كل عاد منهم أسر ... بعثن «4» في حنجر «5» رحب وفي حنك كلي هنيئا مريئا واشكري ملكا ... قرتك أسيافه في كل معترك فلو تنضّدت الهامات إذ نشرت ... بالقاع للغيظان بالنّبك أبرح وطالب بباقي الدهر ماضيه ... فيوم بدر أقامه الفيء في فدك وكم مضى لك من يوم بنت له ... في ماقط برماح الحظّ مشتبك بالنّقع مرتكم بالموت ملتئم ... بالبيض مشتمل بالشمر محتبك فحص القباب إلى فحص الصعاب ... إلى أريولة مداسات إلى السّكك وكم على حبر محمود وجارته ... للرّوم من مرتكل غير متّرك وفّيت للصّفر حتى قيل قد غدروا ... سموت تطلب نصر الله بالدّرك فأسلمتهم إلى الإسلام غدوتهم ... وأذهب السيف ما بالدّن من حنك يا أيها الملك السامي بهمّته ... إلى رضى الله لا تعدم رضى الملك ما زلت تسمعه بشرى وتطلعه ... أخرى كدرّ على الأجياد منسلك بيّضت وجه أمير المؤمنين بها ... والأرض من ظلمة الإلحاد في حلك الجزء: 2 ¦ الصفحة: 273 فاستشعر النّصر واهتزّت منابره ... بذكر أروع للكفار محتنك فأخلدك ولمن والاك طاعته ... خلود برّ بتقوى الله ممتسك وافيت والغيث زاخر قد بكى طربا ... لمّا ظفرت وكم بلّله من الضّحك وتمّم الله ما أنشأت من حسن ... بكل منسبك منه ومنتمك وعن قريب تباهي الأرض من زهير ... سماها بها غضّة الحبك فعد وقد واعتمد واحمد وسد وأبد ... وقل وصل واستطل واستول وانتهك وحسبك الله فردا لا نظير له ... تغنيك نصرته عن كل مشترك ومن قوله في غرض الرثاء، يرثي الفقيد أبا الحسن بن مغيث «1» : [البسيط] الدهر ليس على حرّ بمؤتمن ... وأيّ علق تخطّته يد الزمن يأتي العفاء «2» على الدنيا وساكنها ... كأنه «3» أدبر لم يسكن إلى سكن يا باكيا فرقة الأحباب عن شحط «4» ... هلّا بكيت فراق الرّوح للبدن؟ نور «5» تقيّد «6» في طين «7» إلى أجل ... وانحاز «8» علوا «9» وخلّى الطين في الكفن «10» كالطير في شرك يسمو إلى درك ... حتى تخلّص من سقم ومن درن إن لم يكن في رضى الله اجتماعهما ... فيا لها صفقة تمّت على غبن «11» الجزء: 2 ¦ الصفحة: 274 يا شدّ ما افترقا من بعد ما اعتنقا «1» ... أظنّها محرقة «2» كانت على دخن «3» وربّ سار إلى وجه يسرّ به ... وافى وقد نبت المرعى على الدّمن أتى إلى الله لا سمع ولا بصر ... يدعو إلى الرّشد أو يهدي إلى السّنن في كل يوم فراق لا بقاء له ... من صاحب كرم أو سيّد قمن أعيا أبا حسن فقد الذين مضوا ... فمن لنا بالذي أعيا أبا حسن كأنّ البقية في قوم قد انقرضوا ... فهاج ما شاء ذاك القرن من شجن يعدّ فدا وفي أثوابه رمز من ... كل ذي خلق عمرو وذي فطن وإنّ من أوجدتنا كلّ مفتقد ... حياته لعزيز الفقد والظّعن من للملوك إذا خفّت حلومهم ... بما يقاوم ذاك الطيش من سكن ومنها: يا يونس لا تسر أصبحنا لوحشتنا ... نشكو اغترابا وما بنّا عن الوطن ويا مطاعا مطيعا لا عناد له ... في كل أمر على الإسلام مؤتمن كم خطت كارتجاج البحر مبهمة ... فرّجتها بحسام سلّ من لسن طود المهابة في الجلا وإن جذبت ... عنانه خلوة هزّت ذرى وتر أكرم به سببا تلقى الرسول به ... لخمس واردة في الفرض والسّنن ناهيك من منهج سمّ القصور به ... هوى فمن قدر عال إلى فدن من كل وادي التّقى يسقى الغمام به ... فيستهل شروق الضّرع باللبن تجمّلت بك في أحسابها مضر ... وأصل مجدك في جرثومة اليمن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 275 من دولة حولها الأنصار حاشدة ... في طامح شامخ الأركان والقنن من الذين هم رووا وهم نصروا ... من عيسة الدّين لا من جذوة الفتن إن يبد مطّلع منهم ومستمع ... فارغب بنفسك عن لحظ وعن أذن ما بعد منطقه وشي ولا زهر ... ولا لأعلاق ذاك الدّرّ من ثمن أقول وفينا فضل سؤدده ... أستغفر الله ملء السّر والعلن محمد ومغيث نعم ذا عوضا ... هما سلالة ذاك العارض الهتن تقيّلا هديه في كل صالحة ... نصر السّوابق عن طبع وعن مرن ما حلّ حبوته إلّا وقد عقدا ... حبا بما اختار من أيد ومن منن غرّ الأحبّة عند حسن عهدهما ... وإن يؤنس في الأثواب والجنن علما وحلما وترحيبا وتكرمة ... للزائرين وإغضاء على زكن يا وافد الغيث أوسع قبره نزلا ... وروما حول ذاك الدّيم من ثكن وطبق الأرض وبلا في شفاعته ... فنعم رائد ذاك الرّيف واليمن وأنت يا أرض كوني مرّة بأبي ... مثوى كريم ليوم البعث مرتهن وإن تردّت بترب فيك أعظمه ... فكم لها في جنان الخلد من ردن ومن شعره قوله مخمّسا، كتب بها، وقد أقام بمراكش يتشوق إلى قرطبة: [الطويل] بدت لهم بالغور والشّمل جامع ... بروق بأعلام العذيب لوامع فباحت بأسرار الضمير المدامع ... وربّ غرام لم تنله المسامع أذاع بها من فيضها لا يصوّب «1» ألا في سبيل الشّوق قلب مؤثّل ... بركب إذا شاء والبروق تحمل هو الموت إلّا أنني أتحمّل ... إذا قلت هذا منهل عزّ منهل وراية برق نحوها القلب يجنب أبى الله إمّا كلّ بعد فثابت ... وإما دنوّ الدار منهم ففائت ولا يلفت البين المصمّم لافت ... ويا ربّ حيّ البارق المتهافت غراب بتفريق الأحبّة ينعب الجزء: 2 ¦ الصفحة: 276 خذوا بدمي ذاك الوسيق المضرّجا ... وروضا بغيض العاشقين تأرّجا عفى الله عنه قاتلا ما تحرّجا ... تمشّى الرّدى في نشره وتدرّجا وفي كل شيء للمنيّة مذهب سقى الله عهدا قد تقلّص ظلّه ... حيا قطره يحيى الربا مستهلّه وعى به شخصا كريما أجلّه ... يصحّ فؤادي تارة ويعلّه ويلمّه بالذكر طورا ويشعب رماني على قرب بشرخ ذكائه ... فأعشت جفوني نظرة من ذكائه وغصّت بأدنى شعبة من سمائه ... شعابي وجاء «1» البحر في غلوائه فكلّ بقرب «2» ردع خدّيه يركب ألم يأته أنّى ركنت قعودا ... وأجمعت عن وفز الكلام قعودا ولم أعتصر للذّكر بعدك عودا ... وأزهقني هذا الزمان صعودا فربع الذي بين الجوانح سبسب على تلك من حال دعوت سميعا ... وذكّرت روضا بالعقاب مريعا وتملأ الشعب المذحجي جميعا ... وسربا بأكناف الرّصافة ريعا وأحداق عين بالحمام تقلّب ولم أنس ممشانا إلى القصر ذي النّخل ... بحيث تجافى الطود عن دمث سهل وأشرف لا عن عظم قدر ولا فضل ... ولكنه للملك قام على رجل يقيه تباريح الشمال ويحجب فكم وجع «3» ينتابه برسيسه ... ويرتحل الفتى بأرجل عيسه أبق أمّ عمرو في بقايا دريسه ... كسحق اليماني معتليه نفيسه فرقعته تسبي القلوب وتعجب وبيضاء للبيض البهاليل تعتزي «4» ... وتعتزّ بالبان جلالا وتنتزي سوى أنها بعد الصّنيع المطرّز ... كساها البلى والثّكل أثواب معوز يبكي وتبكي للزائرين وتندب الجزء: 2 ¦ الصفحة: 277 وكم لك بالزّهراء من متردّد ... ووقفة متّسق المجامع مقصد يسكن من خفق الجوانح باليد ... ويهتك حجب النّاصر بن محمد ولا هيبة تخشى هنالك وترهب لنعم مقام الخاشع المتنسّك ... وكانت في محلّ العبشمين المملّك متى يورد النّفس العزيزة يسفك ... وإن يسم نحو الأبلق الفرد يملك وأي مرام رامه يتصعّب قصور كان الماء يعشق مبناها ... فطورا يرى تاجا بمفرق أعلاها وطورا يرى خلخال أسوق سفلاها ... إذا زلّ وهنا عن ذوائب يهواها يقول هوى بدرا أو انقضّ كوكب أتاها على رغم الجبال الشّواهق ... وكلّ منيف للنجوم مراهق وكم دفعت في الصّدر منه بعانق ... فأودع في أحشائها والمفارق حسابا بأنفاس الرياح يذرب هي الخود من قرن إلى قدم حسنا ... تناصف أقصاها جمالا مع الأدنى ودرج كأفلاك «1» مبنى على مبنى ... توافقن في الإتقان واختلف المعنى وأسباب هذا الحسن قد تتشعّب فأين الشّموس الكالفات بها ليلا ... وأين الغصون المائسات بها ميلا وأين الظّباء «2» السابحات بها ذيلا ... وأين الثّرى رجلا وأين الحصا خيلا فوا عجبا لو أن من يتعجّب كم احتضنت فيها القيان المزاهرا ... وكم فاوحت فيها الرّياض المجامرا وكم ساهرت فيها الكواكب سامرا ... وكم قد أجاب الطير فيها المزامرا عظيم من الدنيا شعاع مطنّب كأن لم يكن يقضى بها النّهي والأمر ... ويجبي إلى خزائنها البرّ والبحر ويسفر مخفورا بذمّتها الفخر ... ويصبح مختوما بطينتها الدهر وأيامه تعزى إليها وتنسب الجزء: 2 ¦ الصفحة: 278 ومالك عن ذات القسيّ النّواضح ... وناصحة تعزى قديما لناصح وذي أثر على الدهر واضح ... يخبر عن عهد هنالك صالح ويعمر ذكر الذاهبين ويخرب تلاقى عليه فيض نهر وجدول ... تصعّد من سفل وأقبل من عل فهذا جنوبيّ وذلك شمألي «1» ... وما اتفقا إلّا على خير منزل وإلّا فإن الفضل منه مجرّب كأنهما في الطّيب كانا تنافرا ... فسارا إلى وصل القضاء وسافرا ولمّا تلاقى السابقان تناظرا ... فقال وليّ الحق مهلا تظافرا فكلّكما عذب المجاجة طيّب ألم يعلما أن اللّجاج هو المقت ... وأن الذي لا يقبل النّصف منبتّ وما منكما إلّا له عندنا وقت ... فلما استبان الحقّ واتجه السّمت تقشّع من نور المودة غيهب وإن لها بالعامريّة لمظهرا ... ومستشرفا يلهي العيون ومنظرا وروضنا على شطّي خضارة أخضرا ... وجوسق ملك قد علا وتجبّرا له ترّة عند الكواكب تطلب أغيّره «2» في عنفوان الموارد ... وأثبته في ملتقى كل وارد وأبرزه للأريحيّ المجاهد ... وكلّ فتى عن حرمة الدين زايد حفيظته في صدره تتلهّب تقدّم عن قصر الخلافة فرسخا ... وأصحر بالأرض الفضاء ليصرخا فحالته أرض الشّرك فيها منوّخا ... كذلك من جاس الدّيار ودوّخا فردعته في القلب تسري وترهب أولئك قوم قد مضوا وتصدّعوا ... قضوا ما قضوا من أمرهم ثم ودّعوا فهل لهم ركز يحسّ ويسمع؟ ... تأمّل فهذا ظاهر الأرض بلقع إلّا أنهم في بطنها حيث غيّبوا «3» الجزء: 2 ¦ الصفحة: 279 ألست ترى أن المقام على شفا ... وأن بياض الصّبح ليس بذي خفا وكم رسم دار للأجنّة قد عفا ... وكأنّ حديثا للوفود معرّفا فأصبح وحش المنتدى يتجنّب ولله في الدّارات ذات المصانع ... أخلّاء صدق كالنجوم الطّوالع أشيع بينهم كلّ أبيض ناصع ... وأرجع حتى لست يوما براجع فياليتني في قسمتي أتهيّب أقرطبة لم يثنني عنك سلوان ... ولا بمثل إخواني بمغناك إخوان وإني إذا لم أسق ماءك ظمآن ... ولكن عداني عنك أمر له شان وموطني آثار تعدّ وتكتب لك الحقّ والفضل الذي ليس يدفع ... وأنت لشمس الدّين والعلم مطلع ولولاك كان العلم يطوى ويرفع ... وكل التّقى والهدى والخير أجمع إليك تناهى والحسود معذّب ألم تك خصّت باختيار الخلائف ... ودانت لهم فيها ملوك الطّوائف وعضّ ثقاف الملك كلّ مخالف ... بكل حسام مرهف الحدّ راعف به تحقن الآجال طورا وتسكب إلى ملكها انقاد الملوك وسلّموا ... وكعبتها ندا الوفود ويمّموا وفيها استفادوا شرحهم وتعلّموا ... وعاذوا بها من دهرهم وتحرّموا فنكّب عنهم صرفه المتسحّب علوت فما في الحسن فوقك مرتقى ... هواؤك مختار وتربك منتقى وجسرك للدنيا وللدّين ملتقى ... وبيتك مربوع القواعد بالتّقى إلى فضله لأكباب تنضى وتضرب تولّى خيار التابعين بقاءه ... وخطّوا بأطراف العوالي فناءه ومدّوا طويلا صيته وثناءه «1» ... فلا زال مخلوع عليه سناءه «2» ولا زال سعي الكائدين يخيّب الجزء: 2 ¦ الصفحة: 280 وبالغ فيه كلّ أروع أصيد ... طويل المعالي والمكارم واليد وشادوا وجادوا سيّدا بعد سيّد ... فبادوا جميعا عن صنيع مخلّد يقوم عليه الثناء ويخطب مصابيحه مثل النجوم الشّوابك ... تمزّق أثواب النجوم الحوالك وتحفظه من كل لاه وسالك ... أجادل تنقضّ انقضاض النّيازك فإبشارهم بالطبطبية تنهب أجدك لم تشهد بها ليلة القدر ... وقد جاش برّ الناس منه إلى بحر وقد أسرجت فيه جبال من الزّهر ... فلو أن ذلك النّور يقبس من فجر لأوشك نور الفجر يفنى وينضب كأن للثّريّات «1» أطواد نرجس «2» ... ذوائبه تهفو بأدنى تنفّس وطيب دخان النّدّ من كل معطّس ... وأنفاسه في كل جسم وملبس وأذياله فوق الكواكب تسحب إلى أن تبدّت راية الفجر تزحف ... وقد قضّى منهما «3» الذي لا يسوّف تولّوا وأزهار المصابيح تقطف ... وأبصارها صونا تغضّ وتطرف كما تنصل الأرماح ثم تركّب سلام على غيابها وحضورها ... سلام على أوطانها وقصورها سلام على صخرائها وقبورها ... ولا زال سور الله من دون سورها فحسن دفاع الله أحمى وأرهب وفي ظهرها المعشوق كل مرفّع ... وفي بطنها الممشوق كل مشفع متى تأته شكوى الظّلامة ترفع ... وكل بعيد المستغاث مدفّع من الله في تلك المواطن يقرب وكم كربة ملء الجوانح والقلب ... طرقت وقد نام المواسون من صحب بروعتها قبر الوالي لي وهبّ ... وناديت في التّرب المقدّس يا ربّ فأبت بما يهوى الفؤاد ويرغب الجزء: 2 ¦ الصفحة: 281 فيا صحبي حان قبلك مصرعي ... وكنت على عهد الوفا والرّضا معي فحطّ بضاحي ذلك السّرى مضجعي ... وذرني فجار القوم غير مروّع فعندهم للجار أهل ومرحب رعى الله من يرعى العهود على النّوى ... ويظهر بالقول المحبّر ما نوى ولبيته من مستحكم الودّ والهوى ... يرى كلّ واد غير واديه مجتوى وأهدى سبيله الذي يتجنّب كتابته: وكتابة ذي الوزارتين، رحمه الله، كالشمس شهرة، والبحر والقطر كثرة؛ ونحن نثبت له شيئا من ذلك لئلّا يخلو هذا الكتاب من شيء من بيانه. كتب يراجع الوزير أبا بكر بن عبد العزيز، من رسالة كتب بها إليه مع حاج يضرب القرعة: أطال الله بقاء وليّي وإمامي الذي له إكباري وإعظامي، وفي سلكه اتّسامي وانتظامي، وإلى ملكه انتسابي واعتزائي، وبودّه افتخاري وانتزائي، للفضائل مجيبا ومبديا، وللمحامد مشتملا ومرتديا، وبالغرائب متحفا ومهديا، ولا زال الرّخاء وأزل، وجدّ من المصافاة وهزل، وسحت من المراعاة وجزل. وصل كتابه صحبة عرّاف اليمامة، وفخر نجد وتهامة، يقرّظه ويزكّيه، ويصفه بالخبّ يفسّره ويجليه، والخفيّ يظهره ويبديه. ولعله رائد، لابن أبي صائد، أو هاد للمسيح الدّجال قائد. أشهد شهادة إنصاف، أن عنده لعضبا صاف، ولو كان هناك ناظر صادق طاف، ولله خفايا الألطاف، لقلت هو باد غير خاف، من بين كل ناعل وحاف. وسأخبرك، أيّدك الله، بما اتّفق، وكيف طار ونعق، وتوسّد الكرامة وارتفق، طرق له وصفك ونعتك، وثقّفه بريك ونحتك، ورفعه للعيون جدّك وبختك، وامتدت نحوه النواظر، واستشرفه الغائب والحاضر، وتسابق إليه النّابه والخامل، وازدحم عليه العاطل والعامل. هذا يلتمس مزيدا، وذاك يبتغي حظا جديدا، وهذا يطلب تقليدا، وذلك يسلّ إلى مغاليقه إقليدا. فكلما حزب، وغلّ وجلب، حلب واستدرّ، وتلقاه وإن ساءه الغيب بما سرّ. وكنت واتغت جملة من الأعيان، ووافقت ثلّة من جلّة الإخوان، على تمشية أمره، وتوشية ذكره؛ فلمّا صدقت تلك الفرقة، واستوت بهم تلك الفرقة، أحضرناه للسّبار، وأقعدناه للنّقد والاختيار، وأردنا أن نقف على جلايا تلك الأخبار، فأحضرنا طحنا ونطعا، وسرينا عنه من الوحشة قطعا، وقلنا له خذ عفوك، ولا توردنا إلّا صفوك، ولا تصانعنا في الكريهة التي نراها، والحادثة تستفظع ذكراها؛ فما عندنا جهل، وما منّا إلّا محتنك كهل، لا يتكاده حزن ولا يستخفّه سهل، فسكن جائش فوره، وضرب بلحيته على زوره، ثم صعّد فينا النظر وصوّب، واستهلّ صارخا وثوّب، وتحرّج من الكذب الجزء: 2 ¦ الصفحة: 282 وتحوّب، وقال: لست للعشرة خابطا، ولا للطّرف غامضا، ولا عن الصدق إذا صدع حائدا، ولا للغدر ممّن وقع منه ذائدا، ولا بمعجزات النبوّة لاعبا، ولا لصريح الجدّ مداعبا، ولا تطيبني مسألة ولا حلوان، ولا تستفزّني نضائد كثيرة ولا ألوان. إنما هو رسم وخطّ، ورفع وحطّ، ونحس وسعد، ونقد ووعد، ويوم وغد. فقلنا له الآن صحّت الوفادة، وأينعت الإرادة. ثم نظر إلينا نظر المستقلّ، واجتذب النّطع اجتذاب المدلّ، ونثل الطّحن وهاله، وأداره حتى استدار هاله، ثم قال: يا أيها الملأ هذا المبتدأ، فأيكم يبدأ. فرمقني القوم بأبصارهم وفغروا وكبّروا، وليتهم عند ذلك صفّروا، فقلت: يا قوم قد عضضت على ناجذي حلما، وقتلت شأني كلّه علما، وعقدت بيني وبين غد سلما، فكيف أستكشف عما أعرف، وأسبقهم عمّا لا يستبهم. على الرحمن توكلت، وعلى الشيطان تركّلت، ومن كسبي أكلت، وفي مبرك السّلامة بركت، وجسيمات الأمور تركتني وتركت، والنفس المطمئنة رجوت، ولعلني قد نجوت، وأصبت فيما نحوت. فلحظتني عند هذه المقالة عينه، وطواني صدقه ومينه. ثم صار القوم دوني أنجية، وأعدّ له كل تورية وتعمية. فقال قائل منهم: تعالوا نشترك في ضمير، ونرمه بهذا الطاغية ابن رذمير، ففي كل قلب منه ندب كبير، والسؤال عنه دين وأدب، فإن أصابه استرحنا من النّصب والشّخوص، وحرنا من العموم إلى الخصوص، وإن أخطأه فهو لما سواه أخطأ، ولما يدّعيه ويريده منه أبطأ. فقالوا: نعم ما عرضت، وأحسن بما رويت وفرضت. فلمّا رأيناه يثقل التّعريض، ويحكم التقرير والتعويض، قلنا له: حقّق ضميرك كل التحقيق، وضع مسبحتك في الدقيق. فابتدر ما أمر، وحسر عن ذراعه وشمّر، ومرت أصبعه في خطّه مرّ الذّر المتهالك، ووقعت وقع القطر المتدارك، لا تمس الطّحن إلّا تحليلا، وغمزا كالوهم قليلا، فطورا يستقيم سبيلا، وتارة يستدير إكليلا، وآونة يأتي بالسماء ونجومها قبيلا. فكان هنالك لنعش من بنات، وللثّريا من أخوات، وطير قابضات، وصافّات وأسراب ناشرات خافقات. فلمّا استوفى عدده، وبلغ أمده، وختم طرائقه وقدده، وأعطى الأصول وفروعها، وتدبّر تفاريقها وجموعها، فجمع وتقبّض، وفتر ثم انتفض، وصعّد ذهنه وتسافه، وأخذ الطّحن فسافه؛ وزفر وشهق، وعشّر ونهق، وألصق بظهره حشاه، وكتم الرّبو ثم أفشاه، وقال: هذا الذي كنت أخشاه، عميتم الأثر، وكتمتم حقيقة الخبر، وعثرتم خاطي فما عثر، ونثرتم نظام الحدس فما انتثر. سألتم عن روح شارد، وشيطان مارد، وصادر مع اللّحظات وارد، لا يوطن دارا، ولا يأوي قرارا، ولا يطعم النّوم إلّا غرارا «1» . نعم أمره عندي مستقر، هو زنديق مستتر؛ وشهاب من شهب الكفر مستمر. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 283 ثم رجّع البصر واختصر، وعاد إلى الحساب يتقرّاه، والصواب يتحرّاه، وتتبّع أديم الطّحن ففراه، وقال: أعوذ بالله من شرّ ما أراه. إلى كم أرى في غلاء وبلاء؟ كأني لست ذا أمرار وأحلاء، تالله لو كانت قرعة رفعة وعلاء؛ ما غاب عني اللّحياني ذو السّبلة، ولواجهنا البياض ذو الغرّة المستقلّة مواجهة حسان لجبلة. النّحس على هذه الروح قد رتّب؛ وكتب عليه من الشقاء ما كتب، وأخرج النّصرة الداخلة من العتب. ثم أشار إلى الحمرة، وكأنما وضع يده على جمرة، وقال: كوسج نعيّ، وسناط الوجه شقيّ، وثقاف وطريق، وجماعة وتفريق، وقبض خارج، ومنكوس مارج. ثم وضع عمامته، ولولب هامته، وأمال وجهه فجرا طلقا، ثم عرضه مجنا مطرقا، وعقد أنامله عضّا، وأدمى صدره دعّا ورضّا، وقطع بصره لمحا وغضّا، وتكفّأ وتقلّع، وأدلع لسانه فاندلع. فقلنا: شرّ تأبّطه، أو شيطان يتخبّطه، أو قرين يستنزله ويختله، أو رؤى في الذرة والغاب يفتله. ثم تجاحظ وتحاذر، وتضاءل وتنازر، وقال: والذي أحيا عازر، وأخرج إبراهيم من آزر، وملك عنان الريح وأذعن له كل شيء بالسجود والتّسبيح، إنه لمن عبّاد المسيح، هيهات هيهات، لا أضعضع بظنّ، ولا يقعقع لي بشنّ، ولا أنازع من هذه الفنون في فنّ. قد ركبت أثباج البحار، وقطعت نياط المفاوز والقفار. وشافهني الحرم والبيت، وصافحني الحجر الكميت، وأحرمت ولبّيت، وطفت ووفيت، وزرت المصطفى صلى الله عليه وسلم، وتحفّيت. ثم ملت على عدن، وانحدرت عن اليمن، واستسقيت كل راعدة، وأتيت كل قاعدة؛ ورأيت صاحب الجمل قسّ بن ساعدة، ووردت عكاظ، وصدّقت الحفّاظ، وقدت العصية بنسع، ومسحت الشامات بأخمس وتسع، ووقفت حيث وقف الحكمان، وشهدت زحف التّركمان، وكيف تصاولت القروم، وغلبت الرّوم، وهزم المدبر المقبل، واكتسحت الجحاش الإبل. فقلنا: لله أنت، لقد جليت عن نفسك، وأربى يومك على أمسك، ولقد صدق مطريك، ووفت صحيفة تزكّيك، وما كانت فراستنا لتخيب فيك. فماذا تستقري من اللوح، وترى في ذلك الروح؟ بعيشك ألا ما أمتعتنا بالإفشاء والبوح! فرجع في البحث أدراجه، وطالع كواكبه وأبراجه، وظلّ على مادة الطّحن يرقم ويرمق، ويفتق ويرتق. ثم جعل يبتسم، وقال: أحلف بالله وأقسم، لقد استقام النّسم، وإنه لكما أرسم وأسم، وإني لا أجده إلّا لاغبا مبهورا، ومنكودا مقهورا، ولن يلبث إلّا شهورا. قد أفل طالع جدّه، وفلّ حدّه، وأتي عليه نقي خدّه، وصيّ لم يملك أبوه وملك جدّه، فقلنا: صرّحت وأوضحت، وشهرت هذا المستور وفضحت، وإن ساعدك قدر، وكان لك عن هذا الورود صدر، فحظك مبتدر، وخطّك صاف لا يشوبه كدر. فقال: هذا أمر قد آن أو كان، وسيأتيكم الخبر الآن، فانفصلنا وأصغينا الآذان، وجعلنا نتلقى الرّكبان، فلم يرعنا إلّا النّعمى الناجمة، والبشرى الهاجمة، بما الجزء: 2 ¦ الصفحة: 284 بان، فأدهنا في شانه، ولم يكن يعاوده خوف طغيانه، فإذا الخبر لم يخط صماخه، وكأنما كان عودا وافى مناخه، أو طائرا أمّ أفراخه. فلم ينشب أن أقبل يصمد نحونا أي صمد، ويتعرضنا على عمد، تعرّض الجوزاء للنجوم؛ وينقضّ انقضاض نيازك النجوم، وقال: ألم يأن أن تدينوا لي بالإكبار، وتعلموا أني من الجهابذة الكبار؟ فقلنا: منك الإسجاح، فقد ملكت ومنك ولك النجاح، أيّة سلكت. فأطرق زهوا، وأعرض عنا لهوا، وقال: اعلموا أن القرعة لو طوت أسرارها، ومنعتني أخبارها، لمزّقت صدارها، وذروت غبارها، ولكان لي عنها أوسع منتدح، وأنجد زناد يقدح، أين أنتم عن رصدي الأحلاك، وعلمي بالأفلاك؟ أنا في مرج الموج، وأوج الأوج، والمتفرد بعلم الفرد والزّوج، ومسترط السّرطان، ومستدير الدّبران، وبائع المشتري بالميزان، والقابض بيوم الحساب والعمل، على روق الثّور وذنب الحمل، أعقد نصل العقرب، وأقيّد الأبعد والأقرب، لصيد أوابدها بالدقائق والدّرج، حتى اضطرّ سارحها إلى الحرج، وأصبحها في أضيق منعرج، أنا استذكرت بالأنبار، فرحة الإقبال وترحة الإدبار، وطالعت أقليدس فاستنبطته، وصارعت المجسطي فجسطنته، وارتمطت إلى الأرتماطيقا، وأطقت الألوطيقا، ولحظت التحليل بحلّ ما عقده، وانتضيته ما مطل به الجهابذة فنفّذه. وعاينت زحل، حين استقلّ على بعيره ورحل، وضايقته في ساحته، وحصرته في مساحته، وحضرت قرانه، وشهدت تقدّمه ومرانه، وشاهدته شفرا بشفر، وناجاني برقا يعدّ في الكفر، وتخريبه لملك الصّفر، وتفريقه لبلاد اللّطينة، وإنجاز الوعد في فتح قسنطينة. أنا عقدت رشا الدّلو، وذروت غبار الحوت للفلو. أنا اقتدحت سقط الجوزهر، فلاح بعد خفائه وظهر. أنا استثرت الهلال من مكامن سرره، وأخذت عليه ثنايا سفره، وقددت قلامته من ظفره، ودللت طير الصّاير على شجره، فجنيت المرّ من ثمره، أنا طرقت الزّهرة في خدرها، وصافحتها من الفكرة بيد لم تدرها. أنا أذكيت على ذكاء فظلّت تلتهب، وأحرزتها من الوهم شطنا أجذبها به فتنجذب. أنا أنعى للمعتبرين حياتها، فيشبهون الحسنة ويتحرّون أوقاتها، حتى تنتشر بعد الطيّ حياتها، وتستقيل من العثار آياتها. أنا انتضيت للشباب شرخا، وأضرمت للمرّيخ عقارا ومرخا، حتى أتغانى بملاحم حروبه، وحوادث طلوعه وغروبه، وتلمّظه إلى النّجيع، وولوغه في مهجة البطل السّجيع. أنا أبرى من اللّمم، وأشفى من الصّمم، وأنقل العطس إلى الشّمم. فقلنا: أمّا الأولى، فقد سلّمنا لك جميعها، وأمّا هذه الثلاثة فلن تستطيعها. قال: فلم تعجزون ولا تستخزون؟ فقلنا: من كان له علاج فبنفسه يبدأ، ونغب بغيره. ولسنا نريدك، ولكن تهتزّ يدك. قال: أما من بينهم روي، وألقى في روعه ما ألقى في روعي، فمثله كالصّارم، حسنه في فرنده، لا غمده، وجماله في حدّه لا في خدّه، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 285 والمرء كما قيل بأصغريه، لا بمنخريه، والشأن في الحيزوم، لا في الخيشوم، وفي الذّكرين، لا في الأنثيين، وبعد، فهو كلام ظاهره إجمال، وباطنه احتمال، وسأنبّئكم بغزارة سيله، وفجر ليله. أما الأفطس فيدلي الضّغنة، ويتزوج في آل جفنة. فإن الله أتمّ، جاء الولد أتمّ، وإن نام عرق خاله، بقي الولد بحاله. وأما الأصمّ، فيخرج عن الغلام، وبلا فال، ويطلب في بني السّميعة بركة الاسميّة والفال، فإن الله أراد، ظفر بالمراد، وجاء ابنه أسمع من قراد «1» . فأحسّ من بعض الحاضرين تمريضا، وعاين طرفا غضيضا، فتعكّر وتشذّر، وطوّف وحذّر، وقال صاحب الشريعة، سمّاهم بني السّميعة، قوموا يا بني اللّكيعة، فقد قطعتم رزقي، وآذيتم طرقي، وأذللتم ضربي وطرقي، وسددتم طوقي، وأخذتم على أفقي غربي وشرقي. ذروني للتي هي للبليّة تجني، ثم الوجد يعني، لو شرب نواديه إثر تجنّي. ثم نجا بعزمته سميلا، وأرسل بنات نعش ذيلا، وقد أفاد بما استصحب من ميامنك ليلا، كذّبني أيّدك الله عند نواه، ولم يطلعني طلع ما نواه؛ وما ذاك إلّا لمطمع لواه، ومغنم هواه. فرفعت لي بعد وداعه نجوة، ورمتني بشخصه فجوة، فقلت: ما أراك إلّا غائل، أورثت عنك الحبائل. فسراك سرى قين، وحديثك مين، ألم تعبر دجيلا، ويمّمت سهيلا؟ فقال: طربت إلى الأصفية الصّغار، وشاقني الشوق بين الطّواغيت والأصفار. فقلت له: هلمّ إلى خطّ نعيده، وحظّ نستفيده. فقال: لولا أن تقولوا الساعة متى، وتطالبوني بإحياء الموتى، لما أجمعت إلى الغرب غروبا، ولأريتكم من الحذق ضروبا. ثم قال: إن لي بالحضرة أفراخا، وأمّا استصرخت عليها استصراخا، وانسلخت منها انسلاخا، وأعيا عليّ أمره فلم أعلم له ظعنا ولا مناخا. فلبثت كذلك أياما، ثم اعتمّ عليّ أمره اعتياما، ولم أعرف له إنجادا ولا اهتماما، فإذا به وقد أضمرت عنه بأسا، ولم أطمع فيه رأسا، قد أشبّ لي شبابا، ولمعت صلعته شهابا، تكتنفه صرّة، وبيمناه قوصرة «2» ، وتؤود يسراه جرّة. فقلت له: قاتلك الله، ما أشدّ فقداتك إلّا فقدتك، وما أذكر وجداتك إلّا وجدتك، أين أفراخك، والأمّ التي جذبها استصراخك؟ فقال: الصعلوك، لو أعلم مذاهبه، تحرّم مناهبه، وتحدم مراهبه. ذرني وعلاجي، أحاجي وأداجي، وأعاين وأناجي، وأتقلب في بركة دعاء الباجي. فقلت له: مالك وللميت، ورحم الله من سمّيت. قال: لمّا أذن الله فالتأمت الشّيمة، وتمزّقت عني المشيمة، هممت بالسّرق، ولففت في الجزء: 2 ¦ الصفحة: 286 الخرق، وفارقت من الضيق منتداه، وأفلتتني يداه؛ فحنّكني السعد بتمر المدينة، وسقاني من ماء البلدة الأمينة، وعوّذني بدعوات متينة. فها أنا كما ترى أتهادى وأجتذب، وأستحلي وأستعذب. فقلنا: لعمرك إنه لفضل عميم، لولا الصّميم، وإنها لمنقبة، لولا العقبة، وأثرة ملتمسة، لولا العطسة، فقال: دعنا من زخاريفك، وأغضض من عنان تصاريفك. البازل «1» لا يكون إلّا ذميما، والليث لا يوجد إلّا شميما. ثم قام وحمل، وابتدر وارتجل: [مجزوء الخفيف] عيشنا كلّه خدع ... فاترك اللوم عنك ودع أنا كالليث والليو ... ث بأرسائها ترع ولها الأوجه السّي ... مه من يلقها يرع أيّ حسن لمازن ... بيد الدّلّ يخترع؟ أنا كالسّيف حدّه ... لا يبالي بما وقع إنما الحسن للمها ... ة وللظّبي يا لكع فقلت: تبّا لك سائر اليوم، إنك لتريش وتبري، وتقدّ وتفري، وتحاسن وتقابح، وتهارش وتنابح، وتحبّ وتتأمل، وتحسن وتغلغل، وتشاعر وتراجز، وتناطح وتناجز. وأنت على هذا كله مصرّ، ما جزاؤك إلّا ريح فيها صرّ، فما هو إلّا أن غفلت عنه لمحة طرف، أو نفحة عرف، ثم التفتّ وإذا به قد أفلس، وكأنما كان برقا خلّس، ولم أدر أقام أو جلس. ومحاسنه القطر الذي لا يعدّ، والأمر الذي يأخذه الحدّ. وكفى بهذه الرسالة دليلا على جلالة مقداره، وتدفّق بحاره وفخاره؛ لما اشتملت عليه من بلاغة وبيان، وبساط حال أنت على خبره بعيان، وعلوم ذات افتنان، خلّد الله عليه الرحمة، وضاعف له المنّة والنعمة. مولده: بأوائل ربيع الثاني عام خمسة وستين وأربعمائة «2» . وفاته: من خطّ الحافظ المحدّث أبي القاسم بن بشكوال، رحمه الله: كان «3» ممن أصيب أيام الهرج بقرطبة، فعظم المصاب به، الشيخ الأجلّ، ذو الوزارتين، السيد الكامل، الشهير الأثير، الأديب، اللغوي، السّري، الكاتب البليغ، معجزة زمانه الجزء: 2 ¦ الصفحة: 287 وسابق أقرانه، ذو المحاسن الجمة، الجليلة الباهرة، والأدوات الرفيعة الزكية، الطاهرة الكاملة، المجمع على تناهي نباهته، وحمد خصاله وفصاحته، من لا يشقّ غباره، ولا تلحق آثاره، معجزة زمانه في صناعة النثر والنظم، أبو عبد الله بن أبي الخصال، رحمه الله تعالى ورضي عنه ونضّر وجهه. ألفي مقتولا قرب باب داره بالمدينة، وقد سلب ما كان عليه، بعد نهب داره، واستئصال حاله، وذهاب ماله، وذلك يوم السبت الثاني عشر من شهر ذي الحجة من سنة أربعين وخمسمائة. فاحتمل إلى الرّبض الشرقي بحومة الدرب، فغسّل هنالك وكفّن، ودفن بمقبرة ابن عباس عصر يوم الأحد بعده، ونعي إلى الناس وهم مشغولون بما كانوا بسبيله من الفتنة. فكثر التفجّع لفقده، والتأسّف على مصاب مثله، وأجمعوا على أنه كان آخر رجال الأندلس علما وحلما، وفهما ومعرفة، وذكاء وحكمة ويقظة، وجلالة ونباهة، وتفننا في العلوم. وكان له، رحمه الله، اهتمام بها، وتقدم في معرفتها وإتقانها. وكان، رحمه الله، صاحب لغة وتاريخ وحديث، وخبر وسير، ومعرفة برجال الحديث مضطلعا بها، ومعرفة بوقائع العرب وأيام الناس، وبالنثر والنظم. وكان جزل القول، عذب اللفظ، حلو الكلام، عذب الفكاهة، فصيح اللسان، بارع الخطّ حسنه ومتقنه. كان في ذلك كله واحد عصره، ونسيج وحده، يسلّم إليه في ذلك كله، مع جمال منظره، وحسن خلقه، وكرم فعاله، ومشاركته لإخوانه. وكان مع ذلك كله جميل التواضع، حسن المعاشرة لأهل العلم، مسارعا لمهماتهم، نهاضا بتكاليفهم، حافظا لعهدهم، مكرما لنبهائهم، واسع الصدر، حسن المجالسة والمحادثة، كثير المذاكرة، جمّ الإفادة. له تصانيف جليلة نبيهة، ظهر فيها علمه وفهمه، أخذها الناس عنه مع سائر ما كان يحمله ويتقنه، عن أشياخه الذين أخذ عنهم، وسمع منهم، وقرأ عليهم. وقال غيره: قتل بدرب الفرعوني بقرب رحبة أبان، بداخل مدينة قرطبة، قرب باب عبد الجبّار يوم دخلها النصارى مع أميرهم ملك طليطلة، يوم قيام ابن حمدين، واقتتاله مع يحيى بن علي بن غانية المسّوفي الملثّم المرابطي يوم الأحد لثلاث عشرة مضت من ذي الحجة عام أربعين وخمسمائة. قتله بربر المصامدة رجّالة أهل دولة اللثام لحسن ملبسه، ولم يعرفوه، وقتلوا معه ابن أخته عبد الله بن عبد العزيز بن مسعود، وكان أنكحه ابنته، فقتلا معا. وكان محمد خيرة الشيوخ، وعبد الله خيرة الأحداث، رحمهما الله تعالى. محمد بن مفضل بن مهيب اللخمي يكنى أبا بكر، من أهل شلب من العليا. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 288 حاله: قال الأستاذ أبو جعفر بن الزبير: كان منقبضا عن الناس، أديبا، شاعرا، خمّس عشرينيات الفازازي، رحمه الله تعالى. وذكره صاحب الذيل، وقال لي شيخنا أبو البركات، وهو جدّه، أبو أبيه، ما معناه: كان شريفا، عالي الهمة، عظيم الوقار، ألوفا، صموتا، نحيف الجسم، آدم اللون، خفيف العارض، مقطّب الوجه، دائم العبوس، شامخ الأنف، إلّا أنه كان رجلا عالما راسخا، عظيم النزاهة، حافظا للمروءة، شهير الذكر، خطيبا مصقعا، مهيبا كشهرته، قديم الرياسة، يعضّد حديثه قديمه. واستقرّ بألمرية، لمّا تغلّب العدو على بلد سلفه. ولمّا توفي شيخ المشايخ؛ أبو إسحاق بن الحجاج، تنافس الناس من البلدين، وغيرهم، في خطبة بنته. قال شيخنا أبو البركات: ومن خطّه نقلت، وكان ابن مهيب واحدا منهم في الإلحاح بالخطبة، متقدما في حلبتهم، بجيوش الأشعار. ورام غلبته ذوو اليسار، من حيث كان بحمراء جيش الإعسار، فأذلّهم بالمقابلة في عقر الدار، فلم يراجعوا من الغنيمة إلّا بالفرار. قلت: وجلب في هذا المعنى شعرا كثيرا، ناسب الغرض. ونال من المتغلب على ألمريّة، على عهده، حظوة، فاستظهر به تارة على معقل مرشانة، وتارة على الرسالة إلى الحضرة الحفصية بتونس. ولما آب من سفره إليها، سعى به لديه بما أوجب أن يحجر عليه التّصرف، وسجنه بمنزله. فلمّا قصد ألمرية الغالب بالله، مستخلصا إياها من يد الرئيس أبي عبد الله بن الرّميمي، ونزل بمدينتها، وحاصر قصبتها، وقع اختيار الحاصر والمحصور على تعيين ابن مهيب، بمحاولة الأمر، وعقد الصلح، رضى بدينه وأمانته، فعقد الصلح بينهما على أن يسلم ابن الرميمي القصبة، ويعان على ركوب البحر بماله وأهله وولده، فتأتّى ذلك واكتسب عند الغالب بالله، ما شاء من عزّة وتجلة. وقفني شيخنا أبو البركات على ظهير سلطاني، صدر عن الأمير الغالب بالله، يدل على جلالة قدره، نصّه: هذا ظهير كريم، أظهر العناية الحافلة لمستوحيها ومستحقّها، وأجراه من الرعاية الكاملة على الحبّ طرقها. أمر بإحكام أحكامه، والتزام العمل بفصوله وأقسامه، الأمير أبو «1» عبد الله محمد بن يوسف بن نصر نصر الله أعلامه، وأدام لإقامة قسط العدل أيامه، لوليّه العليّ المكانة، وصفيّه المليء بأثرتي المعرفة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 289 والدّيانة، الحريّ بما اختصّه، أيّده الله، من الحفظ لمرتبته السامية والصّيانة. للشيخ الفقيه، الجليل، العالم، الأوحد، العلم، الأتقى، الأزهر، الفاضل، الخطيب الأرفع، المحدّث الثقة، الرّاوية، الصالح، السّني، الحافظ، الحافل، الماجد، السّري، الطاهر، المكرّم، المبرور، الكامل، أبي بكر ابن الشيخ الوزير الأجلّ، الفقيه، الحسيب، الأصيل، الأمجد، المكرم، المبرور، الأفضل، المرحوم، أبي عمرو بن مهيب، أدام الله عزّة جانبه، ووصل بالعلم والعمل ارتقاء مراتبه، أقام به الشّواهد على اعتقاده، أنه أخلص أوليائه ودّا، وأفضلهم قصدا، وأكرمهم عهدا، حين ظهرت له، أيّده الله، آثار آرائه الأصيلة، وبانت في الصلاح والإصلاح ميامن مناقبه الجميلة، ووجب له من العناية والمزيّات أتمّ ما توجبه معارفه، وتقتضيه مجادته، وزهادته، التي لا يفنّد في وصفها واصف. وأعلن بأنه دام عزّه، أحقّ من حفظت عليه مرتبة صدور العلماء الراسخين في العلم، وأبقيت مزيّة ما تميز به التّقى والورع الكافي والحلم، وبرع بصلة العناية بجانبه، لما أهّلته إليه معرفته من نفع المتعلمين، وإرشاد من يسترشده في مسائل الدين من المسلمين، وأفصح بأنه أولى مخصوص بالتجلّة والتوقير، وأجدر منصوص على أن قدره لديه معتمد بالتكريم والتكبير. وأمر، أعلى الله أمره، أن يستمرّ له ولزوجه الحرّة الأصيلة الزكية، التقية الصالحة، المصونة المكرمة المبرورة، عائشة بنت الشيخ الفقيه الجليل العالم الصالح السّني، الزاهد الفاضل، المرحوم المقدس، الأرضى، أبي إسحاق ابن الحاج؛ ما اطّردت به العادة لهما قديما وحديثا، وتضمنه الظهيران الكريمان، المؤرخ أحدهما بالعشر الأواخر لشوال عام خمسة وثلاثين وستمائة، من صرف النظر في أعشارهما وزكواتهما إليهما، ليضعا ذلك في أحقّ الوجوه، ويؤدّيا فيه حقّ لله تعالى، ما مثلهما علما ودينا من يؤدّيه، موكولا ذلك لله، إلى ما لديهما، من نشر الأمانة، مصروفا إلى نظرهما الجاري مع العلم والديانة، وتجديد أحكام ما بأيديهما من الظّهائر والأوامر القديمة والحديثة، المتضمنة تسويغ الأملاك، على اختلافها، وتباين أجناسها وأوصافها، لهما ولأعقاب أعقابهما، على التأبيد والتّخليد، والمحاشاة من اللّوازم، والمعاوز والمغارم، وأن يطّرد لشركائهما، وعمرة أملاكهما، ووكلائهما، وحواشيهما، ومن اتصل بهما، جميل العناية، وحفيل الرعاية، وموصول الحماية، الاستمرار الذي يطّرد العمل به مدى الأيام، وتتوالى التّمشية له من غير انصرام على الدوام، موفى بذلك، ما يحقّ لجانب الفقيه العالم، الأوحد الأسنى، أبي بكر، أدام الله عزته، من حظوظ الإجلال، منتهى فيه إلى أبعد آماد العنايات الشريفة، الفسيحة المجال، مقضى على حقّ ما انفرد به من العلم، واتصف به من الديانة، اللذين أضفيا عليه ملابس البهاء والجلال. فمن وقف على هذا الظهير الكريم من الولاة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 290 والعمّال، وسائر ولاة الأشغال، وليتلقّه بغاية الائتمار والامتثال، إن شاء الله. وكتب في الثاني عشر من ذي الحجة عام ثلاثة وأربعين وستمائة. مشيخته: أخذ عن أبي العباس أحمد بن منذر الإشبيلي، تلا عليه بإشبيلية، وعلى عباس بن عطية أبي عمرو. وروى عن أبي محمد عبد الكبير الإشبيلي، وصحب أبا الحسن بن زرقون، وتفقّه عليه. وانتقل إلى ألمرية، فصحب أبا إسحاق البليفيقي وأخذ عنه، وتزوج ابنته. وأجاز له أبو عبد الله بن هشام الشّواش وغيره. ثم انتقل آخر عمره إلى سبتة. شعره: نقلت من خطّ شيخنا أبي البركات قوله في غرض الوصية: [الطويل] أليل النّوى، هل من سبيل إلى فجر؟ ... ويا قلب، كم تأسى ويا دمع، كم تجري أبى القلب إلّا أن يهيم بحبّكم ... وأن تبرحوا إلّا القليل عن الفكر رحّلت عنكم لا بقلبي وإنما ... تركت لديكم حين ودّعتكم سرّي أعود بدهر الوصل من حين هجركم ... وربّ وصال مستعاد من الهجر لتلعاب «1» نفسي لست أنفق قربكم ... لزهدي فيكم بل حرصت على البرّ تقطّع أكباد عليكم صبابة ... فاصبر فإنّ «2» الخير أجمع في الصبر وبالقلب من لا يصلح الصبر عنهم ... وإن كان خيرا فهو عنهم من الشّرّ فلولاهم ما كنت أحسب ساعة ... فقدتكم فيها عيانا من العمر ألا يا أخي فاسمع وصاتي «3» فإنها ... أتتك «4» ، لعمري، من أخ سالم الصّدر يحبّك في ذات الإله ويبتغي ... بحبّك عند الله مدّخر الأجر ألا إنما التوفيق كنت من أهله «5» ... مراعاة حقّ الله في السّرّ والجهر بتوحيده في ذاته وصفاته ... وأفعاله أيضا وفي النّدّ «6» والأمر فثابر على القرار والأثر الذي ... يصحّ عن المختار والسّادة الغرّ وعدّ لك الخيرات عما سواها ... وكن بها مستمسكا أبد الدهر إذا يسلك الشيطان فجّا سوى الذي ... سلكت ولا يلفي سبيلا إلى مكر الجزء: 2 ¦ الصفحة: 291 وفرّق من «1» الأجناس حاشا تقيّهم ... فقد ظهر الإفساد في البرّ والبحر ولا تنسني واذكر أخاك بدعوة ... فإنك منه يا أخي لعلى ذكر قال شيخنا أبو البركات: ومن شعره، ومن خطّه نقلت: [الكامل] للصالحين إلى الصلاح طريق ... رحبت بهم وغدت عليك تضيق صرفوا النفوس من الهوى عن صوبها ... فغدت إلى طلب النّجاة تتوق منها بعد أبيات: يا قرّة العين استمع من ناصح ... في صدره قلب عليك شفيق أنت الشّقيق ولادة ولذلك لي ... روح لروحك في الخلوص شقيق لا تخدعنّك ترّهات أحدثت ... وخزعبلات للجهول تروق واعكف على القرآن دهرك واجتمع ... فالشّغل عنك لغيره تفريق إنّ الحديث وفقهه وعلومه ... هذا الذي للمؤمنين يليق واهجر بني الدنيا فإنّ بهجرهم ... يتضاعف الإيمان والتصديق والحق بقوم قد عنوا بتجارة ... نفقت لهم يوم القيامة سوق واحفظ لسانك عن أذيّة «2» مسلم ... فسبابه قال الرسول فسوق لا تبك همّ الرزق فهو مقدّر ... والعبد طول حياته مرزوق ولترض بالرحمن ربّا حاكما ... ودع الفضول فمنه ضلّ فريق حلّوا عقال عقولهم وتحكّموا ... إنّ التحكم بالعقول مروق ولقد أتتك نصيحتي ولشمسها ... في أفق حبّك يا حبيب شروق فكن القريب مكانه من نفعها ... فمكان سدّتها إليك سحيق واصطد بباري العزم أطيار الرضا ... فأخوك غاية بازه التّحليق ولتجعل التسبيح شأنك إنه ... في الصّعب ممن شأنه التّصفيق واقنع بعلم الوحي علما ثم لا ... يذهب بك التّشقيق والتوفيق لا ترض فيه بالدنيّة ولتمت ... عطشا إذا لم تسق منه رحيق ما كلّ علم يهتدى بحصوله ... منه الرّكيك نعم ومنه رقيق الجزء: 2 ¦ الصفحة: 292 كمدارك الأصوات منها طيّب ... تسلو النفوس به ومنه نهيق وعليكم منّي تحيّة من له ... قلب إليكم أجمعين «1» مشوق وقال: ألفيت بخطه ما نصّه: وكان بعض السفهاء قد كتب إليّ بيتين من شعر وهما: [الطويل] إليك، أبا بكر، رفعت وسيلتي ... ومثلك من تلقى إليه الوسائل غرقت ببحر الذّل يوما وليس لي ... بأرضكم إلّا اهتمامك ساحل وأساء المحاولة في دفعها، فصرفته، ولم أقف عليهما، فضرب عليهما، وكتب في ظهرهما: [الطويل] حللت، أبا بكر، بموطن عزة ... فأنسيت ما قد كنت فيه من الذّلّ وأصلك من كبر وكن متكبّرا ... وكيف يطيب الفرع من ذلك الأصل؟ وكتبت إليه صحبة دراهم وجّهت بها إليه: [الطويل] جفوت وما زال الجفاء «2» سجيّة ... لمثلك ما إن زال تبلى بها مثلي «3» وما قلت في أصلي فكذبة فاجر ... رأى الفرع محمودا فعاب على الأصل وبالإفك ما عثرت لا بحقيقة ... فما الكبر من شأني ولا كنت في ذلّ وما زلت، والله، الحميد مكرّما ... وفي نائبات الدهر للعقد والحلّ ولو كنت من يتّقي الله لم تكن ... تمرّ «4» متى تسخط وعند الرّضا تحلي «5» أما قلت أني ساحل لك عندما ... غرقت ببحر الذّلّ في زمن المحل؟ وكيف نسخت المدح بالذّمّ قبل أن ... تبثّ لي الشكوى وتدلي بما تدلي «6» ولكنّ لؤم الطّبع يحمل أهله ... على الصّعب من سبّ الكرام أو النّيل إذا «7» كان بعض الكبر نقصا فإنه ... عليك من الأوغاد يحسب في الفصل وما الذّلّ إلّا ما أتى بك نحونا ... فقيرا من التّقوى سليبا من العقل ومطلوبك الدّنيا فخذها خسيسة ... توافي خسيس النّفس والقول والفعل الجزء: 2 ¦ الصفحة: 293 وما الجود إلّا ما أصبت مكانه ... ومهما فقدت الأصل لا عار في البخل ومثلك من يجفي ويقلب خاسئا ... فلست لإسداء الصّنيعة بالأهل ولكنني عوّدت نفسي عادة ... من البذل لم أعدل بها قطّ عن نذل فخذها، لحاك الله، غير مبارك ... لسعيك فيها يا ابن خانية النّعل ومثلي من يؤذى فيحتمل الأذى ... ولكنه قد يدرأ «1» الجهل بالجهل وقد قال من لا شكّ في قوله من حك ... مة إنما القتل أذهب للقتل «2» فإن زدتنا زدنا وإن كنت نادما ... قبلناك أخذا في أمورك بالعدل ففي كل شيء لست عنك مقصّرا ... بما شئت من قطع وما شئت من وصل قال الشيخ: قول الهاجي: وأصلك من كبر، معناه التعريض يكون سلف أبي بكر بن مهيب، علوا في أنفسهم وتكبروا، فثاروا بسبب ذلك بطبيرة وجهاتها، ثار منهم عبد الرحمن جدّ أبي بكر، ثم حسن، ثم عامر أخوه، وإلى هذا أشار أبو بكر بن مهيب بقوله في بعض شعره: [الكامل] إن لم أكن ملكا فكنت رئيسا «3» وأنشد في الصلة الزبيرية «4» ، قوله رحمه الله: [الكامل] أملي من الدنيا المباحة كسرة ... أبقي بها رمقي ودار نابيه قد أضرب الزمان عن سكانها ... فكأنها في القفر دار خاليه ومن شعره في المقطوعات: [الطويل] ترحّل صبري والولوع مقيم ... وصحّ اشتياقي والسّلوّ سقيم فياليت شعري هل أفوز بعطف من ... زيّنت خدّي وردا عليه أقوم «5» ؟ ويا جنّة قد حيل بيني وبينها ... بقلبي من شوقي إليك جحيم دخوله غرناطة: قال الشيخ: دخل غرناطة مرتين، أخبرني بذلك الشيخ القاضي أبو الحسن بن عبيدة، وهو بصير بأخباره، إذ هو من أصحاب سلفه، وممن رافق جدّه في الكتب عن بعض الأمراء مدة، وفي الخطابة بألمريّة أخرى. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 294 وفاته: توفي بسبتة أول ليلة من جمادى الآخرة عام خمسة وأربعين وستمائة. محمد بن عبد الله بن داود بن خطاب الغافقي حاله: من صلة ابن الزبير: كان كاتبا بارعا، شاعرا مجيدا، له مشاركة في أصول الفقه وعلم الكلام، وغير ذلك، مع نباهة وحسن فهم، ذو فضل وتعقل، وحسن سمت. وورد على غرناطة، واستعمل في الكتابة السلطانية مدة، وكان معلوم القدر، معظّما عند الكافة. ثم إنه رجع إلى مرسية، وقد ساءت أحوالها، فأقام بها مدة، ثم انفصل عنها، وقد اشتدّت أحوالها، واستقر بالعدوة بعد مكابدة. قلت: أخبرني شيخنا أبو الحسن الجياب، رحمه الله، قال: كان شكس الأخلاق، متقاطبا، زاهيا بنفسه؛ ابتدأ يوما كتابا مصدّرا بخطبته، فقال فيه يصف صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم «عفوة العفوة» ، وتركه لأمر عرض له، فنظر إليه الفقيه عمر اللّوشي، وهو كاتب المقام السلطاني، فظنّ لقصوره أنه وهم، وأراد «الصفوة» فأصلحه، فلمّا عاد ونظر إليه مزّقه، وكسر الآلة، وقال: لا أقيم بموضع بلغ فيه الجهل إلى هذا القدر، ويتسوّر به الإصلاح على قلم يطمع بعد في مقامه. وانصرف، واستقرّ بتلمسان، كاتبا عن سلطانها أبي يحيى يغمراسن بن زيّان. وزعموا أن المستنصر أبا عبد الله ابن الأمير أبي زكريا، استقدمه على عادته في استدعاء الكتّاب المشاهير والعلماء، وبعث إليه ألف دينار من الذهب العين، فاعتذر وردّ عليه المال، وكانت أشقّ ما مرّ على المستنصر، وطهر له علوّ شأنه، وبعد همّته. مشيخته: روى عن القاضيين أبي عيسى بن أبي السّداد، وأبي بكر بن محرز، وعن الأستاذ أبي بكر محمد بن محمد، المعروف بالقرشي، وقرأ وسمع على هؤلاء ببلده، وأجاز له كتابة أبو الربيع بن سالم وغيره. شعره: من ذلك قوله: [الكامل] اقنع بما أوتيته تنل الغنى ... وإذا دهتك ملمّة فتصبّر واعلم بأنّ الرزق مقسوم فلو ... رمنا زيادة ذرّة لم نقدر والله أرحم بالعباد فلا تسل ... أحدا تعش عيش الكرام وتؤجر وإذا سخطت لبؤس حالك مرة ... ورأيت نفسك قد غوت فلتبصر وانظر إلى من كان دونك تدّكر ... لعظيم نعمته عليك وتشكر الجزء: 2 ¦ الصفحة: 295 ومما قاله في صباه: [الكامل] يا دعوة شاك «1» ... ما قد دهاه من لحاظ رشاك ظبي تصدّى للقلوب يصيدها ... من ناظريه في سلاح شاك ورمى وإن قالوا رنا عن فاتر ... ساج عليه سيمة «2» النّسّاك قد كنت أحذر بطشه لو أنني ... أبصرت منه مخايل الفتّاك أو ما عليه ولا عليه حاكم ... يحمي ثغورك أو يحوط حماك أو ما لجارك ذمّة مرعيّة ... أبذا يظلّ دم الغريب طلاك؟ إني استنمت إلى ظلالك ضلّة ... فإذا ظباؤك ماضيات ظباك ما لي أخاطب بانة ما أن تعي ... قولا ولا ترثي لدمعة باك؟ أكريمة الحيّين، هل لمتيّم ... رحمى لديك فأرتجي رحماك؟ أصبتني بعد المشيب وليس من ... عذر لمن لم يصبه ثراك لولاك «3» ما جذبت عناني لوعة ... والله يشهد أنني لولاك لمّا دعا داعي هواك أجبته ... من لا يجيب إذا دعت عيناك؟ أصليتني نار الصّدود وإنّني ... راض بأن أصلى ولا أسلاك وأبحت ما منع التشرّع من دمي ... بالله من أفتاك قتل فتاك؟ وتركت قلبي طائرا متخبّطا ... بشباك «4» ختلك أو بطعن سباك ومنعت أجفاني لذيذ منامها ... كي لا يتيح لي الكرى لقياك ولقد عجبت وأنت جدّ بخيلة ... كأن «5» أعرت الشمس بعض حلاك إني لأيأس من وصلك تارة ... لكن أعلّل مطمعي بعلاك أسماك أنك قد خفضت مكانتي ... هلّا خلعت عليّ من سيماك؟ إني معنّاك المتيّم فليكن ... حظّي لديك مناسبا مغناك تثني معاطفك الصّبا خوطيّة ... وكذا الصّبا فصباك مثل حماك أبعدتني منها بطعنة رامح ... ألذاك سمّتك الورى بسماك؟ أأموت من عطش وثغرك مورد ... فيه الحياة استودعتها فاك؟ هلا تني عن حلوة فلعلّة ... وضعت أداة النفي في اسم لماك الجزء: 2 ¦ الصفحة: 296 وقال يجيب أبا عبد الله بن خميس، رحمه الله، عن قصيدة بعث بها إليه أولها: [الكامل] رد في حدائق مائها مرتاد ... قد لذّ مورود وطاب مراد زرق الأسنّة دون زرق حمامها ... وظبى كما رنت العيون حداد هذه الأبيات: [الكامل] نعم المراد لمن غدا يرتاد ... مرعى يرفّ نباته ومهاد سالت على العافي جداوله كما ... صالت على العادي ظبى تناد «1» فشددت رحل مطيتي منه إلى ... حيث السيادة تبتنى وتشاد وركبت ناجية «2» مبارية الصّبا ... خضراء «3» فوق خضارة «4» تعتاد يغتادها سكانها قلّب على ... من كان من سكانها استبداد عجبا لهم أحلامهم عاديّة ... تمضي عليهم حكمها أعواد خبّر تلمسانا بأني «5» جئتها ... لمّا دعاني نحوها الرّواد وأعاقها «6» سمعا ولم أر حسنها ... إلّا أناسا حدّثوا فأجادوا «7» ولربّ حسن لا ثواه ناظر ... ويراه لا يخفى عليه فؤاد ودخلتها فدخلت منها جنّة ... سكانها لا تخفى ولا حياد «8» ورأيت فضلا باهرا ومكارما ... وعلا تغاضر دونها التّعداد أهل الرّواية والدراية والنّدى ... في نورهم أبدا لنا استمداد فهم إذا سئلوا بحار معارف ... ولدى السكينة والنهى أطواد درجاتها ينحطّ عنها غيرهم ... ومن الورى قتر ومنه وهاد فأجلّهم وأحلّهم من مهجتي ... بمكانة ما فوقها مزداد وأودّ حين أخطّ أطيب ذكرهم ... لو أنّ أسود مقلتيّ مداد الجزء: 2 ¦ الصفحة: 297 وقال يخاطبه وقد وقف على بعض قصيدة: [الكامل] رقّت حواشي طبعك ابن خميس ... فهفا قريضك بي وهاج رسيسي ولمثله يصبو الحليم ويمتري ... ما للشروق به وسير العيس لك في البلاغة والبلاغة بعض ما ... تحويه من أثر محلّ رئيسي نظم ونثر لا تبارى فيهما ... مهّدت «1» ذاك وذا بعلم الطّوس وقال عند وفاته وربما نسبت لغيره: [الخفيف] ربّ أنت الحليم فاغفر ذنوبي ... ليس يعفو عن الذنوب سواكا ربّ ثبّت عند السؤال لساني ... وأقمني على طريق هداكا ربّ كن لي «2» إذا وقفت ذليلا ... ناكس الرأي أستحي أن أراكا ربّ من لي والنار قد قربت لي ... وأنا قد أبحت عهد حماكا؟ ربّ مالي من عدّة لمآلي ... غير أني أعددت صدق رجاكا ربّ أقررت أنّني «3» عبد سوء ... حلمك الجمّ غرّه فعصاكا ربّ أنت الجواد بالخير دوما ... لم تزل راحما فهب لي رضاكا ربّ إن لم أكن لفضلك أهلا ... باجترائي فأنت أهل لذاكا نثره: ومن نثره ما خاطب به صديقين له بمرسية من مدينة إشبيلية: كتبته، كتب الله لكما فوزا بالحسنى، وأجناكما من ثمرات إحسانه أكثر ما يجنى. من إشبيلية، وحالي بحمد الله حسنة، ونفسي بحبّ قربكما مرتهنة، وعليّ بما لديكما من السّراوة التي جبلتما على فطرتها، وامتزتما في الاجتلاء بغرّتها، علم لا يدخله الشكّ، ونسبتي إلى ودّكما الذي لبسته معلما، وتقلّدته محرما، لا يعبّر عن معناها إلّا بما لا يزال ولا ينفكّ. فلنثن عنان القلم عن مداده، ونأخذ في حديث سواه. وصلنا إشبيلية ضحوة يوم الثلاثاء خامس ربيع الآخر، ولقينا الإفانت «4» على ميلين، وفزنا بما ظهر من بشره واعتنائه بقرار الخاطر، وقرة العين، ونزلنا في الأخبية الجزء: 2 ¦ الصفحة: 298 خارج البلد، موضعا يعرف بالقنب «1» ، قد تفجّر عيونا، وجمع ماؤه وهواؤه من المحاسن فنونا، وعرض علينا النزول في الدّيار داخل المدينة، فرأينا المقام فيه أحد الأسباب المسعدة على حفظ الصحة المعينة، ورغبنا عن المدينة لحرّها الوهاج، وغبارها العجاج، ومائها الأجاج. ولمّا ثاب من النشاط البارح، واستقلّ من المطيّ الرازح، طفت في خارجها وداخلها، ووقفت على مبانيها المشيّدة ومنازلها، ورأيت انسياب أراقشها، وتقصيت آثار طريانتها «2» وبراقشها، فشاهدت من المباني العتيقة، والمنارة «3» الأنيقة، ما يملأ أعين النّظّار، وينفسح فيه مجال الاعتبار، على أني ما رأيتها إلّا بعد ما استولى عليها الخسف، وبان عنها الظّرف، ونبا عنها الطّرف، فلا ترى من مغانيها إلّا طللا دارسا، ولا تلمح من بدائعها إلا محيّا عابسا، لكن الرائي إذا قدّر وضعها الأول، وركب وهمه من مبانيها ما تحلّل، وتخيّل في ذهنه حسنها وتمثل، تصور حسنا يدعو إلى المجون، ويسلي عن الشجون، لولا أنها عرضت لأشمط راهب، لما دان إلّا بدن ولا تقرّب بغير قارب، وحسبي أن أصفها بما يقيها من القبول، وأقول إنها في البلاد بمنزلة الربيع من الفصول، ولولا أن خاطري مقسّم، وفكري حدّه مثلم، لقضيت من الإطناب وطرا، ولم أدع من معاهدها عينا إلّا وصفتها ولا أثرا. وفاته: توفي بتلمسان يوم عاشوراء سنة ست وثمانين وستمائة. محمد بن عبد الله بن محمد بن لب الأمي «4» يكنى أبا عبد الله، ويعرف بابن الصايغ، بالصاد المهملة، والغين المعجمة، من أهل ألمريّة. حاله: من خطّ «5» شيخنا أبي البركات في «الكتاب المؤتمن على أنباء أبناء الزمن» : كان سهلا، سلس القياد، لذيذ العشرة، دمث الأخلاق، ميّالا إلى الدّعة، نفورا عن النّصب، يركن إلى فضل نباهة وذكاء، يحاسب بها «6» عند التحصيل والدراسة والدّؤوب على الطلب، من رجل يجري من الألحان على مضمار لطيف، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 299 ولم يكن له صوت رخيم، يساوق «1» انطباعه في التّلحين، يخبر «2» ذلك بالأوتار. وحاول من ذلك بيده مع أصحابه، ما لاذ به الظرفاء منهم. واستعمل بدار الأشراف بألمرية، فأحكم تلك الطريقة في أقرب زمان، وجاء زمامه يروق من ذلك العمل شأنه «3» . ثم نهضت به همّته إلى أرفع من ذلك، فسار إلى غرناطة، وقرأ «4» بها العربية وغيرها، وانخرط في سلك نبهاء الطلبة لأدنى مدة. ثم رحل إلى بلاد المشرق في حدود العشرين وسبعمائة، فلم يتجاوز القاهرة لموافقة هوائها «5» علّة كان يشكوها، وأخذ في إقراء العربية بها، وعرف بها إلى أن صار يدعى بأبي عبد الله النحوي. قال شيخنا المذكور: ورأى في صغره فأرة أنثى، فقال: هذه قرينة، فلقّب بذلك، وصار هذا اللقب أغلب عليه «6» من اسمه ومعرفته. وجرى ذكره في التاج بما نصه «7» : لجّ معرفة لا يغيض «8» ، وصاحب فنون يأخذ فيها ويفيض. نشأ ببلده مشمّرا عن ساعد اجتهاده، وشارك «9» في قنن «10» العلم ووهاده، حتى أينع روضه، وفهق «11» حوضه. ثم أخذ في إراحة «12» ذاته، وشام بارقة «13» لذّاته، ثم سار في البطالة سير الجموح، وواصل الغبوق بالصّبوح، حتى قضى وطره، وسيم بطره، وركب الفلك، وخاض اللّجج الحلك، واستقرّ بمصر على النعمة العريضة، على شكّ في قضائه «14» الحجّة العريضة، وهو اليوم «15» بمدرستها الصالحية، نبيه المكانة، معدود في أهل العلم والديانة. مشيخته: قرأ بألمرية على المكتّب أبي عبد الله الميرقي، وأخذ عن شيخ الجماعة أبي الحسن بن أبي العيش، وقرأ بالحضرة على الخطيب أبي الحسن «16» القيجاطي وغيره. وأخذ بالقاهرة عن الأستاذ أبي حيّان، وانتفع به وبجاهه. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 300 شعره: قال شيخنا أبو البركات: وكان أخذ من قرض جيد الشعر بالحظّ الوافر. فمن شعره ما نقله إلينا الحاج الحافظ المكتّب أبو جعفر بن غصن، حسبما قيّده عنه بمصر «1» : [الكامل] بعد المزار ولوعة الأشواق «2» ... حكما بفيض مدامع الآماق وحفوق نجديّ النسيم إذا سرى ... أذكى لهيب فؤادي الخفّاق أمعلّلي إنّ التّواصل في غد ... من ذا الذي لغد فديتك باق؟ إنّ الليالي سبّق قد «3» أقبلت ... وإذا تولّت لم تنل بلحاق عج «4» بالمطيّ على الحمى، سقي الحما ... صوب الغمام الواكف الرّقراق فيه «5» لذي القلب السليم وداده ... قلب سليم يا «6» له من راق «7» قلب غداة فراقهم فارقته ... لا كان في الأيام يوم فراق «8» يا ساريا والليل ساج عاكف ... يفري الفلا «9» بنجائب «10» ونياق عرّج على مثوى النّبيّ محمد ... خير البريّة ذي المحلّ الراقي «11» ورسول ربّ العالمين ومن له ... حفظ العهود وصحّة الميثاق الظّاهر الآيات قام دليلها ... والطّاهر الأخلاق والأعراق بدر الهدى «12» البادي الذي «13» آياته «14» ... وجبينه كالشمس في الإشراق الجزء: 2 ¦ الصفحة: 301 الشّافع المقبول من عمّ الورى ... بالجود والإرفاد والإرفاق والصّادق «1» المأمون أكرم مرسل ... سارت رسالته إلى الآفاق أعلى الكرام ندى وأبسطهم يدا ... قبضت عنان المجد باستحقاق وأشدّ خلق الله إقداما إذا ... حمي الوطيس وشمّرت عن ساق أمضاهم والخيل تعثر في القنا «2» ... وتجول سبحا في الدّم المهراق من صيّر الأديان دينا واحدا ... من بعد إشراك «3» مضى ونفاق وأحلّنا من حرمة الإسلام في ... ظلّ ظليل وارف الأوراق لو أنّ للبدر المنير كماله ... ما ناله «4» كسف ونكس «5» محاق لو أنّ للبحرين جود يمينه ... أمن السّفين غوائل الإغراق «6» لو «7» أنّ للآباء رحمة قلبه ... ذابت نفوسهم «8» من الإشفاق ذو العلم «9» والحلم الخفيّ «10» المنجلي ... والجاه والشّرف القديم الباقي آياته شهب وغرّ بنانه ... سحب النّوال تدرّ بالأرزاق ماجت «11» فتوح الأرض وهو غياثها ... وربت ربى الإيمان وهو الساقي «12» ذو رأفة بالمؤمنين ورحمة ... وهدى وتأديب بحسن سياق وخصال مجد أفردت بالخصل في ... مرمى الفخار وغاية السّبّاق ذو المعجزات الغرّ والآي التي ... كم آية فقدت وهنّ بواقي ثنت المعارض حائرا «13» لمّا حكت ... فلق الصّباح وكان ذا إفلاق يقظ الفؤاد سرى وقد هجع الورى ... لمقام صدق فوق ظهر براق وسما وأملاك السّماء تحفّه ... حتى تجاوزهنّ سبع طباق الجزء: 2 ¦ الصفحة: 302 منها: يا ذا الذي اتصل الرّجاء «1» بحبله ... وانبتّ من هذا الورى «2» بطلاق حبّي إليك وسيلتي وذخيرتي ... إني من الأعمال ذو إملاق «3» وإليك أعملت الرّواحل ضمّرا ... تختال بين الوخد والإعناق «4» نجبا إذا نشرت «5» حلى «6» تلك العلا «7» ... تطوي الفلا ممتدّة الأعناق يحدو بهنّ من النّحيب مردّد ... وتقودهنّ أزمّة الأشواق غرض إليه فوّقتنا «8» أسهما ... وهي القسيّ برين كالأفواق وأنختها «9» بفنائك الرّحب الذي ... وسع الورى بالنائل الدفّاق «10» وقرى «11» مؤمّلك الشفاعة في غد ... وكفى بها هبة من الرزّاق وعليك يا خير الأنام تحيّة ... نحيى النفوس بنشرها الفتّاق تتأرّج الأرجاء من نفحاتها «12» ... أرج النّديّ بمدحك المصداق منها «13» : قسما بطيب تراب طيبة إنه ... مسك الأنوف وإثمد «14» الأحداق وبشأن «15» مسجدها الذي برحابه ... لمعامل الرّحمن أيّ نفاق لأجود فيه بأدمع أسلاكها ... منظومة بترائب وتراق الجزء: 2 ¦ الصفحة: 303 أغدو بتقبيل على حصبائه ... وعلى كرائم «1» جدره بعناق وعليك ذا النّورين «2» تسليم له ... نور يلوح بصفحة المهراق كفؤ «3» النبيّ وكفؤ أعلى جنّة ... حيزت له بشهادة وصداق وعلى أبي السّبطين «4» من سبق الألى ... سبقوا إلى الإسلام أيّ «5» سباق الطاهر الصّهر «6» ابن عمّ المصطفى ... شرف على التّعميم «7» والإطلاق مبدي القضايا «8» من وراء حجابها ... ومفتّح الأحكام عن إغلاق يغزو العداة بغلظة فيهدّهم «9» ... بصوارم تفري الفقار رقاق راياته لا شيء من عقبانها ... بمطار يوم وغى ولا بمطاق وعلى كرام ستّة عثرت «10» بهم ... عند النظام ليالي «11» النّسّاق ما بين أروع ماجد نيرانه ... جنح الظلام تشبّ للطرّاق وأخي حروب صدّه رشف «12» القنا ... عمّا قدود مثلهنّ رقاق ما غرّدت شجوا مطوّقة وما ... شقّت كمام الرّوض «13» عن أطواق وعلى القرابة والصّحابة كلّهم ... والتابعين لهم ليوم تلاق ولمّا سنّى الله في الرّوم الوقعة المبيرة والوقيعة الشهيرة التي أجلت عن قتل مليكهم معركتها، وانتهت للفتح معركتها وحركتها، وعمّت الإسلام بإتعاس فلّ الكفر بركتها، قدم مع الوفود من أهل بلده، وهنّأ أمير المسلمين «14» بفتحه ذلك، وطلوع الجزء: 2 ¦ الصفحة: 304 ولده، فقال: [الكامل] أمليك أم بدر الدّجى الوضّاح ... وحسامه أم بارق لمّاح؟ أعلى المسالك ما بنته يد التّقى ... وعمادها الأعلام والأرماح وأحقّ من يدعى خليفة ربّه ... ملك خلافته هدى ونجاح كأمير أندلس وناصرها الذي ... أفنى العداة حسامه السّفاح أسمى الملوك أبو الوليد المرتضى ... وأعزّ من شرفت به الأمداح هو دوحة الملك العليّ فروعها ... وبراحتيه ترزق الأدواح وبمحو رسم عداته بلبانه «1» ... نطق الكتاب وخطّت الألواح بدر الكمال لو أنّ «2» بدرا مثله ... لم يبد خشية نوره الإصباح بحر النّوال لو أنّ «3» بدرا مثله ... لارتاع خشية فيضه الملّاح ولمثله قاد الجياد عدوّه ... فخبا له قدح وخاب قداح أهواه شيطان الهوى في لجّة ... إنّ الهوى بأليفه طمّاح طمع الشّقيّ أضلّه وأذلّه ... كل المطالع للغبيّ فصاح فأبادهم وملوكهم فتح بدا ... وبسعد جدّك ربّنا فتّاح وفواصل تبرى بهنّ مفاصل ... وصفائح «4» يفرى بهنّ صفاح لم تفن كلّهم سيوف الهند بل ... لسيوف جودك في النفوس جراح ما زال حيّ عداك يحسد ميتهم ... ويحثّ فوتا عاجلا فيراح فاقتل كبيرهم وأحيى صغيرهم ... واسب النّساء «5» فما عليك جناح تسبيح «6» ما حاط العداة وما حموا ... وحماك يا منصور ليس يباح يا أمّة الكفران تفنيدا وهل ... لجفون أعمى ينجلي مصباح؟ أتركتم بطرو «7» وحيدا مفردا ... يشدو عليه الطائر الصيّاح؟ وجوان «8» يرتشف الندى فنديمه ... غربانه ووساده الصّفّاح «9» الجزء: 2 ¦ الصفحة: 305 وكذلك المطران جاد رسومه ... قطر المنايا الصارم الطّفّاح أرؤوس «1» تبيضّ النعام بمرجنا ... أصنافكم هذي أم الأشباح؟ ما للمطامير اشتكت من ضيقها ... بالمال والأسرى وهنّ فساح؟ جارت بكم أبطالنا فكأنكم ... كشح وجيش المسلمين وشاح تبّا لروميّ يهيم براحة ... أيرام عن خيل الإله براح؟ قصّت قوادمكم فما إقدامكم ... والليل «2» جنح الكفر تغيض جناح هذا فلا تستعجلوا ببلادكم ... سترون كيف يكون الاستفتاح قد انثنت «3» بطحاؤنا بحطامكم ... ونباتها الرّيحان والتفاح تالله ما كنتم بأول عسكر ... أمل النجاح وحينه يجتاح القسّ غرّكم ليهلك نسلكم ... بسيوفنا إن إفكه لصراح كم ذا يسخّركم ويسخر منكم ... غدرا ومكرا إنه لوقاح منها: وفوارس نشأوا لنهب فراس ... طلبوا انتشاء للدّما لا الراح «4» أربوا على الأسد الهزبر بسالة ... مع أنهم غرّ الوجوه صباح خاضوا بحار الحرب يطمو بحرها ... ووطيسها حامي الصّلى لفّاح ما هم ببذل نفوسهم ونفيسهم ... وعن «5» النوال أو النّزال سجاح وإذا هم ذكروا بناد فانتشق ... مسكا تضوّع عرفه النفّاح فغدا وراح النصر يقدم جمعهم ... ويحفّهم حيث اعتدوا أو راحوا «6» سنّاك مولانا بسعد مقبل ... خلصاء قد عمّتهم الأفراح «7» وبنجلك البدر الذي آفاقه ... ملك وهالته هدى وصلاح بدر البدور فلا بدار عليه ... وبذا أنارت» أربع وبطاح الجزء: 2 ¦ الصفحة: 306 فلكم عدوّ ما «1» أفلّ بزوغه ... خسفت به الأوجال والأتراح وهنا ونالك بالأمير تجدّد ... كلّ بحبّك نفسه ترتاح قد جاء بعد العسر يسر شامل ... قد جاء بعد الشّدة الإنجاح فالحمد لله الذي قد خصّنا ... ولنا بحمدك بعده إفصاح وعلى المقام المولويّ تحيّة ... كالزّهر إذ تهدي شذاه رياح ما خطّ مدحك في الطّروس محبّر ... ومحا «2» دياجير الأصيل صباح وقال يرثي الخطيب ببلده، الشهير الفاضل، أبا الحسن بن شعيب، رحمه الله: [الطويل] بوادي لقد حملت ما ليس لقواه ... فراق ولا «3» من شرف الأرض تقواه بليت بذا التفريق فاصبر فربما ... بلغت بحسن الصبر ما تتمنّاه «4» شجا كلّ نفس فقد أنفس جوهر ... تعدّ ولا تحصى كرام سجاياه بكى كلّنا حزنا عليه كما بكى ... لفرقته محرابه ومصلّاه فلله خطب جليل لقد رمى ... أجلّ خطيب بالجلالة مصماه فلولاكم يغلب تأسّينا الأسى ... ولم يشمل الشّمل التفجّع لولاه فلم يبق إلّا من جفا جفنه الكرى ... ومن جانبت وصل المضاجع جنباه وفاء «5» المرّي وفّى فوفّي أجره ... وأصفى بإصفاء الإله وصافاه أبي الحسن العدل الرّضا المحسن الذي ... أتته بأضعاف الزيادة حسناه خطيب جلا فصل الخطاب بيانه ... وأعدل قاض فاضل في قضاياه وجسم الهدى الرّحب السبيل وروحه ... ولفظ العلى الفخر الأصيل ومعناه مطيع رفيع خاضع متواضع ... كريم حليم طاهر القلب أوّاه متى يمش «6» هونا ليس إلّا لمسجد ... تمد «7» خجلا أرض بها حطّ نعلاه تكلّمه عرف وذكر وحكمة ... تلذّ بها الأسماع ما كان أحلاه الجزء: 2 ¦ الصفحة: 307 كذا صمته خوف وفكر وخشية ... فما زال يخشى الله والكلّ يخشاه يصوم وقد طال النهار مهجّرا ... وتبحر بالليل التغمّض «1» عيناه فكم دارس أحياه من أربع التّقا ... وكم غاسق من حندس الليل أحياه فيا طيّبا أصلا وذكرا وتربة ... ومنه استفاد الطّيب أطيب ريّاه وفي حرقة تحنو ومرأى وباطنا «2» ... وأمن سنا شمس الضحى من محيّاه محيّا يروّي الناظرين تهلّلا ... فتعرفه في الصالحين بسيماه بحبّك هامت كلّ نفس منيبة ... كذا من أحبّ الله حبّبه الله فما أنعم الأرض التي بك قدّست ... وآثر ذيّاك الضريح وأنداه بشراك إنّا قد شغلنا بحزننا ... ورضوان بشراه بذلك بشراه عزا لأهليه الأهلة أنهم ... لهم يعتري من بعده العزّ والجاه نال شعيب في الزمان بدوره ... ولم تكن الشمس المنيرة إلّاه أعزّي أولي الإيمان كلّا بفقده ... نعم وأسنّيه بحبّه مأواه سقى الله وسميّ الحيا ذلك الثرى ... وغاداه صوب الغاديات وميّاه كما قد سقاه ليلة الدّفن ربّه ... من الغيث وكّاف السحاب وأسخاه ترضّوا عن القاضي الإمام خطيبكم ... فقد رضي الرحمن عنه وأرضاه وصلّوا على هادي الأنام نبيّكم ... صلاة بها يمحو المسيء خطاياه عليك سلام الله ما الروض فاح إن ... سرت سحرا ريح الصّبا بخزاماه وفاته: توفي، رحمه الله، في رمضان، تحقيقا من سنة خمس «3» على شكّ وسبعمائة، أخبرني بذلك من يوثق به. محمد بن عبد الله بن الحاج البضيعة من أهل مالقة، وتردّد كثيرا على الحضرة، مسترفدا ومنشدا، وفي غير ذلك من الأغراض، يكنّى أبا عبد الله. حاله وشعره: من الإكليل: شاعر اتخذ النظم بضاعة، وما ترك السعي في مذاهبه ساعة، أجرى في الملا، لا في الخلا، وجعل ذكره دلوه من الدّلا، وركض الجزء: 2 ¦ الصفحة: 308 في حلبة النجبا النجائب، ورمى في الخواطي بسهم صائب، فخرج بهرجه ونفق، وارتفد بسببه وارتفق. وهو الآن قد سالمته السنون، وكأنّما أمن المنون، من رجل مكفوف الأذى، حسن الحالة إلّا إذا، هذا قلت، ثبت هذا والمذكور حيّ، وقد مات، رحمه الله. ومن شعره: [الطويل] رجائي «1» في المولى العظيم عظيم ... غنيت به حيث الغناء مديم وحسبي الرجا فيمن عليه معوّلي ... حديث حديث لم يزل وخديم وما عرفت نفسي سوى باب فضله ... على ثقة أنّ الكريم كريم فإن قيل عنّي مذنب قلت سيّد ... كفيل بغفران الذنوب رحيم وما اعتصم المملوك إلّا بحبله ... فجانبه نعمى لنا ونعيم رضاه سبيل للنجاة وحبّه ... طريق لجنّات النّعيم قديم وأنشد يوما الأمير ثالث الأمراء من بني نصر «2» يهنيه بالملك ويعزّيه «3» : [الوافر] على من تنشر اليوم البنود؟ ... وتحت لواء من تسري الجنود؟ وقال «4» : على هذا الكذا، الذي بين يديك، فخجل، وعظم استظراف الحاضرين لذلك. وفاته: توفي في كذا وسبعمائة. محمد بن عبد الله بن فطيس يكنى أبا عبد الله، من أهل مالقة. وقال الأستاذ «5» : من بيت فطيس الألبيريين. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 309 حاله: قال: طبيب ماهر، وأديب شاعر؛ كان في أيام بني حسّون، يخفّ عليهم، وله فيهم أمداح كثيرة. يذكر أنه دخل يوما على القاضي أبي مروان بن حسّون، بعد انقطاع عن زيارته، فعتبه القاضي، فاعتذر، ثم أنشد: [مخلع البسيط] يا حاملا من علاه تاجا ... ومن سنا وجهه سراجا لو كان رودي عديل ودّي ... لكنت من بابك الرّتاجا إن لم يعرّج عليك شخصي ... نفسي وروحي عليك عاجا وذكره ابن عسكر في كتابه. محمد بن عبد الرحمن بن إبراهيم بن يحيى بن محمد بن فتوح بن محمد بن أيوب بن محمد بن الحكيم اللخمي ذو الوزارتين «1» يكنى «2» أبا عبد الله، رندي النشأة، إشبيلي الأصل، يرجع بيته، وبيت بني حجاج، وبيت بني عباد، إلى جرثومة واحدة. وانتقل سلفه إلى رندة في دولة بني عباد، ويحيى جدّ والده هو المعروف بالحكيم لطبّه. وقدم ذو الوزارتين على حضرة غرناطة أيام السلطان أبي عبد الله محمد بن محمد بن نصر، إثر قفوله من الحج في رحلته التي رافق فيها العلّامة أبا عبد الله بن رشيد الفهري، فألحقه السلطان بكتّابه، وأقام يكتب له في ديوان الإنشاء، إلى أن توفي هذا السلطان، وتقلّد الملك بعده وليّ عهده أبو عبد الله المخلوع، فقلّده الوزارة والكتابة، وأشرك معه في الوزارة أبا سلطان عبد العزيز بن سلطان الدّاني، فلمّا توفي أبو سلطان أفرده السلطان بالوزارة، ولقّبه ذا الوزارتين، وصار صاحب أمره، إلى أن توفي بحضرة غرناطة قتيلا، نفعه الله تعالى، غدوة يوم الفطر، مستهل شوال سنة ثمان وسبعمائة، وذلك لتاريخ خلع سلطانه، وخلافة أخيه أمير المسلمين، أبي الجيوش، مكانه. حاله: كان «3» ، رحمه الله تعالى، علما في الفضيلة والسّراوة، ومكارم الأخلاق، كريم النفس، واسع الإيثار، متين الحرمة، عالي الهمة، كاتبا بليغا، أديبا، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 310 شاعرا، حسن الخطّ، يكتب خطوطا على أنواع كلّها جميلة الانطباع، خطيبا، فصيح القلم، زاكي الشّيم، مؤثرا لأهل العلم والأدب، برّا بأهل الفضل والحسب، نفقت بمدته للفضائل أسواق، وأشرقت بإمداده للفضائل آفاق «1» . ومن «عائد الصلة» : كان «2» ، رحمه الله، فريد دهره سماحة، وبشاشة، ولوذعيّة، وانطباعا، رقيق الحاشية، نافذ العزمة، مهتزّا للمديح، طلقا للأمل، كهفا للغريب، برمكي المائدة «3» ، مهلّبي الحلوى «4» ، ريّان من الأدب، مضطلعا بالرواية، مستكثرا من الفائدة. يقوم على المسائل الفقهية، ويتقدم الناس في باب التّحسين والتّقبيح، ورفع راية الحديث والتّحديث، نفّق بضاعة الطلب، وأحيا معالم الأدب، وأكرم العلم والعلماء، ولم تشغله السياسة عن النظر، ولا عاقه تدبير الملك عن المطالعة والسماع والإفراط «5» في اقتناء الكتب، حتى ضاقت قصوره عن خزائنها، وأثرت أنديته من ذخائرها. قام له الدّهر على رجل «6» ، وأخدمه صدور البيوتات، وأعلام الرّياسات، وخوطب من البلاد النازحة، وأمّل من «7» الآفاق النائية. رحلته ونباهته: رحل «8» إلى الحجاز الشريف من بلده، على فتاء سنّه، أول عام ثلاثة «9» وثمانين وستمائة، فحجّ وزار، وتجوّل في بلاد المشرق، منتجعا عوالي الرواية في مظانّها، ومنقّرا عنها عند مسنّي شيوخها، وقيّد الأناشيد الغريبة، والأبيات المرقصة، وأقام بمكة شرّفها الله، من شهر رمضان إلى انقضاء الموسم، فأخذ بها عن جماعة يأتي ذكرهم في مشيخته. وانصرف إلى المدينة المشرّفة، ثم قفل مع الرّكب الشامي إلى دمشق، ثم كرّ إلى المغرب، لا يمرّ بمجلس علم أو تعلّم إلّا روى أو روّي. واحتلّ رندة، حرسها الله، أواخر عام خمسة وثمانين وستمائة، وأقام «10» بها عينا في قرابته، وعلما في أهله، معظّما عندهم «11» ، إلى أن أوقع السلطان بالوزراء من بني حبيب، الوقيعة البرمكيّة «12» . وورد رندة في أثر ذلك، في شهر جمادى الآخرة من عام ستة وثمانين وستمائة، فتعرّض إليه، ومدحه «13» ، وهنّأه بقصيدة طويلة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 311 من أوليات شعره، أولها» : [الرمل] هل إلى ردّ عشيّات الوصال ... سبب أم ذاك من ضرب المحال؟ فلمّا أنشدها إياه، أعجب به، وبحسن خطّه ونصاعة ظرفه، فأثنى عليه، واستدعاه إلى الوفادة على حضرته، فوفد «2» إليها في آخر العام المذكور، فأثبته في خواصّ دولته، وأحظاه لديه، إلى أن رقّاه إلى كتابة الإنشاء ببابه. واستمرّت حاله، معظّم القدر، مخصوصا بالمزية، إلى أن توفي السلطان، ثاني الملوك من بني نصر، وتقلّد الملك بعده، وليّ عهده أبو عبد الله، فزاد في إحظائه وتقريبه، وجمع له بين الكتابة والوزارة، ولقّبه بذي الوزارتين؛ وأعطاه العلامة، وقلّده الأمر، فبعد الصّيت، وطاب الذّكر، إلى أن كان من الأمر «3» ما يأتي به الذكر قريبا إنشاء الله تعالى. مشيخته: قرأ «4» برندة على الشيخ النحوي أبي الحسن علي بن يوسف العبدري السّفاح، القرآن العظيم بالروايات السّبع، والعربية وغير ذلك. وعلى الخطيب بها أبي القاسم بن الأيسر، وأخذ عن والده جميع مرويّاته. واستجاز له في صغره أعلام ذلك الزمان، وأخذ في رحلته عن الجلّة من الجملة الذين يضيق عن أمثالهم الحصر. فمنهم أبو اليمن جار الله ابن عساكر، لقيه بالحرم الشّريف، وانتفع به، واستكثر من الرواية عنه. ومنهم الشيخ أبو العز عبد العزيز بن عبد المنعم الحرّاني، المعروف بابن هبة الله الحراني. ومنهم الشيخ الشريف «5» أبو العباس أحمد بن عبد الله بن عمر بن معطي ابن الإمام الجزائري- جزائر المغرب- نزيل بغداد. ومنهم الشيخ أبو الصفا خليل بن أبي بكر بن محمد المرادي الحنبلي، لقيه بالقاهرة. ومنهم الشيخ رضي الدين القسطميني أبو بكر. ومنهم الشيخ شرف الدين الحافظ أبو محمد عبد المؤمن بن خلف الدّمياطي، إمام الديار المصرية، في الحديث ومؤرخها وحافظها. ومنهم عبد المنعم بن محمد بن يوسف بن أحمد الخيمي، شهاب الدين أبو عبد الله، نزيل مشهد الحسين بن علي، قرأ عليه قصيدته البائية الفريدة التي أولها «6» : [البسيط] يا مطلبا ليس لي في غيره أرب ... إليك آل التّقصّي وانتهى الطلب الجزء: 2 ¦ الصفحة: 312 ومنها البيت المشهور الذي وقع النزاع فيه «1» : يا بارقا بأعالي الرّقمتين بدا ... لقد حكيت ولكن فاتك السّبب «2» ومنهم عبد المولى يحيى بن حماد البعلبكي؛ مولده سنة إحدى عشرة وستمائة. ومنهم محمد بن بكر بن خلف بن أبي القاسم الصّفار. ومنهم الشيخ أبو الفضل الأديب جمال الدين بن أبي الخير بن علي بن عبد الله بن رواحة. ومنهم محمد بن يحيى بن عبد الله القرشي جمال الدين أبو صادق، ومن تخريجه «الأربعون المرويّة بالأسانيد المصرية» ، وسمع الحلبيّات من ابن عماد الحرّاني والشيخ أبي الفضل عبد الرحيم خطيب الجزيرة، ومولده سنة ثمان وتسعين وخمسمائة. ومنهم الشيخ محمد بن عباس الأشعري تقي الدين الحافظ أبو القاسم. ومنهم الشيخ محمد بن إسماعيل بن عبد الله بن عبد المجيد الأنماطي. ومنهم أبو البدر بن عبد الله بن أبي الزبير، الكاتب المصري. ومنهم الشيخ عبد الرحيم بن عبد المنعم بن خلف التّدميري. ومن رؤساء شيوخه؛ الشيخ محيي الدين أبو الفضل. ومنهم زينب بنت الإمام أبي محمد عبد اللطيف بن يوسف بن محمد بن علي البغدادي، تكنّى أم الفضل، وسمعت من أبيها. ومنهم محمد بن أحمد بن إبراهيم بن أحمد الخراساني، أبو عبد الله موقّر الدين، وألبسه خرقة التصوف. ومنهم الشيخ محمد بن يحيى بن هبيرة الشّيباني شرف الدين. ومنهم الشيخ شهاب الدين أحمد بن عيسى بن عيسى بن يوسف بن إبراهيم بن إسماعيل السّلفي. ومنهم الشيخ علي بن عبد الكريم بن عبد الله الدّمشقي، أبو الحسن؛ ولد سنة سبع وتسعين وخمسمائة. ومنهم الشيخ غازي بن أبي الفضل بن عبد الوهاب الجلاوي. ومنهم الشيخ نور الدين علي بن محمد أبي البركات الأنصاري المقرئ بحرم الخليل، سمع من أبي الحسن علي بن شجاع. ومنهم يوسف بن داود بن عيسى بن أيوب الحنفي. ومنهم الملك الأوحد يعقوب بن الملك الناصر صلاح الدين «3» داود بن الملك المعظّم عيسى ابن الملك العادل أبي بكر بن أيوب. ومنهم عبد المنعم بن يحيى بن إبراهيم بن علي بن جعفر القرشي الزّهري خطيب القدس. ومنهم الشيخ عبد الحفيظ بن بدران، ويدعى عليّ الدين من أهل بانياس، سمع من ابن صيصرى. ومنهم الشيخ علي بن عبد الرحمن بن عبد المنعم المقدّسي. ومنهم الشيخ محمد بن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 313 محمد بن سالم بن يوسف بن أسلم القرشي، جمال الدين. ومنهم عبد الواسع بن عبد الكافي شمس الدين. ومنهم الشيخ أحمد بن أحمد الزّجاجي البغدادي الإمام تقي الدين. ومنهم عبد الجميل بن أحمد بن الزّجاج. ومنهم فاطمة بنت إبراهيم بن محمد بن محمود بن جوهر البعلبكي، الشيخة الكاتبة الخيّرة أم الخير. ومنهم الشيخ يوسف ابن أبي ناصر السفاوي. ومنهم الشيخ عبد السلام بن محمد بن مزروع، أبو محمد عفيف الدين. ومنهم الشيخ أحمد بن عثمان بن محمد الشافعي البخاري شمس الدين. ومنهم الشيخ عبد الله بن خير بن أبي محمد بن خلف القرشي. ومنهم الشيخ محمد بن أحمد بن عبد العزيز بن عبد الله بن عبد الباقي بن علي الصّواف شرف الدين. ومنهم الشيخ علي بن محمد بن أبي القاسم بن محمد بن محمد بن أبي بكر بن زريق الكاتب، لقيه بتونس. ومنهم الشيخ سليمان بن علي بن عبد الله الكاتب التّلمساني عفيف الدين الصّوفي الأديب نزيل دمشق، ومولده بتلمسان. ومنهم الشيخ محمد بن علي بن أحمد بن علي بن محمد بن الحسن بن عبد الله بن أحمد الميموني البستي القسطلاني قطب الدين، الإمام المفتي شيخ دار الحديث الكاملية بالقاهرة المعزّية. ومنهم الشيخ عبد الكريم بن علي بن جعفر القرشي جمال الدين. ومنهم الشيخ أحمد بن محمد بن عبد الظاهر جمال الدين. ومنهم محمد بن محمد بن إبراهيم النجاشي. ومنهم الشيخ عبد الله بن محمد بن محمد بن أبي بكر الطبري، إمام الروضة النبوية ثم الصخرة القدسية. ومنهم الشيخ فخر الدين عثمان بن أبي محمد بن إسماعيل بن جندرة. ومنهم الشيخ عبد العزيز بن عبد الرحمن بن عبد العلي بن أنسكرت فخر الدين. ومنهم الشيخ ثابت بن علي بن عبد العزيز بن قاسم بن عبد الرازق، سمع على ابن المغير البغدادي. ومنهم الشيخ أمين الدين أبو الهامات جبريل بن إسماعيل بن سيد الأهل الغساني. ومنهم الشيخ محمد بن أحمد بن عبد الله الأندلسي الأصل شرف الدين، سمع من علم الدين الشيخوني وغيره. ومنهم الشيخ محمد بن محمد الشامي الشافعي الدمشقي، إمام مسجد أبي بكر الصديق، رضي الله عنه، يدعى شمس الدين، سمع من الزبيدي. ومنهم الشيخ يحيى بن الخضر بن حاتم الأنصاري، يعرف بابن عزّ الدولة. وأجاز له جماعة، منهم ابن عماد الحرّاني، ومنهم ابن يحيى بن محمد بن محمد الهمداني كمال الدين، وسمع من ابن الزّجّاج وابن رواح الحميري. ومنهم الشيخ عبد الملك أبو المعالي بن مفضل الواسطي، عرف بابن الجوزي، سمع على جماعة، منهم شعيب الزعفراني. ومنهم الشيخ محمد بن أحمد بن ياسر بن شاكر الحاكمي. ومنهم الإمام مفتي المسلمين، رضي الله عنه. ومنهم أبو عبد الله محمد بن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 314 أبي بكر بن خليل العسقلاني المكّي. ومنهم الخطيب أبو عبد الله محمد بن صالح بن أحمد بن محمد بن رحيمة الكناني، خطيب بجايه. ومنهم قاضي القضاة ببلاد إفريقية أبو العباس ابن الغمّاز البلنسي، لقيه بتونس. ومنهم الفقيه العلّامة الوزير أبو القاسم محمد بن عبد الله بن يحيى بن عبد الرحمن بن يوسف بن جزي الكلبي. ومنهم الشيخ أبو محمد عبد الله بن يوسف الخلابي. ومنهم الشيخ المغربي أبو محمد الحجاج بن يوسف بن إبراهيم بن عتّاب، لقيه بتونس. ومنهم الشيخ الفقيه أبو بكر بن محمد بن إبراهيم بن محمد بن يربوع السّبتي. ومنهم الإمام قدوة النحاة أبو الحسين عبيد «1» الله بن أحمد بن عبيد الله بن أحمد بن عبد الله بن أبي الربيع القرشي. ومنهم الإمام أبو علي ناصر الدين منصور بن أحمد بن عبد الحق الزّواوي المشدالي، من أهل بجاية. ومنهم الخطيب القاضي أبو عمرو إسحاق بن أبي إسحاق بن عبد الوهاب الرّندي، إلى طائفة كبيرة من أهل المشرق والمغرب. محنته: أغرى به الأمير ولي العهد، بسبب أمور اختلف فيها، منها أبيات في هجو الدولة النصرية، الله أعلم بصحة نسبتها إليه، فأوقع به، وناله بين يديه نكال كبير أفلت منه برفق، واختفى مدة في المآذن المقفلة والأماكن الخفية، حتى أصحى له جوّ سخطه، وقضى الله بردّ أمره إليه، واستيلائه على ما وراء بابه. من روى عنه: أخذ عنه الخطيب الصالح أبو إسحاق بن أبي العاصي، وتدبّج معه رفيقه عبد الله بن رشيد وغير واحد. وكان ممدوحا، وممن مدحه الرئيس أبو محمد عبد المهيمن الحضرمي، والرئيس أبو الحسن بن الجيّاب، وناهيك بهما. ومن بديع مدح ابن الجياب له، قصيدة رائية رائقة، يهنّئه فيها بعيد الفطر، منها في أولها «2» : [البسيط] يا قادما عمّت الدنيا بشائره ... أهلا بمقدمك الميمون طائره ومرحبا بك من عيد تحفّ به ... من السعادة أجناد تظاهره «3» قدمت فالخلق في نعمى وفي جذل ... أبدى بك البشر باديه وحاضره «4» والأرض قد لبست أثواب سندسها ... والرّوض قد بسمت منه أزاهره حاكت يد الغيث في ساحاته حللا ... لمّا ساقها دراكا منك باكره فلاح فيها من الأنوار باهرها ... وفاح فيها من النّوّار عاطره الجزء: 2 ¦ الصفحة: 315 وقام فيها خطيب الطّير مرتجلا ... والزّهر قد رصّعت منه منابره موشيّ ثوب طواه الدّهر آونة ... فها هو اليوم للأبصار ناشره فالغصن من نشوة يثني معاطفه ... والطّير من طرب تشدو مزاهره وللكمام انشقاق عن أزاهرها ... كما بدت لك من خلّ ضمائره لله يومك ما أذكى فضائله ... قامت لدين الهوى «1» فيه شعائره فكم سريرة فضل فيك قد خبئت ... وكم جمال بدا للناس ظاهره فافخر بحقّ على الأيام قاطبة ... فما لفضلك من ندّ يظاهره «2» فأنت في عصرنا كابن الحكيم إذا ... قيست بفخر أولي العليا مفاخره يلتاح منه بأفق الملك نور هدى ... تضاءل الشمس مهما لاح زاهره مجد صميم على عرش السّماك سما ... طالت مبانيه واستعلت مظاهره وزارة الدّين والعلم الذي رفعت ... أعلامه والنّدى الفيّاض زاخره وليس هذا ببدع من مكارمه ... ساوت أوائله فيه أواخره يلقى الأمور بصدر منه منشرح ... بحر وآراؤه العظمى جواهره راعى أمور الرّعايا معملا نظرا ... كمثل علياه معدوما نظائره والملك سيّر في تدبيره حكما ... تنال ما عجزت عنه عساكره سياسة الحكم «3» لا بطش يكدّرها ... فهو المهيب وما تخشى بوادره لا يصدر الملك إلّا عن إشارته ... فالرّشد لا تتعدّاه مصائره تجري الأمور على أقصى إرادته ... كأنما دهره فيه يشاوره وكم مقام له في كل مكرمة ... أنست موارده فيها مصادره ففضلها طبّق الآفاق أجمعها ... كأنه مثل قد سار سائره فليس يجحده إلّا أخو حسد ... يرى الصباح فيعشى منه ناظره لا ملك أكبر من ملك يدبّره ... لا ملك أسعد من ملك يؤازره يا عزّ أمر به اشتدّت مضاربه ... يا حسن ملك به ازدانت محاضره تثني البلاد وأهلوها بما عرفوا ... ويشهد الدهر آتيه وعابره «4» بشرى لآمله الموصول مأمله ... تعسا لحاسده المقطوع دابره فالعلم قد أشرقت نورا مطالعه ... والجود قد أسبلت سحّا مواطره الجزء: 2 ¦ الصفحة: 316 والناس في بشر «1» والملك في ظفر ... عال على كلّ عالي القدر قاهره والأرض قد ملئت أمنا جوانبها ... بيمن من خلصت فيها سرائره والى «2» أياديه من مثنى وواحدة «3» ... تساجل البحر إن فاضت زواخره فكلّ يوم تلقّانا عوارفه ... كساه أمواله الطّولى دفاتره فمن يؤدّي لما أولاه من نعم ... شكرا ولو أنّ سحبانا يظاهره يا أيها العبد «4» بادر لثم راحته ... فلثمها خير مأمول تبادره وافخر بأن قد «5» لقيت ابن الحكيم على ... عصر يباريك أو دهر تفاخره ولّى الصيام وقد عظّمت حرمته ... فأجره لك وافيه ووافره وأقبل العيد فاستقبل به جذلا ... واهنأ به قادما عمّت بشائره ومن مدح الرئيس أبي محمد عبد المهيمن الحضرمي له قوله: [الطويل] تراءى سحيرا والنسيم عليل ... وللنّجم طرف بالصباح كليل وللفجر نهر خاضه الليل فاعتلت ... شوى أدهم الظّلماء منه خجول بريق بأعلى الرّقمتين كأنه ... طلائع شهب والسماء تجول فمزّق ساجي الليل منه شرارة ... وخرّق ستر الغيم منه نصول تبسّم ثغر الروض عند ابتسامه ... وفاضت عيون للغمام همول ومالت غصون البان نشوى كأنها ... يدار عليها من صباه شمول وغنّت على تلك الغصون حمائم ... لهنّ حفيف فوقها وهديل إذا سجعت في لحنها ثم قرقرت ... يطيح خفيف دونها وثقيل سقى الله ربعا لا يزال يشوقني ... إليه رسوم دونها وطلول وجاد رباه «6» كلّما ذرّ شارق ... من الودق «7» هتّان أجشّ هطول وما لي أستسقي الغمام ومدمعي ... سفوح على تلك العراص همول؟ وعاذلة باتت تلوم على السّرى ... وتكثر من تعذالها وتطيل تقول إلى كم ذا فراق وغربة ... ونأي على ما خيّلت ورحيل الجزء: 2 ¦ الصفحة: 317 ذريني أسعى للّتي تكسب العلا ... سناء وتبقي الذّكر وهو جميل فأمّا تريني من ممارسة الهوى ... نحيلا فحدّ المشرفيّ نحيل وفوق أنابيب اليراعة صفوة ... تزين وفي قدّ القناة ذبول ولولا السّرى لم يحتل البدر كاملا ... ولا بات منه للسّعود نزيل ولولا اغتراب المرء في طلب العلا ... لما كان نحو المجد منه وصول ولولا نوال ابن الحكيم محمد ... لأصبح ربع المجد وهو محيل وزير سما فوق السّماك جلالة ... وليس له إلّا نجوم قبيل من القوم أمّا في النّديّ «1» فإنهم ... هضاب وأمّا في النّدى فسيول حووا شرف العلياء إرثا ومكسبا ... وطابت فروع منهم وأصول وما جونة هطّالة ذات هيدب ... مرتها شمول مرجف وقبول لها زجل من رعدها ولوامع ... من البرق عنها للعيون كلول كما هدرت وسط القلاص وأرسلت ... شقاشقها عند الهياج فحول بأجود من كفّ الوزير محمد ... إذا ما توالت للسّنين محول ولا روضة بالحسن طيّبة الشّذا ... ينمّ عليها أذخر وجليل وقد أذكيت للزّهر فيها مجامر ... تعطّر منها للنسيم ذيول وفي مقل النّوّار للطّلّ عبرة ... تردّدها أجفانها وتحيل بأطيب من أخلاقه الغرّ كلّما ... تفاقم خطب للزمان يهول حويت، أبا عبد الإله، مناقبا ... تفوت يدي من رامها وتطول فغرناطة مصر وأنت خصيبها ... ونائل يمناك الكريمة نيل فداك رجال حاولوا درك العلا ... ببخل وهل نال العلاء بخيل؟ تخيّرك المولى وزيرا وناصحا ... فكان له مما أراد حصول وألقى مقاليد الأمور مفوّضا ... إليك فلم يعدل يمينك سول وقام بحفظ الملك منك مؤيّد ... نهوض بما أعيا سواك كفيل وساس الرعايا منك أشوس باسل ... مبيد العدا للمعتفين منيل وأبلج وقّاد الجبين كأنما ... على وجنتيه للنّضار مسيل تهيم به العلياء حتى كأنها ... بثينة في الحبّ وهو جميل له عزمات لو أعير مضاؤها ... حسام لما نالت ظباه فلول الجزء: 2 ¦ الصفحة: 318 سرى ذكره في الخافقين فأصبحت ... إليه قلوب العالمين تميل وأغدى قريضي جوده وثناؤه ... فأصبح في أقصى البلاد يجول إليك أيا فخر الوزارة أرقلت ... برحلي هوجاء الثّجاء ذلول فليت إلى لقياك ناصية الفلا ... بأيدي ركاب سيرهنّ ذميل تسدّدني سهما لكل ثنيّة ... ضوامر أشباه القسيّ نحول وقد لفظتني الأرض حتى رمت إلى ... ذراك برحلي هوجل وهجول فقيّدت أفراسي به وركائبي ... ولذّ مقام لي به وحلول وقد كنت ذا نفس عزوف وهمّة ... عليها لأحداث الزمان دحول وتهوى العلا حظي وتغري بضدّه ... لذاك اعترته رقّة ونحول وتأبى لي الأيام إلّا إدالة ... فصونك لي أنّ الزمان مديل فكل خضوع في جنابك عزّة ... وكل اعتزاز قد عداك خمول شعره: وبضاعته في الشعر مزجاة، وإن كان أعلم الناس بنقده، وأشدّهم تيقّظا لمواقعه الحسنة وأضدادها. فمن ذلك قوله، ورفعه إلى السلطان ببلده رندة، وهو إذا ذاك فتى يملأ العين أبّهة، ويستميل القلوب لباقة، وهي، ومن خطه نقلت «1» : [الرمل] هل إلى ردّ عشيّات الوصال ... سبب أم ذاك من ضرب المحال؟ حالة يسري بها الوهم إلى ... أنها تثبت برءا باعتلال وليال «2» ما تبقّى بعدها ... غير أشواقي إلى تلك اللّيالي إذ مجال الوصل فيها مسرحي ... ونعيمي آمر فيها ووال ولحالات التّراضي جولة ... مزجت «3» بين قبول واقتبال فبوادي الخيف خوفي مسعد ... وبأكناف منى أسنى نوال «4» لست أنسى الأنس فيها أبدا ... لا ولا بالعذل في ذاك أبالي وغزال قد بدا لي وجهه ... فرأيت البدر في حال الكمال ما أمال التّيه من أعطافه ... لم يكن إلّا على فضل «5» اعتدال الجزء: 2 ¦ الصفحة: 319 خصّ بالحسن فما أنت ترى ... بعده للناس حظّا في الجمال من تسلّى عن هواه فأنا ... بسواه عن هواه غير سال فلئن أتعبني حبّي له ... فكم نلت به أنعم حال إذ لآلي «1» جيده من قبلي ... ووشاحاه يميني وشمالي خلّف النوم لي السّهد به ... وترامى الشّخص لا طيف الخيال فيداوى «2» بلماه ظمئي ... مزجك الصّهباء بالماء الزّلال أو إشادات» بناء الملك ال ... أوحد الأسمى الهمام المتعالي ملك إن قلت فيه ملكا ... لم تكن إلّا محقا في المقال أيّد الإسلام بالعدل فما ... أن ترى رسما لأصحاب الضّلال ذو أياد شملت كلّ الورى ... ومعال يا لها خير معال همّة هامت بأحوال التقى ... وصفات بالجلالات حوال وقف النّفس على إجهادها ... بين صوم وصلاة ونوال ومنها في ذكر القوم الموقع بهم «4» : وفريق من عتاة عاندوا ... أمره فاستوجبوا سوء نكال غرّهم طول التّجافي عنهم ... مع شيطان لهم كان موال فلقد كانت بهم رندة أو ... أهلها في سوء تدبير وحال ولقد كان النّفاق مذهبا ... فاشيا بين هاتيك التلال ما يعود اليوم إلّا بادروا ... برواة ونكيرات ثقال طوّقوا النّعمى فلمّا أنكروا ... طوّقوا العدل بذي البيض العوال ماطل الدهر بهم غريمه ... فهو الآن وفي بعد المطال ولقد كنت غريم الدهر إذ ... شدّني جورهم شدّ عقال ولكم نافرته مجتهدا ... عندما ضاق بهم صدر احتمالي أعقبوا جزاء ما قد أسلفوا ... في الدّنا ويعقبوه في المآل الجزء: 2 ¦ الصفحة: 320 وهي طويلة ومنها: أيها المولى الذي نعماؤه ... أعجزت عن شكرها كنه المقال ها أنا أنشدكم مهنّئا ... من بديع النّظم بالسّحر الحلال فأنا العبد الذي حبّكم ... لم يزل والله في قلبي وبالي أورقت روضة آمالي لكم ... وتولّاها الكبير المتعالي «1» واقتنيت الجاه من خدمتكم ... فهو «2» ما أذخره من كنز مال ومنها: يا أمير المسلمين هذه ... خدمة تنبىء عن أصدق حال هي بنت ساعة أو ليلة ... سهلت بالحبّ في ذاك الجلال ما عليها إذ أجادت مدحها ... من بعيد الفهم يلغيها وقال فهي في تأدية الشكر لكم ... أبدا بين احتفاء واحتفال وكتب، رحمه الله، يخاطب أهله من مدينة تونس «3» : حيّ حيّ بالله يا ريح نجد ... وتحمّل عظيم شوقي ووجدي وإذا ما بثثت حالي فبلّغ ... من سلامي لهم على قدر ودّي ما تناسيتهم وهل في مغيبي ... هم «4» نسوني على تطاول بعدي بي شوق إليهم ليس يعزى ... لجميل «5» ولا لسكّان نجد يا نسيم الصّبا إذا جئت قوما ... ملئت أرضهم بشيح ورند فتلطّف عند المرور عليهم ... وحقوقا لهم عليّ فأدّ قل لهم قد غدوت من وجدهم في ... حال شوق لكلّ رند وزند وإن استفسروا حديثي فإني ... باعتناء الإله بلّغت قصدي فله الحمد إذ حباني بلطف ... عنده قلّ كلّ شكر وحمد الجزء: 2 ¦ الصفحة: 321 قال شيخنا أبو بكر ولده: وجدت بخطّه، رحمة الله عليه، رسالة خاطب بها أخاه أبا إسحاق إبراهيم افتتحها بقصيدة أولها «1» : [الكامل] ذكر اللّوى شوقا إلى أقماره ... فقضى أسى أو كاد من تذكاره وعلا زفير حريق نار ضلوعه ... فرمى على وجناته بشراره لو كنت تبصر خطّه في خدّه ... لقرأت سرّ الوجد من أسطاره يا عاذليه أقصروا فلربما «2» ... أفضى عتابكم إلى إضراره إن لم تعينوه على برحائه «3» ... لا تنكروا بالله خلع عذاره ما كان أكتمه لأسرار الهوى ... لو أنّ جند الصّبر من أنصاره ما ذنبه والبين قطّع قلبه ... أسفا وأذكى النار في أعشاره بخلّ اللّوى بالساكنيه وطيفهم ... وحديثه ونسيمه ومزاره يا برق خذ دمعي وعرّج باللّوى ... فاسفحه في باناته وعراره وإذا لقيت بها الذي بإخائه ... ألقى خطوب الدّهر أو بجواره فاقر السلام عليه قدر محبتي ... فيه وترفيعي إلى مقداره والمم «4» بسائر إخوتي وقرابتي ... من لم أكن لجوارهم بالكاره ما منهم إلّا أخ أو سيّد ... أبدا أرى دأبي على إكباره فاثبت «5» لذاك الحيّ أنّ أخاهم ... في حفظ عهدهم على استبصاره ما منزل اللذات في أوطانه ... كلّا ولا السّلوان من أوطاره «6» وقال، رحمه الله، في غرض كلّفه سلطانه القول فيه «7» : [الوافر] ألا وأصل مواصلة العقار ... ودع عنك التخلّق بالوقار وقم واخلع عذارك في غزال ... يحقّ لمثله خلع العذار قضيب مائس من فوق دعص ... تعمّم بالدّجى فوق النهار ولاح بخدّه ألف ولام ... فصار معرّفا بين الدراري الجزء: 2 ¦ الصفحة: 322 رماني قاسم والسين صاد ... بأشفار تنوب عن الشّفار وقد قسمت محاسن وجنتيه ... على ضدّين من ماء ونار فذاك الماء من دمعي عليه ... وتلك النار من فرط استعاري «1» عجبت له أقام بربع قلبي ... على ما شبّ فيه من الأوار ألفت الحبّ حتى صار طبعا ... فما أحتاج فيه إلى ادّكار فما لي عن مذاهبه ذهاب ... وهذا فيه أشعاري شعاري «2» وقال العلّامة ابن رشيد في «ملء العيبة» «3» : لما قدمنا المدينة سنة 684 هـ، كان معي رفيقي الوزير أبو عبد الله بن أبي القاسم الحكيم، وكان أرمد «4» ، فلمّا دخلنا ذا الحليفة أو نحوها، نزلنا عن الأكوار، وقوي الشوق لقرب المزار، فنزل وبادر إلى المشي على قدميه احتسابا لتلك الآثار، وإعظاما لمن حلّ في «5» تلك الديار، فأحسّ بالشفاء، فأنشد لنفسه في وصف الحال قوله: [الطويل] ولمّا رأينا من ربوع حبيبنا ... بيثرب أعلاما أثرن لنا الحبّا وبالتّرب منها إذ كحلنا جفوننا ... شفينا فلا بأسا نخاف ولا كربا وحين تبدّى للعيون جمالها ... ومن بعدها عنّا أديلت لنا قربا نزلنا من «6» الأكوار نمشي كرامة ... لمن حلّ فيها أن نلمّ به ركبا نسحّ سجال الدّمع في عرصاتها ... ونلثم من حبّ لواطئه التّربا وإن بقائي دونه لخسارة ... ولو أنّ كفّي تملأ الشرق والغربا فيا عجبا ممن يحبّ بزعمه ... يقيم مع الدعوى ويستعمل الكتبا وزلّات مثلي لا تعدّ كثيرة «7» ... وبعدي عن المختار أعظمها ذنبا ومن شعره قوله «8» : [السريع] ما أحسن العقل وآثاره ... لو لازم الإنسان إيثاره الجزء: 2 ¦ الصفحة: 323 يصون بالعقل الفتى نفسه ... كما يصون الحرّ أسراره لا سيما إن كان في غربة ... يحتاج أن يعرف مقداره وقوله رحمه الله «1» : [البسيط] إني لأعسر أحيانا فيلحقني ... يسر من الله إنّ العسر قد زالا يقول خير الورى في سنّة ثبتت ... (أنفق ولا تخش من ذي العرش إقلالا) وهو من أحسن ما قاله رحمه الله. ومن شعره قوله «2» : [الطويل] فقدت حياتي بالفراق «3» ومن غدا ... بحال نوى عمّن يحبّ فقد فقد ومن أجل بعدي من «4» ديار ألفتها ... جحيم فؤادي قد تلظّى وقد وقد وحكي أن ذا الوزارتين المترجم، لما اجتمع مع الفقيه الكاتب ابن أبي مدين، أنشده ابن أبي مدين «5» : [الطويل] عشقتكم بالسّمع قبل لقاكم ... وسمع الفتى يهوى لعمري «6» كطرفه وحبّبني ذكر الجليس إليكم ... فلمّا التقينا كنتم فوق وصفه فأنشده ذو الوزارتين ابن الحكيم قوله «7» : [البسيط] ما زلت أسمع عن علياك كلّ سنا ... أبهى من الشمس أو أجلى من القمر حتى رأى بصري فوق الذي سمعت ... أذني فوفّق بين السّمع والبصر ومن نظمه مما يكتب على قوس «8» : [الكامل] أنا عدّة للدين في يد من غدا ... لله منتصرا على أعدائه أحكي الهلال وأسهمي في رجمها ... لمن اعتدى تحكي رجوم «9» سمائه قد جاء في القرآن أني عدّة ... إذ نصّ خير الخلق محكم آيه وإذا العدوّ أصابه سهمي فقد ... سبق القضاء بهلكه وفنائه الجزء: 2 ¦ الصفحة: 324 ومن «1» توقيعه ما نقلته من خط ولده أبي بكر في كتابه المسمى ب «الموارد المستعذبة» ، وكان» بمدينة وادي آش الفقيه الكذا أبو عبد الله محمد بن غالب الطريفي، فكتب «3» يوما إلى الشيخ خاصة والدي «4» أبي جعفر بن داود، قصيدة طويلة على روي السّين، يشتكي «5» فيها من جور «6» مشرف بلدهم إذ ذاك أبي القاسم بن حسّان، منها: [البسيط] فيا صفيّ أبي العباس، كيف ترى ... وأنت كيّس «7» من فيها من اكياس ولّوه إن كان ممّن ترتضون به ... فقد دنا الفتح للأشراف في فاس ومنها يستطر ذكر ذي الوزارتين، رحمه الله: للشرق فضل منه أشرقت شهب ... من نورهم أقبسونا كل مقباس فوقع عليها رحمة الله تعالى عليه ورضوانه «8» : [البسيط] إن أفرطت بابن حسّان غوائله ... فالأمر يكسوه ثوب الذّل والياس «9» وإن تزلّ به في جوره قدم ... كان الجزاء له ضربا على الرّاس فقد أقامني المولى بنعمته ... لبثّ أحكامه بالعدل في الناس كتابته: وهي مرتفعة عن نمط شعره، فمن ذلك رسالة كتبها عن سلطانه في فتح مدينة قيجاطة «10» : من الأمير فلان، أيده الله ونصره، ووفّقه لما يحب حتى يكون ممن قام بفرض الجهاد ونشره. إلى ابننا الذي نمنحه الحبّ والرضى، ونسأل الله أن يهبه الخلال التي تستحسن والشّيم التي ترتضى، الولد الأنجب، الأرضى، الأنجد، الأرشد، الأسعد، محمد، وإلى الله تعالى إسعاده، وتولى بالتوفيق والإرشاد سداده، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 325 وأطلع عليه من أنباء الفتوح المبشّرة بالنصر الممنوح ما يكمل من بغيته في نصر دين الإسلام ويسني مراده. أما بعد حمد الله، الذي جعل الجهاد في سبيله أفضل الأعمال، الذي يقربه إلى رضاه، وندب إليه بما وعد من الثواب عليه، فقال: يا أيها النبي، حرّض المؤمنين على القتال، تنبيها على محل الثقة، بأن الفئة القليلة من أوليائه، تغلب الفئة الكثيرة من أعدائه، وتدارك دين الإسلام بإنجاز وعده في قوله، ولينصرنّ الله من ينصره، على رغم أنف من ظن أنه خاذله، تعالى الله عن خذلان جنده. والصلاة والسلام على نبيّه ورسوله ومجتباه، لهداية الخلق لسلوك سبيل الحق، والعمل بمقتضاه. قال تعالى فيما أنزل: قاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ «1» تحريضا على أن يمحو ظلام ضلالهم بنور هداه صلى الله عليه وسلم، وعلى آله الأبرار، وأصحابه الأشداء على الكفار، الذين جرّدوا في نصرة دينه صوارم العزم وأمضوا ظباه، وفتحوا ما زوّى له من مشارق الأرض ومغاربها حتى عمّ الإسلام حدّ المعمور ومنتهاه. فإنّا كتبنا لكم، كتب الله لكم من سماع البشائر ما يعود بتحويل الأحوال، وأطلع عليكم من أنباء الفتوح ما يلوح بآفاق الآمال، مبشرا باليمن والإقبال. من قيجاطة، وبركات ثقتنا بالله وحده، تظهر لنا عجائب مكنونات ألطافه، وتجنينا ثمار النصر في إبّان قطافه، وتسخّر لنا ورد مشرع الفتح فترد عذب نطافه، والحمد لله الذي هدانا لأن نتقلّد نجادها، ونمتطي جوادها، ونستوري زنادها، ونستفتح بها مغالق المآرب، ولطائف المطالب، حتى دخلت الملّة الحنيفية في هذه الجزيرة الأندلسية أغوارها وأنجادها. وقد «2» تقرّر عند الخاص والعام، من أهل الإسلام، واشتهر في جميع «3» الأقطار اشتهار الصبح في سواد الظلام، أنّا لم نزل نبذل جهدنا في أن تكون كلمة الله هي العليا، ونسمح في ذلك بالنفوس والأموال رجاء ثواب الله لا لغرض «4» دنيا. وأنّا ما قصّرنا في الاستنصار والاستنفار «5» ، ولا قصرنا «6» عن الاعتضاد لكلّ من أمّلنا معونته «7» والاستظهار، ولا اكتفينا بمطوّلات الرسائل وبنات الأفكار، حتى اقتحمنا بنفوسنا لجج البحار، وسمحنا بالطّارف من أموالنا والتّلاد، وأعطينا رجاء نصرة الإسلام موفور الأموال والبلاد، واشترينا بما أنعم الله به علينا ما فرض الله على كافة أهل الإسلام من الجهاد، فلم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 326 يكن بين تلبية المدعوّ وزهده، وبين قبوله وردّه، إلّا كما يحسو الطائر ماء الثّماد ويأبى الله أن يكل نصر «1» هذه الجزيرة إلى سواه، وأن يجعل فيها سببا إلّا لمن أخلص لوجهه الكريم علانيته ونجواه. ولمّا أسلم الإسلام بهذه الجزيرة الغريبة إلى مثاويه «2» ، وبقي المسلمون يتوقّعون حادثا ساءت ظنونهم لمباديه، ألقينا إلى الثقة بالله تعالى وحده يد الاستسلام، وشمّرنا عن ساعد الجدّ والاجتهاد «3» في جهاد عبدة الأصنام، وأخذنا بمقتضى قوله تعالى: وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ «4» أخذ الاعتزام، فأمدّنا الله تعالى بتوالي البشائر، ونصرنا بألطاف أغنى فيها خلوص الضمائر عن قوّاد «5» العساكر، ونفلنا «6» على أيدي قوّادنا ورجالنا من السّبايا والغنائم ما عدّ «7» ذكره في الآفاق كالمثل السائر وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لا تُحْصُوها «8» ، وكيف يحصيها المحصي أو يحصرها الحاصر. وحين أبدت لنا العناية الربّانيّة وجوه الفتوح «9» سافرة المحيّا، وانتشقنا نسيم «10» النّصر الممنوح عبق الرّيّا، استخرنا الله تعالى في الغزو بأنفسنا «11» ونعم المستخار، وكتبنا إلى من قرب من عمّالنا «12» بالحضّ على الجهاد والاستنفار. وحين وافى من خفّ للجهاد من الأجناد والمطوّعين، وغدوا بحكم رغبتهم في الثواب على طاعة الله مجتمعين، خرجنا بهم ونصر الله تعالى أهدى دليل، وعناية الله بهذه الفئة المفردة من المسلمين، تقضي بتقريب البعيد من آمالنا، وتكثير القليل. ونحن نسأل الله تعالى أن يحملنا على جادّة الرّضا والقبول، وأن يرشدنا إلى طريق يفضي «13» إلى بلوغ الأمنية والمأمول «14» ، إلى أن حللنا عشيّة يوم الأحد ثاني يوم خروجنا بمقربة حصن اللّقوة فأدرنا به التّدبير، واستشرنا من أوليائنا من تحققنا نصحه فيما يشير، فاقتضى الرأي المقترن بالرّشاد، المؤذن بالإسعاد، قصد قيجاطة لما رجى من تيسير فتحها، وأملا في إضاءة فجر الأماني لديها، وبيان صبحها، فسرنا نحوها في جيش يجرّ على المجرّة ذيل النقع المثار، ويضيق عن كثرته واسع الأقطار، ويقرّ عين الإسلام بما اشتمل عليه من الحماة والأنصار، تطير بهم نيّاتهم بأجنحة العزم إلى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 327 قبض أرواح الكفار. فلمّا وصلنا إلى وادي على مقربة منها نزلنا به نريح الجياد، ونكمل التأهّب للقتال والاستعداد، وبات المسلمون ليلتهم يسألون الله تعالى بأن يمنحهم الإعانة بتأييده والإمداد. وحين فجر الفجر وأنار النهار، وقدحت به الأصباح زند الأنوار، ركبنا إليها والعساكر قد انتظمت عقودها، والسيوف قد كادت تلفظها غمودها، وبصائر الأولياء المجاهدين قد لاح من نصر الله تعالى معهودها. فلمّا وصلناها وجدنا ناسنا قد سبقوا إليها بالبوس، وهتكوا ستر عصمتها المحروس، وأذن لها بزوال النعم وذهاب النفوس، فعاجلها الأولياء بالقتال، وأهدوا إليها حمر المنايا من زرق النّصال، ورشقوا جنودها بالنّبال، وجدّوا بنات الآجال، فلما رأوا ما لا طاقة لهم به لاذوا بالفرار من الأسوار، وولّوا الأدبار، وودّعوا الديار وما فيها من الآثار. وتسنّم المسلمون ذروة البلد الأول فملكوه، وخرقوا حجاب السّتر المسدول عليه وهتكوه، وتسرعوا إلى البلد الثاني وقد ملأ النصارى أسواره من حماة رجالهم، وانتقوهم من متخيّري أبطالهم، ممن وثقوا بإقدامه في حماية ضلالهم، فحمل عليهم المسلمون حملة عرّفوهم بها كيف يكون اللّقاء، وصرفوهم إلى ما تنصرف إليه أرواحهم من الشّقاء، وأظهروا لهم من صدق العزائم ما علموا به أن لدين الإسلام أنصارا لا يرغبون بأنفسهم عن الذّبّ عنه وحماية راياته، ولا يصدرون إلا إلى طاعة الله ابتغاء مرضاته. وبادر جماعة إلى إضرام باب المدينة بالنيران، وعقدوا تحت سماء العجاج منها سماء الدّخان، ورموا النصارى من النّبال بشهب تتبع منهم كل شيطان. فهزم الله النصارى، وولوا أدبارهم، وقذف الله في قلوبهم الرعب، فأخلوا بروجهم وأسوارهم، وتسنّمها المسلمون معلنين شعار الإسلام، رافعين من الرايات الحمر كواكب في سماء السّعادة تبشّر بتيسير كل مرام. ودخلوا المدينة فألفوا بها من القوت والعتاد، والمتاع الفاخر الذي يربو على التّعداد، ما ملأ كلّ يمين وشمال، وظهروا عليها بعد بلوغ الأماني على الكمال، وقتلوا بها من الحماة أعداء أبدوا في حماية ضلالهم ماضي الفنا والاعتزام، وأعملوا فيهم ماضي العوامل وشبا الإضرام. وارتفع النصارى إلى القصبة لائذين بامتناعها، معتصمين بعلوّها وارتفاعها، متخيّلين لضلالهم، وعدم استبصارهم أن نور الهدى لا يحلّ بديارهم. فرأينا أن نرقي الرجال إلى أبراج البلد وأسواره، وأمرناهم أن يبيتوا طول ليلتهم مضيّقين على من اعتصم بالقصبة في حصاره، وعمدنا بالعسكر المظفر إلى موضع استيطانه من المحلة المنصورة واستقراره. فلمّا بدا ضوء الصباح بنور الإشراق، ولاح وجه الغزالة طارحا شعاعه على الآفاق، أمرنا بترتيب العساكر على القصبة للحصار، وعيّنّا لكل جماعة منهم جهة يبادرون إلى منازلتها بالقتال أشدّ البدار، فانتهى المسلمون من ذلك إلى غاية لم تخطر الجزء: 2 ¦ الصفحة: 328 للكافرين ببال، وجرّعوهم كؤوس المنايا، وأداروا بها بنات الحنايا، فأفضت السّجال وأظهر الكفار، مع وقوعهم في بحر الموت صبرا وطمعوا أن يقيموا بذلك لصلبانهم عذرا. فلما رأوا من عزمنا ما لم تتخيله ظنونهم وأوهامهم، وصابرهم المسلمون عند النزال مصابرة عظم فيها إقدامهم وثبتت أقدامهم، ألقوا بأيديهم إلى التّهلكة إلقاء من هاله لمعان الأسنّة واهتزاز ردينيات القنا، ولاذوا بطلب الأمان لياذ الغريق بالساحل بعد ما أشرف على الفنا، وهبط زعيمهم مقتحما خطر تلك المسالك، متضرّعا تضرع من طمع في الحياة بعد ما أخذته أيدي المهالك، وشرط أن يملّكنا القصبة، ويبقى خديما لنا بما بيده من البلاد الكثيرة والكتيبة المنتخبة، فلم نظهر له عند ذلك قبولا، ولم نجعل له إلى تكميل ما رغب فيه سبيلا، فقاده البأس الشديد إلى الإذعان، ورغب أن يكمل ما نريده على شرط الأمان. فأسعفنا رغبته على شروط، بعد عهد المسلمين بمثلها، وهيّئت الأسباب بما نعتمده من الثقة بالله وحده في أمورنا كلها، وذلك على كذا وكذا. وحين كملت الشروط حقّ التكميل، وظهرت لنا منه أمارات الوفاء الجميل، دخلنا القصبة حماها الله، وقد أغنى يوم النصر عن شهر السلاح، كما أغنى ضوء الصبح عن نور المصباح، ورفعت على أبراجها حمر الأعلام، ناطقة عن الإسلام، بالتعريف والإعلام. وفي الحين وجهنا من يقبض تلك الحصون، ويزيل ما بها من جرم الكفر المأفون، أمناء رجالنا. فالحمد لله على هذه النعمة التي أحدثت للقلوب استبشارا، وخفضت علم التثليث ورفعت للتوحيد منارا، وأظهرت للملّة الحنيفية على أعدائها اعتلاء واستكبارا. وهذا القدر من الفتح وإن كان سامي الفخر، باقي الذكر بقاء الدهر، فإننا لنرجو من فضل الله أن يتبعه بما هو أعلى منه متانة، وأعظم في قلوب أهل الإيمان موقعا وأعز مكانة، وأن يرغم بما يظهر على أيدينا من عز الإسلام، أنف من أظهر له عنادا وخذلانا. فاستبشروا بهذا الفتح العظيم وبشّروا، واشكروا الله عليه، فواجب أن تشكروا. وقد كتبنا هذا، ونحن على عزمنا في غزو بلاد الكفار، والسعي الحميد إلى التنكيل بهم والإضرار، والمسلمون أعزهم الله في أرضهم يشنون المغار، ويمتلكون الأنجاد منها والأغوار، ويكثرون القتل والأسار، ويحكّمون أينما نزلوا السّيف والنار، والسلام. ومن نثر آخر إجازة ما صورته «1» : الجزء: 2 ¦ الصفحة: 329 وها أنا أجري منه «1» على حسن معتقده، وأكله في هذا الغرض إلى ما رآه بمقتضى تودّده، وأجيز له ولولديه، أقرّ الله بهما عينه، وجمع بينهما وبينه، رواية جميع ما نقلته وحملته «2» ، وحسن اطلاعه يفصّل من ذلك ما أجملته، فقد أطلقت لهم الإذن في جميعه، وأبحت لهم الحمل عني ولهم الاختيار في تنويعه. والله سبحانه وتعالى «3» يخلّص أعمالنا لذاته، ويجعلها في ابتغاء مرضاته. قال هذا «4» محمد بن عبد الرحمن بن الحكيم حامدا لله عزّ وجلّ، ومصلّيا ومسلما. وفاته: قتل، رحمه الله، صبيحة عيد الفطر من عام ثمانية وسبعمائة «5» ، وذلك لتاريخ خلع سلطانه. واستولت «6» يد الغوغاء على منازله، شغلهم بها مدبّر الفتنة خيفة من أن يعاجلوه قبل تمام أمره، فضاع بها مال لا يكتب، وعروض لا يعلم لها قيمة من الكتب، والذّخيرة والفرش والآنية والسلاح والمتاع والخرثيّ، وأخفرت ذمّته «7» ، وتعدّي به عدوة القتل إلى المثلة «8» ، وقانا الله مصارع السوء، فطيف بشلوه، وانتهب فضاع ولم يقبر، وجرت فيه شناعة كبيرة، رحمه الله تعالى. مولده: برندة ظهر يوم الاثنين الحادي والعشرين من ربيع الأول المبارك، من عام ستين وستمائة. وممّن رثاه شيخنا أبو بكر بن شبرين رحمه الله تعالى بقوله «9» : [الطويل] سقى الله أشلاء كرمن على البلى ... وما غضّ من مقدارها حادث البلا وممّا شجاني أن أهين مكانها ... وأهمل قدر ما عهدناه مهملا ألا اصنع بها يا دهر ما أنت صانع ... فما كنت إلّا عبدها المتذلّلا سفكت وما كان الرّقوء نواله ... لقد جئتها «10» شنعاء فاضحة الملا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 330 بكفّي سبنتى أزرق العين مطرق «1» ... عدا فغدا في غيّه متوغّلا لنعم قتيل القوم في يوم عيده ... قتيل تبكّيه المكارم والعلا ألا إنّ يوم ابن الحكيم لمثكل ... فؤادي، فما ينفكّ ما عشت مثكلا فقدناه في يوم أغرّ محجّل ... ففي الحشر نلقاه أغرّ محجّلا سمت نحوه الأيام وهو عميدها ... فلم تشكر النّعمى ولم تحفظ الولا تعاورت الأسياف منه ممدّحا ... كريما سما فوق السّماكين منزلا «2» وخانته رجل في الطّواف به سعت ... فناء بصدر للعلوم تحمّلا وجدّل لم يحضره في الحيّ ناصر ... فمن مبلغ الأحياء أنّ مهلهلا «3» يد الله في ذاك الأديم ممزّقا «4» ... تبارك ما هبّت جنوبا وشمألا ومن حزني أن لست أعرف ملحدا ... له فأرى للتّرب منه مقبلا رويدك يا من قد غدا شامتا به ... فبالأمس ما كان العماد المؤمّلا وكنّا نغادي أو نراوح بابه ... وقد ظلّ في أوج العلا متوقّلا «5» ذكرناه يوما فاستهلّت جفوننا ... بدمع إذا ما أمحل العام أخضلا ومازج منه الحزن طول اعتبارنا ... ولم ندر ماذا منهما كان أطولا وهاج لنا شجوا تذكّر مجلس ... له كان يهدي الحيّ والملأ الألى به كانت الدنيا تؤخّر مدبرا ... من الناس حتما أو تقدّم مقبلا لتبك عيون الباكيات على فتى ... كريم إذا ما أسبغ العرف أجزلا على خادم الآثار تتلى صحائحا ... على حامل القرآن يتلى مفصّلا على عضد الملك الذي قد تضوّعت ... مكارمه في الأرض مسكا ومندلا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 331 على قاسم الأموال فينا على الذي ... وضعنا لديه كلّ إصر على علا وأنّى لنا من بعده متعلّل ... وما كان في حاجاتنا متعلّلا ألا يا قصير العمر يا كامل العلا ... يمينا لقد غادرت حزنا مؤثّلا يسوء المصلّى أن هلكت ولم تقم ... عليك صلاة فيه يشهدها الملا وذاك لأنّ الأمر فيه شهادة ... وسنّتها محفوطة لن تبدّلا فيا أيها الميت الكريم الذي قضى ... سعيدا حميدا فاضلا ومفضّلا لتهنك «1» من ربّ السماء شهادة ... تلاقي ببشرى وجهك المتهلّلا رثيتك عن حبّ ثوى في جوانحي ... فما ودّع القلب العميد وما قلا «2» ويا ربّ من أوليته منك نعمة ... وكنت له ذخرا عتيدا وموئلا تناساك حتى ما تمرّ بباله ... ولم يدّكر «3» ذاك النّدى والتّفضّلا يرابض في مثواك كلّ عشيّة ... صفيف شواء أو قديدا «4» معجّلا «5» لحى الله من ينسى الأذمّة رافضا ... ويذهل مهما أصبح الأمر مشكلا حنانيك يا بدر الهدى فلشدّ ما ... تركت بدور الأفق بعدك «6» أفّلا وكنت لآمالي حياة هنيئة ... فغادرت مني اليوم قلبا مقتّلا فلا وأبيك الخير ما أنا بالذي ... على البعد ينسى من ذمامك ما خلا فأنت الذي آويتني متغرّبا ... وأنت الذي أكرمتني متطفّلا فإن لم أنل منك الذي كنت آملا ... فما كنت إلّا المحسن المتفضّلا «7» فآليت لا ينفكّ قلبي مكمدا ... عليك ولا ينفكّ دمعي مسبلا محمد بن عبد الرحمن العقيلي الجراوي من أهل وادي آش، وسكن غرناطة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 332 حاله: فقيه أديب متطبّب، متفنن في علوم جمة، شاعر مطبوع، يكنّى أبا بكر. مدح الأمير علي بن يوسف اللمتوني بقوله: [مجزوء الكامل] رحلوا الركائب موهنا ... فأذاع عرفهم السّنا والحلي قد أغرى بهم ... لمّا ترنّم معلنا كم حفّ حول حماهم ... من كلّ خطّار القنا قال أبو جعفر بن الزبير، ينفك منها قصائد: [الكامل] رحلوا الركاب موهّنا ليكتموا ... ظعن الحمول وهل توارى الأنجم؟ فأذاع سرّهم السّنا ورمى بهم ... فلّ الذميل شذاهم المتنسّم كم حفّ حمل قبابهم وركابهم ... من ليث غاب في براثنه الدم من كل خطّار القناة مموّه ... بين الرحيل نصبه يستسلم وهي طويلة، خاطب بها أمير المسلمين علي بن يوسف بن تاشفين. وقال في وصف القصيدة: [الطويل] أيا ملكا يسمو بسعد مساعد ... وقدر على علو الكواكب صاعد نظمت قصيدا في علاك مضمّنا ... ثلاث قواف في ثلاث قصائد إذا فصلت أغنى عن البعض بعضها ... وإن وصلت كانت ككعب وساعد فأجازه بظهير كريم بتحرير ماله وتنويهه. محمد بن عبد الرحمن المتأهل من أهل وادي آش، يعرف بعمامتي. حاله: من التاج: ناظم أبيات، وموضح غرر وشيات، وصاحب توقيعات رفيعات، وإشارات ذوات شارات. وكان شاعرا مكثارا، وجوادا لا يخاف عثارا. أدخل على أمير بلده المخلوع عن ملكه، بعد انتثار سلكه، وخروج الحضرة عن ملكه، واستقراره بوادي آش، مروع البال، معلّلا بالآمال، وقد بلغه دخول طبرنش في طاعته، فأنشده من ساعته: [مجزوء الكامل] خذها إليك طبرنشا ... شفّع بها وادي الأشا والأمّ تتبع بنتها ... والله يفعل ما يشا ومن نوادره العذبة يطلب خطة الحسبة: [الطويل] أنلني يا خير البريّة خطّة ... ترفّعني قدرا وتكسبني عزّا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 333 فأعتزّ في أهلي كما اعتزّ بيدق ... على سفرة الشطرنج لما انثنى فرزا فوقع الأمر بظهر رقعته ما ثبت في حرف النون عند ذكره، والاحتجاج بفضله. وفاته: كان حيّا بعد سنة سبع عشرة وسبعمائة. وفد على الحضرة مرات كثيرة. محمد بن عبد الملك بن محمد بن محمد بن طفيل القيسي «1» من أهل وادي آش، يكنى أبا بكر. حاله: كان عالما، صدرا، حكيما، فيلسوفا، عارفا بالمقالات والآراء، كلفا بالحكمة المشرقية، محققا، متصوفا، طبيبا ماهرا، فقيها، بارع الأدب، ناظما، ناثرا، مشاركا في جملة من الفنون. مشيخته: روى عن أبي محمد الرّشاطي، وعبد الحق بن عطية وغيرهما. حظوته ودخوله غرناطة: اختصّ بالريس أبي جعفر، وأبي الحسن بن ملحان. قال ابن الأبار في تحفته «2» : وكتب لوالي غرناطة وقتا. تواليفه: رسالة حيّ بن يقظان، والأرجوزة الطبيّة المجهولة، وغير ذلك. شعره: قال: وهو القائل من قصيدة في فتح قفصة سنة ست وسبعين «3» ، وأنفذت إلى البلاد «4» : [الطويل] ولمّا انقضى الفتح الذي كان يرتجى ... وأصبح حزب الله أغلب غالب وأنجزنا وعد من الله صادق ... كفيل بإبطال الظنون الكواذب وساعدنا التّوفيق حتى بيّنت ... مقاصدنا مشروحة بالعواقب وأذعن من عليا هلال بن عامر ... أبيّ ولبّى الأمر كلّ مجانب الجزء: 2 ¦ الصفحة: 334 وهبّوا إذا «1» هبّ النسيم كما «2» سرى ... ولم يتركوا بالشّرق علقة آئب يغصّ بهم عرض الفلا وهو واسع «3» ... وقد زاحموا الآفاق من كل جانب كأنّ بسيط الأرض حلقة خاتم ... بهم وخضمّ البحر بعض المذانب ومدّ على حكم «4» الصغار لسلمنا ... يديه عظيم الروم في حال راغب يصرّح بالرؤيا «5» وبين ضلوعه ... نفس مذعور ونفرة راهب وعى من لسان الحال أفصح خطبة ... وما «6» وضحت» عنه فصاح القواضب وأبصر متن الأرض كفّة حامل ... عليه وإصراه في كفّ حالب أشرنا بأعناق الجياد إليكم ... وعجبا عليكم من صدور الرّكائب إلى بقعة قد بيّن «8» الله فضلها ... بمن حلّ فيها من وليّ «9» وصاحب على الصّفوة الأدنين منّا تحية ... توافيهم بين الصّبا والجنائب وله أيضا «10» : [الطويل] ألمّت وقد نام الرقيب «11» وهوّما ... وأسرت إلى وادي «12» العقيق من الحمى وراحت «13» إلى نجد فرحت منجّدا ... ومرّت بنعمان فأضحى منعّما وجرّت على ترب المحصّب «14» ذيلها ... فما زال ذاك التّرب نهبا مقسّما تناقله «15» أيدي التّجار «16» لطيمة ... ويحمله الداريّ «17» أيّان يمّما ولمّا رأت أن لا ظلام يجنّها ... وأنّ سراها فيه لن يتكتما سرت «18» عذبات الرّيط عن حرّ وجهها ... فأبدت شعاعا يرفع اليوم مظلما «19» الجزء: 2 ¦ الصفحة: 335 فكانّ تجلّيها حجاب جمالها ... كشمس الضّحى يعشى بها الطّرف كلّما ولمّا رأت زهر الكواكب أنها ... هي النيّر الأسمى وإن كان باسما بكت أسفا أن لم تفز بجوارها ... وأسعدها صوب الغمام فأسجما فجلّت يمجّ القطر ريّان بردها ... فتنفضه كالدّر فذّا وتوأما يضمّ علينا الماء فضل زكاتها ... كما «1» بلّ سقط الطّلّ نورا مكمّما ويفتق نضح الغيث طيب عرفها ... نسيم الصّبا بين العرار منسّما جلت عن ثناياها وأومض برقها «2» ... فلم أدر من شقّ الدّجنّة منهما وساعدني جفن الغمام على البكا ... فلم أدر وجدا «3» أيّنا كان أسجما ونظم سمطي ثغرها ووشاحها ... فأبصرت درّ الثغر أحلى وأنظما تقول وقد ألممت أطراف كمّها ... يدي وقد أنعلت أخمصها الفما نشدتك لا يذهب بك الشوق مذهبا ... يسهّل صعبا أو يرخّص مأثما فأقصرت «4» لا مستغنيا عن نوالها ... ولكن رأيت الصّبر أوفى وأكرما وقال «5» : [الوافر] أتذكر إذ مسحت بفيك عيني «6» ... وقد حلّ البكا فيها عقوده ذكرت بأن ريقك ماء ورد ... فقابلت الحرارة بالبروده وقال: [الوافر] سألت من المليحة برء دائي ... برشف برودها العذب المزاج فما زالت تقبّل في جفوني ... وتبهرني بأصناف الحجاج وقالت إنّ طرفك كان «7» أصلا ... لدائك فليقدّم في العلاج وفاته: توفي بمراكش سنة إحدى وثمانين وخمسمائة، وحضر السلطان «8» جنازته. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 336 محمد بن عبد العزيز بن عبد الرحمن بن عبيد الله ابن عيّاش التّجيبي البرشاني «1» من أهل حصن برشانة المحسوب في هذه العمالة، يكنى أبا عبد الله، كاتب الخلافة. حاله: قال القاضي أبو عبد الله بن عبد الملك «2» : كان كاتبا بارعا، فصيحا، مشرفا على علوم اللسان، حافظا للّغات والآداب، جزلا، سريّ الهمّة، كبير المقدار، حسن الخلق، كريم الطباع «3» ، نفّاعا بجاهه وماله، كثير الاعتناء «4» بطلبة العلم والسعي الجميل لهم، وإفاضة المعروف على قصّاده، مستعينا على ذلك بما نال من الثروة والحظوة والجاه عند الأمراء من بني عبد المؤمن، إذ كان صاحب القلم الأعلى «5» على عهد المنصور وابنه، رفيع المنزلة والمكانة لديهم، قاصدا «6» الإعراب في كلامه، لا يخاطب أحدا «7» في كلامه من الناس، على تفاريق أحوالهم، إلّا بكلام معرب، وربما استعمله «8» في مخاطبة خدمته «9» وأمته، من حوشيّ الألفاظ، ما لا يكاد يستعمله «10» ، ولا يفهمه إلّا حفّاظ اللغة من أهل العلم، عادة ألفها واستمرّت حاله عليها. مشيخته: روى «11» عن أبي عبد الله بن حميد، وابن أبي القاسم السّهيلي، وابن حبيش، وروى عنه بنوه أبو جعفر، وأبو القاسم «12» عبد الرحمن، وأبو جعفر بن عثمان، وأبو القاسم البلوي. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 337 تواليفه: له «1» اختصار حسن في إصلاح المنطق، ورسائل مشهورة، تناقلها الناس، وشعر يحسن في بعضه. جاهه: حدّث الشيخ أبو القاسم البلوي، قال «2» : كنت أخفّ إليه «3» ، وأشفع عنده في كبار المسائل، فيسرع في قضائها. ولقد عرضت لبعض أصحابي من أهل بلاد الأندلس حاجة مهمّة كبيرة، وجب عليّ السعي فيها، والتماس قضائها وفاء لربّها، ولم يكن لها إلّا ما قدرته من حسن نظره فيها، ورجوته من جميل أثره في تيسير أمرها، وكان قد أصابه حينئذ التياث لزم من أجله داره، ودخلت «4» عليه عائدا، فأطال السؤال عن حالي، وتبسّط معي في الكلام، مبالغة في تأنيسي، فأجّلت ذكر الحاجة «5» ، ورغبت منه في الشّفاعة عند السلطان في شأنها، وكان مضطجعا، فاستوى جالسا، وقال لي: جهل الناس قدري، وكرّرها ثلاثا، في «6» مثل هذا أشفع إلى أمير المؤمنين؟ هات الدّواة والقرطاس، فناولته إياهما، فكتب برغبتي، ورفعه إلى السلطان، فصرف في الحين معلّما، فاستدعاني، ودفعه إليّ، وقال: يا أبا القاسم، لا أرضى منك أن تحجم عني في التماس قضاء حاجة تعرّضت لك خاصة، وإن كانت لأحد من معارفك عامة، كبرت أو صغرت، فألتزم قضاءها، وعليّ الوفاء، فإن لكل مكسب «7» زكاة، وزكاة الجاه بذله. وحدّثني شيخي أبو الحسن بن الجيّاب، عمن حدّثه من أشياخه، قال: عرض أبو عبد الله بن عيّاش والكاتب ابن القالمي على المنصور كتابين، وهو في بعض الغزوات، في كلب البرد، وبين يديه كانون جمر. وكان ابن عياش بارع الخطّ، وابن القالمي ركيكه، ويفضله في البلاغة، أو بالعكس الشكّ مني. وقال المنصور: أي كتب لو كان بهذا الخط؟ وأي خطّ لو كان بهذا الكتب؟ فرضي ابن القالمي، وسخط ابن عياش. فانتزع الكتاب من يد المنصور، وطرحه في النار وانصرف. قال: فتغيّر وجه المنصور، وابتدر أحد الأشياخ، فقال: يا أمير المؤمنين، طعنتم له في الوسيلة التي عرّفته ببابكم، فعظمت غيرته لمعرفته بقدر السبب الموصل إليكم. فسرّي عن المنصور، وقال لأحد خدّامه: اذهب إلى السّبي، فاختر أجمل نساء الأبكار؛ وأت بابن عياش؛ فقل له: هذه تطفىء من خلقك. قال ابن عياش يخاطب ولده، وقد حدّث الحديث: هي أمّك، يا محمد، أو فلان. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 338 بعض أخباره مع المنصور ومحاورته الدّالة على جلالة قدره: قال ابن خميس: حدّثني خالي أبو عبد الله بن عسكر أن الكاتب أبا عبد الله بن عيّاش، كتب يوما كتابا ليهودي، فكتب فيه، ويحمل على البرّ والكرامة. فقال له المنصور: من أين لك أن تقول في كافر، ويحمل على البرّ والكرامة؟ فقال: ففكّرت ساعة، وقد علمت أن الاعتراض يلزمني، فقلت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا أتاكم كريم قوم، فأكرموه، وهذا عام في الكافر، وغيره. فقال: نعم هذه الكرامة، فالمبرة أين أخذتها؟ قال: فسكتّ ولم أجد جوابا. قال: فقرأ المنصور: «أعوذ بالله من الشّيطان الرّجيم» «1» لا يَنْهاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ «2» . قال: فشهدت بذلك، وشكرته. شعره: من شعره «3» : [الطويل] بلنسية، بيني عن العليا «4» سلوة ... فإنك روض لا أحنّ لزهرك وكيف يحبّ المرء دارا تقسّمت ... على صارمي «5» جوع «6» وفتنة مشرك؟ وذكره الأديب أبو بحر صفوان بن إدريس في «زاد المسافر» عند اسم ابن عيّاش، قال: اجتمعنا في ليلة بمرّاكش، فقال أبو عبد الله بن عيّاش: [البسيط] وليلة من ليالي الصّفح قد جمعت ... إخوان صدق ووصل للدهر مختلس «7» كانوا على سنّة الأيام قد بعدوا ... فألّفت بينهم لو ساعد الغلس وقال من قصيدة: [الكامل] أشفارها أم صارم الحجّاج؟ ... وجفونها أم فتنة الحلّاج؟ فإذا نظرت لأرضها وسمائها ... لم تلف غير أسنّة وزجاج الجزء: 2 ¦ الصفحة: 339 وقال في المصحف الإمام، المنسوب إلى عثمان بن عفان، لما أمر المنصور بتحليته بنفيس الدّرّ من قصيدة «1» : ونفّلته «2» من كلّ ملك ذخيرة ... كأنهم كانوا برسم مكاسبه فإن ورث الأملاك شرقا ومغربا ... فكم قد أخلّوا جاهلين بواجبه وألبسته الياقوت والدرّ «3» حلية ... وغيرك قد روّاه من دم صاحبه كتابته: قال ابن سعيد في المرقصات والمطربات «4» : أبو عبد الله بن عيّاش، كاتب الناصر وغيره، من بني عبد المؤمن، وواسطة عقد ترسيله، قوله في رسالة كتبها في نزول الناصر على المهدية بحرا وبرا، واسترجاعها من أيدي الملثّمين: ولما حللنا عرى السّفر، بأن حللنا حمى المهديّة، تفاءلنا بأن تكون لمن حلّ بساحتها هديّة، فأحدقنا بها إحداق الهدب بالعين، وأطرنا لمختلس وصالها غربان البين، فبانت بليلة باسنيّة، وصابح يوما صافحته فيه يد المنية. ولما اجتلينا منها عروسا قد مدّ بين يديها بساط الماء، وتوجهت بالهلال وقرّطته بالثّريا ووشّجت بنجوم السّماء، والسّحب تسحب عليها أردانها فترتديها تارة متلثّمة، وطورا سافرة، وكأنما شرفاتها المشرفة أنامل مخضبة بالدّياجي، مختتمة بالكواكب الزّاهرة، تضحي عن شنب لا تزال تقبّله أفواه المجانيق، وتمسي باسمة عن لعس لا تبرح ترشفه شفاه سهام الحريق، خطبناها فأرادت التّنبيه على قدرها، والتوفير في إعلاء مهرها، ومن خطب الحسناء لم يغله المهر فتمنّعت تمنّع المقصورات في الخيام، وأطالت إعمال العامل في خدمتها وتجريد الحسام، إلى أن تحقّقت عظم موقعها في النفوس، ورأت كثرة ما ألقي لها من نثار الرءوس، جنحت إلى الإحصان بعد النّشوز، ورأت اللّجاج في الامتناع من قبول الإحسان لا يجوز، فأمكنت زمامها من يد خاطبها، بعد مطاولة خطبها وخطابها، وأمتعته على رغم رقيها بعناقها ورشف رضابها، فبانت معرّسا حيث لا حجال إلّا من البنود، ولا خلوق إلّا من دماء أبطال الجنود، فأصبح وقد تلألأت بهذه البشائر وجوه الأفكار؛ وطارت بمسارها سوائح البراري وسوانح البحار. فالحمد الجزء: 2 ¦ الصفحة: 340 لله الذي أقرّ الحقّ في نصابه، واسترجعه من أيدي غصّابه، حمدا يجمع شمل النّعم، ويلقحها كما تلقح الرياح الدّيم، فشنّفوا الأسماع بهذه البشائر، واملئوا الصّدور بما يرويه لكم من أحاديثها كل وارد وصادر، فهو الفتح الذي تفتّحت له أبواب السماء، وعمّ الخير واليمن به بسيطي الشّرق والماء؛ فشكر الله عليه، فرض، في كل قطر من أقطار الأرض. دخل غرناطة، مرتادا، ومتعلما، ومجتازا. مولده: ببرشانة بلده، عام خمسين وخمسمائة. وفاته: توفي بمراكش في شهر رجب «1» الفرد من عام ثمانية عشرة وستمائة، رحمه الله. محمد بن علي بن محمد بن إبراهيم بن محمد الهمداني من أهل وادي آش، يكنى أبا القاسم ويعرف بابن البرّاق «2» . حاله: قال ابن عبد الملك «3» : كان محدّثا حافظا، راوية مكثرا، ثقة ضابطا «4» ، شهر بحفظ كتب كثيرة من الحديث وغيره، ذا نظر صالح في الطّبّ «5» ، أديبا بارعا، كاتبا بليغا، مكثرا لجيّده «6» ، سريع البديهة في النظم والنثر، والأدب أغلب عليه. قال أبو القاسم ابن المواعيني: ما رأيت في عباد الله أسرع ارتجالا منه. مشيخته: روى «7» عن أبي بحر يوسف بن أحمد بن أبي عيشون، وأبي بكر بن زرقون، وابن قيد «8» ، وابن إبراهيم بن المل، وابن النّعمة وصحبه «9» ، ولقيه بمرّاكش، ووليد بن موفق، وأبي عبد الله بن يوسف بن سعادة، ولازمه أزيد من ست سنين وأكثر عنه، وابن العمرسي، وأبي العباس بن إدريس، والخرّوبي، وتلا عليه بالسّبع، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 341 وأكثر عنه، وعرض عليه من حفظه كثيرا، وابن مضاء، وأبي علي بن عرب «1» ، وأبي القاسم بن حبيش، وابن عبد الجبار، وأبي محمد بن سهل الضرير، وعاشر وقاسم بن دحمان، وأبي يوسف بن طلحة. وأجاز له أبو بكر بن العربي، وابن خير، وابن مندلة «2» ، وابن تمارة «3» ، وأبو الحسن شريح، وابن هذيل، ويونس بن مغيث، وأبو الجليل «4» مفرج بن سلمة، وأبو عبد الله حفيد مكي، وأبو عبد الرحمن بن مساعد، وأبو عامر محمد بن أحمد السالمي، وأبو القاسم ابن بشكوال، وأبو محمد بن عبيد الله، وأبو مروان البيّاضي، وابن قزمان، وأبو الوليد بن حجاج. من روى عنه: روى «5» عنه ابنه أبو القاسم، وأبو الحسن بن محمد بن بقي الغسّاني، وأبو عبد الله محمد «6» بن يحيى السّكري، وأبو العباس النّباتي، وأبو عمرو بن عيّاد، وهو أسنّ منه، وأبو الكرم جودي. تواليفه: صنّف «7» في الأدب «8» مصنّفات منها «بهجة الأفكار، وفرجة «9» التّذكار، في مختار الأشعار» ، و «مباشرة ليلة السّفح» «10» ، ومقالة في الإخوان، خرّجها من شواهد الحكم، ومصنّف في أخبار معاوية، و «الدّر المنظم في الاختيار «11» المعظّم» ، و «مجموع في الألغاز» «12» ، و «روضة الحدائق، في تأليف الكلام الرائق» ، مجموع نظمه ونثره، وملقى «13» السبل في فضل رمضان، وقصيدته في ذكر النبيّ صلى الله عليه وسلم، وخطرات الواجد في رثاء الواحد، ورجوع «14» الإنذار بهجوم العذار، إلى غير ذلك. محنته: غرّبه الأمير ابن سعد «15» من وطنه، وألزمه سكنى مرسية، ثم بلنسية. ولما مات ابن سعد آخر يوم من رجب سبع وستين وخمسمائة، عاد إلى وطنه واستقرّ به يفيده الدّية، إلى آخر عمره. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 342 شعره: وشعره كثير. فمن ذلك القصيدة الشهيرة في مدح رسول الله صلى الله عليه وسلم، وذكر صحابته «1» : [الكامل] بالهضب هضب زرود أو تلعاتها ... شاقتك «2» هاتفة على نغماتها مصدورة تفتنّ في ترجيعها «3» ... فيبين نفث السّحر في نفثاتها إن راقها «4» رأد الضحى أو راعها ... جنح الدّجى سيّان في ذكراتها هذا يمتّعها وذاك يشوقها ... والموت «5» في يقظاتها وسناتها ولو «6» التّعلل بالكرى ينتابها ... نضحت فزور «7» الطّيف برح شكاتها لكنّ بين جفونها ومنامها «8» ... حربا «9» تثير النهب في كرّاتها ولئن نطقت لها به فتقوّل ... من للرّياح «10» بملتقى هبّاتها؟ مطلولة الفرعين تلحفها الرّبى ... كنفا «11» وتلثمها لمى زهراتها ويسيغها «12» ماء النّخيلة جرعة ... لغياضها «13» من مجتنى نخلاتها منها: يا من تبلّج نوره عن صادع ... بالواضحات الغرّ من آياتها يا شارعا في أمّة جعلت به ... وسطا نالت «14» مستدام حياتها الجزء: 2 ¦ الصفحة: 343 في دار خلد لا يشيب وليدها ... حيث الشّباب يرفّ في جنّاتها وتسنّم «1» الرّضوان في أكنافها ... وتنسّم «2» الرّيحان من جنباتها يا مصطفاها يا «3» مرفّع قدرها ... يا كهفها يا منتهى غاياتها «4» يا منتقاها من أرومة هاشم ... يا هاشم الصّلبان في نزاوتها يا خاضدا للشّرك شوكة حزبه ... يا يافعا «5» للعرب في جمراتها قلت: نقل الشيخ «6» أزيد من ذلك أو ضعفه أو نحوه. إلى أن قال: وهي طويلة، قلت: وثقيلة الرّوح. ولقد صدق في قوله. ومن شعره: [السريع] يا بدر تمّ طالعا في الحشا ... برّح بي منك أوان المغيب حظّك من قلبي تعذيبه ... وحظّه منك الأسى والوجيب فمن يكن يزهى بلبس المنى ... فإن زهوي بلحاس النّحيب في ساعة قصر أنيابها ... غيبته لي وحضور الرقيب لعلّ من باعد ما بيننا ... يفرّج الكربة عمّا قريب وقال: [الكامل] رشّوا «7» القباب بأدمع مفضوضة ... ذوى للفراق وأكبد تتصرّم فللنّفس في تلك الرّبوع حبيبة ... والقلب في إثر الوداع مقسّم هل لي بهاتيك الظّبا إلماعة؟ ... أم هل لذاك السّرب شمل ينظم؟ حقّا فقدت الذّات عند فراقهم ... فالشّخص يوجد والحقيقة تعدم وفاته: توفي ببلده لثلاث بقين من رمضان ست وتسعين وخمسمائة «8» . قال أبو القاسم المواعيني: عثر في مشيه فسقط، فكان سبب منيّته، ودخل غرناطة في غير ما وجهة منها، راويا عن أبي القاسم بن الفرس، ومع ذلك فهو من أحوازها وبنيّاتها. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 344 محمد بن علي بن محمد بن علي بن محمد ابن خاتمة الأنصاري «1» من أهل ألمريّة، يكنى أبا عبد الله. حاله: من كتاب الإكليل ما نصّه «2» : ممن ثكلته اليراعة، وفقدته البراعة، تأدّب بأخيه «3» ، وتهذّب، وأراه في النظم المذهب، وكساه من التفهّم والتعليم البرد «4» المذهّب، فاقتفى واقتدى، وراح في الحلبة واغتدى، حتى نبل وشدا، ولو أمهله الدهر لبلغ المدى. وأما خطّه فقيد الأبصار، وطرفة من طرف الأمصار، واعتبط «5» يانع الشّبيبة، مخضرّ الكتيبة. شعره: [البسيط] كفّوا الملام فلا أصغي إلى العذل ... عقلي وسمعي عن العذّال في شغل يقول في هذه القصيدة: هزل المحبّة جدّ والهوان هوى ... والصّبّ يتلف بين الجدّ والهزل من مسعدي وفؤادي لا يساعدني ... أو من شفيعي وذلّي ليس يشفع لي أعلّل النّفس بالآمال أطمعها ... حتى وقعت من التّعليل في علل لئن كنت تجهل ما في الحبّ من محن ... أنا الخبير فغيري اليوم لا تسل أنا الذي قد حلبت الحبّ أشطره ... فلم يفدني لا حولي ولا حيل لا أشرب الرّاح كي أحلو براحتها ... لكن لأدفع ما بالنّفس من كسل ولا أجول بطرفي في الرياض سوى ... ذكري لأيامنا في ظلّها الأول أنا العهد مضى ما كان أعذبه ... لم يبق لي غير آيات من الخبل كم فديتك يا قلبي وأنت على ... تلك الغواية لم تبرح ولم تزل فاختر لنفسك إما أن تصاحبني ... حلوا وإلّا فدعني منك وارتحل فقد تبعتك حتى سرت من شغفي ... ولوعتي في الهوى أعجوبة المثل الجزء: 2 ¦ الصفحة: 345 ومن شعره «1» : [الرمل] ومض البرق فثار القلق ... ومضى النّوم وحلّ الأرق وينعاني من غرامي قد شكا ... ودموعي من ولوعي تنطق «2» ودليلي في غليلي زفرتي ... وعذابي بانتحابي أصدق وحسودي من وقودي رقّ لي «3» ... ضمّنا فيها الحمى والأبرق «4» وعشيّات تقضّت باللّوى ... في محيّا «5» الدهر منها رونق إذ شبابي والتّصابي جمعا ... ورياض الأنس غضّ مونق «6» شتّ «7» يوم البين شملي ليت ما ... خلق البين لقلب يعشق آه من يوم قضى لي فرقة ... شاب منّي يوم حلّت مفرق ومن ذلك: [الطويل] أيا جيرة الحيّ الممنّع جاره ... سقى ريقكم دمعي إذا بخل الوبل متى غبتم عنّي فأنتم بخاطري ... وإن تقصدوا ذلّي فقد لذّني الذّلّ عذابكم قرب وبخلكم ندى ... وإذلالكم عزّ وهجرانكم وصل وأنتم نعيمي لا نعمت بغيركم ... وروضي لا ماء «8» أريد ولا ظلّ ومن ظريف نزعاته قوله «9» : [البسيط] الرّفع نعتكم لا خانكم «10» أمل ... والخفض شيمة شأني «11» والهوى دول هل منكم لي عطف بعد بعدكم؟ ... إذ ليس لي منكم يا سادتي بدل الجزء: 2 ¦ الصفحة: 346 وفاته: اعتبط في الطاعون في أوائل ربيع الأول عام خمسين وسبعمائة. ورد إلى الحضرة غير ما مرة. محمد بن عيسى بن عبد الملك بن قزمان الزّهري «1» من أهل قرطبة، يكنى أبا بكر. حاله: نسيج وحده أدبا وظرفا ولوذعيّة وشهرة. قال ابن عبد الملك: كان أديبا بارعا، محسنا، شاعرا حلو الكلام، مليح التّندير، مبرّزا في نظم الطريقة الهزلية، بلسان عوام الأندلس، الملقب بالزّجل. قلت «2» : وهذه الطريقة بديعة يتحكّم فيها ألقاب البديع، وتنفسخ لكثير مما يضيق سلوكه على الشاعر. وبلغ فيها أبو بكر مبلغا حجره الله عن سواه؛ فهو آيتها المعجزة، وحجّتها البالغة، وفارسها العلم، والمبتدى فيها والمتمّم، رحمه الله. وقال الفتح فيه «3» : «مبرّز في البيان، ومحرز السّبق «4» عند تسابق الأعيان، اشتمل عليه المتوكل «5» على الله اشتمالا رقّاه «6» إلى مجالس، وكساه ملابس، واقتطع «7» أسمى الرّتب وتبوّأها، ونال أسنى الخطط «8» وما تمالأها» . شعره: قال الفتح «9» : وقد أثبت له ما يعلم «10» به رفيع قدره، ويعرف كيف أساء الزمن «11» بغدره، قوله «12» : [الكامل] ركبوا السيول من الخيول وركّبوا ... فوق العوالي السّمر زرق نطاف «13» الجزء: 2 ¦ الصفحة: 347 وتجلّلوا الغدران من ماذيّهم ... مرتجّة إلّا على الأكتاف وكتب إليه ذو الوزارتين أبو عبد الله بن أبي الخصال «1» يستدعيه إلى مجلس أنس: [البسيط] إني أهزّك هزّ الصّارم الخذم ... وبيننا كلّ ما تدريه من ذمم ذا شاك «2» من قطع أنس أنت واصله ... بما لديك من الآداب والحكم وشتّ شمل كرام أنت ناظمه ... وردّ دعوة أهل المجد والكرم ولو دعيت إلى أمثالها لسعت ... إليك سعي مشوق هائم قدم وإن نشطت لتصريفي صرفت له ... وجهي وكنت من الأعوان والخدم وما أريد سوى عفو تجود به ... وفي حديثك ما يشفى من الألم أنت المقدّم في فخر وفي أدب ... فاطلع علينا طلوع السيّد العمم فأجابه رحمه الله: [البسيط] أتى من المجد أمر لا مردّ له ... نمشي على الرأس فيه لا على القدم لبّيك لبّيك أضعافا مضاعفة ... إني أجبت ولكنّ داعي الكرم لي همّة ولأهل العزّ مطمحها ... لا زلت في كلّ مجد مطمح الهمم وإنّ حقّك معروف وملتزم ... وكيف يوجد عندي غير ملتزم؟ زفن «3» ورقص وما أحببت من ملح ... عندي وأكثر ما تدريه من شيم حتى يكون كلام الحاضرين بها ... عند الصّباح وما بالعهد من قدم يا ليلة السّفح هلّا عدت ثانية ... سقى زمانك هطّال من الدّيم وقال في غرض النّسيب «4» : [السريع] يا ربّ يوم زارني «5» فيه من ... أطلع من غرّته «6» كوكبا ذو شفة لمياء معسولة ... ينشع من خدّيه ماء الصّبا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 348 قلت له هب «1» لي بها قبلة ... فقال لي مبتسما: مرحبا فذقت شيئا لم أذق مثله ... لله ما أحلى وما أعذبا أسعدني الله بإسعاده ... يا شقوتي «2» يا شقوتي لو أبى وقال: [المنسرح] جئت لتوديعه وقد ذرفت ... عيناي من حسرة وعيناه في موكب البين باكيين «3» ولا ... أصعب من موقف وقفناه معانقا جيده على حذر ... فمن رآني مقبّلا فاه نغّص توديعه لعاشقه ... ما كان من قبل قد تمنّاه وقال يعتذر ارتجالا وأحسن ما أراد «4» : [البسيط] يا أهل ذا المجلس السّامي سراوته «5» ... ما ملت لكنني مالت بي الرّاح وإن «6» أكن مطفئا «7» مصباح بيتكم ... فكلّ من فيكم «8» في البيت مصباح وقال يهنّئ بعرس: [الكامل] صرفت إليك وجوهها الأفراح ... وتكنّفتك سعادة ونجاح فاقض المآرب في زمان صالح ... لا سدّ عنك من الزّمان صلاح إن كان كالشمس المنيرة حسنها ... فالبدر أنت وما عليك جناح لا فرق بينكما لرأي فاستوى ... زيّ النساء قلادة ووشاح هل يوقد المصباح عندكما مهجا ... وكلاكما ببهائه مصباح؟ أحرزت يا عبد العزيز محاسنا ... كثرت فلم تستوفها الأمداح يا من له كفّ تجود وأضلع ... مطوي على حفظ الوداد سجاح «9» الجزء: 2 ¦ الصفحة: 349 ما ألقت الحاجات دوني قفلها ... إلّا ويمن يمينك المفتاح في كل ما تنحو إليه ملاحة ... وكذاك أفعال المليح ملاح ومن حكمه قوله «1» : [الوافر] كثير المال تبذله فيبقى ... ولا «2» يبقى مع البخل القليل ومن غرست يداه ثمار جود ... ففي ظلّ الثناء له مقيل وقال رحمه الله «3» : [الوافر] وعهدي بالشّباب وحسن قدّي ... حكى ألف ابن مقلة في الكتاب «4» فصرت اليوم منحنيا كأني ... أفتّش في التّراب على الشباب «5» وقال رحمه الله «6» : [الرمل] يمسك الفارس رمحا بيد «7» ... وأنا أمسك فيها قصبه وكلانا «8» بطل في حربه ... إن الاقلام رماح الكتبه قال ابن عبد الملك: أنشدت على شيخنا أبي الحسن الرّعيني، قال: أخبرنا الراوية أبو القاسم بن الطّيلسان، قال: سألته، يعني أبا القاسم أحمد بن أبي بكر هذا، أن ينشد شيئا من شعر أبيه المغرب، فأخرج لي قطعة بخط أبيه وأنشده. وقال: أنشدني أبي رحمه الله لنفسه: [المنسرح] أحسن ما نيط في الدّعاء «9» لمن ... رتّب في خطّة من الخطط خلّصك الله من عوائقها ... ودمت في عصمة من الغلط مقرّبا منك ما تسرّ به ... وكل مكروهة على شحط الكلّ بالعدل منك مغتبط ... وليس في الناس غير مغتبط وليس يخليك من أنا لكها ... من عمل بالنّجاة مرتبط الجزء: 2 ¦ الصفحة: 350 فانفذ بعون لله «1» مجتهدا ... بقلب صافي الضمير «2» مرتبط يا صاحب الأمر والذي يده ... نائلها للعفاة غير بطي «3» رفعتم يا بني رفاعة ما ... كان من المعلوات في هبط ومنبر الحق من سواه بكم ... فها هو الآن غير مختلط وانضبط الأمر واستقام لكم ... ولم يكن «4» قبل ذا بمنضبط أتيت في كل ما أتيت به ... فالغيث بعد الرجاء «5» والقنط جللت عمّن سواك منزلة ... فلست ممّن سواك في نمط أنت من المجد والعلا طرف ... وكلّهم في العلا من الوسط كتابته: وقفت من ذلك على أفانين. منها في استهلال شهر رمضان قوله: سلام على أنس المجتهدين، وراحة المتهجّدين، وقرّة أعين المهتدين، والذي زيّن الله به الدّنيا وأعزّ به الدين. شرّف الله به الإسلام، وجعل أيامه رقوما في عواتق الأيام، وشهوره غررا في جباه الأعلام، وحلّ به عن رقاب الأمة قلائد الآثام، ونزّه فيه الأسماع عن المكاره وصان الأفواه من رفث الكلام. أشهد أن الله أثنى عليك، وأدخل من شاء الجنّة على يديك، وخصّك من الفضائل بما يمشي فيه التّفسير حتى يكلّ، ويسأم ذلك اللسان ويملّ، وأبادت ذنوب الأمة بمثل ما أبادت الشمس الظّلّ، ذلك الذي يتهلل للسماء هلاله، ويهتزّ العرش لجلاله، وترتج الملائكة في حين إقباله، وتدخل الحور العين في زينتها تكريما، وتلتزم إجلاله وتعظيما، ويهتدي فيه الناس إلى دينهم صراطا مستقيما، وتغلّ الشياطين على ما خيّلت، وتذوق وبال ما كادت به وتخيّلت، ويشمّر التّقيّ لعبادة ربّه ذيلا، وتهبط الملائكة إلى سماء الدنيا ليلا، وينتظم المتّقون في ديوانه انتظام السّلك، ويكون خلوف فم الصائم عند الله أطيب من ريح المسك، وتفتح الجنّة أبوابا، ويغفر لمن صامه إيمانا واحتسابا، جزاء من ربك عطاء حسابا، وبما فضّلك الله على سائر الشهور، وقضى لك بالشّرف والفضل المشهور. فرضك في كتابه، ومدحك في خطابه، حيث قال: شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن، هدى للناس وبيّنات من الهدى والفرقان، يعني تكبير الناس الجزء: 2 ¦ الصفحة: 351 عليك، وتقليب أحداقهم بالنظر إليك، حين لثمت بالسحاب، ونظرت من تحت ذلك النّقاب، وقد يمتاز الشّيب وإن استتر بالخضاب، حتى إذا وقف الأئمّة منك على الصّحيح، وصرّحوا برؤيتك كلّ التصريح، نظرت كل جماعة في اجتماعها، وتأهّبت القرّاء لإشفاعها، واندفعت الأصوات باختلاف أنواعها، وتضرعت الألباب، وطلبت المواقف أواخر الأعشار والأحزاب، وابتدئت ألم ذلك الكتاب، عند ما أوقدت قناديل كأنما قد بدت من الصباح، ورقصت رقص النواهد عند هبوب الرياح، والله نور السماوات والأرض مثل نوره كمشكاة فيها مصباح، فأمّلك المسلمون في سرّ وجهر، وحطّت أثقال السيئات عن كل ظهر، والتمست الليلة التي هي خير من ألف شهر، فنشط الصالحون بك صوما، وهجر المتهجّدون في ليلك نوما، وأكملناك إن أذن الله ثلاثين يوما. فيا أيها الذي رحل، رحل بعد مقامه، وقام للسّفر من مقامه، ورأى من قضى حقّه ومن قصّر في صيامه، فمشى الناس إلى تشييعه، وبكوا لفراقه وتوديعه، وندم المضيّع على ما كان من تضييعه، ولم يثق بدوام العيش إلى وقت رجوعه، فعضّ على كفّه ندما، وبكت عينه ماء وكبده دما. رويدا حتى أمرح في ميدان فراقك، وأتضرّع إلى حنانك وإشفاقك، وأتشفى من تقبيلك وعناقك، وأسأل منك حاجة إن أراد الله قضاءها، وشاء نفوذها وإمضاءها، إذا أنت وقفت لربّ العالمين، فقبلك من قوم وردّك في وجوه آخرين. إن تثني جميلا، فعسى يصفح لعهده وإن أساء، فعلم الله أني نويت التوبة أولا وآخرا، وأملت الأداء باطنا وظاهرا، وكنت على ذلك لو هدى الله قادرا، وإنما علم، من تقصير الإنسان ما علم، وللمرء ما قضي عليه به وحكم، وإن النفس لأمّارة بالسّوء إلّا من رحم، فإن غفر فبطوله وإحسانه، وإن عاقب فيما قدّمت يد العبد من عصيانه، فيا وحشة لهذه الفرقة، ويا أسفا على بعد الشّقة، ويا شدّ ما خلّفته لنا بفراقك من الجهد والمشقة، ولطالما هجر الإنسان بك ذنبه، وراقب إعظاما لكربه، وشرحت إلى أعمال البرّ قلبه. ومع هذا أتراك ترجع وترى، أم تضمّ علينا دونك أطباق الثّرى؟ فيا ويلتا إن حلّ الأجل، ولم أقض دينك، ورجعت وقد حال الموت بيني وبينك، فأغرب، لا جعله الله آخر التوديع، وأيّ قلب يستطيع. وقال في استهلال شوال: ولكل مقام مقال. الله أكبر هذا هلال شوّال قد طلع، وكرّ في منازله وقطع، وغاب أحد عشر شهرا ثم رجع. ما لي أراه رقيق الاستهلال، خفيّ الهلال، وروحا تردّد في مثل انملال؟ ما باله أمسى الله رسمه، وصحّح جسمه، ورفع في شهور العام اسمه؟ على وجهه صفرة بيّنة، ونار إشراقه ليّنة، وأرى السحاب تعتمده وتقف، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 352 وتغشاه سويعة وتنصرف، ما أراه إلّا بطول ذلك المقام، وتوالي الأهوال العظام، أصابه مرض في فصل من فصول العام، فعادته كما يعاد المريض، وبكته الأيام الغرّ والليالي البيض، وقلن: كلأك الله وكفاك، وحاطك وشفاك، وقل: كيف نجدك لا فضّ فاك، هذا على الظّن لا على التحقيق، ومجاز لا يحكم التّصديق. وليبعد مثل هذا المقدار، أن يقدح فيه طول الغيب وتواتر الأسفار. أليس هو قد ألف مجالي الرّياح، وصحب برد الصّباح، وشاهد الأهوية مع الغدو والرّواح، وطواها بتجربته طيّ الوشاح؟ ما ذاك إلّا أنّه رأى الشمس في بعض الأيام ماشية، والحسن يأخذ منها وسطا وحاشية، ودلائل شبابها ظاهرة فاشية، فوقع منها في نفسه ما وقع، وثبت على قلبه من النّظر ما زرع، ووقع في شركها وحقّ له أن يقع. فرثت هي لحاله وأشفقت، ونهجت بوصالها وتأنّقت، وقطعت من معدن نيلها وأنفقت، ورأت أنها له شاكلة يبلغ أملها، وتبلغ مأمله، ولذلك ما مدّت لذيذ السّماح، فتعرّضت بالعشيّ وارتصدها في الصباح، مع ما أيقنّا به من الانقطاع، ويمسّنا من الاجتماع، كما نفد القدر، وصدر الخبر، وقال: تعلن لا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر، فوجد لذلك وجدا شديدا، وأذاقه مع الساعات شوقا جديدا، وأصبح بها دنفا، وأمسى عميدا، حتى سلب ذلك بهاه، وأذهب سناه، وردّه النحول كما شاه، ولقي منها مثل ما لقي غيلان من ميّته، وجميل من بثينته، وحنّ إليها حنين عروة إلى عفراء، وموعدهما يوم وهب ناقته الصّفراء. على رسلك أني وهمت، وحسبت ذلك حقّا وتوهّمت، والآن وقد فطنت، وأصبت الفصّ فيما ظننت، إنه لقي رمضان في إقباله، وضمّه نقصان هلاله، وصامه فجأة ولم يك في باله، فأثّر ذلك في وجهه الطّلق، وأضعفه كما فعل بسائر الخلق، وها هو قد أقبل من سفره البعيد، فقل هو هلال الفطر أو قل هو هلال العيد، فلقه صباح مشى الناس فيه مشي الحباب، ولبسوا أفضل الثياب، وبرزوا إلى مصلّاهم من كل باب، فارتفعت همّة الإسلام، وشرفت أمة محمد عليه السلام، وخطب بالناس ودعا للإمام، عندما طلعت الشمس بوجه كدور المرآة، ولون كصفا المهراة، وخرج لا ينسيها ريم الفلاة. وقضوا السّنّة، وبذلوا الجهد في ذلك والمنّة، وسألوا من الله أن يدخلهم الجنّة، ثم خطبوا حمدا لله وشكرا، وذكروه كذكرهم آباءهم أو أشدّ ذكرا، ثم انصرفوا راشدين، وافترقوا حامدين، وشبك الشيخ بيديه، ونظر الشّاب في كفّيه، ورجعوا على غير الطريق الذي أتوا عليه، فلقد استشفى من الرّؤية ذو عينين، وتذكّر العاشق موقف البين، وشقّ المتنزّه بين الصّفين، فنقل عينيه من الوشي إلى الدّيباج، ووجوه كضوء السّراج، وعيون أقتل من سيف الحجّاج، ونظرات لا يدفع داؤها بالعلاج، وقد زيّنت العيون بالتكحيل، والشعور بالتّرجيل، وكرّر السّواك على مواضع التّقبيل، وطوّقت الأعناق بالعقود، وضرب الفكر في صفحات الخدود، ومدّ بالغالية الجزء: 2 ¦ الصفحة: 353 على مواضع السجود، وأقبلت صنعاء بأوشيتها، وعنت بأرديتها، ودخلت العروس في حليتها، ورقمت الكفوف بالحنّاء، وأثني على الحسن وهو أحقّ بالثناء، وطلّقت التّوبة ثلاثا بعد البناء، وغصّ الذّراع بالسّوار، وتختّم في اليمين واليسار، وأمسكت الثياب بأيدي الأبكار، ومشت الإماء أمام الأحرار، وتقدمت الدّايات بالأطفال الصّغار، وامتلأت الدّنيا سرورا «1» ، وانقلب الكلّ إلى أهله مسرورا. وبينما كانت الحال كما نصصت، والحكاية كما قصصت، إذ تلألأت الدنيا برقا، وامتدّ مع الأفقين غربا وشرقا، وردّ لمعانه عيون الناظرين زرقا، ولولا أنه جرّب حتى يدرى، لقيل قد طلعت مع الشمس شمس أخرى، حتى أقبل من شرفت العرب بنسبه، وفخر الإسلام بسببه، من انتسب إلى زهرة وقصيّ، وازدانت به آل غالب وآل لؤي، من إذا ذكر المجد فهو ممسك بعده، أو الفضل فهو لابس برده، أو الفخر فهو واسطة عقده، أو الحسن فهو نسيج وحده، الذي رفع لواء العليا، وعارضت مكارمه صوب الحيا، وحكت محاسنه زهرة الحياة الدنيا. فأما وجهه فكما شرقت الشمس وأشرقت، وغربت كواكب سمائها وشرقت، وتفتّحت أطواق الليل عن غرر مجده وتشقّقت. ولولا حيا يغلب عليه، وخفر يصحبه إذا نظرت إليه، لاستحال النهار، وغارت لنوره كواكب الأسحار، ولكاد سنا برقه يذهب بالأبصار، لا يحفل بالصبح إذا انفلق، ولا بالفجر إذا عمّ آفاق الدّجا وطبّق، ولو بدا للمسافر في ليله لطرق، وقد عجم الأبنوس على العاج، وأدار جفنا كما عطف على أطفالها النّعاج، يضرب بها ضرب السيف، ويلمّ بالفؤاد إلمام الطّيف، ويتلقّاها السّحر تلقّي الكريم للضيف. لو جرّدها على الرّيم لوقف، أو على فرعون ما صرف من سحره ما صرف، أو على بسطام ابن قيس لألقى سلاحه وانصرف. وأما أدواته فكما انشقّت الأرض عن نباتها، وأخذت زخرفها في إنباتها، ونفح عرف النّسيم في جنباتها، يتفنّن أفانين الزهر، ويتقلب تقلّب الدهر، وتطلع له نوادر كالنجوم الزهر، لو أبصره مطرّف ما شهر بخطّه، ولا جرّ من العجب ذيل مرطه، ولا كان المخبر معه من شرطه. وأما أنه لو قرىء على سحبان كتابه، وانحدر على نهره عبابه، وملأت مسامعه أطنابه وأسبابه، ما قام في بيانه ولا قعد، ولنزل عن مقامه الذي إليه صعد، ولا خلّف من بلاغته ما وعد. لعمرك ما كان بشر بن المعتمر يتفنّن للبلاغة فنونا، ولا يتقبّلها بطونا ومتونا، ولا أبو العتاهية ليشرطها كلاما موزونا، ولا نمّق الحسن بن سهل الألفاظ، ولا رفع قسّ بن ساعدة صوته بعكاظ، ولا أغاظ زيد بن علي هشاما بما أغاظ، وأما مكارمه الجزء: 2 ¦ الصفحة: 354 فكما انسكب الغيث عن ظلاله، وخرج الودق من غلاله، فتدارك النّعمة عن فوتها، وأحيا الأرض بعد موتها، ذلك الشريف الأجلّ، الوزير الأفضل، أبو طالب ابن القرشي الزّهري، أدام الله اعتزازه، كما رقم في حلل الفخر طرازه، فاجتمعت به السيادة بعد افتراقها، وأشرق وجه الأرض لإشراقها، والتفّت الثياب بالثياب، وضمّ الرّكاب بالرّكاب، ولا عهد كأيام الشباب، فوصل القريب البعيد، وهنّوه كما جرت العادة بالعيد، فوقف مع ركابه وسلّمت، وجرت كلاما وبه تكلّمت، فقلت: تقبّل الله سعيك، وزكّى عملك، وبلّغك فيما تودّه أملك، ولا تأمّلت وجها من السّرور إلّا تأمّلك، ونفعك بما أوليت، وأجزل حظّك على ما صمت وصلّيت، ووافقتك لعلّ وساعدتك ليت، وهنّاك عيد الفطر وهنّأته، وبدأك بالمسرات وبدأته، وتبرّأ لك الدهر مما تحسد وبرّأته. وهكذا بحول الله أعياد واعتياد، وعمر في دوام وعزّ في ازدياد، والسّنّة تفصح بفضلك إفصاح الخطباء من إياد، وأقرأ عليك سلام الله ما أشرق الضّحى، ودام الفطر والأضحى. دخوله غرناطة: دخل غرناطة، وتردّد إليها غير ما مرة، وأقام بها، وامتدح ابن أضحى «1» وابن هاني، وابن سعيد وغيرهم من أهلها. قال ابن سعيد في «طالعه» : وقد وصف وصول ابن قزمان إلى غرناطة، واجتماعه بجنّته بقرية الزاوية من خارجها، بنزهون القليعية الأديبة، وما جرى بينهما، وأنها قالت له بعقب ارتجال بديع، وكان لبس غفارة صفراء: أحسنت يا بقرة بني إسرائيل، إلّا أنّك لا تسرّ النّاظرين، فقال لها: إن لم أسرّ الناظرين، فأنا أسرّ السامعين، وإنما يطلب سرور الناظرين منك، يا فاعلة يا صانعة. وتمكّن السّكر من ابن قزمان، وآل الأمر إلى أن تدافعوا معه حتى رموه في البركة، فما خرج منها إلّا وثيابه تقطر، وقد شرب كثيرا من الماء، فقال: اسمع يا وزير ثم أنشد «2» : [السريع] إيه أبا بكر ولا حول لي ... بدفع أعيان وأنذال وذات فرج «3» واسع دافق ... بالماء يحكي حال أذيالي «4» غرّقتني في الماء يا سيدي ... كفّره بالتغريق في المال الجزء: 2 ¦ الصفحة: 355 فأمر بتجريده، وخلع عليه ما يليق به، ولم يمرّ لهم بعد عهدهم بمثله. ولم ينتقل ابن قزمان من غرناطة، إلّا بعد ما أجزل له من الإحسان، ومدحه بما هو في ديوان أزجاله. محنته: جرت عليه بابن حمدين «1» محنة كبيرة عظم لها نكاله، بسبب شكاسة أخلاق كان موصوفا بها، وحدّة شقي بسببها. وقد ألمّ الفتح في قلائده بذلك، واختلّت حاله بآخرة، واحتاج بعد انفصال أمر مخدومه الذي نوّه به. وفاته: توفي بقرطبة لليلة بقيت من رمضان سنة خمس وخمسين وخمسمائة، والأمير ابن سعد يحاصر قرطبة رحمه الله. محمد بن غالب الرّصافي «2» يكنى أبا عبد الله، بلنسي الأصل، سكن غرناطة مدة، ثم مالقة. حاله: قال الأستاذ «3» : كان فحلا من فحول الشعراء، ورئيسا في الأدباء، عفيفا، ساكنا، وقورا، ذا سمت وعقل. وقال القاضي «4» : كان شاعرا مجيدا، رقيق الغزل، سلس الطبع، بارع التّشبيهات، بديع الاستعارات، نبيل المقاصد والأغراض، كاتبا بليغا، ديّنا، وقورا، عفيفا، متفقها، عالي الهمة، حسن الخلق والخلق والسّمت، تام العقل، مقبلا على ما يعنيه من التّعيش بصناعة الرّفي التي كان يعالجها بيده، لم يبتذل نفسه في خدمة، ولا تعرض لانتجاع بقافية، خلا وقت سكناه بغرناطة، فإنه امتدح واليها حينئذ، ثم نزع عن ذلك، راضيا بالخمول حالا، والقناعة مالا، على شدّه الرغبة فيه، واغتنام ما يصدر عنه. أخبار عقله وسكونه: قال الفقيه أبو الحسن شاكر بن الفخّار المالقي، وكان خبيرا بأحواله: ما رأيت عمري رجلا أحسن سمتا، وأطول صمتا، من أبي عبد الله الرصافي. وقال غيره من أصحابه: كان رفّاء، فما سمع له أحد من جيرانه كلمة في أحد. وقال أبو عمرو بن سالم: كان صاحبا لأبي، ولقيته غير ما مرة، وكان له الجزء: 2 ¦ الصفحة: 356 موضع يخرج إليه في فصل العصير، فكنت أجتاز عليه مع أبي فألثم يده، فربما قبّل رأسي، ودعا لي، وكان أبي يسأله الدعاء فيخجل، ويقول: أنا والله أصغر من ذلك. قال: وكان بإزائه أبو جعفر البلنسي، وكان متوقّد الخاطر، فربما تكلم مع أحد التجار، فكان منه هفوة، فيقول له جلساؤه: شتّان والله بينك وبين أبي عبيد الله في العقل والصمت، فربما طالبه بأشياء ليجاوبه عليها، فما يزيد على التبسم. فلما كان أحد الأيام، جاء البلنسي ليفتح دكانه، فتعمّد إلقاء الغلق من يده، فوقع على رأس أبي عبد الله، وهو مقبل على شغله، فسال دمه، فما زاد على أن قام ومسح الدم، ثم ربط رأسه، وعاد إلى شغله. فلمّا رأى ذلك منه أبو جعفر ترامى عليه، وجعل يقبّل يديه، ويقول: والله ما سمعت برجل أصبر منك، ولا أعقل. شعره: وشعره لا نهاية فوقه رونقا ومائية، وحلاوة وطلاوة، ورقّة ديباجة، وتمكّن ألفاظ، وتأصّل معنى. وكان، رحمه الله، قد خرج صغيرا من وطنه، فكان أبدا يكثر الحنين إليه، ويقصر أكثر منظومه عليه. ومحاسنه كثيرة فيه، فمن ذلك قوله «1» : [الطويل] خليليّ، ما للبيد قد عبقت نشرا؟ ... وما لرؤوس الرّكب قد رنّحت «2» سكرا؟ هل المسك مفتوقا «3» بمدرجة الصّبا ... أم القوم أجروا من بلنسية ذكرا؟ خليليّ، عوجا بي قليلا «4» فإنه ... حديث كبرد الماء في الكبد الحرّى قفا غير مأمورين ولتتصدّيا «5» ... على ثقة للمزن «6» فاستسقيا القطرا بجسر معان والرّصافة أنه ... على القطر أن يسقي الرّصافة والجسرا «7» بلادي التي ريشت قويدمتي «8» بها ... فريخا وأورثتني قرارتها وكرا مبادئ «9» أنيق «10» العيش في ريّق الصّبا ... أبى الله أن أنسى اغتراري بها غرّا «11» الجزء: 2 ¦ الصفحة: 357 لبسنا بها ثوب الشباب لباسها ... ولكن عرينا من حلاه، ولم تعرا «1» أمنزلنا عصر الشبيبة ما الذي ... طوى دوننا تلك الشبيبة والعصرا؟ محلّ أغرّ العهد لم نبد ذكره ... على كبد إلا امترى أدمعا حمرا أكلّ مكان كان «2» في الأرض مسقطا ... لرأس الفتى يهواه ما عاش مضطرّا «3» ولا مثل مدحوّ من المسك تربة ... تملّي الصّبا فيه حقيبتها «4» عطرا نبات كأنّ الخدّ يحمل نوره ... تخال لجينا في أعاليه أو تبرا وماء «5» كترصيع المجرّة جلّلت ... نواحيه «6» الأزهار واشتبكت «7» زهرا أنيق كريّان «8» الحياة التي خلت «9» ... طليق كريعان «10» الشّباب الذي مرّا وقالوا: هل الفردوس ما قد وصفته؟ ... فقلت: وما الفردوس في الجنّة الأخرى «11» بلنسية تلك الزّمرّدة «12» التي ... تسيل عليها كلّ لؤلؤة نهرا كأنّ عروسا أبدع الله حسنها ... فصيّر من شرخ الشّباب لها عمرا توبّد «13» فيها شعشعانيّة الضّحى «14» ... مضاحكة الشمس البحيرة والبحرا «15» تزاحم «16» أنفاس الرياح بزهرها ... نجوما فلا شيطان يقربها «17» ذعرا وإن كان قد مدّت يد البين بيننا ... من الأرض ما يهوى المجدّ به شهرا «18» الجزء: 2 ¦ الصفحة: 358 هي الدّرّة البيضاء من حيث جئتها «1» ... أضاءت ومن للدّرّ أن يشبه البدرا؟ «2» خليليّ، أن أصدر لها فإنها «3» ... هي الوطن المحبوب أوكله «4» الصّدرا «5» ولم أطو عنها الخطو هجرا لها إذا ... فلا لثمت نعلي مساكنها الخضرا ولكنّ إجلالا لتربتها التي ... تضمّ فتاها النّدب أو كهلها الحرّى أكارم، عاث الدهر ما شاء فيهم ... فبادت لياليهم فهل أشتكي الدهرا؟ هجوع ببطن وارض قد ضرب الرّدى ... عليهم قبيبات فويق الثّرى غبرا تقضّوا فمن نجم سالك ساقط «6» ... أبى الله أن يرعى السّماك أو النّشرا ومن سابق هذا إذا شاء «7» غاية ... وغير محمود جياد العلا خضرا «8» أناس إذا لاقيت من شئت منهم ... تلقّوك لا غثّ الحديث ولا غمرا وقد درجت أعمارهم فتطلّعوا ... هلال ثلاث لو شفا رقّ أو بدرا ثلاثة أمجاد من النّفر الألى ... زكوا خبرا بين الورى وزكوا خبرا أثكّلتهم «9» ثكلا دهى العين والحشا ... فعجّر ذا أمّا وسجّر ذا جمرا؟ كفى حزنا أني تباعدت عنهم ... فلم ألق من سرّي منها ولا سرّا وإلّا «10» متى أسلو «11» بهم كلّ راكب ... ليظهر لي خيرا تأبّط لي شرّا أباحثه عن صالحات عهدتها ... هناك فيسبيني «12» بما يقصم الظّهرا محيّا خليل غاض ماء حياته ... وساكن قصر ضرّ «13» مسكنه القبرا وأزهر كالإصباح قد كنت أجتلي ... سناء كما يستقبل الأرق الفجرا فتى لم يكن خلو الصّفات من النّدى ... ولم يتناس الجود أصرم أم أثرا يصرّف ما بين اليراعة والقنا ... أنامله لا بل هواطله الغرّا طويل نجاد السيف لان كأنما ... تخطّى به في البرد خطّيّة سمرا سقته على ما فيك من أريحية ... خلائق هنّ الخمر أو تشبه الخمرا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 359 ونشر محيّا للمكارم لو سرت ... حميّاه في وجه الأصيل لما اصفرّا هل السّعد إلّا حيث حطّ صعيده ... لمن بلّ في شفري ضريح له شفرا؟ طوين الليالي طيّهنّ وإنما ... أطوين «1» عنّي التّجلّد والصّبرا فلا حرمت سقياه أدمع مزنة ... ترى مبسم النّوار عنبر معترّا وما دعوتي للمزن عذرا لدعوتي ... إذا ما جعلت البعد عن قربه عذرا وقال يرثي أبا محمد بن أبي العباس بمالقة «2» : [الكامل] أبني البلاغة، فيم حفل النادي؟ ... هبها عكاظ، فأين قسّ إياد؟ أما البيان، فقد أجرّ لسانه ... فيكم بفتكته الحمام العادي عرشت سماء «3» علاكم «4» ما أنتم ... من بعد ذلكم الشّهاب الهادي حطّوا على عمد الطريق فقد خبا «5» ... لألاء «6» ذاك الكوكب الوقّاد ما فلّ لهذمه «7» الصّقيل وإنما ... نثرت كعوب قناكم المنآد إيه عميد الحيّ غير مدافع ... إيه فدى لك غابر الأمجاد ما عذر سلك كنت عقد نظامه ... إن لم يصر بردا إلى الآباد؟ حسب «8» الزمان عليك ثكلا أن يرى ... من طول ليل في قميص حداد يومي بأنجمه لما قلّدته ... من درّ ألفاظ وبيض أياد كثف الحجاب فما ترى متفضلا ... في ساعة تصغي به وتنادي «9» ألمم بربعك غير مأمور فقد ... غصّ الفناء «10» بأرجل القصّاد خبرا يبلّغه إليك ودونه ... أمن العداة وراحة الحسّاد قد طأطأ الجبل المنيف قذاله ... للجار بعدك واقشعرّ الوادي «11» أعد التفاتك نحونا وأظنّه ... مثل الحديث لديك غير معاد الجزء: 2 ¦ الصفحة: 360 وامسح لنا عن مقلتيك من الكرى ... نوما تكابد من بكا وسهاد هذا الصباح ولا تهبّ إلى متى ... طال الرّقاد ولات حين رقاد وكأنما قال الرّدى نم وادعا ... سبقت إلى البشرى بحسن معاد أموسّدا تلك الرخام بمرقد ... أخشن به من مرقد ووساد خصبت بقدرك حفرة فكأنها ... من جوفها في مثل حرف الصّاد وثّر لجنبك من أثاث مخيّم ... ترب النّدى «1» وصفائح أنضاد يا ظاعنا ركب السّرى في ليلة ... طار الدليل بها وحاد الحادي أعزز علينا إن حططت بمنزل ... تبلى «2» عن الزّوار والعوّاد جار الأفراد هنالك جيرة «3» ... سقيا لتلك الجيرة الأفراد! الساكنين إلى المعاد، قبابهم ... منشورة الأطناب والأغماد من كل ملقية الجراب بمضرب ... ناب البلى فيه عن الأوتاد بمعرّس السّفر الألى ركبوا السّرى ... مجهولة الغايات والآماد سيّان فيهم ليلة ونهارها ... ما أشبه التّأويب بالإسناد لحق البطون من اللّعب على الطّوى «4» ... وعلى الرّواحل عنفوان الزاد لله هم فلشدّ ما نفضوا من ام ... تعة الحياة «5» حقائب الأجساد يا ليت شعري والمنى لك جنّة ... والحال مؤذنة بطول بعاد هل للعلا بك بعدها من نهضة ... أم لانقضاء نواك من ميعاد؟ بأبي وقد ساروا بنعشك صارم ... كثرت حمائله على الأكتاد «6» ذلّت عواتق حامليك فإنّهم ... شاموك في غمد بغير نجاد نعم الذّماء «7» البرّ ما قد غوّروا ... جثمانه بالأبرق المنقاد علياء «8» خصّ بها الضريح وإنما ... نعم الغوير بأبؤس الأنجاد الجزء: 2 ¦ الصفحة: 361 أبني العباس، أيّ حلاحل ... سلبتكم الدّنيا وأيّ مصاد هل كان إلّا العين وافق سهمها ... قدرا فأقصد أيّما إقصاد؟ أخلل بمجد لا يسدّ مكانه ... بالإخوة النّجباء والأولاد ولكم يرى بك من هضاب لم يكن ... لولاك غير دكادك ووهاد ما زلت تنعشها بسيبك قابضا ... منها على الأضباع والأعضاد حتى أراك أبا محمد الرّدى ... كيف انهداد بواذخ الأطواد يا حرّها من جمرة مشبوبة ... يلقى لها الأيدي على الأكتاد كيف العزاء وإنها لرزيّة ... خرج الأسى فيها عن المعتاد صدع النّعاة بها فقلت لمدمعي ... كيف انسكابك يا أبا الجوّاد؟ لك من دمي ما شئت غير منهنه ... صب كيف شئت معصفر الأبراد بقصير مجتهد وحسبك غاية ... لو قد بلغت بها كبير مراد أمّا الدموع فهنّ «1» أضعف ناصر ... لكنّهنّ كثيرة التّعداد «2» ثم السّلام ولا أغبّ قراره ... وأرتك صوب روائح وغواد تسقيك ما سفحت عليك يراعة ... في خدّ قرطاس دموع مداد ومن غراميّاته وإخوانيّاته قوله من قصيدة «3» : [البسيط] عاد الحديث إلى ما جرّ أطيبه ... والشيء يبعث ذكر الشيء عن سبب إيه عن الكدية البيضاء إنّ لها ... هوى بقلب «4» أخيك الواله الوصب راوح بها «5» السّهل من أكنافها وأرح ... ركابنا ليلنا «6» هذا من التّعب وانضح نواحيها «7» من مقلتيك وسل ... عن «8» الكثيب الكريم العهد في الكتب «9» وقل لسرحته يا سرحة كرمت ... على أبي عامر: عزّي عن السّحب يا عذبة الماء والظلّ أنعمي طفلا ... حيّيت ممسية ميّادة القضب «10» ماذا على ظلّك الألمى وقد قلصت ... أفياؤه لو ضفا شيئا لمغترب الجزء: 2 ¦ الصفحة: 362 أهكذا تنقضي نفسي لديك ظما ... الله في رمق من جارك الجنب «1» لولاك يا سرح لم يبق «2» الفلا عطلا ... من السّرى، والدّجى خفاقة الطّنب ولم نبت نتقاضى من مدامعنا ... دينا لتربك من رقراقها السّرب إنّا «3» إذا ما تصدّى من هوى طلل ... عجنا عليه فحيّيناه عن كثب مستعطفين سخيّات الشؤون له ... حتى تحاك «4» عليه نمرق «5» العشب سلي خميلتك الرّيّا بأيّة «6» ما ... كانت ترفّ بها ريحانة الأدب عن فتية نزلوا عليا «7» سرارتها ... عفت محاسنهم إلّا من الكتب محافظين على العليا وربّتما ... هزّوا السجايا قليلا بابنة العنب حتى إذا ما قضوا من كأسها وطرا ... وضاحكوها إلى حدّ «8» من الطّرب راحوا رواحا وقد زيدت عمائمهم ... حلما ودارت على أبهى من الشّهب «9» لا يظهر السّكر «10» حالا من «11» ذوائبهم ... إلّا التفاف «12» الصّبا في ألسن العذب المنزلين القوافي من معاقلها ... والخاضدين لديها شوكة العرب ومن مقطوعاته قوله «13» : [الطويل] دعاك خليل والأصيل كأنه ... عليل يقضّي مدة الزمن الباقي «14» إلى شطّ منساب كأنّك ماؤه ... صفاء ضمير أو عذوبة أخلاق «15» ومهوى جناح للصّبا يمسح الرّبى ... خفيّ الخوافي والقوادم خفّاق وفتيان صدق كالنجوم تألّفوا ... على النّأي من شتّى بروج وآفاق الجزء: 2 ¦ الصفحة: 363 على حين راح البرق في الجو مغمدا ... ظباه ودمع المزن في جفنه راق وجالت بعيني في الرياض التفاتة ... حبست بها كأسي قليلا عن السّاقي «1» على سطر خيريّ ذكرتك فانثنى ... يميل بأعناق ويرنو بأحداق وقف وقفة المحبوب منه فإنها ... شمائل مشغوف بمرآك مشتاق وصل زهرات منه صفر كأنها ... وقد خضلت قطرا محاجر عشّاق وقال، وكلفها في حائك، وهو بديع «2» : [البسيط] قالوا وقد أكثروا في حبّه عذلي «3» ... لو لم تهم بمذال «4» القدر مبتذل فقلت لو أنّ أمري في الصّبابة لي ... لاخترت ذاك ولكن ليس ذلك لي في كلّ قلب عزيزات مذلّلة ... للحسن والحسن ملك حيث جلّ ولي علّقته حببيّ «5» الثّغر عاطره ... درّيّ لون المحيّا أحور المقل «6» إذا تأمّلته أعطاك ملتفتا ... ما شئت من لحظات الشّادن الوجل «7» هيهات أبغي به من غيره بدلا ... أخرى الليالي وهل في الغير من بدل؟ غزيّل لم تزل في الغزل جائلة ... بنانه جولان الفكر في الغزل جذلان تلعب بالمحواك «8» أنمله ... على السّدى لعب الأيام بالأمل «9» ما إن يني تعب الأطراف مشتغلا ... أفديه من تعب الأطراف مشتغل ضربا «10» بكفّيه أو فحصا بأخمصه ... تخبّط الظّبي في أشراك محتبل وقال «11» : [الكامل] ومهفهف كالغصن إلّا أنّه ... سلب التّثنّي النوم عن أثنائه الجزء: 2 ¦ الصفحة: 364 أضحى ينام وقد تخدّد «1» خدّه ... عرقا فقلت الورد رشّ بمائه وقال «2» : [الوافر] أدرها فالغمامة قد أجالت ... سيوف البرق في لمم البطاح وراق الروض طاووسا بهيّا ... تهبّ عليه أنفاس الرياح تقول وقد ثنى قزح عليه ... ثياب الغيم معلمة النواح خذوا للصّحو أهبتكم فإني ... أعرت المزن قادمتي جناح وقال «3» : [الطويل] أدرها على أمر فما ثم من باس ... وإن جدّدت آذانها ورق الآس وما هي إلّا ضاحكات غمائم ... لواعب من ومض البروق بمقياس ووفد رياح زعزع النّهر مدّه ... كما وطئت درعا سنابك أفراس وقال في وصف مغنّ محسن «4» : [الكامل] ومطارح ممّا تجسّ «5» بنانه ... صوتا «6» أفاض عليه ماء وقاره يثني الحمام فلا يروح لوكره ... طربا ورزق بنيه في منقاره وقال يصف جدول ماء عليه سرحة، ولها حكاية معروفة «7» : [الكامل] ومهدّل الشّطّين تحسب أنه ... متسيّل من درّة لصفائه فاءت عليه مع العشيّة «8» سرحة ... صدئت لفيئتها صفيحة مائه فتراه أزرق في غلالة سمرة ... كالدّراع استلقى بظلّ لوائه نثره: قال من مقامة يصف القلم «9» : [المتقارب] قصير الأنابيب «10» لكنه ... يطول مضاء «11» طوال الرّماح الجزء: 2 ¦ الصفحة: 365 إذا عبّ للنفس في دامس ... ودبّ من الطّرس فوق الصّفاح تجلّت به مشكلات الأمور ... ولان له الصّعب بعد الجماح فلولا هو «1» لغدت أغصان الاكتساب ذاوية، وبيوت الأموال خاوية، وأسرعت إليها البوسى، وأصبحت كفؤاد أمّ موسى، فهو لا محالة تجرها الأربح، وميزانها الأرجح. به تدرّ ألبانها، وتثمر أفنانها، وتستمرّ أفضالها وإحسانها، وهو رأس مالها، وقطب عمّالها وأعمالها. وصاحب القلم قد حوى المملكة بأسرها، وتحكّم في طيّها ونشرها، وهو قطب مدارها، وجهينة أخبارها، وسرّ اختيارها واختبارها، ومظهر مجدها وفخارها، يعقد الرّايات لكل وال، ويمنحهم من المبرّة كلّ صافية المقيل ضافية السّربال، يطفي جمرة الحرب العوان، ويكايد العدوّ بلا صارم ولا سنان، يقدّ المفاصل، ويتخلل الأباطح والمعاقل، ويقمع الحواسد والعوذال. وفاته: توفي بمالقة يوم الثلاثاء لإحدى عشرة بقيت من رمضان سنة اثنتين «2» وسبعين وخمسمائة. وقبره مشهور بها. محمد بن قاسم بن أبي بكر القرشي المالقي من أهل مالقة، وسكن غرناطة وتردد إليها. حاله: كان لبيبا لوذعيّا، جامعا لخصال؛ من خطّ بارع، وكتابة، ونظم، وشطرنج، إلى نادر حار، وخاطر ذكي، وجرأة. توجّه إلى العدوة، وارتسم بها طبيبا؛ وتولّى النظر على المارستان بفاس في ربيع الثاني من عام أربعة وخمسين وسبعمائة. شعره: أنشدني بمدينة فاس عام ستة وخمسين، في وجهتي رسولا إلى المغرب، قوله في رجل يقطع في الكاغد: [المجتث] أبا عليّ حسينا ... أين الوفا منك أينا؟ قد بيّن الدمع وجدي ... وأنت تزداد بينا بلّت لحاظك قلبي ... تالله ما قلت مينا قطّ المقصّ لهذا ... سبب الصّبّ مينا بقيت تفتر حسنا ... ودمت تزداد زينا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 366 وقال أيضا: [البسيط] فضل التجارات باد في الصناعات ... لولا الذي هو فيها هاجر عات حاز الجمال فأعياني وأعجزني ... وإن دعيت بوصّاف ونعّات وكان شديد المغالطة، ذاهبا أقصى مذاهب القحة، يحرّك من لا يتحرك، ويغضب من لا يغضب. عتب يوما جدّته على طعام طبخته له، ولم يستطبه، وكان بين يديه القط يصدعه بصياج طلبه، فقال له: ضجرا، خمسمائة سوط، فقالت له جدّته: لم تعط هذه السياط للقط، إنما عنيتني بها، وأعطيتها باسم القط، فقال لها: حاش لله يا مولاتي، وبهذا البخل تدريني أو الزحام عليها، بل ذلك للقط حلالا طيبا، ولك أنت ألف من طيبة قلب، فأرسلها مثلا، وما زلنا نتفكّه بذلك، وكان في هذا الباب لا يشقّ غباره. مولده: بمالقة عام ثلاثة وسبعمائة. وفاته: بعث إليّ الفقيه أبو عبد الله الشّديد، يعرفني أنه توفي في أواسط عام سبعة وخمسين وسبعمائة. محمد بن سليمان بن القصيرة «1» أبو بكر، كاتب الدولة اللّمتونية، وعلم وقته. حاله: قال ابن الصيرفي: الوزير الكاتب، الناظم، الناثر، القائم بعمود الكتابة، والحامل لواء «2» البلاغة، والسابق الذي لا يشقّ غباره، ولا تخمد أبدا أنواره. اجتمع له براعة النثر، وجزالة النظم، رقيق النّسيج، حصيف المتن، رقعته ما شئت في العين واليد. قال ابن عبد الملك «3» : وكان كاتبا مجيدا، بارع الخطّ، كتب عن يوسف بن تاشفين «4» . مشيخته: روى عن أبي الحجاج الأعلم، وأبي الحسن بن «5» شريح، وروى عنه أبو الوليد هشام بن يوسف بن الملجوم، لقيه بمرّاكش «6» . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 367 شعره: وهو عندي في نمط دون ما وصف به. فمن ذلك قوله من قصيدة أنحى فيها على ابن ذي النّون، ومدح ابن عباد، عند خلع ابن جهور، أبي الوليد، وتصيير قرطبة إليه: [الطويل] فسل عنه أحشاء ابن ذي النون هل سرى ... إليها سكون منذ زلزلها الذّعر؟ وهل قدّرت مذ أوحشته طلائع ال ... ظهور عليه أنّى «1» تؤنسه الخمر؟ ألم يجن يحيى من تعاطيك ظلّه ... سجا لك هيهات السّهى منك يا بدر لجاراك واستوفيت أبعد غاية ... وآخره عن شأوك الكفّ والعثر فأحرزت فضل السّبق عفوا وكفّه ... على رغمه مما توهّمه صفر ويا شدّ ما أغرته قرطبة وقد ... أبشرتها خيلنا فكان لك الدّرّ ومنها: أتتك وقد أزرى ببهجة حسنها ... ولا أنها «2» من جور مالكها طمر فألبستها من سابغ العدل حلّة ... زهاها بها تيه وغازلها كبر وجاءتك متفالا فضمّخ حيّها ... وإزدانها «3» من ذكرك المعتلي عطر وأجريت ماء الجود في عرصاتها ... فروّض حتى كاد أن يورق الصّخر وطاب هواء «4» أفقها فكأنها ... تهبّ نسيما فيه أخلاقك الزّهر وما أدركتهم في هواك هوادة ... وما ائتمروا إلّا لما أمر البرّ وما قلّدوك الأمر «5» إلّا لواجب ... وما «6» جئته فيه المجرّب والغمر وبوّأهم في ذروة المجد معقلا ... حرام على الأيام إلمامه حجر وأوردهم من فضل سيبك موردا ... على كثرة الوارد مشرعه غمر فلولاك لم تفصل عرى الإصر عنهم ... ولا انفكّ من ربق الأذى لهم أسر أعدت نهار ليلهم ولطالما ... أراهم نجوم الليل في أفقه الظهر ولا زلت تؤويهم إلى ظلّ دوحة ... من العزّ في أرحابها النّعم الخضر الجزء: 2 ¦ الصفحة: 368 كتابته: وهي من قلّة التصنّع والإخشوشان، بحيث لا يخفى غرضها، ولكل زمان رجاله. وهي مع ذلك تزينها السذاجة، وتشفع لها الغضاضة. كتب عن الأمير يوسف بن تاشفين ولاية عهده لولده: «هذا كتاب تولية عظيم جسيم، وتوصية حميم كريم، مهدت على الرّضا قواعده، وأكّدت بيد التقوى مواعده ومعاقده، وسدّدت إلى الحسنى مقاصده، وأبعدت عن الهوادة والهوى مصادره وموارده. أنفذه أمير المسلمين، وناصر الدين، أبو يعقوب يوسف بن تاشفين، أدام الله أمره، وأعزّ نصره، وأطال فيما يرضيه منه، ويرضى به عنه عمره، غير محاب، ولا تارك في النصيحة لله ولرسوله والمسلمين موضع ارتياب لمرتاب، للأمير الأجل أبي الحسن عليّ ابنه، المتقبّل هممه وشيمه، المتأثّل حلمه وتحلّمه، الناشىء في حجر تقويمه وتأديبه، المتصرّف بين يدي تخريجه وتدريبه، أدام الله عزّه وتوفيقه، ونهج إلى كل صالح من الأعمال طريقه، وقد تهمّم بمن تحت عصاه من المسلمين، وهدى في انتقاء من يخلفه هدى المتّقين، ولم ير أن يتركهم بعد سدى غير مدينين، واعتام في النّصاب الرفيع واختار واستنصح أولي الرأي والدين، واستشار فلم يوقع بعد طول تأمل، وتراخي مدة، وتمثل اختياره، واختبار من فاوضه في ذلك من أولي التقوى والحنكة واستشارة الأعلية، ولا صار بدونهم الارتياد والاجتهاد إلّا إليه، ولا التقى روّاد الرأي والتشاور إلّا لديه. فولّاه عن استحكام بصيرة، وبعد طول مشورة، عهده، وأفضى إليه الأمر والنهي، والقبض والبسط عنده بعده، وجعله خليفته السّاد في رعاياه مسّده، وأوطأ عقبه جماهير الرجال، وناط به مهمات الأمور والأعمال، وعهد إليه أن يتّقي الله ما استطاع، ولا يعدل عن سمت العدل وحكم الكتاب والسّنّة في أحد عصا أو أطاع، ولا ينام عن حماه الحيف والخوف بالاضطجاع، ولا يتليّن دون معلن شكوى، ولا يتصام عن مستصرخ لذي بلوى، وأن ينظم أقصى البلاد وأدناها في سلك تدبيره، ولا يكون بين القريب والبعيد بون في إحصائه وتقديره. ثم دعا، أدام الله تأييده، لمبايعته، أدام الله عزّه ونصره، من حضر ودنا من المسلمين، فلبّوا مسرعين، وأتوا مهطعين، وأعطوا صفقة إيمانهم متبرّعين متطوعين، وبايعوه على السمع والطاعة، والتزام سنن الجماعة، وبذل النصيحة جهد الاستطاعة، ومناصفة من ناصفه، ومحاربة من حاربه، ومكايدة من كايده، ومعاندة من عانده، لا يدّخرون في ذلك على حال المنشط مقدرة، ولا يحتجون في حالتي الرضا والسخط إلى معذرة. ثم أمر بمخاطبة سائر أهل البلاد لمبايعته، كل طائفة منهم في بلدها، وتعطيه كما أعطاه من حضر صفقة يدها، حتى ينتظم في التزام طاعته القريب والبعيد، ويجتمع على الاعتصام بحبل دعوته الغائب الجزء: 2 ¦ الصفحة: 369 والشهيد، وتطمئنّ من أعلام الناس وخيارهم نفوس قلقة، وتنام عيون لم تزل مخافة إقذائها مورقة، ويشمل الناس كافة السرور والاستبشار، وتتمكن لديهم الدّعة ويتمهّد القرار، وتنشأ لهم في الصلاح آمال، ويستقبلهم جدّ صالح وإقبال. والله يبارك لهم بيعة رضوان، وصفقة رجحان، ودعوة يمن وأمان، إنه على ما يشاء قدير، لا إله إلا هو، نعم المولى ونعم النصير. شهد على إشهاد أمير المسلمين بكل ما ذكر عنه فوق هذا من بيعته، ولقيه حملة عنه ممن التزم البيعة المنصوصة قبل، وأعطي صفقته طائعا متبرعا بها. وبالله التوفيق. وكتب بحضرة قرطبة في ذي الحجة سنة ست وتسعين وأربعمائة» . دخل غرناطة غير ما مرّة، وحده، وفي ركاب أميره. وفاته: توفي في جمادى الآخرة من عام ثمانية وخمسمائة. محمد بن يوسف بن عبد الله بن إبراهيم التميمي المازني من أهل سرقسطة، ودخل غرناطة، وروى عن أبي الحسن بن الباذش بها، يكنى أبا الطاهر. وله المقامات اللّزوميات المعروفة. حاله: كان كاتبا لغويا شاعرا، معتمدا في الأدب، فردا، متقدما في ذلك في وقته، وله المقامات المعروفة، وشعره كثير مدوّن. مشيخته: روى عن أبي علي الصّدفي، وأبي محمد بن السيد، وأبي الحسن بن الأخضر، وأبي عبد الله بن سليمان، المعروف بابن أخت غانم، وأبي محمد بن عتّاب، وأبي الحسن بن الباذش، وأبي محمد عبد الله بن محمد التّجيبي الدّكلي، وأبي القاسم بن صوابه، وأبي عمران بن أبي تليد، وغيرهم. أخذ عنه القاضي أبو العباس بن مضاء، أخذ عنه الكامل للمبرّد، قال: وعليه اعتمد في تقييده. وروى عنه المقرئ المسنّ الخطيب أبو جعفر بن يحيى الكتامي، وذكره هو وابن مضاء. وفاته: توفي بقرطبة ظهر يوم الثلاثاء، الحادي والعشرين من جمادى الأولى، سنة ثمان وثلاثين وخمسمائة، بزمانة «1» لازمته نحوا من ثلاثة أعوام، نفعه الله. شعره: [الوافر] أيا قمر، أتطلع من وشاح ... على غض فاخر من كل راح؟ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 370 أدار السّحر من عينيه خمرا ... معتّقة فأسكر كلّ صاح وأهدى إذ تهادى كلّ طيب ... كخوط البان في أيدي الرياح وأحيا حين حيّا نفس صبّ ... غدت في قبضة الحبّ المتاح وسوّغ منه عتبي بعد عتب ... وعلّلني براح فوق راح وأجناني الأماني في أمان ... وجنح الليل مسدول الجناح وقال أيضا: [الكامل] ومنعّم الأعطاف معسول اللّمى ... ما شئت من بدع المحاسن فيه لمّا ظفرت بليلة من وصله ... والصّبّ غير الوصل لا يشفيه أنضحت وردة خدّه بنفسي ... وظللت أشرب ماءها من فيه وقال أيضا: [الكامل] حكت السّلاف صفاته بحبابها ... من ثغره ومذاقها من رشفه وتورّدت فحكت شقائق خدّه ... وتأرّجت فيسيمها من عرفه وصفت فوق أديمها فكأنها ... من حسن رونق وجنتيه ولطفه لعبت بألباب الرجال وغادرت ... أجسامهم صرعى كفعلة طرفه «ومن الغرباء في هذا الحرف» محمد بن حسن العمراني الشريف «1» من أهل فاس. حاله: كان جهويا ساذجا، خشن البزة، غير مرهف التّجند، ينظم الشعر، ويذكر كثيرا من مسائل الفروع، ومعاناة الفرائض، يجعجع بها في مجالس الدّروس، فشقي به المدرسون، على وتيرة من صحة السّجية، وحسن العهد، وقلّة التصنّع. وجرى ذكره في الإكليل «2» : كريم الانتماء، مستظل «3» بأغصان الشجرة الشّمّاء، من رجل سليم الضمير، ذي باطن أصفى من الماء النّمير، له في الشعر طبع يشهد بعروبية أصوله، ومضاء نصوله. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 371 فمن ذلك قوله يخاطب السلطان أمير المسلمين، وقد أمر له بكسوة: [الطويل] منحت منحت النّصر والعزّ والرضا ... ولا زلت بالإحسان منها «1» مقرّضا ولا زلت للعليا جنى ومكارما «2» ... وللأمر، للملك «3» العزيز، مقيّضا ولا زالت الأملاك باسمك تتّقى ... وجيشك وفرا يملأ الأرض والفضا ولا زلت ميمون النّقيبة ظافرا ... مهيبا ووهّابا وسيفك منتضى تقرّ به الدّين الحنيف وأهله ... وتقمع جبّارا وتهلك مبغضا وصلت شريف البيت من آل هاشم ... وخوّلته أسنى مراد ومقتضى وجدت بإعطاء اللّجين وكسوة ... ستكسى بها «4» ثوبا من النور أبيضا وما زالت الأنصار تفعل هكذا ... فعال «5» عليّ في الزمان الذي مضى هم نصروا الهادي وآووا وجدّلوا ... بحدّ ذباب السيف من كان معرضا فخذ ذا أبا الحجاج من خير مادح ... لخير مليك في البريّة مرتضى فقد كان قبل اليوم غاض قريضه ... فلمّا رأى الإحسان منك تفيّضا ونظم الفتى يسمو على قدر ما يرى ... من الجود مهما ينقضي نيله انقضى ومن حكم القول اللهى متح اللهى ... ومن مدح الأملاك يرجو التّعرّضا فلا زال يهديك الشريف قصائدا ... ينال بها منك المودة والرضى وقال يخاطب من أخلفته بوارق الأمل فيه، وخابت لديه وسائل قوافيه: [البسيط] الشّعر أسنى كلام خصّ بالعرب ... والجود في كل صنف خير مكتسب وأفضل الشعر أبيات يقدّمها ... في صدر حاجته من كان ذا أدب فما يوفّي كريم حقّ مادحه ... لو كان أولاه ما يحويه من نشب المال يفنى إذا طال الثواء به ... والمدح يبقى مدى الأزمان والحقب وقد مدحت لأقوام ذوي «6» حسب ... فيما ظننت وليسوا من ذوي حسب الجزء: 2 ¦ الصفحة: 372 مدحتهم بكلام لو مدحت به ... دهري أمنت من الإملاق والنّصب فعاد مدحي لهم هجوا يصدّقه ... من لؤمهم عودتي عنهم بلا أرب فكان ما قلت من مدحهم كذبا ... أستغفر الله من زور ومن كذب وقال في غرض يظهر من الأبيات، يخاطب السلطان: [الكامل] ما لي أرى تاج الملوك وحوله ... عبدان لا حلم ولا آداب فكأنه البازي الصّيود وحوله ... نغر «1» يقلّب ريشه وغراب يا أيها الملك الكرام جدوده ... أسنى المحافل غيرها أتراب أبدلهما بالبيض «2» من صفّيهما ... إن العبيد محلّها الأبواب وفاته: توفي في حدود ثمانية وأربعين وسبعمائة أو بعد ذلك «3» . محمد بن محمد بن إبراهيم بن المرادي ابن العشاب «4» قرطبي الأصل، تونسي الولادة والمنشأ، ابن نعمة وغذي جاه وحرمة. حاله: كان حييّا فاضلا كريما، سخيّا. ورد على الأندلس، مفلتا من نكبة أبيه، وقد عركته عرك الرّحى لثقالها، على سنن من الوقار والدّيانة والحما، يقوم على بعض الأعمال النبيهة. وجرى ذكره في الإكليل بما نصّه «5» : جواد لا يتعاطى طلقه، وصبح فضل لا يماثل فلقه. كانت لوالده «6» ، رحمه الله تعالى «7» ، من الدول الحفصيّة منزلة لطيفة المحلّ، ومفاوضة في العقد والحلّ، ولم يزل تسمو «8» به قدم النّجابة، من العمل إلى الحجابة. ونشأ ابنه هذا مقضيّ الديون، مفدّى بالأنفس والعيون. والدهر ذو ألوان، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 373 ومارق حرب عوان «1» ، والأيام كرات تتلقّف، وأهوال «2» لا تتوقّف، فألوى بهم الدهر وأنحى «3» ، وأغام جوّهم بعقب ما أصحى «4» ، فشملهم الاعتقال، وتعاورتهم «5» النّوب الثقال، واستقرّت بالمشرق ركابه، وحطّت به أقتابه، فحجّ واعتمر، واستوطن تلك المعاهد وعمر، وعكف على كتاب الله تعالى «6» فجوّد الحروف، وأحكم «7» الخلف المعروف، وقيّد وأسند، وتكرّر إلى دور الحديث وتردّد، وقدم على هذا الوطن قدوم النّسيم البليل، على كبد العليل. ولمّا استقرّ به قراره، واشتمل على جفنه غراره، بادرت إلى مؤانسته، وثابرت على مجالسته، فاجتليت للسّرو «8» شخصا، وطالعت ديوان الوفاء مستقصا. شعره: وشعره ليس بحايد عن الإحسان، ولا غفل من النكت الحسان. فمن ذلك ما خاطبني به «9» : [الطويل] بيمن أبي عبد الإله «10» محمد ... تيمّن هذا القطر وانسجم القطر أفاض علينا من جزيل عطائه ... بحورا تديم «11» المدّ ليس لها جزر وأنسنا لمّا عدمنا مغانيا ... إذا ذكرت في القلب من ذكرها عبر «12» هنيئا بعيد الفطر يا خير ماجد ... كريم به تسمو السّيادة والفخر ودمت مدى الأيام في ظلّ نعمة ... تطيع لك الدنيا ويعنو «13» لك الدهر وممّا خاطب به سلطانه في حال الاعتقال: [البسيط] لعلّ عفوك بعد السّخط يغشاني ... يوما فينعش قلب الوالد العاني «14» الجزء: 2 ¦ الصفحة: 374 مولاي، رحماك، إني قد عهدتك ذا ... حلم وعفو وإشفاق وتحنان فاصرف حنانك ثمّ اعطف «1» عليّ وجد ... برحمة منك تحيي جسمي الفاني «2» فقد تناهى الأسى عندي وعذّبني ... وشرّد النوم عن عيني وأعياني «3» وحقّ آلائك الحسنى وما لك من ... طول وفضل وإنعام وإحسان إني ولو حلّت البلوى على كبدي ... وأسكبت فوق خدّ دمعي القاني «4» لوائق بحنان منك يطرقني ... عمّا قريب وعفو عاجل دان دامت سعودك في الدنيا مضاعفة ... تذلّ من دان «5» طوعا كلّ سلطان محمد بن محمد بن عبد الملك بن محمد بن سعيد الأنصاري الأوسي «6» يكنى أبا عبد الله، ويعرف بابن عبد الملك، من أهل مرّاكش، وسكن غرناطة. حاله: من عائد الصلة «7» : كان، رحمه الله، غريب المنزع، شديد الانقباض، محجوب المحاسن، تنبو العين عنه جهامة، وغرابة شكل، ووحشة ظاهر «8» ، في طيّ ذلك أدب غضّ، ونفس حرّة، وحديث ممتع، وأبوّة كريمة، أحد الصابرين على الجهد، المتمسكين «9» بأسباب الحشمة، الراضين بالخصاصة. وأبوه قاضي القضاة، نسيج وحده، الإمام العالم، التاريخي، المتبحّر في الأدب «10» ، تقلّبت به أيدي الدهر «11» بعد وفاته لتبعة سلّطت على نسبه «12» ، فاستقرّ بمالقة، متحارفا مقدورا عليه، لا يهتدي لمكان فضله، إلّا من عثر عليه جزافا. شعره: «13» [السريع] من لم يصن في أمل وجهه ... عنك فصن وجهك عن ردّه الجزء: 2 ¦ الصفحة: 375 واعرف له الفضل وعرّف به «1» ... حيث أحلّ النّفس من قصده ومما خاطبني به قوله «2» : [الوافر] وليت ولاية أحسنت فيها ... ليعلم أنها شرفت بقدرك وكم وال أساء فقيل فيه ... دنيّ القدر ليس لها بمدرك وأنشدني في ذلك أيضا رحمة الله عليه «3» : [الوافر] وليت فقيل أحسن «4» خير وال ... ففاق «5» مدى مداركها بفضله وكم وال أساء فقيل فيه «6» ... دنا فمحا محاسنها بفعله وممّا خاطب به السلطان يستعديه على من مطله من العمال، وعذّر عليه واجبه من الطعام والمال: [مخلع البسيط] مولاي نصرا «7» ، فكم يضام ... من ما له غيرك اعتصام أمرت لي بالخلاص فامرر «8» ... لي عنده المال والطعام فقال ما اعتاده جوابا ... وحسبي الله والإمام هذا مقام ولا فعال ... بغير مولاي والسلام وفاته: فقد في وقيعة على المسلمين من جيش مالقة بأحواز إستبّة «9» في ذي قعدة من عام ثلاثة وأربعين وسبعمائة. محمد بن خميس بن عمر بن محمد بن عمر بن محمد ابن خميس الحجري حجر ذي رعين التّلمساني يكنى أبا عبد الله، ويعرف بابن خميس «10» . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 376 حاله: من عائد الصلة «1» : كان، رحمه الله، نسيج وحده زهدا وانقباضا، وأدبا وهمّة، حسن الشّيبة، جميل الهيئة، سليم الصّدر، قليل التّصنّع، بعيدا عن الرّياء والهوادة «2» عاملا على السياحة والعزلة، عالما «3» بالمعارف القديمة، مضطلعا بتفاريق النّحل، قائما على صناعة «4» العربية والأصلين، طبقة الوقت في الشعر، وفحل الأوان في النظم «5» المطوّل، أقدر الناس على اجتلاب الغريب، ومزج «6» الجزالة بالسّلاسة، ووضع الألفاظ البيانيّة مواضعها، شديد الانتقاء والإرجاء، خامد نار الرّوية، منافسا في الطريقة منافسة كبيرة. كتب بتلمسان عن ملوكها من بني زيّان، ثم فرّ عنهم، وقد أوجس منهم خيفة، لبعض ما يجري بأبواب الملوك. وبعد ذلك بمدة، قدم غرناطة، فاهتزّ الوزير ابن الحكيم لتلقّيه، ومتّ إليه بالوسيلة العلمية، واجتذبه بخطبة التلميذ، واستفزّه بتأنيسه وبرّه، وأقعده للإقراء بجواره. وكان يروم الرّحلة، وينوي السفر، والقضاء يثبّطه. حدّثني شيخنا الرئيس أبو الحسن بن الجياب، قال: بلغ الوزير أبا عبد الله «7» الحكيم أنه يروم السفر، فشقّ ذلك عليه، وكلّفنا «8» تحريك الحديث بحضرته. وجرى ذلك، فقال الشيخ: أنا كالدّم بطبعي، أتحرّك في كل ربيع. شعره: وشعره بديع، فمن ذلك قوله يمدح أبا سعيد بن عامر، ويذكر الوحشة الواقعة بينه وبين أبي بكر بن خطّاب «9» : [الوافر] مشوق زار ربعك يا إماما ... محا آثار دمنتها التثاما «10» تتبّع ريقة الطّلّ ارتشافا ... فما «11» نفعت ولا نقعت أواما وقبّل خدّ وردتها جهارا ... وما راعى لضرّتها ذماما وما لحريم بيتك أن يدانى ... ولا لعليّ «12» قدرك أن يساما الجزء: 2 ¦ الصفحة: 377 ولكن عاش في رسم لمغنى «1» ... تجشّمه سلاما واستلاما تنفّس روضة المطلول وهنا ... فحنّ وشمّ «2» ريّاه فهاما تلقى طيب ب ... ته «3» حديثا ... روت مسندا عنه النّعاما فيا نفس الصّبا إن جئت ساحا ... ولم تعرف لساكنها مقاما وأخطأت الطريق إلى حماها ... فردّتك العرادة والخزاما فلا تبصر بسرحتها قضيبا ... ولا تذعر بمسرحها سواما وعانق قربانتها ارتباطا ... وصافح كفّ سوسنها التزاما ونافح عرف زهرتها كبا ... تعاطك ماء ريقتها مداما ويا برقا أضاء على أوال ... يمانيّا متى جئت الشّآما أثغر إمامة أنت ابتساما ... أم الدّرّ الأوامى انتظاما؟ خفقت ببطن واديها لوا ... ولحت على ثنيّتها حساما أمشبه قلبي المضني احتداما ... على م ذدت عن عيني المناما؟ ولم أسهرتني وطردت عني ... خيالا كان يأتيني لماما؟ وأبلغ منه تأريقا لجفني ... كلام أثخن الأحشا كلاما تعرّض لي فأيقظت القوافي ... ولو ترك القطا يوما لناما وقيل وما أرى يومي كأمسي ... جدعت رواطبا وقلبت هاما وجرّعت العدوّ سمّا زعافا ... فكان لحسد موتا زواما دعوت زعيمهم ذاك ابتياسا ... ورعت خميسهم ذاك اللّماما نزعت شواه كبشهم نطاحا ... ولم أترك لقرمهم سناما أضام وفي يدي قلبي لماذا ... أضام أبا سعيد أو علاما؟ به وبما أذلق من لساني ... أفل الصارم العضب انهزاما وغرام الوزير أبي سعيد ... أصرفه إذا شئت انتقاما به وبنجله البرّ انتصاري ... لما أكلوه من لحمي حراما أعثمن بن عامر لا تكلني ... لدهر علّم الشحّ الغماما وردت فلم أرد إلّا سرابا ... وشمت فلم أشم إلّا جهاما الجزء: 2 ¦ الصفحة: 378 قطعت الأرض طولا ثم عرضا ... أزور بني ممالكها الكراما وجاجاني على كرم نداهم ... وأعجلت الخوافي والقداما وذلّلت المطامع من إبائي ... وقبّلت البراجم والسّلاما ومن أدبي نصبت لهم حبالا ... أصيد بها النّعام ولا النّعامى فلم أر مثل ربعي دار أنس ... ولم أر مثل عثمن إماما ولا كأبيه أو كنى أبيه ... أبيّ يحيي غيوثا أو رهاما كفاني بابن عامر خفض عيش ... ورفع مكاتبي إلّا أضاما وإني من ولائك في يفاع ... أقابل منهم بدرهم التّماما ومن شعره، رحمه الله، قوله «1» : [الطويل] تراجع من دنياك ما أنت تارك ... وتسألها «2» العتبى وها هي فارك «3» تؤمّل بعد التّرك رجع ودادها ... وشرّ وداد ما تودّ التّرائك حلا لك منها ما خلا «4» لك في الصّبا ... فأنت على حلوائه متهالك تظاهر بالسّلوان عنها تجمّلا ... فقلبك محزون وثغرك ضاحك تنزّهت عنها نخوة لا زهادة ... وشعر عذاري أسود اللون حالك ليالي تغري بي وإن هي أعرضت ... زنانب من ضوّاتها وعواتك غصون قدود في حقاف روادف ... تمايل من ثقل بين الأرائك تطاعنني منهن في كل ملعب ... ثديّ كأسنان الرماح فواتك وكم كلّة فيها هتكت ودونها ... صدور العوالي والسّيوف البواتك ولا خدن إلّا ما أعدت ردينه ... لطالبها أو ما تحيّر هالك تضلّ فواد المرء عن قصد رشده ... فواتر ألحاظ للظّبا الفواتك وفي كل سنّ لابن آدم وإن تطل ... سنوه طباع جمّة وعوائك وإلّا فما لي بعد ما شاب مفرقي ... وأعجز رأيي عجزهنّ «5» الرّكارك الجزء: 2 ¦ الصفحة: 379 أجوب إليها كلّ بيداء مملق ... ترافقني فيها الرجال الحواتك «1» وأسترشد الشّهب الشوابك جار ... إذا اشتبهت فيها عليّ المسالك نهازز أمثال الجياد تؤودة ... اغوارب أمثال الهضاب توامك ظماء وما غير السّماوة مورد ... وينحى وما دون الصآة مبارك ذواهل عن عضّ الرجال ظهورها ... إذا ما اشتكت عضّ السروج الموارك إذا ما نبا عن سنبك الأرض سنبك ... هلعن فلانت تحتهنّ السّنابك تقدّ بنا في كل قاع وفدفد ... بوائكها والمنغيات الدّراهك فأمامها ريّ كالسحاب موالع ... وأمامها ركّا كالرّياح بواشك قلاص بأطواف الجديل بوالع ... وجرد لأوساط الشّكيم عوالك ترامى بها نياقها كلّ مرتمى ... فهنّ نواح للرّدى أو هوالك وكم منزل خلّيته لطلابها ... تعفّيه تعدي السّافيات السّواهك يمرّ به زوّاره وعفاته ... وما إن به إلّا لصوق حبائك وآثارتنا تقادم عهدهم ... وهنّ عليه جاثيات بوارك لوارب أفراس ونؤى حذاة ... ثلاث أثاف كالحمام سوادك تمرّ عليه نسمة الفجر مثلما ... تمرّ على طيب العروس المداوك وأركب كالشّهد ينفح برده ... لمجهول حسيّ ما له للدّهر مبانك ويطلبها منّي غريم مماحك ... ويمطلني منها عديم مماعك «2» أحاول منها ما تعذّر في الصّبا ... ومن دونه وقع الحمام المواشك يسلّي الفتى منها وإن راق حسنها ... حسائف لا تحصى هنا ومبارك فمنها ملال دائم لا تملّه ... تزوّر إفك عن رضى الحق آفك تهاون بالإفك الرجال جهالة ... وما أهلك الأحياء إلّا الأفايك تزن طول تسهادي وقدري تململي ... طوال الليالي والنجوم النّوابك تغير على الدهر منه جحافل ... كأن مدوّم الرّجم فيها نيازك فليت الذي سوّدت فيها معوّض ... بما بيّضت مني دجاها الحوالك ألا لا تذكّرني تلمسان والهوى ... وما دهكت منّا الخطوب الدّواهك فإنّ ادّكار ما مضى من زمانها ... لجسمي وللصّبر الجميل لناهك الجزء: 2 ¦ الصفحة: 380 ولا تصفن أمواهها لي فإنها ... لنيران أشواقي إليها محارك ومن حال عن عهد أو اخفر ذمّة ... فإني على تلك العهود لرامك سقى منزلي فيها وإن محّ رسمه ... عهاد الغوادي والدّموع السّوافك وجادت ثرى قبر بمسجد صالح ... رواعدها والمدخمات الحواشك ولا أقلعت عن دار يونس مزنة ... يروّي صداه قطرها المتدارك إلى أن يروق النّاظرين رواؤها ... ويرضي الرّعاوى نبتها المتلاحك ويصبح من حول الحيا في عراصها ... زراق تحاكي بسطها ودرانك «1» ولا برحت منه ملائكة الرّضى ... تصلّي على ذاك الصّدى وتبارك وطوبى لمن روى منازله الحيا ... وبشرى لمن صلّت عليه الملائك ألا ليت شعري هل تقضّى لبانتي ... إذا ما انقضت عشر عليها دكادك وهل مكّن الطّيف المغبّ زيارة ... فيرقب أو تلقى إليه الرّوامك وهل تغفل الأيام عنها بقدر ما ... تؤدي إليها بالعتاب الحالك ويا ليت شعري أي أرض تقلّني ... إذا كلّ عن رحلي الجلال اللكالك وأي غرار من صفاها يحثني ... إذا فقدتني مسّها والدّكادك إذا جهل الناس الزمان فإنني ... بدونهم دون الأنام لحاتك تثبّت إذا ما قمت تعمل خطوة ... فإن بقاع الأرض طرّا شوائك ولا تبذلن «2» وجها لصاحب نعمة ... فما مثل بذل الوجه للسّتر هاتك تجشّم إن «3» استطعت واحذر أذاهم ... ولا تلقهم إلّا وهرّك شانك فكلّ على ما أنعم الله حاسد ... وكلّ إذا لم يعصم الله حاسك ولا تأس «4» ريبة الزمان فإنه ... بمن فات منّا لا محالة فاتك تمنّى مصاب بربر وأعاره ... وترضى ذكامي فارس والهنادك وبدّرت ليل الجون حوض لجاجها «5» ... وتعرف إقدامي عليها المهالك فما أذعنت إلّا إليّ عشار ... ولا أصفقت إلّا عليّ الشكاشك ولا قصدت إلا فنائي وقودها ... ولن أملت إلّا قتامي الضرارك به شرفت أذواؤها وملوكها ... كما شرفت بالنّويهار البرامك الجزء: 2 ¦ الصفحة: 381 فلا تدعون غيري لدفع ملمّة ... إذا ما دهى من حادث الدهر داهك «1» فما إن لذاك الصوت غيري سامع ... وما إن لبيت المجد بعدي سامك «2» يغصّ ويشجى نهشل ومجاشع ... بما أورثتني حمير والسكاسك «3» تفارقني روحي «4» التي لست غيرها ... وطيب ثنائي «5» لاصق بي صائك «6» وماذا عسى ترجو لداتي وأرتجي ... وقد شمطت منا «7» اللّحا والأفانك «8» يعود لنا شرخ الشّباب الذي مضى ... إذا عاد للدّنيا عقيل ومالك ومن شعره أيضا قوله: [الكامل] سحّت بساحك يا محلّ الأدمع ... وتصرّمت سقّا عليك الأضلع ولطالما جادت ثرى الآمال من ... جاوي مؤمّلك الغيوث الهمّع لله أيام بها قضّيتها ... قد كنت أعلم أنها لا ترجع فلقد رشفت بها رضاب مدامة ... بنسيم أنفاس البديع تشعشع في روضة يرضيك منها أنها ... مرعى لأفكار النّدام ومشرع تجري بها فقر سكنت رهانها ... أجدى بميدان الكلام وأسرع فقر كريعان الشباب وعهدنا ... بجنابها وهو الجناب الأمنع نفّاثة الأنواء في عقد الثّرى ... والنّفث في عقد الثّرى لا يمنع حتى إذا حاك الربيع برودها ... وكسا رباها وشيه المتنوّع بدأت كمائم زهرها تبدي بها ... بدعا تفرّق تارة وتجمّع قد صمّ منها ما تجمّع مغلق ... إذ بتّ منها ما تفرّق مصقع وكلاهما مهما أردت مسالم ... ومحارب ومؤمّن ومروّع كلّ له شرع البيان محلّل ... ومنكر «9» في مثل هذا مدفع حيث ازدهت أنوار كلّ حديقة ... أدبا ينظّم تارة ويسجّع الجزء: 2 ¦ الصفحة: 382 فمرجّل من رقمها ومهلّل ... ومسمّط من نظمها ومصرّع أبدى البديع بها بدائع صنعه ... فمجنّس ومبدّل ومرصّع وموشّح ومرشّح ومصدّر ... ومكرّر ومفرّع ومتبّع كلّ يروق بها بحسن روائه ... وإذا تزين به كلامك تبرع ولقد غدوت بها وفي وكناتها ... طير لها فوق الغصون ترجّع بمطهّم الفكر الذي ما إن له ... إلّا بمستنّ الأدلّة مرتع قيد المطالب لا نزال «1» نحبّه ... بين الجياد لعتقه أو يوضع أرمى به الأمد البعيد وإنه ... حمل يضلّ به الدليل الأصمع من بعد ما عفت السّواري سبله ... ومحت معالمه الرّياح الأربع لكنني جدّدت داثر رسمه ... فطريقه من بعد ذلك مهيع أوضحت فهم حدوده وضروبه ... والكلّ في كلّ المسالك ينفع حتى وردت من السماع مواردا ... فيها لظمآن المباحث مكرع مع كل مصقول الذكاء فحدسه ... لذكاء أسرار الطبائع مطلع يرتاد من نجع العناصر نجعة ... فيها مصيف للعقول ومربع لا شيء أبدع من تجاورها وما ... يبدى «2» بها ذاك التجاور أبدع فإذا تشعشع مزجها أورى بها ... نار الحباحب مرجها المتشعشع فمكين سرّ حياته بحبابها ... من بعد قدح زنادها مستودع وهنا تفاض عليه صورته التي ... لبهائها شمّ الطبائع تخضع من واهب الصّور التي قد خصّها ... ببديع حكمته الحكيم المبدع ربّ له في كل شيء حكمة ... يقضي بها البدعيّ والمتشرّع وحللت من أرض الرياضة أربعا ... نفسي الفداء لها وهذي الأربع قامت زواياها فما أوتادها ... إلّا تقوّم ما تقيم الأضلع وتناسب أقدارها نسبا لها ... لو كنت تبصرها فروع فرّع فأجلّ ما قد سمته بحلولها ... من بارق لجناب رشدي يلمع لا شك أنّ وراءه مطرا له ... في كل ضرب من قياسي موقع بحر رويّ مترع ملّاحه ... من فيضه هذا الرّويّ المترع الجزء: 2 ¦ الصفحة: 383 لم لا أضيع بها عهاد مدامعي ... إني إذا لعهودها «1» لمضيّع خلّيّ، لو لم تسعداني في البكا ... لقطعت من حبليكما ما يقطع أرأيتما نفسا تفارق جسمها ... وبه تنعّمها ولا تتوجّع؟ عظمت رزيّتها وأيّ رزيّة ... ظلّت لها أكبادنا تتصدّع هذي حمامك، يا عليّ، سواجع ... وأخالها أسفا عليها تسجع إن طارحتني ورقها فبأضلعي ... شوق يطارحه ادّكار موجع آه على جسمي الذي فارقته ... لا كنت ممّن جسمه لا يرجع ومن العجاب رجوع ما أودى به ... دهر بتشتيت «2» الأحبّة مولع الجور منه إذا استمرّ طبيعة ... والعدل منه إذا استقام تطبّع هذي عقوبة زلّة سلفت بها ... من أكل طعمته التي لا تشبع قد كنت أمنع رسخ نفسي قبلها ... واليوم أوجب أنّه لا يمنح لم لا وقد أصبحت بعد محلّة ... فيها السحائب بالرغائب تهمع؟ دار يدرّ الرزق من أخلاقها ... ولكم دعا داع بها من يوضع وكأنّ مجلسها البهيّ بصدرها ... ملك بأعلى دسته متربّع وكأنّ مجمر عنبر بفنائها ... يذكي وما «3» قد سيف منه يسطع وكأنها المتوكلية بهجة ... وعليّ بن الجهم فيها يبدع في حجر ضبّ خافض بجواره ... من كان قبل له العوامل ترفع يا نفثة المصدور كم لك قبلها ... من زفرة بين الجوانح تسفع وعساك تنقع غلّة بك إنها ... بجحيم ما أسبلته لا تنقع لله أنت مذاعة أودعتها ... من كل سرّ بالضمائر يودع بدويّة في لفظها ونظامها ... حضرية فيما به يترجّع لم لا تشفع في الذي أشكو بها ... ومثالها في مثله يتشفّع؟ كملت وما افترعت فأيّ خريدة ... لو كان يفرعها همام أروع بارت عليّ فأصبحت لحيائها ... مني بضافي مرطها تتلفّع الجزء: 2 ¦ الصفحة: 384 ومن شعره قوله يمدح ذا الوزارتين أبا عبد الله بن الحكيم، وهي من مشاهير أمداحه «1» : [الطويل] سل الرّيح إن لم تسعد السّفن أنواء ... فعند صباها من تلمسان أنباء وفي خفقان البرق منها إشارة ... إليك بما تنمي إليها «2» وإيماء تمرّ الليالي ليلة بعد ليلة ... وللأذن إصغاء وللعين إكلاء «3» وإني لأصبو للصّبا كلّما سرت ... وللنّجم مهما كان للنّجم إصباء «4» وأهدي إليها كلّ حين «5» تحيّة ... وفي ردّ إهداء التحية إهداء وأستجلب النوم الغرار ومضجعي ... قتاد كما شاءت نواها وسلّاء «6» لعلّ خيالا من لدنها يمرّ بي ... ففي مرّه بي من جوى الشوق إبراء وكيف خلوص الطّيف منها وحولها «7» ... عيون لها في كلّ طالعة راء وإني لمشتاق إليها ومنبئ ... ببعض اشتياقي لو تمكّن إنباء وكم قائل تفنى غراما بحبّها ... وقد أخلقت منها ملاء وأملاء «8» لعشرة أعوام عليها تجرّمت ... إذا مضى قيظ بها جاء إهراء «9» يطنّب فيها عائثون وخرّب «10» ... ويرحل عنها قاطنون وأحياء «11» كأنّ رماح الذاهبين «12» لملكها ... قداح، وأموال المنازل أبداء «13» فلا تبغين فيها مناخا لراكب ... فقد قلّصت منها ظلال وأفياء ومن عجبي «14» أن طال سقمي ونزعها ... وقسّم إضناء علينا وإطناء «15» وكم أرجفوا غيظا بها ثم أرجأوا ... فيكذب إرجاف ويصدق إرجاء الجزء: 2 ¦ الصفحة: 385 يردّدها عيّابها «1» الدّهر مثلما ... يردّد حرف الفاء في النطق فأفاء فيا منزلا نال الردى منه ما اشتهى ... ترى وهل لعمر الأنس بعدك إنساء «2» ؟ وهل للظى الحرب التي فيك تلتظي ... إذا ما انقضت أيام بوسك إطفاء؟ وهل لي زمان أرتجي فيه عودة ... إليك ووجه البشر أزهر وضّاء؟ فواسيئي حالي «3» إن هلكت ولم أقل ... لصحبي بها الغرّ الكرام ألا هاؤا ولم أطرق الدّير «4» الذي كنت طارقا ... كعادى «5» وبدر الأفق أسلع مشناء «6» أطيف به حتى تهرّ كلابه ... وقد نام عسّاس وهوّم سبّاء ولا صاحب إلّا حسام «7» ولهذم ... وطرف لخدّ الليل مذ كان وطّاء وأسحم قاريّ كشعري حلكة ... تلألأ فيه من سنى الصبح أضواء فما لشرابي في سواك مرارة «8» ... ولا لطعامي دون بابك «9» إمراء ويا داري الأولى بدرب حلاوة «10» ... وقد جدّ عيث في بلاها وإرداء أما آن أن يحمى حماك كعهده ... وتجتاز أحماش «11» عليك وأحماء؟ أما آن أن يعشو لنارك طارق ... جنيب له رفع إليك ودأداء؟ «12» يرجّي نوالا أو يؤمّل دعوة ... فما زال قار في ذراك وقرّاء أحنّ لها ما أطّت النّيب حولها ... وما عاقها عن مورد الماء أظماء «13» فما فاتها مني نزاع على النّوى ... ولا فاتني منها على القرب إجشاء «14» الجزء: 2 ¦ الصفحة: 386 كذلك جدّي في صحابي وأسرتي ... ومن لي به من «1» أهل ودّي إن فاؤوا «2» ولولا جوار ابن الحكيم محمد ... لما فات نفسي من بني الدهر إقماء «3» حماني فلم تنتب محلّي نوائب ... بسوء ولم ترزأ فؤادي أرزاء وأكفاء «4» بيتي في كفالة جاهه ... فصاروا عبيدا لي وهم لي أكفاء يؤمّون قصدي طاعة ومحبة ... فما عفته عافوا وما شئته شاءوا «5» دعاني إلى المجد لذي كنت آملا ... فلم يك لي عن دعوة المجد إبطاء وبوّأني من هضبة العزّ تلعة ... يناجي السّها منه «6» صعود وطأطاء «7» يشيّعني منها «8» إذا سرت حافظ ... ويكلأني منها إذا نمت كلّاء «9» ولا مثل نومي في كفالة غيره ... وللذّئب إلمام وللصّلّ إلماء بغيضة ليث أن بمرقب خالب ... تندّ «10» كسا فيه وتقطع أكساء إذا كان لي من نائب الملك كافل ... ففي حيثما هوّمت كنّ وإدفاء وإخوان صدق من صنايع جاهه ... يبادرني منهم قيام وإيلاء سراع لما يرجى من الخير عندهم ... ومن كلّ ما يخشى من الشّرّ أبراء «11» إليك أبا عبد الإله صنعتها ... لزوميّة فيها لوجدي إفشاء مبرّاة مما يعيب لزومها ... إذا عاب إكفاء سواها وإيطاء «12» أذعت بها السّرّ الذي كان قبلها ... عليه لأحناء الجوانح إضناء وإن لم يكن كلّ الذي كنت آملا ... وأعوز إكلاء فما عاز إكماء «13» ومن يتكلّف مفحما شكر منّة ... فما لي إلى ذاك التكلّف إلجاء إذا منشد لم يكن عنك ومنشئ ... فلا كان إنشاد ولا كان إنشاء الجزء: 2 ¦ الصفحة: 387 ومن شعره قوله: [المتقارب] أطار فؤادي برق ألاحا ... وقد ضمّ بعد لوكر جناحا كأنّ تألّقه في الدّجى ... حسام جبان يهاب الكفاحا أضاء وللعين إغفاءة ... تلذّ إذا ما سنا الفجر لاحا كمعنى خفيّ بدا بعضه ... وزيد بيانا فزاد اتّضاحا كأن النجوم وقد غربت ... نواهل ماء صدرن قماحا لواغب باتت تجدّ السّرى ... فأدركها الصبح روحي طلاحا وقد لبس الليل أسماله ... فمحّت عليه بلا وانصياحا وأيقظ روض الرّبا زهره ... فحيّا نسيم صباه الصّباحا كأنّ النهار وقد غالها ... مبيت مال حواه اجتياحا أتى يستفيض دموعي امتياحا ... ويلهب نار ضلوعي اقتداحا فلم يلق دجن انتحابي شحيحا ... ولم يلف زند اشتياقي شحاحا ولولا توقّد نار الحشا ... لأنفدت ماء جفوني امتياحا وممّا يشرّد عني الكرى ... هديل حمام إذا نمت صاحا ينوح عليّ وأبكي له ... فأقطع ليلي بكا أو نياحا أعين، أريحي أطلت الأسى ... عليك وما زدت إلّا انتزاحا دعيني أرد ماء دمعي فلم ... أرد بعد مائك ماء قراحا أحنّ إليك إذا سفت ريحا ... وأبكي عليك إذا ذقت راحا وأفنى التياحا إليك وكم ... أشحت بوجهي عنك اتّشاحا ولولا سخائم قوم أبوا ... إيابي ركبت إليك الرّياحا أباحوا حماي وكم مرة ... حميت حمى عرضهم أن يباحا ودافعت عنهم بشعري انتصارا ... فكان الجزاء جلائي المتاحا أباعوا ودادي بخسا فسل ... أكان سماحهم بي رباحا؟ وأغروا بنفسي طلابها ... سرارا فجاءوا لقتلي صراحا وآلوا يمينا على أنّ ما ... توهّمت لم يك إلّا مزاحا فشاورت نفسي في ذا فما ... رأت لي بغير الفلاة فلاحا فبتّ أناغي نجوم الدّجى ... نجاء فلم ألق إلّا نجاحا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 388 أجوب الدياجير وحدي ولا ... مؤانس إلّا القطا والسّراحا «1» وإلّا الثعالب تحتس في ... مبيتي فتملأ سمعي ضباحا «2» أجوز الأفاحيص فيحا قفارا ... وأعرو الأداحيّ غبرا فساحا «3» فأعيي شوارد هذي عداء ... وأعلو لواغي تلك صياحا وجوّاب بدو إذا استنبحوا ... أجابوا عواء وأمّوا النّباحا يرون قتالي في الحجر حلّا ... وإذهاب نفسي فيه مباحا قصدت هناهم فلم أخطهم ... أعاجم شوس العيون قباحا فسل كيف كان خلاصي من ... أسارهم أسرى أم سراحا؟ ولا مثل بيت تيمّمته ... فلم ألف إلّا الغنا والسّماحا عيابا ملاء ونيبا سمانا ... وغيدا خدالا وعودا أقاحا «4» وإلّا أعاريب شمّ الأنوف ... كرام الجدود فصاحا صباحا وإلّا يعافير سود العيون ... يرين فساد المحبّ صلاحا يردّدن فينا لحاظا مراضا ... يمرّضن منّا القلوب الصّحاحا وتحت الوجاح طلا ربرب «5» ... لو أنّ «6» القيان رفعن الوجاحا أراني محاسن منه فلم ... أطق عن حماه بقلبي براحا محيّا وسيما وفرعا أثيثا ... وقدّا قويما وردفا رداحا وأبدى لعيني بدائع لم ... يدع لي عقلا بها حين راحا إذا لم يرد غير سفك دمي ... فحلّ وبلّ «7» له ما استباحا وما زلت سمحا بنفسي كذا ... متى ما رأيت الوجوه الملاحا وبابن رشيد تعوّذت من ... هواه فقد زدت فيه افتضاحا وقد ضاق صدري عن كتمه ... وأودعته جفن عيني فباحا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 389 وبابن رشيد تعوّذت من ... خطوب أجلن عليّ القداحا ألحّ الزمان بأحداثه ... فألقيت طوعا إليه السّلاحا أعاد شبابي مشيبا كما ... سمعت وصيّر نسكي طلاحا «1» وفرّق بيني وبين الأهيل ... ولم ير ذا عليه جناحا أخي وسمييّ، أصخ مسعدا ... لشجو حزين إليك استراحا فقد جبّ ظهري على ضعفه ... كداما وأدهى شواتي نطاحا «2» وطوّح بي عن تلمسان ما ... ظننت فراقي لها أن يتاحا وأعجل سيري عنه ولم ... يدعني أودّع تلك البطاحا نأى بصديقك عن ربعه ... فكان له النّأي موتا صراحا «3» وكان عزيزا على قومه ... إذا هاج خاضوا إليه الرّماحا فها هو إن قال لم يلتفت ... إليه امتهانا له واطّراحا عجبت لدهري هذا وما ... ألاقي مساء به وصباحا لقد هدّ منّي ركنا شديدا ... وذلّل منّي حياء لقاحا وقيت الرّدى من أخ مخلص ... لو اسطعت «4» طرت إليه ارتياحا وإني على فيح ما بيننا ... لأتبع ذاك الشّذا حيث فاحا أحنّ إليه حنين الفحول ... ونوح الحمام إذا هو ناحا وأسأل عنه هبوب النّسيم ... وخفق الوميض إذا ما ألاحا وإن شئت عرفان حالي وما ... يعانيه جسمي ضنى أو صحاحا فقلب يذوب إليك اشتياقا ... وصدر يفاح إليك انشراحا وغرس وداد أصاب فضاء ... نديّا وصادف أرضا براحا كراسخ مجد تأثّلته ... فلم تخش بعد عليه امتصاحا وعلياء بوّئتها لو بغى ... سموّا إليها السّماك لطاحا مكارم جمّعت أفذاذها ... فكانت لعطف علاك وشاحا ودرس علوم تهيم بها ... عمرت الغدوّ به والرّواحا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 390 نشأت عن الخير واعتدته ... فلم تدر إلّا التّقى والصّلاحا وقمت لها أيّما رحلة ... كسحت المعارف فيها اكتساحا بهرت رجال الحديث اقتداء ... وفتّ رجال الكمال اقتراحا فما إن جليس إذا قلت قال ... أو أنّ «1» الخطيب إذا لحت لاحا ولو لم تحجّ بها مكة ... لحجّ الملائك عنك صراحا وأما أنا بعد نهي النّهى ... فما زادني الطّبع إلّا جماحا أدير كؤوس هواي اغتباقا ... وأشرب ماء دموعي اصطباحا فبرّد جواي بردّ جواب ... توبّخ فيه مشي الوقاحا وهنّ بنيّات فكري وقد ... أتيتك فاخفض لهنّ الجناحا ومن شعره، رحمه الله، وله يمدح ذا الوزارتين المتقدم ذكره، ويذكر غفارة وجّهها له مع هدية: [الكامل] كبت العدى، إنعامك البغت ... فلي الهناء «2» وللعدى الكبت يا من إلى جدوى أنامله ... يزجى السّفين وتزجر البخت «3» لولاك لم يوصل بناحية ... وخد ولم يقطع بها دشت «4» لولاك لم يطلع بها نشر ... منه ولم يهبط بها خبت خوّلتني ما لم تسعه يدي ... فأصابني من كثره غمت «5» شتّى أياد كلما عظمت ... عندي تلكّأ خاطري الهتّ «6» يعيا لساني عن إذاعتها ... ويضيق عن شكري لها الوقت وطّأت لي الدنيا فلا عوج ... فيما أرى منها ولا أمت أمكنتني منها فما ليدي ... ردء ولا لمقالتي عتّ بالغت في برّي ولا نسب ... أدلي إليك به ولا حسب الجزء: 2 ¦ الصفحة: 391 لكنّ حسبي إن متتّ به ... يوما إليك ودادي البحت بوركت من رجل برؤيته ... يوسى الضّنى ويعالج الغتّ «1» لو سار في بهماء مقفرة ... في حيث لا ماء ولا نبت لتفجّر الماء النّمير بها ... ولأعشبت أرجاؤها المرت لا تحسبنّ البخت نيل غنى ... نيل الرضا منه هو البخت آلت جلالته وحقّ لها ... أن لا يحيط بكنهها نعت أظهرت دين الله في زمن ... ما زال يغلب حقّه البهت شيّدته وهددت ممتعضا ... لضياعه ما شيّد الجبت «2» أمّنت أرض المسلمين فلا ... ذئب يخاف بها ولا لصت «3» وحفظتها من كل نائبة ... تخشى فأنت حفيظها الثّبت ونهجت سبل «4» المكرمات فما ... لمؤمّل عن غايه ألت «5» لم تبق غفلا من متالعها ... إلّا وفيه لحائر برت «6» هادن طغاة الكفر ما هدأت ... حتى يجيء نهارها المحت «7» دعها تودّع في معاقلها ... ما لم تعدّ جفاتها العفت «8» كم ذدتها عنّا وقد هبرت ... لهراشنا أشداقها الهرت «9» بوقوف طرفك عند شدّته ... يبأى ويفخر ملكها الرّتّ «10» والشّكر «11» ما أظهرت من كرم ... في ذاك تفصح عجمها المرت لك من ممالكها وإن رغمت ... ما جال فيه جوادك الحتّ «12» ولكلّ أصيد من بطارقها ... في كلّ أري له دعت «13» الجزء: 2 ¦ الصفحة: 392 لولا لباك البيض ما أرقت ... للقائها أفراسنا الكمت عندي «1» لمن ينتابه مقة ... ولمن ينيب لغيره مقت ولو أنّ «2» بيضك لم تسل لمّا ... ذلّت أنوف طغاتها السّلت يا ابن الحكيم أمنت صرف ردى ... أبدا له في أثلتي نحت «3» وبيمنه أنّست من أملي ... ما لم يكن يوما له عرت «4» مثنى الوزارة موئلي وله ... ما دمت أملك قدرتي أقت «5» وببأسه أطفي شرارة من ... يعثو وأقدح أنف من يعتو «6» عمّ الورى جودا وفضل غنى ... حتى تساوى العدّ والغلت «7» وهمي على عال ومنخفض ... لم يبق فوق لا ولا تحت ظلّ إذا نصطاف معتدل ... عطر الشّذا وحيا إذا نشتو «8» يتضاءل الصبح المنير إذا ... لاقى سناه جبينك الصّلت حتى كأن شمس الضحى قمر ... وكأنّ ضوء شعاعها فخت «9» وغريبة في لطف صنعتها ... يمضي الزمان وما لها أخت ينأى النّدى بها إذا لبست ... ويتيه إن طويت بها التّخت زنجيّة لكن لمحتدها ... في الرّوم يعنو القسّ والشّنت «10» مثل العروس على منصّتها ... من شأنها التّزيين والزّتّ «11» لأكون أنحل ما أكون هدى ... فيها فيعبل جسمي الشّخت وبمثل شيبي فوق حلكتها ... يبدو الوقار ويحفظ السّمت تظهرنني «12» بلباسها وبه ... عندي لها الإيثار ما عشت الجزء: 2 ¦ الصفحة: 393 لا زلت تؤثرني بها أبدا ... ولا تف من يشقى بذا السّلت وبقيت تدرك ما تريد وما ... تهوى بقاء ما له فتّ ومن شعره أيضا في المدح قوله، رحمه الله، من قصيدة ثبتت في ديوان مجموع من أمداحه منها قوله: [الكامل] طرقتك وهنا أخت آل علاج ... والرّكب بين دكادك وحراج في ليلة ليلاء لم ينبح بها ... كلب ولم يصرخ أذين دجاج أنّى اهتدت لمضللين توهّنوا ... منها لهتك دياجر ودياج متسربلي برد الظّلام كأنهم ... فيه قداح في رماية ساج وثقوا بمحمود السّرى وتسلّموا ... لمخارم مجهولة وفجاج ومنازل درس الرسوم بلاقع ... أخوين من هيج ومن هجهاج محّت معالمهنّ غير مثلّم ... كسوار تاج أو كدملج عاج ومواثل مثل الحمام جواثم ... ورق وأسمج دائم التّشحاج ومشجّج ما زال منهل الحيا ... يبكي صداه بدمعه الثّجّاج حتى أعاد لعوده أوراقه ... خضر الظّلال ذكيّة الآراج وكسا عراة عراصه من وشيه ... حللا تبوّر صنعة الديباج لا مثل ليلات مضين سريعة ... بردت حرارة قلبي المهتاج أدركت منها في صباي مطالبي ... وقضيت منها في شبابي حاجي «1» كم ليلة مرّت ولم يشعر بها ... غيري وغير منادمي وسراجي «2» بتنا ندير إلى انبلاج صباحها ... كأس الهوى صرفا بغير مزاج وتدير أعيننا حديث غرامنا ... بمرامز من فضّها وأحاج بمآرج النّفحات من دارين أو ... بمدارج النّسمات من درّاج وخلوص ودّ في نقاء سريرة ... كسلاف راح في صفاء زجاج أمحضته حظّي من الزمن الذي ... أعيا مرامي أهله وعلاجي «3» واخترت قرب جواره لخلوصه ... وتركت كلّ مماذق «4» مرّاج ما في زمانك غيره فاخلص له ... غيبا وداهن من أردت وداج لا تحفلنّ بغيره واستعفين ... بوقاره عن كل غمر ماج الجزء: 2 ¦ الصفحة: 394 اترك بني الدنيا وأعرض عنهم ... فعساك تطعم لذّة الإثلاج نزّهت نفسي عنهم بنواله ... وحفظتها من جاهه بسياج أصبحت من آلائه وولائه ... في عزّة ضحيا وعزّ داج ولو انني «1» عجت الركاب ميمّما ... أحدا سواه ما حمدت معاجي «2» طلق إذا احتلك الزمان أنار في ... ظلمائه كالكوكب الوهّاج طود الرّصانة والرّزانة والحجا ... بحر النّدى المتلاطم الأمواج وغمامه الهامي على آماله ... من غير إرعاد ولا إرعاج وهزبر آجام القنا الضّاري إذا ... سقطت عواتمها على الأزجاج ضمن الإله له على أعدائه ... ما شاء من ظفر ومن إفلاج أبقى أبو عبد الإله محمد ... ما شاد والده أبو الحجّاج «3» وبنى أبو إسحاق قبل وصنوه ... ركنا الضعيف ومعدنا المحتاج وجرى على آثار أسلاف لهم ... درجوا وكلّهم على منهاج ما منهم إلّا أعزّ مبارك ... مصباح ليل أو صباح عجاج بيت بنوه من سراوة حمير ... في الذّروة العلياء من صنهاج كم كان في الماضين من أسلافهم ... من ربّ إكليل وصاحب تاج أساس كل رئاسة ورؤوس كل ... ل سياسة وليوث كل هياج أعيت نجوم الليل من سهر وما ... أعيا أبو موسى من الإدلاج حتى أصارته لرحمة ربّه ... يوم العقاب وقيعة الأعلاج وأقيم نجل أخيه بعد مقامه ... فيهم يطاعن مثله ويواج فردا يلفّ كتائبا بكتائب ... ويكبّ أفواجا على أفواج حتى تجلّى دجن كلّ عجاجة ... عنهم وأمسك رعد كل ضجاج من مثل يوسف في قراع كتائب ... ولقاء أعداء وخوض لجاج؟ أو من يشقّ من الأنام غباره ... في ردّ آراء ونقض حجاج الجزء: 2 ¦ الصفحة: 395 إن خاض يوما في بيان حقيقة ... أنهى عن الثّوري والحلّاج «1» وإذا تكلّم في الغريب وضبطه ... لم يعبأ بالعتبيّ والزّجّاج «2» أنست قصائد جرول أشعاره ... وأراجز العجليّ والعجّاج «3» جمع الفصاحة والصبّاحة والتقى ... والجود في وجد وفي إحراج تخشاه أسد الغاب في أجماتها ... والرّوم في الأسوار والأبراج إنّا بني قحطان لم نخلق لغي ... ر غياث ملهوف ومنعة لاج نبري طلى الأعراب في الهيجا وفي الل ... أواء سوف نماري الأعراجي «4» بسيوفنا البيض اليمانية التي ... طبعت لحزّ غلاصم ووداج تأبى لنا الإحجام عن أعدائنا ... يوم اللّقاء طهارة الأمشاج أنصار خير العالمين وحزبه ... وحماته في الجحفل الرّجراج وفداته بنفوسهم ونفيسهم ... من غدر مغتال وسبّة هاج هم صفوة الخلق التي اختيرت له ... وسواهم همج من الأهماج إلّا الألى سبقوا بباهر فضلهم ... من سائر الأصحاب والأزواج وكفى بحكمتنا إقامة حجّة ... وبركننا من كعبة الحجّاج ولنا مفاخر في القديم شهيرة ... كالصّبح في وضح وفي إبلاج منّا التّبابعة الذين ببابهم ... كانت تنيخ جباة كلّ خراج ولأمرهم كانت تدين ممالك ال ... دّنيا بلا قهر ولا إحراج من يقتدح زندا فإنّ زنادهم ... في الجود وارية بلا إخراج الجزء: 2 ¦ الصفحة: 396 أبوابهم مفتوحة لضيوفهم ... أبدا بلا قفل ولا مزلاج ومما اشتهر من شعره قوله «1» : [السريع] أرّق عيني بارق من أثال ... كأنّه في جنح ليلي ذبال أثار شوقا في «2» ضمير الحشا ... وعبرتي في صحن خدّي أسال حكى فؤادي قلقا واشتعال ... وجفن عيني أرقا وانهمال جوانح تلفح نيرانها ... وأدمع تنهلّ مثل العزال «3» قولوا وشاة الحبّ ما شئتم ... ما لذّة الحبّ سوى أن يقال عذرا للوّامي «4» ولا عذر لي ... فزلّة العالم ما إن تقال قم نطرد الهمّ بمشمولة ... تقصّر الليل إذا الليل طال وعاطها صفراء ذمّيّة ... تمنعها الذّمّة من أن تنال كالمسك ريحا واللّمى مطعما ... والتّبر لونا والهوى في اعتدال عتّقها في الدّنّ خمّارها ... والبكر لا تعرف غير الحجال لا تثقب المصباح «5» لا واسقني ... على سنى البرق وضوء الهلال فالعيش نوم والرّدى يقظة ... والمرء ما بينهما كالخيال خذها على تنغيم مسطارها «6» ... بين خوابيها وبين الدّوال في روضة باكر وسميّها ... أخمل دارين وأنسى أوال «7» كأنّ فأر المسك مغبوقة «8» ... فيها إذا هبّت صبا أو شمال من كلّ «9» ساجي الطّرف ألحاظه ... مفوّقات أبدا للنضال من عاذري والكلّ لي عاذل «10» ... من حسن الوجه قبيح الفعال من خلّبيّ الوعد كذّابه ... ليّان لا يعرف غير المطال الجزء: 2 ¦ الصفحة: 397 كأنه الدهر وأيّ امرئ ... يبقى على حال «1» إذا الدهر حال أما تراني آخذا ناقضا ... عليه ما سوّغني من محال؟ ولم أكن قطّ له عائبا ... كمثل ما عابته قبلي رجال يأبى ثراء المال علمي، وهل ... يجتمع الضّدّان: علم ومال؟ وتأنف الأرض مقامي بها ... حتى تهاداني ظهور الرجال «2» لولا بنو زيّان ما لذّ لي ال ... عيش ولا هانت عليّ اللّيال هم خوّفوا الدهر وهم خفّفوا ... على بني الدهر «3» خطاه الثّقال ورثت «4» من عامرهم سيّدا ... غمر رداء الحمد عمر «5» النّوال وكعبة للجود منصوبة ... يسعى إليها الناس من كل حال «6» خذها أبا زيّان من شاعر ... مستملح النّزعة عذب المقال يلتفظ الألفاظ لفظ النّوى ... وينظم الآلاء نظم اللآل مجاريا مهيار «7» في قوله ... (ما كنت لولا طمعي في الخيال) ومما قال أيضا، واشتمل ذلك على شيء من نظمه ونثره، وهذا الرجل مغرب النزعة، في شفوف نظمه على نثره «8» : [الكامل] عجبا لها أيذوق طعم وصالها ... من ليس يطمع «9» أن يمرّ ببالها؟ وأنا الفقير إلى تعلّة ساعة ... منها، وتمنعني زكاة جمالها كم ذاد عن «10» عيني الكرى متأنف «11» ... يبدو ويخفى في خفيّ مطالها الجزء: 2 ¦ الصفحة: 398 يسمو لها بدر الدّجى متضائلا ... كتضاؤل الحسناء في أسمالها «1» وابن السّبيل يجيء يقبس نارها ... ليلا فتمنحه عقيلة مالها «2» يعتادني في النوم طيف خيالها ... فتصيبني ألحاظها بنبالها كم ليلة جادت به فكأنّما ... زفّت عليّ ذكاء «3» وقت زوالها أسرى فعطّلها «4» وعطّل شهبها ... بأبي شذا المعطار من معطالها وسواد طرّته كجنح ظلامها ... وبياض غرّته كضوء هلالها دعني أشم بالوهم أدنى لمحة «5» ... من ثغرها وأشمّ مسكة خالها ما راد طرفي في حديقة خدّها ... إلّا لفتنته بحسن دلالها أنسيب شعري رقّ مثل نسيمها ... فشمول راحك مثل ريح شمالها وانقل أحاديث الهوى واشرح غري ... ب لغاتها واذكر ثقات رجالها وإذا مررت برامة فتوقّ من ... أطلائها «6» وتمشّ في أطلالها وانصب لمغزلها حبالة قانص ... ودع الكرى شركا لصيد غزالها وأسل جداولها بفيض دموعها ... وانضح جوانحها بفضل سجالها أنا من بقيّة معشر عركتهم ... هذي النّوى عرك الرّحى بثفالها «7» أكرم بها فئة أريق نجيعها ... بغيا فراق العين حسن جمالها «8» حلّت مدامة وصلها وحلت لهم ... فإن انتشوا فبحلوها وحلالها بلغت بهرمس غاية ما نالها ... أحد وناء بها لبعد منالها وعدت على سقراط صورة «9» كأسها ... فهريق ما في الدّن من جريالها الجزء: 2 ¦ الصفحة: 399 وسرت إلى فاراب منها نفحة ... قدسيّة جاءت بنخبة آلها «1» ليصوغ من ألحانه في حانها ... ما سوّغ القسيس من أرمالها وتعلقت «2» في سهرورد «3» فأسهرت ... عينا يؤرّقها طروق خيالها فخبا شهاب الدّين لمّا أشرقت ... وخبا «4» فلم يثبت لنور جلالها ما جنّ مثل جنونه أحد ولا ... سمحت يد بيضا بمثل نوالها وبدت على الشّوذيّ «5» منها نفحة «6» ... ما لاح منها غير لمعة آلها بطلت حقيقته وحالت حاله ... فيما يعبّر عن حقيقة «7» حالها هذي صبابتهم ترقّ صبابة ... فيروق شاربها صفاء زلالها اعلم أبا الفضل بن يحيى أنني ... من بعدها أجري على آسالها «8» فإذا رأيت مولّها «9» مثلي فخذ ... في عذله إن كنت من عذّالها لا تعجبنّ لما ترى من شأنها ... في حلّها إن كان أو ترحالها فصلاحها بفسادها ونعيمها ... بعذابها ورشادها بضلالها ومن العجائب أن أقيم ببلدة ... يوما وأسلم من أذى جهّالها شغلوا بدنياهم أما شغلتهم ... عنّي فكم ضيّعت من أشغالها حجبوا بجهلهم فإن لاحت لهم ... شمس الهدى عبثوا «10» بضوء ذبالها وإن انتسبت فإنني من دوحة ... تتقيّل «11» الأقيال برد ظلالها من حمير من ذي رعين من ذرى «12» ... حجر من العظماء من أقيالها وإذا رجعت لطينتي معنى فما ... سلسالهم «13» بأرقّ من صلصالها الجزء: 2 ¦ الصفحة: 400 لله درّك أيّ نجل كريمة ... ولدته فاس منك بعد حبالها «1» ولأنت لا عدمتك والد فخرها ... وسماك سؤددها وبدر كمالها اغلظ على من عاث من أنذالها ... واخشع لمن تلقاه من أبدالها والبس بما أوليتها من نعمة ... حلل الثّناء وجرّ من أذيالها خذها أبا الفضل بن يحيى تحفة ... جاءتك لم ينسج على منوالها ما جال في مضمارها شعر ولا ... سمحت قريحة شاعر بمثالها وأثل أبا البركات من بركاتها ... وادفع محال شكوكه بمحالها «2» هذه، أمتع الله ببقائك، وأسعد بلقائك، وأراها بما تؤمّله من شريف اعتنائك، وترجوه من جميل احتفائك، ما تعرف به من احتذائك، وتعترف له ببركة اعتفائك، كريمة الأحياء، وعقيلة الأموات والأحياء، بنت الأذواء والأقيال، ومقصورة الأسرّة والحجال، بل أسيرة الأساوير والأحجال، على أنها حليفة آلام وأوصأب، وأليفة أشجان وأطراب، صبابة أغراب من صيّابة أعراب، جاورت سيف بن ذي يزن في رأس غمدان، وجاوزت مسلمة بن مخلد يوم جابية الجولان، وذلقت لسان ابن أخته حسّان، فتضاءلت لرقة حدّه جسوم بني عبد المدان، وقرّبه وما شيم من غمده قيد ابن الإطنابة بين يدي النّعمان، قربت ببني جفنة مزار جلّق، وسعرت لبني تميم نار محلق، ومرّت على معتاد غالب فما أنست ناره، وطافت ببيت عبد الله بن دارم فلم ترض جواره، ولو حلّت بفنائه، واستحلّت ما أحلّ لها من مبذول حبائه، لاغتفر لها ما جنته ببطن أواره، ولحلّت لها حبوتا مجاشع وزراره، مزقت على مزيقيا حللا، وأذهبت يوم حليمة مثلا، وأركبت عنزا شرّ يومها يجدع جملا، وناطت بأذن مارية قرطها، وجرّت على أثر الكندي مرطها، وقفها بين الدّخول فحومل فوقفت، وأنفها يوم دارة جلجل فأنفت منه وما ألفت، عقر ناقته وانتهس عبيطها، ودخل خدر عنيزة وأمال غبيطها. أغرت أبا قابوس بزياد، وأسرجت للزبيدي فرس أبي داود ونافرت بحاتم طيّ كعب إياد، وساورت للمساور، بمثل جوده السّائر. ولئن بلت الجعفري لبيدا، فلقد استعبدت الأسدي عبيدا، وقطعت به في أثر سليماه الأسدية بيدا، أرته المنيّة على حربة هندها الملحوب، وما حال قريضه، دون جريضه، وأقفر من أهله ملحوب، وما زالت تخبط في شعاب الأنساب فترشد، وتنشد ضالتها اليمانية، فتنشد: [الكامل] إن كنت من سيف بن ذي يزن ... فانزل بسيف البحر من عدن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 401 وذر الشآم وما بناه به الر ... روميّ من قصر ومن فدن تعلف سيل العرم وتردغسان، وتمهد لها أهضام تبالة فتقول: مرعى ولا كالسّعدان «1» ، تساجل عن سميحة بابن خرام، وتناضل بسمير يوم خزام، وتنسى قاتل ستة آلاف، وكاسي بيت الله الحرام ثلاثة الأفواف، فلو ساجلت بنبعها أبا كرب، وأرته ضراعة خدّها التّرب، لساجلت به أخضر الجلدة في بيت العرب، ماجدا يملأ الدّلو إلى عقد الكرب، بل لو حطت بفناء بيتها الحجري رحلها، وساجلت بفناء جدّها ذي رعين لاستوفت سجلها. كم عاذت بسيفها اليزني، فأدركت ذحلها، ولاذت بركنها اليمني، فأجزل محلها، ولو استسقت بأوديتها لأذهبت محلها. كافحت عن دينها الحنيفيّ، فما كهم حسامها، ونافحت عن نبيّها الأمّيّ فأيّدت بروح القدس سهامها. سدّت باب الدرب دون بني الأصفر، وشدّت لموته ثوب موت أحمر، وما شغلها كسر تاج كسرى عن قرع هامة قيصر. ولقد حلّت من سنام نسبها اليعربي باسمك ذروة، وتعلّقت من ذمام نبيّها العربي بأوثق عروة. تفرّد صاحب تيماء بأبلقه الفرد فعزّ، وتمرّد ربّ دومة الجندل لما كان من مارد في حرز، فما ظنك، أعزك الله، بمن حلّ من قدسي عقله، بمعقل قدس، يطار إليه فلا يطار، وراد من فردوس أدبه في جنّة لا يضام رائدها ولا يضار. زها بمجاورة الملك، فازدهى رؤساء الممالك، وشغف بمجاورة الملك، فاشتغل عن مطالعة المسالك، أيشقّ غباره، وعلى جبين المرزم مثاره، أو ينتهك ذماره، وقلب الأسد بيته ودار أخيه أسامة زاره. ولما قضت من أنديتها العربية أوطارها، واستوفت على أشرف منازعها الأدبية أطوارها، وعطّرت بنوافح أنفاسها الذّكية آثارها، وأطلعت في ظلم أنفاسها الدّجوجية كواكبها النيّرة وأقمارها، عطفت على معقلتها الشاذلية فحلّت عقالها، وأمر لها فراق الوطن فلمّا استمرّ لها حلالها، استودعت بطنان تبالة آلها، وتركت أهضامها المخصبة وحلالها، أطلّت على دارات العرب فحيّت أطلالها، ودعت لزيارة أختها اليونانية أذواء حمير وأقيالها. أطمعتها بلمعيّة ألمعيّتها الأعجمية، ومثلها يطمع، وجاء بها من قدماء الحكماء كلّ أوحدي الأحوذية، فباتت تخبّ إليه وتوضع، باحثة عن مركز دارتهم الفيثاغورية، آخذة في إصلاح هيئتهم الإنكساغورية، مؤثرة لما تدلّ عليه دقائق حقائق بقايا علوم مقايسهم البرهانية، وتشير إليه رموز كنوز وصايا علماء نواميسهم الكلدانية، من مأثور تأثير لاهوتية قواهم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 402 السّيماوية، راغبة فيما يفاض على مادتها الجسمانية، ويطرأ على عاقليّتها الهيولانية، من علويات آثار مواهبها الربّانية، موافقة لمثلهم المفارقة أفضل موافقة، موافقة لما وافق من شوارد آرائهم الموفّقة أحسن موافقة. وتحت هذه الأستار محذرات أسرار أضرّ بها الإسرار، وطالما نكر معارفها الإنكار، ونقلت من صدور أولئك الصّدور إلى بطون هذه الأوراق، في ظهور فوق دفاتر فلسفيات معاني علومهم الرّقاق. وفي تلك المغاني، أبكار معاني، سكن الجوانح والصدور، بدل الأرائك والخدور، ولحن في دياجي، ظلم هذه الأحاجي، كأقمار في أطمار بهرن وما ظهرن، وسطعن وما لمعن، فعشقن وما رمقن، واستملحن وما لمحن. أدرن خمور أجفانهن، على ماخوريات ألحانهن، فهيّجت البلابل، نغم هذه البلابل، واستفرغته الأكياس، مترعات تلك الأكواس. ما سحر بابل، كخمر بابل، ولا منتقى أغانيهن الأوائل، كحمائمكم الهوادل، إن وصلت هديلها بحفيف، وصلن ثقيلهن بخفيف. إيه أيها الشّمري المشمعل، دعنا من حديثك المضمحل، سر بنا أيها الفارس النّدس «1» ، من حظيرة النّفس، إلى حضرة القدس، صرّح بإطلاق الجمال، وجل من عالميّتك الملكوتية في أفسح مجال، تمش بين مقاصر قصورها، ومعاصر خمورها، رخيّ البال، مرخيّ السربال، فما ينسج لك على منوال، نادم عليها من شغف دنّ سقراط، إن استحسنت لها حسان فما يصلح لك صالح بن علاط، بت صريع محيّاها فقد أوصت بمعالجة عقير معاقرة عقارها بقراط، لا تخش صاحب شرطتها فلا شرط له عليك ولا اشتراط، ما لك غير مبديك الأول، من قال امتثل الأمر وما عليك من أمر وال. على رسلك ما هذا العجل، لا خطأ تتوقعه ولا خطل، أمكره أنت في هذه الكريهة، أم بطل. لو علم أنك ضبارية هذا الخميس، وخبعثة ذلك الخميس، لما عانى اليمّ رسيس، شوقا إليك محمد بن خميس، على أن لا غالب اليوم لأني غالب، ولا طالب يدرك شأو هذا الطالب، فقه بلا تفهق، وحذق في تحذلق. أقسم أبا الفضل بما لك على أبي البركات من الفضل، ذلك العراقي الأرومة، لا هذا الفارسي الجرثومة، وإن يك ذلك، إسرائيلي الأصل، وهذا إسماعيلي الجنس، علوي الفضل. فلتلك الذات، شرف تلك الأدوات. قدّم لي غالبنا المذكور، من بأسه الغرّ لأرفع وأسمى من مقعد رقوطيّهم المشهور، من إغرناطة الحمراء، ومن متبوّإ أبي أميّتهم المرحوم من جنّات جزيرتهم الخضراء، فيما لنت أبا الفضل من هذه العربجة، وألوك، أرأيت في عمرك مثل هذا الصعلوك؟ لا والله ما على ظهر هذه الغبرا، من يتظاهر بمثل هذه المعرفة في بني غبرا. فأي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 403 شيء هذا المنزع؟ إيش، لا حال لنا معك ولا عيش، من يضحك على هذا الطيش. ما هذا الخبل، أخمار بك أم ثمل؟ ارجع إلى ما كنت بصدده وقيت الزّلل، خذ في الجدّ فما يليق بك الهزل، رقّ عن ذلك فحكّ لنا منه أرقّ غزل، ماذا أقول؟ وأي عقل يطاوعني على هذا المعقول؟ أفحمتني، والله، عن مكالمتكم هذه المحن، ومنعتني من طلب مسالمتكم ما لكم عليّ في دنياكم هذه من الإحن. إن تكلمت كلمت، وإذا استعجمت عجمت. أما لهذه العلة آس، أم على هذه الفيلة مواس؟ ما حيلتي في طبع بلدكم الجاسي؟ أما يلين لضعفي، أما يرقّ قلب زمانكم القاسي؟ ما هذه الدّمن، يا بني خضراوات الدمن، أظهرتم المحن، فقلب لكم ظهر المجنّ «1» . إن مرّ بكم الولي حمّقتموه، وإن زجركم العالم فجرتم عليه ففسّقتموه، وإذا نجم فيكم الحكيم غصصتم به، فكفّرتموه وزندقتموه. كونوا فوضى، فما لكم اليوم مسرى سواه واذهبوا من مراعيكم المستوبلة، حيث شئتم، فقد أهملكم الرعاة. ضيّعتم النص والشرائع، وأظهرتم في بدعكم العجائب والبدائع. نفّقتم النّفاق، وأقمتم سوق الفسوق على ساق. استصغرتم الكبائر، وأبحتم الصّغائر، أين غنيّكم الشاكر، يتفقد فقيركم الصابر؟ أين عالمكم الماهر، يرشد متعلّمكم الحائر. مات العلم بموت العلماء، وحكم الجهل بقطع دابر الحكماء. جرّد لنا شريعتك يا أفضل الشّارعين، أتمّ فيها موعظتك يا أفصح التابعين. لا، والله، ما يوقظكم من هذا الوسن، وعظ الحسن، ولا ينقذكم من فتن هذا الزمن، إلّا سيف معلّمه أبي الحسن، والسلام. قدم غرناطة في أواخر عام ثلاثة وسبعمائة. وتوفي في يوم مقتل صاحبه الوزير أبي عبد الله بن الحكيم؛ فرّ من دهليز جاره فيمن كان بها من الأعلام، بعد أن نهبت ثيابه، حسبما جرى على غيره من الحاضرين، وهو يقول: هكذا تقوم الساعة بغتة. ولقيه بعض قرابة السلطان، ممن كان الوزير قد وتره، فشرع الرّمح إليه، فتوسّل إليه برسول الله، فلم يقبل منه، وطعنه، فقتله يوم عيد الفطر عام ثمانية وسبعمائة، وآخر العهد به، مطّرحا بالعراء، خارج باب الفخّارين، لا يعلم قبره؛ لمكان الهرج في تلك الأيام، نسأل الله جميل ستره، وساء بأثر قتله إياه حال ذلك الرجل وفسد فكره، وشرد نومه وأصابته علّة رديّة، فكان يثب المرة بعد الأخرى، يقول: ابن خميس يقتلني، حتى مات لأيام من مقتل المذكور. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 404 محمد بن عمر بن علي بن إبراهيم المليكشي «1» يكنى أبا عبد الله. حاله: كان فاضلا، متخلقا، أديبا، شاعرا، صوفيا، جميل العشرة، حسن الخلق، كريم العهد، طيّب النفس. كتب عن الأمراء بإفريقية، ونال حظوة، ثم شرّق وحجّ، ولقي جلّة، ووصل الأندلس عام ثمانية عشر وسبعمائة، فلقي بغرناطة حفاية، وانسحبت بها عليه جراية، ثم انصرف إلى وطنه، وناله به اعتقال، ثم تخلّص من النّكبة، وأقام به، يزجى وقته إلى آخر عمره. وجرى ذكره في «الإكليل الزاهر» «2» : كاتب الخلافة، ومشعشع الأدب المزري «3» بالسّلافة، كان، يرحمه الله، بطل مجال، وربّ رويّة وارتجال، قدم على هذه البلاد وقد نبا به وطنه، وضاق ببعض الحوادث عطنه، فتلوّم بها تلوّم النسيم بين الخمائل، وحلّ بها «4» محل الطّيف من الوشاح الجائل، ولبث مدة إقامته تحت جراية واسعة، وميرة «5» يانعة. ثم آثر قطره، فولّى وجهه شطره، واستقبله دهره بالإنابة، وقلّده خطّة الكتابة، فاستقامت «6» حاله، وحطّت رحاله. وله شعر أنيق، وتصوّف وتحقيق، ورحلته «7» إلى الحجاز سببها «8» في الخبر وثيق، ونسبتها «9» في الصالحات عريق. شعره: نقلت من خطّ الوزير أبي بكر بن ذي الوزارتين، مما قيّد عنه، وكان خبيرا بحاله «10» : [الطويل] رضى نلت ما ترضين «11» من كلّ ما يهوى ... فلا توقفيني «12» موقف الذلّ والشّكوى وصفحا عن الجاني المسيء لنفسه ... كفاه الذي يلقاه من شدّة البلوى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 405 بما بيننا من خلوة معنوية ... أرقّ من النجوى وأحلى من السّلوى قفي أتشكّى لوعة البين ساعة ... ولا يك هذا آخر العهد بالنّجوى قفي ساعة في عرصة الدار وانظري ... إلى عاشق لا يستفيق من البلوى وكم قد سألت الريح شوقا إليكم ... فما حنّ مسراها إليّ «1» ولا ألوى فيا ريح، حتى أنت ممّن يغار بي ... ويا نجد، حتى أنت تهوى الذي أهوى خلقت ولي قلب جليد على النّوى ... ولكن على فقد الأحبّة لا يقوى وحدّث «2» بعض من عني بأخباره، أيّام مقامه بمالقة واستقراره، أنه لقي ليلة «3» بباب الملعب من «4» أبوابها ظبية من ظبيات الإنس، وفتنة من فتن «5» هذا الجنس، فخطب وصالها، واتّقى بفؤاده نصالها، حتى همّت بالانقياد، وانعطفت انعطاف الغصن الميّاد، فأبقى على نفسه وأمسك، وأنف من خلع العذار بعد ما تنسّك، وقال «6» : [الكامل] لم أنس وقفتنا بباب الملعب ... بين الرّجا واليأس من متجنّب وعدت فكنت مراقبا لحديثها ... يا ذلّ وقفة خائف مترقّب وتدلّلت «7» فذللت بعد تعزّز ... يأتي الغرام بكلّ أمر معجب بدويّة أبدى الجمال بوجهها ... ما شئت من خدّ شريق «8» مذهب تدنو وتبعد نفرة وتجنّيا «9» ... فتكاد تحسبها مهاة الرّبرب «10» ورنت بلحظ فاتر لك فاتن «11» ... أنضى وأمضى من حسام المضرب وأرتك بابل سحرها بجفونها ... فسبت، وحقّ لمثلها أن تستبي «12» وتضاحكت فحكت بنيّر ثغرها ... لمعان «13» نور ضياء برق خلّب «14» بمنظّم في عقد سمطي جوهر ... عن شبه نور الأقحوان الأشنب الجزء: 2 ¦ الصفحة: 406 وتمايلت كالغصن أخضله النّدى «1» ... ريّان من ماء الشبيبة مخصب تثنيه أرياح «2» الصّبابة والصّبا ... فتراه بين مشرّق ومغرّب أبت الرّوادف أن تميل بميله ... فرست وجال كأنه في لولب متتوّجا بهلال وجه لاح في ... خلل السجوف «3» لحاجب ومحجّب يا من رأى فيها محبّا مغرما ... لم ينقلب إلّا بقلب قلّب ما زال مذ ولّى يحاول حيلة ... تدنيه من نيل المنى والمطلب فأجال نار الفكر حتى أوقدت ... في القلب نار تشوّق وتلهّب فتلاقت الأرواح قبل جسومها ... وكذا البسيط يكون قبل مركّب ومن مقطوعاته البديعة، مما سمع منه بغرناطة، حرسها الله، أيام مقامه بها قوله «4» : [الطويل] أرى لك يا قلبي بقلبي محبّة ... بعثت بها سرّي إليك رسولا فقابله بالبشرى «5» وأقبل عشيّة ... فقد هبّ مسك «6» للنسيم عليلا ولا تعتذر بالقطر أو بلل الندى ... فأحسن ما يأتي النسيم بليلا ونقلت من خط الفقيه القاضي أبي جعفر الرّعيني، مما أملاه عليّ بمنزله بغرناطة، قال: وحضرت في عام ثلاثة عشر وسبعمائة، يوم إحرام الكعبة العليّة، وذلك في شهر ذي القعدة على اصطلاحهم في ذلك، وصفته أن يتزيّن سدنة البيت من شيبة بأحسن زي، ويعمدوا إلى كرسي يصل فيه صاعده إلى ثلث الكسوة، ويقطعها من هنالك، ويبقى الثلثان إلى الموسم، وهو يوم مشهود عند سكان الحرم، يحتفل له، ويقوم المنشدون أدراج الكعبة ينشدون. فقلت في ذلك: [الطويل] ألم ترها قد شمّرت تطلب الجدّا ... وتخبر أنّ الأمر قد بلغ الحدّا؟ فجدّ كما جدت إليها وشمّر ... عن السّاعد الأقوى تنل عندها سعدا طوت بردها طيّ السّجلّ كناية ... لأمر خفيّ سرّه طوت البردا وأندت محيّاها فحيّي «7» جماله ... وقبّل على صوت المقى «8» ذلك الخدّا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 407 فكم سترت سود البرود جمالها ... وغطّته لكن عن سنها الرمدا «1» وكم خال ذاك الخال عما مقصّر ... عن العلم بالأنساب لا يعرف الحدّا لقد سفرت عن وجهها الكعبة التي ... لها الحجر «2» المسنيّ في حسنها المبدا وقالت ألا أين مكلّلي، قصدوا إلى «3» ... جمالي فقد أبدى الحجاب الذي أبدا فلبّت لها العشّاق من كل جانب ... يؤمّونها يستقربون لها البعدا فمن ندف أشفى على تلف ومن ... محبّ على قرب يهيم بها وجدا ومن ساهر على النجوم ولم يذق ... بعينيه طعم النور أو يبلغ القصدا يسائل عن بدر وبدر تجاهه ... كذاك «4» اشتراك اللفظ قد ينغص الخدا ومن مستهام لا يقرّ قراره ... كأنّ به من حرّ أشواقه وقدا يقلّب قلبا بين جنبيه موريا ... أوار الأسى فيه فتحسبه زندا إذا ما حدا حادي الرّكاب ركابه ... كأنّ قلوب الراكبين له نجدا أحاد بها إن أنت جئت بها منى ... ونلت المنى والأمن فانزل ورد وردا ولا خوف هذا الخيف «5» والتربة التي ... سرت بهما «6» قد عيّن المصطفى عدّا وفي عرفات فاعترف وانصرف إلى ... مشاعر «7» فيها يرحم المالك العبدا وإن كنت من أوفى العبيد جرائما ... فحسّن نبيل العقد من ربّك العقدا لئن صدقت فيك الوعيد جرائم ... فعفوا جميل «8» الصفح يصدقك الوعدا وعد مفضيا للبيت طف واستلم وقم ... بها للمقام الرحب واسجد وكن عبدا ورد في الثنا والحمد والشكر واجتهد ... فمن عرف الإحسان زادته حمدا وعج نحو فرض الحب واقض حقوقه ... وزر قبر من أولاك من هديه رشدا قال: وكنت في زمن الحداثة، أفضّل الأصيل على السّحر، وأقول فيه رقّة المودّع ورقّة المعتذر. فلمّا كان أوان الأسفار، واتصلت ليالي السير إلى أوقات الجزء: 2 ¦ الصفحة: 408 الأسحار، رأيت أفق الشرق، ووجدت القائل بفضل السّحر أصدق، فابتدأت راكبا، فلمّا جئت لذكر الجناب العليّ النبوي، أتممت ماشيا، وأنا في رملة بين مصر وعقبة إيله، وقلت: [البسيط] ما أحسن الأفق الشرقيّ إسفارا ... فكم هذا في دجى الإدلاج أسفارا إذا بدا سارت الأظعان هادية ... له وصارت به الظلماء أنوارا يجلو غياهب ليل طالما سدلت ... على المحبين في الظلماء أستارا ونمّ منه نسيم ثم ذا بعد ... على أحاديث كانت ثمّ أسرارا سرت سحيرا فبرّت سرّ ذي سحر ... أهدت له ريح من يهواه معطارا سرت ببانات أكناف اللّوى فغدت ... كأنّ دارين قد أصبحت دارا طابت بطيبة أرواح معطرة ... بها فأصبح أفق الشوق عطّارا كأنما فلق الإصباح حين بدا ... خدّ وبهجة «1» حسن الشمس قد وارى حقي بدت وتبدّت حسن صورتها ... فعمّت «2» الأرض أنجادا وأغوارا كأنه دعوة المختار حين بدت ... دانت لها الخلق إعلانا وإصرارا من نوره كل نور أنت تبصره ... ونوره زاد للأبصار «3» إبصارا هدا به الله أقواما به سعدا «4» ... لولاه كانوا مع الكفر كفّارا هو الشّفيع الذي قالت شفاعته ... للموبقين ألا لا تدخلوا النّارا هو العفوّ «5» عن الجاني وإن عظمت ... من المسيء ذنوب كان غفّارا هو الكريم الذي ما ردّ سائله ... يوما ولو كرّر التّسآل تكرارا هو الحبيب الذي ألقى محبته ... في كل قلب فقلبي نحوه طارا أحبّه كلّ مخلوق وهام به ... حتى الجمادات أحجارا وأشجارا وانشقّ بدر الدّجى من نور غرّته ... وانهلّت السّحب من كفّيه أنهارا ومن مقطوعاته، قال: ومما نظمته في ليل السّرى، وتخيل طيف الكرى، مبدأ قصيد قصدته، أي معنى أردته، أشغل عنه ما بي منه: [الخفيف] منع الهجر من سليمى هجوعا ... فانثنى طبعها يريد الرّجوعا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 409 بعثته ليلا يعلّل قلبا ... مستهاما بها محبّا ولوعا لم يجد غير طرف جفن قريح ... شاخصا نحوها يذرّ الدّموعا وكتب إلى صديقه شيخنا أبي بكر بن شبرين من بجاية، وهو معتقل بقصبتها، وقد امتحنه بذلك أبو عبد الله بن سيد الناس: [الخفيف] شرح حالي لمن يريد سؤالي ... إنني في اعتقال مولى الموالي «1» مطلق الحمد والثناء عليه ... وهو للعطف والجميل موال لا أرى للولاة فيّ احتكاما ... ووليّ مال على كل وال أرتجي بالمصاب تكفير ذنبي ... حسبما جاء في الصّحاح العوالي «2» لا تدوم الدّنا ولا الخير فيها ... وكذا الشّرّ ذا وذا للزوال فاغتنم ساعة الوصال وكم من ... محنة وهي منحة من نوال فإذا غبت عنك فاحضر تجدها ... للجواب المفيد عن السؤال «3» فهي نور النهار «4» والنور منها ... وهي الأنس في الليالي الطوال فاستدمها تدم ولا تضج منها ... وأدرها على اليمين ووال فإنّ الكأس مجراها على اليمين، ومسراها لفي الصبح المبين، تغني عن الإصباح والمصباح، وتدني لهم معنى النور المشرق في الوجوه الصّباح، وتجري في الأشباح، فتسري في الأرواح. وهذه الرسالة طويلة، فيها كل بديع من نظم ونثر. فأجابه رحمه الله: [الخفيف] أرغمن هذه القيود الثّقال ... ربّ ودّ مصيره للتّغالي «5» طال صبري على الجديدين حتى ... كدت مما لقيت أن يشفقا لي «6» إنّ بعض الرضا لديه فسيح ... أيّ مدّ «7» به وأيّ ابتقال حاش لله أن أكون لشيء ... شاده الصانع القديم بغال إن عندي من الثناء عليه ... لأماني لم يملهنّ القالي «8» يا إمامي الذي بودّي لو أم ... كن نصلي «9» إليه أوّار قال الجزء: 2 ¦ الصفحة: 410 ارج دنياك وارج مولاك واعلم ... أنّ راجي سواه غير مقال وابتغاء الثواب من ربّك اعمل ... فهو يجزي الأعمال بالمثقال واغتنم غيبة الرّقيب ففيها ... لقلوب الرجال أيّ صقال وأحل في الوجود فكر غنيّ ... عن ضروب الإنعام والأحقال وإذا الوقت ضاق وسّعه بالصّب ... ر ولا تنس من شهير المقال ربما تكره النفوس من الأم ... ر له فرحة كحلّ العقال لا غرو أن وقع توان، أو تلوّم دهر ذو ألوان، فالأمر بين الكاف والنون، ومن صبر لم يبوء بصفقة المغبون، وللسعداء تخصيص، ومع التقريب تمحيص، وما عن القضاء محيص، والمتصرف في ماله غير معتوب، وقديم الحقيقة إلى الحيف ليس بمنسوب. وقد ورد خطاب عمادي أطاب الله محضره، وسدّد إلى المرامي العليّة نظره، ناطقا بلسان التفويض، سارحا من الرّضا في الفضاء العريض، لائذا بالانقياد والتسليم، قائما على أسكفّة «1» باب الأدب لمثابة حكم الحكيم. ومنها: والوقائع عافاكم الله وعّاظ، ونحن هجود وفي الحيّ أيقاظ، وما كل المعاني تؤديها الألفاظ. وهذا الفنا الذي نشأ عن الوقت، هو إن شاء الله عين البقيا. وإذا أحبّ الله عبدا حماه الدنيا، وما هي إلّا فنون، وجنون فنون، وحديث كله مجون. وقد يجمع الله الشتيتين، ولن يغلب عسر يسرين ولا باس، ويا خطب لا مساس، وأبعد الله الياس، وإنما يوفي الأجر الصابرون، ولا ييأس من روح الله إلّا القوم الكافرون. وهي طويلة بديعة. أسمع بحضرة غرناطة لما قدم عليها وارتسم في جملة الكتاب بها، وحدّث عن رضي الدين أبي أحمد إبراهيم الطهري، بسماعه من الشريف يونس بن يحيى الهاشمي، بسماعه من أبي الوقت طرّاد. وعن الإمام سراج الدين أبي حفص عمر بن طراد المعري القاضي بالحرم الشريف، وعن شرف الدين أبي عبد الله محمد بن عبد الحميد الهمداني، وعن الإمام بهاء الدين الخميري عن أبي الطاهر السّلفي، وعن جماعة غيرهم، وكان وروده على الأندلس في أوائل عام خمسة عشر وسبعمائة، وحضر بها غزوات، ولقي من كان بها من الأعلام. ثم انصرف عنها في أوائل عام ثمانية عشر، وأحلّ بسبتة، فأكرم رئيسها أبو عمر يحيى بن أبي طالب العزفي قدومه، وأنزله بدار جليلة كان بها علو مطلّ على البحر، لم يتمكن من مفتاحه، لأمر اقتضى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 411 ذلك، فكتب إليه: [الكامل] يا صاحب البلد المليح المشرق ... ما مثله في مغرب أو مشرق منها: وخفضت عيشي فيه فارفع منزلي ... حتى أرى الدنيا بطرف مطرق وتجول في البلاد، ولقي من بها، واتصل بالأمير أبي علي بسجلماسة، ومدحه بقصيدة حفظ له منها: [الطويل] فيا يوسفيّ الحسن والصّفح والرّضا ... تصدّق على الدنيا بسلطانك العدل ثم اتصل بوطنه. وفاته: نقلت من خط شيخنا أبي بكر المذكور: وفي عام أربعين وسبعمائة، توفي بتونس صاحبنا الحاج الفاضل المتصوّف، الكاتب أبو عبد الله محمد بن علي المليكشي الشهير بابن عمر. صدر في الطلبة والكتاب، شهير ذو تواضع وإيثار، وقبول حسن، رحمه الله. محمد بن علي بن الحسن بن راجح الحسني «1» من أهل تونس، يكنى أبا عبد الله. حاله: هذا «2» الرجل الفاضل، صاحب رواء وأبّهة، نظيف البزّة، فاره المركب، صدوف عن الملّة، مقيم للرسم، مطفّف في مكيال الإطراء، جموح في إيجاب الحقوق، مترام إلى أقصى آماد التوغّل، سخيّ اللسان بالثناء ثرثاره، فكه مطبوع، حسن الخلق، عذب الفكاهة، مخصوص حيث حلّ من الملوك والأمراء بالأثرة، وممّن دونهم بالمداخلة والصّحبة، ينظم الشّعر، ويحاضر بالأبيات، ويتقدّم في باب التّحسين والتّقبيح، ويقوم على تاريخ بلده، ويثابر على لقاء أهل المعرفة والأخذ عن أولي الرواية. قدم على الأندلس في إحدى جمادين، عام خمسين وسبعمائة، مفلتا من الوقيعة «3» بالسلطان أبي الحسن بالجهات الشرقية، بأيدي بني زيّان وأحلافهم، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 412 فمهّد له سلطانها، رحمه الله، كنف برّه، وأواه إلى سعة رعيه، وتأكّدت بيني وبينه صحبة. شعره: كتبت إليه لأول قدومه بما نصّه: أحذو حذو أبيات، ذكر أنّ شيخنا أبا محمد الحضرمي خاطبه بها «1» : [الطويل] أمن جانب الغربيّ نفحة بارح ... سرت منه أرواح الجوى في الجوانح «2» قدحت بها زند الغرام وإنما ... تجافيت في دين السّلوّ لقادح وما هي إلا نسمة حاجريّة ... رمى الشوق منها كلّ قلب بقادح رجحنا لها من غير شكّ كأنها ... شمائل أخلاق الشّريف ابن راجح فتى هاشم سبقا إلى كلّ عليّة «3» ... وصبرا مغار الفتل «4» في كلّ فادح «5» أصيل العلا، جمّ السيادة، ذكره ... طراز نضار في برود المدائح وفرقان مجد يصدع الشّكّ نوره ... حبا الله منه كلّ صدر بشارح وفارس ميدان البيان إذا انتضى ... صحائفه أنست مضاء الصّفائح رقيق كما راقتك نغمة ساجع ... وجزل كما راعتك صولة جارح إذا ما احتبى مستحفزا «6» في بلاغة ... وخيض «7» خضمّ القول منه بسابح وقد شرعت في مجمع الحفل نحوه ... أسنّة حرب للعيون اللّوامح فما ضعضعت منه لصولة صادح «8» ... ولا ذهبت منه بحكمة ناصح تذكّرت قسّا قائما في عكاظه ... وقد غصّ بالشّمّ الأنوف الجحاجح ليهنك شمس الدين ما حزت من علا ... خواتمها «9» موصولة بالفواتح رعى الله ركبا أطلع الصبح مسفرا ... لمرآك من فوق الرّبى والأباطح «10» ومنها: أقول لقومي عندما حطّ كورها ... وساعدها السّعدان وسط المسارح «11» الجزء: 2 ¦ الصفحة: 413 ذروها وأرض الله لا تعرضوا لها ... بمعرض سوء فهي ناقة صالح إذا ما أردنا القول فيها «1» فمن لنا ... بطوع القوافي وانبعاث القرائح بقيت منى نفس وتحفة رائد «2» ... ومورد ظمآن وكعبة مادح ولا زلت تلقى الرحب «3» والبرّ حيثما ... أرحت السّرى من كلّ غاد ورائح فأجابني بما نصه «4» : [الطويل] أمن مطلع الأنوار لمحة لامح ... تعار لمفقود «5» عن الحيّ نازح؟ وهل بالمنى من مورد الوصل يرتوي ... غليل عليل للتواصل جانح؟ فيا فيض عين الدمع ما لك والحمى ... ورند الحمى والشّيح شيح المشايح «6» مرابع آرامي ومورد ناقتي ... فسقيا لها سقيا لناقة صالح سقى الله ذاك الحيّ ودقا «7» فإنه ... حمى لمحات العين عن لمح سامح» وأبدى لنا حور الخيام تزفّ في ... حلى الحسن والحسنى وحلي الملامح ترى حيّ تلك الحور للحور مهيع «9» ... يدلّ، وهل حسم لداء التّبارح؟ ويا دوحة الريحان «10» هل لي عودة ... لعقر عقار «11» الأنس بين الأباطح؟ وهل أنت إلّا طلّة «12» حاتميّة ... تغصّ نواديها بغاد ورائح أقام بها الفخر الخطيب «13» منابرا ... لترتيل آيات النّدى والمنائح وشفّع بالإنجيل حمد مديحه ... وأوتر بالتّوراة شفع المدائح وفرّق بالفرقان كلّ فريقة ... نأت عن رشاد فيه معنى «14» النصائح وهل هو إلّا للبريّة مرشد ... لكلّ هدى هاد لأرجح راجح فبشرى «15» لسان الدين ساد بك الورى ... وأورى الهدى للرّشد أوضح واضح الجزء: 2 ¦ الصفحة: 414 متى قلت لم تترك مقالا لقائل ... فإن «1» لم تقل لم يغن حمد «2» لمادح فمن حام بالحيّ الذي أنت أهله «3» ... وعام ببحر من عطائك «4» طافح يحقّ له أن يشفع الحمد بالثّنا ... ويغدو بذاك البحر أسبح سابح ويا فوز ملك دمت صدر صدوره ... وبشرى له قد راح أربح رابح بآرائك التي تدلّ على الهدى ... وتبدي لمن خصصت سيل «5» المناجح ملكت خصال السّبق في كل غاية ... وملّكت من «6» ملكت يا ابن الجحاجح «7» مطامح آمال لأشرف همّة ... أقلّ مراميها أجلّ المطامح فدونكها يا مهدي المدح مدحة ... أحببت بها عن مدح أشرف مادح تهنّيك «8» بالعام الذي عمّ حمده «9» ... مواهب هاتيك البحار الطوافح فخذها سميّ الفخر يا خير مسبل ... على الخلق إغضاء «10» ستور التسامح ودم خاطب العليا لها خير خاطب ... وأتوق توّاق وأطمح طامح وتلقاني بمالقة عند قدومي من الرّسالة إلى المغرب، في محرم عام ستة وخمسين وسبعمائة، ونظم لي هذه الأبيات، ولا حول ولا قوة إلا بالله: [الطويل] قدومك ذا أبدى لذي الراية الحمرا ... ثغور الرّضى تعبر عن شنب البشرا وأينع فجر الرّشد من فلق الهدى ... وكوّنه نهرا وفجّره فجرا سرينا له كي يحمد السّير والسّرى ... ونرقب شمس الدين من فرعك الفجرا ونصبح في أحياء للمنّ «11» نستلم ... مواطنكم شفعا وآثاركم وترا ونخطب ما، يا ابن الخطيب، تشاء «12» من ... كرائم ذاك الحيّ إذ نهز الشّعرى فقابلت بالإقبال والبرّ والرّضى ... وأقريت من يقرا وأقررت من قرّا فأبناء قدس الحمد حضرة قدسنا ... وأقدامنا تملا وأمداحكم تقرا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 415 هنيّا لنا نلنا ونلنا ولم نزل ... ننال ولكن هذه المنّة الكبرا رأينا وزير الملد والملك واللّوى ... وحزب اللّوى كلّ يشدّ به أزرا سجدنا وكبّرنا وقلنا: رسولنا ... أتى بالذي يرضي بشرى لنا بشرى ويهني الورى هذا الإياب فإنّ في ... نتائجه للدّهر ما يسهر الدّهرا أرانا سنا ذا اليوم أجمل منظر ... وجلّى لنا من وجهك الشمس والبدرا أما والذي أوليت من نعمة غدت ... تعلّمنا للمنعم الحمد والشكرا لأنت لسان الدّين للدّين حجّة ... تؤيّده سرّا وتعضده جهرا بقيت لنا كتفا منيعا مشرفا ... ودمت له عضدا ودمت له نصرا ودمنا بكم في كلّ أمن ومنّة ... ندير المنى خمرا ونصلي «1» العدا جمرا ومن أمثل ما مدح به السلطان لأول قدومه بالنسبة إلى غير ذلك من شعره: [الطويل] أما والعيون النّجل ترمق عن سحر ... وورد رياض الخدّ والكأس والخمر وريحانه والرّاح والطّلّ والطّلى ... ونرجسه والزّهر والنّور والنّهر ونور جبين الشمس في رونق الضّحى ... وهالة بدر التّمّ منتصف الشّهر لقد قلّدت آراء يوسف ملكه ... قلائد نصر لن تبيد مع الدّهر وقد أيّد «2» الإسلام منه بناصر ... نصير وخير النصر نصر بني نصر هم القوم أنصار النبيّ محمد ... به «3» عصبة الأعلام في اليسر والعسر وحسبك من قوم حموا سيّد الورى ... وقاموا بنصر الحقّ في السّرّ والجهر سقى شرعة الإسلام ودق سيوفهم ... رحيق الأماني طيّب العرف والنّشر فأصبح روض الرّشد يعبق طيبه ... ودوح الهدى بالزّهر أزهاره تزري فيا سائلي عنه وعن سطواته ... إذا لاح محفوفا براياته الحمر وجزّ «4» مع الإقدام جيشا عرمرما ... وشرّد بالتأييد شرذمة «5» الكفر الجزء: 2 ¦ الصفحة: 416 لخلّيلة تنبيك عما وراءها ... ولا غرو فالإفصاح يعرف بالعجز فيا فوز من أدناه بالغنم والغنى ... ويا ويل من أقصاه للقفر والفقر يمينا بما اختارت يداك وأحرزت ... من الملك والتأييد والنّهي والأمر لقد أصعدت مجدي مدائحك التي ... ومجدك والعليا مدحت بها شعري «1» وحقّ لمثلي يشفع الحمد بالثّنا ... ويتلو معانيه مع الشّفع والوتر فأجني ثمار الأنس من روضة المنى ... وأقطف زهر «2» الحمد من شجر الشكر وأشرب ماء الفوز عذبا ختامه ... رحيق براح السّمح في أكؤس البشر ولا برحت أمداحكم تعجز النهى ... وإلّا فكم تنجني من العسر لليسر ولا زالت الأقدار تخدم رأيكم ... وراياتكم ما دام نجم للسّرا يسري وكتب إليّ في غرض يظهر منه نصّ المراجعة، وحسبنا الله «3» : [الطويل] أما والذي لي في حلاك من الحمد ... وما لك ملّاكي عليّ «4» من الرّفد لقد أشعرتني النفس أنك معرض ... عن المسرف اللائي لفطرك يستجدي «5» فإن زلّة منّي «6» بدت لك جهرة ... فصفحا فما والله إذ كنت عن عمد «7» فراجعته بقولي» : [الطويل] أجلّك عن عتب يغضّ من الودّ ... وأكرم وجه العذر منك عن الرّدّ ولكنني أهدي إليك نصيحتي ... وإن كنت قد أهديتها ثم لم تجد إذا مقول الإنسان جاوز حدّه ... تحوّلت الأغراض منه إلى الضّدّ فأصبح منه الجدّ هزلا مذمّما ... وأصبح منه الهزل في معرض الجدّ فما اسطعت «9» فيضا «10» للعنان فإنه ... أحقّ السجايا بالعلاء «11» والمجد الجزء: 2 ¦ الصفحة: 417 توفي يوم الخميس الثالث لشعبان عام خمسة وستين وسبعمائة، وقد ناهز السبعين سنة، ودفن بروضتنا بباب إلبيرة، وأعفي شارب الشّعر من نابي «1» مقصّه. وغير هذه الدعوى قرارها تجاوز القضية. محمد بن علي بن عمر العبدري «2» من أهل تونس، شاطبي الأصل، يكنى أبا عبد الله، صاحبنا. حاله: كان فاضلا من أبناء النّعم، وأخلاف العافية، ولّي أبوه الحجابة بتونس عن سلطانها برهة، ثم عدا عليه الدهر، واضطر ولده هذا إلى اللحاق بالمشرق، فاتصل به سكناه وحجّ، وآب إلى هذه البلاد ظريف النّزعة، حلو الضّريبة، كثير الانطباع، يكتب ويشعر، ويكلف بالأدب، ثم انصرف إلى وطنه. وخاطبني إلى هذا العهد، يعرّفني بتقلّده خطة العلّامة، والحمد لله. وجرى ذكره في كتاب «الإكليل» بما نصّه «3» : غذيّ نعمة هامية، وقريع رتبة سامية، صرفت إلى سلفه الوجوه، ولم يبق بإفريقية «4» إلّا من يخافه ويرجوه، وبلغ هو مدة ذلك الشرف، الغاية من التّرف. ثم قلب الدهر له ظهر المجنّ، واشتدّ به الخمار «5» عند فراغ الدّنّ، ولحق صاحبنا هذا بالمشرق بعد خطوب مبيرة «6» وشدّة كبيرة، فامتزج بسكانه وقطّانه، ونال من اللّذّات ما لم ينله في أوطانه؛ واكتسب الشمائل العذاب، وكان كابن الجهم «7» بعث إلى الرّصافة ليرقّ فذاب، ثم حوّم على وطنه تحويم الطّائر، وألمّ بهذه المدينة «8» إلمام الخيال الزائر، فاغتنمت صفقة ودّه لحين وروده، وخطبت موالاته على انقباضه وشروده، فحصلت منه على درّة تقتنى، وحديقة طيّبة الجنى. شعره: أنشدني في أصحاب له بمصر قاموا ببرّه «9» : [الطويل] لكلّ أناس مذهب وسجيّة ... ومذهب أولاد النظام المكارم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 418 إذا كنت فيهم ثاويا كنت سيّدا ... وإن غبت عنهم لم تنلك المظالم أولئك صحبي، لا عدمت حياتهم ... ولا عدموا السّعد الذي هو دائم! أغنّي بذكراهم وطيب حديثهم ... كما غرّدت فوق الغصون الحمائم ومن شعره يتشوّق إلى تلك الديار، ويتعلل بالتذكار، قوله «1» : [الوافر] أحبّتنا بمصر لو رأيتم ... بكائي عند أطراف النهار لكنتم تشفقون لفرط وجدي ... وما ألقاه من بعد المزار «2» ومن شعره: [الطويل] تغنّى حمام الأيك يوما بذكرهم ... فأطرب حتى كدت من ذكرهم أفنى فقلت: حمام الأيك لا تبك جيرة ... نأوا «3» وانقضت أيام «4» وصلهم عنّا فقال ولم يردد جوابا لسائل ... ألا ليتنا كنا جميعا بذا حقنا «5» ومن جيد شعره الذي أجهد فيه قريحته، قوله يمدح السلطان المعظم أبا الحسن في ميلاد عام سبعة وأربعين وسبعمائة: [الطويل] تقرّ ملوك الأرض أنّك مولاها ... وأنّ الدّنا وقف عليك قضاياها ومنها: طلعت بأفق الأرض شمسا منيرة ... أنار على كل البلاد محيّاها حكيت لنا الفاروق «6» حتى كأننا ... مضينا «7» بعين لا نكذّب رؤياها وسرت على آثاره خير سيرة ... قطعنا بأنّ الله ربّك يرضاها إذا ذكرت سير الملوك بمحفل ... ونادى بها النّادي وحسّن دنياها فجودك روّاها وملكك زانها ... وعدلك زانها «8» وذكرك حلّاها وأنت لها كهف حصين ومعقل ... تلوذ بها أولى الأمور وأخراها الجزء: 2 ¦ الصفحة: 419 ومنها بعد كثير: ومنكم ذوو التّيجان والهمم التي ... أناف على أعلى السّماكين أدناها إذا غاب منهم مالك قام مالك ... فجدّد «1» للبيت المقدّس علياها بناها على التقوى وأسّس بيتها ... أبو يوسف الزّاكي وسيّر مبناها وأورثها عثمن خير خليفة ... وأحلم من ساس الأنام وأنداها وقام عليّ بعده خير مالك ... وخير إمام في الورى راقب الله علي بن عمر بن يعقوب ذو العلا ... مذيق الأعادي حيثما سار بلواها أدام الله وأعطى الخلافة وقتها ... ونوّر أحلاك الخطوب وجلّاها ووصلني كتاب منه مؤرخ في التاسع عشر من شهر شعبان المكرم من عام أربعة وستين وسبعمائة، جدّد عهدي من شعره بما نصّه: [الطويل] رحلنا فشرّقنا وراحوا فغرّبوا ... ففاضت لروعات الفراق عيون فيا أدمعي منهلّة إثر بينهم ... كأنّ جفوني بالدموع عيون فيا معهدا قد بنت عنه مكلّفا ... بديلي منه أنّة وحنين سقتك غوادي المزن كرّ عشيّة ... ودادك محلول النطاق هتون فإن تكن الأيام لم تقض بيننا ... بوصل فما يقضى فسوف يكون يعزّ علينا أن نفارق ربعكم ... وأنّا على أيدي الخطوب نهون ولو بلّغتني العير عنكم رسالة ... وساعد دهر باللّقاء ضنين لكنّا على ما تعلمون من الهوى ... ولكن لأحداث الزمان فنون الجزء: 2 ¦ الصفحة: 420 فهرس المحتويات محمد بن يوسف بن إسماعيل بن فرج بن إسماعيل بن فرج بن يوسف بن نصر الخزرجي 3 شيخ الغزاة ورئيس الجند الغربي لأول أمره 5 الأحداث في أيامه 9 الحادثة التي جرت عليه 11 ترتيب الدولة الثانية السعيدة الدور إلى بيعة الكور 14 ظرف السلطان وحسن توقيعه 18 ومن ملوك النصارى 21 بعض مناقب الدولة لهذا العهد 24 الجهاد في شعبان من عام سبعة وستين وسبعمائة 43 الغزاة إلى حصن أشر 45 الغزاة المعملة إلى أطريرة 45 الغزاة إلى فتح جيّان 46 الغزاة إلى مدينة أبدة 46 مولده السعيد النّشيئة، الميمون الطلوع والجيئة 50 محمد بن يوسف بن محمد بن أحمد بن خميس بن نصر بن قيس الخزرجي الأنصاري 51 الملوك على عهده 54 محمد بن عبد الله بن محمد بن عبد الله بن أبي عامر بن محمد بن أبي الوليد بن يزيد بن عبد الملك المعافري، المنصور بن أبي عامر 57 غزواته وظهوره على أعدائه 58 محمد بن عباد بن محمد بن إسماعيل بن محمد بن إسماعيل ابن قريش بن عباد بن عمرو بن أسلم بن عمرو بن عطاف بن نعيم، لخمي النسب 61 توقيعه ونثره في البديهة 66 محمد بن سعد بن محمد بن أحمد بن مردنيش الجذامي 70 الجزء: 2 ¦ الصفحة: 421 ما نقم عليه ووصم به 71 بعض الأحداث في أيامه، ونبذ من أخباره 73 محمد بن يوسف بن هود الجذامي 74 بعض الأحداث في أيامه 75 محمد بن أحمد بن زيد بن أحمد بن زيد بن الحسن بن أيوب بن حامد بن زيد بن منخل الغافقي 77 حاله ونباهته ومحنته ووفاته 77 خبر في وفاته ومعرجه 78 محمد بن أحمد بن محمد الأشعري 79 محمد بن فتح بن علي الأنصاري 80 محمد بن أحمد بن علي بن حسن بن علي بن الزيات الكلاعي 80 محمد بن علي بن عبد الله بن محمد بن الحاج 81 محمد بن رضوان بن محمد بن أحمد بن إبراهيم بن أرقم النّميري 82 محمد بن محمد بن إبراهيم بن محمد بن إبراهيم بن محمد بن خلف بن محمد بن سليمان بن سوار بن أحمد بن حزب الله بن عامر بن سعد الخير بن عيّاش 83 محمد بن عبد الله بن منظور القيسي 101 محمد بن علي بن الخضر بن هارون الغساني 103 محمد بن يحيى بن محمد بن يحيى بن أحمد بن محمد بن أبي بكر بن سعد الأشعري المالقي 106 محمد بن أحمد بن محمد بن محمد بن عبد الله بن محمد بن محمد بن محمد بن علي بن موسى بن إبراهيم بن محمد ابن ناصر بن حيّون بن القاسم بن الحسن بن محمد بن الحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه 110 محمد بن أحمد بن عبد الملك الفشتالي 114 محمد بن محمد بن أحمد بن أبي بكر بن يحيى بن عبد الرحمن بن أبي بكر بن علي بن داود القرشي المقري 116 من فصل الإقبال 125 محمد بن عياض بن محمد بن عياض بن موسى اليحصبي 144 محمد بن عياض بن موسى بن عياض بن عمر بن موسى بن عياض اليحصبي 145 محمد بن أحمد بن جبير بن سعيد بن جبير بن محمد بن سعيد بن جبير بن محمد بن مروان بن عبد السلام بن مروان بن عبد السلام بن جبير الكناني 146 محمد بن أحمد بن محمد بن أحمد بن محمد بن أحمد بن محمد بن عبد الرحمن بن علي بن شبرين 152 محمد بن أحمد بن قطبة الدّوسي 159 الجزء: 2 ¦ الصفحة: 422 محمد بن محمد بن أحمد بن قطبة الدّوسي 161 محمد بن محمد بن محمد بن قطبة الدّوسي 162 محمد بن محمد بن محمد بن أحمد بن قطبة الدّوسي 162 محمد بن محمد بن محمد بن أحمد بن قطبة الدّوسي 163 محمد بن محمد بن أحمد بن محمد بن عبد الله بن يحيى ابن عبد الرحمن بن يوسف بن جزيّ الكلبي 163 محمد بن محمد بن محمد بن عبد الرحمن بن إبراهيم بن يحيى بن محمد بن الحكيم اللخمي 172 محمد بن محمد بن عبد الله بن محمد بن محمد بن علي بن محمد اللّوشي اليحصبي 174 محمد بن محمد بن عبد الرحمن بن إبراهيم بن يحيى بن الحكيم اللخمي 176 محمد بن محمد بن علي بن العابد الأنصاري 181 محمد بن مالك المرّي الطّغنري 182 محمد بن علي بن محمد بن عبد الله بن عبد الملك الأوسي 183 محمد بن علي بن عبد الله بن علي القيسي العرادي 184 محمد بن علي بن العابد الأنصاري 185 محمد بن هاني بن محمد بن سعدون الأزدي الإلبيري الغرناطي 186 محمد بن يحيى بن محمد بن يحيى بن علي بن إبراهيم بن علي الغسّاني البرجي الغرناطي 190 محمد بن يوسف بن محمد بن أحمد بن محمد بن يوسف بن محمد الصّريحي 196 ومن السفر السابع المفتتح بقوله ومن الطّارئين منهم في هذا الباب 207 محمد بن أحمد بن محمد بن أبي خيثمة الجبّائي 207 محمد بن أحمد بن عبد الله بن أحمد الإستجّي الحميري 207 محمد بن أحمد بن علي الهوّاري 216 محمد بن أحمد بن الحدّاد الوادي آشي 220 محمد بن إبراهيم بن خيرة 223 محمد بن إبراهيم بن علي بن باق الأموي 224 محمد بن إبراهيم بن سالم بن فضيلة المعافري 226 محمد بن إدريس بن علي بن إبراهيم بن القاسم 228 شعره ودخوله غرناطة 229 محمد بن محمد بن أحمد الأنصاري 233 محمد بن محمد بن أحمد بن شلبطور الهاشمي 243 محمد بن محمد بن جعفر بن مشتمل الأسلمي 246 محمد بن محمد بن حزب الله 249 محمد بن إبراهيم بن عيسى بن داود الحميري 252 الجزء: 2 ¦ الصفحة: 423 محمد بن محمد بن عبد الله بن مقاتل 261 محمد بن أحمد بن أحمد بن صفوان القيسي 262 محمد بن محمد بن عبد الواحد بن محمد البلوي 262 محمد بن محمد بن الشّديد 267 محمد بن مسعود بن خالصة بن فرج بن مجاهد بن أبي الخصال الغافقي 269 محمد بن مفضل بن مهيب اللخمي 288 محمد بن عبد الله بن داود بن خطاب الغافقي 295 محمد بن عبد الله بن محمد بن لب الأمي 299 محمد بن عبد الله بن الحاج البضيعة 308 محمد بن عبد الله بن فطيس 309 محمد بن عبد الرحمن بن إبراهيم بن يحيى بن محمد بن فتوح بن محمد بن أيوب بن محمد بن الحكيم اللخمي ذو الوزارتين 310 محمد بن عبد الرحمن العقيلي الجراوي 332 محمد بن عبد الرحمن المتأهل 333 محمد بن عبد الملك بن محمد بن محمد بن طفيل القيسي 334 حظوته ودخوله غرناطة 334 محمد بن عبد العزيز بن عبد الرحمن بن عبيد الله بن عيّاش التّجيبي البرشاني 337 بعض أخباره مع المنصور ومحاورته الدّالة على جلالة قدره 339 محمد بن علي بن محمد بن إبراهيم بن محمد الهمداني 341 محمد بن علي بن محمد بن علي بن محمد بن خاتمة الأنصاري 345 محمد بن عيسى بن عبد الملك بن قزمان الزّهري 347 محمد بن غالب الرّصافي 356 محمد بن قاسم بن أبي بكر القرشي المالقي 366 محمد بن سليمان بن القصيرة 367 محمد بن يوسف بن عبد الله بن إبراهيم التميمي المازني 370 «ومن الغرباء في هذا الحرف» محمد بن حسن العمراني الشريف 371 محمد بن محمد بن إبراهيم بن المرادي ابن العشاب 373 محمد بن محمد بن عبد الملك بن محمد بن سعيد الأنصاري الأوسي 375 محمد بن خميس بن عمر بن محمد بن عمر بن محمد بن خميس الحجري حجر ذي رعين التّلمساني 376 محمد بن عمر بن علي بن إبراهيم المليكشي 405 محمد بن علي بن الحسن بن راجح الحسني 412 محمد بن علي بن عمر العبدري 418 الجزء: 2 ¦ الصفحة: 424 [ المجلد الثالث ] [ تتمة قسم الثانى ] بسم الله الرّحمن الرّحيم وصلّى الله على سيّدنا محمد وآله وصحبه وسلّم محمد بن يحيى بن عبد الله بن محمد بن أحمد العزفي «1» من أهل سبتة، أبو القاسم بن أبي زكريا بن أبي طالب. حاله: من أهل الظّرف والبراعة، والطبع المعين، والذكاء، رئيس سبتة، وابن رؤسائها، وانتقل إلى غرناطة عند خلعه وانصرافه عن بلده. أقام بها تحت رعي حسن الرّواء، مألفا للظرفاء، واشتهر بها أدبه، ونظر في الطّبّ ودوّن فيه، وبرع في التّوشيح. ثم انتقل إلى العدوة، انتقال غبطة وأثرة، فاستعمل بها في خطط نبيهة، وكتب عن ملوكها، وهو الآن بالحالة الموصوفة. وجرى ذكره في «الإكليل» بما نصّه «2» : فرع تأوّد من الرئاسة في دوحة، وتردّد بين غدوة في المجد وروحة، نشأ والرئاسة العزفيّة تعلّه وتنهله، والدّهر يسيّر أمله الأقصى ويسهّله، حتى اتّسقت أسباب سعده، وانتهت إليه رياسة سلفه من بعده، فألقت إليه رحالها وحطّت، ومتّعته بقربها بعدما شطّت. ثمّ كلح له الدهر بعد ما تبسّم، وعاد زعزعا «3» نسيمه الذي كان يتنسّم، وعاق هلاله عن تمّه، ما كان من تغلّب ابن عمّه، واستقرّ بهذه البلاد نائي «4» الدار بحكم الأقدار، وإن كان نبيه المكانة والمقدار، وجرت عليه جراية واسعة، ورعاية متتابعة، وله أدب كالرّوض باكرته الجزء: 3 ¦ الصفحة: 3 الغمائم، والزّهر تفتّحت عنه الكمائم، رفع منه راية خافقة، وأقام له سوقا نافقة. وعلى تدفّق أنهاره، وكثرة نظمه واشتهاره، فلم أظفر منه إلّا باليسير التافه بعد انصرافه. شعره: قال: [مجزوء الرجز] أفديك يا ريح الصّبا ... عوجي على تلك الرّبى واحد النّعامى سحرا ... ترسل غماما صبّا على ربى غرناطة ... لكي تقضّي ما ربا ثم ابلغي «1» يا ريح ... عن صبّ سلاما طيّبا ومن منظومه أيضا في بعض القضاة الفاسيّين، وهو من البديع، وورّى فيه ببابين من أبواب المدينة: [المتقارب] وليت بفاس أمور القضاء ... فأحدثت فيها أمورا شنيعه فتحت لنفسك باب الفتوح ... وغلقت للناس باب الشّريعة فبادر مولى الورى فارس ... بعزلك عنها قبيل الذّريعه وقال: [الكامل] دع عنك قول عواذل ووشاة ... وأدر كؤوسك يا أخا اللّذّات واخلع عذارك لاهيا في شربها ... واقطع زمانك بين هاك وهات خذها إليك بكفّ ساق أغيد ... لين المعاطف فاتر الحركات قد قام من ألحاظه إنسانها ... مثبّتا في فترة اللحظات يسقيكها حمراء يسطع نورها ... في الكأس كالمصباح في المشكات رقّت وراقت في الزّجاجة منظرا ... لمّا عدت تجلي على الرّاحات لا تمزجنها في الأبارق إنها ... تبدو محاسنها لدى الكاسات عجبا لها كالشمس تغرب في فم ... لكن مطالعها من الوجنات نلنا بها ما نشتهيه من المنى ... في جنّة تزهى على الجنّات رفّت عليها كلّ طلّ سجسج ... من كلّ غضّ يانع الثمرات ما بين خضر حدائق وخمائل ... وجداول تفضي إلى دوحات سرى النسيم بها يصافح زهره ... فيهبّ وهو مورّج النفحات الجزء: 3 ¦ الصفحة: 4 وشدا لنا فيها مغنّ شادن ... حاز المدى سبقا إلى الغايات طربت له القضب اللّدان وبادرت ... رجعا له تختال في الحبرات مرّت عليه ركّعا لكنها ... جعلت تحيّتها لدى الرّكعات قصرت صلاة الخوف منه فقرّبت ... قربانها وحفته بالزّهرات والعود مثناه يطابق زيّها ... فيها «1» ردانات على رنّات إن جسّ مثلثه بان بغنّة «2» ... في اليمّ منه ثقيلة النّغمات فكان ما غنّت عليه الورق من ... ألحانها ألقاه للقينات عكفت على ألحانها تشدو لنا ... خلف السّتائر باختلاف لغات فكأنها عجم تورات بالحجاب ... وردّدت سورا من التّورات نطقت بأفصح نغمة في شدوها ... تتلو علينا هذه الآيات ومما أنشده ليلة ميلاد رسول الله صلى الله عليه وسلم: [المتقارب] إذا لم أطق نحو نجد وصولا ... بعثت الفؤاد إليها رسولا وكم حلّ قلبي رهينا بها ... غداة نوى الرّكب فيها النزولا محل بها في الحلال التي ... ضحى أصبح القوم فيها حلولا وكم بتّ فيها غداة النّوى ... أسحّ من العين دمعا همولا على شمس حسن سما ناظري ... إليها وعنّي توارت أفولا وقفت بوادي الغضا ساعة ... لعلّي أندب فيها الطّلولا وفي البان من أيكه ساجع ... يرجّع بالقضب منها الهديلا بحقّ الهوى يا حمام الحمى ... ترفّق بقلبي المعنّى قليلا فقد هجت تالله أشواقه ... بذكرك إلفا ثنى «3» أو خليلا ألم تدر أن ادّكاري الهوى ... يذيب ويعنى الفؤاد العليلا؟ رعى الله تلك المطايا الّتي ... إلى الحجّ وخدا سرت أو ذميلا ويا عجبا كيف خفّت بهم ... وحمّلت القلب حملا ثقيلا وودّعني الصبر إذ ودّعوا ... فما أن وجدت إليه سبيلا وآثرت، يا ويح نفسي، المقام ... وآثر أهل الوداد الرّحيلا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 5 وجادوا رجاء «1» الرّضى بالنفوس ... وكنت بنفسي ضنينا بخيلا ندمت على السّير إذ فاتني ... ولازمت حزني دهرا طويلا وفاز المخفّون إذ يمّموا ... منازل آثارها لن تزولا وحجّوا وزاروا نبيّ الهدى ... محمدا الهاشميّ الرسولا وفازوا بإدراك ما أملوا ... ونالوا لديه الرّضى والقبولا ولو كنت في عزمهم مثلهم ... إذا لانصرفت إليه عجولا ولكنني أثقلتني الذنوب ... وما كنت للثّقل منها حمولا ركبت مطيّة جهل الصّبا ... وكانت أوان التّصابي ذلولا ومالت بي النّفس نحو الهوى ... وقد وجدتني غرّا جهولا فطوبى لمن حلّ في طيبة ... وعرّس بالسّفح منها الحمولا ونال المنى في منّى عندما ... نوى بالمنازل منها نزولا وأصفى الضمائر نحو الصّفا ... يؤمّل للوصل فيه الوصولا وجاء إلى البيت مستبشرا ... ليطهر بالأمن فيه دخولا وطاف ولبّى بذاك الحمى ... ونال من الحجر قصدا وسولا بلاد بها حلّ خير الورى ... فطوبى لمن نال فيها الحلولا نبيّ كريم سما رفعة ... وقدرا جليلا ومجدا أصيلا وكان لأمّته رحمة ... بفضل الشفاعة فيهم كفيلا وكان رؤوفا رحيما لهم ... عطوفا شفيعا عليهم وصولا له يفزعون إذا ما رأوا ... لدى الحشر خسفا وأمرا مهولا وإن جاء في ذنبهم شافعا ... بدا الرّحب من ربّه والقبولا له معجزات إذا عدّدت ... تفوت النّهى وتكلّ العقولا ولن يبلغ القول معشارها ... وإن كان الوصف فيها مطيلا وقسّ البيان وسحبانه «2» ... يرى ذهنه في مداها كليلا تخيّره الله في خلقه ... فكان الخطير لديه المثيلا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 6 ولم ير في النّاس ندّا له ... ولا في الخلائق منه بديلا وأبقى له الحكم في أرضه ... فكان الأمين عليها الوكيلا وكلّ ظلام وظلم بها ... على الفور لمّا أتى قد أزيلا وكانت كنار لظى فتنة ... فعادت من الأمن ظلّا ظليلا وقد زان حسن الدّجى جيله ... إذا ذكر الدهر جيلا فجيلا وأيّامه غرر قد بدت ... بوجه الدّنا والليالي حجولا رسول كريم إذا جئته ... ويمّمت مغناه تلقى القبولا بمولده في زمان الربيع ... ربيع أتانا يجرّ الذّيولا فأهلا به الآن من زائر ... أتانا بفضل يفوق الفضولا وقام الإمام به المرتضى ... فنال ثوابا وأجرا جزيلا هو المستعين أبو سالم ... مليك ترفّع قدرا جليلا وحاز من الصّيت ذكرا أثيرا ... ومن كرم الخيم مجدا أثيلا سليل عليّ غمام النّدى ... ألا أيّد الله ذاك السّليلا فتى أوسع النّاس من جوده ... عطاء» جزيلا وبرّا حفيلا حلاه الوقار ولاقيه ... إذا ارتاح للجود يلفى عجولا وقد شاع عنه جميل الثّناء «2» ... وعمّ البسيطة عرضا وطولا وما منّ بالوعد إلّا وفى ... فلم يك بالوعد يوما مطولا ولا في علاه مغال لمن ... يكثّر في الملك قالا وقيلا تفرّد بالفضل في عصره ... وكان بعرف الأيادي كفيلا أطاعت له حين وافى البلاد ... رضّى عندما حلّ فيها حلولا وجاء «3» لطاعته أهلها ... سراعا يرومون فيها الدّخولا فنبّه قدر الموالي بها ... وأكسف فيها المعادي خمولا ومهّد بالأمن أفكارها ... وأمّن بالعدل فيها السبيلا وكفّ أكفّ التعدّي بها ... فلا يظلم الناس فيها فتيلا وعصر الكروب الذي قد مضى ... زمان المسرّات منه أديلا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 7 أتانا إلى الغرب في شوكة ... بها عاد جمع الأعادي قليلا وفوق رؤوس الطغاة انتضى ... حساما ليسمع فيها صليلا وجرّد من عزمه مرهفا ... لحسم أمور المناوي صقيلا وكل كفور معاد له ... سيأخذه الله أخذا وبيلا أعزّ الخلائق لمّا ولي ... ونوّه من كان منهم ذليلا وراعى لمن جاءه داخلا ... حماه من القاصدين الدّخيلا فكان بأفعاله قصده ... إلى منهج الفضل قصدا جميلا وصحّ انتعاش المعالي به ... وقد كان شخص المعالي عليلا وشيّد مبنى العلا بالنّدى ... ووثّقه خشية أن يميلا ينيل ويعطي جزيل العطاء «1» ... فما زال أخرى الليالي منيلا ودام مدى الدّهر في رفعة ... تثير من الحاسدين الغليلا ولا برح السعد في بابه ... يؤمّ به مربعا أو مقيلا محمد المكودي «2» من أهل فاس، يكنى أبا عبد الله. حاله: من «الإكليل» «3» : شاعر لا يتعاطى «4» ميدانه، ومرعى بيان ورف عضاهه «5» وأينع سعدانه «6» ، يدعو الكلام فيهطع «7» لداعيه، ويسعى في اجتلاب المعاني فتنجح مساعيه، غير أنه أفرط في الانهماك، وهوى إلى السّمكة من أوج السّماك «8» . وقدم «9» على هذه البلاد مفلتا من رهق تلمسان حين الحصار، صفر اليمين واليسار من اليسار، ملئ هوى أنحى على طريفه وتلاده، وأخرجه من بلاده. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 8 ولمّا جدّ به البين، وحلّ هذه البلاد «1» بحال تقبحها العين، والسيف بهزّته، لا بحسن بزّته، دعوته «2» إلى مجلس أعاره البدر هالته، وخلع عليه الأصيل غلالته، وروض تفتّح كمامه، وهمى عليه غمامه، وكاس أنس تدور، فتتلقّى نجومها البدور. فلمّا ذهبت المؤانسة بخجله، وتذكّر هواه ويوم نواه حتّى خفنا حلول أجله، جذبنا للمؤانسة زمامه، واستقينا «3» منها غمامه، فأمتع وأحسب، ونظر ونسب، وتكلّم في المسائل، وحضر «4» بطرف الأبيات وعيون الرسائل، حتى نشر الصباح رايته، وأطلع النهار آيته. ومما أنشدنا ونسب لنفسه «5» : [الوافر] غرامي فيك جلّ عن القياس ... وقد أسقيتنيه بكل كاس ولا أنسى هواك ولو جفاني ... عليك أقاربي طرّا وناسي ولا أدري لنفسي من كمال ... سوى أنّي لعهدك غير ناس وقال في غرض معروف «6» : [الطويل] بعثت بخمر فيه ماء وإنّما ... بعثت بماء «7» فيه رائحة الخمر فقلّ عليه الشكر إذ قلّ سكرنا ... فنحن بلا سكر وأنت بلا شكر ومما خاطبني به «8» : [البسيط] رحماك بي فلقد خلّدت في خلدي ... هوى أكابد منه حرّة «9» الكبد حللت عقد سلوّي في «10» فؤادي إذ ... حللت منه محلّ الروح في «11» جسدي مرآك بدري وذكراك التذاذ فمي ... ودين حبّك إضماري ومعتقدي ومن جمالك نور لاح في بصري ... ومن ودادك روح حلّ في خلدي لا تحسبنّ فؤادي عنك مصطبرا «12» ... فقبل حبّك كان الصبر طوع يدي وهاك جسمي قد أودى النّحول به ... فلو طلبت وجودا منه لم تجد الجزء: 3 ¦ الصفحة: 9 بما بطرفك من غنج ومن حور ... وما بثغرك من درّ ومن برد كن بين طرفي وقلبي منصفا فلقد ... حابيت «1» بعضهما فاعدل ولا تحد فقال لي قد جعلت القلب لي وطنا ... وقد قضيت على الأجفان بالسّهد وكيف تطلب عدلا والهوى حكم ... وحكمه قطّ لم يعدل على أحد من لي بأغيد لا يرثي إلى شجن ... وليس يعرف ما يلقاه ذو كمد ما كنت من قبل إذعاني لصولته «2» ... إخال أنّ الرّشا يسطو على الأسد إن جاد بالوعد لم تصدق مواعده ... فإن قنعت بزور الوعد لم يعد شكوته علّتي منه فقال: ألا «3» ... سر للطبيب فما برء الضّنى بيدي فقلت: إن شئت برئي أو شفا ألمي ... فبارتشاف لماك الكوثريّ جد وإن بخلت فلي مولى يجود على ... ضعفي ويبرئ ما أضنيت من جسدي «4» وخرج إلى المدح فأطال. المقرئون والعلماء- الأصليون منهم محمد بن أحمد بن محمد بن عبد الله بن يحيى ابن عبد الرحمن بن يوسف بن جزيّ الكلبي «5» يكنى «6» أبا القاسم، من أهل غرناطة وذوي الأصالة والنباهة فيها، شيخنا رحمة الله عليه. أوليته: أصل «7» سلفه من ولبة «8» من حصون البراجلة، نزل بها أولهم عند الجزء: 3 ¦ الصفحة: 10 الفتح صحبة قريبهم أبي الخطار حسام بن ضرار الكلبي، وعند خلع دعوة «1» المرابطين، وكانت لجدهم بجيّان رئاسة وانفراد بالتدبير. حاله: كان «2» ، رحمه الله، على طريقة مثلى من العكوف على العلم، والاقتصاد «3» على الاقتيات من حرّ النّشب «4» ، والاشتغال بالنّظر والتّقييد والتّدوين، فقيها، حافظا، قائما على التدريس، مشاركا في فنون من العربية «5» ، والفقه، والأصول، والقراءات، والحديث، والأدب، حفظة «6» للتفسير، مستوعبا للأقوال، جمّاعة للكتب، ملوكي الخزانة، حسن المجلس، ممتع المحاضرة، قريب الغور، صحيح الباطن. تقدّم خطيبا بالمسجد الأعظم من بلده على حداثة سنّه، فاتّفق على فضله، وجرى على سنن أصالته. مشيخته: قرأ «7» على الأستاذ أبي جعفر بن الزبير «8» ، وأخذ عنه العربية والفقه والحديث والقرآن. وروى عن أبي الحسن بن مستقور. وقرأ القرآن على الأستاذ المقرئ الرّاوية المكثر أبي عبد الله بن الكمّاد، ولازم الخطيب أبا عبد الله بن رشيد، وسمع على الشّيخ الوزير أبي محمد عبد الله بن أحمد ابن المؤذن، وعلى الراوية المسن أبي الوليد الحضرمي. يروي عن سهل بن مالك وطبقته. وروى عن الشيخ الرّاوية أبي زكريا البرشاني، وعن الرّاوية الخطيب أبي عبد الله محمّد بن محمّد بن علي الأنصاري، والقاضي أبي المجد بن أبي علي بن أبي الأحوص، والقاضي أبي عبد الله بن برطال، والشيخ الوزير ابن أبي عامر بن ربيع «9» ، والخطيب الولي أبي عبد الله الطّنجالي، والأستاذ النظّار المتفنّن أبي القاسم قاسم بن عبد الله بن الشّاط. وألّف الكثير في فنون شتى. تواليفه: منها «10» كتاب «وسيلة المسلم في تهذيب صحيح مسلم» وكتاب «الأنوار السّنية في الكلمات السّنّية» وكتاب «الدّعوات والأذكار، المخرجة من صحيح الجزء: 3 ¦ الصفحة: 11 الأخبار» وكتاب «القوانين الفقهية، في تلخيص مذهب المالكية» و «التنبيه على مذهب الشافعية والحنفية والحنبليّة» وكتاب «تقريب الوصول إلى علم الأصول» وكتاب «النّور المبين، في قواعد عقائد الدين» وكتاب «المختصر البارع، في قراءة نافع» وكتاب «أصول القرّاء الستة غير نافع» ، وكتاب «الفوائد العامة، في لحن العامّة» ، إلى غير ذلك مما قيّده في التفسير والقراءات وغير ذلك. وله فهرسة كبيرة اشتملت «1» على جملة من أهل المشرق والمغرب. شعره: قال «2» في الأبيات الغينيّة ذاهبا مذهب الجماعة كأبي العلاء المعرّي، والرئيس أبي المظفر «3» ، وأبي الطاهر السّلفي، وأبي الحجاج ابن الشيخ، وأبي الربيع بن سالم، وأبي علي بن أبي الأحوص، وغيرهم، كلهم نظم في ذلك «4» : [الطويل] لكلّ بني الدنيا مراد ومقصد ... وإنّ مرادي صحّة وفراغ لأبلغ في علم الشّريعة مبلغا ... يكون به لي للجنان بلاغ «5» وفي «6» مثل هذا فلينافس أولو «7» النّهى ... وحسبي من الدنيا الغرور بلاغ «8» فما الفوز إلّا في نعيم مؤبّد ... به العيش رغد والشّراب يساغ وقال في الجناب النّبوي «9» : [الطويل] أروم امتداح المصطفى ويردّني «10» ... قصوري عن إدراك تلك المناقب ومن لي بحصر البحر والبحر زاخر؟ ... ومن لي بإحصاء «11» الحصى والكواكب ولو أنّ أعضائي غدت ألسنا إذا ... لما بلغت في المدح بعض مآربي «12» الجزء: 3 ¦ الصفحة: 12 ولو أنّ كلّ العالمين تألّفوا «1» ... على مدحه لم يبلغوا بعض واجب فأمسكت عنه هيبة وتأدّبا ... وخوفا وإعظاما لأرفع جانب «2» وربّ سكوت كان فيه بلاغة ... وربّ كلام فيه عتب لعاتب وقال، رحمه الله، مشفقا من ذنبه «3» : [البسيط] يا ربّ إنّ ذنوبي اليوم قد كثرت «4» ... فما أطيق لها حصرا ولا عددا وليس لي بعذاب النّار من قبل ... ولا أطيق لها صبرا ولا جلدا فانظر إلهي إلى ضعفي ومسكنتي ... ولا تذيقنّني «5» حرّ الجحيم غدا وقال في مذهب الفخر «6» : [الوافر] وكم من صفحة كالشمس تبدو ... فيسلي «7» حسنها قلب الحزين غضضت الطّرف عن نظري إليها ... محافظة على عرضي وديني «8» وفاته: فقد «9» وهو يشحذ الناس ويحرّضهم، ويثبّت بصائرهم، يوم الكائنة بطريف «10» ، ضحوة يوم الاثنين السابع «11» لجمادى الأولى عام أحد وأربعين وسبعمائة، تقبّل الله شهادته. وعقبه ظاهر بين القضاء والكتابة. محمد بن أحمد بن فتّوح بن شقرال اللخمي شرقي الأصل، من سكان غرناطة، يكنى أبا عبد الله، ويعرف بالطّرسوني. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 13 حاله: نقلت من خطّ شيخنا أبي البركات بن الحاج: أمتع الله به، كنّى نفسه أبا عبد الرحمن، ودعي بها وقتا، وكوتب بها. وكان له ابن سمّاه عبد الرحيم، فقلنا له: سمّه عبد الرحمن، ليعضّد لك الكنية التي اخترت، فأبى. كان هذا الرجل قيّما على النحو والقراءات واللغة، مجيدا في ذلك، محكما لما يأخذ فيه منه، وكانت لديه مشاركة في الأصلين والمنطق، طمح إليها بفضل نباهته وذكائه، وشعوره بمراتب العلوم، دون شيخ أرشده إلى ذلك. يجمع إلى ما ذكر خطّا بارعا، وظرفا وفكاهة، وسخا نفس، وجميل مشاركة لأصحابه بأقصى ما يستطيع. وكان صنّاع اليدين يرسم بالذّهب، ويسفّر، ويحكم عمل التّراكيب الطّبّية. وعلى الجملة، فالرجل من أجلّ نبلاء عصره، الذين قلّ أمثالهم. مشيخته: أخذ القراءات عن الشيخ الأستاذ أبي الحسن ابن أبي العيش، وبه تفقّه ببلده ألمريّة. وقرأ على الأستاذ أبي جعفر بن الزبير، والخطيب أبي جعفر بن الزيات، والراوية أبي الحسن بن مستقور، والولي أبي عبد الله الطّنجالي، وصهره الخطيب أبي تمام غالب بن حسن بن سيدبونه، والخطيب أبي الحسن القيجاطي، والخطيب المحدّث أبي عبد الله بن رشيد، وغيرهم. شعره: من شعره قوله: [الطويل] إذا قذفت بي حيثما شاءت النّوى ... ففي كل شعب لي إليك طريق وإن أنا لم أبصر محيّاك باسما ... فإنسان عيني في الدموع غريق فإن لم تصل كفّي بكفّك وافيا ... فأسمال أحبابي لدّي فتوق محنته: أحظاه وزير الدّولة أبو عبد الله بن المحروق «1» ، واختصّه، ورتّب له بالحمراء جراية، وقلّد نظره خزانة الكتب السلطانية. ثم فسد ما بينهما، فاتّهمه ببراءات كانت تطرح بمذامّه بمسجد البيّازين «2» ، وترصد ما فيها، فزعم أنه هو الذي طرحها بمحراب المسجد، فقبض عليه واعتقل، ثمّ جلّاه إلى إفريقية. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 14 وفاته: ولمّا بلغته بإفريقية وفاة مخيفه، كرّ راجعا إلى الأندلس، فتوفي في طريقه ببونة «1» ، من بلاد العنّاب أو بأحوازها في أواخر عام ثلاثين، أو أقرب من الأواخر وسبعمائة. محمد بن جابر بن يحيى بن محمد بن ذي النّون التّغلبي ويعرف بابن الرمّالية، من أهل غرناطة، ويعرف خلفه الآن، ببني مرزبّة، ولهم أصالة وقدم وجدة. حاله: فقيه، نبيه، نبيل، ذكي، عنده معرفة بالفقه والأدب والعربية، حسن المشاركة والمحاضرة، حاضر الذهن، ذاكر لما قرأه. مشيخته: روى عن الإمام أبي بكر بن العربي. قال أبو القاسم الملّاحي: وحدّثني سنة أربع وستمائة، قال: حدّثني الإمام أبو بكر بن العربي، رضي الله عنه، قال: حدّثني محمد بن عبد الملك السّبتي، قال: خرجت مع أبي الفضل الجزيري مشيّعين لقافلة الحاجّ من بغداد، ومودّعين لها من الغد، وحين أصبحنا أثيرت الجمال، وفرض الناس الرّحال، ونحن بموضع يعرف بجبّ عميرة، إذا بفتى شاحب اللّون، حسن الوجه، يشيّع الرّواحل، راحلة بعد أخرى، حتى فنيت، ومشى الحاجّ، وهو يقول في أثناء تردّده ونظره إليها: [الطويل] أحجّاج بيت الله، في أيّ هودج ... وفي أيّ بيت من بيوتكم حبّي؟ أأبقى رهين القلب في أرض غربة ... وحاديكم يحدو فؤادي مع الرّكب؟ فوا أسفا لم أقض منكم لبانتي ... ولم أتمتّع بالسلام وبالقرب وفرّق بيني بالرّحيل وبينكم ... فها أنذا أقضي على إثركم نحبي يقولون هذا آخر العهد منكم ... فقلت وهذا آخر العهد من قلبي «2» قال: فلمّا كمل الحاجّ المشي، وانقطع رجاؤه، وجعل يخطو هائما، وهو ينشد، ثمّ رمى بنفسه إلى الأرض وقال: [المديد] خلّ دمع العين ينهمل ... بان من تهواه وارتحل أيّ دمع صانه كلف ... فهو يوم البين ينهمل الجزء: 3 ¦ الصفحة: 15 قال: ثم مال على الأرض، فبادرنا إليه فوجدناه ميّتا، فحفرنا له لحدا، وغسّلناه وكفّنّاه في رداء وصلّينا عليه، ودفنّاه. وفاته: وفاة المترجم به سنة خمسين وستمائة. محمد بن محمد بن محمد بن بيبش العبدري «1» من أهل غرناطة، يكنى أبا عبد الله، ويعرف بابن بيبش «2» . حاله: كان «3» خيّرا، منقبضا، عفّا، متصاونا، مشتغلا بما يعنيه، مضطلعا «4» بالعربية، عاكفا عمره على تحقيق اللّغة، مشاركا في الطّب، متعيّشا من التّجارة في الكتب، أثرى منها، وحسنت حاله. وانتقل إلى سكنى سبتة، إلى أن حططت بها رسولا في عام اثنتين وخمسين وسبعمائة، فاستدعيته ونقلته إلى بلده، فقعد للإقراء به إلى أن توفي. وجرى ذكره في بعض الموضوعات الأدبية بما نصّه «5» : معلّم مدرّب، مسهّل مقرّب، له في صنعة العربية باع مديد، وفي هدفها سهم سديد، ومشاركة في الأدب لا يفارقها تسديد، خاصيّ المنازع مختصرها، مرتّب الأحوال مقرّرها، تميّز لأول وقته بالتّجارة في الكتب فسلّطت عليها «6» منه أرضة آكلة، وسهم أصاب من رميتها شاكلة «7» ، أترب بسببها وأثرى، وأغنى جهة وأفقر أخرى، وانتقل لهذا العهد الأخير إلى سكنى غرناطة «8» مسقط رأسه، ومنبت غرسه، وجرت عليه جراية من أحباسها «9» ، ووقع عليه قبول من ناسها، وبها تلاحق به الحمام، فكان من ترابها البداية وإليه التمام. وله شعر لم يقصر فيه عن المدى، وأدب توشّح بالإجادة وارتدى. مشيخته: قرأ على شيخ الجماعة ببلده أبي جعفر بن الزبير، وعلى الخطيب أبي عبد الله بن رشيد، والوزير أبي محمد بن المؤذن المرادي، والأستاذ عبد الله بن الكمّاد، وسمع على الوزير المسنّ أبي محمد عبد المنعم بن سماك. وقرأ بسبتة على الأستاذ أبي إسحاق الغافقي. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 16 شعره: أنشدني بدار الصّناعة السلطانية من سبتة تاسع جمادى الأولى من عام اثنين وخمسين المذكور، عند توجّهي في غرض الرسالة إلى السلطان ملك المغرب، قوله يجيب عن الأبيات المشهورة، التي أكثر فيها الناس وهي «1» : [مخلع البسيط] يا ساكنا قلبي المعنّى ... وليس فيه سواك ثان لأيّ معنى كسرت قلبي ... وما التقى فيه ساكنان؟ فقال «2» : [مخلع البسيط] نحلتني طائعا فؤادا ... فصار إذ حزته مكاني «3» لا غرو إذ كان لي مضافا ... أنّي على الكسر فيه باني وقال يخاطب أبا العباس عميد سبتة، أعزّه الله، وهي ممّا أنشدنيه فيه التاريخ المذكور، وقد أهدى إليه أقلاما «4» : [الطويل] أنا ملك الغرّ التي سيب جودها ... يفيض كفيض المزن بالصّيّب القطر أتتني منها تحفة مثل حدّها «5» ... إذا انتضيت كانت كمرهفة السّمر هي الصّفر لكن تعلم البيض أنها ... محكّمة فيها على النّفع والضّرّ مهذّبة الأوصال ممشوقة كما ... تصاغ «6» سهام الرّمي من «7» خالص التّبر فقبّلتها عشرا ومثّلت أنني ... ظفرت بلثم في أناملك العشر وأنشدني في التاريخ المذكور في ترتيب حروف الصحاح قوله «8» : [الطويل] أساجعة بالواديين تبوّئي ... ثمارا جنتها حاليات خواضب دعي ذكر روض زاره «9» سقي شربه ... صباح ضحى طير ظماء «10» عصائب غرام فؤادي قاذف كلّ ليلة ... متى ما نأى وهنا هواه يراقب الجزء: 3 ¦ الصفحة: 17 ومن مطولاته ما رفعه على يدي السلطان وهو قوله «1» : [الوافر] ديار خطّها مجد قديم ... وشاد بناءها شرف صميم وحلّ جنابها الأعلى علاء «2» ... يقصّر عنه رضوى أو شميم سقى نجدا بها وهضاب نجد ... عهاد ثرّة «3» وحيا عميم «4» ولا عدمت رباه رباب مزن ... يغادي روضهنّ ويستديم فيصبح زهرها يحكي شذاه ... فتيت المسك يذكيه النّسيم وتنثره «5» الصّبا فتريك درّا ... نثيرا خانه عقد نظيم وظلّت في ظلال الأيك تشدو ... مطوّقة لها صوت رخيم ترجّع في الغصون فنون سجع ... بألحان لها يصبو الحليم أهيم بملتقى الوادي بنجد ... وليس سواه في واد أهيم وكنت صرفت عنه النفس كرها ... وما برحت على نجد تحوم وما ينفكّ لي ولها نزاع ... إلى مغنى به ملك كريم له بيت سما فوق الثّريّا ... وعزّ لا يخيم ولا يريم تبوّأ من بني نصر علاها ... وأنصار النبيّ «6» له أروم أفاض على الورى نيلا وعدلا «7» ... سواء فيه مثر أو عديم ملاذ للملوك إذا ألمّت ... صروف الدهر أو خطب جسيم تؤمّله فتأمن في ذراه ... وتدنو من علاه فيستقيم «8» ويبدو في نديّ «9» الملك بدرا ... تحفّ به الملوك وهم نجوم بوجه يوسفيّ الحسن طلق ... يضيء بنوره اللّيل البهيم وتلقاه العفاة «10» له ابتسام ... ومنه للعدى أخذ أليم «11» الجزء: 3 ¦ الصفحة: 18 فيا شرف الملوك لك انقطاعي ... وإنّي في محلّكم خديم وآمالي أملت إليك «1» حتّى ... وردن على نداك وهنّ هيم فلا ظمأ «2» ووردك خير ورد ... نمير ماؤه عذب جميم ولا أضحى وفي مغناك ظلّ ... ظليل حين تحتدم السّموم ركبت البحر نحوك والمطايا ... تسير لها ذميل أو رسيم وإنّ علاك إن عطفت بلحظ ... عليّ فذلك العزّ المقيم «3» فوا أسفي على عمر تقضّى ... بدار ليس لي فيها حميم سوى ثمر للفؤاد ذهبت عنه ... وبين جوانحي منه كلوم ودون لقائها عرض الفيافي ... ونجد «4» موجه طود عظيم لعلّ الله ينعم باجتماع ... وينظم شملنا البرّ الرحيم بقيت بغبطة وقرار عين ... بملك سعده أبدا يدوم كما دامت حلى الأنصار تتلى ... يشيد بذكرها الذّكر الحكيم عليك تحية عطر شذاها ... كعرف «5» الرّوض جادته الغيوم مولده: بغرناطة في رجب «6» ثمانين وستمائة. وتوفي عام ثلاثة وخمسين وسبعمائة، ودفن بباب إلبيرة، وتبعه من الناس ثناء حسن، رحمه الله. محمد بن محمد النّمري الضّرير من أهل غرناطة، يكنى أبا عبد الله، ويعرفه بنسبه. حاله: من عائد الصلة: كان حافظا للقرآن، طيب النّغمة به، طرفا في ذلك، من أهل المشاركة في العلم، واعظا بليغا، أستاذا يقوم على العربية قيام تحقيق، ويستحضر الشّواهد من كتاب الله وخطب العرب وأشعارها، بعيد القرين في ذلك، آخذا في الأدب، حفظة للأناشيد والمطوّلات، بقيّة حسنة ممتعة. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 19 مشيخته: قرأ على الأستاذ أبي عبد الله بن الفخّار الأركشي «1» ، وبه تأدّب، ولازمه كثيرا، فانتفع به. شعره: ممّا صدّر به رسالة لزوجه وهو نازح عنها ببعض البلاد. فقال: [الطويل] سلام كرشف الطّل في مبسم الورد ... وسيل نسيم الريح بالقضب الملد سلام كما ارتاح المشوق مبشّرا ... برؤية «2» من يهواه من دون ما وعد سلام كما يرضي المحبّ حبيبه ... من الجدّ في الإخلاص والصّدق في الوعد سلام وتكريم وبرّ ورحمة ... بقدر مزيد الشوق أو منتهى الودّ على ظبية في الأنس مرتعها الحشا ... فتأوي إليه لا لشيح ولا رند ومن أطلع البدر التّمام جبينها ... يرى تحت ليل من دجى الشّعر مسودّ وثغر أقاح زانه سمط لؤلؤ ... يجبّ به المرجان في أحكم النّضد يجول به سلسال راح معتّق ... حمته ظبا الألحاظ صونا عن الورد فلله عينا من رأى بدر أسعد ... وروضة أزهار علت غصن القدّ وبشرى لصبّ فاز منها بلمحة ... من القرب بشراه بمستكمل السّعد وأضحى هواها كامنا بين أضلعي ... كمزن خفيّ النار في باطن الزّند وراحت فراح الروح إثر رحيلها «3» ... وودّعت صبري حين ودّعها كبدي «4» وصارت لي الأيّام تبدو لياليا ... وقد كان ليل الوصل صبحا بها يبدي «5» فساعاتها كالدهر طولا وطالما ... حكى الدهر ساعات بها قصرا عندي ومنها: ترى قلبها هل هام مني بمثل ما ... بقلبي من الحبّ الملازم والوجد؟ وهل هي «6» ترعى ذمّتي ومودّتي ... كما أنا أرعاها على القرب والبعد؟ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 20 إليك خطابي والحديث لغائب ... كنيت بلفظي عن مغيبك بالعمد عليك سلامي إنني متشوّق ... للقياك لي أو من جوابك بالرّدّ وفاته: توفي بغرناطة تحت جراية من أمرائها؛ لاختصاصه بقراءة القرآن على قبورهم، في التاسع عشر من شعبان عام ستة وثلاثين وسبعمائة. محمد بن عبد الولي الرّعيني من أهل غرناطة، يكنى أبا عبد الله، ويعرف بالعوّاد. حاله: من «عائد الصلة» : الشيخ المكتّب، الأستاذ الصالح، سابق الميدان، وعلم أعلام القرآن، في إتقان تجويده، والمعرفة بطرق روايته، والاضطلاع بفنونه، لا يشقّ غباره، ولا يتعاطى طلقه، ولا تأتي الأيّام بمثله، تستقصر بين يديه مدارك الأعلام، وتظهر سقطات الأئمة، مهتديا إلى مكان الحجج على المسائل، مصروف عنان الأشغال إليه، مستندا إلى نغمة رخيمة، وإتقان غير متكلّف، وحفظ غزير. وطلب إلى التّصدّر للإقراء، فأبى لشدّة انقباضه، فنبّهت «1» بالباب السلطاني على وجوب نصبه للناس، فكان ذلك في شهر شعبان من عام وفاته، فانتفع به، وكان أدأب الناس على سنّة، وألزمهم لميقات ورد، يجعل جيرانه حركته إلى ذلك ليلا، ميقاتا لا يختلف ولا يكذب، في ترحيل الليل، شديد الطرب، مليح الترتيب، لا تمرّ به ساعة ضياعا إلّا وقد عمرها بشأن ديني أو دنياوي ضروري مما يسوّغه الورع. يلازم المكتب ناصح التعليم، مسوّيا بين أبناء النّعم، وحلفاء الحاجة، شامخ الأنف على أهل الدّنيا، تغصّ السّكك عند ترنّمه بالقرآن، مساوقا لتلاوة التجويد، ومباشرا أيام الأخمسة والأثانين العمل في موئل كان له، على طريقة القدماء من الإخشيشان عند المهن ونقل آلة الخدمة، غير مفارق للظّرف والخصوصية. ويقرأ أيام الجمعات كتب الوعظ والرّقائق على أهله، فيصغي إليه الجيران عادة لا تختلف. وكان له لكل عمل ثوب، ولكل مهنة زيّ، ما رأيت أحسن ترتيبا منه. وهو أستاذي وجاري الألصق، لم أتعلّم الكتاب العزيز إلّا في مكتبه، رحمة الله عليه. مشيخته: قرأ على بقيّة المقرئين الأستاذ أبي جعفر بن الزبير، ولازمه وانتفع به، وعلى الأستاذ أبي جعفر الجزيري الضرير، وأخذ عن الخطيب المحدّث أبي عبد الله بن رشيد. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 21 مولده: في حدود عام ثمانين وستمائة. وفاته: توفي رحمة الله عليه في ... «1» الموفي ثلاثين لذي قعدة من عام خمسين وسبعمائة. محمد بن علي بن أحمد الخولاني «2» يكنى أبا عبد الله، أصله من مجلقر، ويعرف بابن الفخّار وبالبيري، شيخنا رحمه الله. حاله: من «عائد الصلة» : أستاذ الجماعة، وعلم الصناعة، وسيبويه العصر، وآخر الطبقة من أهل هذا الفن. كان، رحمه الله، فاضلا، تقيّا، منقبضا، عاكفا على العلم، ملازما للتدريس، إمام الأئمّة من غير مدافع، مبرّزا أمام أعلام البصريّين من النّحاة، منتشر الذكر، بعيد الصّيت، عظيم الشهرة، مستبحر الحفظ، يتفجّر بالعربية تفجّر البحر، ويسترسل استرسال القطر، قد خالطت دمه ولحمه، لا يشكل عليه منها مشكل، ولا يعوزه توجيه، ولا تشذّ عنه حجّة. جدّد بالأندلس ما كان قد درس من لسان العرب، من لدن وفاة أبي علي الشلوبين، مقيم السوق على عهده. وكانت له مشاركة في غير صناعة العربية من قراءات وفقه، وعروض، وتفسير. وتقدم خطيبا بالجامع الأعظم، وقعد للتدريس بالمدرسة النّصرية «3» ، وقلّ في الأندلس من لم يأخذ عنه من الطّلبة. واستعمل في السّفارة إلى العدوة، مع مثله من الفقهاء، فكانت له حيث حلّ الشّهرة وعليه الازدحام والغاشية، وخرّج، ودرّب، وأقرأ، وأجاز، لا يأخذ على ذلك أجرا وخصوصا فيما دون البداية، إلّا الجراية المعروفة، مقتصدا في أحواله، وقورا، مفرط الطّول، نحيفا، سريع الخطو، قليل الالتفات والتعريج، متوسط الزّي، متبذلا في معالجة ما يتملّكه بخارج البلد، قليل الدّهاء والتّصنّع، غريب النّزعة، جامعا بين الحرص والقناعة. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 22 مشيخته: قرأ «1» بسبتة على الشيخ الإمام أبي إسحاق الغافقي، ولازمه كثيرا، وأخذ عنه، وأكثر عليه. وقرأ على الإمام الصالح أبي عبد الله بن حريث، والمقرئ الشريف الفاضل أبي العبّاس الحسني، والشيخ الأستاذ النظّار أبي القاسم بن الشّاط، وأخذ عن الخطيب المحدث أبي عبد الله بن رشيد، والقاضي أبي عبد الله بن القرطبي وغيرهم. وهو أستاذي، قرأت عليه القرآن، وكتابي الجمل والإيضاح، وحضرت عليه دولا من الكتاب، ولازمته مدة، وعاشرته، وتوجّه صحبتي في الرسالة إلى المغرب. وفاته: توفي بغرناطة ليلة الاثنين الثاني عشر من رجب عام أربعة وخمسين وسبعمائة، وكانت جنازته حافلة. وخمدت قرائح الآخذين عنه، ممن يدلي دلو أدب، فيأتي بماء أو حمأة، على كثرتهم، تقصيرا عن الحق، وقدحا في نسب الوفاء، إلّا ما كان من بعض من تأخّر أخذه عنه، وهو محمد بن عبد الله اللّوشي، فإنه قال: وعين هذه الأبيات قرارها «2» : [الطويل] ويوم نعى النّاعي شهاب المحامد ... تغيّرت الدنيا لمصرع «3» واحد فلا عذر للعينين إن لم تسامحا «4» ... بدمع يحاكي الوبل يشفي لواجد مضى من بني الفخّار أفضل ماجد ... جميل المساعي للعلا جدّ شاهد «5» طواه الرّدى ما كلّ حيّ يهابه ... وما ورده عارا يشين لوارد لقد غيّبت منه المكارم في الثّرى ... غداة ثوى «6» وانسدّ باب الفوائد فيا حاملي أعواده، ما علمتم ... بسؤدده الجمّ الكريم المحاتد؟ ويا حفرة خطّت له اليوم مضجعا، ... سقتك الغوادي الصادقات «7» الرّواعد ألا يا حمام الأيك ساعدن «8» بالبكا «9» ... على علم «10» الدّنيا وزين المشاهد الجزء: 3 ¦ الصفحة: 23 على أن لو اسطعت الفداء فديته «1» ... بأنفس مال «2» من طريف وتالد محمد، ما النّعمى «3» لموتك غضّة «4» ... تروق «5» ولا ماء الحياة ببارد وكيف وباب العلم بعدك مغلق ... ومورده «6» المتروك بين الموارد أأستاذنا كنت الرّجاء «7» لآمل ... فأصبحت مهجور الفناء «8» لقاصد فلا تبعدن شيخ المعارف والحجا «9» ... أليس «10» الذي تحت التّراب بباعد؟ لتبك العلوم «11» بعدك اليوم «12» شجوها ... ويقفر «13» لها ربع العلا والمعاهد ليبك عليك الجود والدين «14» والتّقى ... وحسب البكا أن صرت ملحود لاحد أمولاي، من للمشكلات يبينها ... فيجلي «15» عمى كلّ القلوب الشّواهد ومن ذا يحلّ المقفلات صعابها؟ ... ومن ذا الذي يهدي السبيل لحائد فيا راحلا عنّا فزعنا لفقده ... لقد أونست منك القبور بوافد ويا كوكبا غال النهار «16» ضياءه ... وشيكا، وهل هذا الزمان بخالد؟ سأبكيك ما لاحت بروق لشائم ... وأرعاك ما كان الغمام بعائد «17» عليك سلام الله ما دامت «18» الصّبا ... تهبّ «19» بغصن في الأراكة مائد قلت «20» : العجب من الشيخ ابن الخطيب، كيف قال: وخمدت قرائح الآخدين عنه، وهو من أجلّ من أخذ عنه، حسبما قرره آنفا، بل أخصّ من ذلك المعاشرة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 24 والسفارة للعدوة. وهو مع ذلك أقدرهم على هذا الشأن، وأسخاهم قريحة في هذا الميدان، وإن أتى غيره بماء أو حمأة، أتى هو بالبحر الذي لا ساحل له. ولعمري لو قام هو بما يجب من ذلك، لزال القدح في نسب وفاء الغير، فعين ما نسبه من التقصير عن الحق في ذلك، متوجّه عليه، ولا حقّ له، ولا يبعد عنده أن يكون وقع بينهما ما أوجب إعراضه مما يقع في الأزمان، ولا سيما من أهل هذ الشان، فيكون ذلك سببا في إعراض الغير مشيا في غرضه، ومساعدة له. والله أعلم بحقيقة ذلك كله. محمد بن علي بن محمد البلنسي من أهل غرناطة، يكنى أبا عبد الله. حاله: طالب هشّ، حسن اللّقاء، عفيف النشأة، مكبّ على العلم، حريص على استفادته، مع زمانة أصابت يمنى يديه، نفعه الله. قيّد بأختها وانتسخ، قائم على العربية والبيان، ذاكر الكثير من المسائل، حافظ متقن، على نزعة عربية من التّجاذع في المشي وقلّة الالتفات إلّا بجملته، وجهوريّة الصوت، متحلّ بسذاجة، حسن الإلقاء والتقرير، متّ للمتغلّب على الدولة بضنّ أفاده جاها واستعمالا في خطّة السوق، ثمّ اصطناعا في الرسالة إلى ملك المغرب، جرّ عليه آخرا النّكبة، وقاد المحنة، فأرصد له السلطان أبو عبد الله في أخرياتها رجالا بعثهم في رندة، فأسروه في طريقه، وقدموا به سليبا قدوم الشّهرة والمثلة، موقنا بالقتل. ثم عطف عليه حنينا إلى حسن تلاوته في محبسه ليلا، فانتاشه لذلك من هفوة بعيدة ونكبة مبيرة. ولما عاد لملكه، أعاده للإقراء. مشيخته: جلّ انتفاعه بشيخ الجماعة أبي عبد الله بن الفخّار، لازمه وانتفع به، وأعاد دول تدريسه، وقرأ على غيره. وألّف كتابا في تفسير القرآن، متعدّد الأسفار، واستدرك على السّهيلي في أعلام القرآن كتابا نبيلا، رفعه على يدي للسّلطان. وهو من فضلاء جنسه، أعانه الله وسدّده. محمد بن سعد بن محمد بن لب بن حسن بن حسن ابن عبد الرحمن بن بقي ّ «1» يكنى أبا عبد الله، ويعرف باسم جدّه. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 25 أوليته: كان القاضي العدل أبو عبد الله بن هشام، قاضي الجماعة بالأندلس، يجلّ سلفه، وبنسبه إلى بقيّ بن مخلد، قاضي الخلافة بقرطبة، وابن هشام ممّن يحتجّ به. حاله: هذا الرّجل فاضل، حسن الخلق، جميل العشرة، كريم الصحبة، مبذول المشاركة، معروف الذكاء والعفّة، مبسوط الكنف مع الانقباض، فكه مع الحشمة، تسع الطوائف أكناف خلقه، ويعمّ المتضادّين رحب ذرعه، طالب محصل، حصيف العقل، حسن المشاركة في فنون؛ من فقه، وقراءات، ونحو، وغير ذلك. تكلّم للناس بجامع الرّبض ثمّ بمسجد البكري المجاور للزاوية والتربة اللتين أقمتهما بأخشارش من داخل الحضرة، وحلّق به لتعليم العلم، فانثال عليه المتعلم والمستفيد والسامع، لإجادة بيانه، وحسن تفهيمه. مشيخته: قرأ القرآن بجرف نافع، على أبيه، وعلى الشيخ الخطيب المكتّب أبي عبد الله بن طرفة، والخطيب أبي عبد الله بن عامور. وقرأ العربية على إمام الجماعة الأستاذ أبي عبد الله بن الفخّار، وجوّد عليه القرآن بالقراءات السبع، وقرأ على الأستاذ أبي سعيد بن لب. شعره: أنشدني من ذلك قوله بعد الانصراف من مواراة جنازة «1» : [الرمل] كم أرى مدمن لهو ودعه ... لست أخلي ساعة من تبعه كان لي عذر لدى عهد الصّبا ... وأنا آمل في العمر سعه أو ما يوقظنا من كلّنا ... آنفا «2» لقبره قد شيّعه سيّما إذ قد «3» بدا في مفرقي ... ما إخال الموت قد جاء معه فدعوني ساعة أبكي على ... عمر أمسيت ممّن ضيّعه ومن شعره في النوم، وهو كثيرا ما يطرقه: [الوافر] أباد البين أجناد التّلاقي ... وحالت بيننا خيل الفراق فجودوا وارحموا وارثوا ورقّوا ... على من جفنه سكب المآقي الجزء: 3 ¦ الصفحة: 26 ومن ذلك ما أنشد في النّوم على لسان رجل من أصحابه: [مخلع البسيط] يا صاحبيّ، قفا المطايا ... وأشفقا فالعبيد عبده إذا انتهى وانقضى زمان ... هل يرسل الله من يردّه؟ مولده: في الثاني عشر لصفر من عام اثنين وعشرين وسبعمائة. محمد بن سعيد بن علي بن يوسف الأنصاري من أهل غرناطة، يكنى أبا عبد الله، ويعرف بالطّرّاز. حاله: من صلة ابن الزّبير: كان، رحمه الله، مقرئا جليلا، ومحدّثا حافلا، به ختم بالمغرب هذا الباب البتّة. وكان ضابطا متقنا، ومقيّدا حافلا، بارع الخطّ، حسن الوراقة، عارفا بالأسانيد والطّرق والرّجال وطبقاتهم، مقرئا، عارفا بالأسانيد والقراءات، ماهرا في صناعة التّجويد، مشاركا في علم العربية والفقه الأصول وغير ذلك، كاتبا نبيلا، مجموعا فاضلا متخلّقا، ثقة فيما روّى، عدلا ممن يرجع إليه فيما قيّد وضبط، لإتقانه وحذقه. كتب بخطه كثيرا، وترك أمّهات حديثيّة، اعتمدها الناس بعده، وعوّلوا عليها. وتجرّد آخر عمره، إلى كتاب «مشارق الأنوار» تأليف القاضي أبي الفضل عياض، وكان قد تركه في مبيّضة، في أنهى درجات النسخ والإدماج والإشكال وإهمال الحروف حتى اخترمت منفعتها، حتى استوفى ما نقل منه المؤلف، وجمع عليها أصولا حافلة وأمّهات جامعة من الأغربة وكتب اللّغة، فتخلّص الكتاب على أتمّ وجه وأحسنه، وكمل من غير أن يسقط منه حرف ولا كلمة. والكتاب في ذاته لم يؤلف مثله. مشيخته: روى عن القاضي أبي القاسم بن سمحون، والقاضي ابن الطبّاع، وعن أبي جعفر بن شراحيل، وأبي عبد الله بن صاحب الأحكام والمتكلم، وأبي محمد بن عبد الصمد بن أبي رجا، وأبي القاسم الملّاحي، وأبي محمد الكوّاب وغيرهم، أخذ عن هؤلاء كلهم ببلده، وبقرطبة عن جماعة، وبمالقة كذلك، وبسبتة. وبإشبيلية عن أبي الحسن بن زرقون، وابن عبد النور. وبفاس وبمرسية عن جماعة. قلت: هذه الترجمة في الأصل المختصر منه هذا طويله، واختصرتها لطولها. وفاته: توفي بغرناطة ثالث شوال عام خمسة وأربعين وستمائة، وكانت جنازته من أحفل جنازة، إذ كان الله قد وضع له ودّا في قلوب المؤمنين. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 27 محمد بن يوسف بن علي بن يوسف بن حيّان النّفزي «1» من أهل غرناطة، يكنى أبا حيان، ويلقب من الألقاب المشرقية بأثير الدين. حاله: كان «2» نسيج وحده في ثقوب الذهن، وصحّة الإدراك والحفظ «3» ، والاضطلاع بعلم العربية، والتفسير وطريق الرواية، إمام النّحاة في زمانه غير مدافع، نشأ ببلده «4» غرناطة، مشارا إليه في التبريز بميدان الإدراك، وتغيير السوابق في مضمار التّحصيل. ونالته نبوة «5» لحق بسببها بالمشرق، واستقرّ بمصر، فنال ما شاء من عزّ وشهرة، وتأثّل وبرّ «6» وحظوة، وأضحى لمن حلّ بساحته من المغاربة ملجأ وعدّة. وكان شديد البسط، مهيبا، جهوريا، مع الدّعابة والغزل، وطرح السّمت «7» ، شاعرا مكثرا، مليح الحديث، لا يملّ وإن أطال، وأسنّ جدّا، وانتفع «8» به. قال بعض أصحابنا: دخلت عليه، وهو يتوضّأ، وقد استقرّ على إحدى رجليه لغسل الأخرى، كما تفعل البرك والإوزّ، فقال «9» : لو كنت اليوم جار شلير «10» ، ما تركني لهذا العمل في هذا السّن «11» . مشيخته: قرأ ببلده على الأستاذ حائز الرياسة أبي جعفر بن الزّبير ولازمه، وانتسب إليه، وانتفع به، وشاد له بالمشرق ذكرا كبيرا. ويقال إنه نادى في الناس عندما بلغه نعيه، وصلّى عليه بالقاهرة، وله إليه مخاطبات أدبية اختصرتها، وعلى الأستاذ الخطيب أبي جعفر علي بن محمد الرّعيني الطبّاع، والخطيب الصالح وليّ الله أبي الحسن فضل بن محمد بن علي بن إبراهيم بن فضيلة المعافري. وروى عن القاضي المحدّث أبي علي الحسين بن عبد العزيز بن أبي الأحوص الفهري، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 28 والمكتّب أبي سهل اليسر بن عبد الله بن محمد بن خلف بن اليسر القشيري، والأستاذ أبي الحسن بن الصايغ، والأديب الكاتب أبي محمد عبد الله بن هارون الطائي بتونس، وعلى المسند صفي الدين أبي محمد عبد الوهاب بن حسن بن إسماعيل بن مظفر بن الفرات الحسني بالإسكندرية، والمسند الأصولي وجيه الدين أبي عبد الله محمد بن عبد الرحمن بن أحمد بن عمران الأنصاري بالثغر، والمحدّث نجيب الدين أبي عبد الله محمد بن أحمد بن محمد بن المؤيّد الهمداني بالقاهرة، وغيرهم ممن يشقّ إحصارهم، كالإمام بهاء الدين محمد بن إبراهيم بن محمد بن أبي نصر بن النّحاس الشافعي. قرأ عليه جميع كتاب سيبويه في سنة ثمان وثمانين وستمائة، وقال له عند ختمه: لم يقرأه على أحد غيره. تواليفه: وتواليفه كثيرة، منها شرحه كتاب «تسهيل الفوائد لابن مالك» . وهو بديع، وقد وقفت على بعضه بغرناطة في عام سبعة وخمسين وسبعمائة. وكتابه في تفسير الكتاب العزيز، وهو المسمّى ب «البحر المحيط» تسمية، زعموا، موافقة للغرض. وألف كتابا في نحو اللّسان التّركي، حدّثنا «1» عنه الجملة الكثيرة من أصحابنا، كالحاجّ أبي يزيد خالد بن عيسى، والمقري الخطيب أبي جعفر الشّقوري، والشّريف أبي عبد الله بن راجح، وشيخنا الخطيب أبي عبد الله بن مرزوق. وقال «2» : حدّثنا شيخنا أثير الدّين «3» في الجملة سنة خمس وثلاثين وسبعمائة بالمدرسة الصالحية بين القصرين بمنزلة منها «4» . قال «5» : حدّثنا الأستاذ العلّامة المتفنن «6» أبو جعفر أحمد بن إبراهيم بن الزّبير، سماعا من لفظه، وكتبا «7» من خطّه بغرناطة، عن الكاتب أبي إسحاق بن عامر الهمداني الطّوسي بفتح الطاء، حدّثنا أبو عبد الله بن محمد العنسي القرطبي، وهو آخر من حدّث عنه، أخبرنا أبو علي الحسن بن محمد الحافظ الجيّاني، أنبأنا «8» حكم بن محمد، أنبأنا «9» أبو بكر بن المهندس، أنبأنا «10» عبد الله بن محمد، أنبأنا «11» طالوت بن عياد «12» بن بصّال بن جعفر، سمعت أبا أمامة الباهلي يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول: اكفلوا لي بستّ أكفل «13» لكم في الجزء: 3 ¦ الصفحة: 29 الجنة «1» ، إذا حدّث أحدكم بلا كذب، وإذا ائتمن فلا يخن، وإذا وعد فلا يخلف. غضّوا أبصاركم، وكفّوا أيديكم، واحفظوا فروجكم «2» . وقال: أنشدنا الخطيب أبو جعفر الطبّاع، قال: أنشدنا ابن خلفون، قال: أنشدنا أبو عبد الله محمد بن سعيد، قال: أنشدنا أبو عمران موسى بن أبي تليد لنفسه: [المنسرح] حالي مع الدهر في تقلّبه ... كطائر ضمّ رجله الشّرك فهمّه في خلاص مهجته ... يروم تخليصها فيشتبك ومن ملحه: قال: قدم علينا الشيخ المحدث أبو العلاء محمد بن أبي بكر البخاري الفرضي بالقاهرة في طلب الحديث، وكان رجلا حسنا طيّب الأخلاق، لطيف المزاج، فكنّا نسايره في طلب الحديث، فإذا رأى صورة حسنة قال: هذا حديث على شرط البخاري، فنظمت هذه الأبيات «3» : [الطويل] بدا كهلال العيد «4» وقت طلوعه ... وماس «5» كغصن الخيزران المنعّم غزال رخيم الدّلّ وافى مواصلا ... موافقة منه على رغم لوّم مليح غريب الحسن أصبح معلما ... بحمرة «6» خدّ بالمحاسن معلم وقالوا: على شرط البخاريّ قد أتى ... فقلنا «7» : على شرط البخاريّ ومسلم فقال البخاري: فمن هو مسلم «8» ؟ ... فقلت له: أنت البخاري ومسلم «9» محنته: حملته «10» حدّة الشيبة على التّعريض «11» للأستاذ أبي جعفر الطّبّاع، وقد وقعت بينه وبين أستاذه ابن الزّبير الوحشة فنال منه، وتصدّى للتأليف في الرّد عليه، وتكذيب روايته، فرفع أمره إلى «12» السلطان، فامتعض له، ونفّذ الأمر بتنكيله، فاختفى، ثم أجاز البحر مختفيا، ولحق بالمشرق يلتفت خلفه. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 30 شعره: وشعره كثير بحيث يتّصف بالإجادة وضدّها. فمن مطوّلاته، رحمه الله، قوله «1» : [البسيط] لا تعذلاه فما ذو الحبّ معذول ... العقل مختبل والقلب متبول هزّت له أسمرا من خوط قامتها ... فما انثنى الصّبّ «2» إلّا وهو مقتول جميلة فصّل الحسن البديع لها ... فكم لها جمل منه وتفصيل فالنّحر مرمرة والنّشر عنبرة ... والثّغر جوهرة والرّيق معسول «3» والطّرف ذو غنج والعرف ذو أرج ... والخصر مختطف، والعنق «4» مجدول هيفاء ينبس «5» في الخصر الوشاح لها ... درماء «6» تخرس في الساق الخلاخيل من اللواتي غذاهنّ النّعيم فما ... يشقين، آباؤها الصّيد البهاليل» نزر الكلام غميّات الجواب إذا ... يسلن بعد الصحا حصر مكاسيل من حليها وسناها مونس وهدى ... فليس يلحقها ذعر وتضليل حلّت بمنعقد الزّوراء زارة ... شوسا غيارى فعقد الصّبر محلول فصدّ عن ذكر ليلى إنّ ذكراها «8» ... على التّنائي لتعذيب وتعليل أتاك منك نذير فأنذرن به ... وبادر التّوب إنّ التّوب مقبول وآمل العفو واسلك مهمها قدفا ... إلى رضى الله إنّ العفو مأمول إن الجهاد وحجّ البيت مختتما ... بزورة المصطفى للعفو تأميل فشقّ حيزوم هذا الليل ممتطيا ... أخا خرام به قد يبلغ السّول أقبّ أعوج يعزى للوجيه له ... وجه أغرّ وفي الرجلين تحجيل جفر حوافره، معر قوائمه ... ضمر أياطله، وللذيل عثكول «9» الجزء: 3 ¦ الصفحة: 31 إذا توجّه أصغى وهو ملتفت ... مساعر «1» أعتقا فيهنّ تأليل وإن تعارض به هوجاء «2» هاج له ... جري «3» يرى البرق عنه وهو مخذول يحمي به «4» حوزة الإسلام ملتقيا ... كتائبا غصّ منها العرض والطّول كتائبا قد عموا عن كل واضحة ... من الكتاب وغرّتهم أباطيل في ماقط «5» ضرب الموت الزؤام «6» به ... سرادقا فعليهم منه تخييل هيجاء «7» يشرف فيها المشرفيّ «8» على ... هام العدوّ ويصحى «9» النّقع تضليل تدير كأس شعوب «10» في شعوبهم ... فكلّهم منهل بالموت معلول وإذ «11» قضيت غزاة فالتفت عملا ... للحجّ فالحجّ للإسلام تكميل واصل بسرّ معدّ «12» يا ابن أندلس ... والطّرف أدهم بالأشطان مغلول يلاطم الريح منه أبيض نفق ... له من السحب المزبد إكليل يعلو حضارين «13» منه شامخ جلل ... سام طفا وهو بالنّكباء محمول كأنّما هو في طخياء «14» لجّته ... أيم «15» يعرو أديم السّيل شمليل ما زالت الموج تعليه وتخفضه ... حتّى بدا من منار الثّغر قنديل وكبّر الناس أعلاه الرنيم «16» ... وكلّهم طرفه بالشهد مكحول وصافحوا البيد بعد اليمّ وابتدروا ... سبلا بها لجناب الله توصيل الجزء: 3 ¦ الصفحة: 32 على نجائب تتلوه أجنابها «1» ... خيل بها الخير معقود ومعقول في موكب تزحف الأرض الفضاء به ... أضحت وموحشها بالناس مأمول يطارد الوحش منه فيلق لجب ... حتى لقد ذعرت في بيدها الغول سيوفهم طرب نحو الحجاز فهم ... ذوو ارتياح على أكوارها ميل شعث رؤوسهم، يبس شفاههم ... خوص عيونهم، غرب مهازيل حتى إذا لاح من بيت الإله لهم ... نور إذا هم على الغبرا أراحيل يعفّرون وجوها طالما سمّت ... باكين حتى أديم الأرض مبلول حفّوا بكعبة مولاهم فكعبهم ... عال بها لهم طوف وتقبيل وبالصّفا وقتهم صاف بسعيهم ... وفي منى لمناهم كان تنويل تعرّفوا عرفات واقفين بها ... لهم إلى الله تكبير وتهليل لمّا قضينا من الغرّاء منكسنا ... ثرنا وكلّ بنار الشوق مشمول شدنا إلى الشّدقميات التي سكنت ... أبدانهنّ وأفناهنّ تنقيل إلى الرسول تزجّى كلّ تعلمة ... أجلّ من نجوة تزجي المراسيل من أنزلت فيه آيات مطهّرة ... وأورثت فيه توراة «2» وإنجيل وعطّرت من شذاه كلّ ناحية ... كأنّما المسك في الأرجاء محلول سرّ من العالم العلويّ ضمّنه ... جسم من الجوهر الأرضي محمول نور تمثّل في أبصارنا بشرا ... على الملائك من سيماه تمثيل لقد تسامى وجبريل مصاميه ... إلى مقام رخيّ «3» فيه جبريل أوحى إليه الذي أوحاه من كثب ... فالقلب واع بسرّ الله مشغول يتلو كتابا من الرحمن جاء به ... مطهّرا طاهر منه وتأويل جار على منهج الأعراب أعجزهم ... باق مع الدّهر لا يأتيه تبديل بلاغة عندها كعّ البليغ فلم ... ينطق وفي هديه صاحت أضاليل ومنها: وطولبوا أن يجيبوا حين رابهم ... بسورة مثله فاستعجز القيل الجزء: 3 ¦ الصفحة: 33 لا ذوا بذوبان خطّيّ «1» وبتر ظبى ... يوم الوغى واعتراهم منه تنكيل فمونف في جبال الوهد منحدر ... وموثق في حبال الغد مكبول ما زال بالعضب هتّاكا سوابغهم ... حتى انثنى العصب منهم وهو مفلول وقد تحطّم في نحر العدا قصد ... صمّ الوشيج «2» وخانتها العواميل من لا يعدّله القران كان له ... من الصّفاد وبيض البتر تعديل وكم له معجزا غير القران «3» أتى ... فيه من الحقّ منقول ومعقول فللرسول انشقاق البدر نشهده ... كما لموسى انفلاق البحر منقول ونبع ماء فرات من أنامله ... كالعين ثرّت فجا الهتّان ما «4» النيل روّوا الخميس وهم زهاء سبع مي ... مع الرّكاب فمشروب ومحمول وميّ عين بكفّ جاء يحملها ... قتادة وله شكوى وتعويل فكان «5» أحسن عينيه ولا عجب ... مسّت أناميل فيها اليمن مجعول والجذع حنّ إليه حين فارقه ... حنين ولهى لها للرّوم مثكول وأشبع الكثر من قلّ الطعام ولم ... يكن ليعوزه بالكثر تقليل وفي جراب ولا «6» هنّ عجائب كم ... يمتار منه فمبذول ومأكول وفي ارتواء إلى ذرء «7» بزمزم ما ... يكفي تبدّن منه وهو مهزول والعنكبوت بباب الغار قد نسجت ... حتى كأنّ رداء منه مسدول وفرّخت في حماه الورق ساجعة ... تبكي وما دمعها في الخدّ مطلول هذا وكم معجزات للرسول أتت ... لها من الله أمداد وتأصيل غدت من الكثر أعداد النجوم فما ... يحصي لها عددا كتب ولا قيل قد انقضت معجزات الرّسل منذ قضوا ... نحبا وأعجم منها ذلك الجيل ومعجزات رسول الله باقية ... محفوظة ما لها في الدّهر تحويل . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 34 تكفّل الله هذا الذّكر يحفظه ... وهل يضيع الذي بالله مكفول؟ هذي المفاخر لا يحظى الملوك بها ... للملك «1» منقطع والوحي موصول ومن مطولاته في غرض يظهر منها: [الطويل] هو العلم لا كالعلم شيء تراوده ... لقد فاز باغيه وأنجح قاصده وما فضّل الإنسان إلّا بعلمه ... وما امتاز إلّا ثاقب الذّهن واقده وقد قصرت أعمارنا وعلومنا ... يطول علينا حصرها ونكابده وفي كلّها خير ولكنّ أصلها ... هو النّحو فاحذر من جهول يعانده به يعرف القرآن والسّنّة التي ... هما أصل دين الله ذو أنت عابده وناهيك من علم عليّ مشيد ... مبانيه أعزز بالذي هو شائده لقد حاز في الدنيا فخارا وسؤددا ... أبو الأسود الديلي «2» فللجرّ سانده هو استنبط العلم الذي جلّ قدره ... وطار به للعرب ذكر نعاوده وساد عطا نجله وابن هرمز ... ويحيى ونصر ثم ميمون ماهده وعنبسة قد كان أبرع صحبه ... فقد قلّدت جيد المعالي قلائده وما زال هذا العلم تنميه سادة ... جهابذة تبلى به وتعاضده إلى أن أتى الدّهر العقيم بواحد ... من الأزد تنميه إليه فرائده إمام الورى ذاك الخليل بن أحمد ... أقرّ له بالسبق في العلم حاسده وبالبصرة الغرّاء «3» قد لاح فجره ... فنارت أدانيه وضاءت أباعده ذكيّ «4» الورى ذهنا وأصدق لهجة ... إذا ظنّ أمرا قلت ما هو شاهده وما أن يروّي بل جميع علومه ... بدائه «5» أعيت كلّ حبر تجالده هو الواضع الثاني الذي فاق أولا ... ولا ثالث في الناس تصمى قواصده فقد كان ربّانيّ أهل زمانه ... صويم قويم «6» راكع الليل ساجده يقيّم منه دهره في مثوبة ... وثوقا بأنّ الله حقّا مواعده الجزء: 3 ¦ الصفحة: 35 فعام إلى حجّ وعام لغزوة ... فيعرفه البيت العتيق ووافده ولم يثنه يوما عن العلم والتّقى ... كواعب حسن تنثني ونواهده وأكثر سكناه بقفر بحيث لا ... تناغيه إلّا عفره وأوابده وما قوته إلّا شعير يسيغه ... بماء قراح ليس تغشى موارده عزوبا عن الدنيا وعن زهراتها ... وشوقا إلى المولى وما هو واعده ولمّا رأى من سيبويه نجابة ... وأيقن أنّ الحين أدناه باعده تخيّره إذ كان وارث علمه ... ولاطفه حتّى كأن هو والده وعلّمه شيئا فشيئا علومه ... إلى أن بدت سيماه واشتدّ ساعده فإذ ذاك وافاه من الله وعده ... وراح وحيد العصر إذ جاء واحده أتى سيبويه ناشرا لعلومه ... فلولاه أضحى النحو «1» عطلا شواهده وأبدى كتابا كان فخرا وجوده ... لقحطان إذ كعب بن عمرو محاتده وجمّع فيه ما تفرّق في الورى ... فطارفه يعزى إليه وتالده بعمرو بن عثمان بن قنبر الرّضا ... أطاعت عواصيه وتابت شوارده عليك قران «2» النحو نحو ابن قنبر ... فآياته مشهودة وشواهده كتاب أبي بشر «3» فلا تك قارئا ... سواه فكلّ ذاهب الحسن فاقده هم خلج بالعلم مدّت فعندما ... تناءت غدت تزهى وليست تشاهده ولا تعد عمّا حازه إنه الفرا ... وفي جوفه كلّ الذي أنت صائده «4» إذا كنت يوما محكما في كتابه ... فإنّك فينا نابه القدر ماجده ولست تبالي إن فككت رموزه ... أعضّك دهر أم عرتك ثرائده هو العضب إن تلق الهياج شهرته ... وإن لا تصب حربا فإنّك غامده تلقّاه كلّ بالقبول وبالرّضى ... فذو الفهم من تبدو إليه مقاصده ولم يعترض فيه سوى ابن طراوة ... وكان طريّا لم تقادم معاهده وجسّره طعن المبرّد قبله ... وإنّ الثّمالي بارد الذّهن خامده الجزء: 3 ¦ الصفحة: 36 هما ما هما صارا مدى الدهر ضحكة ... يزيّف ما قالا وتبدو مفاسده تكون صحيح العقل حتى إذا ترى ... تباري أبا بشر، إذا أنت فاسده يقول امرؤ قد خامر الكبر رأسه ... وقد ظنّ أنّ النحو سهل مقاصده ولم يشتغل إلّا بنزر مسائل ... من الفقه في «1» أوراقه هو راصده وقد نال بين الناس جاها ورتبة ... وألهاك عن نيل المعالي ولابده وما ذاق للآداب طعما ولم يبت ... يعنّى بمنظوم ونثر يجاوده فينكح أبكار المعاني ويبتغي ... لها الكفو من لفظ بها هو عاقده رأى سيبويه فيه بعض نكادة ... وعجمة لفظ لا تحلّ معاقده فقلت: أما أتى «2» ما أنت أهل لفهمه ... وما أنت إلّا غائض الفكر راكده لعمرك ما ذو لحية وتسمّت ... وإطراق رأس والجهات تساعده فيمشي على الأرض الهوينا كأنما ... إلى الملإ الأعلى تناهت مراصده وإيهامك الجهّال أنّك عالم ... وأنّك فرد في الوجود وزاهده بأجلب للنّحو الذي أنت هاجر ... من الدّرس بالليل الذي أنت هاجده أصاح، تجنّب من غويّ مخذّل ... وخذ في طريق النّحو أنّك راشده لك الخير فادأب ساهرا في علومه ... فلم تشم إلّا ساهر الطّرف ساهده ولا ترج في الدنيا ثوابا فإنما ... لدى الله حقا أنت لا شكّ واجده ذوو النحو في الدنيا قليل حظوظهم ... وذو الجهل فيها وافر الحظّ زائده لهم أسوة فيها على لاغد «3» مضى ... ولم يلق في الدنيا صديقا يساعده مضى بعده عنها الخليل فلم ينل ... كفافا ولم يعدم حسودا يناكده ولاقى أبا بشر خليل «4» سفيهها ... غداة تمالت في ضلال يمادده أتى نحو هارون «5» يناظر شيخه ... فنفحته «6» حتّى تبدّت مناكده فأطرق شيئا ثم أبدى جوابه ... بحقّ ولكن أنكر الحقّ جاحده وكاد علي عمرا إذا صار حاكما ... وقدما عليّ كان عمرو يكايده سقاه بكأس لم يفق من خمارها ... وأورده الأمر الذي هو وارده الجزء: 3 ¦ الصفحة: 37 ولابن زياد شركة في مراده ... ولابن رشيد شرك «1» القلب رائده هما جرّعا إلى عليّ وقنبر ... أفاويق سمّ لم تنجّد أساوده أبكي على عمرو ولا عمر مثله ... إذا مشكل أعيا وأعور ناقده قضى نحبه شرخ الشّبيبة لم يرع ... بشيب ولم تعلق بذامّ معاقده لقد كان للناس اعتناء بعلمه ... بشرق وغرب تستنار فوائده والآن فلا شخص على الأرض قارىء ... كتاب أبي بشر ولا هو رائده سوى معشر بالغرب فيهم تلفّت ... إليه وشوق ليس يخبو مواقده وما زال منّا أهل أندلس له ... جهابذ تبدي فضله وتناجده وإنّي في مصر على ضعف ناصري ... لناصره ما دمت حيّا وعاضده أثار أثير الغرب للنّحو كامنا ... وعالجه حتّى تبدّت قواعده وأحيا أبو حيّان ميت علومه ... فأصبح علم النحو ينفق كاسده إذا مغربي حطّ بالثّغر رحله ... تيقّن أنّ النحو أخفاه لاحده منينا بقوم صدّروا في مجالس ... لإقراء علم ضلّ عنهم مراشده لقد أخّر التصدير عن مستحقّه ... وقدّم غمر خامد الذهن جامده وسوف يلاقي من سعى في جلوسهم ... جزاء «2» وعقبى أكنّت عقائده علا عقله فيهم هواه فما درى ... بأنّ هوى الإنسان للنار قائده أقمنا بمصر نحو «3» عشرين حجة ... يشاهدنا ذو أمرهم ونشاهده فلمّا ننل منهم مدى الدهر طائلا ... ولمّا نجد فيهم صديقا نوادده لنا سلوة فيمن سردنا حديثهم ... وقد يتسلّى بالذي قال سارده أخي إن تصل يوما وبلّغت سالما ... لغرناطة فانفذ لما أنا عاهده وقبل ثرى أرض بها حلّ ملكنا ... وسلطاننا الشّهم الجميل عوائده مبيد العدا قتلا وقد عمّ «4» شرّهم ... ومحيي النّدى فضلا وقد رمّ هامده أفاض على الإسلام جودا ونجدة ... فعزّ مواليه وذلّ معانده الجزء: 3 ¦ الصفحة: 38 وعمّ بها إخواننا بتحيّة ... وخصّ بها الأستاذ لا عاش كائده جزى الله عنّا شيخنا وإمامنا ... وأستاذنا «1» الحبر الذي عمّ فائده لقد أطلعت جيّان أوحد عصره ... فللغرب فخر أعجز الشرق خالده مؤرخة نحوية وإمامة ... محدّثة جلّت وصحّت مسانده جاه عظيم من ثقيف وإنما ... به استوثقت منه العرى ومساعده وما أنس لا أنسى سهادي ببابه ... بسبق وغيري نائم الليل راقده فيجلو بنور العلم ظلمة جهلنا ... ويفتح علما مغلقات رصائده وإنّي وإن شطّت بنا غربة النّوى ... لشاكر له في كل وقت وحامده بغرناطة روحي وفي مصر جثّتي ... ترى هل يثنّي الفرد من هو فارده؟ أبا جعفر، خذها قوافي من فتى ... تتيه على غرّ القوافي قصائده يسير بلا إذن إلى الأذن حسنها ... فيرتاح سمّاع لها ومناشده غريبة شكل كم حوت من غرائب ... مجيدة أصل أنتجتها أماجده فلولاك يا مولاي ما فاه مقولي ... بمصر ولا حبّرت ما أنا قاصده لهذّبتني حتّى أحوك مفوّقا ... من النظم لا يبلى مدى الدهر آبده وأذكيت فكري بعد ما كان خامدا ... وقيّد شعري بعد ما ندّ شارده جعلت ختاما فيه ذكرك إنه ... هو المسك بل أعلى وإن عزّ ناشده ومما دون من «2» المطولات قوله رحمه الله «3» : [الطويل] تفرّدت لمّا أن جمعت بذاتي «4» ... وأسكنت لما أن بدت حركاتي «5» فلم أر في الأكوان غيرا «6» لأنني ... أزحت عن الأغيار روح حياتي «7» وقدّستها عن رتبة لو تعيّنت ... لها دائما دامت لها حسراتي «8» فها أنا قد أصعدتها عن حضيضها ... إلى رتبة تقضي لها بثبات الجزء: 3 ¦ الصفحة: 39 تشاهد معنى روضة أذهب العنا ... وأيقظني للحقّ بعد سنات «1» أقامت زمانا في حجاب فعندما ... تزحزح عنها رامت الخلوات لنقضي بها ما فات من طيب أنسنا ... بها وننال الجمع بعد شتات ومن النسيب قوله «2» : [الكامل] كتم اللسان ومدمعي قد باحا ... وثوى الأسى عندي وأنسي «3» راحا إني لصبّ «4» طيّ ما نشر الهوى ... نشرا وما زال الهوى إفصاحا «5» ومهجتي من لا أصرّح باسمه ... ومن الإشارة ما يكون صراحا ريم أروم حنوّه وجنوحه ... ويروم عني جفوة وجماحا أبدى لنا من شعره وجبينه ... ضدّين ذا ليلا وذاك صباحا «6» عجبا له يأسو الجسوم بطبّه ... ولكم بأرواح أثار جراحا فبلفظه «7» برء الأخيذ ولحظه ... أخذ البريّ فما يطيق براحا ناديته «8» في ليلة لا ثالث ... إلّا أخوه البدر غار فلاحا «9» يا حسنها من ليلة لو أنها ... دامت ومدّت للوصال «10» جناحا وقال «11» : [الكامل] نور بخدّك أم توقّد نار؟ ... وضنى بجفنك أم فتور «12» عقار؟ وشذا بريقك أم تأرّج مسكة؟ ... وسنى بثغرك أم شعاع دراري «13» ؟ جمعت معاني الحسن فيك فقد غدت «14» ... قيد القلوب وفتنة الأبصار الجزء: 3 ¦ الصفحة: 40 متصاون خفر «1» إذا ناطقته ... أغضى حياء «2» في سكون وقار في وجهه زهرات لفظ «3» تجتلى ... من نرجس مع وردة وبهار خاف اقتطاف الورد من جنباتها «4» ... فأدار من أسر «5» سياج عذار وتسلّلت نمل العذار بخدّه ... ليردن شهدة ريقه المعطار وبخدّه ورد «6» حمتها وردها ... فوقفن بين الورد والإصدار كم ذا أواري «7» في هواه محبّتي ... ولقد وشى بي فيه فرط أواري «8» ومن نظمه من المقطوعات في شتى الأغراض قوله رحمه الله «9» : [البسيط] أزحت نفسي من الإيناس بالناس ... لمّا غنيت عن الأكياس بالياس «10» وصرت في البيت وحدى لا أرى أحدا ... بنات فكري وكتبي هنّ جلّاسي وقال «11» : [الطويل] وزهّدني في جمعي المال أنه ... إذا ما انتهى عند الفتى فارق العمرا فلا روحه يوما أراح من العنا ... ولم يكتسب حمدا ولم يدّخر أجرا وقال: [الطويل] سعت حيّة من شعره نحو صدغه ... وما انفصلت من خدّه إنّ ذا عجب وأعجب من ذا أنّ سلسال ريقه ... برود ولكن شبّ في قلبي اللهب وقال «12» : [السريع] راض «13» حبيبي عارض قد بدا ... يا حسنه من عارض رائض وظنّ «14» قوم أنّ قلبي سلا ... والأصل لا يعتدّ بالعارض الجزء: 3 ¦ الصفحة: 41 وقال «1» : [الخفيف] سال في الخدّ للحبيب عذار ... وهو لا شكّ سائل مرحوم وسألت التثامه فتجنّى ... فأنا اليوم سائل محروم وقال: [الطويل] جننت بها سوداء لون وناظر ... ويا طالما كان الجنون بسوداء وجدت بها برد النعيم وإنّ ... فؤادي منها في جحيم ولأواء وقال في فتى يسمى مظلوم «2» : [الطويل] وما كنت أدري أنّ مالك مهجتي ... يسمّى «3» بمظلوم وظلم جفاؤه إلى أن دعاني للصّبا «4» فأجبته ... ومن يك مظلوما أجيب دعاؤه وقال «5» : [الخفيف] جنّ غيري بعارض فترجّى ... أهله أن يفيق عمّا قريب وفؤادي بعارضين مصاب ... فهو داء أعيا دواء «6» الطبيب وقال «7» : [الطويل] شكا الخصر منه ما يلاقي بردفه ... وأضعف «8» غصن البان جرّ كثيب إذا كان منه البعض يظلم بعضه ... فما حال مشتطّ «9» المزار «10» غريب وقال «11» : [الطويل] وذي شفة لمياء زينت بشامة «12» ... من المسك في رشافها «13» يذهب النّسك ظمئت إليها ريقة كوثريّة ... بمثل لآلي «14» ثغرها ينظم السّلك الجزء: 3 ¦ الصفحة: 42 تعلّ بمعسول كأنّ رضابه ... مدام من الفردوس «1» خاتمه مسك وقال: [الطويل] أجلّ شفيع ليس يمكن ردّه ... دراهم بيض للجروح مراهم تصيّر صعب الأمر أسهل ما ترى ... ويقضي لبانات الفتى «2» وهو نائم وقال «3» : [مخلع البسيط] نعيد ودّ قريب ضلّ «4» ... كبير عتب، قليل عتبى «5» كالشمس ظرفا، كالمسك عرفا ... كالخشف طرفا، كالصّخر قلبا وقال «6» : [الطويل] عداتي «7» لهم فضل عليّ ومنّة ... فلا أذهب الرحمن عنّي الأعاديا هم بحثوا عن زلّتي فاجتنبتها «8» ... وهم نافسوني فاكتسبت المعاليا مولده: ولد بغرناطة عام اثنين وخمسين وستمائة «9» . وفاته: أخبرني الحاج الخطيب الفاضل أبو جعفر الشّقوري، رحمه الله، قال: توفي عام خمسة وأربعين وسبعمائة بمصر، ودفن بالقرافة. وكانت جنازته حافلة. ومن الطارئين عليها في هذا الحرف محمد بن أحمد بن داود بن موسى بن مالك اللّخمي اليكّي من أهل بلّش «10» ، يكنى أبا عبد الله، ويعرف بابن الكمّاد. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 43 حاله: من «عائد الصلة» : كان من جلّة صدور الفقهاء الفضلاء، زهدا وقناعة وانقباضا، إلى دماثة الخلق، ولين الجانب، وحسن اللقاء، والسّذاجة المموّهة بالغفلة، والعمل على التقشّف والعزلة، قديم السّماع والرّحلة، إماما مشهورا في القراءات، يرحل إليه، ويعوّل عليه، إتقانا ومعرفة منها بالأصول، كثير المحافظة والضّبط، محدّثا ثبتا، بليغ التّحرّز، شديد الثقة، فقيها متصرّفا في المسائل، أعرف الناس بعقد الشروط، ذا حظّ من العربية واللغة والأدب. رحل إلى العدوة، وتجوّل في بلاد الأندلس، فأخذ عن كثير من الأعلام، وروى وقيّد وصنّف وأفاد، وتصدّر للإقراء بغرناطة وبلّش وغيرهما، وتخرّج بين يديه جملة وافرة من العلماء والطلبة، وانتفعوا به. مشيخته: قرأ ببلده مرسية على الأستاذ أبي الحسن علي بن محمد بن لب بن أحمد بن أبي بكر الرّقوطي، والمقرئ أبي الحسن بن خلف الرّشاطي، والمحدّث الجليل أبي عمرو محمد بن علي بن عيشون اللخمي، وعلى الشيخ الفقيه الكاتب أبي محمد بن عبد الله بن داود بن خطّاب الغافقي المرسي. وممن أجازه الفقيه أبو عثمان سعيد بن عمرو البطرني، والقاضي أبو علي بن أبي الأحوص، لقيه ببلّش مالقة وبسطة، فروى عنه الكثير، والأستاذ أبو القاسم بن الأصهر الحارثي، لقيه بألمريّة. ولقي بغرناطة الأستاذ أبا جعفر الطّبّاع، والوزير الرّاوية أبا القاسم محمد بن يحيى بن عبد الرحمن بن جزيّ الكلبي، روى عنه وأجازه. وكتب له بالإجازة جماعة كبيرة من أهل المشرق والمغرب، حسبما تضمنه برنامجه. تواليفه: اختصر كتاب «المقنع» في القراءات اختصارا بديعا، وسماه كتاب «الممتع في تهذيب المقنع» وغير ذلك. شعره: من ذلك وقد وقف على أبيات أبي القاسم بن الصّقر في فضل الحديث: [الطويل] لقد حاز أصحاب الحديث وأهله ... شأوا وثيرا «1» ومجدا مخلّدا وصحّت لهم بين الأنام مزيّة ... أبانت لهم عزّا ومجدا وسؤددا بدعوة خير الخلق أفضل مرسل ... محمد المبعوث بالنّور والهدى فهم دوّنوا علم الحديث وأتقنوا ... ونصّوا بتبيين صحيحا ومسندا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 44 وجاءوا بأخبار الرّسول وصحبه ... على وجهها لفظا ورسما مقيدا وهم نقلوا الآثار والسّنن التي ... من أصبح «1» ذا أخذ بها فقد اهتدى وما قصّروا فيها بفقه ولا ونوا ... بل التزموا حدّا وحزما مؤكّدا وهم أوضحوا من بعدهم باجتهادهم ... وتبيينهم سبل الهدى لمن اقتدى جزاهم إله العرش عنّا بنصحهم ... بأحسن ما جازى نصيحا ومرشدا ونسأله «2» سبحانه نهج هديهم ... وسعيا إلى التّقوى سبيلا ومقصدا ومن شعره، رحمه الله، قوله: [السريع] عليك بالصّبر وكن راضيا ... بما قضاه الله تلقى النجاح واسلك طريق المجد والهج به ... فهو الذي يرضاه أهل الصلاح وقد ألّف شيخنا أبو البركات بن الحاج، جزءا سماه «شعر من لا شعر له» ، فيه من شعر هذا الرجل الفاضل ومثله كثير. مولده: قبل الأربعين وستمائة. وتوفي ثاني شهر الله المحرم عام اثني عشر وسبعمائة. انتهى ما اختصر من السّفر السابع من كتاب «الإحاطة في تاريخ غرناطة» يتلوه في السفر الثامن بعده إن شاء الله ومن السفر الثامن من ترجمة المقرئين والعلماء رحمهم الله*** ومن السفر الثامن من ترجمة المقرئين والعلماء محمد بن أحمد بن محمد بن علي الغسّاني من أهل مالقة، يكنى أبا القاسم، ويعرف بابن حفيد الأمين. حاله: كان من أهل العلم والفضل والدين المتين، والدّؤوب على تدريس كتب الفقه. استظهر كتاب «الجواهر» لابن شاس، واضطلع بها، فكان مجلسه من مجالس الحفّاظ، حفّاظ المذهب، وانتفع به الناس، وكان معظّما فيهم، متبرّكا به، على سنن الصالحين من الزّهد والانقباض وعدم المبالاة بالملبس والمطعم. وقال صاحبنا الفقيه الجزء: 3 ¦ الصفحة: 45 أبو الحسن النّباهي في تذييله لتاريخ مالقة: كان رجلا ساذجا، مخشوشنا، سنّيّ المنازع، شديد الإنكار على أهل البدع. جلس للتّحليق العام بالمسجد الجامع، وأقرأ به الفقه والعربية والفرائض. مشيخته: قال: منهم أبو علي بن أبي الأحوص، وأبو جعفر بن الزبير، وأبو محمد بن أبي السّداد، والقاضي أبو القاسم ابن السّكوت. قال: وأنشد للزاهد أبي إسحاق بن قشوم، قوله: [الطويل] يروقك يوم العيد حسن ملابس ... ونعمة أجسام ولين قدود أجل لحظات الفكر منك فلا ترى ... سوى خرق تبلى وطعمة دود وأنشد لأبي عمرو الزاهد: [السريع] تختبر الدّنير في ميذق ... والدّرهم الزايف إذ يبهم والمرء إن رمت اختبارا له ... ميذقه الدّنير والدّرهم من عفّ عن هذا وهذا معا ... فهو التّقيّ الورع المسلم تواليفه: له تقييد حسن في الفرائض، وجزء في تفضيل التّين على التّمر، وكلام على نوازل الفقه. وفاته: وتوفي في الكائنة العظمى بطريف «1» . محمد بن أحمد بن علي بن قاسم المذحجي من أهل ملتماس «2» ، يكنى أبا عبد الله. حاله: من «العائد» : كان، رحمه الله، من سراة بلده وأعيانهم، أستاذا متفنّنا مقرئا لكتاب الله، كاتبا بليغا، شديد العناية بالكتب، كثير المغالاة في قيمها وأثمانها، حتى صار له من أعلاقها وذخائرها ما عجز عن تحصيله كثير من أهل بلده. كتب بخطّه، وقيّد كثيرا من كتب العلم. وكان مقرئا مجوّدا، عارفا بالقراءات، بصيرا بالعربية، ثقة ضابطا، مبرّزا في العدالة، حريصا على العلم استفادة ثم إفادة، لا يأنف من حمله عن أقرانه، وانتفع به أهل بلده، والغرباء أكثر. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 46 مشيخته: أخذ عن طائفة من أهل العلم، منهم الشّيخان الرّحلتان؛ أبو عبد الله بن الكمّاد، وأبو جعفر بن الزيات، عظيما بلده، والخطيب ولي الله أبو عبد الله الطّنجالي، والقاضي أبو عبد الله بن بكر. وروى عن الشيخ الوزير أبي عبد الله بن ربيع، وابنه الرّاوية أبي عامر، والخطيب الصالح أبي إسحاق بن أبي العاصي. وروى عن الشيخ الرّاوية الرّحّال أبي عبد الله بن عامر الوادي آشي وغيرهم، ودخل غرناطة. مولده: ولد ببلّش عام ثمانية وثمانين وستمائة. وفاته: توفي ببلّش عاشر شهر شعبان من عام أربعة وثلاثين وسبعمائة. محمد بن أحمد بن محمد بن علي الغسّاني من أهل مالقة، يكنى أبا الحكم، ويعرف بابن حفيد الأمين. حاله: من «العائد» : كان هذا الشيخ من أهل العلم والدّين المتين، والجري على سنن الفقهاء المتقدّمين، عقد الشروط بمالقة مدة طويلة في العدول المبرّزين، وجلس للتّحليق في المسجد الأعظم من مالقة، بعد فقد أخيه أبي القاسم، وخطب بمسجد مالقة الأعظم. ثم أخّر عن الخطبة لمشاحنة وقعت بينه وبين بعض الولاة، أثمرت في إحنته. ولم يزل على ما كان عليه من الاجتهاد في العبادة، والتقييد للعلم، والاشتغال به، والعناية بأهله، إلى أن توفي على خير عمل. مشيخته: قرأ على الأستاذ الخطيب أبي محمد الباهلي، وروى عن جلّة من الشيوخ مثل صهره الخطيب الولي أبي عبد الله الطّنجالي «1» ، وشاركه في أكثر شيوخه، والأديب الحاج الصالح أبي القاسم القبتوري «2» وغيرهم. مولده: ولد بمالقة عام ثلاثة وسبعين وستمائة. وفاته: توفي بمالقة يوم الأربعاء الثامن عشر لذي حجة من عام تسعة وأربعين وسبعمائة. ودخل غرناطة غير ما مرّة مع الوفود من أهل بلده وفي أغراضه الخاصة. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 47 محمد بن أحمد الرّقوطي «1» المرسي يكنى أبا بكر. حاله: كان طرفا في المعرفة بالفنون القديمة؛ المنطق والهندسة والعدد والموسيقا والطّب، فيلسوفا، طبيبا ماهرا، آية الله في المعرفة بالألسن، يقرئ الأمم بألسنتهم فنونهم التي يرغبون في تعلمها، شديد البأو، مترفّعا، متعاطيا. عرف طاغية الروم حقّه، لما تغلّب على مرسية، فبنى له مدرسة يقرئ فيها المسلمين والنصارى واليهود، ولم يزل معظما عنده. ومما يحكى من ملحه معه، أنه قال له يوما، وقد أدنى منزلته، وأشاد بفضله: لو تنصّرت وحصّلت الكمال، كان عندي لك كذا وكذا، وكنت كذا، فأجابه بما أقنعه. ولما خرج من عنده، قال لأصحابه: أنا الآن أعبد واحدا، وقد عجزت عما يجب له، فكيف حالي لو كنت أعبد ثلاثة كما أراد مني. وطلبه سلطان المسلمين، ثاني الملوك من بني نصر «2» ، واستقدمه، وتلمذ له، وأسكنه في أعدل البقع من حضرته. وكان الطلبة يغشون منزله المعروف له، وهو بيدي الآن، فتعلّم عليه الطب والتعاليم وغيرها، إذ كان لا يجارى في ذلك. وكان قويّ العارضة، مضطلعا بالجدل، وكان السلطان يجمع بينه وبين منتابي حضرته، ممن يقدم منتحلا صناعة أو علما، فيظهر عليهم، لتمكنه ودالّته، حسبما يأتي في اسم أبي الحسن الأبّدي، وأبي القاسم بن خلصون، إن شاء الله. وكان يركب إلى باب السلطان، عظيم التّؤدة، معار البغلة، رائق البزّة، رفيق المشي، إلى أن توفي بها، سمح الله له. محمد بن إبراهيم بن المفرّج الأوسي المعروف بابن الدبّاغ الإشبيلي. حاله: كان واحد عصره في حفظ مذهب مالك، وفي عقد الوثائق، ومعرفة عللها، عارفا بالنحو واللغة والأدب والكتابة والشعر والتاريخ. وكان كثير البشاشة، عظيم الانقباض، طيّب النفس، جميل المعاشرة، كثير المشاركة، شديد التّواضع، صبورا على المطالعة، سهل الألفاظ في تعليمه وإقرائه. أقرأ بجامع غرناطة لأكابر علمائها الفقه وأصوله، وأقرأ به الفروع والعقائد للعامة مدة. وأقرأ بجامع باب الفخّارين، وبمسجد ابن عزرة وغيره. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 48 مشيخته: قرأ على والده الأستاذ أبي إسحاق إبراهيم، وعلى الأستاذ أبي الحسن الدباج، وعلى القاضي أبي الوليد محمد بن الحاج التّجيبي القرطبي، وعلى القاضي أبي عبد الله بن عياض. وفاته: توفي برندة يوم الجمعة أول يوم من شوال عند انصراف الناس من صلاة الجمعة من عام ثمانية وستين وستمائة. محمد بن إبراهيم بن محمد الأوسي من أهل مرسية، نزيل غرناطة، يكنى أبا عبد الله، ويعرف بابن الرّقّام، الشيخ الأستاذ المتفنن. حاله: كان نسيج وحده، وفريد دهره، علما بالحساب والهندسة والطب والهيئة، وغير ذلك، مديد الباع، أصيل المعرفة، مضطلعا، متبحرا لا يشقّ غبارة، أقرأ التعاليم والطب والأصول بغرناطة لما استقدمه السلطان ثاني الملوك من بني نصر من مدينة بجاية، فانتفع الناس به، وأوضح المشكلات، وسئل من الأقطار النازحة في الأوهام العارضة، ودوّن في هذه الفنون كلها، ولخّص، ولم يفتر من تقييد وشرح وتلخيص وتدوين. تواليفه: وتواليفه كثيرة، منها كتابه الكبير على طريقة كتاب «الشّفا» ، والزّيج القويم الغريب المرصد، المبنيّة رسائله على جداول ابن إسحاق، وعدّل مناخ الأهلّة، وعليه كان العمل، وقيّد أبكار الأفكار في الأصول، ولخّص المباحث، وكتاب الحيوان والخواص. ومقالاته كثيرة جدا، ودواوينه عديدة. وفاته: توفي عن سنّ عالية بغرناطة في الحادي والعشرين لصفر من عام خمسة عشر وسبعمائة. محمد بن جعفر بن أحمد بن خلف بن حميد ابن مأمون الأنصاري «1» ونسبه «2» أبو محمد القرطبي أمويّا من صريحهم، بلنسي الأصل، يكنى أبا عبد الله. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 49 حاله: كان صدرا في متقني القرآن العظيم، وأئمّة تجويده، مبرّزا في النحو، إماما معتمدا عليه، بارع الأدب، وافر الحظّ من البلاغة، والتّصرّف البديع في الكتابة، طيّب الإمتاع بما يورده من الفنون، كريم الأخلاق، حسن السّمت، كثير البشر، وقورا، ديّنا، عارفا، ورعا، وافر الحظّ من رواية الحديث. مشيخته: روى «1» عن أبي إسحاق بن صالح، وأبي بكر بن أبي ركب، وأبي جعفر بن ثعبان، وأبي الحجاج القفّال، وأبي الحسن شريح، وأبي محمد عبد الحق بن عطية، وأبي الحسن بن ثابت، وأبي الحسن بن هذيل، وتلا عليه بالسّبع، وأبو «2» عبد الله بن عبد الرحمن المذحجي الغرناطي، وابن فرح «3» القيسي، وأبي القاسم خلف بن فرتون، ولم يذكر أنهم أجازوا له. وكتب له أبو بكر عبد العزيز بن سدير «4» ، وابن العزفي «5» ، وابن قندلة «6» ، فأبو الحسن طارق بن موسى، وابن موهب، ويونس بن مغيث، وأبو جعفر «7» بن أيوب، وأبو الحكم عبد الرحمن بن غشيان «8» ، وأبو عبد الله الجيّاني، المعروف بالبغدادي. وذكر أبو عبد الله بن يربوع أن له راوية عن أبي الحسن «9» بن الطراوة. من روى عنه: روى «10» عنه أبو بحر صفوان بن إدريس، وأبو بكر بن عتيق الأزدي «11» ، وابن قترال «12» ، وأبو جعفر الجيّار، والذّهبي، وابن عميرة الشهيد، وأبو الحسن بن عزمون «13» ، وابن عبد الرزاق «14» ، وأبو الحسن «15» عبيد الله بن عاصم الدّاري «16» ، وأبو الربيع بن سالم، وأبو زكريا الجعفري «17» ، وأبو سليمان بن حوط الله، وأبو عبد الله الأندرشي، وابن الحسين بن محبر «18» ، وابن إبراهيم الريسي «19» ، وابن صلتان، وابن عبد الحق التلمسيني، وابن يربوع، وأبو العباس العزفي، وأبو عثمان سعد الحفّار، وأبو علي عمر بن جميع «20» ، وأبو عمران بن إسحاق «21» ، وأبو الجزء: 3 ¦ الصفحة: 50 القاسم الطيب بن هرقال «1» ، وعبد الرحيم بن إبراهيم بن قريش الملّاحي «2» ، وأبو محمد بن دلف «3» بن اليسر، وأبو الوليد بن الحجاج «4» . تواليفه: له شرح على «إيضاح الفارسي» ، وآخر على «جمل الزّجّاجي» . مولده: ببلنسية سنة ثلاث عشرة وخمسمائة. وفاته: توفي بمرسية إثر صدوره عن غرناطة عشي يوم السبت لثلاث عشرة بقيت من جمادى الأولى «5» سنة ست وثمانين وخمسمائة. محمد بن حكم بن محمد بن أحمد بن باق الجذامي «6» من أهل سرقسطة. سكن غرناطة ثم فاس، يكنى أبا جعفر. حاله: كان «7» مقرئا مجوّدا، محققا بعلم الكلام وأصول الفقه، محصّلا لهما، متقدّما في النحو، حافظا للغة، حاضر الذّكر لأقوال تلك العلوم، جيّد النظر، متوقّد الذهن، ذكيّ القلب، فصيح اللسان «8» . ولّي أحكام فاس، وأفتى فيها، ودرّس بها العربية: كتاب سيبويه وغير ذلك. مشيخته: روى «9» عن أبي الأصبغ بن سهل، وأبوي «10» الحسن الحضرمي، وابن سابق، وأبي جعفر بن جرّاح، وأبي طالب السّرقسطي، الأديبين، وأبوي عبد الله بن نصر، وابن يحيى بن هشام المحدّث، وأبي العباس الدلائي، وأبي عبيد الله البكري، وأبي عمر أحمد بن مروان «11» القيرواني، وأبي محمد بن قورش «12» ، وأبي مروان بن سراج. وأجاز له أبو الوليد الباجي، رحمه الله. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 51 من روى عنه: روى «1» عنه أبو إسحاق بن قرقول، وأبو الحسن صالح بن خلف، وأبو عبد الله بن حسن السّبتي، وأبو «2» الحسن الأبّذي، وتوفي قبله، وابن خلف بن الأيسر «3» ، والنّميري، وأبو العباس بن عبد الرحمن بن الصّقر، وأبو علي حسن بن الجزّار «4» ، وأبو الفضل بن هارون الأزدي، وأبوا «5» محمد: عبد الحق بن بونه، وقاسم بن دحمان، وأبو مروان بن الصّقيل الوقّشي «6» . تواليفه: شرح «7» «إيضاح الفارسي» ، وكان قيّما على كتابه، وصنّف في الجدل مصنّفين، كبيرا وصغيرا. وله عقيدة جيدة. وفاته: توفي بفاس، وقيل بتلمسان «8» ، سنة ثلاث وثلاثين وخمسمائة. محمد بن حسن بن محمد بن عبد الله بن خلف ابن يوسف بن خلف الأنصاري «9» من أهل مالقة، يكنى أبا عبد الله، ويعرف بابن الحاج، وبابن صاحب الصلاة. حاله: كان مقرئا صدرا في أئمّة التّجويد، محدّثا متقنا ضابطا، نبيل الخطّ والتقييد، ديّنا، فاضلا. وصنّف في الحديث، وخطب بجامع بلده. وأمّ في الفريضة زمانا، واستمرّت حاله كذلك، من نشر العلم وبثّه إلى أن كرّمه الله بالشهادة في وقيعة العقاب «10» . دخوله غرناطة، راويا عن ابن الفرس، وابن عروس، وغيرهما. مشيخته: روى بالأندلس عن الحجاج ابن الشيخ، وأبي الحسن بن كوثر، وأبي خالد يزيد بن رفاعة، وأكثر عنه، وأبوي عبد الله بن عروس، وابن الفخّار، وأبي الجزء: 3 ¦ الصفحة: 52 محمد بن حوط الله، وعبد الحق بن بونه، وعبد الصّمد بن يعيش، وعبد المنعم بن الفرس، وأجازوا له. وتلا القرآن على أبي عبد الله الإستجّي. وروى الحديث عن أبي جعفر الحصّار. وحجّ في نحو سنة ثمانين وخمسمائة، وأخذ عن جماعة من أهل المشرق، كأبي الطّاهر الخشوعي وغيره. وفاته: توفي شهيدا محرضا صابرا يوم الاثنين منتصف صفر عام تسعة وستمائة. محمد بن محمد بن أحمد بن علي الأنصاري يكنى أبا عبد الله، ويعرف بابن قرال، من أهل مالقة. حاله: طالب عفيف مجتهد خيّر. قرأ بغرناطة، وقام على فنّ العربية قياما بالغا، وشارك في غيره، وانتسخ الكثير من الدّواوين بخطّ بالغ أقصى مبالغ الإجادة والحسن، وانتقل إلى مالقة فأقرأ بها العربية، واقتدى بصهره الصّالح أبي عبد الله القطّان، فكان من أهل الصلاح والفضل. وتوفي في محرم عام خمسين وسبعمائة. محمد بن محمد بن إدريس بن مالك بن عبد الواحد ابن عبد الملك بن محمد بن سعيد بن عبد الواحد ابن أحمد بن عبد الله القضاعي من أهل إسطبونة «1» ، يكنى أبا بكر، ويعرف بالقللوسي. حاله: كان، رحمه الله، إماما في العربية والعروض والقوافي، موصوفا بذلك، منسوبا إليه، يحفظ الكثير من كتاب سيبويه، ولا يفارقه بياض يومه، شديد التعصّب له، مع خفّة وطيش يحمله على التوغّل في ذلك. حدّثني شيخنا أبو الحسن بن الجيّاب، رحمه الله، قال: وقف أبو بكر القللوسي يوما على القاضي أبي عمرو بن الرّندون، وكان شديد الوقار، مهيبا، وتكلم في مسألة من العربية، نقلها عن سيبويه، فقال القاضي أبو عمرو: أخطأ سيبويه، فأصاب أبا بكر القللوسي قلق كاد يلبط به الأرض، ولم يقدر على جوابه بما يشفي به صدره لمكان رتبته. قال: فكان يدور بالمسجد، والدموع تنحدر على وجهه، وهو يقول: أخطأ من خطّأه، يكرّرها، والقاضي أبو عمرو يتغافل عنه، ويزري عليه. وكان، مع ذلك، مشاركا في فنون، من الجزء: 3 ¦ الصفحة: 53 فقه وقراءات وفرائض، من أعلام الحفّاظ للغة، حجّة في العروض والقوافي، يخطط بالقافية عند ذكره في الكتب. وله في ذلك تواليف بديعة. وولّي الخطابة ببلده مدة، وقعد للتدريس به، وانثال عليه الناس وأخذوا عنه. ونسخ بيده الكثير وقيّد، وكان بقطره علما من أعلام الفضل والإيثار والمشاركة. تواليفه: نظم رجزا شهيرا في الفرائض علما وعملا، ونظم في العروض والقوافي، وألّف كتاب «الدّرة المكنونة في محاسن إسطبونة» ، وألّف تأليفا حسنا في ترحيل الشمس، وسوسطات الفجر، ومعرفة الأوقات، ونظم أرجوزة في شرح ملاحن ابن دريد، وأرجوزة في شرح كتاب «الفصيح» . ورفع للوزير ابن الحكيم كتابا في الخواص وصنعة الأمدّة والتطبّع الشاب، غريبا في معناه. مشيخته: قرأ على الأستاذ أبي الحسن بن أبي الربيع، ولازمه، وأخذ عنه، وعن أبي القاسم بن الحصّار الضرير السّبتي، وعلى الأستاذ أبي جعفر بن الزّبير بغرناطة، وغيرهم. شعره: من شعره قوله من قصيدة يمدح ابن الحكيم: [الطويل] علاه رياض أورقت بمحامد ... تنوّر بالجدوى وتثمر بالأمل تسحّ عليها من نداه غمامة ... تروي ثرى المعروف بالعلّ والنّيل وهل هو إلّا الشمس نفسا ورفعة ... فيغرب بالجدوى ويبعد بالأمل؟ تعمّ أياديه البريّة كلّها ... فدان وقاص جود كفّيه قد شمل وهي طويلة. ونقلت من خطّ صاحبنا أبي الحسن النّباهي، قال يمدح أبا عبد الله الرّنداحي: [الكامل] أطلع بأفق الرّاح كأس الرّاح ... وصل الزّمان مساءه بصباح خذها على رغم العذول مدامة ... تنفي الهموم وتأت بالأفراح والأرض قد لبست برود أزاهر ... وتمنطقت من نهرها بوشاح والجوّ إذ يبكي بدمع غمامة ... ضحك الربيع له بثغر أقاح والرّوض مرقوم بوشي أزاهر ... والطّير يفصح أيّما إفصاح والغصن من طرب يميل كأنما ... سقيت بكفّ الرّيح كأس الراح والورد منتظم على أغصانه ... يبدو فتحسبه خدود ملاح وكأنّ عرف الريح من زهر الرّبى ... عرف امتداح القائد الرّنداح وفاته: ببلده عصر يوم الجمعة الثامن عشر لرجب الفرد سنة سبع وسبعمائة. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 54 محمد بن محمد بن محارب الصّريحي من أهل مالقة، يكنى أبا عبد الله، ويعرف بابن أبي الجيش. حاله وأوليّته: أصل سلفه من حصن يسر من عمل مرسية، من بيت حسب وأصالة، ولخؤولته بالجهة التاكرونيّة ثورة. وقلت فيه في «عائد الصلة» : كان من صدور المقرئين، وأعلام المتصدّرين تفنّنا واضطلاعا وإدراكا ونظرا، إماما في الفرائض والحساب، قائما على العربية، مشاركا في الفقه والأصول وكثير من العلوم العقلية. قعد للإقراء بمالقة، وخطب بجامع الرّبض. مشيخته: قرأ على الأستاذ القاضي المتفنّن أبي عبد الله بن بكر، ولازمه. ثم ساء ما بينهما في مسألة وقعت بمالقة، وهي تجويز الخلف في وعد الله، شنّع فيها على شيخنا المذكور. ونسبه إلى أن قال: وعد الله ليس بلازم الصّدق، بل يجوز فيه الخلف، إذ الأشياء في حقه متساوية. وكتب في ذلك أسئلة للعلماء بالمغرب، فقاطعه وهجره. ولمّا ولّي القاضي أبو عبد الله بن بكر القضاء، خافه، فوجّه عنه إثر ولايته، فلم يشكّ في الشّرّ، فلما دخل عليه، رحّب به، وأظهر له القبول عليه، والعفو عنه، واستأنف مودّته، فكانت تعدّ في مآثر القاضي، رحمه الله. ورحل المذكور إلى سبتة، فقرأ بها على الأستاذ أبي إسحاق الغافقي، ومن عاصره، ثم عاد إلى مالقة، فالتزم التدريس بها إلى حين وفاته. دخوله غرناطة: دخل غرناطة مرات، متعلّما، وطالب حاج. ودعي إلى الإقراء بمدرستها النّصرية «1» ، عام تسعة وأربعين وسبعمائة، فقدم على الباب السّلطاني، واعتذر بما قبل فيه عذره. وكان قد شرع في تقييد مفيد على كتاب «التسهيل» لابن مالك، في غاية النبل والاستيفاء والحصر والتّوجيه، عاقته المنية عن إتمامه. وفاته: توفي بمالقة في كائنة الطاعون الأعظم في أخريات ربيع الآخر من عام خمسين وسبعمائة، بعد أن تصدّق بمال كثير، وعهد بريع مجد لطلبة العلم، وحبس عليهم كتبه. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 55 محمد بن محمد بن لب الكناني من أهل مالقة، يكنى أبا عبد الله، ويعرف بابن لب. حاله: كان ذاكرا للعلوم القديمة، معتنيا بها، عاكفا عليها، متقدّما في علمها على أهل وقته، لم يكن يشاركه أحد في معرفتها، من الرياضيّات والطبيعيّات والإلهيّات، ذاكرا لمذاهب القدماء، ومآخذهم في ذلك، حافظا جدا، ذاكرا لمذاهب المتكلّمين من الأشعريّة وغيرهم، إلّا أنه يؤثر ما غلب عليه من مآخذ خصومهم، وكان نفوذه في فهمه دون نفوذه في حفظه، فكان معتمده على حفظه في إيراده ومناظرته، وكان ذاكرا مع ذلك لأصول الفقه وفروعه، عجبا في ذلك؛ إذا وردت مسألة، أورد ما للناس فيها من المذاهب. وعزم عليه آخر عمره، فقعد بجامع مالقة، يتكلّم على الموطّأ، وما كان من قبل تهيّأ لذلك، إلّا أنه ستر عليه حفظه، وتعظيم أهل بلده له. قال ابن الزّبير: وكانت فيه لوثة، واخشيشان، وكان له أربّ في التّطواف، وخصوصا بأرض النصارى، يتكلم مع الأساقفة في الدّين، فيظهر عليهم، وكانت أموره غريبة، من امتزاج اليقظة بالغفلة، وخلط السّذاجة بالدّعابة. يحكى عنه أنه كانت له شجرة تين بداره بمالقة، فباع ما عليها من أحد أهل السّوق، فلمّا همّ بجمعها، ذهب ليمهّد للتّين بالورق في الوعاء، فمنعه من ذلك، وقال له: إنما اشتريت التين، ولم تدخل الورق في البيع، فتعب ذلك المشتري ما شاء الله، وجلب ورقا من غيرها، حتى انقضى الأمر، وعزم على معاملته في السنة الثانية، فأول ما اشترط الورق، فلمّا فرغ من الغلّة، دعاه فقال له: احمل ورقك، فإنه يؤذيني، فأصابه من المشقة في جمعه من أطراف الغصون ما لم يكن يحستب، ولم تأت السنة الثالثة، إلّا والرجل فقيه، اشترط مقدار الكفاية من الورق، فسامحه ورفق به. دخل غرناطة وغيرها، وأخباره عجيبة. قال أبو جعفر بن الزّبير: عرض لي بمالقة مسائل، يرجع بعضها إلى الطريقة البيانيّة، والمآخذ الأدبية؛ وضحت ضرورة إلى الأخذ معه فيها، وفي آيات من الكتاب العزيز، فاستدعيته إلى منزلي، وكان فيه تخلّق، وحسن ملاقاة، مع خفّته الطبيعية وتشتّت منازعه، فأجاب، وأخذت معه في ذلك، فألفيته صائما عن ذلك جملة. وصمته: قال: وكان القاضي الجليل أبو القاسم بن ربيع وأخوه أبو الحسن ينافرانه على الإطلاق، ويحذران منه، وهو كان الظاهر من حاله. قال: واستدعاني في مرض اشتدّ به، قبل خروجي من مالقة على انفراد، فتنصّل لي مما كان يذنّ «1» به، وأكثر البكاء، حتى رثيت له. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 56 وفاته: توفي بمالقة، ووصّى قبل موته بوصايا من ماله، في صدقات وأشباهها، وحبس داره وطائفة من كتبه على الجامع الكبير بمالقة. محمد بن محمد البدوي «1» الخطيب بالرّبض من بلّش «2» ، يكنى أبا عبد الله. حاله: من «العائد» «3» : كان، رحمه الله، حسن التّلاوة لكتاب الله، ذا قدم في الفقه، له معرفة بالأصلين، شاعرا مجيدا، بصيرا، بليغا في خطبته، حسن الوعظ، سريع الدّمعة. حجّ ولقي جلّة. وأقرأ ببلّش زمانا، وانتفع به، ولقي شدايد أصلها الحسد. مشيخته: قرأ العلم على الشّيخين المقرئين، الحجّتين، أبي جعفر بن الزّيّات، وأبي عبد الله بن الكمّاد، وقرأ العربية والأصلين على الأستاذ أبي عمرو بن منظور، ولازمه وانتفع به، وقرأ الفقه على الشيخ القاضي أبي عبد الله بن عبد السّلام بمدينة تونس. شعره: من شعره قوله في غرض النسيب «4» : [السريع] خال على خدّك «5» أم عنبر؟ ... ولؤلؤ ثغرك أم جوهر؟ أوريت نار الوجد طيّ الحشا ... فصارت النّار به «6» تسعر لو جدت لي منك برشف اللّما ... لقلت: خمر عسل «7» سكّر دعني في الحبّ أذب حسرة ... سفك دم العاشق لا ينكر الجزء: 3 ¦ الصفحة: 57 وقال «1» : [البسيط] عيناي تفهم من عينيك أسرارا ... وورد خدّك يذكي في الحشا نارا ملكت قلب محبّ فيك مكتئب ... قد أثّر الدّمع في خدّيه آثارا رضاب ثغرك يروي حرّ غلّته ... يا ليت نفسي تقضي منه أوطارا «2» أنعم بطيف خيال منك ألمحه ... ماذا عليك بطيف «3» منك لو زارا نفسي فداؤك من ظبي به كلفّ «4» ... يصبو له القلب مضطرّا ومختارا وقال «5» : [مجزوء الرمل] أيها الظّبي ترفّق ... بكئيب قد هلك الذنب تتجنّى ... أم لشيء «6» يوصلك؟ إنّ روحي لك ملك «7» ... وكذا قلبي لك إنّما أنت هلال ... فلك القلب فلك ومن مجموع نظمه ونثره ما خاطبني به، وقد طلبت من أدبه لبعض ما صدر عني من المجموعات: «يا سيدي، أبقاك الله بهجة للأعيان الفضلاء، وحجّة لأعلام العلاء، ولا زلت تسير فوق النّسر، وتجري في الفضائل على كرم النّجر. ذكر لي فلان أنكم أردتم أن يرد على كمالكم، بعض الهذيان الصادر عن معظّم جلالكم، فأكبرت ذلك، ورأيتني لست هنالك، وعجبت أن ينظم مع الدّرّ السّبج، أو يضارع العمش الدّعج. بيد أنّ لنظم الدّرّ صنّاع «8» ، والحديث قد يذاع، ولا يضاع، وحين اعتذرت له فلم يعذرني، وانتظرته فلم ينظرني، بعد أن استعفيته فأبى، واستنهضت جواد الإجابة فكبى، وسلك غير طريقي، ولم يبلّغني ريقي، وفّيت الغرض، وقضيت من إجابته الحقّ المفترض، ورددت عن تعذاله النّصيح، وأثبتّ هنا ما معناه صحيح، ولفظه غير فصيح: [السريع] بريت من حولي ومن قوّتي ... بحول من لا حول إلّا له وثقت بالخالق فهو الذي ... يدبّر العبد وأفعاله الجزء: 3 ¦ الصفحة: 58 وقلت بالحرم عند الملتزم من المنظوم في مثل ذلك: [المتقارب] أمولاي بالباب ذو فاقة ... وهذا يحطّ خطايا الأمم فجد لي بعفوك عن زلّتي ... يجود الكريم بقدر الكرم ومما أعددته للوفادة على خير من عقدت عليه ألوية السّيادة: [الكامل] حمدت إليك مع الصباح سراها ... وأتتك تطلب من نداك قراها وسرت إليك مع النّسيم يمينها ... شوقا يسابق في السّرى يسراها ولولا العجر لوصلت، والعذر لأطلت، لكن ثنيت عناني لثنائك، لحسن اعتنائك، وقلت معتذرا من الصّورة لمجدكم، وتاليا سورة حمدكم: [البسيط] المجد يخبر عن صدق مآثره ... وناظم المجد في العلياء ناثره والجود إنّ جدّ جدّ المرء ينجده ... وقلّما ثمّ في الأيّام ذاكره من نال ما نلت من مجد ومن شرف؟ ... فليس في الناس من «1» شخص يناظره يا سيدا طاب في العلياء محتده ... دم «2» ماجدا رسخت فيه أواصره سريت في الفضل مستنّا على سنن ال ... فضل «3» مآربه حقا وسامره ورثته عن كبير أوحد علم ... كذاك يحمله أيضا أكابره مبارك الوجه وضّاح الجبين له ... نور ينير أغرّ النّور باهره موفّق بكفيل من عنايته ... مرفّع العذر سامي الذّكر طاهره رعيت في الفضل حقّ الفضل مجتهدا ... مفهوم مجدك هذا الحكم ظاهره علوت كالشمس إشراقا ومنزلة ... فأنت كالغيث يحيي الأرض ماطره ينمّ بالفضل منك الفضل مشتهرا ... كما ينمّ بزهر الرّوض عاطره دم وابق للمجد كهفا والعلا وزرا «4» ... فإنما المجد شخص أنت ناظره مؤمّلا منك خيرا أنت صانعه ... وصانع الخير عند الله شاكره وما وليت وما أوليت من حسن ... للنّاس «5» والعالم العلوي ذاكره بقيت تكسب من والاك مكرمة ... وناصرا أبدا من قلّ ناصره الجزء: 3 ¦ الصفحة: 59 عذرا لك الفضل عمّا جئت من خطإ ... أن يخط مثلي يوما أنت عاذره ثم السلام على علياك من رجل ... تهدي الذي أبدا «1» تخفى ضمائره دخوله غرناظة: دخلها غير ما مرّة، ولقيته بها لتقضّي بعض أغراض بباب السلطان، مما يليق بمثله. مولده: ... «2» . وفاته: توفي ببلّش في أخريات عام خمسين وسبعمائة. محمد بن عبد الله بن ميمون بن إدريس بن محمد ابن عبد الله العبدري قرطبي، استوطن مدينة مرّاكش، يكنى أبا بكر. حاله: كان عالما بالقراءات، ذاكرا للتفسير، حافظا للفقه واللغات والأدب، شاعرا محسنا، كاتبا بليغا، مبرّزا في النحو، جميل العشرة، حسن الخلق، متواضعا، فكه المحاضرة، مليح المداعبة. وصنّف في غير ما فنّ من العلم، وكلامه كثير مدوّن، نظما ونثرا. مشيخته: روى عن أبي بكر بن العربي، وأبي الحسن شريح، وعبد الرحمن بن بقي، وابن الباذش، ويونس بن مغيث، وأبي عبد الله بن الحاج، وأبي محمد بن عتّاب، وأبي الوليد بن رشد، ولازمه عشرين سنة. قرأ عليهم وسمع، وأجازوا له، وسمع أبا بحر الأسدي، وأبوي بكر عيّاش بن عبد الملك، وابن أبي ركب، وأبا جعفر بن شانجة «3» ، وأبا الحسن عبد الجليل، وأبا عبد الله بن خلف الأيسري، وابن المناصف، وابن أخت غانم، ولم يذكر أنهم أجازوا له، وروى أيضا عن أبوي عبد الله مكّي، وابن المعمر، وأبي الوليد بن طريف. من روى عنه: روى عنه أبو البقاء يعيش بن القديم، وأبو الحسن بن مؤمن، وأبو زكريا المرجيعي، وأبو يحيى أبو بكر الضرير واختصّ به. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 60 تواليفه: من مصنّفاته «مشاحذ الأفكار في مآخذ النظار» وشرحاه الكبير والصغير على «جمل الزجّاجي» ، وشرح أبيات الإيضاح العضدي، و «مقامات الحريري» ، وشرح معشّراته الغزليّة، ومكفّراته الزهدية، إلى غير ذلك، وهما مما أبان عن وفور علمه، وغزارة مادّته، واتّساع معارفه، وحسن تصرفه. دخل غرناطة راويا عن الحسن بن الباذش ومثله. محنته: كان يحضر مجلس عبد المؤمن «1» مع أكابر من يحضره من العلماء، فيشفّ على أكثرهم بما كان لديه من التحقيق بالمعارف، إلى أن أنشد أبا محمد عبد المؤمن أبياتا كان نظمها في أبي القاسم عبد المنعم بن محمد بن تست، وهي: [المتقارب] أبا قاسم والهوى جنّة «2» ... وها أنا من مسّها لم أفق تقحّمت جامح نار الضلوع ... كما خضت بحر دموع الحدق أكنت الخليل، أكنت الكليم؟ ... أمنت الحريق، أمنت الغرق فهجره عبد المؤمن، ومنعه من الحضور بمجلسه، وصرف بنيه عن القراءة عليه، وسرى ذلك في أكثر من كان يقرأ عليه، ويتردّد إليه، على أنه كان في الطبقة العليا من الطّهارة والعفاف. شعره: قال في أبي القاسم المذكور: وكان أزرق، وقد دخل عليه ومعه أبو عبد الله محمد بن أحمد الشاطبي، وأبو عثمان سعيد بن قوسرة، فقال ابن قوسرة: [الكامل] عابوه بالزّرق الذي يجفونه ... والماء أزرق والعيون «3» كذلكا فقال أبو عبد الله الشّاطبي: [الكامل] الماء يهدي للنفوس حياتها ... والرّمح يشرع للمنون مسالكا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 61 فقال أبو بكر بن ميمون المترجم به: [الكامل] وكذاك «1» في أجفانه سبب الرّدى ... لكن «2» أرى طيب الحياة هنالكا ومما استفاض من شعره قوله في زمن الصّبا، عفا الله عنه: [الكامل] لا تكترث بفراق أوطان الصبا ... فعسى تنال بغيرهنّ سعودا والدّرّ ينظم عند فقد بحاره ... بجميل أجياد الحسان عقودا ومن مشهور شعره: [الطويل] توسّلت يا ربي بأني مؤمن ... وما قلت أني سامع ومطيع أيصلى بحرّ النار عاص موحّد ... وأنت كريم والرسول شفيع؟ وقال في مرضه: [مخلع البسيط] أيرتجي العيش من عليه ... دلائل للرّدى جليّة؟ أوّلها مخبر بثان ... ذاك أمان وذا منيّه؟ وفاته: توفي بمراكش يوم الثلاثاء اثنتي عشرة ليلة بقيت من جمادى الآخرة سنة سبع وستين وخمسمائة، ودفن بمقبرة تاغزوت داخل مراكش، وقد قارب السبعين سنة. محمد بن عبد الله بن عبد العظيم بن أرقم النّميري «3» من أهل وادي آش، يكنى أبا عامر. حاله: كان «4» أحد شيوخ بلده وطلبته «5» ، مشاركا في فنون، من فقه وأدب وعربية، وهي أغلب الفنون عليه، مطّرح «6» السّمت، مخشوشن الزّي، قليل المبالاة بنفسه، مختصرا في كافة شؤونه، مليح الدّعابة، شديد الحمل، كثير التواضع، وبيته معمور بالعلماء أولي الأصالة والتعيّن. تصدّر ببلده للفتيا والتدريس والإسماع. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 62 مشيخته: قرأ «1» على الأستاذ القاضي أبي «2» خالد بن أرقم، والأستاذ أبي العبّاس بن عبد النّور. وروى عن أبيه مديح رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعن الوزير العالم أبي عبد الله بن ربيع، والقاضي أبي جعفر بن مسعدة، والأستاذ أبي جعفر بن الزبير، وولي الله الحسن بن فضيلة. ورحل إلى العدوة، فأخذ بسبته عن الأستاذ أبي بكر بن عبيدة «3» ، والإمام الزاهد أبي عبد الله بن حريث، وأبي عبد الله بن الخضار، وأبي القاسم بن الشّاط، وغيرهم. شعره: وهو من الجزء المسمى ب «شعر من لا شعر له» والحمد لله. فمن ذلك قوله يمدح أبا زكريا العزفي بسبتة، ويذكر ظفره بالأسطول من قصيدة أولها «4» : [الكامل] أمّا الوصال فإنّه كالعيد ... عذر المتيّم واضح في الغيد وفاته: توفي ببلده عام أربعين وسبعمائة. ودخل غرناطة راويا ومتعلما، وغير ذلك. محمد بن عبد الله بن يحيى بن عبد الله بن فرج ابن الجدّ الفهري الحافظ الجليل، يكنى أبا بكر، جليل إشبيلية، وزعيم وقته في الحفظ. لبلي «5» الأصل، إشبيلي، استدعاه السّيد أبو سعيد والي غرناطة، فأقام بها عنده في جملة من الفضلاء مثله سنين. ذكر ذلك صاحب كتاب «ثورة المريدين» «6» . حاله: كان في حفظ الفقه بحرا يغرف من محيط. يقال: إنه ما طالع شيئا من الكتب فنسيه، إلى الجلالة والأصالة، وبعد الصّيت، واشتهار المحلّ. وكان مع هذا يتكلّم عند الملوك، ويخطب بين يديها، ويأتي بعجاب، وفي كتاب «الإعلام» شيء من خبره، قال ابن الزبير. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 63 مشيخته: روى عن أبي الحسن بن الأخضر، أخذ عنه كتاب سيبويه وغير ذلك، وعن أبي محمد بن عتّاب، وسمع عليه بعض الموطّإ، وعن أبي بحر الأسدي، وأبي الوليد بن طريف، وأبي القاسم بن منظور القاضي، وسمع عليه صحيح البخاري كله، وشريح بن محمد، وأبي الوليد بن رشد، وناوله كتاب «البيان والتحصيل» . وكتاب «المقدّمات» . لقي هؤلاء كلهم، وأجازوا له عامة. وأخذ أيضا عن مالك بن وهيب. من حدّث عنه: أبو الحسن بن زرقون، وأبو محمد القرطبي الحافظ، وابنا حوط الله، وغيرهم. وعليه من ختمت به المائة السادسة كأبي محمد بن جمهور، وأبي العبّاس بن خليل، وإخوته الثلاثة أبي محمد عبد الله، وأبي زيد عبد الرحمن، وأبي محمد عبد الحق. قال الأستاذ أبو جعفر بن الزبير: حدّثني عنه ابن خليل وأبو القاسم الجيّاني، وأبو الحسن بن السّرّاج. مولده: بلبلة في ربيع الأول سنة ست وتسعين وأربعمائة. وفاته: وتوفي بإشبيلية في شوال سنة ست وثمانين وخمسمائة. ذكره ابن الملجوم، وأبو الربيع بن سالم، وابن فرتون. محمد بن عبد الرحمن بن محمد بن علي بن محمد ابن أحمد بن الفخّار الجذامي يكنى أبا بكر، أركشي «1» المولد والمنشإ، مالقي «2» الاستيطان، شريشي «3» التدرّب والقراءة. حاله: من «عائد الصّلة» : كان، رحمه الله، خيّرا صالحا، شديد الانقباض، مغرقا في باب الورع، سليم الباطن، كثير العكوف على العلم والملازمة، قليل الرياء والتصنّع. خرج من بلده أركش عند استيلاء العدو على قصبتها، وكان يصفها، وينشد فيها من شعر أستاذه الأديب أبي الحسن الكرماني: [المجتث] أكرم بأركش دارا ... تاهت على البدر قدرا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 64 يخاطب المجد عنها ... للقلب «1» تدني شكرا واستوطن مدينة شريش، وقرأ بها، وروى بها عن علمائها، وأقرأ بها، ولمّا استولى العدوّ عليها لحق بالجزيرة الخضراء، فدرّس بها، ثم عبر البحر إلى سبتة، فقرأ بها وروّى. ثم كرّ إلى الأندلس، فقصد غرناطة، وأخذ عن أهلها. ثم استوطن مالقة، وتصدّر للإقراء بها؛ مفيد التعليم، متفنّنه، من فقه وعربية وقراءات وأدب وحديث، عظيم الصبر، مستغرق الوقت. يدرس من لدن صلاة الصبح إلى الزّوال. ثم يسند ظهره إلى طاق المسجد بعد ذلك، فيقرىء، وتأتيه النساء من خلفه للفتيا، فيفتيهنّ على حال سؤالاتهنّ إلى نصف ما بين العصر والعشاء الأولى. ثم يأتي المسجد الأعظم بعد الغروب، فيقعد للفتيا إلى العشاء الآخرة، من غير أن يقبل من أحد شيئا. ومن أخذ منه بعد تحكيم الورع، أثابه بمثله، ما رئي في وقته أورع منه. وكان يتّخذ روميّة مملوكة، لا يشتمل منزله على سواها، فإذا أنس منها الضّجر للحصر وتمادى الحجاب، أعتقها، وأصحبها إلى أرضها. ونشأت بينه وبين فقهاء بلده خصومة في أمور عدّوها عليه، مما ارتكبها اجتهاده في مناط الفتوى، وعقد لهم أمير المسلمين بالأندلس مجلسا أجلى عن ظهوره فيه، وبقاء رسمه، فكانت محنة، وخلّصه الله منها. وبلغ من تعظيم الناس إيّاه، وانحياشهم إليه، مبلغا لم ينله مثله، وانتفع بتعليمه، واستفيد منه الأدب على نسكه وسذاجته. مشيخته: قرأ ببلده شريش على المكتّب الحاج أبي محمد عبد الله بن أبي بكر بن داود القيسي، وعلى الأستاذ أبي بكر محمد بن محمد بن الرّياح، وعلى الأستاذ أبي الحسن علي بن إبراهيم بن حكيم السّكوني الكرماني؛ أخذ عنه العربية والأدب، وعلى الحافظ أبي الحسن علي بن عيسى، المعروف بابن متيوان، وعلى الأصولي الكاتب أبي الحسن هلال بن أبي سنان الأزدي المرّاكشي، وعلى الخطيب أبي العرب إسماعيل بن إبراهيم الأنصاري، وعلى الفقيه أبي عبد الله الجنيدي، المعروف بالغرّاق، وعلى الفقيه العددي أبي عبد الله محمد بن علي بن يوسف، المعروف بابن الكاتب المكناسي. وقرأ بالجزيرة الخضراء على الخطيب الصالح أبي محمد الرّكبي، وروى عنه، وقرأ بها على الخطيب أبي عبيد الله بن خميس، وعلى الأصولي أبي أميّة. وقرأ بسبتة على الأستاذ الفرضي إمام النحاة أبي الحسن بن أبي الربيع، وعلى أبي يعقوب المحبساني، وعلى المحدّث أبي عمرو عثمان بن عبد الله الجزء: 3 ¦ الصفحة: 65 العبدري، وعلى الفقيه المالكي الحافظ أبي الحسن المتيوي، والأصولي أبي الحسن البصري، والفقيه المعمّر الراوية أبي عبد الله محمد الأزدي، والمحدّث الحافظ أبي محمد بن الكمّاد، وعلى الأستاذ العروضي الكفيف أبي الحسن بن الخضّار التلمساني. ولقي بغرناطة قاضي الجماعة أبا القاسم بن أبي عامر بن ربيع، والأستاذ أبا جعفر الطبّاع، وأبا الوليد إسماعيل بن عيسى بن أبي الوليد الأزدي، والأستاذ أبا الحسن بن الصّائغ. ولقي بمالقة الخطيب الصالح أبا محمد عبد العظيم ابن الشيخ، والرّاوية أبا عبد الله محمد بن علي بن الحسن الجذامي السّهيلي. وسمع على الرّاوية أبي عمرو بن حوط الله، وعلى الأستاذ أبي عبد الله بن عباس القرطبي. تواليفه: كان، رحمه الله، مغرّى بالتأليف، فألّف نحو الثلاثين تأليفا في فنون مختلفة، منها كتاب «تحبير نظم الجمان، في تفسير أم القرآن» ، و «انتفاع الطّلبة النّبهاء، في اجتماع السّبعة القرّاء» . و «الأحاديث الأربعون، بما ينتفع به القارئون والسّامعون» ، وكتاب «منظوم الدّرر، في شرح كتاب المختصر» ، و «كتاب نصح المقالة، في شرح الرسالة» ، وكتاب «الجواب المختصر المروم، في تحريم سكنى المسلمين ببلاد الرّوم» ، وكتاب «استواء النّهج، في تحريم اللعب بالشطرنج» ، وكتاب «الفيصل المنتضى المهزوز، في الرّد على من أنكر صيام يوم النّيروز» ، وكتاب «جواب البيان، على مصارمة أهل الزمان» ، وكتاب «تفضيل صلاة الصبح للجماعة في آخر الوقت المختار، على صلاة الصبح للمنفرد في أول وقتها بالابتدار» ، وكتاب «إرشاد السّالك، في بيان إسناد زياد عن مالك» ، وكتاب «الجوابات المجتمعة، عن السّؤالات المنوّعة» ، وكتاب «إملاء فوائد الدول، في ابتداء مقاصد الجمل» ، وكتاب «أجوبة الإقناع والإحساب، في مشكلات مسائل الكتاب» ، وكتاب «منهج الضّوابط المقسّمة، في شرح قوانين المقدّمة» ، وكتاب «التوجيه الأوضح الأسمى، في حذف التنوين من حديث أسما» ، وكتاب «التكملة والتّبرئة، في إعراب البسملة والتّصلية» ، وكتاب «سحّ مزنة الانتخاب، في شرح خطبة الكتاب» . ومنها اللّائح المعتمد عليه، في الردّ على من رفع الخبر بلا إلى سيبويه، وغير ذلك من مجيد ومقصر. شعره: وشعره كثير، غريب النّزعة، دالّ على السّذاجة، وعدم الاسترابة والشعور، والغفلة المعربة عن السّلامة، من ارتكاب الحوشي، واقتحام الضّرار، واستعمال الألفاظ المشتركة التي تتشبّت بها أطراف الملاحين والمعاريض، ولع كثير من أهل زمانه بالرّدّ عليه، والتّملّح بما يصدر عنه، منهم القاضي أبو عبد الله بن عبد الملك. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 66 ومن منتخب شعره قوله: [الكامل] انظر إلى ورد الرّياض كأنّه ... ديباج خدّ في بنان زبرجد قد فتّحته نضارة فبدا له ... في القلب رونق صفرة كالعسجد حكت الجوانب خدّ حبّ ناعم ... والقلب يحكي خدّ صبّ مكمد حدّث الفقيه العدل أبو جعفر أحمد بن مفضل المالقي، قال: قال لي يوما الشيخ الأستاذ أبو بكر بن الفخّار: خرجت ذات يوم وأنا شاب من حلقة الأستاذ بشريش، أعادها الله للإسلام، في جملة من الطلبة، وكان يقابل باب المسجد حانوت سرّاج، وإذا فتى وسيم في الحانوت يرقم جلدا كان في يده، فقالوا لي: لا تجاوز هذا الباب، حتى تصنع لنا شعرا في هذا الفتى. فقلت: [الوافر] وربّ معذّر للحبّ داع ... يروق بهاء منظره البهيج وشى في وجنتيه الحسن وشيا ... كوشي يديه في أدم السروج مولده: بحصن أركش بلده، وكان لا يخبر به، في ما بين الثلاثين والأربعين وستمائة. وفاته: توفي بمالقة في عام ثلاثة وعشرين وسبعمائة، وكانت جنازته بمالقة مشهورة. محمد بن علي بن عمر بن يحيى بن العربي الغستاني من أهل الحمّة «1» من عمل المريّة، يكنى أبا عبد الله، ويعرف بابن العربي، وينتمي في بني أسود من أعيانها. حاله: من «العائد» : كان، رحمه الله، من أهل العلم والدين والفضل، طلق الوجه، حسن السّير، كثير الحياء، كأنّك إذا كلّمته تخاطب البكر العذراء، لا تلقاه إلّا مبتسما، في حسن سمت، وفضل هوى، وجميل وقار، كثير الخشوع، وخصوصا عند الدخول في الصّلاة، تلوح عليه بذلك، عند تلاوته سيما الحضور، وحلاوة الإقبال. وكان له تحقّق بضبط القراءات، والقيام عليها، وعناية بعلم العربية، مع مشاركة في غير ذلك من الفنون السّنية، والعلوم الدينية. انتصب للإقراء والتدريس الجزء: 3 ¦ الصفحة: 67 بالحمّة المذكورة، فقرّب النّجعة على أهل الحصون والقرى الشّرقية، فصار مجتمعا لأرباب الطّلب من أهل تلك الجهات ومرتفقاتهم. وكان رجلا صالحا، مبارك النيّة، حسن التّعليم، نفع الله به من هنالك، وتخرّج على يديه جمع وافر من الطّلبة، عمرت بهم سائر الحصون. وكان له منزل رحب للقاصدين، ومنتدى عذب للواردين. تجول في آخرة بالأندلس والعدوة «1» ، وأخذ عمن لقي بها من العلماء، وأقام مدّة بسبتة مكبّا على قراءة القرآن والعربية. وبعد عوده من تجواله لزم التصدّر للإقراء بحيث ذكر، وقد كانت الحواضر فقيرة لمثله، غير أنه آثر الوطن، واختار الاقتصاد. مشيخته: أخذ بألمريّة عن شيخها أبي الحسن بن أبي العيش، وبغرناطة عن الأستاذ أبي جعفر بن الزّبير، والعدل أبي الحسن بن مستقور. وببلّش عن الأستاذ أبي عبد الله بن الكمّاد، والخطيب أبي جعفر بن الزيات. وبمالقة عن الأستاذ أبي عبد الله بن الفخّار، والشّيخ أبي عبد الله محمد بن يحيى بن ربيع الأشعري. وبالجزيرة عن خطيبها أبي العبّاس بن خميس. وبسبتة عن الأستاذ أبي إسحاق الغافقي، والخطيب أبي عبد الله بن رشيد، والإمام الصالح أبي عبد الله محمد بن محمد بن حريث، والقاضي أبي عبد الله القرطبي، والزّاهد أبي عبد الله بن معلّى، والشيخ الخطيب أبي عبد الله الغماري. وبمكناسة من القاضي وارياش. وبفاس من الحاج الخطيب أبي الربيع سليمان بن مفتاح اللجّائي، والأستاذ أبي الحسن بن سليمان، والأستاذ أبي عبد الله بن أجروم الصّنهاجي، والحاج أبي القاسم بن رجا بن محمد بن علي وغيرهم، وكل من ذكر أجاز له عامة، إلّا قاضي مكناسة أبي عبد الله محمد بن علي الكلبي الشهير بوارياش. مولده: في أول عام اثنين وثمانين وستمائة. وفاته: توفي بالحمّة ليلة الاثنين الثامن عشر لشهر محرّم عام ثمانية وأربعين وسبعمائة. محمد بن علي بن محمد العبدري «2» من أهل مالقة، يكنى أبا عبد الله، ويعرف باليتيم. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 68 حاله: كان، رحمه الله، أحد الظرفاء من أهل بلده، مليح الشكل، حسن الشّيبة، لوذعيا في وقار، رشيق النظم والنثر، غزلا مع الصّون، كثير الدّعابة من غير إفحاش، غزير الأدب، حسن الصّوت، رائق الخطّ، بديع الوراقة، معسول الألفاظ، ممتع المجالسة، طيّب العشرة، أدّب الصّبيان مدة، وعقد الشروط أخرى، وكان يقرأ كتب الحديث والتفسير والرّقائق للعامة بالمسجد الأعظم، بأعذب نغمة، وأمثل طريقة، مذ أزيد من ثلاثين سنة، لم يخل منها وقتا إلّا ليلتين، إحداهما بسبب امتساكنا به في نزهة برياض بعض الطلبة، لم يخلف مثله بعده. وخطب بقصبة مالقة، ومال أخيرا إلى نظر الطّب، فكان الناس يميلون إليه، وينتفعون به لسياغ مشاركته، وعموم انقياده، وبرّه، وعمله على التّودّد والتّجمّل. وجرى ذكره في «التّاج المحلّى» بما نصّه «1» : مجموع أدوات حسان، من خطّ ونغمة ولسان، أوراقه «2» روض تتضوّع نسماته، وبشره صبح تتألّق قسماته، ولا تخفى «3» سماته. يقرطس أغراض الدّعابة ويصميها، ويفوّق سهام الفكاهة إلى مراميها، فكلّما صدرت في عصره قصيدة هازلة، أو أبيات منحطّة عن الإجادة نازلة، خمّس أبياتها وذيّلها، وصرف معانيها وسهّلها «4» ، وتركها سمر النّدمان، وأضحوكة الزمان «5» . وهو الآن خطيب المسجد الأعلى من مالقة «6» ، متحلّ بوقار وسكينة، حالّ من أهلها بمكانة مكينة، لسهولة جانبه، واتّضاح مقاصده في الخير ومذاهبه. واشتغل لأوّل أمره بالتّعليم «7» والتّكتيب، وبلغ الغاية في الوقار «8» والتّرتيب، والشّباب «9» لم ينصل خضابه، ولا سلّت للمشيب عضابه، ونفسه بالمحاسن كلفة صبّة «10» ، وشأنه كله هوى ومحبّة، ولذلك ما خاطبه به بعض أودّائه «11» ، وكلاهما رمى أهله بدائه، حسبما يأتي خلال هذا القول «12» وفي أثنائه، بحول الله. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 69 شعره: كتبت إليه أسأل منه ما أثبت في كتاب «التّاج» من شعره، فكتب إليّ «1» : [البسيط] أمّا الغرام فلم أخلل بمذهبه ... فلم حرمت فؤادي نيل مطلبه؟ يا معرضا عن فؤاد لم يزل كلفا ... بحبّه ذا حذار من تجنّبه قطعت عنه الذي عوّدته فغدا ... وحظّه من رضاه برق خلّبه «2» أيام وصلك مبذول، وبرّك بي ... مجدّد، قد صفا لي عذب مشربه وسمع ودّك عن إفك العواذل في ... شغل وبدر الدّجى ناس لمغربه لا أنت «3» تمنعني نيل الرّضا كرما ... ولا فؤادي بوان في تطلّبه لله عرفك ما أذكى تنسّمه ... لو كنت تمنحني استنشاق طيّبه أنت الحبيب الذي لم أتّخذ بدلا ... منه وحاش لقلبي من تقلّبه يا ابن الخطيب الذي قد فقت كلّ سنا ... أزال عن ناظري إظلام غيهبه محمد الحسن في خلق وفي خلق ... أكملت «4» باسمك معنى الحسن فازه به نأيت «5» أو غبت ما لي عن هواك غنى ... لا ينقص البدر حسنا في تغيّبه سيّان حال التّداني والبعاد، وهل ... لمبصر البدر نيل في ترقّبه؟ يا من أحسن «6» ظنّي في رضاه وما ... ينفكّ يبدي قبيحا من تغضّبه إن كان ذنبي الهوى فالقلب منّي لا ... يصغي لسمع ملام من مؤنّبه فأجبته بهذه الرسالة، وهي ظريفة في معناها «7» : «يا سيدي الذي إذا رفعت راية ثنائه تلقّيتها باليدين «8» ، وإذا قسّمت سهام وداده الجزء: 3 ¦ الصفحة: 70 على ذوي اعتقاده كنت صاحب الفريضة «1» والدّين، دام بقاؤك لطرفة «2» تبديها، وغريبة تردفها بأخرى تليها، وعقيلة بيان تجلّيها، ونفس أخذ الحزن بكظمها، وكلف الدّهر بشتّ نظمها، تؤنسها وتسلّيها، لم أزل أعزّك الله، أشدّ على بدائعها «3» يد الضّنين «4» ، وأقتني درر كلامك، ونفثات أقلامك، اقتناء الدّرّ الثمين، والأيام بلقياك تعد، ولا تسعد، وفي هذه الأيام انثالت عليّ سماوك بعد قحط، وتوالت «5» عليّ آلاوك على شحط «6» ، وزارتني من عقائل بيانك كلّ فاتنة الطّرف، عاطرة العرف، رافلة في حلل البيان والظّرف، لو ضربت بيوتها بالحجاز، لأقرّت لنا العرب العاربة بالإعجاز، ما شئت من رصف المبنى، ومطاوعة اللّفظ لغرض المعنى، وطيب الأسلوب، والتّشبّث بالقلوب، غير أن سيّدي أفرط في التّنزّل، وخلط المخاطبة بالتّغزّل، وراجع الالتفات، ورام استدراك ما فات. يرحم «7» الله شاعر المعرّة، فلقد أجاد في قوله، وأنكر مناجاة الشّوق «8» بعد انصرام حوله، فقال «9» : [البسيط] أبعد حول تناجي الشّوق «10» ناجية ... هلّا ونحن على عشر من العشر «11» وقد «12» تجاوزت في الأمد «13» ، وأنسيت أخبار صاحبك عبد الصّمد، فأقسم بألفات القدود، وهمزات الجفون السّود، وحاملي «14» الأرواح مع الألواح، بالغدوّ والرّواح، لولا بعد مزارك، ما أمنت غائلة ما تحت إزارك. ثمّ إنّي حقّقت الغرض، وبحثت عن المشكل الذي عرض، فقلت: للخواطر انتقال، ولكلّ مقام مقال، وتختلف الحوائج باختلاف الأوقات، ثم رفع اللّبس خبر الثّقات. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 71 ومنها «1» : وتعرّفت ما كان من مراجعة سيدي لحرفة التّكتيب والتّعليم، والحنين إلى العهد القديم، فسررت باستقامة حاله، وفضل ماله، وإن لا حظ الملاحظ «2» ، ما قال الجاحظ «3» ، فاعتراض لا يردّ، وقياس لا يضطرد «4» ، حبّذا والله عيش أهل «5» التّأديب، فلا بالضّنك ولا بالجديب «6» ، معاهدة الإحسان، ومشاهدة الصّور الحسان، يمينا إنّ المعلّمين، لسادة المسلمين، وإنّي لأنظر منهم كلما خطرت على المكاتب، أمراء «7» فوق المراتب، من كل مسيطر الدّرّة، متقطّب الأسرّة، متنمّر للوارد تنمّر الهرّة، يغدو إلى مكتبه، كالأمير» في موكبه، حتى إذا استقلّ في فرشه، واستولى على عرشه، وترنّم بتلاوة قالونه «9» وورشه، أظهر للخلق احتقارا، وأزرى «10» بالجبال وقارا، ورفعت إليه الخصوم، ووقف بين يديه الظّالم والمظلوم، فتقول: كسرى في إيوانه، والرّشيد في زمانه «11» ، والحجّاج بين أعوانه. وإذا «12» استولى على البدر السّرار، وتبيّن للشهر الغرار «13» ، تحرّك «14» إلى الخرج «15» ، تحرّك العود «16» إلى الفرج، أستغفر الله مما يشقّ على سيدي سماعه، وتشمئزّ من ذكره «17» طباعه، شيم اللّسان، خلط الإساءة بالإحسان، والغفلة من صفات الإنسان. فأيّ عيش هذا «18» العيش، وكيف حال أمير هذا الجيش؟ طاعة معروفة، ووجوه إليه مصروفة، فإن أشار بالإنصات، تتحقق الغصّات «19» ، فكأنّما طمس الأفواه «20» ، ولأم بين الشّفاه، وإن أمر بالإفصاح، وتلاوة الألواح، علا الضّجيج والعجيج، وحفّ به كما حفّ بالبيت الحجيج. وكم بين ذلك من رشوة تدسّ، وغمزة لا تحسّ، ووعد يستنجز، وحاجة تستعجل وتحفز. هنّأ الله سيدي ما خوّله، وأنساه بطيب آخره أوّله. وقد بعثت الجزء: 3 ¦ الصفحة: 72 بدعابتي هذه مع إجلال قدره، والثّقة بسعة صدره، فليتلقّها بيمينه، ويفسح لها في المرتبة بينه وبين خدينه «1» ، ويفرغ لمراجعتها وقتا من أوقاته عملا «2» بمقتضى دينه، وفضل يقينه، والسّلام. ومن شعره ما كتب به إليّ «3» : [الكامل] آيات حسنك حجّة للقال «4» ... في الحبّ قائمة على العذّال يا من سبى طوعا عقول ذوي النّهى ... ببلاغة قد أيّدت بجمال يستعبد الأبصار والأسماع ما ... يجلو ويتلو من سنيّ مقال وعليك أهواء النفوس بأسرها ... وقفت فغيرك «5» لا يمرّ ببال رفعت لديك «6» في البلاغة راية ... لمّا احتللت بها وحيد كمال وغدت تباهي منك بالبدر الذي ... تعنو البدور لنوره المتلالي ماذا ترى يا ابن الخطيب لخاطب «7» ... ودّا ينافس فيك كلّ مغال «8» ؟ جذبته نحو هواك غرّ محاسن ... مشفوعة أفرادها بمعال وشمائل رقّت لرقّة طبعها ... فزلالها يزري بكل زلال وحليّ آداب بمثل نفيسها ... تزهو الحلى ويجلّ قدر الحالي تستخدم «9» الياقوت عند نظامها ... فمقصّر من قاسها بلآل سبق الأخير الأوّلين بفضلها ... فغدا المقدّم تابعا للتّالي شغفي ببكر «10» من عقائلها إذا ... تبدو تصان من الحجى بحجال فابعث بها بنت «11» المنى ممهورة ... طيب الثّناء لنقدها والكالي لا زلت شمسا في الفضائل يهتدى ... بسناك في الأفعال والأقوال «12» ثم السّلام عليك يترى ما تلت ... بكر الزّمان روادف الآصال الجزء: 3 ¦ الصفحة: 73 ومن الدّعابة، وقد وقعت إليها الإشارة من قبل، ما كتب به إليه صديقه الملاطف أبو علي بن عبد السّلام «1» : [الوافر] أبا عبد الله نداء خلّ ... وفيّ جاء يمنحك النّصيحه إلى كم تألف الشّبان غيّا ... وخذلانا، أما تخشى الفضيحة؟ فأجابه رحمه الله: [الوافر] فديتك، صاحب السّمة المليحه ... ومن طابت أرومته الصّريحه ومن قلبي وضعت له محلّا ... فما عنه يحلّ بأن أزيحه نأيت فدمع عيني في انسكاب ... وأكباد «2» لفرقتكم قريحه وطرفي لا يتاح له رقاد ... وهل نوم لأجفان جريحه؟ وزاد تشوّقي أبيات شعر ... أتت منكم بألفاظ فصيحه ولم تقصد بها جدّا، ولكن ... قصدت بها مداعبة قبيحه «3» فقلت: أتألف الشبّان غيّا ... وخذلانا، أما تخشى الفضيحه؟ وفيهم «4» حرفتي وقوام عيشي ... وأحوالي بخلطتهم نجيحه وأمري فيهم أمر مطاع ... وأوجههم مصابيح صبيحه وتعلم أنّني رجل حصور «5» ... وتعرف ذاك معرفة صحيحه قال في «التّاج» : ولمّا «6» اشتهر المشيب بعارضه ولمّته، وخفر الدهر لعمود «7» صباه وأذمّته، أقلع واسترجع، وتألّم لما فرط وتوجّع، وهو الآن من جلّة الخطباء طاهر العرض والثّوب، خالص من الشّوب، باد عليه قبول قابل التوب. وفاته رحمه الله: في آخر صفر من عام خمسين وسبعمائة في وقيعة الطاعون العام، ودخل غرناطة. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 74 ومن الغرباء في هذا الباب محمد بن أحمد بن محمد ابن محمد بن أبي بكر بن مرزوق العجيسي » من أهل تلمسان، يكنى أبا عبد الله، ويلقب من الألقاب المشرقية بشمس الدين. حاله: هذا «2» الرجل من طرف دهره ظرفا وخصوصيّة ولطافة، مليح التوسّل، حسن اللقاء، مبذول البشر، كثير التّودّد، نطيف البزّة، لطيف التّأنّي «3» ، خيّر البيت، طلق الوجه، خلوب اللسان، طيّب الحديث، مقدر الألفاظ، عارف بالأبواب، درب على صحبة الملوك والأشراف، متقاض لإيثار السلاطين والأمراء، يسحرهم بخلابة لفظه، ويفتلهم «4» في الذّروة والغارب بتنزّله، ويهتدي إلى أغراضهم الكمينة بحذقه، ويصنع «5» غاشيتهم بتلطّفه، ممزوج الدّعابة بالوقار، والفكاهة بالنّسك، والحشمة بالبسط، عظيم المشاركة لأهل ودّه، والتّعصّب لإخوانه، إلف مألوف، كثير الأتباع والعلق «6» ، مسخّر الرّقاع في سبيل الوساطة، مجدي الجاه، غاصّ المنزل بالطّلبة، منقاد الدّعوة، بارع الخطّ أنيقه، عذب التّلاوة، متّسع الرّواية، مشارك في فنون من أصول وفروع وتفسير، يكتب ويشعر ويقيّد ويؤلّف، فلا يعدو السّداد في ذلك، فارس منبر، غير جزوع ولا هيابة «7» . رحل إلى المشرق في كنف حشمة من جناب والده، رحمه الله، فحجّ وجاور، ولقي الجلّة، ثم فارقه، وقد عرف بالمشرق حقّه، وصرف وجهه إلى المغرب، فاشتمل عليه السلطان أبو الحسن أميره اشتمالا خلطه بنفسه، وجعله مفضى سرّه، وإمام جمعته، وخطيب منبره، وأمين رسالته، فقدم في غرضها على الأندلس في «8» أواخر عام ثمانية وأربعين وسبعمائة، فاجتذبه «9» سلطانها، رحمه الله، وأجراه على تلك الوتيرة، فقلّده الخطبة بمسجده في السادس لصفر عام ثلاثة وخمسين وسبعمائة، وأقعده للإقراء بالمدرسة من حضرته. وفي أخريات عام أربعة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 75 وخمسين «1» بعده أطرف عنه جفن برّه، في أسلوب طماح، ودالّة، وسبيل هوى وقحة، فاغتنم العبرة «2» ، وانتهز الفرصة، وأنفذ في الرّحيل العزمة، وانصرف عزيز الرّحلة، مغبوط المنقلب، في أوائل شعبان عام أربعة وخمسين وسبعمائة «3» ، فاستقرّ بباب ملك المغرب، أمير المؤمنين أبي عنان فارس في محلّ تجلّة، وبساط قرب، مشترك الجاه، مجدي التوسّط، ناجع الشّفاعة، والله يتولّاه ويزيده من فضله. مشيخته: من كتابه المسمى «عجالة المستوفز المستجاز في ذكر من سمع من المشايخ دون من أجاز، من أئمة المغرب والشّام والحجاز» : فممن «4» لقيه بالمدينة المشرّفة على ساكنها الصلاة والسلام، الإمام العلّامة عزّ الدين محمد أبو الحسن بن علي بن إسماعيل الواسطي، صاحب خطّتي الإمامة والخطابة بالمسجد النبوي «5» الكريم، وأفرد جزءا في مناقبه. ومنهم الشيخ الإمام جمال الدين أبو عبد الله محمد بن أحمد بن خلف بن عيسى الخزرجي السّعدي العبادي، تحمّل عن عفيف الدين أبي محمد عبد السلام بن مزروع وأبي اليمن وغيره. والشيخ الإمام خادم الوقت بالمسجد الكريم، ونائب الإمامة والخطابة به، ومنشد الأمداح النبوية هنالك وبمكة، شرّفها الله، الشيخ المعمّر الثّقة شرف الدين أبو عبد الله عيسى بن عبد الله الحجي «6» المكيّ. والشيخ الصالح شرف الدين خضر بن عبد الرحمن العجمي. والشيخ مقرئ الحرم برهان الدين إبراهيم بن مسعود بن إبراهيم الآبلي «7» المصري. والشيخ الإمام الصالح أبو محمد عبد الله بن أسعد الشافعي الحجّة، انتهت إليه الرّياسة العلمية والخطط الشّرعية بالحرم. والشيخ قاضي القضاة وخطيب الخطباء عز الدين أبو عمر عبد العزيز بن محمد بن جماعة الكناني، قاضي القضاة بمصر «8» . وبمصر الشيخ علاء الدين القونوي. والتّقي السعدي، وقاضي القضاة القزويني، والشرف أقضى القضاة الإخميمي، وكثيرون غيرهم. وسمع من عدد عديد آخر من أعلام القضاة والحفّاظ والعلماء بتونس، وبجاية، والزّاب، وتلمسان. محنته: اقتضى «9» الخوض الواقع بين يدي تأميل الأمير أبي الحسن، رحمه الله، وتوقّع «10» عودة الأمر إليه، وقد ألقاه اليمّ بالسّاحل بمدينة الجزائر، أن قبض الجزء: 3 ¦ الصفحة: 76 عليه بتلمسان أمراؤها المتوثّبون عليها في هذه الفترة من بني زيّان، إرضاء لقبيلهم المتّهم بمداخلته، وقد رحل عنهم دسيسا من أميرهم عثمان بن يحيى بن عبد الرحمن بن يغمراسن، فصرف مأخوذا عليه طريقه، منتهبا رحله، منتهكة حرمته، وأسكن قرارة مطبق عميق القعر، مقفل المسلك، حريز القفل، ثاني اثنين. ولأيام قتل ثانيه ذبحا بمقربة من شفى تلك الرّكيّة، وانقطع لشدّة الثّقاف «1» أثره، وأيقن الناس بفوات الأمر فيه. ولزمان من محنته ظهرت عليه بركة سلفه في خبر ينظر بطرفه إلى الكرامة، فنجا ولا تسل كيف، وخلّصه الله خلاصا جميلا، وقدم على الأندلس، والله ينفعه بمحنته «2» . شعره، وما وقع من المكاتبة بيني وبينه: ركب «3» مع السلطان خارج «4» الحمراء، أيام ضربت اللّوز قبابها البيض، وزيّنت الفحص العريض، والرّوض الأريض «5» ، فارتجل في ذلك: [الكامل] انظر إلى النّوار في أغصانه ... يحكي النجوم إذا تبدّت في الحلك حيّا أمير المسلمين وقال: قد ... عميت بصيرة من بغيرك مثّلك «6» يا يوسفا حزت الجمال بأسره ... فمحاسن الأيام تومي هيت لك «7» أنت الذي صعدت به أوصافه ... فيقال فيه: ذا مليك أو ملك «8» ولما قدمت على مدينة فاس في غرض الرسالة، خاطبني بمنزل الشاطبي على مرحلة منها بما نصه «9» : [الكامل] يا قادما وافى بكلّ نجاح ... أبشر بما تلقاه من أفراح هذي ذرى ملك الملوك فلذ بها ... تنل المنى وتفز بكلّ سماح مغنى الإمام أبي عنان يمّمن ... تظفر ببحر في العلى طفّاح الجزء: 3 ¦ الصفحة: 77 من قاس جود أبي عنان ذي «1» الندى ... بسواه قاس البحر بالضّحضاح «2» ملك يفيض على العفاة نواله ... قبل السّؤال وقبل بسطة راح فلجود كعب وابن سعدى «3» في الندى ... ذكر محاه من نداه ماح ما أن رأيت ولا سمعت بمثله «4» ... من أريحيّ للندى مرتاح بسط الأمان على الأنام فأصبحوا ... قد ألحفوا منه بظلّ جناح وهمى على العافين سيب نواله ... حتى حكى سحّ الغمام الساحي فنواله وجلاله وفعاله ... فاقت وأعيت ألسن المدّاح وبه الدّنا أضحت تروق وأصبحت ... كلّ المنى تنقاد بعد جماح من كان ذا ترح فرؤية وجهه ... متلافة الأحزان والأتراح فانهض أبا عبد الإله تفز بما ... تبغيه من أمل ونيل نجاح لا زلت ترتشف الأماني راحة ... من راحة المولى بكلّ صباح والحمد» لله يا سيدي وأخي على نعمه التي لا تحصى، حمدا يؤمّ به جميعنا المقصد الأسنى، فيبلغ الأمد الأقصى، فطالما كان معظّم سيدي للأسى في خبال، وللأسف بين اشتغال بال، واشتغال بلبال «6» . ولقدومكم على هذا المقام «7» العلي في ارتقاب، ولمواعدكم «8» بذلك في تحقّق وقوعه من غير شكّ ولا ارتياب، فها أنت تجتلي، من هذا المقام العلي، لتشيّعك «9» وجوه المسرّات صباحا، وتتلقّى أحاديث مكارمه ومواهبه مسندة صحاحا، بحول الله. ولسيدي الفضل في قبول مركوبه الواصل إليه بسرجه ولجامه، فهو من بعض ما لدى المحب «10» من إحسان مولاي «11» وإنعامه. ولعمري لقد كان وافدا على سيدي في مستقرّه مع غيره. فالحمد لله الذي يسّر في إيصاله، على أفضل أحواله. فراجعته بقولي «12» : [الكامل] راحت تذكّرني كؤوس الرّاح ... والقرب يخفض للجنوح جناحي الجزء: 3 ¦ الصفحة: 78 وسرت تدلّ على القبول كأنما ... دلّ النسيم على انبلاج صباح حسناء قد غنيت بحسن صفاتها ... عن دملج وقلادة ووشاح أمست تحضّ على اللّياذ بمن جرت ... بسعوده الأقلام في الأفراح «1» بخليفة الله المؤيّد فارس ... شمس المعالي الأزهر الوضّاح ما شئت من همم «2» ومن شيم غدت ... كالزّهر أو كالزّهر في الأدواح فضل الملوك فليس يدرك شأوه ... أنّى يقاس الغمر بالضّحضاح؟ أسنى بني عبّاسهم بلوائه ال ... منصور أو بحسامه السّفّاح وغدت مغاني الملك لمّا حلّها ... تزهى ببدر هدى وبحر سماح وحياة من أهداك تحفة قادم ... في العرف منها راحة الأرواح ما زلت أجعل ذكره وثناءه ... روحي وريحاني الأريج وراحي ولقد تمازج حبّه بجوارحي ... كتمازج الأجسام بالأرواح ولو أنني أبصرت يوما في يدي ... أمري لطرت إليه دون جناح فالآن ساعدني الزّمان وأيقنت ... من قربه نفسي بفوز قداحي إيه أبا عبد الإله وإنه ... لنداء ودّ في علاك صراح أما إذا استنجدتني من بعد ما ... ركدت لما خبت الخطوب رياحي فإليكها مهزولة وأنا امرؤ ... قرّرت عجزي واطّرحت سلاحي سيدي «3» ، أبقاك الله لعهد تحفظه، ووليّ بعين الولاء تلحظه، وصلتني رقعتك التي ابتدعت «4» ، وبالحق من مدح «5» المولى الخليفة صدعت، وألفتني وقد سطت بي الأوحال «6» ، حتى كادت تتلف الرّحال، والحاجة إلى الغذاء قد شمّرت كشح البطين، وثانية العجماوين «7» قد توقع فوات وقتها وإن كانت صلاتها صلاة الطّين، والفكر قد غاض معينه، وضعف وعلى الله جزاء المولى الذي يعينه، فغزتني بكتيبة بيان أسدها هصور، وعلمها منصور، وألفاظها ليس فيها قصور، ومعانيها عليها الحسن مقصور، واعتراف مثلي بالعجز في المضايق حول ومنّة، وقول «لا أدري» للعالم فكيف لغيره الجزء: 3 ¦ الصفحة: 79 جنّة، لكنها بشّرتني بما يقلّ لمهديه «1» بذل النفوس وإن جلّت، وأطلعتني من السرّاء على وجه تحسده الشمس إذا تجلّت، بما أعلمت «2» به من جميل اعتقاد مولانا أمير المؤمنين أيّده الله، في عبده، وصدق المخيلة في كرم مجده. وهذا هو الجود المحض، والفضل الذي شكره هو الفرض. وتلك الخلافة المولويّة تتّصف بصفة «3» من يبدأ بالنّوال، من قبل الضّراعة والسؤال، من غير اعتبار للأسباب ولا مجازاة للأعمال. نسأل الله أن يبقي منها على الإسلام أوفى الظّلال، ويبلغها من فضله أقصى الآمال. ووصل ما بعثه سيدي صحبتها من الهديّة، والتحفة الوديّة، وقبلتها امتثالا، واستجليت منها عتقا وجمالا. وسيدي في الوقت أنسب إلى اتخاذ «4» ذلك الجنس، وأقدر على الاستكثار من إناث البهم والإنس. وأنا ضعيف القدرة، غير مستطيع لذلك إلّا في النّدرة، فلو رأى سيدي، ورأيه سداد، وقصده فضل ووداد، أن ينقل القضيّة إلى باب العارية من باب الهبة، مع وجوب «5» الحقوق المترتّبة، لبسط خاطري وجمعه، وعمل في رفع المؤنة على شاكلة حالي معه، وقد استصحبت مركوبا يشقّ عليّ هجره، ويناسب مقامي شكله ونجره «6» ، وسيدي في الإسعاف على الله أجره، وهذا أمر عرض، وفرض فرض، وعلى نظره المعوّل، واعتماد إغضائه هو المعقول الأول. والسلام على سيدي من معظّم قدره، وملتزم برّه، ابن الخطيب، في ليلة الأحد السابع والعشرين لذي قعدة سنة «7» خمس «8» وخمسين وسبعمائة، والسّماء قد جادت بمطر سهرت منه الأجفان، وظنّ أنه طوفان، واللّحاف في غد «9» بالباب المولوي، مؤمل بحول الله. ومن الشعر المنسوب إلى محاسنه، ما أنشد عنه، وبين يديه، في ليلة الميلاد المعظم، من عام ثلاثة وستين وسبعمائة بمدينة فاس المحروسة «10» : [مجزوء الرجز] أيا نسيم «11» السّحر ... بالله «12» بلّغ خبري إن أنت يوما بالحمى ... جررت فضل المئزر الجزء: 3 ¦ الصفحة: 80 ثم حثثت الخطو من ... فوق الكثيب الأعفر مستقريا في عشبه ... خفيّ «1» وطء المطر تروي عن الضّحاك في الر ... وض حديث الزّهر مخلّق الأذيال بال ... عبير أو بالعنبر وصف لجيران الحمى ... وجدي بهم وسهري وحقّهم ما غيّرت ... ودّي صروف الغير لله عهد فيه قضّ ... يت حميد الأثر أيّامه هي التي ... أحسبها من عمري وبالليل فيه ما ... عيب بغير القصر العمر فينان ووج ... هـ الدهر طلق الغرر والشّمل بالأحباب من ... ظوم كنظم الدّرر صفو من العيش بلا ... شائبة من كدر ما بين أهل تقطف ال ... أنس جنيّ الثمر وبين آمال تبي ... ح القرب صافي الغدر «2» يا شجرات الحيّ حيّ ... اك الحيا من شجر إذا أجال الشوق في ... تلك المغاني فكري خرّجت من خدّي حدي ... ث الدمع فوق الطّرر وقلت يا خدّ أرو من ... دمعي صحاح الجوهري عهدي بحادي «3» الرّكب كال ... ورقاء عند السّحر والعيس تجتاب الفلا ... واليعملات تنبري «4» تخبط بالأخفاف مظ ... لوم البرى وهو بري «5» قد عطفت عن ميد ... والتفتت» عن حور الجزء: 3 ¦ الصفحة: 81 قسيّ سير «1» ما سوى ال ... عزم لها من وتر حتى إذا الأعلام حل ... لت لحفيّ البشر واستبشر النازح بال ... قرب ونيل الوطر وعيّن الميقات للسّ ... فر «2» نجاح السّفر والناس «3» بين محرم ... بالحجّ أو معتمر لبّيك لبيك إل ... هـ الخلق باري الصّور ولاحت الكعبة بي ... ت الله ذات الأثر مقام إبراهيم وال ... مأمن عند الذّعر واغتنم القوم طوا ... ف القادم المبتدر «4» وأعقبوا ركعتي السّ ... عي استلام الحجر وعرّفوا في عرفا ... ت كلّ عرف أذفر «5» ثم أفاض الناس سع ... يا في غد للمشعر «6» فوقفوا وكبّروا ... قبل الصباح المسفر وفي منّى نالوا المنى ... وأيقنوا بالظّفر وبعد رمي الجمرا ... ت كان خلق الشّعر أكرم بذاك الصّحب «7» وال ... له وذاك النّفر «8» يا فوزه من موقف ... يا ربحه من متجر حتى إذا كان الودا ... ع وطواف الصّدر «9» فأيّ صبر لم يخن ... أو جلد لم يغدر «10» وأيّ وجد لم يصل ... وسلوة لم تهجر الجزء: 3 ¦ الصفحة: 82 ما أفجع البين لقل ... ب الواله المستغفر «1» ثم ثنوا نحو رسو ... ل الله سير الضّمّر فعاينوا في طيبة ... لألاء نور نيّر زاروا رسول الله واس ... تشفعوا بلثم الجدر نالوا به ما أمّلوا ... وعرّجوا في الأثر على الضّجيعين أبي ... بكر الرّضا وعمر زيارة الهادي الشّفي ... ع جنّة «2» في المحشر فأحسن الله عزا ... ء قاصد لم يزر ربع ترى مستنزل ال ... آي به والسّور وملتقى جبريل بال ... هادي الزّكيّ العنصر «3» وروضة الجنّة ب ... ين روضة ومنبر منتخب الله ومخ ... تار الورى من مضر والمنتقى والكون من ... ملابس الخلق عري إذ لم يكن في أفق ... من زحل أو مشتري «4» ذو المعجزات الغرّ أم ... ثال النجوم الزّهر يشهد بالصّدق له ... منها انشقاق القمر «5» والضّبّ والظّبي إلى ... نطق الحصى والشّجر من أطعم الألف بصا ... ع في صحيح الخبر والجيش روّاه بما ... ء الرّاحة المنهمر يا نكتة الكون التي ... فاتت منال الفكر «6» يا حجّة الله على ال ... رائح والمبتكر يا أكرم الرّسل على ال ... له وخير البشر الجزء: 3 ¦ الصفحة: 83 يا من له التّقدم ال ... حقّ على التّأخر يا من لدى مولده ... المقدّس المطهّر إيوان كسرى ارتجّ إذ ... ضاقت «1» قصور قيصر وموقد النار طفا ... كأنها لم تسعر «2» يا عمدتي يا ملجئي ... يا مفزعي يا وزري يا من له اللّواء وال ... حوض وورد الكوثر يا منقذ الغرقى وهم ... رهن العذاب الأكبر إن لم تحقّق أملي ... بؤت بسعي المخسر صلّى عليك الله يا ... نور الدّجا المعتكر يا ويح نفسي كم أرى ... من غفلتي في غمر «3» وا حسرتا «4» من قلّة ال ... زّاد وبعد السّفر يحجّني والله بال ... برهان وعظ المنبر يا حسنها من خطب ... لو حرّكت من نظري «5» يا حسنها من شجر ... لو أورقت من ثمر أومّل الأوبة وال ... أمر بكفّ القدر أسوف العزم بها «6» ... من شهر لشهر من صفر لرجب ... من رجب لصفر ضيّعت في الكبرة ما ... أعددته في صغري وليس ما مرّ من ال ... أيام بالمنتظر وقلّ ما أن حمدت ... سلامة في غرر ولي غريم لا يني ... عن «7» طلب المنكسر يا نفس جدّي قد بدا ال ... صبح ألا فاعتبري واتّعظي بمن مضى ... وارتدعي وازدجري الجزء: 3 ¦ الصفحة: 84 ما بعد شيب الفود من ... مرتقب فشمّري أنت وإن طال المدى ... في قلعة «1» أو سفر «2» وليس من عذر يقي ... م حجّة المعتذر يا ليت شعري والمنى ... تسرق طيب العمر هل أرتجي من عودة ... أو رجعة أو صدر فأبرّد الغلّة من ... ذاك الزّلال الخصر «3» ؟ مقتديا بمن مضى ... من سلف ومعشر نالوا جوار الله وهـ ... والفخر للمفتخر أرجو بإبراهيم مو ... لانا بلوغ الوطر فوعده لا يمتري ... في الصّدق منه الممتري «4» فهو «5» الإمام المرتضى ... والخيّر ابن الخيّر أكرم من نال المنى «6» ... بالمرهفات البتر ممهّد الملك وسي ... ف الحقّ والليث الجري خليفة الله الذي ... فاق بحسن السّير وكان منه الخبر في ال ... علياء وفق الخبر فصدّق التّصديق من ... مرآه للتّصور ومستعين الله في ... ورد له وصدر فاق الملوك الصّيدا «7» بال ... مجد الرّفيع الخطر فأصبحت ألقابهم ... منسيّة لم تذكر وحاز منهم «8» أوحد ... وصف العديد الأكثر برأيه المأمون أو ... عسكره المظفّر بسيفه السّفاح أو ... بعزمه المقتدر» الجزء: 3 ¦ الصفحة: 85 بالعلم المنصور أو ... بالذّابل المستنصر «1» بابن «2» الإمام الط ... اهر البرّ الزّكي السّير مدحك قد علّم نظ ... م الشّعر من لم يشعر جهد المقلّ اليوم من ... مثلي كوسع المكثر فإن يقصّر ظاهري ... فلم يقصّر مضمري ووردت «3» على «4» باب السلطان الكبير العالم «5» أبي عنان، فبلوت من مشاركته، وحميد سعيه ما يليق بمثله. ولمّا نكبه لم أقصّر عن ممكن حيلة في أمره. ولما «6» هلك السلطان أبو عنان، رحمه الله، وصار الأمر لأخيه المتلاحق من الأندلس أبي سالم بعد الولد المسمّى بالسّعيد، كان ممن دمث «7» له الطّاعة، وأناخ راحلة الملك، وحلب ضرع الدّعوة «8» ، وخطب عروس الموهبة، فأنشب ظفره في متات معقود من لدن الأب، مشدود من لدن القربة «9» ، فاستحكم عن قرب، واستغلظ عن كثب، فاستولى على أمره، وخلطه بنفسه، ولم يستأثر عنه ببثّه، ولا انفرد بما سوى بضع أهله، بحيث لا يقطع في شيء إلّا عن رأيه، ولا يمحو ويثبت إلّا واقفا عند حدّه، فغشيت بابه الوفود، وصرفت إليه الوجوه، ووقفت عليه الآمال، وخدمته الأشراف وجلبت إلى سدّته بضائع العقول والأموال، وهادته الملوك، فلا تحدو «10» الحداة إلّا إليه، ولا تحطّ الرّحال إلّا لديه. إن حضر أجري الرسم، وأنفذ الأمر والنّهي، لحظا أو سرارا أو مكاتبة، وإن غاب، تردّدت الرّقاع، واختلفت الرّسل. ثم انفرد أخيرا ببيت الخلوة، ومنتبذ المناجاة، من دونه مصطفّ الوزراء، وغايات الحجّاب، فإذا انصرف تبعته الدّنيا، وسارت بين يديه الوزراء، ووقفت ببابه الأمراء، قد وسع الكلّ لحظه، وشملهم بحسب الرّتب والأموال رعيه، ووسم أفذاذهم تسويده، وعقدت ببنان عليتهم بنانه. لكن رضى الناس غاية «11» لا تدرك، والحقد «12» بين بني آدم قديم، وقبيل الملك مباين لمثله، فطويت الجوانح منه «13» على سل، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 86 وحنيت الضّلوع على بثّ، وأغمضت الجفون على قذى، إلى أن كان من نكبته «1» ما هو معروف، جعلها الله له طهورا. ولمّا جرت الحادثة على السلطان «2» بالأندلس، وكان لحاق جميعنا بالمغرب، جنيت ثمرة ما أسلفته في ودّه، فوفّى كيل «3» الوفا، وأشرك في الجاه، وأدرّ الرّزق، ورفع المجلس بعد التّسبيب «4» في الخلاص والسّعي في الجبر، جبره الله تعالى، وكان له أحوج ما يكون إلى ذلك، يَوْمَ لا يَنْفَعُ مالٌ وَلا بَنُونَ (88) إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ (89) «5» . ولما انقضى أمر سلطانه، رحمه الله، وقذف به بحر التّمحيص إلى شطّه، وأضحى جوّ النّكبة بعد انطباقه، آثر التّشريق بأهله وجملته، واستقرّ بتونس خطيب الخلافة، مقيما على رسمه من التّجلّة، ذائع الفضل هنالك والمشاركة، وهو بحاله الموصوفة إلى الآن، كان الله له. وكنت «6» أحسست منه في بعض الكتب «7» الواردة صاغية إلى الدّنيا، وحنينا لما فارق «8» من غرورها، فحملني الطّور الذي ارتكبته في هذا الأيام، بتوفيق الله، على أن خاطبته «9» بهذه الرسالة، وحقّها أن يجعلها خدمة الملوك ممّن ينسب إلى نبل، أو يلمّ «10» بمعرفة، مصحفا يدرسه، وشعارا يلتزمه، وهي «11» : سيدي الذي يده البيضاء لم تذهب بشهرتها المكافاة «12» ، ولم تختلف في مدحها الأفعال ولا تغايرت في حمدها «13» الصّفات، ولا تزال تعترف بها العظام الرّفات، أطلقك الله من أسر الكون «14» كما أطلقك من أسر بعضه، ورشّدك «15» في سمائه العالية وأرضه، وحقّر الحظّ في عين بصيرتك بما يحملك على رفضه. اتّصل بي الخبر السّار من تركك لشانك، وإجناء الله إيّاك ثمرة إحسانك، وانجياب ظلام الجزء: 3 ¦ الصفحة: 87 الشّدة الحالك، عن أفق حالك، فكبّرت «1» لانتشاق عفو الله العطر «2» ، واستعبرت لتضاؤل الشّدة بين يدي الفرج لا بسوى ذلك من رضى مخلوق يؤمر فيأتمر، ويدعوه القضاء فيبتدر «3» ، إنما هو فيء» ، وظلّ ليس له من الأمر شيء، ونسأله «5» جلّ وتعالى أن يجعلها آخر عهدك بالدّنيا وبنيها، وأوّل معارج نفسك التي تقرّبها من الحقّ وتدنيها، وكأنّني «6» والله أحسّ بثقل هذه الدعوة على سمعك، ومضادّتها ولا حول ولا قوة إلّا بالله لطبعك، وأنا أنافرك إلى العقل الذي هو قسطاس الله في عالم الإنسان، والآلة لبثّ العدل والإحسان، والملك الذي يبين عنه ترجمان اللّسان، فأقول: ليت شعري ما الذي غبط سيدي بالدّنيا، وإن بلغ من زبرجها «7» الرّتبة العليا، وأفرض «8» المثال لحالة «9» إقبالها، ووصل حبالها، وضراعة سبالها، وخشوع جبالها. التوقّع المكروه صباح مسا «10» ، وارتقاب الحوالة التي تديل من النّعيم البأساء «11» ، ولزوم المنافسة التي تعادي الأشراف والرؤسا «12» ؟ ألترتّب العتب، حتى «13» على التّقصير في الكتب، وضعينة جار الجنب، وولوع الصّديق بإحصاء الذّنب؟ ألنسبة وقائع الدولة إليك وأنت بري، وتطويقك الموبقات وأنت منها عري؟ ألاستهدافك للمضّار التي تنتجها غيرة الفروج، والأحقاد التي تضطبنها «14» ركبة السّروج وسرحة المروج، ونجوم السّما ذات البروج؟ ألتقليدك التّقصير فيما ضاقت عنه طاقتك، وصحّت إليه فاقتك، من حاجة لا يقتضي قضاءها «15» الوجود، ولا يكيّفها «16» الرّكوع للملك والسّجود؟ ألقطع الزّمان بين سلطان يعبد، وسهام للغيوب تكبّد، وعجاجة «17» شرّ تلبّد، وأقبوحة تخلّد وتوبّد؟ ألوزير يصانع ويدارى، وذي حجّة صحيحة يجادل في مرضاة السّلطان ويمارى، وعورة لا توارى؟ ألمباكرة كلّ عائب «18» حاسد، وعدوّ مستأسد، وسوق للإنصاف والشّفقة كاسد، وحال فاسد؟ أللوفود «19» تتزاحم بسدّتك، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 88 مكلّفة لك غير ما في طوقك، فإن لم تنل أغراضها «1» قلبت عليك السّماء من فوقك؟ ألجلساء ببابك، لا يقطعون زمن «2» رجوعك وإيابك، إلّا بقبيح اغتيابك؟ فالتّصرّفات تمقت، والقواطع النّجوميّات «3» توقّت، والألاقيّ «4» تبثّ، والسعايات تحثّ، والمساجد يشتكى فيها «5» البثّ، يعتقدون أن السلطان في يدك بمنزلة الحمار المدبور، واليتيم المحجور، والأسير المأمور، ليس له شهوة ولا غضب، ولا أمل في الملك ولا أرب، ولا موجدة «6» لأحد كامنة، وللشّر ضامنة، وليس في نفسه عن رأي نفرة، ولا بإزاء ما لا يقبله نزوة وطفرة، إنما هو جارحة لصيدك، وعان في قيدك، وآلة لتصرّف كيدك، وأنّك علّة حيفه، ومسلّط سيفه: الشّرار يسملون عيون الناس باسمك، ثم يمزّقون بالغيبة مزق جسمك، قد تنخّلهم الوجود أخبث ما فيه، واختارهم السّفيه فالسّفيه، إذ الخير يسرّه «7» الله عن الدّول ويخفيه، ويقنعه بالقليل فيكفيه، فهم يمتاحون بك ويولونك الملامة، ويقتحمون «8» عليك أبواب القول ويسدّون طرق السّلامة، وليس لك في أثناء هذه إلّا ما يعوزك مع ارتفاعه، ولا يفوتك مع انقشاعه، وذهاب صداعه، من غذاء يشبع، وثوب يقنع، وفراش ينيم، وخديم يقعد ويقيم. وما الفائدة في فرش تحتها جمر الغضا، ومال من ورائه سوء القضا، وجاه يحلّق عليه سيف منتضى؟ وإذا بلغت النّفس إلى الالتذاذ بما لا تملك، واللّجاج حول المسقط الذي تعلم أنها فيه تهلك «9» ، فكيف تنسب «10» إلى نبل، أو تسير «11» مع «12» السعادة في سبل؟ وإن وجدت في القعود «13» بمجلس التّحية، بعض الأريحيّة، فليت شعري أيّ شيء زادها، أو معنى أفادها، إلّا مباكرة وجه الحاسد، وذي القلب الفاسد، ومواجهة العدوّ المستأسد؟ أو شعرت ببعض الإيناس، في الركوب بين الناس. هل «14» التذّت إلّا بحلم كاذب، أو جذبها غير الغرور مجاذب «15» ؟ إنما الحلية «16» وافتك من يحدّق إلى البزّة، ويستطيل مدّة العزّة، ويرتاب إذا حدّث 1» الجزء: 3 ¦ الصفحة: 89 بخبرك، ويتبع بالنّقد والتّجسّس مواقع نظرك، ويمنعك من مسايرة أنيسك «1» ، ويحتال على فراغ كيسك، ويضمر الشّرّ لك ولرئيسك «2» . وأيّ راحة لمن لا يباشر قصده، ويسير «3» متى شاء وحده؟ ولو صحّ في هذه الحال لله حظّ، وهبه زهيدا، أو عيّن «4» للرّشد عملا حميدا، لساغ الصّاب «5» ، وخفّت الأوصاب «6» ، وسهل المصاب. لكن الوقت أشغل، والفكر أوغل، والزّمن قد غمرته الحصص الوهميّة، واستنفدت منه الكميّة، أما ليله ففكر أو نوم، وعتب يجرّ «7» الضّراس ولوم، وأمّا يومه فتدبير، وقبيل ودبير، وأمور يعيا بها ثبير «8» ، وبلاء مبير، ولغط لا يدخل فيه حكيم كبير، وأنا بمثل ذلك خبير. وو الله يا سيّدي، ومن فلق الحبّ وأخرج الأبّ «9» ، وذرأ من مشى ومن «10» دبّ، وسمّى نفسه الربّ، لو تعلّق المال الذي يجده هذا الكدح «11» ، ويوري سقيطه هذا القدح، بأذيال الكواكب، وزاحمت البدر بدره بالمناكب، لما «12» ورثه عقب، ولا خلص به محتقب «13» ، ولا فاز به سافر ولا منتقب. والشّاهد الدّول والمشائيم «14» الأول: فأين الرّباع المقتناة؟ وأين الدّيار المبتناة «15» ؟ وأين الحدائق «16» المغترسات، وأين الذّخائر المختلسات؟ وأين الودائع المؤمّلة، وأين الأمانات المحمّلة؟ تأذّن الله بتتبيرها، وإدناء نار التّبار «17» من دنانيرها، فقلّما تلقى أعقابهم إلّا أعراء الظّهور «18» ، مترمّقين بجرايات «19» الشّهور، متعلّلين بالهباء المنثور، يطردون من الأبواب التي حجب عندها «20» آباؤهم، وعرف الجزء: 3 ¦ الصفحة: 90 منها إباؤهم، وشمّ من مقاصيرها عنبرهم وكباؤهم، لم «1» تسامحهم الأيام إلّا في إرث محرّر، أو حلال مقرّر، وربما محقه الحرام، وتعذّر منه المرام. هذه، أعزّك الله، حال قبولها «2» ومالها مع التّرفيه، وعلى فرض أن يستوفي العمر في العزّ مستوفيه. وأما ضدّه من عدوّ يتحكّم وينتقم، وحوت بغي يبتلع ويلتقم، وطبق «3» يحجب الهواء، ويطيل في التّراب الثّواء، وثعبان قيد «4» يعضّ السّاق، وشؤبوب عذاب يمزّق الأبشار الرّقاق، وغيلة يهديها الواقب «5» الغاسق، ويجرعها العدوّ الفاسق، [فصرف السوق، وسلعته المعتادة الطروق «6» ،] مع الأفول والشروق. فهل في شيء من هذا مغتبط لنفس حرّة، أو ما يساوي جرعة حال مرّة؟ وا حسرتاه للأحلام ضلّت، وللأقدام زلّت، ويا لها مصيبة جلّت! ولسيدي أن يقول: حكمت عليّ «7» باستثقال الموعظة واستجفائها، ومراودة الدّنيا بين خلّانها وأكفائها، وتناسي عدم وفائها، فأقول: الطّبيب بالعلل أدرى، والشّفيق بسوء الظّنّ مغرى، وكيف لا وأنا أقف على السّحاءات بخطّ يد «8» سيدي من مطارح الاعتقال، ومثاقف النّوب الثّقال، وخلوات «9» الاستعداد للقاء الخطوب الشّداد، ونوش «10» الأسنّة الحداد، وحيث يجمل بمثله إلّا يصرف في غير الخضوع لله بنانا، ولا يثني لمخلوق عنانا. وأتعرف أنها قد ملأت الجوّ والدوّ «11» ، وقصدت الجماد والبوّ «12» ، تقتحم أكفّ أولي الشّمات، وحفظة المذمّات، وأعوان النّوب الملمّات، زيادة في الشّقاء، وقصدا بريّا من الاختيار والانتقاء، مشتملة من التّجاوز على أغرب من العنقاء، ومن النّقاق على أشهر من البلقاء. فهذا يوصف بالإمامة، [وهذا ينسب في الجود إلى كعب بن مامة «13» ] ، وهذا يجعل من أهل الكرامة، وهذا يكلّف الدّعاء وليس من أهله، وهذا يطلب منه لقاء الصّالحين وليسوا من شكله، إلى ما أحفظني والله من البحث عن الجزء: 3 ¦ الصفحة: 91 السّموم، وكتب النجوم، والمذموم من المعلوم، هلّا كان من ينظر في ذلك قد قوطع بتاتا، وأعتقد أنّ الله قد جعل لزمن الخير والشّرّ ميقاتا، وأنّا لا نملك موتا ولا نشورا ولا حياتا، وأنّ اللّوح قد حصر الأشياء محوا وإثباتا، فكيف نرجو لما منع منالا أو نستطيع مما قدر إفلاتا؟ أفيدونا ما يرجّح العقيدة المقررة «1» نتحوّل إليه، وبيّنوا لنا الحقّ نعوّل عليه. الله الله يا سيدي في النّفس المرشّحة، والذّات المحلّاة «2» بالفضائل الموشّحة، والسّلف الشهير الخير، والعمر المشرف على الرّحلة بعد حثّ السّير، ودع الدنيا لأهلها «3» فما أوكس حظوظهم، وأخسّ لحوظهم، وأقلّ متاعهم، وأعجل إسراعهم، وأكثر عناءهم، وأقصر آناءهم: [مجزوء الكامل] ما ثمّ «4» إلّا ما رأي ... ت، وربما تعيي السّلامة والناس إمّا جائر ... أو حائر يشكو ظلامه «5» والله ما احتقب الحري ... ص سوى الذّنوب أو الملامه هل ثمّ شكّ في المعا ... د الحقّ أو يوم القيامه قولوا لنا ما عندكم ... أهل الخطابة والإمامه وإن رميت بأحجاري، وأوجرت «6» المرّ من أشجاري، فو الله ما تلبّست منها اليوم «7» بشيء قديم ولا حديث، ولا استاثرت بطيّب فضلا عن خبيث. وما أنا إلّا عابر سبيل، وهاجر مرعى وبيل، ومرتقب وعد «8» قدر فيه الإنجاز، وعاكف على حقيقة لا تعرف المجاز، قد فررت من الدنيا كما يفرّ من الأسد، وحاولت المقاطعة حتى بين روحي والجسد، وغسل الله قلبي، ولله «9» الحمد، من الطّمع والحسد، فلم أبق عادة إلّا قطعتها، ولا جنّة للصّبر إلّا ادّرعتها، أمّا اللّباس فالصّوف، وأما الزّهد فيما في أيدي «10» الناس فمعروف، وأما المال الغبيط فعلى الصّدقة مصروف. وو الله الجزء: 3 ¦ الصفحة: 92 لو علمت أنّ حالي هذه تتّصل، وعراها «1» لا تنفصل، وأن ترتيبي هذا يدوم، ولا يحيّرني «2» الوعد المحتوم، والوقت المعلوم، لمتّ أسفا، وحسبي الله وكفى. ومع هذا يا سيدي، فالموعظة تتلقّى من لسان الوجود، والحكمة ضالّة المؤمن يطلبها ببذل المجهود، ويأخذها من غير اعتبار بمحلّها المذموم أو «3» المحمود. ولقد أعملت نظري فيما يكافىء عني بعض يدك، أو ينتهي «4» في الفضل إلى أمدك، فلم أر لك الدّنيا كفاء هذا لو كنت صاحب دنيا، وألفيت بذل النّفس قليلا لك من غير شرط ولا ثنيا «5» ، فلمّا ألهمني الله لمخاطبتك بهذه النّصيحة المفرغة في قالب الجفا، لمن لا يثبت عين الصّفا، ولا يشيم بارقة «6» الوفا، ولا يعرف قاذورة الدنيا معرفة مثلي من المتدنّسين بها المنهمكين، وينظر عوّارها القادح «7» بعين اليقين، ويعلم أنها المومسة التي حسنها زور، وعاشقها مغرور، وسرورها شرور، تبيّن لي أني «8» قد كافيت «9» صنيعتك المتقدّمة، وخرجت عن عهدتك الملتزمة، وأمحضت «10» لك النّصح الذي يعزّ «11» بعزّ الله ذاتك، ويطيب حياتك، ويحيي مواتك، ويريح جوارحك من الوصب «12» ، وقلبك من النّصب «13» ، ويحقّر الدنيا وأهلها في عينك إذا اعتبرت، ويلاشي عظائمها لديك إذا اختبرت. كلّ من تقع عليه «14» عينك حقير قليل، وفقير ذليل، لا يفضلك بشيّ إلّا باقتفاء رشد أو ترك غيّ، أثوابه النّبيهة يجرّدها الغاسل، وعروة عزّه «15» يفصّلها الفاصل «16» ، وماله الحاضر الحاصل، يعيث فيه الحسام الفاصل، والله ما تعيّن للخلف إلّا ما تعيّن للسّلف، ولا مصير المجموع إلّا إلى التّلف، ولا صحّ من الهياط والمياط «17» ، والصّياح والعياط «18» ، وجمع القيراط إلى القيراط، والاستظهار بالوزعة والأشراط، والخبط والخبّاط، والاستكثار والاغتباط، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 93 والغلوّ والاشتطاط، وبنا الصّرح وعمل السّاباط، ورفع العماد «1» وإدارة الفسطاط، إلّا ألم «2» يذهب القوة، وينسي الآمال المرجوّة، ثمّ نفس يصعد، وسكرات تتردّد، وحسرات لفراق الدّنيا تتجدّد، ولسان يثقل، وعين تبصر الفراق الحقّ «3» وتمقل قُلْ هُوَ نَبَأٌ عَظِيمٌ (67) أَنْتُمْ عَنْهُ مُعْرِضُونَ (68) «4» . ثم القبر وما بعده، والله منجز وعيده ووعده، فالإضراب الإضراب، والتّراب التّراب. وإن اعتذر سيدي بقلّة الجلد، لكثرة الولد، فهو ابن مرزوق لا ابن رزّاق، وبيده من التّسبّب ما يتكفّل بإمساك أرماق، أين النّسخ الذي يتبلّغ الإنسان بأجرته «5» ، في كن حجرته؟ لا بل السؤال الذي لا عار عند الحاجة بمعرّته؟ السؤال والله أقوم طريقا، وأكرم فريقا، من يد تمتدّ إلى حرام، لا يقوم بمرام، ولا يومّن من ضرام، أحرقت فيه الحلل، وقلبت الأديان والملل، وضربت الأبشار، ونحرت العشار، ولم يصل منه على يدي واسطة السّوء المعشار. ثم طلب عند الشّدّة ففضح، وبان سومه «6» ووضح، اللهمّ طهّر منها «7» أيدينا وقلوبنا، وبلّغنا من الانصراف إليك مطلوبنا، وعرّفنا بمن لا يعرف غيرك، ولا يسترفد إلّا خيرك، يا الله. وحقيق على الفضلاء إن جنح سيدي منها إلى إشارة، أو أعمل في احتلابها إضبارة «8» ، أو لبس منها شارة، أو تشوّف إلى خدمة إمارة، ألا يحسنوا ظنونهم بعدها بابن ناس، ولا يغترّوا بسمة «9» ولا خلق ولا لباس، فما عدا، عمّا بدا «10» ؟ تقضّى العمر في سجن وقيد، وعمرو وزيد، وضرّ وكيد، وطراد صيد، وسعد وسعيد، وعبد وعبيد، فمتى تظهر الأفكار، ويقرّ القرار، وتلازم الأذكار «11» ، وتشام الأنوار، وتتجلّى «12» الأسرار؟ ثم يقع الشّهود الذي تذهب معه الأفكار «13» ، ثم يحقّ الوصول الذي إليه من كلّ ما سواه الفرار، وعليه المدار. وحقّ الحقّ الذي ما سواه فباطل، والفيض الرّحماني الذي ربابه «14» الأبد «15» هاطل، ما شابت «16» الجزء: 3 ¦ الصفحة: 94 مخاطبتي لك شائبة تريب «1» ، ولقد محضت لك ما يمحضه الحبيب إلى الحبيب «2» ، فيحمل جفاء «3» في الذي حملت عليه الغيره، ولا تظنّ بي غيره. وإن «4» أقدر قدري في مكاشفة سيادتك بهذا البثّ، في الأسلوب الرّث، فالحقّ أقدم، وبناؤه لا يهدم، وشأني معروف في مواجهة الجبابرة على حين يدي إلى رفدهم ممدودة، ونفسي في النّفوس المتهافتة عليهم معدودة، وشبابي فاحم، وعلى الشّهوات مزاحم، فكيف بي اليوم مع الشّيب، ونصح الجيب، واستكشاف العيب؟ إنما أنا اليوم على كلّ من عرفني كلّ ثقيل، وسيف العذل «5» في كفّي صقيل، أعذل أهل الهوى، وليست النّفوس في القبول سوا، ولا لكلّ مرض «6» دوا، وقد شفيت صدري، وإن جهلت قدري، فاحملني، حملك الله، على الجادّة الواضحة، وسحب عليك ستر الأبوّة الصّالحة، والسّلام. ولمّا «7» شرح كتاب «الشّفا» للقاضي «8» أبي الفضل عياض بن موسى بن عياض، رحمه الله، واستبحر فيه، طلب أهل العدوتين بنظم «9» مقطوعات تتضمّن الثّناء على الكتاب المذكور، وإطراء مؤلّفه، فانثال عليه من ذلك الطّم والرّم، بما تعدّدت منه الأوراق، واختلفت في الإجادة وغيرها الأرزاق، إيثارا لغرضه، ومبادرة من أهل «10» الجهات لإسعاف أربه، وطلب مني أن ألمّ في ذلك بشيء، فكتبت في «11» ذلك: [الطويل] شفاء «12» عياض للصّدور «13» شفاء ... وليس «14» بفضل قد حواه خفاء هديّة برّ لم يكن لجزيلها «15» ... سوى الأجر والذّكر الجميل كفاء وفى لنبيّ الله حقّ وفائه ... وأكرم أوصاف الكرام وفاء الجزء: 3 ¦ الصفحة: 95 وجاء به بحرا يقول بفضله ... على البحر طعم طيّب وصفاء وحقّ رسول الله بعد وفاته ... رعاه، وإغفال الحقوق جفاء هو الذّخر يغني في الحياة عتاده ... ويترك منه لليقين «1» رفاء هو الأثر المحمود ليس يناله ... دثور ولا يخشى «2» عليه عفاء «3» حرصت على الإطناب في نشر فضله ... وتمجيده لو ساعدتني فاء واستزاد «4» من هذا الغرض الذي لم يقنع منه «5» بالقليل، فبعثت إليه من محلّ انتقالي بمدينة «6» سلا حرسها الله «7» : [مجزوء الرمل] أأزاهير رياض ... أم شفاء لعياض جدّل الباطل للحقّ ... بأسياف مواض وجلا الأنوار برها ... نا بحقّ «8» وافتراض وشفى «9» من يشتكي الغلّ ... ة في زرق الحياض أيّ بنيان معار «10» ... آمن فوق «11» انقضاض أيّ عهد ليس يرمى ... بانتكاث «12» وانتقاض ومعان في سطور ... كأسود في غياض وشفاء لصدور «13» ... من ضنى الجهل مراض حرّر القصد فما شي ... ن بنقد واعتراض يا أبا الفضل أدر أنّ «14» ... الله عن سعيك راض فاز عبد أقرض اللّ ... هـ برجحان القراض «15» الجزء: 3 ¦ الصفحة: 96 وجبت عزّ «1» المزايا ... من طوال وعراض «2» لك يا أصدق راو «3» ... لك يا أعدل قاض لرسول الله وفّي ... ت بجدّ «4» وانتهاض خير خلق الله في حا ... ل وفي آت وماض سدّد الله ابن مرزو ... ق إلى تلك المراضي زبدة العرفان معنى ... كلّ نسك وارتياض فتولّى بسط ما أج ... ملت من غير انقباض ساهر «5» لم يدر في استخ ... لاصه طعم اغتماض إن يكن دينا على الأي ... ام قد حان التّقاضي دام في علوّ ومن عا ... داه يهوي في انخفاض ما وشى الصّبح الدّياجي ... في سواد بيياض «6» ثم «7» نظمت له أيضا في الغرض المذكور، والإكثار من هذا النمط، في هذا الموضع، ليس على سبيل التّبجّح بغرابته وإجادته «8» ، ولكن على سبيل الإشادة بالشّرح المشار إليه، فهو بالغ غاية الاستبحار «9» : [السريع] حيّيت يا مختطّ سبت بن نوح ... بكلّ مزن يغتدي أو يروح وحمل الرّيحان ريح الصّبا ... أمانة فيك «10» إلى كلّ روح دار أبي الفضل عياض الذي ... أضحت بريّاه رياضا تفوح يا ناقل الآثار يعنى بها ... وواصلا في العلم جري الجموح طرفك في الفخر «11» بعيد المدى ... طرفك للمجد شديد الطّموح كفاك إعجازا كتاب الشّفا ... والصبح لا ينكر عند الوضوح لله ما أجزلت فينا به من ... منحة تقصر عنها المنوح روض من العلم همى فوقه ... من صيّب الفكر الغمام السّفوح الجزء: 3 ¦ الصفحة: 97 فمن بيان الحقّ زهر ند «1» ... ومن لسان الصّدق طير صدوح تأرّج العرف وطاب الجنى ... وكيف لا يثمر «2» أو لا يفوح وحلّة من طيب خير الورى ... في الجيب والأعطاف منها نضوح ومعلم للدين «3» شيّدته ... فهذه الأعلام منه «4» تلوح فقل لهامان كذا أو فلا ... يا من أضلّ الرّشد تبني الصّروح في أحسن التّقويم أنشأته ... خلقا جديدا بين جسم وروح فعمره المكتوب لا ينقضي ... إذا تقضّى عمر سام ونوح كأنّه في الحفل ريح الصّبا ... وكلّ عطف فهو غضّ «5» مروح ما عذر مشغوف بخير الورى ... إن هاج منه الذّكر أن لا يبوح عجبت من أكباد أهل الهوى ... وقد سطا البعد وطال النّزوح إن ذكر المحبوب سالت دما ... ما هنّ أكباد ولكن جروح يا سيّد الأوضاع يا من له ... بسيّد الإرسال فضل الرّجوح يا من له الفخر على غيره ... والشّهب «6» تخفى عند إشراق يوح يا خير مشروح وفي واكتفى ... منه ابن «7» مرزوق بخير الشّروح فتح من الله حباه به ... ومن جناب الله تأتي الفتوح مولده: بتلمسان عام أحد عشر وسبعمائة. محمد بن عبد الرحمن بن سعد التّميمي التّسلي «8» الكرسوطي «9» من أهل فاس، نزيل مالقة، يكنى أبا عبد الله. حاله: الشيخ «10» الفقيه المتكلّم أبو عبد الله، غزير الحفظ، متبحّر الذّكر، عديم القرين، عظيم الاطّلاع، عارف بأسماء الأوضاع، ينثال منه على المسائل كثيب مهيل، ينقل الفقه منسوبا إلى أمانة، ومنوطا برجاله، والحديث بأسانيده ومتونه، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 98 خوّار «1» العنان، وسّاع الخطو، بعيد الشأو، يفيض من حديث إلى فقه، ومن أدب إلى حكاية، ويتعدّى ذلك إلى غرائب المنظومات، ممّا يختصّ بنظمه أولو الشّطارة والحرفة من المغاربة، ويستظهر مطوّلات القصاص، وطوابير الوعّاظ، ومساطير أهل الكدية، في أسلوب وقاح يفضحه الإعراب، حسن الخلق، جمّ الاحتمال، مطرّح الوقار، رافض التّصنّع، متبذّل «2» اللّبسة، رحيب أكناف المرارة لأهل الولايات، يلقي بمعاطنهم البرك، وينوط بهم الوسائل، كثير المشاركة لوصلائه، مخصب على أهل بيته، حدب على بنيه. قدم على الأندلس عام اثنين وعشرين وسبعمائة، فأقام بالجزيرة مقرئا بمسجد الصّواع منها، ومسجد الرّايات، ثم قدم على مالقة وأقرأ بها، ثم قدم على غرناطة عام خمسة وعشرين وسبعمائة، فتعرف على أرباب الأمر، بما نجحت حيلته، وخفّ به موقعه، فلم يعدم صلة، ولا فقد مرفقة، حتى ارتاش وتأثّل بمحل سكناه من مالقة، مدرة مغلّة، وعقارا مفيدا. وطال قعوده لسرد الفقه بمسجدها الجامع، نمير في الركب، مهجور الحلقة، حملا من الخاصّة والعامّة، لتلبّسه بالعرض الأدني. وهو الآن خطيب مسجد القصبة بها، ومحلّه من الشهرة، بالحفظ والاستظهار لفروع الفقه، كبير. مشيخته: قرأ القرآن على الجماعة بالمغرب والأندلس، منهم أبوه، والأستاذ أبو الحسن القيجاطي البلوي، وأبو إسحاق الحريري، وأبو الحسن بن سليمان، وأبو عبد الله بن أجروم. وقرأ الفقه على أبي زيد الجزولي، وعبد الرحمن بن عفّان، وأبي الحسن الصغير، وعبد المؤمن الجاناتي، وقرأ الكتاب بين يديه مدة، ثم عزله، ولذلك حكاية. حدّثني الشيخ أبو عبد الله الكرسوطي، المترجم به، قال: قرأت بين يديه، في قول أبي سعيد في التهذيب، والدّجاج والأوز المخلات، فقال: انظر، هل يقال الدّجاج أو الجدّاد، لغة القرآن أفصح، قال الله تعالى: وجدد بيض، وحمر مختلف ألوانها، وغرابيب سود. فأزرى به، ونقل إليه إزاره، فعزله. وقعد بعد ذلك للإقراء بفاس، كذا حدث. وأخذ عن أبي إسحاق الزناتي، وعن خلف الله المجاصي، وأبي عبد الله بن عبد الرحمن الجزولي، وأبي الحسين المزدغي، وأبي الفضل ابنه، وأبي العبّاس بن راشد العمراني، وأبي عبد الله بن رشيد. وروى الحديث بسبتة عن أبي عبد الله الغماري، وأبي عبد الله بن هاني، وذاكر أبا الحسن بن وشّاش. وبمالقة عن الخطيب الصالح الطّنجالي، وأبي عمرو بن منظور. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 99 وبغرناطة عن أبي الحسن القيجاطي، وأبي إسحاق بن أبي العاص. وببلّش عن أبي جعفر الزيات. تواليفه: منها «1» «الغرر في تكميل الطّرر» ، طرر أبي إبراهيم الأعرج. ثم «2» «الدّرر في اختصار الطّرر» المذكور. وتقييدان على الرسالة، كبير وصغير. ولخّص «التهذيب» لابن بشير، وحذف أسانيد المصنّفات الثلاثة، البخاري، والترمذي، ومسلم «3» ، والتزم إسقاط التكرار، واستدراك «4» الصّحاح الواقعة في التهذيب «5» على مسلم والبخاري. وقيّد على مختصر الطّليطلي، وشرع في تقييد على قواعد الإمام أبي الفضل عياض بن موسى «6» بن عياض، برسم ولدي، أسعده الله. شعره: أنشدني، وأنا أحاول بمالقة لوث «7» العمامة، وأستعين بالغير على إصلاح العمل، وإحكام اللّياثة «8» : [الكامل] أمعمّما قمرا تكامل حسنه ... أربى على الشمس المنيرة في البها لا تلتمس ممّن لديك زيادة ... فالبدر لا يمتار من نور السّها ويصدر منه الشعر مصدّرا، لا تكنفه العناية. محنته: أسر ببحر الزّقاق «9» ، قادما على الأندلس في جملة من الفضلاء، منهم والده. واستقرّ بطريف «10» عام ستة وعشرين وسبعمائة، ولقي بها شدّة ونكالا، ثم سرّح والده، لمحاولة فكاك نفسه، وفكّ ابنه، ويسّر الله عليه، فتخلّصا من تلك المحنة في سبيل كدية، وأفلت من بين أنياب مشقّة. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 100 بعض أخباره: قال: لقيت الشيخ وليّ الله أبا يعقوب بساحل بادس «1» ، قاصدا الأخذ عنه، والتّبرّك به، ولم يكن رآني قط، وألفيت بين يديه عند دخولي عليه، رجلا يقرأ عليه القرآن، فلمّا فرغ أراد أن يقرأ عليه أسطرا من الرّسالة، فقال له: اقرأها على هذا الفقيه، وأشار إليّ، ورأيت في عرصة له أصول خصّ، فتمنيت الأكل منها، وكان ربّاعها غير حاضر، فقام عن سرعة، واقتلع منها أصولا ثلاثة، ودفعها إليّ، وقال: كل. فقلت في نفسي، تصرف في الخضرة قبل حضور ربّاعها، فقال لي: إذا أردت الأكل من هذه الخضرة، فكل من هذا القسم، فإنّه لي. قلت: وخبرت من اضطلاع هذا المترجم به بعبارة الرّؤيا ما قضيت منه العجب في غير ما شيء جرّبته. وهو الآن بحاله الموصوفة. وأصابه لهذا العهد جلاء عن وطنه؛ لتوفر الحمل عليه من الخاصّ والعامّ، بما طال به نكده. ثم آلت حاله إلى بعض صلاح، والله يتولّاه. مولده: بمدينة فاس عام تسعين وستمائة. محمد بن عبد المنعم الصّنهاجي الحميري «2» يكنى أبا عبد الله، ويعرف بابن عبد المنعم، من أهل سبتة، الأستاذ الحافظ. حاله: من «العائد» : كان، رحمه الله، رجل صدق، طيّب اللهجة، سليم الصدر، تام الرّجولة، صالحا، عابدا، كثير القرب والأوراد في آخر حاله، صادق اللسان. قرأ كثيرا، وسنّه تنيف على سبع وعشرين، ففات أهل الدّؤب والسّابقة، وكان من صدور الحفّاظ، لم يستظهر أحد في زمانه من اللّغة ما استظهره، فكاد يستظهر كتاب التّاج للجوهري وغيره، آية تتلى، ومثلا يضرب، قائما على كتاب سيبويه، يسرده بلفظه. اختبره الفاسيون في ذلك غير ما مرة. طبقة في الشطرنج، يلعبها محجوبا، مشاركا في الأصول، آخذا في العلوم العقلية، مع الملازمة للسّنّة، يعرب أبدا كلامه ويزينه. مشيخته: أخذ ببلده عن الأستاذ أبي إسحاق الغافقي، ولازم أبا القاسم بن الشّاط وانتفع به وبغيره من العلماء. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 101 دخوله غرناطة: قدم غرناطة مع الوفد من أهل بلده عندما صارت إلى إيالة الملوك من بني نصر، لما وصلوا بالبيعة. وفاته: كان من الوفد الذين استأصلهم الموتان عند منصرفهم عن باب السلطان ملك المغرب، بأحواز تيزى «1» ، حسبما وقع التّنبيه على بعضهم. محمد بن عمر بن محمد بن عمر بن محمد بن إدريس ابن سعيد بن مسعود بن حسن بن محمد بن عمر ابن رشيد الفهري «2» من أهل سبتة، يكنى أبا عبد الله، ويعرف بابن رشيد. حاله: من «عائد الصلة» : الخطيب المحدّث، المتبحّر في علوم الرّواية والإسناد. كان، رحمه الله، فريد دهره عدالة وجلالة، وحفظا وأدبا، وسمتا وهديا، واسع الأسمعة، عالي الإسناد، صحيح النّقل، أصيل الضّبط، تام العناية بصناعة الحديث، قيّما عليها، بصيرا بها، محققا فيها، ذاكرا فيها الرجال، جمّاعة للكتب، محافظا على الطّريقة، مضطلعا بغيرها من العربية واللغة والعروض، فقيها أصيل النّظر، ذاكرا للتفسير، ريّان من الأدب، حافظا للأخبار والتواريخ، مشاركا في الأصلين، عارفا بالقراءات، عظيم الوقار والسّكينة، بارع الخطّ، حسن الخلق، كثير التّواضع، رقيق الوجه، متجمّلا، كلف الخاصة والعامّة، مبذول الجاه والشّفاعة، كهفا لأصناف الطّلبة. قدم على غرناطة في وزارة صديقه، ورفيق طريقه، في حجّه وتشريقه، أبي عبد الله بن الحكيم، فلقي برّا، وتقدّم للخطابة بالمسجد الأعظم، ونفع الله لديه بشفاعته المبذولة طائفة من خلقه، وانصرف إثر مقتله إلى العدوة، فاستقرّ بمدينة فاس، معظّما عند الملوك والخاصّة، معروف القدر عندهم. مشيخته: قرأ ببلده سبتة على الأستاذ إمام النّحاة أبي الحسن بن أبي الربيع كتاب سيبويه. وقيّد على ذلك تقييدا مفيدا، وأخذ عنه القراءات. وأخذ أيضا عن الأستاذ أبي الحسن بن الخطّار. ورحل من بلده سبتة لأداء الفريضة. حجّ ولقي الجزء: 3 ¦ الصفحة: 102 المشايخ عام ثمانية وثمانين وستمائة، فوافى في طريقه الحاجّ المحدّث الرّاوية، ذا الوزارتين بعد، أبا عبد الله الحكيم، وأخذ عن الجلّة الذين يشقّ إحصاؤهم، فممّن لقي بإفريقية الرّاوية العدل أبا محمد عبد الله بن هارون، يروي عن ابن بقيّ، والأديب المتبحّر أبا الحسن حازم بن محمد القرطاجنّي. وروى بالمشرق عن العدد الكثير كالإمام جار الله أبي اليمن بن عساكر، لقيه بباب الصّفا تجاه الكعبة المعظّمة، وهو موضع جلوسه للسّماع، غرّة شوال عام أربعة وثمانين وستمائة، وعن غيره، كأبي العزّ عبد الرحمن بن عبد المنعم بن علي بن نصر بن منظور بن هبة الله، وغيرهم ممن ثبت في اسم مرافقة في السّماع والرّحلة أبي عبد الله بن الحكيم، رحمه الله، فلينظر هنالك. تواليفه: ألّف فوائد رحلته في كتاب سمّاه «ملء العيبة، فيما جمع بطول الغيبة، في الوجهتين «1» الكريمتين إلى مكّة وطيبة» . قال شيخنا أبو بكر بن شبرين: وقفت على مسوّدته، ورأيت فيه فنونا وضروبا من الفوائد العلمية والتاريخ، وطرفا من الأخبار الحسان، والمسندات العوالي والأناشيد. وهو ديوان كبير، ولم يسبق إلى مثله. قلت: ورأيت شيئا من مختصره بسبتة. دخوله غرناطة: ورد على الأندلس في عام اثنين وتسعين وستمائة، فعقد مجالس للخاصّ والعام، يقرئ بها فنونا من العلم. وتقدّم خطيبا وإماما بالمسجد الأعظم منها. حدّثني بعض شيوخنا، قال: قعد يوما على المنبر، وظنّ أن المؤذّن الثالث قد فرغ، فقام يخطب والمؤذّن قد رفع صوته بآذانه، فاستعظم ذلك بعض الحاضرين، وهمّ آخر بإشعاره وتنبيهه، وكلّمه آخر، فلم يثنه ذلك عمّا شرع فيه، وقال بديهة: أيها الناس، رحمكم الله، إنّ الواجب لا يبطله المندوب، وأن الأذان الذي بعد الأوّل غير مشروع الوجوب، فتأهّبوا لطلب العلم، وانتبهوا، وتذكّروا قوله، عزّ وجلّ: وما أتاكم الرّسول فخذوه، وما نهاكم عنه فانتهوا، وقد روّينا عنه صلّى الله عليه وسلّم، أنه قال: من قال لأخيه والإمام يخطب، اصمت، فقد لغا، ومن لغا فلا جمعة له. جعلنا الله وإيّاكم ممّن علم فعمل، وعمل فقبل، وأخلص فتخلّص. وكان ذلك مما استدلّ به على قوّة جنانه، وانقياد لسانه لبيانه. شعره: وله شعر يتكلفه، إذ كان لا يزن أعاريضه إلّا بميزان العروض، فمن ذلك ما حدّث به، قال: لما حللت بدمشق، ودخلت دار الحديث الأشرفيّة، برسم رؤية النّعل الكريمة، نعل المصطفى، صلوات الله عليه، ولثمتها، حضرتني هذه الجزء: 3 ¦ الصفحة: 103 الأبيات: [الطويل] هنيئا لعيني أن رأت نعل أحمد ... فيا سعد، جدّي قد ظفرت بأسعد وقبّلتها أشفي الغليل فزادني ... فيا عجبا زاد الظّما عند مورد فلله ذاك اللّثم فهو ألذّ من ... لمى شفة لميا وخدّ مورّد ولله ذاك اليوم عيدا ومعلما ... بتاريخه أرّخت مولد أسعد عليه صلاة نشرها طيّب كما ... يحبّ ويرضى ربّنا لمحمّد وقال: وقلت في موسم عام ستة وثمانين وستمائة، بثغر سبتة حرسها الله تعالى: [الطويل] أقول إذا هبّ النّسيم المعطّر ... لعلّ بشيرا باللقاء يبشّر وعالي الصّبا مرّت على ربع جيرتي ... فعن طيبهم عرف النّسيم يعبّر وأذكر أوقاتي بسلمى وبالحمى ... فتذكو لظى في أضلعي حين أذكر ربوع يودّ المسك طيب ترابها ... ويهوى حصى فيها عقيق وجوهر بها جيرة لا يخفرون بذمّة ... هم لمواليهم جمال ومفخر إذا ما اجتلت زهر النجوم جمالهم ... تغار لباهي نورهم فتغوّر ومن جود جدواهم يرى اللّيث يعمر ... ومن خوف عدواهم يرى الليث «1» يذعر ومن سيب يمناهم يرى الرّوض يزهر ... ومن فيض نعماهم يرى البحر يزخر رعى الله عهدا بالمصلّى عهدته ... وروض المنى غضّ يرقّ وينضر زمانا نعمنا فيه والظلّ وارف ... بجنّات عدن تحتها العذب يخضر ولله أيام المصلّى وطيبها ... وأنفسنا بالقرب والأنس تجبر بحيث يرى بدر الكمال وشمسه ... وروضته فردوس حوض «2» ومنبر أروم دنوّا من بهاء جمالها ... ولثما فتأبى هيبة وتوقّر خضعت وذلّي للحبيب تعزّز ... فطرفي مغضوض وخدّي معفّر ووجه سروري سافر متهلّل ... وحالي بهم حلّ «3» وعيشي أخضر فطوبى لمن أضحى بطيبة ثاويا ... يجرّ بأذيال «4» الفخار وينشر الجزء: 3 ¦ الصفحة: 104 وإذ فات عيني أن تراهم فردّدوا ... على مسمعي ذكر المصلّى وكرّروا وردت فيا طيب الورود بطيبة ... صدرت فواحزني فلا كان مصدر رماني زماني بالفراق فغرّني ... على مثل من فارقت عزّ التّصبّر وأضمرت أشجاني ودمعي مظهّر ... وأسررت هجراني وحالي تخبّر فمن أدمعي ماء يفيض ويهمر ... ومن أضلعي نار تفور وتسعر فجسمي مصفرّ وفودي أبيض ... وعيشي مغبرّ ودمعي أحمر وحين دنا التّوديع ممّن أحبّه ... وحان الذي ما زلت منه أحذّر ونادى صحابي بالرّحيل وأزمعوا ... وسارت مطاياهم وظلت أقهقر وألوى إليه الجيد حتى وجعته ... وظلّ فؤادي لوعة يتفطّر وقفت لأقضي زفرة وصبابة ... ولا أنثني فالموت أجدى وأجدر ولو أنّني بعت الحياة بنظرة ... لأبّت وحظّي فيه أوفى وأوفر وما باختياري إنما قدر جرى ... رضيت بما يقضي الإله ويقدر حنيني إلى مغنى الجمال مواصل ... وشوقي إلى معنى الجمال موفّر وغير جميل أن يرى عن جمالها ... فؤادي صبورا والمسير ميسّر أيصبر ظمآن يغال بغلّة ... وفي روضة الرّضوان شهد وكوثر؟ فيا عينها الزّرقاء إنّ عيونها ... من الحزن فيض بالنّجيع تفجّر سأقطع ليلي بالسّرى أو أزورها ... وأحمي الكرى عينا لبعدك يظهر وأنضي المطايا أو أوافي ربعها ... فتنجدني طورا وطورا تغوّر حظرت على نفسي الحذار من الرّدى ... أتحذر نفس الحبيب تسيّر؟ أينكر تغرير المشوق بنفسه ... وقد علموا أنّ المحبّ مغرّر؟ وقفت على فتوى المحبّين كلّهم ... فلم أجد التّغرير في الوصل ينكر وإني إذا ما خطرة خطرت قضت ... بهمّي وعزمي همّة لا تؤطّر أقيم فألفي بين عينيّ همّتي ... وسيري في سبل العلا ليس ينكر إذا ما بدت للعين أعلام طيبة ... ولاحت قباب كالكواكب تزهر وللقبّة الزّهراء سمك سما علا ... وراق سنى كالشمس بل هو أزهر لها منظر قيد النّواظر والنّهى ... لها ساكن من نوره البدر يبدر الجزء: 3 ¦ الصفحة: 105 فأعرجوا «1» على أهل «2» الكمال وسلّموا ... سلمتم وبلّغتم مناكم فأبشروا بنفسي لا بالمال أرضى بشارة ... إذا لاح نور في سناها مبشّر وما قدر نفسي أن تكون كفاء «3» ... ولكنها جهد المقلّ فأعذر أقول إذا أوفيت أكرم مرسل ... قراي عليكم أنّ ذنبي يغفر وأحظى بتقريب الجوار مكرّما ... وأصفح عن جور البعاد وأعذر وأرتع في ظلّ الجنان منعّما ... وأمني بقرب من حماك وأجبر هناك هناك القرب فانعم بنيله ... بحيث ثوى جسم كريم مطهّر ودع عنك تطواف البلاد وخيّم «4» ... بطيبة طابت فهي مسك وعنبر فخرت بمدحي للنّبيّ محمد ... ومن مدحه المدّاح يزهى ويفخر أطلت وإنّي في المديح مقصّر ... فكلّ طويل في معاليك يقصر ما بلغت كفّ امرئ متناول ... بها المجد إلّا والذي نلت أكبر وما بلغ المهدون في القول مدحة ... وإن أطنبوا إلّا الذي فيك أفخر عليك صلاة الله ما مرّ سبق ... إليك وما هبّ النّسيم المعطّر وقال يرثي ابنا نجيبا ثكله بغرناطة: [الطويل] شباب ثوى شابت عليه المفارق ... وغصن ذوى تاقت إليه الحدائق على حين راق النّاظرين بسوقه ... رمته سهام للعيون رواشق فما أخطأت منه الفؤاد بعمدها ... فلا أبصرت تلك العيون الرّوانق وحين تدانى للكمال هلاله ... ألمّ به نقص وجدّت مواحق إلى الله أشكو فهو يشكى نوازعا ... عظاما سطاها للعظام عوارق ولا مثل فقدان البنيّ فجيعة ... وإن طال ما لجّت وجلّت بوائق محمد إنّ الصّبر صبر وعلقم ... على أنه حلو المثوبة سابق فإن جزعا فالله للعبد عاذر ... وإن جلدا فالوعد لله صادق وتالله ما لي بعد عيشك لذّة ... ولا راقني مرأى لعيني رائق الجزء: 3 ¦ الصفحة: 106 فأني به والمذكرات عديدة ... فنبل وهمّ للعوائد خارق فإن ألتفت «1» فالشخص للعين ماثل ... وإن أستمع فالصّوت للأذن طارق وإن أدع شخصا باسمه لضرورة ... فإنّ أسمك المحبوب للنّطق سابق وإن تقرع الأبواب راحة قارع ... يطر «2» عندها قلب لذكرك خافق وكلّ كتاب قد حويت فمذكر ... وآثاره كلّ إليك توائق سبقت كهولا «3» في الطّفولة لا تني ... وأرهقت أشياخا وأنت مراهق فلو لم يغلك الموت دمت مجلّيا ... وأقبل سكّيتا وجيئا «4» ولا حق على مهل أحرزت ما شئت ثانيا ... عنانك لا تجهد وأنت مسابق رأتك المنايا سابقا فأغرتها ... فجدّ طلابا إنّهن لواحق لئن سلبت منّي نفيس ذخائر ... فإنّي بمذخور الأجور لواثق وقد كان ظنّي أنّني لك سابق ... فقد صار علمي أنّني بك لاحق غريبين كنّا فرّق البين بيننا ... فأبرح ما يلقى الغريب المفارق فبين وبعد بالغريب توكّلا ... قد رعى بما حملت والله ضائق «5» عسى وطن يدنو فتدنو له «6» منى ... وأيّ الأماني والخطوب عوائق؟ فلولا الأسى ذاب الفؤاد من الأسى ... ولولا البكا لم يحمل الحزن طائق فخطّ الأسى خطّا تروق سطوره ... وتمحو البكا فالدّمع ماح وساحق فيا واحدا قد كان للعين نورها ... عليك ضياء «7» بعد بعدك غاسق عليك سلام الله ما جنّ ساجع ... وما طلعت شمس وما ذرّ شارق وما همعت سحب غواد روائح ... وما لمعت تحدو الرّعود بوارق وجاد على مثواك غيث مروّض ... عباد «8» لرضوان الإله موافق الجزء: 3 ¦ الصفحة: 107 محنته: تعرّض إليه قوم يوم قتل صديقه أبي عبد الله الحكيم بإذاءة قبيحة، وأسمع كل شارق من القول على ألسنة زعانفة فجّر وترهم القتيل، فتخلّص ولا تسل كيف، وأزمع الرّحيل فلم يلبث بعد ذلك. وفاته: كانت وفاته بمدينة فاس، في اليوم الثامن من شهر المحرم مفتتح عام أحد وعشرين وسبعمائة. ودفن في الجبانة التي بخارج باب الفتوح بالرّوضة المعروفة بمطرح الجنّة، التي اشتملت على العلماء والصلحاء والفضلاء، من الغرباء الواردين مدينة فاس، وكان مولده بسبتة عام سبعة وخمسين وستمائة. محمد بن علي بن هاني اللّخمي السّبتي «1» يكنى أبا عبد الله، ويعرف باسم جدّه، أصلهم من إشبيلية. حاله: كان، رحمه الله، فريد دهره في سموّ الهمّة، وإيثار الاقتصاد والتّحلّي بالقناعة، وشموخ الأنف على أهل الرّئاسة، مقتصرا على فائدة ربع له ببلده، يتبلّغ مع الاستقامة، مع الصّبر والعمل على حفظ المروءة، وصون ماء الوجه، إماما في علم العربيّة، مبرّزا متقدّما فيه، حافظا للأقوال، مستوعبا لطريق الخلاف، مستحضرا لحجج التّوجيه، لا يشقّ في ذلك غباره، ريّان من الأدب، بارع الخطّ، سهل مقادة الكلام، مشاركا في الأصلين، قائما على القراءات، حسن المجلس، رائق البزّة، بارع المحاضرة، فائق التّرسّل، متوسط النّظم، كثير الاجتهاد والعكوف، مليح الخلق، ظاهر الخشوع، قريب الدّمعة، بيته شهير الحسب والجلالة. وجرى ذكره في «الإكليل الزاهر» بما نصّه «2» : علم تشير إليه الأكفّ «3» ، ويعمل إلى لقائه الحافر والخفّ «4» ، رفع للعربيّة ببلده راية لا تتأخّر، ومرج منها لجّة تزخر، فانفسح مجال درسه، وأثمرت أدواح غرسه، فركض بما «5» شاء وبرّح، ودوّن وشرح، إلى شمائل تملّك «6» الظّرف زمامها، ودعابة راشت الحلاوة سهامها. ولمّا أخذ المسلمون في منازلة الجبل «7» وحصاره، وأصابوا الكفر منه بجارحة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 108 أبصاره، ورموا بالثّكل فيه نازح أمصاره، كان ممّن انتدب وتطوّع، وسمع النّداء فأهطع «1» ، فلازمه إلى أن نفد لأهله القوت، وبلغ من فسحة «2» الأجل الموقوت، فأقام الصّلاة بمحرابه، وقد «3» غيّر محيّاه طول اغترابه، وبادره الطّاغية قبل أن يستقرّ نصل الإسلام في قرابه «4» ، أو يعلق أصل الدّين في ترابه. وانتدب إلى الحصار به وتبرّع، ودعاه أجله فلبّى وأسرع. ولمّا هدر عليه الفنيق «5» ، وركعت إلى قبلته المجانيق «6» ، أصيب بحجر دوّم عليه كالجارح المحلّق، وانقضّ إليه انقضاض البارق المتألّق، فاقتنصه واختطفه، وعمد إلى زهره فقطفه «7» ، فمضى إلى الله طوع نيّته، وصحبته غرابة المنازع حتى في منيّته «8» . مشيخته: قرأ على الأستاذ العلّامة أبي إسحاق الغافقي، وعلى الأستاذ النحوي أبي بكر بن عبيدة، واعتمد عليه، وقرأ على الإمام الصالح أبي عبد الله بن حريث. تواليفه: ألّف «9» كتبا، منها «10» كتاب «شرح التّسهيل لابن مالك» ، وهو أجلّ كتبه، أبدع فيه، وتنافس الناس فيه. ومنها «11» «الغرّة الطّالعة في شعراء المائة السابعة» ، ومنها «12» «إنشاد الضّوّال، وإرشاد السّوّال في لحن العامة» ، وهو كتاب «13» مفيد، و «14» «قوت المقيم» . ودوّن ترسّل «15» رئيس الكتّاب أبي المطرّف بن عميرة وضمّه في سفرين. وله رجز «16» في الفرائض مفيد. شعره: حدّثنا «17» شيخنا القاضي الشّريف، نسيج وحده، أبو القاسم الحسني، قال: خاطبت الأستاذ أبا عبد الله بن هانىء، رحمه الله، بقصيدة من نظمي أولها «18» : الجزء: 3 ¦ الصفحة: 109 [البسيط] هات «1» الحديث عن الرّكب «2» الذي شخصا فأجابني عن ذلك بقصيدة في رويّها «3» : لولا مشيب بفودي للفؤاد عصى ... نضيت «4» في مهمه التّشبيب لي قلصا «5» واستوقفت عبراتي وهي جارية ... وكفاء توهم ربعا للحبيب قصا مسائلا عن لياليه التي انتهزت ... أيدي الأماني بها ما شئته فرصا وكنت جاريت فيها من جرى طلقا ... من الإجادة لم يحجم «6» ولا نكصا أصاب شاكلة المرميّ حين رمى ... من الشّوارد ما لولاه ما اقتنصا ومن أعدّ مكان النّبل نبل حجا ... لم يرض إلّا بأبكار النّهى قنصا ثم انثنى ثانيا عطف النّسيب إلى ... مدح به قد غلا ما كان قد رخصا فظلت أرفل فيها لبسة شرفت ... ذاتا ومنتسبا أعزز به قمصا يقول فيها وقد خولت منحتها ... وجرّع الكاشح المغرى بها غصصا «7» هذي عقائل وافت منك ذا شرف ... لولا أياديه بيع الحمد مرتخصا فقلت: هلّا عكست القول منك له ... ولم يكن قابلا من «8» مدحه الرّخصا؟ وقلت: ذي بكر فكر من أخي شرف ... يردي ويرضي بها الحسّاد والخلّصا لها حلى حسنيّات على حلل ... حسنيّة تستبي من حلّ أو شخصا خوّلتها وقد اعتزّت ملابسها ... بالبخت ينقاد للإنسان ما عوصا «9» خذها أبا قاسم منّي نتيجة ذي ... ودّ إذا شئت ودّا للورى خلصا جاءت تجاوب عمّا قد بعثت به ... إن كنت تأخذ من درّ النحور حصا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 110 وهي طويلة. وممّا ينسب إليه، وهو مليح في معناه «1» : [الكامل] ما للنّوى مدّت لغير ضرورة ... ولقبل ما عهدي بها مقصوره إنّ الخليل وإن دعته ضرورة ... لم يرض ذاك فكيف دون ضروره وقال مضمّنا: [الرمل] لا يلمني عاذلي حتى يرى «2» ... وجه من أهوى فلومي مستحيل لو رأى وجه حبيبي عاذلي ... لتفارقنا على وجه جميل وقال في الفخر: [الكامل] قل للموالي: عش بغبطة حامد ... وللمعادي: بت بضغنة حاسد المزن كفّي والثريّا همّتي ... وذكاء «3» ذكري والسّعود مقاصدي «4» وقال في غير ذلك: [البسيط] غنيت بي دون غيري الدّهر عن مثل ... بعضي لبعضي أضحى يضرب المثلا ظهري انحنى لمشيب لاح وا عجبا ... غضّ إذا أينعت أزهاره ذبلا أذاك «5» أم زهر لاحت تخبّر أن ... يوم الصّبا والتّصابي آنس الطّفلا ومما جمع فيه بين نظمه ونثره، ما راجع به شيخنا القاضي الشريف أبا القاسم الحسني، عن القصيدة الهمزية التي ثبتت في اسمه «6» : [الكامل] يا أوحد الأدباء أو يا أوحد ال ... فضلاء أو يا أوحد الشّرفاء من ذا تراه أحقّ منك إذا التوت ... طرق الحجاج بأن يجيب ندائي «7» أدب أرقّ من الهواء وإن تشا ... فمن الهوا والماء والصّهباء وألذّ من ظلم «8» الحبيب وظلمه ... بالظّاء مفتوحا وضمّ الظّاء ما السّحر إلّا ما تصوغ بنانه ... ولسانه من حلية الإنشاء [والفضل ما حلّيته وحبيته ... وحبوتني منه بخير حباء الجزء: 3 ¦ الصفحة: 111 أبكار فكرك قد زفّت «1» بمدحتي ... تمشي روائعها على استحياء لا من قصور بل لتقصيها ... من حيث لم يظفرن بالإرفاء لكن جبرن وقد جبلن على الرضا ... فالجبر للأبكار للآباء هذا إلى الشّرف الذي قد فزت ... علياءه «2» بالعزّة القعساء شرف السّليل من الرسول وسيلة ... قامت بابن «3» سنا وابن «4» سناء حسن أبو «5» حسن وفاطمة ابنة ال ... هادي البريّة خاتم النّبلاء شرف على شرف إلى شرفين ... من حائز «6» ما حزت من علياء هذي ثلاث أنت واحد فخرها ... فاشمخ لها شرفا بأنف علاء من رام رتبتك السّنيّة فليقف ... دون المرام مواقف الإقصاء هذي مآثر قد شأوت بصيتها ... من كان من آب لها أو شاء واللّيث يرهب زأره في موطن ... ما كان من نقد به أو شاء يكفيك من نكد المعاند أن يرى ... متقلّد الأعضاء بالبغضاء السّنّ يفنى بالأنامل قرعه ... أو عضّه متوقّد الأحشاء أتحفتني بقصيدة همزيّة ... مقصورة ممدودة الآراء كم بين تلك وهذه لكنّها ... غطّى على هذي ذهاب فتائي «7» ذو الشيب يعذره الشّباب فما لهم ... بذكاء «8» نبل أو بنبل ذكاء من قارب الخمسين خطوا سنّه ... فمحاله مستوجب الإبطاء أبنيّ، إنك أنت أسدى من به ... يتعاظم الآباء بالأبناء] «9» لله نفثة سحر ما قد شدت لي ... من نفث سحرك في مشاد ثناء عارضت صفوانا بها فأريت ما ... يستعظم الرّاوي له والرّائي «10» لو راء لؤلؤك المنظّم لم يفز ... في «11» نظم لؤلؤه بغير عناء الجزء: 3 ¦ الصفحة: 112 بوّأتني منها أجلّ مبوّإ ... فلأخمصي مستوطن «1» الجوزاء وسما بها اسمي سائرا «2» فأنا بما ... أسديت ذو الأسماء في الأسماء وأشدت ذكري في البلاد فلي بها ... طول الثّناء وإن أطلت ثوائي «3» ولقومي الفخر المشيد بنيته ... يا حسن «4» تشييد وحسن بناء فليهن هانيهم يد بيضاء ما ... إن مثلها لك من يد بيضاء حلّيت أبياتا لهم «5» لخميّة ... تجلى على «6» مضريّة غرّاء فليشمخوا أنفا بما أوليتهم ... يا محرز الآلاء بالإيلاء هذا «7» ، بنيّ، وصل الله سبحانه «8» لك ولي بك علوّ المقدار، وأجرى وفق أو فوق إرادتك أو» إرادتي لك جاريات الأقدار! ما سمح «10» به الذهن الكليل، واللسان الفليل، في مراجعة قصيدتك الغرّاء، الجالية السّراء «11» ، الآخذة بمجامع القلوب، الآتية «12» بجوامع المطلوب، الحسنة المهيع «13» والأسلوب، المتحلّية بالحلى السّنيّة «14» ، العريقة المنتسب في العلى الحسنيّة، الجالية صدأ «15» قلوب ران عليها الكسل، وخانها المسعدان السّؤل والأمل، فمتى حامت المعاني حولها، ولو أقامت حولها، شكت ويلها وعولها، وحرمت من فريضة الفضيلة عولها، وعهدي بها والزمان زمان، وأحكامه «16» الماضية أمانيّ مقضيّة وأمان، تتوارد ألّافها، ويجمع إجماعها وخلافها، ويساعدها من الألفاظ كلّ سهل ممتع، مفترق مجمع «17» ، مستأنس غريب، بعيد الغور قريب، فاضح الحلا، واضح العلا، وضّاح الغرّة والجبين، رافع عمود الصبح المبين، أيّد من الفصاحة بأياد، فلم يحفل بصاحبي طيّ وإياد، وكسي الجزء: 3 ¦ الصفحة: 113 بضاعة «1» البلاغة، فلم يعبأ بهمّام وابن المراغة «2» . شفاء المحزون، وعلم السّرّ «3» المخزون، ما بين منثوره والموزون. والآن لا ملهج ولا مبهج، ولا مرشد ولا منهج، عكست القضايا فلم تنتج، فتبلّد القلب الذّكي، ولم يرشح القليب البكي «4» ، وعمّ الإفحام، وغمّ الإحجام، وتمكّن الإكداء والإجبال، وكوّرت الشّمس وسيّرت الجبال، وعلت سآمة، وغلبت ندامة، وارتفعت ملامة، وقامت لنوعي الأدب قيامة. حتى إذا ورد ذلك المهرق، وفرّع غصنه المورق، تغنّى «5» به الحمام الأورق، وأحاط بعداد عداته الغصص والشّرق، وأمن من الغصب والسّرق، وأقبل الأمن وذهب بإقباله الفرق، نفخ في صور أهل المنظوم والمنثور، وبعثر ما في القبور، وحصّل ما في الصدور، وتراءت للأدب صور، وعمرت للبلاغة كور، وهمت لليراعة درر، ونظمت للبراعة درر، وعندها يتبيّن «6» أنك واحد حلبة البيان، والسّابق في ذلك الميدان، يوم الرّهان، فكان لك القدم، وأقرّ لك مع التأخر السّابق الأقدم، فوحقّ نصاعة ألفاظ أجدتها، حين أوردتها، وأسلتها حين أرسلتها، وأزنتها حين وزنتها، وبراعة معان سلكتها حين ملكتها، وأرويتها حين روّأتها «7» وأرويتها، وأصلتها حين فصّلتها ووصلتها «8» ، ونظام جعلته لجسد «9» البيان قلبا، ولمعصمه قلبا «10» ، وهصرت حدائقه غلبا، وارتكبت رويّه «11» صعبا، ونثار «12» أتبعته له خديما، وصيّرته لمدير كأسه نديما، ولحفظ «13» ذمامه المداميّ أو مدامه الذّماميّ مديما، لقد فتنتني حين أتتني، وسبتني حين نصبتني «14» ، فذهبت خفّتها بوقاري، ولم يرعها بعد شيب عذاري، بل دعت للتّصابي فقلت مرحبا، وحللت لفتنتها الحبا، ولم أحفل بشيب، وألفيت ما ردّ نصابي نصيب «15» ، وإن كنّا فرسي رهان، وسابقي حلبة ميدان، غير أنّ الجلدة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 114 بيضاء، والمرجوّ الإغضاء، بل الإرضاء. بنيّ، كيف رأيت للبيان هذا الطّوع، والخروج فيه من نوع إلى نوع؟ أين صفوان بن إدريس، ومحلّ دعواه بين رحلة وتعريس «1» ؟ كم بين ثغاء بقر «2» هذا الفلا، وبين زئير ليث العريس؟ كما أني أقطع «3» علما، وأعلم قطعا، وأحكم مضاء وأمضى حكما، أنه لو نظر إلى قصيدتك الرّائقة، وفريدتك الحالية الفائقة، المعارضة بها قصيدته، المنتسخة بها فريدته، لذهب عرضا وطولا، ثم اعتقد لك اليد الطّولى، وأقرّ بارتفاع «4» النّزاع، وذهبت له تلك العلالات «5» والأطماع، ونسي كلمته اللّؤلؤية، ورجع عن دعواه الأدبيّة، واستغفر الله ربّه من تلك الإلهية «6» . بنيّ، وهذا من ذلك، من الجري في تلك المسالك، والتّبسّط في تلك المآخذ والمتارك، أينزع غيري هذا المنزع؟ أم المرء بشعره «7» وابنه مولع؟ حيّا الله الأدب وبنيه، وأعاد علينا من أيّامه وسنيه! ما أعلى منازعه، وأكبا منازعه، وأجلّ مآخذه، وأجهل تاركه وأعلم آخذه، وأرقّ طباعه، وأحقّ أشياعه وأتباعه، وأبعد طريقه، وأسعد فريقه، وأقوم نهجه، وأوثق نسجه، وأسمح ألفاظه، وأفصح عكاظه، وأصدق معانيه وألفاظه، وأحمد نظامه ونثاره، وأغنى شعاره ودثاره، فعائبه مطرود، وعاتبه مصفود، وجاهله محصود، وعالمه محسود، غير أن الإحسان فيه قليل، ولطريق الإصابة فيه علم ودليل، من ظفر بهما وصل، وعلى الغاية القصوى منهما «8» حصل، ومن نكب عن الطريق، لم يعدّ من ذلك الفريق، فليهنك أيها الابن الذّكيّ، البرّ الزّكيّ، الحبيب الحفيّ «9» ، الصّفيّ الوفيّ، أنك حامل رايته، وواصل غايته، ليس أوّلوه وآخروه لذلك بمنكرين، ولا تجد أكثرهم شاكرين. ولولا أن يطول الكتاب، وينحرف الشّعراء والكتّاب، لفاضت ينابيع هذا الفصل «10» فيضا، وخرجت إلى نوع آخر من البلاغة أيضا، قرّت عيون أودّائك «11» ، وملئت غيظا صدور أعدائك، ورقيت درج الآمال، ووقيت عين الكمال، وحفظ منصبك العالي، بفضل ربّك الكبير المتعالي. والسلام الجزء: 3 ¦ الصفحة: 115 الأتم «1» الأكمل الأعمّ، يخصّك به من طال في مدحه إرقالك وإغذاذك «2» ، وراد روض حمده «3» طلّك ورذاذك، وغدت مصالح سعيه في سعي مصالحك، وسينفعك بحول الله وقوته وفضله ومنّته معاذك، ووسمت نفسك بتلميذه فسمت نفسه بأنه أستاذك، ابن هانىء، ورحمة الله وبركاته. دخوله غرناطة: دخل غرناطة مع الوفد من أهل بلده عند تصيّرها إلى الإيالة النّصرية، حسبما ثبت في موضعه. وفاته: توفي بجبل الفتح، والعدوّ يحاصره، أصابه حجر المنجنيق في رأسه، فذهب به، تقبّل الله شهادته ونفعه، في أواخر ذي قعدة، من عام ثلاثة وثلاثين وسبعمائة «4» . وممّن رثاه قاضي الجماعة شيخنا القاضي أبو القاسم الحسني، وهي القصيدة التي أولها «5» : [الطويل] سقى الله بالخضراء أشلاء سؤدد ... تضمّنهنّ التّرب صوب الغمائم وقد ثبت في «جهد المقل» في اسم المذكور، فلينظر هنالك. وممّن رثاه شيخنا القاضي أبو بكر بن شبرين، رحمه الله بقوله «6» : [مجزوء الكامل] قد كان ما قال اليزيد «7» ... فاصبر فحزنك لا يفيد أودى ابن هانىء الوضا ... فاعتادني للثّكل عيد بحر العلوم وصدرها ... وعميدها إذ لا عميد قد كان زينا للوجو ... د ففيه قد فجع الوجود العلم والتّحقيق والت ... وفيق والحسب التّليد تندى خلائقه فقل ... فيها: هي الرّوض المجود الجزء: 3 ¦ الصفحة: 116 مغض عن الإخوان لا ... جهم اللقاء ولا كنود «1» أودى شهيدا باذلا ... مجهوده نعم الشّهيد لم أنسه حين المعا ... رف باسمه فينا تشيد وله صبوب في طلا ... ب العلم يتلوه صعود لله وقت كان ين ... ظمنا كما نظم الفريد أيام نغدو أو نرو ... ح وسعينا السّعي الحميد وإذا المشيخة جثّم ... هضبات حلم لا تبيد «2» ومرادنا جمّ النّبا ... ت وعيشنا خضر برود «3» لهفي على الإخوان وال ... أتراب كلّهم فقيد لو جئت أوطاني لأن ... كرني التّهائم والنّجود ولراع نفسي شيب من ... غادرته وهو الوليد ولطفت ما بين اللّحو ... د وقد تكاثرت اللّحود سرعان ما عاث الحما ... م ونحن أيقاظ هجود كم رمت إعمال المسي ... ر فقيّدت عزمي قيود والآن أخلفت الوعو ... د وأخلقت تلك البرود ما للفتى ما يبتغي ... والله «4» يفعل ما يريد أعلى القديم الملك يا ... ويلاه يعترض العبيد يا بين، قد طال المدى ... أرعد وأبرق يا يزيد «5» ولكل شيء غاية ... ولربما لان الحديد إيه أبا عبد الإل ... هـ ودوننا مرمى بعيد أين الرسائل منك تأ ... تينا كما نظم «6» العقود؟ أين الرّسوم الصالحا ... ت؟ تصرّمت، أين العهود؟ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 117 أنعم مساء لا تخطّت ... ك «1» البشائر والسّعود وأقدم على دار الرّضا ... حيث الإقامة والخلود والق الأحبّة حيث دا ... ر الملك والقصر المشيد حتى الشّهادة لم تفت ... ك فنجمك النّجم السّعيد لا تبعدن وعدا «2» لو أن ... ن الميت «3» في الدنيا يعود ولئن «4» بليت فإنّ ذكر ... ك في الدّنا غضّ جديد تالله لا تنساك أن ... دية العلى ما اخضرّ عود وإذا تسومح في الحقو ... ق فحقّك الحقّ الأكيد جادت صداك غمامة ... يروى «5» بها ذاك الصّعيد وتعهّدتك من المهي ... من رحمة أبدا وجود محمد بن يحيى العبدري من أهل فاس، يكنى أبا عبد الله، ويعرف بالصّدفي. حاله: قال الأستاذ في «صلته» «6» : إمام في العربية، ذاكر للّغات والآداب، متكلم، أصولي مفيد، متفنّن، حافظ، ماهر، عالم، زاهد، ورع، فاضل. أخذ علم العربية والآداب عن النّحوي أبي الحسن بن خروف، وعن النّحوي الأديب الضّابط أبي ذرّ الخشني، وأكثر عنهما، وأكمل الكتاب على ابن خروف، تفقّها وتقييدا وضبطا. وكان حسن الإقراء، جيّد العبارة، متين المعارف والدّين، شديد الورع، متواضعا جليلا، عالما عاملا، من أجلّ من لقيته، وأجمعهم لفنون المعارف، وضروب الأعمال، وكان الحفظ أغلب عليه، وكان سريع القلم إذا كتب أو قيّد، وسمعته يقول: ما سمعت شيئا من أحد من أشياخي، من نكت العلم، وتفسير مشكل، وما يرجع إلى ذلك، إلّا وقيّدته، ولا قيّدت بخطّي شيئا إلّا حفظته، ولا حفظت شيئا فنسيته. هذا ما سمعت منه. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 118 مشيخته: أخذ العربيّة عن الأستاذ أبي الحسن بن خروف، وعن النّحوي الأديب الضّابط أبي ذرّ الخشني، وأكثر عنه، وأخذ معهما عن أبي محمد بن زيدان، ولازم ثلاثتهم، وسمع وقرأ على الفقيه الصالح أبي محمد صالح، وأخذ عن غير من ذكر. دخوله غرناطة: قال: دخل الأندلس مرارا بيسير بضاعة كانت لديه، يتّجر فيها، ودخل إشبيلية، وتردّد آخر عمره إلى غرناطة ومالقة إلى حين وفاته. وفاته: توفي، رحمه الله، شهيدا بمرسى جبل الفتح. دخل عليهم العدوّ فيه، فقاتل حين قتل، وذلك سنة إحدى «1» وخمسين وستمائة. وسمعته يتوسل إلى الله، ويسأله الشهادة. المحدّثون والفقهاء والطلبة النجباء وأولا الأصليون محمد بن أحمد بن إبراهيم بن الزّبير «2» من أهل غرناطة، ولد الأستاذ الكبير أبي جعفر بن الزبير، يكنى أبا عمرو. حاله: هذا «3» الشيخ سكّيت حلبة، ولد أبيه في علوّ النّباهة، إلّا أنه لوذعي فكه، حسن الحديث، رافض للتّصنّع، ركض طرف الشّبيبة في ميدان الراحة، منكبا عن سنن أبيه وقومه، مع شغوف «4» إدراك، وجودة حفظ، كانا يطمعان والده في نجابته، فلم يعدم قادحا. ورحل إلى العدوة، وشرّق ونال حظوة، وجرت عليه خطوب. ثم عاد إلى الأندلس على معروف رسمه يتكوّر بها، وهو الآن قد نال منه الكبر، يزجي الوقت «5» بمالقة، متعلّلا بوقف «6» من بعض الخدم المخزنيّة «7» ، لطف الله به. مشيخته: استجاز له والده الطّم والرّم، من أهل المغرب والمشرق، ووقف عليه منهم في الصّغر وقفا لم يغتبط به عمره، وادّكره الآن بعد أمّة، عندما نقر عنه لديه، فأثرت به يده من علوّ رواية، وتوفّر سبب مبرّة، وداعية إلى إقالة عثرة، وستر الجزء: 3 ¦ الصفحة: 119 هيبة شيبة. فمن ذلك الشيخ الإمام أبو علي ناصر الدين منصور بن أحمد المشدالي، إجازة ثم لقاء وسماعا، والشيخ الخطيب الرّاوية أبو عبد الله بن غريون. وأجازه الأستاذ أبو إسحاق الغافقي، وأبو القاسم بن الشّاط، والشّريف أبو العباس أحمد الحسني، والأستاذ الإمام أبو الحسين عبد الله بن أبي الربيع القرشي، نزيل سبتة. ومحمد بن صالح بن أحمد بن محمد الكتّاني الشّاطبي ببجاية، والإمام أبو اليمن بن عساكر بالمسجد الحرام، وابن دقيق العيد وغيرهم. ومن أهل الأندلس أبو محمد بن أبي السّداد، وأبو جعفر بن الزيات، وأبو عبد الله بن الكمّاد، وأبو عبد الله بن ربيع الأشعري، وأبو عبد الله بن برطال، وأبو محمد عبد المنعم بن سماك، والعدل أبو الحسن بن مستقور. وأجازه من أهل المشرق والمغرب عالم كبير. شعره: وبضاعته فيه مزجاة، فمن ذلك ما خاطبني به عند إيابي من العدوة في غرض الرسالة عن السلطان «1» : [الوافر] نوالي الشّكر للرحمن فرضا ... علم نعم كست طولا وعرضا وكم لله من لطف خفيّ ... لنا منه الذي قد شا «2» وأمضى «3» بمقدمك السّعيد أتت سعود ... ننال «4» بها نعيم الدّهر محضا فيا بشرى لأندلس بما قد ... به والاك بارينا وأرضى ويا لله من سفر سعيد ... قد أقرضت «5» المهيمن فيه قرضا نهضت «6» بنيّة أخلصت فيها ... فأبت «7» بكل ما يبغي ويرضى وثبت لنصرة الإسلام لمّا ... علمت بأنّ الأمر إليك أفضى لقد أحييت بالتّقوى رسوما ... كما أرضيت بالتّمهيد أرضا وقمت بسنّة المختار فينا ... تمهّد سنّة وتقيم فرضا ورضت «8» من العلوم الصّعب حتى ... جنيت ثمارها رطبا وغضّا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 120 فرأيك ناجح «1» فيما تراه ... وعزمك من مواضي الهند أمضى تدبّر أمر مولانا فيلقى ال ... مسيء لديك إشفاقا وإغضا «2» فأعقبنا شفاء «3» وانبساطا ... وقد كانت قلوب الناس مرضى ومن أضحى على ظمإ وأمسى ... يرد إن شاء من نعماك حوضا «4» أبا عبد الإله إليك أشكو ... زماني حين زاد الفقر عضّا «5» ومن نعماك أستجدي لباسا ... يفيض «6» به عليّ الجاه فيضا بقيت مؤمّلا ترجى وتخشى ... ومثلك من إذا ما جاد أرضى وفاته: توفي في التاسع لمحرم من عام خمسة وستين وسبعمائة. محمد بن أحمد بن خلف بن عبد الملك ابن غالب الغسّاني من أهل غرناطة، يكنى أبا أبكر، ويعرف بالقليعي «7» ، أوليته: قد جرى من ذكره وذكر بيته في الطبقات ما فيه كفاية «8» . حاله: كان «9» نبيه البيت، رفيع القدر، عالي الصيت، من أهل العلم والفضل والحسب والدّين، وأجمع على استقضائه أهل بلده بعد أبي محمد بن سمحون سنة ثمان وخمسمائة. وفاته: توفي بغرناطة أوائل صفر عشرة وخمسمائة، ودفن في روضة أبيه. ذكره ابن الصّيرفي وأطنب. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 121 محمد بن أحمد بن محمد الدّوسي «1» من أهل غرناطة، يكنى أبا عبد الله ويعرف بابن قطبة. حاله: من «عائد الصلة» : كان، رحمه الله، شيخ الفقهاء والموثّقين، صدر أرباب الشورى، نسيج وحده في الفضل والتّخلّق والعدالة، طرفا في الخير، محبّبا إلى الكافة، مجبولا على المشاركة، مطبوعا على الفضيلة، كهفا للغرباء والقادمين، مألفا للمتعلمين، ثمالا للأسرى والعانين، تخلّص منهم على يديه أمم؛ لقصد الناس إيّاه بالصّدقة، مقصودا في الشّفاعات، معتمدا بالأمانات، لا يسدل دونه ستر، ولا تحجب عنه حرمة، فقيها حافظا، أخباريا محدّثا ممتعا، متقدما في صناعة التوثيق، حسن المشاركة في غيرها، كثير الحضّ على الصدقة في المحول والأزمات، يقوم في ذلك مقامات حميدة، ينفع الله بها الضعفاء، وينقاد الناس لموعظته، ويؤثّر في القلوب بصدقة. فقد بفقدانه رسم من رسوم البرّ والصّدقة. مشيخته: قرأ على الأستاذ الكبير أبي جعفر بن الزّبير، والخطيب وليّ الله أبي الحسن بن فضيلة، وروى عن الشيخ الوزير المسنّ المحدّث أبي محمد عبد المنعم بن سماك، وأبي القاسم بن السّكوت المالقي، والخطيب أبي عبد الله بن رشيد، والقاضي أبي يحيى بن مسعود، والعدل أبي علي البجلي، وأبي محمد عبد المؤمن الخولاني. وأجازه جماعة من أهل المشرق والمغرب، وناب عن بعض القضاة بغرناطة. ولد عام تسعة وستين وستمائة، وتوفي في الثالث لربيع الأول من عام ثمانية وثلاثين وسبعمائة. وكانت جنازته مشهودة. محمد بن إبراهيم بن عبد الله بن أحمد بن محمد بن يوسف بن روبيل الأنصاري من أهل غرناطة، ويكنى أبا عبد الله، ويعرف بابن السّراج. طليطلي الأصل، طبيب الدار السلطانية. حاله: من «العائد» : كان، رحمه الله، من أهل التّفنّن والمعرفة، متناهي الأبّهة والحظوة، جميل الصورة، مليح المجالسة، كثير الدّعابة والمؤانسة، ذاكرا للأخبار والطّرف، صاحب حظّ من العربية والأدب والتفسير، قارضا للشّعر، حسن الخط، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 122 ظريف الوراقة، طرفا في المعرفة بالعشب، وتمييز أعيان النّبات، سنيّا، محافظا، محبّا في الصالحين، ملازما لهم، معتنيا بأخبارهم، متلمذا لهم. انحاش إلى الولي أبي عبد الله التّونسي، وانقطع إليه مدة حياته، ودوّن أحواله وكراماته. وعيّن ريع ما يستفيده في الطّبّ صدقة على يديه، أجرى ذلك بعد موته لبنيه. ونال حظا عريضا من جاه السلطان، فاطّرح حظّ نفسه مع المساكين والمحتاجين، فكان على بأوه على أهل الدنيا، يؤثر ذوي الحاجة، ويخفّ إلى زيارتهم، ويرفدهم، ويعينهم على معالجة عللهم. مشيخته: قرأ الطّبّ على الشيخ الطبيب، نسج وحده أبي جعفر الكزني، رئيس الصناعة في وقته، ولقي فيه الأستاذ إمام التّعاليم والمعارف أبا عبد الله الرّقوطي المرسي وغيره. وقرأ القرآن على المقرئ الشهير أبي جعفر الطبّاع بالروايات السّبع، والعربية على الأستاذ أبي الحسن بن الصائغ الإشبيلي، وأكثر القراءة على شيخ الجماعة العلّامة أبي جعفر بن الزّبير. تواليفه: ألّف كتبا كثيرة، منها في النّبات والرؤيا، ومنها كتاب سمّاه، «السّرّ المذاع، في تفضيل غرناطة على كثير من البقاع» . شعره: من ذلك قوله ملغّزا في المطر: [الطويل] وما زائر مهما أتى ابتهجت به ... نفوس وعمّ الخلق جودا وإحسانا يقيم فيشكو الخلق منه مقامه ... ويكربهم طرّا إذا عنهم بانا يسرّ إذا وافى ويكرب إن نأى ... ويكره منه الوصل إن زار أحيانا وأعجب شيء هجر حبّ مواصل ... به لم «1» يطل هواه إن لم يطل خانا محنته: ذكر أنه لما توفي السلطان ثاني الملوك من بني نصر «2» فجأة، وهو يصلّي المغرب، وباكر الطبيب بابه غداة ليلة موته، سأل عن الطعام القريب عهد موته بتناوله، فأخبر أنّه تناول كعكا وصله من وليّ عهده، فقال كلاما أوجب نكبته، فامتحن بالسّجن الطويل، والتمست الأسباب الموصلة إلى هلاكه، ثم أجلي إلى العدوة. ثم دالت الأيام، فعاد إلى وطنه مستأنفا ما عهده من البرّ وفقده من التّجلّة. ميلاده: بغرناطة عام أربعة وخمسين وستمائة. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 123 وفاته: ليلة الخميس التاسع من شهر ربيع الأول من عام ثلاثين وسبعمائة. محمد بن إبراهيم بن عبد الله بن أبي زمنين المرّي «1» يكنى أبا عبد الله «2» ، وبيته معلوم. حاله: كان من أهل المعرفة والنّبل والذكاء. مشيخته: قرأ القرآن على أبي بكر بن النّفيس، وأبي عبد الله بن شهيد المرّي المقرئ بطخشارش من غرناطة. ودرس الفقه عند المشاور أبي عبد الله بن مالك «3» المقرئ، وأبي الحسن علي بن عمر بن أضحى، وعلى غيرهما من شيوخ غرناطة. وفاته: توفي سنة أربعين وخمسمائة. قلت: وإنما ذكرت هذا المترجم به مع كوني اشترطت صدر خطبته ألّا أذكر هذا النمط لمكان مصاهرتي في هذا البيت. ولعلّ حافد هذا المترجم به من ولدي يطّلع على تعدادهم وذكرهم في هذا التأليف وتردادهم، فيكون ذلك محرّضا له على النّجابة، محرّضا للإجابة، جعلنا الله ممّن انتمى للعلم وأهله، واقتفى من سننه واضح سبله. محمد بن جابر بن محمد بن قاسم بن أحمد بن إبراهيم ابن حسّان القيسي «4» الوادآشي الأصل والمعرفة، التّونسي الاستيطان، يكنى أبا عبد الله، ويعرف بابن جابر. حاله: من «عائد الصلة» : نشأ بتونس، وجال في البلاد المشرقية والمغربية، واستكثر من الرّواية ونقّب عن المشايخ، وقيّد الكثير، حتى أصبح جمّاعة المغرب، وراوية الوقت. ثم قدم الأندلس ظريف النّزعة، عظيم الوقار، قويم السّمت، يأوي في الجزء: 3 ¦ الصفحة: 124 فضل التّعيش إلى فضل ما كان بيده، يصرفه في مصارف التجارة. وقعد للإسماع والرّواية، وانتقل إلى بلّش، فقرأ بها القرآن العظيم والروايات السّبع، على الخطيب أبي جعفر بن الزيات. ثم رحل إلى المغرب، ثم أعاد الرّحلة الحجازية، وأعرق، فلقي أمّة من العلماء والمحدّثين، وأصبح بهم شيخ وحده، انفساح رواية، وعلوّ إسناد. مشيخته: من شيوخه قاضي الجماعة بتونس أبو العباس بن الغمّاز الخزرجي البلنسي، وقاضي الجماعة بها أبو إسحاق بن عبد الرفيع، وقاضي قضاة الدّيار المصرية بدر الدين بن إبراهيم بن سعد الله بن جماعة بن علي بن جماعة بن صخر الكناني. وقاضي الجماعة ببجاية أبو العباس الغبريني، وسراج الدين أبو جعفر عمر بن الخضر بن طاهر بن طرّاد بن إبراهيم بن محمد بن منصور الأصبحي، وأبو محمد عبد الغفار بن محمد السّعدي المصري، ورضيّ الدين إبراهيم بن عمر بن إبراهيم الخليلي الجعفري، وشرف الدين أبو عبد الله بن الحسن بن عبد الله بن الحافظ عبد الغني بن عبد الواحد بن سرور المقدسي، وأبو الفضل أبو القاسم بن حمّاد بن أبي بكر بن عبد الواحد الحضرمي اللبيد، وعبد الله بن يوسف بن موسى الخلاسي، وعبد الله بن محمد بن هارون، وإبراهيم بن محمد بن أحمد بن محمد بن عبد الله بن الحاج التّجيبي، وأحمد بن يوسف بن يعقوب بن علي الفهري اللّبلي «1» ، وولده جابر بن محمد بن قاسم معين الدين، وعزّ الدين أبو القاسم بن محمد بن الخطيب، وجمال الدين أبو عبد الله محمد بن عبد الباقي بن الصّفّار، وأبو بكر بن عبد الكريم بن صدقة العزفي، ومحمد بن إبراهيم بن أحمد التجيبي، وأبو يعقوب يوسف بن إبراهيم بن أحمد بن علي بن إبراهيم بن عقاب الجذامي الشاطبي، وعبد الرحمن بن محمد بن علي بن عبد الله الأنصاري الأسدي القيرواني، وأبو القاسم خلف بن عبد العزيز القبتوري «2» ، وعلي بن محمد بن أبي القاسم بن رزين التّجيبي، وأحمد بن موسى بن عيسى البطرني «3» ، وغرّ القضاة فخر الدين أبو محمد عبد الواحد بن منصور بن محمد بن المنير، وتقي الدين محمد بن أحمد بن عبد الخالق المصري، وصدر النحاة أبو حيّان، وظهير الدين أبو محمد بن عبد الخالق المخزومي المقدسي الدّلاصي، ورضيّ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 125 الدين بن إبراهيم بن أبي بكر الطّبري، والمعمّر بهاء الدين أبو محمد القاسم بن مظفر بن محمود بن هبة الله بن عساكر الدمشقي. وأما من كتب إليه فنحو مائة وثمانين من أهل المشرق والمغرب. قدم غرناطة في أول عام ستة وعشرين وسبعمائة، فهو باعتبار أصله أصلي، وباعتبار قدومه طارىء وغريب. تواليفه: له تواليف حديثيّة جملة، منها أربعون حديثا، أغرب فيها بما دلّ على سعة خطوه وانفساح رحله. وفاته: كان حيّا سنة أربعين وسبعمائة، وبلغني أنه توفي عام سبعة بعدها. محمد بن خلف بن موسى الأنصاري الأوسي «1» من أهل إلبيرة، يكنى أبا عبد الله. حاله: كان «2» متكلّما، واقفا على مذاهب المتكلّمين، متحققا برأي الأشعرية، ذاكرا لكتب الأصول والاعتقادات، مشاركا في الأدب، مقدّما في الطّبّ. مشيخته: روى عن أبي جعفر بن محمد بن حكم بن باق، وأبي جعفر بن خلف بن الهيثم، وأبوي الحسن بن خلف العنسي، وابن محمد بن عبد العزيز بن أحمد بن حمدين، وأبوي عبد الله بن عبد العزيز الموري، وابن فرج مولى الطلّاع، وأبي العباس بن محمد الجذامي، وأبي علي الغساني، وأبي عمرو زياد بن الصّفار، وأبي القاسم أحمد بن عمر. وأخذ علم الكلام عن أبي بكر بن الحسن المرادي، وأبي جعفر بن محمد بن باق، وأبي الحجاج بن موسى الكلبي. وتأدّب في بعض مسائل النحو بأبي القاسم بن خلف بن يوسف بن فرتون بن الأبرش. من روى عنه: روى عنه أبو إسحاق بن قرقول، وأبو خالد المرواني، وأبو زيد بن نزار، وأبو عبد الله بن الصّيقل المرسي، وأبو القاسم عبد الرحمن بن عبد الله بن سمعان، وأبو الوليد بن خيرة. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 126 تواليفه: من تواليفه: «النّكت والأمالي، في الرّد «1» على الغزالي» ، و «الإيضاح «2» والبيان، في الكلام على القرآن» ، و «الأصول «3» ، إلى معرفة الله ونبوة الرسول» ورسالة «الاقتصار «4» ، على مذاهب الأئمّة الأخيار» ، ورسالة «البيان، في «5» حقيقة الإيمان» ، والرّد على أبي الوليد بن رشد في مسألة الاستواء الواقعة له في الجزء الأول من مقدّماته، و «شرح مشكل ما وقع في الموطّإ وصحيح «6» البخاري» ، وقد كان شرع في تصنيفه عام ثمانية عشر وخمسمائة «7» في شوال منه، وبلغ في الكلام فيه إلى النّكتة الرابعة والخمسين، وقطعت به قواطع المرض، وشرع في معالجة العين لرؤيا رآها، يقال له: ألّفت في نور البصيرة، فألّف في نور البصر تنفع وتنتفع، فأقبل على تأليفه في مداواة العين، وهو كتاب جمّ الإفادة، ثم أكمل النّكت. شعره: وكان له حظّ من قرض الشعر، فمن ذلك ما مدح به إمام الحرمين أبا المعالي الجويني «8» : [الخفيف] حبّ حبر «9» يكنى أبا للمعالي «10» ... هو ديني ففيه لا تعذلوني أنا والله مغرم في هواه «11» ... علّلوني بذكره علّلوني مولده: ولد يوم الثلاثاء لاثنتي عشرة ليلة خلت من ربيع الآخر سنة سبع وخمسين وخمسمائة «12» . محمد بن محمد بن إبراهيم بن محمد بن عبد الله الخولاني غرناطي، يكنى أبا عبد الله، ويعرف بالشّريشي «13» . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 127 حاله: من أهل التّصاون والحشمة والوقار، معرق في بيت الخيريّة والعفّة، وكان والده صاحبنا، رحمه الله، آية في الدّؤوب والصّبر على انتساخ الدّواوين العلمية والأجزاء، بحيث لا مظنّة معرفة أو حجرة طلب تخلو عن شيء من خطّه إلّا ما يقلّ، على سكون وعدالة وانقباض وصبر وقناعة. وأكتب للصّبيان في بعض أطواره، ونشأ ابنه المذكور ظاهر النّبل والخصوصيّة، مشاركا في فنون؛ من عربية وأدب وحساب وفريضة. وتصرّف في الشهادة المخزنيّة برهة، ثم نزع عنها انقيادا لداعي النّزاهة، وهو الآن بحاله الموصوفة. شعره: وشعره من نمط الإجادة، فمن ذلك قوله «1» : [السريع] بي شادن أهيف مهما انثنى ... يحكي تثنّيه القضيب الرّطيب ذو غرّة كالبدر قد أطلعت ... فوق قضيب نابت في كثيب خضت حشا الظّلماء من حبّه ... أختلس الوصل حذار الرّقيب فبتّ والوصل «2» لنا ثالث ... يضمّنا ثوب عفاف قشيب حتى إذا ما الليل ولّى وقد ... مالت نجوم الأفق نحو الغروب ودّعته والقلب ذو لوعة ... أسبل «3» من ماء جفوني غروب فلست أدري حين ودّعته «4» ... قلب بأضلاعي غدا أم قليب؟ ومن ذلك في النسيب «5» : [السريع] يا أجمل الناس ويا من غدت ... غرّته تمحو سنا الشمس أنعم على عبدك يا مالكي ... دون اشتراء ومنى نفسي بأن ترى وسطى لعقدي وأن ... تعيد ربعي كامل الأنس فإن تفضّلت بما أرتجي ... أبقيتني في عالم الإنس وإن تكن ترجعني خائبا ... فإنني أدرج في رمسي «6» الجزء: 3 ¦ الصفحة: 128 وقال في فضل العلم «1» : [السريع] يا طالب العلم اجتهد إنه ... خير من التّالد والطّارف فالعلم يذكو «2» قدر إنفاقه ... والمال إن «3» أنفقته تالف وترقّى إلى هذا العهد بإشارتي إلى التي لا فوقها من تعليم ولد السلطان، والرّئاسة القرآنية بباب الإمارة، والإمامة بالمسجد الجامع من القلعة «4» ، حميد الطريقة في ذلك كله، معروف الحق، تولّاه الله. مولده: عام ثمانية عشر وسبعمائة. محمد بن محمد بن علي بن سودة المرّي يكنى أبا القاسم. أوليته: من نبهاء بيوتات الأندلس وأعيانها، سكن سلفه البشارّة «5» ، بشارّة بني حسّان، وولي جدّه الأشغال، حميد السيرة، معروف الإدانة. حاله: هذا الفتى من أهل الخصوصيّة والسكون والحياء، المانع عن كثير من الأغراض. مال إلى العلوم العقلية، فاستظهر على المماسّة في بعض أغراضها بالدؤوب والعكوف، المورّين تأثير حبل الرّكيّة في جحرها، فتصدّر للعلاج، وعانى الشّعر، وأرسم في الكتابة، وعدّ من الفضلاء، وظهرت على عباراته اصطلاحات الحكماء، وتشوّف إلى العهد للرّحلة الحجازية، والله ييسّر قصده. مشيخته: قرأ الطبّ والتّعديل على الحبر طبيب الدّار السّلطانية، فارس ذينك الفنّين، إبراهيم بن زرزار اليهودي، ورحل إلى العدوة، فقرأ على الشّريف العالم الشهير، رحلة الوقت في المغرب، أبي عبد الله العلوي، وبلقائه نجح. شعره: أنشد السلطان قوله: [الكامل] جاد الحمى صوب الغمام هتونه ... تزجي البروق سحابه فتعينه الإحاطة في أخبار غرناطة/ ج 3/م 9. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 129 وسقى ديار العامرية بعد ما ... وافى بجرعاء «1» الكثيب معينه يندى بأفنان الأراك كأنه ... عقد تناثر بالعقيق ثمينه ومحى الكثيب سكوبه فكأنه ... خطّ تطلّس ميمه أو نونه حتى إذا الأرواح هبّت بالضّحى ... مسحت عليه بالجناح تبينه وكأنّه والرعد يحدو خلفه ... صبّ يطول إلى اللقاء حنينه أو سحّ دمعي فوق أكناف اللّوى ... جادت بلؤلؤة النفيس عيونه والبرق في حلل السّحاب كأنه ... مكنون سرّ لم يذع «2» مضمونه أو ثوب ضافية الملابس كاعب ... عمدت بحاشية النّضار تزينه هنّ الديار برامة لا دهرها ... سلس القياد ولا العتاب يلينه ولقد وقفت برسمها فكأنّني ... من ناحل الأطلال فيه أكونه قلبي بذاك اللّوى خلّفته ... ألوى بمزدلف الرّفاق ظعينه لا تسأل «3» العذّال عني فالهوى ... هذا «4» يخامر بالضّلوع دفينه إن يخف عن شرحي حديث زميرتي ... فعلى الفنون فريضة تبينه عجبا لدمعي لا يكفّ كأنما ... جدوى أبي عبد الإله هتونه محيي المكارم بعد ما أودى بها ... زمن تقلّب بالكرام خؤونه مولى الملوك عميد كلّ فضيلة ... علق الزمان ثمينه ومكينه يضفي إلى داعي النّدى فيهزّه ... وبملتقى الجمعين طال سكونه من ذا يسابق فضله لوجوده ... ويلجّ فيض البحر فاض يمينه إن تلقه تلق الجمال وقاره ... والحلم طبع والسّماحة دينه غمر الأنام نواله ومحا الضلا ... ل رشاده وجلا الظّلام جبينه أحيا رسوم الدين وهي دوارس ... ولطالما صدع الشكوك يقينه شمس الهدى حتف العدا محيي النّدا ... بحر الجدا طول المدى تمكينه ليث الشّرى غوث الورى قمر السّرى ... سنّ القرى عمّ القرى تأمينه فلبأسه يوم الوغى ولعزمه ... جاش الهزبر إذا الهزبر يخونه الجزء: 3 ¦ الصفحة: 130 لا تسأل «1» الهيجاء عنه إنه ... يصل المراد كما تحبّ ظنونه لو كان يشغله المنام عن العلا ... هجر المنام وباعدته جفونه وإذا تطاولت الملوك بماجد ... بمحمد دون الأنام يكونه يا ابن الألى نصروا الرسول ومن بهم ... نطق الكتاب فصيحه ومبينه خصّوا ببيعته وحاموا دونه ... نهج الرّضا حتى تقاوم دينه أمعاضد الإسلام أنت عميده ... وخليفة الرحمن أنت أمينه لم يبق إلّا من بسيفك طائع ... ألفنش «2» في أقصى البلاد رهينه وبجيشك المنصور لو لاقيته ... أدرى بمشتجر الرّماح طعينه ولو اصطنعت إلى العدوّ إدالة ... طاعت إليك بلاده وحصونه خذها إليك قصيدة من شاعر ... حلو الكلام مهذّب تبيينه جعل القوافي للمعالي سلّما ... فجنى القريض كما اقتضته فنونه غطّى هواه عقله واقتاده ... يحصي النجوم جهالة تزيينه ولو أخذته أيدي التحرير والنّقد، لرجي أن يكون شاعرا، وبالجملة فالرجل معدود من السّراة بيتا وتخصّصا. محمد بن عبد العزيز بن سالم بن خلف القيسي منكّبي «3» ، الأصل، يكنى أبا عبد الله، طبيب الدّار السلطانية. حاله: من «عائد الصلة» : كان، رحمه الله، فذّا في الانطباع واللّوذعية، حسن المشاركة في الطّب، مليح المحاضرة، حفظة، طلعة، مستحضرا للأدب، ذاكرا لصناعة الطب، أخذها عن إمام وقته أبي جعفر الكزني، وانتصب للعلاج، ثم انتقل إلى الخدمة بصناعته بالباب السلطاني، وولّي الحسبة، ومن شعره يخاطب السلطان على ألسنة أصحابنا الأطباء الذين جمعتهم الخدمة ببابه يومئذ، وهم أبو الأصبغ بن سعادة، وأبو تمام غالب الشّقوري: [الخفيف] قد جمعنا ببابكم سطر علم ... لبلوغ المنى ونيل الإرادة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 131 ومن أسمائنا «1» لكم حسن فال ... غالب ثم سالم وسعاده وفاته: توفي في شهر رجب من عام سبعة عشر وسبعمائة. محمد بن عبد الله بن أبي زمنين «2» من أهل إلبيرة، يكنى أبا عبد الله. حاله: من الملاحي «3» ، قال: ولّي الأحكام، وكان فقيها نبيها. وفاته: توفي بغرناطة في عشر الستين وأربعمائة. قلت: قد تقدم اعتذاري عن إثبات مثله في هذا المختصر، فلينظر هناك إن شاء الله. محمد بن عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن بن محمد ابن عبد الله بن محمد بن إبراهيم بن محمد بن أبي زمنين عدنان بن بشير بن كثير المرّي حاله: كان من كبار المحدّثين والعلماء الراسخين، وأجلّ وقته قدرا في العلم والرّواية والحفظ للرّأي والتمييز للحديث، والمعرفة باختلاف العلماء، متفنّنا في العلم، مضطلعا بالأدب، قارضا للشّعر، متصرفا في حفظ المعاني والأخبار، مع النّسك والزّهد، والأخذ بسنن الصالحين، والتخلّق بأخلاقهم. لم يزل أمّة في الخير، قانتا لله، منيبا له، عالما زاهدا صالحا خيّرا متقشّفا، كثير التّبتّل والتّزلّف بالخيرات، مسارعا إلى الصالحات، دائم الصلاة والبكاء، واعظا، مذكرا بالله، داعيا إليه، ورعا، ملبّي الصدقة، معينا على النّائبة، مواسيا بجاهه وماله، ذا لسان وبيان، تصغي إليه الأفئدة فصيحا، بهيّا، عربيّا، شريفا، أبيّ النفس، عالي الهمّة، طيّب المجالسة، أنيس المشاهدة، ذكيّا، راسخا في كل جمّ من العلوم، صيرفيا جهبذا، ما رؤي، قبله ولا بعده، مثله. مشيخته: سكن قرطبة، وسمع بها من أحمد بن مطرّف، ووهب بن مسرّة الحجاري، وعن أبان بن عيسى بن محمد بن دنيّر، وعن والده عبيد الله بن عيسى. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 132 من روى عنه: روى عنه الزاهد أبو إسحاق إبراهيم بن مسعود الإلبيري وغيره. تواليفه: ألف كتاب المغرب في اختصار «المدوّنة» ثلاثين جزءا، ليس في المختصرات مثله بإجماع، والمهذّب في تفسير «الموطّإ» ، والمشتمل في أصول الوثائق، وحياة القلوب، وأنس الفريد، ومنتخب الأحكام، والنصائح المنظومة، وتفسير القرآن. مولده: في المحرم سنة أربع وعشرين وثلاثمائة. وفاته: توفي في شهر ربيع الثاني عام ثمانية وتسعين وثلاثمائة بحاضرة إلبيرة، رحمه الله ونفع به. محمد بن عبد الرحمن بن الحسن بن قاسم بن مشرّف ابن قاسم بن محمد بن هاني اللخمي القائصي «1» يكنى أبا الحسن. حاله: كان «2» وزيرا جليلا، فقيها رفيعا، جوادا، أديبا، جيّد الشعر، عارفا بصناعة النّحو والعروض، واللغة والأدب والطب، من أهل الرّواية والدّراية. مشيخته: روى عن الحافظ أبي بكر بن عطيّة، وأبي محمد بن عتّاب، وأبي الوليد بن رشد القاضي الإمام، والقاضي أبي محمد عبد الله بن علي بن سمجون. شعره: من شعره قوله «3» : [السريع] يا حرقة البين كويت الحشا ... حتى أذبت القلب في أضلعه أذكيت فيه النّار حتى غدا ... ينساب ذاك الذّوب من مدمعه يا سؤل هذا القلب حتى متى ... يؤسى برشف الرّيق من منبعه؟ فإنّ في الشّهد شفاء الورى «4» ... لا سيما إن مصّ «5» من مكرعه والله يدني منكم عاجلا ... ويبلغ القلب إلى مطمعه الجزء: 3 ¦ الصفحة: 133 مولده: ولد في الثلث الأخير من ليلة الجمعة لثلاث بقين لذي حجة سنة ثمان وتسعين وأربعمائة. وفاته: توفي في آخر «1» جمادى الأخرى سنة ست وتسعين وخمسمائة. محمد بن عبد الرحمن بن عبد السلام بن أحمد ابن يوسف بن أحمد الغساني «2» من أهل غرناطة، يكنى أبا عبد الله. حاله: كان محدّثا نبيلا حاذقا ذكيّا، وله شرح جليل على كتاب «الشّهاب» «3» ، واختصار حسن في «اقتباس الأنوار» للرّشاطي. وكان كاتبا وافر الحظّ من الأدب، يقرض شعرا لا بأس به. من شعره في ذكر أنساب طبقات العرب «4» : [الكامل] الشّعب ثمّ قبيلة وعمارة ... بطن وفخذ والفصيلة تابعه فالشّعب يجمع «5» للقبائل كلّها ... ثم القبيلة للعمارة جامعه والبطن تجمعه العمائر «6» فاعلمن ... والفخذ تجمعه «7» البطون الواسعه والفخذ يجمع «8» للفصائل كلها «9» ... جاءت على نسق لها متتابعه فخزيمة شعب وإنّ كنانة ... لقبيلة عنها الفصائل شائعه «10» وقريشها تسمي العمارة «11» يا فتى ... وقصيّ بطن للأعادي «12» قامعه الجزء: 3 ¦ الصفحة: 134 ذا هاشم «1» فخذ وذا «2» عبّاسها ... إلّا «3» الفصيلة لا تناط بسابعه مولده: ولد بغرناطة سنة ثمان وستين وخمسمائة. وفاته: بمرسية في رمضان تسع عشرة وستمائة «4» . محمد بن عبد الواحد بن إبراهيم بن مفرّج بن أحمد ابن عبد الواحد بن حريث بن جعفر بن سعيد بن محمد ابن حقل الغافقي «5» من ولد مروان بن حقل النازل بقرية الملّاحة «6» من قنب قيس من عمل إلبيرة، يكنى أبا القاسم ويعرف بالملّاحي. وقد نقلنا عنه الكثير، وهو من المفاخر الغرناطية. حاله: كان محدّثا راوية معتنيا، أديبا، مؤرخا، فاضلا جليلا. قال الأستاذ «7» في «الصلة» : كان من أفضل الناس، وأحسنهم عشرة، وألينهم كلمة، وأكثرهم مروءة، وأحسنهم خلقا وخلقا، ما رأيت مثله، قدّس الله تربته. وذكره صاحب «الذيل» «8» الأستاذ أبو عبد الله بن عبد الملك، وأطنب فيه، وذكره المحدّث أبو عبد الله الطنجالي، وذكره ابن عساكر في تاريخه. مشيخته: روى عن أبيه أبي محمد، وأبي القاسم بن بشكوال، وأبي العبّاس بن اليتيم، وعالم كثير من غير بلده، ومن أهل بلده سوى أبيه، وعن أبي سليمان داود بن يزيد بن عبد الله السّعدي القلعي «9» ، لازمه مدة. وعن أبي خالد بن رفاعة اللخمي، وأبي محمد عبد الحق بن يزيد العبدري، وأبي جعفر عبد الرحمن بن الجزء: 3 ¦ الصفحة: 135 الحسن بن القصير، وأبي بكر بن طلحة بن أحمد بن عبد الرحمن بن عطية المحاربي، وأبي محمد عبد المنعم بن عبد الرحيم، وأبي جعفر بن حكم الحصّار، وأبي عبد الله بن عروس، وأبي الحسن بن كوثر، وأبي بكر الكتندي، وأبي إسحاق بن الجلّا، وأبي بكر بن أبي زمنين، وأبي القاسم بن سمجون، وأبي محمد عبد الصمد بن محمد بن يعيش الغساني. وكان من المكثرين في باب الرّواية، أهل الضبط والتقييد والإتقان، بارع الخطّ، حسن الوراقة، أديبا بارعا ذاكرا للتاريخ والرجال، عارفا بالأنساب، نقّادا حافظا للأسانيد، ثقة عدلا، مشاركا في فنون، سياسيا. وروى عنه الأستاذ، واعتنى بالرواية عنه. وقال الأستاذ: حدّثني عنه من شيوخي جماعة، منهم القاضي العدل أبو بكر بن المرابط. تواليفه: ألّف كتابه في «تاريخ علماء إلبيرة» ، واحتفل فيه. وألّف كتاب «الشجرة في الأنساب» ، و «كتاب الأربعين حديثا» ، و «كتاب فضائل القرآن،» و «برنامج روايته» وغير ذلك. مولده: سنة تسع وأربعين وخمسمائة. وفاته: توفي في شعبان سنة تسع عشرة وستمائة ببلده «1» . محمد بن علي بن عبد الله اللخمي يكنى أبا عبد الله، ويعرف بالشّقوري، منسوبا إلى مدينة شقورة «2» ومنها أهله، صاحبنا طبيب دار الإمارة، حفظه الله. حاله: هذا الرجل طرف في الخير والأمانة، فذّ في حسن المشاركة، نقيّ في حب الصّالحين، كثير الهوى إلى أهل التقوى، حذر من التفريط، حريص على التّعلّق بجناب الله، نشأ سابغ رداء العفّة، كثيف جلباب الصّيانة، متصدّرا للعلاج في زمن المراهقة، معمّا، مخوّلا في الصّناعة، بادي الوقار في سنّ الحشمة. ثم نظر واجتهد، فأحرز الشهرة بدينه، ويمن نقيبته، وكثرة حيطته، ولطيف علاجه، ونجح تجربته. ثم كلف بصحبة الصالحين، وخاض في السلوك، وأخذ نفسه بالارتياض والمجاهدة، حتى ظهرت عليه آثار ذلك. واستدعاه السلطان لعلاج نفسه، فاغتبط به، وشدّ اليد الجزء: 3 ¦ الصفحة: 136 عليه، وظهر له فضله، وهو لهذا العهد ببابه، حميد السيرة، قويم الطريقة، صحيح العقد، حسن التدبير، عظيم المشاركة للناس، أشدّ الخلق حرصا على سعادة من صحبه، وأكثرهم ثناء عليه، وأصرحهم نصيحة له، نبيل الأغراض، فطن المقاصد، قائم على الصنعة، مبين العبارة، معتدل في البحث والمذاكرة، متكلّم في طريقة الصّوفية، عديم النظير في الفضل، وكرم النّفس. شيوخه: قرأ على جدّه للأب، وعلى الحكيم الوزير خالد بن خالد من شيوخ غرناطة، وعلى شيخنا الحكيم الفاضل أبي زكريا بن هذيل، ولازمه، وانتفع به، وسلك بالشيخ الصّوفي أبي مهذّب عيسى الزيات ثم بأخيه الصالح الفاضل أبي جعفر الزيات، والتزم طريقته، وظهرت عليه بركته. تواليفه: ألّف كتبا نبيلة، منها «تحفة المتوصل في صنعة الطب» وكتابا أسماه «الجهاد الأكبر» ، وآخر سمّاه «قمع اليهودي عن تعدّي الحدود» أحسن فيه ما شاء. شعره: أنشدني بعد ممانعة واعتذار، إذ هذا الغرض ليس من شأنه: [الطويل] سألت ركاب العز أين ركابي ... فأبدى عنادا ثم ردّ جوابي ركابك مع سيري يسير بسيره ... بغير حلول مذ حللت جنابي فلا تلتفت سيرا لذاتك إنما ... تسير بها سيرا لغير ذهاب وهي متعددة. مولده: ولد في عام سبعة وعشرين وسبعمائة. محمد بن علي بن فرج القربلياني «1» يكنى أبا عبد الله ويعرف بالشفرة. حاله: كان رجلا ساذجا، مشتغلا بصناعة الطب، عاكفا عليها عمره، محققا لكثير من أعيان النّبات، كلفا به، متعيّشا من عشبه أول أمره، وارتاد المنابت، وسرح بالجبال، ثم تصدّر للعلاج، ورأس به، وحفظ الكثير من أقوال أهله، ونسخ جملة من كنانيشه على ركاكة خطّه، وعالج السلطان نصر المستقرّ بوادي آش، وقد طرق من بها مرض وافد حمل علاجه المشاقحة لأجله، وعظم الهلاك فيمن اختصّ بتدبيره، فطوّف الجزء: 3 ¦ الصفحة: 137 القلب المبارك بمبراه. ثم رحل إلى العدوة، وأقام بمرّاكش سنين عدّة، ثم كرّ إلى غرناطة في عام أحد وستين، وبها هلك على أثر وصوله. مشيخته: زعم أنه قرأ على أبيه ببلده من قربليان بلد الدّجن «1» ، وأخذ الجراحة عن فوج من محسني صناعة عمل اليد من الرّوح. وقرأ على الطبيب عبد الله بن سراج وغيره. تواليفه: ألّف كتابا في النّبات. وفاته: في السابع عشر لربيع الأول عام أحد وستين وسبعمائة. محمد بن علي بن يوسف بن محمد السّكوني «2» يكنى أبا عبد الله ويعرف بابن اللؤلؤة، أصله من جهة قمارش «3» . حاله: رحل في فتائه، بعد أن شدا شيئا من الطلب، وكلف بالرواية والتقييد فلقي مشيخة، وأخذ عن جلّة، وقدم على بلده حسن الحالة، مستقيم الطريقة، ظاهر الانقباض والعفّة، وأدخل الأندلس فوائد وقصائد، وكان ممن ينتفع به لو أمهلته المنية. شعره: مما نسبه إلى نفسه من الشعر قوله «4» : [المجتث] يا من عليه اعتمادي ... في قلّ أمري وكثره سهّل عليّ ارتحالي ... إلى النّبيّ وقبره فذاك أقصى مرادي ... من الوجود بأسره وليس ذا بعزيز ... عليك فامنن بيسره ومن ذلك «5» : [الطويل] أمن بعد ما لاح المشيب بمفرقي ... أميل لزور بالغرور مصاغ «6» وأرتاح للّذّات والشّيب منذر ... بما ليس عنه للأنام مراغ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 138 ومن لم «1» يمت قبل المشيب فإنه ... يراع بهول بعده ويراغ فيا ربّ وفّقني إلى ما يكون لي ... به للذي أرجوه منك بلاغ وفاته: توفي معتبطا في وقيعة الطاعون عام خمسين وسبعمائة، خطيبا بحصن قمارش. محمد بن سودة بن إبراهيم بن سودة المرّي أصله من بشرّة عرناطة، يكنى أبا عبد الله. حاله: من بعض التواريخ المتأخّرة: كان شيخا جليلا، كاتبا مجيدا، بارع الأدب، رائق الشعر، سيّال القريحة، سريع البديهة، عارفا بالنّحو واللغة والتاريخ، ذاكرا لأيام السّلف، طيّب المحاضرة، مليح الشّيبة، حسن الهيئة، مع الدّين والفضل، والطّهارة والوقار والصّمت. مشيخته: قرأ بغرناطة على الحافظ أبي محمد عبد المنعم بن عبد الرحيم بن الفرس، وغيره من شيوخ غرناطة. وبمالقة على الأستاذ أبي القاسم السّهيلي، وبجيّان على ابن يربوع، وبإشبيلية على الحسن بن زرقون وغيره من نظرائه. أدبه: قال الغافقي: كانت بينه وبين الشيخ الفقيه واحد عصره أبي الحسن سهل بن مالك، مكاتبات ومراجعات، ظهرت فيها براعته، وشهدت له بالتقدم يراعته. محنته: أصابته في آخر عمره نكبة ثقيلة، أسر هو وأولاده، فكانت وفاته أسفا لما جرى عليهم، نفعه الله. توفي في حدود سبعة وثلاثين وستمائة. محمد بن يزيد بن رفاعة الأموي البيري أصله من قرية طرّش «2» . حاله: طلب العلم وعنى بسمعه، ونسخ أكثر كتبه بخطّه، وكان لغويّا شاعرا، من الفقهاء المشاورين الموثّقين، وولّي الصلاة بالحاضرة، وعزل، وسرد الصّوم عن نذر لزمه عمره. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 139 مشيخته: سمع من شيوخ إلبيرة؛ محمد بن فطيس، وابن عمريل، وهاشم بن خالد، وعثمان بن جهير، وحفص بن نجيح، وبقرطبة من عبيد الله بن يحيى بن يحيى وغيره. من حكاياته: قال المؤرخ: من غريب ما جرى لأبي علي البغدادي، في مقدمه إلى قرطبة، أن الخليفة الحكم «1» أمر ابن الرّماحس عامله على كورتي إلبيرة وبجّانة، أن يجيء مع أبي علي في وفد من وجوه رعيّته، وكانوا يتذاكرون الأدب في طريقهم، إلى أن تجاروا يوما، وهم سائرون، أدب عبد الملك بن مروان، ومساءلته جلساءه عن أفضل المناديل، وإنشاده بيت عبدة بن الطبيب «2» : [البسيط] ثمّت قمنا إلى جرد مسوّمة ... أعرافهنّ «3» لأيدينا مناديل وكان الذّاكر للحكاية أبو علي، فأنشد الكلمة في البيت: أعرافها «4» ، فلوى ابن رفاعة عنانه منصرفا، وقال: مع هذا يوفد على أمير المؤمنين، وتتجشّم الرّحلة العظيمة، وهو لا يقيم وزن بيت مشهور في النّاس، لا يغلط فيه الصّبيان، والله لا تبعته خطوة، وانصرف عن الجماعة، وندبه أميره ابن الرّماحس، ورامه بأن لا يفعل، فلم يجد فيه حيلة، فكتب إلى الخليفة يعرّفه بابن رفاعة، ويصف ما جرى معه، فأجابه الحكم على ظهر كتابه: الحمد لله الذي جعل في بادية من بوادينا من يخطّئ وفد أهل العراق، وابن رفاعة بالرّضا أولى منه بالسّخط، فدعه لشأنه، وأقدم بالرّجل غير منتقص من تكريمه، فسوف يعليه الاختبار أو يحطّه. وفاته: توفي سنة ثلاث أو أربع وأربعمائة. محمد بن أحمد بن محمد بن عبد الله بن محمد بن علي ابن أبي بكر بن خميس الأنصاري من أهل الجزيرة الخضراء. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 140 حاله: كان فاضلا وقورا، مشاركا، خطيبا، فقيها، مجوّدا للقرآن، قديم الطّلب، شهير البيت، معروف التّعيّن، نبيه السّلف في القضاء، والخطابة والإقراء، مضى عمره خطيبا بمسجد بلده الجزيرة الخضراء، إلى أن تغلّب العدوّ عليها، وباشر الحصار بها عشرين شهرا، نفعه الله. ثم انتقل إلى مدينة سبتة، فاستقرّ خطيبا بها إلى حين وفاته. مشيخته: قرأ على والده، رحمه الله، وعلى شيخه، وشيخ أبيه أبي عمر، وعباس بن الطّفيل، الشهير بابن عظيمة، وعلى الأستاذ أبي جعفر بن الزّبير، والخطيب أبي عبد الله بن رشيد بغرناطة عند قدومه عليها، والقاضي أبي المجد بن أبي الأحوص، قاضي بلده، وكتب له بالإجازة الوزير أبو عبد الله بن أبي عامر بن ربيع، وأجازه الخطباء الثلاثة أبو عبد الله الطّنجالي، وأبو محمد الباهلي، وأبو عثمان بن سعيد. وأخذ عن القاضي بسبتة أبي عبد الله الحضرمي، والإمام الصالح أبي عبد الله بن حريث، والمحدّث أبي القاسم التّجيبي، والأستاذ أبي عبد الله بن عبد المنعم، والأخوين أبي عبد الله وأبي إبراهيم، ابني يربوع. قال: وكلّهم لقيته وسمعت منه. وأجاز لي إجازة عامة ما عدا الإمام ابن حريث فإنه أجاز لي، ولقيته ولم أسمع عليه شيئا، وأجاز لي غيرهم كناصر الدين المشدالي، والخطيب ابن عزمون وغيرهما، ممن تضمنه برنامجه. تواليفه: قال: وكان أحد بلغاء عصره، وله مصنّفات منها: «النّفحة الأرجيّة، في الغزوة المرجيّة» ، ودخل غرناطة مع مثله من مشيخة بلده في البيعات، أظن ذلك. وفاته: توفي في الطّاعون بسبتة آخر جمادى الآخرة من عام خمسين وسبعمائة. محمد بن أحمد بن عبد الله العطار من أهل ألمريّة. حاله: من بعض التّقييدات، كان فتى وسيما، وقورا، صيّبا، متعفّفا، نجيبا، ذكيّا. كتب عن شيخنا أبي البركات بن الحاج، وناب عنه في القضاء، وانتقل بانتقاله إلى غرناطة، فكتب بها. وكان ينظم نظما مترفّعا عن الوسط. وجرى ذكره في «الإكليل» بما نصّه: ممّن نبغ ونجب، وخلق له البرّ بذاته ووجب، تحلّى بوقار، وشعشع للأدب كأس عقار، إلّا أنه اخترم في اقتبال، وأصيب الأجل بنبال. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 141 ومن شعره قوله من قصيدة: [الطويل] دعاني على طول البعاد هواها ... وقد سدّ أبواب اللّقاء «1» نواها وقد شمت برقا للّقاء «2» مبشّرا ... وقد نفحت ريح الصّبا بشذاها وجنّ دجى ليل بخيل بصبحه ... كما بخلت ليلى بطيف سراها وقاد زماني قائد الحبّ قاصدا ... ربوعا ثوت ليلى بطول قناها وناديت والأشواق بالوجد برّحت ... ودمعي أجرى سابغا للقاها أيا كعبة الحسن التي النفس «3» ترتجي ... رضاها وحاشى أن يخيب رجاها أحبك يا ليلى على البعد والنوى ... وبي منك أشواق تشبّ لظاها لئن حجبت ليلى عن العين إنني ... بعين فؤادي لا أزال أراها إلى أن بدا الصبح المشتّت شملنا ... وما بلغت نفس المشوق مناها فمدّت يمينا للوداع ودمعها ... يكفكفه خوف الرقيب سراها وقالت: وداعا لا وداع تفرّق ... لعلّ الليالي أن تديل نواها تذكّرنا ليلى معاهد باللّوى ... رعى الله ليلات اللّوى ورعاها وفاته: توفي في الطاعون الأعظم عام خمسين وسبعمائة. محمد بن أحمد بن المراكشي من أهل ألمريّة، يكنى أبا عبد الله، ويعرف بالمرّاكشي. حاله: كان فتى جميل الرؤيا، سكوتا، مطبوعا على المغافصة «4» والغمز، مهتديا إلى خفيّ الحيلة، قادرا على المباحثة، ذكيّا، متسوّرا على الكلام في الصّنائع والألقاب، من غير تدرّب ولا حنكة، دمث الأخلاق، ليّن العريكة، انتحل الطب، وتصدّر للعلاج والمداواة، واضطبن أغلوطة صارت له بها شهرة، وهي رقّ يشتمل على أعداد وخطوط وزايرجة، وجداول غريبة الأشكال، تحتها علامات فيها اصطلاحات الصّنائع والعلوم، ويتصل بها قصيدة رويّها لام الألف أولها، وهي منسوبة لأبي العباس السبتي: [الطويل] يقول لسبتيّ «5» ويحمد ربّه ... مصلّ على هاد إلى الناس أرسلا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 142 وأنها مدخل للزّيرجة، ذكر أنه عثر عليها في مظنّة غريبة، وظفر برسالة العمل بها، وتحرى بالإعلام بالكنايات، والإخبار بالخفيّ وتقدمة المعرفة، والإنذار بالوقائع، حتى استهوى بذلك جماعة من المشيخة، ممن كان يركن إلى رجحان نظره، وسلامة فطرته، واستغلّت الشهادة له بالإصابة سجيّة النفوس في حرصها على إثبات دعاوى المتحرّفين. أخبرني بعضهم أنه خبّأ له عظما صغيرا، يكون في أطراف أجنحة الطّير، أخذه من جناح ديك، وزعم أرباب الخواصّ أنه يزيل الإعياء إذا علّق، فتصرّف على عاداته من الدخول في تلك الجداول، وأخذ الأعداد الكثيرة، يضربها آونة، ويقسمها أخرى، ويستخرج من تلك الجداول جيوبا وسهاما، ويأخذ جذورا، وينتج له العمل آخرا حروفا مقطعة، يبقيها الطرح، يؤلف منها كلاما تقتنص منه الفائدة، فكان في ذلك بيت شعر: [الطويل] وفي يدكم عظم صغير مدوّر ... يزيل به الإعياء «1» من كان في السّفر وأخبرني آخرون أنه سئل في نازلة فقهية لم يلق فيها نص، فأخبر أن النص فيها موجود بمالقة، فكان كذلك. وعارض ذلك كله جلّة من أشياخنا، فذكّرني الشيخ نسيج وحده أبو الحسن بن الجياب أن سامره يخرج خبيئته سواد ليلة، فتأمّل ما يصنعه، فلم يأت بشيء، ولا ذهب إلى عمل يتعقّل، وظاهر الأمر أن تلك الحال كانت مبنيّة على تخيّل وتخمين، تختلف فيه الإصابة وضدها، بحسب الحالة والقائل، لتصرّف الحيلة فيه، فاقتضى ذلك تأميل طائفة من أهل الدول إياه، وانتسخوا نظائر من تلك الزيرجة المموّهة، ممطولين منه بطريق التصرّف فيها إلى اليوم، واتصل بالسلطان، فأرسم ببابه، وتعدّى الإنس إلى طبّ الجن، فافتضح أمره، وهمّ به، فنجا مفلتا. ولم تزل حاله مضطربة، إلى أن دعي من العدوة وسلطانها، منازل مدينة تلمسان، ووصلت الكتب عنه، فتوجّه في جفن هيّئ له، ولم ينشب أن توفي بالمحلّة في أوائل عام سبعة وثلاثين وسبعمائة. محمد بن بكرون بن حزب الله من أهل مالقة، يكنى أبا عبد الله. حاله: من أهل الخصوصيّة والفضل، ظاهر الاقتصاد، كثير التخلّق، حسن اللقاء، دائم الطريقة، مختصر الملبس والمأكل، على سنن الفضلاء وأخلاق الجلّة. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 143 انتظم لهذا العهد في نمط من يستجاز ويجيز. وكان غفلا فأقام رسما محمودا، ولم يقصّر عن غاية الاستعداد. مشيخته: منهم الأستاذ، مولى النعمة على أهل بلده، أبو محمد عبد الواحد بن أبي السّداد الباهلي، قرأ عليه القرآن العظيم أربع عشرة «1» ختمة قراءة تجويد وإتقان بالأحرف السّبعة، وسمع عليه كتبا كثيرة، وقال عند ذكره في بعض الاستدعاءات: ولازمته، رضي الله عنه وأرضاه، إلى حين وفاته، ونلت من عظيم بركاته وخالص دعواته ما هو عندي من أجلّ الوسائل، وأعظم الذخيرة، وأفضل ما أعددته لهذه الدّار والدار الآخرة. وكان في صدر هذا الشيخ الفاضل كثير من علم اليقين. وهو علم يجعله الله في قلب العبد إذا أحبّه؛ لأنه يؤول بأهله إلى احتمال المكروه، والتزام الصّبر، ومجاهدة الهوى، ومحاسبة النّفس، ومراعاة خواطر القلب، والمراقبة لله، والحياء من الله، وصحّة المعاملة له، ودوام الإقبال عليه، وصحّة النّيّة، واستشعار الخشية. قال الله تعالى: إِنَّما يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ «2» فكفى بخشية الله علما، وبالإقبال عليه عزّا. قلت: وإنما نقلت هذا؛ لأنّ مثله لا يصدر إلّا عن ذي حركة، ومضطبن بركة، ومنهم الشيخ الخطيب الفاضل ولي الله أبو عبد الله محمد بن أحمد بن يوسف الطّنجالي. دخل غرناطة راويا، وفي غير ذلك في شؤونه، وهو الآن ببلده مالقة يخطب ببعض المساجد الجامعة بها على الحال الموصوفة. محمد بن الحسن بن أحمد بن يحيى الأنصاري الخزرجي الميورقي «3» الأصل، سكن غرناطة. حاله: كان محدّثا، عالي الرّواية، عارفا بالحديث وعلله، وأسماء رجاله، مشهورا بالإتقان والضبط، ثقة فيما نقل وروى، ديّنا، زكيا، متحاملا، فاضلا، خيّرا، متقلّلا من الدّنيا، ظاهريّ المذهب داوديّة «4» ، يغلب عليه الزهد والفضل. مشيخته: روى بالأندلس عن أبي بكر بن عبد الباقي بن محمد الحجاري، وأبي علي الصدفي الغساني، وأبي مروان الباجي، ورحل إلى المشرق وحجّ، وأخذ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 144 بمكة، كرّمها الله، عن أبي ثابت وأبي الفتح عبد الله بن محمد البيضاوي وأبي نصر عبد الملك بن أبي مسلم العمراني. قلت: وغيرهم اختصرتهم لطولهم، وقفل إلى الأندلس فحدّث بغير بلده منها؛ لتجواله فيها. من روى عنه: روى عنه أبو بكر بن رزق، وأبو جعفر بن الغاسل، وغيرهما «1» . محنته: امتحن من قبل علي بن يوسف بن تاشفين، فحمل إليه صحبة أبي الحكم بن يوجان، وأبي العباس بن العريف، وضرب بالسّوط عن أمره، وسجنه وقتا، ثم سرّحه وعاد إلى الأندلس، وأقام بها يسيرا، ثم انصرف إلى المشرق، فتوقف بالجزائر، وتوفي بها في شهر رمضان سنة سبع وثلاثين وخمسمائة. محمد بن محمد بن عبد الرحمن بن إبراهيم الأنصاري الساحلي يكنى أبا عبد الله، ويعرف ببلده مالقة بالمعمّم. حاله: كان طبقة من طبقات الكفاة، ظرفا ورواء وعارضة وترتيبا، تجلّل بفضل شهرة أبيه، وجعل بعض المترفين من وزراء الدّول بالمغرب أيام وجّهته إليه صحبة الشيخ الصالح أبيه في غرض السفارة، مالا عريضا لينفقه في سبيل البرّ، فبنى المدرسة غربي المسجد الأعظم، ووقف عليها الرّباع، وابتنى غيرها من المساجد، فحصلت الشهرة، ونبه الذّكر وتطوّر، ورام العروج في مدارج السّلوك، وانقطع إلى الخلوة، فنصلت الصّبغة، وغلبت الطّبيعة، وتأثّل له مال جمّ اختلف في سبب اقتنائه، وأظهر التجر المرهف الجوانب بالجاه العريض، والحرص الشّديد، والمسامحة في باب الورع، فتبنّك به نعيما من ملبس ومطعم وطيب وترفّه، طارد به اللّذة ما شاء في باب النّكاح استمتاعا وذواقا يتبع رائد الطّرف، ويقلّد شاهد السّمع، حتى نعي عليه، وولّي الخطابة بالمسجد الأعظم بعد أبيه، فأقام الرسم، وأوسع المنبر ما شاء من جهوريّة وعارضة، وتسوّر على أعراض، وألفاظ في أسلوب ناب عن الخشوع، عريق في نسب القحة. ثم رحل إلى المشرق مرة ثانية، وكرّ إلى بلده، مليح الشّيبة، بادي الوقار، نبيه الرّتبة، فتولّى الخطابة إلى حين وفاته. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 145 مشيخته: حسبما قيّدته من خطّ ولده أبي الحسن، وارثه في كثير من خلاله، وأغلبها الكفاية. فمنهم والده، رحمه الله، قرأ عليه وتأدّب به، ودوّن في طريقه، حسبما يتقرر ذلك، ومنهم الأستاذ أبو محمد بن أبي السداد الباهلي، ومنهم الشيخ الرّاوية أبو عبد الله بن عيّاش، والخطيب الصالح أبو عبد الله الطّنجالي، والخطيب الصالح أبو جعفر بن الزيات، والأستاذ ابن الفخار الأركشي، والقاضي أبو عمرو بن منظور، والأستاذ ابن الزبير وغيرهم، كابن رشيد، وابن خميس، وابن برطال، وابن مسعدة، وابن ربيع، وبالمشرق جماعة اختصرتهم لطولهم. تواليفه: وتسوّر على التأليف، بفرط كفايته، فمما ينسب إليه كتاب: «التجر الرّبيح، في شرح الجامع الصحيح» . قال: منه ما جرّده من المبيّضة، ومنه ما لم يسمح الدهر بإتمامه، وكتاب «بهجة الأنوار» ، وكتاب «الأسرار» ، وكتاب «إرشاد السّائل، لنهج الوسائل» ، وكتاب «بغية السّالك، في أشرف المسالك» في التّصوف، وكتاب «أشعة الأنوار، في الكشف عن ثمرات الأذكار» . وكتاب «النّفحة القدسيّة» ، وكتاب «غنية الخطيب، بالاختصار والتّقريب» في خطب الجمع والأعياد، وكتاب «غرائب النّجب، في رغايب الشّعب» ، شعب الإيمان، وكتاب «في مناسك الحج» ، وكتاب «نظم سلك الجواهر، في جيّد معارف الصّدور والأكابر» ، فهرسة تحتوي على فوائد من العلم وما يتعلق بالرواية، وتسمية الشيوخ وتحرير الأسانيد. دخوله غرناطة: دخلها مرات تشذّ عن الإحصاء. ولد عام ثمانية وسبعين وستمائة، وتوفي بمالقة في صبيحة ليلة النصف من شعبان عام أربعة وخمسين وسبعمائة. محمد بن محمد بن يوسف بن عمر الهاشمي يكنى أبا بكر، ويعرف بالطّنجالي، ولد الشيخ الولي أبي عبد الله. حاله: من ذيل تاريخ مالقة للقاضي أبي الحسن بن الحسن، قال: كان هذا العالم الفاضل ممن جمع بين الدّراية والرّواية والتراث والاكتساب، وعلو الانتساب، وهو من القوم الذين وصلوا الأصالة بالصّول، وطول الألسنة بالطّول، وهدوا إلى الطّيّب من القول، أثر الشّموخ يبرق من أنفه، ونسيم الرّسوخ يعبق من عرفه، وزاجر الصّلاح يومي بطرفه، فتخاله من خوف الله ذا لمم، وفي خلقه دماثة وفي عرنينه شمم. ووصفه بكثير من هذا النّمط. ومن «العائد» : كان من أهل العلم والتّفنّن في المعارف والتّهمّم بطلبها، جمع بين الرّواية والدّراية والصلاح. وكانت فيه خفّة، لفرط صحّة وسذاجة وفضل رجولة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 146 به، بارع الخطّ، حسن التّقييد، مهيبا جزلا، مع ما كان عليه من التّواضع، يحبّه الناس ويعظمونه، خطب بالمسجد الأعظم من مالقة، وأقرأ به العلم. مشيخته: قرأ على الأستاذ أبي محمد الباهلي، وأبيه الولي الخطيب، رحمه الله. وروى عن جدّه أبي جعفر، وعن الرّاوية الأستاذ الكبير أبي جعفر بن الزبير، والرّاوية أبي عبد الله بن عيّاش، والقاضي أبي القاسم بن السّكوت، وغيرهم ممن يطول ذكره، من أهل المشرق والمغرب. وفاته: توفي بمالقة في أول صفر من عام ثلاثة وثلاثين وسبعمائة، وكان عمره نحوا من تسع وخمسين سنة. محمد بن محمد بن ميمون الخزرجي يكنى أبا عبد الله، ويعرف بلا أسلم؛ لكثرة صدور هذه اللفظة عنه، مرسي الأصل، وسكن غرناطة ووادي آش وألمريّة. حاله: من كتاب «المؤتمن» «1» : كان دمث الأخلاق قبل أن يحرجه شيء من مضيّقات الصّدور، يشارك في العربية، والشعر النازل عن الدرجة الوسطى لا يخلو بعضه عن لحن. وكان يتعيش من صناعة الطّب. وجرت له شهرة بالمعرفة نرفع به بتلك الصّناعة على حدّ شهرة ترك النّصيحة فيها، فكانت شهرته بالمعرفة ترفع به. وشهرته بترك النصيحة تنزله، فيمرّ بين الحالتين بشظف العيش، ومقت الكافّة إيّاه. قلت: كان لا أسلم، طرفا في المعرفة بطرق العلاج، فسيح التّجربة، يشارك في فنون، على حال غريبة من قلّة الظّرف، وجفاء الآلات، وخشن الظاهر، والإزراء بنفسه وبالناس، متقدّم في المعرفة بالخصوم، يقصد في ذلك. وله في الحرب والحيل حكايات، قال صاحبنا أبو الحسن بن الحسن: كانت للحكيم لا أسلم خمر مخبّأة، في كرم كان له بألمريّة، عثر عليها بعض الدّعرة، فسرقها له. قال: فعمد إلى جرّة وملأها بخمر أخرى، ودفنها بالجهة، وجعل فيها شيئا من العقاقير المسهّلات، وأشاع أن الخمر العتيقة التي كانت له لم تسرق، وإنما باقية بموضع كذا، فعمد إليها أولئك الدّعرة، وأخذوا في استعمالها، فعادت عليهم بالاستطلاق القبيح المهلك، فقصدوا الحكيم المذكور، وعرضوا عليه ما أصابهم، فقال لهم: إيه، أدّوا إليّ ثمن الشّريبة، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 147 وحينئذ أشرع لكم في الدواء، ويقع الشّفاء بحول الله، فجمعوا له أضعاف ما كان يساويه خمره، وعالجهم حتى شفوا بعد مشقّة. وأخباره كثيرة. وفاته: توفي عقب إقلاع الطّاغية ملك برجلونة عن ألمريّة عام تسعة وسبعمائة «1» . وخلفه ابن كان له يسمى إبراهيم، ويعرف بالحكيم، وجرى له من الشّهرة ما جرى لأبيه، مرّت عليه ببخت وقبول، وتوفي بعد عام خمسين وسبعمائة. محمد بن قاسم بن أحمد بن إبراهيم الأنصاري «2» جيّاني الأصل مالقيه، يكنى أبا عبد الله ويعرف بالشّديد على بنية التصغير، وهو كثير التردّد والمقام بحضرة غرناطة. حاله: من «3» أهل الطّلب والذكاء والظّرف والخصوصيّة، مجموع «4» خلال من خطّ حسن واضطلاع بحمل كتاب الله. بلبل دوح السّبع المثاني، وماشطة عروس أبي الفرج الجوزي، وآية صقعه في «5» الصّوت، وطيب النّغمة، اقتحم لذلك دسوت الملوك، وتوصّل إلى صحبة الأشراف، وجرّ أذيال الشهرة. قرأ القرآن والعشر بين يدي السلطان، أمير المسلمين بالعدوة، ودنا منه محلّه، لولا إيثار مسقط رأسه. وتقرّب بمثل ذلك إلى ملوك وطنه، وصلّى التّراويح بمسجد قصر الحمراء، غريب المنزع، عذب الفكاهة، ظريف المجالسة، قادر «6» على الحكايات، متسوّر «7» حمى الوقار، ملبّ «8» داعي الانبساط، على استرجاع واستقامة، مبرور الوفادة، منوّه الإنزال، قلّد شهادة الدّيوان بمالقة، معوّلا عليه في ذلك، فكان مغار حبل «9» الأمانة، صليب العود، شامخا «10» ، صادق «11» النّزاهة، لوحا للألقاب، محرزا للعمل. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 148 وولّي الحسبة بمالقة، حرسها الله تعالى، فخاطبته في ذلك أداعبه، وأشير إلى قوم من أجداده، وأولي الحمل عليه بما نصّه: [السريع] يا أيها المحتسب الجزل ... ومن لديه الجدّ والهزل تهنيك «1» والشكر لمولى الورى ... ولاية ليس لها عزل كتبت أيها المحتسب، المنتمي إلى النزاهة المنتسب، أهنّيك ببلوغ تمنّيك، وأحذّرك من طمع نفس بالغرور تمنّيك، فكأني «2» وقد طافت بركابك الباعة «3» ، ولزم لأمرك «4» السّمع والطّاعة، وارتفعت في مصانعتك الطّماعة، وأخذت أهل الرّيب بغتة كما تقوم الساعة، ونهضت تقعد وتقيم، وسكوتك «5» الريح العقيم، وبين يديك القسطاس «6» المستقيم، ولا بدّ من شرك ينصب، وجماعة على ذي جاه تعصب «7» ، وحالة «8» كيت بها الجناب الأخصب، فإن غضضت طرفك، أمنت عن الولاية صرفك، وإن ملأت ظرفك «9» ، رحّلت عنها حرفك، وإن كففت فيها كفّك، حفّك العزّ فيمن حفّك. فكن لقالي المجبّنة قاليا «10» ، ولحوت السّلّة ساليا. وأبد لدقيق الحوّارى زهد حواريّ «11» ، وازهد فيما بأيدي الناس من العواري، وسر في اجتناب الحلواء «12» ، على السبيل السّواء، وارفض في الشّواء، دواعي الأهواء، وكن على الهرّاس «13» ، وصاحب ثريد «14» الرّاس، شديد المراس، وثب على بائع «15» طبيخ الأعراس، ليثا مرهوب الافتراس، وأدّب أطفال الفسوق «16» ، في السوق، سيّما من الجزء: 3 ¦ الصفحة: 149 كان قبل البلوغ والسّبوق «1» ، وصمّم في «2» استخراج الحقوق، والناس أصناف، فمنهم خسيس يطمع منك في أكلة، ومستعد عليك بوكزة أو ركلة. وحاسد في مطيّة تركب، وعطيّة تسكب، فاخفض للحاسد جناحك، وسدّد إلى حربه رماحك، وأشبع الخسيس منهم مرقة دسمة «3» فإنه حنق، ودسّ له فيها عظما لعلّه يختنق، واحفر لشرّيرهم حفرة عميقة، فإنه العدوّ حقيقة، حتى إذا حصل، وعلمت أنّ وقت الانتصار قد وصل «4» ، فأوقع وأوجع، ولا ترجع، وأولياء من «5» حزب الشيطان فأفجع، والحقّ أقوى، وإن تعفو أقرب للتقوى. سدّدك الله تعالى «6» إلى غرض التّوفيق، وأعلقك «7» من الحقّ بالسّبب الوثيق، وجعل قدومك مقرونا برخص اللّحم والزّيت والدّقيق، بمنّه وفضله «8» . مشيخته: قرأ القرآن على والده المكتّب النّصوح، رحمه الله، وحفظ كتبا كرسالة أبي محمد بن أبي زيد، وشهاب القضاعي، وفصيح ثعلب، وعرض الرّسالة على ولي الله أبي عبد الله الطّنجالي، وأجازه. ثم على ولده الخطيب أبي بكر، وقرأ عليه من القرآن، وجوّد بحرف نافع على شيخنا أبي البركات. وتلا على شيخنا أبي القاسم بن جزي. ثم رحل إلى المغرب، فلقي الشيخ الأستاذ الأوحد في التّلاوة، أبا جعفر الدرّاج، وأخذ عن الشّريف المقرئ أبي العباس الحسنى بسبتة، وأدرك أبا القاسم التّجيبي، وتلا على الأستاذ أبي عبد الله بن عبد المنعم «9» ولازمه، واختصّ بالأستاذ ابن هاني السّبتي، ولقي بفاس جماعة كالفقيه أبي زيد الجزولي، وخلف الله المجاصي، والشيخ أبا العباس المكناسي، والشيخ البقية أبا عبد الله بن عبد الرازق، وقرأ على المقرئ الفذّ الشهير في التّرنّم بألحان القرآن أبي العباس الزّواوي سبع ختمات، وجمع عليه السّبع، والمقرئ أبي العباس بن حزب الله، واختصّ بالشيخ الرئيس أبي محمد عبد المهيمن الحضرمي. شعره: من شعره ما كتب به إلى وزير الدولة المغربيّة في غرض الاستلطاف: [الكامل] يا من به أبدا عرفت ومن أنا ... لولاه لي دامت علاه وداما الجزء: 3 ¦ الصفحة: 150 لا تأخذنّك في الشّديد لومة ... فشخيص نشأته بفضلك قاما ربّيته علّمته أدّبته ... قدّمته للفرض منك إماما فجزاك ربّ الخلق خير جزاية ... عنّي وبوّأك الجنان مقاما وهو الآن بالحالة الموصوفة، مستوطنا حضرة غرناطة، وتاليا الأعشار القرآنية، بين يدي السلطان، أعزّه الله، مرفّع الجانب، معزّز الجراية بولايته أحباس المدرسة، أطروفة عصره، لولا طرش نقص الأنس به، نفعه الله. مولده: ولد بمالقة في عاشر ربيع الأول من عام عشرة وسبعمائة. ومن الغرباء في هذا الاسم محمد بن أحمد بن إبراهيم بن محمد التّلمساني الأنصاري السّبتي الدّار، الغرناطي الاستيطان، يكنى أبا الحسين، ويعرف بالتّلمساني. حاله: طرف في الخير والسلامة، معرق في بيت الصّون والفضيلة، معمّ «1» تخوّل في العدالة، قديم الطّلب والاستعمال، معروف الحقّ، مليح البسط، حلو الفكاهة، خفيف إلى هيعة الدّعابة، على سمت ووقار، غزل، لوذعي، مع استرجاع وامتساك، مترف، عريق في الحضارة، مؤثر للراحة، قليل التّجلّد، نافر عن الكدّ، متّصل الاستعمال، عريض السعادة في باب الولاية، محمول على كتد المبرّة، جار على سنن شيوخ الطّلبة والمقتاتين من الأرزاق المقدّرة، أولى الخصوصيّة والضّبط من التّظاهر بالجاه على الكفاية. قدم على الأندلس ثمانية عشر وسبعمائة، فمهد كنف القبول والاستعمال، فولّي الحسبة بغرناظة، ثم قلّد تنفيذ الأرزاق وهي الخطّة الشرعية والولاية المجدية، فاتّصلت بها ولايته. وناب عنّي في العرض والجواب بمجلس السلطان، حميد المنأى في ذلك كله، يقوم على كتاب الله حفظا وتجويدا، طيّب النّغمة، راويا محدّثا، أخباريا، مرتاحا للأدب، ضاربا فيه بسهم يقوم على كتب السّيرة النّبوية، فذّا في ذلك. قرأه بالمسجد الجامع للجمهور، عند لحاقه بغرناطة، معربا به عن نفسه، منبّها على مكانه، فزعموا أن رجلا فاضت نفسه وجدا لشجو نغمته، وحسن إلقائه. وقرأ التّراويح بمسجد قصر السلطان إماما به، واتّسم بمجلسه بالسّلامة والخير، فلم تؤثر عنه في أحد وقيعة، ولا بدرت له في الحمل على أحد بنت شفه. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 151 مشيخته: منهم الشّريف أبو علي الحسن بن الشريف أبي التّقى طاهر بن أبي الشّرف ربيع بن علي بن أحمد بن علي بن أبي الطاهر بن حسن بن موهوب بن أحمد بن محمد بن طاهر بن أبي الشرف الحسن بن علي بن محمد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسن بن علي بن الحسن بن علي بن أبي طالب. ومنهم والده المترجم به، ومنهم أبوه وجدّه، ومنهم الأمير الصالح أبو حاتم أحمد بن الأمير أبي القاسم محمد بن أبي العباس أحمد بن محمد العزفي، والمقرئ أبو القاسم بن الطيب، وإمام الفريضة أبو عبد الله محمد بن محمد بن حريث، والأستاذ ملحق الأبناء بالآباء أبو إسحاق الغافقي، والكاتب النّاسك أبو القاسم خلف بن عبد العزيز القبتوري، والأستاذ المعمر أبو عبد الله بن الخضّار، والخطيب المحدّث أبو عبد الله بن رشيد، والخطيب الأديب أبو عبد الله الغماري، والأستاذ أبو البركات الفضل بن أحمد القنطري، والوزير العابد أبو القاسم محمد بن محمد بن سهل بن مالك، والولي الصالح أبو عبد الله الطّنجالي، والخطيب الصالح أبو جعفر بن الزيات، والقاضي الأعدل أبو عبد الله بن برطال، والشيخ الوزير المعمر أبو عبد الله بن ربيع، والصّوفي الفاضل أبو عبد الله بن قطرال، والأستاذ الحسابي أبو إسحاق البرغواطي، هؤلاء لقيهم وقرأ وسمع عليهم. وممن كتب له بالإجازة، وهم خلق كثير، كخال أبيه، الشيخ الأديب أبي الحكم مالك بن المرحّل، والخطيب أبي الحسن فضل ابن فضيلة، والأستاذ الخاتمة أبي جعفر بن الزبير، والعدل أبي الحسن بن مستقور، والوزير المعمر أبي محمد بن سماك، والخطيب أبي محمد مولى الرئيس أبي عثمان بن حكم، والشيخ الصالح أبي محمد الحلاسي، والقاضي أبي العباس بن الغمّاز، والشيخ أبي القاسم الحضرمي اللّبيدي، والعدل المعمر الراوية أبي عبد الله بن هارون، والمحدث الراوية أبي الحسن القرافي، وأبي إسحاق إبراهيم بن أحمد بن عبد المحسن بن هبة الله بن أبي المنصور، والإمام شرف الدين أبي محمد الدّمياطي، وبهاء الدين بن النّحاس، وقاضي القضاة تقي الدين بن دقيق العيد، وضياء الدين أبي مهدي عيسى بن يحيى بن أحمد، وكتب في الإجازة له: [الطويل] ولدت لعام من ثلاث وعشرة ... وستّ مئين هجرة لمحمد تطوّفت قدما بالحجاز وإنني ... بمصر هو المربى «1» وسبتة مولدي «2» الجزء: 3 ¦ الصفحة: 152 إلى عالم كثير من أهل المشرق، يشقّ إحصاؤهم، قد ثبت معظمهم في اسم صاحبه أبي محمد عبد المهيمن الحضرمي، رحمه الله. محنته: نالته محنة بجري الأمور الاشتغالية وتبعاتها، قال الله فيها لعثرته لغا، فاستقلّ من النّكبة، وعاد إلى الرّتبة. ثم عفّت عليه بآخرة، فهلك تحت بركها بعد مناهزة التسعين سنة، نفعه الله. مولده: ولد عام ستة وسبعين وستمائة، وتوفي في شهر محرم من أربعة وستين وسبعمائة. محمد بن علي بن محمد بن علي بن محمد بن يوسف ابن قطرال الأنصاري من أهل مرّاكش، يكنى أبا عبد الله ويعرف بابن قطرال. حاله: من «العائد» : كان، رحمه الله، فاضلا صوفيا، عارفا، متحدّثا، فقيها، زاهدا، تجرّد عن ثروة معروفة، واقتصر على الزّهد والتّخلّي، وملازمة العبادة، والغروب عن الدنيا. وله نظم رائق، وخطّ بارع، ونثر بليغ، وكلام على طريقة القوم، رفيع الدّرجة، عالي القدر. شرح قصيدة الإسرائيلي بما يشهد برسوخ قدمه، وتجوّل في لقاء الأكابر على حال جميلة من إيثار الصّمت والانقباض والحشمة. ثم رحل إلى المشرق حاجا صدر سنة ثلاث وسبعمائة. مشيخته: من شيوخه القاضي العالم أبو عبد الله محمد بن علي، والحافظ أبو بكر بن محمد المرادي، والفقيه أبو فارس الجروي، والعلّامة أبو الحسين بن أبي الربيع، والعدل أبو محمد بن عبيد الله، والحاج أبو عبد الله بن الخضّار، وأبو إسحاق التّلمساني، وأبو عبد الله بن خميس، وأبو القاسم بن السّكوت، وأبو عبد الله بن عيّاش، وأبو الحسن بن فضيلة، وأبو جعفر بن الزبير، وأبو القاسم بن خير. هؤلاء كلهم لقيهم، وأخذ عنهم. وكتب له بالإجازة جملة، كالقاضي أبي علي بن الأحوص، وأبي القاسم العزفي، وأبي جعفر الطّنجالي، وصالح بن شريف، وأبي عمرو الدّاري، وأبي محمد بن الحجّام، وأبي بكر بن حبيش، وأبي يعقوب بن عقاب، وعز الدين الجداي، وفخر الدين بن البخاري، وابن طرخان، وابن البوّاب، وأمين الدين بن عساكر، وقطب الدين بن القسطلانيّ، وغيرهم. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 153 شعره: وأما شعره فكثير بديع. قال شيخنا القاضي أبو بكر بن شبرين: كتبت إليه: [المنسرح] يا معمل السّير أيّ إعمال ... سلّم على الفاضل ابن قطرال من أبيات راجعني عنها بأبيات منها: [المنسرح] زارت فأزرت بمسك دارين ... تفتنّ للحسن في أفانين ومثلها في شتّى محاسنها ... ليست ببدع من ابن شبرين وفاته: توفي بحرم الله عاكفا على الخير وصالح الأعمال، معرضا عن زهرة الحياة الدنيا، إلى أن اتصل خبر وفاته، وفيه حكاية، عام تسعة وسبعمائة. ودخل غرناطة برسم لقاء الخطيب الصالح أبي الحسن بن فضيلة. وغير ذلك. العمال في هذا الاسم وأولا الأصليون محمد بن أحمد بن محمد بن الأكحل «1» يكنى أبا يحيى. حاله: شيخ «2» حسن الشّيبة، شامل البياض، بعيد مدى الذّقن، خدوع الظاهر، خلوب اللفظ، شديد الهوى إلى الصّوفية، والكلف بإطراء الخيريّة «3» ، سيما عند فقدان شكر الولاية، وجماح الحظوة، من بيت صون وحشمة، مبين عن نفسه في الأغراض، متقدّم في معرفة الأمور العملية، خائض مع الخائضين في غمار طريق «4» التصوّف، وانتحال كيمياء السّعادة، راكب متن دعوى عريضة في مقام التّوحيد، تكذّبها أحواله الرّاهنة جملة، ولا تسلم له منها نبذة، لمعاصاة خلقه على الرياضة واستيلاء الشّره، وغلب «5» سلطان الشّهوة، فلم يجن من جعجاعه المبرم فيها إلّا استغراق الوقت في القواطع عن الحق، والأسف على ما رزته الأيام من متاع الزّور، وقنية الغرور، والمشاحة أيام الولاية، والشّباب «6» الشاهد بالشّره، والحلف المتصل بياض اليوم، في ثمن الخردلة باليمين التي تجرّ فساد الأنكحة، والغضب الذي يقلب الجزء: 3 ¦ الصفحة: 154 العين، والبذا الذي يصاحب الشّين، مغلوب عليه في ذلك، ناله بسببه ضيق واعتقال، وتقويت جدة، وإطباق روع، وقيد للعذاب، فألقيت عليه ردائي، ونفّس الله عنه بسببي، محوا للسّيئة بالحسنة، وتوسّلا إلى الله بترك الحظوظ، والمنّة لله جلّ جلاله على ذلك. شعره: خاطبني بين يدي نكبته أو خلفها بما نصّه، ولم أكن أظنّ الشّعر مما تلوكه جحفلته «1» ، ولكن الرجل من أهل الكفاية «2» : [الطويل] رجوتك «3» بعد الله يا خير منجد ... وأكرم مأمول وأعظم مرفد «4» وأفضل من أملت للحادث الذي ... فقدت به صبري وما ملكت يدي «5» وحاشا وكلّا أن يخيب مؤمّلي «6» ... وقد علقت بابن الخطيب محمد وما أنا إلّا عبد أنعمه «7» التي ... عهدت بها يمني وإنجاح مقصدي «8» وأشرف من حضّ الملوك على التّقى ... وأبدى لهم نصحا وصيّة «9» مرشد وساس الرّعايا الآن خير سياسة ... مباركة في كل غيب ومشهد «10» وأعرض عن دنياه زهدا وإنها ... لمظهرة طوعا له عن تودّد وما هو إلّا اللّيث والغيث إن أتى ... له خائف أو جاء مغناه مجتدي «11» وبحر علوم درّه كلماته ... إذا ردّدت في الحفل أيّ تردّد صقيل مرائي «12» الفكر ربّ لطائف ... محاسنها تجلى بحسن تعبّد بديع عروج النفس للملإ الذي ... تجلّت به الأسرار في كلّ مصعد شفيق رقيق دائم الحلم راحم ... وأيّ جميل للجميل معوّد صفوح عن الجاني على حين قدرة ... يواصل «13» تقوى الله في اليوم والغد الجزء: 3 ¦ الصفحة: 155 أيا سيدي يا عمدتي عند شدّتي ... ويا مشربي «1» متى ظمئت وموردي حنانيك وألطف بي وكن لي راحما ... ورفقا على شيخ ضعيف منكّد رجاك رجاء «2» للذي أنت أهله ... ووافاك يهدي للثّناء «3» المجدّد وأمّك مضطرّا لرحماك شاكيا ... بحال كحرّ الجمر «4» حين توقّد وعندي افتقار لا يزال «5» مواصلا ... لأكرم مولى حاز أجرا وسيّد ترفّق بأولاد صغار بكاؤهم ... يزيد لوقع الحادث المتزيّد وليس لهم إلّا إليك تطلّع ... إذا مسّهم ضرّ أليم التّعهّد أنلهم أيا مولاي نظرة مشفق ... وجد بالرّضا وانظر لشمل مبدّد وقابل أخا الكره «6» الشّديد برحمة ... وأسعف بغفران الذّنوب وأبعد «7» ولا تنظرن إلّا لفضلك، لا إلى ... جريمة شيخ عن محلّك مبعد وإن كنت قد أذنبت إني تائب ... فعاود «8» لي الفعل الجميل وجدّد بقيت بخير لا يزال «9» وعزّة ... وعيش هنيء كيف شئت وأسعد وسخّرك الرحمن للعبد، إنّه ... لمثن «10» وداع للمحل المجدّد وقد ولّي خططا نبيهة، منها خطة الاشتغال على عهد الغادر المكايد للدّولة، إذ كان من أولياء شيطانه وممدّيه في غيّه، وسماسير شعوذته، فلم يزل من مسيطري «11» ديوان الأعمال، على تهوّر واقتحام كبرة، وخطّ لا غاية وراءه في الرّكاكة، كما قال المعرّي «12» : [الوافر] تمشّت «13» فوقه حمر المنايا ... ولكن بعد ما مسخت نمالا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 156 استحضرته يوما بين يدي السلطان، وهو غفل لفكّ ما أشكل من معمّياته في الأعمال عند المطالعة، فوصل بحال سيئة، ولما أعتب بسببه ونعيت عليه هجنته، أحسن الصّدر عن ذلك الورد، ونذر في نفسه وقال: حيّا الله رداءة الخطّ إذا كانت ذريعة إلى دخول هذا المجلس الكريم، فاستحسن ذلك، لطف الله بنا أجمعين. وفاته: توفي عام سبعة وستين وسبعمائة. محمد بن الحسن بن زيد بن أيوب بن حامد الغافقي يكنى أبا الوليد. أوليته: أصله من طليطلة، انتقل منها جدّ أبيه، وسكنوا غرناطة، وعدّوا في أهلها. حاله: كان أبو الوليد طالبا نبيلا، نبيها، سريّا، ذكيّا، ذا خطّ بارع، ومعرفة بالأدب والحساب، ونزع إلى العمل فكان محمود السّيرة، مشكور الفعل. وولّي الإشراف في غير ما موضع. قلت: وآثاره في الأملاك المنسوبة إليه، التي من جملة المستخلص السلطاني بغرناطة وغيرها، مما يدل على قدم وتعمّة أصيلة. وفاته: توفي بمدينة إشبيلية سنة ثمان وثمانين وخمسمائة، وسنّه دون الخمسين. محمد بن محمد بن حسّان الغافقي «1» إشبيلي الأصل، غرناطي المنشأ، يكنى أبا عبد الله، ويعرف بابن حسان. حاله: من «العائد» : كان من أهل السّرو والظّرف والمروءة، وحسن الخلق، تولّى الإشراف بغرناطة، وخطّة الأشغال، فحسن الثناء عليه. وله أدب ومشاركة. حدّثني بعض أشياخنا، قال: كنت على مائدة الوزير ابن الحكيم، وقد تحدّث بصرف ابن حسّان عن عمل كان بيده، وإذا رقعة قد انتهت إليه أحفظ منها: [مخلع البسيط] لكم أياد لكم أياد ... كرّرتها إنها كثيرة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 157 فإن عزمتم على انتقالي ... ريّة أبغي أو الجزيره وإن أبيتم إلى «1» مقامي ... فنعمة منكم كبيرة وقال لي بعضهم: جرى بين ابن حسّان هذا، وبين أحد بني علّاق، وهم أعيان، كلام وملاحة، فقال ابن حسان: إنما كان جدّكم مولى بني أضحى، وجدّ بني مشرف، فاستعدى عليه، ورفعه إلى الوزير ابن الحكيم فيما أظن، فلما استفهمه عن قوله، قال: أعزّك الله، كنت بالكتبيين، وعرض عليّ كتاب قديم في ظهره أبيات حفظتها وهي: [البسيط] أضحى الزمان بأضحى وهو مبتسم ... لنوره في سماء المجد إشراق فلم يزل ينتمي للمجد كل فتى ... تطيب منه مواليد وأعراق فإن ترد شرفا يمّم مشرّفه ... وإن ترد علق مجد فهو علّاق فعلم الوزير أن ذلك من نظمه، ونتيجة بديهته، فعجب من كفايته، وترضّى خصمه، وصرفهما بخير. وتوفي في شهر رجب ثلاثة عشر وسبعمائة. محمد بن عبد الله بن إبراهيم بن محمد بن إبراهيم ابن موسى بن إبراهيم بن عبد العزيز بن إسحاق بن أحمد ابن أسد بن قاسم النّميري، المدعو بابن الحاج يكنى أبا عمرو، وقد مرّ ذكر أخيه. حاله: تولّى خطّة الإشراف بلوشة وأندرش ومالقة. وولّي النظر في مختص ألمريّة، والأعشار الرومية بغرناطة. وكان له خط حسن، وجودة كاملة، وحسن خلق، ووطأة أكناف تشهد له بجلالة قدره، ورفيع خطره. وضاهر في أعيان كالوزير أبي عبد الله بن أبي الحسن، فاضل، سريّ، متخلّق، حسن الضريبة، متميّز بخصال متعددة، من خطّ بديع، ونظم، ومشاركة في فنون، من طبّ وتعديل، وارتياض سماع، وذكر التاريخ. حجّ وجال في البلاد، ولقي جلّة. وتولّي بالمغرب خططا نبيهة علية. ثم كرّ إلى الأندلس عام ستين وسبعمائة، فأجرى من الاستعمال على رسمه. ثم اقتضت له العناية السلطانية بإشارتي، أن يوجه في غرض الرسالة إلى تونس وصاحب مصر، لما تقدّم من مرانه على تلك البلاد، وجولاته في أقطارها، وتعرّفه بملوكها والجلّة من أهلها، فآب بعد أعوام، مشكور التصرّفات، جاريا على سنن الجزء: 3 ¦ الصفحة: 158 الفضلاء، مضطلعا بالأحوال التي أسندت إليه من ذلك. فلم يزل معتنى به، مرشّحا إلى الخطط التي تطمح إليها نفس مثله، مسندا النّظر في زمام العسكر الغربي إلى ولده الذي يخلفه عند رحلته نائبا عنه، معزّزا ذلك بالمرتبات والإحسان، تولّاه الله وأعانه. شعره: مدح السلطان، وأنشد له في المواليد النبوية. ورفع إلى السلطان بحضرتي هذه الأبيات: [البسيط] مولاي، يا خير أعلام السلاطين ... ومن له الفضل في الدنيا وفي الدّين ومن له سير ناهيك من سير ... وافت بأكرم تحسين وتحصين شرّفت عبدك تشريفا له رتب ... فوق النجوم التي للأفق «1» تعليني وكان لي موعد مولاي أنجزه ... وزاد في العزّ بعد الرّتبة الدّون والله ما الشّكر مني قاضيا وطري ... ولو أتيت به حينا على حين ولا الثّناء موفّ حقّ أنعمه ... ولو ملأت به كل الدّواوين لكن دعائي وحبّي قد رضيتهما ... كفاء «2» أفعاله الغرّ الميامين وعند عبدك إخلاص يواصله ... في خدمة لم يزل للخير تدنيني وسوف أنصح كل النصح مغتنما ... رضى إمام له فضل يرجّيني جوزيت عني أمير المسلمين بما ... ترضاه للملك من نصر وتمكين وأنت أكرم من ساس الأنام ومن ... عمّ البلاد بتسكين وتهدين ومن كمثل أبي عبد الإله إذا ... أضحى الفخار لنا رحب الميادين محمد بن أبي الحجّاج خيرة من ... أهدي له «3» مدحا بالسّعد يحظيني وجه جميل وأفعال تناسبه ... ودولة دولة المأمون تنسيني لا زال في السّعد والإسعاد ما سجعت ... ورق الحمام على قضب البساتين محمد بن عبد الرحمن الكاتب يكنى أبا عبد الله، من أهل غرناطة، أصله من وادي آش. حاله: كان طالبا نبيها كاتبا جليلا، جيّد الكتابة. كتب عن بعض أبناء الخليفة أبي يعقوب، واختصّ بالسيد أبي زيد بغرناطة، وبشرق الأندلس، وكان أثيرا عنده الجزء: 3 ¦ الصفحة: 159 مكرّما. وكان، رحمه الله، شاعرا، مطبوعا، ذا معرفة جيدة بالعدد والمساحة، ثم نزع عن الكتابة، واشتغل بالعمل، فراش فيه، وولّي إشراف بنيات غرناطة. ثم ولّي إشراف غرناطة، فكفّ يده، وظهرت نصيحته. ثم نقل إلى حضرة مرّاكش، فولي إشرافها مدة، ثم صرف عنها إلى غرناطة، وقدّم على النظر في المستخلص إلى أن توفي. مناقبه: أشهد لما قربت وفاته، أنه كان قد أخرج في صحّته وجوازه، أربعة آلاف دنير من صميم ماله لتتميم القنطرة التي بنيت على وادي شنجيل «1» بخارج غرناطة. وكان قبل ذلك قد بنى مسجد دار القضاء من ماله، وتأنّق في بنائه، وأصلح مساجد عدة، وفعل خيرا، نفعه الله. شعره: ومن شعره ما كتب به إلى الشيخ أبي يحيى بن أبي عمران، وزير الخلافة، وهو بحال شكاية أصابته: [الطويل] شكوت فأضنى المجد برح شكاته ... وفارق وجه الشمس حسن آياته «2» وعادت ببعديك «3» الزّمان زمانة ... تعدّت إلى عوّاده «4» وأساته وغيّض ما للبشر لمّا تبسّطت ... يد السّقم «5» في ساحات كافي كفاته فكيف بمقصوص وصلت جناحه ... وأدهم قد سربلته بشاته؟ وممتحن لولاك أذعن خبرة ... وهان على الأيام غمز قناته أمعلق أمالي ومطمح همّتي ... وواهب نفسي في عداد مباته سأستقبل النّعمى ببرّك غضّة ... ويصغر ذنب الدهر في حسناته وتسطو عين الحقّ منك بمرهف ... تراع الخطوب الجور من فتكاته وتطلع في أفق الخلافة نيّرا ... تطالعنا الأقمار من قسماته حرام على الشكوى اعتياد مطهّر ... حياة الدّنا والدين طيّ حياته فما عرضت في قصده بمساءة ... ولكن ترجّت أن ترى في عفاته الجزء: 3 ¦ الصفحة: 160 مشيخته: قال الغافقي: قرأ بمالقة على الأستاذ أبي زيد السّهيلي، رحمه الله. وفاته: وتوفي بغرناطة سنة سبع وستمائة، ودفن بداره بجهة قنطرة القاضي منها على ضفة الوادي. محمد بن عبد الملك بن سعيد بن خلف بن سعيد ابن الحسن بن عثمان بن محمد بن عبد الله بن سعيد ابن عمار بن ياسر «1» أوليّته: قد وقع التّنبيه عليها ويقع بحول الله. حاله: كان «2» وزيرا جليلا بعيد الصّيت، عالي الذكر، رفيع الهمّة، كثير الأمل «3» . نباهته: ذكره «4» ابن صاحب الصلاة في تاريخه في الموحدين، فنبّه على مكانة محمد بن عبد الملك منهم في الرأي والحظوة، والأخذ عنه في أمور الأندلس «5» ، وأثنى عليه. وذكره أبو زيد السّهيلي في «شرح السّيرة الكريمة» «6» ، حتى انتهى إلى حديث كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، الموجه إلى هرقل، وأن محمد بن عبد الملك عاينه عند أذفونش، مكرّما، مفتخرا به. والقضية «7» مشهورة. وأما محلّه من أمداح الشعراء، فهو الذي مدحه الأديب أبو عبد الله الرّصافي بقوله «8» : [الكامل] أيدا «9» تفيض وخاطرا متوقّدا؟ ... دعها تبت قبسا على علم الندى وفيه يقول أبو عبد الله بن شرف من قصيدة: [البسيط] يا رحمة الله للرّاجي ونقمته ... لكل باغ طغى عن خيرة الرّسل الجزء: 3 ¦ الصفحة: 161 لم تبق منهم كفورا دون مرقبة ... مطالعا منك حتفا غير منفصل كما بزاتك لم تترك بأرضهم ... وحشا يفرّ ولا طيرا بلا وجل وكان كثير الصّيد، ومتردّد الغارات. مناقبه في الدين: قالوا: لما أنشده أبو عبد الله الرّصافي في القصيدة التي مطلعها «1» : [الكامل] لمحلّك التّرفيع والتّعظيم ... ولوجهك التّقديس والتّكريم حلف ألّا يسمعها، وقال: عليّ جائزتك، لكنّ طباعي لا تحتمل مثل هذا، فقال الرّصافي: ومن مثلك؟ ومن يستحق ذلك في الوقت غيرك؟ فقال له: دعني من خداعك أنا وما أعلمه عن نفسي. شعره: أنشده صاحب «الطالع» «2» ، ولا يذكر له غيره «3» : [الطويل] فلا تظهرن ما كان في الصّدر كامنا ... ولا تركبن بالغيظ في مركب وعر ولا تبحثن في عذر من جاء تائبا ... فليس كريما من يباحث في عذر «4» وولي من الأعمال للموحدين كثيرا، كمختص حضرة مراكش، ودار السلاح، وسلا، وإشبيلية، وغرناطة، واتصلت ولايته على أعمال غرناطة، وكان من شيوخها وأعيانها. محنته: وعمل فيه عقد بأن بداره من أصناف الحلى، ما لا يكون إلا عند الملوك، وأنه إذا ركب في صلاة الصبح، من دار الرّخام التي يجري الماء فيها، في اثني عشر مكانا، شوّش الناس في الصلاة، دويّ الجلاجل بالبزاة، ومناداة الصيادين، ونباح الكلاب، فأمر المنصور بالقبض عليه، وعلى ابن عمّه، صاحب أعمال إفريقية، أبي الحسين، في سنة ثلاث وسبعين وخمسمائة. ثم رضي عنهما، وأمر محمد بن عبد الملك أن يكتب بخطه كلّ ما أخذ له، فصرفه عليه، ولم ينقصه منه شيء، وغرم ما فات له. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 162 ولد سنة أربع عشرة «1» وخمسمائة، وتوفي بغرناطة سنة تسع وثمانين وخمسمائة. محمد بن سعيد بن خلف بن سعيد بن محمد بن عبد الله ابن الحسن بن عثمان بن محمد بن عبد الله بن عمار ابن ياسر العنسي «2» يكنى أبا بكر، وقد تقدّم التّعريف بأوليته. حاله: قال في «الطالع» : ساد في دولة الملثّمين «3» ، وولّوه بغرناطة الأعمال، وكانت له دار الرّخام المشهورة بإزاء الجامع الأعظم بغرناطة. قال الغافقي فيه: شيخ جليل، فقيه نبيه من أهل قلعة يحصب «4» . كان في عداد الفقهاء، ثم نزع إلى العمل، وولّي إشراف غرناطة في إمارة أبي سعيد الميمون بن بدر اللمتوني. وقال صاحب «المسهب» «5» : وحسب القلعة كون هذا الفاضل الكامل «6» منها، وقد رقم برد مجده بالأدب، ونال منه بالاجتهاد والسجيّة القابلة أعلى سبب، وله من المكارم ما يغيّر في وجه كعب وحاتم، لذلك ما قصدته الأدباء، وتهافتت في مدحه الشعراء، وفيه أقول: [الطويل] وكان أبو بكر من الكفر عصمة ... وردّ به الله الغواة إلى الحقّ وقام بأمر الله حافظ أهله ... بلين وسبط في المبرّة والخلق وهذا أبو بكر سليل ابن ياسر ... بغرناطة ناغاه في الرّأي والصّدق فهذا لنا بالغرب يجني معالما ... تباهي الذي أحيا الدّيانة بالشّرق وقد جرى من ذكره عند ذكر أبي بكر بن قزمان، ويجري عند ذكر نزهون بنت القلاعي ما فيه كفاية، إذ كان مفتونا بها، وبحمدة وزينب، بنتي زياد المؤدّب من أهل وادي آش، وفيهما يقول: [المجتث] ما بين زينب عمري ... أحثّ كأسي وحمده الجزء: 3 ¦ الصفحة: 163 وكل نظم ونثر ... وحكمة مستجدّة وليس إلّا عفاف ... يبلّغ المرء قصده ولذلك ما سعى به المخزومي الأعمى، وقد سها عن رسم تفقّده، فكتب إلى عليّ بن يوسف «1» في شأنه بما كان سبب عزله ونكبته: [الطويل] إليك، أمير المؤمنين، نصيحة ... يجوز بها البحر المجعجع شاعر بغرناطة ولّيت في الناس عاملا ... ولكن بما تحويه منه المآزر وأنت أما «2» تخفى عليك خفيّة؟ ... فسل أهلها فالأمر للناس ظاهر وما لإلاه العرش تفنيه حمدة ... وزينب والكأس الذي هو دائر شعره: من ذلك قوله «3» : [المجتث] يا هذه، لا ترومي ... خداع من ضاق ذرعه تبكي وقد قتلتني ... كالسّيف يقطر دمعه وقال عفى الله عنه «4» : [الطويل] لقد صدعت قلبي حمامة أيكة «5» ... أثارت غراما ما أجلّ وأكرما ورقّ نسيم الرّيح من نحو أرضكم ... ولطّف حتى كاد أن يتكلّما وقال في مذهب الفخر «6» : [الخفيف] فخرنا بالحديث بعد القديم ... من معال توارثت» كالنجوم نحن في الحرب أجبل راسيات ... ولنا في النّدي لطف النّسيم ولادته: ولد في سنة ثلاث وثمانين وأربعمائة، وتوفي سنة تسع وثلاثين وخمسمائة. ومن الطارئين في هذا الاسم من العمال محمد بن أحمد بن المتأهّل العبدري «8» من أهل وادي آش، يكنى أبا عبد الله. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 164 حاله: كان رجلا شديد الأدمة، أعين، كثّ اللحية، طرفا في الأمانة، شديد الاسترابة بجليسه، مخينا لرفيقه، سيىء الظنّ بصديقه، قليل المداخلة، كثير الانقباض، مختصر الملبس والمطعم، عظيم المحافظة على النّفير والقطمير، مستوعب للحصر والتّقييد، أسير محيي وعابد زمام، وجنيب أمانة، وحلس سقيفة، ورقيب مشرف، لا يقبل هوادة، ولا يلابس رشوة، كثير الالتفات، متفقّدا للآلة، متمما للعمل. جرى ذكره في بعض الموضوعات الأدبية بسبب شعر خامل نسب إليه بما نصه «1» : رجل غليظ «2» الحاشية، معدود في جنس السائمة والماشية، تليت على العمال به سورة الغاشية، ولي «3» الأشغال السلطانية، فذعرت الجباة لولايته، وأيقنوا «4» بقيام قيامتهم لطلوع آيته، وقنطوا كلّ القنوط، وقالوا: جاءت الدّابّة تكلّمنا وهي إحدى الشروط، من رجل صائم الحسوة «5» ، بعيد عن «6» المصانعة والرّشوة، يتجنّب الناس، ويقول عند المخالطة «7» لهم: لا مساس، عهدي به في الأعمال يخبط ويتبر «8» ، وهو «9» يهلّل ويكبّر، ويحسّن «10» ويقبّح، وهو يسبّح، انتهى. قلت: وولّي الأشغال السلطانية، فضمّ النّشر، وأوصد باب الحيلة، وبثّ أسباب الضّياع، وترصّد ليلا وأصيب بجراحة أخطأته، ثم عاجلته الوفاة، فنفّس عن أقتاله المخنّق. شعره: قال يخاطب بعض أثراء الدّولة قبل نباهته «11» : [الطويل] عمادي، ملاذي، موئلي، ومؤمّلي ... ألا أنعم بما ترضاه للمتأهّل وحقّق بنيل القصد منك رجاءه ... على نحو ما يرضيك يا ذا التّفضّل فأنت الذي في العلم يعرف قدره ... بخير زمان فيه لا زلت تعتلي «12» فهنّيت يا مغنى «13» الكمال برتبة ... تقرّ لكم بالسّبق في كلّ محفل الجزء: 3 ¦ الصفحة: 165 وفاته: توفي عام ثلاثة وأربعين «1» بغرناطة أو قبل ذلك بيسير، وله خط حسن، وممارسة في الطب، وقد توسّط المعترك. محمد بن محمد بن محمد بن عبد الواحد البلوي «2» من أهل ألمريّة، يكنى أبا بكر. أوليته: من كتاب «المؤتمن» «3» قال: يشهر بنسبه وأصل سلفه من جهة بيرة، إما من بجّانة «4» ، وإما من البريج «5» ، واستوعب سبب انتقالهم. حاله: من «عائد الصلة» : كان أحد الشيوخ من طبقته، وصدر الوزراء من نمطه ببلده، سراوة وسماحة، ومبرّة وأدبا ولوذعيّة ودعابة، رافع راية الانطباع، وحائز قصب السبق في ميدان التّخلّق، مبذول البرّ، شائع المشاركة. وقال في «المؤتمن» : كان رجلا عاقلا، عارفا بأقوال الناس، حافظا لمراتبهم، منزلا لهم منازلهم، ساعيا في حوائجهم، لا يصدرون عنه إلّا عن رضى بجميل مداراته. التفت إلى نفسه، فلم ينس نصيبه من الذّلّ، ولا أغفل من كان يألفه في المنزل الخشن، واصلا لرحمه، حاملا لوطأة من يجفوه منهم، في ماله حظّ للمساكين، وفي جاهه رفد للمضطرّين، شيخا ذكيّ المجالسة، تستطيب معاملته، على يقين أنه يخفي خلاف ما يظهر، من الرجال الذين يصلحون الدّنيا، ولا يعلق بهم أهل الآخرة، لعروه عن النّخوة والبطر، رحمه الله. تكرّرت له الولاية بالديوان غير ما مرّة، وورد على غرناطة، وافدا ومادحا ومعزّيا. مشيخته وما صدر عنه: قرأ على ابن عبد النّور، وتأدّب به، وتلا على القاضي أبي علي بن أبي الأحوص أيام قضائه ببسطة، ونظم رجزا في الفرائض. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 166 شعره: قال الشيخ «1» في «المؤتمن» : كانت له مشاركة في نظم الشعر الوسط، وكان شعر تلك الحلبة الآخذة عن ابن عبد النور، كأنه مصوغ من شعر شيخهم المذكور، ومحذوّ عليه، في ضعف المعاني، ومهنة الألفاظ. تنظر إلى شعره، وشعر عبد الله بن الصّائغ، وشعر ابن شعبة، وابن رشيد، وابن عبيد، فتقول: ذرّية بعضها من بعض. فمن ذلك ما نظمه في ليلة سماع واجتماع بسبب قدوم أخيه أبي الحسن من الحجاز: [الطويل] إلهي، أجرني إنني لك تائب ... وإنّي من ذنبي إليك لهارب عصيتك جهلا ثم جئتك نادما ... مقرّا وقد سدّت عليّ المذاهب مضى زمن بي في البطالة لاهيا ... شبابي قد ولّى وعمري ذاهب فخذ بيدي واقبل بفضلك توبتي ... وحقّق رجائي في الذي أنا راغب أخاف على نفسي ذنوبا جنيتها ... وحاشاك أن أشقى وأنت المحاسب وإني لأخشى في القيامة موقفا ... ويوما عظيما أنت فيه المطالب وقد وضع الميزان بالقسط حاكما ... وجاء شهيد عند ذاك وكاتب وطاشت عقول الخلق واشتدّ خوفهم ... وفرّ عن الإنسان خلّ وصاحب فما ثمّ من يرجى سواك تفضّلا ... وإن الذي يرجو سواك لخائب ومن ذا الذي يعطي إذا أنت لم تجد؟ ... ومن هو ذو منع إذا أنت واهب؟ عبيدك، يا مولاي، يدعوك رغبة ... وما زلت غفّارا لمن هو تائب دعوتك مضطرا وعفوك واسع ... فأنت المجازي لي وأنت المعاقب فهب لي من رحماك ما قد رجوته ... وبالجود يا مولاي ترجى المواهب توسّلت بالمختار من آل هاشم ... ومن نحوه قصدا تحثّ الرّكائب شفيع الورى يوم القيامة جاهه ... ومنقذ من في النار والحقّ واجب ومما بلغ فيه أقصى مبالغ الإجادة، قوله من قصيدة هنّأ فيها سلطاننا أبا الحجاج بن نصر «2» ، لما وفد هو وجملة أعيان البلاد أولها: [الكامل] يهني الخلافة فتّحت لك بابها ... فادخل على اسم الله يمنا غابها الجزء: 3 ¦ الصفحة: 167 منها، وهو بديع، استظرف يومئذ: يا يوسفيّا باسمه وبوجهه ... اصعد لمنبرها وصن محرابها في الأرض مكّنك الإله كيوسف ... ولتملكنّ بربها أربابها بلغت بكم آرابها من بعد ما ... قالت لذلك نسوة ما رابها كانت تراود كفوها حتى إذا ... ظفرت بيوسف غلّقت أبوابها قلت «1» : ما ذكره المؤلف ابن الخطيب، رحمه الله، في هذا المترجم به، من أنه ينظم الشعر الوسط، ظهر خلافه، لذا أثبت له هذه المقطوعة الأخيرة. ولقد أبدع فيها وأتى بأقصى مبالغ الإجادة كما قال، وحاز بها نمطا أعلى مما وصفه به. وأما القصيدة الأولى، فلا خفاء أنها سهل المأخذ، قريبة المنزع، بعيدة من الجزالة، ولعلّ ذلك كان مقصودا من ناظمها رحمه الله. وفاته: توفي ببلده عن سنّ عالية في شهر ربيع الآخر عام ثمانية وثلاثين وسبعمائة. ورثاه شيخنا أبو بكر بن شبرين، رحمه الله، بقوله: [البسيط] يا عين، سحّي بدمع واكف سرب ... لحامل الفضل والأخلاق والأدب بكيت، إذ ذكر الموتى، على رجل ... إلى بليّ «2» من الأحياء منتسب على الفقيه أبي بكر تضمّنه ... رمس وأعمل سيرا ثم لم يؤب قد كان بي منه ودّ طاب مشرعه ... ما كان عن رغب كلّا ولا رهب لكن ولاء «3» على الرحمن محتسبا ... في طاعة الله لم يمذق ولم يشب فاليوم أصبح في الأجداث مرتهنا ... ما ضرّت الريح أملودا من الغضب إنّا إلى الله من فقد الأحبّة ما ... أشدّ لذعا لقلب الثّاكل الوصب من للفضائل يسديها ويلحمها؟ ... من للعلى بين موروث ومكتسب؟ قل فيه ما «4» تصف ركنا لمنتبذ ... روض، لمنتجع أنس، لمغترب؟ باق على العهد لا تثنيه ثانية ... عن المكارم في ورد ولا قرب سهل الخليقة بادي البشر منبسط ... يلقى الغريب بوجه الوالد الحدب الجزء: 3 ¦ الصفحة: 168 كم غيّر الدهر من حال فقلّبها ... وحال إخلاصه ممتدّة الطّنب سامي المكانة معروف تقدّمه ... وقدره في ذوي الأقدار والرّتب أكرم به من سجايا كان يحملها ... وكلّها حسن تنبيك عن حسب ما كان إلّا من الناس الألى درجوا ... عقلا وحلما وجودا هامي السّحب أمسى ضجيع الثّرى في جنب بلقعة ... لكن محامده تبقى على الحقب ليست صبابة نفسي بعده عجبا ... وإنما صبرها من أعجب العجب أجاب دمعي إذ نادى النعيّ به ... لو غير منعاه نادى الدمع لم يجب ما أغفل المرء عمّا قد أريد به ... في كل يوم تناديه الرّدى اقترب يا ويح نفسي أنفاس «1» مضت هدرا ... بين البطالة والتّسويف واللّعب ظننت أنّي بالأيام ذو هزء ... غلطت بل كانت الأيام تهزأ بي أشكو إلى الله فقري من معاملة ... لله أنجو بها في موقف العطب ما المال إلّا من الله فأفلح من «2» ... جاء القيامة ذا مال وذا نشب اسمع «3» أبا بكر الأرضى نداء أخ ... باك عليك مدى الأيام مكتئب أهلا بقدمتك الميمون ظاهرها ... على محل الرّضى والسّهل والرّحب نم في الكرامة فالأسباب وافرة ... وربما نيلت الحسنى بلا سبب لله لله والآجال قاطعة ... ما بيننا من خطابات ومن خطب ومن فرائد آداب يحبّرها ... فيودع الشّهب أفلاكا من الكتب أما الحياة فقد ملّيت مدّتها ... فعوّض الله منها خير منقلب لولا قواطع لي أشراكها نصبت ... لزرت قبرك لا أشكو من النّصب وقلّ ما شفيت نفس بزورة من ... حلّ البقيع ولكن جهد ذي أرب يا نخبة ضمّها ترب ولا عجب ... إن التراب قديما مدفن النّخب كيف السبيل إلى اللّقيا وقد ضربوا ... بيني وبينك ما بقي من الحجب؟ عليك مني سلام الله يتبعه ... حسن الثّناء «4» وما حيّيت من كثب الجزء: 3 ¦ الصفحة: 169 محمد بن محمد بن شعبة الغسّاني «1» من أهل ألمريّة، يكنى أبا عبد الله. حاله: قال شيخنا أبو البركات في الكتاب «المؤتمن» : من أهل ألمريّة ووجوهها، لا حظّ له في الأدب، وبضاعته في الطلب مزجاة. قطع عمره في الأشغال المخزنيّة، وهو على ذلك حتى الآن. قلت: هذا الرجل أحد فرسان الطريقة العمليّة، ماض على لين، متحرك في سكون، كاسد سوق المروءة، ضان بما يملك من جدة، منحطّ في هوّة اللّذة، غير معرج على ربع الهمّة، لطيف التّأنّي، متنزّل في المعاملة، دمث الأخلاق، مليح العمل، صحيح الحساب، منجب الولد. مشيخته: قرأ على ابن عبد النّور، والقدر الذي يحسّ به عنه أخذه. شعره: من شعره يخاطب أبا الحسن بن كماشة: [البسيط] وافى البشير فوافى الأنس والجذل ... وأقبل السّعد والتوفيق والأمل وراقت الأرض حسنا زاهرا وسنى ... واخضرّ «2» منها الرّبى والسّهل والجبل ولاح وجه عليّ بعد ذا فغدا ... له شعاع كضوء الشّمس متّصل مذ غاب أظلمت الدنيا لنا وغدت ... أحشاؤنا بلهيب الشّوق تشتعل وحين أشرقت الدّنيا بغرّته ... عاد الظّلام ضياء وانتفى الخبل إيه أبا حسن أنت الرجاء لنا ... مهما اعترت شدّة أو ضاقت الحيل وأنت كهف منيع من نحاك فقد ... نال المنى وبدا عيش له خضل يا سيدا قد غدا في المجد ذا رتب ... مشيدة قد بنتها السّادة الأول بنو كماشة أهل الفضل قد شهروا ... باهت بهم في قديم الأعصر الدّول السّالكون هدى السابقون مدى ... والباذلون ندى والناس قد بخلوا أنت الأخير زمانا والقديم علا ... والسّيّد المرتجى والفارس البطل إن كنت جئت أخيرا فارسا «3» فلقد ... أضحى بجود يديك يضرب المثل حزت المآثر لا تحصى لكثرتها ... من رام إحصاءها سدّت له السّبل جزت البدور سنى والفرقدين علا ... وأنت تجر النّدى والوابل الهطل الجزء: 3 ¦ الصفحة: 170 من جاء يطلب منك السّلم قابله ... وجه طليق ولفظ كلّه عسل ومن يرد غير ذا تبّا له وردى ... لقد ترفّع في برج له زحل هنّاك ربّك ما أولاك من نعم ... وعشت في عزّة تترى وتتّصل ولا عدمت مدى الأيام منزلة ... من دونها رفعة في الأبرج الحمل وخذه بعد سلاما عاطرا أرجا ... يدوم ما دامت الأسحار والأصل من خادم لعلاكم مخلص لكم ... من حبّكم لا يرى ما عاش ينتقل تقبيل كفّك أعلى ما يؤمّله ... فجد به فشفا الهائم القبل وفاته: في أول عام أربعة وستين وسبعمائة. محمد بن محمد بن العراقي «1» وادي آشي، يكنى أبا عبد الله. حاله: فاضل «2» الأبوة، معروف الصّون والعفّة، بادي الاستقامة، دمث «3» الأخلاق، حسن الأدوات، ينظم وينثر، ويجيد الخطّ، تولّى أعمالا نبيهة، ثم علقت به الحرفة، فلقي ضغطا وفقد نشبا، واضطرّ إلى التحول عن وطنه إلى برّ العدوة عام ستة وخمسين وسبعمائة، وتعرّف لهذا العهد أنه تولّى الأشغال بقسنطينيّة «4» الهواء من عمل إفريقية. شعره: كتب إليّ وقد أبي عملا عرض عليه «5» : [الطويل] أأصمت ألفا ثم أنطق بالخلف ... وأفقد إلفا ثم آنس بالجلف؟ وأمسك دهري ثم أنطق «6» علقما ... ويمحق بدري ثم ألحق بالخسف؟ وعزّكم لا كنت بالذّلّ عاملا ... ولو أنّ ضعفي ينتمي بي «7» إلى حتف «8» الجزء: 3 ¦ الصفحة: 171 فإن تعملوني في تصرّف عزّة ... وعدل وإلّا فاحسموا علّة الصّرف بقيت وسحب العطف «1» منكم تظلّني ... وعطف «2» ثنائي «3» دائما ثاني العطف محمد بن عبد الله بن محمد بن علي بن عبد الله ابن محمد بن عبد الله بن فرتون الأنصاري من أهل مالقة، يكنى أبا القاسم، ويعرف بالهنا. أوليته: ينسب إلى القاضي ببطليوس، قاضي القضاة، رحمه الله. وبمالقة دور تنسب إلى سلفه تدلّ على نباهة، وقد قيل غير ذلك. والنّص الجلي أولى من القياس. حاله: من «عائد الصلة» : الشيخ الحاج المحدّث صاحب الأشغال بالدار السلطانية. صدر نمطه، وفريد فنّه رجولة وجزالة واضطلاعا وإدراكا وتجلّدا وصبرا. نشأ بمالقة معدودا في أهل الطّلب والخصوصيّة، ورحل إلى الحجاز الشّريف في فتائه، فاستكثر من الرّواية، وأخذ عن أكابر من أهل المشرق والمغرب، حسبما يشهد بذلك برنامجه. وكان على سنن من السّرو والحشمة، فذّا في الكفاية، جريّا، مقداما، مهيبا، ظريف الشّارة، فاره المركب، مليح الشّيبة، حسن الحديث، وقّاد الذهن، صابرا على الوظائف، يخلط الخوض في الأمور الدّنيوية بعبادة باهظة، وأوراد ثقيلة، ويجمع ضحك الفاتك وبكاء النّاسك في حالة واحدة، هشّا، مفرط الحدّة، يشرد عليه مجل لسانه في المجالس السلطانية بما تعروه المندمة بسببه، قائما على حفظ القرآن وتجويده وتلاوته، ذا خصال حميدة، صنّاع اليد، مقتدرا على العمليات من نسخ ومقابلة وحساب، معدودا من صدور الوقت وأعلام القطر ورجال الكمال. مشيخته: أخذ عن الجلّة من أهل بلده كالأستاذ أبي محمد بن أبي السّداد الباهلي؛ لازمه وانتفع به، والخطيب أبي عثمان بن عيسى؛ أخذ عنه، والولي أبي عبد الله الطّنجالي، وغيرهم مما يطول ذكرهم من العدوة والأندلس والمشارقة. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 172 محنته: لقي نصبا في الخدمة السلطانية، وغضّا من الدهر لبأوه، بتعنّته وعدم مبالاته مرّات، ضيّق لها سجنه، وعرض عليه النّكال، ونيل منه بالإهانة كلّ منال، وأغرم مالا أجحف بمحتجنه، وعرّض للأيدي نفائس كتبه، وعلى ذلك فلم يذعر سربه، ولا أضعفت النكبة جأشه. ولادته: ولد عام ثلاثة وسبعين وستمائة. ومات ميتة حسنة. صلّى الجمعة ظهرا، وقد لزم الفراش. ونفث دم الطاعون، ومات مستقبل القبلة، على أتمّ وجوه التأهب، سابع شوال من عام خمسين وسبعمائة. محمد بن عبد الله بن محمد بن مقاتل من أهل مالقة، يكنى أبا القاسم، أزدي النسب، إشبيلي الأصل، من بيت نزاهة ونباهة. حاله: كان فاضلا وقورا سمحا، مليح الدّعابة، عذب الفكاهة، حلو النادرة، يكتب ويشعر، طرفا في الانطباع واللّوذعيّة، آية في خلط الجدّ بالهزل. ولّي الإشراف بمدينة مالقة، وتقلّب في الشهادة المخزنية عمره. شعره: من شعره يخاطب ذا الوزارتين أبا عبد الله بن الحكيم، رحمه الله: [الطويل] فؤادي من خطب الزمان سقيم ... وفيه لسهم الحادثات كلوم ولم أشك دائي في البريّة لامرىء ... أأشكو به وابن الحكيم حكيم؟ وفاته: توفي بمالقة يوم الخميس عاشر شهر رمضان من عام تسعة وثلاثين وسبعمائة. محمد بن علي بن عبد ربه التجيبي من أهل مالقة، يكنى أبا عمرو. حاله: كان راوية ثقة، بارع الأدب، بليغ الكتابة، طيّب النفس، كامل المروءة، حسن الخلق، جميل العشرة، تلبّس بالأعمال السلطانية دهرا، وولّي إشراف غرناطة وغيرها، إلى أن قعد لشكاية منعته من القيام والتّصرّف فعكف على النّظر، فانتفع به. مشيخته: كانت له رحلة سمع فيها بالإسكندرية على أبي عبد الله بن منصور وغيره، وروى عنه الأخوان سالم وعبد الرحمن، ابنا صالح بن سالم. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 173 تواليفه: له اختصار حسن في «أغاني الأصبهاني» ، وردّ جيّد على ابن غرسيّة في رسالته الشّعوبية «1» ، لم يقصر فيها عن إجادة. وفاته: وتوفي لسبع خلون من محرم من عام اثنين وستمائة. الزّهاد والصّلحاء والصّوفية والفقراء وأولا الأصليون محمد بن إبراهيم بن محمد بن محمد الأنصاري «2» من أهل غرناطة، يكنى أبا عبد الله، ويعرف بالصّنّاع. حاله: من «عائد الصلة» : الشيخ الصّوفي، الكثير الأتباع، الفذّ الطريقة، المحبّب إلى أهل الثغور من البادية. كان، رحمه الله، شيخا حسن السّمت، كثير الذّكر والمداومة، يقود من المخشوشنين عدد ربيعة ومضر، يعمل الرّحلة إلى حصونهم، فيتألّفون عليه تألّف النّحل على أمرائها ويعاسيبها، معلنين بالذّكر، مهرولين، يغشون مثواه بأقواتهم على حالها، ويتناغون في التماس القرب منه، ويباشرون العمل في فلاحة كانت له بما يعود عليه بوفر وإعانة. وكان من الصالحين، وعلى سنن الخيار الفضلاء من المسلمين، وله حظّ من الطّلب ومشاركة، يقوم على ما يحتاج إليه من وظائف دينه، ويتكلم في طريق المتصوّفة على مذهب أبي عبد الله السّاحلي شيخه، كلاما جهوريا، قريب الغمر. وكان له طمع في صناعة الكيمياء تهافت على دفاتيرها وأهل منتحليها؛ ليستعين بها بزعم على آماله الخيريّة، فلم يحل بطائل. مشيخته: قرأ على أستاذ الجماعة أبي جعفر بن الزبير، وكانت له في حاله فراسة. حدّثني بذلك شيخنا أبو عبد الله بن عبد الولي، رحمه الله. وسلك على الشيخ الصالح أبي عبد الله السّاحلي. وفاته: وتوفي ليلة الاثنين السابع من شهر شوال عام تسعة وأربعين وسبعمائة، وكانت جنازته آخذة في الاحتفال، قدم لها العهد، ونفر لها الناس من كل أوب، وجيء بسريره، تلوح عليه العناية، وتحفّه الأتباع المقتاتون من حلّ أموالهم وأيديهم من شيوخ البادية، فتولّوا مواراته، تعلو الأصوات حوله، ببعض أذكاره. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 174 محمد بن أحمد الأنصاري من أهل غرناطة، يكنى أبا عبد الله، ويعرف بالموّاق. حاله: كان معلما لكتاب الله تعالى، خطيبا بمسجد ربض الفخّارين، طرفا في الخير ولين العريكة والسذاجة المشفوعة بالاختصار وإيثار الخمول، مستقيما في طريقته، خافتا في خطبته، عاكفا على وظيفته، مقصودا بالتماس الدعاء، مظنّة الصلاح والبركة. وفاته: توفي بغرناطة قبل سنة خمسين وسبعمائة بيسير، وكلف الناس بقبره بعد موته، فأولوا حجارته من التعظيم وجلب أواني المياه للمداواة، ما لم يولوه معشاره أيام حياته. محمد بن حسنون الحميري من أهل غرناطة، يكنى أبا عبد الله. حاله: كان فاضلا صالحا، مشهور الولاية والكرامة، يقصده الناس في الشّدائد، فيسألون بركة دعائه. ومن إملاء الشيخ أبي بكر بن عتيق بن مقدّم، قال: أصله من بيّاسة «1» ، وكان عمّه من المقرئين المحدّثين بها، وسكن هو مرسية، ونشأ بها، وقرأ على أشياخها، وحفظ «كتاب التحبير» في علم أسماء الله الحسنى للإمام أبي القاسم القشيري، ثم انتقل إلى غرناطة، فسكن فيها بالقصبة القديمة، وأمّ الناس في المسجد المنسوب إليه الآن. وكان يعمل بيده في الحلفا، ويتقوت من ذلك. وفاته: توفي عام خمسة وسبعمائة بغرناطة، وهو من عدد الزّهّاد. ومن مناقبه: ذكروا أنه سمع يوما بعض الصّبيان يقول لصبي آخر: مرّ للحبس، فقال: أنا المخاطب بهذا، فانصرف إلى السّجن، فدخله، وقعد مع أهله، وبلغ ذلك السلطان، فوجّه وزيره، فأخرجه، وأخرج معه أهل السجن كلّهم، وكانت من كراماته. محمد بن محمد البكري من أهل غرناطة، يكنى أبا عبد الله، ويعرف بابن الحاج. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 175 كان، رحمه الله، شيخا صالحا، جهوريّا، بعيدا عن المصانعة، متساوي الظاهر والباطن، مغلظا لأهل الدّنيا، شديدا عليهم، غير مبال في الله بغيره، يلبس خرقة الصّوفية من غير التزام لاصطلاح، ولا منقاد لرقو، ولا مؤثر لسماع، مشاركا للناس، ناصحا لهم، ساعيا في حوائجهم. خدم الصالح الكبير أبا العباس بن مكنون، وسلك به، وكان من بيت القيادة والتّجنّد، فرفض زيّه، ولبس المسوح والأسمال. وكان ذا حظّ من المعرفة، يتكلم للناس. قال شيخنا أبو الحسن بن الجيّاب: سمعته ينشد في بعض مجالسه: [الرجز] يا غاديا في غفلة ورائحا ... إلى متى تستحسن القبائحا؟ وكم إلى كم لا تخاف موقفا ... يستنطق الله به الجوارحا؟ يا عجبا منك وأنت مبصر ... كيف تجنّب «1» الطريق الواضحا؟ كيف تكون حين تقرا «2» في غد ... صحيفة قد ملئت فضائحا؟ أم كيف ترضى أن تكون خاسرا ... يوم يفوز من يكون رابحا؟ ولمّا حاصر الطّاغية مدينة ألمريّة «3» وأشرفت على التلف، تبرّع بالخروج منها ولحاقه بباب السلطان؛ لبثّ حالها، واستنفار المسلمين إلى نصرها، فيسّر له من ستر غرضه، وتسهيل قصده، ما يشهد بولايته. وفاته: توفي بألمريّة محلّ سكناه، في حدود عام خمسة عشر وسبعمائة. محمد بن محمد بن أحمد الأنصاري غرناطي، قيجاطي «4» الأصل، يعرف بالسّواس. قال في «المؤتمن» «5» في حاله: رجل متطبّب، سهل الخلق، حسن اللقاء، رحل من بلده، وحجّ، وفاوض بالمشرق الأطباء في طريقته، وعاد فتصدّر للطب، ثم عاد إلى بلاد المشرق. قلت: وعظم صيته، وشهر فضله، وقدّم أمينا على أحباس الجزء: 3 ¦ الصفحة: 176 مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، بالمدينة الطّاهرة وصدقاته، وذكر عنه أنه اضطرّه أمر إلى أن خصى نفسه، وسقطت لذلك لحيته. قال شيخنا أبو البركات: أنشدنا بدكّانه برحبة المسجد الأعظم، من حضرة غرناطة، قال: أنشدنا أبو عبد الله المرّاكشي بالإسكندرية، قال: أنشدنا مالك بن المرحّل لنفسه: أرى الكلاب بشتم الناس قد ظلمت ... والكلب أحفظ مخلوق لإحسان فإن غضبت على شخص لتشتمه ... فقل له: أنت إنسان ابن إنسان وفاته: كان حيّا عام خمسين وسبعمائة فيما أظن. ومن الطّارئين عليها في هذا الاسم محمد بن أحمد بن جعفر بن عبد الحق بن محمد بن جعفر ابن محمد بن أحمد بن مروان بن الحسن بن نصر بن نزار ابن عمرو بن زيد بن عامر بن نصر بن حقاف السلمي يكنى أبا عبد الله، ويعرف بابن جعفر، ويشهر في الأخير بالقونجي، منسوبا إلى قرية «1» بالإقليم، وكان من أهل غرناطة. حاله: من خطّ شيخنا أبي البركات بن الحاج: كان هذا الرجل رجلا صالحا فاضلا متخلّقا، سمحا، جميل اللقاء على قدم الإيثار على رقة حاله، ممّن وضع الله له القبول في قلوب عباده، فكانت الخاصّة تبرّه ولا تنتقده، والعامة تودّه وتعتقده، وتترادف على زيارته، فئة بعد فئة، فلا تنقلب عنه إلّا راضية، وكان جاريا على طريقة الشيخ أبي الحسن الشّاذلي، إذ كان قد لقي بالمشرق الشيخ الإمام تاج الدين بن عطاء الله، ولازمه وانتفع به، كما لقي ولازم تاج الدين أبا العباس المرسي، كما لازم أبو العباس أبا الحسن الشاذلي. قال: ولقيه بعد هذا الشيخ أبي عبد الله جماعات في أقطار شتّى، ينتسبون إليه، ويجرون من ملازمته الأذكار في أوقات معينة على طريقته، وله رسائل منه إليهم طوال وقصار، يوصيهم فيها بمكارم الأخلاق، وملازمة الوظائف، وخرج عنه إليهم على طريقة التّدوين كتاب سمّاه ب «الأنوار في المخاطبات والأسرار» مضمنه جملة من كلام شيخهم تاج الدين، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 177 وكلام أبي الحسن الشاذلي، ومخاطبات خوطب بها في سرّه، وكلام صاحبه أبي بكر الرّندي، وحقائق الطريق، وبعض كرامات غير من ذكر من الأولياء، وذكر الموت، وبعض فضائل القرآن. مشيخته: قرأ على الأستاذ أبي الحسن البلّوطي وأجازه، وعلى أبي الحسن بن فضيلة وأجازه كذلك، وعلى أبي جعفر بن الزبير وأجازه، ثم رحل فحجّ ودخل الشام، وعاش مدّة من حراسة البساتين، واعتنى بلقاء المعروفين بالزّهد والعبادة، وكان مليّا بأخبار من لقي منهم، فمنهم الشيخ أبو الفضل تاج الدين بن عطاء الله، وصاحبه أبو بكر بن محمد الرندي. مناقبه: قال: دخلت معه إلى من خفّ على قلبي الوصول إلى منزله لمّا قدم ألمريّة، وهو رجل يعرف بالحاج رحيب، كان من أهل العافية، ورقّت حاله، ولم يكن ذلك يظهر عليه؛ لمحافظته على ستر ذلك لعلوّ همّته، ولم يكن أيضا أثر ذلك يظهر على منزله، بل أثاث العافية باق فيه من فرش وماعون. فساعة وصول هذا الشيخ، قال: الله يجبر حالك، فحسبتها فراسة من هذا الشيخ. قال: وخاطبته عند لقائي إياه بهذه الأبيات: [البسيط] أشكو إليك بقلب لست أملكه ... ما لم يرد من سبيل فهو يسلكه له تعاقب أهواء فيقلقه ... هذا ويأخذه هذا ويتركه طورا يؤمّنه طورا يخوّفه ... طورا ييقّنه طورا يشكّكه حينا يوحّشه حينا يؤنّسه ... حينا يسكّنه حينا يحرّكه عسى الذي يمسك السّبع الطّباق على ... يديك يا مطلع الأنوار يمسكه فيه سقام من الدنيا وزخرفها ... مهما أبيّضه بالذكر تشركه عسى الذي شأنه السّتر الجميل كما ... غطّى عليه زمانا ليس يهتكه فلما قرأ منها: «فيه سقام من الدنيا وزخرفها» ، قال: هذه علّتي. مولده: سألته عنه، فقال لي: عام ثمانية وستين بقرية الجيط من قرى الإقليم. وفاته: بقرية قنجة خطيبا بها، يوم الاثنين عشرين من شهر شعبان المكرم عام خمسين وسبعمائة، في الوباء العام، ودفن بقرية قنجة، رحمة الله عليه ورضوانه. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 178 محمد بن أحمد بن حسين بن يحيى بن الحسين ابن محمد بن أحمد بن صفوان القيسي «1» وبيته شهير بمالقة، يكنى أبا الطاهر، ويعرف بابن صفوان. حاله: كان مفتوحا عليه في طريق القوم، ملهما لرموزهم، مصنوعا له في ذلك، مع المحافظة على السّنة والعمل بها آخر الرّعيل، وكوكب السّحر، وفذلكة الحساب ببلده، اقتداء وتخلّقا وخشوعا وصلاحا وعبادة ونصحا. رحل فحجّ، وقفل إلى بلده، مؤثرا الاقتصار على ما لديه، فإذا تكلّم في شيء من تلك النّحلة، يأتي بالعجائب، ويفكّ كل غامض من الإشارات. وعني بالجزء المنسوب إلى شيخ الإسلام أبي إسماعيل الروبي المسمّى ب «منازل السّاري إلى الله» فقام على تدريسه، واضطلع بأعبائه، وقيّد عليه ما لا يدركه إلّا أولو العناية، ولازمه الجملة من أولي الفضل والصلاح، فانتفعوا به، وكانوا في الناس قدوة. وولي الخطابة بالمسجد الجامع من الرّبض الشّرقي، وبه كان يقعد، فيقصده الناس، ويتبركون به، وكان له مشاركة في الفقه، وقيام على كتاب الله. تواليفه: ألّف بإشارة السلطان على عهده، أمير المسلمين أبي الحجاج «2» ، رحمه الله، كتابا في التّصوّف والكلام على اصطلاح القوم، كتب عليه شيخنا أبو الحسن بن الجيّاب بظهره، لما وقع عليه، هذه الأبيات: [الكامل] أيام مولاي الخليفة يوسف ... جاءت بهذا العالم المتصوّف فكفى بما أسدى من الحكم التي ... أبدين من سرّ الطريقة ما خفي «3» وحقائق رفع الحجاب بهنّ عن ... نور الجمال فلاح غير مكيّف كالشمس لكن هذه أبدى سنا ... للحسن والمعنى لعين المنصف فيه حياة قلوبنا ودواؤها ... فمن استغاث بجرعة منها شفي «4» إن ابن صفوان إمام هداية ... صافي فصوفي فهو صوفيّ صفي «5» وإن اختبرت فإنه صفو ابن صف ... وظاهر في طيّه صفو خفي «6» الجزء: 3 ¦ الصفحة: 179 علم توارثه وحال قد خلت ... ذوقا فنعم المقتدى والمقتفي «1» فليهنك المولى سعود إيالة ... فيها سراج نوره لا ينطفي «2» جلّى وجوه شريعة وحقيقة ... صبحا سناه باهر لا يختفي «3» لا زلت تسلك كل نهج واضح ... منها وتحيي كل سعي مزلف ومن تواليفه: «جرّ الحرّ» في التوحيد، وعلّق على الجزء المنسوب لأبي إسماعيل الهروي. من أخذ عنه: أخذ عنه ببلده وتبرّك به جلّة، وكان يحضر مجلسه عالم، منهم شيخ الشيوخ الأعلام أبو القاسم الكسكلان، وأبو الحسين الكوّاب، والأستاذ الصالح أبو عبد الله القطان، وصهره الأستاذ أبو عبد الله بن قرال، والعاقد الناسك أبو الحسين الأحمر وغيرهم. شعره: رأيت من الشعر المنسوب إليه، وقد رواه عنه جماعة من أصحابنا، يذيّل قول أبي زيد «4» ، رضي الله عنه «5» : [الطويل] رأيتك يدنيني «6» إليك تباعدي «7» ... فأبعدت نفسي لابتغاء التقرّب «8» فقال: [الطويل] هربت «9» به مني إليه فلم يكن ... بي البعد في بعدي فصحّ به قربي «10» فكان به سمعي كما بصري به ... وكان به لا بي «11» لساني مع القلب فقربي به قرب بغير تباعد ... وقربي في بعدي فلا شيء من قربي «12» الجزء: 3 ¦ الصفحة: 180 وفاته: سافر من بلده إلى غرناطة في بعض وجهاته إليها، وذهب سحرا يرتاد ماء لوضوئه، فتردى في حفرة تردّيا أوهن قواه، وذلك بخارج بلّش «1» ، فردّ إلى مالقة، فكانت بها وفاته قبل الفجر من ليلة يوم الجمعة الرابع عشر لشعبان عام تسعة وأربعين وسبعمائة. محمد بن أحمد بن عبد الرحمن بن إبراهيم الأنصاري «2» يكنى أبا عبد الله، ويعرف بالسّاحلي. حاله: من «عائد الصلة» : المثل السائر في عمران أوقاته كلها بالعبادة، وصبره على المجاهدة. قطع عمره في التّبتّل والتّهجّد، لا يفتر لسانه عن ذكر الله والصلاة على نبيّه، صلى الله عليه وسلم. خرج عن متروك والده، واقتصر على التّعيّش من حرفة الخياطة. ثم تعدّاها إلى النّسخ والتّعليم، وسلك على الشيخ أبي القاسم المريد، نفع الله به، حتى ظهرت عليه سيما الصالحين، وأقام عمره مستوعبا ضروب الخير، وأنواع القرب من صوم وأذان وذكر ونسخ وقراءة وملازمة خلوة، ذا حظّ من الفصاحة، وجرأة على الوعظ في صوت جهير وعارضة صليبة. اقتدى به طوائف من أصناف الناس على تباعد الدّيار، وألزمهم الأذكار، وحوّلهم للسلوك، فأصبح كثير الأتباع، بعيد الصّيت. وولّي الخطابة بالمسجد الجامع من بلده، ونقل إلى الخطابة بجامع غرناطة في نبوة عرضت له بسبب ذنابى ذرّية طرقوا الكدر إلى سربه، ثم عاد إلى بلده متين ظهر الحظوة، وثيق أساس المبرّة. مشيخته: قرأ ببلده مالقة على الخطيب أبي محمد بن عبد العظيم بن الشيخ، وأبي عبد الله بن لب، وأبي جعفر الحرّار، وأبي عبد الله بن الحلو، والخطيب أبي عبد الله بن الأعور. محنته: ابتلي بعد السبعين من عمره بفقد بصره، فظهر منه من الصبر والشكر والرّضا بقضاء الله ما يظهر من مثله. وأخبرني بعض أصحابه أنه كان يقول: سألت الله أن يكفّ بصري خوفا من الفتنة. وفي هذا الخبر نظر لمكان المعارضة في أمره، صلى الله عليه وسلم، بسؤال العافية والإمتاع بالإسماع والإبصار. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 181 شهرته: وجعل الله له في قلوب كثير من الخلق، الملوك فمن دونهم، من تعظيمه ما لا شيء فوقه، حتى أن الشيخ المعمر الحجّة الرّحلة أبا علي ناصر الدين المشدالي كتب إليه من بجاية بما نصه: يا أيها العزيز، مسّنا وأهلنا الضّر، وجئنا ببضاعة مزجاة، فأوف لنا الكيل، وتصدّق علينا، إن الله يجزي المتصدّقين. وبعده: من العبد الأصغر والمحبّ الأكبر فلان، إلى سيّد العارفين، وإمام المحققين، في ألفاظ تناسب هذا المعنى. حدّثني شيخنا أبو الحسن بن الجيّاب، وكان من أعلام تلاميذه، وصدور السالكين على يديه، قال: قصدت منه خلوة، فقلت: يا سيدي، أصحابنا يزعمون أنك ترى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأخبرني واشف صدري، هل هذه الرؤيا عينيّة أو قلبية؟ قال: فأفكر ساعة، ثم قال: عندي شك في رؤية ابن الجيّاب الساعة ومحادثته، فقلت: لا، فقال: كذلك الحال، قلت: وهذا أمر غريب، ولا يصح إلّا رؤية القلب، ولكن غلبت عليه حتى تخيّل في الحسّ الصورة الكريمة، إذ وجود جوهر واحد في محلّين اثنين محال. شعره: نظم الكثير من شعر منحطّ لا يصلح للكتب ولا للرّواية، ابتلي به، رحمه الله، فمن لبابه قوله، وهو من الوسط «1» : [الكامل] إن كنت تأمل «2» أن تنال وصالهم ... فامح الهوى في القيل والأفعال واصبر على مرّ الدواء فإنه ... يأتيك بعد بخالص السّلسال تواليفه: ألّف كتابا سمّاه «إعلان الحجّة، في بيان رسوم المحجّة» . وفاته: توفي يوم الجمعة الرابع والعشرين لشوال عام خمسة وثلاثين وسبعمائة، وكانت جنازته مشهودة، تزاحم الناس على نعشه، وتناولوه تمزيقا على عادتهم من ارتكاب القحة الباردة في مسلاخ حسن الظّن. محمد بن أحمد بن قاسم الأمي من أهل مالقة، يكنى أبا عبد الله، ويعرف بالقطّان، الفقيه الأوّاب المتكلم المجتهد. حاله: من «العائد» : كان هذا الرجل غريب المنزع، عجيب التّصوّف. قرأ وعقد الشروط، وتصدّر للعدالة، ثم تجرّد، وصدق في معاملته لله، وعوّل عليه، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 182 واضطلع بشروط التّوبة، فتحلّل من أهل بلده، واستفاد واسترحم، واستغفر، ونفض يديه من الدّنيا، والتزم عبادة كبيرة، فأصبح يشار إليه في الزّهد والورع، لا تراه إلّا متبسّما، ملازما لذكر الله، متواضعا لأصاغر عباده، محبّا في الضّعفاء والمساكين، جميل التّخلّق، مغضيا عن الهنات، صابرا على الإفادة. وجلس للجمهور بمجلس مالقة، يتكلم في فنون من العلم، يعظ الناس، ويرشدهم، ويزهّدهم، ويحملهم على الإيثار، في أسلوب من الاستنفار والاسترسال والدلالة والفصاحة والحفظ، كثير التأثير في القلوب، يخبر بإلهام وإعانة، فمال الخلق إليه، وتزاحموا على مجلسه، وأعلنوا بالتّوبة، وبادر مترفوهم إلى الإقلاع عن إجابة الشهوات، والاستقالة من الزّلّات، ودهم الوباء، فبذلوا من الأموال في أبواب البرّ والصّدقة، ما لا يأخذه الحصر ولا يدركه الإحصاء، ولولا أن الأجل طرقه، لعظم صيته، وانتشر نفعه. وفاته: توفي شهيد الطّاعون عصر يوم الأربعاء الرابع لصفر من عام خمسين وسبعمائة، ودفن بجبانة جبل فاره «1» ، ضحى يوم الخميس الثاني من يوم وفاته، وصلّى عليه خارج باب قنتنالة، وألحده في قبره الخطيب القاضي الصالح أبو عبد الله الطّنجالي، رحم الله جميعهم. وممّن رثاه الشيخ الأديب أبو الحسن الورّاد فقال: [الطويل] أبعد وليّ الله دمعي يسجم ... وغمار قلبي من كلوم تترجم؟ فؤادي مكلوم بحزني لفقده ... لذاك جفوني دمعها كلّه دم وماذا عسى يغني التفجّع والبكا ... وماذا عسى يجدي الأسى والتّبرّم؟ سأصبر للبلوى وإن جلّ خطبها ... فصبر الفتى عند الشّدائد يعلم كذا العلم بالسيف الصّقيل لدى الوغى ... فويق الذي من حسنه لا يوسّم «2» على قدر صبر المرء تصغر عنده ... خطوب من الدنيا على الناس تعظم ألا إنها الدّنيا تعلّة باطل ... ومحمض «3» أحلام لمن بات يحلم تجنّبها أهل العقول فأقصروا ... وأغرق فيها الجاهلون وأشأموا «4» الجزء: 3 ¦ الصفحة: 183 أعد نظرا فيها تجبك براحة ... وإنس «1» بما تقضي عليك وتحكم أعدّ لها درياق صبرك إنها ... من البؤس والتّلوين والله أرقم تلفّت إلى تعذيبها لمحبّها ... وماذا بها يلقى كئيب ومغرم يظنّ بها ريحانة وهي سدرة ... ولا منتهى إلّا الرّدى والتّندم عجبت لها تخفى علينا عيوبها ... وذاك لأنّا في الحقيقة نوّم أليس عجيبا أن يعوّل عاقل ... على عاجل من وصلها يتصرّم؟ وما وصلها معشار عشر صدورها ... ولكنه صرف وللدّهر «2» أدوم إذا ابتسمت يوما ترقّب عبوسها ... فما إن لنا منها يدوم التّبسّم ضحى كان وجه الدّهر سبر بشرّه ... فلم يمس حتى بان منه التّجهّم ذرينا بعقد من وليّ مكانه ... مكين لدى العلياء سام معظّم هوى مثل ما هوى من الأفق كوكب ... فجلّلنا ليل من الخطب مظلم تساوى لديه صيدها وعبيدها ... وعالمها النّحرير والمتعلّم هو الموت لا ينفكّ للخلق طالبا ... يروح ويغدو كلّ حين عليهم وما هو إلّا الدّاء عزّ دواؤه ... فليس لشيء في البسيطة يحسم دها كل مخلوق فما منه سيّد ... له الجاه عند الله ينجو ويسلم «3» ولو كان ذا كان النّبيّ محمد ... تجنّبه، صلّوا عليه وسلّموا «4» تعنّى به موسى ويوسف قبله ... ونوح وإدريس وشيث وآدم به باد بهرام وتبّر بهرم ... وكسّر من كسرى سوار ومعصم وكم من عظيم الشّأن حلّ بربعه ... فإن تختبره فهو ربّ وأعظم ولكنّنا ننسى ونأبى حديثه ... وننجد في الإعراض عنه ونتهم فحتّى إذا حلّ ساحة ماجد ... نطلّ بها من حسرة نتكلّم نسينا حديث الموت جهلا بغدره ... فألهمنا إذ هزّنا منه ملهم وفاة ورميّ في التّراب موسّد ... وآثاره فوق السّماك تخيّم خبا ضوء ناديّ فأقفر «5» ربعه ... من العلم والتّعليم ربع ومعلم الجزء: 3 ¦ الصفحة: 184 تردّى فأردى فقده أهل ريّة «1» ... فما منهم إلّا كئيب ومغرم غدا أهلها من فجعة بمصابه ... وعيشهم صاب قطيع وعلقم وهل كان إلّا والد مات عنهم؟ ... فيا من لقوم يتّموا حين أيّموا «2» قضى نحبه الأستاذ واحد عصره ... فكاد الأسى يقضي إلى الكلّ منهم قضى نحبه القطّان فالحزن قاطن ... مقيم بأحناء الضّلوع محكّم وهل كان إلّا روضة رفّ ظلّها ... أتيح له قيظ من الجون صيلم؟ وهل كان إلّا رحمة عاد فقدها ... علامة فقد العلم والله أعلم؟ سل التّائبين العاكفين على الهدى ... لكم منّة أسدى وأهدى إليهم أفادهم من كلّ علم لبابه ... وفهّمهم أسراره فتفهّموا «3» جزى الله ربّ الناس خير جزائه ... دليلا بهم نحو الهدى حيث يمّموا «4» أبان لهم طرق الرّشاد فأقدموا ... وحذّرهم عن كل غيّ فأحجموا «5» وجاء من التّعليم للخير كله ... بأبين من يأتي به من يعلّم فصاحة ألفاظ وحسن عبارة ... مضيّ كما يمضي الحسام المصمّم يصيب فلا يخطي إذا مقصدا ... ومن «6» يجيب فلا يبطي ولا يتلعثم يحدّث في الآفاق شرقا ومغربا ... فأخباره أضحت تخطّ وترسم سرى في الورى ذكر له ومدائح ... يكاد بها طير العلى يترنّم لعمرك ما يأتي الزمان بمثله ... وما ضرّني لو كنت بالله أقسم فقيه نزيه زاهد متواضع ... رؤوف عطوف مشفق مترحّم يودّ لو أنّ الناس أثرى جميعهم ... فلم يبق مسكين ولم يبق معدم يودّ لو أنّ الله تاب على الورى ... فتابوا فما يبقى من الكلّ مجرم عليه من الرّحمن أوسع رحمة ... فقد كان فينا الدّهر يحنو ويرحم الجزء: 3 ¦ الصفحة: 185 محمد بن أحمد بن يوسف بن أحمد بن عمر بن يوسف بن علي ابن خالد بن عبد الرحمن بن حميد الهاشمي الطّنجالي «1» لوشي «2» الأصل، مالقي النشأة والاستيطان. أوليته: بيتهم نبيه إلى هاشميّة النّبه، وهم ببلدنا لوشة أشراف، وكانت لهم فيها ثروة وثورة اجتثّها الدهر ببعض طوارقه في أبواب المغالبات. ويمتّ سلفنا إليهم بصحبة ومصاهرة في حديث يستدعي طولا، وانتقل خلفهم إلى مالقة. حاله: من «عائد الصلة» : كان هذا الولي الفاضل، المجمع على ولايته وفضله، سهل اللقاء، رفيقا بالخلق، عطوفا على الضعفاء، سالكا سنن الصّالح من السّلف سمتا وهديا، بصره مغضوض، ولسانه صامت إلّا من ذكر الله، وعلمه نافع، وثوبه خشن، وطعمته قد نفدها الورع الشّديد حتى اصطفاها مختارة، إذا أبصرت بها العين، سبقتها العبرة. بلغ من الخلق الملوك فمن دونهم الغاية، فكان يلجأ إليه المضطرّ، وتمدّ إلى عنايته الأيدي، وتحطّ بفنائه الوسائل، فلا يرتفع عن كلف الناس ولا حوائجهم، ولا ينقبض عن الشّفاعة لهم، وإصلاح ذات بينهم؛ له في ذلك كلّه أخبار طريفة. واستعمل في السّفارة بين ملكي العدوة والأندلس في أحوال المسلمين، فما فارق هيئته، وركوب حماره واستصحاب زاده، وليس الخشن من ثوبه. وكان له حظّ رغيب من فقه وحديث، وتفسير، وفريضة. ولّي الخطابة ببلده مالقة، واستسقى في المحول، فسقي الناس. حدّثني بعض أشياخنا، قال: حضرت مقامه مستسقيا، وقد امتنع الغيث، وقحط الناس، فما زاد عند قيامنا أن قال: أستغفر الله، فضجّ الخلق بالبكاء والعجيج، ولم يبرحوا حتى سقوا. وكراماته كثيرة، ذائعة من غير خلاف ولا نزاع. حدّث بعض أشياخنا عن الخطيب الصّالح أبي جعفر الزيات، قال: رأيت في النّوم قائلا يقول: فقد اللّيلة من يعمر بيت الإخلاص بالأندلس، فما انتصف النهار من تلك الليلة حتى ورد الخبر بموته. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 186 مشيخته: من شيوخه الذين قرأ عليهم وأسند إليهم الرواية والده، رحمه الله، وأبو عمرو بن حوط الله، والخطيب ابن أبي ريحانة المربلّي، والقاضي أبو علي بن أبي الأحوص، والراوية أبو الوليد بن العطار، والراوية المحدّث أبو بكر بن مشليون، والمقرئ أبو عبد الله بن مستقور الطائي، والأستاذ أبو جعفر الطبّاع، وأبو الحسين بن أبي الربيع، والمحدّث أبو عبد الله بن عيّاش، والأستاذ أبو الحسن السّفّاج الرّندي، والخطيب بألمريّة أبو الحسن الغزّال. وقرأ على الأستاذ أبي جعفر بن الزبير. وأجازه من أهل المشرق جماعة منهم أبو عبد الله بن رزيق الشافعي، والعباس أحمد بن عبد الله بن محمد الطبري، وأبو اليمن عبد الصمد بن أبي الحسن عبد الوهاب بن أبي البركات، المعروف بالنجام، والحسن بن هبة الله بن عساكر، وإبراهيم بن محمد الطّبري، إمام الخليل، ومحمد بن محمد بن أحمد بن عبد ربه الطّبري، ومحمد بن علي بن وهب بن مطيع القشيري، وأبو الفتح تقيّ الدين بن أبي الحسن فخر الدين، وعبد الله بن محمد بن أبي بكر الطبري المكيّ الشّافعي وغيرهم. ميلاده: بمالقة في رجب سنة أربعين وستمائة. وفاته: بمالقة في يوم الخميس الثامن لجمادى الأولى من عام أربعة وعشرين وسبعمائة، وقد ناهز الثمانين سنة، لم ينتقص شيء من أعماله المقرّبة إلى الله، من الصوم والصلاة، وحضور الجماعات، وملازمة الإقراء والرّواية، والصبر على الإفادة. حدّث من يوثق به أنّ ولده الفقيه أبا بكر دخل عليه، وهو في حال النّزع، والمنيّة تحشرج في صدره، فقال: يا والدي، أوصني، فقال: وعيناه تدمعان: يا ولدي، اتّق الله حيث كنت واتبع السّيئة بالحسنة تمحها، وخالق الناس بخلق حسن. محمد بن إبراهيم بن محمد بن إبراهيم البلفيقي «1» ابن الحاج والد شيخنا أبي البركات. وقد مرّ في ذكر النّسب المتّصل بعباس بن مرداس، والأوّليّة النّبيهة ما يغني عن الإعادة. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 187 حاله: من خطّ ولده شيخنا على الاختصار، قال يخاطبني في بعض ما كتب به إليّ: ذكر أبي، وهو ممن طلبتم ذكره إلي في أخباره جزءا من نحو سبعين ورقة في المقسوم، لخّصت لك من مبيّضته ما يذكر: نشأ، رحمه الله، بسبتة على طهارة تامة، وعفّة بالغة وصون ظاهر، كان بذلك علما لشبّان مكتبه. قرأ القرآن بالقراءات السّبع، وحفظ ما يذكر من المبادىء، واتّسم بالطلب. ثم تاقت نفسه إلى الاعتلاق بالعروة الوثقى التي اعتلق بها سلفه، فنبذ الدّنيا، وأقبل على الآخرة، وجرى على سنن المتّقين، آخذا بالأشدّ من ذلك والأقوى، طامحا بهمّته إلى أقصى ما يؤمّله السّالكون، فرفض زي الطّلبة، ولبس الخشنية، وترك ملابسة الخلق بالجملة، وبالغ في الانقباض عنهم، وانقطع إلى الله برباطات سبتة وجبالها، وخصوصا بمينائها، وعكف على ذلك سنين، ثم سافر إلى المغرب، سائحا في الأرض، على زي الفقهاء للقاء العبّاد وأهل العلم، فأحرز من ذلك ما شاء. ثم أجاز البحر إلى جزيرة الأندلس، وورد ألمريّة، مستقرّ سلفه، وأخذ في إيثار بقايا أملاك بقيت لأسلافه بها، على ما كان عليه من التّبتّل والإخبات. وكان على ما تلقينا من أصحابه وخدّانه، صوّاما، قوّاما، خاشعا، ذاكرا، تاليا، قوّالا للحق، وإن كان مرّا كبيرا في إسقاط التّصنّع والمباهاة، لا يضاهى في ذلك، ولا يشقّ غباره. وقدم على غرناطة، ودخل على أمير المسلمين، وقال له الوزير: يقول لك السلطان ما حاجتك؟ فقال: بهذا الرسم رحلت، ثم ظهر لي أن أنزل حاجتي بالله، فعار على من انتسب إليه أن يقصد غيره. ثم أجاز البحر وقد اشتدّت أحوال أهل الأندلس بسبب عدوّهم، وقدم على ملكه، ووعظه موعظة أعنف عليه فيها، فانفعل لموعظته، وأجاز البحر بسببه إلى جزيرة الأندلس، وغزا بها، وأقام بها ما شاء الله، وتأدب الروم لو تمّ المراد، قال: وأخبره السلطان أبو يوسف ملك المغرب، قال: كل رجل صالح دخل عليّ كانت يده ترعد في يدي، إلّا هذا الرجل، فإن يدي كانت ترعد في يده عند مصافحته. كراماته: وجلب له كرامات عدّة، فقال في بعضها: ومن ذلك ما حدّثني الشيخ المعلم الثّقة أبو محمد قاسم الحصّار، وكان من الملازمين له، المنقطعين إلى خدمته، والسّفر معه إلى البادية، فقال: إني لأحفظ لأبيك أشياء من الأحوال العظيمة، منها ما أذكره، ومنها ما لا أستطيع ذكره. ثم قال: حدّثني أهل وادي الزّرجون، وهو حشّ» من أعمال سبتة، قالوا: انصرف السيد أبو عبد الله من هنا، هذا لفظه، فلما استقرّ في الجزء: 3 ¦ الصفحة: 188 رأس العقبة المشرفة على الوادي، صاح عليه أهل القرى، إذ كانوا قد رأوا أسدا كبيرا جدا قد تعرّض في الطريق، ما نجا قط من صادفه مثله، فلما سمع الصياح قال: ما هذا؟ فقيل له: أهل القرى يصيحون عليه خيفة من السّبع، قال: فأعرض عنهم بيده، ورفع حاجبه كالمتكبّر على ذلك، وأسكتهم، وأخذ في الطّريق حتى وصل إلى الأسد، فأشار عليه بالقضيب، وقال له: من ههنا، من ههنا، اخرج عن الطريق، فخرج بإذن الله عن الطريق، ولم يوجد هنالك بعد. وأمثال ذلك كثيرة. مشيخته: قرأ على الأستاذ أبي الحسين بن أبي الربيع القرشي، وأجازه والده أبو إسحاق إجازة عامة. ومن شيوخه القاضي المسنّ أبو عبد الله الأزدي، والمحدّث أبو بكر بن مشليون، وأبو عبد الله بن جوهر، وأبو الحسين بن السراج، وأبو عبد الله محمد بن عبد الله الخزرجي، وأبو عبد الله بن الأبار، وأبو الوليد بن العطار، وأبو العباس بن عبد الملك، وأبو إسحاق بن عياش، وأبو محمد عبد الله بن أحمد بن عطيّة، وأبو بكر القرطبي حميد، وأبو إبراهيم الطّرسي، والقاضي أبو عبد الله بن عياض، والكاتب أبو الحسن الرّعيني، وأبو الحسن الشّاري، وأبو يحيى بن الفرس، وأبو إسحاق بن عبيد الله، وأبو الحسن الغزّال، وجماعة من الأندلس غير هؤلاء. ومن أهل العدوة كأبي يعقوب المحاسبي، وابن فرتون، وغيرهما «1» . محنته: نمي عنه إلى السلطان بالأندلس، أنه أغرى به ملك المغرب، وتخلّص بعد لأي في خبر طويل، وانتهب السلطان ماله، وألحق أملاكه بالمختص «2» ، واستمرّ، وذلك إلى دولة والده، وامتحن السّاعون به، فعجّل الله عقوبتهم. مولده: قال شيخنا: نقلت من خطّ أبيه ما نصّه: ولد ابني أبو بكر محمد، أسعده الله ووفّقه، في النصف الأول من ليلة يوم الاثنين الحادي والعشرين لذي قعدة من سنة ست وأربعين وستمائة. وفاته: قال: ألفيت بخط القاضي الأديب الكاتب أبي بكر بن شبرين، وكان ممن حضر جنازته بسبتة، وكانت وفاة الفقيه النّاسك السّالك الصالح أبي بكر محمد بن الشيخ الفقيه المحدّث أبي إسحاق السلمي البلفيقي في العشر الأواخر من رمضان أربعة وتسعين وستمائة، بمحروسة سبتة، ودفن إثر صلاة العصر بجبّانة الخرّوبة من منارتها بمقربة من قبر ريحان الأسود العبد الصالح، نفع الله به. وصلّى عليه الإمام أبو عبد الله بن حريث. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 189 محمد بن يحيى بن إبراهيم بن أحمد بن مالك ابن إبراهيم بن يحيى بن عبّاد النّفزي «1» من أهل رندة، يكنى أبا عمرو، ويعرف بابن عبّاد، الحاجّ الصّوفي. حاله: نشأ ببلده رندة، وهو من ذوي البيوتات الأصيلة بها، ثم رحل إلى المشرق، ولقي العلماء والصّوفية، وحضر عند المشيخة، ثم كرّ إلى الأندلس، فتصوف، وجال في النّواحي، واطّرح السّموت، وفوّت ما كان بيده من متاع الدّنيا، وكان له مال له خطر، وألقى التّصنّع لأهله رأسا. وكان فيه تولّه وحدّة، وله ذهن ثاقب، يتكلم في المعقولات والمنقولات، على طريقة الحكماء والصّوفية، ويأتي بكل عبارة غريبة، وآثاره هائلة من غير تمكّن علم، ولا وثاقة إدراك، غير أنك لا تسمع منه إلّا حسنا، وهو مع ذلك طوّاف على البلاد، زوّار للرّبط، صبّار على المجاهدة طوعا وضرورة، ولا يسأل ثيابا البتّة إلّا بذلة من ثوب أو غيره، صدقة واحد في وقته. محنته وفضله وشعره: نمي عنه كلام بين يدي صاحب المغرب، أسف به مدبّر الدولة يومئذ، فأشخص عند إيابه إلى رندة وسجن بسجن أرباب الجرائم، فكتب إلى وليّ الأمر: [الطويل] تركت لكم عزّ الغنى فأبيتم ... وأن تتركوني للمذلّة والفقر ونازعتموني في الخمول وإنه ... لذي مهجتي أحلى من البنى والأمر ثم قال: يا من رماني بسهمه الغرب، قد ردّ عليك مخضوبا بالدّم. قال: فو الله ما مرّت ثلاثة، حتى نفذ حكم الله فيمن عدا عليه. وشعره حسن يدلّ على طبع معين، فمن ذلك: [الكامل] سرى يسرّ إليّ أنك تاركي ... نفسي الفداء للطفك المتدارك يا مالكي ولي الفخار بأنني ... لك في الهوى ملك وأنّك مالكي «2» التّرك هلك فاعفني منه وعد ... بالوصل تحيي ذا «3» محبّ هالك الجزء: 3 ¦ الصفحة: 190 وأعد جميلا في الهوى عوّدتني ... إن لم تعده إليّ من للهالك؟ يا منية القلب الذي بجماله ... فتن الورى من فاتك أو ناسك آتيه «1» دونك أو أحار وفي سنى ... ذاك الجمال جلا الظلام الحالك؟ ولكم سلكت إليك لكن حين لم ... تكن الدّليل اختلّ قصد السّالك ولقد عرفت بستر سرّي في الهوى ... فهجرتني فكسيت ثوب الهاتك ما السّتر إلّا ما يحوك رضاك لا ... ما حاكه للبتر كفّ الحائك ما الفضل إلّا ما حكمت به فصن ... واهتك وصل إن شئت أو كن تاركي «2» ما لي سوى حبّيك يا حبّي فدع ... تركي فهلك الملك ترك المالك وقال أيضا «3» : [الكامل] هذا العقيق فسل معاطف بانه ... هل نسمة عادته من نعمانه؟ واسأله إن زارته ماذا أخبرت ... عن أجرع العلمين أو سكّانه وأصخ لحسن حديثها وأعده لل ... مضني ففيه البرء من أشجانه يا حبّذا ذاك الحديث وحبّذا ... من قد رواه «4» وحبّذا ببيانه وسقى الإله زمانه ومكانه ... ويعزّ قدر زمانه ومكانه يا سعد، ساعد مستهاما فيه لا ... ذقت الهوى ونجوت من عدوانه وأصخ لما يتلو «5» الوجود عليك من ... أنبائهم بلسان حال كيانه «6» وأبنه لي واقبل ذمامي بشارة ... ويقلّ بذل ذماي في تبيانه وسل النّسيم يهبّ من واديهم ... بشذا «7» خزاماه وطيب ليانه «8» ارحم بروح منه روحي تحيه ... وبسقمه «9» سقمي فديتك عانه وبنشره انشر نفس مشتاق قضت ... شوقا لنفحة نسمة «10» من بانه يا سعد، حدّثني فكلّ مخبّر ... عن خسر من أهواه أو إحسانه «11» الجزء: 3 ¦ الصفحة: 191 يا سعد، حدّثني حديثا «1» عنهم ... ويجلّ قدر الحبّ عن نسيانه يا سعد، طارحنيه واملأ مسمعي ... من سرّه إن شئت أو إعلانه أنا في الغرام أخوك حقا والفتى ... لا يكتم الأسرار عن «2» إخوانه قل كيف وادي ودّ «3» سكّان الحمى ... ومنى أمانيه وروض لسانه؟ «4» هل قلّصت أيدي النّوى من ظلّه؟ ... أو ما جرى هل عاث في جريانه؟ وهل الربوع أواهل بحمى لهم «5» ... فسقى «6» الربوع الودق «7» من هتّانه؟ وهل التقى بان على عهد النّوى «8» ... وهل اللّوى يلوي بعود زمانه؟ فبروض أنسهم عهدت «9» نضارة ... نزّهت منها الطّرف «10» في بستانه وأرى هجير الهجر أذبل يانعا ... منه وأذوى الغضّ من ريحانه وأحال حال الأنس فيه وحشة ... وطوى بساط الأنس في هجرانه آها ووالهفي وويحي أن مضى ... عهد عرفت الأنس في أزمانه وبأجرع العلمين من شرقيّه ... حبّ غذاني حبّه بلبانه حاز المحاسن كلّها فجمعن لي ... كلّ الهوى فحملت «11» كلّ هوانه وزها عليّ بعزّة «12» فبواجب ... أزهو «13» بذلّي في يدي سلطانه وقضى بأن أقضي وليت بما قضى ... يرضى فطيب العيش في رضوانه واختار لي أن لا أميل لسلوة ... عن حبّه فسلوت عن سلوانه يا عاذلي أو ناصحي أو لائمي ... تبغي السّلوّ ولات حين أوانه غلب الغرام وعزّ سلطان الهوى ... فالكلّ فيه عليّ من أعوانه الجزء: 3 ¦ الصفحة: 192 فعلام تعتب مستهاما، كلّ ما «1» ... في الكون عاذره على هيمانه «2» دع عنك لومي إنني لك ناصح ... أبدى الجمال العذر عن هيمانه وإذا الفتى قام الجمال بعذره ... في الحبّ فاتركه وثني عنانه من سام قلبي في هواه سلوة ... قد سامه ما ليس في إمكانه وقال في الغرض المذكور» : [البسيط] يا للرّجال، ألا حبّ يساعدني ... في ذا الغرام فأبكيه ويبكيني؟ «4» غلبت فيه وما أجدت مغالبتي ... وهنت والصّبّ أولى الناس بالهون ركبت لجّته وحدي فأدهشني ... ومتّ «5» في يده فردا فدلّوني «6» واضيعة العمر والبلوى مضاعفة ... ما بين يأس وآمال ترجّيني «7» والهف نفسي إن أودت وما ظفرت ... في ذا الهوى بتمنّ أو بتأمين فليت «8» شعري وعمري ينقضي طمعا ... في ذا الهوى «9» بين مغلوب ومغبون هل الألى «10» ملكوا رقيّ وقد علموا ... بذلّتي «11» وافتقاري أن يواسوني؟ فكم أكفكف دمعي بعدهم وأرى ... مجدّدا نار يأسي وهي تبليني وكم أمرّ على الأطلال أندبها ... وبالمنازل من خيف ودارين وفي الفؤاد لهم ما ليس يعلمه ... هم، علمهم بالحال يكفيني أهمي المدامع كي أروى فتعطشني ... وألزم الذّكر للسّلوى فيشجيني وكلّ من لمحت عيني أسائله ... عنهم فيغري بهم قلبي ويغريني يا أهل نجد وفخري «12» أن أحبّكم ... لا أطلب الوصل عزّ الحبّ يغنيني هل للهوى «13» من سبيل للمنى فلقد ... عزّت أمانيه في الدّنيا وفي الدّين الجزء: 3 ¦ الصفحة: 193 محمد بن يوسف بن خلصون يكنى أبا القاسم، روطيّ «1» الأصل، لوشيّه «2» ، سكن لوشة وغرناطة ومالقة. حاله: كان من جلّة المشيخة وأعلام الحكمة، فاضلا، منقطع القرين في المعرفة بالعلوم العقلية، متبحرا في الإلهيات، إماما في طريقة الصّوفية، من أهل المقامات والأحوال، كاتبا بليغا، شاعرا مجيدا، كثير الحلاوة والطّلاوة، قائما على القرآن، فقيها أصوليا، عظيم التخلّق، جميل العشرة. انتقل من حصن روطة إلى الخطابة والإمامة بلوشة، كثير الدؤوب على النّظر والخلوة، مقصودا من منتحلي ما لديه ضرورة. لم يتزوج، وتمالأت عليه طائفة ممن شانها الغضّ من مثله، فانزعج من لوشة إلى مالقة، فتحرّف بها بصناعة الطّب، إلى حين وفاته. حدّثني والدي، وكان خبيرا بأحواله، وهو من أصحاب أبيه، قال: أصابت الناس شدّة قحط، وكانت طائفة من أضداده تقول كلاما مسجّعا، معناه: إنكم إن أخرجتم ابن خلصون من بينكم، مطرتم. قال: فانزعج عنها، ولما كان على أميال نزل الغيث الرغد، قال: فسجد بموضعه ذلك، وهو معروف، وقال: سيدي، وأساوي عندك هذا المقدار، وأوجب شكرانا. وقدم غرناطة، وبها الأستاذ أبو عبد الله الرّقوطي، وله استيلاء على الحظوة السلطانية، وشأنه اختبار من يرد على الحضرة ممن يحمل فنّا، وللسلطان على ابن خلصون موجدة، لمدحه في حداثته أحد الثوار عليه بقمارش «3» ، بقصيدة شهيرة. فلمّا حضر، سأله الأستاذ: ما صناعتك، فقال: التصوّف، فالتفت إلى السلطان وقال: هذا رجل ضعيف لا شيء لديه، بحيث لا يفرّق بين الصّناعة وغيرها، فصرفه رحمه الله. تواليفه: وتواليفه كثيرة، تدل على جلالته وأصالة معرفته، تنطق علما وحكمة، وتروق أدبا وظرفا. فمن ذلك كتابه في «المحبة» ، وقفت عليه بخط جدّي الأقرب سعيد، وهو نهاية. وكتاب «وصف السلوك، إلى ملك الملوك» ، عارض به معراج الجزء: 3 ¦ الصفحة: 194 الحاتمي، فبان له الفضل، ووجبت المزيّة، ورسالة «الفتق والرّتق، في أسرار حكمة الشرق» . شعره: من ذلك قوله: [الكامل] هل تعلمون مصارع العشّاق ... عند الوداع بلوعة الأشواق؟ والبين يكتب من نجيع دمائهم ... إن الشّهيد لمن يمت بفراق لو كنت شاهد حالهم يوم النّوى ... لرأيت ما يلقون غير مطاق منهم كئيب لا يملّ بكاؤه ... قد أغرقته مدامع الآماق ومحرّق الأحشاء أشعل ناره ... طول الوجيب بقلبه الخفّاق ومولّة لا يستطيع كلامه ... مما يقاسي في الهوى ويلاقي «1» خرس اللسان فما يطيق عبارة ... ألم المرور وما له من راق؟ ما للمحبّ من المنون وقاية ... إن لم يغثه حبيبه بتلاق مولاي، عبدك ذاهب بغرامه ... فادرك «2» بوصلك من دماه الباقي «3» إني إليك بذلّتي متوسّل ... فاعطف بلطف منك أو إشفاق ومن شعره أيضا: [الكامل] أعد الحديث إذا وصفت جماله ... فبه تهيّج للمحبّ خياله يا واصف المحبوب كرّر ذكره ... وأدر على عشّاقه جرياله فبذكر من أهوى وشرح صفاته ... لذّ الحديث لمسمعي وخلاله طاب السّماع بوصفه لمسامعي ... وقررت عينا مذ لمحت هلاله قلبي يلذّ ملامة في حبّه ... ويرى رشادا في هواه ضلاله يا عاذلي أو ما ترقّ لسامر ... سمع الظّلام أنينه فرثا له؟ ومن شعره أيضا: [الكامل] إن كنت تزعم حبّنا وهوانا ... فلتحملنّ مذلّة وهوانا فاسجر لنفسك إن أردت وصالنا ... واغضب عليها إن طلبت رضانا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 195 واخلع فؤادك في طلاب ودادنا ... واسمح بموتك إن هويت لقانا فإذا فنيت عن الوجود حقيقة ... وعن الفناء فعند ذاك ترانا أو ما علمت الحبّ فيه عبرة ... فاخلص لنا عن غيرنا وسوانا وابذل لبابك إن وقفت ببابنا ... واترك حماك إذا فقدت حمانا ما لعلع ما حاجر ما رامة ... ما ريم أنس يسحر الأذهانا إنّ الجمال مخيّم بقبابنا ... وظباؤه محجوبة بظبانا نحن الأحبّة من يلذ بفنائنا ... نجمع له مع حسننا إحسانا نحن الموالي فاخضعنّ لعزّنا «1» ... إنّا لندفع في الهوى من هانا إنّ التّذلّل للتّدلّل سحر ... فاخلد إلينا عاشقا ومهانا واصبر على ذلّ المحبّة والهوى ... واسمع مقالة هائم قد لانا نون الهوان من الهوى مسروقة ... فإذا هويت فقد لقيت هوانا ومن لطيف كلامه ورقيق شعره: [الرمل] لو خيال من حبيبي طرقا ... لم يدع دمعي بخدّي طرفا ونسيم الريح منه لو سرى ... بشذاه لأزال الحرقا ومتى هبّت عليلات الصّبا ... صحّ جسمي فهي «2» لي نفث رقا عجبا يشكو فؤادي في الهوى ... لهب النار وجفني الفرقا يا أهيل «3» الحيّ، لي فيكم رشا ... لم يدع لي رمقا مذ رمقا بدر تمّ طالع أثمره ... غصن بان تحته دعص نقا راق حسنا وجمالا مثلما ... رقّ قلبي في هواه ورقا أنّس «4» الشمس ضياه ذهبا ... وكسا البدر سناه ورقا حلل الحسن عليه خلعت ... فارتداها ولها قد خلقا ومن شعره: [البسيط] دعوت من شفتي رفقا على كبدي ... فقال لي: خلق الإنسان في كبد قلت الخيال ولو في النّوم يقنعني ... فقال: قد كحلت عيناك بالسّهد الجزء: 3 ¦ الصفحة: 196 فقلت: حسبي بقلبي في تذكّره ... فقال: لي القلب والأفكار ملك يدي قلت الوصال حياتي منك يا أملي ... قال الوصال فراق الروح للجسد فقلت: أهلا بما يرضى الحبيب به ... فإنّ قلبي لا يلوى على أحد ومن أقواله الصّوفية، وكلها تشير إلى ذلك المعنى: [الطويل] ركبنا مطايا شوقنا نبتغي السّرى ... وللنّجم قنديل يضيء لمن سرى وعين الدّجى قد نام لم يدر ما بنا ... وأجفاننا بالسّهد لم تطعم الكرى إلى أن رأينا اللّيل شاب قذاله ... ولاح عمود الفجر غصنا منوّرا لمحنا برأس البعد نارا منيرة ... فسرنا لها نبغي الكرامة والقرا وأفضى بنا السير الحثيث بسحرة ... لحانة دير بالنواقس دورا فلمّا حللنا حبوة السير عنده ... وأبصرنا القسّيس قام مكبّرا وحرّك ناقوسا له أعجم الصّدا ... فأفصح بالسّر الذي شاء مخبرا وقال لنا: حطّوا حمدتم مسيركم ... وعند الصّباح يحمد القوم السرى «1» نعمتم صباحا ما الذي قد أتى بكم ... فقلنا له: إنا أتيناك زوّرا وراحتنا في الرّاح إن كنت بائعا ... فإنّ لدينا فيه أربح مشترى فقال لكم: عندي مدام عتيقة ... مخلّدة من قبل آدم أعصرا مشعشعة كالشمس لكن تروحنت ... وجلّت عن التجسيم قدما فلا ترى وحلّ لنا في الحين ختم فدامها ... فأسدى لنا مسكا فتيقا وعنبرا وقلنا: من السّاقي فلاح بوجهه ... فأدهش ألباب الأنام وحيّرا وأشغلنا عن خمره بجماله ... وغيّبنا سكرا فلم ندر ما جرى ومن شعره في المعنى: [البسيط] يا نائما يطلب الأسرار إسرارا ... فيك العيان ونبغي بعد آثارا أرجع إليك ففيك الملك مجتمع ... والفلك والفلك العلوي قد دارا أنت المثال وكرسي الصّفات فته ... على العوالم إعلانا وإسرارا والطّور والدّرّ منثورا وقد كتبت ... أقلام قدرته في اللّوح آثارا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 197 والبيت يعمره سرّ الملائك في ... مشكاة قلبك قد أسرجن أنوارا ورفع الله سقفا أنت تسكنه ... سماؤه أطلعت شهبا وأقمارا وبحر فكرك مسجور بجوهره ... فغص به مخرجا للدّرّ أسرارا فإن رأيت بوادي القدس نار هدى ... فاثبت فنورك فيها مازج النّارا واخلع لسمع النّدا نعليك مفتقرا ... إلى المنادي تنل عزّا وإكبارا وغب عن الكون بالأسماء متّصفا ... واطلب من الكلّ ربّ الدار لا الدّارا ومن ذلك في هذا المعنى: [الطويل] أطالب ما في الرّوح من غامض السّرّ ... وقارع باب العلم من عالم الأمر عرضت لعلم أبهم الشّرع بابه ... لكلّ جهول للحقائق لا يدري ولكنّ خبيرا قد سألت محقّقا ... فدونك فانظم ما نثرت من الدّرّ وبين يدي نجواك قدّم وسيلة ... تقى الله واكتم ما فهمت من السّرّ ولا تلتفت جسما ولا ما يخصّه ... من الحسّ والتخييل والوهم والفكر وخذ صورة كلّية جوهريّة ... تجلّ عن التمييز بالعكس والسّبر ولكن بمرآة اليقين تولّدت ... وليست بذاتي إن سألت ولا غير كذلك لم تحدث وليست قديمة ... وما وصفت يوما بشفع ولا وتر ولكن بذات الذّات كان ظهورها ... إذا ما تبدّت في الدّجى غرّة الفجر ومن هذا الغرض قوله: [الطويل] مشاهدتي مغناك، يا غايتي، وقت ... فما أشتكي بعدا وحبّك لي نعت مقامي بقائي عاكفا بجمالكم ... فكلّ مقام في الحقيقة لي تحت لئن حالت الأحوال دون لقائكم ... فإنّي على حكم المحبّة ما حلت وإن كان غيري في الهوى خان عهده ... فإني وأيم الله عهدي ما خنت وما لي رجاء غير نيل وصالكم ... ولا خوف إلّا أن يكون له فوت نعم إن بدا من جانب الأنس بارق ... يحرّكني بسط به نحوكم طرت ومهما تذكّرت العتاب يهزّني ... لهيبتكم قبض يغيب به النّعت تواجدت حتى صار لي الوجد مشربا ... ولاح وجود للحقيقة إذ غبت فها أنا بين الصّحو والمحو دائر ... أقول: فلا حرف هناك ولا صوت الجزء: 3 ¦ الصفحة: 198 قصودي إليكم والورود عليكم ... ومنكم سهودي والوجود إذا عدت «1» وفي غيبتي عنّي حضوري لديكم ... وعند امتحان الرّسم والمحو أثبتّ وفي فرقتي الباني بحقّ جمعتني ... وفي جمع جمعي في الحقيقة فرّقت تجلّيت «2» لي حتى دهشت مهابة ... ولما رددت اللّحظ بالسّرّ لي عشت موارد حقّ بل مواهب غاية ... إذا ما بدت تلك البداءة لي تهت لوائح أنوار تلوح وتختفي ... ولكن وميض البرق ليس له ثبت ومهما بدت تلك الطّوالع أدهشت ... وإن غيّبت تلك اللّوامع أظلمت وهيهات هيبات الجلال تردّني ... وعند التجلّي لا محالة دكدكت نسفن جبالي فهي قاع وصفصف «3» ... وليس يرى فيهنّ زيغ ولا أمت ولي أدمع أجّجن نار جوانحي ... ولي نفس لولاه من حبّكم ذبت ألا فانظروا قلب العيان حقيقة ... فنائي وجودي «4» والحياة إذا متّ مراتب في التّلوين نلت جميعها ... وفي عالم التّمكين عن كلّها بنت وعند قيامي عن فنائي وجدتكم ... فلا رتبة علويّة فوق ما نلت ورود وشرب ثم لا ريّ بعده ... لئن كنت أروى من شرابك لا كنت شربت كئاس «5» الوجود مدامة ... فلست أجلّي عن ورود متى شئت وكيف وأقداح العوالم كلّها ... ولكنني «6» من صاحب الدّير أسكرت تعلّق قوم بالأواني وإنّني ... جمال المعاني لا المغاني علّمت وأرضعت كأسا لم تدنّس بمزجها ... وقد نلتها صرفا لعمري «7» ما ضعت شراب بها الأبرار طاب مزاجهم ... وأرضعتها صرفا لأنّي قرّبت بها آدم نال الخلافة عندما ... تبدّت له شمسا لها نحوه سمت ونجت لنوح حين فرّ لفلكه ... ومن بان عن أسرارها لي «8» عمد الموت الجزء: 3 ¦ الصفحة: 199 وقد أخمدت نار الخليل بنورها ... وكان لموسى عن أشعّتها بهت وهبّت لروح الله روح نسيمها ... فأبصره الأعمى وكلّمه الميت وسار بها المختار سيري لربّه ... إلى حيث لا فوق هناك ولا تحت هنيئا لمن قد أسكرته بعرفها ... لقد نال ما يبغي وساعده البخت ومن نثر الأستاذ الجليل أبي القاسم بن خلصون المترجم به، قوله من رسالة: وصلني أيها الابن النّجيب، المخلص الحبيب، كتابك الناطق بخلوص ودّك، ورسوخ عهدك، وتلك سجيّة لائقة بمجدك، وشنشنة تعرف من والدك وجدّك، وصل الله أسباب سعدك، وأنهض عزم جدّك، بتوفيق جدّك، وبلّغك من مأمولك أقصى قصدك. فلتعلم أيها الحبيب أن جناني، ينطوي لكم أكثر مما ينشره لساني، فإني مغرى بشكركم وإن أعجمت، ومفصح بجميل ذكركم وإن جمجمت، لا جرم أنّ الوقت حكم بما حكم، واستولى الهرج فاستحكم، حتى انقطعت المسالك، وعدم الوارد والسّالك، وذلك تمحيص من الله جار على قضيّة قسطه، وتقليب لقلوب عباده بين إصبعي قبضه وبسطه، حين مدّ على الخليقة ظلّ التّلوين، ولو شاء لجعله ساكنا، ثم جعل شمس المعرفة لأهل التّمكين، عليه دليلا باطنا، ثم قبض كل الفرق عن خاصيته قبضا يسيرا، حتى أطلع عليهم من الأنس بدرا منيرا. وإلى ذلك يا بنيّ، فإني أحمد الله تعالى إليك على تشويقه إيّاك إلى مطالعة كتب المعارف، وتعطّشك للورود على بحر اللّطائف. وإنّ الإمام أبا حامد «1» ، رحمه الله، لممن أحرز خصلها، وأحكم فرعها وأصلها، لا ينكر ذلك إلّا حاسد، ولا يأباه إلّا متعسّف جاحد. هذا وصفه، رحمه الله، فيما يخصّه في ذاته. وأما تعليمه في تواليفه، وطريقه التي سلكها في كافّة تصانيفه؛ فمن علمائنا، رضي الله عنهم، من قال: إنه خلط النّهاية بالبداية، فصارت كتبه أقرب إلى التّضليل منها إلى الهداية، وإن كان لم يقصد فيها إلّا النّفع فيما أمّه من الغرض، فوجد في كتبه الضّرر بالعرض، وممن قال بهذا الفقيه الحكيم أبو بكر بن الطّفيل «2» ، قال: وأما أبو حامد، فإنه مضطرب التأليف، يربط في موضع، ويحلّ في آخر، ويتمذهب بأشياء، ويكفر بها، مثل أنه كفّر الفلاسفة باعتقادهم أن المعاد الجزء: 3 ¦ الصفحة: 200 روحاني، وإنكار هم حشر الأجساد. وقد لوّح هو بأن ذلك مذهبه في آخر كتاب «الجواهر والأربعين» ، وخرّج بأنه معتقد كبار الصّوفية، في كتاب آخر، وقال: إن معتقده كمعتقدهم، وأنه وقع على ذلك بعد بحث طويل وعناء شديد. قال: وإنما كلامه في كتبه على نحو تعليم الجمهور. وقد اعتذر أبو حامد نفسه عن ذلك في آخر كتاب «ميزان العمل» ، على أغلب ظنّي، فإن لي من مطالعة الكتب مدّة. قال: ولو لم يكن في هذه الألفاظ إلّا ما يشكّك في اعتقادك الموروث، يعني التّقليد، فإنه من لم يشكّ لم ينظر، ومن لم ينظر لم يبصر، ومن لم يبصر ففي العمى والحيرة. ثم تمثّل بقول الشاعر: [البسيط] خذ ما تراه ودع شيئا سمعت به ... في طلعة الشمس ما يغنيك عن زحل وذلك أنه قسّم آراءه إلى ثلاثة: رأي يجاب به كلّ مسترشد سائل بحسب سؤاله وعلى مقدار فهمه. ورأي يجاب به الخاصّة ولا يصرّح به للعامّة. ورأي بين الإنسان وبين نفسه، لا يطّلع عليه إلّا من شريكه في اعتقاده. وأما الفقيه الفاضل أبو الوليد بن رشد، رحمه الله، فإنّه بالغ في ذلك مبالغ عظيمة، وذلك في كتابه الذي وصف فيه مناهج أدلّة المتكلّمين، فإنه لما تكلّم على طرق الأشعريّة والمعتزلة والفلاسفة والصّوفية والحشويّة وما أحدثه المتكلّمون من الضّرر في الشّريعة بتواليفهم، انعطف فقال: وأما أبو حامد، فإنه طمّ الوادي على القرى، ولم يلتزم طريقة في كتبه، فنراه مع الأشعرية أشعريّا، ومع المعتزلة معتزليّا، ومع الفلاسفة فيلسوفا، ومع الصّوفية صوفيّا، حتى كأني به: [البسيط] يوما يمان إذا لاقيت ذا يمن ... وإن لقيت معدّيا فعدنان ثم قال: والذي يجب على أهل العلم، أن ينهوا الجمهور عن كتبه، فإن الضّرر فيها بالذات، والمنفعة بالعرض. قال: وإنما ذلك لأنه صرّح في كتبه بنتائج الحكمة دون مقدّماتها، وأفصح بالتّأويلات التي لا يطلع عليها إلا العلماء الرّاسخون في العلم، وهي التي لا يجوز أن تؤوّل للجمهور، ولا أن تذكر في غير كتب البرهان. وأنا أقول: إن كتبه في الأصلين، أعني أصول الدين وأصول الفقه، في غاية النّبل والنّباهة، وبسط اللفظ، وحسن التّرتيب والتّقسيم، وقرب المسائل. وكذلك كتبه الفقهية والخلافية والمذهبيّة، التي ألّفها على مذهب الشّافعي، فإنه كان شافعيّ المذهب في الفروع. وأما كتبه التي ذهب فيها مذهب التصوّف، فهي التي يوجد فيها ما ذكر من الضّرر بالعرض. وذلك أنه بنى الأكثر من الاعتقادات فيها على ما تأدّى إلى فهمه من مذاهب الفلاسفة، ونسبها إلى المتصوّفة. وقد نبّه على الجزء: 3 ¦ الصفحة: 201 ذلك الفقيه الجليل أبو بكر الطّرطوشي «1» في كتابه الذي سماه ب «مراقي العارفين» . قال: وقد دخل على السّالكين ضرر عظيم من كتب هذا الرجل الطّوسي «2» ، فإنه تشبّه بالصّوفية ولم يلحق بمذاهبهم، وخلط مذاهب الفلاسفة بمذاهبهم، حتى غلط الناس فيها. على أنّني أقول: إنّ باعه في الفلسفة كان قصيرا، وإنه حذا حذو الشيخ أبي علي بن سينا في فلسفته التي نقلها في المقاصد، ومنطقه الذي نقله في معيار العلم، لكن قصر عنه. وتلك الاعتقادات، منها حقّ ومنها باطل، وتلخيصه لا يتأتّى إلّا لصنفين من الناس، أعني أهل البرهان وأهل المكاشفة، فبحسب ذلك تحتاج كتبه إلى تقدمة علوم البرهان، أو رياضة أهل المكاشفة. ولذلك صنّف هو معيار العلم؛ ليكون الناظر في كتبه يتقدّم، فيتعلّم منه أصناف البراهين، فيلحق بأهل البرهان. وقدّم أيضا تصنيف «ميزان العمل» ليكون المرتاض فيه، وبه يلحق بأهل المكاشفة، وحينئذ ينظر في سائر كتبه. وهذه الرسالة طويلة، تكلم فيها على كتب أبي حامد الغزالي، رحمه الله، بما يدل على تفنّنه، وعلى اضطلاعه، رحمه الله. ومن الغرباء في هذا الاسم محمد بن أحمد بن أمين بن معاذ بن إبراهيم بن جميل ابن يوسف العراقي ثم الخلاطي، ثم الأقشري الفارسي، وينعت من النّعوت المشرقية بجلال الدين، من بلاد فارس. حاله: كان من الصّوفية المتجرّدين من المال والعيال، ذا وقار وتؤدة، وسكون ومحافظة على ظاهره. أكثر في بلاد المشرق من الأخذ عن الشّيوخ المحدّثين والمتصوّفين، ثم قدم المغرب، فاستوطن بعض بلاده، ثم أجاز البحر إلى الأندلس عام أربعة وسبعمائة، وأخذ عمّن بها من الشيوخ، ودخل غرناطة. وكان شافعيّ المذهب، يشارك في قرض الشّعر. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 202 مشيخته: أخذ عن أبي مروان عبد الملك الشّريشي بفاس، وعن أبي بكر محمد بن محمد بن قسي المومياني، ولبس الخرقة الصّوفية من جماعة بالمشرق وبالمغرب، منهم الإمام أبو إبراهيم الماجري، عن أبي محمد صالح، عن أبي مدين. تواليفه: أخذ عنه تأليفه في نحو اللغة الفارسية وشرح ألفاظها. قال شيخنا الوزير أبو بكر بن الحكيم: كتب إلى والدي ببابه، وقد أحسّ بغضّ من الشيخ الإمام أبي عبد الله بن خميس، عميد مجلس الوزارة الحكيمية: [المتقارب] عبيد بباب العلى واقف ... أيقبله المجد أم ينصرف؟ فإن قبل المجد نلت المنى ... وإلّا فقدري ما أعرف ثم كتب على لفظه: ما من، وصحّحه، قال: فأذن له، واستظرف منزعه. محمد بن أحمد بن شاطر الجمحي المرّاكشي «1» يكنى أبا عبد الله، ويعرف بابن شاطر. حاله: فقير متجرّد، يلبس أحسن أطوار الخرقة، ويؤثر الاصطلاح، مليح الشّيبة، جميل الصورة، مستظرف الشّكل، ملازم للمسجد، مساكن بالمدارس، محبّب إلى الخواص، كثير الذّكر، متردّد التأوّه، شارد اللّسان، كثير الفلتات، مطّرح في أكثر الأحايين للسّمت، ينزع إلى هدف تائه، تشم عليه القحة والمجانة، مقتحم حمى الحشمة في باب إيهام التّلبيس، يزلق سوء الاعتقاد عن صفاته، وإن قارب الانهماك، وغير مبال بناقد، ولا حافل بذام، ولا حامد. كلما اتّبع انفرد، ومهمى استقام شرد، تطيب النّفس به على غرّة، ويحسن الظّن بباطنه على سوء ظاهره، مليح الحديث، كثير الاعتبار، دائم الاسترجاع والاستغفار، فعّال الموعظة، عجيب الانتزاع من الحديث والقرآن، مع عدم الحفظ، مستشهد بالأبيات الغريبة على الأحوال. قال شيخنا القاضي أبو عبد الله بن المقري: لقيت فيمن لقيت بتلمسان رجلين، أحدهما عالم الدّنيا، والآخر نادرتها. أما العالم، فشيخنا أبو عبد الله محمد بن إبراهيم بن أحمد العبدري الآبلي، وأما النّادرة، فأبو عبد الله بن شاطر. ثم قال: صحب أبا زيد الهزميري كثيرا، وأبا عبد الله بن تجلّات، وأبا العباس بن البنّاء «2» وإخوانهم من الجزء: 3 ¦ الصفحة: 203 المرّاكشيين ومن جاورهم، واختصّ بأبي زيد الهزميري، وآثره وتبنّاه، وكان يقول له: وألقيت عليك محبّة منّي، فيظهر أثر ذلك عليه، من ستر الهنات، ووضع القبول، فلا تجد من يستثقله من راض عنه أو ساخط. دخل الأندلس، وقدم على غرناطة، وتلوّم بها أياما. نبذ من أقواله: فمن ذلك أنه إذا سئل عن نفسه يقول: أنا وليّ مفسود، وفي هذا من النّصفة، وخفّة الرّوح ما لا خفاء به. قال بعض شيوخنا «1» : قلت له يوما: كيف أنت؟ فقال «2» : كيف أنا محبوس في الدّم. ومن حكمه: الليل والنهار حرسيّان «3» ، أحدهما أسود، والآخر أبيض، وقد أخذ «4» بمجامع الخلق إلى «5» يوم القيامة، وإنّ مردّنا «6» إلى الله. ومرّ يوما بأبي العباس «7» بن شعيب الكاتب وهو جالس في جامع الجزيرة، وقد ذهبت به الفكرة، فصاح به، فلمّا رفع رأسه، قال، وله نعش «8» خاطر: انظر إلى مركب عزرائيل، قد رفع شراعه، والنّدا «9» عليه، اركبوا يا عزا. قال شيخنا أبو عبد الله المقري: وجدته يوما في المسجد ذاكرا، فقلت له: كيف أنت؟ فقال: مهيم في روضة يجبرون، فهممت بالانصراف، فقال: أين تذهب من روضة من رياض الجنة، يقام فيها على رأسك بهذا التّاج؟ وأشار إلى المنار، مملوءا بالله أكبر. قال: وأنشدني أبو العباس بن البنّاء، وكتبهما عنه «10» : [الوافر] قصدت إلى الوجازة «11» في كلامي ... لعلمي بالصّواب في الاختصار ولم أحذر فهم «12» ما دون فهمي ... ولكن خفت إزراء الكبار فشأن فحولة العلماء شأني ... وشأن البسط تعليم الصّغار الجزء: 3 ¦ الصفحة: 204 قال: وأخبار ابن شاطر تحتمل كرّاسة، قلت: رأيته بفاس في أخريات عام خمسة وخمسين، وهو الآن بحاله الموصوفة، قد أربى على السّبعين. محمد بن محمد بن عبد الرحمن التميمي ابن الحلفاوي من أهل تونس، يكنى أبا عبد الله، نزيل غرناطة، ويعرف بالتّونسي وبابن المؤذن ببلده. حاله: من «العائد» : قال: وليّ الله المجاب الدعوة، الظاهر الكرامة، المشهود له بالولاية. ورد الأندلس في جملة من تجّار بلده، وبيده مال كبير بذله في معاملة ربّه، إلى أن استأصله بالصّدقة، وأنفقه في سبيل الله ابتغاء مرضاته، وتجرّد عن الدنيا، وأخذ نفسه بالصّلاة والصّوم والتّلاوة وكثرة السّجود والتّطارح على ذلك، محفوظا في ذلك كله حفظة الأولياء، مذكّرا بمن سلفه من الزّهاد، عازبا عن الدنيا، أخذ نفسه بسلوك الإيتاب عنها، رحمة للخلق، وتمالأ للمساكين، يقصده الناس بصدقاتهم، فيبثّها في ذوي الحاجات، فيتألّف في باب مسجده آلاف من رجالهم ونسائهم وصبيانهم، حتى يعمّهم الرّفد، وتسعهم الصّدقة. وكان غريب الأحوال؛ إذا وصل وقت الصلاة يظهر عليه البشر والسّرور، ويدخل مسجده الذي ابتناه واحتفل فيه، فيخلو بنفسه آخذا في تعبّدات كثيرة غريبة شاملة لجميع أركان المسجد، ويزدحم الناس حول المسجد، وأكثرهم أهل الفاقة، فإذا تمكّن الوقت أذّن أذانا مؤثّرا في القلوب، جدى وصدقا ووقارا، كان صدره ينصدع عند قول: لا إله إلّا الله. ثم يعبد التّعبّد والسّجود في الصّومعة وأدراجها، حتى يفتح باب المسجد، وينتقل إلى صدر المحراب، فيصلي ركعات خفيفة، فإذا أقام الصلاة، ووقف عند المحراب، ظهر عليه من الخوف والكآبة والحزن والانكسار والتّضرّع والتّملّق والرّغبة، ما لا تفي العبارة بوصفه، كأن موقفه موقف أهل الجرائم بين أيدي الملوك الجبابرة. فإذا أتمّ الصلاة على أتمّ هيئاتها، ترى كأن الغبار على وجهه، أو كأنه حشر من قبر، فإذا شرع في الدّعاء بأثر الصلاة، يتلوه بترداد الصلاة على النّبيّ صلى الله عليه وسلم، في كل دعوة، ويتوسّل به، وتظهر عليه أحوال من الحضور والمراقبة، وينجلي عن وجهه ما كان به. وكان يختم القرآن في شهر رمضان مائة ختمة، فما من ليلة إلّا ويحيي اللّيل كلّه فيها بمسجده. هذا ترتيبه، ولو تتبّعنا ما شوهد من كراماته وأحواله، لخرجنا عن الغرض. ولادته: ولد بتونس في حدود الأربعين وستمائة. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 205 وفاته: توفي شهر ربيع الثاني عام خمسة عشر وسبعمائة. وكان الحفل في جنازته عظيما، استوعب الناس كافّة، وحضر السلطان فمن دونه، وكانت تنمّ، زعموا، على نعشه وقبره رائحة المسك. وتبرّك الناس بجنازته، وقصد قبره المرضى وأهل الحاجات، وبقي القرّاء يقرءون القرآن عليه مدة طويلة، وتصدّق على قبره بجملة من مال، ففدي به طائفة من الأسرى. وقبره بباب إلبيرة عن يمين الخارج إلى مقبرة العسّال، معروف هنالك. محمد بن عبد الله بن محمد بن إبراهيم بن عبد الرحمن ابن يوسف اللّواتي «1» من أهل طنجة، يكنى أبا عبد الله، ويعرف بابن بطّوطة «2» . حاله: من خطّ شيخنا أبي البركات، قال: هذا رجل لديه مشاركة يسيرة في الطّلب، رحل من بلاده إلى بلاد المشرق يوم الخميس الثاني من رجب عام خمسة وعشرين وسبعمائة، فدخل بلاد مصر والشام والعراق، وعراق العجم، وبلاد الهند والسّند، والصين، وصين الصّين، وبلاد اليمن. وحج عام ستة وعشرين وسبعمائة. ولقي من الملوك والمشايخ عالما، وجاور بمكّة. واستقرّ عند ملك الهند، فحظي لديه، وولّاه القضاء، وأفاده مالا جسيما. وكانت رحلته على رسم الصّوفية زيّا وسجيّة، ثم قفل إلى بلاد المغرب، ودخل جزيرة الأندلس، فحكى بها أحوال المشرق، وما استفاد من أهله، فكذّب. وقال: لقيته بغرناطة، وبتنا معه ببستان أبي القاسم ابن عاصم بقرية نبلة، وحدّثنا في تلك الليلة، وفي اليوم قبلها عن البلاد المشرقيّة وغيرها، فأخبر أنّه دخل الكنيسة العظمى بالقسطنطينية العظمى، وهي على قدر مدينة مسقّفة كلها، وفيها اثنا «3» عشر ألف أسقف. قلت: وأحاديثه في الغرابة أبعد من هذا. وانتقل إلى العدوة، فدخل بلاد السّودان. ثم تعرّف أن ملك المغرب استدعاه، فلحق ببابه، وأمر بتدوين رحلته. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 206 سائر الأسماء في حرف الميم الملوك والأمراء وما منهم إلّا طارىء علينا أو غريب مزدلي بن تيولتكان بن حمنى بن محمد بن ترقوت بن وربابطن ابن منصور بن نصاله بن أمية بن واباتن الصّنهاجي اللّتموني حاله: كان الأمير مزدلي عضد القائم بالدولة اللّمتونية يوسف بن تاشفين، وقريبه لالتقائهما في ترقوت، راش به وبرى، وجزّ وفرى، فهو شيخ الدولة اللّمتونية، وكبير العصابة الصّنهاجية، بطلا ثبتا، بهمة من البهم، بعيد الصّيت، عظيم الجلد، شهير الذّكر، أصيل الرّأي، مستحكم الحنكة. طال عمره، وحمدت مواقعه، وبعدت غاراته، وعظمت في العدوّ وقائعه، وشكرت عن سلطانه نيابته. من مناقبه: استرجاع مدينة بلنسية من أيدي الرّوم بسعيه، وردّه إلى ملكة الإسلام بحميد غنائه في منتصف رجب عام خمس وخمسمائة. دخوله غرناطة: ولّي قرطبة وغرناطة وما إليهما من قبل يوسف بن تاشفين سنة خمس وخمسمائة. قال ابن الصّيرفي: توفي ليلة الثلاثاء السابع عشر من شوال عام ثمانية وخمسمائة، غازيا على مقربة من حصن قسطانية، طرق به إلى قرطبة، فوصل يوم الأربعاء ثاني يوم وفاته، وصلّى عليه إثر صلاة العصر الفقيه القاضي بقرطبة أبو القاسم بن حمدين، ودفنه قرب أبيه، وبنيت عليه روضة حسنة. وكان، نضّر الله وجهه، البقيّة الصالحة على نهج أمير المسلمين يوسف. موسى بن محمد بن يوسف بن عبد المؤمن بن علي الهنتاني السيد أبو عمران. حاله: بيته معروف. وكان أديبا شاعرا، جوادا، واختصّ بالعادل، فجلّ قدره في دولته، وأمله الناس بإشبيلية في حوائجهم لمحلّه منهم. ولمّا انصرف عنها العادل إلى طلب الخلافة، قدّمه عليها، فبلغ الغاية. وفي شوال من عام اثنين وعشرين وستمائة، كانت على جيشه الوقيعة، أوقعها به السيد أبو محمد البيّاسي، وأخباره شهيرة. وفاته: وتوفي تغريقا في البحر بعد أن ولّي بجاية، رحمه الله وعفا عنه. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 207 شعره: قال: وكان أبو المطرّف بن عميرة، ينشد له، يخاطب الفقيه الأديب أبا الحسن بن حريق يستحثّه على نظم الشعر في عروض الخبب: [المتدارك] خذ في الأشعار على الخبب ... فقصورك عنه من العجب هذا وبنو الآداب قضوا ... بعلوّ مجدّك في الرّتب فنظم له أبو الحسن القصيدة المشهورة، منها: [المتدارك أو الخبب] أبعيد الشّيب هوى وصبا؟ ... كلّا لا لهوا ولا لعبا ذرّت الستّون برادتها ... في مسك عذارك فاشتهبا ومنها: يا نفس أحيى أحيى تصلي أملا ... عيشي روحيا تروي عجبا وخذي في شكر الكبرة ما ... لاح الإصباح وما ذهبا فيها أحرزت معارف ما ... أبليت بجدّته الحقبا والخمر إذا أعتقت وصفت ... أعلى ثمنا منها عنبا وبقيّة عمر المرء له ... إن كان بها طبّا دربا هبني فيها بإنابته ... ما هدّمه أيام صبا دخل غرناطة، فوجب ذكره مع مثله. منديل بن يعقوب بن عبد الحق بن محيو الأمير أبو زيّان حاله: كان فاضلا عاقلا جوادا، عيّنه أبوه أمير المسلمين أبو يوسف بن عبد الحقّ، للضّرب على أحواز مالقة عند الفتنة، فاضطرب المحلة تجاه سهيل «1» ، وضيّق على تلك الأحواز، وبرز إليه الجيش لنظر موسى بن رحّو من قرابته النّازعين عن إيالة المغرب من بني رحّو. وكان اللقاء، فوقعت به الدّبرة، وانهزم جيشه، وقبض عليه، وسيق إلى السلطان، فتلقّاه بالبرّ، ورعى ما لبيته الكبير من الحقّ، وأسكنه مجاورا لقصره بحمرائه «2» ، مرفّها عليه، محجوزا عن التصرّف، إلى أن كان الجزء: 3 ¦ الصفحة: 208 ما تلاحق بهذه الحال من وفاة أبيه السلطان أبي يوسف بالجزيرة الخضراء، وتصيّر الأمر إلى ولده السلطان أمير المسلمين أبي يعقوب يوسف. وتجدّدت الألفة وتأكّدت المودّة، وارتفعت الإحنة، فكان ما هو معروف من التقائهما على تعبئة إجازة ملك المغرب أبي يعقوب البحر على ظاهر مربلّة «1» ، وصرف الأمير أبو زيان محبوّا بما يليق به. حدّثني شيخنا أبو زكريا بن هذيل، رحمه الله، قال: نصب للسلطان أبي يعقوب خباء احتفل في اتخاذه له أمير سبتة، فبلغ الغاية التي تستطيعها الملوك، سموّ عماد، وامتداد ظلّ، وانفساح ساحة، إلى إحكام الصّنعة، والإعياء في الزّخرف. وقعد فيه السلطان ملك المغرب، وأجلس السلطان أمير المسلمين أبا عبد الله بن الغالب بالله، عن يمينه، وأخاه الأمير أبا زيّان عن يساره، وقرأ عشاره المعروف بالوقّاد، آية الله في حسن الصّوت، وبعد مدى السّمع، وطيب النّغمة، قوله عزّ وجلّ: يا أَيُّهَا الْعَزِيزُ مَسَّنا وَأَهْلَنَا الضُّرُّ وَجِئْنا بِبِضاعَةٍ مُزْجاةٍ فَأَوْفِ لَنَا الْكَيْلَ وَتَصَدَّقْ عَلَيْنا إِنَّ اللَّهَ يَجْزِي الْمُتَصَدِّقِينَ (88) قالَ هَلْ عَلِمْتُمْ ما فَعَلْتُمْ بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ إِذْ أَنْتُمْ جاهِلُونَ (89) قالُوا أَإِنَّكَ لَأَنْتَ يُوسُفُ قالَ أَنَا يُوسُفُ وَهذا أَخِي قَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنا إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ (90) قالُوا تَاللَّهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللَّهُ عَلَيْنا وَإِنْ كُنَّا لَخاطِئِينَ (91) قالَ لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (92) «2» . فكان مقاما مبهتا. كان السلطان، رحمه الله، يقول: لشدّ ما جنى عليّ عدوّ الله بقحته، والله لقد كان يشير بيده إلى السلطان وأخيه عند قوله: أنا يوسف وهذا أخي. ثم أجاز للعدوة، فطاح بها لعهد غير بعيد. وكان الإيقاع بجيش الأمير أبي زيّان في أخريات ذي الحجة عام أربعة وثمانين وستمائة، فاتصل بذلك موت والد أمير المسلمين أبي يوسف بالخضراء في شهر محرم عام خمسة وثمانين بعده، وكان لقاء السّلطانين بالخضراء في شهر محرم عام خمسة وثمانين هذه، وكان اللّقاء، كما ذكر، في شهر ربيع الآخر من العام المذكور. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 209 ومن الطارئين المطرّف بن عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن ابن الحكم بن هشام بن عبد الرحمن بن معاوية «1» حاله: كان المطرّف، ولد الخليفة «2» عبد الله أمير المسلمين بالأندلس، شجاعا مقداما، جريّا، صرفه والده الخليفة في الغزوات وقود العساكر، وهو الذي بنى حصن لوشة، ووقم كثيرا من الخوارج على والده. دخوله غرناطة: قال ابن حيّان «3» : غزا المطرّف ببشتر «4» بسبب ابن حفصون، إذ كان صالح الأمير عبد الله، ودفع رهينة ابنه، فلما امتحن الطّفل وجد غير ابنه، فنهض إليه المطرّف، وكان القائد على العسكر قبله عبد الملك بن أمية، فنهض صحبته، ونازل المطرّف ابن حفصون، فهتك حوزته، وتقدّم إلى بنية كان ابتناها بموضع يعرف باللّويّات «5» ، فشرع في خرابها، وخرج ابن حفصون ومن معه من النّصرانية يدافع عنها، وعن كنيسة كانت بقربها، فغلب ابن حفصون، وهدمت الكنيسة، وقتل في هذه الحرب حفص بن المرّة، قائده ووجوه رجاله، وعند الفراغ من ذلك انصرف المطرّف، فدخل كورة إلبيرة، وبنا لوشة، وتقدّم منها إلى إلبيرة ودخلها، ثم طاف بتلك الجهات والحصون، ثم انصرف. ذكر إيقاعه بعبد الملك بن أمية وسبب الإحنة بينه وبين أبيه. قال «6» : وفي هذه الحركة أوقع بعبد الملك بن أمية؛ لما كان في نفسه لصرف والده عن عقد البيعة له وتمزيق العهد في خبر يطول. وكان والده قد أخذ عليه الجزء: 3 ¦ الصفحة: 210 الميثاق عند خروجه إلى شذونة «1» ألّا يعرض إليه بمكروه، وأقسم له بالأيمان، لئن نال منه شيئا ليعاقبنّه بمثله، فلمّا قتله، عقد الوثائق عليه، وأخذ الشّهادات فيها بالظّلم والشّؤم خوفا من أبيه، وكتب إليه يعتذر له، ويحكّمه في نفسه. مقتل المطرّف: قال «2» : وظهرت عليه فعال قبيحة، من أذى جيرانه بما أكّد غائلة أبيه عليه، وأعان عليه معاوية بن هشام، لما ذكروا أنّ المطرّف كان قد خلا به، فذكروا أنه نزل يوما عنده بمنزله، وأخذوا في حديث الأبناء، وكان المطرّف عقيما، فدعا معاوية بصبيّ يكلف به، فجات وبرأسه ذؤابتان، فلمّا نظر إليه المطرّف حسده، وقال: يا معاوية، أتتشبّه بأبناء الخلفاء في بنيهم؟ وتناول السّيف فحزّ به الذّؤابة، وكان معاوية حيّة قريش دهاء ومكرا، فأظهر الاستحسان لصنعه وانبسط معه في الأنس، وهو مضطغن، فلمّا خرج كتب إلى الخليفة يسأله اتّصاله إليه، فلما أوصله كاشفه في أمر المطرّف بما أزعجه، وأقام على ذلك ليلا أحكم أمره عند الخليفة بلطف حيلته، فأصاب مقتله سهم سعايته. قال ابن الفيّاض: بعث الأمير عبد الله إلى دار ولده المطرّف عسكرا للقبض عليه، مع ابن مضر، فقوتل في داره حتى أخذ، وجيء به إليه، فتشاور الوزراء في قتله، فأشار عليه بعضهم أن لا يقتله، وقال بعضهم: إن لم تقتله قتلك، فأمر ابن مضر بصرفه إلى داره، وقتله فيها، وأن يدفنه تحت الرّيحانة التي كان يشرب الخمر تحتها، وهو ابن سبع وعشرين وسنة، وذلك في يوم الأحد ضحى لعشر خلون من رمضان سنة اثنتين وثمانين ومائتين. منذر بن يحيى التّجيبي «3» أمير الثّغر، المنتزي بعد الجماعة بقاعدة سرقسطة، يكنى أبا الحكم، ويلقّب بالحاجب المنصور، وذي الرّياستين. حاله: قال أبو مروان «4» : وكان أبو الحكم رجلا من عرض الجند، وترقّى إلى القيادة آخر دولة ابن أبي عامر، وتناهى أمره في الفتنة إلى الجزء: 3 ¦ الصفحة: 211 الإمارة «1» . وكان أبوه من الفرسان غير النّبهاء. فأمّا ابنه منذر، فكان فارسا نقيّ الفروسة «2» ، خارجا عن مدى الجهل، يتمسك بطرف من الكتابة السّاذجة. وكان على غدره، كريما، وهب قصّاده مالا عظيما، فوفدوا عليه، وعمرت لذلك حضرته سرقسطة، فحسنت أيامه، وهتف المدّاح بذكره. وفيه يقول أبو عمرو بن درّاج القسطلّي قصيدته المشهورة، حين صرف إليه وجهه، وقدم عليه في سنة ثمان وعشرين وأربعمائة «3» : [الكامل] بشراك من طول التّرحّل والسّرى ... صبح بروح السّفر لاح فأسفرا من حاجب الشمس الذي حجب الدّجى ... فجرا بأنهار الذّرى «4» متفجّرا نادى «5» بحيّ على الندى ثم اعتلى ... سبل «6» العفاة مهلّلا ومكبّرا لبّيك أسمعنا نداك ودوننا ... نوء الكواكب مخويا أو ممطرا من كلّ طارق ليل همّ «7» ينتحي ... وجهي بوجه من لقائك أزهرا سار ليعدل عن سمائك أنجمي ... وقد ازدهاها عن سناك محيّرا فكأنما أعدته «8» أسباب النّوى ... قدرا لبعدي عن يديك مقدّرا «9» أو غار من هممي فأنحى شأوها ... فلك البروج مغرّبا ومغوّرا حتى علقت النّيّرين فأعلقا ... مثنى يدي ملك الملوك النّيّرا فسريت في حرم الأهلّة مظلما ... ورفلت في خلع السّموم مهجّرا وشعبت أفلاذ الفؤاد ولم أكد ... فحذوت من حذو الثّريّا منظرا ستّ تسرّاها «10» الجلاء مغرّبا ... وحدا بها حادي النّجاء «11» مشمّرا لا يستفيق الصّبح منها ما بدا ... فلقا ولا جدي الفراقد ما سرى الجزء: 3 ¦ الصفحة: 212 ظعن ألفن القفر في غول الدّجى ... وتركن مألوف المعاهد مقفرا يطلبن لجّ البحر حيث تقاذفت ... أمواجه والبرّ حيث تنكّرا هيم وما يبغين دونك موردا ... أبدا ولا عن بحر جودك مصدرا من كلّ نضو الآل محبوك المنى ... يزجيه نحوك كلّ محبوك القرا «1» بدن فدت منّا دماء نحورها ... ببغائها «2» في كلّ أفق منحرا نحرت بنا صدر الدّبور فأنبطت ... فلق المضاجع تحت جوّ أكدرا وصبت إلى نحو «3» الصّبا فاستخلصت ... سكن الليالي والنّهار المبصرا خوص نفخن بنا البرى حتى انثنت ... أشلاؤهن كمثل أنصاف البرا ندرت لنا أن لا تلاقي راحة ... مما تلاقي أو تلاقي منذرا «4» وتقاسمت أن لا تسيغ حياتها ... دون ابن يحيى «5» أو تموت فتعذرا لله أيّ أهلّة بلغت بنا ... يمناك يا بدر السماء المقمرا بل أيّ غصن في ذراك هصرته ... فجرى «6» فأورق في يديك وأثمرا فلئن صفا ماء الحياة لديك لي ... فبما شرقت إليك بالماء الصّرى «7» ولئن خلعت عليّ بردا أخضرا ... فلقد لبست إليك عيشا أغبرا ولئن مددت عليّ ظلّا باردا ... فلكم صليت إليك جوّا «8» مسعرا وكفى لمن «9» جعل الحياة بضاعة ... ورأى رضاك بها رخيصا فاشترى فمن المبلّغ عن غريب نازح ... قلبا يكاد عليّ أن يتفطّرا لهفان لا يرتدّ طرف جفونه «10» ... إلّا تذكّر عبرتي فاستعبرا أبنيّ، لا تذهب بنفسك حسرة ... عن غول رحلي منجدا أو مغورا فلئن تركت الليل فوقي داجيا ... فلقد لقيت الصّبح بعدك أزهرا ولقد وردت مياه مأرب حفّلا ... وأسمت خيلي وسط جنّة عبقرا ونظمت للغيد الحسان قلائدا ... من تاج كسرى ذي البهاء وقيصرا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 213 وحللت أرضا بدّلت حصباؤها ... ذهبا يرفّ «1» لناظريّ وجوهرا وليعلم «2» الأملاك أنّي بعدهم ... ألفيت كلّ الصّيد في جوف الفرا «3» ورمى عليّ رداءه من دونهم ... ملك تخيّر للعلا فتخيّرا ضربوا قداحهم عليّ ففاز بي ... من كان بالقدح المعلّى أجدرا من فكّ طرفي من تكاليف الفلا ... وأجار طرفي من تباريح السّرى وكفى عتابي من ألام معذّرا ... وتذمّمي ممّن تجمّل «4» معذرا ومسائل عنّي الرفاق وودّه ... لو تنبذ الساحات «5» رحلي بالعرا وبقيت في لجج الأسى متضلّلا ... وعدلت عن سبل الهدى متحيّرا كلّا وقد آنست من هود هدى ... ولقيت يعرب في القيول وحميرا وأصبت في سبإ مورّث ملكه ... يسبي الملوك ولا يدبّ لها الضّرا فكأنما تابعت تبّع رافعا ... أعلامه ملكا يدين له الورى والحارث الجفنيّ ممنوع الحمى ... بالخيل والآساد مبذول القرى وحططت رحلي بين ناري حاتم ... أيام يقري موسرا أو معسرا ولقيت زيد الخيل تحت عجاجة ... تكسو «6» غلائلها الجياد الضّمّرا وعقدت في يمن مواثق ذمّة ... مشدودة الأسباب موثقة العرى وأتيت بحدل «7» وهو يرفع منبرا ... للدّين والدّنيا ويخفض منبرا وحططت «8» بين جفانها وجفونها ... حرما أبت حرماته أن تخفرا تلك البحور «9» تتابعت وخلفتها ... سعيا فكنت الجوهر المتخيّرا ولقد نموك ولادة وسيادة ... وكسوك عزّا وابتنوا لك مفخرا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 214 فممرت بالآمال «1» أكرم أكرم ... ملكا ورثت علاه أكبر أكبرا وشمائل عبقت بها سبل الهدى ... وذرت على الآفاق مسكا أذفرا أهدى إلى شغف القلوب من الهوى ... وألذّ في الأجفان من طعم الكرى ومشاهد لك لم تكن أيّامها ... ظنّا يريب ولا حديثا يفترى لاقيت فيها الموت أسود أدهما ... فذعرته بالسّيف أبيض أحمرا ولو اجتلى في زيّ قرنك معلما ... لتركته تحت العجاج معفّرا يا من تكبّر بالتّكرّم «2» قدره ... حتى تكرّم أن يرى متكبّرا والمنذر الأعداء بالبشرى لنا ... صدقت صفاتك منذرا ومبشّرا ما صوّر الإيمان في قلب امرئ ... حتى يراك الله فيه مصوّرا فارفع لها علم الهدى فلمثلها ... رفعتك أعلام السيادة في الذّرى وانصر نصرت من السماء فإنما ... ناسبت أنصار النبيّ لتنصرا واسلم ولا وجدوا لجوّك منفسا ... في النائبات ولا لبحرك معبرا سيرته: قال «3» : وساس لأول ولايته عظيم الفرنحة «4» ، فحفظت أطرافه، وبلغ من استمالته طوائف النّصرانية، أن جرى على يديه بحضرته عقد مصاهرة بعضهم «5» ، فقرفته الألسنة لسعيه في نظام سلك النصارى. وعمر به الثّغر إلى أن ألوت به المنيّة. وقد اعترف له الناس بالرّأي والسّياسة. كتّابه: واستكتب عدّة كتّاب كابن مدوّر، وابن أزرق، وابن واجب، وغيرهم. وصوله إلى غرناطة: وصل غرناطة صحبة الأمير المرتضى الآتي ذكره، وكان ممن انهزم بانهزامه. وذكروا أنه مرّ بسليمان بن هود، وهو مثبت للإفرنج الذين كانوا في المحلّة لا يريم موقفه «6» ، فصاح به النّجاة: يا ابن الفاعلة، فلست أقف عليك، فقال له سليمان: جئت والله بها صلعا، وفضحت أهل الأندلس، ثم انقلع وراءه. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 215 وفاته: وكانت «1» على يدي رجل من أبناء عمّه يدعى عبد الله بن حكم، كان مقدّما في قوّاده، أضمر غدره، فدخل عليه، وهو غافل في غلالة، ليس عنده إلّا نفر من خواصّ خدمه الصّقلب، قد أكبّ على كتاب يقرؤه، فعلاه بسكّين أجهز به عليه. وأجفل الخدم إلّا شهم منهم أكبّ عليه فمات معه. وملك سرقسطة، وتمسّك بها أياما، ثم فرّ عنها، وملكها ابن هود. وكان الإيقاع به غرة ذي حجة سنة ثلاثين وأربعمائة، رحمة الله عليه. موسى بن يوسف بن عبد الرحمن بن يحيى ابن يغمراسن بن زيّان «2» الأمير بتلمسان، يكنى أبا حمّو. أوليته: أوّليته معروفة تنظر فيما سلف من الأسماء. حاله: هذا السلطان مجمع على حزمه، وضمّه لأطراف ملكه، واضطلاعه بأعباء ملك وطنه، وصبره لدولة قومه، وطلوعه بسعادة قبيله. عاقل، حازم، حصيف، ثابت الجأش، وقور مهيب، جمّاعة للمال، مباشر للأمور، هاجر للّذات، يقظ، متشمّر. قام بالأمر غرّة ربيع الأول في عام ستين «3» ، مرتاش الجناح بالأحلاف من عرب القبلة، معوّلا عليهم عند قصد عدوّه، وحلب ضرع الجباية، فأثرى بيت ماله، ونبهت دولته، واتّقته جيرته، فهو اليوم ممن يشار إليه بالسّداد. أدبه وشعره: ووجّه لهذا العهد في جملة هدايا ودّية، ومقاصد سنيّة، نسخة من كتابه المسمى ب «واسطة السّلوك، في سياسة الملوك» «4» ، افتتحه بقوله: «الحمد لله الذي جعل نعمته على الخلق، بما ألّفهم عليه من الحقّ، شاملة شائعة، ويسّر طوائف من عباده لليسرى فأتت إليها مساعدة مسارعة، وحضّهم على الأخذ بالحسنى ولا أحسن من نفوس أرشدت فأقبلت لإرثها طالبة ولربّها طائعة، ولا أسمى من همم نظرت بحسن السّياسة في تدبير الرّياسة التي هي لأشتات الملك الجزء: 3 ¦ الصفحة: 216 جامعة، ولأسباب الملك مانعة، وأظهرت من معادنها درر الحكم وغرر الكلم لائحة لامعة، فاجتلت أقمارها طالعة، واجتنت أزهارها يانعة. وصلى الله على سيدنا محمد الكريم المبعوث بالآيات البيّنات ساطية ساطعة، والمعجزات المعجمات قاصمة لظهور الجاحدين قاطعة، الذي زويت له الأرض فتدانت أفكارها وهي نابية شاسعة، واشتاقت له المياه فبرزت بين أصابعه يانعة، وامتثل السّحاب أمره فسحّ باستسقائه دررا هامية هامعة، وحنّ الجذع له وكان حنينه لهذه الآيات الثّلاث آية رابعة، إلى ما لا يحصى مما أتت به متواترات الأخبار وصيحات الآثار ناصرة لنبوّته ساطعة، صلّى الله عليه وعلى آله وصحبه وعترته التي أجابت داعي الله خاشية خاشعة، وأذعنت لأوامر رسول الله صلى الله عليه وسلم فكانت من الاستبداد خالية وللأنداد خالعة، صلاة ديمتها دائمة متتابعة، وسلّم كثيرا» . جمع فيه الكثير من أخبار الملوك وسيرهم، وخصّ به ولده ووليّ عهده، فجاء مجموعا يستظرف من مثله، ويدلّ على مكانه من الأدب ومحلّه. وثبت فيه الكثير من شعره، فمن ذلك قصيدة أجاب فيها أحد رؤوس القبائل، وقد طلب منه الرجوع إلى طاعته، والانتظام في سلك جماعته، وهي: [الطويل] تذكّرت أطلال الرّبوع الطّواسم ... وما قد مضى من عهدها المتقادم وقفت بها من بعد بعد أنيسها «1» ... بصبر مناف أو بشوق ملازم تهيم بمغناهم وتندب ربعهم ... وأيّ فؤاد بعدهم غير هائم؟ تحنّ إلى سلمى ومن سكن الحمى ... وما حبّ سلمى للفتى بمسالم فلا تندب الأطلال واسل عن الهوى ... ولا تقل في تذكار تلك المعالم فإن الهوى لا يستفزّ ذوي النّهى ... ولا يستبي إلّا الضّعيف العزائم صبور على البلوى طهور من الهوى ... قريب من التّقوى بعيد المآثم ومن يبغ درك المعلوات ونيلها ... يساق بخلق الشّهد مرّ العلاقم ولائمة لمّا ركبنا إلى العلا ... بحار الردى في لجّها المتلاحم تقول بإشفاق: أتنسى هوى الدّما ... وتنثر درّا «2» من دموع سواجم؟ إليك فإنّا لا يردّ اعتزامنا ... مقالة باك أو ملامة لائم ألم تدر أنّ اللوم لوم وأننا ... لنجتنب اللّوم اجتناب المحارم؟ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 217 فما بسوى العلياء «1» همنا جلالة ... إذا هام قوم بالحسان النّواعم بروق السّيوف المشرفيّات والقنا ... أحبّ إلينا من بروق المباسم وأمّا صميل السّابحات لذي الوغى ... فأشجى لدينا من غناء «2» الحمائم وأحسن من قدّ الفتاة وخدّها ... قدود العوالي أو خدود الصوارم إذا نحن جرّدنا الصوارم لم تعد ... إلى غمدها إلّا بجرّ الغلاصم «3» نواصل بين الهندواني الطّلاء «4» ... بتفريق ما بين الطّلى والجماجم فيرغب منّا السّلم كلّ محارب ... ويرهب منّا الحرب كلّ مسالم نقود إلى الهيجاء كلّ مضمّر ... ونقدم إقدام الأسود الضّراغم وما كلّ من قاد الجيوش إلى العدا ... يعود إلى أوطانه بالغنائم وننصر مظلوما ونمنع ظالما ... إذا شيك مظلوم بشوكة ظالم ويأوي إلينا المستجير ويلتجي ... ويحميه منّا كلّ ليت ضبارم «5» ألم تر إذ جاء السّبيعيّ قاصدا ... إلى بابنا يبغي التماس المكارم؟ وذلك لمّا أن جفاه صحابه ... وكلّ خليل ودّه غير دائم وأزمع إرسالا إلينا رسالة ... بإخلاص ودّ واجب غير واجم وكان رأى أنّ المهامه بيننا ... فخلّى لذات الخفّ ذات المناسم وقال ألا سل من عليم مجرّب ... أبثّ له ما تحت طيّ الحيازم فيبلغ عنه الآن خير رسالة ... تؤدّي إلى خير الملوك الأعاظم على ناقة وجناء كالحرف ضامر ... تخيّرها بين القلاص الرّواسم من اللائي يظلمن الظليم إذا عدى ... ويشبهه في جيده والقوائم إذا أتلعت فوق السّحاب جوابها ... تخيّلتها بعض «6» السحاب الرّواكم وإن هملجت بالسّير في وسط مهمه ... نزلت كمثل البرق لاح لشائم ولم يأمن الخلّان بعد اختلالهم ... فأمسى وفي أكبادها أيّ جاحم الجزء: 3 ¦ الصفحة: 218 فقالوا فحمّلها الحمائم قال لا ... لبعد المدى أو خوف صيد الحمائم وما القصد إلّا في الوصول بسرعة ... فقالوا: فحمّلها أكفّ النواسم فقال: لنعم المرسلات وإنّما ... لها ألسن مشهورة بالنّمائم فلم يلف فيها للأمانة موضعا ... وكلّ امرئ للسّرّ ليس بكاتم فحينئذ وافى إلينا بنفسه ... فكان لدينا خير واف وقادم يجوب إلى «1» البيداء قصدا وبشرنا ... يضيء له الظّلماء في كلّ عاتم طلاب العلا تسري مع الوحش في الفلا ... ويصحب منها كلّ باغ وباغم على سلهب «2» ذي صورتين مطعّم «3» ... من المغربات الصّافنات الصّلادم «4» إذا شاء أيّ الوحش أدركه به ... فتحسبه في البيد بعض النّعائم ويقدمه طوعا إلينا رجاؤه ... حمايتنا إيّاه من كلّ ظالم ألا أيها الآتي لظلّ حناننا ... نزلت برحب في عراص المكارم وقوبلت منّا بالذي أنت أهله ... وفاض عليك الجود فيض الغمائم كذا دأبنا للقادمين محلّنا ... حمى وندى ينسى به جود حاتم وهذا جواب عن نظامك إنّنا ... بعثنا به كاللؤلؤ المتناظم ونحن ذوو التيجان من آل حمير ... لعمرك من التّيجان غير العمائم بهمّتنا العليا سمونا إلى العلا ... وكم دون إدراك العلا من ملاحم شددنا لها أزرا وشدنا بناءها ... وكم مكثت دهرا بغير دعائم نظمنا شتيت المجد بعد افتراقه ... وكم بات نهبا شمله دون ناظم ورضنا جياد الملك بعد جماحها ... فذلّت وقد كانت صعاب الشّكائم مناقب زيّانيّة «5» موسويّة ... يذلّ لها عزّ الملوك القماقم يقصّر عن إدراكها كلّ مبتغ ... ويعجز عن إحصائها كلّ ناظم فلله منّا الحمد والشّكر دائما ... وصلّى «6» على المختار من آل هاشم ونختصّكم منّا السّلام الأثير ما ... تضاحك روض عن بكاء الغمائم الجزء: 3 ¦ الصفحة: 219 قلت: ولمّا تعرّفت كلفه بالأدب والإلمام بمجاورته، عزمت على لقائه، وتشوّقت عند العزم على الرّحلة الحجازية، إلى زيارته، ولذلك كنت أخاطبه بكلمة منها: [الطويل] على قدر قد جئت قومك يا موسى ... فجلّت بك النّعمى وزالت بك البوسى فحالت دون ذلك الأحوال، وهو بحاله الموصوفة إلى هذا العهد، وفّقه الله، وسائر من تولّى أمرا من أمور المسلمين. وجرى ذكره في رجز الدول «1» من نظمي: [الرجز] بادرها المفدي الهمام موسى ... فأذهب الرحمن عنها البوسى جدّد فيها الملك لمّا أخلقا ... وبعث السّعد وقد كان لقا ورتّب الرّتب والرّسوما ... وأطلع الشّموس والنّجوما واحتجن المال بها والعدّه ... وهو بها باق لهذي المدّة ولادته: ولد بمدينة غرناطة حسبما وقعت عليه بخط الثّقة من ناسه، في أول عام ثلاثة وعشرين وسبعمائة «2» . مبارك ومظفّر الأميران موليا المنصور بن أبي عامر «3» حالهما: قال أبو مروان «4» : ترقّيا إلى تملّك بلنسية من وكالة السّاقية، وظهر من سياستهما وتعاوضهما «5» صحّة الألفة طول حياتهما، ما فاتا به في معناهما «6» أشقّاء الأخوّة وعشّاق الأحبّة، إذ نزلا معا بقصر الإمارة مختلطين، تجمعهما مائدة واحدة من غير تميّز في شيء، إلّا الحرم خاصّة. وكان التّقدّم لمبارك في المخاطبة، وحفظ رسوم الإمارة، أفضل صرامة وذكرا، قصر عنهما مظفّر، لدماثة خلقه، وانحطاطه الجزء: 3 ¦ الصفحة: 220 لصاحبه في سائر أمره، على نحلته» بكتابة ساذجة وفروسة «2» ، فبلغا الغاية من اقتناء الأسلحة والآلات الملوكية، والخيل المغربات، ونفيس الحلي والحلل، وإشادة البناء للقصور. واشتمل هذا الرأي على جميع أصحابهما، ومن تعلّق بهما من وزرائهما وكتّابهما، ولم يعرض لهما عارض إنفاق «3» بتلك الآفاق، فانغمسا في النّعيم إلى قمم رؤوسهما حتى انقضى أمرهما. قال «4» : وكان موت مبارك أنه ركب يوما من قصر بلنسية، وقد تعرّض أهلها مستغيثين من مال افترضه عليهم، فقال لهم: إن كنت لا أريد إنفاقه فيما يعمّ المسلمين نفعه فلا تؤخّر عقوبتي يومي هذا. وركب إثر ذلك، فلما أتى القنطرة، وكانت من خشب، خرجت رجل فرسه من حدّها فرمى به أسفلها، واعترضته خشبة ناتئة «5» شرخت وجهه، وسقط الفرس عليه، ففاضت نفسه، وكفاهم الله أمره يومئذ. وفي مبارك ومظفّر يقول أبو عمرو بن درّاج القسطلّي، رحمه الله «6» : [الطويل] أنورك أم أوقدت بالليل نارك ... لباغ قراك أو لباغ جوارك؟ وريّاك أم عرف المجامر أشعلت ... بعود الكباء والألوّة «7» نارك؟ ومبسمك الوضّاح أم ضوء بارق ... حداه دعائي أن يجود ديارك؟ وخلخالك استنضيت أم قمر بدا؟ ... وشمس تبدّت أم ألحت سوارك؟ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 221 وطرّة صبح أم جبينك سافرا ... أعرت الصباح نوره أم أعارك؟ وأنت هجرت «1» الليل إذ هزم الضّحى ... كتائبه والصّبح لمّا استجارك فللصّبح فيما بين قرطيك مطلع ... وقد سكن الليل البهيم خمارك فيا لنهار لا يغيض «2» ظلامه ... ويا لظلام لا يغيض «3» نهارك ونجم الثّريّا أم لآل تقسّمت ... يمينك إذ ضمّختها أم يسارك؟ لسلطان «4» حسن في بديع محاسن ... يصيد القلوب النّافرات نفارك وجند غرام في دروع «5» صبابة ... تقلّدن أقدار الهوى واقتدارك هو الملك لا بلقيس أدرك شأوها ... مداك ولا الزّبّاء شقّت غبارك وقادحة «6» الجوزاء راعيت موهنا ... بحرّ هواك أم ترسّمت «7» دارك؟ وطيفك أسرى فاستثار تشوّقي ... إلى العهد أم شوقي إليك استثارك؟ وموقد «8» أنفاسي إليك استطارني ... أم الرّوح لمّا ردّ فيّ استطارك؟ فكم جزت من بحر إليّ ومهمه ... يكاد ينسّي المستهام ادّكارك الجزء: 3 ¦ الصفحة: 222 أذو «1» الحظّ من علم الكتاب حداك «2» لي؟ ... أم الفلك الدّوّار نحوي أدارك «3» ؟ وكيف كتمت الليل وجهك مظلما ... أشعرك أعشيت «4» السّنا أم شعارك؟ وكيف اعتسفت «5» البيد لا في ظعائن ... ولا شجر الخطّيّ حفّ شجارك «6» ؟ ولا أذّن الحيّ الجميع برحلة ... أراح لها راعي المخاض عشارك «7» ولا أرزمت «8» خوص المهاري مجيبة ... صهيل جياد يكتنفن قطارك «9» ولا أذكت الرّكبان عنك عيونها «10» ... حذار عيون لا ينمن حذارك وكيف رضيت الليل ملبس طارق ... وما ذرّ قرن الشمس إلّا استنارك؟ وكم دون رحلي من بروج «11» مشيدة ... تحرّم من قرب المزار مزارك وقد زأرت حولي أسود تهامست ... لها الأسد أن كفّي عن السّمع زارك وأرضي سيول من خيول مظفّر ... وليلي «12» نجوم من سماء «13» مبارك الجزء: 3 ¦ الصفحة: 223 بحيث وجدت الأمن يهتف بالمنى ... هلمّي إلى عينين «1» جادا سرارك «2» هلمّي إلى بحرين قد مرج النّدى ... عبابيهما لا يسأمان انتظارك هلمّي إلى سيفين والحدّ واحد ... يجيران من صرف الحوادث جارك هلمّي إلى طرفي رهان تقدّما ... إلى الأمد الجالي عليك اختيارك هلمّي إلى قطبي نجوم كتائب ... تنادي نجوم التّعس غوري مغارك «3» وحيّي على دوحين جاد «4» نداهما ... ظلالك واستدنى إليك» ثمارك وبشراك قد فازت قداحك بالعلا «6» ... وأعطيت من هذا الأنام خيارك شريكان في صدق المنى وكلاهما ... إذا قارن «7» الأقران غير مشارك هما سمعا دعواك يا دعوة الهدى ... وقد أوثق الدهر الخؤون إسارك وسلّا سيوفا لم تزل تلتظي أسّى «8» ... بثأرك حتى أدركا لك ثارك ويهنيك يا دار الخلافة منهما ... هلالان لاحا يرفعان منارك كلا القمرين بين عينيه غرّة ... أنارت «9» كسوفيك وجلّت سرارك الجزء: 3 ¦ الصفحة: 224 فقاد إليك الخيل شعثا شوازيا ... يلبّين بالنّصر العزيز انتصارك سوابق هيجاء كأنّ صهيلها ... يجاوب تحت الخافقات شعارك بكلّ سريّ العتق سرّى عن الهدى ... وكل حميّ الأنف أحمى ذمارك تحلّوا من المنصور نصرا وعزّة ... فأبلوك في يوم البلاء اختيارك إذا انتسبوا يوم الطّعان لعامر ... فعمرك يا هام العدى لا عمارك! يقودهم منهم سراجا كتائب ... يقولان للدّنيا: أجدّي افتخارك إذا افترّت الرايات عن غرّتيهما ... فيا للعدى أضللت منهم فرارك وإن أشرق النّادي بنور سناهما ... فبشرى الأماني: عينك «1» لا ضمارك «2» وكم كشفا «3» من كربة بعد كربة ... تقول لها النيران: كفّي أوارك وكم لبّيا من دعوة وتداركا ... شفى رمق ما كان بالمتدارك ويا نفس غاو، كم أقرّا نفارك ... ويا رجل هاو، كم أقالا عثارك ولست ببدع حين قلت لهمّتي ... أقلّي لإعتاب الزّمان انتظارك الجزء: 3 ¦ الصفحة: 225 فلله صدق العزم أيّة «1» غرّة ... إذا لم تطيعي في «لعلّ» اغترارك فإن غالت البيد اصطبارك والسّرى ... فما غال ضيم الكاشحين اصطبارك ويا خلّة التّسويف، قومي فأغدفي «2» ... قناعك من دوني وشدّي إزارك وحسبك بي يا خلّة النّاي خاطري ... بنفسي إلى الحظّ النّفيس حطارك فقد آن إعطاء النّوى صفقة الهوى ... وقولك للأيّام: جوري مجارك «3» ويا ستر البيض النّواعم، أعلني «4» ... إلى اليغملات والرّحال بدارك «5» نواجي واستودعتهنّ نواجيا ... حفاظك يا هذي بذي وازدهارك «6» ودونك أفلاذ الفؤاد فشمّري ... ودونك يا عين اللّبيب اعتبارك صرفت الكرى عنها بمغتبق السّرى ... وقلت: أديري والنجوم عقارك فإن وجبت للمغربين جنوبها «7» ... فداوي برقراق السّراب خمارك فأوري «8» بزندي سدفة ودجنّة ... إذا كانتا لي مرخك وعفارك «9» الجزء: 3 ¦ الصفحة: 226 وإن خلع الليل الأصائل فاخلعي ... إلى الملكين الأكرمين عذارك بلنسية مثوى الأمانيّ فاطلبي ... كنوزك في أقطارها «1» وادّخارك سينبيك زجري عن بلاء نسيته ... إذا أصبحت تلك القصور قصارك وأظفر سعي بالرّضا من مظفّر ... وبورك لي في حسن رأي مبارك «2» قصيّ «3» المنى قد شام بارقة الحيا ... وأنشقت يا ظئر الرّجاء حوارك «4» وحمدا يميني قد تملّأت بالمنى ... وشكرا يساري قد حويت يسارك وقل لسماء المزن: إن شئت أقلعي ... ويا أرضها «5» إن شئت غيضي بحارك ولا توحشي يا دولة العزّ والمنى «6» ... مساءك من نوريهما وابتكارك وصولهما إلى غرناطة: وصلا مع أمثالهما من أمراء الشّرق صحبة المرتضى، وكان من انهزام الجميع بظاهرها، وإيقاع الصناهجة «7» بهم ما هو معلوم حسبما مرّ ويأتي بحول الله. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 227 ومن ترجمة الأعيان والوزراء بل ومن ترجمة الطارئين والغرباء منها منصور بن عمر بن عثمان بن يعقوب بن عبد الحق بن محيو يكنى أبا علي. أوليّته: معروفة، قد مرّت عند ذكر إخوته وقومه. حاله: كان، رحمه الله، فتى القوم، لسنا، مفوّها، مدركا، متعاطيا للأدب والتاريخ، مخالطا للنّبلاء، متسوّرا خلق العلماء، غزلا، كلفا بالدّعابة، طرفة من طرف أهل بيته، قويّ الشّكيمة، جوادا بما في وسعه، متناهيا في البدانة. دخل غرناطة في الجملة من إخوانه وبني عمّه، مغرّبين عن مقرّ الملوك بالمغرب، وأقام بها إلى شهر ربيع الأول من عام ثلاثة وستين وسبعمائة. وركب البحر في الخامس والعشرين منه، عندما لحق أخوه عبد الحكيم بالمغرب. وبايعه الناس، ولاحت له بارقة لم تكد تقد حتى خبت، فبادر إلى مظاهرته في جفن غزوي «1» من أسطول الأندلس، وصحبه قوم ممن يخطب الخطط، ويبتدر رمق الدول، وهال عليهم البحر، فطرح الجفن بأحواز غسّاسة، وقد عادتها ملكة عدوّهم، فتقبّض عليه، وأدخل مدينة فاس في الثاني لربيع الآخر من العام، مشهور المركب على الظّهر، يضرب بين يديه طبل للشّهرة، وناقور المثلة، وأجلس بين يدي السلطان، فأبلى بما راق الحاضرين من بيانه من العذر للخروج بالاستمالة حتى لرجي خلاصه، واستقرّ مثقّفا تتعلّق به الأراجيف، ويحوم حول مطرحة الاختبار إلى حين وفاته. شعره: أنشدني الفقيه الأديب أبو بكر بن أبي القاسم بن قطبة من شعره، وكان صاحبه في الرّحلة، ومزامله في أسطول المنحسة، وذلك قوله: [مخلع البسيط] سوف ننال المنى ونرقى ... مراقي العزّ والمعالي إذا حططنا بأرض فاس ... وحكّمت في العدى العوالي فأنت عندي بها حقيق ... يا حائز الفضل والكمال الجزء: 3 ¦ الصفحة: 228 وفاته: في وسط جمادى الأولى من العام «1» ، دخل عليه في بيت معتقله فقتل، ودفن ببعض مدافنهم، رحمة الله عليه. مقاتل بن عطية البرزالي يكنى أبا حرب، وقال فيه أبو القاسم الغافقي: من أهل غرناطة، ويلقّب بذي الوزارتين، ويعرف بالرّيّه «2» لحمرة كانت في وجهه. حاله: كان من الفرسان الشجعان، لا يصطلى بناره، وكان معه من قومه نحو من ثلاث مائة فارس من بني برزال. وولّاه الأمير عبد الله بن بلقّين بن باديس مدينة أليسّانة «3» ، والتقى به ابن عباد وأخذ بمخنّقها، وكان عبد الله يحذره. وعندما تحقّق حركة اللّمتونيين «4» إليه، صرفه عن جهته، فقلّ لذلك ناصره، وأسرع ذهاب أمره. شجاعته: قال: وحضر مقاتل مع عبد الله بن بلقين، أمير غرناطة، وقيعة النّيبل في صدر سنة ثمان وسبعين وأربعمائة، فأبلى فيها بلاء عظيما، وجرح وجهه، ومزّق درعه بالطّعن والضّرب. وذكر من حضرها ونجا منها، قال: كنت قد سقط الرمح من يدي ولم أشعر، وحملت التّرس ولم أعلم به، وحملني الله إلى طريق منجاة فركبتها، مرّة أقع ومرّة أقوم، فأدركت فارسا على فرس أدهم ورمحه على عاتقه، ودرقته على فخذه، ودرعه مهتّكة بالطّعن، وبه جرح في وجهه يثعب دما تحت مغفره، وهو مع ذلك ينهض على رسله، فرجعت إلى نفسي فوجدت ثقلا، فتذكرت التّرس، فأخرجت حمالته عن عاتقي، وألقيته عني، فوجدت خفّة، وعدت إلى العدوّ، فصاح ذلك الفارس: خذ التّرس، قلت: لا حاجة لي به، فقال: خذه، فتركته وولّيت مسرعا، فهمز فرسه ووضع سنان رمحه بين كتفيّ، وقال: خذ الترس، وإلّا أخرجته بين كتفيك في صدرك، فرأيت الموت الذي فررت منه، ورجعت إلى التّرس فأخذته، وأنا أدعو عليه، وأسرعت عدوا، فقال لي: «على ما كنت فليكن عدوّك» ، فاستعذت الجزء: 3 ¦ الصفحة: 229 وقلت: ما بعثه الله إلّا لهلاكي، وإذا قطعة من خيل الروم قد بصرت به، فوقع في نفسه أنه يسرع الجري فيسلم وأقتل، فلمّا ضاق الطّلق ما بينه وبين أقربهم منه، عطف عليه كالعقاب، وطعنه ففطره، وتخلّص الرمح منه، ثم حمل على آخر فطعنه، ومال على الثالث فانهزم منه، فرجع إليّ، وقد بهتّ من فعله، ورشاش دم الجرح يتطاير من قناع المغفر لشدّة نفسه، وقال لي: يا فاعل، يا صانع، أتلقي الرّمح ومعك مقاتل الرّيّه؟ انتهى اختصار السفر الثامن والحمد لله رب العالمين يتلوه في اختصار التاسع بعده ومن ترجمة القضاة مؤمل بن رجا بن عكرمة بن رجا العقيلي من إلبيرة*** ومن السّفر التاسع من ترجمة القضاة مومّل بن رجاء بن عكرمة بن رجاء العقيلي من إلبيرة. حاله: كان شيخا مضعوفا يغلب عليه البله، من أهل التّعيّن والحسب والأصالة، عريقا في القضاء، قاض ابن قاض ابن قاض. ولّي قضاء إلبيرة للأمير محمد. من حكاياته: رفعت إليه امرأة كتاب صداقها، فقال: الصّداق مفسوخ، وأنتما على حرام، فافترقا، فرّق الله بينكما. ثم رمى بالصّداق إلى من حوله، وقال: عجبا لمن يدّعي فقها ولا يعلمه، أو يزعم أنه يوثّق ولا يتقنه، مثل أبي فلان وهو في المجلس يكتب هذا الصّداق، وهو مفسوخ، ما أحقّه أن يغرّم ما فيه. فدار الصّداق على يدي كل من حضر، وكل يقول: ما أرى موضع فسخ، فقال: أنتم أجهل من كاتبه، لكني أعذركم؛ لأن كل واحد منكم يستر على صاحبه خطأه، انظروا وأمنحكم اليوم، فنظروا فلم يجدوا شيئا يوجب فسخا. فدنا منه محمد بن فطيس الفقيه، فقال: أصلح الله القاضي، إن الله منحك من العلم والفهم ما نحن مقرّون بالعجز عنه، فأفدنا هذه الفائدة، فقال: ادن، فدنا منه، فقال: أو ليس في الصداق: «ولا يمنعها زيارة ذوي محارمها، ولا يمنعهم زيارتها بالمعروف» ؟ ولولا معرفتي بمحبّتك ما أعلمتك. فشكره الشيخ، وأخذ بطرف لحيته يجرّه إليه حتى قبّلها، وكان عظيم اللحية طويلها، شيمة أهل هذه الطّبقة. قال ابن فطيس: أنا المخصوص بالفائدة، ولا أعرّف بها إلّا من تأذن بتعريفه إياها، فتبسّم القاضي معجبا بما رأى، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 230 وشفعوا إليه أن لا يفسخ الصّداق، وقيل للزوجين: لا تطلبا به عنده شيئا. وولّي قضاء جيّان. ومن الطارئين والغرباء المهلب بن أحمد بن أبي صفرة الأسدي من أهل ألمريّة، يكنى أبا القاسم. حاله: كان من أدهى الناس وأفصحهم، ومن أهل التّعيّن والعناية التامة، واستقضي بألمريّة. مشيخته: سمع من أبي محمد الأصبهاني، ورحل وروى عن أبي ذرّ الهروي. تواليفه: ألّف كتابا في «شرح البخاري» ، أخذه الناس عنه. وفاته: توفي سنة ست وثلاثين وأربعمائة، وقيل سنة ... «1» . ومن ترجمة الكتاب والشعراء وهم الأصليّون مالك بن عبد الرحمن بن علي بن عبد الرحمن بن الفرج ابن أزرق بن سعد بن سالم بن الفرج «2» المنزل بوادي الحجارة بمدينة الفرج المنسوبة إليه الآن. قال ابن عبد الملك: كذا كتب لي بخطّه بسبتة، وهو مصمودي ثم شصّادي مولى بني مخزوم، مالقي، سكن سبتة طويلا ثم مدينة فاس، ثم عاد إلى سبتة مرة أخرى، وبآخرة فاس، يكنى أبا الحكم وأبا المجد، والأولى أشهر، ويعرف بابن المرحّل، وصف جرى على جدّه علي بن عبد الرحمن لمّا رحل من شنتمريّة «3» ، حين إسلامها للروم عام خمسة وستين وخمسمائة. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 231 حاله: قال الأستاذ أبو جعفر بن الزبير: شاعر رقيق مطبوع، متقدّم، سريع البديهة، رشيق الأغراض، ذاكر للأدب واللغة. تحرّف مدّة بصناعة التّوثيق ببلده، وولّي القضاء مرات بجهات غرناطة وغيرها. وكان حسن الكتابة إذا كتب، والشّعر أغلب عليه. وذكره ابن خلاد، وابن عبد الملك، فأما ابن عبد الملك، فلم يستوف له ما استوفى لغيره، وأما ابن خلّاد، فقصر به، إذ قال: كانت نشأته بمالقة بلده، وقرارة مولده في ناسها ووسط أجناسها، لم يتميّز بحسب، ولم يتقدّم في ميدان نسب، وإنما أنهضه أدبه وشعره، وعوّضه بالظّهور من الخمول نظمه ونثره، فطلع في جبين زمانه غرّة منيرة، ونصع في سلك فصحاء أوانه درّة خطيرة، وحاز من جيله رتبة التقديم، وامتاز في رعيله بإدراك كلّ معنى وسيم. والإنصاف فيه ما ثبت لي في بعض التقييدات، وهو الشيخ المسنّ المعمّر الفقيه، شاعر المغرب، وأديب صقعه، وحامل الرّاية، المعلّم بالشّهرة، المثل في الإكثار، الجامع بين سهولة اللفظ، وسلاسة المعنى، وإفادة التّوليد، وإحكام الاختراع، وانقياد القريحة، واسترسال الطّبع، والنّفاذ في الأغراض. استعان على ذلك بالعلم، بالمقاصد اللّسانية لغة وبيانا وعربيّة وعروضا، وحفظا واضطلاعا، إلى نفوذ الذّهن، وشدّة الإدراك، وقوّة العارضة، والتّبريز في ميدان اللّوذعية، والقحة والمجانة، المؤيّد ذلك بخفّة الرّوح، وذكاء الطّبع، وحرارة النّادرة، وحلاوة الدّعابة، يقوم على الأغربة والأخبار، ويشارك في الفقه، ويتقدّم في حفظ اللغة، ويقوم على الفرائض. وتولّى القضاء. وكتب عن الأمراء، وخدم واسترفد، وكان مقصودا من رواة العلم والشّعر، وطلّاب الملح، وملتمسي الفوائد، لسعة الذّرع وانفساح المعرفة، وعلوّ السّن، وطيب المجالسة، مهيبا مخطوب السّلامة، مرهوبا على الأعراض، في شدقه شفرته وناره، فلا يتعرّض إليه أحد بنقد، أو أشار إلى قناته بغمز، إلّا وناط به آبدة، تركته في المثلات، ولذلك بخس وزنه، واقتحم حماه، وساءت بمحاسنه القالة، رحمه الله وتجاوز عنه. مشيخته: تلا بالسّبع على أبي جعفر بن علي الفخّار «1» ، وأخذ عنه بمالقة وعن غيره. وصحب وجالس من أهلها أبا بكر عبد الرحمن بن علي بن دحمان، وأبا عبد الله الإستجي، وابن عسكر، وأبا عمرو بن سالم، وأبا النعيم رضوان بن خالد «2» ، وانتفع بهم في الطريقة، وبفاس أبا زيد اليرناسني الفقيه. ولقي بإشبيلية أبا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 232 الحسن بن الدّباغ، وأبا علي الشّلوبين، وأبا القاسم بن بقي، وأجازوا له. وروى عنه أبو جعفر بن الزبير، والقاضي أبو عبد الله بن عبد الملك، وجماعة. دخوله غرناطة: قال ابن الزبير «1» : تكرّر قدومه علينا بغرناطة، وآخر انفصالاته عنها آخر سنة أربع وسبعين وستمائة. وقال لي حفيده أبو الحسين التّلمساني من شيوخنا: أنشد السلطان الغالب بالله، بمجلسه للنّاس من المقصورة بإزاء الحمراء، قبل بناء الحمراء. وقال غيره: أقام بغرناطة، وعقد بها الشروط مدة. وقال لي شيخنا أبو الحسن الجيّاب: ولي القضاء بجهات من البشارات «2» ، وشكى للسّلطان بضعف الولاية، فأضاف إليه حصن أشكر «3» ، يا متشو «4» ، وأمر أن يهمل هذا الاسم ولا يشكّل، فقال أبو الحكم، رحمه الله، عند وقوفه عليه: قال لي السلطان في تصحيف هذا الاسم، «أشكر يا تيس» وهي من المقاصد النبيلة. تواليفه: وهي كثيرة متعدّدة، منها شعره، والذي دوّن منه أنواع، فمنه مختاره، وسمّاه بالجولات، ومنه الصدور والمطالع. وله العشريات والنّبويّات على حروف المعجم، والتزام افتتاح بيوتها بحرف الرّوي، وسمّاها، «الوسيلة الكبرى المرجو نفعها في الدّنيا والأخرى» . وعشرياته الزّهديّة، وأرجوزته المسماة «سلك المنخّل، لمالك بن المرحّل» نظم فيها منخل أبي القاسم بن المغربي، والقصيدة الطويلة المسماة بالواضحة، والأرجوزة المسماة «اللّؤلؤ والمرجان» والموطّأة لمالك. والأرجوزة في العروض. وكتابه في كان ماذا، المسمّى «بالرّمي بالحصا» ، إلى ما يشقّ إحصاره، من الأغراض النّبيلة، والمقاصد الأدبية. شعره: قال القاضي أبو عبد الله بن عبد الملك: كان مكثرا من النّظم، مجيدا، سريع البديهة، مستغرق الفكرة في قرضه، لا يفتر عنه حينا من ليل أو نهار. شاهدت ذلك، وأخبرني أنّه دأبه، وأنه لا يقدر على صرفه من خاطره، وإخلاء باله من الخوض فيه، حتى كان من كلامه في ذلك، أنه مرض من الأمراض المزمنة. واشتهر نظمه، وذاع شعره، فكلفت به ألسنة الخاصّة والعامّة، وصار رأس مال المستمعين الجزء: 3 ¦ الصفحة: 233 والمغنّين، وهجير الصّادرين والواردين، ووسيلة المكدّين، وطراز أوراد المؤذّنين وبطائقة البطالين، ونحن نجتزئ منه بنبذ من بعض الأغراض تدل على ما وراءها، إن شاء الله. فمن ذلك في غرض النّسيب: [الكامل] دنف تستّر بالغرام طويلا ... حتى تغيّر رقّة ونحولا بسط الوصال فما تمكّن جالسا ... حتى أقيم على البساط دليلا يا سادتي، ماذا الجزاء «1» فديتكم ... الفضل لو غير الفتى ما قيلا قالوا تعاطى الصّبر عن أحبابه ... لو كان يصبر للصّدود قليلا ما ذاق إلّا شربة من هجرنا ... وكأنّه شرب الفرات شمولا أيقول: عشت وقد تملّكه الهوى؟ ... لو قال متّ لكان أقوم قيلا حلف الغرام بحبّنا وجمالنا ... إن لم يدعه ميّتا فعليلا إنّ الجفون هي السّيوف وإنما ... قطعت فلم تسمع لهنّ صليلا قل للحبيب ولا أصرّح باسمه ... ماذا الملال وما عهدت ملولا بيني وبينك ذمّة مرعيّة ... أتراك تقطع حبلها الموصولا؟ ولكم شربت صفاء «2» ودّك خالصا ... ولبست ظلّا من رضاك ظليلا يا «3» غصن بان بان عنّي ظلّه ... عند الهجير فما وجدت مقيلا اعطف على المضنى الذي أحرقته ... في نار هجرك لوعة وغليلا فارقته فتقطّعت أفلاذه ... شوقا وما ألفى إليك سبيلا لو لم يكن منك التّغيّر لم يسل ... بالناس لو حشروا إليه قبيلا يا راحلا عني بقلب مغضب ... أيطيق قلبي غضبة ورحيلا؟ قل للصّبا: هيّجت أشجان الصّبا ... فوجدت يا ريح القبول قبولا هل لي رسول في الرياح؟ فإذا «4» من ... فارقته بعث النسيم رسولا؟ يا ليت شعري، أين قرّ قراره؟ ... يا قلب، ويك أما وجدت دليلا؟ إن لم يعد ذاك الوصال كعهدنا ... نكّلت عيني بالبكا تنكيلا وقال نسيبا ومدحا: [الكامل] أعدى عليّ هواه خصم جفونه ... ما لي به قبل ولا بفنونه الجزء: 3 ¦ الصفحة: 234 إن لم تجرني منه رحمة قلبه ... من ذا يجير عليه ملك يمينه؟ صاب من الأتراك أصبى مهجتي ... فعبدت نور الحسن فوق جبينه متمكّن في الحسن نون صدغه ... فتبيّن التّمكين في تنوينه تنساب عقرب صدغه في جنّة ... لم يجن منها الصّبّ غير منونه ولوى ضفيرته فولّى مدبرا ... فعل الكليم ارتاع من تبيينه قد أطمعتني فيه رقّة خدّه ... لو أمكنتني فيه رقّة دينه ورجوت لين قوامه لو لم يكن ... كالرّمح شدّة طعنه في لينه شاكي السّلاح وما الذي في جفنه ... أعدى عليّ من الذي بجفونه ناديته لمّا ندت لي سينه ... وشعرت من لفظ السلام بسينه رحماك في دنف غدا وحياته ... مماته وحراكه كسكونه إن لم تمنّ عليّ منّة راحم ... فمناه أن يلقاه ريب منونه ولذا أبيت سوى سمات عدوّه ... فأمانه من ذاك ظهر أمونه سننيخها في باب أروع ماجد ... فيرى محلّ الفصل حقّ يقينه حيث المعارف والعوارف والعلا ... في حدّ مجد جامع لفنونه بدر وفي الحسن بن أحمد التقت ... نجب مررن على العطا بركوبه تبغي مناها في مناها عنده ... وتطوف بالحاجات عند حجونه فرع من الأصل اليماني طيّب ... ورث البيان وزاد في تبيينه يبدي البشاشة في أسرّة وجهه ... طورا ويحمي العزّ في عرنينه بسطت شمائله الزمان «1» كمثل ما ... بسط الغناء «2» نفوسنا بلحونه يثني عليه كلّ فعل سائر ... كالمسك إذ يثني على دارينه ومن النّسيب قوله: [البسيط] هو الحبيب قضى بالجور أم عدلا ... لبّى الخيار وأمّا في هواه فلا تالله ما قصّر العذّال في عذلي ... لكن أبت أذني أن تسمع العذلا أمّا السّلوّ فشيء لست أعرفه ... كفى بخلّك غدرا أن يقال سلا جفون غيري أصحت بعدما قطرت ... وقلب غيري صحا من بعد ما ثملا وغصن بان تثنّى من معاطفه ... سقيته الدّمع حتى أثمر العذلا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 235 آثرته «1» ونسيم الشّعر آونة ... فكلّما مال من أعطافه اعتدلا أملت والهمّة العلياء طامحة ... وليس في الناس إلّا آمل أملا وقال: إيها طفيليّ ومقترح ... ألست عبدي ومملوكي؟ فقلت: بلى يا من تحدّث عن حسني وعن كلفي ... بحسنه وبحبّي فاضرب المثلا نيّطت خدّي خوف القبض من ملكه ... إذا أشار بأدنى لحظه قتلا تقبّل الأرض أعضائي وتخدمه ... إذا تجلّى بظهر الغيب واتّصلا يا من له دولة في الحسن باهرة ... مثلي ومثل فؤادي يخدم الدّولا ومن نظمه في عروض يخرج من دوبيتي مجزوّا، مقصرا قوله وملحه في اختراع الأعاريض كثيرة: الصّبّ إلى الجمال مائل ... والحبّ لصدقه دلائل والدّمع لسائلي جواب ... إن روجع سائل بسائل والحسن على القلوب وال ... والقلب إلى الحبيب وابل لو ساعد من أحبّ سعد ... ما حال من الحبيب حائل يا عاذلي، إليك عنّي لا ... تقرّب ساحتي العواذل ما نازلني كمثل ظبي ... يشفي بلحظة المنازل ما بين دفونه حسام ... مخارقه له حمائل والسيف يبتّ ثم ينبو ... واللحظ يطبق المفاصل والسهم يصيب ثم يخطي ... واللحظ يمرّ في المقاتل مهلا فدمي له حلال ... ما أقبل فيه قول قائل إن صدّني فذاك قصدي ... أو جدّلني فلا أجادل يا حسن طلوعه علينا ... والسّكر بمعطفيه مائل ظمآن مخفّف الأعالي ... ريّان مثقّل الأسافل قد نمّ به شذا الغوالي ... إذ هبّ ونمّت الغلائل والطّيب منبّه عليه ... من كان عن العيان غافل والغنج محرّك إليه ... من كان مسكّن البلابل والسّحر رسول مقلتيه ... ما أقرب عهده ببابل! الجزء: 3 ¦ الصفحة: 236 والروض يعير وجنتيه ... وردا كهواي غير حائل واللين يهزّ معطفيه ... كالغصن تهزّه الشّمائل والكأس تلوح في يديه ... كالنّجم بأسعد المنازل يسقيك بريقه مداما ... ما أملح ساقيا مواصل يسبيك برقّة الحواشي ... عشقا ولكافّة الشمائل ما أحسن ما وجدت خدّا ... إذ نجم صباي غير آفل ومن مستحسن نزعاته: [البسيط] يا راحلين وبي من قربهم أمل ... لو أغنت الحليتان القول «1» والعمل سرتم وسار اشتياقي بعدكم مثلا ... من دونه السّامران الشّعر والمثل وظلّ يعذلني في حبّكم نفر ... لا كانت المحنتان الحبّ والعذل عطفا علينا ولا تبغوا بنا بدلا ... فما استوى التّابعان العطف والعمل قد ذقت فضلكم دهرا فلا وأبي ... ما طاب لي الأحمران الخمر والعسل وقد هرمت أسى من هجركم وجوى ... وشبّ مني اثنتان الحرص والأمل غدرتم أو مللتم يا ذوي ثقتي ... لبّتكم «2» الخصلتان الغدر والملل قالوا: كبرت ولم تبرح كذا غزلا ... أزرى بك الفاضحان الشّيب والغزل لم أنس يوم تنادوا «3» للرحيل ضحى ... وقرب المركبان الطّرف والجمل وأشرقت بهواديهم هوادجهم ... ولاحت الزّينتان الحلي والحلل وودّعوني بأجفان ممرّضة ... تغضّها الرّقبتان الخوف والخجل كم عفّروا بين أيدي العيس من بطل ... أصابه المضنيان الغنج والكحل دارت عليهم كؤوس الحبّ مترعة ... وما أبى «4» المسكران الخمر والمقل وآخرين اشتفوا منهم بضمّهم ... يا حبّذا الشافيان الضّم والقبل كأنما الرّوض منهم روضة أنف ... يزهى بها المثبتان السّهل والجبل من مسترق «5» الرّوابي والوهاد بهم ... ما راقه المعجبان الخصر والكفل الجزء: 3 ¦ الصفحة: 237 يا حادي العيس خذني مأخذا حسنا ... لا يستوي الضاديان «1» الرّيث «2» والعجل لم يبق لي غير ذكر أو بكا طلل ... لو ينفع الباقيان الذّكر والطّلل يا ليت شعري ولا أنس ولا جذل ... هل يرفع الطّيّبان الأنس والجذل؟ ومن قوله على لسان ألثغ ينطق بالسّين ثاء ويقرأ بالرّويّين: [مخلع البسيط] عمرت ربع الهوى بقلب ... لقوّة الحبّ غير ناكس ث لبثت فيه أجر ذيل النّ ... حول أحبب به للابس ث إن متّ شوقا فلي غرام ... نباته بالسّقام وادس ث أمّا حديث الهوى فحقّ ... يصرف بلواه كلّ حادس ث تعبت بالشّوق في حبيب ... أنا به ما حييت يائس ث يختال كالغصن ماس فيه ... طرف فأزرى بكلّ «3» مائس ث دنيا تبدّت لكلّ وأي ... فهو لدنياه أيّ حارس ث يلعب بالعاشقين طرّا ... والكلّ راضون وهو عابس ث ومن شعره في الزهد يصف الدنيا بالغرور والكذب «4» والزّور: [الكامل] يا خاطب الدنيا، طلبت غرورا ... وقبلت من تلك المحاسن زورا دنياك إمّا فتنة أو محنة ... وأراك في كلتيهما مقهورا وأرى السنين تمرّ عنك سريعة ... حتى لأحسبهنّ صرن شهورا بينا تريك أهلّة في أفقها ... أبصرتها في إثر ذاك بدورا كانت قسيّا ثم صرن دوائرا ... لا بدّ أن ترمي الورى وتدورا يأتي الظلام فما يسوّد رقعة ... حتى ترى مسطورها منشورا فإذا الصباح أتى ومدّ رداءه ... نفض المساء رداءه المنشورا يتعاقبان عليك، هذا ناشر ... مسكا وهذا ناشر كافورا ما المسك والكافور إلّا أن ترى ... من فعلك الإمساك والتّكبيرا أمسى على فوديك من لونيهما ... سمة تسوم كآبة وبسورا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 238 حتى متى لا ترعوي وإلى متى؟ ... أو ما لقيت من المشيب نذيرا؟ أخشى عليك من الذّنوب فربما ... تلفى الصّغير من الذنوب كبيرا فانظر لنفسك إنني لك ناصح ... واستغفر المولى تجده غفورا من قبل ضجعتك التي تلقى لها ... خدّ الصّغار على التّراب حقيرا والهول ثم الهول في اليوم الذي ... تجد الذي قدّمته مسطورا وقال في المعنى «1» المذكور: [الوافر] وأشفي «2» الوجد ما أبكى العيونا ... وأشفي الدّمع ما نكأ الجفونا فيا ابن الأربعين اركب سفينا ... من التّقوى فقد عمّرت حينا ونح إن كنت من أصحاب نوح ... لكي تنجو نجاة الأربعينا بدا للشّيب «3» في فوديك رقم ... فيا أهل الرّقيم، أتسمعونا؟ لأنتم أهل كهف قد ضربنا ... على آذانهم فيه سنينا رأيت الشّيب يجري في سواد ... بياضا لا كعقل الكاتبينا وقد يجري السّواد على بياض ... فكان «4» الحسن فيه مستبينا فهذا العكس يؤذن بانعكاس ... وقد أشعرتم لو تشعرونا نبات هاج ثم يرى حطاما ... وهذا اللّحظ قد شمل العيونا نذير جاءكم عريان يعدو ... وأنتم تضحكون وتلعبونا أخي، فإلى «5» متى هذا التّصابي؟ ... جننت بهذه الدنيا جنونا هي الدنيا وإن وصلت وبرّت ... فكم قطعت وكم تركت بنينا! فلا تخدعك «6» أيام تليها ... ليال واخشها بيضا وجونا فذاك إذا نظرت سلاح دنيا ... تعيد حراك ساكنها سكونا وبين يديك يوم أيّ يوم ... يدينك فيه ربّ الناس دينا فإمّا دار عزّ ليس يفنى ... وإمّا دار هون لن يهونا فطوبى في غد للمتّقينا ... وويل في غد للمجرمينا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 239 وآه ثم آه ثم آه ... على نفسي أكرّرها مئينا أخيّ، سمعت هذا الوعظ أم لا؟ ... ألا يا «1» ليتني في السامعينا إذا ما الوعظ لم يورد بصدق ... فلا خسر كخسر الواعظينا وقال يتشوّق إلى بيت الله الحرام، ويمدح رسول الله صلى الله عليه وسلم: [البسيط] شوق كما رفعت نار على علم ... تشبّ بين فروع الضّال والسّلم ألفّه بضلوعي وهو يحرقها ... حتى يراني بريا ليس بالقلم من يشتريني بالبشرى ويملكني ... عبدا إذا نظرت عيني إلى الحرم؟ دع للحبيب ذمامي واحتمل رمقي ... فليس ذا قدم من ليس ذا قدم يا أهل طيبة، طاب العيش عندكم ... جاورتم خير مبعوث إلى الأمم عاينتم جنّة الفردوس من كثب ... في مهبط الوحي والآيات والحكم لنتركنّ بها الأوطان خالية ... ونسلكنّ لها البيداء في الظّلم ركابنا تحمل الأوزار مثقلة ... إلى محطّ خطايا العرب والعجم ذنوبنا، يا رسول الله، قد كثرت ... وقد أتيناك فاستغفر لمجترم ذنب يليه على تكراره ندم ... فقد مضى العمر في ذنب وفي ندم نبكي فتشغلنا الدنيا فتضحكنا ... ولو صدقنا البكا شبنا دما بدم يا ركب مصر، رويدا يلتحق بكم ... قوم مغاربة لحم على وضم فيهم عبيد تسوق العيس زفرته ... لم يلق مولاه قد ناداه في النّسم يبغي إليه شفيعا لا نظير له ... في الفضل والمجد والعلياء والكرم ذاك الحبيب الذي ترجى شفاعته ... محمد خير خلق الله كلّهم صلّى عليه إله الخلق ما طلعت ... شمس وما رفعت نار على علم ومن مقطوعاته العجيبة في شتى الأغراض، وهي نقطة من قطر، وبلالة من بحر، قوله مما يكتب على حمالة سيف، وقد كلف بذلك غيره من الشعراء بسبتة، فلمّا رآها أخفى كل منظومه، وزعم أنه لم يأت بشيء، وهو المخترع المرقص: [البسيط] جماله كرياض جاورت نهرا ... فأنبتت شجرا راقت أزاهرها كحيّة الماء عامت فيه وانصرفت ... فغاب أوّلها فيه وآخرها الجزء: 3 ¦ الصفحة: 240 وقوله، وقد تناول الرئيس ابن خلاص «1» بيده مقصّا فأدمى يده فأنشده: [الوافر] عداوة لا لكفّك من قد نمّ «2» ... فلا تعجب لقرّاض لئيم لئن أدماك فهو لها شبيه ... وقد يسطو اللّئيم على الكريم وقوله في الخضاب: [الطويل] سترت مشيبي بالخضاب تعلّلا ... فلم يحظ شيبي «3» وراب خضابي كأنّي وقد زوّرت لونا على الصّبا ... أعنون طرسا ليس فيه كتابي غراب خضاب لم يقف من حذاره ... وأغرب شيء في الحذار غرابي وقوله وهو من البديع المخترع: [الكامل] لا بدّ من ميل إلى جهة فلا ... تنكر على الرجل الكريم مميلا إنّ الفؤاد وإن توسّط في الحشا ... ليميل في جهة الشّمال قليلا وقوله وهو معنى قد قيل فيه: [الكامل] لا تعجبوا للمرء يجهل قدره ... أبدا ويعرف غيره فيصبر فالعين تبصر غيرها مع بعده ... لكنّ بؤبو نفسها لا تبصر «4» وقوله: [الوافر] أرى المتعلّمين عليك أعدا «5» ... إذا أعلمتهم من كلّ عاد فما عند الصّغير سوى عقوق ... ولا عند الكبير سوى عناد وقوله في وصفه ذي الجاه: [الخفيف] يضع الناس صاحب الجاه فيهم ... كل يوم في كفّة الميزان الجزء: 3 ¦ الصفحة: 241 إن رأوه يوما ترجّح وزنا ... ضاعفوا البرّ فهو ذو رجحان أو رأوا منه نقص حبّة وزن ... ما كسوه في حبّة الجلجلان وأنشدنا عنه غير واحد من شيوخنا وقد بلغ الثمانين: [السريع] يا أيها الشيخ الذي عمره ... قد زاد عشرا بعد سبعينا سكرت من أكؤس خمر الصّبا ... فحدّك الدّهر ثمانينا وقال: هيهات! ما أظنّه يكملها، وقال في الكبرة: [الكامل] يا من لشيخ قد أسنّ وقد عفا ... مذ جاوز السّبعين أضحى مدنفا خانته بعد وفائها أعضاؤه ... فغدا قعيدا لا يطيق تصرّفا هرما غريبا ما لديه مؤانس ... إلّا حديث محمد والمصطفى وكتب إلى القاضي أبي الحجاج الطّرسوني في مراجعة: [السريع] يا سيدي، شاكركم مالك ... قد صيّرت ميم اسمه هاء ومن يعش خمسا وتسعين ... قد أنهت «1» التعمير إنهاء ومن نظمه في عرس صنعها بسبتة على طريقه في المجانة: [الكامل] الله أكبر في منار الجامع ... من سبتة تأذين عبد خاشع الله أكبر للصّلاة أقيمها ... بين الصّفوف من البلاط الواسع الله أكبر محرما وموجّها ... دبري «2» إلى ربّي بقلب خاضع الحمد لله السلام عليكم ... آمين لا تفتح لكلّ مخادع إن النّساء خدعنني ومكرن بي ... وملأن من ذكر النساء مسامعي حتى وقعت وما وقعت بجانب ... لكن على رأس لأمر واقع والله ما كانت إليه ضرورة ... لكنّ أمر الله دون مدافع فخطبن لي في بيت حسن قلن لي ... وكذبن لي في بنت قبح شانع بكرا زعمن صغيرة في سنّها ... حسناء تسفر عن جمال بارع خودا لها شعر أثيث حالك ... كالليل تجلى عن صباح ساطع الجزء: 3 ¦ الصفحة: 242 حوراء يرتاع الغزال إذا رنت ... بجفون خشف «1» في الخمائل رافع تتلو الكتاب بغنّة وفصاحة ... فيميل نحو الذّكر قلب السامع بسّامة عن لؤلؤ متناسق ... في ثغرها في نظمه متتابع أنفاسها كالرّاح فضّ ختامها ... من بعد ما ختمت بمسك رائع شمّاء دون تفاوت عربيّة ... ببسالة وشجاعة ومنازع غيداء كالغصن الرّطيب إذا مشت ... ناءت بردف للتعجّل مانع تخطو على رجلي حمامة أيكة ... مخضوبة تسبي فؤاد السامع ووصفن لي من حسنها وجمالها ... ما البعض منه يقيم عذر الخالع فدنوت واستأمنت بعد توحّشي ... وأطاع قلب لم يكن بمطاوع فحملنني نحو الوليّ وجئنني ... بالشّاهدين وجلد كبش واسع وبعرفه من نافع لتعادل ... والله عزّ وجلّ ليس بنافع فشرطن أشراطا عليّ كثيرة ... ما كنت في حملي لها بمطاوع ثم انفصلت وقد علمت «2» بأنني ... أوثقت في عنقي لها بجوامع وتركنني يوما وعدن وقلن لي ... خذ في البناء ولكن بمرافع واصنع لها عرسا ولا تحوج إلى ... قاض عليك ولا وكيل رافع وقرعت سنّي عند ذاك ندامة ... ما كنت لولا أن «3» خدعت بقارع ولزمتني حتى انفصلت بموعد ... بعد اليمين إلى النهار الرابع فلو أنني طلّقت كنت موفّقا ... ونفضت من ذاك النكاح أصابعي لكن طمعت بأن أرى الحسن الذي ... زوّرن لي فذممت سوء مطامعي فنظرت في أمر البناء معجّلا ... وصنعت عرسا يا لها من صانع! وطمعت أن «4» تجلى ويبصر وجهها ... ويقرّ عيني بالهلال الطّالع وظننت ذاك كما ذكرن ولم يكن ... وحصلت أيضا في مقام الفازع وحملنني ليلا إلى دار لها ... في موضع عن كل خير سامع دار خراب في مكان توحّش ... ما بين آثار هناك بلاقع فقعدت في بيت صغير مظلم ... ولا شيء فيه سوى حصير الجامع الجزء: 3 ¦ الصفحة: 243 فسمعت حسّا عن شمالي منكرا ... وتنحنحا يحكي نقيق ضفادع فأردت أن أنجو بنفسي هاربا ... ووثبت عند الباب وثبة جازع فلقيتهنّ وقد أتين بجذوة ... فرددنني وحبسنني بمجامع ودخلن بي في البيت واستجلسنني ... فجلست كالمضرور يوم زعازع وأشرن لي نحو السّماء «1» وقلن لي ... هذي زويبعة وبنت زوابع هذي خليلتك التي زوّجتها ... فاجلس هنا معها ليوم سابع بتنا من «2» النّعمى التي خوّلتها ... فلقد حصلت على رياض يانع فنظرت نحو خليلتي متأمّلا ... فوجدتها محجوبة ببراقع وأتيتها وأردت نزع خمارها ... فغدت تدافعني بجدّ وازع فوجلتها في صدرها وحذوته ... وكشفت هامتها بغيظ صارع فوجدتها قرعاء تحسب أنّها ... مقروعة في رأسها بمقارع حولاء تنظر فوقها في ساقها ... فتخالها مبهوتة في الشارع فطساء تحسب أنّ روثة أنفها ... قطعت فلا شلّت يمين القاطع صمّاء تدعى بالبريح وتارة ... بالطّبل أو يؤتى لها بمقامع بكماء إن رامت كلاما صوّتت ... تصويت معزى نحو جدي راضع فقماء إن ما «3» تلتقي أسنانها ... تفسو إذا نطقت فساء الشابع عرجاء إن قامت تعالج مشيها ... أبصرت مشية ضالع أو خامع فلقيتها وجعلت أبصق نحوها ... وأفرّ نحو دجى وغيث هامع حيران أغدو في الزّقاق كأنني ... لصّ أحسّ بطالب أو تابع حتى إذا لاح الصباح وفتّحوا ... باب المدينة كنت أوّل كاسع والله ما لي بعد ذاك بأمرها ... علم ولا بأمور بيتي الضّائع نثره: وفضّل الناس نظمه على نثره، ونحن نسلّم ذلك من باب الكثرة، لا من باب الإجادة. وهذه الرسالة معلمة بالشهادة بحول الله. كتب إلى الشيخين الفقيهين الأديبين البليغين أبي بكر بن يوسف بن الفخّار، وأبي القاسم خلف بن عبد العزيز القبتوري: الجزء: 3 ¦ الصفحة: 244 «لله درّكما حليفي صفاء، وأليفي وفاء، يتنازعان كأس المودّة تنازع الأكفاء، ويتهاديان ريحان التحية تهادي الظّرفاء. قسيمي نسب، وقريعي حسب، يتجاوزان بمطبوع من الأدب ومكتسب، ويتواردان على علم من الظّرف ونسب، رضيعي لبان، ذريعي لبان، يحرزان ميراث قسّ وسحبان، ويبرزان من الذّكاء ما بان على أبان، قسيمي مجال، فصيحي رويّة وارتجال، يترعان في أشطان البلاغة سجالا بعد سجال، ويصرعان في ميدان الفصاحة رجالا على رجال. ما بالكما؟ لا حرمت حبالكما ولا قصمت نبالكما، لم تسمحا لي من عقودكما بدرّة، ولم ترشّحاني من نقودكما بدرة، ولم تفسحا لي بحلوة ولا مرّة. لقد ابتليت من أدبكما بنهر أقربه ولا أشربه، وما أرده ولا أتبرّده. ولو كنت من أصحاب طالوت لا فسحت لي غرفة، وأتيحت لي ترفة. بل لو كنت من الإبل ذوات الأظماء، ما جليت بعد الظّمإ على الماء، ولا دخلت بالإشفاق مدخل العجماء. كيف وأنا ولا فخر في صورة إنسان، ناطق بلسان، أفرّق بين الإساءة والإحسان. وإن قلت إنّ باعي في النّظم قصير، وما لي على النّثر وليّ ولا نصير، وصنعة النحو عني بمعزل، ومنزل الفقيه ليس لي بمنزل، ولم أقدم على العلم القديم، ولا استأثرت من أهله بنديم. فأنا والحمد لله غنيّ بصنعة الجفر، وأقتني اليراع كأنها شبابيك التّبر، وأبري البريّة التي «1» تنيف على الشّبر، وأزين خدود الأسطار المستوية، بعقارب اللّامات الملتوية، ولا أقول كأنها، فلا ينكر السيدان أعزّ هما الله أنها نعم بعود أزاعم، وبمثل شكسي تحضر الملاحم. فما هذا الازدراء والاجتراء في هذا الأمر مرّ المواقير. تالله لقد ظلمتماني على علم، واستندتما إلى غير حلم، أما رهبتما شبابي، أما رغبتما في حسابي، أما رفعتما بين نفح صبابي، ولفح صبابي. لعمري لقد ركبتما خطرا، وهجتما الأسد بطرا، وأبحتما حمى محتضرا، ولم تمعنا في هذا الأمر نظرا: [الطويل] أعد نظرا يا عبد قيس لعلّما ... أضاءت لك النّار الحمار المقيّدا ونفسي عين الحمار، في هذا المضمار، لا أعرف قبيلا من دبير، ولا أفرّق بحسّي بين صغير وكبير، ولا أعهد أنّ حصاة الرّمي أخفّ من ثبير، أليس في ذوي كبد رطبة أجر، وفي معاملة أهل التّقوى والمغفرة تجر؟ وإذا خوّلتماني نعمة أو نفلتماني نفلا، فاليد العليا خير من اليد السّفلى، وما نقص مال من صدقة، ولا جمال من لمح حدقة، والعلم يزيد بالإنفاق، وكتمه حرام باتفاق، فإن قلتما لي إنّ فهمك سقيم، وعوجك على الرّياضة لا يستقيم، فلعلّ الذي نصب قامتي، يمنّ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 245 باستقامتي، وعسى الذي يشقّ سمعي وبصري، أن يزيل عييّ وحصري، فأعي ما تقصّان، وأجتلي ما تنصّان، وأجني ثمار تلك الأغصان، فقد شاهدتما كثيرا من الحيوان، يناغى فيتعلّم، ويلقّن فيتكلّم. هذا والجنس غير الجنس، فكيف المشارك في نوعيّة الإنس؟ فإن قلنا إن ذلك يشقّ، فأين الحقّ الذي يحقّ، والمشقّة أخت المروّة، وينعكس مساق هذه الأخوّة، فيقال المروّة أخت المشقّة، والحجيج يصبر على بعد الشّقّة، ولولا المشقّة كثر السّادة، وقلّت الحسادة، فما ضرّكما أيها السيّدان أن تحسبا تحويجي، وتكتسبا الأجر في تدريجي؟ فإنكما إن فعلتما ذلك نسبت إلى ولائكما، كما حسبت على علائكما، وأضفت إلى نديّكما، كما عرّفت بمنتداكما. ألم تعلما أنّ المرء يعرف بخليله، ويقاس به في كثيرة وقليله؟ ولعلّي أمتحن في مرام، ويعجم عودي رام، فيقول هذا العود من تلك الأعواد، وما في الحلبة من جواد، فأكسوكما عارا، وأكون عليكما شعارا. على أني إذا دعيت باسمكما استريت من الادّعاء، فلا أستجيب لهذا الدّعاء، ولكن أقول كما قال ابن أبي سفيان حين عرف الإدارة، وأنكر الإمارة، نعم أخوّتي أصحّ، وأنّها بها أشحّ، إلا أنّ غيري نظم في السّلك، وأسهم في الملك، وأنا بينكما كالمحجوب بين طلّاب، يشاركهم في البكا لا في التّراب «1» ، إن حضرت فكنتم في الإقحام، أو لمقعد في زحام، وإن غبت فيقضى الأمر، وقد سطر زيد وعمرو. ناشدتكما الله في الإنصاف أن تريعا بواد من أودية الشّحر، في ناد من أندية الشّعر بل السّحر، حيث تندرج الأنهار، وتتأرّج الأزهار، ويتبرّج الليل والنهار، ويقرأ الطير صحفا منتثرة، ويجلو النور ثغورا مؤشّرة، ويغازل عيون النّرجس الوجل، خدود الورد الخجل، وتتمايل أعطاف البان، على أرداف الكثبان، فيرقد النسيم العليل، في حجر الرّوض وهو بليل، وتبرز هوادج الرّاح، على الرّاح، وقد هديت بأقمار، وحديت بأزهار ومزمار، وركبتها الصّبا والكميت في ذلك المضمار، ولم تزالا في طيب، وعيش رطيب، من قباب وخدور، وشموس وبدور، تصلان الليالي والأيام أعجازا بصدور، وأنا الطّريد منبوذ بالعراء، موقوذ في جهة الوراء، لا يدني محلّي، ولا يعتنى بعقدي ولا حلّي، ولا أدرج من الحرور إلى الظّل، ولا أخرج من الحرام إلى الحلّ، ولا يبعث إليّ مع النّسيم هبّة، ولا يتاح لي من الآتي عبّة. قد هلكت لغوا، ولم تقيما لي صفوا، ومتّ كمدا، ولم تبعثا لبعثي أمدا. أتراه خلفتماني جرضا، وألقيتماني حرضا؟ كم أستسقي فلا أسقى، وأسترقي فلا أرقى، لا ماء أشربه، ولا عمل في وصلكما الجزء: 3 ¦ الصفحة: 246 أدرّبه. لم يبق لي حيلة إلّا الدّعاء المجاب، فعسى الكرب أن ينجاب. اللهمّ كما أمددت هذين السّيّدين بالعلم الذي هو جمال، وسدّدتهما إلى العمل الذي هو كمال، وجمعت فيهما الفضائل والمكارم، وختمت بهما الأفاضل والمكارم، وجعلت الأدب الصّريح أقلّ خصالهما، والنّظر الصحيح أقلّ نصالهما، فاجعل اللهمّ لي في قلوبهما رحمة وحنانا، وابسط لي منهما وجها واشرح لي جنانا، واجعلني اللهمّ ممّن اقتدى بهما، وتعلّق بأهدابهما، وكان دأبه في الصّالحات كدأبهما، حتى أكون بهما ثالث القمرين في الآيات، وثالث العمرين في عمل البرّ وطول الحياة، اللهمّ آمين، وصلّى الله على محمد خاتم النبيّين. وكأنّي أنظر إلى سيديّ عزّهما الله إذا وقفا على هذا الخطاب، ونظرا إلى هذا الاحتطاب، كيف يديران رمزا، ويسيران غمزا؟ ويقال: استتبّ الفصال، وتعاطى البيذق ما تفعل النّصال، وحنّ جذع ليس منها «1» ، وخذ عجفاءك وسمّنها، فأقول وطرفي غضيض، ومحلّي الحضيض، مثلي كمثل الفروج أو ثاني البروج، وما تقاس الأكفّ بالسّروج، فأضربا عني أيها الفاضلان، ما أنا ممّن تناضلان، والسلام» . مولده: قال شيخنا الفقيه أبو عبد الله ابن القاضي المتبحّر العالم أبي عبد الله بن عبد الملك: سألته عن مولده فأنشدني: [الرجز] يا سائلي عن مولدي كي أذكره ... ولدت يوم سبعة وعشره من المحرّم افتتاح أربع ... من بعد ستمائة مفسّرة وفاته: في التاسع «2» عشر لرجب عام تسعة وتسعين وستمائة، ودفن بمقبرة فاس، وأمر أن يكتب على قبره: [مجزوء الخفيف] زر غريبا بمقره ... نازحا ما له ولي «3» تركوه موسّدا ... بين ترب وجندل ولتقل عند قبره ... بلسان التّدلّل يرحم الله عبده ... مالك بن المرحّل الجزء: 3 ¦ الصفحة: 247 ومن طارئي المقرئين والعلماء منصور بن علي بن عبد الله الزواوي صاحبنا، يكنى أبا علي. حاله: هذا الرجل طرف في الخير والسلامة، وحسن العهد، والصّون والطهارة والعفّة، قليل التصنّع، مؤثر للاقتصاد، منقبض عن الناس، مكفوف اللسان واليد، مشتغل بشأنه، عاكف على ما يعنيه، مستقيم الظاهر، ساذج الباطن، منصف في المذاكرة، موجب لحقّ الخصم، حريص على الإفادة والاستفادة، مثابر على تعلّم العلم وتعليمه، غير أنف عن حمله عمّن دونه، جملة من جمل السّذاجة والرّجولة وحسن المعاملة، صدر من صدور الطّلبة، له مشاركة حسنة في كثير من العلوم العقلية والنّقلية، واطّلاع وتقييد، ونظر في الأصول والمنطق وعلم الكلام، ودعوى في الحساب والهندسة والآلات. يكتب الشّعر فلا يعدو الإجادة والسّداد. قدم الأندلس في عام ثلاثة وخمسين وسبعمائة، فلقي رحبا، وعرف قدره، فتقدم مقرئا بالمدرسة «1» تحت جراية نبيهة، وحلّق للناس متكلّما على الفروع الفقهية والتفسير، وتصدّر للفتيا، وحضر بالدار السلطانية مع مثله. جرّبته وصحبته، فبلوت منه دينا ونصفة، وحسن عشرة. محنته: امتحن في هذا العهد الأخير بمطالبة شرعيّة، لمتوقّف صدر عنه لما جمع الفقهاء للنّظر في ثبوت عقد على رجل نال من جانب الله والنّبوّة، وشكّ في القول بتكفيره، فقال القوم بإشراكه في التكفير ولطخه بالعاب الكبير، إذ كان كثير المشاحّة لجماعتهم، فأجلت الحال عن صرفه عن الأندلس في أواخر شعبان عام خمسة وستين وسبعمائة. مشيخته: طلبت منه تقييد مشيخته، فكتب مما يدل على جودة القريحة ما نصه: «يتفضّل سيدي الأعلى الذي أهتدي بمصباحه، وأعشو إلى غرره وأوضاحه، جامع أشتات العلوم، وفاتق رتق الفهوم، حامل راية البديع، وصاحب آيات التّورية فيه الجزء: 3 ¦ الصفحة: 248 والتّرصيع، نخبة البلغاء، وفخر الجهابذة العلماء، قائد جياد البلاغة من نواصيها، وسائق شوارد الحكم من أقاصيها، أبو عبد الله بن الخطيب أبقاه الله للقريض يقطف زهره، ويجتني غرره، وللبديع يطلع قمره، وينظم درره، وللأدب يحوك حلله، ويجمع تفاصيله وجمله، وللمعاني يجوس بجيوش البراعة خلالها، ويفتتح بعوامل اليراعة أقفالها، وللأسجاع يقرّط الأسماع بفرائدها، ويحلّي النحور بقلائدها، وللنّظم يورد جياده أحلى الموارد، ويجيلها في مضمار البلاغة من غير معاند، وللنّثر يفترع أبكاره، ويودعها أسراره، ولسائر العلوم يصوغها في مفرق الآداب تاجا، ويضعها في أسطر الطّروس سراجا، ولا زال ذا القلم الأعلى، وبدر الوزارة الأوضح الأجلى، ببقاء هذه الدولة المولوية والإمامة المحمدية كعبة لملوك الإسلام، ومقصدا للعلماء الأعلام، ورضى عنهم خلفا وسلفا، وبورك لنا فيهم وسطا وطرفا، ولا زالت آمالنا بعلائهم منوطة، وفي جاههم العريض مبسوطة، بقبول ما نبّه عليه، من كتب شيوخي المشاهير إليه، فها أنا أذكر ما تيسّر لي من ذلك بالاختصار، إذ لا تفي بذكرهم وحلاهم المجلّدات الكبار. فمنهم مولاي الوالد علي بن عبد الله لقاه الله الرّوح والريحان، وأوسعه الرّضا والغفران. قرأت عليه القرآن وبعض ما يتعلق به من الإعراب والضبط. ثم بعثني إلى شيخنا المجتهد الإمام علم العلماء، وقطب الفقهاء، قدوة النّظار، وإمام الأمصار، منصور بن أحمد المشدالي، رحمه الله وقدّس روحه، فوجدته قد بلغ السّنّ به غاية أوجبت جلوسه في داره، إلّا أنه يفيد بفوائده بعض زوّاره، فقرأت من أوائل ابن الحاجب «1» عليه لإشارة والدي بذلك إليه، وذلك أول محرم عام سبعة وعشرين وسبعمائة. واشتدّ الحصار ببجاية لسماعنا أنّ السلطان العبد الوادي «2» ينزل علينا بنفسه، فأمرني بالخروج، رحمه الله، فعاقني عائق عن الرجوع إليه؛ لأتمم قراءة ابن الحاجب عليه. ثم مات، رحمه الله، عام أحد وثلاثين وسبعمائة، فخصّ مصابه البلاد وعمّ، ولفّ سائر الطلبة وضمّ، إلّا أنه ملأ بجاية وأنظارها بالعلوم النظرية وقساها، وأنظارها بالفهوم النقلية والعقلية فصار من طلبته شيخنا المعظم، ومفيدنا المقدّم، أبو عبد الله محمد بن يحيى الباهلي المعروف بالمفسّر، رحمه الله، بالطريقة الحاجبية، والكتابة الشرعية والأدبية، مع فضل السّنّ وتقرير حسن، إلى معارف تحلّاها، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 249 ومحاسن اشتمل حلاها. واستمرّ في ذكر شيوخه على هذه الوتيرة من التزام السّجع، وتقرير الحلي، فأجاد، وتجاوز المعتاد، فذكر منهم محمد بن يحيى الباهلي المذكور، وأنه أخذ عنه جملة من العلوم، فأفرده بقراءة الإرشاد؛ والأستاذ أبا علي بن حسن البجلي، وقرأ عليه جملة من الحاصل، وجملة من المعالم الدينية والفقهية، والكتب المنطقية، كالخونجي، والآيات البيّنات؛ والقاضي أبا عبد الله محمد بن أبي يوسف، قاضي الجماعة ببجاية؛ وأبا العباس أحمد بن عمران الساوي اليانيولي. قال: ثم ثنيت العنان بتوجّهي إلى تلمسان، راغبا في علوم العربية، والفهوم الهندسية والحسابية، فأول من لقيت شيخنا الذي علمت في الدنيا جلالته وإمامته، وعرفت في أقاصي البلاد سيادته وزعامته، وذكر رئيس الكتّاب العالم الفاضل أبا محمد عبد المهيمن الحضرمي، والمحدّث البقيّة أبا العباس بن يربوع، والقاضي أبا إسحاق بن أبي يحيى، وقرأ شيئا من مبادئ العربية على الأستاذ أبي عبد الله الرّندي. ولقي بالأندلس جلّة؛ فممّن قرأ عليه إمام الصنعة العربية شيخنا أبو عبد الله بن الفخّار الشهير بالبيري، ولازمه إلى حين وفاته، وكتب له بالإجازة والإذن له في التّحليق بموضع قعوده من المدرسة بعده. وقاضي الجماعة الشريف أبو القاسم محمد بن أحمد الحسيني، نسيج وحده، ولازمه، وأخذ عنه تواليفه، وقرأ عليه تسهيل الفوائد لابن مالك، وقيّد عليه، وروى عن شيخنا إمام البقية أبي البركات ابن الحاج، وعن الخطيب المحدّث أبي جعفر الطّنجالي، وهو الآن بالحال الموصوفة. أعانه الله وأمتع به. شعره: زرنا معا والشيخ القاضي المتفنّن أبو عبد الله المقرئ، عند قدومه إلى الأندلس، رباط العقاب «1» . واستنشدت القاضي، وكتب لي يومئذ بخطّه: استنشدني الفقيه الوجيه الكامل ذو الوزارتين أبو عبد الله بن الخطيب، أطال الله بقاه كما أطال ثناه، وحفظ مهجته، كما أحسن بهجته، فأنشدته لنفسي: [البسيط] لمّا رأيناك بعد الشّيب يا رجل ... لا تستقيم وأمر النفس تمتثل زدنا يقينا بما كنّا نصدّقه ... عند المشيب يشبّ الحرص والأمل وكان ذلك بمسجد رابطة العقاب، عقب صلاة الظهر من يوم الأحد التاسع والعشرين لشهر ربيع الآخر من عام سبعة وخمسين وسبعمائة. وكتب الشيخ الأستاذ أبو علي يقول: منصور بن علي الزّواوي، في رابطة العقاب في كذا، أجزت صاحبنا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 250 الفقيه المعظم، أبا عبد الله بن الخطيب وأولاده الثلاثة عبد الله، ومحمدا، وعليّا، أسعدهم الله، جميع ما يجوز لي وعنّي روايته، وأنشدته قولي أخاطب بعض أصحابنا: [الطويل] يحيّيك عن بعض المنازل صاحب ... صديق غدت تهدى إليك رسائله مقدّمة حفظ الوداد وسيلة ... ولا ودّ أن تصحّ وسائله يسائل عنك الدارسين «1» ولم يكن ... تغيب لبعد الدار عنك مسائله وكتبت له قبل هذا مما أنشدته عند قدومي على غرناطة: [المجتث] يا من وجدناه لفظا ... حقيقة في المعالي مقدّمات علاكم ... أنتجن كلّ كمال وكل نظم قياس ... خلوت منه فخال وهو من لدن أزعج عن الأندلس، كما تقدّم ذكره، مقيم بتلمسان، على ما كان عليه من الإقراء والتدريس. مسلم بن سعيد التّنملّي «2» حاله: كان غير نبيه الأبوّة. ظهر في دولة السلطان أمير المسلمين، ثاني الملوك من بني نصر «3» ، بمزيد كفاية، فقلّده خطّة الحفازة، وهي تعميم النظر في المجابي، وضمّ الأموال، وإيقاع النّكير في محلّ التّقصير، ومظانّ الريب، فنمت حاله، وعظم جاهه، ورهبت سطوته، وخيف إيقاعه، وقربت من السلطان وسيلته، فتقدّم الخدّام، واستوعب أطراف الحظوة، واكتسب العقار، وصاهر في نبيه البيوتات، وأورث عنه أخبارا تشهد له بالجود وعلوّ الهمة، وشرف النفس، إلى أن قضى على هذه الوتيرة. ذكروا أن شخصا جلب سلعة نفيسة مما يطمع في إخفائها، حيدة عن وظيفة المغرم الباهظة في مثل جنسه، فبينما هو يروم المحاولة، إذ بصر بنبيه المركب والبزة، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 251 ينفضّ في زوايا الفحص عن مثل مضطبنه، فظنّه رئيسا من رؤساء الجند، فقصده ورغب منه إجازة خبيئته بباب المدينة، وقرّر لتخوّفه من ظلم الحافز الكذا مسلم، فأخذها منه وخبّأها تحت ثيابه، ووكّل به. ولم يذهب المسكين إلّا يسيرا، حتى سأل عن الرجل، فأخبر أنّه الذي فرّ عنه، فسقط في يده. ثم تحامل، فألفاه ينظره في داخل السور، فدفع إليه أمانته، وقال: سر في حفظ الله، فقد عصمها الله من ذلك الرجل الظالم. فخجل الرجل، وانصرف متعجّبا. وأخباره في السّراوة ونجح الوسيلة كثيرة. وفاته: توفي في عام ثمانية وتسعين وستمائة، وشهد أميره دفنه، وكان قد أسفّ ولي العهد بأمور صانعه فيها من باب خدمة والده، فكان يتلمّظ لنكبته، ونصب لثاته لأكله، فعاجله الحمام قبل إيقاع نقمته به. ولمّا تصيّر إليه الأمر، نبش قبره، وأخرج شلوه، فأحرق بالنار، إغراقا في شهوة التّشفي، رحمه الله عليه. ومن العمال الأثراء مؤمّل، مولى باديس بن حبّوس حاله ومحنته: قال ابن الصّيرفي: وقد ذكر عبد الله بن بلقّين، حفيد باديس، واستشارته عن أمره، لمّا بلغه حركة يوسف بن تاشفين إلى خلعه. وكان في الجملة من أحبابه، رجل من عبيد جدّه اسمه مؤمّل، وله سنّ، وعنده دهاء وفطنة، ورأي ونظر. وقال في موضع آخر: ولم يكن في وزراء مملكته وأحبار دولته، أصيل الرأي، جزل الكلمة، إلّا ابن أبي خيثمة «1» من كتبته، ومؤمّل من عبيد جدّه، وجعفر من فتيانه. رجع، قال: فألطف له مؤمّل في القول، وأعلمه برفق، وحسن أدب، أن ذلك غير صواب، وأشار إليه بالخروج إلى أمير المسلمين إذا قرب، والتّطارح عليه، فإنه لا تمكنه مدافعته، ولا تطاق حربه، والاستجداء له أحمد عاقبة وأيمن مغبّة. وتابعه على ذلك نظراؤه من أهل السّن والحنكة، ودافع في صدّ رأيه الغلمة والأغمار، فاستشاظ غيظا على مؤمّل ومن نحا نحوه، وهمّ بهم، فخرجوا، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 252 وقد سلّ بهم فرقا منه. فلمّا جنّهم الليل فرّوا إلى لوشة، وبها من أبناء عبيد باديس قائدها، فملكوها وثاروا فيها، بدعوة أمير المسلمين يوسف بن تاشفين. وبادر مؤمّل بالخطاب إلى أمير المسلمين المذكور وقد كان سفر إليه عن سلطانه، فأعجبه عقلا ونبلا، فاهتزّ إليه، وكان أقوى الأسباب على حركته. وبادر حفيد باديس الأمر، فأشخص الجيش لنظر صهره، فتغلّب عليهم، وسيق مؤمّل ومن كان معه شرّ سوق في الحديد، وأركبوا على دواب هجن، وكشفت رؤوسهم، وأردف وراء كلّ رجل من يصفعه. وتقدّم الأمر في نصب الجذوع وإحضار الرّماة. وتلطّف جعفر في أمرهم، وقال للأمير عبد الله: إن قتلتهم الآن، أطفأت غضبك، وأذهبت ملكك، فاستخرج المال، وأنت من وراء الانتقام، فثقّفهم، وأطمعوا في أنفسهم ريثما شغله الأمر، وأنفذ إليه يوسف بن تاشفين في حلّ اعتقالهم، فلم تسعه مخالفته وأطلقهم. ولمّا ملك غرناطة على تفيئة تلك الحال، قدّم مؤمّلا على مستخلصه «1» وجعل بيده مفاتيح قصره، فنال ما شاء من مال وحظوة، واقتنى ما أراد من صامت وذخيرة. ونسبت إليه بغرناطة آثار، منها السّقاية بباب الفخّارين، والحوز المعروف بحوز مؤمّل «2» ، أدركتها وهي بحالها. وفاته: قال ابن الصّيرفي: وفي ربيع الأول من هذا العام، وهو عام اثنين وتسعين وأربعمائة، توفي بغرناطة مؤمّل مولى باديس بن حبّوس، عبد أمير المسلمين، وجابي مستخلصه، وكان له دهاء وصبر، ولم يكن بقارئ ولا كاتب. رزقه الله عند أمير المسلمين، أيام حياته، منزلة لطيفة ودرجة رفيعة. ولمّا أشرف على المنيّة، أحضر ما كان عنده من مال المستخلص، وأشهد الحاضرين على دفعه إلى من استوثقه على حمله، ثم أبرأ جميع عماله وكتّابه. وأنفذ رجلا من صنائعه إلى أمير المسلمين بجملة من مال نفسه، يريه أن ذلك جميع ما اكتسبه في دولته، أيام خدمته، وأن بيت المال أولى به، ورغب في ستر أهله وولده، فلمّا وصل إليه، أظهر الأسف عليه، وأمضى تقديم صنيعته. ثم ذكر ما كشف البحث عنه من محتجنه، وشقاء من خلفه بسببه، وعدّد مالا وذخيرة. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 253 حرف النون الملوك والأمراء نصر بن محمد بن محمد بن يوسف بن نصر بن أحمد ابن محمد بن خميس بن عقيل الخزرجي الأنصاري «1» أمير المسلمين بالأندلس، بعد أبيه وجدّه وأخيه، يكنى أبا الجيوش، وقد تقدم من أوليّة هؤلاء الملوك ما يغني عن الإعادة. حاله: من كتاب «طرفة العصر في أخبار الملوك من بني نصر» من تصنيفنا، قال: كان فتى يملأ «2» العيون حسنا وتمام صورة، دمث الأخلاق، ليّن العريكة، عفيفا، مجبولا على طلب الهدنة وحبّ الخير، مغمد السّيف، قليل الشّر، نافرا للبطر وإراقة الدماء، محبّا في العلم وأهله، آخذا من صناعة التّعديل «3» بحظّ رغيب، يخطّ التقاويم «4» الصّحيحة، ويصنع الآلات الطّريقة «5» بيده، اختصّ في ذلك الشيخ الإمام أبا عبد الله بن الرّقّام، وحيد عصره، فجاء واحد دهره ظرفا وإحكاما. وكان حسن العهد، كثير الوفاء. حمله الوفاء على اللّجاج في أمر «6» وزيره المطلوب بعزله، على الاستهداف للخلع. تقدّم يوم خلع أخيه، وهو يوم عيد الفطر من عام ثمانية وسبعمائة، وسنّه ثلاث وعشرون سنة، فكان من تمام الخلق، وجمال الصّورة، والتّأنق في «7» ملوكي اللّباس، آية من آيات الله خالقه. واقتدى «8» برسوم أبيه وأخيه، وأجرى الألقاب والعوائد لأول دولته. وكانت أيامه، كما شاء الله، أيام نحس مستمرّ، شملت المسلمين فيها الأزمة، وأحاط بهم الذّعر، وكلب العدوّ. وسيمرّ من ذلك ما فيه كفاية «9» . وكان فتى أيّ فتى، لو ساعده الجدّ، والأمر لله من قبل ومن بعد. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 254 وزراء دولته: وزر له مقيم أمره ومحكم التّدبير على أخيه، أبو «1» بكر عتيق بن محمد بن المول. وبيت بني مول بقرطبة بيت «2» له ذكر وأصالة. ولما تغلّب عليها «3» ابن هود اختفى بها أبوه أياما عدة «4» . ولما تملّكها السلطان الغالب بالله تلك البرهة، خرج إليه وصحبه إلى غرناطة، فاتّصلت قرباه بعقده على بنت للرئيس أبي جعفر المعروف «5» بالعجلب ابن عمّ السلطان. واشتدّ عضده، ثم تأكّدت القربى بعقد مول أخي هذا الوزير على بنت الرئيس أبي الوليد أخت الرئيس أبي سعيد، منجب هؤلاء الملوك الكرام، فقام «6» بأمره، واضطلع بأعباء سلطانه، إلى أن كان من تغلّب أهل الدولة عليه، وإخافة سلطانه منه، ما أوجب صرفه إلى المغرب في غرض الرسالة، وأشير عليه في طريقه بإقامته بالمغرب، فكان صرفا حسنا. وتولّى الوزارة محمد بن علي بن عبد الله بن الحاج، المسيّر «7» لخلعه، واجتثاث أصله وفرعه، وكان خبّا داهية، أعلم الناس بأخبار الرّوم وسيرهم وآثارهم. فحدثت بين السلطان وبين أهل «8» حضرته الوحشة بسببه. قضاته: أقرّ على خطة القضاء بحضرته قاضي أخيه الشيخ الفقيه أبا جعفر القرشي المنبز بابن فركون، وقد تقدم التعريف به مستوفى بحول الله «9» . كتّابه: شيخنا «10» الصدر الوجيه، نسيج وحده أبو الحسن علي بن محمد بن سليمان بن الجيّاب إلى آخر مدته. من كان على عهده من الملوك: بالمغرب «11» ، السلطان أبو الربيع سليمان بن عبد الله بن أبي يعقوب يوسف بن أبي يوسف يعقوب بن عبد الحق. تصيّر الأمر إليه بعد وفاة أخيه السلطان أبي ثابت عامر بأحواز طنجة، في صفر عام ثمانية وسبعمائة. وكان «12» مشكورا، مبخت الولاية. وفي دولته عادت سبتة إلى الإيالة المرينيّة. ثم توفي بتازى «13» في مستهل رجب «14» من عام عشرة وسبعمائة. وتولّى الملك بعده عمّ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 255 أبيه السلطان الجليل الكبير، خدن العافية، ووليّ السلامة، وممهّد الدولة أبو سعيد عثمان بن أبي يوسف يعقوب بن عبد الحق. واستمرّت ولايته إلى تمام أيام هذا الأمير، وكثيرا «1» من أيام من بعده. وقد تقدّم من ذكر السلطان أبي يوسف في اسم من تقدم من الملوك ما فيه كفاية. وبتلمسان، الأمير أبو حمّو موسى بن عثمان بن يغمراسن، [سلطان بني عبد الواد، مذلّل الصّقع] «2» ، والمثل «3» السّائر في الحزم والتيقّظ، وصلابة الوجه، زعموا، وإحكام القحة، والإغراب في خبث «4» السّيرة. واستمرّت ولايته إلى عام ثمانية عشر وسبعمائة، إلى أن سطا به ولده عبد الرحمن أبو تاشفين. وبتونس، الأمير الخليفة أبو عبد الله محمد بن الواثق «5» يحيى بن المستنصر محمد «6» بن الأمير أبي زكريا بن أبي حفص «7» . ثم توفي في ربيع «8» الآخر عام تسعة «9» وسبعمائة. فولي الأمر قريبه الأمير أبو بكر «10» عبد الرحمن بن الأمير أبي يحيى «11» زكريا ابن الأمير [أبي إسحاق بن الأمير] «12» أبي زكريا بن عبد الواحد بن أبي حفص. ونهض إليه من بجاية قريبة السلطان أبو البقاء خالد ابن الأمير أبي زكريا ابن الأمير أبي إسحاق ابن الأمير أبي زكريا يحيى «13» بن عبد الواحد بن أبي حفص، فالتقيا «14» بأرض تونس، فهزم أبو بكر «15» ، ونجا بنفسه، فدخل بستانا لبعض أهل الخدمة، مختفيا فيه، فسعي به إلى أبي البقاء، فجيء به إليه، فأمر بعض القرابة بقتله صبرا، نفعه الله «16» . وتمّ الأمر لأبي البقاء في رابع جمادى الأولى منه، إلى أن وفد «17» الشيخ المعظم «18» أبو يحيى زكريا الشهير «19» الجزء: 3 ¦ الصفحة: 256 باللّحياني، قافلا من بلاد المشرق، وهو كبير آل أبي حفص نسبا «1» وقدرا، فأقام بإطرابلس، وأنفذ إلى تونس خاصّته الشيخ الفقيه أبا عبد الله المردوري «2» محاربا لأبي البقاء، وطالبا للأمر. فتمّ الأمر «3» ، وخلع أبو البقاء تاسع جمادى الأولى عام أحد عشر وسبعمائة. وتمّ الأمير للشيخ أبي يحيى. واعتقل أبو البقاء، فلم يزل معتقلا إلى أن توفي في شوال عام ثلاثة عشر وسبعمائة، ودفن بالجبّانة المعروفة لهم «4» بالزلّاج، فضريحه «5» فيما تعرّفنا بإزاء ضريح قتيله «6» المظلوم أبي بكر، لا فاصل بينهما. وعند الله تجتمع الخصوم. واتّصلت أيام الأمير أبي يحيى، إلى أن انقرضت مدة الأمير أبي الجيوش. وقد تضمّن الإلماع بذلك «7» الرّجز المسمّى ب «قطع السّلوك» «8» من نظمي. فمن «9» ذلك فيما يختصّ بملوك «10» المغرب قولي في ذكر السلطان أبي يعقوب: [الرجز] ثم تقضّى معظم الزمان ... مواصلا حصر بني زيّان حتى أتى أهل تلمسان الفرج ... ونشقوا من جانب اللّطف الأرج لما ترقّى درج السّعد درج ... فانفضّ ضيق الحصر عنها وانفرج وابن ابنه وهو المسمّى عامرا ... أصبح بعد ناهيا وآمرا وكان ليثا دامي المخالب ... تغلّب «11» الأمر بجدّ غالب أباح بالسّيف نفوسا عدّه ... فلم تطل في الملك منه المدّة ومات حتف أنفه واخترما ... ثم سليمان عليها قدّما أبو الربيع دهره ربيع ... يثني على سيرته الجميع حتى إذا الملك سليمان قضى ... تصيّر الملك «12» لعثمان الرّضا فلاح نور السّعد فيها وأضا ... ونسي «13» العهد الذي كان مضى الجزء: 3 ¦ الصفحة: 257 وفيما يختصّ ببني زيّان، بعد ذكر أبي زيّان: [الرجز] حتى إذا استوفى زمان سعده ... قام أبو حمّو بها من بعده وهو الذي سطا عليه ولده ... حتى انتهى على يديه أمده «1» وفيما يختصّ بآل أبي حفص بعد ذكر جملة «2» منهم: [الرجز] ثم الشهيد «3» والأمير «4» خالد ... هيهات ما في الدهر حيّ خالد وزكريّاء «5» بها بعد ثوى ... ثم نوى الرّحلة عنها والنوى وحلّ «6» بالشرق وبالشرق ثوى ... وربما فاز امرؤ بما نوى ومن ملوك النصارى بقشتاله: هرانده بن شانجه بن ألهنشه «7» بن هرانده بن شانجه. ونازل على عهده الجزيرة الخضراء، ثم أقلع عنها عن ضريبة «8» وشروط، ثم نازل في أخريات أمره «9» حصن القبذاق، وأدركه ألم الموت بظاهره، فاحتمل من المحلّة «10» إلى جيّان، وبقيت المحلّة منيخة على الحصن، إلى أن تملّك بعد موت الطّاغية بأيام «11» ثلاثة، كتموا فيها موته. ولسبب 1» هلاكه حكاية ظريفة، تضمنتها «طرفة العصر، في تاريخ دولة بني نصر» . وقام بعده بأمر النصرانية ولده ألهنشه، واستمرّت أيامه إلى «13» عام خمسين وسبعمائة. بعض الأحداث في أيامه: نازل على أول أمره طاغية قشتالة الجزيرة الخضراء في الحادي والعشرين من «14» عام تسعة وسبعمائة، وأقام عليها إلى أخريات شعبان من العام المذكور، وأقلع «15» عنها بعد ظهوره على الجبل «16» وفوز قداحه به. ونازل الجزء: 3 ¦ الصفحة: 258 صاحب برجلونة مدينة ألمريّة غرّة ربيع الأول من هذا العام، وأخذ بمخنّقها، وتفرّقت الظبا على الخراش «1» ، ووقعت على جيش المسلمين الناهد إليه وقيعة «2» كبيرة، واستمرّت المطاولة إلى أخريات شعبان، ونفّس الله الحصر، وفرّج الكرب. وما كاد أهل الأندلس يستنشقون «3» ريح العافية، حتى نشأ نجم الفتنة «4» ، ونشأت ريح الخلاف، واستفسد وزير الدولة ضمائر أهلها، واستهدف إلى رعيتها بإيثار النصارى والصاغية إلى العدوّ، وأظهر الرّئيس «5» ابن عم الأب صاحب مالقة أبو سعيد فرج «6» بن إسماعيل، صنو الغالب بالله «7» ابن نصر، الامتساك بما كان بيده، والدعاء لنفسه، وقدّم ولده الدّائل إلى طلب الملك. وثار أهل غرناطة، يوم الخامس والعشرين لرمضان «8» من العام، وأعلن منهم من أعلن بالخلاف ثم خانهم التدبير، وخبطوا العشواء «9» ، ونزل الحشم، فلاذ الناس منهم بديارهم، وبرز السلطان إلى باب القلعة، متقدّما بالعفّة عن الناس، وفرّ الحاسرون عن القناع، فلحقوا بالسلطان أبي الوليد بمالقة، فاستنهضوه «10» إلى الحركة، وقصد الحضرة، فأجابهم وتحرّك، فأطاعته الحصون بطريقه، واحتلّ خارج «11» غرناطة صبيحة يوم الخميس السابع والعشرين لشوال منه «12» ، فابتدره الناس من صائح ومشير بثوبه، ومتطارح بنفسه، فدخل البلد من ناحية ربض البيّازين، واستقرّ بالقصبة «13» ، كما تقدم في اسمه. وفي ظهر يوم السبت التاسع والعشرين من الشهر، نزل «14» الحمراء دار الملك، وانفصل السلطان المترجم به، موفّى له شرط عقده من انتقاله إلى وادي آش، مستبدّا بها، وتعيين مال مخصوص، وغير ذلك. ورحل ليلة الثلاثاء الثالث لذي قعدة من العام. واستمرّت الحال، بين حرب ومهادنة «15» ، وجرت بسبب ذلك أمور صعبة إلى حين وفاته. رحمه الله. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 259 مولده: ولد «1» في رمضان عام ستة وثمانين وستمائة. وكانت سنّه ستا وثلاثين سنة وثلاثة أشهر، ودولته الجامعة خمس سنين وشهرا واحدا، ومقامه بوادي آش تسعة أعوام وثلاثة أيام. وفاته: توفي، رحمه الله، ليلة الأربعاء سادس ذي قعدة من عام اثنين وعشرين وسبعمائة بوادي آش، ودفن بجامع القصبة منها، ثم نقل في أوائل «2» ذي الحجة منه إلى الحضرة، فكان وصوله يوم الخميس السادس منه، وبرز إليه السلطان، والجمع الكثير من الناس، ووضع «3» سريره بالمصلّى العيدي، وصلّى عليه إثر صلاة العصر، ودفن بمقبرة سلفه بالسّبيكة، وكان يوما من الأيام المشهودة، وعلى قبره مكتوب في الرّخام: «هذا قبر السلطان المرفّع «4» المقدار، الكريم البيت العظيم النّجار، سلالة الملوك الأعلام الأخيار، الصّريح النّسب في صميم الأنصار «5» ، الملك الأوحد الذي له السّلف العالي المنار، في الملك المنيع الذّمار، رابع ملوك بني نصر أنصار دين المصطفى «6» المختار، المجاهدين في سبيل الملك الغفار، الباذلين في رضاه كرائم الأموال ونفائس الأعمار، المعظّم المقدّس المرحوم أبي الجيوش نصر ابن السلطان الأعلى، الهمام الأسمى، المجاهد الأحمى، الملك العادل، الطّاهر الشّمائل، ناصر دين الإسلام، ومبيد عبدة الأصنام، المؤيد المنصور، المقدّس، المرحوم أمير المسلمين أبي عبد الله ابن السلطان الجليل «7» ، الملك الشهير، مؤسّس قواعد الملك على التّقوى والرّضوان، وحافظ كلمة الإسلام وناصر دين الإيمان، الغالب بالله، المنصور بفضل الله، المقدّس المرحوم، أمير المسلمين أبي عبد الله بن نصر، تغمّده الله برحمته وغفرانه، وبوّأه منازل إحسانه، وكتبه في أهل رضوانه، وكان «8» مولده في يوم الاثنين الرابع والعشرين لشهر رمضان المعظم عام ستة وثمانين وستمائة. وبويع يوم الجمعة غرّة شوال عام ثمانية وسبعمائة، وتوفي، رحمه الله «9» ، ليلة يوم الأربعاء الجزء: 3 ¦ الصفحة: 260 السادس لشهر ذي قعدة عام اثنين وعشرين وسبعمائة، فسبحان الملك الحقّ المبين، وارث الأرض ومن عليها، وهو خير الوارثين. وفي جهة «1» : [الكامل] يا قبر، جاد ثراك «2» صوب غمام ... يهمي عليك برحمة وسلام بوركت لحدا فيه أيّ وديعة ... ملك كريم من نجار كرام ما شئت من حلم ومن خلق رضى ... وزكاء أعراق ومجد سام فاسعد بنصر رابع الأملاك من ... أبناء نصر ناصري الإسلام من خزرج الفخر الذين مقامهم ... في نصر خير الخلق خير مقام يا أيها المولى المؤسّس بيته ... في معدن الأحساب والأحلام ما للمنيّة والشباب مساعد ... قد أقصدتك بصائبات سهام عجلت على ذاك الجمال فغادرت ... ربع المحاسن طامس الأعلام فمحى الرّدى من حسن وجهك آية ... نحو «3» النهار لسدفة الإظلام ما كنت إلّا بدر تمّ باهرا ... أخنى الخسوف عليك عند تمام فعلى ضريح أبي الجيوش تحيّة ... كالمسك عرفا عند فضّ ختام وتغمّدته رحمة الله التي ... ترضيه من عدن بدار مقام ومن الأعيان والوزراء نصر بن إبراهيم بن أبي الفتح الفهري يكنى أبا الفتح، أصلهم من حصن أريول من عمل مرسية، ولهم في الدولة النّصرية مزية خصّوا لها بأعظم رتب القيادة، واستعمل بعضهم في ولاية السلطان. حاله: نقلت من خط شيخنا أبي بكر بن شبرين، قال: وفي السادس عشر لذي قعدة منه، يعني عام عشرة وسبعمائة، توفي بغرناطة القائد المبارك أبو الفتح، أحد الولاة والأعيان الذاكرين لله تعالى، أولي النزاهة والوفاء. نصر بن إبراهيم بن أبي الفتح بن نصر بن إبراهيم ابن نصر الفهري يكنى أبا الفتح، حفيد المذكور معه في هذا الباب. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 261 حاله: من كتاب «طرفة العصر» : نسيج وحده في الخير والعفاف، ولين العريكة، ودماثة الأخلاق، إلى بعد الهمّة، وجمال الأبّهة، وضخامة التّجنّد، واستجادة المركب والعدّة، وارتباط العبادة. استعان على ذلك بالنّعمة العريضة بين منادية إليه بميراث، ومكتسب من جرّاء المتغلّب على الدولة صهره ابن المحروق معياشة لبنته. ونمت حال هذا الشهم النّجد، وشمخت رتبته حتى خطب للوزارة في أخريات أيامه، وعاق عن تمام المراد به إلحاح السّقم على بدنه وملازمة الضّنا لجثمانه، فمضى لسبيله، عزيز الفقد عند الخاصّة، ذائع الثّناء، نقي العرض، صدرا في الولاة، وعلما في القوّاد الحماة. وفاته: توفي بغرناطة ليلة الجمعة الثامن والعشرين لجمادى الآخرة عام خمسة وأربعين وسبعمائة. وكانت جنازته آخذة نهاية الاحتفال، ركب إليها السلطان، ووقف بإزاء لحده، إلى أن ووري، تنويها بقدره، وإشادة ببقاء الحرمة على خلفه. وحمل سريره الجملة من فرسانه وأبناء نعمته. ومن الكتّاب والشعراء نزهون بنت القليعي » قال ابن الأبّار «2» : وهو فيما أحسب أبو بكر محمد بن أحمد بن خلف بن عبد الملك بن غالب الغسّاني، غرناطية «3» . حالها: كانت «4» أديبة شاعرة، سريعة الجواب، صاحبة فكاهة ودعابة. وقد جرى شيء من ذلك في اسم أبي بكر بن قزمان «5» ، والمخزومي الأعمى «6» ، وأبي بكر بن سعيد «7» . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 262 شعرها: دخل «1» الأديب أبو بكر الكتندي «2» الشاعر، وهي تقرأ على المخزومي الأعمى، فلمّا نظر إليها، قال: أجز يا أستاذ: [الكامل] لو كنت تبصر من تكلّمه «3» ... .............. فأفحم المخزومي زامعا، فقالت: [الكامل] ................ .. ... لغدوت أخرس من خلاخله ثم زادت: البدر يطلع من أزرّته ... والغصن يمرح في غلائله ولا خفاء ببراعة هذه الإجازة ورفاعة هذا الأدب. وكتب إليها أبو بكر بن سعيد، وقد بلغه أنها تخالط غيره من الأدباء الأعيان «4» : [المجتث] يا من له ألف خلّ «5» ... من عاشق وعشيق «6» أراك خلّيت للنّا ... س سدّ ذاك الطريق «7» فأجابته بقولها: [الطويل] حللت أبا بكر محلّا منعته ... سواك، وهل غير الرفيع «8» له صدري؟ وإن كان لي كم من حبيب فإنما ... يقدّم أهل الحقّ فضل «9» أبي بكر وهذه غاية في الحسن بعيدة. ومحاسنها شهيرة، وكانت من غرر المفاخر الغرناطية. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 263 حرف الصاد من الأعيان والوزراء الصّميل بن حاتم بن عمر بن جذع بن شمر بن ذي الجوشن الضّبابي الكلبي «1» وهو من أشراف عرب الكوفة. أوليته: قال صاحب الكتاب «الخزائني» : جدّه «2» أحد قتلة الحسين بن علي والذي قدم برأسه على يزيد بن معاوية، فلمّا قام المختار «3» ثائرا بالحسين فرّ عنه شمر ولحق بالشام فأقام بها في عزّ ومنعة. ولمّا خرج كلثوم بن عياض غازيا إلى المغرب، كان الصّميل ممن ضرب عليه البعث في أشراف أهل الشام. ودخل الأندلس في طالعة بلج بن بشر القشيري، فشرف ببدنه إلى شرف تقدّم له، وردّ ابن حيّان هذا. وقال في كتاب «بهجة الأنفس، وروضة الأنس» : كان الصّميل بن حاتم هذا جدّه شمر قاتل الحسين، رضي الله عنه، من أهل الكوفة، فلمّا قتله، تمكّن منه المختار فقتله، وهدم داره، فارتحل ولده من الكوفة، فرأس بالأندلس، وفاق أقرانه بالنجدة والسّخاء. حاله: قال «4» : كان شجاعا، نجدا، جوادا، كريما، إلّا أنه كان رجلا أمّيّا لا يقرأ ولا يكتب، وكان «5» له في قلب الدول وتدبير الحروب، أخبار مشهورة. من أخباره: حكى ابن القوطيّة، قال «6» : مرّ الصّميل بمعلّم يتلو: وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُداوِلُها بَيْنَ النَّاسِ «7» ، فوقف يسمع، ونادى بالمعلّم: يا هناه، كذا نزلت الجزء: 3 ¦ الصفحة: 264 هذه الآية؟ فقال: نعم، فقال: أرى والله أن سيشركنا في هذا الأمر العبيد والأراذل والسّفلة. خبره في الجود: قال: كان أبو الأجرب الشاعر «1» وقفا على أمداح الصّميل، وهو القائل: [الوافر] بنى لك حاتم بيتا رفيعا ... رأيناه على عمد طوال وقد كان ابتنى شمر وعمرو ... بيوتا غير ضاحية الظّلال فأنت ابن الأكارم من معدّ ... تعلج للأباطح «2» والرّمال وقارضه بإجزاله لعطائه وانتمائه في ثوابه، بأن أغلظ القسم على نفسه بأن لا يراه إلّا أعطاه ما حضره، فكان أبو الأجرب قد اعتمد اجتنابه في اللقاء حياء منه وإبقاء على ماله، فكان لا يزوره إلّا في العيدين قاضيا لحقّه. وقد لقيه يوما مواجهة ببعض الطريق، والصّميل راكب، ومعه ابناه، فلم يحضره ما يعطيه، فأرجل أحد ابنيه، وأعطاه دابّته، فضرب في صنعه، وفيه يقول من قصيدة: [الكامل] دون الصّميل شريعة مورودة ... لا يستطيع لها العدوّ ورودا فتّ الورى وجمعت أشتات العلا ... وحويت مجدا لا ينال وجودا فإذا هلكت فلا تحمّل فارس ... سيفا ولا حمل النساء وليدا وكان صاحب أمره ولّاه الأندلس قبل الأمويين؛ لهم الأسماء وله معنى الإمرة، وكان مظفّر الحروب، سديد الرأي، شهير الموقف، عظيم الصبر. وأوقع باليمانيّة وقائع كثيرة، منها وقيعة شقندة، ولم يكن بالأندلس مثلها، أثخن فيها القتل باليمانية. أنفته: قال: وكان أبيّا للضّيم، محاميا عن العشيرة، كلّم أبا الخطّار الأمير في رجل من قومه انتصر به، فأفجمه، وردّ عليه، فأمر به، فتعتع ومالت عمامته، فلمّا خرج قال له بعض من على باب الأمير: يا أبا الجوشن، ما باب عمامتك مائلة؟ فقال: إن كان لي قوم فسيقيمونها، وخرج من ليلته، فأفسد ملكه. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 265 وفاؤه: وخبر وفائه مشهور، فيما كان من جوابه لرسولي عبد الرحمن بن معاوية إليه، بما قطع به رجاء الهوادة في أمر أميره يوسف بن عبد الرحمن الفهري، والتّستّر مع ذلك عليهما، فلينظر في كتاب «المقتبس» . دخوله غرناطة: ولما صار الأمر إلى عبد الرحمن بن معاوية، صقر بني أمية، وقهر الأمير يوسف الفهري ووزيره الصّميل، إذ عزله الناس، ورجع معه يوسف الفهري والصميل إلى قرطبة، ولم يلبثا أن نكثا، ولحقا فحص غرناطة، ونازلهما الأمير عبد الرحمن بن معاوية في خبر طويل، واستنزلهما عن عهد، وعاد الجميع إلى قرطبة، وكان يوسف والصميل يركبان إلى القصر كل جمعة إلى أن مضيا لسبيلهما. وكان عبد الرحمن بن معاوية يسترجع ويقول: ما رأيت مثله رجلا. لقد صحبني من إلبيرة إلى قرطبة، فما مسّت ركبتي ركبته، ولا خرجت دابّته عن دابّتي. ومن الكتّاب والشعراء صفوان بن إدريس بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عيسى ابن إدريس التّجيبي «1» من أهل مرسية، يكنى أبا بجر «2» . حاله: كان «3» أديبا، حسيبا جليلا، أصيلا، ممتعا من الظّرف، ريّان من الأدب، حافظا، حسن الخطّ، سريع البديهة، ترف النّشأة، على تصاون وعفاف، جميلا سريّا، سمحا ذكيا، مليح العشرة، طيّب النفس، ممّن تساوى حظّه في النظم والنثر، على تباين الناس في ذلك. مشيخته: روى عن أبيه وخاله، ابن عمّ أبيه القاضي أبي القاسم بن إدريس، وأبي بكر بن مغاور، وأبي الحسن بن القاسم، وأبي رجال بن غلبون، وأبي عبد الله بن حميد، وأبي العباس بن مضاء، وأبي القاسم بن حبيش، وأبي محمد الحجري، وابن حوط الله، وأبي الوليد بن رشد، وأجاز له أبو القاسم بن بشكوال. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 266 من روى عنه: أبو إسحاق اليابري، وأبو الربيع بن سالم، وأبو عبد الله بن أبي البقاء، وأبو عمرو بن سالم، ومحمد بن محمد بن عيشون. تواليفه: له تواليف أدبيّة منها، «زاد المسافر» ، وكتاب «الرحلة» ، وكتاب «العجالة» سفران يتضمنان من نظمه ونثره أدبا لا كفاء له. وانفرد من تأبين الحسين، رضي الله عنه، وبكاء أهل البيت، بما ظهرت عليه بركته في «1» حكايات كثيرة. شعره: ثبتّ من ذلك في العجالة قوله «2» : [الكامل] جاد الزمان بأنّة الجرعاء ... توقان من دمعي وغيث سماء «3» فالدّمع يقضي عندها حقّ الهوى ... والغيم حقّ البانة الغيناء «4» خلت الصّدور من القلوب كما خلت ... تلك المقاصر من مها وظباء ولقد أقول لصاحبيّ وإنما ... ذخر الصّديق لأمجد «5» الأشياء يا صاحبيّ، ولا أقلّ إذا أنا ... ناديت من أن تصغيا لندائي «6» عوجا بحار «7» الغيم في سقي الحما ... حتى ترى «8» كيف انسكاب الماء ونسنّ في سقي المنازل سنّة ... نمضي بها حكما على الظّرفاء يا منزلا نشطت إليه عبرتي ... حتى تبسّم زهره لبكائي «9» ما كنت قبل مزار ربعك عالما ... أنّ المدامع أصدق الأنواء يا ليت شعري والزّمان تنقّل ... والدّهر ناسخ شدّة برخاء هل نلتقي في روضة موشيّة ... خفّاقة الأغصان والأفياء؟ وننال فيها من تألّفنا ولو ... ما فيه سخمة «10» أعين الرّقباء؟ في حيث أتلعت الغصون سوالفا ... قد قلّدت بلآلئ الأنداء وجرت «11» ثغور الياسمين فقبّلت ... عنيّ «12» عذار الآسة الميساء الجزء: 3 ¦ الصفحة: 267 والورد في شطّ الخليج كأنّه ... رمد ألمّ بمقلة زرقاء وكأنّ غصن «1» الزّهر في خضر الرّبى ... زهر النجوم تلوح بالخضراء وكأنما جاء النّسيم مبشّرا ... للرّوض يخبره بطول بقاء فكساه خلعة طيبه ورمى له ... بدراهم الأزهار رمي سخاء وكأنّما احتقر الصّنيع فبادرت ... بالعذر «2» عنه نغمة الورقاء والغصن يرقص في حلى أوراقه ... كالخود في موشيّة خضراء وافترّ ثغر الأقحوان بما رأى ... طربا وقهقه منه جري الماء أفديه من أنس تصرّم فانقضى ... فكأنّه قد كان في الإغفاء لم يبق منه غير ذكر أو منى ... وكلاهما سبب لطول عناء أو رقعة من صاحب هي تحفة ... إنّ الرّقاع لتحفة النّبهاء كبطاقة الوسميّ «3» إذ حيّا بها ... إنّ الكتاب تحيّة الظّرفاء «4» وهي طويلة «5» . وقال مراجعا عن كتاب أيضا: [الوافر] ألا سمح الزمان به كتابا ... ذرى بوروده أنسي قبابا فلا أدري أكانا تحت وعد ... دعا بهما لبرئي فاستجابا؟ وقد ظفرت يدي بالغنم منه ... فليت الدهر سنّى لي إيابا فلو لم أستفد شيئا سواه ... قنعت بمثله علقا لبابا إذا أحرزت هذا في اغترابي ... فدعني أقطع العمر اغترابا رجمت بأنسه شيطان همّي ... فهل وجّهت طرسا أم شهابا؟ رشفت به رضاب الودّ عذبا ... يذكّرني شمائلك العذابا وكدت أجرّ أذيالي نشاطا ... ولكن خلت قولهم تصابا فضضت ختامه عنّي كأني ... فتحت بفضّه للروض بابا فكدت أبثّه في جفن عيني ... لكي أستودع الزّهر السّحابا وكنت أصونه في القلب لكن ... خشيت عليه أن يفنى التهابا ولو أنّ الليالي سامحتني ... لكنت على كتابكم الجوابا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 268 فأبلي عندكم بالشّكر عذرا ... وأجزل من ثنائكم الثّوابا ولكنّ الليالي قيّدتني ... وقيّد عدّتي «1» إلّا الخطابا فما تلقاني الأحباب إلّا ... سلاما أو مناما أو كتابا لأمر ما يقصّ الدهر ريشي ... لأنّ السّهم مهما ريش صابا وعاذلة تقول ولست أصغي ... ولو أصغيت لم أرفع جوابا تخوّفني الدّواهي وهي عندي ... أقل من أن أضيق بها جنابا إذا طرقت أعدّ لها قراها ... وقارا واحتسابا واصطبارا وما مثلي يخوّف بالدواهي ... عرين اللّيث لا يخشى الذّبابا تعاتبني فلا يرتدّ طرفي ... وهل تسترقص الرّيح الهضابا؟ ولو أنّ العتاب يفيد شيئا ... ملأت مسامع الدّنيا عتابا وقد وصّيتها بالصّمت عنّي ... فما صمتت ولا قالت صوابا تعنّفني على تركي بلادا ... عهدت بها القرارة والشّبابا تقول: وهل يضرّ السّيف إلّا ... إذا ما فارق السيف القرابا فقلت: وهل يضرّ السيف فلّ ... إذا قطّ الجماجم والرّقابا؟ بخوض الهول تكتسب المعالي ... يحلّ السّهل من ركب الصّعابا فليث الغاب يفترس الأناسي ... وليث البيت يفترس الذّبابا ولو كان انقضاض الطّير سهلا ... لكانت كلّ طائرة عقابا دعيني والنهار أسير فيه ... أسير عزائم تفري الصّلابا أغازل من غزالته فتاة ... تبيّض فودها هرما وشابا إذا شاءت مواصلتي تجلّت ... وإن ملّت توارت لي احتجابا وأسري اللّيل لا ألوي عنانا ... ولو نيل الأماني ما «2» أصابا أطارح من كواكبه كماما ... وأزجر من دجنّته غرابا وأركب أشهبا «3» غبرا كباعي ... وخضرا مثل خاطري انسيابا وآخذ من بنات الدّهر حقّي ... جهاز البيت استلب استلابا ولست أذيل بالمدح القوافي ... ولا أرضى بخطّتها اكتسابا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 269 أأمدح من به أهجو مديحي ... إذا طيّبت بالمسك الكلاما سأخزنها عن الأسماع حتى ... أردّ الصّمت بينهما حجابا فلست بمادح ما عشت إلّا ... سيوفا أو جيادا أو صحابا أبا موسى، وإنّي ذو «1» وداد ... أناجي لو سمعت إذا أجابا ولكن دون ذلك مهمه لو ... طوته الريح لم ترج الإيابا أخي، برّ المودّة كلّ برّ ... إذا برّ الأشقّا «2» الانتسابا بعثت إليك من نظمي بدرّ ... شققت عليه من فكري عبابا عداني الدهر أن يلقاك شخصي ... فأغنى الشّعر عن شخصي ونابا وقال في الغرض الذي نظم فيه الرّصافي «3» من وصف بلده، وذكر إخوانه ومعاهده، مساجلا في العروض والرّوي، عقب رسالة سماها «رسالة طراد الجياد في الميدان، وتنازع اللّدان والإخوان، في تنفيق مرسية على غيرها من البلدان» «4» : [الطويل] لعلّ «5» رسول البرق يغتنم الأجرا ... فينثر «6» عنّي ماء عبرته نثرا! معاملة أربو «7» بها غير مذنب ... فأقضيه دمع العين من نقطة بحرا ليسقي «8» من تدمير قطرا محبّبا ... يقرّ بعين القطر أن تشرب القطرا ويقرضه ذوب اللّجين وإنما ... توفّيه عيني من مدامعها تبرا وما ذاك تقصيرا بها غير أنه ... سجيّة ماء البحر أن يذوي الزّهرا خليليّ، قوما فاحبسا طرق الصّبا ... مخافة أن تحمي «9» بزفرتي الحرّى فإنّ الصّبا ريح عليّ كريمة ... بآية ما تسري من الجنّة الصّغرى الجزء: 3 ¦ الصفحة: 270 خليليّ، أعني أرض مرسية المنى ... ولولا توخّي الصّدق سمّيتها الكبرى محلّي بل جوّي الذي عبقت به ... نواسم آدابي معطّرة نشرا ووكري الذي منه درجت فليتني ... فجعت بريش العزم كي ألزم الوكرا وما روضة الخضراء قد مثلت بها ... مجرّتها نهرا وأنجمها زهرا بأبهج منها والخليج مجرّة ... وقد فضحت أزهار ساحتها الزّهرا وقد أسكرت أزهار «1» أغصانها الصّبا ... وما كنت أعتدّ الصّبا قبلها خمرا هنالك بين الغصن والقطر والصّبا ... وزهر الرّبى ولّدت آدابي الغرّا إذا نظم الغصن الحيا قال خاطري ... تعلّم نظام النّثر من ههنا شعرا وإن نثرت ريح الصّبا زهر الرّبى ... تعلّمت حلّ الشّعر أسبكه نثرا فوائد أسحار هناك اقتبستها ... ولم أر روضا غيره يقرئ السّحرا كأنّ هزيز الريح يمدح روضها ... فتملأ فاه من أزاهر ها درّا «2» أيا زنقات «3» الحسن، هل فيك نظرة ... من الجرف الأعلى إلى السّكّة الغرّا؟ فأنظر من هذي لتلك كأنما ... أغيّر إذ غازلتها أختها الأخرى هي الكاعب الحسناء تمّم حسنها ... وقدّت لها أوراقها حللا خضرا إذا خطبت أعطت دراهم زهرها ... وما عادة الحسناء أن تنقد المهرا وقامت بعرس الأنس قينة أيكة «4» ... أغاريدها تسترقص الغصن النّضرا فقل في خليج يلبس الحوت درعه ... ولكنه لا يستطيع بها قصرا «5» إذا ما بدا فيها الهلال رأيته ... كصفحة سيف وسمها قبعة صفرا وإن لاح فيها البدر شبّهت متنه ... بسطر «6» لجين ضمّ من ذهب عشرا وفي جرفي روض هناك تجافيا ... لنهر «7» يودّ الأفق لو زاره فجرا كأنهما خلّا صفاء تعاتبا ... وقد بكيا من رقّة ذلك النّهرا وكم لي بالباب الجديد «8» عشيّة ... من الأنس ما فيه سوى أنّه مرّا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 271 عشايا «1» كأنّ الدّهر غصّ «2» بحسنها ... فأجلت سياط «3» البرق أفراسها الشّقرا «4» عليهنّ أجري خيل دمعي بوجنتي ... إذا ركبت حمرا ميادينها الصفرا أعهدي بالغرس المنعّم دوحه ... سقتك دموعي إنها مزنة شكرى «5» فكم فيك من يوم أغرّ محجّل ... تقضّت أمانيه فخلّدتها ذكرا على مذنّب كالنحر «6» من فرط حسنه ... تودّ الثّريّا أن تكون «7» له نحرا سقت أدمعي والقطر أيهما انبرى ... نقا الرّملة البيضاء فالنّهر فالجسرا وإخوان صدق لو قضيت حقوقهم ... لما فارقت عيني وجوههم الزّهرا ولو كنت أقضي حقّ نفسي ولم أكن ... لما بتّ أستحلي فراقهم المرّا وما اخترت هذا البعد إلّا ضروة ... وهل تستجير العين أن تفقد الشّفرا «8» ؟ قضى الله أن ينأى «9» بي الدهر عنهم ... أراد بذاك الله أن أعتب الدهرا وو الله لو نلت المنى ما حمدتها ... وما عادة المشغوف أن يحمد الهجرا أيأنس باللّذات قلبي ودونهم ... مرام يجدّ الرّكب «10» في طيّها شهرا؟ ويصحب هادي الليل راء وحرفة ... وصادا ونونا قد تقوّس «11» واصفرّا فديتهم بانوا وضنّوا بكتبهم ... فلا خبرا منهم لقيت ولا خبرا ولولا علا همّاتهم لعتبتهم ... ولكن عراب الخيل لا تحمل الزّجرا ضربت غبار البيد في مهرق السّرى ... بحيث جعلت الليل في ضربه حبرا وحقّقت ذاك الضّرب جمعا وعدّة ... وطرحا وتجميلا فأخرج لي صفرا كأنّ زماني حاسب متعسّف ... يطارحني كسرا، أما يحسن الجبرا؟ فكم عارف بي وهو يحسب «12» رتبتي ... فيمدحني سرّا ويشتمني جهرا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 272 لذلك ما أعطيت نفسي حقّها ... وقلت لسرب الشّعر: لا ترم «1» الفكرا «2» فما برحت فكري عذارى قصائدي ... ومن خلق العذراء أن تألف الخدرا ولست وإن طاشت سهامي بآيس ... فإنّ مع العذر «3» الذي يتّقى يسرا ومن مقطوعاته «4» : [السريع] يا قمرا مطلعه أضلعي ... له سواد القلب منها «5» غسق وربّما استوقد نار الهوى ... فناب فيها لونها عن شفق ملّكتني في «6» دولة من صبا ... وصدتني في «7» شرك من حدق عندي من حبّك «8» ما لو سرت ... في البحر منه شعلة لاحترق ومن مقطوعاته أيضا «9» : [الكامل] قد كان لي قلب فلمّا فارقوا ... سوّى جناحا للغرام وطارا وجرت سحاب بالدموع «10» فأوقدت ... بين الجوانح لوعة وأوارا ومن العجائب أنّ فيض مدامعي ... ماء ويثمر «11» في ضلوعي نارا وشعره الرّمل والقطر كثرة، فلنختم له المقطوعات بقوله «12» : [المنسرح] قالوا وقد طال بي مدى خطئي ... ولم أزل في تجرّمي ساهي «13» أعددت شيئا ترجو النجاة به؟ ... فقلت: أعددت رحمة الله نثره: كتب يهنّئ «14» قاضي الجماعة أبا القاسم بن بقيّ من رسالة «15» : لأن «16» قدره «17» دام عمره، وامتثل نهيه الشرعي وأمره، أعلى رتبة وأكرم محلّا، من أن الجزء: 3 ¦ الصفحة: 273 يتحلّى بخطّة هي به تتحلّى. كيف يهنأ بالقعود لسماع دعوة «1» الباطل، ولمعاناة «2» الإنصاف الممطول من الماطل، والتّعب في المعادلة، بين ذوي المجادلة. أما لو علم المتشوّقون «3» إلى خطّة الأحكام، المستشرفون إلى ما لها من التّبسّط والاحتكام، ما يجب لها من اللّوازم، والشروط الجوازم، كبسط الكنف، ورفع الجنف، والمساواة بين العدوّ وذي الذّنب، والصاحب بالجنب، وتقديم ابن السّبيل، على ذي الرّحم والقبيل، وإيثار الغريب، على القريب، والتوسّع في الأخلاق، حتى لمن ليس له من خلاق، إلى غير ذلك ممّا علم قاضي الجماعة أحصاه، واستعمل لخلقه «4» الفاضل أدناه وأقصاه، لجعلوا خمولهم مأمولهم، وأضربوا عن ظهورهم «5» ، فنبذوه وراء ظهورهم «6» ، اللهمّ إلّا من أوتي بسطة في العلم، ورسا طودا في ساحة الحلم، وتساوى ميزانه في الحرب والسّلم، وكان كقاضي الجماعة «7» ، في المماثلة بين أجناس الناس، فقصاراه أن يتقلّد الأحكام للأجر، لا للتّعسف «8» والزّجر، ويتولّاها للثواب، لا للغلظة في ردّ الجواب، ويأخذها لحسن الجزاء، لا لقبح «9» الاستهزاء، ويلتزمها لجزيل الذّخر، لا للإزراء والسّخر. فإذا كان كذلك، وسلك المتوليّ هذا السّالك «10» ، وكان كقاضي «11» الجماعة ولا مثل له، ونفع الحقّ به علله، ونقع غلله، فيومئذ تهنأ «12» به خطّة القضاء، ويعرف ما لله عليه «13» من اليد البيضاء. ومحاسنه في النثر أيضا جمّة. ومن أخباره «14» أنه رحل إلى مرّاكش متسبّبا «15» في جهاز بنت بلغت التّزويج، وقصد دار الإمارة مادحا، فما تيسّر له شيء من أمله، ففكّر في خيبة قصده، وقال: لو كنت تأمّلت «16» جهة الله، ومدحت المصطفى «17» صلى الله عليه وسلم، وآل بيته الطاهرين، لبلغت أملي بمحمود عملي. ثم استغفر الله «18» في توجّهه الأول، وعلم أن ليس على غير الجزء: 3 ¦ الصفحة: 274 الثاني من «1» معوّل، فلم يكن إلّا أن صوّب نحو هذا القصد سهمه، وأمضى فيه عزمه، وإذا به قد وجّه عنه، وأدخل «2» على الخليفة، فسأله عن مقصده، فأخبره مفصحا به، فأنفذه وزاده عليه، وأخبره أنّ ذلك لرؤيا رسول الله صلى الله عليه وسلم، في النّوم يأمره «3» بقضاء حاجته. فانفصل موفّى الأغراض، واستمرّ في مدح أهل البيت حتى اشتهر في ذلك «4» . وفاته: سنة ثمان وتسعين وخمسمائة، وسنّه دون الأربعين سنة، وصلّى عليه أبوه، فإنه كان بمكان من الدّين «5» والفضل، رحمة الله عليه، وتلقيت من جهات أنه دخل غرناطة، لما امتدح القائد أبا عبد الله بن صناديد بمدينة جيّان، حسبما يظهر من عجالته، من غير تحقيق لذلك. صالح بن يزيد بن صالح بن موسى بن أبي القاسم ابن علي بن شريف النّفزي «6» من أهل رندة، يكنى أبا الطّيّب. حاله: قال ابن الزّبير: شاعر مجيد في المدح والغزل، وغير ذلك. وعنده مشاركة في الحساب والفرائض. نظم في ذلك. وله تواليف أدبية، وقصائد زهدية، وجزء على حديث جبريل عليه السلام، وغير ذلك مما روى عنه. وكان في الجملة معدودا في أهل الخير، وذوي الفضل والدّين. تكرّر لقائي إياه، وقد أقام بمالقة أشهرا، أيام إقرائي. وكان لا يفارق مجالس إقرائي، وأنشدني كثيرا من شعره. وقال ابن عبد الملك «7» : كان خاتمة الأدباء بالأندلس، بارع التّصرّف في منظوم الكلام ومنثوره، فقيها حافظا، فرضيّا، متفنّنا في معارف شتى «8» ، نبيل المقاصد «9» ، متواضعا، مقتصدا في أحواله. وله مقامات بديعة في أغراض شتّى، وكلامه، نظما ونثرا، مدوّن. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 275 مشيخته: روى «1» عن آباء الحسن: أبيه، والدبّاج، وابن الفخّار الشّريشي، وابن قطرال، وأبي الحسن بن زرقون، وأبي القاسم ابن الجدّ «2» . تواليفه: ألّف جزءا على حديث جبريل، وتصنيفا في الفرائض وأعمالها، وآخر في العروض، وآخر في صنعة الشعر سماه «الوافي «3» ، في علم القوافي» . وله كتاب كبير سماه «روضة الأنس، ونزهة النّفس» . دخوله غرناطة: وكان كثير الوفادة على غرناطة، والتردّد إليها، يسترفد ملوكها، وينشد أمراءها، والقصيدة التي أوّلها: «أواصلتي يوما وهاجرتي ألفا» «4» ، أخبرني شيخنا أبو عبد الله اللّوشي أنه نظمها باقتراح السلطان، رحمه الله، وقد أوعز إليه ألّا يخرج عن بعض بساتين الملك حتى يكملها في معارضة محمد بن هاني الإلبيري. شعره: وهو كثير، سهل المأخذ، عذب اللفظ، رائق المعنى، غير مؤثر للجزالة. فمن ذلك قوله، رحمه الله، في غرض المدح من السّلطانيات «5» : [الوافر] سرى والحبّ أمر لا يرام ... وقد أغرى به الشّوق الغرام «6» وأغفى أهلها إلّا وشاة ... إذا نام الحوادث لا تنام وما أخفاه «7» بين القوم إلّا ... ضنى ولربما «8» نفع السّقام فنال بها على قدر مناه ... وبين القبض والبسط القوام وأشهى الوصل ما كان اختلاسا ... وخير الحبّ ما فيه اختتام وما أحلى الوصال لو أنّ شيئا ... من الدّنيا للذّته دوام بكيت من الفراق بغير أرضي ... وقد يبكي الغريب المستهام أعاذلتي، وقد فارقت إلفي ... أمثلي في صبابته يلام؟ أأفقده فلا أبكي عليه؟ ... يكون أرقّ من قلبي الحمام أأنساه فأحسبه كصبري ... وهل ينسى لمحبوب ذمام؟ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 276 رويدا، إنّ بعض اللّوم لوم ... ومثلي لا ينهنهه الملام ويوم نوى وضعت الكفّ فيه ... على قلب يطير به الهيام ولولا أن سفحت به جفونا ... تفيض دما لأحرقها الضّرام «1» وليل بتّه «2» كالدّهر طولا ... تنكّر لي وعرّفه التّمام كأنّ سماءه «3» زهر «4» تجلّى ... بزهر الزّهر والشّرق «5» الكمام كأنّ البدر تحت الغيم وجه ... عليه من ملاحته لثام كأنّ الكوكب الدّرّي كأس ... وقد رقّ الزّجاجة والمدام كأنّ سطور أفلاك الدّراري ... قسيّ والرّجوم لها سهام كأنّ مدار قطب بنات نعش ... نديّ والنجوم به ندام كأنّ بناته الكبرى جوار ... جوار والسّهى فيها غلام كأنّ بناته الصّغرى جمان ... على لبّاتها منها «6» نظام كواكب بتّ أرعاهنّ حتى ... كأنّي عاشق وهي الذّمام إلى أن مزّقت كفّ الثّريّا ... جيوب الأفق وانجاب الظلام فما خلت انصداع الفجر إلّا ... قرابا ينتضى منه حسام وما شبّهت وجه الشمس إلّا ... لوجهك «7» أيها الملك الهمام وإن شبّهته بالبدر يوما ... فللبدر الملاحة والتّمام تهلّل منه حسن الدهر حتى ... كأنّك في محيّاه ابتسام وعرف ما تنكّر من معال ... كأنّك لاسمها ألف ولام وملء العين منك جلال مولى ... صنائعه كغرّته وسام إذا ما قيل في يده غمام ... فقد بخست وقد خدع الغمام وحشو الدّرع أروع غالبيّ ... يراع بذكره الجيش اللهام إذا ما سلّ سيف العزم يوما ... على أمر فسلّم يا سلام الجزء: 3 ¦ الصفحة: 277 تناهى مجده كرما وبأسا ... فما يدري أمحيا أم حمام نمّته للمكارم والمعالي ... سراة من بني نصر كرام هم الأنصار هم نصروا وآووا ... ولولا المسك ما طاب الختام وهم قادوا الجيوش لكلّ فتح ... ولولا الجدّ ما قطع الحسام وهم منحوا الجزيرة من حماهم ... جوارا لا يذمّ ولا يضام فمن حرب تشيب له النّواصي ... وسلم تحيّته سلام بسعدك، يا محمد، عزّ دين ... له بعد «1» الإله بك اعتصام وباسمك تمّ للإسلام سلم ... وغبّ السّلم نصر مستدام وكان مرامه صعبا ولكن ... بحمد الله قد سهل المرام أدام الله أمرك من أمير ... ففيه لكل مكرمة دوام وأنت العروة الوثقى تماما ... وما للعروة الوثقى انفصام وروح أنت والجسم المعالي ... ومعنى أنت واللّفظ «2» الأنام إذا ما ضاقت الدنيا بحرّ ... كفاه لثم كفّك والسلام ومن شعره أيضا: [الطويل] أواصلتي يوما وهاجرتي ألفا ... وصالك ما أحلى وهجرك ما أجفا! ومن عجب للطّيف أن جاء واهتدى ... فعاد عليلا عاد كالطّيف أم أخفى فيا سائرا، لولا التخيّل ما سرى ... ويا شاهدا، لولا التعلّل ما أغفى ألمّ فأحياني وولّى فراعني ... ولم أر أجفى منك طبعا ولا أشفى بعيني شكواي للغرام وتيهه ... إلى أن تثنّى عطفه فانثنى عطفا فعانقته شوقا وقبّلته هوى ... ولا قبلة تكفي ولا لوعة تطفا ومن نزعاته العجيبة قوله، وقد سبق إلى غرضه غيره: [البسيط] يا طلعة الشمس إلّا أنه قمر ... أمّا هواك فلا يبقي ولا يذر كيف التخلّص من عينيك لي ومتى ... وفيهما القاتلان الغنج والحور وكيف يسلي فؤادى عن صبابته ... ولو نهى النّاهيان الشّيب والكبر أنت المنى والمنايا فيك قد جمعت ... وعندك الحالتان النّفع والضّرر الجزء: 3 ¦ الصفحة: 278 ولي من الشّوق ما لا دواء له ... ومنك لي الشّافيان القرب والنّظر وفي وصالك ما أبقي به رمقي ... لو ساعد المسعدان الذّكر والقدر وكان طيف خيال منك يقنعني ... لو يذهب المانعان الدّمع والسّهر يا نابيا، لم يكن إلّا ليملكني ... من بعده المهلكان الغمّ والغير ما غبت إلّا وغاب الجنس أجمعه ... واستوحش المؤنسان السّمع والبصر بما تكنّ ضلوعي في هواك بمن ... يعنو له السّاجدان النّجم والشجر أدرك بقيّة نفس لست مدركها ... إذا مضى الهاديان العين والأثر ودلّ حيرة مهجور بلا سبب ... يبكي له القاسيان الدّهر والحجر وإن أبيت فلي من ليس يسلمني ... إذا نبا المذهبان الورد والصّدر مؤيّدا لملك بالآراء يحكمها ... في ضمنها المبهجان اليمن والظّفر من كالأمير أبي عبد الإله إذا ما ... خانت القدمان البيض والسّمر الواهب الخيل آلافا وفارسها ... إذا استوى المهطعان الصّرّ والصّبر والمشبه اللّيث في بأس وفي خطر ... ونعمت الحليتان البأس والخفر تأمّن الناس في أيامه ومشوا ... كما مشى الصّاحبان الشاة والنّمر وزال ما كان من خوف ومن حذر ... فما يرى الدّايلان الخوف والحذر رأيت منه الذي كنت أسمعه ... وحبّذا الطّيّبان الخبر والخبر ما شئت من شيم عليا ومن شيم ... كأنها الرّائقان الظّلّ والزّهر وما أردت من إحسان ومن كرم ... ينسى به الأجودان البحر والمطر وغرّة يتلألأ من سماحتها ... كأنها النّهران الشمس والقمر إيه، فلولا دواع من محبّته ... لم يسهل الأصعبان البين والخطر نأيت عنه اضطرارا ثم عدت له ... كما اقتضى المبرمان الحلّ والسّفر فإن قضى الله أن يقضي به أملي ... فحسبي المحسبان الظّلّ والثّمر ولست أبعد إذ والحال متّسع ... أن يبلغ الغائبان السّؤل والوطر ومن شعره في أغراض متعددة، قال في الليل والسّهر: [مجزوء السريع] أطال ليلي الكمد ... فالدهر عندي سرمد وما أظنّ أنه ... ليلة الهجر غد يا نائما عن لوعتي ... عوفيت ممّا أجد ارقد هنيّا إنّني ... لا أستطيع أرقد لواعج ما تنطفي ... وأدمع تضطرد الجزء: 3 ¦ الصفحة: 279 وكبدي كبد الهوى ... وأين منّي الكبد؟ ولا تسل عن جلدي ... والله ما لي جلد ومن شعره أيضا في المقطوعات: [السريع] وليلة قصّر من طولها ... بزورة من رشا نافر استوفر الدهر بها غالطا ... فأدغم الأوّل والآخر وقال من قصيدة مغربة في الإحسان «1» : [السريع] وليلة نبّهت أجفانها ... والفجر قد فجّر نهر النهار والليل كالمهزوم يوم «2» الوغا ... والشّهب مثل الشّهب «3» عند الفرار كأنما استخفى السّها خيفة ... وطولب النّجم بثأر فثار لذاك ما شابت نواصي الدّجى ... وطارح النّسر أخاه فطار وفي الثّريّا قمر سافر ... عن غرّة غيّر منها الشّفار «4» كأنّ عنقودا بها ماثل «5» ... إذ صار كالعرجون عند السّرار كأنها تسبك ديناره ... وكفّها تفتل منه سوار «6» كأنما الظّلماء مظلومة ... تحكّم الفجر عليها فجار كأنما الصّبح لمشتاقه ... إقبال دنيا «7» بعد ذلّ افتقار كأنما الشمس وقد أشرقت ... وجه أبي عبد الإله استنار وفي وصف البحر والأنهار وما في معنى ذلك: [البسيط] البحر أعظم مما أنت تحسبه ... من لم ير البحر يوما ما رأى عجبا طام له حبب طاف على زورق ... مثل السماء إذا ما ملئت شهبا وقال في وصف نهر: [الطويل] وأزرق محفوف بزهر كأنّه ... نجوم بأكناف المجرّة تزهر يسيل على مثل الجمان مسلسلا ... كما سلّ عن غمد حسام مجوهر الجزء: 3 ¦ الصفحة: 280 وقد صافح الأدواح من صفحاته ... وحتى «1» حباب بالنّسيم مكسّر فما كان في عطف الخليج قلامة ... وما كان في وجه الغدير فمغفر وفي العقل والتّغرّب: [السريع] ما أحسن العقل وآثاره ... لو لازم الإنسان إيثاره يصون بالعقل الفتى نفسه ... كما يصوم الحرّ أسراره لا سيما إن كان في غربة ... يحتاج أن يعرف مقداره ومن وصفه الجيش والسلاح: [الكامل] وكتيبة بالدّارعين كثيفة ... جرّت ديول الجحفل الجرّار روض المنايا بينها القضب التي ... زفّت بها الرّايات كالأزهار فيها الكماة بنو الكماة كأنهم ... أسد الشّرى بين القنا الخطّار متهلّلين لدى اللّقاء كأنهم ... خلقت وجوههم من الأقمار من كلّ ليث فوق برق خاطف ... بيمينه قدر من الأقدار من كلّ ماض قد تقلّد مثله ... فيصبّ آجالا على الأعمار لبسوا القلوب على الدروع وأسرعوا ... لأكفّهم نارا لأهل النار وتقدّموا ولهم على أعدائهم ... حنق العدا وحميّة الأنصار فارتاع ناقوس بخلع لسانه ... وبكى الصّليب لذلّة الكفّار ثم انثنوا عنه وعن عبّاده و ... قد أصبحوا خبرا من الأخبار وفي السّيف: [البسيط] وأبيض صيغ من ماء ومن لهب ... على اعتدال فلم يخمد ولم يسل ماضي الغرار يهاب العمر صولته ... كأنما هو مطبوع من الأجل أبهى من الوصل بعد الهجر منظره ... حسنا وأقطع من دين على ملل «2» وأسمر ظنّ أن «3» ما كل سابغة ... فخاض كالأيم يستشفي من النّهل هام الكماة به حبّا ولا عجب ... من لوعة بمليح القدّ معتدل إذا الطّعين تلقّاه وأرعفه ... حسبته عاشقا يبكي على طلل الجزء: 3 ¦ الصفحة: 281 ومن ذلك قوله في وصف قوس: [الوافر] تنكّبها كحاجبه وسوّى ... بأهداب الجفون لها نبالا فلم أر قبله بدرا منيرا ... تحمّل فوق عاتقه هلالا ومن ذلك في وصف قلم: [المتقارب] وأصفر كالصّبّ في رونق ... تظنّ به الحبّ ممن نحل بديع الصّفات حديد السّبات ... يطول الرّماح وإن لم يطل يعبّر عمّا وراء الضمير ... ويفعل فعل «1» الظّبا والذّبل ومن ذلك قوله فيما يظهر منها: [البسيط] تفاخر السّيف فيما قيل والقلم ... والفصل بينهما لا شكّ منفهم كلاهما شرف لله «2» درّهما ... وحبّذ الخطّتان الحكم والحكم ومن ذلك قوله في سكّين الدواة: [الخفيف] أنا صمصامة الكتابة ما لي ... من شبيه في المرهفات الرّقاق فكأنّي في الحسن يوم وصال ... وكأنّي في القطع يوم فراق ومن ذلك قوله في المقصّ: [الوافر] ومعتنقين ما اشتهرا بعشق ... وإن وصفا بضمّ واعتناق لعمر أبيك ما اعتنقا لمعنى ... سوى معنى القطيعة والفراق ومن ذلك قوله في الورد: [مخلع البسيط] الورد سلطان كلّ زهر ... لو أنّه دائم الورود بعد خدود الملاح شيء ... ما أشبه الورد بالخدود ومن ذلك قوله في الخيريّ: [السريع] وأزرق كمثل السماء ... فيه لمن ينظر سرّ عجيب شحّ مع الصّبح بأنفاسه ... كأنما الصّبح عليه رقيب وباح بالليل بأسراره ... لمّا رأى اللّيل نهار الأريب الجزء: 3 ¦ الصفحة: 282 ومن ذلك قوله في الرّيحان: [الوافر] وأخضر فستقيّ اللون غضّ ... يروق بحسن منظره العيونا أغار على التّرنج وقد حكاه ... وزاد على اسمه ألفا ونونا وقال من جملة قصائده المطوّلات التي تفنّن فيها، رحمه الله: [الطويل] وغانية يغني عن العود صوتها ... وجارية تسقي وساقية تجري بحيث يجرّ النهر ذيل مجرّة ... يرفّ على حافاتها الزّهر كالزّهر وقد هزّت الأرواح خصر كتائب ... بألوية بيض على أسل سمر رمى قزح نبلا إليها فجرّدت ... سيوف سواقيها على دارع النّهر وهبّت صبا نجد فجرّت غلائلا ... تجفّف دمع الطّلّ عن وجنة الزّهر كأنّ بصفح الرّوض وشي صحيفة ... وكالألفات القضب والطّرس كالتّبر كأنّ به الأقحوان خواتما ... مفضّضة فيها فصوص من التّبر كأنّ به النّرجس الغضّ أعيا ... ترقرق في أجفانها أدمع القطر كأنّ شذا الخيريّ زورة عاشق ... يرى أنّ جنح اللّيل أكتم للسّرّ وقال في وصف الرّمان: [البسيط] لله رمّانة قد راق منظرها ... فمثلها ببديع الحسن منعوت القشر حقّ لها قد ضمّ داخله ... والشّحم قطن لها «1» والحبّ ياقوت ومن ذلك قوله في الجزر: [البسيط] انظر إلى جزر «2» في اللون مختلف ... البعض من سبج والبعض من ذهب إن قلت: قصب فقل: قصب بلا زهر ... أو قلت: شمع فقل: شمع بلا لهب وفي الاغتراب وما يتعلّق به مما يقرب من المطولات: [الوافر] غريب كلّما يلقى غريب ... فلا وطن لديه ولا حبيب تذكّر أصله فبكى اشتياقا ... وليس غريبا أن يبكي غريب ومما هاج أشواقي حديث ... جرى فجرى له الدّمع السّكوب الجزء: 3 ¦ الصفحة: 283 ذكرت به الشّباب فشقّ قلبي ... ألم تر كيف تنشقّ القلوب؟ على زمن الصّبا فليبك مثلي ... فما زمن الصّبا إلّا عجيب جهلت شبيبتي حتى تولّت ... وقدر الشيء يعرف إذ يغيب ألا ذكر الإله بكل خير ... بلادا لا يضيع بها أديب بلاد ماؤها عذب زلال ... وريح هوائها مسك رطيب بها قلبي الذي قلبي المعنّى ... يكاد من الحنين له يذوب رزقت الصّبر بلين أبي وأمي ... كلانا بعد صاحبه كثيب ألا فتوخّ بعدي من أؤاخي ... ودع ما لا يريب لما يريب ولا تحكم بأول ما تراه ... فإنّ الفجر أوله كذوب ألا إنا خلقنا في زمان ... يشيب بهوله من لا يشيب وقد لذّ الحمام وطاب عندي ... وعيشي لا يلذّ ولا يطيب لحى الله الضّرورة فهي بلوى ... تهين الحرّ والبلوى ضروب رأيت المال يستر كلّ عيب ... ولا تخفى مع الفقر العيوب وفقد المال في التّحقيق عندي ... كفقد الرّوح ذا من ذا قريب وقد أجهدت نفسي في اجتهاد ... وما أن كلّ مجتهد مصيب وقد تجري الأمور على قياس ... ولو تجري لعاش بها اللّبيب كأنّ العقل للدّنيا عدوّ ... فما يقضي بها أربا أريب إذا لم يرزق الإنسان بختا ... فما حسناته إلّا ذنوب ومن نسيبه قوله في بادرة من حمّام: [الكامل] برزت من الحمّام تمسح وجهها ... عن مثل ماء الورد بالعنّاب والماء يقطر من ذوائب شعرها ... كالطّل يسقط من جناح غراب فكأنها الشمس المنيرة في الضّحى ... طلعت علينا من خلال سحاب ومن مقطوعاته أيضا قوله: [الكامل] ومتيّم لو كان صوّر نفسه ... ما زادها شيئا سوى الإشفاق ما كان يرضى بالصّدود وإنّما ... كثرت عليه مسائل العشّاق وقال: [مخلع البسيط] وافى وقد زانه جمال ... فيه لعشّاقه اعتذار الجزء: 3 ¦ الصفحة: 284 ثلاثة ما لها مثال: ... الوجه والخدّ والعذار فمن رآه رأى رياضا: ... الورد والآس والبهار ومن ذلك قوله في ذمّ إخوة السوء: [الكامل] ليس الأخوّة «1» باللّسان أخوّة ... فإذا تراد أخوّتي لا تنفع لا أنت في الدّنيا تفرّج كربه ... عنّي ولا يوم القيامة تشفع وقال كذلك: [الكامل] ولقد عرفت الدّهر حين خبرته ... وبلوت بالحاجات أهل زمان فإذا الأخوّة باللسان كثيرة ... وإذا الدّراهم ميلق الإخوان ومن ذلك قوله في ثقيل: [المتقارب] تزلزلت الأرض زلزالها ... فقلت لسكانها: ما لها؟ فقالوا: أتانا أبو عامر ... فأخرجت الأرض أثقالها ومن ذلك قوله في الصّبر: [السريع] الدهر لا يبقي على حالة ... لكنه يقبل أو يدبر فإن تلقّاك بمكروهه ... فاصبر فإنّ الدّهر لا يصبر ومن ذلك قوله في الموت: [السريع] الموت سرّ الله في خلقه ... وحكمة دلّت على قهره ما أصعب الموت وما بعده ... لو فكّر الإنسان في أمره أيام طاعات الفتى وحدها ... هي التي تحسب من عمره لا تلهك الدنيا ولذّاتها ... عن نهي مولاك ولا أمره وانظر إلى من ملك الأرض هل ... صحّ له منها سوى قبره؟ نثره: قال في كتاب «روضة الأنس» ما نصّه: «ويتعلّق بهذا الباب ما خاطبني به الفقيه الكاتب الجليل أبو بكر البرذعي، من أهل بلدنا، أعزّه الله: أخبرك بعجاب، إذ لا سرّ دونك ولا حجاب، بعد أن أتقدّم إليك أن لا تعجل باللوم إليّ، قبل علم ما لديّ، فإنّ الدهر أخدع من كفّة الحابل، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 285 وقلب الإنسان للآفات قابل. مشيت يوما إلى سوق الرّقيق، لأخذ حقّ فؤاد عتيق، فرأيت بها جارية عسجدية اللون، حديثة عهد بالصّون، متمايلة القدّ، قائمة النّهد، بلحظ قد أوتي من السّحر أوفر حظّ، وفم كشرطة رشحت بدم، داخله سمطان لولا هما ما عرف النّظم، ولا حكم على الدّر للعظم، في صدغها لامان ما خطّ شكلهما قلم، ولا قصّ مثلهما حلم. لها جيد تتمنّاه الغيد، وخصر هو قبضة الكفّ في الحصر، وردف يظلمه من يشبه به بالحقف، ويدان خلقا للوشي، وقدمان أهلّتا للّثم لا للمشي، فتطاولت إليه الأعناق، وبذلت فيها الأعلاق، والمياسير عليها مغرم في القوم، وتسوّم أهل السّوم، وكل فيها يزيد، ليبلغ ما يريد، إلى أن جاء فتى صادق في حبّه، لا يبالي بفساد ماله في صلاح قلبه، فعدّ المال عدّا، ولم يجد غيره من التسليم بدّا. فلمّا فاتتني، تركت الأشواق وأتتني، وانتقضت عزائم صبري فما أتتني، فالله الله، تدارك أخاك سريعا، قبل أن تلفيه من الوجد صريعا، واستنزله خادما، قبل أن تصبح عليه نادما، ولن أحتاج أن أصفها إليك، مع ما قصصته عليك، وقد أهديتها دررا، فخذها على جهة الفكاهة والدّعابة: [الوافر] ولا تطلع أخا جهل عليها ... فمن لم يدر قدر الشيء عابه فأجبته: نعم نعم، أنعم الله بالك، وسنى آمالك، أنا بحول الله أرتاد لك من نحو هاتيك، ما يسليك ويؤاتيك، وإلّا فبيضا كاللّجين، هل القلب والعين، زهرة غصن في روضة حسن، ذات ذوائب، كأنها الليل على نهار، أو بنفسج في بهار. لها وجه أبهى من الغنا، وأشهى من نيل المنى، فيه حاجبان كأنهما قوس صنعت من السّبح، ورصّعت بعاج من البلح، على عينين ساحرتين، بالعقل ساخرتين، بهما تصاب الكبود، وتشقّ القلوب قبل الجلود، إلى فم كأنّه ختام مسك، على نظام سلك، سقاه الحسن رحيقه، فأنبتت درره وعقيقه، وجيد في الحسن وحيد على صدر كأنه من مرمر، فيه حقّتا عاج طوّقتا بعنبر، قد خلقتا للعضّ، في جسم غضّ، له خصر مدمج، وردفه يتموّج، وأطراف كالعنم، رقمت رقم القلم، من اللائي شهدن ابن المؤمّل، وقال في مثلها الأول، إن هي تاهت فمثلها تاها، أو هي باهت فمثلها باها، من أين للغصن مثل قامتها أو أين للبدر مثل مرآها، ما فعلت في العقول صابية ما فعلت في العقول عيناها، تملكني بالهوى وأملكها، فهأنا عبدها ومولاها، فأيّهما لست بذلت فيه الجهد، وأرقيت للمجد والودّ إن شاء الله تعالى. وأنا فيما عرض لسيدي، حفظه الله، على ما يحبّ، أعذره ولا أعذله، وأنصره ولا أخذله، لكني أقول كما قال بعض الحكماء: لا ينبغي لمن قلبه رقيق، أن يدخل سوق الرّقيق، إلّا أن يكون قد جمع بين المال، والجمال يتنافس في العالي، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 286 ويسترخص بالثمن الغالي، ولا يبالي بما قال الأئمة، إذا وجد من يلائمه، كما قال الشاعر: [الخفيف] ما انتفاع المحبّ بالمال إذ «1» لم ... يتوصّل به لوصل الحبيب إنما ينبغي بحكم الهوى أن ... ينفق المال في صلاح القلوب والسلام على سيدي، ما كانت الفكاهة من شأن الوفاء، والمداعبة من شيم الظّرفاء، ورحمة الله وبركاته. مولده: ولد في محرم سنة إحدى وستمائة. وفاته: توفي في عام أربعة وثمانين وستمائة. نقلت من خط صاحبنا الفقيه المؤرخ أبي الحسن بن الحسن، قال: أنشدني الشيخ الرّاوية الأديب القاضي الفاضل أبو الحجاج يوسف بن موسى بن سليمان المنتشافري، قال: أنشدني القاضي الفاضل أبو القاسم ابن الوزير أبي الحجاج ابن الحقالة، قال: أنشدني الأديب أبو الطيب صالح بن أبي خالد يزيد بن صالح بن شريف الرّندي لنفسه، ليكتب على قبره: [الطويل] خليليّ، بالودّ الذي بيننا اجعلا ... إذا متّ قبري عرضة للتّرحّم عسى مسلم يدنو فيدعو برحمة ... فإني محتاج لدعوة مسلم حرف العين من ترجمة الملوك والأمراء عبد الله بن إبراهيم بن علي بن محمد التجيبي الرئيس أبو محمد بن إشقيلولة أوليته: قد مرّ شيء من ذلك في اسم الرئيس أبي إسحاق أبيه. حاله: كان أميرا شهما، مضطلعا بالقضية، شهير المواقف، أبيّ النفس، عالي العمة. انتزى على خاله أمير المسلمين الغالب بالله «2» ، وكان أملك لما بيده من مدينة وادي آش وما إليها، معزّزا بأخيه الرئيس أبي الحسن مظاهره في الأمر، ومشاركه في الجزء: 3 ¦ الصفحة: 287 السلطان. واستمرّت الحال مدة حياة خاله السلطان، ولمّا صار الأمر إلى مخيفه ولي العهد «1» ، استشرى الداء، وأعضل الأمر، وعمّت الفتنة، وزاحمه السلطان بالمنكّب؛ انفجم، واعتوره بالحيلة، حتى تحيّف أطرافه، وكان ما هو معلوم من إجازة أمير المسلمين أبي يوسف يعقوب بن عبد الحق «2» البحر إلى الجهاد، ومال الحال بينه وبين السلطان أمير المسلمين أبي عبد الله بن نصر إلى التّقاطع، وتصيّرت مالقة إلى الإيالة المغربية، ثم عادت إلى السلطان. وفي أخريات هذه الأحوال، أحكم السلطان مع طاغية الرّوم السّلم، وصرف وجهه إلى مطالبة الرئيس أبي محمد، صاحب وادي آش، فألجأه الحال إلى أن صرف الدعوة بوادي آش إلى السلطان بالمغرب ورفع شعاره، فأقعد عنه. ووقعت مراسلات أجلت عن انتقال الرئيس أبي محمد إلى المغرب، معوّضا عن مدينة وادي آش بقصر كتامة «3» ، وذلك في عام تسعة وثمانين وستمائة. وفاته: دخلت قصر كتامة يوم الثلاثاء الثاني والعشرين من ذي قعدة عام خمسة وخمسين وسبعمائة في غرض الرسالة، وزرت مقبرة الرؤساء بني إشقيلولة بظاهرها، وفي قبّة ضخمة البناء رحيبة الفناء، نسيجة وحدها بذلك البلد بين منازل البلى وديار الفناء، وبها قبر الرئيس أبي محمد هذا، عن يسار الداخل، بينه وبين جدار القبلة قبر، وسنامه رخام مكتوب عليه: [المجتث] قبر عزيز علينا ... لو أنّ من فيه يفدى أسكنت قرّة عيني ... وقطعة القلب لحدا ما زال حكما عليه ... وما القضاء تعدّى فالصّبر «4» أحسن ثوب ... به العزيز تردّى وعند رأس السّنام الرخامي، مهد مائل من الرخام فيه: «أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم، صلّى الله على سيدنا محمد وآله، وسلّم تسليما. هذا قبر الرئيس الجليل، الأعلى الهمام، الأوحد، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 288 الأسعد، المبارك، الأسنى، الأسمى، الأحفل، الأكمل، المجاهد، المقدس، المرحوم، أبي محمد عبد الله، ابن الرئيس الجليل، الهمام، الأوحد، الأسعد، المبارك، الأمضى، الأسنى، الأسمى، المعظم، المرفّع، المجاهد، الأرضى، المقدس، المرحوم أبي إسحاق إبراهيم بن إشقيلولة، رحمه الله وعفا عنه وأسكنه جنّته. ظهر، عفا الله عنه، بوادي آش، أمّنها الله، قاعدة من قواعد الأندلس، وتسلطن، ونشرت علامات سلطنته، وضربت الطبول. وجاهد منها العدو، قصمه الله، وظهر على خاله سلطان الأندلس، وأقام في سلطنته نحوا من ثلاث وعشرين سنة. ثم قام بدعوة الملك الأعلى، السلطان المؤيد المنصور، أمير المسلمين، المؤيد بالله أبي يعقوب، أيّده الله بنصره، وأمدّه بمعونته ويسره، وأمره، أيّده الله، أن يتخلّى عن وادي آش المذكورة، ويصل للمغرب، فتنحّى عن الأندلس للمغرب، آنسه الله، في جمادى الأولى من عام ستة وثمانين وستمائة، فأعطاه، أيّده الله، قصر عبد الكريم، أمّنه الله، وأنعم عليه، فأقام به مدة من ثمانية أعوام، وجاز منه إلى الأندلس، أمّنها الله، وجاهد بها مرّتين، ثم رجع إلى قصر عبد الكريم المذكور، وتوفي، شرّف الله روحه الطّيبة المجاهدة، عشيّ يوم السبت العاشر من شهر محرم سنة خمس وتسعين وستمائة» . عبد الله بن بلقّين بن باديس بن حبّوس بن ماكسن ابن زيري بن مناد الصّنهاجي» أمير غرناطة. أوليته: قد مرّ من ذلك في اسم جدّه ما فيه كفاية. حاله: لقبه المظفّر بالله، الناصر لدين الله. ولي بعد جدّه باديس في شوال سنة خمس وستين وأربعمائة، وصحبه سماجة الصّنهاجي تسع سنين. قال الغافقي: وكان قد حاز حظّا وافرا من البلاغة والمعرفة، شاعرا جيّد الشعر، مطبوعه، حسن الخطّ. كانت بغرناطة ربعة مصحف بخطّه في نهاية الصّنعة والإتقان. ووصفه ابن الصّيرفي الجزء: 3 ¦ الصفحة: 289 فقال «1» : كان جبانا معمد «2» السيف، قلقا، لا يثبت على الظّهر، عزهاة «3» لا أرب له في النساء «4» ، هيّابة، مفرط الجزع، يخلد إلى الرّاحات، ويستوزر الأغمار. خلعه: قال: «5» وفي عام ثلاثة وثمانين وأربعمائة، تحرّك أمير المسلمين، يوسف بن تاشفين، لخلع رؤساء الأندلس، فأجاز البحر، ويمّم قرطبة، وتواترت الأنباء عن حفيد باديس صاحب غرناطة، بما يغيظه ويحقده، حسبما تقدم في اسم مؤمّل مولى باديس. وقدّم إلى غرناطة أربع محلّات، فنزلت بمقربة منها، ولم تمتدّ يد إلى شيء يوجد، فسرّ الناس واستبشروا، وأمنت البادية، وتمايل أهل الحاضرة إلى القوي. وأسرع حفيد باديس في المال، وألحق السّوقة والحاكّة «6» ، واستكثر من اللّفيف، وألحّ بالكتب على أذفونش بما يطمعه. وتحقّق يوسف بن تاشفين استشراف الحضرة إلى مقدمه، فتحرّك. وفي ليلة الأحد لثلاث عشرة خلت من رجب، اجتمع إلى حفيد باديس صنائعه، فخوّفوه من عاقبة التربّص، وحملوه على الخروج إليه، فركب وركبت أمّه وتركا القصر على حاله، ولقي أمير المسلمين على فرسخين من المدينة، فترجّل، وسأله العفو، فعفا عنه، ووقف عليه، وأمره بالرّكوب، فركب، وأقبل حتى نزل ب «المشايخ» من خارج الحضرة. واضطربت المحلّات، وأمر مؤمّلا بثقافه في القصر، فتولّى ذلك، وخرج الجمّ من أهل المدينة، فبايعوا أمير المسلمين يوسف بن تاشفين، فلقيهم، وأنسهم، وسكّن جأشهم، فاطمأنوا. وسهّل مؤمّل إليه دخول الأعيان، فأمر بكتب الصّكوك، ورفع أنواع القبالات والخراج، إلّا زكاة العين، وصدقة الماشية، وعشر الزّرع. واستقصي ما كان بالقصر، فظهر على ما يحول الناظر، ويروع الخاطر، من الأعلاق والذّخيرة، والحلى، ونفيس الجوهر، وأحجار الياقوت، وقصب الزّمرد، وآنية الذّهب والفضة، وأطباق البلّور المحكم، والجرداذنات، والعراقيّات، والثّياب الرّفيعة، والأنماط، والكلل، والسّتائر، وأوطية الدّيباج، مما كان في ادّخار باديس واكتسابه. وأقبلت دوابّ الظّهر من المنكّب الجزء: 3 ¦ الصفحة: 290 بأحمال السّبيك والمسبوك، واختلفت أمّ عبد الله لاستخراج ما أودع بطن الأرض، حتى لم يبق إلّا الخرثى والثّقل والسّقط. وزّع ذلك الأمير على قوّاده، ولم يستأثر منه بشيء. قال «1» : ورغب إليه مؤمّل في دخول القصر، فركب إليه، وكثر استحسانه إياه، وأمر بحفظه. وتفقّد أوضاعه وأفنيته. ونقل عبد الله إلى مرّاكش، وسنّه يوم خلع، خمس وثلاثون سنة وسبعة أشهر، فاستقرّ بها هو وأخوه تميم، وحلّ اعتقالهما، ورفّه عنهما، وأجري المرتّب والمساهمة عليهما. وأحسن عبد الله أداء الطاعة، مع لين الكلمة، فقضيت مآربه، وأسعفت رغباته، وخفّ على الدولة، واستراح واستريح منه، ورزق الولد في الخمول، فعاش له ابنان وبنت، جمع لهم المال. فلمّا توفي ترك مالا جمّا. مولده: ولد عبد الله سنة سبع وأربعين وأربعمائة. عبد الله بن علي بن محمد التّجيبي، الرئيس أبو محمد ابن إشقيلولة حاله: كان رئيسا شجاعا، بهمة، حازما، أيّدا، جلدا. تولّى مدينة مالقة عقب وفاة الرئيس واليها أبي الوليد بن أبي الحجاج بن نصر، صنو أمير المسلمين، الغالب بالله، في أوائل عام خمسة وخمسين وستمائة. وكان صهر السلطان على إحدى بناته، وله منه محلّ كبير، ومكان قريب، وله من ملكه حظّ رغيب. واستمرّت حاله إلى عام أربعة وستين وستمائة، وفسد ما بينه وبين وليّ العهد، الأمير أبي عبد الله محمد ابن أمير المسلمين أبي عبد الله الغالب بالله، إذ وغر له صدره، ولا بني أخيه الرئيسين، أبي محمد وأبي الحسن، ابني الرئيس أبي إسحاق بن إشقيلولة المتأمّرين بوادي آش، فضايقهم وأخافهم بما أدّاهم إلى الامتناع والدّعاء لأنفسهم والاستمساك بما بأيديهم. وعمّت المسلمين الفتنة المنسوبة إليهم، فانتزى هذا الرئيس بمدينة مالقة، وكان أملك لما بيده، واستعان بالنّصري، وشمّر عن ساعد الجدّ، فأباد الكثير من أعيان البلدة في باب توسّم التهم وتطرّق السعايات، واستولى على أموالهم. واستمرت الحال بين حرب أجلت فيها غلبة الأمير مخيفه، ولي العهد، بجيش النّصري، ونازل مالقة أربعين يوما، وشعّث الكثير بظاهرها، وتسمّى بعلم الأمير عند أهل مالقة، وما بين سلم ومهادنة. وفي عام الجزء: 3 ¦ الصفحة: 291 ستين وستمائة، نازله السلطان الغالب بالله صهره، وأعيا عليه أمر مالقة، لاضطلاع هذا الرئيس بأمره، وضبط من لنظره، واستمساكه بعروة حزمه. وفي بعض الأيام ركب السلطان في ثلاثة من مماليكه، متخفّيا، كاتما غرضه، وقعد بباب المدينة، فلمّا بصر به الرجال القائمون به، هالهم الأمر، وأدهشتهم الهيبة، فأفرجوا له، موقّرين لجلاله، آنسين لقلّة أتباعه، فدخل، وقصد القصبة، وقد نذر به الرئيس أبو محمد، فبادر إليه راجلا، متبذّلا، مهرولا، حافيا. ولمّا دنا منه ترامى على رجليه يقبّلهما، إظهارا لحقّ أبوّته، وتعظيما لقدره، ودخل معه إلى بنته وحفدته، فترامى الجميع على أطرافه يلثمونها، ويتعلّقون بأذياله وأدرانه، وهو يبكي إظهارا للشّفقة والمودّة وتكلّم الجميل. وأقام معهم بياض يومه، ثم انصرف إلى محلّته، وأتبعه الرئيس، فأمره بالاستمساك بقصبته وملازمة محلّ إمرته، وما لبث أن شرع في الارتحال عن ألطاف ومهادات، وتقدير جرايات، وإحكام هديّة، وتقرير إمارة، إلى أن توفي السلطان، رحمه الله، فعادت الفتنة جزعة، ووالى ولده أمير المسلمين بعده الضرب على مالقة، إلى أن هلك الرئيس أبو محمد، واستقرّ بالأمور ولده المذكور في المحمّدين، وكان من الأمر ما ينظره في مكانه من أراد استيفاءه، بحول الله. عبد الله بن محمد بن أحمد بن محمد العزفي يكنى أبا طالب، الرئيس الفقيه، الكبير الشّهير، صاحب الأمر والرّئاسة والإمارة بسبتة، نيابة عن أخيه الرئيس الصّالح أبي حاتم، بحكم الاستقلال في ذلك، والاستبداد التّام، من غير مطالعة لأخيه ولا رجوع إليه في شيء من الأمور، ولا تشوّف من أخيه إلى ذلك، لخروجه البتّة عنه، وإيثاره العزلة، واشتغاله بنفسه. حاله: قد تقدم من ذكر أوّليته ما فيه كفاية. وكان من أهل الجلالة والصّيانة، وطهارة النّشأة، حافظا للحديث، ملازما لتلاوة كتاب الله، عارفا بالتاريخ، عظيم الهيبة، كبير القدر والصّيت، عالي الهمّة، شديد البأو، معظّما عند الملوك، جميل الشّارة، ممتثل الإشارة لديهم، عجيب السّكينة والوقار، بعيد المرمى، شديد الانقباض، مطاع السّلطان بموضعه، مرهوب الجانب، من غير إيقاع بأحد، ولا هتك حرمة، محافظا على إقامة الرّسوم الحسبيّة والدّينية. مشيخته: قرأ على الأستاذ أبي الحسين بن أبي الربيع وغيره. نكبته: تغلّب على بلده أيام إمارته، وثار أهله إليه في السّلاح والعدّة؛ ليحيطوا بمن في القصبة، فخرج إليهم، وشكر مساعيهم، وقال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كن الجزء: 3 ¦ الصفحة: 292 عبد الله المقتول، ولا تكن عبد الله القاتل، فانصرفوا، ودخل منزله ملقيا بيده، ومسلّما لقضاء الله سبحانه في كسره، إلى أن قبض عليه وعلى سائر بنيه وقومه، عند ارتفاع النهار وانتشار المتغلّبين على القصبة، فنقفوا متحرّجين من دماء المسلمين، وصرفوا إلى الأندلس، في ضحو يوم الخميس الثاني عشر من ذي قعدة عام خمسة وسبعمائة، بعد انقضاء خمسة عشر يوما من تملّك بلدهم، فاستقرّ بغرناطة تحت ستر واحترام وجراية فيها كفاف. ثم لما خرجت سبتة عن طاعة أمير المسلمين، انصرف القوم إلى فاس، فتوفي بها. وفاته: في شعبان المكرم من عام ثلاثة عشر وسبعمائة. عبد الله بن الجبير بن عثمان بن عيسى بن الجبير اليحصبي «1» من أهل لوشة، وهو محسوب من الغرناطيين. قال الأستاذ «2» : من أعيانها ذوي الشرف والجلالة. قلت: ينسب إليه بها معاهد تدلّ على قدم وأصالة. حاله: قال أبو القاسم الملّاحي «3» : كان أديبا بارع الأدب، كاتبا، بليغا، شاعرا مطبوعا، لسنا مفوّها، عارفا بالنحو والأدب واللغات، وقد مال في عنفوان شبيبته إلى الجندية لشهامته وعزّة نفسه، فكان في عسكر المأمون بن عبّاد «4» ، واشتمل عليه المأمون، وكان من أظرف الناس، وأملحهم شبيبة «5» ، وأحسنهم شارة، وأتمّهم معرفة. مشيخته: أخذ «6» عن أشياخ بلده غرناطة، وأخذ بمالقة عن غانم الأديب، وبقرطبة عن ابن سراج. شعره: وله في إنشاده لدى المأمون مجال رحب، فمن ذلك قوله «7» : [البسيط] يا هاجرين، أضلّ الله سعيكم ... كم تهجرون محبّيكم بلا سبب الجزء: 3 ¦ الصفحة: 293 ويا مسرّين للإخوان غائلة ... ومظهرين وجوه البرّ والرّحب ما كان ضرّكم الإخلاص لو طبعت ... تلك النفوس على علياء أو أدب أشبهتم الدّهر لمّا كان والدكم ... فأنتم شرّ أبناء لشرّ «1» أب عبد الله بن سعيد بن عبد الله بن سعيد بن أحمد ابن علي السّلماني «2» والد المؤلف، رضي الله عنه، يكنى أبا محمد، غرناطي الولادة والاستيطان، لوشي الأصل، ثم طليطليّه، ثم قرطبيّه. أوليته: كان سلفه يعرفون بقرطبة ببني وزير، وهم بها أهل نباهة، وبيتهم بيت فقه وخيريّة وماليّة، ونجارهم نجار فرسان يمانيّة. ولمّا حدث على الحكم بن هشام الوقيعة الرّبضيّة، وكان له الفلج، وبأهل الرّبض الدّبرة، كان أعلام هذا البيت من الجالية أمام الحكم، حسبما امتحن به الكثير من أعلام المشيخة بها، كالفقيه طالوت، ويحيى بن يحيى، وغيرهما «3» ، ولحقوا بطليطلة، فاستقرّوا بها، ونبا بهم وطنهم، ثم حوّموا على سكنى الموسّطة، وآب إلى قرطبة قبلهم بعد عهد متقادم، ومنهم خلف وعبد الرحمن، وقد مرّ له ذكر في هذا الكتاب. وولّي القضاء بالكورة. ومنهم قوم من قرابتهم تملّكوا منتفريد «4» ، الحصن المعروف الآن بالمنعة والخصب، وتمدّن فيهم، وبنيت به القلعة السّامية، ونسب إليه ذلك المجد، فهم يعرفون ببلدنا ببني المنتفريدين. واستقرّ منهم جدّنا الأعلى بلوشة خطيبا وقاضيا بالصّقع ومشاورا «5» ، وهو المضاف إلى اسمه التّسويد بلوشة عرفا كأنه اسم مركّب، فلا يقول أحد منهم في القديم إلّا سيّدي سعيد. كذا تعرّفنا من المشيخة، وإليه النّسبة اليوم، وبه يعرف خلفه ببني الخطيب، وكان صالحا فاضلا، من أهل العلم والعمل. حدّثني الشيخ المسنّ أبو الحكم المنتفريدي، وقد وقفني على جدار برج ببعض أملاكنا بها، على الطّريق الآتية من غرناطة إلى لوشة، ثم إلى غيرها، كإشبيلية وسواها، فقال: كان جدّك يسكن بهذا البرج كذا من فصول العام، ويتلو القرآن ليلا، فلا يتمالك المارّون على الطّريق، أن يقربوا إصغاء لحسن تلاوته الجزء: 3 ¦ الصفحة: 294 وخشوعا. وكان ولده عبد الله بعده، على وتيرة حسنة من الخير والنّباهة وطيب الطّعمة، ثم جدّه الأقرب سعيد على سننه، مرب عليه بمزيد المعرفة، وحسن الخطّ. ولما وقع بلوشة بلده، ما هو معروف من ثورة أصهارهم من بني الطّنجالي، وكان بينهم ما يكون بين الفحول في الهجمات من التّشاجر، فرّ عنهم خيفة على نفسه، وعلى ذلك فناله اعتقال طويل، عدا به عليه عن تلك الثورة. ثم بان عذره، وبرّئت ساحته، واستظهر به السلطان، وأقام بغرناطة، مكرّما، مؤثرا، مؤتمنا، وصاهر في أشراف بيوتاتها، فكانت عنده بنت الوزير أبي العلى أضحى بن أضحى الهمداني، وتوفيت تحته، فأنجز له بسببها الحظّ في الحمّام الأعظم المنسوب إلى جدّها اليوم. ثم تزوج بنت القائد أبي جعفر أحمد بن محمد الجعدالة السّلمي، أم الأب المترجم به، ولها إلى السلطان ثاني ملوك بني نصر وعظيمهم «1» متات ببنوّة الخؤولة من جهة القوّاد الأصلاء القرطبيين بني دحون، فوضح القصد، وتأكدت الحظوة. وقد وقعت الإشارة إلى ذلك كله في محلّه. ثم رسخت لولده أبي، القدم في الخدمة والعناية، حسبما يتقرّر في موضعه. حاله: كان، رحمه الله، فذّا في حسن الشكل والأبّهة، وطلاقة اللسان، ونصاعة الظّرف، وحضور الجواب، وطيب المجالسة، وثقوب الفهم، مشارا إليه في الحلاوة وعذوبة الفكاهة، واسترسال الانبساط، مغييا في ميدان الدّعابة، جزلا، مهيبا، صارما، متجنّدا، رائق الخصل ركضا وثقافة، وعدوا وسباحة وشطرنجا، حافظا للمثل واللّغة، أخباريا، مضطلعا بالتاريخ، ناظما نائرا، جميل البزّة، فاره المركب، مليح الشّيبة. نشأ بغرناطة تحت ترف ونعمة، من جهة أمّه وأبيه، وقرأ على أبي إسحاق بن زرقال، وأبي الحسن البلّوطي، ثم على أستاذ الجماعة أبي جعفر بن الزّبير، ظاهرة عليه مخيّلة النّجابة والإدراك. ثم أقصر لعدم الحامل على الدّؤوب، وانتقل إلى بلد سلفه، متحيّفا الكثير من الأصول في باب البذل وقرى الضّيوف، ومداومة الصّيد، وإيثار الراحة، معتمدا بالتّجلّة، مقصود الحلّة، مخطوب المداخلة، من أبناء أشراف الدولة، منتجعا لأولي الكدية. ولما قام بالأمر السلطان، أمير المسلمين أبو الوليد، وأمّه بنت السلطان ثاني الملوك من بني نصر، جزم ما تقدّم من المتات والوسيلة، استنهضه للإعانة على أمره، وجعل طريقه على بلده، فحطب في حبله، وتمسّك بدعوته، واعتمده بنزله وضيافته، وكان أعظم الأسباب في حصول الأمر بيده، ودخوله الجزء: 3 ¦ الصفحة: 295 في حكمه، وانتقل إلى حضرة الملك بانتقاله، فنال ما شاء من اصطناعه وحظوته، وجرى له هذا الرّسم في أيام من خلفه من ولده إلى يوم الوقيعة الكبرى بطريف تاريخ فقده. وجرى ذكره في كتاب «الإكليل» بما نصه «1» : إن طال الكلام، وجمحت الأقلام، كنت كما قيل: مادح نفسه يقرئك السلام، وإن أحجمت، فما أسديت في الثّناء ولا ألحمت، وأضعت الحقوق، وخفت ومعاذ الله العقوق. هذا، ولو أنّي زجرت طير البيان من أوكاره، وجئته «2» بعيون الإحسان وأبكاره، لما قضيت حقّه بعد، ولا قلت إلّا التي علمت سعد «3» . فقد كان، رحمه الله، ذمر «4» عزم، ورجل رخاء وأزم، تروق أنوار خلاله الباهرة، وتضيء مجالس الملوك من صورتيه الباطنة والظاهرة، ذكاء يتوقّد، وطلاقة يحسد نورها الفرقد. فقدته «5» بكائنة طريف «6» ، جبر الله عثارها، وعجّل ثارها. حدّث خطيب المسجد الأعظم، وهو ما هو، من وفور العقل، وصحة النّقل، قال: مررت بأبيك بعد ما تمت الكسرة، وخذلت تلك الأسرة، وقد كبا بأخيك الطّرف، وعرض عليه الحمام للصّرف، والشيخ رحمه الله لم تزلّ قدمه، ولا راعه الموقف وعظمه. ولما آيس من الخلاص وطلّابه، صرفني وقال: أنا أولى به، فقضى سعيدا شهيدا، لم يستنفره الهول، ولم يثنه ولا رضي عار الفرار عن ابنه. شعره: قال في «الإكليل» «7» : وكان «8» له في الأدب فريضة، وفي النّادرة العذبة منادح عريضة. تكلّمت يوما بين يديه، في مسائل من الطب، وأنشدته أبياتا من شعري «9» ، وقرأت عليه رقاعا من إنشائي، فسرّ وتهلّل، وعبّر عما أمل، وما برح أن الجزء: 3 ¦ الصفحة: 296 ارتجل قوله رحمة الله عليه: [مخلع البسيط] الطبّ والشّعر والكتابه ... سماتنا في بني النّجابه هنّ ثلاث مبلّغات ... مراتبا بعضها الحجابه ووقّع لي يوما بخطّه على ظهر أبيات، بعثتها إليه، أعرض عليه نمطها: [الكامل] وردت كما ورد النسيم بسحره «1» ... عن روضة جاد الغمام رباها فكأنما» هاروت أودع سحره ... فيها وآثرها به وحباها مصقولة الألفاظ يبهر حسنها ... فبمثلها «3» افتخر البليغ وباهى فقررت عينا عند رؤية حسنها ... إني أبوك وكنت أنت أباها ومن شعره «4» قوله: [الوافر] وقالوا قد نأوا «5» : فاصبر ستشفى ... فترياق الهوى بعد الدّيار فقلت: هبوا بأنّ الحقّ هذا ... فقلبي يمّموا فيم اصطباري «6» ؟ ومن قوله مما يجري مجرى الحكم والأمثال «7» : [السريع] عليك بالصمت فكم ناطق ... كلامه أدّى إلى كلمه «8» إنّ لسان المرء أهدى إلى ... غرّته والله من خصمه يرى صغير الجرم مستضعفا ... وجرمه أكبر من جرمه وقال وهو من المستحسن في التّجنيس «9» : [الخفيف] أنا بالدّهر، يا بنيّ، خبير ... فإذا شئت علمه فتعالى كم مليك قد ارتغى «10» منه روضا ... لم يدافع عنه الردى «11» ما ارتغى لا كلّ شيء تراه يفنى ويبقى ... ربّنا الله ذو الجلال تعالى أنشدني هاتين المقطوعتين. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 297 مولده: ولد بحضرة غرناطة في جمادى الأولى من عام اثنين وسبعين وستمائة. وفاته: بعد «1» يوم الوقيعة الكبرى على المسلمين بظاهر طريف يوم الاثنين السابع لجمادى الأولى عام واحد وأربعين وسبعمائة. من رثاه: قلت في رثائه من قصيدة أولها «2» : [الطويل] سهام المنايا لا تطيش ولا تخطي ... وللدهر كفّ تستردّ الذي تعطي وإنّا وإن كنّا على ثبج الدّنا ... فلا بدّ يوما أن نحلّ على الشّطّ وسيّان ذلّ الفقر أو عزّة الغنى ... ومن أسرع السّير الحثيث ومن يبطي «3» تساوى على ورد الرّدى كلّ وارد ... فلم يغن ربّ السّيف عن ربّة القرط وقال شيخنا أبو زكريا بن هذيل من قصيدة يرثيه بها «4» : [الطويل] إذا أنا لم أرث الصديق فما عذري ... إذا قلت أبياتا حسانا من الشعر؟ ولو كان شعري لم يكن غير ندبة ... وأجريت دمعي لليراع «5» عن الحبر لما كنت أقضي حقّ صحبته التي ... توخّيتها عونا على نوب الدّهر رماني عبد الله يوم وداعه ... بداهية دهياء «6» قاصمة الظّهر قطعت رجائي حين صحّ حديثه ... فإن لم يوف دمعي فقد خانني صبري وهل مؤنس كابن الخطيب لوحشتي ... أبثّ له همّي وأودعه سرّي؟ عبد الله بن محمد بن أحمد بن محمد بن جزي ّ «7» من أهل غرناطة، يكنى أبا محمد، وقد مرّ ذكر أبيه شيخنا وأخويه، وتقرّرت نباهة بيتهم. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 298 حاله: هذا «1» الفاضل قريع بيت نبيه، وسلف شهير، وأبوّة خيّرة «2» ، وأخوّة بليغة، وخؤولة تميّزت من السلطات بحظوة. أديب حافظ، قام على فنّ العربيّة، مشارك في فنون لسانيّة سواه، طرف «3» في الإدراك، جيد النظم، مطواع القريحة، باطنه نبل، وظاهره غفلة. قعد للإقراء ببلده غرناطة، معيدا ومستقلّا، ثم تقدّم للقضاء بجهات نبيهة، على زمن الحداثة، وهو لهذا العهد مخطوب رتبة، وجار إلى غاية، وعين من أعيان البلدة. مشيخته: أخذ عن والده الأستاذ الشهير «4» أبي القاسم حديث الرّحمة بشرطه، وسمع عليه على صغر السّن، أبعاضا من كتب عدة في فنون مختلفة، كبعض صحيح مسلم، وبعض صحيح البخاري، وبعض الجامع للتّرمذي، وبعض السّنن للنّسائي، وبعض سنن أبي داود، وبعض موطّأ مالك بن أنس، وبعض الشّفاء لعياض، وبعض الشّمائل للتّرمذي، وبعض الأعلام للنّميري، وبعض المشرع السّلس في الحديث المسلسل لابن أبي الأحوص، وبعض كتاب التّيسير لأبي عمرو الدّاني، وبعض كتاب التّبصرة للمكيّ، وبعض الكافي لابن شريح، وبعض الهداية للمهدي، وبعض التّلخيص للطّبري، وبعض كتاب الدّلالة في إثبات النبوّة والرسالة لأبي عامر بن ربيع، وبعض كتاب حلبة الأسانيد وبغية التلاميذ لابن الكمّاد، وبعض كتاب وسيلة المسلم في تهذيب صحيح مسلم من تواليف والده، وبعض القوانين الفقهية، وبعض كتاب الدّعوات والأذكار، وبعض كتاب النّور المبين في قواعد عقائد الدين من تأليفه، وبعض تقريب الوصول إلى علم الأصول، وبعض كتاب الصلاة، وبعض كتاب الأنوار السّنية في الكلمات السّنية، وبعض كتاب برنامجه. كل ذلك من تأليف والده، رحمه الله. وأجاز له رواية الكتب المذكورة عنه، مع رواية جميع مرويّاته وتواليفه وتقييداته، إجازة عامة. ولقّنه في صغره جملة من الأحاديث النبوية والمسائل الفقهية، والمقطوعات الشعرية. ومنهم قاضي الجماعة أبو البركات بن الحاج، حدّثه بألمرية حديث الرحمة بشرطه، وسمع عليه بها وبغرناطة عدّة من أبعاض كتب، وأجازه عامة، وأنشده من شعره، وشعر غيره. ومنهم قاضي الجماعة الشريف أبو القاسم، لازمه مدة القراءة عليه، واستفاد منه، وتفقّه عليه بقراءة غيره في كثير من النّصف الثاني من كتاب سيبويه، وفي كثير من النصف الثاني من كتاب الإيضاح لأبي علي الفارسي، وفي الجزء: 3 ¦ الصفحة: 299 كثير من كتاب التّسهيل لابن مالك، وفي القصيدة الخزرجية في العروض، وسمع من لفظه الرّبع الواحد أو نحوه من تأليفه شرح مقصورة حازم، وتفقّه عليه فيه، وأنشده كثيرا من شعره وشعر غيره. ومنهم الأستاذ أبو عبد الله البيّاني، لازمه مدة القراءة عليه، وتفقّه عليه بقراءته في كتاب التّسهيل البديع في اختصار التّفريع إلّا يسيرا منه، وتفقّه عليه بقراءة غيره في أبعاض من كتب فقهية وغيرها، ككتاب التهذيب، وكتاب الجواهر الثمينة، وكتاب التفريع، وكتاب الرسالة لابن أبي زيد، وكتاب الأحكام لابن العربي، وكتاب شرح العمدة لابن دقيق العيد، وغير ذلك مما يطول ذكره. ومنهم الأستاذ الأعرف الشهير أبو سعيد بن لب، تفقّه عليه بقراءته في جميع النصف الثاني من كتاب الإيضاح للفارسي، وفي كثير من النصف الأول من كتاب سيبويه، وتفقّه عليه بقراءة غيره في أبعاض من كتب عدة، في فنون مختلفة، كالمدوّنة والجواهر، وكتاب ابن الحاجب، وكتاب التّلقين، وكتاب الجمل، وكتاب التّسهيل والتنقيح، والشّاطبيّة، وكتاب العمدة في الحديث وغير ذلك. ومنهم الشيخ المقرئ المحدّث أبو عبد الله محمد بن بيبش، سمع عليه بقراءة أخيه الكاتب أبي عبد الله محمد، جميع كتاب الموطّأ، وكتاب الشّفا إلّا يسيرا منه، وأجازه روايتهما عنه، ورواية جميع مرويّاته، إجازة عامة، وأنشده جملة من شعره وشعر غيره. وممن أجازه عامة، رئيس الكتاب أبو الحسن بن الجيّاب، وقاضي الجماعة أبو عبد الله بن يحيى بن بكر الأشعري، والخطيب أبو علي القرشي، والأستاذ أبو محمد بن سلمون، والحاج الراوية أبو جعفر بن جابر، والشيخ القاضي أبو جعفر أحمد بن عتيق الشّاطبي الأزدي، والقاضي الكاتب البارع أبو بكر بن شبرين، والقاضي الخطيب الأستاذ الراوية أبو بكر بن الشيخ الخطيب الصالح أبي جعفر بن الزيات، والقاضي الخطيب أبو محمد بن محمد بن الصّايع. وممن كتب له بالإجازة من المشايخ، شيخ المشايخ أثير الدين أبو حيّان محمد بن يوسف بن حيان، وقاضي الجماعة بفاس محمد بن محمد بن أحمد المقري، ورئيس الكتاب أبو محمد الحضرمي، وجماعة سوى من ذكر من أهل المشرق والمغرب. شعره: وشعره نبيل الأغراض، حسن المقاصد. فمن ذلك قوله: [الطويل] سنى الليلة الغرّاء «1» وافتك بالبشرى ... وأبدى بها «2» وجه القبول لك البشرا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 300 تهلّل وجه الكون من طرب بها ... وأشرقت الدّنيا «1» بغرّتها الغرّا لها المنّة العظمى بميلاد أحمد ... لها الرّتبة العليا لها العزّة الكبرا طوى سرّه في صدره الدّهر مدّة ... فوافى ربيعا ناشرا ذلك السّرّا حوى شهرة الفضل الشهير وفضله ... فأحسن به فضلا وأعظم به شهرا لقد كان ليل الكفر في اللّيل قد جفا ... فأطلع منه في سمّة «2» الهدى فجرا وفي ليلة الميلاد لاحت شواهد ... قضت أنّ دين الكفر قد أبطل الكفرا لقد أخمدت أنوارها نار فارس ... وأرجت «3» كما ارتجّ إيوانه كسرى له معجزات يعجز القلب كنهها ... ويحصر إن رام اللسان لها حصرا معال يكلّ الشّعر عن نيل وصفها ... وتقصر عن إدراك مصعده الشّعرى به بشّر الرّسل الكرام ولم تزل ... شمائله تتلى وآياته تترى ففي الصّحف الأولى مناقبه العلى ... وفي الذكر آيات خصّت «4» له قدرا لقد خصّه مولاه بالقرب والرضى ... وحسبك ما قد نصّ في النّجم والإسرا وردّ عليه الشمس بعد غروبها ... وشقّ على رغم العداة له البدرا وكان له في مائه وطعامه ... لطائف ربّانيّة تبهر الفكرا غدا الماء من بين الأصابع نابعا ... وعاد قليل الزّاد من يمنه كثرا وكم نائل أولى وكم سائل حبا ... وكم مشتك أشفى وكم مدنف أبرى! كفى شاهدا أن ردّ عين قتادة ... فكان لها الفضل المبين على الأخرى وحنّ إليه الجذع عند فراقه ... ولا حنّت الخنساء إذ فارقت صخرا وحقّ له إذ بان عنه حبيبه ... ومن ذاق طعم الوصل لم يحمل الهجرا خليليّ، والدنيا تجدّد للفقر ... ضروبا من الأشواق لو تنفع الذّكرى بعيشكما هل لي إلى أرض طيبة ... سبيل؟ فأمّا الصّبر عنها فلا صبرا منى النفس «5» من تلك المعاهد زورة ... أبثّ بها شكوى وأشكو بها وزرا وتعفير خدّي في عروق ترابها ... ليمحو لي ذنبا ويثبت لي أجرا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 301 تعلّلني نفسي بإدراكها المنى ... وما أجهدت عيشا ولا ملّكت قفرا ومن كانت الآمال أقصى اجتهاده ... غدت كفّه ممّا تأمّله صفرا وكم زجرتها واعظات زمانها ... فما سمعت وعظا ولا قبلت زجرا وكنت لها عصر الشبيبة عاذرا ... سقاه الحيا ما كان أقصره عصرا وأمّا وقد ولّت ثلاثون حجّة ... فلست أرى للنفس من بعدها عذرا إذا أنت لم تترك سوى النفس طائعا ... فلا بدّ بعد الشّيب من تركه قسرا ولم أدّخر إلّا شفاعة أحمد ... لتخفيف وزر شدّ ما أوثق الظّهرا لقد علقت «1» كفّ الرجاء بحمله ... لعلّ كسير القلب يقلبه برّا هو المرتضى الداعي إلى منهج الرّضا ... هو المصطفى الهادي الميسّر لليسرى هو الحاسر الماحي الضّلالة بالهدى ... هو الشّافع الواقي إذا شهر الحشرا بأي كلام يبلغ المرء وصف من ... مكارمه تستغرق النّظم والنّثرا خلال إذا الأفكار جاست خلالها ... تكرّ على الأعقاب خاسئة خسرا لقد غضّ طرف النّجم باهرها سنى ... وأرغم أنف الرّوض عاطرها نشرا سقى ليلة حيّت به واكف الحيا ... فنعماؤها ما إن يحيط بها شكرا لقد خصّها سند الإله برحمة ... فعمّت بها الدنيا وسكّانها طرّا أقمت أمير المسلمين حقوقها ... بأفعال برّ أضحكت للهدى ثغرا لقد سرت فيها إذ أتتك بسرّه ... أقرّت لها عينا وسرّت لها صدرا عرفت بها حقّ الذي عرفت به ... فأحسنتها شكرا وأوليتها برّا وأصحبتها الإخلاص لله والتّقى ... وأعقبها الإحسان والنّائل الغمرا لدى مصنع ملا «2» العيون محاسنا ... تجسّم فيه السّحر حتى بدا قصرا منها بعد أبيات في المدح للسلطان: روى عن أبي الحجاج غرّ شمائل ... أعاد لنا دهم الليالي بها غرّا ومن كبني نصر جلالة منصب ... بهم نصر الرحمن دين الهدى نصرا هم ما هم إن تلقهم في مهمّة ... لقيت الجناب السّهل والمعقل الوعرا سلالة أنصار النبيّ محمد ... فسل أحدا ينبيك عنهم وسل بدرا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 302 ومن شعره في المقطوعات، قال في التورية العروضية «1» : [الوافر] لقد قطّعت قلبي يا خليلي ... بهجر طال منك على العليل ولكن ما عجيب منك هذا ... إذ «2» التّقطيع من شأن الخليل» وقال في التّورية النّحوية «4» : [الطويل] لقد كنت موصولا فأبدل وصلكم ... بهجر وما مثلي على الهجر يصبر فما بالكم غيّرتم عبدكم ... وعهدي بالمحبوب ليس يغيّر «5» وقال في التّورية مداعبا بعض المقرئين للعدد وهو بديع «6» : [الكامل] يا ناصبا علم الحساب حباله «7» ... لقناص ظبي ساحر الألباب إن كنت ترجو «8» بالحساب وصاله ... فالبدر «9» يرزقنا بغير حساب وقال في التّورية العروضية «10» : [المتقارب] لقد كمل الودّ ما «11» بيننا ... ودمنا على فرح شامل فإن دخل القطع في وصلنا ... فقد يدخل القطع في الكامل وقال في تضمين مثل «12» : [الوافر] ألا أكتم حبّ من أحببت واصبر ... فإنّ الهجر يحدثه الكلام وإن أبداه دمع أو نحول ... فمن بعد اجتهادي «13» لا تلام وقال «14» : [السريع] وأشنب الثّغر له وجنة ... تعدّت النّحل على وردها ما ذاك إلّا حسد «15» إذ رأت ... رضابه أعذب من شهدها الجزء: 3 ¦ الصفحة: 303 وقال في التّورية بأسماء كتب فقهية جوابا غير معمّى «1» : [الطويل] لك الله من خلّ حباني برقعة ... حبتني من أبياتها «2» بالنوادر رسالة رمز في الجمال نهاية «3» ... وخيرة نظم أتحفت بالجواهر وقال في التّورية أيضا «4» : [الطويل] إلى الله أشكو غدر آل تودّدي «5» ... إليّ فلمّا لاح سرّي لهم حالوا لقد خدعوني إذ أروني مودّة ... ولكنّه لا غرو أن يخدع الآل وقال يخاطب رجلا من أصحابه «6» : [الطويل] أبا حسن «7» إن شتّت الدّهر شملنا ... فليس لودّ في الفؤاد «8» شتات وإن حلت عن عهد الإخاء فلم يزل «9» ... لقلبي على حفظ العهود ثبات وهبني سرت مني إليك إساءة ... ألم تتقدّم قبلها حسنات؟ وقال في النّسيب «10» : [الطويل] لئن «11» كان باب القرب قد سدّ بيننا ... ولم يبق لي في نيل وصلك مطمع وأخفرت «12» عهدي دون ذنب جنيته ... وأصبح ودّي فيك وهو مضيّع ولم ترث لي عمّا «13» ألاقي من الأسى ... وصرت أنادي منك من ليس يسمع وضاقت بي الأحوال عن كلّ وجهة ... فما «14» أرتجي من رحمة الله أوسع الجزء: 3 ¦ الصفحة: 304 وممّا نظمه في التّضمين مخاطبا بعض المنتحلين للشّعر قوله «1» : [الطويل] لقد صرت في غصب القصائد ماهرا ... فما أسم جميع الشعر عندك غير لي «2» ولم تبق شعرا لامرىء متقدّم «3» ... ولم تبق شعرا يا ابن بشت «4» لأول فشعر جرير قد غصبت ورؤبة «5» ... وشعر ابن مرج الكحل وابن المرحّل وإن دام هذا الأمر أصبحت تدّعي ... (قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل) » ومن المقرئين والعلماء عبد الله بن محمد بن إبراهيم بن مجاهد العبدري الكوّاب «7» من أهل غرناطة، يكنى أبا محمد، الخطيب، المقرئ. حاله: من «الصّلة» : كان، رحمه الله، أتقن أهل زمانه في تجويد كتاب الله العزيز، وأبرعهم في ذلك، وأنفعهم للمتعلم، نفع الله به كل من قرأ عليه، وترك بعده جملة يرجع إليهم في ذلك، ويعمل على ما عندهم. وكان مع ذلك نبيه الأغراض، في جميع ما يحتاج إليه في علمه، ذاكرا للاختيارات التي تنسب للمقرئين، من يرجّح ويعلّل، ويختار ويردّ، موفقا في ذلك، صابرا على التعليم، دائبا عليه نهاره وليله، ذاكرا لخلاف السّبعة. رحل الناس إليه من كل مكان، خاصّتهم وعامّهم، وملأ بلده تجويدا وإتقانا، وكان مع هذا فاضلا ورعا جليلا. خطب بجامع غرناطة وأمّ به مدة طويلة إلى حين وفاته. مشيخته: أخذ القراءات عن الحاج أبي الحسين «8» بن كوثر، وأبي خالد بن رفاعة، وأبي عبد الله بن عروس. ورحل إلى بيّاسة فأخذ بها القراءات عن أبي بكر بن حسّون، وأخذ مع هؤلاء عن جعفر بن حكم، وأبي جعفر بن عبد الرحيم، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 305 وأبي الحسن الصّدفي الفاسي، وسمع عليه كثيرا من كتاب سيبويه تفقّها، وأجاز له كتابة القاضي أبو بكر بن أبي جمرة مع آخرين ممن أخذوا عنه. من أخذ عنه: روى عن الناس أهل بلده وغيرهم، منهم ابن أبي الأحوص، وأبو عبد الله بن إبراهيم المقرئ. وفاته: توفي في سنة ثلاث وثلاثين وستمائة «1» ، ودفن بمقبرة باب إلبيرة. عبد الله بن علي بن عبد الله بن علي بن سلمون الكناني من أهل غرناطة، يكنى أبا محمد، ويعرف بابن سلمون. حاله: كان، رحمه الله، نسيج وحده، دينا وفضلا، وتخلّقا ودماثة، ولين جانب، حسن اللّقاء، سليم الباطن، مغرقا في الخير، عظيم الهشّة والقبول، كريم الطّويّة، عظيم الانقياد، طيّب اللهجة، متهالكا في التماس الصّالحين، يتقلّب في ذلك بين الخطإ والإصابة، صدرا في أهل الشّورى. قرأ ببلده وسمع وأسمع وأقرأ، وكتب الشروط مدة، مأثور العدالة، معروف النّزاهة، مثلا في ذلك، ويقوم على العربية والفقه، خصوصا باب البيوع، ويتقدّم السّباق في معرفة القراءات، منقطع القرين في ذلك، أشدّ الناس خفوفا في الحوائج، وأسرعهم إلى المشاركة. مشيخته: قرأ على الأستاذ الكبير أبي جعفر بن الزبير بغرناطة، ولازمه، فانتفع به دراية ورواية. وقرأ على الخطيب أبي الحسن بن فضيلة، والمكتّب أبي الحسن البلّوطي، وأبي محمد النّفزي، والخطيب أبي جعفر الكحيلي. وبمالقة على الأستاذ أبي محمد الباهلي. وبسبتة على الأستاذ المقرئ رحلة وقته أبي القاسم بن الطيب، وسمع عليه الكثير. وعلى الأستاذ أبي عبد الله الدّراج، ولازم مجلس إقرائه، وعلى الشيخ المعمّر أبي عبد الله بن الخطّار الكامي، وهو أعلى من لقيه من تلك الحلبة. وأخذ بالإجازة عن العدل أبي عبد الله محمد بن عبد الرحمن النّولي، وروايته عالية. لقي أبا الربيع بن سالم، ولقي بسبتة الشّريف الرّاوية أبا علي الحسن بن أبي الشرف ربيع، والأديب الكاتب أبا علي الحسين بن عتيق بن الحسين بن رشيق. وبفاس الفقيه أبا غالب محمد بن محمد بن عبد الرحمن المغيلي. وقرأ على الخطيب المحدّث أبي عبد الله بن رشيد. وسمع على ذي الوزارتين أبي عبد الله بن الحكيم. ولقي الأديب المعمّر مالك بن المرحّل. وأجازه أبو عمران موسى بن الخطيب أبي الحسن الجزء: 3 ¦ الصفحة: 306 الدّاري برندة. وأجازه من أهل المشرق كثير، منهم عز الدين أحمد بن محمد الحسني بقيّة الأشراف بالدّيار المصرية، وجمال الدين أحمد بن محمد بن عبد الله الظاهري، ونجم الدين أحمد بن حمدان الحرّاني، وجمال الدين أحمد بن أبي الفتح الشّيباني، وأحمد بن عبد المنعم الصّوفي، ومولده عام أحد وستمائة، وأحمد بن سلمان بن أحمد المقدسي، وأحمد بن عبد الحميد بن عبد الهادي، وشمس الدين إبراهيم بن سرور المقدسي، والخطيب بالمسجد الأعظم ببجاية أبو عبد الله بن صالح الكناني، وأبو عبد الله محمد بن أبي خمسة محمد بن البكري بن أبي بكر، وأبو عبد الله محمد بن علي بن وهب بن مطيع بن أبي الطاعة القشيري، وابن دقيق العيد تقي الدين، وأبو عبد الله محمد بن إبراهيم بن سعد بن جماعة، والشيخة الصالحة أم محمد عائشة بنت أبي الخطاب محمد بن أحمد بن خليل السّكوني. وأجازه نحو من المايتين من أهل المشرق والمغرب. ولقي بفاس الشّيخة الأديبة الطيبة الشاعرة سارة بنت أحمد بن عثمان بن الصلاح الحلبيّة وأجازته، وألبسته خرقة التصوّف. قال: وأنشدتني قصيدة أجابت بها الخطيب المحدّث أبا عبد الله بن رشيد، أولها يعني قصيدة ابن رشيد: [السريع] سرى نسيم من حمى سارة ... عاد به كلّ نسيم عاطرا وجال أفكار الدّنا ذكرها ... فسار فيها مثلا سائرا دائرة والمجد قطب لها ... دارت عليه فلكا دائرا فقالت: وافى قريض منكم مذ غدا ... لبعض أوصافكم ذاكرا أطلع من أنفاسه حجوا «1» ... ومن شذاه نفسا عاطرا أعاد ميت الفكر من خاطري ... من بعد دفن في الثّرى ناشرا يبهر طرفي حسن منظره ... أحبب به نظما غدا باهرا فقلت لمّا «2» هالني حسنه ... أشاعرا أصبح أم ساحرا؟ أم روضة هذي التي قد نوى؟ ... أم بدر تمّ قد بدا زاهرا؟ أم ضرب «3» من فمه سائل؟ ... أم جوهر أضحى لنا ناثرا؟ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 307 لله ما أعذب ألفاظه ... وأنور الباطن والظّاهرا! يا ابن رشيد، بل أبا الرّشد، ... من لم يزل طيّ العلا ناشرا «1» خذ ما فدتك النّفس يا سيدي ... وكن لمن نظمها عاذرا ما تصل الأنثى بتقصيرها ... لأن تباري ذكرا ماهرا لا زلت تحيى من رسوم العلا ... ما كان منها دارسا داثرا تصانيفه: الكتاب المسمى ب «الشافي في تجربة ما وقع من الخلاف بين التّيسير والتّبصرة والكافي» لا نظير له. مولده: ولد بغرناظة بلده في الثاني والعشرين لذي قعدة من عام تسعة وستين وستمائة. وفاته: فقد في الوقيعة العظمى بطريف يوم الاثنين السابع لجمادى الأولى من عام أحد وأربعين وسبعمائة. حدّث بعض الجند أنه رآه يتحامل، وجرح بصدره يثغب دما، وهو رابط الجأش، فكان آخر العهد به، تقبّل الله شهادته. عبد الله بن سهل الغرناطي «2» يكنى أبا محمد، وينبز «3» بوجه «4» نافخ. حاله: من كتاب ابن حمامة، قال: عني بعلم القرآن والنحو والحديث عناية تامة، وبهذا كنت أسمع الثّناء عليه من الأشياخ في حال طفولتي بغرناظة، ثم شهر بعد ذلك بعلم المنطق، والعلوم الرياضية، وسائر العلوم القديمة، وعظم بسببها، وامتدّ صيته من أجلها، وأجمع المسلمون واليهود والنصارى أن ليس في زمانه مثله، ولا في كثير ممن تقدّمه، وبين هذه الملل الثلاثة من التّحاسد ما عرف. وكانت النصارى تقصده من طليطلة، تتعلّم منه أيام كان ببيّاسة «5» ، وله مع قسّيسهم مجالس في الجزء: 3 ¦ الصفحة: 308 التّناظر، حاز فيها قصب السّبق. قال: ثم خرج عن بيّاسة، وسار إلى نظر ابن همشك «1» عند خروج النصارى عن بيّاسة. وله تواليف. وهو الآن بحاله. قلت: تاريخ هذا القول، عام ثلاثة وخمسين وخمسمائة. عبد الله بن أيوب الأنصاري «2» يكنى أبا محمد، ويعرف بابن خدوج «3» ، من أهل قلعة أيوب «4» . حاله: فقيه حافظ لمذهب مالك. استوطن غرناطة وسكنها. تواليفه: ألّف في الفقه كتابا مفيدا سماه «المنوطة على مذهب مالك» ، في ثمانية أسفار «5» ، أتقن فيها كل الإتقان. وفاته: توفي بها سنة اثنتين وستين وخمسمائة، وقد قارب المائة. عبد الله بن الحسن بن أحمد بن يحيى ابن عبد الله الأنصاري «6» مالقي، قرطبي الأصل، يكنى أبا محمد، ويعرف بالقرطبي، وقرأ بغرناظة. حاله: كان «7» في وقته ببلده كامل المعارف، صدرا في المقرئين والمجوّدين «8» ، رئيس المحدّثين وإمامهم، واسع المعرفة، مكثرا، ثقة، عدلا، أمينا، مكين الرّواية «9» ، رائق الحطّ، نبيل التّقييد والضّبط، ناقدا، ذاكرا أسماء رجال الحديث وطبقاتهم وتواريخهم، وما حلوا به من جرح وتعديل، لا يدانيه أحد في ذلك، عزيز النّظر «10» ، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 309 متيقّظا، متوقّد الذهن، كريم الخلال، حميد العشرة، دمثا، متواضعا، حسن الخلق، محبّبا إلى الناس، نزيه النفس، جميل الهيئة، وقورا، معظّما عند الخاصة والعامة، ديّنا، زاهدا، ورعا، فاضلا، نحويا ماهرا، ريّان من الأدب، قائلا الجيّد من الشعر، مقصدا ومقطعا. وكان له بجامع مالقة الأعظم مجلس عام، سوى مجلس تدريسه، يتكلم فيه على الحديث، إسنادا ومتنا، بطريقة عجز «1» عنها الكثير من أكابر أهل زمانه. وتصدّر للإقراء ابن عشرين سنة «2» . من أخباره في العلم والذكاء: قالوا: قرىء «3» عليه يوما باب الابتداء بالكلم التي يلفظ بها في «4» إيضاح الفارسي، وكان أحسن الناس قياما عليه، فتكلّم على المسألة الواقعة في ذلك الباب، المتعلقة بعلم العروض، وكان في الحاضرين من أحسن «5» صناعته، فجاذبه الكلام «6» ، وضايقه في «7» المباحثة، حتى أحسّ الأستاذ من نفسه التّقصير، إذ لم يكن له قبل كبير نظر في العروض، فكفّ عن الخوض في المسألة، وانصرف إلى منزله، وعكف سائر اليوم «8» على تصفّح علم العروض حتى فهم أغراضه، وحصّل تواليفه «9» ، وصنّف فيه مختصرا نبيلا لخّص في صدره ضروبه «10» ، وأبدع فيه بنظم مثله، وجاء به من الغد، معجزا من رآه أو سمع به، فبهت الحاضرون وقضوا العجب من اقتداره وذكائه، ونفوذ فهمه، وسموّ همّته. ومن أخباره في الدّين: قال أبو أحمد جعفر بن زعرور العاملي المالقي، تلميذه الأخصّ به: بتّ معه ليلة في دويرته التي كانت له بجبل فاره «11» للإقراء والمطالعة، فقام ساعة كنت فيها يقظانا «12» ، وهو ضاحك مسرور، يشدّ يده كأنّه ظفر بشيء نفيس، فسألته فقال: رأيت كأن الناس قد حشروا في العرض على الله، وأتي بالمحدّثين، وكنت أرى أبا عبد الله النّميري يؤتى به، فيوقف بين يدي الله تعالى، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 310 فيعطي براءته من النّار، ثم يؤتى بي، فأوقفت بين يدي ربيّ، فأعطاني براءتي من النّار، فاستيقظت، وأنا أشدّ عليها يدي اغتباطا بها وفرحا، والحمد لله. مشيخته: تلا «1» بمالقة على أبيه، وأبي زيد السّهيلي، والقاسم بن دحمان، وروى عنهم، وعن أبي الحجاج بن الشيخ، وأبوي عبد الله بن الفخّار، وابن نوح، وابن اليتيم، وابن كامل، وابن جابر، وابن بونة. وبالمنكّب عن عبد الوهاب الصّدفي. وحضر بمالقة مجلس أبي إسحاق بن قرقول. وبإشبيلية عن أبي بكر بن الجد، وابن صاف، وأبي جعفر بن مضاء، وأبوي الحسن عبد الرحمن بن مسلمة، وأبي عبد الله بن زرقون، وأبي القاسم بن عبد الرازق، وأبي محمد بن جمهور. وبغرناطة عن أبوي جعفر بن حكم الحصّار، وابن شراحيل، وأبي عبد الله بن عروس، وأبوي محمد عبد الحق النّوالشي، وعبد المنعم بن الفرس. وبمرسية عن أبي عبد الله بن حميد، وأبي القاسم بن حبيش. وبسبتة عن أبي محمد الحجري. وأجاز له من الأندلس ابن محرز، وابن حسّون، وابن خيرة، والأركشي، وابن حفص، وابن سعادة، ويحيى المجريطي، وابن بشكوال، وابن قزمان. ومن أهل المشرق جماعة كبيرة. شعره وتصانيفه: ألّف في العروض مجموعات نبيلة، وفي قراءة نافع. ولخّص أسانيد الموطّأ. وله المبدي، لخطإ الرّندي. ودخل يوما بمجلس أقرأ به أبو الفضل عياض، وكان أفتى منه، غير أنّ الشّيب جار عليه، وتأخّر شيب الأستاذ، فقال: يا أستاذ، شبنا وما شبتم، قال: فأنشده ارتجالا «2» : [الطويل] وهل نافع «3» أن أخطأ الشّيب مفرقي ... وقد شاب أترابي وشاب لداتي؟ لئن كان خطب الشّيب يوجد حسّه «4» ... بتربي فمعناه يقوم بذاتي ومن شعره في التّجنيس «5» : [الطويل] لعمرك، ما الدّنيا وسرعة «6» سيرها ... بسكّانها إلّا طريق مجاز حقيقتها أنّ المقام بغيرها ... ولكنهم قد أولعوا بمجاز الجزء: 3 ¦ الصفحة: 311 ومما يؤثر أيضا من شعره قوله «1» : [الخفيف] سهرت أعين ونامت عيون ... لأمور «2» تكون أو لا تكون فاطرد الهمّ ما استطعت عن النّف ... س فحملانك الهموم جنون إنّ ربّا كفاك بالأمس ما كان ... سيكفيك «3» في غد ما يكون مولده: ولد أبو محمد قريب ظهر يوم الاثنين لثمان بقين من ذي القعدة عام ستة وخمسين وخمسمائة. وفاته: سحر ليلة السبت أو سحر يومها، ودفن إثر صلاة العصر من اليوم السابع لربيع الآخر سنة إحدى عشرة «4» وستمائة. من رثاه: رثاه الأديب أبو محمد عبد الله بن حسّون البرجي من قصيدة حسنة طويلة «5» : [الطويل] خليليّ، هبّا ساعداني بعبرة ... وقولا لمن بالريّ: ويحكم هبّوا نبكّ «6» العلا والمجد والعلم والتّقى ... فمأتم أحزاني نوائحه الصّحب فقد سلب الدّين الحنيفيّ روحه ... ففي كلّ سرّ «7» من نباهته نهب وقد طمست أنوار سنّة أحمد ... وقد خلت الدنيا وقد ظعن الرّكب مضى الكوكب الوقّاد والمرهف الذي ... يصحّح «8» في نصّ الحديث فما ينبو «9» تمنّى علاه النّيران ونوره ... وقالا بزعم: إنّه لهما ترب أأسلو وبحر العلم غيضت مياهه ... ومحيي رسوم العلم يحجبه التّرب؟ عزيز على الإسلام أن يودع الثرى ... مسدّدة الأسرى «10» وعالمه النّدب الجزء: 3 ¦ الصفحة: 312 بكى العالم العلويّ والسّبع حسرة ... أولئك «1» حزب الله ما فوقهم حزب على القرطبيّ الحبر أستاذنا الذي ... على أهل هذا العصر فضّله الرّبّ فقد كان فيما قد «2» مضى من زمانه ... به تحسن الدّنيا ويلتئم الشّعب ويجمع سرب الأنس روض جنابه «3» ... فقد جفّ ذاك الرّوض وافترق السّرب فسحقا لدنيا خادعتنا بمكرها ... إذا عاقدت سلما فمقصدها حرب ركبنا بها «4» السّهل الذّلول فقادنا ... إلى كلّ ما في طيّه مركب صعب ونغفل عنها والرّدى يستفزّنا ... كفى واعظا بالموت لو كان لي لبّ عبد الله بن أحمد بن إسماعيل بن عيسى بن أحمد ابن إسماعيل بن سماك العاملي «5» يكنى أبا محمد، مالقي الأصل. حاله: كان فقيها أديبا، بارع الأدب، شاعرا مطبوعا، كثير النّادر، حلو الشّمايل، أدرك شيوخا جلّة، وولّي قضاء غرناطة مدّة. مشيخته: روى عن جدّه لأمه، وابن عمّ أبيه أبي عمر أحمد بن إسماعيل، وأبي علي الغسّاني، وأبي الحسن علي بن عبيد الرحمن بن سمحون، والمرساني الأديب. شعره: [الكامل] الروض مخضرّ الرّبى متجمّل ... للناظرين بأجمل الألوان وكأنما بسطت هناك سوارها ... خود زهت بقلائد العقيان وكأنّما فتقت هناك نوافح ... من مسكة عجنت بعرف البان والطّير يسجع في الغصون كأنما ... تقرأ القيان فيه على العيدان الجزء: 3 ¦ الصفحة: 313 والماء مطّرد يسيل عبابه ... كسلاسل من فضّة وجمان بهجات حسن أكملت فكأنها ... حسن اليقين وبهجة الإيمان وكتب إلى الكاتب أبي نصر الفتح بن عبيد الله «1» في أثناء رسالة «2» : [الوافر] تفتّحت الكتابة عن نسيم ... نسيم المسك في خلق الكريم «3» أبا نصر، رسمت لها رسوما ... تخال رسومها وضح النّجوم وقد كانت عفت فأنرت «4» منها ... سراجا لاح في اللّيل البهيم فتحت من الصّناعة كلّ باب ... فصار «5» في طريق مستقيم فكتّاب الزمان ولست منهم ... إذا راموا مرامك في هموم فما قسّ بأبدع منك لفظا ... ولا سحبان مثلك في العلوم «6» وفاته: في السابع والعشرين من رمضان المعظم سنة أربعين وخمسمائة، وهو ابن أربع وثمانين سنة. ومن ترجمة القضاة عبد الله بن أحمد بن محمد بن سعيد بن أيوب بن الحسن ابن منخل بن زيد الغافقي من أهل غرناظة وأعيانها، يكنى أبا محمد، وينسب إلى غافق بن الشّاهد بن عك بن عدنان، لا إلى حصن غافق. حاله: من «العائد: كان رجلا صحيح المذهب، سليم الصّدر، قليل المصانعة، كثير الحركة والهشّة والجدة، ملازم الاجتهاد والعكوف، لا يفتر عن النّسخ والتّقييد والمطالعة، على حال الكبرة، قديم التّعيّن والأصالة، ولّي القضاء عمره بمواضع كثيرة، منها بيرة ورندة ثم مالقة، مضافا إلى الخطابة بها. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 314 مشيخته: حجّ في حدود سبعة وثمانين وستمائة، وروى عن جلّة من أهل المشرق، كالإمام تقي الدين بن دقيق العيد، والحافظ أبي محمد عبد المؤمن الدّمياطي، وشمس الدين المصنّف أبي عبد الله بن عبد السلام. وأجازه من أهل المغرب شيخ الجماعة بالأندلس أبو جعفر بن الزبير، والقاضي ابن أبي الأحوص، والخطيب أبو الحسن بن فضيلة، والأستاذ أبو الحسن ابن الصّائغ الإشبيلي، وأبو جعفر الطّباع، وغيرهم. تواليفه: ألّف كتابا سماه ب «المنهاج، في ترتيب مسائل الفقيه المشاور أبي عبد الله ابن الحاج» . مولده: ولد بغرناطة في حدود ستين وستمائة. وفاته: توفي بغرناطة يوم عاشوراء من عام أحد وثلاثين وسبعمائة. عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن بن محمد بن عبد الله ابن أبي زمنين المرّي يكنى أبا خالد. حاله: كان فقيها جليلا، وولّي القضاء ببعض جهات غرناطة. مشيخته: أخذ الفقه عن أبي جعفر بن هلال، وأبي محمد بن سماك القاضي. والعربية عن الخضر بن رضوان العبدري. والحديث عن الحافظ أبي بكر بن غالب بن عبد الرحمن بن عطية، والإمام أبي الحسن علي بن أحمد، والقاضي أبي الفضل عياض بن موسى بن عياض أيام قضائه بغرناطة. مولده: ولد سنة سبع وتسعين وأربعمائة. وفاته: توفي في ذي قعدة سنة أربع وأربعين وخمسمائة. عبد الله بن يحيى بن محمد بن أحمد بن زكريا بن عيسى ابن محمد بن يحيى بن زكريا الأنصاري «1» يكنى أبا محمد، من أهل غرناطة، شرقي الأصل، مرسيّه، من بيوتاته النّبيهة، وقد مرّ ذكر أخيه. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 315 حاله: كان» على طريقة حسنة من دمائة الأخلاق، وسلامة السّجيّة، والتزام الحشمة، والاشتغال بما يعني. ولّي القضاء دون العشرين سنة، وتصرّف فيه عمره بالجهات الأندلسية، فأظهر فيه عدلا ونزاهة، ولم يختلف عليه اثنان مدة حياته من أهل المعرفة بالأحكام، والتّقدّم في عقد الشّروط، وصناعة الفرائض، علما وعملا، ثاقب الذهن، نافذا في صنعة العدد. مشيخته: قرأ «2» على أبيه القاضي أبي بكر بن زكريا، وله رواية عالية من أعلام من أهل المشرق والمغرب. وقرأ على أبي الحسن بن فضيلة الوليّ الصالح، والقاضي أبي عبد الله بن هشام الألشي، والأستاذ أبي جعفر بن الزبير، والحاج أبي محمد بن جابر، وأبي بكر القللوسي. وقرأ العدد وما أشبهه على الأستاذ التّعاليمي أبي عبد الله الرقّام، ولازمه، وأجازه طائفة كبيرة. أخبرني ولده الفاضل أبو بكر، قال: ورد سؤال من تونس مع تاجر وصل في مركب إلى مدينة المنكّب أيام قضائه بها، في رجل فرّط في إخراج زكاة ماله سنين متعدّدة، سمّيت في السؤال مع نسبة قدر المال، وطلب في السؤال أن يكون عملها بالأربعة الأعداد المتناسبة، إذ عملها بذلك أصعب من عملها بالجبر والمقابلة، فعملها وأخرجها بالعملين، وعبّر عنها بعبارة حسنة، وكتبها في بطاقة بخطّ جميل، فذكر التاجر أنه لم يبق بتونس فقيه إلّا ونسخ منها نسخة واستحسنها. مولده: ولد يوم الخميس السابع عشر «3» لجمادى الآخرة عام خمسة وسبعين وستمائة. وفاته: توفي قاضيا ببسطة في التاسع عشر من رمضان عام خمسة وأربعين وسبعمائة. عبد الله بن محمد بن أحمد بن محمد بن عبد الملك ابن أبي جمرة الأزدي من أهل مرسية، نزيل غرناطة، يكنى أبا محمد، وبيته بمرسية من أعلام بيوتاتها، شهير التّعيّن والأصالة، ينكح «4» فيه الأمراء. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 316 حاله: كان من أعلام وقته فضلا وعدالة وصلاحا ووقارا، طاهر النشأة، عفّ الطّعمة، كثير الحياء، مليح التّخلّق. نشأ بمرسية، ثم انتقل إلى غرناطة فتولّى القضاء ببيرة وجهاتها، ثم جاز إلى سبتة، وانعقدت بينه وبين رؤسائها المصاهرة في بعض بناته. ثم آب إلى غرناطة عند رجوع إيالة سبتة إلى أميرها، فتقدّم خطيبا بها. مشيخته: روى بالإجازة عن الخطيب الحافظ أبي الرّبيع بن سالم وأمثاله. وفاته: الغريبة المستحسنة، قال بعض شيوخنا: كنت أسمعه عند سجوده وتبتّله وضراعته إلى الله يقول: اللهم، أمتني ميتة حسنة، ويكرّر ذلك. فأجاب الله دعاءه، وتوفّاه على أتمّ وجوه التّأنيب طهارة وخشوعا وخضوعا وتأهّبا، وزمانا ومكانا، عندما صعد أوّل درج من أدراج المنبر، يوم الجمعة الثالث والعشرين لشوال من عام أحد عشر وسبعمائة، فكان يوما مشهودا لا عهد بمثله، ما رئي أكثر باكيا منه، وأكثر الناس من الثناء عليه. عبد الله بن سليمان بن داود بن عبد الرحمن بن سليمان ابن عمر بن حوط الله الأنصاري الحارثي الأزدي «1» يكنى أبا محمد. حاله: من «الصّلة» : قال «2» : القاضي المحدّث الجليل العالم، كان فقيها جليلا أصوليا، نحويا، كاتبا، أديبا، شاعرا، متفنّنا في العلوم، ورعا، ديّنا، حافظا، ثبتا، فاضلا. وكان يدرّس كتاب سيبويه، ومستصفى أبي حامد «3» ، ويميل إلى الاجتهاد في نظره، ويغلّب طريقة الظّاهرية «4» ، مشهورا بالعقل والفضل، معظّما، عند الملوك، معلوم القدر لديهم، يخطب في مجالس الأمراء والمحافل الجمهورية، مقدّما في ذلك، بلاغة وفصاحة إلى أبعد مضمار. ولملوك الموحّدين به اعتناء كبير. وهو كان أستاذ الناصر «5» وإخوته، وكان له عند المنصور والدهم، بذلك أكرم أثرة، مع ما كان مشهورا به من العلم والدّين والفضل. ولّي القضاء بإشبيلية وقرطبة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 317 ومرسية وسبتة وسلا وميورقة، فتظاهر بالعدل، وعرف بما أبطن من الدين والفضل، وكان من العلماء العاملين، سنّيّا، مجانبا لأهل البدع والأهواء، بارع الخطّ، حسن التّقييد. مشيخته: تردّد «1» في طلب العلم، فسمع ببلنسية وشاطبة ومرسية وألمرية وقرطبة وإشبيلية ومالقة، وغيرها من البلاد الأندلسية، وتحصّل له سماع جمّ لم يشاركه فيه أحد من أهل المغرب «2» . قرأ القرآن على أبيه، وعلى أبي محمد عبد الصمد الغسّاني، وأخذ عن ابن حميد كتاب سيبويه تفقّها، وعن غيره، وسمع عن ابن بشكوال، وقرأ أكثر من ستّين تأليفا بين كبار وصغار، وكمل له على أبي محمد بن عبد الله، بين قراءة وسماع، نحو من ستة وثلاثين تأليفا، منها الصّحيحان، وأكثر عن ابن حبيش، والسّهيلي، وابن الفخّار وغيرهم. واستيفاء مشيخته يشقّ. شعره: قال الأستاذ: أنشدنيه ابنه أبو القاسم، ونقلت من خطه «3» : [الوافر] أتدري أنّك الخطّاء حقّا ... وأنّك بالذي تدري «4» رهين؟ وتغتاب «5» الألى «6» فعلوا وقالوا ... وذاك الظّنّ والإفك «7» المبين مولده: في محرم سنة ثمان وأربعين وخمسمائة «8» . وفاته: كان آخر عمره قد أعيد إلى مرسية، قصدها من الحضرة، فمات بغرناطة سحر يوم الخميس الثاني لربيع الأول اثنتي عشرة وستمائة، ونقل منها في تابوته الذي ألحد فيه، يوم السبت التاسع عشر لشعبان من السنة إلى مالقة، فدفن بها. عبد الله بن يحيى بن عبد الرحمن بن أحمد ابن عبد الرحمن بن ربيع الأشعري من أهل قرطبة، يكنى أبا القاسم، ويعرف بابن ربيع. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 318 حاله: كان، رحمه الله، أديبا، كاتبا، شاعرا، نحويا، فقيها أصوليّا، مشاركا في علوم، محبّا في القراءة، وطيّا عند المناطرة، متناصفا، سنيّا، أشعري المذهب والنّسب، مصمّما على طريقة الأشعريّة، ملتزما لمذهب أهل السّنّة المالكي، من بقايا الناس وعليتهم، ومن آخر طلبة الأندلس المشاركين الجلّة، المصمّمين على مذهب أهل السّنة، المنافرين للمذاهب الفلسفية والمبتدعة، والزّيغ. ولّي قضاء مواضع من الأندلس، منها مدينة شريش ورندة ومالقة، وأمّ وخطب بجامعها. ثم ولّي قضاء الجماعة «1» بحضرة غرناطة، وعقد بها مجلسا للإقراء، فانتفع به طلبتها، واستمرّ على ذلك، وكانت ولايته غرناطة نحوا من سبعة أعوام. مشيخته: أخذ عن أبيه أبي عامر وتفقّه به، وعن الخطيب أبي جعفر بن يحيى الحميري، وتلا عليه، وتأدّب به، وعن الأستاذ أبي الحسن بن خروف، وروى مع هؤلاء عن القاضي أبي القاسم بن بقي، وأبي محمد بن حوط الله، وأبي عبد الله بن أصبغ، وغيرهم. وأجاز له الشيخ المسنّ أبو الحسن علي بن أحمد بن علي الغافقي الشّقوري، وله به علوّ، وبالأستاذ الخطيب المسنّ أبي جعفر بن يحيى المتقدم. وفاته: توفي في السابع عشر لشوال سنة ست وستين وستمائة، ولم يخلف بعده مثله، ولا من يقاربه. عبد الله بن إبراهيم بن الزبير بن الحسن ابن الحسين الثقفي العاصمي من ولد عاصم بن مسلم، الداخل في طلعة بلج الملقّب بالعريان، أخو الأستاذ أبي جعفر بن الزبير، شقيقه، يكنى أبا محمد. حاله: كان طبيبا ماهرا، كاتبا شاعرا، ذاكرا للّغة، صنع «2» اليدين، متقدّما في أقرانه نباهة وفصاحة، معدوم النظير في الشجاعة والإقدام، يحضر الغزوات، فارسا وراجلا، ولقي بفحص غرناطة «3» ليلا نصرانيا يتجسّس، فأسره وجرّه، وأدخله البلد، ولم يلتفت إلى ثمنه استكتاما لتلك الفعلة. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 319 مشيخته: أخذ القرآن عن الأستاذ أبي عبد الله بن مستقور، وروى عن أبي يحيى بن عبد الرحيم، وأبي الوليد العطار، وأبي القاسم بن ربيع، وأبي الخطار بن خليل، وأخذ عن أبي عمر بن حوط الله بمالقة، وابن أبي ريحانة. وبسبتة على أبي بكر بن مشليون. وأجاز له أبو بكر بن محرز، وأبو الحسن الشّاري. وأخذ عن الأستاذ الناقد أبي الحسن علي بن محمد الكناني. مولده: ولد بغرناطة لسبع عشرة ليلة خلت من ذي قعدة سنة ثلاث وأربعين وستمائة. وفاته: توفي بها سحر أول يوم من ذي قعدة سنة ثلاث وثمانين وستمائة. عبد الله بن موسى بن عبد الرحمن بن حمّاد الصّنهاجي يكنى أبا يحيى. حاله: طالب نبيل فاضل، ورع زاهد، مؤثر في الدنيا بما تملّكه، تال لكتاب الله في جميع الأوقات. أخباره في الإيثار: وجّه له السيد أبو إسحاق ابن الخليفة أبي يعقوب «1» خمسمائة دنير ليصلح بها من شأنه، فصرف جميعها على أهل السّتر في أقلّ من شهر. ومرّ بفتى في إشبيلية، وأعوان القاضي يحملونه إلى السّجن، وهو يبكي، فسأله، فقال: أنا غريب، وطولبت بخمسين دنيرا، وبيدي عقود، وطولبت بضامن فلم أجده، فقال: له الله، قال: نعم، قال: فدفع له خمسين دنيرا، قال: أشهد لك بها، فضجر وقال: إن الله إذا أعطى عبده شيئا لم يشهد به عليه، وتركه وانصرف لشأنه، وكانت عنده معرفة وأدب. مولده: بغرناطة في سنة إحدى وعشرين وخمسمائة. ومن ترجمة الكتّاب والشعراء بين أصلي وطارىء عبد الله بن إبراهيم بن عبد الله الأزدي «2» من أهل بلّش، يكنى أبا محمد، ويعرف بابن المرابع. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 320 حاله: من نبهاء أدباء البادية، خشن الظاهر، منطو على لوذعيّة متوارية في مظهر جفوة، كثير الانطباع عند الخبرة، قادر على النظم والنثر، متوسّط الطّبقة فيهما، مسترفد بالشعر، سيّال القريحة، مرهوب الهجاء، مشهور المكان ببلده، يعيش من الخدم المخزنيّة، بين خارص وشاهد، وجدّ بذلك وقته، يوسّط رقاعته، فتنجح الوسيلة، ويتمشّى له بين الرّضا والسّخط الغرض. وجرى ذكره في «التاج» بما نصّه «1» : «طويل القوادم والخوافي، كلف على كبر سنّه بعقائل القوافي، شاب في الأدب وشبّ، ونشق ريح البيان لمّا هبّ، فحاول رفيعه «2» وجزله، وأجاد جدّه، وأحكم هزله. فإن مدح صدح، وإن وصف أنصف، وإن عصف قصف، وإن أنشأ ودوّن، وتقلّب في أفانين البلاغة وتلوّن، أفسد ما شاء الله وكوّن، فهو شيخ الطريقة الأدبيّة وفتاها، وخطيب حفلها كلّما أتاها، لا يتوقّف عليه من أغراضها غرض، ولا يضيع لديه منها مفترض. ولم تزل بروقه تتألّق، ومعانيه بأذيال الإحسان تتعلّق، حتى برّز في أبطال الكلام وفرسانه، وذعرت القلوب لسطوة «3» لسانه، وألقت إليه الصّناعة زمامها، ووقفت عليه أحكامها. وعبر البحر منتجعا بسعره «4» ، ومنفقا في سوق الكساد من شعره «5» ، فأبرق وأرعد، وحذّر وتوعّد «6» ، وبلغ جهد إمكانه، في التّعريف بمكانه، فما حرّك ولا هزّ، وذلّ في طلب الرّفد وقد عزّ، وما برح أن رجع إلى وطنه الذي اعتاده، رجوع الحديث إلى قتاده. شعره: قال في «التاج» : وقد أثبتّ من نزعاته، وبعض مخترعاته، ما يدلّ على سعة باعه، ونهضة ذراعه. فمن النسيب قوله «7» : [البسيط] ما للمحبّ دواء يذهب الألما ... عنه سوى لمم فيه ارتشاف لمى ولا يردّ عليه نوم مقلته ... إلّا الدّنوّ إلى من شفّه سقما يا حاكما والهوى فينا يؤيّده ... هواك فيّ بما ترضاه قد حكما أشغلتني بك شغلا شاغلا فلم «8» ... تناسى، فديتك، عنّي بعد ذاك لما؟ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 321 ملكت روحي فأرفق قد علمت بما ... يلقى ولا حجّة تبقى لمن علما ما غبت عنّي إلّا غاب عن بصري ... بدرا إذا لاح يجلي نوره الظّلما ما لحت لي فدنا طرفي لغيرك يا ... مولى لحا فيه جفني النوم قد حرما طوعا لطيعك لا أعصيك فافض بما ... ترضاه أرضى بما ترضى ولا جرما إنّ الهوى يقتضي ذلّا لغيرك لو ... أفادني فيك قربا يبرّد الألما سلمت من كل عيب يا محمد لا ... كن قلب صبّك من عينيك ما سلما ومن مخاطباته الأدبية، ما كتب به إلى شيخ الصّوفية ببلده مع طالع من ولده: [الطويل] مماليكم قد زاد فيكم مرابع ... من الأفق الكوني باليمن طالع بأنواركم يهدى إلى سبل الهدى ... ويسمو لما تسمو إليه المطالع فواسوه منكم بالدّعاء فإنه ... مجاب بفضل الله للخلق نافع أفاض عليه الله من بركاتكم ... وأبقاكم ذو العرش ما جنّ ساجع فوقّع له الشيخ المخاطب بها، أبو جعفر بن الزيات، رحمه الله، بما نصّه: [الطويل] عسى الله يؤتيه من العلم حصّة ... تصوّب على الألباب منها ينابع ويجعله طرفا لكلّ سجيّة ... مطهّرة للناس فيها منافع ويلحقه في الصالحات بجدّه ... فيثني عليه الكلّ دان وشاسع وذو العرش جلّ أسما عميم نواله ... وخير الورى في نصّ ما قلت شافع فما أنت دوني يا أباه مهنّأ ... به فالسرور الكلّ بابنك جامع وله يستدعي إلى الباكور: [الوافر] بدار بدار قد آن البدار ... إلى أكواس باكور تدار تبدّت رافلات في مسوح ... له لون الدّياجي مستعار وقد رقمت بياضا في سواد ... كأنّ الليل خالطه النّهار وقد نضجت وما طبخت بنار ... وهل يحتاج للباكور نار؟ ولا تحتاج مضغا لا وليس ... عجيب لا يشقّ له غبار فقل للخلق قل للضّرس دعني ... ففي البلع اكتفاء واقتصار الجزء: 3 ¦ الصفحة: 322 وممّا وقع له أثناء مقامات تشهد باقتداره، مقطوعة سهلة وهي «1» : [المتقارب] رعى الله عهدا حوى ما حوى ... لأهل الوداد وأهل الهوى أراهم أمورا حلا وردها ... وأعطاهم السؤل كيف نوى «2» ولمّا حلا الوصل صالوا له ... وراموه مأوى وماء روى «3» وأوردهم سر أسرارهم ... وردّ إلى كلّ داء دوا «4» وما أمل طال إلّا وهى ... ولا آمل «5» صال إلّا هوى وقال يرثي ديكا فقده، ويصف الوجد الذي وجده، ويبكي من عدم أذانه، إلى غير ذلك من مستطرف شانه «6» : [البسيط] أودى به الحتف لمّا جاءه الأجل ... ديكا فلا عوض منه ولا بدل قد كان لي أمل في أن يعيش فلم ... يثبت مع الحتف في بغيا لها «7» أمل فقدته فلعمري إنها عظة ... وبالمواعظ تذري دمعها المقل كأنّ مطرف وشي فوق ملبسه ... عليه من كلّ حسن باهر حلل كأنّ إكليل كسرى فوق مفرقه ... وتاجه فهو عالي الشّكل محتفل مؤقّت لم يكن يحزى «8» له خطأ ... فيما يرتّب من ورد ولا خطل «9» كأنّ زرقيل «10» فيما مرّ علّمه ... علم المواقيت فيما «11» رتّب الأول الجزء: 3 ¦ الصفحة: 323 يرحّل الليل يحيى بالصراخ فما ... يصدّه كلل عنه ولا ملل رأيته قد وهت «1» منه القوى فهوى ... للأرض فعلا يريه الشّارب الثّمل لو يفتدى بديوك الأرض قلّ له ... ذاك الفداء «2» ولكن فاجأ الأجل قالوا الدّواء فلم يغن الدّواء «3» ولم ... ينفعه من ذاك ما قالوا وما فعلوا أمّلت فيه ثوابا أجر محتسب ... إن قلت «4» ذلك «5» صحّ القول والعمل وأمره السلطان أبو عبد الله سادس الملوك النّصريين في بعض أسفاره، وقد نظر إلى شلير «6» ، وتردّى بالثلج وتعمّم، وكمل ما أراد من بزّته وتمّم، أن ينظم أبياتا في وصفه، فقال بديهة «7» : [الطويل] وشيخ جليل القدر قد طال عمره ... وما عنده علم بطول ولا قصر عليه لباس أبيض باهر السّنا ... وليس بثوب أحكمته يد البشر وطورا «8» تراه كلّه كاسيا به ... وكسوته فيها لأهل النّهى عبر وطورا تراه عاريا ليس يشتكي «9» ... لحرّ «10» ولا برد من الشمس والقمر وكم مرّت الأيام وهو كما ترى ... على حاله لم يشك ضعفا ولا كبر فذاك «11» شلير شيخ غرناطة التي ... لبهجتها في الأرض ذكر قد انتشر «12» بها ملك سامي المراقي أطاعه ... كبار ملوك الأرض في حالة الصّغر تولّاه ربّ العرش منه بعصمة ... تقيه مدى الأيام من كلّ ما ضرر نثره: ونثره كثير ما بين مخاطبات، وخطب، ومقطعات، ولعب، وزرديّات شأنها عجب. فمن ذلك ما خاطب به الرئيس أبا سعيد بن نصر يستجدي أضحية: الجزء: 3 ¦ الصفحة: 324 يقول شاكر الأيادي: وذاكر فخر كل نادي، وناشر غرر الغرر للعاكف والبادي، والرائح والغادي، اسمعوا مني حديثا تلذّة الأسماع، ويستطرفه الاستماع، ويشهد بحسنه الإجماع، ويجب عليه الاجتماع، وهو من الأحاديث التي لم تتفق إلّا لمثلي، ولا ذكرت عن أحد قبلي، وذلك يا معشر الألبّاء، والخلصاء الأحبّاء، أني دخلت في هذه الأيام داري، في بعض أدواري، لأقضي من أخذ الغذاء أوطاري، على حسب أطواري، فقالت لي ربّة البيت: لم جئت، وبما أتيت؟ قلت: جئت لكذا وكذا، فهات الغذا، فقالت: لا غذا لك عندي اليوم، ولو أودى بك الصّوم، حتى تسل الاستخارة، وتفعل كما فعل زوج الجارة، طيّب الله نجاره، وملأ بالأرزاق وجاره. قلت: وما فعل قريني، وأرني من العلامة ما أحببت أن تريني. قالت: إنه فكّر في العيد، ونظر في أسباب التّعييد، وفعل في ذلك ما يستحسنه القريب والبعيد، وأنت قد نسيت ذكره ومحوته من بالك، ولم تنظر إليه نظرة بعين اهتبالك، وعيد الأضحى في اليد، والنّظر في شراء الأضحية اليوم أوفق من الغد. قلت: صدقت، وبالحقّ نطقت، بارك الله فيك، وشكر جميل تحفّيك، فلقد نبّهت بعلك لإقامة السّنة، ورفعت عنه من الغفلة منّة. والآن أسير لأبحث عمّا ذكرت، وأنظر في إحضار ما إليه أشرت، ويتأتّى ذلك إن شاء الله بسعدك، وتنالين فيه من بلوغ الأمر غاية قصدك، والجدّ ليس من الهزل، والأضحية للمرأة وللرجل الغزل. قالت: دعني من الخرافات، وأخبار الزّرافات، فإنّك حلو اللسان، قليل الإحسان، تخذت الغربة صحبتك إلى ساسان، فتهاونت بالنّساء، وأسأت فيمن أساء، وعوّدت أكل خبزك في غير منديل، وإيقاد الفتيل دون قنديل، وسكنى الخان، وعدم ارتفاع الدّخان، فما تقيم موسما، ولا تعرف له ميسما، وأخذت معي في ذلك بطويل وعريض، وكلانا في طرفي نقيض، إلى أن قلت لها: إزارك وردائي، فقد تفاقم بك أمر دائي، وما أظنّك إلّا بعض أعدائي، قالت: ما لك والإزار، شطّ بك المزار؟ لعلك تريد إرهانه في الأضحية والأبزار، اخرج عني يا مقيت، لا عمرت معك ولا بقيت، أو عدمت الدّين، وأخذ الورق بالعين. يلزمني صوم سنة، لا أغفيت معك سنة، إلّا إن رجعت بمثل ما رجع به زوج جارتي، وأرى لك الرّبح في تجارتي. فقمت عنها وقد لوت رأسها وولولت، وابتدرت وهرولت، وجالت في العتاب وصوّلت، وضمّت بنتها وولدها، وقامت باللّجج والانتصار بالحجج أودها، فلم يسعني إلّا أن عدوت أطوف السّكك والشوارع، وأبادر لما غدوت بسبيله وأسارع، وأجوب الآفاق، وأسأل الرّفاق، وأخترق الأسواق، وأقتحم زريبة بعد زريبة، وأختبر منها البعيدة والقريبة، فما استرخصته استنقصته، وما استغليته استعليته، وما وافق غرضي، اعترضني دونه عدم عرضي، حتى انقضى ثلثا يومي، وقد عييت بدوراني وهومي، وأنا لم أتحصل من الجزء: 3 ¦ الصفحة: 325 الابتياع على فائدة، ولا عادت عليّ فيه من قضاء الأرب عائدة، فأومأت الإياب، وأنا أجد من خوفها ما يجد صغار الغنم من الذّئاب، إلى أن مررت بقصّاب يقصب في مجزره، قد شدّ في وسطه مئزره، وقصّر أثوابه حتى كشف عن ساقيه، وشمّر عن ساعديه حتى أبدى مرفقيه، وبين يديه عنز قد شدّ يديه في رقبته وهو يجذبه فيبرك، ويجرّه فما يتحرّك، ويروم سيره فيرجع القهقرى، ويعود إلى ورا، والقصاب يشدّ على إزاره، خيفة من فراره، وهو يقول: اقتله من جان باغ، وشيطان طاغ، ما أشدّه، وما ألذّه وما أصدّه، وما أجدّه، وما أكثره بشحم، وما أطيبه بلحم، الطّلاق يلزمه إن كان عاين تيسا مثله، أو أضحية تشبهه قبله، أضحية حفيلة، ومنحة جليلة. هنّأ الله من رزقها، وأخلف عليها رزقها. فاقتحمت المزدحم أنظر مع من نظر، وأختبر فيمن اختبر. وأنا والله لا أعرف في التقليب والتّخمين، ولا أفرّق بين العجف والسّمين، غير أني رأيت صورة دون البغل وفوق الحمار، وهيكلا يخبرك عن صورة العمّار، فقلت للقصّاب: كم طلبك فيه، على أن تمهل الثّمن حتى أوفيه؟ فقال: ابغني فيه أجيرا، وكن له الآن من الذّبح مجيرا، وخذه بما يرضي، لأول التقضّي. قلت: استمع الصوت، ولا تخف الفوت. قال: ابتعه مني نسيّة، وخذه هديّة، قلت: نعم، فشقّ لي الضمير، وعاكسني فيه بالنّقير والقطمير، قال: تضمن لي فيه عشرين دينارا، أقبضها منك لانقضاء الحول دنيّرا دنيّرا، قلت: إنّ هذا لكثير، فاسمح منه بإحاطة اليسير. قال: والذي فلق الحبّة، وبرّأ النّسمة، لا أنقصك من هذا، وما قلت لك سمسمة، اللهمّ إن شئت السّعة في الأجل، فأقضي لك ذلك دون أجل، فجلبني للابتياع منه الإنساء في الأمد، وغلبني بذلك فلم أفتقر منه لرأي والد ولا ولد، ولا أحوجت نفسي في ذلك لمشورة أحد، وقلت: قد اشتريته منك فضع البركة، ليصحّ النّجح في الحركة. فقال: فقيه بارك الله فيه قد بعته لك، فاقبض متاعك، وثبّت ابتياعك، وها هو في قبضك فاشدد وثاقه، وهلمّ لنعقد عليك الوثاقة. فانحدرت معه لدكان التّوثيق، وابتدرت من السّعة إلى الضّيق، وأوثقني بالشادّة تحت عقد وثيق، وحملني من ركوب الدّين ولحاق الشّين في أوعر طريق. ثم قال لي: هذا تيسك فشأنك وإياه، وما أظنّك إلّا تعصياه، وأت بحمّالين أربعة فإنك لا تقدر أن ترفعه، ولا يتأتى لك أن يتبعك ولا أن تتبعه، ولم يبق لك من الكلفة إلّا أن يحصل في محلّك، فيكمل سرور أهلك. وانطلقت للحمّال وقلت: هلم إليّ، وقم الآن بين يديّ، حتى انتهينا إلى مجزرة القصّاب، والعنز يطلب فلا يصاب، فقلت: أين التّيس، يا أبا أويس؟ قال: إنه قد فرّ، ولا أعلم حيث استقرّ. قلت: أتضيع عليّ مالي، لتخيب آمالي، والله لا يحزنك بالعصا، كمن عصا، ولا رفعتك إلى الحكّام، تجري عليك منهم الأحكام. قال: ما لي علم به، ولا بمنقلبه، لعلّه فرّ لأمّه وأبيه، وصاحبته الجزء: 3 ¦ الصفحة: 326 وبنيه، فعليك بالبريح. فاتجهت أنادي بالأسواق، وجيران الزّقاق، من ثقف لي تيسا فله البشارة، بعد ما أتى بالأمارة، وإذا برجل قد خرج من دهليز، وله هدير وهزيز، وهو يقول: من صاحب العنز المشوم؟ لا عدم به الشّوم، إن وقعت عليه عيني، يرتفع الكلام بينه وبيني. قلت: أنا صاحبه فما الذي دهاك منّي، أو بلغك عنّي. قال: إن عنزك حين شرد، خرج مثل الأسد، وأوقع الرّهج في البلد، وأضرّ بكل أحد، ودخل في دهليز الفخّارة فقام فيه وقعد، وكان العمل فيه مطبوخا ونيّا، فلم يترك منه شيا، ومنه كانت معيشتي، وبه استقامت عيشتي، وأنت ضامن مالي، فارتفع معي إلى الوالي، والعنز مع هذا يدور وسط الجمهور، ويكرّ كرّة العفريت المزجور، ويأتي بالكسر على ما بقي في الدّهليز من الطّواجن والقدور، والخلق قد انحسروا للضجيج، وكثر العياط والعجيج، وأنت تعرف عفرطة الباعة، وما يحوون من الوضاعة، وأنا أحاول من أخذه ما أستطيع، وأروم الإطاعة من غير مطيع، والباعة قد أكسبته من الحماقة، ما لم يكن لي به طاقة. ورجل يقول: المحتسب، واعرف ما تكتسب، وإلى من تنتسب، فقد كثر عنده بك التّشكّي، وصاحب الدهليز قبالته يبكي، وقد وجد عنده عليك وجد الشكوى، وأيقن أنك كسرت الدّعوى، وأمر بإحضارك، وهو في انتظارك، فشدّ وسطك، واحفظ إبطك، وإنك تقوم على من فتح باعه للحكم على الباعة ونصب لأرباب البراهين، على أرباب الشّواهين، ورفع على طبقة، ليملأ طبقة، ثم أمسكني باليمين، حتى أوصلني للأمين، فقال لي: أرسلت التّيس للفساد، كأنك في نعم الله من الحسّاد. قلت: إنه شرد، ولم أدر حيث ورد. قال: ولم لا أخذت ميثاقه، ولم تشدّد وثاقه، يا شرطي طرّده، واطرح يدك فيه وجرّده. قلت: أتجرّدني الساعة، ولست من الباعة؟ قال: لا بدّ من ذاك، أو تضمن ما أفسده هناك؟ قلت: الضّمان الضّمان، الأمان الأمان. قال: قد أمّنت، إن ضمنت، وعليك الثّقاف، حتى يقع الإنصاف، أو ضامن كاف، فابتدر أحد إخواني، وبعض جيراني، فأدّى عني ما ظهر بالتّقدير، وآلت الحال للتّكدير. ثم أردت الانصراف بالتّيس، لا كان كيانه، ولا كوّن مكانه، وإذا بالشّرطي قد دار حولي، وقال لي: كلف فعلي بأداء جعلي، فقد عطّلت من أجلك شغلي، فلم يك عندي بما تكسر سورته، ولا بما تطفي جمرته، فاسترهن مئزري في بيته ليأخذ مايته. وتوجّهت لداري، وقد تقدّمت أخباري، وقدمت بغباري، وتغيّر صغاري وكباري، والتّيس على كاهل الحمّال يرغو كالبعير، ويزأر كالأسد إذا فصلت العير، فلقت للحمال: أنزله على مهل، فهلال التّعييد قد استهلّ، فحين طرحه في الأسطوان، كرّ إلى العدوان، وصرخ كالشيطان، وهمّ أن يقفز الحيطان، وعلا فوق الجدار، وأقام الرّهجة في الدار، ولم تبق في الزقاق عجوز إلّا وصلت لتراه، وتسأل عمّا اعتراه، وتقول: بكم اشتراه، والأولاد قد دارت به الجزء: 3 ¦ الصفحة: 327 وأرهقهم لهفه، ودخل قلوبهم خوفه، فابتدرت ربّة البيت، وقالت: كيت وكيت، لا خلّ ولا زيت، ولا حيّ ولا ميت، ولا موسم ولا عيد، ولا قريب ولا بعيد، سقت العفريت إلى المنزل، ورجعت بمعزل، ومن قال لك اشتره، ما لم تره، ومن قال لك سقه، حتى توثّقه، ومتى تفرح زوجتك، والعنز أضحيتك، ومتى تطبخ القدور، وولدك منه معذور، وبأيّ قلب تأكل الشّويّة، ولم تخلص لك فيه النيّة، ولقلّة سعدها، وأخلف وعدها، والله لو كان العنز، يخرج الكنز، ما عمر لي دارا، ولا قرب لي جوارا، اخرج عني يا لكع، فعل الله بك وصنع، وما حبسك عن الكباش السّمان، والضّأن الرّفيعة الأثمان، يا قليل التّحصيل، يا من لا يعرف الخياطة ولا التّفصيل، أدلّك على كبش سمين، واسع الصدر والجبين، أكحل عجيب، أقرن مثل كبش الخطيب، يعبق من أوداكه كلّ طيب، يغلب شحمه على لحمه، ويسيل الودك من عظمه، قد علف بالشّعير، ودبّر عليه أحسن تدبير، لا بالصّغير ولا بالكبير، تصلح منه الألوان، ويستطرف شواه في كل أوان، ويستحسن ثريده وقديده في سائر الأحيان، قلت: بيّني لي قولك، لأتعرّف فعلك، وأين توجد هذه الصّفة، يا قليلة المعرفة. قالت: عند مولانا، وكهفنا ومأوانا، الرئيس الأعلى، الشّهاب الأجلى، القمر الزّاهر، الملك الظّاهر، الذي أعزّ المسلمين بنعمته، وأذلّ المشركين بنقمته. واسترسل في المدح فأطال وفيما ثبت كفاية. وفاته: في كائنة الطاعون ببلده بلّش في أواخر عام خمسين وسبعمائة، ودفن بها. عبد الله بن إبراهيم بن وزمّر الحجاري «1» الصّنهاجي الأديب المصنّف، يكنى أبا محمد. حاله وأوليته: أبوه أديب مدينة الفرج بوادي الحجارة «2» ، المصنّف للمأمون بن ذي النون «3» كتاب «مغنيطاس الأفكار، فيما تحتوي عليه مدينة الفرج من النظم والنثر الجزء: 3 ¦ الصفحة: 328 والأخبار» . وكان أبو محمد هذا ماهرا، كاتبا، شاعرا، رحّالا. سكن مدينة شلب «1» بعد استيلاء العدو على بلاده بالثّغر. وله «2» في التّحوّل أشعار وأخبار. قدم غرناطة وقصد عبد الملك بن سعيد، صاحب القلعة «3» من بنيّاتها، واستأذن عليه في زيّ موحش، واستخفّ به القاعدون ببابه، إلى أن لاطف بعضهم، وسأله أن يعرّف به القائد، فلما بلّغ عنه، أمر بإدخاله، فأنشده قصيدة مطلعها «4» : [الوافر] عليك أحالني الذّكر الجميل ... فجئت ومن ثنائك لي دليل «5» أتيت ولم أقدّم من رسول ... لأنّ القلب كان هو الرّسول منها في وصف زيّه البدوي المستقل وما في طيّه: ومثّلني بدنّ فيه خمر «6» ... يخفّ بها «7» ومنظره ثقيل فأكرم نزله، وأحسن إليه، وأقام عنده سنة، حتى ألّف بالقلعة كتاب «المسهب، في غرائب «8» المغرب» ، وفيه التّنبيه على الحلى البلادية والعبّادية. وانصرف إلى قصد ابن هود بروطة، بعد أن عذله عن التّحوّل عنه، فقال: النّفس توّاقة، وما لي بالتّغرّب طاقة، ثم أفكر وقال: [الطويل] يقولون لي: ماذا الملال تقيم في ... محلّ فعند الأنس تذهب راحلا فقلت لهم: مثل الحمام إذا شدا ... على غصن أمسى بآخر نازلا نكبته: قال علي بن موسى بن سعيد «9» : ولمّا قصد الحجاري روطة، وحلّ لدى أميرها المستنصر بن عماد الدولة بن هود «10» ، وتحرّك لغزو من قصده من الجزء: 3 ¦ الصفحة: 329 البشكنس، فهزم جيشه، كان «1» الحجاري أحد من أسر في تلك الوقيعة، فاستقرّ ببسقاية «2» ، وبقي بها مدّة، يحرّك ابن هود بالأشعار ويحثّه على خلاصه من الإسار، فلم يجد عنده ذمامة، ولا تحرّك له اهتمامه، فخاطب عبد الملك بن سعيد بقوله: [السريع] أصبحت في بسقاية مسلما ... إلى الأعادي لا أرى مسلما مكلّفا ما ليس في طاقتي ... مصفّدا منتهرا مرغما أطلب بالخدمة، وا حسرتي! ... وحالتي تقضي بأن أخدما فهل كريم يرتجى للأسير ... يفكّه، أكرم به منتمى وقوله: [الخفيف] أرئيس الزمان أغفلت أمري ... وتلذّذت تاركا لي بأسر؟ ما كذا يعمل الكرام ولكن ... قد جرى على المعوّد دهري فاجتهد في فدائه، ولم يمرّ شهر إلّا وقد تخلص من أسره، واستقرّ لديه، فكان طليق آل سعيد، وفيهم يقول «3» : وجدنا سعيدا منجبا خير عصبة ... هم في بني أعصارهم «4» كالمواسم مشنّفة أسماعهم بمدائح «5» ... مسوّرة أيمانهم بالصّوارم فكم لهم في الحرب من فضل ناثر! ... وكم لهم في السّلم من فضل ناظم تواليفه: وتواليف الحجاري بديعة، منها «الحديقة» في البديع، وهو كتاب مشهور، ومنها «المسهب في غرائب المغرب» ، وافتتح خطبته بقوله: «الحمد لله الذي جعل العباد، من البلاد بمنزلة الأرواح من الأجساد، والأسياف من الأغماد» . وهو في ستة مجلدات. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 330 عبد الله بن محمد بن عبد الله بن سعيد بن عبد الله ابن سعيد بن الخطيب السّلماني «1» يكنى أبا محمد. أوّليّته: تنظر في اسم جدّه. حاله: حسن «2» الشّكل، جيّد الفهم، يغطّي منه رماد السّكون جمرة حركة، منقبض عن الناس، قليل البشاشة، حسن الخطّ، وسط النّظم. كتب عن الأمراء بالمغرب، وأنشدهم، واقتضى «3» خلعهم وصكوكهم بالإقطاع والإحسان. ثم لما كانت الفتنة كتب عن سلطان وطنه، معزّز الخطّة بالقيادة، وأنشدهم. مشيخته: قرأ «4» على قاضي الجماعة، الشيخ «5» الأستاذ الخطيب أبي القاسم الحسني، والأستاذ «6» الخطيب أبي سعيد فرج بن لب التّغلبي، واستظهر بعض «7» المبادىء في العربية، واستجيز له من أدركه ميلاده من أهل المشرق والمغرب. شعره: وشعره «8» مترفّع عن الوسط إلى الإجادة، بما يكفله «9» عذر الحداثة. وقد ثبت في اسم السلطان لهذا العهد، أبي عبد الله بن نصر «10» ، أيّده الله، ما يدلّ على جودة قريحته، وذكاء طبعه. وممّا دوّن الذي ثبت له حيث ذكر قوله «11» : لمن طلل بالرّقمتين محيل ... عفت دمنتيه شمأل وقبول «12» يلوح كباقي الوشم غيّره البلى ... وجادت عليه السّحب وهي همول «13» الجزء: 3 ¦ الصفحة: 331 فيا سعد، مهلا بالرّكاب لعلّنا ... نسائل ربعا فالمحبّ سؤول قف العيس ننظر نظرة تذهب الأسى ... ويشفى بها بين الضّلوع غليل وعرّج على الوادي المقدّس بالحمى «1» ... فطاب لديه مربع ومقيل فيا حبّذا تلك الديار وحبّذا ... حديث بها للعاشقين طويل دعوت لها سقي الحمى عندما سرى «2» ... وميض وعرف للنسيم عليل وأرسلت دمعي للغمام مساجلا ... فسال على الخدّين منه مسيل فأصبح ذاك الرّبع من بعد محله ... رياضا بها الغصن المروح يميل لئن حال رسم الدار عمّا عهدته ... فعهد الهوى في القلب ليس يحول «3» وممّا شجاني بعد ما سكن الهوى ... بكاء حمامات لهنّ هديل توسّدن فرع البان والنّجم مائل ... وقد آن من جيش الظلام رحيل فيا صاحبي، دع عنك لومي فإنّه ... كلام على سمع المحبّ ثقيل تقول اصطبارا عن معاهدك الألى ... وهيهات صبري ما إليه سبيل فلله عينا من رآني وللأسى ... غداة استقلّت بالخليط حمول يطاول ليل التّمّ مني مسهّد ... وقد بان عنّي منزل وخليل فياليت شعري هل يعودنّ ما مضى؟ ... وهل يسمحنّ الدهر وهو بخيل؟ نثره: أجابني لما خاطبت الجملة من الكتّاب، والسلطان، رضي الله عنه، بالمنكّب، في رحلة أعملها بما نصّه: «لله من فذّة المعاني، حيث مشوق الفؤاد عاني، لما أنارت بها المغاني، غنين عن مطّرب الأغاني، يا صاحب الإذعان، أجب بالله من دعاني، إذا صرت من كثرة الأماني، بالشوق والوجد مثل ماني. وردت سحّات سيدي التي أنشأت لغمام الرحمة عند اشتداد الأزمة رياحا، وملأت العيون محاسنا والصّدور انشراحا، وأصبح رحيب قرطاسها وعميم فضلها ونوالها وأيناسها لفرسان البلاغة مغدى ومراحا. فلم أدر أصحيفة نسخت مسطورة، أم روضة نفحت ممطورة، أطيب من المسك منتشقا، وأحسن من السلك متّسقا، فملّكتها مقادة خاطري، وأودعتها سواد قلبي وناظري، وطلعت عليّ طلوع الصّبح على عقب السّري، وخلصت خلوص الخيال مع سنة الكرى. فلله ما جلبت من أنس، وأذهبت لطائفة الشيطان من مسّ، وهاجت من الجزء: 3 ¦ الصفحة: 332 الشوق، الذي شبّ عمره عن الطّوق، والوجد الذي أصبح واري الزّند. فأقسم بباري النّسم، وواهب الحظوظ والقسم، لو أعطيت للنّفس مقادتها، وسوّغتها إرادتها، ما قنعت بنيابة القرطاس والمداد، عن مباشرة الأرواح والأجساد، وإن أعرضت عقبة للشّعير ورأس المزاد، وشمخ بأنفه وزاد، وما بين ذلك من علم باذخ، وطود شامخ، قد أذكرت العقاب عقابه، وصافحت النجوم هضابه، قد طمح بطرفه، وشمخ بأنفه، وسال الوقار على عطفه: [الكامل] ملكت عنان الرّيح راحته ... فجيادها من تحته تجري وأما الحمل الهائج، والبحر المتمايج، والطّلل المائل، والذّنب الشّائل، فمساجلة مولاي في ذلك المجال، من المحال، إذ العبد قصاراه ألفاظ مركّبة، غير مرتّبة: [الخفيف] هو جهد المقلّ وافاك منّي ... إنّ جهد المقلّ غير قليل وأقرأ على مولاي، أبقاه الله، سلاما عميما، تنسّم روضه نسيما، ورفّ نظره وعبق شميما، والأوفر الأذكى منه عليه معادا، ما سحّ السّحاب إرعادا، وأبرق الغمام رعدا والحسام أبعادا، ورحمة الله وبركاته. من عبده الشّبق لوجهه، عبد الله بن الخطيب، في الخامس عشر لجمادى الأولى عام تسعة وستين وسبعمائة. مولده: بحضرة غرناطة، يوم السبت سابع عشر صفر عام ثلاثة وأربعين وسبعمائة. عبد الله بن محمد بن سارة البكري «1» شنتريني «2» ، سكن ألمرية وغرناطة، وتردّد مادحا ومنتجعا شرقا ومغربا، ويضرب في كثير من البلاد. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 333 حاله: كان ذا حظّ صالح من النحو واللغة، وحفظ الأشعار، أديبا ماهرا، شاعرا مجيدا، مطبوع الاختراع والتّوليد. تجوّل في شرق الأندلس وغربها معلّما للنحو، ومادحا ولاتها، وكتب عن بعضهم، وتعيّش بالوراقة زمانا، وكان حسن الخطّ، جيّد النقل والضّبط. مشيخته: روى عن أبي الحسن بن الأخضر. من روى عنه: روى عنه أبو بكر بن مسعود، وأبو جعفر بن الباذش، وأبو عثمان بن هارون، وأبو الطاهر التّميمي، وأبو العباس بن علي اللص، وأبو العلاء بن الجنّان، وأبو محمد بن يوسف القضاعي، وإبراهيم بن محمد السّبتي. شعره: وشعره كثير جيد شهير. منه في حرفة الوراقة قوله «1» : [الكامل] أمّا الوراقة فهي أيكة «2» حرفة ... أغصانها «3» وثمارها الحرمان شبّهت صاحبها بإبرة «4» خائط ... يكسو «5» العراة وظهره عريان وقال في نجم الرّحيم، وهو من التّشبيه العقيم «6» : [البسيط] وكوكب أبصر العفريت مسترقا ... فانقضّ «7» يذكي «8» سريعا خلفه لهبه كفارس حلّ إحصار «9» عمامته ... فجرّها «10» كلّها من خلفه عذبه وقال منه في المواعظ «11» : [البسيط] يا من يصيخ إلى داعي السّفاه «12» وقد ... نادى به النّاعيان: الشّيب والكبر إن كنت لا تسمع الذّكرى ففيم ثوى «13» ... في رأسك الواعيان: السّمع والبصر؟ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 334 ليس الأصمّ ولا الأعمى سوى رجل ... لم يهده الهاديان: العين والأثر لا الدهر يبقى على حال «1» ولا الفلك ال ... أعلى ولا النّيّران: الشمس والقمر لأرحلنّ «2» عن الدنيا ولو كرها «3» ... فراقها الثاويان: البدو والحضر وقال في موت ابنة له «4» : [الوافر] ألا يا موت، كنت بنا رؤوفا ... فجدّدت السّرور «5» لنا بزوره حمدنا «6» سعيك المشكور لمّا ... كفيت «7» مؤنة وسترت عوره فأنكحنا الضّريح بلا صداق ... وجهّزنا العروس «8» بغير شوره وفاته: توفي عبد الله بن سارة سنة تسع عشرة وخمسمائة «9» . عبد الله بن محمد الشرّاط «10» يكنى أبا محمد، من أهل مالقة. حاله: طالب جليل، ذكي، مدرك، ظريف، كثير الصّلف والختروانة «11» والإزراء بمن دونه، حادّ النّادرة، مرسل عنان الدّعابة، شاعر مكثر، يقوم على الأدب والعربية، وله تقدّم في الحساب، والبرهان على مسائله. استدعي إلى الكتابة بالباب السلطاني، واختصّ بولي العهد، ونيط به من العمل، وظيف نبيه، وكاد ينمو عشبه ويتأشّب «12» جاهه، لو أن الليالي أمهلته، فاعتبط لأمد قريب من ظهوره، وكانت بينه وبين الوزير أبي عبد الله بن الحكيم، إحنة، تخلّصه الحمام لأجلها، من كفّ انتقامه. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 335 شعره: وشعره كثير، لكني لم أظفر منه إلّا باليسير. نقلت من خطّ صاحبنا القاضي المؤرخ أبي الحسن بن الحسن، من نظم أبي محمد الشراط، في معنى كان أدباء عصره قد كلفوا بالنظم فيه، يظهر من هذه الأبيات في شمعة: [الوافر] وكنت ألفت قبل اليوم إلفا ... أنادي مرة فيجيب ألفا وكنّا مثل وصل العهد وصلا ... وكنّا مثل وصف الشّهد وصفا ففرّق بيننا صرف الليالي ... وسوّغنا كؤوس البين صرفا فصرت غداة يوم البين شمعا ... وسار فصار كالعسل المصفّا فدمعي لا يتم أسى وجسمي ... يغص بنار وجدي ليس يطفا ثم في المعنى أيضا «1» : [البسيط] حالي وحالك أضحت آية عجبا ... إن كنت مغتربا «2» أو كنت مقتربا «3» إذا دنوت فإني مشعر طربا ... وإن نأيت فإني مشعل لهبا كذاك الشّمع لا تنفكّ «4» حالته ... إلّا إلى الناس مهما فارق الضّربا ومن ذلك أيضا: [الطويل] رحلتم وخلّفتم مشوفكم نسيا ... رهين هيام لا يموت ولا يحيا فضاقت عليّ الأرض واعتاص مذهبي ... وما زلت في قومي ولا ضاقت الدنيا وما باختيار شتّت الدهر بيننا ... وهل يملك الإنسان من أمره شيّا؟ فذا أضلعي لم تخب من أجلكم جوى ... وذا أدمعي لم تأل من بعدكم جريا كأنّني شمع في فؤاد وأدمع ... وقد فارقت من وصلكم ريّا وذكر لي أن هذا صدر عنه في مجلس أنس مع الوزير أبي عبد الله بن عيسى بمالقة، بحضرة طائفة من ظرفاء الأدباء. وفاته: كان حيّا سنة سبعمائة، وتوفي بغرناطة، وهو على حاله من الكتابة، رحمه الله. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 336 عبد الله بن يوسف بن رضوان بن يوسف ابن رضوان النّجاري «1» يكنى أبا القاسم، ويعرف باسم جدّه، من أهل مالقة، وصاحب القلم الأعلى لهذا العهد بالمغرب. حاله: هذا الفاضل نسيج وحده، فهما وانطباعا، ولوذعيّة، مع الدّين والصّون، معمّ، مخول في الخير، مستول على خصال حميدة، من خطّ وأدب وحفظ، مشارك في معارف جملة. كتب ببلده عدلا رضى، وأنشد السلطان عند حلوله ببلده. ورحل عن بلده إلى المغرب، فارتسم في كتابة الإنشاء بالباب السلطاني، ثم بان فضله، ونبه قدره، ولطف محلّه، وعاد إلى الأندلس، لما جرت على سلطانه الهزيمة بالقيروان، ولم ينتشله الدهر بعدها مع جملة من خواصّه. فلمّا استأثر الله بالسلطان المذكور، موسوم التّمحيص، وصيّر أمره إلى ولده بعده، جنح إليه، ولحق ببابه، مقترن الوفادة، بيمن الطّائر، وسعادة النّصبة، مظنّة الاصطناع، فحصل على الحظوة، وأصبح في الأمد القريب، محلا للبثّ وجليسا في الخلوة، ومؤتمنا على خطّة العلامة «2» ، من رجل ناهض بالكلّ، جلد على العمل، حذر من الذّكر، متقلّص ذيل الجاه، متهيّب، غزير المشاركة، مطفّف في حقوق الدّول عند انخفاض الأسعار، جالب لسوق الملك ما ينفق فيها، حارّ النّادرة، مليح التّندير، حلو الفكاهة، غزل مع العفة، حافظ للعيون، مقدّم في باب التّحسين والتنقيح، لم ينشب الملك أن أنس منه بهذه الحال، فشدّ عليه يد الغبطة، وأنشب فيه براثن الأثرة، ورمى إليه بمقاليد الخدمة، فسما مكانه، وعلا كعبه، ونما عشّه. وهو الآن بحاله الموصوفة، من مفاخر قطره، ومناقب وطنه، كثّر الله مثله. مشيخته: قرأ ببلده على المقرئ أبي محمد بن أيوب، والمقرئ الصالح أبي عبد الله المهندس، والأستاذ أبي عبد الله بن أبي الجيش، والقاضي أبي جعفر بن عبد الحق. وروى عن الخطيب المحدّث أبي جعفر الطّنجالي، والقاضي أبي الجزء: 3 ¦ الصفحة: 337 بكر بن منظور. وبغرناطة عن جلّة؛ منهم شيخنا رئيس الكتاب أبو الحسن ابن الجيّاب، وقاضي الجماعة أبو القاسم بن أحمد الحسني، ولازم بالمغرب الرئيس أبا محمد عبد المهيمن الحضرمي، والقاضي أبا إسحاق إبراهيم بن أبي يحيى، وأبا العباس بن يربوع السّبتي. وبتلمسان عن أبي عبد الله الآبلي، وأبي عبد الله بن النّجار، وغيرهما. وبتونس عن قاضي الجماعة أبي عبد الله بن عبد السلام، وعن جماعة غيرهم. شعره: ونظمه ونثره متجاريان لهذا العهد في ميدان الإجادة. أما شعره، فمتناسب الوضع، سهل المأخذ، ظاهر الرّواء، محكم الإمرة للتّنقيح. وأما نثره، فطريف السّجع، كثير الدّالة، مطيع لدعوة البديهة، وربما استعمل الكلام المرسل، فجرى يراعه في ميدانه ملء عنانه. وجرى ذكره في «التاج» أيام لم يفهق «1» حوضه، ولا أزهر روضه، ولا تباينت سماؤه ولا أرضه، بما نصه «2» : أديب أحسن ما شاء، وفتح قليبه «3» فملأ الدّلو وبلّ الرّشاء «4» ، وعانى على حداثته الشعر والإنشاء، وله ببلده بيت معمور بفضل وأمانة، ومجد وديانة. ونشأ هذا الفاضل على أتمّ العفاف والصّون، فما مال إلى فساد بعد الكون. وله خطّ بارع، وفهم إلى الغوامض مسارع. وقد أثبتّ من كلامه، ونفثات أقلامه، كلّ محكم العقود، زاريا «5» بنت العنقود. فمن ذلك قصيدة «6» أنشدها للسلطان أمير المسلمين «7» ، مهنّئا بهلاك الأسطول الحربي بالزّقاق الغربي «8» ، أجاد أغراضها، وسبك المعاني وراضها، وهي قوله «9» : [الطويل] لعلّكما أن ترعيا لي وسائلا ... فبالله عوجا بالرّكاب وسائلا بأوطان أوطار قفا ومآربي ... وبالحبّ خصّا بالسّلام المنازلا ألا فانشدا بين القباب من الحمى ... فؤاد شج أضحى عن الجسم راحلا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 338 وبثّا صبّا بات هنالك واشرحا ... لهم من أحاديثي عريضا وطائلا رعى الله مثواكم على القرب والنّوى ... ولا زال هامي السّحب في الرّبع هاملا وهل لزمان باللّوى قد «1» سقى اللّوى ... مآرب فما ألقى مدى الدّهر حائلا؟ فحظّي بعيد الدّار منه بقربه ... ويورد فيه من مناه مناهلا لقد جار دهري أن «2» نأى بمطالبي ... وظلّ بما أبقى «3» من القرب ماطلا وحمّلني من صرفه ما يؤدني ... ومكّن منّي الخطوب شواغلا عتبت عليه فاغتدى لي عاتبا ... وقال: أصخ لي لا تكن لي «4» عاذلا أتعتبني إذ «5» قد أفدتك موقفا ... لدى أعظم الأملاك حلما ونائلا؟ مليك حباه الله بالخلق الرّضا ... وأعلى له في المكرمات المنازلا مليك علا فوق السّماك فطرفه ... غدا كهلال الأفق يبصرنا علا إذا ما دجا ليل الخطوب فبشره ... صباح وبدر لا يرى الدهر آفلا نماه من الأنصار غرّ أكابر ... لهم شيم ملء الفضاء فضائلا تلوا سور النّعماء في حزبهم كما ... جلوا صور الأيام غرّا جلائلا تسامت لهم في المعلوات مراتب ... يرى زحل دون المراتب زاحلا عصابة نصر الله طابت أواخرا ... كما قد زكت أصلا وطابت أوائلا لقد كان ربع المجد من قبل خاليا ... ومن آل نصر عاد يبصر آهلا إذا يوسف منهم تلوح يمينه ... تقول سحاب الجود والبأس هاطلا كتائبه في الفتح تكتب أسطرا ... تبين من الأنفال فيها المسائلا عوامله بالحذف تحكم في العدا ... كما حكموا في حذف جزم عواملا يبدّد جمع الكفر رعبا وهيبة ... كما بدّدت منه اليمين النّوافلا ومنها في وصفه الأسطول واللقاء: ولمّا استقامت بالزّقاق أساطي ... ل ثم «6» استقلّت للسّعود محافلا رآها عدوّ الله فانفضّ جمعه ... وأبصر أمواج البحار أساطلا ومن دهش ظنّ السّواحل أبحرا ... ومن رعب خال البحار سواحلا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 339 ومن جندكم هبّت عليه عواصف ... تدمّر أدناها الصّلاب الجنادلا تفرّقهم أيدي سبا وتبيدهم ... فقد خلّفت فيهم حساما وذابلا وعهدي بمرّ الريح للنار موقدا ... فقد أطفأت تلك الحروب المشاعلا وكان لهم برد العذاب ولم يكن ... سلاما وما كادوه قد عاد باطلا حداهم هواهم للإسار وللفنا ... فما أفلتوا من ذا وذاك حبائلا فهم بين عان في القيود مصفّد ... وفان عليه السّيف أصبح صائلا ستهلك ما بالبرّ منهم جنودكم ... كما أهلكت من كان بالبحر عاجلا وقال أيضا يمدحه: [الطويل] نشرت لواء النّصر واليمن والسّعد ... وأطلعت وجه اليسر والأمن والرّفد أعدت لنا الدّنيا نعيما ولذّة ... ألا للمعالي ما تعيد وما تبدي بنوركم والله يكلأ نوركم ... تبدّت لنا سبل السعادة والرّشد تحلّى لكم بالملك نحر ولبّة ... فراق كذاك الجيد يزدان بالعقد مآثركم قد سطّرتها يد العلا ... على صفحات الفخر أو مفرق الحمد بمدحكم القرآن «1» أثنى منزّلا ... وقد حزتم مجدا بجدّكم سعد كفاكم فخارا أنه لكم أب ... ومن فخره إن أنت تدعوه بالجدّ ثناؤكم هذا أم المسك نافح؟ ... وذكركم أم عاطر العنبر الورد؟ أجل ذكركم أزكى وأذكى لناشق ... كما أنكم أجلى وأعلى لمشهد طلعت على الآفاق نورا وبهجة ... فما أنت إلّا البدر في طالع السّعد وفي جملة الأملاك عزّ ورفعة ... ودم في خلود الملك والنصر والسعد ولو أنني فقت سحبان وائل ... وأربيت في شعري على الشاعر الكندي لما قمت بالمعشار من بعض ما لكم ... من الجود والأفضال والبذل والرّفد وقال في شيخه أبي بكر بن منظور، رحمه الله: [الطويل] جلالك أولى بالعلا للمخلّد «2» ... وذكرك أعلى الذّكر في كلّ مشهد لمجدك كان العزّ يذخر والعلى ... وأنّك للأولى بأرفع سؤدد أبى الله إلّا أن تكون مشرّفا ... بمقعد خير العالمين محمد الجزء: 3 ¦ الصفحة: 340 فهنّئت بالفخر السّنيّ محلّه ... وهنّئت بالمجد الرّفيع المجدّد شهدت بما أوليتني من عوارف ... وخوّلت من نعمى وأسديت من يد وما حزت من مجد كريم نجاره ... وما لك من مجد ورفعة محتد لقد نبّأتني بالرّواح لعزّكم ... مخايل إسعاد تروح وتغتدي «1» تحدّثني نفسي وإنّي لصادق ... بأن سوف تلقى كاملا كلّ مقصد دليلي بهذا أنّك الماجد الذي ... تسامى علوّا فوق كلّ ممجّد ليفخر أولو الفخر المنيف بأنّكم ... لهم علم أعلى، به الكلّ مقتدي إمام علوم معتلي القدر لم يزل ... رداء المعالي والعوارف يرتدي «2» وقاض إذا الأحكام أشكل أمرها ... جلا لي «3» برأي الحقيقة مرشدي «4» إذا الحقّ أبدى نوره عند حكمه ... رأيت له حدّ الحسام المهنّد وإنّ جميع الخلق في الحقّ عنده ... سواسية ما بين دان وسيّد هنيّا لنا بل للقضاء وفضله ... بقاض حليم في القضاء مسدّد أمات به الرحمن كلّ ضلالة ... وأحيا بما أولاه شرعة أحمد وكائن تراه لا يزال ملازما ... لأمر بعرف أو لزام بمسجد وما زال قدما للحقيقة حاميا ... وللشّرعة البيضاء يهدى ويهتدي ويمنح أفضالا ويولي أياديا ... وإحسانه للمعتفين بمرصد يقيّد أحرارا بمنطق جوده ... فما إن يني عن مطلق أو مقيّد نعم إن يكن للفضل شخص فإنما ... بشيمته الغرّاء في الفضل يبتدي أيا ناثرا أسنى المعارف والغنا ... ويا طارقا يطوي السّرى كلّ فدفد ألا الق عصا التّسيار واعش لناره ... تجد خير نار عندها خير موقد ومن مقطوعاته قوله «5» : [الطويل] تبرّأت من حولي إليك وأيقنت ... برحماك آمالي فصحّ «6» يقيني فلا أرهب الأيام إذ كنت ملجأي «7» ... وحسبي يقيني باليقين «8» يقيني الجزء: 3 ¦ الصفحة: 341 ومن شعره لهذا العهد منقولا من خطّه، قال مما نظمه فلان، يعني نفسه في كتاب الشّفا، نفع الله به: [الكامل] سل بالعلى وسنى المعارف يبهر ... هل زانها إلّا الأئمّة معشر؟ وهل المفاخر «1» غير ما شهدت به ... آي الكتاب وخارتها الأعصر؟ هم ما هم شرفا ونيل مراتب ... يوم القيام إذا يهول المحشر ورثوا الهدى عن خير مبعوث به ... فخرا هديّهم النعيم «2» الأكبر وعياض «3» الأعلى قداحا في العلى ... منهم وحوّله الفخار الأظهر بشفائه «4» تشفى الصدور وإنه ... لرشاد نار بالشّهاب «5» النّيّر هو للتّوالف روح صورتها وقل ... هو تاج مفرقها البهيّ الأنور أفنت محاسنه المدائح مثل ما ... لمعيده بعد الثناء الأعطر وله اليد البيضاء في تأليفه ... عند الجميع ففضلها لا ينكر هو مورد الهيم العطاش هفت ... بهم أشواقهم فاعتاض منه المصدر فبه ننال من الرضى ما نبتغي ... وبكونه فينا نغاث ونمطر انظر إليه تميمة من كل ما ... تخشى من الخطب المهول وتحذر لكأنّني بك يا عياض مهنأ ... بالفوز والملأ العليّ مبشّر لكأنّني بك يا عياض منعّما ... بجوار أحمد يعتلي بك مظهر لكأنّني بك يا عياض متوّجا ... تاج الكرامة عند ربّك تخبر لكأنّني بك راويا من حوضه ... إذ لا صدى ترويه إلّا الكوثر فعلى محبّته طويت ضمائرا ... وضحت شواهدها بكتبك تؤثر ها إنّهن لشرعة الهادي الرّضا ... صدف يصان بهن منها جوهر فجزاك ربّ العالمين تحية ... يهب النعيم سريرها والمنبر وسقى هزيم الودق مضجعك الذي ... ما زال بالرّحمى يؤمّ ويعمر الجزء: 3 ¦ الصفحة: 342 وقال في محمل الكتب: [الطويل] أنا الحبر في حمل العلوم وإن تقل ... بأني حليّ عن حلاهنّ تعدل أقيّد ضروب العلم ما دمت قائما ... وإن لم أقم فالعلم عنّي بمعزل خدمت بتقوى الله خير خليفة ... فبوّأني من قربه خير منزل أبا سالم لا زال في الدهر سالما ... يسوّغ من شرب المنى كلّ منهل وكان قد رأى ليلة الاثنين الثانية لجمادى الأولى عام ستين وسبعمائة في النوم، كأنّ الوزير أبا علي بن عمر بن يخلف بن عمران الفدودي، يأمره أن يجيب عن كلام من كتب إليه، فأجاب عنه بأبيات نظمها في النوم، ولم يحفظ منها غير هذين البيتين: [المتقارب] وإني لأجزي بما قد أتاه ... صديقي احتمالا لفعل الحفاء «1» بتمكين ودّ وإثبات عهد ... وإجزال حمد وبذل حياء ومن نظمه في التورية «2» : [الخفيف] وبخيل لمّا دعوه لسكنى ... منزل بالجنان ضنّ بذلك قال لي مخزن بداري فيه ... جلّ «3» مالي فلست للدار تارك «4» لا تعرّج على الجنان بسكنى ... ولتكن ساكنا بمخزن مالك «5» ومن ذلك أيضا «6» : [الكامل] يا ربّ منشأة عجبت لشأنها ... وقد احتوت في البحر أعجب شان سكنت بجنبيها «7» عصابة شدّة ... حلّت محلّ الروح في الجثمان فتحرّكت بإرادة مع أنها ... في جنسها «8» ليست من الحيوان الجزء: 3 ¦ الصفحة: 343 وجرت كما قد شاءه «1» سكّانها ... فعلمت أنّ السّر في السّكان «2» ومن ذلك أيضا قوله «3» : [الوافر] وذي خدع دعوه لاشتغال ... وما عرفوه غثّا من سمين فأظهر «4» زهده وغنى بمال ... وجيش الحرص منه في كمين وأقسم لا فعلت «5» يمين «6» خبّ ... فيا عجبا لحلاف «7» مهين يقدّ بسيره ويمين حلف «8» ... ليأكل باليسار وباليمين شيء من نثره خاطبته من مدينة سلا بما نصه، حسبما يظهر من غرضه: [الطويل] مرضت فأيّامي لذاك مريضة ... وبرؤك مقرون ببرئي اعتلالها فما راع ذاك الذّات للضّرّ رائع ... ولا وسمت بالسّقم غرّ خلالها وينظر باقي الرسالة في خبر التّعريف بمؤلّف الكتاب. فراجعني عن ذلك بما نصّه: [الطويل] متى شئت ألقى من علائك كل ما ... ينيل من الآمال خير منالها كبر اعتلال من دعائك زارني ... وعادات برّ لم ترم عن وصالها أبقى الله ذلك الجلال الأعلى متطوّلا بتأكيد البرّ، متفضّلا بموجبات الحمد والشكر. وردتني سمات سيدي المشتملة على معهود تشريفه، وفضله الغنيّ عن تعريفه، متحفّيا في السؤال عن شرح الحال، ومعلنا ما تحلّى به من كرم الخلال، والشّرف العال، والمعظّم على ما يسرّ ذلك الجلال، الوزاري، الرئاسي، أجراه الله على أفضل ما عوّده، كما أعلى في كل مكرمة يده، ذلك ببركة دعائه الصالح، وحبّه الجزء: 3 ¦ الصفحة: 344 المخيّم بين الجوانح. والله سبحانه المحمود على نعمه، ومواهب لطفه وكرمه، وهو سبحانه المسؤول أن يسنى لسيدي قرار الخاطر، على ما يسرّه في الباطن والظاهر، بمنّ الله وفضله، والسلام على جلاله الأعلى ورحمة الله وبركاته. كتبه المعظّم الشاكر، الداعي المحبّ، ابن رضوان وفّقه الله. ومما خاطبني به، وقد جرت بيني وبين المتغلب على دولتهم، رقاع، فيها سلم وإيقاع، ما نصه: يا سيدي الذي علا مجده قدرا وخطرا، وسما ذكره في الأندية الحافلة ثناء وشكرا، وسما فخره في المراتب الدينيّة والدنيوية حمدا وأجرا، أبقاك الله جميل السّعي، أصيل الرأي، سديد الرمي، رشيد الأمر والنّهي، ممدوحا من بلغاء زمانك، بما يقصر بالنّوابغ والعشي، مفتوحا لك باب القبول، عند الواحد الحقّ. وصلني كتابك الذي هو للإعجاز آية، وللإحسان غاية، ولشاهد الحسن تبريز، ولثوب الأدب تطريز، وفي النّقد إبريز، وقفت منه على ما لا تفي العبارة بعجائبه، ولا يحيد الفضل كله عن مذاهبه، من كل أسلوب طار في الجو إعرابا وإغرابا، وملك من سحر البيان خطابا، وحمد ثناه مطالا وحديثا مطابا، شأن من قصر عن شأو البلغاء، بعد الإغياء، ووقف دون سباق البديع بعد الإعياء، فلم يشقّ غباره، ولا اقتفيت إلّا بالوهم آثاره، فلله من سيدي إتحاف سرّ ما شاء، وأحكم الإنشاء، وبرّ الأكابر والإنشاء، فما شئت من إفصاح وكتابة، وبرّ ورعاية، وفهم وإفهام، وتخصيص وإبهام، وكبح لطرف النّفس وقمع، وحفض في الجواب ورفع، وتحرّج وتورّع، وترقّص وتوسّع، وجماع وأصحاب، وعتب وإعتاب، وإدلال على أحباب، إلى غير ذلك من أنواع الأغراض، والمقاصد السّالمة جواهرها من الأعراض، جملة جمعت المحاسن، وأمتعت السامع والمعاين، وحلّت من امتناعها مع السهولة الحرم، إلّا من زاد الله تلك المعارف ظهورا، وجعلها في شرع المكارم هدى ونورا. وأما شكر الجناب الوزاري، أسماه الله، بحكم النّيابة عن جلالكم، فقد أبلغت فيه حمدي، وبذلت ما عندي، وودّي لكم ودي، ووردي لكم من المخالصة لكم وردي، وكل حالات ذلك الكمال، مجمع على تفضيله، معتمد من الثناء العاطر بإجماله وتفصيله. وأما مؤدّيه إليكم أخي وسيدي الفقيه المعظم، قاضي الحضرة وخطيبها، أبو الحسن، أدام الله عزّته، وحفظ أخوّته، فقد قرّر من أوصاف كمالاتكم، ما لا تفي بتقريره الأمثلة من أولي العلم بتلك السّجايا الغرّ، والشّيم الزّهر، وما تحلّيتم به من التقوى والبرّ، والعدل والفضل، والصبر والشكر، ولحمل المتاعب في أمور الجهاد، وترك الملاذ والدّعة في مرضاة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 345 ربّ العباد، والإعراض عن الفانية، والإقبال على الباقية، فيا لها من صفات خلعت السعادة عليكم مطارفها، وأجزلت عوارفها، وجمعت لكم تالدها وطارفها، زكّى الله ثوابها وجدّد أثوابها، ووصل بالقبول أسبابها. وذكر لي أيضا من حسناتكم، المنقبة الكبيرة، والقربة الأثيرة، في إقامة المارستان «1» بالحضرة، والتّسبّب في إنشاء تلك المكرمة المبتكرة، التي هي من مهمّات المسلمين بالمحلّ الأعلى، ومن ضروريات الدين بالمزيّة الفضلى، وما ذخره القدر لكم من الأجر في ذلك السعي المشكور، والعمل المبرور، فسرّني لتلك المجادة إحراز ذلك الفضل العظيم، والفوز بثوابه الكريم، وفخره العميم. ومعلوم، أبقاكم الله، ما تقدّم من ضياع الغرباء والضعفاء من المضي فيما سلف هنالك، وقبل ما قدّر لهم من المرتفق العظيم وبذلك، حتى أن من حفظ قول عمر، رضي الله عنه، والله لو ضاعت نخلة بشاطئ الفرات لخفت أن يسأل الله عنها عمر. لا شك في أن من تقدّم من أهل الأمر هنالكم، لا بدّ من سؤاله عمّن ضاع لعدم القيام بهذا الواجب المغفل. والحمد لله على ما خصّكم به من مزية قوله صلى الله عليه وسلم: إذا أراد الله بخليفة خيرا، جعل له وزيرا صالحا، إن نسي ذكّره، وإن ذكر أعانه. وأما «كتاب المحبة» «2» ، فقد وقف المعظّم على ما وجّهتهم منه، وقوفا ظهر بمزية التّأمل، وعلم منه ما ترك للآخر الأول، ولم يشكّ في أنّ الفضل للحاكي، وشتّان بين الباكي والمتباكي. حقّا لقد فاق التأليف جمعا وترتيبا، وذهب في الطّرق الصوفية مذهبا عجيبا. ولقد بهرت معانيه كالعرائس المجلوّة حسنا ونضارة، وبرعت بدائعه وروائعه سنى وإنارة، وألفاظا مختارة، وكؤوسا مدارة، وغيوثا من البركات مدرارة، أحسن بما أدّته تلك الغرر السّافرة، والأمثال السائرة، والخمائل النّاظرة، واللآلئ المفاخرة، والنجوم الزّاهرة. أما إنه لكتاب تضمّن زبدة العلوم، وثمرة الفهوم، وإن موضوعه للباب اللّباب، وخلاصة الألباب، وفذلكة الحساب، وفتح الملك الوهّاب، سنى الله لكم ولنا كماله، وبلّغ الجميع منّا آماله، وجعل السّعي فيه الجزء: 3 ¦ الصفحة: 346 خالصا لوجهه، وكفيلا بمعرفته بمنّه وكرمه، وهو سبحانه يبقي بركتكم، ويكلأ ذاتكم الكريمة وحوزتكم، بفضله وطوله وقوته، والسلام الكريم يخصّكم به كثيرا أثيرا، معظّم مقداركم، وملتزم إجلالكم وإكباركم، ابن رضوان، وفّقه الله، وكتب في الثامن والعشرين لرجب من عام سبعة وستين وسبعمائة. وهو الآن بحاله الموصوفة، أعانه الله. وله تردّد إلى حضرة غرناطة، واجتياز وإلمام. عبد الله بن عبد الرحمن بن عبد الملك بن سعيد ابن خلف بن محمد بن عبد الله بن سعيد بن الحسن ابن عثمان بن محمد بن عبد الله بن سعيد بن عمار بن ياسر غرناطي، قلعي «1» الأصل، سكن مالقة. حاله: قال صاحب «الطالع» «2» : هو المشهور باليربطول «3» ، زاد على أخيه بخفّة الروح، وطيب النوادر، واختار سكنى مالقة، فما زال بها يمشي على كواهل ما تعاقب فيها من الدول، ويقلّب طرفه مما نال من ولاياتها بين الخيل والخول، حتى أنّ ابن عسكر، قاضي مالقة وعالمها، كان من جملة من مدحه، وتوسّل بها إلى بلوغ أغراضه عند القوم، وصنّف له شجرة الأنساب السّعيدية. وكان قبيح المنظر، مع كونه من رياحين الفضل والأدب. فمن الحكايات المتعلقة بذلك، أنه دخل يوما على الوالي بغرناطة، السّيد أبي إبراهيم «4» ، وجعل يساره، وكان مختصّا به، واقتضى ذلك أن ردّ ظهره للشيخ الفقيه الجليل، عميد البلدة، أبي الحسن سهل بن مالك، ثم التفت فردّ وجهه إليه، وقال: أعتذر لكم بأمر ضروري، فقال أبو الحسن: إنما تعتذر لسيّدنا، فانقلب المجلس ضحكا. ومنها أنه خرج إلى سوق الدواب مع ابن يحيى الحضرمي الجزء: 3 ¦ الصفحة: 347 المشهور أيضا بخفّة الروح، وكان مسلّطا على بني سعيد، فبينما هو واقف، إذ النخّاس ينادي على فرس: فم يشرب من القادوس، وعين تحصد بالمنجل، فقال له: يا قائد، أبا محمد، سر بنا من هنا لئلّا تؤخذ من يدي، ولا أقدر لك بحيلة، فعلم مقصده، ولم يخف عليه أنّ تلك صورته، فقال: سل جارتك عنها، فمضى لأمّه، وأوقع بينها وبينه، فحلف أن لا يدخل عليها الدار. قال أبو عمران بن سعيد: واتفق أن جزت بدار أمّ الحضرمي، فرأيته إلى ناحية، وهو كئيب منكسر، فقلت له: ما خبرك يا أبا يحيى؟ فقال لي عن أمّه وعن نفسه: النساء يرمين أبناء الزّنا صغارا، وهذه العجوز الفاعلة الصّانعة، ترميني ابن خمسين سنة، فقلت له: وما سبب ذلك؟ فقال: ابن عمّك يوسف الجمال، لا أخذ الله له بيد، فما زلت حتى أصلحت بينها وبينه. ومن نوادر أجوبته المسكتة، أنّه كان كثير الخلطة بمرّاكش لأحد السّادة، لا يفارقه، إلى أن ولي ذلك السّيد، وتموّل، واشتغل بدنياه عنه، فقيل له: نرى السيد فلانا أضرب عن صحبتك ومنادمتك، فقال: كان يحتاج إليّ وقتا كان يتبخّر بي، وأمّا اليوم، فإنه يتبخّر بالعود والنّدّ والعنبر. وقال له شخص كان يلقّب ب «فسيوات» في مجلس خاص: أي فائدة في «اليربطول» ؟ وفيم ذا يحتاج إليه؟ فقال له: لا تقل هذا، فإنه يقطع رائحة الفسا، فودّ أنه لم ينطق. وتكلّم شخص من المترفين فقال: أمس بعنا الباذنجان التي بدار خالتي، بعشرين مثقالا، فقال: لو بعتم الكريز التي فيها لساوى أكثر من مائة. وأخباره شهيرة؛ قال أبو الحسن علي بن موسى: وقعت في رسائل الكاتب الجليل، شيخ الكتاب أبي زيد الفازازي، على رسائل في حق أبي محمد اليربطول، ومنه إليه، فمنها في رسالة عن السّيد أبي العلاء، صاحب قرطبة، إلى أخيه أبي موسى صاحب مالقة، ويصلكم به إن شاء الله، القائد الأجلّ الأكرم، الحسيب الأمجد الأنجد، أبو محمد أدام الله كرامته، وكتب سلامته، وهو الأكيد الحرمة، القديم الخدمة، المرعي الماتّة والذّمّة، المستحق البرّ في وجوه كثيرة، ولمعان أثيرة، منها أنه من عقب عمّار بن ياسر، رضوان الله عليه، وحسبكم هذا مجدا مؤثّلا، وشرفا موصلا، ومنها تعيّن بيته وسلفه، واختصاصهم من النّجابة والظهور، بأنوه الاسم وأشرفه، وكونهم بين معتكف على مضجعه، أو مجاهد بمرهفه ومثقّفه، ومنها سبقهم إلى هذا الأمر العزيز، وتميّزهم بأثرة الشّفوف والتّمييز، ومنها الانقطاع إلى أخيكم، ممدّ مورده ومصدره، وكرم مغيبه ومحضره، وهذه وسائل شتى، وأذمّة قلّ ما تتأتّى لغيره. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 348 وفاته: كانت وفاته بمالقة بعد عشرين وستمائة؛ قال الرئيس أبو عمر بن حكم: شاهدته قد وصل إلى السيد أبي محمد البيّاسي «1» أيام ثورته، وهو بشنتلية «2» مع وفد مالقة بالبيعة سنة ثنتين وعشرين وستمائة. ومن الصوفية والفقراء عبد الله بن عبد البر بن سليمان بن محمد بن محمد ابن أشعث الرّعيني «3» من «4» أهل أرجدونة «5» من كورة ريّه، يكنى أبا محمد، ويعرف بابن أبي المجد. حاله: كان «6» من أعلام الكور «7» سلفا، وترتّبا، وصلاحا، وإنابة، ونيّة في الصالحين، متّسع الذّرع للوارد، كثير الإيثار بما تيسّر، مليح التخلّق، حسن السّمت، طيّب النفس، حسن الظنّ، له حظّ من الطّلب، من فقه وقراءات وفريضة، وخوض في طريقة الصوفية، وأدب لا بأس به، قطع عمره خطيبا وقاضيا ببلده، ووزيرا، وكتب بالدار السلطانية، في كل ذلك لم يفارق السّداد. مشيخته: قرأ «8» على الأستاذ الجليل أبي جعفر بن الزّبير؛ رحل إليه من وطنه عام اثنين وتسعين وستمائة، ولازمه وانتفع به، أخذ عنه الكتاب العزيز والعربية، وسمع عليه الكثير من الحديث، وعلى الخطيب الصوفي المحقّق أبي الحسن فضل بن محمد بن فضيلة المعافري، وعلى الخطيب المحدّث أبي عبد الله محمد بن عمر بن رشيد، وسمع على الشيخ القاضي الرّاوية أبي محمد النّبعدي، والوزير المعمر الجزء: 3 ¦ الصفحة: 349 المحدّث الحسيب أبي محمد عبد المنعم بن سماك العاملي، والعدل الرّاوية أبي الحسن بن مستقور. وقرأ بمالقة على الأستاذ أبي بكر بن الفخّار، وأجازه من أهل المشرق طائفة. شعره: ممّا حدّثني ابن أخته صاحبنا أبو عثمان بن سعيد، قال: نظم الفقيه القاضي الكاتب أبو بكر بن شبرين ببيت الكتّاب مألف الجملة، رحمهم الله، هذين البيتين «1» : [الطويل] ألا يا محبّ المصطفى، زد صبابة ... وضمّخ لسان الذّكر منه بطيبه ولا تعبأن بالمبطلين فإنما ... علامة حبّ الله حبّ حبيبه فأخذ الأصحاب في تذييل ذلك. فقال الشيخ أبو الحسن بن الجيّاب، رحمه الله «2» : [الطويل] فمن يعمر الأوقات طرّا بذكره ... فليس نصيب في الهدى كنصيبه ومن كان عنه معرضا طول دهره «3» ... فكيف يرجّيه شفيع ذنوبه؟ وقال أبو القاسم بن أبي القاسم بن أبي العافية «4» : [الطويل] أليس الذي جلّى دجى الجهل هديه ... بنور أقمنا بعده نهتدي به؟ ومن لم يكن من دأبه «5» شكر منعم ... فمشهده «6» في الناس مثل مغيبه وقال أبو بكر بن أرقم «7» : [الطويل] نبيّ هدانا من ضلال وحيرة ... إلى مرتقى سامي المحلّ خصيبه فهل يذكر «8» الملهوف فضل مجيره ... ويغمط شاكي الداء شكر طبيبه؟ وانتهى القول إلى الخطيب أبي محمد بن أبي المجد، فقال، رحمه الله، مذيّلا كذلك «9» : [الطويل] ومن قال مغرورا: حجابك ذكره ... فذلك مغمور طريد عيوبه وذكر رسول الله فرض مؤكّد ... وكلّ محقّ قائل بوجوبه الجزء: 3 ¦ الصفحة: 350 وقال يوما شيخنا أبو الحسن بن الجيّاب هذين البيتين على عادة الأدباء في اختبار الأذهان «1» : [الخفيف] جاهد النّفس جاهدا فإذا ما ... فنيت عنك فهي عين الوجود وليكن حكمك «2» المسدّد فيها ... حكم سعد «3» في قتله لليهود قال: فأجابه أبو محمد بن أبي المجد «4» : [الخفيف] أيها العارف المعبّر ذوقا ... عن معان غزيرة في الوجود إنّ حال الفناء «5» عن كلّ غير ... كمقام «6» المراد غير المريد كيف لي بالجهاد غير معان ... وعدويّ «7» مظاهر بجنود؟ ولو أنّي حكمت فيمن ذكرتم ... حكم سعد لكنت جدّ سعيد فأراها صبابة «8» بي فتونا ... وأراني في حبّها كيزيد سوف أسلو بحبكم «9» عن سواها ... ولو أبدت فعل المحبّ الودود ليس شيء سوى إلهك يبقى ... واعتبر صدق ذا بقول لبيد «10» وفاته: توفي، رحمه الله، ليلة النصف من شعبان المكرم عام تسعة وثلاثين وسبعمائة. وكان يجمع الفقراء ويحضر طائفتهم، وتظهر عليه حال لا يتمالك معها، وربما أوحشت من لا يعرفه بها. عبد الله بن فارس بن زيان من بني عبد الوادي، تلمساني، يكنى أبا محمد، وينتمي إلى بني زيّان من بيت أمرائهم. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 351 كذا نقلت من خط صاحبنا الفقيه القاضي أبي الطاهر ... «1» قاضي الجماعة أبي جعفر بن فركون، وله بأحواله عناية، وله إليه تردّد كثير وزيارة. قال: ورد الأندلس مع أبيه، وهو طفل صغير، واستقرّ بقتّورية في ديوان غزانها. ولما توفي أبوه سلك مسلكه برهة، ورفض ذلك، وجعل يتردّد بين الولد، وانقطع لشأنه. حاله: هذا الرجل غريب النّزعة في الانقطاع عن الخلق، ينقطع ببعض جبال بني مشرف، واتخذ فيها كهوفا وبيوتا من الشّعر أزيد من أربعين عاما، وهلمّ جرّا، منفردا، لا يداخل أحدا، ولا يلابسه من العرب، ويجعل الحلفاء في عنقه ... «2» اختلف فيه، فمن ناسب ذلك إلى التّلبيس وإلى لوثة تأتيه، وربما أثاب بشيء، ويطلبون دعاءه ومكالمته، فربما أفهم، وربما أبهم. محنته: ذكروا أنه ورث عن أخ له مالا غنيّا، وقدم مالقة، وقد سرق تاجر بها ذهبا عينا، فاتّهم بها، فجرت عليه محنة كبيرة من الضّرب الوجيع، ثم ظهرت براءته، وطلب الحاكم الجائر منه العفو، فعفا عنه، وقال: لله عندي حقوق وذنوب، لعلّ بهذا أكفّرها، وصرف عليه المال فأباه، وقال: لا حاجة لي به فهو مال سوء، وتركه وانصرف، وكان من أمر انقطاعه ما ذكر. شيء من أخباره: استفاض عنه بالجهة المذكورة شفاء المرضى، وتفريج الكربات ... «3» ، إلى غير ذلك من أخبار لا تحصى كثيرة. وهو إلى هذا العهد بحاله الموصوفة، وهو عام سبعين وسبعمائة. مولده: بتلمسان عام تسعين وستمائة. ودخل غرناطة غير ما مرة. عبد الله بن فرج بن غزلون اليحصبي «4» يعرف بابن العسّال، ويكنى أبا محمد، طليطلي الأصل. سكن غرناطة واستوطنها، الصالح المقصود التّربة، المبرور البقعة، المفزع لأهل المدينة عند الشّدة. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 352 حاله: قال ابن الصّيرفي: كان، رحمه الله، فذّا في وقته، غريب الجود، طرفا في الخير والزهد والورع، له في كل جو متنفّس، يضرب في كل علم بسهم، وله في الوعظ تواليف كبيرة، وأشعاره في الزهد مشهورة، جارية على ألسنة الناس، أكثرها كالأمثال جيّدة الرّصعة، صحيحة المباني والمعاني. وكان يحلّق في الفقه، ويجلس للوعظ. وقال الغافقي «1» : كان فقيها جليلا، زاهدا، متفنّنا، فصيحا لسنا، الأغلب عليه حفظ الحديث والآداب والنحو، حافظا، عارفا بالتفسير، شاعرا مطبوعا. كان له مجلس، يقرأ عليه فيه الحفظ والتفسير، ويتكلّم عليه، ويقصّ «2» من حفظه أحاديث. وألّف في أنواع من العلوم، وكان يعظ الناس بجامع غرناطة، غريبا في قوته، فذّا في دهره، عزيز الوجود. مشيخته: روى «3» عن أبي محمد مكّي بن أبي طالب، وأبي عمرو المقرئ الدّاني، وأبي عمر بن عبد البرّ، وأبي إسحاق إبراهيم بن مسعود الإلبيري الزاهد، وعن أبيه فرج، وعن أبي زيد الحشاء القاضي، وعن القاضي أبي الوليد الباجي. شعره: وشعره كثير، ومن أمثل ما روي منه قوله: [مخلع البسيط] لست وجيها لدى إلهي ... في مبدإ الأمر والمعاد لو كنت وجها «4» لما براني ... في عالم الكون والفساد وفاته: توفي، رحمه الله، يوم الاثنين لعشر خلون من رمضان عام سبعة وثمانين وأربعمائة، وألحد ضحى يوم الثلاثاء بعده بمقبرة باب إلبيرة بين الجبانتين. ويعرف المكان إلى الآن بمقبرة العسّال. وكان له يوم مشهود، وقد نيّف على الثمانين، رحمه الله، ونفع به. ومن الملوك والأمراء والأعيان والوزراء عبد الرحمن بن محمد بن عبد الله [بن محمد] «5» ابن عبد الرحمن بن الحكم بن هشام بن عبد الرحمن ابن معاوية، أمير المؤمنين، الناصر لدين الله «6» الخليفة الممتّع، المجدود، المظفّر، البعيد الذكر، الشهير الصيت. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 353 حاله: كان أبيض، أشهل، حسن الوجه، عظيم الجسم، قصير الساقين. أول من تسمّى أمير المؤمنين، ولي الخلافة فعلا جدّه، وبعد صيته، وتوطّأ ملكه، وكأن خلافته كانت شمسا نافية للظلمات، فبايعه أجداده وأعمامه وأهل بيته، على حداثة السّن، وجدة العمر، فجدّد الخلافة، وأحيا الدعوة، وزيّن الملك، ووطّد الدولة، وأجرى الله له من السّعد ما يعظم عنه الوصف ويجلّ عن الذكر، وهيّأ له استنزال الثوار والمنافقين واجتثاث جراثيمهم. بنوه: أحد عشر «1» ، منهم الحكم الخليفة بعده، والمنذر، وعبد الله، وعبد الجبار. حجّابه: بدر مولاه، وموسى بن حدير. قضاته «2» : جملة، منهم: أسلم بن عبد العزيز، وأحمد بن بقيّ، ومنذر بن سعيد البلوطي. نقش خاتمه: «عبد الرحمن بقضاء الله راض» . أمّه: أمّ ولد تسمى مزنة. وبويع له في ربيع الأول من سنة تسع وتسعين ومائتين «3» . دخوله إلبيرة: قال المؤرخ «4» : أول غزوة غزاها بعد أن استحجب بدرا مولاه، وخرج إليها يوم الخميس رابع «5» عشرة ليلة خلت من شعبان سنة ثلاثمائة، مفوّضا إليه، ومستدعيا نصره، واستئلاف الشّاردين، وتأمين الخائفين، إلى ناحية كورة جيّان، وحصن المنتلون، فاستنزل منه سعيد بن هذيل، وأناب إليه من كان نافرا عن الطاعة، مثل ابن اللّبّانة، وابن مسرّة، ودحون الأعمى. وانصرف إلى قرطبة، وقد تجوّل، وأنزل كلّ من بحصن من حصون كورة جيان، وبسطة، وناجرة، وإلبيرة، وبجّانة، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 354 والبشرّة، وغيرها، بعد أن عرض نفسه عليها. وعلى عهده توفي ابن حفصون «1» . وجرت عليه هزيمة الخندق في سنة سبع وعشرين وثلاثمائة «2» ، وطال عمره، فملك نيفا وخمسين سنة، ووجد بخطّه: أيام السّرور التي صفت لي دون كدر يوم كذا ويوم كذا، فعدّت، فوجدت أربعة عشر يوما. وفاته: في أول رمضان من سنة خمسين وثلاثمائة «3» . عبد الرحمن بن محمد بن عبد الله بن عبد الرحمن الناصر لدين الله بن محمد بن عبد الله بن عبد الرحمن بن معاوية «4» يكنى أبا المطرّف، ويلقب بالمرتضى. حاله وصفته: كان أبيض أشقر أقنى، مخفّف البدن، مدوّر اللحية، خيّرا، فاضلا، من أهل الصلاح والتّقى، قام بدولته خيران العامري، بعد أن كثر السؤال عن بني أمية، فلم يجد فيهم أسدى للخلافة منه، بورعه وعفافه ووقاره، وخاطب في شأنه ملوك الطوائف على عهده، فاستجاب الكلّ إلى الطاعة بعد أن أجمع الفقهاء والشيوخ وجعلوها شورى، وانصرفوا يريدون قرطبة، وبدأوا بصنهاجة بالقتال، فكان نزوله بجبل شقشتر على محجة واط. وفاته: «5» يوم لثلاث خلون من جمادى الأولى سنة تسع وأربعمائة. وكانت الهزيمة على عساكر المرتضى، فتركوا المحلات وهربوا، وفشى فيهم القتل، وظفرت صنهاجة من المتاع والأموال بما يأخذه الوصف، وقتل المرتضى في تلك الهزيمة، فلم يوقع له على أثر، وقد بلغ سنّه نحو أربعين. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 355 عبد الرحمن بن معاوية بن هشام بن عبد الملك بن مروان ابن الحكم بن أبي العاصي بن أمية بن عبد شمس «1» يكنى أبا المطرّف، وقيل: أبا زيد، وقيل: أبا سليمان، وهو الداخل إلى الأندلس، والمجدّد الخلافة بها لذريته، والملقّب بصقر بني أمية «2» . حاله: قال ابن مفرّج: كان الأمير عبد الرحمن بن معاوية راجح العقل، راسخ العلم، ثابت الفهم، كثير الحزم، فذّ العزم، بريئا من العجز، مستخفّا للثّقل، سريع النهضة، متّصل الحركة، لا يخلد إلى راحة، ولا يسكن إلى دعة، ولا يكل الأمور إلى غيره، ثم لا ينفرد بإبرامها برأيه. وعلى ذلك فكان شجاعا، مقداما، بعيد الغور، شديد الحذر، قليل الطّمأنينة، بليغا، مفوّها، شاعرا محسنا، سمحا، سخيا، طلق اللسان، فاضل البنان، يلبس البياض، ويعتمّ به ويؤثره. وكان أعطي هيبة من وليّه وعدوّه لم يعطها واحد من الملوك في زمانه. وقال غيره: وألفى الأمير عبد الرحمن الأندلس ثغرا من أنأى الثغور القاصية، غفلا من سمة الملك، عاطلا من حلية الإمامة، فأرهب أهله بالطاعة السلطانية، وحرّكهم بالسّيرة الملوكية، ورفعهم بالآداب الوسطية، فألبسهم عمّا قريب المودّة، وأقامهم على الطريقة. وبدأ يدوّن الدواوين، وأقام القوانين، ورفع الأواوين، وفرض الأعطية، وأنفذ الأقضية، وعقد الألوية، وجنّد الأجناد، ورفع العماد، وأوثق الأوتاد، فأقام للملك آلته، وأخذ للسلطان عدّته. نبذة من أوليّته: لمّا ظهر بنو العباس بالمشرق، ونجا فيمن نجا من بني أمية، معروفا بصفته عندهم، خرج يؤمّ المغرب لأمر كان في نفسه، من ملك الأندلس، اقتضاه حدثان، فسار حتى نزل القيروان، ومعه بدر مولاه، ثم سار حتى لحق بأخواله من نفزة، ثم سار بساحل العدوة في كنف قوم من زناتة، وبعث إلى الأندلس بدرا، فداخل له بها من يوثق به، وأجاز البحر إلى المنكّب، وسأل عنها، فقال: نكبوا عنها، ونزل بشاط من أحوازها، وقدم إليه أولو دعوته، وعقد اللّوا، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 356 وقصد قرطبة في خبر يطول، وحروب مبيرة، وهزم يوسف الفهري، واستولى على قرطبة، فبويع له بها يوم عيد الأضحى من سنة ثمان وثلاثين ومائة، وهو ابن خمس وعشرين سنة. دخوله إلبيرة: قالوا: ولمّا انهزم الأمير يوسف بن عبد الرحمن الفهري، لحق بإلبيرة، فامتنع بحصن غرناطة، وحاصره الأمير عبد الرحمن بن معاوية، وأحاط به، فنزل على صلح، وانعقد بينهما عقد، ورهنه يوسف ابنيه؛ أبا زيد وأبا الأسود، وشهد في الأمان وجوه العسكر، منهم أمية بن حمزة الفهري، وحبيب بن عبد الملك المرواني، ومالك بن عبد الله القرشي، ويحيى بن يحيى اليحصبي، ورزق بن النّعمان الغسّالي، وجدار بن سلامة المذحجي، وعمر بن عبد الحميد العبدري، وثعلبة بن عبيد الجذامي، والحريش بن حوار السلمي، وعتّاب بن علقمة اللخمي، وطالوت بن عمر اليحصبي، والجرّاح بن حبيب الأسدي، وموسى بن خالد، والحصين بن العقيلي، وعبد الرحمن بن منعم الكلبي، إلى آخرين سواهم، بتاريخ يوم الأربعاء لليلتين خلتا من ربيع الأول سنة تسع وثلاثين ومائة. نقلت أسماء من شهد، لكونهم ممن دخل البلدة، ووجب ذكره، فاجتزأت بذلك، فرارا من الإطالة، إذ هذا الأمر بعيد الأمد، والإحاطة لله. بلاغته ونثره وشعره: قال الرّازي: قام بين يديه رجل من جند قنّسرين، يستنجد به، وقال له: يا ابن الخلائف الراشدين والسّادات الأكرمين، إليك فررنا، وبك عذت من زمن ظلوم، ودهر غشوم قلّل المال، وذهب الحال، وصيّر إليّ بذاك المنال، فأنت وليّ الحمد، وربى المجد، والمرجو للرّفد. فقال له ابن معاوية مسرعا: قد سمعنا مقالتك، فلا تعودنّ ولا سواك لمثله، من إراقة وجهك، بتصريح المسألة، والإلحاف في الطّلبة، وإذا ألمّ بك خطب أو دهاك أمر، أو أحرقتك حاجة فارفعه إلينا في رقعة لا تعدو ذكيا، تستر عليك خلّتك، وتكفّ شماتة العدوّ بك، بعد رفعها إلى مالكنا ومالكها عن وجهه، بإخلاص الدّعاء، وحسن النية. وأمر له بجائزة حسنة. وخرج الناس يعجبون من حسن منطقه، وبراعة أدبه. ومن شعره: قوله، وقد نظر إلى نخلة بمنية الرّصافة، مفردة، هاجت شجنه إلى تذكر بلاد المشرق «1» : [الطويل] تبدّت لنا وسط الرّصافة نخلة ... تناءت بأرض الغرب عن بلد النّخل الجزء: 3 ¦ الصفحة: 357 فقلت: شبيهي في التغرّب والنّوى ... وطول التّنائي عن بنيّ وعن أهلي نشأت بأرض أنت فيها غريبة ... فمثلك في الإقصاء والمنتأى مثلي سقتك «1» غوادي المزن من صوبها «2» الذي ... يسحّ ويستمري «3» السّماكين بالويل وفاته: توفي بقرطبة يوم الثلاثاء الرابع والعشرين لربيع الآخر «4» سنة اثنتين وسبعين ومائة، وهو ابن تسعة وخمسين عاما، وأربعة أشهر، وكانت مدّة ملكه ثلاثا وثلاثين سنة وأربعة أشهر «5» ، وأخباره شهيرة. وجرى ذكره في الرّجز المسمى بقطع السلوك، في ذكر هذين من بني أمية، قولي في ذكر الداخل: [الرجز] وغمر الهول كقطع الليل ... بفتنة الفهريّ والصّميل وجلّت الفتنة في أندلس ... فأصبحت فريسة المفترس فأسرع السّير إليها وابتدر ... وكلّ شيء بقضاء وقدر صقر قريش عابد الرحمن ... باني المعالي لبني مروان جدّد عهد الخلفاء فيها ... وأسّس الملك لمترفيها ثم أجاب داعي الحمام ... وخلّف الأمر إلى هشام وقام بالأمر الحفيد الناصر ... والناس محصور بها وحاصر فأقبل السّعد وجاء النّصر ... وأشرق الأمن وضاء القصر وعادت الأيام في شباب ... وأصبح العدو في تباب سطا وأعطى وتغاضى ووفا ... وكلّما أقدره الله عفا فعاد من خالف فيها وانتزى ... وحارب الكفّار دأبا وغزا وأوقع الرّوم به في الخندق ... فانقلب الملك بسعي مخفق واتصلت من بعد ذا فتوح ... تغدو على مثواه أو تروح فاغتنموا السّلم لهذا الحين ... ووصّلت إرسال قسطنطين الجزء: 3 ¦ الصفحة: 358 وساعد السّعد فنال واقتنى ... ثم بنى الزّهرا فيما قد بنى حتى إذا ما كملت أيامه ... سبحان من لا ينقضي دوامه عبد الرحمن بن إبراهيم بن يحيى بن سعيد ابن محمد اللخمي من أهل رندة وأعيانها، يكنى أبا القاسم، ويعرف بابن الحكيم، وجدّه يحيى، هو المعروف بابن الحكيم، وقد تقدم ذكر جملة من هذا البيت. حاله: كان، رحمه الله، عين بلده المشار إليه، كثير الانقباض والعزلة، مجانبا لأهل الدنيا، نشأ على طهارة وعفّة، مرضي الحال، معدودا في أهل النّزاهة والعدالة، وأفرط في باب الصّدقة بما انقطع عنه أهل الإثراء من المتصدّقين، ووقفوا دون شأوه. ومن شهير ما يروى من مناقبه في هذا الباب، أنه أعتق بكل عضو من أعضائه رقبة، وفي ذلك يقول بعض أدباء عصره: أعتق بكل عضو منه رقبه ... واعتدّ ذلك ذخرا ليوم العقبه لا أجد منقبة مثل هذه المنقبه مشيخته: روى عن القاضي الجليل أبي الحسن بن قطرال، وعن أبي محمد بن عبد الله بن عبد العظيم الزهري، وأبي البركات بن مودود الفارسي، وأبي الحسن الدّباج، سمع من هؤلاء وأجازوا له. وأجاز له أبو أمية بن سعد السّعود بن عفير، وأبو العباس بن مكنون الزاهد. قال الأستاذ أبو جعفر بن الزبير: وكان شيخنا القاضي العالم الجليل أبو الخطّاب بن خليل، يطنب في الثناء عليه، ووقفت على ما خاطبه به معربا عن ذلك. شعره: منقولا من «طرفة العصر» من قصيدة يردّدها المؤذنون منها: [البسيط] كم ذا أعلل بالتّسويف والأمل ... قلبا تغلّب بين الوجد والوجل وكم أجرّد أذيال الصّبا مرحا ... في مسرح اللهو وفي ملعب الغزل وكم أماطل نفسي بالمتاب ولا ... عزم فيوضح لي عن واضح السّبل ضللت والحقّ لا تخفى معالمه ... شتّان بين طريق الجدّ والهزل وفاته: يوم الاثنين التاسع والعشرين لجمادى الأولى عام ثلاثة وسبعين وستمائة. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 359 عبد الرحيم بن إبراهيم بن عبد الرحيم الخزرجي «1» يكنى أبا القاسم، ويعرف بابن الفرس، ويلقّب بالمهر، من أعيان غرناطة. حاله: كان «2» فقيها جليل القدر، رفيع الذّكر، عارفا بالنحو واللغة والأدب، ماهر «3» الكتابة، رائق الشعر، بديع التّوشيح، سريع البديهة، جاريا على أخلاق الملوك في مركبه وملبسه وزيّه. قال ابن مسعدة «4» : وطىء من درجات العزّ والمجد أعلاها، وفرع من الأصالة منتماها. ثم علت همّته إلى طلب الرّئاسة والملك، فارتحل إلى بلاد العدوة، ودعا إلى نفسه، فأجابه إلى ذلك الخلق الكثير، والجمّ الغفير، ودعوه باسم الخليفة، وحيّوه بتحيّة الملك. ثم خانته الأقدار، والدهر بالإنسان غدّار، فأحاطت به جيوش الناصر «5» بن المنصور، وهو في جيش عظيم من البربر، فقطع رأسه، وهزم جيشه، وسيق إلى باب الخليفة، فعلّق على باب مرّاكش، في شبكة حديد، وبقي به مدة من عشرين سنة «6» . قال أبو جعفر بن الزبير: كان أحد نبهاء وقته لولا حدّة كانت فيه أدّت به إلى ما حدّثني به بعض شيوخي من صحبه. قال: خرجنا معه يوما على باب من أبواب مراكش برسم الفرجة، فلمّا كان عند الرجوع نظرنا إلى رؤوس معلّقة، وتعوّذنا بالله من الشّرّ وأهله، وسألناه سبحانه العافية. قال: فأخذ يتعجب منّا، وقال: هذا خور طريقة وخساسة همّة، والله ما الشرف والهمّة إلّا في تلك، يعني في طلب الملك، وإن أدّى الاجتهاد فيه إلى الموت دونه على تلك الصّفة. قال: فما برحت الليالي والأيام، حتى شرع في ذلك، ورام الثورة، وسيق رأسه إلى مراكش، فعلق في جملة تلك الرءوس، وكتب عليه، أو قيل الجزء: 3 ¦ الصفحة: 360 فيه: [الطويل] لقد طمّح المهر الجموح لغاية ... فقطّع أعناق الجياد السّوابق جرى وجرت رجلاه لكنّ رأسه ... أتى سابقا والجسم ليس بسابق وكانت ثورته ببعض جهات درعة من بلاد السّوس. مشيخته: أخذ عن صهره القاضي أبي محمد عبد المنعم بن عبد الرحيم، وعن غيره من أهل بلده، وتفقّه بهم، وبهر في العقليّات والعلوم القديمة، وقرأ على القاضي المحدّث أبي بكر بن أبي زمنين، وتلا على الأستاذ الخطيب أبي عبد الله بن عروس، والأدب والنحو على الأستاذ الوزير أبي يحيى بن مسعدة. وأجازه الأستاذ الخطيب أبو جعفر العطّار. ومن شعره في الثورة «1» : [البسيط] قولوا لأولاد «2» عبد المؤمن بن علي ... تأهّبوا لوقوع الحادث الجلل قد جاء «3» فارس «4» قحطان وسيّدها «5» ... ووارث الملك «6» والغلّاب للدول ومن شعره القصيدة الشهيرة وهي: [الكامل] الله حسبي لا أريد سواه ... هل في الوجود الحق إلّا الله؟ ذات الإله بها تقوم دولتنا «7» ... هل كان يوجد غيره لولاه؟ يا من يلوذ بذاته أنت الذي ... لا تطمع الأبصار في مرآه لا غرو أنّا قد رأيناه بها ... فالحقّ يظهر ذاته وتراه يا من له وجب الكمال بذاته ... فالكل غاية فوزهم لقياه أنت الذي لمّا تعالى جدّه ... قصرت خطا الألباب دون حماه أنت الذي امتلأ الوجود بحمده ... لمّا غدا ملآن من نعماه أنت الذي اخترع الوجود بأسره ... ما بين أعلاه إلى أدناه الجزء: 3 ¦ الصفحة: 361 أنت الذي خصّصتنا بوجودنا ... أنت الذي عرّفتنا معناه أنت الذي لو لم تلخ أنواره ... لم تعرف الأضداد والأشباه لم أفش ما أودعتنيه إنّه ... ما صان سرّ الحقّ من أفشاه عجز الأنام عن امتداحك إنه ... تتضاءل الأفكار دون مداه من كان يعلم أنك الحقّ الذي ... بهر العقول فحسبه وكفاه لم ينقطع أحد إليك محبّة ... إلّا وأصبح حامدا عقباه وهي طويلة ................ ................ ................. ................ ................ ................ ................ ... «1» من أهل غرناطة، يكنى أبا ورد، ويعرف بابن القصجة. عديم رواء الحسّ، قريب العهد بالنجعة، فارق وطنه وعيصه، واستقبل المغرب ... الوفادة، وقدم على الأندلس في أخريات دولة الثاني «2» من الملوك النصريين، فمهد جانب البر له، وقرب مجلسه، ورعى وسيلته، وكان على عمل بر من صوم واعتكاف وجهاد. نباهته: ووقف بي ولده الشريف أبو زيد عبد الرحيم، على رسالة كتب بها أمير مكة على عهده إلى سلطان الأندلس ثاني الملوك النصريين، رحمهم الله، وعبّر فيها عن نفسه: من عبد الله، المؤيّد بالله، محمد بن سعد الحرسني، في غرض المواصلة والمودة والمراجعة عن بر صدر عن السلطان، رحمه الله، من فصولها: «ثم أنكم، رضي الله عنكم، بالغنم في الإحسان للسيد الشريف أبي القاسم الذي انتسب إلينا، وأويتموه من أجلنا، وأكرمتموه، ورفعتموه احتراما لبيته الشريف، جعل الله عملكم معه وسيلة بين يدي جدّنا عليه السلام» . وهي طويلة وتحميدها ظريف، من شنشنة أحوال تلك البال بمكة المباركة. وفاته: توفي شهيدا في الوقيعة بين المسلمين والنصارى بظاهر ألمرية عندما وقع الصريخ لإنجادها، ورفع العدو البرجلوني عنها في السادس والعشرين من شهر ربيع الأول عام عشرة وسبعمائة. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 362 ومن ترجمة المقرئين والعلماء والطلبة النجباء من ترجمة الطارئين منهم عبد الرحمن «1» بن عبد الله بن أحمد بن أبي الحسن أصبغ بن حسن «2» بن سعدون بن رضوان بن فتّوح الخثعمي مالقي، يكنى أبا زيد، وأبا القاسم، وأبا الحسين، وهي قليلة، شهر بالسّهيلي. حاله: كان مقرئا مجوّدا، متحققا بمعرفة التفسير، غواصا على المعاني البديعة، ظريف التّهدّي إلى المقاصد الغريبة، محدّثا، واسع الرّواية، ضابطا لما يحدّث به، حافظا متقدما، ذاكرا للأدب والتواريخ والأشعار والأنساب، مبرّزا في الفهم، ذكيّا، أديبا، كاتبا بليغا، شاعرا مجيدا، نحويا، عارفا، بارعا، يقظا، يغلب عليه علم العربية والأدب. استدعي آخرا إلى التدريس بمرّاكش، فانتقل إليها من مالقة، محلّ إقرائه، ومتبوّأ إفادته، فأخذ بها الناس عنه، إلى حين وفاته. مشيخته: تلا «3» بالحرمين على خال أبيه الخطيب أبي الحسن بن عباس، وبالسّبع على أبي داود بن يحيى، وعلى أبي علي منصور بن علاء، وأبي العباس بن خلف بن رضي، وروى عن أبي بكر بن طاهر، وابن العربي، وابن قندلة، وأبي الحسن شريح، وابن عيسى، ويونس بن مغيث، وأبي الحسن بن الطّراوة، وأكثر عنه في علوم اللسان، وأبي عبد الله حفيد مكّي، وابن أخت غانم، وابن معمّر، وابن نجاح، وأبي العباس بن يوسف بن يمن الله، وأبوي القاسم ابن الأبرش، وابن الرّماك، وأبوي محمد بن رشد، والقاسم بن دحمان، وأبوي مروان بن بونة، وأبي عبد الله بن بحر. وناظر في «المدوّنة» على ابن هشام. وأجاز له ولم يلقه أبو العباس عبّاد بن سرحان، وأبو القاسم بن ورد. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 363 من روى عنه: روى عنه أبو إسحاق الزّوالي، وأبو إسحاق الجاني، وأبو أمية بن عفير، وأبو بكر بن دحمان، وابن قنتوال، والمحمدون ابن طلحة، وابن عبد العزيز، وابن علي جو يحمات، وأبو جعفر بن عبد المجيد، والحفّار وسهل بن مالك، وابن العفّاص، وابن أبي العافية، وأبو الحسن السّراج، وأبو سليمان بن حوط الله، والسمائي، وابن عياش الأندرشي، وابن عطية، وابن يربوع، وابن رشيد، وابن ناجح، وابن جمهور، وأبو عبد الله بن عيّاش الكاتب، وابن الجذع، وأبو علي الشّلوبين، وسالم بن صالح، وأبو القاسم بن بقي، وأبو القاسم بن الطّيلسان، وعبد الرحيم بن الفرس، وابن الملجوم، وأبو الكرم جودي، وأبو محمد بن حوط الله، إلى جملة لا يحصرها الحدّ. دخل غرناطة، وكان كثير التأميل والمدح لأبي الحسن بن أضحى، قاضيها وريّسها «1» ، وله في مدحه أشعار كثيرة، وذكر لي من أرّخ في الغرناطيين، وأخبرني بذلك صاحبنا القاضي أبو الحسن بن الحسن كتابة عمّن يثق به. تواليفه: منها كتاب «الشّريف «2» والإعلام، بما أبهم في القرآن من أسماء الأعلام» . ومنها شرح آية الوصية، ومنها «الرّوض الآنف «3» والمشرع الرّوا، فيما اشتمل عليه كتاب السيرة واحتوى» . وابتدأ إملاءه في محرم سنة تسع وستين وخمسمائة، وفرغ منه في جمادى منها. ومنها «حلية النّبيل، في معارضة ما في السّبيل» . إلى غير ذلك. شعره: قال أبو عبد الله بن عبد الملك: أنشدني أبو محمد القطّان، قال: أنشدني أبو علي الرّندي، قال: أنشدني أبو القاسم السّهيلي لنفسه «4» : [الطويل] أسائل عن جيرانه من لقيته ... وأعرض عن ذكراه والحال تنطق الجزء: 3 ¦ الصفحة: 364 وما لي إلى جيرانه من صبابة ... ولكنّ قلبي «1» عن صبوح يوفّق «2» ونقلت من خطّ الفقيه القاضي أبي الحسن بن الحسن، من شعر أبي القاسم السّهيلي، مذيّلا بيت أبي العافية في قطعة لزوميّة: [الطويل] ولمّا رأيت الدّهر تسطو خطوبه ... بكل جليد في الورى أو هداني» ولم أر من حرز ألوذ بظلّه ... ولا من له بالحادثات يداني فزعت إلى من ملّك «4» الدهر كفّه ... ومن ليس ذو ملك له بمران وأعرضت عن ذكر الورى متبرّما ... إلى الرّب من قاص هناك ودان وناديته سرّا ليرحم عبرتي ... وقلت: رجائي قادني وهداني ولم أدعه حتى تطاول مفضلا ... عليّ بإلهام الدّعاء وعان وقلت: أرجّي عطفه متمثّلا ... ببيت لعبد صائل بردان «5» تغطّيت من دهري بظلّ جناحه ... عسى أن ترى «6» دهري وليس يراني قلت: وما ضرّه، غفر الله له، لو سلمت أبياته من «بردان» ، ولكن أبت صناعة النحو إلّا أن تخرج أعناقها. ومن شعره قوله: [المتقارب] تواضع إذا كنت تبغي العلا ... وكن «7» راسيا عند صفو الغضب فخفض الفتى نفسه رفعة ... له واعتبر برسوب الذّهب وشعره كثير، وكتابته كذلك، وكلاهما من نمط يقصر عن الإجادة. وقال ملغزا في محمل الكتب، وهو مما استحسن من مقاصده: [الخفيف] حامل للعلوم غير فقيه ... ليس يرجو أمرا ولا يتّقيه يحمل العلم فاتحا قدميه ... فإذا انضمّتا «8» فلا علم فيه الجزء: 3 ¦ الصفحة: 365 ومن ذلك قوله في المجبنات «1» : [الكامل] شغف الفؤاد نواعم أبكار ... بردت فؤاد الصّبّ وهي حرار أذكى من المسك الفتيق «2» لناشق ... وألذّ من صهباء حين تدار وكأنّ «3» من صافي اللّجين بطونها ... وكأنّما ألوانهنّ نضار صفت البواطن والظواهر كلها «4» ... لكن حكت ألوانها الأزهار عجبا «5» لها وهي النعيم تصوغها ... نار، وأين من النّعيم النار؟ ومن شعره وثبت في الصّلة: [المتقارب] إذا قلت يوما: سلام عليك ... ففيها شفاء وفيها سقام شفا إذ قلتها مقبلا ... وإن قلتها مدبرا فالحمام فاعجب لحال اختلافيهما ... وهذا سلام وهذا سلام مولده: عام سبعة أو ثمانية وخمسمائة «6» . وفاته: وتوفي في مرّاكش سحر ليلة الخامس والعشرين من شعبان أحد وثمانين وخمسمائة «7» ، ودفن لظهره بجبّانة الشيوخ خارج مراكش، وكان قد عمي سبعة عشر «8» عاما من عمره. عبد الرحمن بن هانىء اللخمي يكنى أبا المطرف، من أهل فرقد من قرى إقليم غرناطة. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 366 حاله: كان فقيها فاضلا، وتجوّل في بلاد المشرق. قال: أنشدني إمام الجامع بالبصرة: [الوافر] بلاء ليس يشبهه بلاء ... عداوة غير ذي حسب ودين ينيلك منه عرضا لم يصنه ... ويرتع منك في عرض مصون عبد الرحمن بن أحمد بن أحمد بن محمد الأزدي «1» من أهل غرناطة، يكنى أبا جعفر، ويعرف بابن القصير «2» . حاله: كان «3» فقيها [مشاورا، رفيع القدر جليلا] «4» ، بارع الأدب، عارفا بالوثيقة، نقّادا لها، صاحب رواية ودراية، تقلّب ببلاد الأندلس، وأخذ الناس عنه بمرسية وغيرها. ورحل إلى مدينة فاس، وإفريقية، وأخذ بها، وولّي القضاء بتقرش «5» من بلاد الجريد. مشيخته: روى «6» عن أبيه القاضي أبي الحسن بن أحمد، وعن عمّه أبي مروان، وعن أبوي الحسن بن درّي، وابن الباذش، وأبي الوليد بن رشد، وأبي إسحاق بن رشيق الطليطلي، نزيل وادي آش، وأبي بكر بن العربي، وأبي الحسن بن وهب «7» ، وأبي محمد عبد الحق بن عطيّة، وأبي عبد الله بن أبي الخصال، وأبي الحسن يونس بن مغيث، وأبي القاسم بن ورد، وأبي بكر بن مسعود الخشني، وأبي القاسم بن بقيّ، وأبي الفضل عياض بن موسى بن عياض، وغيرهم. تواليفه «8» : له تواليف وخطب ورسائل ومقامات، وجمع مناقب من أدركه من أهل عصره، واختصر كتاب الجمل «9» لابن خاقان الأصبهاني، وغير ذلك، وألّف برنامجا يضم رواياته. من روى عنه: روى عنه ابن الملجوم «10» ، واستوفى خبره. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 367 وفاته: ركب «1» البحر قاصدا الحج، فتوفي شهيدا في البحر؛ قتله الرّوم بمرسى تونس مع جماعة من المسلمين، صبح يوم الأحد، في العشر الوسط من شهر ربيع الآخر سنة ست وسبعين وخمسمائة «2» . عبد الرحمن بن إبراهيم بن محمد الأنصاري يكنى أبا بكر، ويعرف بابن الفصّال. حاله: هذا الرجل فاضل عريق في العدالة، ذكيّ، نبيل، مختصر الجرم، شعلة من شعل الإدراك، مليح المحاورة، عظيم الكفاية، طالب متقن. قرأ على مشيخة بلده، واختصّ منهم بمولى النعمة على أبناء جنسه، أبي سعيد ابن لب، واستظهر من حفظه كتبا كثيرة، منها كتاب التفريع في الفروع، وارتسم في العدول، وتعاطى لهذا العهد الأدب، فبرّز في فنّه. أدبه: مما جمع فيه بين نظمه ونثره، قوله يخاطب الكتّاب، ويسحر ببراعته الألباب: [الطويل] لعلّ نسيم الريح يسري عليله ... فأهدي صحيح الودّ طيّ سقيم لتحملها عنّي وأزكى تحية ... لقيت «3» ككهف مانع ورقيم ويذكر ما بين الجوانح من جوى ... وشوق إليهم مقعد ومقيم يا كتّاب المحلّ السامي، والإمام المتسامي، وواكف الأدب البسّامي، أناشدكم بانتظامي، في محبّتكم وارتسامي، وأقسم بحقّكم عليّ وحبّذا إقسامي، ألا ما أمددتم بأذهانكم الثاقبة، وأسعدتم بأفكاركم النّيرة الواقبة، على إخراج هذا المسمّى، وشرح ما أبهمه المعمّى، فلعمري لقد أحرق مزاجي، وفرّق امتزاجي، وأظلم به وهاجي، وغطّى على مرآة ابتهاجي، فأعينوني بقوة ما استطعتم، وأقطعوني من مددكم ما قطعتم، وآتوني بذلك كلّه إعانة وسدّا وإلّا فها هو بين يديكم ففكّوا غلقه، واسردوا خلقه، واجمعوا مضغه المتباينة وعلقه، حتى يستقيم جسدا قائما بذاته، متّصفا بصفاته المذكورة ولذّاته، قائلا بتسلّيه أسلوبا، مصحفا كان أو مقلوبا. وإن تأبّى عليكم وتمنّع، وأدركه الحياء فتستّر وتقنّع، وضرب على آذان الشّهدا، وربط على قلوبهم من الإرشاد له والاهتداء، فابعثوا أحدكم إلى الجزء: 3 ¦ الصفحة: 368 المدينة، ليسأل عنه خدينه: [المتقارب] أحاجي ذوي العلم والحلم ممن ... ترى شعلة الفهم من زنده عن اسم هو الموت مهما دنا ... وإن بات يبكى على فقده لذيذ وليس بذي طعم ... ويؤمر بالغسل من بعده وأطيب ما يجتنيه الفتى ... لدى ربّة الحسن أو عبده مضجّعه عشر الثلث في ... حساب المصحّف من خدّه وإن شئت قل: مطعم ذمّه الر ... رسول وحضّ على بعده وقد جاء في الذّكر إخراجه ... لقوم نبيّ على عهده وتصحيف ضدّ له آخر ... يبارك للنّحل في شهده وتصحيف مقلوبه ربّه ... تردّد من قبل في ردّه فهاكم معانيه قد بدت ... كنار الكريم على نجده وكتب للولد، أسعده الله، يتوسّل إليه، ويروم قضاء حاجته: [الخفيف] أيها السيد العزيز، تصدّق ... في المقام العليّ لي بالوسيلة عند ربّ الوزارتين أطال ال ... له أيامه حسانا جميلة علّه أن يجيرني من زمان ... مسّني الضّرّ من خطاه الثّقيلة واستطالت عليّ بالنّهب جورا ... من يديه الخفيفة المستطيلة لم تدع لي بضاعة غير مزجا ... ة ونزر أهون به من قليله وإذا ما وفّى لي الكيل يوما ... حشفا ما يكيله سوء كيله فشفى بي غليله لا شفى بي ... دون أبنائه الجميع غليله من لهذا الزمان مذ نال منّي ... ليس لي بالزمان والله حيله غير أن يشفع الوزير ويدعو «1» ... عبده أو خديمه أو خليله دمت يا ابن الوزير في عزّك السا ... مي ودامت به الليالي كفيله سيدي الذي بعزّة جاهه أصول، وبتوسّلي بعنايته أبلغ المأمول والسّول، وأروم لما أنا أحوم عليه الوصول، ببركة المشفوع إليه والرسول، المرغوب من مجدك السّامي الصريح، والمؤمّل من ذلك الوجه السّنيّ الصبيح، أن تقوم بين يدي نجوى الشّفاعة، هذه الرّقاعة، وتعين بذاتك الفاضلة النفّاعة، من لسانك مصقاعة، حتى الجزء: 3 ¦ الصفحة: 369 ينجلي حالي عن بلج، وأتنسّم من مهبّات القبول طيب الأرج، وتتطلع مستبشرات فرحتي من ثنيّات الفرج، فإنّ سيّد الجماعة الأعلى، وملاذ هذه البسيطة وفحلها الأجلى، فسح الله تعالى في ميدان هذا الوجود بوجوده، وأضفى على هذا القطر ملابس السّتر برأيه السديد وسعوده، وبلّغه في جميعكم غاية أمله ومقصوده، قلّما تضيع عنده شفاعة الأكبر من ولده، أو يخيب لديه من توسّل إليه بأزكى قطع كبده، وبحقك ألا ما أمرت هذه الرّقعة، بالمثول بين يدي ذلك الزّكي الذّات الطاهر البقعة، وقل لها قبل الحلول بين يدي هذا المولى الكريم، والموئل الرحيم، بعظيم التوقير والتّبجيل، واعلمي يا أيتها السائل، أن هذا الرجل هو المؤمّل، بعد الله تعالى في هذا الجيل، والحجّة البالغة في تبليغ راجيه أقصى ما يؤملونه بالتعجيل، وخاتمة كلام البلاغة وتمام الفصاحة الموقف عليه ذلك كله بالتّسجيل، وغرّة صفح دين الإسلام المؤيدة بالتّحجيل. وهذا هو مدبّر فلك الخلافة العالية بإيالته، وحافظ بدر سمائها السامية بهالته، فقرّي بالمثول بين يديه عينا، ولقد قضيت على الأيام بذلك دينا، وإذا قيل ما وسيلة مؤمّلك، وحاجة متوسّلك، فوسيلته تشيّعه في أهل ذلك المعنى، وحاجته يتكفّل بها مجدكم الصميم ويعنى، وليست تكون بحرمة جاهكم من العرض الأدنى، وتمنّ فإنّ للإنسان هنالك ما تمنّى، وتولّى تكليف مرسلي بحسب ما وسعكم، وأنتم الأعلون والله معكم. ثم اثن العنان، والله المستعان، وأعيدي السلام، ثم عودي بسلام. وخاطب قاضي الحضرة، وقد أنكر عليه لباس ثوب أصفر: أبقى الله المثابة العليّة ومثلها أعلى، وقدحها في المعلوّات المعلّى، ما لها أمرت لا زالت بركاتها تنثال، ولأمر ما يجب الامتثال، بتغيير ثوبي الفاقع اللون، وإحالته عن معتاده في الكون، وإلحاقه بالأسود الجون أصبغه حدادا وأيام سيدي أيام سرور، وبنو الزمان بعدله ضاحك ومسرور، ما هكذا شيمة البرور، بل لو استطعنا أن نزهو له كالميلاد، ونتزيّا في أيامه بزيّ الأعياد، ونرفل من المشروع في محبر وموروس، ونتجلّى في حلل العروس، حتى تقرّ عين سيدي بكتيبة دفاعه، وقيمة نوافله وإشفاعه، ففي علم سيدي الذي به الاهتداء، وبفضله الاقتداء، تفضيل الأصفر الفاقع، حيثما وقع من المواقع، فهو مهما حضر نزهة الحاضرين، وكفاه فاقع لونها تسرّ الناظرين. ولقد اعتمّه جبريل عليه السلام، وبه تطرّز المحبرات والأعلام، وإنه لزيّ الظّرفاء، وشارة أهل الرّفاء، اللهمّ إلا إن كان سيدي دام له البقاء، وساعده الارتقاء، ينهي أهل التّبريز، عن مقاربة لون الذهب الإبريز، خيفة أن تميل له منهم ضريبة، فيزنّوا بريبة، فنعم إذا ونعمى عين، وسمعا وطاعة لهذا الأمر الهيّن اللّين، أتبعك لا زيدا وعمرا، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 370 ولا أعصى لك أمرا، ثم لا ألبس بعدها إلّا طمرا، وأتجرّد لطاعتك تجريدا، وأسلك إليك فقيرا ومزيدا، ولا أتعرّض للسّخط بلبس شفيف أستنشق هباه، وألبس عباه، وأبرأ من لباس زي ينشئ عتابا، يلقى على لسان مثل هذا كتابا، وأتوب منه متابا، ولولا أني الليلة صفر اليدين، ومعتقل الدّين، لباكرت به من حانوت صبّاغ رأس خابية، وقاع مظلمة جابية، فأصيّره حالكا، ولا ألبسه حتى أستفتي فيه مالكا، ولعلي أجدّ فأرضي سيدي بالتّزييّ بشارته، والعمل بمقتضى إشارته، والله تعالى يبقيه للحسنات ينبّه عليها، ويومي بعمله وحظّه إليها، والسلام. وخاطبني وقد قدم في شهادة المواريث بحضرة غرناطة: [السريع] يا منتهى الغايات دامت لنا ... غايتك القصوى بلا فوت طلبت إحيائي بكم فانتهى ... من قبله حالي إلى الموت وحقّ ذاك «1» الجاه جاه العلا ... لا متّ إلّا أن أتى وقتي «2» مولاي الذي أتأذّى من جور الزمان بذمام جلاله، وأتعوّذ من نقص شهادة المواريث بتمام كماله، شهادة يأباها المعسر والحيّ، ويودّ أن لا يوافيه أجله عليها الحيّ، مناقضة لما العبد بسبيله، غير مربح قطميرها من قليله، فإن ظهر لمولاي إعفاء عبده، فمن عنده، والله تعالى يمتّع الجميع بدوام سعده، والسلام الكريم يختص بالطاهر من ذاته ومجده، ورحمة الله وبركاته. من عبد إنعامكم ابن الفصّال لطف الله به: [البسيط] قد كنت أسترزق الأحياء ما رزقوا ... شيئا ولا ما «3» وفوني بعض أقوات فكيف حالي لمّا أن شكوتهم ... رجعت أطلب قوتي عند أمواتي «4» والسلام يعود على جناب مولاي، ورحمة الله وبركاته. وخاطب أحد أصحابه، وقد استخفى لأمر قرف به، برسالة افتتحها بأبيات على حرف الصاد، أجابه المذكور عن ذلك بما نصّه، وفيه إشارة لغلط وقع في الإعراب: [البسيط] يا شعلة من ذكاء أرسلت شررا ... إلى قريب من الأرجاء بعد قص وشبهة حملت دعوى السّفاح على ... فحل يليق به مضمونها وخص الجزء: 3 ¦ الصفحة: 371 رحماك بي فلقد جرّعتني غصصا ... أثار تعريضها المكتوم من غصّ بليتني بنكاة» القرح في كبدي ... كمثل مرتجف المجذوم بالبرص أيها الأخ الذي رقى ومسح، ثم فصح، وغشّ ونصح، ومزّق ثم نصح، وتلاهب بأطراف الكلام المشقّق فما أفصح، ما لسحّاتك ذات الجيد المنصوص، توهم سمة الودّ المرصوص، ثم تعدل إلى التأويلات عن النّصوص، وتؤنس على العموم، وتوحش على الخصوص، لا درّ درّه من باب برّ ضاع مفتاحه، وتأنيس حرّ سبق بالسجن استفتاحه، ومن الذي أنهى إلى أخي خبر ثقافي، ووثيقة تحبيسي وإيقافي، وقد أبى ذلك سعد فرعه باسق، وعزّ عقده متناسق. يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ «2» ، بل المثوى والحمد لله جنّات وغرف، والمنتهى مجد وشرف، فإن كان وليّي مكترثا فيحقّ له السّرور، أو شامتا فلي الظّل وله الحرور. أنا لا أزنّ والحمد لله بها من هناه، ولما أدين بها من عزّي ومناه، ولا تمرّ لي ببال فلست بذي سيف ولست بنكال نفسي أرقّ شيمة، وأكرم مشيمة، وعيني أغزر ديمة، لو كان يسأل لسان عن إنسان، أو مجاولته بملعبه خوان، أوقفني إخوان لا بمأزق عدوان، لارتسمت منه بديوان، لا يغني في حرب عوان. عين هذا الشكل والحمد لله فراره، وعنوان هذا الحدّ غراره. وأما كوني من جملة الصّفرة، وممن أجهز سيدي الفقار على ذي الفقرة، فأقسم لو ضرب القتيل ببعض البقرة، لتعين مقدار تلك الغفرة. اللهمّ لو كنت مثل سيدي ممن تتضاءل النخلة السّحوق لقامته، ويعترف عوج لديه بقماءته ودمامته، مقبل الظّعن كالبدور في سحاب الخدور، وخليفة السّيد الذي بلغت سراويله تندوة العدوّ الأيّد، لطلت بباع مديد، وساعدني الخلق بساعد شديد، وأنا لي جسم شحت، يحف به بخت، وحسب مثلي أن يعلم في ميدان هوى تسلّ فيه سيوف اللّحاظ، على ذوي الحفاظ، وتشرع سيوف القدود، إلى شكاة الصّدود، وتسطو أولو الجفون السّود بالأسود، فكيف أخشى تبعة تزلّ عن صفاتي، وتنافي صفاتي، ولا تطمع أسبابها في التفاتي، ولا تستعمل في حربها قنا ألفاتي. والله يشكر سيدي على اهتباله، ويحلّ كريم سباله، على ما ظهر لأجلي من شغف باله، إذ رفع ما ينصب، وغيّر ما لو غيّره الحجاج لكان مع الهيبة يحصب، ونكّت بأن نفقت بالحظ سوقي، وظهر لأجله فسوقي، ويا حبّذا هو من شفيع رفيع ووسيلة لا يخالفها الرّعي، ولا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 372 يخيب لها السّعي. ولله درّ القائل: [الكامل] لله بالإنسان في تعليمه ... بوساطة القلم الكريم عنايه فالخطّ خطّ والكتابة لم تزل ... في الدهر عن معنى الكمال كنايه وما أقرب، يا سيدي، هذه الدعوى لشهامتك، وكبر هامتك: [الكامل] لو كنت حاضرهم بخندق بلج ... ولحمل ما قد أبرموه فصال لخصصت بالدعوى التي عمّوا بها ... ولقيل: فصل جلاه الفصال وتركت فرعون بن موسى عبرة ... تتقدّ منه بسيفه الأوصال فاحمد الله الذي نجّاك من حضور وليمتها، ولم تشهد يوم حليمتها. وأما اعتذارك عما يقلّ من تفقّد الكنز، ومنتطح العنز، فورع في سيدي أتمّ من أن يتّهم بغيبة، ولسانه أعفّ من أن ينسب إلى ريبة، لما اتّصل به من فضل ضريبة، ومقاصد في الخير غريبة، إنما يستخفّ سيدي أفرط التّهم، رمي العوامل بالتّهم، فيجري أصحّ مجرى أختها، ويلبسها ثياب تحتها، بحيث لا إثم يترتّب، ولا هو ممن تعتب «1» ، وعلى الرجال فجنايته عذبة الجنا، ومقاصده مستطرفة لفصح أو كنى. أبقاه الله رب نفاضة وجرادة، ولا أخلى مبرده القاطع من برادة، وعوّده الخير عادة، ولا أعدمه بركة وسعادة، بفضل الله. والسلام عليه من وليّه المستزيد من ورش وليه، لا بل من قلائد حليه، محمد بن فركون القرشي، ورحمة الله وبركاته. فراجعه المترجم بما نصه، وقد اتّهم أن ذلك من إملائي: [البسيط] يا ملبس النّصح ثوب الغشّ متّهما ... يلوي النّصيحة عنه غير منتكص وجاهلا باتخاذ الهزل مأدبة ... أشدّ ما يتوقّى محمل الرّخص نصحته فقصاني فانقلبت إلى ... حال يغصّ بها من جملة الغصص بالأمس أنكرت آيات القصاص له ... واليوم يسمع فيه سورة القصص ممّن استعرت يا بابليّ هذا السّحر، ولم تسكن بناصية السحر، ولا أعملت إلى بابل هاروت امتطاء ظهر، ومن أين جئت بقلائد ذلك النّحر؟ أمن البحر، أو مما وراء النهر؟ ما لمثل هذه الأريحيّة الفاتقة، استنشقنا مهبّك ولا قبل هذه البارقة الفائقة، استكثرنا غيّك، يا أيها الساحر ادع لنا ربّك. أأضغاث أحلام ما تريه الأقلام، أم في لحظة تلد الأيام فرائد الأعلام؟ لقد عهدت بربعك محسن دعابة، ما فرعت شعابه، أو الجزء: 3 ¦ الصفحة: 373 مصيبا في صبابة، ما قرعت بابه، ولا استرجعت قبل أن أعبر عبابه. اللهمّ إلّا أن تكون تلك الآيات البيّنات من بنات يراعتك، لا براعتك، ومغترس تلك الزّهر، الطالعة كالكواكب الزّهر، مختلس يد استطاعتك، لا زراعتك، وإلّا فنطّرح مصائد التعليم والإنشاء، وننتظر معنى قوله عزّ وجلّ يؤتي الحكمة من يشاء، أو نتوسّل في مقام الإلحاح والإلحاف، أن ننقل من غائلة الحسد إلى الإنصاف، وحسبي أن أطلعت بالحديقة الأنيقة، ووقفت من مثلى تلك الطّريقة على حقيقة، فألفيت بها بيانا، قد وضح تبيانا أو أطلق عنانا، ومحاسن وجدت إحسانا، فتمثّلت إنسانا، سرّح لسانا، وأجهد بنانا، إلّا أنّ صادح أيكتها يتململ في قيظ، ويكاد يتميّز من الغيظ، فيفيض ويغيض، ويهيض وينهض ثم يهيض، ويأخذ في طويل وعريض، بتسبيب وتعريض، ويتناهض في ذلك بغير مهيض، وفاتن كمائمها تسأل عن الصّادح، ويتلقّف عصا استعجاله ما يفكّه المادح، ويحرق بناره زند القادح، ويتعاطى من نفسه بالإعجاب، ويكاد ينادي من وراء حجاب، إن هذا لشيء عجاب. إيه بغير تمويه رجع الحديث الأول، إلى ما عليه المعوّل، لا درّ درّها من نصيحة غير صحيحة، ووصيّة مودّة صريحة، تعلقت بغير ذي قريحة، فهي استعجلتني بداهية كاتب، واستطالة ظالم عاتب، قد سلّ مرهفه، واستنجد مترفه، وجهّزها نحو كتيبته تسفر عن تحجيل، بغير تبجيل، وسحابة سجلّ ترمي بسجّيل، ما كان إلّا أن استقلّت، ورمتني بدائها وانسلّت، وألقت ما فيها وتخلّت، فحسبي الله تغلّب على فهمي، ورميت بسهمي، وقتلت بسلاحي، وأسكرت براحي، برئت برئت، مما به دهيت، أنت أبقاك الله لم تدن بها مني منالا وعزّا، فكيف بها تنسب إليّ بعدك وتعزى؟ نفسي التي هي أرقّ وأجدر بالمعالي وأحقّ، وشكلي أخفّ على القلوب وأدقّ، وشمائلي أملك فلا تسترق، ولساني هو الذي يسأل فلا يفلّ، وقدري يعزّ ويجلّ، عما فخرت أنت به من ملعب مائدة، ومجال رقاب متمايدة، فحاشى سيدي أن يقع منه بذلك مفخر، إلا أن يكون يلهو ويسخر، وموج بحره بالطّيّب والخبيث تزخر، وعين شكلي هي بحمد الله عين الظّرف، المشار إليه بالبنان والطّرف. وأما تعريض سيدي بصغر القامة، وتكبيره لغير إقامة، فمطّرد قول، ومدامة غول، وفريضة نشأ فيها عول، إذ لا مبالاة تجسم كائنا ما كان، أو ما سمعت أنّ السّر في السّكان، وإنما الجسد للرّوح مكان، ولم يبق إليه فقد يروح، وقد قال ويسألونك عن الرّوح، والمرء بقلبه ولسانه، لا بمستظهر عيانه، ولله درّ القائل: [الكامل] لم يرضني أني بجسم هائل ... والرّوح ما وفّت له أغراضه ولقد رضيت بأنّ جسمي ناحل ... والروح سابغة به فضفاضه الجزء: 3 ¦ الصفحة: 374 ولما وقّع سيدي بمكتوبي على المرفوع والمنصوب، وظفرت يده بالمغضوب، والباحث المعصوب، لم يقلها زلّة عالم، وإني وقد وجدتها منية حالم، فعدّد وأعاد، وشدّد وأشاد. هلّا عقل ما قال، وعلم أن المقيل سيكون مقال، وزلّة العالم لا تقال، وأن الحرب سجال، وقبضة غيره هو المتلاعب في الحجال؟ وبالجملة فلك الفضل يا سيدي ما اعتني بمعناك، وارتفع بين مغاني الكرام مغناك، فمدة ركوبك الحمران لا تجارى، ولا يشقّ أحد لك غبارا. أبقاك الله تحفظ عرى هذا الوداد، ويشمل الجميع بركة ذلك النّاد، والسلام عليك من ابن الفصّال، ورحمة الله وبركاته. وجعلا إليّ التّحكيم، وفوّضا لنظري التّفضيل فكتبت: [البسيط] بارك عليها بذكر الله من قصص ... واذكر لها «1» ما أتى في سورة القصص حيث اغتدى السّحر يلهو بالعقول وقد ... أحال بين حؤول «2» كيده وعصي «3» عقائل العقل والسحر الحلال قوت ... من كافل الصّون بعد الكون جحر وصي «4» وأقبلت تتهادى كالبدور إذا ... بسحر من فلك النّذور في حصص من للبدور وربّات الخدور بها ... المثل غير مطيع والمثيل «5» عصي «6» ما قرصة البدر والشّمس المنيرة أن ... قيست بمن قاسها «7» من جملة القرض تالله ما حكمها يوما بمنتقض ... كلّا ولا بدرها يوما بمنتقص إن قال حكمي فيها بالسّواد فقد ... أمنت ما يحذر القاضي من الغصص الجزء: 3 ¦ الصفحة: 375 أو كنت أرخصت في التّرجيح مجتهدا ... لم يقبل الورع الفتيا مع الرّخص يا مدلج ليل التّرجيح، قف فقد خفيت الكواكب، ويا قاضي طرف التّحسين والتّقبيح، تسامت والحمد لله المناكب، ويا مستوكف خبر الوقيعة من وراء أقتام القيعة تصالحت المواكب. حصحص الحقّ فارتفع اللّجاج، وتعارضت الأدلّة فسقط الاحتجاج، ووضعت الحرب أوزارها فسكن العجاج، وطاب نحل الأقلام بأزهار الأحلام فطاب المجاج، وقلّ لفرعون البيان وإن تألّه، وبلّد العقول وبلّه، وولّى بالغرور ودلّه. أوسع الكنائن نثلا، ودونك أيّدا شثلا، وشحرا حثلا، لا خطما ولا أثلا. إن هذان لساحران إلى قوله: ويذهبا بطريقتكم المثلى وإن أثرت أدب الحليم، مع قصّة الكليم، فقل لمجمل جياد التّعاليم، وواضع جغرافيا الأقاليم، أندلسا ما علمت بلد الأجم، لا سود العجم، ومداحض السّقوط، على شوك قتاد القوط، ولم يذر إن محل ذات العجائب والأسرار التي تضرب إليها أباط النّجاب في غير الإقليم الأول، وهذا الوطن بشهادة القلب الحوّل، إنما هو رسم دارس ليس عليه من معوّل. فهنالك يتكلم الحق فيفصح ويعجم، ويرد المدد على النفوس الجريئة من مطالع الأضواء فيحدّث ويلهم، ويجود خازن الأمداد، على المتوسّل بوسيلة الاستعداد، فيقطع ويسهم. وأما إقليمنا الرابع والخامس، بعد أن تكافأت المناظر والملامس، وتناصف الليل الدّامس واليوم الشّامس، باعتدال ربيعي، ومجرى طبيعي، وذكيّ بليد، ومعاش وتوليد، وطريف في البداوة وتليد، ليس به برباه ولا هرم، يخدم بها درب محترم، ويشبّ لقرياته حرم، فيفيد روحانيا يتصرف، ورئيسا يتعرّض ويتعرّف، كلما استنزل صاب، وأعمل الانتصاب، وجلب المآرب وأذهب الأوصاب، وعلم الجواب، وفهم الصواب. ولو فرضنا هذه المدارك ذوات أمثال، أو مسبوقة بمثال، لتلقينا منشور القضاء بامتثال، لكنّا نخاف أن نميل بعض الميل، فنجني بذلك أبخس الجري وإرضاء الذّميل، ونجرّ تنازع الفهري مع الصّميل. فمن خيّر ميّز، ومن حكم أزري به وتهكّم، وما سلّ سيوف الخوارج، في الزمن الدّارج، إلّا التّحكيم، حتى جهل الحكيم، وخلع الخطام ونزع الشّكيم، وأضرّ بالخلق نافع، وذهب الطفل لجراه واليافع، وذم الذّمام وردّ الشّافع، وقطر سيف قطري، بكل نجيع طري، وزار الشّيب الأسد الهصور، وصلّت الغزالة بمسجد الثّقفي وهو محصور، وانتهبت المقاصير والقصور، إلّا أن مستأهل الوظيفة الشّرعية عند الضرورة يجبر، والمنتدب للبرّ محيي عند الله ويجبر، واجعلني على خزائن الأرض وهو الأوضح والأشهر، فيها به يستظهر. وأنا فإن حكمت على التّعجيل، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 376 فغير مشهد على نفسي بالتّسجيل، إنما هو تلفيق يرضى وتطفيل، يعتب عليه من تصدّع بالحق ويمضى، إلّا أن يغضى، ورأيي فيها المراضاة والاستصلاح، وإلّا فالسّلاح والرّكاب الطلّاح، والصلح خير، وما استدفع بمثل التّسامح ضير. ومن وقف عليه، واعتبر ما لديه، فليعلم أني صدعت وقطعت، والحقّ أطعت، وإن أريد إلّا الإصلاح ما استطعت، والسلام. عبد الرحمن بن محمد بن محمد بن محمد بن الحسن ابن محمد بن جابر بن محمد بن إبراهيم بن محمد ابن عبد الرحمن بن خلدون الحضرمي «1» من ذرّية «2» عثمان أخي كريب المذكور في نبهاء ثوار الأندلس. وينتسب «3» سلفهم إلى وائل بن حجر، وحاله عند القدوم على رسول الله صلى الله عليه وسلم، معروف «4» . أوليته: قد ذكر بعض منها. وانتقل «5» سلفه من مدينة إشبيلية عن نباهة وتعيّن وشهرة «6» عند الحادثة بها، أو قبل ذلك، واستقرّ «7» بتونس منهم ثالث «8» المحمدين؛ محمد بن الحسن، وتناسلوا على سراوة «9» وحشمة ورسوم حسنة، وتصرّف جدّ المترجم به لملوكها «10» في القيادة. حاله: هذا «11» الرجل الفاضل حسن الخلق، جمّ الفضائل باهر الخصل، رفيع القدر، ظاهر الحياء، أصيل المجد، وقور المجلس، خاصّيّ الزّيّ، عالي الهمّة، عزوف عن الضّيم، صعب المقادة، قوي الجأش، طامح لقنن «12» الرئاسة، خاطب للحظّ، متقدّم في فنون عقلية ونقلية، متعدّد المزايا، سديد البحث، كثير الحفظ، صحيح التّصوّر، بارع الخطّ، مغرى بالتجلّة، جواد الكفّ «13» ، حسن العشرة، مبذول الجزء: 3 ¦ الصفحة: 377 المشاركة، مقيم لرسوم التّعين، عاكف على رعي خلال الأصالة، مفخرة «1» من مفاخر التّخوم المغربية. مشيخته: قرأ «2» القرآن ببلده على المكتّب ابن برال، والعربية على المقرئ الزواوي «3» ، وابن العربي، وتأدّب بأبيه، وأخذ عن المحدّث أبي عبد الله بن جابر الوادي آشي. وحضر مجلس القاضي أبي عبد الله بن عبد السلام، وروى عن الحافظ عبد الله «4» السّطي، والرئيس أبي محمد عبد المهيمن الحضرمي، ولازم العالم الشهير أبا عبد الله الآبلي، وانتفع به. توجّهه إلى المغرب: انصرف «5» عن «6» إفريقية منشئه، بعد أن تعلّق بالخدمة السلطانية على الحداثة وإقامته لرسم العلامة بحكم الاستنابة عام ثلاثة وخمسين وسبعمائة. وعرف فضله، وخطبه السلطان منفّق سوق العلم والأدب أبو عنان فارس بن علي بن عثمان، واستقدمه «7» ، واستحضره بمجلس المذاكرة، فعرف حقّه، وأوجب فضله، واستعمله في «8» الكتابة أوائل عام ستة وخمسين، ثم عظم عليه حمل الخاصّة من طلبة الحضرة لبعده عن حسن التأنّي، وشفوفه بثقوب الفهم، وجودة الإدراك، فأغروا به السلطان إغراء عضّده ما جبل عليه عندئذ «9» من إغفال التّحفّظ، ممّا يريب لديه، فأصابته شدّة تخلّصه منها أجله؛ كانت مغربة في جفاء ذلك الملك، وهناة جواره، وإحدى العواذل لأولي الهوى في القول بفضله، [واستأثر به الاعتقال باقي أيام دولته على سنن الأشراف من الصّبر] 1» وعدم الخشوع، وإهمال التوسّل، وإبادة المكسوب في سبيل النّفقة، والإرضاخ على زمن المحنة، وجار المنزل الخشن، إلى أن أفضى الأمر إلى السّعيد ولده، فأعتبه قيّم الملك لحينه، وأعاده إلى رسمه. ودالت الدولة إلى السلطان أبي سالم، وكان له به الاتصال، قبل تسوّغ المحنة، بما أكد حظوته، فقلّده ديوان الإنشاء مطلق الجرايات، محرّر السّهام، نبيه الرّتبة، إلى آخر أيامه. ولمّا ألقت الدولة مقادها بعده إلى الوزير عمر بن عبد الله، مدبّر الأمر، وله إليه قبل ذلك «11» وسيلة، وفي حليه شركة، وعنده حقّ، رابه تقصيره عمّا ارتمى إليه أمله، فساء ما بينهما إلى أن آل إلى انفصاله عن الباب المريني. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 378 دخوله غرناطة: ورد «1» على الأندلس في أوائل «2» شهر ربيع الأول من عام أربعة وستين وسبعمائة، واهتزّ له السلطان، وأركب خاصّته لتلقّيه، وأكرم وفادته، وخلع عليه، وأجلسه بمجلسه الخاص «3» ، ولم يدّخر عنه برّا ومؤاكلة ومطايبة وفكاهة. وخاطبني لما حلّ بظاهر الحضرة مخاطبة لم تحضرني الآن، فأجبته عنها بقولي «4» : [الطويل] حللت حلول الغيث في البلد المحل ... على الطائر الميمون والرّحب والسّهل يمينا بمن تعنو الوجوه لوجهه ... من الشّيخ والطفل المهدّإ «5» والكهل لقد نشأت عندي للقياك غبطة ... تنسّي اغتباطي بالشّبيبة والأهل «6» أقسمت «7» بمن حجّت قريش لبيته، وقبر صرفت أزمّة الأحياء لميته، [ونور ضربت الأمثال بمشكاته «8» وزيته، لو خيّرت أيها الحبيب] «9» الذي زيارته الأمنية السّنيّة، والعارفة الوارفة، واللطيفة المطيفة، بين رجع الشّباب يقطر ماء، ويرفّ نماء، ويغازل عيون الكواكب، فضلا عن الكواعب، إشارة وإيماء، بحيث لا الوخط «10» يلمّ بسياج لمّته، أو يقدح ذبالة «11» في ظلمته، أو يقوم حواريّه في ملّته «12» ، من الأحابش وأمّته، وزمانه روح وراح، ومغدى في النّعيم ومراح، وقصف صراح «13» ، [ورقّى «14» وجراح،] «15» وانتحاب «16» واقتراح، وصدور ما بها إلّا انشراح، ومسرّات تردفها أفراح. وبين قدومك خليع الرّسن، ممتّعا والحمد الجزء: 3 ¦ الصفحة: 379 لله «1» باليقظة والوسن، محكما في نسك الجنيد أو فتك الحسن، ممتعا بظرف المعارف، مالئا أكفّ الصّيارف، ماحيا بأنوار البراهين شبه الزّخارف- لما اخترت الشّباب وإن شاقني «2» زمنه، وأعياني ثمنه، وأجرت سحاب «3» دمعي دمنه. فالحمد لله الذي رقى «4» جنون اغترابي، وملّكني أزمة آرابي، وغبّطني بمائي وترابي، [ومألف أترابي،] «5» وقد أغصّني بلذيذ شرابي، ووقّع على سطوره المعتبرة إضرابي، وعجّلت هذه مغبّطة بمناخ المطيّة «6» ، ومنتهى الطّيّة، وملتقى السّعود «7» غير البطيّة، وتهنّي الآمال الوثيرة الوطيّة، فما شئت من نفوس عاطشة إلى ريّك، متجمّلة بزيّك، عاقلة خطى مهريّك، ومولى مكارمه نشيدة أمثالك، ومظانّ «8» مثالك، وسيصدق الخبر ما هنالك، ويسع «9» فضل مجدك في «10» التخلّف عن الإصحار «11» ، لا بل اللقاء من وراء البحار، والسّلام. ولما «12» استقرّ بالحضرة، جرت بيني وبينه مكاتبات أقطعها الظّرف جانبه، وأوضح الأدب فيها «13» مذاهبه. فمن ذلك ما خاطبته به، وقد تسرّى جارية روميّة اسمها هند صبيحة الابتناء بها: [السريع] أوصيك بالشيخ أبي بكره ... لا تأمنن في حالة مكره واجتنب الشّكّ إذا جئته ... جنّبك الرحمن ما تكره سيدي، لا زلت تتّصف بالوالج، بين الخلاخل والدّمالج «14» ، وتركض فوقها ركض الهمالج «15» أخبرني كيف كانت الحال، وهل حطّت بالقاع من خير البقاع الرّحال، وأحكم بمرود «16» المراودة الاكتحال، وارتفع بالسّقيا الإمحال، وصحّ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 380 الانتحال، وحصحص الحقّ وذهب المحال، وقد طولعت بكل بشرى وبشر، وزفّت هند منك إلى بشر، فلله من عشيّة تمتّعت من الربيع بفرش موشيّة، وابتذلت «1» منها أي وساد وحشية، وقد أقبل ظبي الكناس، من الدّيماس، ومطوق الحمام، من الحمّام، وقد حسّنت الوجه الجميل التّطرية «2» ، وأزيلت عن الفرع الأثيث الإبرية «3» ، وصقلت الخدود فهي «4» كأنها الأمرية «5» ، وسلّط الدّلك على الجلود، وأغريت النّورة بالشّعر المولود، وعادت الأعضاء يزلق عنها اللّمس، ولا تنالها البنان الخمس، والسّحنة يجول في صفحتها الفضّيّة ماء النعيم، والمسواك يلبّي من ثنيّة التّنعيم والقلب يرمي من الكفّ الرّقيم «6» بالمقعد المقيم، وينظر إلى نجوم الوشوم، فيقول: إني سقيم. وقد تفتّح ورد الخفر، وحكم لزنجي الظّفيرة بالظّفر، واتّصف أمير الحسن بالصّدود المغتفر، ورشّ بماء الطّيب، ثم أعلق بباله دخان العود الرّطيب. وأقبلت الغادة، يهديها اليمن وتزقّها السعادة، فهي تمشي على استحياء وقد ذاع طيب الريّا، وراق حسن المحيّا، حتى إذا نزع الخفّ، وقبّلت الأكفّ، وصخب «7» المزمار وتجاوب الدّف، وذاع الأرج، وارتفع الحرج، وتجوّز اللّوا والمنعرج، ونزل على بشر بزيارة هند الفرج، اهتزّت الأرض وربت، وعوصيت الطّباع البشرية فأبت. ولله درّ القائل «8» : [المتقارب] ومرّت فقالت «9» : متى نلتقي؟ ... فهشّ اشتياقا إليها الخبيث وكاد يمزّق سرباله ... فقلت: إليك يساق الحديث «10» فلمّا انسدل جنح الظلام، وانتصفت من غريم العشاء الأخيرة فريضة الإسلام «11» ، وخاطت خيوط المنام، عيون الأنام، تأتّى دنوّ الجلسة، ومسارقة الخلسة، ثم عضّة النهد، وقبلة الفم والخدّ، وإرسال اليد من النّجد إلى الوهد، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 381 وكانت الإمالة القليلة قبل المدّ، ثم الإفاضة فيما يغبط ويرغب، ثم الإماطة لما يشوّش ويشغب، ثم إعمال المسير، إلى السّرير «1» : [الطويل] وصرنا إلى الحسنى ورقّ كلامنا ... ورضت فذلّت صعبة أيّ إذلال هذا «2» بعد منازعة للأطواق يسيرة، يراها الغيد من حسن السيرة، ثم شرع في حلّ «3» التّكة، ونزع الشّكة، وتهيئة الأرض العزاز «4» عمل السّكة، ثم كان الوحي والاستعجال، وحمي الوطيس والمجال، وعلا الجزء الخفيف، وتضافرت الخصور الهيف، وتشاطر الطّبع العفيف، وتواتر التقبيل، وكان الأخذ الوبيل، وامتاز الأنوك من النّبيل، ومنها جائر وعلى الله قصد السّبيل، فيا لها من نعم متداركة، ونفوس في سبيل القحة متهالكة، ونفس يقطّع حروف الحلق، وسبحان الذي يزيد في الخلق، وعظمت الممانعة، وكثرت باليد المصانعة، وطال التّراوغ والتّزاور، وشكي التجاور «5» ، وهنالك تختلف الأحوال، وتعظم الأهوال، وتخسر أو تربح الأموال، فمن عصا تنقلب ثعبانا مبينا، ونونة «6» تصير تنينا، وبطل لم يهله «7» المعترك الهائل، والوهم الزائل، ولا حال بينه وبين قرّته «8» الحائل، فتعدّى فتكة السّليك إلى فتكة البرّاض، وتقلّد مذهب الأزارقة «9» من الخوارج في الاعتراض، ثم شقّ الصفّ، وقد خضّب الكفّ، بعد أن كاد يصيب البريّ «10» بطعنته، ويبوء بمقت الله ولعنته «11» : [الطويل] طعنت ابن عبد الله طعنة ثائر ... لها نفذ لولا الشعاع أضاءها وهناك هدأ القتال، وسكن الخبال، ووقع المتوقّع فاستراح البال، وتشوّف إلى مذهب الثنوية من لم يكن للتّوحيد بمبال، وكثر السؤال عن البال، بما بال، وجعل الجريح يقول: وقد نظر إلى دمه، يسيل على قدمه: [البسيط] إنّي له عن دمي المسفوك معتذر ... أقول: حمّلته في سفكه تعبا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 382 ومن «1» سنان عاد عنانا، وشجاع صار هدانا «2» جبانا، كلما شابته شائبة ريبة، أدخل يده في جيبه، فانجحرت الحيّة، وماتت الغريزة الحيّة، وهناك يزيغ البصر، ويخذل المنتصر، ويسلم الأسر، ويغلب الحصر، ويجفّ اللّباب «3» ، ويظهر العاب «4» ، ويخفق الفؤاد، ويكبو الجواد، ويسيل العرق، ويشتدّ الكرب والأرق، وينشأ في محلّ الأمن الفرق، ويدرك فرعون الغرق، ويقوى اللّجاج ويعظم الخرق. فلا تزيد الحال إلا شدّة، ولا تعرف تلك الجارحة «5» المؤمنة إلّا ردّة: [الطويل] إذا لم يكن عون من الله للفتى ... فأكثر «6» ما يجني عليه اجتهاده فكم مغرى بطول اللّبث، وهو من الخبث، يؤمل الكرّة، ليزيل المعرّة، ويستنصر الخيال، ويعمل باليد الاحتيال: [الرجز] إنك لا تشكو إلى مصمّت ... فاصبر على الحمل الثّقيل أو مت ومعتذر بمرض أصابه، جرّعه أوصابه «7» ، ووجع طرقه، جلب أرقه، وخطيب أرتج عليه أحيانا، فقال: سيحدث الله بعد عسر يسرا وبعد عيّ بيانا، اللهمّ إنّا نعوذ بك من فضائح الفروج إذا استغلقت أقفالها، ولم تسم «8» بالنّجيع أغفالها «9» ، ومن معرّات الأقذار «10» ، والنكول عن الأبكار، ومن النّزول عن البطون والسّرر، والجوارح الحسنة الغرر، قبل ثقب الدّرر، ولا تجعلنا ممن يستحي من البكر بالغداة، وتعلم منه كلال الأداة، وهو مجال فضحت فيه رجال، وفراش شكيت فيه أوجال، وأعملت رويّة وارتجال. فمن قائل: [السريع] أرفعه طورا على إصبعي ... ورأسه مضطرب «11» أسفله كالحنش المقتول يلقى على ... عود لكي يطرح في مزبله الجزء: 3 ¦ الصفحة: 383 أو قائل «1» : [السريع] عدمت من أيري قوى حسّه ... يا حسرة المرء على نفسه تراه قد مال على أصله ... كحائط خرّ على أسّه وقائل: [الطويل] أيحسدني إبليس داءين أصبحا ... برجلي ورأسي دمّلا وزكاما؟ فليتهما كانا به وأزيده ... رخاوة أير لا يريد «2» قياما «3» وقائل: [الطويل] أقول لأيري وهو يرقب فتكة ... به: خبت من أير وعالتك «4» داهيه إذا لم يك للأير بخت تعذّرت ... عليه وجوه النيك «5» من كلّ ناحيه وقائل: [الطويل] تعقّف «6» فوق الخصيتين كأنه ... رشاء إلى جنب الركيّة ملتفّ كفرخ ابن ذي يومين يرفع رأسه ... إلى أبويه ثم يدركه الضّعف وقائل: [الطويل] تكرّش أيري بعدما كان أملسا ... وكان غنيّا من قواه فأفلسا وصار جوابي للمها أن مررن بي ... «مضى الوصل إلّا منية تبعث الأسى» وقائل: [الطويل] بنفسي من حيّيته فاستخفّ بي ... ولم يخطر الهجران منه «7» على بالي «8» وقابلني بالغور والنّجد «9» بعدما ... حططت به رحلي «10» وجرّدت سربالي وما أرتجي من موسر فوق دكّة «11» ... عرضت له شيئا من الحشف البالي الجزء: 3 ¦ الصفحة: 384 علل «1» لا تزال تبكى، وعلل على الدهر تشكى، وأحاديث تقصّ وتحكى، فإن كنت أعزّك الله من النّمط الأول، ولم تقل: [الطويل] وهل عند رسم دارس من معوّل «2» فقد جنيت الثّمر، واستطبت السّمر، فاستدع الأبواق من أقصى المدينة، واخرج على قومك في ثياب الزّينة «3» ، واستبشر بالوفود، وعرّف المسمع عازفة «4» الجود، وتبجّح بصلابة العود، وإنجاز الوعود، واجن رمّان النّهود، من أغصان القدود، واقطف ببنان اللّثم أقاح الثّغور وورد الخدود، وإن كانت الأخرى، فأخف الكمد، وارض الثمد، وانتظر الأمد، وأكذب التوسّم، واستعمل التّبسّم، واستكتم النّسوة، وأفض فيهنّ الرّشوة، وتقلّد المغالطة وارتكب، وجىء على قميصك «5» بدم كذب، واستنجد الرحمن، واستعن على أمورك «6» بالكتمان: [الكامل] لا تظهرنّ لعاذل أو عاذر ... حاليك في السّرّاء والضّرّاء «7» فلرحمة المتفجّعين حرارة ... في القلب مثل شماتة الأعداء وانتشق الأرج، وارتقب الفرج، فكم غمام طبّق وما همى «8» ، وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلكِنَّ اللَّهَ رَمى «9» ، واملك بعدها عنان نفسك حتى تمكّنك الفرصة، وترفع إليك القصّة، ولا تشتره «10» إلى عمل لا تفيء منه بتمام، وخذ عن إمام، ولله درّ عروة بن حزام «11» : [الكامل] الله يعلم ما تركت قتالهم ... حتى رموا مهري بأشقر مزبد وعلمت أني إن أقاتل دونهم ... أقتل ولم يضرر عدوّي مشهدي ففررت منهم والأحبّة فيهم ... طمعا لهم بعقاب يوم مفسد الجزء: 3 ¦ الصفحة: 385 واللّبانات تلين وتجمح، والمآرب تدنو وتنزح، وتحرن ثم تسمح «1» ، وكم من شجاع خام «2» ، ويقظ نام، ودليل أخطأ الطريق، وأضلّ الفريق، والله عزّ وجلّ يجعلها خلّة موصولة، وشملا أكنافه بالخير مشمولة، وبنية أركانها لركاب «3» اليمن مأمولة، حتى يكثر «4» خدم سيدي وجواريه، وأسرته وسراريه، وتضفو عليه نعمة «5» باريه، ما طورد قنيص، واقتحم عيص «6» ، وأدرك مرام عويص «7» ، وأعطي زاهد وحرم حريص، والسّلام. تواليفه: شرح «8» القصيدة المسماة بالبردة «9» شرحا بديعا، دلّ فيه على انفساح ذرعه، وتفنّن إدراكه، وغزارة حفظه. ولخّص كثيرا من كتب ابن رشد. وعلّق للسلطان أيام نظره في العلوم «10» العقلية تقييدا مفيدا في المنطق، ولخّص محصّل الإمام فخر الدين ابن الخطيب «11» الرازي. وبذلك «12» داعبته أول لقية لقيته «13» [ببعض منازل الأشراف، في سبيل المبرّة بمدينة فاس،] «14» فقلت له: لي عليك مطالبة، فإنك لخّصت «محصّلي» . وألّف كتابا في الحساب. وشرع في هذه الأيام في شرح الرّجز الصادر عني في أصول الفقه، بشيء لا غاية وراءه «15» في الكمال. وأمّا نثره وسلطانيّاته، مرسلها ومسجعها «16» ، فخلج بلاغة، ورياض فنون، ومعادن إبداع، يفرغ عنها يراعه الجريء، شبيهة البداءات بالخواتم، في نداوة الحروف، وقرب العهد بجرية المداد، ونفوذ أمر القريحة، واسترسال الطبع. وأما نظمه، فنهض لهذا العهد قدما في ميدان الشّعر، وأغري «17» نقده باعتبار أساليبه؛ فانثال عليه جوّه، وهان عليه صعبه، فأتى منه بكل غريبة. من «18» ذلك قوله يخاطب السلطان ملك المغرب ليلة الميلاد الكريم عام اثنين وستين وسبعمائة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 386 بقصيدة طويلة «1» : [الكامل] أسرفن في هجري وفي تعذيبي ... وأطلن موقف عبرتي وتحيبي وأبين يوم البين موقف «2» ساعة ... لوداع مشغوف الفؤاد كئيب لله عهد الظّاعنين وغادروا ... قلبي رهين صبابة ووجيب «3» غربت ركائبهم ودمعي سافح ... فشرقت بعدهم بماء غروبي «4» يا ناقعا بالعتب غلّة شوقهم ... رحماك في عذلي وفي تأنيبي يستعذب الصّبّ الملام وإنني ... ماء الملام لديّ غير شريب «5» ما هاجني طرب ولا اعتاد الجوى ... لولا تذكّر منزل وحبيب أهفو إلى الأطلال كانت مطلعا ... للبدر منهم أو كناس ربيب عبثت بها أيدي البلى وتردّدت ... في عطفها للدهر آي خطوب تبلى معاهدها وإنّ عهودها ... ليجدّها وصفي وحسن نسيبي وإذا الديار تعرّضت لمتيّم ... هزّته ذكراها إلى التّشبيب إيه على الصّبر الجميل فإنه ... ألوى «6» بدين فؤادي المنهوب لم أنسها والدهر يثني صرفه ... ويغضّ طرفي حاسد ورقيب والدار مونقة محاسنها بما ... لبست من الأيام كلّ قشيب «7» يا سائق الأظعان تعتسف الفلا ... وتواصل الإسآد «8» بالتّأويب «9» متهافتا عن رحل كلّ مذلّل ... نشوان من أين ومسّ لغوب تتجاذب النّفحات فضل ردائه ... في ملتقاها من صبا وجنوب الجزء: 3 ¦ الصفحة: 387 إن هام من ظمإ الصّبابة صحبه ... نهلوا بمورد دمعه المسكوب «1» في كلّ شعب منية من دونها ... هجر الأماني أو لقاء شعوب هلّا عطفت صدورهنّ إلى التي ... فيها لبانة أعين وقلوب فتؤمّ من أكناف يثرب مأمنا ... يكفيك ما تخشاه من تثريب حيث النبوّة آيها مجلوّة ... تتلو من الآثار كلّ غريب سرّ غريب لم تحجّبه «2» الثّرى ... ما كان سرّ الله بالمحجوب يا سيّد الرّسل الكرام ضراعة ... تقضي منى «3» نفسي وتذهب حوبي «4» عاقت ذنوبي عن جنابك والمنى ... فيها تعلّلني بكل كذوب لا كالألى «5» صرفوا العزائم للتّقى ... فاستأثروا منها بخير نصيب لم يخلصوا لله حتى فرّقوا ... في الله بين مضاجع وجنوب هب لي شفاعتك التي أرجو بها ... صفحا جميلا عن قبيح ذنوبي إنّ النجاة وإن أتيحت لامرىء ... فبفضل جاهك ليس بالتّسبيب إني دعوتك واثقا بإجابتي ... يا خير مدعوّ وخير مجيب قصّرت في مدحي فإن يك طيّبا ... فبما لذكرك من أريج الطّيب ماذا عسى يبغي المطيل وقد حوى ... في مدحك القرآن كلّ مطيب يا هل تبلّغني الليالي زورة ... تدني إليّ الفوز بالمرغوب؟ أمحو خطيئاتي بإخلاصي بها ... وأحطّ أوزاري وإصر ذنوبي «6» في فتية هجروا المنى وتعوّدوا ... إنضاء كلّ نجيبة ونجيب «7» يطوي صحائف ليلهم فوق الفلا ... ما شئت من خبب ومن تقريب «8» الجزء: 3 ¦ الصفحة: 388 إن رنّم الحادي بذكرك ردّدوا ... أنفاس مشتاق إليك طروب أو غرّد الرّكب الخليّ بطيبة ... حنّوا لمغناها حنين النّيب ورثوا اعتساف البيد عن آبائهم ... إرث الخلافة في بني يعقوب الطاعنون الخيل وهي عوابس ... يغشى مثار النّقع كلّ سبيب «1» والواهبون المقربات هواتنا ... من كلّ خوّار العنان لعوب «2» والمانعون الجار حتى عرضهم ... في منتدى الأعداء غير معيب تخشى بوادرهم ويرجى حلمهم ... والعزّ شيمة مرتجى ومهيب ومنها بعد كثير «3» : سائل به طامي العباب وقد سرى ... تزجى بريح» العزم ذات هبوب تهديه شهب أسنّة وعزائم ... يصدعن ليل الحادث المرهوب حتى انجلت ظلم الضّلال بسعيه ... وسطا الهدى بفريقها المغلوب يا ابن الألى شادوا الخلافة بالتقى ... واستأثروك بتاجها المعصوب جمعوا بحفظ الدين آي مناقب ... كرموا بها في مشهد ومغيب لله مجدك طارفا أو تالدا ... فلقد شهدنا منه كلّ عجيب كم رهبة أو رغبة لك والعلا ... تقتاد بالتّرغيب والتّرهيب لا زلت مسرورا بأشرف دولة ... يبدو الهدى من أفقها المرقوب تحيي المعالي غاديا أو رائحا ... وجديد سعدك ضامن المطلوب وقال من قصيدة خاطبه بها عند وصول هديّة ملك السودان «5» ، وفيها الحيوان الغريب المسمى بالزّرافة «6» : [الكامل] قدحت يد الأشواق من زندي ... وهفت بقلبي زفرة الوجد ونبذت سلواني على ثقة ... بالقرب فاستبدلت بالبعد ولربّ وصل كنت آمله ... فاعتضت منه مؤلم الصّدّ لا عهد عند الصبر أطلبه ... إنّ الغرام أضاع من عهدي الجزء: 3 ¦ الصفحة: 389 يلحى العذول فما أعنّفه ... وأقول: ضلّ فأبتغي رشدي وأعارض النّفحات أسألها ... برد الجوى فتزيد في الوقد يهدي الغرام إلى مسالكها ... لتعلّلي بضعيف ما تهدي يا سائق الوجناء «1» معتسفا ... طيّ الفلاة لطيّة الوجد أرح الرّكاب ففي الصّبا نبأ ... يغني عن المستنّة الجرد «2» وسل الرّبوع برامة خبرا ... عن ساكني نجد وعن نجد ما لي تلام على الهوى خلقي ... وهي التي تأبى سوى الحمد لأبيت إلّا الرّشد مذ وضحت ... بالمستعين معالم الرّشد نعم الخليفة «3» في هدى وتقى ... وبناء عزّ شامخ الطّود نجل السّراة الغرّ شأنهم ... كسب العلا بمواهب الوجد ومنها في ذكر خلوصه إليه، وما ارتكبه فيه «4» : لله منّي إذ تأوّبني ... ذكراه وهو بشاهق فرد شهم يفلّ بواترا «5» قضبا ... وجموع أقيال أولي أيد «6» أوريت زند العزم في طلبي ... وقضيت حقّ المجد من قصدي ووردت عن ظمإ مناهلة ... فرويت من عزّ ومن رفد «7» هي جنّة المأوى لمن كلفت ... آماله بمطالب المجد لو لم أعلّ بورد كوثرها ... ما قلت: هذي جنّة الخلد من مبلغ قومي ودونهم ... قذف النّوى وتنوفة «8» البعد أني أنفت على رجائهم ... وملكت عزّ جميعهم وحدي الجزء: 3 ¦ الصفحة: 390 ومنها: ورقيمة الأعطاف حالية ... موشيّة بوشائح «1» البرد وحشيّة الأنساب ما أنست ... في موحش البيداء بالقود «2» تسمو بجيد بالغ صعدا ... شرف الصّروح بغير ما جهد طالت رؤوس الشامخات به ... ولربما قصرت عن الوهد قطعت إليك تنائفا وصلت ... آسادها «3» بالنّصّ والوخد «4» تخدي «5» على استصعابها ذللا ... وتبيت طوع القنّ والقدّ «6» بسعودك اللائي ضمنّ لنا ... طول الحياة بعيشة رغد جاءتك في وفد الأحابش لا ... يرجون غيرك مكرم الوفد وافوك أنضاء تقلّبهم ... أيدي السّرى بالغور والنّجد كالطّيف يستقري مضاجعه ... أو كالحسام يسلّ من غمد يثنون بالحسنى التي سبقت ... من غير إنكار ولا جحد ويرون لحظك من وفادتهم ... فخرا على الأتراك والهند يا مستعينا جلّ في شرف ... عن رتبة المنصور والمهدي جازاك ربّك عن خليقته ... خير الجزاء فنعم ما يسدي «7» وبقيت للدنيا وساكنها ... في عزّة أبدا وفي سعد وقال يخاطب «8» صدر الدولة فيما يظهر من غرض المنظوم «9» : [الكامل] يا سيّد الفضلاء دعوة مشفق ... نادى لشكوى البثّ خير سميع ما لي وللإقصاء بعد تعلّة ... بالقرب كنت لها أجلّ شفيع الجزء: 3 ¦ الصفحة: 391 وأرى الليالي رنّقت لي صافيا ... منها فأصبح في الأجاج شروعي «1» ولقد خلصت إليك بالقرب التي ... ليس الزمان لشملها بصدوع ووثقت منك بأيّ وعد صادق ... إني المصون وأنت غير مضيع وسما بنفسي للخليفة طاعة ... دون الأنام هواك قبل نزوع حتى انتحاني الكاشحون بسعيهم ... فصددتهم عني وكنت منيعي رغمت نفوسهم «2» بنجح وسائلي ... وتقطّعت أنفاسهم بصنيعي وبغوا بما نقموا عليّ خلائقي ... حسدا فراموني بكلّ شنيع لا تطمعنّهم ببذل في التي ... قد صنتها عنهم بفضل قنوعي أنّى أضام وفي يدي القلم الذي ... ما كان طيّعه لهم بمطيع ولي الخصائص ليس تأبى رتبة ... حسبي بعلمك «3» ذاك من تفريعي قسما بمجدك وهو خير أليّة «4» ... أعتدّها لفؤادي المصدوع إني لتصطحب الهموم بمضجعي ... فتحول ما بيني وبين هجوعي عطفا عليّ بوحدتي عن معشر ... نفث الإباء صدودهم في روعي أغدو إذا باكرتهم متجلّدا ... وأروح أعثر في فضول دموعي حيران أوجس عند نفسي خيفة ... فتسرّ في الأوهام كلّ مروع أطوي على الزّفرات قلبا إدّه «5» ... حمل الهموم تجول بين ضلوعي ولقد أقول لصرف دهر رابني ... بحوادث جاءت على تنويع مهلا عليك فليس خطبك ضائري ... فلقد لبست له أجنّ دروع «6» إني ظفرت بعصمة من أوحد ... بذّ الجميع بفضله المجموع وأنشد السلطان أمير المسلمين أبا عبد الله ابن أمير المسلمين أبا الحجاج، لأول قدومه ليلة الميلاد الكريم، من عام أربعة وستين وسبعمائة «7» : [البسيط] حيّ المعاهد كانت قبل تحييني ... بواكف الدمع يرويها ويظميني إنّ الألى نزحت داري ودارهم ... تحمّلوا القلب في آثارهم دوني الجزء: 3 ¦ الصفحة: 392 وقفت أنشد صبرا ضاع بعدهم ... فيهم وأسأل رسما لا يناجيني أمثّل الرّبع من شوق وألثمه ... وكيف والفكر يدنيه ويقصيني وينهب الوجد منّي كلّ لؤلؤة ... ما زال جفني «1» عليها غير مأمون سقت جفوني مغاني الرّبع بعدهم ... فالدمع وقف على أطلاله الجون قد كان للقلب عن داعي الهوى شغل ... لو أنّ قلبي إلى السّلوان يدعوني أحبابنا، هل لعهد الوصل مدّكر ... منكم وهل نسمة منكم تحيّيني؟ ما لي وللطّيف لا يعتاد زائره ... وللنسيم عليلا لا يداويني يا أهل نجد، وما نجد وساكنها ... حسنا سوى جنّة الفردوس والعين «2» أعندكم أنّني ما مرّ ذكركم ... إلّا انثنيت كأنّ الرّاح تثنيني أصبو إلى البرق من أنحاء أرضكم ... شوقا، ولولاكم ما كان يصبيني «3» يا نازحا والمنى تدنيه من خلدي ... حتى لأحسبه قربا يناجيني أسلى هواك فؤادي عن سواك وما ... سواك يوما بحال عنك يسليني ترى الليالي أنستك ادّكاري يا ... من لم يكن ذكره الأيام تنسيني ومنها في ذكر التفريط: أبعد مرّ الثلاثين التي ذهبت ... أولي الشّباب بإحساني وتحسيني أضعت فيها نفيسا ما وردت به ... إلّا سراب غرور ليس يروّيني وا حسرتا «4» من أمان «5» كلّها خدع ... تريش غيّي ومرّ الدّهر يبريني ومنها في وصف المشور «6» المبتنى «7» لهذا العهد: يا مصنعا شيّدت منه السّعود حمى ... لا يطرق الدهر مبناه بتوهين صرح يحار لديه الطّرف مفتتنا ... فما يروقك من شكل وتلوين «8» الجزء: 3 ¦ الصفحة: 393 بعدا لإيوان كسرى إنّ مشورك السّ ... امي لأعظم من تلك الأواوين ودع دمشق ومغناها فقصرك ذا ... «أشهى إلى القلب من أبواب جيرون» ومنها في التعريض بالوزير الذي كان انصرافه من المغرب لأجله «1» : من مبلغ عنّي الصّحب الألى جهلوا ... ودّي وضاع حماهم إذ أضاعوني أني أويت من العليا إلى حرم ... كادت مغانيه بالبشرى تحيّيني وإنني ظاعن لم ألق بعدهم ... دهرا أشاكي ولا خصما يشاكيني لا كالتي أخفرت عهدي ليالي إذ ... أقلّب الطّرف بين الخوف والهون سقيا ورعيا لأيامي التي ظفرت ... يداي منها بحظّ غير مغبون أرتاد منها مليّا لا يماطلني ... وعدا وأرجو كريما لا يعنّيني «2» وهاك منها قواف طيّها حكم ... مثل الأزاهر في طيّ الرياحين تلوح إن جليت درّا، وإن تليت ... تثني عليك بأنفاس البساتين عانيت منها بجهدي كلّ شاردة ... لولا سعودك ما كانت تواتيني «3» يمانع الفكر عنها ما تقسّمه ... من كلّ «4» حزن بطيّ الصّدر مكنون لكن بسعدك ذلّت لي شواردها ... فرضت منها بتحبير وتزيين «5» بقيت دهرك في أمن وفي دعة ... ودام ملكك في نصر وتمكين وهو «6» الآن قد بدا له في التّحول طوع أمل ثاب له في الأمير أبي عبد الله ابن الأمير أبي زكريا بن أبي حفص، لما عاد إليه ملك بجاية، وطار إليه بجناح شراع تفيّأ ظلّه، وصكّ من لدنه رآه مستقرّا عنده، يدعّم ذلك بدعوى تقصير خفيّ أحسّ به، وجعله علّة منقلبة، وتجنّ سار منه في مذهبه وذلك في ... «7» من عام ثمانية وستين وسبعمائة. ولما بلغ بجاية صدق رأيه، ونجحت مخيّلته، فاشتمل عليه أميرها، وولّاه الجزء: 3 ¦ الصفحة: 394 الحجابة بها. ولم ينشب أن ظهر عليه ابن عمّه الأمير أبو العباس صاحب قسنطينة، وتملّك البلدة بعد مهلكه، وأجرى المترجم به على رسمه بما طرق إليه الظّنّة بمداخلته في الواقع. ثم ساء ما بينه وبين الأمير أبي العباس، وانصرف عنه، واستوطن بسكرة، متحوّلا إلى جوار رئيسها أبي العباس بن مزنى، متعلّلا برفده إلى هذا العهد. وخاطبته برسالة في هذه الأيام، تنظر في اسم المؤلّف في آخر الديوان. مولده: بمدينة تونس بلده، حرسها الله، في شهر رمضان من عام اثنين وثلاثين وسبعمائة «1» . عبد الرحمن بن الحاج بن القميي الإلبيري حاله: كان شاعرا مجيدا، هجا القاضي أبا الحسن بن توبة، قاضي غرناطة، ومن نصره من الفقهاء، فضربه القاضي ضربا وجيعا، وطيف به على الأسواق بغرناطة، فقال فيه الكاتب أبو إسحاق الإلبيري الزاهد، وكان يومئذ كاتبا للقاضي المذكور، الأبيات الشهيرة: [البسيط] السّوط أبلغ من قول ومن قيل ... ومن نباح سفيه بالأباطيل من الدّار كحرّ النار أبراه ... يعقل التقاضي أي تعقيل عبد الرحمن بن يخلفتن بن أحمد بن تفليت الفازازي «2» يكنى أبا زيد. حاله: كان حافظا، نظّارا، ذكيا، ذا حظّ وافر من معرفة أصول الفقه وعلم الكلام، وعناية بشأن الرّواية، متبذّلا في هيئته ولباسه، قلّما يرى راكبا في حضر إلّا لضررة، فاضلا، سنيّا، شديد الإنكار والإنحاء على أهل البدع، مبالغا في التحذير منهم، عامر الإتاء، يطلب العلم شغفا به وانطباعا إليه وحبّا فيه وحرصا عليه، آية من آيات الله في سرعة البديهة، وارتجال النّظم والنّثر، وفور مادّة، وموالاة استعمال، لا يكاد يقيد، ولا يصرفه عنه إلّا نسخ أو مطالعة علم، أو مذاكرة فيه، حتى صار له الجزء: 3 ¦ الصفحة: 395 ملكة. لا يتكلف معها الإنشاء، مع الإجادة وتمكّن البراعة. وكان متلبّسا بالكتابة عن الولاة والأمراء، ملتزما بذلك، كارها له، حريصا على الانقطاع عنه، واختصّ بالسيد أبي إسحاق بن المنصور، وبأخيه أبي العلاء، وبملازمتهما استحقّ الذّكر فيمن دخل غرناطة، إذ عدّ ممّن دخلها من الأمراء. مشيخته: روى عن أبيه أبي سعيد، وأبي الحسن جابر بن أحمد، وابن عتيق بن مون، وأبي الحسن بن الصائغ، وأبي زيد السّهيلي «1» ، وأبي عبد الله التّجيبي، وأبي عبد الله بن الفخّار، وأبي محمد بن عبيد الله، وأبي المعالي محمود الخراساني، وأبي الوليد بن يزيد بن بقي «2» وغيرهم. وروى عنه ابنه أبو عبد الله، وأبو بكر بن سيّد الناس، وابن مهدي، وأبو جعفر بن علي بن غالب، وأبو العباس بن علي بن مروان، وأبو عمرو بن سالم، وأبو القاسم عبد الرحيم بن سالم، وابنه عبد الوهاب بن عبد الرحمن بن سالم، وأبو القاسم عبد الكريم بن عمران، وأبو يحيى بن سليمان بن حوط الله، وأبو محمد بن قاسم الحرار، وأبو الحسن الرّعيني، وأبو علي الماقري. تواليفه ومنظوماته: له المعشّرات الزّهدية التي ترجمها بقوله: «المعشرات الزهدية، والمذكرات الحقيقية الجدّية، ناطقة بألسنة الوجلين المشفقين، شائقة إلى مناهج السّالكين المستبقين، نظمها متبرّكا بعبادتهم، متيمنا بأغراضهم وإشاراتهم، قابضا عنان الدّعوى عن مداناتهم ومجاراتهم، مهتديا إهداء السّنن الخمس بالأشعّة الواضحة من إشاراتهم، مخلّدا دون أفقهم العالي إلى حضيضه، جامعا لحسن أقواله وقبح أفعاله بين الشّيء ونقيضيه عبد الرحمن» . وله «المعشّرات الحبّية، وترجمتها النّفحات القلبيّة، واللّفحات الشّوقية، منظومة على ألسنة الذاهبين وجدا، الذّائبين كمدا وجهدا، الذين غربوا وبقيت أنوارهم، واحتجبوا وظهرت آثارهم، ونطقوا وصمتت أخبارهم، ووفّوا العبودية حقّها، ومحضوا المحبّة مستحقّها، نظم من نسج على منوالهم، ولم يشاركهم إلّا في أقوالهم فلان» . والقصائد، في مدح النبيّ صلى الله عليه وسلم، التي كل قصيدة منها عشرون بيتا، وترجمتها الوسائل المتقبّلة، والآثار المسلمة المقبلة، مودعة في العشرنية النبوية، والحقائق اللّفظية والمعنوية، نظم من اعتقدها من أزكى الأعمال، وأعدّها لما يستقبله من مدهش الأهوال، وفرع خاطره لها على توالي القواطع وتتابع الأشغال، ورجال بركة خاتم الرّسالة، وغاية السّؤدد والجلالة، محو ما الجزء: 3 ¦ الصفحة: 396 لسلفه من خطأ في الفعل، وزلل في المقال، والله سبحانه وليّ القبول للتّوبة، والمنّان بتسويغ هذه المنّة المطلوبة، فذلك يسير في جنب قدرته، ومعهود رحمته الواسعة ومغفرته. شعره: وشعره كثير جدا، ونثره مشهور وموجود. فمن شعره في غرض الشكر لله عزّ وجلّ، على غيث جاء بعد قحط: [الكامل] نعم الإله بشكره تتقيّد ... فالله يشكر في النّوال ويحمد مدّت إليه أكفّنا محتاجة ... فأنالها من جوده ما نعهد وأغاثنا بغمائم وكّافة ... بالبشر تشرق والبشائر ترعد حملت إلى ظمإ البسيطة ريّة ... فلها عليه منّة لا تجحد فالجوّ برّاق والشّعاع مفضّض ... والماء فيّاض الأثير معسجد والأرض في حلي الأتيّ كأنما ... نطف الغمام ولؤلؤ «1» وزبرجد والرّوض مطلول الخمائل باسم ... والقضب ليّنة الحمائل ميّد تاهت عقول الناس في حركاتها ... ألشكرها أم سكرها تتأوّد؟ فيقول أرباب البطالة تنثني ... ويقول أرباب الحقيقة تسجد وإذا اهتديت إلى الصواب فإنها ... في شكر خالقها تقوم وتقعد هذا هو الفضل الذي لا ينقضي ... هذا هو الجود الذي لا ينفد احضر فؤادك للقيام بشكره ... إن كنت تعلم قدر ما تتقلّد وانفض يديك من العباد فكلّهم ... عجز الحلّ وأنت جهلا تعقد وإذا افتقرت إلى سواه فإنما ال ... لذي بخاطرك المجال الأبعد نعم الإله كما تشاهد حجّة ... والغائبات أجلّ مما يشهد فانظر إلى آثار رحمته التي ... لا يمترى فيها ولا يتردّد يا ليت شعري والدليل مبلّغ ... من أيّ وجه يستريب الملحد من ذا الذي يرتاب أنّ إلهه ... أحد وألسنة الجماد توحّد كلّ يصرّح حاله ومقاله ... أن ليس إلّا الله ربّ يعبد ومن شعره أيضا قوله: [الكامل] عجبا لمن ترك الحقيقة جانبا ... وغدا لأرباب الصواب مجانبا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 397 وابتاع بالحق المصحّح حاضرا ... ما شاء للزّور المعلّل عائبا من بعد ما قد صار أنفذ أسهما ... وأشدّ عادية وأمضى قاضبا لا تخدعنك سوابق من سابق ... حتى ترى الإحضار منه عواقبا فلربما اشتدّ الخيال وعاقه ... دون الصّواب هوى وأصبح غالبا ولكم إمام قد أضرّ بفهمه ... كتب تعبّ من الضّلال كتائبا فانحرف بأفلاطون وأرسطا ... ليس ودونهما تسلك طريقا لاحبا «1» ودع الفلاسفة الذّميم جميعهم ... ومقالهم تأتي الأحقّ الواجبا يا طالب البرهان في أوضاعهم ... أعزز عليّ بأن تعمّر جانبا أعرضت عن شطّ النّجاة ملجّجا ... في بحر هلك ليس ينجي عاطبا وصفا الدّليل فما نفعت بصفوه ... حتى جعلت له اللّجين «2» شائبا فانظر بعقلك هل ترى متفلسفا ... فيمن ترى إلّا دعيّا كاذبا؟ أعيته أعباء الشّريعة شدّة ... فارتدّ مسلوبا ويحسب سالبا والله أسأل «3» عصمة وكفاية ... من أن أكون عن المحجّة ناكبا ومن شعره: [الطويل] إليك مددت الكفّ في كلّ شدّة ... ومنك وجدت اللّطف في كل نائب وأنت ملاذ والأنام بمعزل ... وهل مستحيل في الرّجا «4» كرّآيب؟ فحقّق رجائي فيك يا ربّ واكفني ... شمات «5» عدوّ أو إساءة صاحب ومن أين أخشى من عدوّ إساءة ... وسترك ضاف من جميع الجوانب؟ وكم كربة نجّيتني من غمارها ... وكانت شجا بين الحشا والتّرائب فلا قوة عندي ولا لي حيلة ... سوى حسن ظنّي بالجميل المواهب فيا منجي المضطرّ عند دعائه ... أغثني فقد سدّت عليّ مذاهبي «6» رجاؤك رأس المال عندي وربحه ... وزهده «7» في المخلوق أسنى المواهب الجزء: 3 ¦ الصفحة: 398 إذا عجزوا عن نفعهم في نفوسهم ... فتأميلهم بعض الظّنون الكواذب فيا محسنا فيما مضى أنت قادر ... على اللّطف في حالي وحسن العواقب وإنّي لأرجو منك ما أنت أهله ... وإن كنت حطّا في كثير المعايب فصلّ على المختار من آل هاشم ... إمام الورى عند اشتداد النوائب وقال في مدّعي قراءة الخطّ دون نظر: [الطويل] وأدور ميّاس العواطف أصبحت ... محاسنه في الناس كالنّوع في الجنس يدير على القرطاس أنمل كفّه ... فيدرك أخفى الخطّ في أيسر اللّمس فقال فريق: سحر بابل عنده ... وقال فريق: ليس هذا من الإنس فقلت لهم لم تفهموا سرّ دركه ... على أنه للعقل أجلى من الشمس ستكفه حبّ القلوب فأصبحت ... مداركها أجفان أنمله الخمس وفاته: استقدمه المأمون «1» على حال وحشة، كانت بينه وبينه، فورد ورود الرّضا على مرّاكش في شعبان سنة سبع وعشرين وستمائة. وتوفي في ذي قعدة بعده «2» ، ودفن بجبانة الشيوخ مع أخيه عبد الله وقرنائهما، رحم الله جميعهم. انتهى السفر التاسع بحمد الله *** ومن السفر العاشر العمال الأثرا في هذا الحرف عبد الرحمن بن أسباط الكاتب المنجب، كاتب أمير المسلمين، يوسف بن تاشفين. حاله: لحق به بالعدوة، فاتّصل بخدمته، وأغراه بالأندلس، إذ ألقى إليه أمورها على صورتها، حتى كان ما فرغ الله، عزّ وجلّ، من استيلائه على ممالكها، وخلعه لرؤسائها. وكان عبد الرحمن، قبل اتصاله به، مقدورا عليه في رزقه، يتحرّف بالنّسخ، ولم يكن حسن الخطّ، ولا معرّب اللفظ، إلى أن تسيّر للكتابة في باب الجزء: 3 ¦ الصفحة: 399 الدّيوان بألمريّة، ورأى خلال ذلك، في نومه، شخصا يوقظه، ويقول له: قم يا صاحب ربع الدّنيا، وقصّ رؤياه على صاحب له بمثواه، فبشّره، فطلب من ذلك الحين السّموّ بنفسه، فأجاز البحر، وتعلّق بحاشية الحرّة العليا زينب «1» ، فاستكتبته، فلمّا توفّيت الحرّة، أقرّه أمير المسلمين كاتبا، فنال ما شاء مما ترتمي إليه الهمم جاها ومالا وشهرة. وكان رجلا حصيفا، سكونا، عاقلا، مجدي الجاه، حسن الوساطة، شهير المكانة. وفاته: توفي فجأة بمدينة سبتة، في عام سبعة وثمانين وأربعمائة. وتقلّد الكتابة بعده أبو بكر بن القصيرة. ذكره ابن الصّيرفي. عبد الرحمن بن محمد بن عبد الله بن مالك المعافري «2» وتكرر مالك في نسبه. أوليته: قالوا: من ولد عقبة بن نعيم الداخل إلى الأندلس، من جند دمشق، نزيل قرية شكنب من إقليم تاجرة الجمل من عمل بلدنا لوشة، غرناطي، يكنى أبا محمد. حاله: كان «3» أبو محمد هذا أحد وزراء الأندلس، كثير الصّنائع، جزل المواهب، عظيم المكارم، على سنن عظماء الملوك، وأخلاق السادة الكرام «4» . لم ير بعده مثله في رجال «5» الأندلس، ذاكرا للفقه والحديث، بارعا في الأدب «6» ، شاعرا مجيدا وكاتبا بليغا، حلو الكتابة والشعر، هشّا مع وقار، ليّنا على مضاء، عالي الهمّة، كثير الخدم والأهل «7» . من آثاره الماثلة إلى اليوم الحمّام، بجوفيّ الجامع الأعظم من غرناطة. بدأ بناءه «8» أول يوم من جمادى الأولى سنة تسع وخمسمائة. وشرع في الزّيادة في سقف الجزء: 3 ¦ الصفحة: 400 الجامع من صحنه سنة ست عشرة، وعوّض أرجل قسيّه أعمدة الرخام، وجلب الرّءوس والموائد من قرطبة، وفرش صحنه بكذّان الصّخيرة «1» . ومن مكارمه أنه لمّا ولّي مستخلص غرناطة وإشبيلية، وجّهه أميره علي بن يوسف بن تاشفين إلى طرطوشة برسم بنائها، وإصلاح خللها، فلمّا استوفى الغاية فيها قلّده، واستصحب جملة من ماله لمؤنته المختصّة به، فلما احتلّها سأل قاضيها، فكتب إليه جملة من أهلها ممن ضعف حاله وقلّ تصرفه من ذوي البيوتات، فاستعملهم أمناء في كل وجه جميل، ووسّع أرزاقهم، حتى كمل له ما أراد من عمله. ومن عجز أن يستعمله وصله من ماله. وصدر عنها وقد أنعش خلقا كثيرا. شعره: من قوله في مجلس أطربه سماعه، وبسطه احتشاد الأنس فيه واجتماعه «2» : [الخفيف] لا تلمني إذا طربت لشجو «3» ... يبعث الأنس فالكريم طروب ليس شقّ الجيوب حقّا علينا ... إنما الحقّ «4» أن تشقّ القلوب وقال، وقد قطف غلام من غلمانه نوّارة، ومدّ بها يده إلى أبي نصر الفتح بن عبيد الله «5» ، فقال أبو نصر «6» : [الطويل] وبدر بدا والطّرف مطلع حسنه ... وفي كفّه من رائق النّور كوكب يروح لتعذيب النفوس ويغتدي ... ويطلع في أفق الجمال ويغرب فقال أبو محمد بن مالك «7» : [الطويل] ويحسد «8» منه الغصن أيّ مهفهف ... يجيء على مثل الكئيب ويذهب الجزء: 3 ¦ الصفحة: 401 نثره: قال أبو نصر «1» : كتبت إليه مودّعا، فكتب «2» إليّ مستدعيا، وأخبرني رسوله «3» أنه لما قرأ الكتاب وضعه، وما سوّى ولا فكّر ولا روى: يا سيدي، جرت الأيام «4» بجمع افتراقك، وكان الله جارك في انطلاقك «5» ، فغيرك روّع بالظّعن، وأوقد للوداع جاحم «6» الشّجن، فأنت «7» من أبناء هذا الزمن، خليفة الخضر لا يستقرّ «8» على وطن، كأنّك والله يختار لك ما تأتيه وما تدعه، موكّل بفضاء الأرض تذرعه «9» ، فحسب من نوى بعشرتك الاستمتاع، أن يعدّك «10» من العواري السّريعة الارتجاع «11» ، فلا يأسف على قلّة الثّوا «12» ، وينشد: [الطويل] وفارقت حتى ما أبالي من النّوى وفاته: اعتلّ «13» بإشبيلية فانتقل إلى غرناطة، فزادت علّته بها، وتوفي، رحمه الله، بها في غرّة شعبان سنة ثماني «14» عشرة وخمسمائة، ودفن إثر صلاة الظهر من يوم الجمعة المذكورة بمقبرة باب إلبيرة، وحضر جنازته الخاصة والعامة. من رثاه: رثاه ذو الوزارتين أبو عبد الله بن أبي الخصال، رحمه الله، فقال: [الكامل] إن كنت تشفق من نزوح نواه ... فهناك مقبرة وذا مثواه قسّم زمانك عبرة أو عبرة ... وأحل تشوّقه على ذكراه الجزء: 3 ¦ الصفحة: 402 وأعدده ما امتدّت حياتك غائبا ... أو عاتبا إن لم تزر زرناه أو نائما غلبت عليه رقدة ... لمسهد لم تغتمض عيناه أو كوكبا سرت الرّكاب بنوره ... فمضى وبلّغنا المحلّ سناه فمتى تبعد والنفوس تزوره ... ومتى تغيب والقلوب تراه يا واحدا عدل الجميع وأصلحت ... دنيا الجميع ودينهم دنياه طالت أذاتك بالحياء كرامة ... والله يكرم عبده بأذاه لشهادة التّوحيد بين لسانه ... وجنانه نور يرى مسراه وبوجهه «1» سيما أغرّ محجّل ... مهما بدا لم تلتبس سيماه وكأنما هو في الحياة سكينة ... لولا اهتزاز في النّدى يغشاه وكأنّه لحظ العفاة توجّعا ... فتلازمت فوق الفؤاد يداه أبدى رضى الرحمن عنك ثناؤهم ... إنّ الثّناء علامة لرضاه يا ذا الذي شغف القلوب به ... وذا لا ترتجيه وذاك لا تخشاه ما ذاك إلّا أنه فرع زكا ... وسع الجميع بظلّه وحناه فاليوم أودى كلّ من أحببته ... ونعى إلى النفس من ينعاه ماذا يؤمل في دمشق مسهد ... قد كنت ناظره وكنت تراه؟ يعتاد قبرك للبكا أسفا بما ... قد كان أضحكه الذي أبكاه يا تربة حلّ الوزير ضريحها ... سقاك بل صلّى عليك الله وسرى إليك ومنك ذكر ساطع ... كالمسك عاطرة به الأفواه عبد الرحمن بن عبد الملك الينشتي «2» يكنى أبا بكر، أصله من مدينة باغة «3» ، ونشأ بلوشة، وهو محسوب من الغرناطيين. حاله: كان شيخا يبدو على مخيّلته النّبل والدّهاء، مع قصور أدواته. ينتحل النّظم والنثر في أراجيز يتوصّل بها إلى غرضه من التصرّف في العمل. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 403 وجرى ذكره «في التّاج المحلّى» وغيره بما نصه «1» : قارض «2» هاج، مداهن مداج، أخبث من نظر من طرف خفي، وأغدر من تلبّس بشعار وفي، إلى مكيدة مبثوتة الحبائل، وإغراء يقطع بين الشعوب والقبائل، من شيوخ طريقة العمل، المتقلّبين من أحوالها بين الصّحو والثّمل، المتعلّلين برسومها حين اختلط المرعيّ والهمل «3» . وهو ناظم أرجاز، ومستعمل حقيقة ومجاز. نظم مختصر السّيرة، في الألفاظ اليسيرة، ونظم رجزا في الزّجر والفال، نبّه به تلك الطريقة بعد الإغفال. فمن نظمه ما خاطبني به مستدعيا إلى إعذار ولده «4» : [البسيط] أريد من سيدي الأعلى تكلّفه ... على «5» الوصول إلى داري صباح غد يزيدني شرفا منه ويبصر لي ... صناعة القاطع الحجّام في ولدي فأجبته: [البسيط] يا سيدي الأوحد الأسمى ومعتمدي ... وذا الوسيلة من أهل ومن بلد «6» دعوت في يوم الاثنين الصّحاب ضحى ... وفيه ما ليس في بيت «7» ولا أحد يوم السّلام على المولى وخدمته ... فاصفح وإن عثرت رجلي فخذ بيدي والعذر أوضح من نار على علم ... فعدّ إن غبت عن لوم وعن فند «8» بقيت في ظلّ عيش لا نفاد له ... مصاحبا غير محصور إلى أمد ومنه أيضا: [الكامل] قل لابن سيّد والديه: لقد علا ... وتجاوز المقدار فيما يفخر ما ساد والده فيحمد أمره ... إلّا صغير العنز حتى يكبر وصدرت عنه مقطوعات في غير هذا المعنى، ممّا عذب به المجنى، منها قوله «9» : [الكامل] إنّ الولاية رفعة لكنها ... أبدا إذا حقّقتها تتنقّل «10» الجزء: 3 ¦ الصفحة: 404 فانظر فضائل من مضى من أهلها ... تجد الفضائل كلّها لا تعزل وقال: [الطويل] هنيّا أبا إسحاق دمت موفّقا ... سعيدا قرير العين بالعرس والعرس فأنت كمثل البدر في الحسن والتي ... تملّكتها في الحسن أسنى من الشمس وقالوا: عجيب نور بدرين ظاهر ... فقلت: نعم إنّ ألف الجنس للجنس وكتب إليّ: [الطويل] إذا ضاق ذرعي بالزّمان شكوته ... لمولاي من آل الخطيب فينفرج هو العدّة العظمى هو السيّد الذي ... بأوصافه الحسنى المكارم تبتهح وزير علا ذاتا وقدرا ومنصبا ... فمن دونه أعلا الكواكب يندرج وفي بابه نلت الأماني وقادني ... دليل رشادي حيث رافقني الفرج فلا زال في سعد وعزّ ونعمة ... تصان به الأموال والأهل والمهج وفاته: توفي في الطاعون عام خمسين وسبعمائة بغرناطة. وفي سائر الأسماء التي بمعنى عبد الله وعبد الرحمن، وأولاد الأمراء: عبد الأعلى بن موسى بن نصير مولى لخم «1» أوليته: أبوه المنسوب إليه فتح الأندلس، ومحلّه من الدّين والشهرة وعظم الصّيت معروف. حاله: كان عبد الأعلى أميرا على سنن أبيه في الفضل والدين، وهو الذي باشر فتح غرناطة ومالقة، واستحقّ الذكر لذلك. قال الرّازي «2» : وكان موسى بن نصير قد أخرج ابنه عبد الأعلى فيمن رتّبه من الرجال إلى إلبيرة وتدمير؛ لفتحها، ومضى إلى إلبيرة ففتحها، وضمّ بها إلى غرناطة اليهود مستظهرا بهم على النّصر، ثم مضى إلى كورة ريّه، ففتحها. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 405 عبد الحليم بن عمر بن عثمان بن يعقوب بن عبد الحق ابن محيو يكنى أبا محمد، أوّليته معروفة. وفسد ما بين أبيه وبين جدّه، أمير المسلمين، بما أوجب انتباذه إلى سكنى مدينة سجلماسة، معزّزة له ألقاب السلطان بها، مدوّخا ما بأحوازها من أماكن الرئاسة، منسوبة إليه بها الآثار، كالسّدّ الكبير الشهير، وقصور الملك. فلمّا نزل عنها على حكم أخيه أمير المسلمين أبي الحسن، وأمضى قتلته بالفصاد، نشأ ولده، وهم عدّة بباب عمّهم، يسعهم رفده، ويقودهم ولده، ثم جلاهم إلى الأندلس ابنه السلطان أبو عنان، عندما تصيّر الأمر إليه، فاستقرّوا بغرناطة تحت برّ وجراية، قلقا بمكانهم من جلاهم ومن بعده، لإشارة عيون التّرشيح إليهم، مغازلة من كثب، وقعودهم بحيث تعثر فيهم المظنّة، إلى أن كان من أمرهم ما هو معروف. حاله: هذا الرجل من أهل الخير والعفاف والصّيانة ودمث الخلق وحسن المداراة، يألف أهل الفضل، خاطب للرّتبة بكل جهد وحيلة، وسدّ عنه باب الأطماع. حذّر من كان له الأمر بالأندلس من لدن وصوله؛ كي لا تختلف أحوال هذا الوطن في صرف وجوه أهله إلى غزو عدو الملّة، ومحوّلي القبلة، وإعراضهم عن الإغماض في الفتنة المسلمة، وربما يميت عنهم الحركات والهموم، فثقّفوا من فيها عليهم، إلى أن تبرأ ساحتهم ويظن به السكون. فلمّا دالت الدولة، وكانت للأخابث الكرّة، واستقرّت بيد الرئيس الغادر الكرّة، وكان ما تقدّم الإلماع به من عمل السلطان أبي سالم، ملك المغرب، على إجازة السلطان، وليّ ملك الأندلس، المزعج عنها بعلّة البغي، ذهب الدّايل الأخرق إلى المقارضة، فعندما استقرّ السلطان أبو عبد الله بجبل الفتح، حاول إجازة الأمير عبد الحليم إلى تلمسان بعد مفاوضة، فكان ذلك في أخريات ذي قعدة، وقد قضي الأمر في السلطان أبي سالم، وانحلّت العقدة، وانتكثت المريرة، وولّى الناس الرجل المعتوه، وفد إلى تلمسان من لم يرض محلّه من الإدالة، ولا قويت نفسه على العوض، ولا صابرت غضّ المخافة، وحرّك ذلك من عزمه، وقد أنجده السلطان مستدعيه بما في طوقه. ولما اتصل خبره بالقائم بالأمر بفاس، ومعمل التدبير على سلطانه، أعمل النظر فيهم؛ زعموا بتسليم الأمر، ثم حذّر من لحق به من أضداده، فصمّم على الحصار، واستراب بالقبيل المريني، وأكثف الحجاب دونهم بما يحرّك أنفتهم، فنفروا عنه بواحدة أول عام ثلاثة وستين وسبعمائة، واتفق رأيهم على الأمير عبد الحليم، فتوجّهت إليه الجزء: 3 ¦ الصفحة: 406 وجوههم اتّفاقا، وانثالوا عليه اضطرارا، ونازل البلد الجديد، دار الملك من مدينة فاس، يوم السبت السادس لشهر المحرم من العام. واضطربت المحلّات بظاهره، وخرج إليه أهل المدينة القدمى، فأخذ بيعتهم، وخاطب الجهات، فألقت إليه قواعدها باليد، ووصلت إليه مخاطباتها. ومن ذلك ما خوطب به من مدينة سلا، وأنا يومئذ بها: [الخفيف] يا إمام الهدى، وأيّ إمام ... أوضح الحقّ بعد إخفاء رسمه أنت عبد الحليم حلمك نرجو ... فالمسمّى له نصيب من اسمه وسلك مسلكا حسنا في الناس، وفسح الآمال، وأجمل اللقاء، وتحمّل الجفاء، واستفزّ الخاصة بجميل التأتّي وأخذ العفو، والتّظاهر بإقامة رسوم الدّيانة، وحارب البلد المحصور في يوم السبت الثالث عشر لشهر الله المحرم المذكور، كانت الملاقاة التي برز فيها وزير الملك ومدير رحاه بمن اشتملت عليه البلدة من الرّوم والجند الرّحل، واستكثر من آلات الظهور وعدد التّهويل، فكانت بين الفريقين حرب مرّة تولّى كبرها النّاشبة، فأرسلت على القوم حواصب النّبل، غارت لها الخيل، واقشعرّت الوجوه، وتقهقرت المواكب. وعندها برز السلطان المعتوه، مصاحبة له نسمة الإقدام، وتهوّر الشجاعة عند مفارقة الخلال الصّحيّة، وتوالت الشدات، وتكالبت الطّائفة المحصورة، فتمرّست بأختها، ووقعت الهزيمة ضحوة اليوم المذكور على قبيل بني مرين ومن لفّ لفّهم، فصرفوا الوجوه إلى مدينة تازي، واستقرّ بها سلطانهم، ودخلت مكناسة في أمرهم، وضاق ذرع فاس للملك بهم، إلى أن وصل الأمير المستدعى، طيّة الصبر، وأجدى دفع الدّين، ودخل البلد في يوم الاثنين الثاني والعشرين لصفر من العام. وكان اللقاء بين جيش السلطان، لنظر الوزير، مطعم الإمهال ومعوّد الصّنع. وبين جيش بني مرين، لنظر الأخ عبد المؤمن ابن السلطان أبي علي، فرحل القوم من مكناسة، وفرّ عنهم الكثير من الأولياء، وأخلوا العرصة، واستقرّوا أخيرا ببلد أبيهم سجلماسة، فكانت بين القوم مهادنة. وعلى أثرها تعصّب للأخ عبد المؤمن معظم عرب الجهة، وقد برز إليهم في شأن استخلاص الجبابة، فرجعوا به إلى سجلماسة. وخرج لمدافعتهم الأمير عبد الحليم، بمن معه من أشياخ قبيله والعرب أولى مظاهر، فكانت بينهم حرب أجلت عن هزيمة الأمير عبد الحليم، واستلحم للسّيف جملة من المشاهير، كالشيخ الخاطب في حبله، خدن النّكر وقادح زند الفتنة، الدّاين بالحمل على الدول على التفصيل والجملة، المعتمد بالمغرب بالرأي والمشورة، يحيى بن رحّو بن مسطى وغيره. وأذعن عبد الحليم بعدها للخلع، وخرج عن الأمر لأخيه، وأبقي عليه، وتحرّج من الجزء: 3 ¦ الصفحة: 407 قتله، وتعرّف لهذا الوقت صرفه عنه إلى الأرض الحجازية على صحراء القبلة، فانتهى أمره إلى هذه الغاية. دخوله غرناطة: قدم على الحضرة مع الجملة من إخوته وبني عمّه في ... «1» . جلاهم السلطان أبو عنان عندما تصيّر له الأمر، فاستقرّوا بها، يناهز عبد الحليم منهم بلوغ أشدّه. وفاته: وتوفي ... «2» وستين وسبعمائة. عبد المؤمن بن عمر بن عثمان بن يعقوب بن عبد الحق ابن محيو أخو الأمير عبد الحليم، يكنى أبا محمد. حاله: كان رجلا وقورا، سكونا، نحيفا، آية الله في جمود الكفّ، وإيثار المسك، قليل المداخلة للناس، مشتغلا بما يغنيه من خويصة نفسه، موصوفا ببسالة وإقدام، حسن الهيئة. دخل الأندلس مع أخيه، وعلى رسمه، وتحرّك معه وابن أخ لهما، فتولّى كثيرا من أمره، ولقي الهول دونه. ولمّا استقرّوا بسجلماسة، كان ما تقرّر من توبته على أمره، والعمل على خلعه، معتذرا، زعموا إليه، موفيا حقّه، موجبا تجلّته إلى حين انصرافه، ووصل الأندلس خطابه يعرّف بذلك بما نصّه في المدرجة. ولم ينشب أن أحسّ بحركة جيش السلطان بفاس إليه، فخاطب عميد الهساكره «3» ، عامر بن محمد الهنتاتي، وعرض نفسه عليه، فاستدعاه، وبذل له أمانا. ولما تحصّل عنده، قبض عليه وثقّفه، وشدّ عليه يده، وحصل على طلبه دهيّة من التّوعّد بمكانه، واتخاذ اليد عند السلطان بكفّ عاديته إلى هذا التاريخ. ومن الأفراد أيضا في هذا الحرف وهم طارؤون عبد الحق بن علي بن عثمان بن أبي يوسف يعقوب ابن عبد الحق الأمير المخاف بعد أبيه أمير المسلمين أبي الحسن بمدينة الجزائر، بعد ما توجّه إلى المغرب، وجرت عليه الهزيمة من بني زيّان. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 408 حاله: كان صبيّا ظاهر السكون والأدب، في سنّ المراهقة، لم ينشب أن نازله جيش عدوّه. ومالأه أهل البلد، وأخذ من معه لأنفسهم وله الأمان، فنزل عنها ولحق بالأندلس. قال في كتاب «طرفة العصر» : وفي ليلة العاشر من شهر ربيع الأول اثنين وخمسين وسبعمائة، اتّصل الخبر من جهة الساحل، بنزول الأمير عبد الحق ابن أمير المسلمين أبي الحسن ومن معه، بساحل شلوبانية «1» ، مفلتين من دهق الشّدة، بما كان من منازلة جيش بني زيّان مدينة الجزائر، وقيام أهلها بدعوتهم، لما سموه من المطاولة، ونهكهم من الفتنة، وامتنع الأمير ومن معه بقصبتها، وأخذوا لأنفسهم عهدا، فنزلوا وركبوا البحر، فرافقتهم السّلامة، وشملهم ستر العصمة. ولحين اتصل بالسلطان خبره، بادر إليه بمركبين ثقيلي الحلية، وما يناسب ذلك من بزّة، وعجّل من خدامه بمن يقوم ببرّه، وأصحبه إلى منزل كرامته. ولرابع يوم من وصوله كان قدومه، وبرز له السلطان بروزا فخما، ونزل له، قارضا إياه أحسن القرض؛ بما أسلفه من يد، وأسداه من طول. وأقام ضيفا في جواره، إلى أن استدعاه أخوه ملك المغرب، فانصرف عن رضى منه، ولم ينشب أن هلك مغتالا في جملة أرداهم الترشيح. عبد الواحد بن زكريا بن أحمد اللحياني «2» يكنى أبا ملك «3» . وبيته في الموحّدين الملوك بتونس. وأبوه سلطان إفريقية، المترقّي إليها من رتبة الشّياخة الموحدية. حاله: كان رجلا طوالا نحيفا، فاضلا حسيبا، مقيما للرّسوم الحسبيّة، حسن العشرة، معتدل الطّريقة. نشأ بالبلاد المشرقية، ثم اتصل بوطنه إفريقية، وتقلّد الإمارة بها برهة يسيرة، ثم فرّ عنها ولحق بالمغرب، وجاز إلى الأندلس، وقدم على سلطانها، فرحّب به، وقابله بالبرّ، ونوّه محلّه، وأطلق جرايته، ثم ارتحل أدراجه إلى العدوة، ووقعت بيني وبينه صحبة، وأنشدته عند وداعه «4» : [المتقارب] أبا ملك، أنت نجل الملوك ... غيوث النّدى وليوث النزال ومثلك يرتاح للمكرمات ... وما لك بين الورى من مثال الجزء: 3 ¦ الصفحة: 409 عزيز بأنفسنا أن نرى ... ركابك مؤذنة بارتحال وقد خبرت منك خلقا كريما ... أناف على درجات الكمال وفازت لديك بساعات أنس ... كما زار في النّوم «1» طيف الخيال فلولا «2» تعلّلنا أننا ... نزورك فوق بساط الجلال ونبلغ فيك الذي نشتهي «3» ... وذاك على الله سهل «4» المنال لما فترت أنفس من أسى ... ولا برحت أدمع في انهمال تلقّتك حيث احتللت السّعود ... وكان لك الله في «5» كلّ حال ومن ترجمة الأعيان والوزراء والأماثل والكبرا عبد الحق بن عثمان بن محمد بن عبد الحق بن محيو يكنى أبا إدريس، شيخ الغزاة بالأندلس. حاله: كان شجاعا عفيفا تقيّا، وقورا جلدا، معروف الحقّ، بعيد الصّيت. نازع الأمر قومه بالمغرب، وانتزى بمدينة تازي، على السلطان أبي الرّبيع، وأخذ بها البيعة لنفسه. ثم ضاق ذرعه، فعبر فيمن معه إلى تلمسان. ولما هلك أبو الربيع، وولي السلطان أبو سعيد، قدّم للكتب في شأنه إلى سلطان الأندلس، وقد تعرّف عزمه على اللحاق، ولم ينشب أن لحق بألمرية من تلمسان، فثقّف بها؛ قضاء لحقّ من خاطب في شأنه. ثم بدا للسلطان في أمره، فأوعز لرقبائه في الغفلة عنه، وفرّ فلحق ببلاد النصري «6» فأقام بها، إلى أن كانت الوقيعة بالسلطان بغرناطة، بأحواز قرية العطشا على يد طالب الملك أمير المسلمين أبي الوليد، وأسر يومئذ شيخ الغزاة حمّو بن عبد الحق، وترجّح الرأي في إطلاقه وصرفه، إعلانا للتّهديد، فنجحت الحيلة، وعزل عن الخطّة، واستدعي عبد الحق هذا إليها، فوصل غرناطة، وقدّم شيخا على الغزاة. ولما تغلّب السلطان أبو الوليد على الأمر، واستوسق له، وكان ممن شمله أمانه، فأقرّه مرءوسا بالشيخ أبي سعيد عثمان بن أبي العلاء برهة. ثم لحق بأميره المخلوع الجزء: 3 ¦ الصفحة: 410 نصر، المستقرّ موادعا بوادي آش، وأوقع بجيش المسلمين مظاهر الطاغية، الوقيعة الشّنيعة بقرمونة، وأقام لديه مدّة. ثم لحق بأرض النّصري، وأجاز البحر إلى سبتة، مظاهرا لأميرها أبي عمرو يحيى بن أبي طالب العزفي، وقد كشف القناع في منابذة طاعة السلطان، ملك المغرب، وكان أملك لما بيده، وأتيح له ظفر عظيم على الجيش المضيّق على سبتة، فبيّته وهزمه. وتخلّص له ولده، الكائن بمضرب أمير الجيش في بيت من الخشب رهينة، فصرف عليه، فما شئت من ذياع شهرة، وبعد صيت، وكرم أحدوثة. ثم بدا له في التّحول إلى تلمسان، فانتقل إليها، وأقام في إيالة ملكها عبد الرحمن بن موسى بن تاشفين إلى آخر عمره. وفاته: توفي يوم دخول مدينة تلمسان عنوة، وهو يوم عيد الفطر من عام ثمانية وثلاثين وسبعمائة، قتل على باب منزله، يدافع عن نفسه، وعلى ذلك فلم يشهر عنه يومئذ كبير غناء، وكوّر واستلحم، وحزّ رأسه. وكان أسوة أميرها في المحيا والممات، رحم الله جميعهم، فانتقل بانتقاله وقتل بمقتله. وكان أيضا علما من أعلام الحروب، ومثلا في الأبطال، وليثا من ليوث النّزال. عبد الملك بن علي بن هذيل الفزاري وعبد الله أخوه «1» حالهما: قال ابن مسعدة: أبو محمد وأبو مروان تولّيا خطّة الوزارة في الدولة الحبّوسية «2» ، ثم تولّيا القيادة بثغور الأندلس، وقهرا ما جاورهما من العدوّ، وغلباه، وسقياه كأس المنايا، وجرّعاه. ولم يزالا قائمين على ذلك، ظاهرين علمين، إلى أن استشهدا، رحمهما الله. عبد القهار بن مفرج بن عبد القهار بن هذيل الفزاري حاله: قال ابن مسعدة: كان بارع الأدب، شاعرا، نحويا، لغويا، كاتبا متوقّد الذهن، عنده معرفة بالطّب، ثم اعتزل الناس، وانقبض، وقصد سكنى البشارات «3» ؛ لينفرد بها، ويخفي نفسه؛ فرارا من الخدمة، فتهيّأ له المراد. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 411 شعره: وكان شاعرا جيّد القريحة سريع الخاطر، ومن شعره: [السريع] يا صاح، لا تعرض لزوجيّة ... كلّ البلا من أجلها يعتري الفقر والذّلّ وطول الأسى ... لست بما أذكره مفتري ما في فم المرأة شيء سوى ... اشتر لي واشتر لي واشتر القضاة الفضلاء وأولا الأصليون عبد الحق بن غالب بن عطية بن عبد الرحمن بن غالب ابن عبد الرؤوف بن تمام بن عبد الله بن تمام بن عطية بن خالد ابن عطية بن خالد بن خفاف بن أسلم بن مكتوم المحاربي «1» أوليته: من ولد زيد بن محارب بن عطيّة، نزل جدّه عطية بن خفاف بقرية قسلة من زاوية غرناطة، فأنسل كثيرا ممن له خطر، وفيه فضل. حاله: كان «2» عبد الحق فقيها، عالما بالتفسير والأحكام والحديث والفقه، والنحو والأدب واللغة، مقيّدا حسن التّقييد، له نظم ونثر، ولّي القضاء بمدينة ألمريّة في المحرم سنة تسع وعشرين وخمسمائة، وكان غاية في الدّهاء والذكاء، والتّهمّم بالعلم، سريّ الهمّة في اقتناء الكتب. توخّى الحق، وعدل في الحكم، وأعزّ الخطّة. مشيخته: روى «3» عن الحافظ أبيه، وأبوي علي الغسّاني والصّدفي، وأبي عبد الله محمد بن فرج مولى الطلاع، وأبي المطرّف الشعبي، وأبي الحسين بن البيّان، وأبي القاسم بن الحصّار المقري، وغيرهم. تواليفه: ألّف كتابه المسمى ب «الوجيز في التفسير» فأحسن فيه وأبدع، وطار بحسن نيّته كل مطار. وألف برنامجا ضمنه مرويّاته، وأسماء شيوخه، وجرز وأجاد. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 412 شعره: قال الملّاحي: ما حدّثني به غير واحد من أشياخه عنه، قوله «1» : [البسيط] وليلة جبت فيها الجزع «2» مرتديا ... بالسّيف أسحب أذيالا من الظّلم والنّجم حيران في بحر الدّجا غرق ... والبدر «3» في طيلسان اللّيل كالعلم كأنما اللّيل زنجيّ بكاهله ... جرح فيثعب «4» أحيانا له بدم وقال يندب عهد شبابه «5» : [البسيط] سقيا لعهد شباب ظلت أمرح في ... ريعانه وليالي العيش أسحار أيام روض الصّبا لم تذو أغصنه ... ورونق العمر غضّ والهوى جار «6» والنّفس تركض في تضمين ثرّتها ... طرفا له في زمان اللهو إحضار «7» عهدا كريما لبسنا منه «8» أردية ... كانت عيونا ومحّت «9» فهي آثار الجزء: 3 ¦ الصفحة: 413 مضى وأبقى بقلبي منه نار أسى ... كوني سلاما وبردا «1» فيه يا نار أبعد أن نعمت نفسي وأصبح في ... ليل الشباب لصبح الشّيب إسفار «2» ونازعتني الليالي وانثنت كسرا «3» ... عن ضيغم ما له ناب وأظفار إلّا «4» سلاح خلال أخلصت فلها ... في منهل المجد إيراد وإصدار أصبو إلى روض عيش روضه خضل «5» ... أو ينثني بي عن اللّقاء «6» إقصار إذا فعطّلت «7» كفّي من شبا قلم ... آثاره في رياض العلم أزهار من روى عنه: روى عنه أبو بكر بن أبي جمرة، وأبو محمد بن عبد الله، وأبو القاسم بن حبيش، وأبو جعفر بن مضاء، وأبو محمد عبد المنعم، وأبو جعفر بن حكم، وغيرهم. مولده: ولد سنة إحدى وثمانين وأربعمائة. وفاته: توفي في الخامس والعشرين لشهر رمضان سنة ست وأربعين وخمسمائة بمدينة لورقة «8» . قصد مرسية «9» يتولّى قضاءها، فصدّ عنها، وصرف منها إلى لورقة، اعتداء عليه. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 414 عبد المنعم بن محمد بن عبد الرحيم بن فرج الخزرجي «1» من أهل غرناطة، يكنى أبا محمد، ويعرف بابن الفرس، وقد تقدم ذكر طائفة من أهل بيته. حاله: كان حافظا جليلا، فقيها، عارفا بالنحو واللغة، كاتبا بارعا، شاعرا مطبوعا، شهير الذكر، عالي الصّيت. ولّي القضاء بمدينة شقر، ثم بمدينة وادي آش، ثم بجيّان، ثم بغرناطة، ثم عزل عنها، ثم وليها الولاية التي كان من مضمن ظهيره بها قول المنصور «2» له: أقول لك ما قاله موسى، عليه السلام، لأخيه هارون: اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ «3» ، وجعل إليه النظر في الحسبة، والشّرطة، وغير ذلك، فكان إليه النظر في الدّماء فما دونها، ولم يكن يقطع أمر دونه ببلده وما يرجع إليه. وقال ابن عبد الملك: كان «4» من بيت علم وجلالة، مستبحرا في فنون المعارف على تفاريقها، متحقّقا بها، نافذا فيها، ذكيّ القلب، حافظا للفقه. استظهر أوان طلبه الكتابين «5» : المدوّنة، وكتاب سيبويه وغيرهما، وعني به أبوه وجدّه عناية تامة. وقال أبو الربيع بن سالم «6» : سمعت أبا بكر بن الجدّ، وحسبك به «7» شاهدا، يقول غير ما «8» مرة: ما أعلم بالأندلس أحفظ لمذهب مالك من عبد المنعم بن الفرس، بعد أبي عبد الله بن زرقون. مشيخته: روى «9» عن أبيه الحافظ أبي عبد الله، وعن جدّه أبي القاسم، سمع عليهما وقرأ، وعن أبي بكر بن النّفيس، وأبي الحسن بن هذيل، وأبي عبد الله بن سعادة، وأبي محمد عبد الجبار بن موسى الجذامي، وأبي عامر محمد بن أحمد الجزء: 3 ¦ الصفحة: 415 الشّلبي، وأبي العباس أحمد وأخيه أبي الحسن، ابني زيادة الله. هذه جملة من لقي من الشيوخ وشافهه وسمع منه، وأجاز له من غير لقاء، وبعضهم باللّقاء من غير قراءة؛ ابن ورد، وابن بقي، وأبو عبد الله بن سليمان التونسي، وأبو جعفر بن قبلال، وأبو الحسن بن الباذش، ويونس بن مغيث، وابن معمّر، وشريح، وابن الوحيدي، وأبو عبد الله بن صاف، والرّشاطي، والحميري، وابن وضّاح، وابن موهب، وأبو مروان الباجي، وأبو العباس بن خلف بن عيشون، وأبو بكر بن طاهر، وجعفر بن مكّي، وابن العربي، ومساعد بن أحمد بن مساعد، وعبد الحق بن عطية، وأبو مروان بن قزمان، وابن أبي الخصال، وعياض بن موسى، والمازري، وغيرهم. تواليفه: ألّف عدة تواليف، منها «كتاب الأحكام» «1» ، ألّفه وهو ابن خمسة وعشرين عاما، فاستوفى ووفّى، واختصر الأحكام السلطانية، وكتاب النّسب لأبي عبيد بن سلام، وناسخ القرآن ومنسوخه لابن شاهين، وكتاب المحتسب لابن جنّي. وألّف كتابا في المسائل التي اختلف فيها النحويون من أهل البصرة والكوفة، وكتابا في صناعة الجدل، وردّ على ابن غرسيّة في رسالته في تفضيل العجم على العرب. وكتب بخطه من كتب العربية واللغة والأدب والطب وغير ذلك. من روى عنه: حدّث «2» عنه الحافظ أبو محمد القرطبي، وأبو علي الرّندي، وابنا حوط الله، وأبو الربيع بن سالم، والجمّ الغفير. شعره: [الطويل] أبى ما بقلبي اليوم أن يتكتّما ... وحسبك بالدمع السّفوح مترجما وأعجب به من أخرس بات مفصحا ... يبيّن للواشين ما كان مبهما فكم عبرة في نهر شقر بعثتها ... سباقا فأمسى النهر مختضبا دما يرجع ترجيع الأنين اضطراره ... كشكوى الجريح للجريح تألّما كملن بصحبي فوقه «3» الدّمع ناثر ... شقائق نعمان على متن أرقما ولله ليل قد لبست ظلامه ... رداء «4» بأنوار النجوم منمنما الجزء: 3 ¦ الصفحة: 416 أناوح فيه الورق فوق غصونها ... فكم أورق منهنّ قد باب معجما وما لي إلّا الفرقدين «1» مصاحب ... ويا بعد حالي في الصّبابة منهما أبيت شتيت الشّمل والشّمل فيهما ... جميع كما أبصرت عقدا منظّما فيا قاصدا تدمير، عرّج مصافحا ... نسائلك «2» رسما بالعقيق ومعلما وأعلم بأبواب السلام صبابتي ... كما كان عرف المسك بالمسك علّما وإن طفت في تلك الأجارع لا تضع ... بحقّ هواها إن «3» تلمّ مسلّما وما ضرّها لو جاذبت ظبية النّقا ... فضول رداء قد تغشّته معلما فيثني قضيبا أثمر البدر مائسا ... بحقف مسيل لفّه السّيل مظلما وما كنت إلّا البدر وافى غمامة ... فما لاح حتى غاب فيها مغيّما وما ذاك من هجر ولكن لشقوة ... أبت أن يكون الوصل منها متمّما فيا ليتني أصبحت في الشّعر لفظة ... تردّدني مهما أردت تفهّما ولله ما أذكى نسيمك نفحة ... أأنت أعرت الرّوض «4» طيبا تنسّما؟ ولله ما أشفى لقاءك «5» للجوى ... كأنّك قد أصبحت عيسى ابن مريما وما الرّاح بالماء القراح مشوبة ... بأطيب من ذكراك إن خامرت فما فما لي وللأيام قد كان شملنا ... جميعا فأضحى في يديها مقسّما ولمّا «6» جنيت الطّيب من شهد وصلها ... جنيت من التّبديد للوصل علقما وقد ذقت طعم البين حتى كأنني ... لألفة من أهواه ما ذقت مطعما فمن لفؤاد شطره حازه الهوى ... وشطر لإحراز الثّواب مسلّما ويا ليت أنّ الدّار حان مزارها ... فلو صحّ قرب الدار أدركت مغنما ولو صحّ قرب الدار لي لجعلته ... إلى مرتقى السّلوان والصّبر سلّما فقد طال ما ناديت سرّا وجهرة ... عسى وطن يدنو بهم ولعلّما؟ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 417 ومن شعره: [الطويل] سلام على من شفّني بعد داره ... وأصبحت مشغوفا بقرب مزاره ومن هو في عيني ألذّ من الكرى ... وفي النفس أشهى من أمان المكاره سلام عليه كلّما ذرّ شارق ... ينمّ كعرف الزّهر غبّ فطاره لعمرك ما أخشى غداة وداعنا ... وقد سعرت في القلب شعلة ناره وسال على الخدّين دمع كأنه ... بقيّة ظلّ الروض «1» في جلّناره وعانقت منه غصن بان منعّما ... ولا حظت منه الصّبح عند اشتهاره وأصبحت في أرض وقلبي بغيرها ... وما حال مسلوب الفؤاد مكاره نأى وجه من أهوى فأظلم أفقه ... وقد غاب عن عينيه شمس نهاره سل البرق عن شوقي يخبّرك بالذي ... ألاقيه من برح الهوى وأواره وهل هو إلّا نار وجدي وكلّما ... تنفّست عمّ الجوّ ضوء شراره ومن شعره أيضا رحمة الله عليه: [مخلع البسيط] اقرأ على شنجل «2» سلاما ... أطيب من عرفه نسيما من مغرم القلب ليس ينسى ... منظره الرائق الوسيما إذا رأى منظرا سواه ... عاف الجنى منه والشّميما وإن أتى مشربا حميدا ... كان وإن راقه ذميما وقف بنجد وقوف صبّ ... يستذكر الخدن والحميما واندب أراكا بشعب رضوى ... قد رجعت بعدنا مشيما واذكر شبابا مضى سريعا ... أصبحت من بعده سقيما هيهات ولّى وجاء شيب ... وكيف للقلب أن يهيما؟ ما يصلح الشّيب غير تقوى ... تحجب عن وجهه الجحيما في كل يوم له ارتحال ... أعجب به ظاعنا مقيما ما العمر إلّا لديه دين ... قد آن أن يقضي الغريما الجزء: 3 ¦ الصفحة: 418 فعد إلى توبة نصوح ... وارج إلها بنا رحيما قد سبق الوعد منه حتى ... أطمع ذا الشّقوة النّعيما مولده: في سنة أربع وعشرين وخمسمائة. وفاته: عصر يوم الأحد الرابع من جمادى الآخرة سنة سبع وتسعين وخمسمائة «1» . وشهد دفنه بباب إلبيرة الجمّ الغفير، وازدحم الناس على نعشه حتى حملوه على أكفّهم ومزّقوه. وأمر أن يكتب على قبره: [الطويل] عليك سلام الله يا من يسلّم ... ورحمته ما زرتني تترحّم أتحسبني وحدي نقلت إلى هنا؟ ... ستلحق بي عمّا قريب فتعلم ألا قل «2» لمن يمسي لدنياه مؤثرا ... ويهمل أخراه ستشقى وتندم فلا تفرحن إلّا بتقديم طاعة ... فذاك الذي ينجي غدا ويسلّم ومن غير الأصلبين عبد الحكيم بن الحسين بن عبد الملك بن يحيى ابن باسيو بن تادررت التّنمالي اليدرازتيني ثم الواغديني أصله من تينملّل «3» ، من نظر مرّاكش، وانتقل جدّه عبد الملك مع الخليفة عبد المؤمن بن علي إلى إقليم بجاية. ونشأ عبد الملك ببجاية، وانتقل إلى تونس في حدود خمسة وثمانين. وورد أبو محمد الأندلس في حدود سبعمائة. حاله: من تعريف شيخنا أبي البركات: كان من أهل المعرفة بالفقه وأصوله على طريقة المتأخرين. وكان مع ذلك، رجلا كريم النفس، صادق اللهجة، سليم الصدر، منصفا في المذاكرة. قلت: يجمع هذا الرجل إلى ما وصفه به، الأصالة ببلده إفريقية. وثبتّ اسمه في «عائد الصلة» بما نصّه: الشيخ الأستاذ القاضي، يكنى أبا محمد. كان، رحمه الله، من أهل العلم بالفقه، والقيام على الأصلين، صحيح الجزء: 3 ¦ الصفحة: 419 الباطن، سليم الصدر، من أهل الدين والعدالة والأصالة. بثّ في الأندلس علم أصول الفقه، وانتفع به. وتصرّف في القضاء في جهات. مشيخته: منقولا من خطّ ولده الفقيه أبي عبد الله صاحبنا، الكاتب بالدار السلطانية: قرأ ببلده على الفقيه الصّدر أبي علي بن عنوان، والشيخ أبي الطاهر بن سرور، والإمام أبي علي ناصر الدين المشدالي، والشيخ أبي الشّمل جماعة الحلبي، والشيخ أبي الحجاج بن قسوم وغيرهم. ومن خط المحدّث أبي بكر بن الزيات: يحمل عن أبي الطاهر بن سرور، وعن أبي إسحاق بن عبد الرفيع. تواليفه: من تواليفه: «المعاني المبتكرة الفكرية، في ترتيب المعالم الفقهية» ، «والإيجاز، في دلالة المجاز» ، ونصرة الحق، وردّ الباغي في مسألة الصّدقة ببعض الأضحية، والكرّاس الموسوم «1» ب «المباحث البديعة، في مقتضى الأمر من الشريعة» . مولده: ببجاية في أحد لجمادى الأولى من عام ثلاثة وستين وستمائة. وفاته: وتوفي قاضيا بشالش يوم الجمعة، وهو الرابع عشر لجمادى الأولى من عام ثلاثة وعشرين وسبعمائة. ودفن بجبانة باب إلبيرة بمقربة من قبر ولي الله أبي عبد الله التونسي. وكانت جنازته مشهورة. ومن المقرئين والعلماء عبد الملك بن حبيب بن سليمان بن هارون بن جلهمة ابن العباس بن مرداس السلمي «2» أصله من قرية قورت، وقيل: حصن واط من خارج غرناطة، وبها نشأ وقرأ. حاله: قال ابن عبد البر: كان جمّاعا للعلم، كثير الكتب، طويل اللسان، فقيها، نحويا، عروضيا، شاعرا، نسّابة، أخباريا. وكان أكثر من يختلف إليه الملوك الجزء: 3 ¦ الصفحة: 420 وأبناؤهم. قال ابن مخلوف: كان يأتي إلى معالي الأمور. وقال غيره: رأيته يخرج من الجامع، وخلفه نحو من ثلاثمائة، بين طالب حديث، وفرائض، وفقه، وإعراب. وقد رتّب الدّول عليه، كل يوم ثلاثين دولة، لا يقرأ عليه فيها شيء إلّا تواليفه وموطّأ مالك. وكان يلبس الخزّ والسّعيد. قال ابن نمير: وإنما كان يفعله إجلالا للعلم، وتوقيرا له. وكان يلبس إلى جسمه ثوب شعر، وكان صوّاما قوّاما. وقال المغامي «1» : لو رأيت ما كان على باب ابن حبيب، لازدريت غيره. وزعم الزّبيدي أنه نعي إلى سحنون «2» فاسترجع، وقال: مات عالم الأندلس. قال ابن الفرضي: جمع «3» إلى إمامته في الفقه التبحبح في الأدب، والتفنّن في ضروب العلوم، وكان فقيها مفتيا. قال ابن خلف أبو القاسم الغافقي: كان له أرض وزيتون بقرية بيرة من طوق غرناطة، حبس جميع ذلك على مسجد قرطبة. وله ببيرة مسجد ينسب إليه. وكان يهبط من قرية قورت يوم الاثنين والخميس إلى مسجده ببيرة، فيقرأ عليه، وينصرف إلى قريته. مشيخته: روى عن صعصعة بن سلّام، والغازي «4» بن قيس، وزياد بن عبد الرحمن. ورحل إلى المشرق سنة ثمان ومائتين، وهو ابن ثلاث وثلاثين سنة، وكانت رحلته من قريته بفحص غرناطة «5» ، وسمع فيها من عبد الملك بن الماجشون، ومطرّف بن عبد الله، وأصبغ بن الفرج، وابنه موسى، وجماعة سواهم. وأقام في رحلته ثلاثة أعوام وشهورا. وعاد إلى إلبيرة، إلى أن رحّله عبد الرحمن بن الحكم إلى قرطبة، في رمضان سنة ثماني «6» عشرة ومائتين. من روى عنه: سمع منه ابناه محمد وعبد الله، وسعيد بن نمر، وأحمد بن راشد، وإبراهيم بن خالد، وإبراهيم بن شعيب، ومحمد بن فطيس. وروى عنه من الجزء: 3 ¦ الصفحة: 421 عظماء القرطبيين، مطرّف بن عيسى، وبقي بن مخلد، ومحمد بن وضّاح، والمقامي في جماعة. تواليفه: قال أبو الفضل عياض بن موسى، في كتابه في أصحاب مالك «1» : قال بعضهم: قلت لعبد الملك بن حبيب: كم كتبك التي ألفت؟ قال: ألف كتاب وخمسون كتابا. قال عبد الأعلى: منها كتب المواعظ سبعة، وكتب الفضائل سبعة، وكتب أجواد قريش وأخبارها وأنسابها خمسة عشر كتابا، وكتب السلطان وسيرة الإمام ثمانية كتب، وكتب الباه والنساء ثمانية، وغير ذلك. ومن كتب سماعاته في الحديث والفقه، وتواليفه في الطب، وتفسير القرآن، ستّون كتابا. وكتاب المغازي، والنّاسخ والمنسوخ، ورغائب القرآن، وكتاب الرّهون والحدثان، خمسة وتسعون كتابا. وكتاب مقام رسول الله صلى الله عليه وسلم، اثنان وعشرون كتابا، وكتاب في النّسب، وفي النجوم، وكتاب الجامع، وهي كتب فيها مناسك النّبي، وكتاب الرّغائب، وكتاب الورع في المال، وكتاب الرّبا، وكتاب الحكم والعدل بالجوارح. ومن المشهورات الكتاب المسمّى بالواضحة. ومن تواليفه كتاب إعراب القرآن، وكتاب الحسبة في الأمراض، وكتاب الفرائض، وكتاب السّخاء واصطناع المعروف، وكتاب كراهية الغناء. شعره: أنشد ابن الفرضي ممّا كتب بها إلى أهله من المشرق سنة عشر ومائتين «2» : [الطويل] أحبّ بلاد الغرب والغرب موطني ... ألا كلّ غربيّ إليّ حبيب فيا جسدا أضناه شوق كأنّه ... إذا انتضيت عنه الثّياب قضيب ويا كبدا عادت زمانا كأنما ... يلذّغها بالكاويات طبيب بليت وأبلاني اغترابي ونأيه ... وطول مقامي بالحجاز أجوب وأهلي بأقصى مغرب الشمس دارهم ... ومن دونهم بحر أجشّ مهيب وهول كريه ليله كنهاره ... وسير حثيث للرّكاب دؤوب فما الداء إلّا أن تكون بغربة ... وحسبك داء أن يقال غريب فيا ليت شعري هل أبيتنّ ليلة ... بأكناف نهر الثّلج حين يصوب وحولي أصحابي وبنتي وأمّها ... ومعشر أهلي والرؤوف مجيب الجزء: 3 ¦ الصفحة: 422 وكتب إلى الأمير عبد الرحمن في ليلة عاشوراء «1» : [البسيط] لا تنس لا ينسك الرحمن عاشورا «2» ... واذكره لا زلت في الأحياء «3» مذكورا قال الرسول «4» ، صلاة الله تشمله، ... قولا وجدنا عليه الحقّ والنّورا من بات في ليل عاشوراء ذا سعة ... يكن بعيشه في الحول محبورا فارغب، فديتك، فيما فيه رغبتنا «5» ... خير الورى كلّهم حيّا ومقبورا وفاته: توفي في ذي الحجة سنة ثمان وثلاثين، وقيل: تسع وثلاثين ومائتين «6» . قال ابن خلف: كان يقول في دعائه: إن كنت يا ربّ راضيا عني، فاقبضني إليك قبل انقضاء سنة ثمان وثلاثين، فقبضه الله في أحبّ الشهور إليه، رمضان من عام ثمانية وثلاثين، وهو ابن أربع وستين سنة «7» ، وصلّى عليه ولده محمد، ودفن بمقبرة أم سلمة بقبلي محراب مسجد الضّيافة من قرطبة. قالوا: والخبر متصل، إنه وجد جسده وكفنه وافرين لم يتغيّرا بعد وفاته، بتسع وأربعين سنة، وقطعت من كفنه قطعة رفعت إلى الأمير عبد الله، وذلك عندما دفن محمد بن وضّاح إلى جنبه، رحمهم الله. ورثاه أبو عبد الله الرشّاش وغيره، فقال: [الطويل] لئن أخذت منّا المنايا مهذّبا ... وقد قلّ فيها من يقال المهذّب لقد طاب فيه الموت والموت غبطة ... لمن هو مغموم الفؤاد معذّب ولأحمد بن ساهي فيه: [البسيط] ماذا تضمّن قبر أنت ساكنه ... من التّقى والنّدى يا خير مفقود عجبت للأرض في أن غيّبتك وقد ... ملأتها حكما في البيض والسّود قلت: فلو لم يكن من المفاخر الغرناطية إلا هذا الحبر لكفى. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 423 ومن الطارئين عليها عبد الواحد بن محمد بن علي بن أبي السّداد الأموي المالقي، الشهير بالباهلي «1» حاله: كان، رحمه الله، بعيد المدى، منقطع القرين في الدّين المتين والصلاح، وسكون النفس، ولين الجانب، والتواضع، وحسن الخلق، إلى وسامة الصّورة، وملاحة الشّيبة، وطيب القراءة، مولى النّعمة على الطّلبة من أهل بلده، أستاذا حافلا، متفنّنا، مضطلعا، إماما في القراءات، حائزا خصل السباق إتقانا، وأداء، ومعرفة، ورواية، وتحقيقا، ماهرا في صناعة النحو، فقيها، أصوليّا، حسن التعليم، مستمرّ القراءة، فسيح التّحليق، نافعا، متحبّبا، مقسوم الأزمنة على العلم وأهله، كثير الخضوع والخشوع، قريب الدّمعة. أقرأ عمره، وخطب بالمسجد الأعظم من مالقة، وأخذ عنه الكثير من أهل الأندلس. مشيخته: قرأ على الأستاذ الإمام أبي جعفر بن الزبير، وكان من مفاخره، وعلى القاضي أبي علي بن أبي الأحوص، وعلى المقرئ الضّرير أبي عبد الله محمد بن علي بن الحسن بن سالم بن خلف السّهيلي، والرّاوية أبي الحجاج ابن أبي ريحانة المربليّ. وكتب له بالإجازة العامة الرّاوية أبو الوليد العطار، والإمام أبو عبد الله بن سمعون الطائي. وسمع على الراوية أبي عمر عبد الرحمن بن حوط الله الأنصاري. وقرأ على القاضي أبي القاسم، قاسم بن أحمد بن حسن الحجري، الشهير بالسّكوت المالقي، وأخذ عن الشيخ الصالح أبي جعفر أحمد بن يوسف الهاشمي الطّنجالي، وغيرهم ممن يطول ذكرهم. ويحمل عن خاله ولي الله أبي محمد عبد العظيم ابن ولي الله محمد بن أبي الحجاج ابن الشيخ، رحمه الله. تواليفه: شرح التّيسير في القراءات. وله تواليف غيره في القرآن والفقه. شعره: حدّث الشيخ الفقيه القاضي أبو الحجاج المنتشافري، قال: رأيت في النّوم أبا محمد الباهلي أيام قراءتي عليه بمالقة في المسجد الجامع بها، وهو قائم يذكّر الناس ويعظهم، فعقلت من قوله: أتحسبونني غنيّا فقيرا، أنا فقير، أنا. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 424 فاستيقظت وقصصتها عليه، فاستغفر الله، وقال: يا بنيّ، حقا ما رأيت. ثم رفع إلى ثاني يوم تعريفه رقعة فيها مكتوب: [المتقارب] لئن ظنّ قوم من أهل الدّنا ... بأنّ لهم قوّة أو غنا لقد غلطوا جمع «1» مالهم ... فتاهوا عقولا، عموا «2» أعينا فلا تحسبوني أرى رأيهم ... فإنّي ضعيف فقير أنا وليس افتقاري وفقري معا ... إلى الخلق ما «3» عند خلق غنى ولكن إلى خالقي وحده ... وفي ذاك عزّ ونيل المنى فمن ذلّ للحقّ يرقى العلا ... ومن ذلّ للخلق يلق العنا وفاته: ببلده مالقة، رضي الله عنه، ونفع به، في خامس ذي القعدة من عام خمسة وسبعمائة. وكان الحفل في جنازته عظيما، وحفّ الناس بنعشه، وحمله الطّلبة وأهل العلم على رؤوسهم. سكن غرناطة وأقرأ بها. ومن الكتّاب والشعراء في هذا الحرف عبد الحق بن محمد بن عطية بن يحيى بن عبد الله بن طلحة ابن أحمد بن عبد الرحمن بن غالب بن عطية المحاربي «4» صاحبنا الكاتب للدولة الغادرة. حاله: كان «5» هذا الرجل في حال الدّعة التي استصحبها، وقبل أن تبعته أيدي الفضول، بعفاف وطهارة، إلى خصل خطّ، نشط البنان، جلد على العمل. ونظمه وسط، ونثره جمهوري عامي، مبين عن الأغراض. وولّي ببلده الخطابة والقضاء ... «6» في الحداثة. ثم انتقل إلى غرناطة، فجأجأت «7» به الكتابة السلطانية الجزء: 3 ¦ الصفحة: 425 باختياري، مستظهرة منه ببطل كفاية، وباذل حمل كلفة، فانتقل «1» رئيسا في غرض إعانتي وانتشالي من الكلفة «2» ، على الضّعف وإلمام المرض، والتّرفّع عن الابتذال، والأنفة من الاستخدام، فرفع الكلّ، ولطف من الدولة محلّه. ثم لمّا حال الأمر، وحتم التّمحيص، وتسوّرت القلعة، وانتثر النّظم، واستأثر به الاصطناع، كشفت الخبرة منه عن سوءة لا توارى، وعورة لا يرتاب في أشنوعتها ولا يتمارى، فسبحان من علّم النفس فجورها وتقواها، إذ لصق بالدّائل «3» الفاسق، فكان آلة انتقامه، وجارحة صيده، وأحبولة كيده، فسفك الدّماء، وهتك الأستار، ومزّق الأسباب، وبدّل الأرض غير الأرض، وهو يزقّه في أذنه، فيؤمّ «4» النّصيحة، وينحله «5» لقب الهداية، ويبلغ في شدّ أزره إلى الغاية: «عنوان عقل الفتى اختياره، يجري في جميل «6» دعوته» ، طوالا، أخرق، يسيء السمع، وينسى «7» الإجابة، بدويّا، قحّا، جهوريّا، ذاهلا عن عواقب الدنيا والآخرة، طرفا في سوء العهد، وقلّة الوفاء، مردودا في الحافزة «8» ، منسلخا من آية السّعادة، تشهد عليه بالجهل «9» يده، ويقيم عليه الحجج شرهه، وتبوّئه «10» هفوات الندم جهالته. ثم أسلم المحروم مصطنعه، أحوج ما كان إليه، وتبرّأ منه، ولحقته بعده مطالبة ماليّة، لقي لأجلها ضغطا. وهو الآن بحال خزي، واحتقاب تبعات، خلّصنا الله من ورطات الدّنيا والآخرة. أوليته وشيوخه: وبسط كثير من مجمل حاله حسبما نقلت من خطه. قال يخاطبني بما نصّه «11» : [البسيط] يا سيّدا، فاق في مجد وفي شرف ... وفات سبقا بفضل الذات والسّلف وفاضلا عن سبيل الذّمّ منحرفا ... وعن سبيل المعالي غير منحرف الجزء: 3 ¦ الصفحة: 426 وتحفة الزمن الآتي به «1» فلقد ... أربى «2» بما حازه منها على التّحف ومعدنا لنفيس الدّرّ فهو لما ... حواه منه لدى التّشبيه كالصّدف وبحر علم «3» جميع الناس مغترف ... منه، ونيل المعالي حظّ مغترف «4» وسابقا بذّ أهل العصر قاطبة ... فالكلّ في ذاك منهم غير مختلف من ذا يخالف في نار على علم ... أو يجحد الشمس نورا وهو غير خفي؟ ما أنت إلّا وحيد العصر في شيم ... وفي ذكاء وفي علم وفي ظرف لله من منتم للمجد منتسب ... بالفضل متّسم، بالعلم متّصف لله من حسب عد ومن كرم ... قد شاده السّلف الأخيار للخلف إيه أيا من به تبأى «5» الوزارة إذ ... كنت الأحقّ بها في الذّات والشرف يا صاحب القلم الأعلى الذي جمعت ... فيه المعالي ببعض «6» البعض لم أصف يا من يقصّر وصفي في علاه ولو ... أنسى مديح حبيب «7» في أبي دلف الجزء: 3 ¦ الصفحة: 427 شرّفتني عندما استدعيت من قبلي «1» ... نظما تدوّنه في أبدع الصّحف وربما راق ثغر في مباسمه «2» ... حتى إذا ناله إلمام مرتشف أجلّ قدرك أن ترضى لمنتجع ... بسوء كيلته حظّا مع الحشف هذا، ولو أنني فيما أتيت به ... نافحت في الطّيب زهر الرّوضة الأنف «3» لكنت أفضي إلى التّقصير من خجل ... أخليت «4» بالبعض ممّا تستحقّ أفي فحسبي العجز عمّا قد أشرت به ... والعجز «5» حتما قصارى كلّ معترف لكن أجبت إلى المطلوب ممتثلا ... وإن غدوت بمرمى «6» القوم كالهدف فانظر إليها بعين الصّفح عن زلل ... واجعل تصفّحها من جملة الكلف بقيت للدهر تطويه وتنشره ... تسمو من العزّ باسم غير منصرف جئتك «7» ، أعزّك الله، ببضاعة مزجاة، وأعلقت رجائي من قبولك بأمنية مرتجاة، وما مثلك يعامل بسقط المتاع، ولا يرضى له بالحشف مع بخس المدّ والصّاع. لكن فضلك يغضي عن التّقصير ويسمح، ويتجاوز عن الخطإ ويصفح، وأنت في كل حال إلى الأدنى من الله أجنح. ولولا أنّ إشارتك واجبة الامتثال، والمسارعة إليها مقدّمة على سائر الأعمال، لما أتيت بها تمشي على استحياء، ولا عرّضت نفسي أن أقف الجزء: 3 ¦ الصفحة: 428 موقف حشمة وحياء، فما مثلي فيما أعرضه عليك، أو أقدّمه من هذا الهذر بين يديك، إلّا مثل من أهدى الخرز لجالب الدّرّ، أو عارض للوشل موج البحر، أو كاثر بالحصى عدد الأنجم الزّهر، على أني لو نظمت الشّعرى شعرا، وجئتك بالسّحر الحلال نظما ونثرا، ونافحتك بمثل تلك الرّوضة الأدبية التي تعبق أزاهرها نثرا، لما وصفتك ببعض البعض من نفائس حلاك، ولا وفّيت ما يجب من نشر مآثر علاك. فما عسى أن أقول في تلك المآثر العلمية، والذّات الموسومة باسم التعريف والعلميّة، أو أعبّر عنه في وصف تلك المحاسن الأدبية، والمفاخر الحسبيّة. إن وصفت ما لك من شرف الذات، ملت إلى الاختصار وقلت: آية من الآيات، وإن ذهبت إلى ذكر مفاخرك الباهرة الآيات، بلغت في مدى الفخر والحسب إلى أبعد الغايات، وإن حلّيتك ببعض الحلى والصّفات، سلبت محاسن الرّوض الأريج النّفحات. فكم لك من التّصانيف الرائقة، والبدائع الفائقة، والآداب البارعة، والمحاسن الجامعة. فما شئت من حدائق ذات بهجة كأنما جادتها سحب نيسان، وجنّات ثمراتها صنوان وغير صنوان، تزري ببدائع بديع الزّمان، وتخجل الروض كما يخجل الورد ابتسام الأقحوان. نظم كما انتثر الدّرّ، ونثر تتمنّى الجوزاء أن تتقلّده والأنجم الزّهر، ومعان أرقّ منّ نسيم الأسحار، تهبّ على صفحات الأزهار. فأهلا بك يا روضة الآداب، وربّ البلاغة التي شمس آياتها لا تتوارى بالحجاب، فما أنت إلّا حسنة الزّمان، ومالك أزمّة البيان، وسبّاق غايات الحسن والإحسان. وقد وجدت مكان القول ذا سعة في أوصافك، وما في تحلّيك بالفضائل واتّصافك. لكنّي رأيت أني لو مددت في ذلك باع الإطناب، وأتيت فيه بالعجب العجاب، فليس لي إلّا تقصير عن المطاولة وإمساك، والعجز عن درك الإدراك إدراك. إيه أيها السّيّد الأعلى، والفاضل الذي له في قداح الفخر القدح المعلّى، فإنك أمرت أن أعرض عليك لتعريف بنفسي ومولدي، وذكر أشياخي الذين بأنوارهم أقتدي، فعلمت أن هذا إنما هو تهمّم منك بشاني، وجري على معتاد الفضل الذي يقصر عنه لساني، وفضل جميل لا أزال أجري في الثناء عليه ملء عناني. وإلّا فمن أنا في الناس حتى أنسب، أو من يذهب إلّا أنت هذا المذهب؟ أما التّعريف بنفسي، فأبدأ فيه باسم أبي: هو أبو القاسم محمد بن عطية بن يحيى بن عبد الله بن طلحة بن أحمد بن عبد الرحمن بن غالب بن عطية المحاربي. وجدّي عطية هو الدّاخل إلى الأندلس عام الفتح، نزل بإلبيرة، وبها تفرّع من تفرّع من عقبه، إلى أن انتقلوا إلى غرناطة، فتأثّل بها حالهم، واستمرّ بها الجزء: 3 ¦ الصفحة: 429 استيطانهم، إلى حدود المائة السابعة، فتسبّب في الانتقال من بقي منهم، وهو جدّي الأقرب الأنساب، وقضى ارتحاله إلى مدينة وادي آش، ولكل أجل كتاب، وذلك أنه استقضي بنظر ما في دولة أمير المسلمين الغالب بالله «1» ، أول ملوك هذه الدولة النصرية، نصر الله خلفها، ورحم سلفها، فاتخذ فيها صهرا ونسبا، وكان ذلك لاستيطانه بها سببا، واستمرّ مقامه بها إلى أن ارتحل إلى المشرق لأداء الفريضة فكان إلى أشرف الحالات مرتحله، وقضى في إيابه من الحج أمله. واستمرّت به الاستيطان، وتعذّرت بعوده إلى غرناطة بعدما نبت فيها الأوطان. على أنه لم يعدم من الله السّتر الجميل، ولا حظّ من عنايته بإيصال النّعمة كفيل، فإنه سبحانه حفظ من سلف فيمن خلف، وجعلهم في حال الاغتراب فيمن اشتهر بنباهة الحال واتّصف، وقيّض لمصاهرتهم من خيار المجد والشرف، وبذلك حفظ الله بيتهم، وشمل باتصال النّعمة حيّهم وميتهم. فالحمد لله، بجميع محامده، على جميل عوائده. وتخلّف بوادي آش أبي وأعمامي، تغمّدهم الله وإياي برحمته، وجمع شملنا في جنّته. وأمّا التعريف بهم، فأنت أبقاك الله، بمن سلف قديما منهم أعلم، وسبيلك في معرفتهم أجدى وأقوم، بما وهبكم الله من عوارف المعارف، وجعل لكم من الإحاطة بالتالد منها والطّارف. وأمّا من لم يقع به تعريف، ممن بعدهم، فمن اقتفى رسمهم في الطريقة العلمية، ولم يتجاوز جدّهم، وهو جدّي أبو بكر عبد الله بن طلحة ورابع أجدادي. كان، رحمه الله، ممن جرى على سنن آبائه، وقام بالعلم أحسن قيام ونهض بأعبائه. ألّف كتابا في «الرقائق» ، ففات في شأوه سبق السابق، وتصدّر ببلده للفتيا، وانتفع به الناس، وكان شيخهم المقدّم. ولم أقف على تاريخ مولده ولا وفاته، غير أنه توفي في حدود المائة الخامسة، رحمه الله. وأمّا من بيني وبينه من الآباء، كجدّي الأقرب وأبيه ومن خلفه من بنيه، فما منهم من بلغ رتبة السّابق، ولا قصر أيضا عن درجة اللّاحق، وإنما أخذ في الطلب بنصيب، ورمى فيه بسهم مصيب. وأما مولدي «2» ، فبوادي آش، في أواخر عام تسعة وسبعمائة. وفي عام ثلاثة وعشرين، ابتدأت القراءة على الأستاذ أبي عبد الله الطّرسوني وغيره ممن يأتي ذكره. ثم كتبت بعد ستة أعوام على من وليها من القضاة، أولي العدالة والسّير المرتضاة، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 430 ولم يطل العهد حتى تقدّمت في جامعها الأعظم خطيبا وإماما، وارتسمت في هذه الخطّة التي ما زالت على من أحسن تماما، وذلك في أواخر عام ثمانية وثلاثين. ثم ولّيت القضاء بها، وبما يرجع إليها من النّظر، في شهر ربيع الأول من عام ثلاثة وأربعين، واستمرّت الولاية إلى حين انتقالي للحضرة، آخر رجب من عام ستة وخمسين، أسأل الله الإقالة والصّفح عما اقترفت من خطإ أو زلل، أو ارتكبته من عمد وسهو، في قول أو عمل، بمنّه. وأمّا أشياخي، فإني قرأت بالحضرة على الأستاذ الخطيب أبي الحسن القيجاطي، والأستاذ الخطيب أبي القاسم بن جزي. وبمالقة على الأستاذ القاضي أبي عمرو بن منظور. وبألمريّة على الأستاذ القاضي أبي الحسن بن أبي العيش، وسيّدي القاضي أبي البركات ابن الحاج، والأستاذ أبي عثمان بن ليون، وبوادي آش على الأستاذ القاضي أبي عبد الله بن غالب، والأستاذ أبي عامر بن عبد العظيم. على كل هؤلاء قرأت قراءة تفقّه، وعرضت على أكثرهم جملة كتب في النحو والفقه والأدب، أكبرها كتاب المقامات للحريري، وأمّا من لقيته من المشايخ واستفدت، منهم أبو الحسن بن الجيّاب بالحضرة، وبمالقة القاضي أبو عبد الله بن بكر، والقاضي أبو عبد الله بن عيّاش، والأستاذ أبو عبد الله بن حفيد الأمين. ومن لقيته لقاء بترك، سيدي أبو جعفر بن الزيات ببلّش. وبمالقة الخطيب أبو عبد الله السّاحلي، والصّوفي أبو الطاهر بن صفوان، والمقرئ أبو القاسم بن درهم. وبألمرية الخطيب أبو القاسم بن شعيب، والخطيب ابن فرحون. ولقيت أيضا القاضي أبا جعفر بن فركون القرشي، والقاضي الخطيب أبا محمد بن الصايغ. وممن رأيته بوادي آش، وأنا إذ ذاك في المكتب، وأخذت بحظّ من التبرّك به، سيدي أبو عبد الله الطّنجالي نفع الله به. والحمد لله ربّ العالمين. شعره: من مطولاته قوله: ومن خطّه نقلت «1» : [الطويل] ألا أيّها اللّيل البطيء الكواكب ... متى ينجلي صبح بنيل المآرب؟ وحتى متى أرعى النجوم مراقبا ... فمن طالع منها على إثر غارب «2» أحدّث نفسي أن أرى الرّكب سائرا ... وذنبي يقصيني بأقصى المغارب الجزء: 3 ¦ الصفحة: 431 فلا فزت من نيل الأماني بطائل ... ولا قمت في «1» حقّ الحبيب بواجب وكم «2» حدّثتني النفس أن أبلغ المنى ... وكم علّلتني بالأماني الكواذب وما قصّرت بي عن زيارة قبره ... معاهد أنس من وصال الكواعب ولا حبّ أوطان نبت بي ربوعها ... ولا ذكر خلّ حلّ «3» فيها وصاحب ولكن ذنوب أثقلتني فها أنا ... من الوجد قد ضاقت عليّ مذاهبي إليك، رسول الله، شوقي مجدّدا» ... فيا ليتني يمّمت صدر الركائب وأعملت «5» في تلك الأباطح والرّبى ... سراي مجدّا بين تلك السباسب «6» وقضيت من لثم البقيع لبانتي ... وجبت الفلا ما بين ماش وراكب وروّيت من ماء زمزم «7» غلّتي ... فلله ما أشهاه يوما لشارب! حبيبي شفيعي منتهى غايتي التي ... أرجّي ومن يرجوه ليس بخائب محمد المختار والحاشر الذي ... بأحمد حاز الحمد «8» من كل جانب رؤوف رحيم خصّه «9» الله باسمه ... وأعظم لاج «10» في الثّناء وعاقب رسول كريم رفّع الله قدره ... وأعلى له قدرا رفيع الجوانب وشرّفه أصلا وفرعا ومحتدا ... يزاحم آفاق السّهى بالمناكب «11» سراج الهدى ذو الجاه والمجد والعلا ... وخير الورى الهادي الكريم المناسب هو المصطفى المختار من آل هاشم ... وذو الحسب العدل «12» الرفيع المناصب هو الأمد الأقصى هو الملجأ الذي ... ينال به مرغوبه كلّ راغب إمام النّبيّين الكرام، وإنه ... لكالبدر فيهم بين تلك المواكب بشير «13» نذير مفضل متطوّل ... سراج منير بذّ نور الكواكب الجزء: 3 ¦ الصفحة: 432 شريف منيف باهر الفضل كامل ... نفيس المعالي والحلى والمناقب عظيم المزايا ما له من تماثل «1» ... كريم السّجايا ما له من مناسب ملاذ منيع ملجأ عاصم لمن ... يلوذ به من بين آت وذاهب حليم «2» جميل الخلق والخلق ما له ... نظير، ووصف الله حجّة غالب وناهيك من فرع نمته أصوله ... إلى خير مجد من لؤيّ بن غالب أولي الحسب العدّ الرفيع جنابه ... بدور الدّياجي أو بدور «3» الركائب له معجزات ما لها من معارض ... وآيات صدق ما لها من مغالب تحدّى «4» بهنّ الخلق شرقا ومغربا ... وما ذاك عمّن حاد عنها بغائب «5» فدونكها كالأنجم الزّهر «6» عدّة ... ونور سنا لا يختفي «7» للمراقب فإحصارها «8» مهما تتبّعت معوز ... وهل بعد نور الشمس نور لطالب؟ لقد شرّف الله الوجود بمرسل ... له في مقام الرّسل أعلى المراتب وشرّف شهرا فيه مولده الذي ... جلا نوره الأسنى دياجي الغياهب فشهر ربيع في الشهور مقدّم ... فلا غرو أنّ الفخر «9» ضربة لازب «10» فلله منه ليلة قد تلألأت ... بنور شهاب نيّر «11» الأفق ثاقب «12» ليهن أمير المسلمين بها المنى ... وأن نال من مولاه أسنى الرّغائب على حين أحياها بذكر حبيبه ... وذكر الكرام الطاهرين الأطايب وألّف شملا للمحبّين فيهم ... فسار على نهج من الرشد لاحب «13» فسوف يجازى عن كريم صنيعه ... بتخليد سلطان وحسن عواقب وسوف يريه الله في لهم «14» دينه ... غرائب صنع فوق كلّ الغرائب فيحمي حمى الإسلام عمّن يرومه ... بسمر العوالي أو ببيض القواضب «15» الجزء: 3 ¦ الصفحة: 433 ويعتزّ دين الله شرقا ومغربا ... بما سوف يبقى ذكره في العجائب إلهي، ما لي بعد رحماك مطلب ... أراه بعين الرّشد أسنى المطالب سوى زورة القبر الشريف وإنها «1» ... لموهبة فاتت «2» جميع المواهب عليه سلام الله ما لاح كوكب ... وما فارق «3» الأظعان حادي الرّكائب وقال في غرض المدح والتّهنئة بعرض الجيش، وتضمّن ذلك وصف حاله في انتقاله إلى الحضرة: [البسيط] يا قاطع البيد يطوي السّهل والجبلا ... ومنضيا في الفيافي الخيل والإبلا يبكي بآفاق «4» أرض لا يؤانسه «5» ... إلّا تذكّر عهد للحبيب خلا أو ظبية أذكرت عهد التواصل تح ... كي للّحاظ «6» التي عاهدت والمقلا أستغفر الله في تلك اللّحاظ فقد ... أربى بها الحسن عن ضرب المها مثلا أو هادل فوق غصن البان تحسبه ... صبا لفقد حبيب بان قد ثكلا أو لامع البرق إذ تحكي إنارته ... كفّا خضيبا مشيرا بالذي عذلا ماذا عسى أن تقضّي من زمانك في ... قطع المهامه ترجو أن تنال علا؟ وكم معالم أرض أو مجاهلها ... قطعتها لا تملّ الرّيث والعجلا إن كنت تأمل عزّا لا نظير له ... وتبتغي السّؤل فيما شئت والأملا فالعزّ مرسى بعيد لا ينال سوى ... بعزم من شدّ عزم البين وارتحلا والدّرّ في صدف قلّت نفاسته ... ولم يبن فخره إلّا إذا انتقلا فاربأ بنفسك عن أهل وعن وطن ... ................ ... «7» وانس الدّيار التي منها نأى وطني ... وعهد أنس به قلب المحبّ سلا وعدّ عن ذكر محبوب شغفت به ... ولا تلمّ» به مدحا ولا غزلا واقصد إلى الحضرة العليا وحطّ بها ... رحلا ولا تبغ عن أرجائها حولا غرناطة لا عفا رسم بها أبدا ... ولا سلا قلب من يبغي بها بدلا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 434 فهي التي شرّف الله الأنام بمن ... في مقعد الملك من حمرائها نزلا خليفة الله مولانا وموئلنا ... وخير من أمّن الأرجاء والسّبلا محمد بن أبي الحجاج أفضل من ... قد قام فينا بحقّ الله إذ عدلا من آل نصر أولى الملك الذي بهرت ... علاه كالشمس لمّا حلّت الحملا هو الذي شرّف الله البلاد ومن ... فيها بدولته إذ فاقت الدّولا أقام عدلا ورفقا في رعيّته ... وكان أرحم من آوى ومن كفلا فهو المجار به من لا مجير له ... لم يخش إحن الليالي فادحا جللا إنّ المدائح طرّا لا تفي أبدا ... ببعض ما قد تحلّا من نفيس علا بالحزم والفهم والإقدام شيمته ... والجود ممّا على أوصافه اشتملا إن قال أجمل في قول وأبدعه ... والفعل أجمل منه كلّما فعلا يولي الجميل ويعطي عزّ نائله ... من قد رجاه ولا استجدى ولا سألا من سائلي عن بني نصر فما أحد ... منهم بأبلغ منهم كلّما سئلا هم الذين إذا ما استمنحوا منحوا ... أسنى العطاء «1» وأبدوا بعده الخجلا هم الألى مهّدوا أرجاء أندلس ... إذ حكّموا في الأعادي البيض والأملا فإن تسل عنهم يوم الرّهان فلم ... يعدل بأحدثهم في سنّه بطلا من ذا يجاريهم في كل مكرمة ... أيشبه البحر في تمثيله الوشلا؟ مولاي، يا خير من للنّصر قد رفعت ... راياته ولواء الفخر قد حملا لله عيني لمّا أبصرتك وقد ... أعددت بين يديك الخيل والخولا وأنت في قبّة يسمو بها عمد ... أقام منّا لأمر «2» الدّين فاعتدلا والجيش يعشى عيون الخلق منظره ... لما اكتسى منك نور الحقّ مكتملا لا غرو أنّ شعاع الشمس يشمل ما ... أضحى عليه إذا ما لاح منسدلا وراية النصر والتأييد خافقة ... قد أسبل الله منها النّصر فانسدلا والخيل قد كسيت أثواب زينتها ... فمن براقعها قد ألبست حللا ترى الحماة عليها يوم عرضهم ... يمشون من فرط زهو مشية الخيلا فمن رماة قسيّ العرب عدّتها ... تحكي الأهلّة مهما نورها اكتملا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 435 ومن كماة شداد البأس شأنهم ... أن يعملوا البيض والخطّيّة الذّبلا بسعدك انتظمت تلك الجيوش لأن ... أسهمت في نظمها أسلافك الأولا وخلّد الله ملكا أنت ناصره ... ما عاقبت بكر من دهرنا الأصلا لا زلت تزداد بي «1» نعمى مضاعفة ... لتملأ الأرض منها السّهل والجبلا ومن ذلك قوله: [البسيط] يا عاذلي في الهوى، أقصر عن العذل ... وعن حديثي مع المحبوب لا تسل فكيف أصغي إلى عذل العذول وقد ... تقلّص القلب مني صائد المقل؟ تملّكته كما شاءت بنظرتها ... فتّانة الطّرف والألحاظ تنهدل معبرة عن نفيس الدّرّ فاضحة ... بقدّها الغضّ الميّاس «2» في الميل من نور غرّتها شمس تروق سنى ... تحتلّ منها محلّ الشمس في الحمل يا حبّذا عهدنا والشّمل منتظم ... بجانب الغور في أيّامنا الأول أيام أعين هذا الدهر نائمة ... عنّا وأحداثه منّا على وجل وحبّذا أربع قد طال ما نظمت ... عقد التّواصل في عيش بها خضل قضيت منها أماني النّفس في دعة ... من الزمان موفّى الأنس والجذل سطا الغمام رباها كلّ منهمر ... وكم سطتها دموعي كلّ منهمل وجادها من سماء الجود صوب حيا ... بالعارض الهطل ابن العارض الهطل خليفة الله والماحي بسيرته ... رسم الضّلال ومحيي واضح السّبل محمد بن أبي الحجاج أفضل من ... سارت أحاديث علياه سرى المثل والباعث الجيش في سهل وفي جبل ... حتى تغصّ نواحي السّهل والجبل من آل نصر أولي الفخر الذين لهم ... مزيّة أورثت من خاتم الرسل مهما أردت غناء في الأمور به ... شاهدت منه جميع الخلق في رجل لن يستظلّ بعلياه أخو أمل ... إلّا غدا تحت ظلّ منه منسدل ولا استجار به من لا مجير له ... إلّا كفاه انتياب الحادث الجلل ينمى إلى معشر شاد الإله لهم ... ملكا على سالف الأعصار لم يزل بملكهم قد تحلّى الدهر فهو به ... والله واليه لا يخشى من العطل الجزء: 3 ¦ الصفحة: 436 هم الألى نصروا أرجاء أندلس ... بالمشرفيّات والخطيّة الذّبل هم الألى مهّدوا دين الهدى فسمت ... في الخلق ملّته العليا على الملل من أمّهم صادي الآمال نال بهم ... جودا كفيلا له بالمعل والنّهل أو أمّهم ضاحيا أضحى يجرّر من ... فضل النّوال ذيول الوشي والحلل إنّ الفضائل أضحت لاسمه تبعا ... كالنّعت والعطف «1» والتأكيد والبدل مولاي، خذها تروق السّامعين لها ... بما أجادته من مدح ومن غزل لكنني باعتبار عظم ملكك لم ... أجد لعمري في مدحي ولم أطل فإن خبرت كذاك الخلق أجمعهم ... سيّان محتفل أو غير محتفل لا زلت فخر ملوك الأرض كلّهم ... تسمو بك الدولة العلياء «2» على الدول ودمت للدهر تطويه وتنشره ... مبلّغا كلّما تبغي من الأمل ومن ذلك ما نظمه لينقش في بعض المباني التي أنشأتها «3» : [الطويل] أنا مصنع قد فاق كل المصانع ... فما منزل يزهى «4» بمثل بدائعي فرسمي، إذا حقّقته واعتبرته «5» ... لكل المعاني، جامع أيّ جامع فقد جمع الله المحاسن كلّها ... لديّ، فيا لله إبداع صانع «6» ! كما «7» جمعت كلّ الفضائل في الذي ... بسكناي قد وافاه أيمن طالع وزير أمير المسلمين وحسبه ... مزيّة فخر ما لها من مدافع وذو القلم الأعلى الذي فعله لمن ... يؤمّله مثل السّيوف القواطع ومطلع آيات البيان لمبصر ... كشمس الضّحى حلّت بأسنى المطالع وإنسان عين الدهر قرّت لنا به ... عيون وطابت منه ذكرى المسامع هو ابن الخطيب السّيّد المنتمي إلى ... كرام سموا ما بين كهل ويافع لقد كنت لولا عطفة من حنانه «8» ... أعدّ زمانا في الرّسوم البلاقع الجزء: 3 ¦ الصفحة: 437 فصيّرني مغنى كريما ومربعا «1» ... لشمل بأنس من حبيبي جامع فها أنا ذو «2» روض يروق نسيمه «3» ... كما رقّ طبعا ما له من منازع وقد جمعتنا نسبة الطّبع عندما ... وقعت لمرآه بأسنى المواقع فأشبه إزهاري بطيب ثنائه ... وفضل هوائي «4» باعتدال الطبائع فلا زلت معمورا به في مسرّة ... معدّا لأفراح وسعد مطالع ولا زال من قد حلّني أو يحلّني ... موفّى الأماني من جميل الصّنائع ودام لمولانا المؤيّد سعده ... فمن نوره يبدو «5» لنا كلّ ساطع وفي التهنئة بإبلال من مرض: [البسيط] الآن قد قامت الدّنيا على قدم ... لما استقلّ رئيس السيف والقلم والآن قد عادت الدنيا لبهجتها ... مذ أنست برءه من طارق الألم والآن قد عمت البشرى براحته ... فلم تزل للورى من أعظم النعم لا سيّما عند مثلي ممن اتّضحت ... منه دلائل صدق غير متهم فكيف لي وأيادي فضله ملكت ... رقّي بما أجزلت من وافر القسم وصيّرتني في أهلي وفي وطني ... وبين أهل النّهى نارا على علم وأحسبت أملي الأقصى لغايته ... إذ صرت من جاهه المأمول في حرم ماذا «6» عسى أن أوفّي من ثنائي أو ... أنهي إلى مجده من فاضل الشّيم ولو ملكت زمام الفضل طوع يدي ... قصّرت في ضمن منثور ومنتظم يهنيك بشرى قد استبشرت مذ وردت ... بها لعمرك وهو البرّ في الضّيم ومذ دعت هذه «7» البشرى بتهنئة ... فنحن أولى ومحض العهد والكرم لا زلت للعزّة القعساء ممتطيا ... مستصحبا لعلاء غير منصرم ودمت بدر سنى تهدي إنارته ... في حيث يعضل خطب أو يحار عم ولا عدمت بفضل الله عافية ... تستصحب النّعم المنهلّة الديم الجزء: 3 ¦ الصفحة: 438 وليس لهذا العهد للرجل انتحال لغير الشّعر والكتابة. وغير هذا للشعر فراره، فقلّ أن ينتهي الشّعر في الضّعة والاسترذال إلى ما دون هذا النّمط، فهو بعير «1» ثان، شعرا وشكلا وبلدا، لطف الله به. وهو لهذا العهد، على ما تقدّم من النكبة، واتّصال السّخط من الدولة، تغمّدنا الله وإياه بلطفه، ولا نكص عنّا ظلّ عنايته وستره. مولده: حسبما تقدّم من بسط حاله مما قيّده بخطّه في عام تسعة وسبعمائة. عبد الرزّاق بن يوسف بن عبد الرزّاق الأشعري من أهل قرية الأنجرون من إقليم غرناطة، أبو محمد. حاله: فقيه أديب كاتب سري، موصوف بكرم نفس، وحسن خلق. لقي أشياخا وأخذ عنهم. شعره: [السريع] يا منعما ما زال من أمّه ... يرفل في السّابغ من أمّته «2» ويا حساما جرّدته العلا ... فريع صرف الدهر من سكتته «3» عبدك قد ساءت هنا حاله ... شوقا لمن خلّف من إخوته شوقا يبثّ الجمر في قلبه ... ويخلع السّهد «4» على مقلته فسكّن المؤلم من شوقه ... وانسين «5» المقلق من وحشته وامنن عليه ببلوغ المنى ... في علمكم من مقتضى بغيته وهاكها نفثة ذي خجلة ... تفهم ما يلقيه من نفثته إذا شدا مدّاحكم ساجعا ... يحسده الطيّار في نغمته وفاته: سنة إحدى وسبعين وخمسمائة، عن سنّ عالية. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 439 عبد الملك بن سعيد بن خلف العنسي «1» من أهل قلعة يحصب «2» من عمل إلبيرة. حاله ونسبه: هو عبد الملك بن سعيد بن خلف بن سعيد بن محمد بن عبد الله بن سعيد بن الحسن بن عثمان بن محمد بن عبد الله بن سعيد بن عمّار بن ياسر، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم. وكان عينا من أعيان الأندلس، مشارا إليه في البيت والرأي، والجزالة والفضل. علقت به الآمال، ورفعت إليه الممادح، وحطّت لديه الرّحال. وكان من أولي الجلالة والنّباهة، والطّلب والكتابة الحسنة، والخطّ البارع. واشتمل على حظوة الأمير يحيى بن غانية اللّمتوني، وكتب عنه. بلده قلعة بني سعيد، فثقفها، وجعل بها أكبر بنيه عبد الرحمن ضابطا لها وحارسا، فحصّنها أبو مروان ومهدها بالعمارة، فكانت في الفتنة مثابة وأمنا، وحرزا له ولبنيه، فانجلت الناس إليها من كل مكان. ولما قبض ابن غانية على القمط مرين وأصحابه النصارى عندما وصلوا لاستنجاز الوعد في الخروج عن جيّان، وتحصّلوا بيده بإشارة عبد الملك بن سعيد، حسبما ثبت في اسم الأمير يحيى، ثقّفهم بالقلعة بيد ثقته المذكور وأمينه أبي مروان، فتحصلوا في معقل حريز، عند أمير وافر العقل، سديد الرأي. ومات ابن غانية بغرناطة لأيام قلائل، واختلف قومه، فنظر أبو مروان لنفسه، وعاهد القمط مرين ومن معه من الزعماء على عهود، أخذها عليهم وعلى سلطانهم، أن يكون تحت أمن وحفظ طول مدّته، فأجريت القلعة في الأمن والحماية، وكفّ أيدي التّعدّي مجرى ما لملك النّصري «3» من البلاد، فشمل أهلها الأمن، واتسعت فيها العمارة، وتنكبتها النّكبات، وتحاشتها الغارات. ولم يزل أبو مروان بها إلى أن دخل في أمر الموحدين. ووصل هو وابنه إلى السيد أبي سعيد بغرناطة، وحضر معه غزوة ألمريّة، ثم دخل بجملته، فكمل له الأمن، وأقرّ على القلعة، وأمر بسكنى غرناطة بولده. ثم وصل ثانية إلى مراكش صحبة السيد أبي سعيد، ولقي من البرّ ولطف المكانة عادته، واستكتب ابنه أحمد بن أبي مروان الخليفة في هذه الوجهة، وانتظم في جملة الكتّاب والأصحاب. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 440 محنته: وعاد أبو مروان وبنوه إلى غرناطة صحبة واليها السّيد أبي سعيد، فبقي في جملة العسكر عند دخول ابن مردنيش وصهره غرناطة، وقد اضطربت الفتنة، وفسد ما بين السيد وبين أبي جعفر بن أبي مروان منهم، بما تقدّم في اسمه من حديث حفصة «1» . ولما ظهرت دلائل التغيير، وخافوا على أنفسهم، أداروا الرأي في الانحياز إلى خدمة ابن مردنيش، ونهاهم والدهم أبو مروان، وأشار عليهم بمصابرة الأمر، فلحق عبد الرحمن بالقلعة، وفرّ أحمد لما انكشف الأمر، وعثر عليه بجهة مالقة، فقتل، وانجرّت بسبب ذلك النكبة على عبد الملك وابنه محمد، فبقيا بغرناطة، ومن يشار إليه من أهل بيتهما، واستصفيت أموالهما، واستخلصت «2» ضياعهما، إلى أن ورد كتاب الخليفة أبي يوسف يعقوب بن عبد المؤمن بن علي بإطلاقهم وردّ أموالهم، بما اقتضته السياسة من استمالة من نزع منهم عن الطاعة، وأمر عبد الملك باستيلاف نافرهم. ولما هلك ابن مردنيش، وردّ من اتصل به صحبة المستأمنين من أولاد الأمير الهالك، فقدموا على رحب وسعة، وثاب جاه أبي مروان، واتصل عزّه، واتسعت حظوته، إلى أن هلك بعد أن ولي بمراكش النّظر في العدّة والأسلحة، والقيام على دار الصّنعة. وفاته: بغرناطة سنة ستين وخمسمائة. عبد العزيز بن علي بن أحمد بن عبد الرحمن بن محمد ابن عبد العزيز بن يست «3» من أهل غرناطة، يكنى أبا سلطان. حاله: فاضل «4» ، حييّ، حسن الصورة، بادي الحشمة، فاضل البيت سريّه. كتب في ديوان الأعمال «5» ، وترقّى إلى الكتب «6» مع الجملة بالدار السلطانية، وسفر في بعض الأغراض الغربية، ولازم الشيخ أبا بكر «7» بن عتيق بن مقدّم، من شيوخ «8» الصّوفية بالحضرة، فظهرت عليه آثار ذلك في نظمه ومقاصده الأدبية «9» . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 441 شعره: وشعره لا بأس به، ومن أمثله قوله ما أنشد له في ليلة الميلاد الأعظم «1» : [الكامل] القلب يعشق والمدامع تنطق ... برح الخفاء فكلّ عضو منطق «2» [قلت: قد ذكرها ابن الخطيب في جملة ما أنشد في الميلاد الأعظم في السفر الخامس، فلا فائدة في تكرارها هنا] «3» . ومما خاطبني به «4» : [البسيط] أطلت عتب زمان فلّ من أمل «5» ... وسمته «6» الذّمّ في حلّ ومرتحل عاتبته ليلين للعتب جانبه ... فما تراجع عن مطل ولا بخل «7» فعدت أمنحه العتبى «8» ليشفق بي «9» ... فقال لي: إنّ سمعي عنك في شغل فالعتب عندي والعتبى «10» فلست أرى ... أصغي لمدحك إذ لم أصغ للعذل فقلت للنّفس: كفّي عن معاتبة ... لا تنقضي وجواب صيغ من وجل «11» من يعتلق بالدّنا «12» بابن الخطيب فقد ... سما عن الذّلّ واستولى «13» على الجذل الجزء: 3 ¦ الصفحة: 442 فقلت «1» : من لي بتقريبي لخدمته ... فقد أجاب قريبا من جوابك لي قد اشتغلت عن الدّنيا بآخرتي ... وكان ما كان في «2» أيّامي الأول وقد رعيت وما أهملت من منح ... فكيف يختلط المرعيّ بالهمل؟ ولست أرجع للدّنيا وزخرفها ... من «3» بعد شيب غدا في الرأس مشتعل ألست تبصر أطماري وبعدي عن ... نيل الحظوظ وإعداد «4» إلى أجل فقال «5» : ذلك قول صحّ مجمله «6» ... لكنّ من شأنه التّفصيل للجمل ما أنت طالب «7» أمر تستعين به ... على المظالم في حال «8» ومقتبل ولا تحلّ حراما أو تحرّم ما ... أحلّ ربّك في قول ولا عمل ولا تبع «9» آجل الدّنيا بعاجلها ... كما الولاة تبيع اليمّ بالوشل «10» وأين عنك الرّشا إن كنت «11» تطلبها ... هذا لعمري أمر غير منفعل الجزء: 3 ¦ الصفحة: 443 هل أنت تطلب إلّا أن تعود إلى ... كتب المقام الرّفيع القدر في الدول؟ فما لأوحد أهل الكون «1» قاطبة ... وأسمح الخلق «2» من حاف ومنتعل لم يلتفت نحو ما تبغيه من وطر ... ولم يسدّ «3» الذي قد بان من خلل إن لم تقع نظرة منه عليك فما ... يصبو لديك الّذي «4» أمّلت من أمل فدونك السّيّد الأعلى فمطلبكم «5» ... قد نيط منه بفضل غير منفضل «6» فقد خبرت بني الدنيا بأجمعهم ... من عالم وحكيم عارف وولي «7» فما رأيت له في الناس من شبه ... قلّ النّظير له عندي فلا تسل فقد «8» قصدتك يا أسمى الورى نسبا «9» ... وليس لي عن حمى «10» علياك من حول «11» فما سواك لما أمّلت من أمل ... وليس لي عنك من زيغ ولا ميل «12» الجزء: 3 ¦ الصفحة: 444 فانظر لحالي فقد رقّ الحسود لها ... واحسم زمانة «1» ما قد ساء من علل قدّم «2» لنا ولدين الله ترفعه ... ما أعقبت بكر الإصباح بالأصل لا زلت معتليا عن كلّ حادثة ... كما علت ملّة الإسلام في الملل عبد البر بن فرسان بن إبراهيم بن عبد الله ابن عبد الرحمن الغساني «3» وادي آشي الأصل، يكنى أبا محمد. حاله: كان «4» من جلّة الأدباء، وفحول الشّعراء، وبرعة الكتّاب. كتب عن الأمير أبي زكريا يحيى بن إسحاق بن محمد بن علي المسّوفي الميورقي «5» ، الثائر على منصور «6» بني عبد المؤمن، ثم على من بعده من ذرّيته إلى أيام الرّشيد «7» منهم، وانقطع «8» إليه وصحبه في حركاته، وكان آية في بعد الهمّة، والذهاب بنفسه، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 445 والعناء «1» ، ومواقف الحرب، فإنه دهم في المثل، أشبه امرءا يعض برّه، فقد كان أليق الناس بصحبة الميورقي، وأنسبهم إلى خدمته. مشيخته: روى عن أبي زيد بن السّهيلي «2» . بعض أخباره في البأو والصّرامة: حدّثنا شيخنا أبو الحسن بن الجيّاب عمن حدّثه من أشياخه، قال «3» : وجّهه الميورقي في عشيّة يوم من أيام حروبه إلى المأزق، وقد طال العراك، وكاد يكلّ الناس عن الحرب، إلى أن يباكروها من الغد، فنفذ لما أمر به. ولما بلغ الصّدر اشتدّ على الناس، وذعر «4» أرباب الحفيظة، وأنهى إليهم العزم من أميرهم في الحملة، فانهزم عدوّهم شرّ هزيمة، ولم يعد أبو محمد إلّا في آخر الليل بالأسلاب والغنيمة، وقال له: ما حملك على ما صنعت؟ فقال له: الذي عملت هو شأني، وإذا أردت من يصرف الناس عن الحرب ويذهب ريحهم، فانظر غيري. وحدّثني «5» كذلك أنّ ولدا له صغيرا تشاجر مع ترب له من أولاد أميره أبي زكريا، فنال منه ولد الأمير، وقال: وما قدر أبيك؟ ولمّا بلغ ذلك أباه خرج مغضبا لحينه، ولقي ولد الأمير المخاطب لولده، فقال: حفظك الله! لست أشكّ في أنّي خديم أبيك، ولكني أحبّ أن أعرّفك بمقداري «6» ومقداره، اعلم إنّ أباك وجّهني رسولا إلى الخليفة «7» ببغداد بكتاب عن نفسه، فلمّا بلغت بغداد نزلت «8» في دار اكتريت لي بسبعة دراهم في الشهر، وأجري عليّ سبعة دراهم في اليوم، وطولع بكتابي، وقيل: من الميورقي الذي وجّهه؟ فقال بعض الحاضرين: هو رجل مغربي ثائر على أستاذه. وأقمت شهرا، ثم استدعيت إلى الانصراف، ولمّا دخلت دار الخلافة وتكلّمت مع من بها من الفضلاء، أرباب «9» المعارف والآداب، اعتذروا لي، وقالوا للخليفة: هذا رجل جهل مقداره، فأعدت إلى محلّ اكتري «10» لي بسبعين درهما، وأجري عليّ مثلها في اليوم، ثم استدعيت، فودعت الخليفة، واقتضيت ما تيسّر من جوابه «11» ، وصدر لي شيء له حظّ «12» من صلته. وانصرفت إلى أبيك. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 446 والمعاملة الأولى كانت على قدر أبيك عند من يعرف الأقدار، والثانية كانت على قدري والمنّة لله. وأخبار ابن فرسان كثيرة. شعره: وقد تعمّم الأمير «1» بعمامة بيضاء، وليس غفارة حمراء على جبّة خضراء، فقال «2» : [الطويل] فديتك بالنّفس التي قد ملكتها ... بما أنت موليها من الكرم الغضّ تودّدت «3» للحسن الحقيقيّ بهجة ... فصار بها الكلّيّ في ذاك كالبعض «4» ولمّا تلالا «5» نور غرّتك التي ... تقسّم في طول البلاد وفي العرض تلقّفتها «6» خضراء أحسن ناظر ... نبت عنك إجلالا وذاك من الفرض وأسدلت حمر «7» الملابس فوقها ... بمفرق تاج المجد والشّرف المحض وأصبحت «8» بدرا طالعا في غمامة ... على شفق دان إلى خضرة الأرض ومن شعره، ولا خفاء ببراعته «9» : [الطويل] ندى مخضلا ذاك الجناح المنمنما ... وسقيا وإن لم تشك يا ساجعا «10» ضما أعدهنّ ألحانا على سمع معرب ... يطارح مرتاحا على القضب معجما وطر «11» غير مقصوص الجناح مرفّها ... مسوّغ أشتات الحبوب منعّما وقال أيضا رحمه الله «12» : [الطويل] كفى حزنا أنّ الرماح «13» صقيلة ... وأنّ الشّبا رهن الصّدى بدمائه وأنّ بياذيق «14» الجوانب فرزنت ... ولم يعد رخّ الدّست بيت بنائه الجزء: 3 ¦ الصفحة: 447 عبد المنعم «1» بن عمر بن عبد الله بن حسّان الغسّاني جلياني «2» ، من أهل وادي آش، وتردّد إلى غرناطة، يكنى أبا محمد، وأبا الفضل. حاله: تجوّل ببلاد المشرق سائحا، وحجّ ونزل القاهرة، وكان أديبا، بارعا حكيما، ناظما ناثرا. تواليفه: وله مصنّفات منها «جامع أنماط السائل، في العروض والخطب والرسائل» «3» ، أكثر كلامه فيه نظما ونثرا. مشيخته ومن روى عنه: روى عنه أبو الحسن علي بن عبد الله بن عبد الرحيم الخطيب بضريح الخليل، وأبو عبد الله بن يحيى المرسي. شعره: قال من شعره «4» : [الطويل] ألا إنّما الدّنيا بحار تلاطمت ... فما أكثر الغرقى على الجنبات وأكثر من «5» لاقيت «6» يغرق إلفه ... وقلّ فتى ينجي «7» من الغمرات وفاته: سنة ثلاث وستمائة «8» . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 448 فهرس المحتويات محمد بن يحيى بن عبد الله بن محمد بن أحمد العزفي 3 محمد المكودي 8 المقرئون والعلماء- الأصليون منهم 10 محمد بن أحمد بن محمد بن عبد الله بن يحيى بن عبد الرحمن بن يوسف بن جزيّ الكلبي 10 محمد بن أحمد بن فتّوح بن شقرال اللخمي 13 محمد بن جابر بن يحيى بن محمد بن ذي النّون التّغلبي 15 محمد بن محمد بن محمد بن بيبش العبدري 16 محمد بن محمد النّمري الضّرير 19 محمد بن عبد الولي الرّعيني 21 محمد بن علي بن أحمد الخولاني 22 محمد بن علي بن محمد البلنسي 25 محمد بن سعد بن محمد بن لب بن حسن بن حسن بن عبد الرحمن بن بقيّ 25 محمد بن سعيد بن علي بن يوسف الأنصاري 27 محمد بن يوسف بن علي بن يوسف بن حيّان النّفزي 28 ومن الطارئين عليها في هذا الحرف 43 محمد بن أحمد بن داود بن موسى بن مالك اللّخمي اليكّي 43 ومن السفر الثامن من ترجمة المقرئين والعلماء 45 محمد بن أحمد بن محمد بن علي الغسّاني 45 محمد بن أحمد بن علي بن قاسم المذحجي 46 محمد بن أحمد بن محمد بن علي الغسّاني 47 محمد بن أحمد الرّقوطي المرسي 48 محمد بن إبراهيم بن المفرّج الأوسي 48 محمد بن إبراهيم بن محمد الأوسي 49 الجزء: 3 ¦ الصفحة: 449 محمد بن جعفر بن أحمد بن خلف بن حميد ابن مأمون الأنصاري 49 محمد بن حكم بن محمد بن أحمد بن باق الجذامي 51 محمد بن حسن بن محمد بن عبد الله بن خلف بن يوسف بن خلف الأنصاري 52 محمد بن محمد بن أحمد بن علي الأنصاري 53 محمد بن محمد بن إدريس بن مالك بن عبد الواحد بن عبد الملك بن محمد بن سعيد بن عبد الواحد بن أحمد بن عبد الله القضاعي 53 محمد بن محمد بن محارب الصّريحي 55 محمد بن محمد بن لب الكناني 56 محمد بن محمد البدوي 57 محمد بن عبد الله بن ميمون بن إدريس بن محمد بن عبد الله العبدري 60 محمد بن عبد الله بن عبد العظيم بن أرقم النّميري 62 محمد بن عبد الله بن يحيى بن عبد الله بن فرج ابن الجدّ الفهري 63 محمد بن عبد الرحمن بن محمد بن علي بن محمد بن أحمد بن الفخّار الجذامي 64 محمد بن علي بن عمر بن يحيى بن العربي الغستاني 67 محمد بن علي بن محمد العبدري 68 ومن الغرباء في هذا الباب 75 محمد بن أحمد بن محمد بن محمد بن أبي بكر بن مرزوق العجيسي 75 محمد بن عبد الرحمن بن سعد التّميمي التّسلي الكرسوطي 98 محمد بن عبد المنعم الصّنهاجي الحميري 101 محمد بن عمر بن محمد بن عمر بن محمد بن إدريس بن سعيد بن مسعود بن حسن بن محمد بن عمر بن رشيد الفهري 102 محمد بن علي بن هاني اللّخمي السّبتي 108 محمد بن يحيى العبدري 118 المحدّثون والفقهاء والطلبة النجباء وأولا الأصليون 119 محمد بن أحمد بن إبراهيم بن الزّبير 119 محمد بن أحمد بن خلف بن عبد الملك بن غالب الغسّاني 121 محمد بن أحمد بن محمد الدّوسي 122 محمد بن إبراهيم بن عبد الله بن أحمد بن محمد بن يوسف بن روبيل الأنصاري 122 محمد بن إبراهيم بن عبد الله بن أبي زمنين المرّي 124 محمد بن جابر بن محمد بن قاسم بن أحمد بن إبراهيم بن حسّان القيسي 124 محمد بن خلف بن موسى الأنصاري الأوسي 126 محمد بن محمد بن إبراهيم بن محمد بن عبد الله الخولاني 127 محمد بن محمد بن علي بن سودة المرّي 129 محمد بن عبد العزيز بن سالم بن خلف القيسي 131 محمد بن عبد الله بن أبي زمنين 132 الجزء: 3 ¦ الصفحة: 450 محمد بن عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن بن محمد بن عبد الله بن محمد بن إبراهيم بن محمد بن أبي زمنين عدنان بن بشير بن كثير المرّي 132 محمد بن عبد الرحمن بن الحسن بن قاسم بن مشرّف بن قاسم بن محمد بن هاني اللخمي القائصي 133 محمد بن عبد الرحمن بن عبد السلام بن أحمد بن يوسف بن أحمد الغساني 134 محمد بن عبد الواحد بن إبراهيم بن مفرّج بن أحمد بن عبد الواحد بن حريث بن جعفر بن سعيد بن محمد بن حقل الغافقي 135 محمد بن علي بن عبد الله اللخمي 136 محمد بن علي بن فرج القربلياني 137 محمد بن علي بن يوسف بن محمد السّكوني 138 محمد بن سودة بن إبراهيم بن سودة المرّي 139 محمد بن يزيد بن رفاعة الأموي البيري 139 محمد بن أحمد بن محمد بن عبد الله بن محمد بن علي بن أبي بكر بن خميس الأنصاري 140 محمد بن أحمد بن عبد الله العطار 141 محمد بن أحمد بن المراكشي 142 محمد بن بكرون بن حزب الله 143 محمد بن الحسن بن أحمد بن يحيى الأنصاري الخزرجي 144 محمد بن محمد بن عبد الرحمن بن إبراهيم الأنصاري الساحلي 145 محمد بن محمد بن يوسف بن عمر الهاشمي 146 محمد بن محمد بن ميمون الخزرجي 147 محمد بن قاسم بن أحمد بن إبراهيم الأنصاري 148 ومن الغرباء في هذا الاسم 151 محمد بن أحمد بن إبراهيم بن محمد التّلمساني الأنصاري 151 محمد بن علي بن محمد بن علي بن محمد بن يوسف بن قطرال الأنصاري 153 العمال في هذا الاسم وأولا الأصليون 154 محمد بن أحمد بن محمد بن الأكحل 154 محمد بن الحسن بن زيد بن أيوب بن حامد الغافقي 157 محمد بن محمد بن حسّان الغافقي 157 محمد بن عبد الله بن إبراهيم بن محمد بن إبراهيم بن موسى بن إبراهيم بن عبد العزيز بن إسحاق بن أحمد بن أسد بن قاسم النّميري، المدعو بابن الحاج 158 محمد بن عبد الرحمن الكاتب 159 محمد بن عبد الملك بن سعيد بن خلف بن سعيد بن الحسن بن عثمان بن محمد بن عبد الله بن سعيد بن عمار بن ياسر 161 الجزء: 3 ¦ الصفحة: 451 محمد بن سعيد بن خلف بن سعيد بن محمد بن عبد الله بن الحسن بن عثمان بن محمد بن عبد الله بن عمار بن ياسر العنسي 163 ومن الطارئين في هذا الاسم من العمال 164 محمد بن أحمد بن المتأهّل العبدري 164 محمد بن محمد بن محمد بن عبد الواحد البلوي 166 محمد بن محمد بن شعبة الغسّاني 170 محمد بن محمد بن العراقي 171 محمد بن عبد الله بن محمد بن علي بن عبد الله بن محمد بن عبد الله بن فرتون الأنصاري 172 محمد بن عبد الله بن محمد بن مقاتل 173 محمد بن علي بن عبد ربه التجيبي 173 الزّهاد والصّلحاء والصّوفية والفقراء وأولا الأصليون 174 محمد بن إبراهيم بن محمد بن محمد الأنصاري 174 محمد بن أحمد الأنصاري 175 محمد بن حسنون الحميري 175 محمد بن محمد البكري 175 محمد بن محمد بن أحمد الأنصاري 176 ومن الطّارئين عليها في هذا الاسم 177 محمد بن أحمد بن جعفر بن عبد الحق بن محمد بن جعفر بن محمد بن أحمد بن مروان بن الحسن بن نصر بن نزار بن عمرو بن زيد بن عامر بن نصر بن حقاف السلمي 177 محمد بن أحمد بن حسين بن يحيى بن الحسين بن محمد بن أحمد بن صفوان القيسي 179 محمد بن أحمد بن عبد الرحمن بن إبراهيم الأنصاري 181 محمد بن أحمد بن قاسم الأمي 182 محمد بن أحمد بن يوسف بن أحمد بن عمر بن يوسف بن علي بن خالد بن عبد الرحمن بن حميد الهاشمي الطّنجالي 186 محمد بن إبراهيم بن محمد بن إبراهيم البلفيقي بن الحاج 187 محمد بن يحيى بن إبراهيم بن أحمد بن مالك بن إبراهيم بن يحيى بن عبّاد النّفزي 190 محمد بن يوسف بن خلصون 194 ومن الغرباء في هذا الاسم 202 محمد بن أحمد بن أمين بن معاذ بن إبراهيم بن جميل بن يوسف العراقي 202 محمد بن أحمد بن شاطر الجمحي المرّاكشي 203 محمد بن محمد بن عبد الرحمن التميمي بن الحلفاوي 205 محمد بن عبد الله بن محمد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن يوسف اللّواتي 206 الجزء: 3 ¦ الصفحة: 452 سائر الأسماء في حرف الميم الملوك والأمراء وما منهم إلّا طارىء علينا أو غريب 207 مزدلي بن تيولتكان بن حمنى بن محمد بن ترقوت بن وربابطن بن منصور بن نصاله بن أمية بن واباتن الصّنهاجي اللّتموني 207 موسى بن محمد بن يوسف بن عبد المؤمن بن علي الهنتاني 207 منديل بن يعقوب بن عبد الحق بن محيو الأمير أبو زيّان 208 ومن الطارئين 210 المطرّف بن عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن بن الحكم بن هشام بن عبد الرحمن بن معاوية 210 منذر بن يحيى التّجيبي 211 موسى بن يوسف بن عبد الرحمن بن يحيى بن يغمراسن بن زيّان 216 مبارك ومظفّر الأميران موليا المنصور بن أبي عامر 220 ومن ترجمة الأعيان والوزراء بل ومن ترجمة الطارئين والغرباء منها 228 منصور بن عمر بن عثمان بن يعقوب بن عبد الحق بن محيو 228 مقاتل بن عطية البرزالي 229 ومن السّفر التاسع من ترجمة القضاة 230 مومّل بن رجاء بن عكرمة بن رجاء العقيلي 230 ومن الطارئين والغرباء 231 المهلب بن أحمد بن أبي صفرة الأسدي 231 ومن ترجمة الكتاب والشعراء وهم الأصليّون 231 مالك بن عبد الرحمن بن علي بن عبد الرحمن بن الفرج بن أزرق بن سعد بن سالم بن الفرج 231 ومن طارئي المقرئين والعلماء 248 منصور بن علي بن عبد الله الزواوي 248 مسلم بن سعيد التّنملّي 251 ومن العمال الأثراء 252 مؤمّل، مولى باديس بن حبّوس 252 حرف النون الملوك والأمراء نصر بن محمد بن محمد بن يوسف بن نصر بن أحمد بن محمد بن خميس بن عقيل الخزرجي الأنصاري 254 ومن الأعيان والوزراء 261 نصر بن إبراهيم بن أبي الفتح الفهري 261 نصر بن إبراهيم بن أبي الفتح بن نصر بن إبراهيم بن نصر الفهري 261 ومن الكتّاب والشعراء 262 نزهون بنت القليعي 262 الجزء: 3 ¦ الصفحة: 453 حرف الصاد من الأعيان والوزراء الصّميل بن حاتم بن عمر بن جذع بن شمر بن ذي الجوشن الضّبابي الكلبي 264 ومن الكتّاب والشعراء 266 صفوان بن إدريس بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عيسى بن إدريس التّجيبي 266 صالح بن يزيد بن صالح بن موسى بن أبي القاسم بن علي بن شريف النّفزي 275 حرف العين من ترجمة الملوك والأمراء عبد الله بن إبراهيم بن علي بن محمد التجيبي الرئيس أبو محمد بن إشقيلولة 287 عبد الله بن بلقّين بن باديس بن حبّوس بن ماكسن بن زيري بن مناد الصّنهاجي 289 عبد الله بن علي بن محمد التّجيبي، الرئيس أبو محمد بن إشقيلولة 291 عبد الله بن محمد بن أحمد بن محمد العزفي 292 عبد الله بن الجبير بن عثمان بن عيسى بن الجبير اليحصبي 293 عبد الله بن سعيد بن عبد الله بن سعيد بن أحمد بن علي السّلماني 294 عبد الله بن محمد بن أحمد بن محمد بن جزيّ 298 ومن المقرئين والعلماء 305 عبد الله بن محمد بن إبراهيم بن مجاهد العبدري الكوّاب 305 عبد الله بن علي بن عبد الله بن علي بن سلمون الكناني 306 عبد الله بن سهل الغرناطي 308 عبد الله بن أيوب الأنصاري 309 عبد الله بن الحسن بن أحمد بن يحيى بن عبد الله الأنصاري 309 عبد الله بن أحمد بن إسماعيل بن عيسى بن أحمد بن إسماعيل بن سماك العاملي 313 ومن ترجمة القضاة 314 عبد الله بن أحمد بن محمد بن سعيد بن أيوب بن الحسن بن منخل بن زيد الغافقي 314 عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن بن محمد بن عبد الله بن أبي زمنين المرّي 315 عبد الله بن يحيى بن محمد بن أحمد بن زكريا بن عيسى بن محمد بن يحيى بن زكريا الأنصاري 315 عبد الله بن محمد بن أحمد بن محمد بن عبد الملك بن أبي جمرة الأزدي 316 عبد الله بن سليمان بن داود بن عبد الرحمن بن سليمان بن عمر بن حوط الله الأنصاري الحارثي الأزدي 317 عبد الله بن يحيى بن عبد الرحمن بن أحمد بن عبد الرحمن بن ربيع الأشعري 318 عبد الله بن إبراهيم بن الزبير بن الحسن بن الحسين الثقفي العاصمي 319 عبد الله بن موسى بن عبد الرحمن بن حمّاد الصّنهاجي 320 ومن ترجمة الكتّاب والشعراء بين أصلي وطارىء 320 عبد الله بن إبراهيم بن عبد الله الأزدي 320 عبد الله بن إبراهيم بن وزمّر الحجاري الصّنهاجي 328 الجزء: 3 ¦ الصفحة: 454 عبد الله بن محمد بن عبد الله بن سعيد بن عبد الله بن سعيد بن الخطيب السّلماني 331 عبد الله بن محمد بن سارة البكري 333 عبد الله بن محمد الشرّاط 335 عبد الله بن يوسف بن رضوان بن يوسف بن رضوان النّجاري 337 عبد الله بن عبد الرحمن بن عبد الملك بن سعيد بن خلف بن محمد بن عبد الله بن سعيد بن الحسن بن عثمان بن محمد بن عبد الله بن سعيد بن عمار بن ياسر 347 ومن الصوفية والفقراء 349 عبد الله بن عبد البر بن سليمان بن محمد بن محمد بن أشعث الرّعيني 349 عبد الله بن فارس بن زيان 351 عبد الله بن فرج بن غزلون اليحصبي 352 ومن الملوك والأمراء والأعيان والوزراء 353 عبد الرحمن بن محمد بن عبد الله [بن محمد] بن عبد الرحمن بن الحكم بن هشام بن عبد الرحمن بن معوية، أمير المؤمنين، الناصر لدين الله 353 عبد الرحمن بن محمد بن عبد الله بن عبد الرحمن الناصر لدين الله بن محمد بن عبد الله بن عبد الرحمن بن معاوية 355 عبد الرحمن بن معاوية بن هشام بن عبد الملك بن مروان بن الحكم بن أبي العاصي بن أمية بن عبد شمس 356 عبد الرحمن بن إبراهيم بن يحيى بن سعيد بن محمد اللخمي 359 عبد الرحيم بن إبراهيم بن عبد الرحيم الخزرجي 360 ومن ترجمة المقرئين والعلماء والطلبة النجباء من ترجمة الطارئين منهم 363 عبد الرحمن بن عبد الله بن أحمد بن أبي الحسن أصبغ بن حسن بن سعدون بن رضوان بن فتّوح الخثعمي 363 عبد الرحمن بن هانىء اللخمي 366 عبد الرحمن بن أحمد بن أحمد بن محمد الأزدي 367 عبد الرحمن بن إبراهيم بن محمد الأنصاري 368 عبد الرحمن بن محمد بن محمد بن محمد بن الحسن بن محمد بن جابر بن محمد بن إبراهيم بن محمد بن عبد الرحمن بن خلدون الحضرمي 377 عبد الرحمن بن الحاج بن القميي الإلبيري 395 عبد الرحمن بن يخلفتن بن أحمد بن تفليت الفازازي 395 ومن السفر العاشر العمال الأثرا في هذا الحرف 399 عبد الرحمن بن أسباط 399 عبد الرحمن بن محمد بن عبد الله بن مالك المعافري 400 عبد الرحمن بن عبد الملك الينشتي 403 وفي سائر الأسماء التي بمعنى عبد الله وعبد الرحمن، وأولاد الأمراء 405 الجزء: 3 ¦ الصفحة: 455 عبد الأعلى بن موسى بن نصير مولى لخم 405 عبد الحليم بن عمر بن عثمان بن يعقوب بن عبد الحق بن محيو 406 عبد المؤمن بن عمر بن عثمان بن يعقوب بن عبد الحق بن محيو 408 ومن الأفراد أيضا في هذا الحرف وهم طارؤون 408 عبد الحق بن علي بن عثمان بن أبي يوسف يعقوب بن عبد الحق 408 عبد الواحد بن زكريا بن أحمد اللحياني 409 ومن ترجمة الأعيان والوزراء والأماثل والكبرا 410 عبد الحق بن عثمان بن محمد بن عبد الحق بن محيو 410 عبد الملك بن علي بن هذيل الفزاري وعبد الله أخوه 411 عبد القهار بن مفرج بن عبد القهار بن هذيل الفزاري 411 القضاة الفضلاء وأولا الأصليون 412 عبد الحق بن غالب بن عطية بن عبد الرحمن بن غالب بن عبد الرؤوف بن تمام بن عبد الله بن تمام بن عطية بن خالد بن عطية بن خالد بن خفاف بن أسلم بن مكتوم المحاربي 412 عبد المنعم بن محمد بن عبد الرحيم بن فرج الخزرجي 415 ومن غير الأصليين 419 عبد الحكيم بن الحسين بن عبد الملك بن يحيى بن باسيو بن تادررت التّنمالي اليدرازتيني ثم الواغديني 419 ومن المقرئين والعلماء 420 عبد الملك بن حبيب بن سليمان بن هارون بن جلهمة بن العباس بن مرداس السلمي 420 ومن الطارئين عليها 424 عبد الواحد بن محمد بن علي بن أبي السّداد الأموي المالقي، الشهير بالباهلي 424 ومن الكتّاب والشعراء في هذا الحرف 425 عبد الحق بن محمد بن عطية بن يحيى بن عبد الله بن طلحة بن أحمد بن عبد الرحمن بن غالب بن عطية المحاربي 425 عبد الرزّاق بن يوسف بن عبد الرزّاق الأشعري 439 عبد الملك بن سعيد بن خلف العنسي 440 عبد العزيز بن علي بن أحمد بن عبد الرحمن بن محمد بن عبد العزيز بن يست 441 عبد البر بن فرسان بن إبراهيم بن عبد الله بن عبد الرحمن الغساني 445 عبد المنعم بن عمر بن عبد الله بن حسّان الغسّاني 448 الجزء: 3 ¦ الصفحة: 456 [ المجلد الرابع ] [ تتمة قسم الثانى ] بسم الله الرّحمن الرّحيم وصلّى الله على سيّدنا محمد وآله وصحبه وسلّم ومن الغرباء عبد المهيمن بن محمد بن عبد المهيمن بن محمد ابن علي بن محمد بن عبد الله بن محمد الحضرمي «1» يكنى أبا محمد، شيخنا الرئيس، صاحب القلم الأعلى بالمغرب. حاله: من «عائد الصلة» : كان، رحمه الله، خاتمة الصّدور، ذاتا وسلفا وتربية وجلالة. له القدح المعلّى في علم العربية، والمشاركة الحسنة في الأصلين، والإمامة في الحديث، والتّبريز في الأدب والتاريخ واللغة، والعروض والمماسة في غير ذلك. نشأ فارس الحلبة، وعروس الوليمة، وصدر المجلس، وبيت القصيد، إلى طيب الأبوّة، وقدم الأصالة، وفضل الطّعمة، ووفور الجاه، والإغراق في النّعمة، كثير الاجتهاد والملازمة، والتفنّن والمطالعة، مقصور الأوقات على الإفادة والاستفادة، إلى أن دعته الدولة المرينيّة بالمغرب إلى كتابة الإنشاء، فاشتملت عليه اشتمالا، لم يفضل عنه من أوقاته ما يلتمس فيه ما لديه. واستمرت حاله، موصوفا بالنّزاهة والصّدق، رفيع الرّتبة، مشيد الحظوة، مشاركا للضيف فاضلا، مختصر الطّعمة والحلية، يغلب عليه ضجر يكاد يخلّ به، متصل الاجتهاد والتّقييد، لا يفتر له قلم، إلى أن مضى بسبيله. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 3 وجرى ذكره في «الإكليل الزاهر» من تأليفنا بما نصّه «1» : تاج المفرق، وفخر المغرب على المشرق، أطلع منه نورا أضاءت الآفاق «2» ، وأثرى «3» منه بذخيرة حملت أحاديثها الرّفاق. ما شئت من مجد سامي المصاعد والمراقب، عزيز عن لحاق المجد الثاقب، وسلف زيّنت سماؤه بنجوم المناقب. نشأ بسبتة بين علم يفيده، وفخر يشيده، وطهارة يلتحف مطارفها، ورياسة يتفيّأ وارفها، وأبوه رحمه الله قطب مدارها، ومقام حجّها واعتمارها، فسلك الوعوث من المعارف والسّهول، وبذّ على حداثة سنّه الكهول، فلمّا تحلّى من الفوائد العلمية بما تحلّى، واشتهر اشتهار الصباح إذا تجلّى، تنافست فيه همم الملوك الأخاير، واستأثرت به الدول على عادتها في الاستئثار بالذّخائر، فاستقلّت بالسياسة ذراعه، وأخدم الذوابل والسيوف يراعه، وكان عين الملك التي بها يبصر، ولسانه الذي به يسهب أو يختصر. وقد تقدّمت له إلى هذه البلاد الوفادة، وجلّت به عليها الإفادة، وكتب عن بعض ملوكها، وانتظم في عقودها الرّفيعة وسلوكها، وله في الأدب «4» الرّاية الخافقة، والعقود المتناسقة. مشيخته: قرأ ببلده سبتة على الأستاذ الإمام أبي إسحاق الغافقي المديوني، وعلى الأستاذ المقرئ أبي القاسم محمد بن عبد الرحيم بن عبد الرحمن الطيّب، والأستاذ النحوي أبي بكر بن عبيدة الإشبيلي، وعلى الأستاذ العارف أبي عبد الله محمد بن عمر بن الدّراج التلمساني، وعلى ابن خال أبيه الأمير الصالح أبي حاتم العزفي، والعدل الرّضا أبي فارس عبد الرحمن بن إبراهيم الجزيري. وقرأ بغرناطة على الشيخ العلّامة أبي جعفر بن الزبير، وروى عن الوزير الراوية أبي محمد عبد الله المرادي ابن المؤذن، وعلى الأستاذ أبي بكر القللوسي، وأخذ عن الشيخ الوزير أبي الوليد الحضرمي القرطبي. وبمالقة عن الإمام الولي أبي عبد الله الطّنجالي. وببلّش عن الخطيب الصالح أبي جعفر بن الزيات، وعن الخطيب أبي عبد الله بن شعيب المروي، والعلّامة أبي الحسين بن أبي الربيع، وأبي الحكم بن منظور، وابن الشّاط، وابن رشيد، وابن خميس، وابن برطال، وابن ربيع، وابن البنّاء، وسميّه ابن البنّاء المالقي، وابن خميس النحوي، وأبي أمية بن سعد السّعود بن عفير الأمدي. هؤلاء كلهم لقيهم وسمع منهم، وأجازوا له ما عندهم. وممن أجاز له مشافهة أو مكاتبة من أهل المغرب، الأستاذ أبو عبد الله محمد بن عمر الأنصاري التّلمساني ابن الدراج، والكاتب أبو علي الحسين بن عتيق، وتناول تواليفه، والأديب الجزء: 4 ¦ الصفحة: 4 الشهير أبو الحكم مالك بن المرحّل، والشريف أبو عبد الله محمد بن يحيى بن أبي الشرف الحسيني، وأبو بكر بن خليل السّكوني، وأبو العباس المطري، والجزّاري، وشرف الدين بن معطي، وابن الغمّاز، وابن عبد الرفيع القاضي، وأبو الشمل جماعة بن مهيب، وأبو عبد الله محمد بن أحمد التجاني وأبناء عمّه عمر وعلي، وابن عجلان، ومحمد بن إبراهيم القيسي السلولي، ومحمد بن حماد اللبيدي، وابن سيد الناس، وابنه أبو الفتح، وابن عبد النور، والمومناني، والخطيب ابن صالح الكتّاني، وابن عياش المالقي، والمشدالي، وابن هارون، والخلاسي، والدبّاغ، وابن سماك، وابن أبي السّداد، وابن رزين، وابن مستقور، وأبو الحسن بن فضيلة، وأبو بكر بن محزز. وكتب له من أهل المشرق جماعة منهم: الأبرقيشي، وابن أبي الفتح الشيباني، وابن حمادة، وابن الطاهري، وابن الصابوني، وابن تيمية، وابن عبد المنعم المفسر، وابن شيبان، وابن عساكر، والرضي الطبري، وابن المخزومي، وابن النحاس. قلت: من أراد استيفاءهم ينظر الأصل، فقد طال على استيفاء ما ذكره الشيخ رحمه الله. وقد ذكر جماعة من النساء، ثم قال بعد تمام ذلك: ولو قصدنا الاستقصاء لضاق عن مجاله المتبع. شعره: وشعره متخلّ عن محلّه من العلم والشهرة، وإن كان داخلا تحت طور الإجادة. فمن ذلك قوله «1» : [الطويل] تراءى سحيرا والنسيم عليل ... وللنجم طرف بالصباح كليل وللفجر بحر «2» خاضه الليل فاعتلت ... شوى أدهم الظلماء منه حجول «3» بريق بأعلى الرّقمتين كأنه ... طلائع شهب في السواد «4» تجول فمزّق ساجي الليل منه شرارة ... وخرّق ستر الغيم منه نصول تبسّم ثغر الروض عند ابتسامه ... وفاضت عيون للغمام همول ومالت غصون البان نشوى كأنها ... يدار عليها من صباه شمول وغنّت على تلك الغصون حمائم ... لهنّ حفيف فوقها وهديل الجزء: 4 ¦ الصفحة: 5 إذا سجعت في لحنها ثم قرقرت ... يطيح خفيف دونها وثقيل سقى الله ربعا لا تزال تشوقني ... إليه رسوم دونه وطلول جاد رباه «1» كلما ذرّ شارق ... من الودق هتّان أجشّ هطول وما لي أستسقي الغمام ومدمعي ... سفوح على تلك العراص «2» همول وعاذلة ظلّت «3» تلوم على السّرى ... وتكثر من تعذالها وتطيل تقول: إلى كم ذا فراق وغربة ... ونأي على ما خيّلت ورحيل ذريني أسعى للتي تكسب العلا ... سناء وتبقي الذّكر وهو جميل فإمّا تريني من ممارسة الهوى ... نحيلا فحدّ المشرفيّ «4» نحيل فوق أنابيب اليراعة صفرة «5» ... تزين، وفي قدّ القناة ذبول ولولا السّرى لم يجتل البدر كاملا ... ولا بات منه للسّعود نزيل ولولا اغتراب المرء في طلب العلا ... لما كان نحو المجد منه وصول ولولا نوال «6» ابن الحكيم محمد ... لأصبح ربع المجد وهو محيل وزير سما فوق السّماك جلالة ... وليس له إلّا النجوم قبيل من القوم، أمّا في النّديّ «7» فإنهم ... هضاب وأمّا في النّدى فسيول حووا شرف العلياء إرثا ومكسبا ... وطابت فروع منهم وأصول وما جونة هطّالة ذات هيدب ... مرتها شمال مرجف وقبول «8» لها زجل من رعدها ولوامع ... من البرق عنها للعيون كلول كما هدرت وسط القلاص وأرسلت ... شقاشقها عند الهياج فحول بأجود من كفّ الوزير محمد ... إذا ما توالت للسّنين محول ولا «9» روضة بالحسن طيبة الشّذا ... ينمّ عليها إذخر وجليل وقد أذكيت للزهر فيها مجامر ... تعطّر منها للنسيم ذيول الجزء: 4 ¦ الصفحة: 6 وفي مقل النّوار للطلّ «1» عبرة ... تردّدها أجفانها وتحيل بأطيب من أخلاقه الغرّ كلّما ... تفاقم خطب للزمان يهول حويت أبا عبد الإله مناقبا ... تفوت يدي «2» من رامها وتطول فغرناطة مصر وأنت خصيبها ... ونائل يمناك الكريمة نيل «3» فداك رجال حاولوا درك العلا ... ببخل، وهل نال العلاء بخيل؟ تخيّرك المولى وزيرا وناصحا ... فكان له ممّا أراد حصول وألقى مقاليد الأمور مفوّضا ... إليك فلم يعدم يمينك سول وقام بحفظ الملك منك مؤيّد ... نهوض بما أعيا سواك كفيل وساس الرعايا منك أروع «4» باسل ... مبيد العدا للمعتفين منيل وأبلج وقّاد الجبين كأنما ... على وجنتيه للنّضار مسيل تهيم به العلياء حتى كأنها ... بثينته في الحبّ وهو جميل له عزمات لو أعير مضاءها ... حسام لما نالت ظباه فلول سرى ذكره في الخافقين فأصبحت ... إليه قلوب العالمين تميل وأعدى قريضي جوده وثناؤه ... فأصبح في أقصى البلاد يجول إليك أيا فخر الوزارة أرقلت ... برحلي هو جاء النّجاء ذلول فليت إلى لقياك ناصية الفلا ... بأيدي ركاب سيرهنّ ذميل «5» تسدّدني سهما لكلّ ثنيّة ... ضوامر أشباه القسيّ نحول وقد لفظتني الأرض حتى رمت إلى ... ذراك برحلي «6» هوجل وهجول فقيّدت أفراسي به وركائبي ... ولذّ مقام لي به وحلول وقد كنت ذا نفس عزوف وهمّة ... عليها لأحداث الزمان ذحول «7» ويهوى «8» العلا حظّي ويغرى «9» بضدّه ... لذاك اعترته رقّة ونحول الجزء: 4 ¦ الصفحة: 7 وتأبى لي الأيام إلّا إدالة ... فصونك لي إنّ الزمان مديل فكلّ خضوع في جنابك عزّة ... وكلّ اعتزاز قد عداك «1» خمول وهي طويلة. ومن شعره «2» : [السريع] سقى ثرى سبتة بين البلاد ... وعهدها المحبوب صوب العهاد وجاد منهل الحيا ربعها ... بوبله تلك الرّبى والوهاد وكم لنا في طور سينائها ... من رائح للأنس في إثر غاد وعينها البيضاء كم ليلة ... بيضاء فيها قد خلت لو تعاد وبالمنارة التي نورها ... لكلّ من ضلّ دليل وهاد نروح منها مثلما نغتدي ... للأنس والأفراح ذات ازدياد في فتية مثل نجوم الدّجى ... ما منهم إلّا كريم جواد ارتشفوا كأس الصفا بينهم ... وارتضعوا أخلاف محض الوداد ويالأيام ببنيولش «3» ... لقد عدت عنها صروف العوادي أدركت من لبنى بها كلّما ... لبانة وساعدتني سعاد ونلت من لذّات دهري الذي ... قد شئته وللأماني انقياد منازل ما إن على مبدل ... هاء مكان اللام فيها انتقاد سلوتها مذ ضمّني بعدها ... نادي الوزير ابن الحكيم الجواد ومن المقطوعات قوله «4» : [المتقارب] أبت همّتي أن يراني امرؤ ... على الدهر يوما له ذا خضوع وما ذاك إلّا لأني اتّقيت ... بعزّ القناعة ذلّ القنوع «5» ومن ذلك في المشط والنشفة من آلات الحمّام: [الكامل] إني حسدت المشط والنّشف الذي ... لهما مزايا القرب دوني مخلصه فأنامل من ذا تباشر صدغه ... ومراشف من ذا تقبّل أخمصه «6» الجزء: 4 ¦ الصفحة: 8 نثره: وقع هنا بياض مقدار وجهة في أصل الشيخ. مولده: ولد ببلده سبتة في عام ستة وسبعين وستمائة. وفاته: وتوفي بتونس في الثاني عشر لشوال من عام تسعة وأربعين وسبعمائة في وقيعة الطاعون العام، بعد أن أصابته نبوة من مخدومه السلطان أبي الحسن «1» ، ثم استعتبه وتلطف له. وكانت جنازته مشهورة، ودفن بالزّلاج من جبانات خارج تونس، رحمه الله. عبد المهيمن بن محمد الأشجعي البلّذوذي نزيل مراكش. حاله: من كتاب «المؤتمن» «2» ، قال: كان شاعرا مكثرا، سهل الشعر، سريعه، كثيرا ما يستجدي به، وكان يتقلّد مذهب أبي محمد علي بن حزم، الفقيه الظاهري، ويصول بلسانه على من نافره. دخل الأندلس وجال في بلادها بعد دخوله مراكش. وكان أصله من بلّذوذ. ورد مالقة أيام قضاء أبي جعفر بن مسعدة، وأطال بها لسانه، فحمل عليه هنالك حملا أذاه، إلى أن كان مآل أمره ما أخبرني به شيوخ مالقة، وأنسيته الآن، فتوصّل إلى مآل أمره من جهة من بقي بها الآن من الشيوخ، نقلت اسمه ونسبه من خطّه. شعره: [مجزوء الرجز] أما على ذي شرك ... في صيدنا من درك؟ تصيدنا لواحظ ... وما لها من حرك والبدر إن غاب فمن ... يجلو ظلام الحلك؟ قد تاب للقلب «3» فما ... يدري إن لم تدركي «4» عدا السقام أو عدا ... وعد الذي لم يأفك أو لم «5» يكن حلّ دمي ... فلتبطلي «6» أو أترك الجزء: 4 ¦ الصفحة: 9 حاربت من لا قدرة ... لديه في المعترك يفلّ غرب سيفه ... سيف لحاظ فتّك يا لفتى يا قبلتي ... يا حجّتي يا نسكي «1» إن عظم الحزن فما ... أرجل حسن الفلك «2» أو أهديت الحيّ ... فلابن عبد الملك «3» خطيب ومران للّذي ... سلك على سلك «4» ركن التّقى محمد ... ذو النّبل والطبع الزكي «5» منفرد في جوده ... بماله المشترك يا نوق، هذا بابه ... فهو أجلّ مبرك وأنت يا حادية، ... قربت، ما أسعدك! فبرّكي وكبّري ... وأبركي «6» وبرّك فقد أتينا بشرا ... له صفات الملك كفّك يهمي ملكت ... كأنّها لم تملك قصيدتي لو لم تنل ... منك حلّى لم تسبك أبكيت ديمة النّدى ... فزهرها ذو ضحك لكنني يا سيدي ... من فاقتي في شرك وشعره على هذه الوتيرة. حدّثني أبي، قال: رأيته رجلا طوالا، شديد الأدمة، حليق الرأس، دمينه، عاريه، كثير الاستجداء والتّهاتر مع المحابين من أدباء وقته، يناضل عن مذهب الظاهرية بجهده. وفاته: من خط الشيخ أبي بكر بن شبرين: وفي عام سبعة وتسعين وستمائة توفي بفاس الأديب عبد المهيمن المكناسي، المكتنى بأبي الجيوش البلّذوذي، وكان ذا هذر وخرق، طوّافا على البلاد، ينظم شعرا ضعيفا يستمنح به الناس، وآلت حاله إلى أن سعي به لأبي فارس عزّوز الملزوزي الشاعر، شاعر السلطان أبي يعقوب وخديمه، وذكر له أنه هجاه، فألقى إلى السلطان ما أوجب سجنه، ثم ضربت عنقه صبرا، نفعه الله. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 10 عبد العزيز بن عبد الواحد بن محمد الملزوزي من أهل العدوة الغربية، يكنى أبا فارس، ويعرف بعزّوز. حاله: كان شاعرا مكثرا سيّال القريحة، منحطّ الطبقة، متجنّدا، عظيم الكفاية والجرأة، جسورا على الأمراء، علق بخدمة الملوك من آل عبد الحق وأبنائهم، ووقف أشعاره عليهم، وأكثر النظم في وقائعهم وحروبهم، وخلط المعرّب باللّسان الزناتي في مخاطباتهم، فعرف بهم، ونال عريضا من دنياهم، وجمّا من تقريبهم. واحتلّ بظاهر غرناطة في جملة السلطان أمير المسلمين أبي يعقوب، وأمير المسلمين أبيه، واستحقّ الذكر بذلك. شعره: من ذلك أرجوزة نظمها بالخضراء في شوال سنة أربع وثمانين وستمائة، ورفعها إلى السلطان أمير المسلمين أبي يوسف بن عبد الحق، سماها ب «نظم السلوك، في الأنبياء والخلفاء والملوك» لم يقصر فيها عن إجادة. ومن شعره، قال مخبرا عن الأمير أبي مالك عبد الواحد ابن أمير المسلمين أبي يوسف: دعاني يوما والسما قد ارتدت بالسحائب ... والغيث يبكي بالدموع السّواكب كأنه عاشق صدّ عنه حبيبه ... ففاضت دموعه عليه وكثر نحيبه ولم يرق له مدمع ... كأنه لم يبق له فيه مطمع فكان الوعد حسرته ... والبرق لو عته وزفرته فقال لي: ما أحسن هذا اليوم ... لو كان في غير شهر الصوم فاقترح غاية الاقتراح عليّ ... وقال: قل فيه شعرا بين يديّ فأنشدته هذه الأبيات: [الكامل] اليوم يوم نزهة وعقار ... وتقرّب الآمال والأوطار أو ما ترى شمس النهار قد اختفت ... وتستّرت عن أعين النظّار والغيث سحّ غمامه فكأنّه ... دنف بكى من شدّة التذكار والبرق لاح من السماء كأنه ... سيف تألّق في سماء غبار لا شيء أحسن فيه من نيل المنى ... بمدامة «1» تبدو كشعلة نار الجزء: 4 ¦ الصفحة: 11 لولا صيام عاقني عن شربها ... لخلعت في هذا النهار عذاري «1» لو كان يمكن أن يعار أعرته ... وأصوم شهرا في مكان نهار لكن تركت سروره ومدامه ... حتى أكون لديه ذا أفكار ونديرها في الكأس بين نواهد ... تجلو الهموم بنغمة الأوتار فجفونها تغنيك عن أكواسها ... وخدودها تغنيك عن أزهار فشكره لمّا سمعه غاية الشكر، وقال: أسكرتنا بشعرك من غير سكر. قال: وأتيته بهذه الأبيات: [الكامل] أعلمت بعدك زفرتي وأنيني ... وصبابتي يوم النّوى وشجوني «2» ؟ أودعت إذ ودّعت وجدا في الحشا ... ما إن تزال سهامه تصميني «3» ورقيب شوقك حاضر مترقّب ... إن رمت صبرا بالأسى يغريني من بعد بعدك ما ركنت لراحة ... يوما ولا غاضت عليك شؤوني قد كنت أبكي الدمع أبيض ناصعا ... فاليوم تبكي بالدّماء جفوني قل للذين قد ادّعوا فرط الهوى ... إن شئتم علم الهوى فسلوني إنّي أخذت كثيره عن عروة ... ورويت سائره عن المجنون هذي روايتنا عن اشياخ «4» الهوى ... فإن ادّعيتم غيرها فأروني يا ساكني أكناف رملة عالج ... ظفرت بظبيكم الغرير يميني كم بات في جنح الظلام معانقي ... ومجنت في صفر «5» إلى مجنون في روضة نمّ النسيم بعرفها ... وكذاك عرف الرّوض غير مصون والورق «6» من فوق الغصون ترنّمت ... فتريك بالألحان أيّ فنون تصغي الغصون لما تقول فتنثني ... طربا لها فاعجب لميل غصون والأرض قد لبست غلائل سندس ... قد كلّلت باللؤلؤ المكنون تاهت على زهر السماء بزهرها ... وعلى البدور بوجهها الميمون الجزء: 4 ¦ الصفحة: 12 قال أبو فارس: وكان أمير المسلمين أبو يوسف سار إلى مدينة سلا، فبويع بها ولده أبو يعقوب، وذلك في اليوم الثاني عشر من شهر ربيع الأول عام أحد وسبعين وستمائة، يوم مولد النبيّ صلى الله عليه وسلم، فأنشدته يوم بيعته هذه القصيدة ورفعتها إليه: [الكامل] يا ظبية الوعساء، قد برح الخفا ... إنّي صبرت على غرامك ما كفى كم قد عصيت على هواك عواذلي ... وأناب بالتّبعيد منك وبالجفا حمّلتني ما لا أطيق من الهوى ... وسقيتني من غنج لحظك قرقفا «1» وكسوتني ثوب النحول فمنظري ... للناظرين عن البيان قد اختفى هذا قتيلك فارحميه فإنه ... قد صار من فرط النحول على شفا لهفي على زمن تقضّى بالحمى ... وعلى محلّ بالأجيرع قد عفا أترى يعود الشّمل كيف عهدته ... ويصير بعد فراقه متألّقا؟ لله درّك يا سلا من بلدة ... من لم يعاين مثل حسنك ما اشتفا قد حزت برّا ثم بحرا طاميا ... وبذاك زدت ملاحة وتزخرفا فإذا رأيت بها القطائع خلتها ... طيرا يحوم على الورود مرفرفا والجاذفين على الرّكيم كأنهم ... قوم قد اتخذوا إماما مسرفا جعل الصّلاة لهم ركوعا كلها ... وأتى ليشرع في السجود مخفّفا والموج يأتي كالجبال عبابه ... فتظنّه فوق المنازل مشرفا حتى إذا ما الموج أبصر حدّه ... غضّ العنان عن السّرى وتوقّفا فكأنّه جيش تعاظم كثرة ... قد جاء مزدحما يبايع يوسفا ملك به ترضى الخلافة والعلا ... وبه تجدّد في الرّئاسة ما عفا من لم يزل يسبي الفوارس في الوغى ... إن سلّ في يوم الكريهة مرهفا ألفت محبّته القلوب لأنه ... ملك لنا بالجود أضحى متحفا ألقى إليه الأمر والده الذي ... عن كل خطب في الورى ما استنكفا يعقوب الملك الهمام المجتبى ... الماجد الأوفى الرحيم الأرأفا يهواه من دون البنين كأنما ... يعقوب يعقوب ويوسف يوسفا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 13 طوبى لمن في الناس قبّل كفّه ... والويل منه لمن غدا متوقّفا أعطاك ربّك وارتضاك لخلقه ... فاقتل بسيفك من أبى وتخلّفا وامدد يمينك للوفود فكلهم ... لليوم عاد مؤمّلا متشوّفا فاليوم لا تخشى النّعاج ذئابها ... ويعود من يسطو بها متعطّفا صلح الزمان فلا عدوّ يتّقى ... لم يخش خلق في علاك تخوّفا لم لا وعدلك للبريّة شامل؟ ... طبعا وغيرك لا يزال تكلّفا يا من سررت بملكه وعلائه ... اليوم أعلم أنّ دهري أنصفا فإذا ملكت فكن وفيّا حازما ... واعلم بأنّ الملك يصلح بالوفا وأفض بذلك «1» للوجود وكن لهم ... كهفا وكن ببعيدهم مستعطفا فالجود يصلح ما تعلّم في العلا ... وسواه يفسد في الخلافة ما صفا إنّ البريّة في يديك زمامها ... فاحذر فديتك أن تكون معنّفا يا من تسربل بالمكارم والعلا ... ما زال حاسدكم يزيد تأسّفا خذها إليك قصيدة من شاعر ... في نظم فخرك كيف شاء «2» تصرّفا خضع الكلام له فصار كعبده ... ما شاء يصنع ناظما ومؤلّفا لا زالت الأمجاد تخدم مجدكم ... ما زارت الحجّاج مروة والصّفا ومن شعره في رثاء الأمير أبي مالك: [الكامل] سهم المنيّة أين منه فرار ... من في البريّة من رجاه يجار حكم الزمان على الخلائق بالفنا ... فالدار لا يبقى بها ديّار عش ما تشاء فإنّ غايتك الرّدى ... يبلى الزمان وتذهب الأعمار فاحذر مسالمة الزمان وأمنه ... إنّ الزمان بأهله غدّار وانظر إلى الأمراء قد سكنوا الثرى ... وعليهم كأس المنون تدار تركوا القصور لغيرهم وترحّلوا ... ومن اللّحود عليهم أستار قد وسّدوا بعد الحرير جنادلا ... ومن اللحود عليهم أستار منعوا القباب «3» وأسكنوا بطن الثّرى ... حكمت بذاك عليهم الأقدار الجزء: 4 ¦ الصفحة: 14 لم تنفع الجرد الجياد ولا القنا ... يوم الرّدى والعسكر الجرّار في موت عبد الواحد الملك الرّضا ... لجميع أملاك الورى إنذار أن ليس يبقى في الملوك مملّك ... إلّا أتته منيّة وبوار ناديته والحزن خامر مهجتي ... والقلب فيه لوعة وأوار يا من ببطن الأرض أصبح آفلا ... أتغيب في بطن الثّرى الأقمار؟ أين الذين عهدت صفو ودادهم ... هل فيهم بعد الرّدى لك جار؟ تركوك في بطن الثّرى وتشاغلوا ... بعلا سواك فهجرهم إنكار لما وقفت بقبره مترحّما ... حان العزاء «1» وهاجني استعبار فبكيت دمعا لو بكت بمثاله ... غرّ السّحائب «2» لم تكن أمطار يا زائريه استغفروا لمليككم ... ملك الملوك فإنه غفّار وفاته: توفي خنقا بسجن فاس بسعاية سعيت به، جناها تهوّره في وسط عام سبعة وتسعين وستمائة، وقد كان جعل له النّظر في أمور الحسبة ببلاد المغرب. ومن العمّال عبد العزيز بن عبد الله بن عبد العزيز الأسدي العراقي من أهل وادي آش، نزل سلفه طرّش من أحوازها، وجدّه استوطنها، وذكروا أنه كان له بها سبعون غلاما. وجدّه للأمّ أبو الحسن بن عمر، شارح الموطّأ ومسلم، ومصنّف غير ذلك. كذا نقلته عن أبي عبد الله العراقي، قريبه. حاله: كان طبيبا، شاعرا مجيدا، حسن الخط، طريف العمل، مشاركا في معارف، تولّى أعمالا نبيهة. شعره: نقلته من خطّه ما نصّه: [الوافر] صرفت لخير صدر في الزمان ... عريق في أصالته عنان كريم المنتمى من خير بيت ... سليل مجادة ورفيع شان رحيب بان «3» فضل غير وان ... عن الأفضال في هذا الأوان الجزء: 4 ¦ الصفحة: 15 ومن هذا؟ أذاك هو ابن عيسى ... محمد المعان على المعان؟ أبو عبد الإله «1» المنتمي من ... مساوي الفضل في سرو «2» العنان ذراني في مجادته محبّا ... فهشّ لما به يحوي جناني «3» فأنس ثم بشر بالأماني ... ورفع بعد تأنيس مكاني وسرّ الله «4» ما أولى ليرأى «5» ... وليس كمن رآني فازدراني ويوجب ذو الفضائل كلّ فضل ... بما فيها ترشّحت الأواني وكم زهر رآه وسط روض ... وكم هاذ يدي بين الدّنان بمالقة وبالأقطار أضحت ... معاليكم مشيّدة المباني فأبدوا للإله «6» لسوف يأتي ... لكم منّي سوابق في الرّهان قواف كم «7» من الحكم قواف ... محامد للسّماع وللعيان يفوق نظيمها من كل معنى ... سلوك الدّرّ من حلي الحسان متى خفّ ازدحام من همومي ... ورجّيت الأماني «8» مع أمان شكرت الله ثم صفا فؤادي ... وأملي ما تحبّ على لساني «9» فهأنذا ببرّكم غذائي ... ولي منكم على بعدي تدان محبّك حيث كنت بلا سلوّ ... وضيفك في البعاد وفي التّوان ثنائي ثابت يبقى بقائي «10» ... ومن بعدي على طول الزمان وما تهب الأكفّ قراك فان ... وما تهب الطّروس فغير فان هنيئا بالنّزاهة في سرور ... ومع من لا له في الفضل ثان فلا زالت مسرّته توالي ... ولا زالت تزفّ لك التّهاني وفاته: ببلدة وادي آش عام خمسة عشر وسبعمائة. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 16 عبد القادر بن عبد الله ابن عبد الملك بن سوّار المحاربي حاله: هذا الرجل دمث الأخلاق، سكون، وقور. خدم أبوه بغرناطة كاتبا للغزاة، منوّها به، مشهورا بكرم وظرف. وانتقل إلى العدوة، ونشأ ابنه المذكور بها، وارتسم بخدمة ولي العهد الأمير أبي زيّان، وورد على الأندلس في وسط عام سبعة وخمسين وسبعمائة في بعض خدمه، وأقام بغرناطة أياما يحاضر محاضرة يتأنّس به من أجلها الطالب، وينتظم بها مع أولي الخصوصية من أهل طريقه، وينقل حكايات مستطرفة؛ فمن ذلك أن الشيخ عبد الرحمن بن حسن القروي الفاسي كان مع أبي القاسم الزياني بجامع القرويين ليلة سبع وعشرين من رمضان، فدخل عليهم ابن عبدون المكناسي، فتلقاه الزياني وتأيّده، وتوجهوا إلى الثّريّا بالقرويين وقد أوقدت، وهي تحتوي على نحو ألف كاس من الزجاج، فأنشد الزياني: [السريع] انظر إلى ناريّة نورها ... يصدع بالّألاء حجب الغسق فقال ابن عبدون: [السريع] كأنّها في شكلها زهرة ... انتظم النور بها فاتّسق وحكيت القصة للأديب الشهير أبي الحكم مالك بن المرحّل، فقال: لو حضرت أنا لقلت: [السريع] أعيذها من شرّ ما يتّقى ... من فجأة العين بربّ الفلق واستنشد من شعره في الثامن والعشرين لربيع الآخر من العام بقصر نجد، فقال من حكايات: إن السلطان أمير المسلمين وجد يوما على رجل أمر بتنكيله، ثم عطف عليه في الحال وأحسن إليه، وكان حاضرا مجلسه أبو الحسن المزدغي، رحمه الله، فأنشده بديهة: [البسيط] لا تونسنّك من عثمن سطوته ... وإن تطاير من أثوابه الشرر فإنّ سطوته والله يكلأه ... كالبرق والرّعد يأتي بعده المطر قال المترجم به: فحدّثني بذلك والدي، فتعقّبتها عليه عام تسعة وعشرين وسبعمائة، لموجب جرّ ذلك بقولي: [البسيط] لا تيأسن من رجا كهف الملوك أبي ... سعيد المرتجى للنّفع والضّرر الإحاطة في أخبار غرناطة/ ج 4/م 2 الجزء: 4 ¦ الصفحة: 17 وإن بدا منه سخط أو رأيت له ... من سطوة أقبلت ترميك بالشّرر فإنما شيء مثل الرّعد يتبعه ... برق ومن بعده ينهل المطر وأنشدني لبعض الأحداث من طلبة فاس، يخاطب صاحبنا الفقيه الكاتب أبا عبد الله بن جزي، وقد توعده على مطل باستنساخ كتاب كان يتناول له، وهو بديع: [الطويل] إذا ما أتت أبطال قيس وعامر ... وأقيال عبس من بغام «1» وقسور «2» تصادمني وسط الفلا لا تهولني ... فكيف أبالي بابن جزء مصغّر؟ مولده: بفاس في العشر الأول لذي حجة عام تسعة وسبعمائة. ومن الزهّاد والصلحاء وأولا الأصليون عبد الأعلى بن معلا يكنى أبا المعلى الإلبيري، من قرى القلعة «3» ، ونشأ بالحاضرة. وكان ينسب إلى خولان. ويذكر أنه أسلم على يدي رجل من خولان، فتولّاه وانتسب إليه، وخرج إلى إلبيرة، ونشأ بها، وشغف بكتب عبد الملك بن حبيب، ولم يكن أحد في عصره يشبهه في فضله وزهده وورعه، وتواضعه وانقباضه، وتستّره؛ أرسل إليه حسين بن عبد العزيز، أخو هاشم بن عبد العزيز، وهو بإلبيرة يرغب إليه في أن يشهد جنازة ابنة توفيت له، كان يشغف بها، فتعذّر عليه إذ خشي الشّهرة. وقال لبعض جلسائه: ما علمت أن حسينا يعرفني، وعمل على الخروج من إلبيرة، وتهيّأ للخروج للحج، فحج، فلمّا كان منصرفه ونزل في بعض السّواحل، وجد هنالك مركبين يشحنان، فرغب كل من أصحاب المركبين أن يركب عنده، وتنافسا في ذلك، حتى خشي أن تقع الفتنة بينهم، فاهتم لذلك، ثم اصطلح أرباب الجزء: 4 ¦ الصفحة: 18 المركبين على أن يخرج كل واحد منهما قاربه إلى البرّ، فمن سبق قاربه إليه دخل عنده. ونزل في منصرفه ببجانة «1» وسكنها إلى أن توفي سنة ثلاث وتسعين ومائتين. عبد المنعم بن علي بن عبد المنعم بن إبراهيم ابن سدراي بن طفيل يكنى أبا العرب، ويشهر بالحاج، ويدعى بكنيته. حاله: كان عالما فاضلا صالحا، منقطعا متبتّلا، بارع الخطّ، مجتهدا في العبادة، صاحب مكاشفات وكرامات. نبذ الدنيا وراء ظهره، ولم يتلبّس منها بشيء، ولا اكتسب مالا ولا زوجة، وورث عن أبيه مالا خرج عن جميعه، وقطع زمن فتائه في السّياحة وخدمة الصالحين، وزمان شيخوخته في العزلة والمراقبة والتزام الخلوة. ورحل إلى الحج، وقرأ بالمشرق، وخدم مشايخ من الصالحين، منهم الفخر الفارسي، وأبو عبد الله القرطبي وغيرهما، وكان كثير الإقامة بالعدوة، وفشا أمره عند ملوكها، فكانوا يزورونه، ويتبرّكون به، فيعرض عنهم، وهو أعظم الأسباب في جواز أهل المغرب لنصرة من بالأندلس في أول الدولة النّصرية، إذ كان الرّوم قد طمعوا في استخلاصها، فكان يحرّض على ذلك، حتى عزم صاحب العدوة على الجواز، وأخذ في الحركة بعد استدعاء سلطان «2» الأندلس إياه، وعندما تعرّف يغمور بن زيّان، ملك تلمسان، ذلك كله على بلاده بما منع من الحركة، فخاطبه الحاج أبو العرب مخاطبته المشهورة التي كفّت عدوانه، واقتصرته عما ذهب إليه. وكان حيّا في صفر عام ثلاثة وستين وستمائة، وهو تاريخ مخاطبته أبا يحيى يغمور بن زيان. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 19 ومن الطارئين وغيرهم عبد الحق بن إبراهيم بن محمد بن نصر بن فتح ابن سبعين العكّي «1» مرسي، رقوطي «2» الأصل، سكن بآخرة مكّة، يكنى أبا محمد، ويعرف بابن سبعين. حاله: قال ابن عبد الملك «3» : درس العربية والأدب بالأندلس، عند جماعة من شيوخها. ثم انتقل إلى سبتة، وانتحل التصوف، بإشارة بعض أصحابه، وعكف برهة على مطالعة كتبه، وتعرّض بعد لإسماعها، والتكلّم على بعض معانيها، فمالت إليه العامة، وغشيت محلّه. ثم فصل عن سبتة، وتجوّل في بلاد المغرب منقطعا إلى طريقة التصوف، داعيا إليها، محرّضا عليها. ثم رحل إلى المشرق، وحجّ حججا، وشاع ذكره، وعظم صيته هنالك، وكثر أتباعه على مذهبه الذي يدعو إليه من التصوف نحلة، ارتسموا بها من غير تحصيل لها، وصنّف في ذلك أوضاعا كثيرة، تلقّوها منه، وتقلّدوها عنه، وبثّوها في البلاد شرقا وغربا، ولا يخلو أحد منها بطايل، وهي إلى وساوس المخبولين، وهذيان الممروضين أقرب منها إلى منازع أهل العلم، ولفظه غير ما بلد وصقع، لما كان يرمى به من بلايا الله أعلم بحقيقتها، وهو المطلع على سريرته فيها. وكان حسن الأخلاق، صبورا على الأذى، آية في الإيثار، أبدع الناس خطّا. وقال أبو العباس الغبريني في كتاب «عنوان الدّراية» «4» عند ذكره: وله علم وحكمة ومعرفة، ونباهة وبلاغة وفصاحة. ورحل إلى العدوة، وسكن بجاية مدة، ولقيه من أصحابنا ناس «5» كثير، وأخذوا عنه، وانتفعوا به في فنون خاصة له، مشاركة في معقول العلوم ومنقولها، ووجاهة لسان، وطلاقة قلم، وفهم جنان «6» ، الجزء: 4 ¦ الصفحة: 20 وهو آخر «1» الفضلاء، وله أتباع كثيرة من الفقراء، ومن عامّة الناس، وله موضوعات كثيرة، موجودة بأيدي الناس «2» ، وله فيها ألغاز وإشارات بحروف أبجد «3» . وله تسميات مخصوصات «4» في كتبه، هي نوع من الرّموز. وله تسميات ظاهرة كالأسامي المعهودة، وله شعر في التحقيق، وفي مراقي أهل الطريق، وكتابته مستحسنة في طريقة «5» الأدباء. وله من الفضل والمزية ملازمته لبيت الله الحرام، والتزامه الاعتمار على الدوام، وحجّته «6» مع الحجاج في كل عام، وهذه مزية لا يعرف قدرها ولا يرام. ولقد مشى به للمغاربة بحظّ في الحرم الشريف، لم يكن لهم في غير مدّته. وكان أصحاب «7» مكة، شرّفها الله، يهتدون بأفعاله، ويعتمدون على مقاله. قلت «8» : وأغراض الناس في هذا الرجل متباينة، بعيدة عن الاعتدال، فمنهم الموهن «9» المكفّر، ومنهم المقلّد المعظّم، وحصل لطرفي هذين الاعتقادين من الشهرة والذّياع ما لم يقع لغيره. والذي يقرب من الحق، أنه كان من أبناء الأصالة ببلده، وولّي أبوه خطّة المدينة، وبيته نبيه، ونشأ ترفا مبجّلا، في ظل جاه، وعزّ نعمة، لم تفارق معها نفسه البلد. ثم قرأ وشدا، ونظر في العلوم العقلية، وأخذ التحقيق عن أبي إسحاق بن دهاق، وبرع في طريقة الشّوذية «10» ، وتجرّد واشتهر، وعظم أتباعه، وكان وسيما جميلا، ملوكي البزّة، عزيز النفس، قليل التصنع، يتولّى خدمته الكثير من الفقراء السّفارة، أولي العبا والدقاقيس، ويحفون به في السّكك، فلا يعدم ناقدا، ولا يفقد متحاملا. ولما توفرت دواعي النقد عليه من الفقهاء زيّا وانتباذا ونحلة وصحبة واصطلاحا، كثر عليه التأويل، ووجهت لألفاظه المعاريض، وفلّيت موضوعاته، وتعاورته الوحشة، ولقيه فحول من منتابي تلك النّحلة، قصر أكثرهم عن مداه في الإدراك والاضطلاع، والخوض في بحار تلك الأغراض. وساءت منه لهم في الملاطفة السيرة، فانصرفوا عنه مكظومين «11» يندّرون في الآفاق عليه من سوء القيلة، ما لا شيء فوقه. ورحل إلى المشرق، وجرت بينه وبين الكثير من أعلامه خطوب. ثم نزل مكة، شرفها الله تعالى، واختارها قرارا، وتلمذ له أميرها، فبلغ من الجزء: 4 ¦ الصفحة: 21 التعظيم الغاية. وعاقه الخوف من أمير المدينة المعظمة النبوية، عن القدوم عليها، إلى أن توفي، فعظم عليه الحمل لأجل ذلك، وقبحت الأحدوثة. شهرته «1» ومحلّه من الإدراك: أما اضطلاعه، فمن وقف على «البدّ» من كتبه، رأى سعة ذرعه وانفساح مدى نظره، لما اضطلع به من الآراء والأوضاع والأسماء، والوقوف على الأقوال، والتعمق في الفلسفة، والقيام على مذاهب المتكلمين، بما «2» يقضي منه العجب «3» . ولما وردت على سبتة المسائل الصّقلية، وكانت جملة من المسائل الحكمية، وجهها علماء الروم تبكيتا للمسلمين، انتدب إلى الجواب عنها، على فتيّ من سنّه، وبديهة من فكرته. وحدّثني شيخنا أبو البركات «4» ، قال «5» : حدّثني أشياخنا من أهل المشرق، أن الأمير أبا عبد الله بن هود، سالم طاغية النصارى، فنكث عهده «6» ، ولم يف بشرطه، فاضطرّه ذلك إلى مخاطبته «7» إلى القومس الأعظم برومة، فوكّل أبا طالب بن سبعين، أخا أبي محمد «8» ، المتكلم عنه، والاستظهار بالعقود بين يديه. قال: فلما «9» بلغ باب ذلك الشخص المذكور برومة، وهو بلد لا تصل إليه المسلمون، ونظر إلى ما بيده، وسئل عن نفسه، كلّم ذلك القسّ من دنا منه محلّه من علمائهم بكلام، ترجم لأبي طالب بما معناه: اعلموا أنّ أخا هذا ليس للمسلمين اليوم أعلم بالله منه. دعواه وإزراؤه: وقد شهر «10» عنه في هذا الباب كثير، والله أعلم باستحقاقه رتبة ما ادعاه أو غير ذلك. فقد ذكروا أنه قال: وقد مرّ ذكر الشيخ أبي مدين رحمه الله: «شعيب عبد عمل، ونحن عبيد حضرة» «11» . وقال لأبي الحسن الشّشتري عندما لقيه، وقد سأله عن وجهته، وأخبره بقصده الشيخ أبا أحمد، إن كنت تريد الجنة فشأنك ومن قصدت، وإن كنت تريد ربّ الجنة فهلم إلينا. وفي كتاب «البدّ» ما يتشوف إليه من الجزء: 4 ¦ الصفحة: 22 هذا الغرض عند ذكره حكماء الملة. وأما ما ينسب إليه من آثار السّيمياء والتصريف فكثير. تواليفه: وتواليفه كثيرة تشذّ عن الإحصاء، منها كتابه المسمى بالبدّ «بدّ العارف» ، وكتاب الدّرج، وكتاب الصفر، والأجوبة اليمينة، والكلّ والإحاطة. وأما رسائله في الأذكار، كالنورية في ترتيب السلوك، وفي الوصايا والعقايد فكثير، يشتمل على ما يشهد بتعظيم النبوة، وإيثار الورع، كقوله من رسالة «1» : «سلام الله عليك ورحمته. سلام الله عليك ثم سلام مناجاتك. سلام الله ورحمته الممتدّة على عوالمك كلّها، السلام عليك أيها النبيّ ورحمة الله وبركاته، وصلّى الله عليك كصلاة إبراهيم من حيث شريعتك، وكصلاة أعزّ ملائكته من حيث حقيقتك، وكصلاته من حيث حقه ورحمانيته. السلام عليك يا حبيبه «2» . السلام عليك يا قياس الكمال، ومقدّمة السعد «3» ، ونتيجة الحمد، وبرهان المحمود، ومن إذا نظر الذهن إليه قد أنعم العيد «4» ، السلام عليك يا من هو الشرط في كمال الأولياء، وأسرار مشروطات الأزكياء الأتقياء. السلام عليك يا من جاوز في السماء «5» مقام الرّسل والأنبياء، وزاد رفعة، واستولى على ذوات الملأ الأعلى، ولم يسعه في وجهته تلك إلّا ملاحظة الرّفيق الأعلى، وذلك قوله: سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى (1) «6» إلى الأخرى والأولى، لا إلى الآخرة والأولى، وبلغ الغاية والمطلوب، التي عجزت عنه قوة ماهيّة النّهى، وزاد بعد ذلك حتى نظر تحته من ينظر دونه سدرة المنتهى، إلى استغراق كثير، أفضى إلى حال من مقام» . ومن وصاياه يخاطب تلاميذه وأتباعه: حفظكم الله، حافظوا على الصلوات، وجاهدوا النفس في اجتناب الشهوات، وكونوا أوّابين، توّابين، واستعينوا على الخيرات بمكارم الأخلاق، واعملوا على نيل الدّرجات السّنية، ولا تغفلوا عن الأعمال السّنيّة، وحصّلوا مخصص الأعمال الإلهية ومهملها، وذوقوا مفصّل الذات الرّوحانية ومحملها، ولازموا المودة في الله بينكم، وعليكم بالاستقامة على الطريقة، وقدموا فرض الشريعة على الحقيقة، ولا تفرقوا بينهما؛ لأنهما من الأسماء المترادفة، الجزء: 4 ¦ الصفحة: 23 واكفروا بالحقيقة التي في زمانكم هذا، وقولوا عليها وعلى أهلها لعنة الله؛ لأنها حقيقة كما سمّي اللّديغ سليما، وأهلها مهملون حدّ الحلال والحرام، مستخفّون بشهر الصوم والحج وعاشوراء والإحرام، قاتلهم الله أنّى يؤفكون. ومنها: واعلموا أن القريب إليّ منكم، من لا يخالف سنّة أهل السّنّة ويوافق طاعة رب العزّة والمنّة، ويؤمن بالحشر والنار والجنّة، ويفضل الرّؤية على كل نعمة، ويعلم أن الرّضوان بعدها، أجلّ كل رحمة، ثم يطلب الذّات بعد الأدب مع الصفات والأفعال، ويغبط نفسه بالمشاهدة في النوم والبرزخ والأحوال، وكل مخالف سخيف، متّهم منه الفساد، وإن كان من إخوانكم، فاهجروه في الله، ولا تلتفتوا إليه، ولا تسلموا له في شيء، ولا تسلّموا عليه حتى يستغفر الله العظيم بمحضر الكل منهم، ويرضى عن نفسه وحاله وعنكم، ويخرج من صفاته المذمومة، ويترك نظام دعوته المحرومة. وأنا مذ أشهدت الله العظيم، أني قد خرجت من كل مخالف متخلّف العقل واللسان، ولا نسبة بيتي وبيته في الدنيا والآخرة، فمن زلّ قدمه يستغفر الله، ولا يخدعه قدمه، وأمثال هذا كثير. دخوله غرناطة: أخبرني غير واحد من أصحابنا المعتنين بهذا، أنه دخل غرناطة في رحلته، وأظنّه يجتاز إلى سبتة، وأنه حلّ وسطه، على اصطلاح الفقراء، برابطة العقاب «1» من خارجها، في جملة من أتباعه. شعره: وشعره كثير، مما حضرني منه الآن قوله «2» : [البسيط] كم ذا تموّه بالشّعبين والعلم ... والأمر أوضح من نار على علم «3» وكم تعبّر على سلع وكاظمة ... وعن زرود وجيران بذي سلم ظللت تسأل «4» عن نجد وأنت بها ... وعن تهامة، هذا فعل متّهم في الحيّ حيّ سوى ليلى فتسأله «5» ... عنها! سؤالك وهم جرّ للعدم الجزء: 4 ¦ الصفحة: 24 وفاته: توفي بمكة، شرّفها الله تعالى، يوم الخميس التاسع لشوال من عام تسعة وستين وستمائة «1» . وفيما يسمى بإحدى عيون الإسلام من الأسماء العينية وهم عتيق وعمر وعثمان وعلي، وأولا الأمراء والملوك وهم ما بين طارىء وأصلي وغريب عمر بن حفصون بن عمر بن جعفر الإسلامي «2» ابن كسمسم بن دميان بن فرغلوش بن أذفونش «3» كبير الثوار، وعظيم المنتزين، ومنازع الخلفاء بالأندلس. أوليته وحاله: قال صاحب التاريخ «4» : أصله من رندة، من كورة تاكرنّا، وجدّه جعفر إسلامي، وانتقل إلى رندة؛ لأمر دار عليه بها في أيام الحكم بن هشام، فسكن قرية طرجيلة من كورة ريّه المجاورة لحصن أوطة، فاستوطن بها، وأنسل بها عمر، ثم أنسل بها عمر حفصا، وفخّم فقيل حفصون. ثم أنسل عمر هذا الثائر مع أخوة له، منهم أيوب وجعفر. ولمّا ترعرع عمر، ظهر له من شراسته وعتوّه ما لم يعدم معه أبواه هربا عن مواضعهما، فزالا عن وطنهما، فذكر أنه لم يمسك من حين كان عن أحد ممن ناظره، ولا سكت عن أقبح ما يمكن من السّب لمن عاتبه، وأنه قتل أحد جيرانه على سبب يسير دافعه عنه، فتغرّب لذلك عن الموضع زمانا. وذكر ابن القوطيّة «5» أن عامل ريّه «6» عاقبه في جناية وفرّ إلى العدوة، وصار يتهرّب عند خياط كان من أهل ريّه، فبينا هو جالس في حانوته يوما إذ أتاه شخص الجزء: 4 ¦ الصفحة: 25 بثوب يقطعه، فقام إليه الخياط، فسأل ذلك الشخص الخياط عن عمر، فقال له: هو رجل من جيراني، فقال الشيخ: متى عهدك بريّه؟ فقال له: منذ أربعين يوما، فقال له: أتعرف جبلا يقال له ببشتر «1» ؟ فقال: أنا ساكن عند أهله «2» ، فقال: أله حركة؟ قال: لا. قال الشيخ: قد أذن ذلك، ثم قال: تعرف فيما يجاوره رجلا يقال له عمر بن حفصون؟ ففزع من قوله، فأحدّ الشيخ النظر فيه وقال: يا منحوس، تحارب الفقر بالإبرة، ارجع إلى بلدك، فأنت صاحب بني أمية، وستملك ملكا عظيما، فقام من فوره، وأخذ خبزة «3» في كمّه، ورجع إلى الأندلس، فداخل الرجال، حتى ضبط الجبل المذكور، وانضوى إليه كل من يتوقّع التهمة على نفسه، أو تشهره إلى الانتزاء بطبعه، وضمّ إلى القلعة كل من كان حولها من العجم والمولّدين. ثم تملّك حصن أوطة وميجش، ثم تملّك قمارش وأرجدونة. ثم اتسع نظره حتى تملّك كورة ريّه، والخضراء، وإلبيرة، إلى بسطة، وأبّدة، وبيّاسة، وقبرة، إلى حصن بلي المطل على قرطبة، وأشرق الخلافة بريقها، وقطع الزمان من استكانة إلى عهد، وكشف الوجه في ختر، وتشمير الساعد عن حرب، وحسر اللّثام عن أيد وبسطة، وشدّ الحزام على جهد وصبر، ونازله الخلائف والقواد، فلم يحل بطائل، وأصابته جراحات مثخنة في الوقائع وأصبحت فتنته سمر الرّكاب، وحديث الرّفاق، شدّة أسر، وثقل وطأة، وسعة ذرع، واتّصال حبل، وطول إملاء، استغرق بها السنين، وطوى الأعمار، وأورث ذلك ولده بعده. وعند الله جزاء وحساب، وإن امتدّ المآب، لا إله إلّا هو. دخوله غرناطة وإلبيرة: قال ابن الفيّاض وغيره «4» : ودخل إلبيرة مرات، عندما ثار بدعوته قاتل، وانضوى إلى حصن منتشافر «5» ، من إقليم برجيلة قيس، في نحو ستة آلاف، وتغلّب على يحيى بن صقالة، ثم نازله سوّار بن حمدون، أمير العرب بغرناطة، حتى غلبه وأخذه أسيرا. ثم أوقع بجعد ومن معه من أهل إلبيرة وقائع مستأصلة، وتملّك بعدها الجزء: 4 ¦ الصفحة: 26 بيّاسة وأبّدة في أخبار تطول. قال أبو مروان: قصد ابن حفصون حاضرة إلبيرة وحصونها، وناصب الحرب سوّارا، وقد استمدّ سوّار رجالات العرب من كورتي جيّان وريّه وإلبيرة، فوقعت الهزيمة على ابن حفصون، وجرح جراحات مثخنة، وأصيب جماعة من فرسانه، وانقلب منهزما، فغضب عند ذلك على أهل إلبيرة فأغرمهم مغرما فدحهم، واستعمل عليهم حفص بن المرّة، فلم يزل يعمل الحيل على سوّار حتى أوقع به، وأتى بجثته إلى إلبيرة، وحمل رأسه إلى ببشتر، واستشرى داؤه، وأعيا أمره، فاتصل ملكه بالقواعد والأقطار، وغلب أكثر المدن ما بين الموسّطة والغرب، وأحدق ملكه بقرطبة، وحجر عليها الخيل من حصن بلي من حصون قبرة، فجلت الكنبانية «1» ، وامتدّ إلى بنيان المعاقل. ولمّا رأى الأمير محمد «2» ما أحاط به منه، تأهّب إلى غزوه، ونزل حصن بلي، وناهضه، فأوقع به، وهزمه وألجأه إلى أن سلّم في حصنه. فلمّا خرج منه بمن معه، تطيّرهم ريح الفرار والسيوف تأخذهم، استولى الخليفة «3» على الحصن. وفي ذلك يقول أحمد بن عبد ربه، شاعر دولتهم «4» : [الرمل] وله يوم بليّ وقعة ... لم تدع للكفر رأسا في ثبج لم يجد إبليس في حومتها ... نفعا من رهبة حيث بلج دفعتهم حملة السّيل إلى ... كافح الأمواج مخض للّجج «5» فتح الله على الدّين به ... وعلى الإسلام يا عامر تتج وكان هذا الفتح سنة سبع وسبعين ومائتين «6» . ثم استخلص مدينة إستجّة. وفاته: قال: ومن هذا العهد أدبر أمر ابن حفصون، وتوقّف ظهوره، بعد تخبّط شديد، ولجاج كبير، وشرّ مبير، وكانت وفاته ببشتر، موضع انتزائه على عهد الجزء: 4 ¦ الصفحة: 27 الخليفة «1» عبد الرحمن في سنة ست وثلاثمائة، بعد مرض شمل النّفخ به جسده، حتى تشقّق جلده، وانتقل أمره إلى ولده جعفر، ثم إلى ولده سليمان، ثم إلى ولده حفص. وعلى حفص انقرض أمرهم. عمر بن محمد بن عبد الله بن محمد بن مسلمة التجيبي «2» بطليوسي، مكناسي الأصل، من مكناسة الجوف، الأمير بالثغر الغربي، الملقب من ألقاب السلطنة بالمتوكل على الله، المكنى بأبي محمد، المنبز بابن الأفطس. أوليته: قال ابن حيان: كان «3» جدّهم عبد الله بن مسلمة، المعروف بابن الأفطس، أصله من فحص البلّوط «4» ، من قوم لا يدّعون نباهة، غير أنه كان من أهل المعرفة التامة، والعقل، والدهاء، والسياسة. ثم كان بهذا الصّقع الغربي، بطليوس وأعمالها، وشنترين والأشبونة، وجميع الثغر الجوفي في أمر الجماعة، رجل من عبيد الحكم المستنصر، يسمى سابور، فلمّا وقعت الفتنة، وانشقّت العصا «5» ، انتزى سابور على ما كان بيده. وكان عبد الله يدبّر أمره إلى أن هلك سابور، وترك ولدين لم يبلغا الحلم، فاشتمل عبد الله على الأمر، واستأثر به على ولديه، فحصل على ملك غرب الأندلس، واستقام أمره، إلى أن مضى بسبيله، وأعقبه ابنه المظفّر محمد بن عبد الله، وكان ملكا شهيرا عالما شجاعا أديبا، وهو مؤلف الكتاب الكبير المسمّى بالمظفّري، فاستقامت أموره إلى أن توفي «6» ، فقام بأمره ولده عمر هذا المترجم به. حاله: قال ابن عبد الملك: كان «7» أديبا بارع الخطّ، حافظا للغة، جوادا، راعيا حقوق بلده، مواخيا «8» لهم، محبّبا فيهم، مرّت لهم معه أيام هدنة وتفضّل إلى حين القبض عليه. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 28 وقال الفتح في قلائده «1» : ملك جنّد الكتائب والجنود، وعقد الألوية والبنود، وأمر الأيام فائتمرت، وطافت بكعبته الآمال واعتمرت، إلى لسن وفصاحة، ورحب جناب للوافدين «2» وساحة، ونظم يزري بالدّرّ النظيم، ونثر تسري رقّته سرى النسيم، وأيام كأنها من حسنها جمع، وليال كان فيها على الأنس حضور ومجتمع، راقت إشراقا وتبلّجا، وسالت مكارمه فيها «3» أنهارا وخلجا، إلى أن عادت الأيام عليه بمعهود العدوان، ودبّت إليه دبيبها لصاحب الإيوان، وانبرت إليه انبراءها لابن زهير وراء عمان. شعره: بلغه أنه ذكر في مجلس المنصور يحيى أخيه بسوء، فكتب إليه بما نصّه «4» : [الطويل] فما بالهم لا أنعم الله بالهم ... ينيطون «5» بي ذمّا وقد علموا فضلي يسيئون لي «6» في القول جهلا وضلّة ... وإنّي لأرجو أن يسوءهم «7» فعلي لئن كان حقّا ما أذاعوا فلا مشت «8» ... إلى غاية العلياء من بعدها رجلي ولم ألق أضيافي بوجه طلاقة ... ولم أمنح «9» العافين في زمن المحل وكيف وراحي درس كلّ غريبة «10» ... وورد التّقى شمّي وحرب العدا نقلي؟ ولي خلق في السّخط كالشّري «11» طعمه ... وعند الرّضى أحلى جنى من جنى النّحل فيا أيها السّاقي أخاه على النّوى ... كؤوس القلى مهلا «12» رويدك بالعلّ لنطفئ «13» نارا أضرمت في صدورنا «14» ... فمثلي لا يقلى ومثلك لا يقلي الجزء: 4 ¦ الصفحة: 29 وقد كنت تشكيني إذا جئت شاكيا ... فقل لي: لمن أشكو صنيعك بي؟ قل لي فبادر إلى الأولى وإلّا فإنني ... سأشكوك يوم الحشر للحكم «1» العدل وكتب جوابا لأبي محمد بن عبدون مع مركوب عن أبيات ثبتت في القلائد «2» : [المتقارب] بعثت إليك جناحا فطر ... على خفية من عيون البشر على ذلل من نتاج البروق ... وفي ظلل «3» من نسيج الشّجر فحسبي ممّن «4» نأى من «5» دنا ... فمن «6» غاب كان كمن «7» قد حضر قال الفتح «8» : أخبرني الوزير «9» أبو أيوب بن أمية «10» أنه مرّ في بعض أيامه بروض مفتر المباسم، معطر الرياح النواسم، فارتاح إلى الكون به بقيّة نهاره، والتّنعّم ببنفسجه وبهاره، فلمّا حصل من أنسه في وسط المدى، عمد إلى ورقة كرنب قد بلّلها النّدى، وكتب فيها بطرف غصن، يستدعي الوزير أبا طالب بن غانم أحد ندمائه، ونجوم سمائه «11» : [مخلع البسيط] أقبل «12» أبا طالب «13» إلينا ... واسقط «14» سقوط النّدى علينا فنحن عقد بغير «15» وسطى ... ما لم تكن حاضرا لدينا نثره: وهو أشفّ من شعره، وإنّه لطبقة تتقاصر عنها أفذاذ الكتاب، ونهاية من نهاية الآداب. قال «16» : كان ليلة مع خواصّه للأنس معاطيا، ولمجلس كالشمس الجزء: 4 ¦ الصفحة: 30 واطيا، قد تفرّغ للسّرور، وتفرغ «1» عيشا كالأمل المزرور، والمنى قد أفصحت ورقها، وأومض برقها، والسّعد تطلع مخايله، والملك يبدو زهوه وتخايله، إذ ورد عليه كتاب بدخول أشبونة في طاعته، وانتظامها في سلك جماعته، فزاد في مسرّته، وبسط من أسرّته وأقبل على «2» خدّامه، وأسبل نداه على جلسائه وندّامه، فقال له ابن خيرة، وكان يدلّ بالشباب، وينزل منه منزلة الأحباب: لمن تولّيها، ومن يكون واليها؟ فقال «3» له: أنت، فقال: فاكتب الآن بذلك، فاستدعى «4» الدواة والرّق، وكتب وما جفّ له قلم، ولا توقّف له كلم: لم يسوّغ أولياء النّعم مثل الذي سوّغتموه من التزام الطاعة، والدخول في نهج الجماعة، وذلك «5» لا آلوكم، ونفسي فيكم، نصحا فيمن أتخيّره للنيابة عني في تدبيركم، والقيام بالدّقيق والجليل من أموركم، وقد ولّيت عليكم من لم أوثر والله فيه دواعي التّقريب، على بواعث التّجريب، ولا فوات التّخصيص، على لوازم التّمحيص، وهو الوزير القائد أبو عبد الله بن خيرة، ابني «6» دربة، وبعضي صحبة، ونشأتي سكّة «7» وقرية، وقد رسمت له من وجوه الذّبّ والحماية، ومعالم الرّفق والرّعاية، ما التزم الاستيفاء بعهده، والوقوف بجدّه عند حدّه، والمسؤول في عونه من لا عون إلّا من عنده، ولن أعرّفكم من حميد خصاله، وسديد فعاله إلّا بما سيبدو للعيان، ويزكو «8» مع الامتحان، ويفشو من قبلكم إن شاء الله على كل لسان. وقد حدّدت له أن يكون لناشئكم أبا ولكهلكم أخا ولذي النفوس «9» والكبرة ابنا ما أعنتموه على هذا المراد، ولزوم الجواد، وركوب الانقياد. وأمّا من شقّ العصا، وبان عن الطاعة وعصى «10» ، وظهر منه المراد والهوى، فهو القصيّ منه، وإن متّ إليه بالرّحم الدّنيا، فكونوا خير رعيّة بالسمع والطاعة في جميع الأحوال، يكن لكم بالبرّ والموالاة خير وال، إن شاء الله عزّ وجلّ. وصوله إلى غرناطة: وصلها صحبة حليفه ابن عباد، لمّا قبض يوسف بن تاشفين على صاحبها ونزل بالمشيجة من خارجها في رجب من عام ثلاثة وثمانين الجزء: 4 ¦ الصفحة: 31 وأربعمائة ورابهما الأمر، كما تقدّم في ذكر المعتمد بن عباد، فتعجّلا الرجوع إلى وطنهما بحيلة دبّراها. نكبته ووفاته: ولمّا اشتدّ خوفة من أمير لمتونة، ورأى أنه أسوة ابن عباد في الخلع عن ملكه، وضيّقت الخيل على أطرافه وانتزعتها داخل طاغية الرّوم، وملّكه من مدينة الأشبونة رغبة في دفاعه عنه، فاستوحشت لذلك رعيته، وراسلت اللّمتونيين، واقتحمت عليه مدينة بطليوس، واعتصم بالقصبة، وخانه المحاربة، فدخلت عليه عنوة، وتقبّض عليه وعلى بنيه وعبيده، وتحصّلوا في ثقاف قائد الجيش اللّمتوني. وبادر إعلام الأمير سير بن أبي بكر، فلحق بها. واستخرج ما كان عند المتوكل من المال والذّخيرة، وأزعجه إلى إشبيلية مع ابنين له، فلمّا تجاوز وبعد عن حضرته، أنزل وقيل له: تأهّب للموت، فسأل أن يقدّم ابناه يحتسبهما عند الله، فكان ذلك، وقتلا صبرا بين يديه، ثم ضرب عنقه، وذلك صدر سنة سبع وثمانين وأربعمائة، وانقرضت دولة بني الأفطس. وممن رثاهم، فبلغ الأمد وفاء وشهرة وإجادة، أبو محمد عبد المجيد بن عبدون بقصيدته الفريدة «1» : [البسيط] الدّهر يفجع بعد العين بالأثر ... فما البكاء على الأشباح والصّور؟ أنهاك أنهاك لا آلوك موعظة «2» ... عن نومة بين ناب اللّيث والظّفر فالدّهر «3» حرب وإن أبدى مسالمة ... والبيض والسّمر «4» مثل البيض والسّمر «5» ولا هوادة بين الرأس تأخذه ... يد الضّراب وبين الصّارم الذّكر الجزء: 4 ¦ الصفحة: 32 فلا تغرّنك «1» من دنياك نومتها ... فما صناعة «2» عينيها سوى السّهر ما للّيالي، أقال الله عثرتنا ... من اللّيالي وخانتها «3» يد الغير في كلّ حين لها في كل جارحة ... منّا جراح وإن زاغت عن البصر «4» تسرّ بالشيء لكن كي تغرّ به «5» ... كالأيم «6» ثار إلى الجاني من الزّهر كم دولة وليت بالنّصر خدمتها ... لم تبق منها وسل ذكراك من خبر هوت بدارا وفلّت غرب قاتله ... وكان «7» عضبا على الأملاك ذا أثر «8» واسترجعت من بني ساسان «9» ما وهبت ... ولم تدع لبني يونان من أثر وأتبعت «10» أختها طسما وعاد على ... عاد وجرهم منها ناقض «11» المرر «12» وما أقالت ذوي الهيئات من يمن ... ولا أجارت ذوي الغايات من مضر الجزء: 4 ¦ الصفحة: 33 ومزّقت سبأ في كلّ قاصية ... فما التقى رائح منهم بمبتكر وأنفذت في كليب حكمها «1» ورمت ... مهلهلا بين سمع الأرض والبصر «2» ولم تردّ «3» على الضّلّيل صحّته ... ولا ثنت أسدا عن ربّها حجر ودوّخت آل ذبيان وإخواتهم «4» ... عبسا «5» وعضّت «6» بني بدر على النهر «7» وألحقت بعديّ بالعراق «8» على ... يد ابنه أحمر «9» العينين والشّعر «10» وأهلكت أبرويزا بابنه ورمت ... بيزد جرد إلى مرو فلم يحر وأشرفت بخبيب فوق فارعة «11» ... وألصقت «12» طلحة الفيّاض بالعفر ومزّقت «13» جعفرا بالبيض واختلست ... من غيله حمزة الظّلام للجزر الجزء: 4 ¦ الصفحة: 34 وبلّغت يزدجرد الصّين واختزلت ... عنه سوى الفرس جمع التّرك والخزر ولم تردّ «1» مواضي رستم وقنا ... ذي حاجب عنه سعدا «2» في ابنة الغير وخضّبت «3» شيب عثمان دما وخطت ... إلى الزبير ولم تستحي من عمر وما «4» رعت لأبي اليقظان صحبته ... ولم تزوّده إلّا الضّيح في الغمر وأجزرت سيف أشقاها أبا حسن ... وأمكنت من حسين راحتي شمر وليتها إذ فدت عمرا بخارجة ... فدت عليّا بمن شاءت من البشر وفي ابن «5» هند وفي ابن المصطفى حسن ... أتت بمعضلة «6» الألباب والفكر فبعضنا قائل: ما اغتاله أحد ... وبعضنا ساكت لم يؤت من حصر وعمّمت «7» بالرّدى «8» فودي أبي أنس ... ولم تردّ الرّدى عنه قنا زفر «9» وأردت ابن زياد بالحسين فلم ... يبؤ بشسع له قد طاح أو ظفر الجزء: 4 ¦ الصفحة: 35 وأنزلت مصعبا من رأس شاهقة ... كانت بها مهجة المختار في وزر ولم تراقب مكان ابن الزّبير ولا ... راعت «1» عياذته بالبيت «2» والحجر ولم تدع لأبي الذّبّان «3» قاضبه «4» ... ليس اللّطيم «5» لها عمرو بمنتصر وأظفرت بالوليد بن اليزيد ولم ... تبق الخلافة بين الكأس والوتر حبابة حبّ رمّان ألمّ بها «6» ... وأحمر قطّرته نفحة القطر ولم تعد قضب السّفّاح نابية ... على رأس مروان أو أشياعه الفجر وأسبلت دمعة الروح الأمين على ... دم يثجّ «7» لآل المصطفى هدر وأشرقت جعفرا والفضل ينظره ... والشيخ يحيي بريق الصّارم الذّكر «8» وأخفرت في الأمين العهد وانتدبت ... لجعفر بابنه والأعبد «9» الغدر الجزء: 4 ¦ الصفحة: 36 وروّعت كلّ مأمون ومؤتمن ... وأسلمت «1» كلّ منصور ومنتصر وأعثرت آل عبّاس لعا لهم ... بذيل زبّاء «2» من بيض ومن سمر ولا «3» وفت بعهود المستعين ولا ... بما تأكّد للمعتزّ من مرر وأوثقت في عراها كلّ معتمد ... وأشرقت بقذاها كلّ مقتدر بني المظفر والأيام ما برحت «4» ... مراحلا «5» والورى منها على سفر سحقا ليومكم يوما وما «6» حملت ... بمثله ليلة في سالف «7» العمر من للأسرّة أو من للأعنّة أو ... من للأسنّة يهديها إلى الثّغر من لليراعة أو من للبراعة أو ... من للسّماحة أو للنّفع والضّرر من للظّبا وعوالي الخطّ قد عقدت ... أطراف ألسنها بالعيّ والحصر وطوّقت «8» بالمنايا السّود بيضهم ... أعجب بذاك وما منها سوى ذكر «9» الجزء: 4 ¦ الصفحة: 37 أو رفع كارثة أو دفع حادثة ... أو قمع آزفة تعيي على القدر «1» ويح السّماح وويح الجود «2» لو سلما ... وحسرة الدّين والدّنيا على عمر سقت ثرى الفضل والعباس هامية ... تعزى إليهم سماحا لا إلى المطر ثلاثة ما ارتقى «3» النّسران حيث رقوا ... وكلّ ما طار من نسر ولم يطر ثلاثة كذوات الدهر منذ نأوا ... عني مضى الدهر لم يربع ولم يحر ومرّ من كلّ شيء فيه أطيبه ... حتى التمتّع بالآصال والبكر من للجلال «4» الذي عمّت مهابته ... قلوبنا وعيون الأنجم الزّهر أين الإباء الذي أرسوا قواعده ... على دعائم من عزّ ومن ظفر أين الوفاء «5» الذي أصفو شرائعه ... فلم يرد أحد منهم «6» على كدر كانوا رواسي أرض الله مذ نأوا «7» ... عنها استطارت بمن فيها ولم تقر الجزء: 4 ¦ الصفحة: 38 كانوا مصابيحها دهرا فمذ خبوا ... هذي الخليقة تالله في سدر «1» كانوا شجى الدهر فاستهوتهم خدع ... منه بأحلام عاد في خطا الخضر «2» من لي «3» ولا من بهم إن أظلمت نوب ... ولم يكن ليلها يفضي إلى سحر من لي ولا من بهم إن طبّقت «4» محن ... ولم يكن وردها «5» يفضي «6» إلى صدر من لي «7» ولا من بهم إن عطّلت سنن ... وأخفيت ألسن الآثار «8» والسّير ويلمّه من طلوب الثأر مدركه ... لو كان دينا على الأيام ذي عسر «9» على الفضائل إلّا الصّبر بعدهم ... تسليم «10» مرتقب للأجر منتظر يرجو عسى وله في أختها طمع «11» ... والدّهر ذو عقب شتّى وذو غير الجزء: 4 ¦ الصفحة: 39 قرّطت آذان من فيها بفاضحة ... على الحسان حصا الياقوت والدّرر سيّارة في أقاصي الأرض قاطعة ... شقاشقا هدرت «1» في البدو والحضر مطاعة الأمر في الألباب «2» قاضية ... من المسامع ما لم يقض من وطر ومن الغرباء عثمان بن عبد الرحمن بن يحيى بن يغمراسن «3» الدّائل بتلمسان، يكنى أبا سعيد. حاله: كان شيخا مخيلا بسمة الخير، متظاهرا بالنّسف، بقية آل زيّان، متقدّما في باب الدهاء والذّكر، بالغا أقصى المبالغ في ذلك. سكن غرناطة ووادي آش، وولد بغرناطة. وكان أبوه ممن هلك في وقعة فرتونة، فارتزق مع الجند الغربي بديوانها في حجر أبيه وبعده، ثم ثنى عنانه إلى وطنه، وتخطّته المتالف عند تغلّب السلطان صاحب المغرب على بلده تلمسان، وغاص في عرض من تهنّأ الإبقاء من قبيله. وكان ممن شمله حصار الجزيرة، ووصل قبله ممدّا مع الجيش الغربي بجيش غرناطة عند منازلة القلعة. ولمّا جرت على واترهم السلطان أبي الحسن الهزيمة بظاهر القيروان، وبعد الطمع في انتشاله وجبره، ولحق كل بوطنه، حوم الفلّ من بني زيّان على ضعفهم، ومذ رحل عنه السلطان القائم بملك المغرب أبو عنان، إلى محل الأمر ودار الملك، وسدّ تلمسان بشيخ من قبيلهم يعرف بابن حرار له شهرة وانتفاخ لتنسيق رياح الاختلاف، فذ في إدارة الحيلة، وإحالة قداح السياسة، رأس الرّكب الحجازي غير ما مرة، وحلّ من الملوك ألطف محلّة. ولمّا نهد القوم إلى تلمسان، ناهضهم ابن الحرار بمن استركب من جنده، وانضمّ إليه من قومه، فدارت عليهم الهزيمة، وأحيط به، فتملّك البلد، وتحصّل في الثّقاف، إلى أن هلك به مغتالا، واستولى عثمان بن يحيى على المدينة، وانقاد إليه ما يرجع إليها من البلاد والقبائل، فثاب لهم ملك لم الجزء: 4 ¦ الصفحة: 40 تكد شعلته تقد حتى خبت، وعلى ذلك فبلغوا في الزمان القريب من وفور العدّة، واستجادة الآلة، وحسن السّيرة، ما يقضي منه العجب. وانفرد عثمان بالأمر، وعيّن أخاه أبا ثابت الزعيم إلى إمارة الجيش، فاستقام الصفّ، وانضمّ النّشر، وترتّبت الألقاب، واستأنفوا الدولة، وتلقّفوا الكرة، وقلّ ما أدبر شيء فأقبل. وبادر السلطان بالأندلس مفاتحته مهنّئا، وللحلف مجدّدا، بكتاب من إنشائي من فصوله: «بعد الصّدر والتحميد، ولا زائد بفضل الله المرجو في الشّدائد، لجميل العوائد، إلّا ما شرح الصدور، وأكّد السرور، وبسط النفوس، وأضحك الرّسن العبوس، من اتّساق أمور ذلك الملك لديكم، واجتماع كلمته عليكم، وما تعرّفنا أن الدولة الزّيانيّة، وصل الله لبدورها استئناف الكمال، وأعلى أعلامها في هضاب اليمن والإقبال، تذكّرت الرسائل القديمة والأذمّة، وألقت إلى قومها بالأزمّة، وحنّت إلى عهدهم على طول النّوى، وأنشد لسان حالها: «نقّل فؤادك حيث شئت من الهوى» ، فأصبح شتيتك بأهلها مجموعا، وعلم عليائها بأيدي أوليائها مرفوعا، وملابس اعتزازها بعد ابتزازها جديدة، وظلال سعودها على أغوارها ونجودها مديدة، وقبيلها قد أنجح الله في ائتلافه أمل الآمل، ومبتداها مرفوعا مع وجود العوامل، والكثير من أوطانها قد سلكت مسلكها في الطاعة، وتبادرت إلى استباق فضيلة الوفاق بحسب الاستطاعة، فعظم الاستبشار بأن كان لكم مالها، وفي إيالتكم انتيالها، من غير أن يعلق بأسبابها من ليس من أربابها، ويطمع في اكتسابها من لم يكن في حسابها. وقلنا موارث وجب، وعاصب حجب، وركب علج من بعد القفول، وشمس طلعت من بعد الأفول، وجيد حلّي بعد ما اشتكى العطل، وغريم قضى بعد ما مطل، وطرف تنبّه بعد ما سجع، ودرّيّ استقام سيره عقب ما رجع، وقضية انصرف دليلها عن حدود القواطع، وطرحت عليه أشعة السّعود السّواطع، لا بل عبد أبق، لقدر سبق، حتى إذا راجع نهاه، وعذله العقل ونهاه، جنح بعد هجره، إلى كنف من نشأ في حجره. وعلمنا أن الدولة التي عرفنا مكارمها قد دالت، والغمامة التي شكرنا مواقعها قد انثالت، فجرينا في المسرّة ملء الأعنّة، وشاركنا في شكر هذه المنّة، وأصدرنا إليكم هذا الخطاب مهنّئا، وعن الود الكريم والولاء الصّميم منبيا، وفي تعزيز ما بين الأسلاف جدّد الله عليهم ملابس الرّضوان معيدا مبديا، وإن تأخّر منه الغرض، وقضى بهذا العهد واجبه المفترض، والأعذار واضحة، وأدلّتها راجحة، وللضّرار أحكام تمضى، والفروض للفوات تقضى، فكيف والاعتقاد الجميل مسيّر مسكّن، والوقت والحمد لله متمكن؟ وما برحنا في مناط اجتهاد، وترجيح استشهاد، والأخبار يضطرد مفهومها، والألفاظ لا يتخصّص عمومها، والأحاديث يجول في متعارضها النّظر، ولا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 41 يلزم العمل ما لم يصحّ الخبر. فلمّا تحققنا الأمر من قصّه، وتعاضد قياسه بنصّه، لم نقدّم على المبادرة عملا، وبيّنا لكم من حسن اعتقادنا ما كان مجملا، فليهن تلك الإيالة ما استأنفته من شبابها، وتسربلته من جديد أثوابها، وليستقبل العيش خضرا، والدهر معتذرا، والسّعد مسفرا» . وتمادى ملكه من الثامن والعشرين لجمادى الآخرة من عام تسعة وأربعين وسبعمائة إلى أن استوسق ملك المغرب للسلطان أبي عنان، واستأثر إليه أبيّه، وتحرك إلى منازلة تلمسان في جمادى الآخرة عام ثلاثة وخمسين وسبعمائة، وكسر جمعهم، واستولى على ملكهم حسبما يأتي، وبرز إليه سلطانها المذكور مؤثرا الإصحار على الاجتحار، واللقاء على الانحصار، وكانت بين الفريقين حرب ضروس، ناشب الزّيّانيون محلّات المغرب القتال، بموضع يعرف بإنكاد، على حين غفلة، وبين يدي شروع في تنقّل وسكون، وتفرّق من الحامية في ارتياد الخلا، وابتغاء الماء، فلم يرع إلّا إطلال الرّايات، وطلوع نواصي الخيل، فوقع الصراخ، وعلا النّداء، وارتفع القتام، وبادر السلطان بمن معه من الخالصة، وروّم الركاب الصّدمة، ومضى قدما، وقد طاش الخبر بهزيمته، فعاثت العربان في محلّته، وكانوا على الأموال أعدى من عدوّه، وفرّ الكثير إلى جهة المغرب بسوء الأحدوثة. ولمّا تقاربت الوجوه، وصدق المصاع، قذف الله في قلوب الزيّانيين الرّعب، واستولى عليهم الإدبار، فانهزموا أقبح هزيمة، وتفرّقوا شذر مذر، واختفى سلطانهم عثمان المترجم به، وذهب متنكرا وقد ترجّل، فعثر عليه من الغد، وأوتي به فشدّ وثاقه، وأسرع السلطان اللّحاق بتلمسان، وقد تلقّاه أهلها معلنين بطاعته ولائذين بجناب عفوه، وتنكّبها الجيش المفلول لنظر الأمير أبي ثابت، فاستقرّ بأحواز جزائر بني مزغناي. ودخل السلطان تلمسان في يوم الأحد الحادي عشر من ربيع الأول عام ثلاثة وخمسين وسبعمائة، وتدامر بنومرين، واستدركوا دحض الوصمة في اتّباع أضدادهم المحروبين، فكان اللقاء بينهم وبين الجيش المفلول، وحكم الله باستئصالهم، فمضى عليهم السيف، وأوتي بزعيمهم الزعيم، فاحتمل مع أخيه في لمّة من أوليائهم، ونفذ الأمر لأقتالهم من بني حرار بأخذ حقهم، فقتل عثمان والزّعيم، رحمهما الله، بخارج تلمسان ذبحا، وألحق بهما عميد الدّولة يحيى بن داود بعد أن استحضر عثمان بين يدي السلطان، وأسمع تأنيبا، حسن عنه جوابه بما دلّ على ثبات وصبر. وانقضى أمر كرّتهم الثانية، وخلت منهم الأوطان، وخلصت لبني مرين الجهة، وصفت العمالة. والله يعطي ملكه من شاء سبحانه لا إله إلّا هو، وكان مقتل عثمان وأخيه في أوائل شهر ربيع الآخر عام ثلاثة وخمسين وسبعمائة. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 42 علي بن حمود بن ميمون بن حمود بن علي بن عبيد الله ابن إدريس بن إدريس بن عبد الله بن حسن بن علي ابن أبي طالب «1» أوّل ملوك «2» بني هاشم بالأندلس، يكنّى أبا الحسن، ويلقّب من الألقاب السلطانية، بالناصر لدين الله. حاله: كان شهما لبيبا، جريء اللقاء، باطش السّيف، شديد السّطوة، أسمر، أعين، نحيف الجسم، طويل القامة، حادّ الذهن، من أولي الحزم والعزم. خلافته: ذكروا «3» أن هشام بن الحكم «4» ، لمّا ضيّق به الحجر، كتب إليه في السّرّ بعهد ولايته، وأهّله للأخذ بثأره، فكان كذلك، وأجاز البحر من سبتة، مظهرا القيام بنصر هشام عندما خلع، فانحاش إليه كثير من الناس، وقصد قرطبة، وبرز إليه الخليفة سليمان خالع هشام ومغتاله، فظهر عليه علي بن حمّود وهزمه، ودخل قرطبة، فقتل سليمان، وبحث عن هشام، وقد فات فيه الأمر، وتسمّى بأمير المؤمنين. وأنس به أهل قرطبة؛ لقهره من كان لنظره من البرابرة، وإمضاء الأحكام عليهم. قال المؤرخ: فبرقت للعدل يومئذ بارقة، لم تكد تقد حتى خبت. وكان الأغلب عليه السّخاء والشجاعة. ومدحه الكثير من الشعراء، منهم أبو عمر بن درّاج، وفيه يقول «5» : [المتقارب] لعلّك يا شمس عند الأصيل ... شجيت «6» بشجو «7» الغريب الذّليل الجزء: 4 ¦ الصفحة: 43 فكوني شفيعي إلى ابن الشّفيع ... وكوني رسولي إلى ابن الرسول فإمّا شهدت فأزكى شهيد ... وإمّا دللت فأهدى دليل إلى الهاشميّ إلى الطّالبيّ ... إلى الفاطميّ العطوف الوصول وصوله إلى إلبيرة: قال: ولمّا استوسق الأمر، واضطرب عليه خيران صاحب ألمرية، أغراه وأذن لحربه، فخرج من قرطبة يوم الثلاثاء لثلاث عشرة خلت من جمادى الآخرة من سنة ثمان وأربعمائة، وساء إلى أن بلغ وادي آش، وترادفت عليه الأمطار والسّيول، وانصرف إلى إلبيرة ثم إلى قرطبة. وفاته: قال المؤرخ: وفي «1» سنة ثمان وأربعمائة كان مقتل علي بن حمّود، وذلك أن صقالبته قتلوه بموضع أمنه، في حمام قصره، وكانوا ثلاثة من أغمار صبيان قصره، منهم نجح» وصاحباه، وسدّوا باب الحمّام عليه، وتسلّلوا، ولم يحسّ أحد بهم، واستطال نساؤه بقاءه، فدخلوا عليه، ودمه يسيل، فصحّ خبر مقتله، وبعثت زناتة إلى أخيه «3» بإشبيلية، فخاف «4» أن تكون «5» حيلة، حتى كشف عن الأمر، ولحق بقرطبة، فأخرج جسده، وصلّى عليه، وأنفذه إلى سبتة، فدفن بها، وبني عليه مسجد هو الآن بسوق الكتان، وقبض من قاتليه على صبيّين عذّبا بأنواع العذاب، ثم قتلا وصلبا «6» . علي بن يوسف بن تاشفين بن ترجوت «7» وينظر اتصال نسبه في اسم أبيه. هو أمير المسلمين بالعدوة والأندلس بعد أبيه، يكنى أبا الحسن، تصيّر إليه الملك بالعهد من أبيه عام سبعة وتسعين وأربعمائة، ثم ولّي أمره يوم وفاته وهو يوم الاثنين مستهل محرم عام خمسمائة «8» . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 44 حاله: وكان ملكا عظيما، عالي الهمة، رفيع القدر، فسيح المعرفة، شهير الحلم، عظيم السياسة، أنفذ الحق، واستظهر بالأزكياء، ووالى الغزو، وسدّ الثغور، إلى أن دهمه من أمر الدولة الموحدية ما دهمه، وكل شيء إلى مدى، فأمهل السّرح، وحالف الإدبار، وجاز إلى الأندلس، وغزا فيها بنفسه، ودخل غرناطة وباشرها. قال ابن عذاري: تقدم الأمير أبو الحسن لذلك فاستعان بالله واستنجده وسأله حسن الكفاية فيما قلّده، فوجده ملكا مؤسّسا، وجندا مجنّدا، وسلطانا قاهرا، ومالا وافرا، فاقتفى إثر أبيه، وسلك سبيله في عضد الحق، وإنصاف المظلوم، وأمن الخائف، وقمع المظالم، وسدّ الثغور، ونكاية العدو، فلم يعدم التوفيق في أعماله، والتسديد في حسن أفعاله. دخوله غرناطة: وفي سنة خمس وخمسمائة، جاز البحر إلى الجهاد. قال المؤرخ: قدم علي بن يوسف غرناطة مرات مع أبيه. وفي سنة خمس وخمسمائة تلوّم بها ريثما تلاحقت حشوده، وتأهبت مطوّعته وجنوده، فافتتح مدينة طلبيرة عنوة «1» . ثم عبر البحر عام أحد عشر وخمسمائة، فغزا قلمرية «2» . ظهور الموحدين في أيامه: قال ابن عذاري: في «3» سنة أربع عشرة وخمسمائة، كان ابتداء أمر الثائر على الدولة، الجالب للفتن الجمة، الجارّ لها منذ ثلاثين سنة، حتى أقفر المعمور، وأصار الضياء كالديجور، محمد بن تومرت السوسي الملقّب بالمهدي. قلت: وأخباره عجيبة، وما زال أمره في ظهور، وأمر هذه الدولة في ثبار وإدبار، إلى أن محا رسومها، وقطع دابرها، والملك لله، يؤتي الملك من يشاء، وينزع الملك ممن يشاء، سبحانه. وفاته: قال: وفي «4» سنة سبع وثلاثين وخمسمائة «5» توفي أمير المسلمين علي بن يوسف، لسبع خلون من رجب، ولم يشهر موته إلّا لخمس خلون من الجزء: 4 ¦ الصفحة: 45 شوال، فكانت مدته من حين قدّمه أبوه، تسعا وثلاثين سنة وأشهرا «1» ، وعمره إحدى وستون سنة. قال ابن حماد: ولمّا يئس من نفسه، عهد أن يدفن بين قبور المسلمين، ودفن بها في جملتهم، رحمه الله. الأعيان والوزراء والأماثل والكبراء عتيق بن زكريا بن مول التجيبي «2» قرطبي الأصل، يمتّ إلى الإمارة النّصرية بقربى صهر، يكنى أبا بكر. حاله: كان شهما جريّا مقداما، جهوريا، ذا أنفه وشارة، مليح التجنّد، ظاهر الرّجولية، معروف الحق، نبيه الولاية، فصيح اللسان، مطبوعا، ذكيّا، مؤثرا للفكاهة، ولّي القيادة بمدينة وادي آش عقب الرئيس المنتزي بها، ثم عزل عنها بسعاية رفعت فيه إلى ذي الوزارتين أبي عبد الله ابن الحكيم، فساء ما بينهما لذلك، وأعمل عليه التدبير بمداخلة الأمير نصر، وإغرائه بالأمر، فتمّ له التّوثّب على ملك أخيه، وخلعه يوم عيد الفطر من عام ثمانية وسبعمائة. وقتل الوزير ابن الحكيم بين يديه، وانتهبت منازله، واستقلّ بعد بالتدبير والوزارة، وحصل من صنائع الحائن، ومتوقّعي الضغط، على مال عريض، وقام بوظيف الوزارة محذور الشبا، مرهوب المدية، مسنوّ الفتكة، فلم ينشب أن عيّن للرسالة إلى باب السلطان ملك المغرب، وسدّ باب الإياب لوجهته، وأقام بالعدوة تحت الحظوة، مشارا إليه في وجوه الدولة، وزير المداخلة والرّتبة. وقد كان في ريان حداثته لحق بطاغية الرّوم، وركب في جملته، وعلقته جارية من بنات زعماء الروم، لفضل جماله، وزين شبيبته، ففرّ بها تحت حماية سيفه، ولحق ببلاد المسلمين، وكانت من أهل الأصالة والجمال، فاتصل بمحلة أمير المسلمين أبي يوسف بن عبد الحق، وقد جاز إلى الأندلس غازيا، فاستخلصت منه لمزية الحسن، واستقرّت بقصر السلطان حظيّة لطيفة المحل، وجدّ أثر رفدها وانتفع، هو وبنوه بعائد جاهها، وقد هلك السلطان. وقامت لمن خلفه مقام الأمومة، فنالوا بها دنيا عريضة، وباشر بالمغرب أهوالا، وخاض في فتن إلى أن أسنّ، وقيّدته الكبرة، واستولت على بصره الزمانة. ولما الجزء: 4 ¦ الصفحة: 46 ولّي الوزارة ولده على عهد سادس الأمراء من بني نصر «1» ؛ استقدمه في ربيع الثاني من عام تسعة وعشرين وسبعمائة، فقدم شيخا قد استثنى أديمه واحقوقب، ومسحة الظّرف واللوذعية تتعلق منه بطلل بائد. ثم اقتضى تقلّص ظل الولاية عن ولده انصراف جميعهم إلى العدوة، فكان ذلك في رجب أو أول شعبان من العام، وبها هلك. وفاته: توفي بمدينة فاس رابع محرم عام ثلاثين وسبعمائة. وكان كثيرا ما يتمثل بقول الشاعر: [الطويل] نصحت فلم أفلح وخانوا فأفلحوا ... فأنزلني نصحي بدار هوان فإن عشت لم أنصح وإن متّ فالعنوا ... دون النصح من بعدي بكل لسان أخبرني بذلك شيخنا أبو الحسن بن الجياب وغيره. عمر بن يحيى بن محلّى البطّوي يكنى أبا علي. حاله: كان يمتّ إلى السلطان ملك المغرب، رحمه الله، بالخؤولة، وله جرأة وجرم واضطلاع بالمهمة، إلى نكراء وخفوف إلى الفتنة واستسهال العظيمة. ولمّا تصيرت مالقة «2» إلى إيالة السلطان أمير المسلمين أبي يوسف بن عبد الحق من قبل رؤسائها من بني إشقيلولة، استظهر عليها من عمر هذا بحجاج رجاله، وقدّمه بقصبتها، وجعل لنظره جيشا أخشن يقوده رجل من كبار وصفائه. وداخل السلطان ثاني «3» الملوك من آل نصر عمر بن محلّى هذا بوساطة أخيه طلحة السابق إلى إيالته، فأحكم بينهما صرف مالقة إليه، وانتقال عمر إلى خدمته، معوّضا عن ذلك بمال له بال، مسلّما إليه حصن شلوبانية، ولأخيه طلحة مدينة المنكب، على أرزاق مقررة، وأحوال مرتبة مقدرة، فتمّ ذلك، وتحمل ثقات السلطان بقصبة مالقة ليلا مع عمر، واستدعي للغداة قائد الجيش ومثله من الوجوه، موريا بمعارضتهم، فسقط الغشاء بهم الجزء: 4 ¦ الصفحة: 47 على سرحان، وأخذهم اعتقاله رهينة استخلص بها من كان من عياله بالعدوة، وجاء بها جلواة عارية أعربت عن لؤمه وخبث أمانته، وانتقل له موفى له بعهده، فحل بحصن شلوبانية منتصف عام سبعة وستين وسبعمائة، حسبما كتب لي بعض الشّيوخ من مسنّي بقية أهله، واحتلّ أخوه طلحة بمدينة المنكب، ولم يلبث أن خرج عنها للسلطان معوضا بالمال، وأعمل الانصراف إلى الحج. وأقام عمر بشلوبانية وما يليها من العمالة، مظهرا للطاعة تمام العام المذكور، وفسد ما بينه وبين السلطان المذكور، وظهر الخلاف وأخيفت الطرق، وتحرك السلطان إلى منازلته لأشهر ثلاثة من خلافه، وحاصره أياما شدّ فيها مخنقه، فلمّا رأى عزمه، خاطب سلطانه الذي نزع عنه أمير المسلمين أبا يوسف، وعرض الحصن عليه، فبادر إليه بالأسطول، فلمّا احتل بمرسى حصنه واتصلت به يده ونشرت عنده بنوده، أفرج عنه السلطان، وانبت طمعه فيه، وصرف وجهه إلى حضرته، وبدا لعمر في أمره، فصرف الأسطول متعلّلا ببعض الأعذار، وأقام على سبيله، واتصل ذلك بالسلطان، فرتب عليه الحصن، وضيق السّبل، وتحرك في صائفة العام إلى منازلته في عدّة عظيمة، وحاصره ورماه بالمجانيق، وتتبع بها مجاثمه، فأعياه الصبر، وأعمل الحيلة بإظهار الإنابة، وعرض على السلطان التخلّي عن الحصن، وطلب منه أن يوجه لقبضه وزيره، وأحظى الرؤساء لديه، وصاحب بنده، فوجههم السلطان في طائفة من حاشيتهم، وقد أكمن لهم عمر بمعرجات الطريق، بين يدي باب القلعة، فلمّا توسطوا الكمناء، وبرز عمر ليسلم عليهم، ثار بهم رجاله الأساودة وغيرهم، وقبضوا عليهم بمرأى من السلطان، وأدخلوهم الحصن، وعاد السلطان إلى قتاله، فتوعد بقتلهم، وجعلهم بأعلى السور، ورمى عليه بحجر، فطرح أحدهم الحين، وعلا صراخهم يسترحمون السلطان، فكفّ عنه، وانصرف مكظوما. ولأيام وقعت المهادنة على تخلّيه عن شلوبانية في جملة شروط صعبة، منها العقد له على بنت السلطان المسماة بشمس، وانتقاله إلى مدينة المنكب، فتمّ ذلك في وسط ثمانية وستين بعده، وتمادت المهادنة شهورا أربعة، ثم ثاب خلافه، وضيقت عليه الحصص المرتّبة، وخرج للسلطان عن منكّب على مال وعهد، وصرف بعد وجهه إلى سلطانه، وتطارح عليه، وهو بجزيرة طريف، بعد أن أخذ أمانه، زعموا، وقد كان أخوه طلحة سبق إليه، فاعتقل يسيرا. ثم حلّ اعتقاله إيثارا للعفّة، ورعيا للمتات. ولمّا توفي السلطان أبو يوسف، اضطره حاله، وآل أمره إلى العود إلى الأندلس، وبها الأشياخ من بني عبد الله بن عبد الحق، مطالبو أبيه بدم عمّهم، سبقوا مقدمه على السلطان بإيعاز منه، وقد نزل بقرية أرملة «1» على وادي الجزء: 4 ¦ الصفحة: 48 أفلم، واعتصم منهم ببرج، فقاتلوه واستنزلوه فقتلوه، فانقضى أمره على هذه الوتيرة، والبقاء لله سبحانه. عامر بن عثمان بن إدريس بن عبد الحق «1» شيخ الغزاة بالأندلس، وابن شيخها، يكنى أبا ثابت، أجري مجرى الأصليين لولادته بالأندلس. أوليته: تأتي في اسم أبيه. حاله: كان رئيسا جليلا، فذّا في الكفاية والإدراك، نسيج وحده في الدّهاء والنّكراء، مشارا إليه في سعة الصدر، ووفور العقل، وانفساح الذّرع، وبعد الغور، باسلا مقداما، صعب الشّكيمة على الهمّة، لين الكلمة، ريّش جناح العزّ، وافر أسباب الرّئاسة، مجرّبا، محتنكا، عارفا بلسان قومه وأغراضهم، جاهلا جفوات أخلاقهم دبر أذنه، مهيبا على دماثة وإلحاح سقام. تولّى الأمر بعد أبيه، فقام به أحمد قيام، مسلّما لبقية من مسني القرابة وأكابر الإخوة، اعترافا بالفضل، وإيثارا لمزيّة العتاقة على الهجنة، فحلّ أرفع المحال، وتبنّك على حال الضّنا نعيما، وغزا غزوات شهيرة، إلى أن تناسى الأمر، وكبا بهم الجدّ، وحملهم قرب مخيفهم بالثّأر المنيم ملك المغرب، لما اقتحم فرضة المجاز إلى الجهاد على المبايتة ومراسلة الطاغية، فساءت القالة، وفسد ما بينهم وبين سلطانهم، وأعمل عليهم التدبير. نكبته: ثبتّ في الكتاب المسمى ب «طرفة العصر» : ولما اتّصلت ليدي المسلمين، وفصل أميرهم من ملك المغرب، تنمّر أضدادهم المناوءون له، المعاندون قدرة الله فيه، المتهيّئون إلى القاصمة بمشاحنته، فأظهروا النّفور والحذر، وكانوا قد داخلوا ملك قشتالة وواعدوه اللحاق به، إن راعهم رائع، ووصلتهم مخاطبته بقبولهم، فلمّا تخلّف المسلمون عن اللحاق به، نسب لهم الفشل والتكاسل، فانطلقت الألسن، وملّت القلوب، وتشوّف إلى الفتك بهم، وهم عصابة بأسها شديد، أشهروا فروسية ونجدة وأتباعا، فعظم الخطب، وأعملت الشّورى في أمرهم، وصرفت الحيل إلى كف عاديتهم، ومعالجة أمرهم، فتمّ ذلك. ولما كان يوم السبت التاسع والعشرون من ربيع الأول، قعد لهم السلطان على عادته، ووجّه عنهم في غرض الاستشارة في حال السّفر إلى إمداد ملك المغرب، وقد عبر ونازل جزيرة طريف، وفاوضهم فيما عليه الناس من إنكار التّلوّم، ثم قام السلطان من الجزء: 4 ¦ الصفحة: 49 مجلسه، وثارت بهم الرجال، فأحيط بهم، ونزعت سيوفهم عن عواتقهم، وطارت الخيل في ضمّ من شذّ عنهم، فتقبّض على طائفة من أعلامهم، كانوا بين غرّ يباشر قنصا، أو مفلت لم يجد مهربا، وطارت الكتب إلى مالقة في شأن من بها منهم، فشملهم الاعتقال، ثم نقلوا إلى مدينة المنكب، فجعلوا في مطبق الأسرى بها، إبلاغا في النكال، وتناهيا في المثلة، فلم تجر عليهم مصيبة أعظم منها، لاضطرارهم إلى قضاء حاجة الإنسان برأي عين من أخيه، خطة خسف سئموها، مع العلم بنفور نفوسهم عن مثلها، وفيهم صدور البيت وأعلامه، كأبي ثابت المترجم به، وأخيه كبيره إبراهيم، وابن عمهم زين المواكب، وقريع السيوف، وعروس الخيل، حمّو بن عبد الله، وسواهم، وقانا الله شرّ الهلكات، واشرأب مخيفهم للسلطان صاحب المغرب، وولي الثّرة، إلى صرفهم إليه، وقد استوجب من ملك الأندلس الملاطفة لالتفاته لسيء البرد، واقتحامه باب القطر. وأخفق السعي، وضنّ بهم موقع النّقمة عن إسلامهم إليه، سيرة أحسنها في جنسهم من أولي الجهالف، فأجلاهم عما قريب في البحر إلى إفريقية، فاستقرّوا ببجاية، ثم استقدموا إلى تونس تحت إرصاد ورقبة، وأخفر فيهم ملكها الذّمة، وهم لديه، فوجّههم على بعد الدار، ونزوح المزار، إلى السلطان صاحب المغرب، مصحبين بشفاعة فيهم، كانت قصارى ما لديه، فاستقرّوا في الجملة تحت فلاح وكفاية، لا تلفت إليهم عين، ولا يتشبّث بذمل حظوتهم أمل. ثم نكبوا بظاهر سبتة نكبة ثقيلة البرك، مغارة البرك الحمل، وأودعوا شرّ السجون بمدينة مكناسة، فأصبحوا رهن قيود عديدة، ومسلحة مرتّبة، جرّ ذلك عليهم ذرّة من القول في باب طموحهم إلى الثورة، وعملهم على الانتزاء بسبتة، الله أعلم بحقّه من مينه. ولمّا صيّر الله ملك المغرب إلى السلطان، أمير المؤمنين أبي عنان، واضطره الحال إلى الاستظهار بمثلهم، انتشلهم من النكبة، وجبرهم بعد الصّدعة، وأعلق يد كبيرهم المترجم به بعروة العزّة، واستعان بآرائه على افتراع الهضبة، فألفى منه نقّابا قد هذّبته التجربة، وأرهفته المحنة، وأخلصته الصّنيعة، فسلّ منه سيفا على أعدائه، وزعموا أنه انقاد إلى هوى نفسه، واستفزّته قوة الثرّة، ولذّة التّشفي، وذهب إلى أن يكل للسلطان ناكبه المجاراة صاعا بصاع، فانتدب إلى ضبط ما بالأندلس من عمالة راجعة إلى ملك المغرب، فانقلب يجرّ وراءه الجيش، ويجنّب القوة، فقطع به عن أمله القاطع بالآمال، وأحانه الله ببعض مراحل طريقه مطعونا لطفا من الله به، وبمن استهدف إلى النّصب بمجادّته. وهو سبحانه مليء بالمغفرة عن المسرفين، سبحانه. وفاته: في الأخريات من عام تسعة وأربعين وسبعمائة. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 50 علي بن بدر الدين بن موسى بن رحّو بن عبد الله ابن عبد الحق «1» يكنى أبا الحسن. حاله: هذا الرجل نسيج وحده في الفضل والتخلّق، والوفاء، ونصح الجيب، وسلامة الصدر، وحسن الخلق، راجح العقل، سريّ الهمّة، جميل اللقاء، رفيع البزّة، كريم الخصال، يكتب ويشعر، ويحفظ ويطالع غرائب الفنون، صادق الموقف، معروف البسالة، ملوكيّ الصّلات، غزل، كثير الفكاهة، على تيقور وحشمة، قدّمه السلطان شيخ الغزاة بمدينة وادي آش، فلما وقعت به المحنة، وركب الليل مفلتا إليها، اتّفق لقاؤه إياه صباحا على أميال منها، وجاء به، وأدخله المدينة على حين غفلة من أهلها، فاستقرّ بقصبتها وما كاد، وأخذ له صفقة أهلها، وشمّر في الذبّ عنه تشميرا نبا فيه سمعه عن المصانعة، ودهيه عن الجملة، وكفّه عن قبول الأعواض، فلم يلف فيه العدوّ مغمزا، ولا المكيدة معجما، ولا استأثر عنه بشيء ممّا لديه، إلى أن كان انتقال السلطان عنها إلى المغرب، فتبعه مشيّعا إلى مأمنه، فتركها غريبة في الوفاء، شاع خبرها وتعوطي حديثها، على حين نكر المعروف، وجحدت الحقوق، وأخوت بروق الأمل. ثم قلق المتغلّب على الدولة بمكانه، فصرفه إلى العدوة الغربية، فاستقرّت به الدار هنالك، في أوائل عام ثلاثة وستين أو أواخر العام قبله. وخاطبته من مدينة سلا لمكان الودّ الذي بيني وبينه بما نصّه «2» : [مخلع البسيط] يا جملة الفضل والوفاء ... ما بمعاليك من خفاء عندي بالودّ فيك عقد ... صحّفه «3» الدّهر باكتفاء ما كنت أقضي علاك «4» حقّا ... لو جئت مدحا بكلّ فاء فأول وجه القبول عذري ... وجنّب «5» الشّكّ في صفاء الجزء: 4 ¦ الصفحة: 51 سيدي «1» ، الذي هو فضل «2» جنسه، ومزيّة يومه على أمسه، فإن افتخر الدين من الله «3» ببدره افتخر منه بشمسه، رحلت عن «4» المنشإ والقرارة «5» ، ومحلّ الصّبوة والغرارة «6» ، فلم تتعلّق نفسي بذخيرة، ولا عهد حيرة «7» خيرة، كتعلّقها بتلك الذات التي لطفت لطافة الرّاح، واشتملت بالمجد الصّراح، شفقة أن تصيبها معرّة «8» والله تعالى «9» يقيها، ويحفظها ويبقيها، إذ الفضائل في الأزمان الرّذلة غوائل «10» ، والضّدّ منحرف بالطبع ومائل. فلمّا تعرّفت خلاص سيدي من ذلك الوطن، وإلقاءه «11» وراء الفرضة بالعطن، لم تبق لي تعلّة «12» ، ولا أجرضتني «13» علّة، ولا أوتي جمعي من قلّة، فكتبت أهنىء نفسي الثانية بعد هناء نفسي الأولى، وأعترف للزمن «14» باليد الطولى. فالحمد لله الذي جمع الشّمل بعد شتاته، وأحيا الأنس بعد مماته، سبحانه لا مبدّل لكلماته. وإياه أسأل أن يجعل العصمة حظّ سيدي ونصيبه، فلا يستطيع حادث أن يصيبه، وأنا أحدج «15» عن بثّ كمين، ونصح أنابه قمين، بعد أن أسبر غوره، وأخبر طوره، وأرصد دوره، فإن كان له في التّشريق «16» أمل، وفي ركب الحجاز ناقة وجمل، والرأي فيه قد نجحت منه نيّة وعمل، فقد غني عن عوف «17» والبقرات، بأزكى الثمرات، وأطفأ هذه الجمرات، برمي الجمرات، وتأنّس بوصل السّرى ووصال السّراة، وأناله «18» إن رضي مرافق، ولو أغري «19» به خافق. وإن كان على السّكون بناؤه، وانصرف إلى الإقامة اعتناؤه، فأمر له ما بعده، والله يحفظ من الغير «20» سعده. والحقّ أن تحذف الأبهة وتختصر، ويحفظ «21» اللسان الجزء: 4 ¦ الصفحة: 52 ويغضّ «1» البصر، وينخرط في الغمار، ويخلّى عن المضمار، ويجعل من المحظور مداخلة من لا خلاق له، ممّن لا يقبل الله تعالى «2» قوله ولا عمله، فلا يكتم سرّا، ولا يتطرّق «3» من الرّجولة زمرا «4» ، ورفض «5» الصّحبة زمام السلامة، وترك النّجاة علامة. وأمّا حالي فكما «6» علمتم ملازم كنّ «7» ، ومبهوظ «8» تجربة وسنّ، أزجي الأيام، وأروم بعد التفرّق الالتئام، خالي اليد، مالئ «9» القلب والخلد، بفضل الواحد الصّمد، عامل على الرّحلة الحجازية التي أختارها لكم ولنفسي، وآمل في التماس الإعانة عليها يومي بأمسي، أوجب ما قرّرته لكم ما أنتم أعلم به من ودّ قرّرته الأيام والشهور، والخلوص المشهور، وما أطلت في شيء عند قدومي على هذا الباب الكريم إطالتي فيما يختصّ بكم من موالاته، وبذل مجهود القول والعمل في مرضاته. وأما ذكركم في هذه الأوضاع، فهو ممّا يقرّ عين المجادة، والوظيفة التي تنافس «10» فيها أولو السيادة، والله يصل بقاءكم، وييسّر لقاءكم، والسلام. وهذا الفاضل ممن جال فيه لاختيار الإمارة أيام مقامه بالعدوة الغربية؛ لذياع فضله، وكرم خلاله. وقفل إلى الأندلس عند رجوع الدولة، فجنى ثمرة ما أسلفه، وقدّم شيخ الغزاة بمالقة، ثم نقل إلى التي لا فوقها من تقديمه شيخ الغزاة بحضرته منّة لا على ميادين حظوته، مقطعا جانب تجلّته، فبلي الناس على عهد ولايته الفتوح الهنيّة، والنّعم السّنية. ولما قفل السلطان، أيّده الله، من فتح قاعدة جيّان، أصابه مرض، توفي منه في ثالث صفر من عام تسعة وستين وسبعمائة، فتأثّر الناس لفقده، لما بلوه من يمن طائره، وحسن موارده ومصادره. وكان قد صدر له المنشور الكريم، من إملائي، بما ينظر في اسم المؤلف، في آخر هذا الديوان. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 53 علي بن مسعود بن علي بن أحمد بن إبراهيم بن عبد الله ابن مسعود المحاربي «1» الوزير، يكنى أبا الحسن. حاله: كان من أعيان أهل الحضرة، وذوي الهيئات والنباهة من بيوتاتها، أيّدا، حسن الشكل، جهير الصوت، فصيح اللسان ثرثاره، جيد الخطّ، حلو الدّعابة، طيّب النفس، لبقا، ذكيّا، أديبا، فاضلا، لوذعيّا، مدركا. وزر للسلطان أبي الوليد، نزع إليه لمّا دعا إلى نفسه بمالقة من إيالة مخلوعه بعد اصطناعه، وصرف وجهته إلى جهته، فتغلّب على هواه، وأشركه في الوزارة، مع القائد الوزير أبي عبد الله بن أبي الفتح الفهري، وقد مرّ ذكره، فأبرّ عليه بمزيد المعرفة بالأمور الاشتغالية وجماح عنان اللسان والجرأة في أبواب المداخلات الوزارية، فلم يزل يضمّ أذيال الخطّة ويقلّصها عن قسيمه إلى أن لم يبق له منها إلّا الاسم إلى حين وفاته. وفاته: واستمرّت حاله على رسمه من القيام بالوزارة إلى أن فتك بسلطانه قرابته بباب داره كما تقدّم في اسم السلطان أبي الوليد في حرف الألف، فكرّ أدراجه وهاج بالباطشين، وسلّ سيفه يدافع عنه، فمالت إليه الأيدي، وانصرفت إليه الوجوه، وأصيب بجراحات مثخنة، أتى عليه منها جرح دماغي لأيام، وعلى ذلك فلم يبرح من سدّة السلطان، حتى تعجّل ثأره، وشمل السّيف قتلته، وأخذ البيعة لولده. وكانت وفاته في السابع والعشرين لشعبان من عام خمسة وعشرين وسبعمائة. ودفن بباب إلبيرة. وكان الحفل في جنازته عظيما، والثناء عليه كثيرا، والرحمة له مستفيضة. ورثاه شيخنا أبو الحسن بن الجيّاب، رحمه الله بقوله: [الطويل] أيا زفرتي، زيدي ويا عبرتي جودي ... على فاضل الدّنيا على ابن «2» مسعود على الشامخ الأبيات في المجد والعلا ... على السّابق الغايات في البأس والجود على غرّة العصر التي جمعت إلى ... مهابة مرغوب طلاقة مودود على من له في الملك غير منازع ... وزارة ميمون النّقيبة محمود على من إذا عدّ الكرام فإنه ... بواجب حقّ الفضل أوّل معدود الجزء: 4 ¦ الصفحة: 54 ومن كعليّ ذي الشجاعة والرّضا ... لإصراخ مذعور وإيواء مطرود؟ ومن كعليّ ذي السّماحة والنّدى ... لإسباغ إنعام وإنجاز موعود؟ ومن كعليّ للوزارة قائما ... عليها بتصويب عليها وتصعيد؟ ومن كعليّ للإدارة سالكا ... لها نهج تليين مشوب بتشديد؟ ومن كعليّ للسياسة منفذا ... أوامر تنفيذ وأحكام توطيد ومن كعليّ في رضا الله حاكما ... بإنجاد معدوم وإعدام موجود ومن كعليّ واصل الرّحم التي ... تمتّ بتقريب له أو بتبعيد ومسدي الأيادي البيض بدءا وعودة ... مردّدة تمحو دجى الثّوب للسّود «1» أيا كافي السلطان كلّ عظيمة ... بآراء تسديد وأعمال تمهيد ويا حامي الملك المشيد بناؤه ... بصولة محذور وغرّة مقصود ويا كافل الأيتام يجري عليهم ... جراية نعمى بابها غير مسدود ذكرتك في نادي الوزارة صادعا ... بأمر مطاع حكمه غير مردود ذكرتك في صدر الكتيبة قائما ... بخدمة مولّى بعد طاعة معبود ذكرتك في المحراب والليل دامس ... تردّد آي الذّكر أطيب ترديد ودمعك مرفضّ وقلبك واجب ... لخشية يوم بين عينيك مشهود عفاء «2» على الدنيا ولا درّ درّها ... فما جمعها إلّا رهين بتبديد فمهما حلت منها لديك مسرّة ... ففي إثرها فارقب مرارة تنكيد ألهفا على الوجه الجميل معطّرا ... بدار البلى رهين الأساود والدّود وعهدي به مستبشرا ومبشّرا ... بتفريج مكروب وراحة مجهود لأظلمت الدنيا عليّ لفقده ... فها أنا أرعاها بمقلة مرصود وقلّص من ظلّ الرّجاء «3» فراقه ... فظلّ رجائي بعده غير ممدود وكم سبحت فلك المنى في بحارها ... مواخر فاليوم استوت بي على الجود وهوّن عندي كلّ خطب مصابه ... فبعد عليّ لست أبكي لمفقود ولا أدّعي أني وفيت بعهده ... فلم أرع عهدا حين أودى ولم أود فلا يشمت «4» الأعداء إن حان حينه ... فما بالرّدى عار فكل امرئ مود الجزء: 4 ¦ الصفحة: 55 ولا سيما إذ «1» مات ميتة عزّة ... بعيدا شهيدا ماضيا غير رعديد وفيّا لمولاه مطيعا لربّه ... وقد بطلت ذعرا رقاب الصّناديد فبشرى له أن فاز حيّا وميّتا ... بميتة مفقود وعيشة محسود عليه سلام الله ما ذرّ شارق ... وما صدعت ورقاء في فرع أملود وجادت ثرى اللّحد الزّكي سحائب ... مجدّدة الرّحمى بأحسن تجديد علي بن لب بن محمد بن عبد الملك ابن سعيد العنسي غرناطي، قلعي «2» . حاله: كان ظريفا، مليح الخطّ، حارّ التّندير، عينا من عيون القطر ووزرائه. شعره: حدّث أبو الحسن بن سعيد، قال: تمشينا معا أيام استيلاء النهب والتهدم على معظم ديار مرّاكش بالفتنة المتصلة، قال: فانتهينا إلى قصر من قصور أحد كبرائهم، وقد سجدت حيطانه، وتداعت أركانه، وبقايا النّهب والأصبغة والمقربسات تثير الكمد، ولا تبقي جلدا لأحد، فوجدنا على بعضها مكتوبا بفحم: [الكامل] ولقد مررت على رسوم ديارهم ... فبكيتها والرّبع قاع صفصف وذكرت مجرى الجور في عرصاتهم ... فعلمت أنّ الدهر منهم منصف فتناول أبو الحسن بياضا من بقيّة جيار، وكتب تحتها ما نصّه: [الكامل] لهفي عليهم بعدهم فمثالهم ... بالله قل لي في الورى هل يخلف؟ من ذا يجيب مناديا لوسيلة ... أم من يجير من الزمان ويعطف؟ إن جار فيهم واحد من جملة ... كم كان فيهم من كريم ينصف وفاته: توفي بمراكش سنة سبع وعشرين وستمائة. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 56 علي بن يوسف بن محمد بن كماشة «1» القائد والوزير بين القتادة والخرط، يكنى أبا الحسن. أوليته: كان جدّه من المنتزين ببعض حصون الأندلس، طلياطة «2» ، وخدم طاغية الروم ببعضها، وانخرط في جملته، يشهد بذلك مكتوبات تلقّاها بشماله ووراء ظهره، صانها حافده المترجم به في خرقة من السّرق لا يزال يعرضها في سبيل الفخر على من يصل إلى باب السلطان من رسل الرّوم. ولقد عرضها أيام سفارته إلى ملك قشتالة على وزيره شمويل اللبي اليهودي، وطلب تجديدها، فقال له: هذا يتضمن خدمة جدّك للسلطان مولاي جدّ مولاي السلطان بجملة من بلاد المسلمين، وفيها الشّكر له والرّعاية على ذلك، فاذهب أنت هذا المذهب الذي ذهبه جدّك، يتجدّد لك ذلك إن شاء الله، فلمّا هلك ووري بين مدافن الروم، بعد أن علّق زمانا من سور الحصن في وعاء، توفية لشرط لا أحقّقه الآن. ولحق ولده بباب السلطان، فتفيّأوا ظلّ كفالته، ونشأوا في عداد صبيته. ولمّا صلحوا للاستعمال، استخدم منهم عليّا كبيرهم في العمل، فاستظهر به على حفزه بحمى ألمرية وما إليها، فأثرى وراه استغنى، وطالت مدّة ولايته، واستعمل أخاه يوسف والد المترجم به، في القيادة، وكان رجلا مضعوفا، فاستمرّت حاله إلى أن فقد بصره، جنى عليه شؤم ولده الجلا شيخا زمنا. ثم عاد إلى الأندلس فتوفي بها، حسبما يذكر في اسميهما. وكانوا يتبجّحون بنسبه إلى معن بن زائدة؛ طوّق جدّهم بتلك النسبة، بعض أولي التّنفق والكدية، فتعلّلوا منها بنسيج العناكب، وأكذبوها بالخلق الممقوت، والبخل بفتات القوت، والتعبّد لعبدة الطّاغوت إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقاكُمْ «3» . حاله: هذا الرجل حسن الشكل، كثير الهشّة، جيّد الرّياش، كثير التعلّق والتّوسل، لصقت بشجرات الدول صمغته، وثبت بأسبابها قراده، شديد الملاطفة لحجبة الأبواب، والمداخلة لأذيال الأمراء، متصامم على أغراضهم، مكذّب لمحسوس جفوتهم، متنفّق بالسّعاية، متبذّل في أسواق الخدمة، يسبق في الطيالس، ويلفظ الزّبير، ويصرخ بالإطراء، ويولول بالدعاء، مدلّ في الأخونة، محكم في نفسه الجزء: 4 ¦ الصفحة: 57 للنّادرة التي تضحكهم، بذي مهذار، قليل التصنّع، بعيد عن التّسمت، أطمع خلق الله وأبخلهم بما لديه، وأبعدهم في مهاوي الخسّة. أما فلسه، فمخزون، وأمّا خوانه، فمحجوب، وأمّا زاده، فممنوع محجور، وأمّا رفده، فمعدوم العين والأثر. وأمّا ثوبه، فحبيس التّحت إلى يوم القيامة، قد جعل لكل فصل من فصول معاشه، ونفاضة مخاليه، وسور دوابه مؤنة ما. فالنّخالة بينة المصرف، وللسرجين معين الجهة، وفتات المنديل موقفة على فطور الغد، ودهن الاستصباح جار في التّجلة والادخار مجرى دهن البلسان. أخباره: في هذا الباب مغربة، ولزمت كعبة المنحسة، وعلق في عنقه طائر الشّؤم، فلم تنجح له وجهة، ولا سعدت له حركة، واستقرّ عند الكائنة على الدولة، بباب السلطان بالمغرب، خاطبا في حبل الغادر، المتوثّب على الملك، ومعينا للدهر على الأحبّ الحقّ ووليّ النّعمة. ثم بدا له في المقام بالمغرب أمنا واضطرابا. ولمّا رحل السلطان أبو عبد الله بن نصر «1» المذكور إلى طلب حقه، وقد أعتبه، سدّد به رسم الوزارة في طريقه، كما اضطرّ صياد إلى صحبة كلب مخابت آماله، ولحقت به المشأمة، وتبر الجدّ، واشتهر ذلك، فعلقت به الشّفقة، إلى أن خاطب السلطان بعض من يهمّه أمره بهذه الأبيات: [الطويل] كماشكم من أجله انكمش السّعد ... إذا ما اطّرحتم شؤمه نجز الوعد ومن لم تكن للسّعد في بدء أمره ... مخيلة نجح، كيف ترجى له بعد؟ وتصريفه المشؤوم فلتتذكّروا ... وما قلت إلّا بالتي علمت سعد واقتضى أمره تبرّما به أن صرف من رندة، وقد استقرّ أمره بها رسولا إلى باب ملك المغرب؛ لأمور منها استخلاص ولده وإيصاله إليه، فتعذّر القصد، وسدّت الأبواب، وأزفت بدار المغرب عهد بذّ الآزفة، وتراخى مخنّق مرسله لخلو دسته منه، فثاب الرّجاء وقرب الفتح، وساعد السّعد بما طال منه التّعجب. ولمّا بلغ خبر صنع الله، وإفاقة الأيام، وجبر الله السلطان بدخول مالقة في طاعته، لحق به، وقد قلقت به الجوانب، وتنكّرت الوجوه، وساءت لطيرته الظّنون، فتوفّر العزم على صرفه عن الأندلس في أوليات رمضان عام ثلاثة وستين وسبعمائة، فقبض عليه، وصرف إلى البلاد الشرقية، وقد شرع في إغراء سلطان قشتالة بالمسلمين، وكان آخر العهد به، الجزء: 4 ¦ الصفحة: 58 وذكروا أنه حجّ وقفل والعودة تتبعه، والنفوس لمتوقّع شؤمه مكرهة. ورجي أن يكون ماء زمزم وضوء النقع، أو أنّ مشاهدته الآثار الكريمة تصلح ما فسد من حاله، فآب شرّ إياب، وربما نبض له شريان من جدّه الذي تقدم في خدمة النصارى ذكره، فأجاز البحر إلى ملك برجلونة، فجعل تقبيل كفّه لاستلام الحجر الأسود وسيلة ثانية وقربة مزلفة، والقول بفضل وطنه حجّة صادقة، ثم قلق لخيبة قصده، وخلوّ يده من الزّقوم الذي كان قد احتجنه للمهمّ من أمره، واستيلاء النّحس على بيت سعده، فصرف وجهه المشؤوم إلى المغرب، فاحتلّ به، وجعل يطوق كل من أسلف له بداء الذّام، ويشيع عنه سوء القيلة، ويجهر في المجتمعات والدّكاكين بكل شنيع من القول، بالغا في ألفاظ السّغيلة أقصى مبالغ الفحش، لطف الله بنا أجمعين. عثمان بن إدريس بن عبد الله بن عبد الحق بن محيو «1» من قبيل بني مرين، يكنى أبا سعيد، شيخ الغزاة بجزيرة الأندلس على عهده. أوليتهم: جدّ هؤلاء الأقيال الكرام، الذي يشترك فيه الملوك الغرّ من بني مرين بالعدوة، مع هؤلاء القرابة، المنتبين عنهم أضرار التّراث، ودواعي المنافسات، عبد «2» الحق بن محيو. وكان له من الولد إدريس وعثمان وعبد الله ومحمد وأبو يحيى ويعقوب، فكان الملوك بالمغرب من ولد يعقوب، وهؤلاء من ولد عبد الله وإدريس ويعقوب ورحّو. ولمّا قتل جدّهم يعقوب بيد ابن عمّه عبد الحق بن يعقوب، أجفل أخواه ومن معهم، وانتبذوا، واستقرّوا بتلمسان، بعد أمور يطول شرحها. ثم اجتاز الشيخ أبو سعيد في جملة من اجتاز منهم إلى الأندلس، فنال بها العزّة والشّهرة. حاله: كان رجل وقته جلالة وأصالة، ودهاء وشهرة وبسالة، مرمى لاختيار عتاقة وفراهة، واحد الزّمن أبّهة ورواء، وخلقا ورجاحة، أيّدا، عظيم الكراديس، طوالا، عريض المنكب، أقنى الأنف، تقع العين منه على أسد عيص، وفحل هجمة، بعيد الصيت، ذائع الشهرة، منجب الولد، يحمي السّرح، ويزين الدّست. لحق بتلمسان مع زوج أمّه وعمّه، موسى بن رحّو، عندما فرّوا من الجبل بأحواز وزغة، شابا كما اجتمع، وأجاز البحر منها، وخدم مرتزقا بها. ثم عاد إلى العدوة برضا من الجزء: 4 ¦ الصفحة: 59 عمه السلطان بها. ثم فرّ عنه ولحق بالأندلس، واستقرّ بها، وولّي خطّة الشّياخة العامة، وهي ما هي، من سموّ الهضبة، وورود الرّزق، وانفساح الإقطاع، فشارك، وتبنّك النّعيم، وأقبل ما استظهر به على ما وراء مدينة سبتة، عند انتظامها في الإيالة النّصرية، فشنّ الغارة، ودعا إلى نفسه، وخلا فطلب النّزال، فغلبت غارته أحواز وادي سبو. ثم رجع أدراجه إلى الأندلس، وذمّر السلطان أبا الوليد، منفق حظوته على طلب الملك، ففازت به قداحه، واستولى على الجمّ من ريق دنياه، وسلّ الكثير من ماله وذخيرته في أبواب من العبادة، والاسترضاء والاستهداء. ولمّا توفي، تضاعف لطف محلّه من ولده، إلى أن ساء ما بينه وبين مدبّر أمره ابن المحروق، ونفر عنه، مؤاخذا بألقيات كانت سلّما إلى تجنّيه، يحسب أن الافتقار إليه يعبّد له كل وعث، فاغتنم المذكور نفرته، واستبصر في الانتباذ عنه، مطيعا دواعي الخور والرّهبة، من شؤوب حاله. وأجلى الأمير عن رحيله وولده إلى ساحل ألمريّة، موادعا، مزمعا الرحيل عن الأندلس. وارتاد الجهات، وراسل الملوك بالعدوة، فكلّ صمّ عن ندائه، وسدّ السبيل إليه، فداخل قوما من مشيخة حصن أندرش حاضرة وطن الجباية، فاستولى عليه، وانتقل إليه بجملته، وراسل الطّاغية، فتحرّك إلى منازلة حصن وبرة من الحصون التاكرونيّة، ففازت به قداحه، واستدعي عمّ السلطان، وهو الرئيس أبو عبد الله بن فرج بن نصر، من تلمسان، فدعا إليه، وشملت الفتنة، وكانت بينه وبين جيش الحضرة وقائع تناصف فيها القوم خطّتي المساجلة إلى أن نفد صبره وماله، وسمت فتنته الدولة، واقتضت مسالمته المصلحة، فعوهد على التخلّي عن الحصن، وصرف أميره إلى متبوّئه الأقصى، وانتقاله إلى مدينة وادي آش؛ ليكون سكنه بها تحت جرايات مقدّرة، وذلك في شهر رمضان ثمانية وعشرين وسبعمائة، وعلى تفيئة ذلك، عدا على مناوءة أميره، ففتك به، واستقدم الشيخ أبا سعيد فأعاده إلى محلّه، واستمرّت على ذلك حياته إلى مدة حياته، إلى أن توفي في أخريات أيامه. وفاته: ولمّا نزل العدوّ ثغر أطيبة، ونهض جيش المسلمين إلى مضايقته، أصابه المرض. ولمّا أشفى «1» نقل «2» إلى مالقة، فكانت بها وفاته يوم الأحد ثاني ذي حجة من عام ثلاثين وسبعمائة عن سنّ عاليه تنيف على الثمانين سنة، ونقل إلى غرناطة، فووري بها، وبنيت عليه بنية ضخمة، وصار أمره إلى ولده. ونقش على قبره في الرخام: الجزء: 4 ¦ الصفحة: 60 «هذا «1» قبر شيخ الحماة، وصدر الأبطال الكماة، واحد الجلالة، ليث الإقدام والبسالة، علم الأعلام، حامي ذمار الإسلام، صاحب الكتائب المنصورة، والأفعال المشهورة، والمغازي المسطورة، وإمام الصفوف، القائم بباب «الجنّة تحت ظلال السيوف» ، سيف الجهاد، وقاصم الأعاد، وأسد الآساد، العالي الهمم، الثابت القدم، الإمام «2» المجاهد الأرضى، البطل الباسل الأمضى، المقدّم «3» ، المرحوم، أبي سعيد عثمان، ابن الشيخ الجليل، الإمام «4» الكبير، الأصيل الشهير، المقدّس، المرحوم أبي العلاء إدريس بن عبد الله بن عبد الحق. كان عمره ثمانيا وسبعين «5» سنة، أنفقه ما بين روحة في سبيل الله، وغدوة، حتى استوفى في المشهور سبعمائة واثنتين وثلاثين غزوة، وقطع عمره جاهدا مجاهدا «6» في طاعة الرّب، محتسبا في إدارة الحرب، ماضي العزائم في جهاد الكفار، مصادما [بين جموعهم] «7» من تدفّق التيار، وصنع الله له فيهم من الصّنائع الكبار، ما صار «8» ذكره في الأقطار، أشهر من المثل السّيّار، حتى توفي، رحمه الله، وغبار الجهاد طيّ أثوابه، وهو مراقب لطاغية الكفار وأحزابه، فمات على ما عاش عليه، وفي ملحمة الجهاد قبضه الله إليه، واستأثر به سعيدا مرتضى، وسيفه على رأس ملك الروم منتضى، مقدّمة قبول وإسعاد، ونتيجة جهاد وجلاد، ودليلا عن نيّته الصالحة، وتجارته الرابحة، فارتجّت الأندلس لفقده «9» ، أتحفه الله رحمة من عنده، توفي يوم الأحد الثاني لذي الحجة من عام ثلاثين وسبعمائة» . القضاة الأصليون عتيق بن أحمد بن محمد بن يحيى الغساني «10» غرناطي، يكنى أبا بكر، ويعرف بابن الفرّاء، ويعرف عقبه ببني الوادي آشي، وقد مرّ ذكر ولده أبي الفرج، وينبز بقرنيّات. حاله: حدّثني أبي، رضي الله عنه، وكان صديقا لأبيه، أنّه كان من أهل الجلالة والفضل، حسن السّمت، عظيم الوقار، جميل الرّواء، فاضلا، حسن العشرة. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 61 وقال القاضي ابن عبد الملك «1» : كان جامعا لفنون من المعارف، معروف الفضل «2» في كل ما يتناول «3» من الأمور العلمية، وقيّد كثيرا، وعني بالعلم العناية التامة، واستقضي بالمنكّب، وعرف في «4» ذلك بالعدالة والنّزاهة. تواليفه: صنّف «5» «نزهة الأبصار، في نسب الأنصار» ، و «نظم الحليّ، في أرجوزة أبي عليّ» ، يعني ابن سينا «6» . شعره: قال: ومما نظمته ووجّهته به صحبة رسالتين: [الكامل] يا راكبا يبغي الجناب الأشرفا ... ومناه أن يلقى الكريم المسعفا عرّج بطيبة مرّة لترى بها ... علمي قبول رحمة وتعطّفا وإذا حللت بها فقبّل تربها ... وارغب جلالهم عسى أن يسعفا وأسل دموعك رغبة وتضرّعا ... وأطل بها عند التضرّع موقفا واذكر ذنوبك واعترف بعظيمها ... فعسى الذي ترجو له أن يعطفا واجعل شفيعك إن قصدت عناية ... قبرا تقدّس تربة وتشرّفا قبر تضمّن نور هدي واضحا ... لم يحتجب عن مبصريه ولا اختفى قبر حوى النّور المبين ونوره ... يهدي به سبل السّلام من اقتفى قبر به للهاشميّ «7» محمد ... أبهى الأنام سنا وأوفى من وفى خير الورى علم التّقى شمس الهدى ... للمنتقى «8» والمجتبى والمصطفى سلّم عليه وخصّه بتحيّة ... واقرأ عليه من السلام مضاعفا واذكر، هديت، أخا البطالة، عمره ... هيهات «9» كم نقض العهود وأخلفا! ولكم تيقّن بالدليل فما له ... ركب العناد لجاجة وتعسّفا؟ وعصى فأسلم للقطيعة والجوى ... حقّ على من خان أو لا يعرفا هل للعفو تنفّح نحوه «10» ... يوما فيضحى بالرّضا متعرّفا؟ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 62 وأعد حديث مشوق قلب عنده ... من لم يذب شوقا له ما أنصفا أخبره عن حبّي وطول تشوّقي ... تفديك «1» نفسي مخبرا ومعرّفا وتشكّ من جاء الإله «2» فإنّ لي ... نفسا تسوّفني المتاب تسوّفا مولده: بغرناطة في ذي حجة خمس وثلاثين وستمائة. وفاته: ذكر أنه كان حيّا سنة خمس وثمانين وستمائة «3» . علي بن محمد بن توبة «4» يكنى أبا الحسن. حاله: كان من العلماء الجلّة الفقهاء الفضلاء. ولّي قضاء غرناطة لباديس بن حبّوس، وعلى يديه كان عمل منبر جامعها، وكان عمله في شهر ربيع الأول سنة سبع وأربعين وأربعمائة. وكان من قضاة العدل، وإليه تنسب قنطرة القاضي بغرناطة والمسجد المتصل بها في قبلتها. وكان كاتبه الزاهد أبا إسحاق الإلبيري، وفيه يقول: [الخفيف] بعلي ابن «5» توبة فاز قدحي ... وسمت همّتي على الجوزاء فهنيّا لنا وللدين قاض ... مثله عالم بفضل القضاء يحسم الأمر بالسياسة والعد ... ل كحسم الحسام للأماء لو أنا سيّرناه قال اعترافا ... غلط الواصفون لي بالذكاء لو رأى أحنف وأكبر منه ... حلمه ما انتموا إلى الحلماء أو رأى المنصفون بحر نداه ... جعلوا حاتما من البحر لاء هو أوفى من الشّمول وعهدا «6» ... ولما زال مغرما بالوفاء وحياء «7» المزن وحيّا أخاه ... أهملت كفّه بوبل العطاء الجزء: 4 ¦ الصفحة: 63 يشهد العالمون في كل فنّ ... أنّه «1» كالشهاب في العلماء وقضاة الزمان أرض لديهم ... وهو من فوقهم كمثل السّماء لتعرّضت مدحه فكأنّي ... رمت بحرا مساجلا بالدّلاء فأنا معجم على أنّ خيلي ... لا تجارى في حلبة الشّعراء لكساني محبّرا ثوب فخر ... طال حتى حرّرته من ورائي ولو انصفته «2» وذاك قليل ... كان خدّي لنعله كالحذاء فأنا عبده وذاك فخاري ... وجمالي بين الورى وبهائي وثنائي «3» وقف عليه وشكري ... ودعائي له بطول البقاء علي بن عمر بن محمد بن مشرف بن محمد بن أضحى ابن عبد اللطيف بن الغريب بن يزيد بن الشمر ابن عبد شمس بن الغريب الهمداني «4» والغريب بن يزيد هو أول مولود ولد للعرب اليمانيين بالأندلس، يكنى أبا الحسن. ولي غرناطة، وكان من أهل العلم والفهم، والمشاركة في الطّب، والكفاية الجيدة، والشعر في ذروة همدان، وذوائبهما، حسن الخطّ، كريم النفس، جواد بما يمارى، عطاياه جزلة، ومواهبه سنيّة، وخلقه سهلة، كثير البشاشة، مليح الدّعابة، موطّأ الأكناف، على خلق الأشراف والسادة. مشيخته: روى بألمرية عن القاضي أبي محمد بن سمحون وبه تفقّه، وقرأ الأدب على ابن بقنّة، وعلى الإمام الأستاذ أبي الحسن علي بن أحمد بن الباذش، وسمع الحديث على الحافظ أبي بكر بن غالب بن عبد الرحمن بن عطية وغيره. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 64 شعره: من شعره يخاطب الوزير ابن أبيّ «1» ويعتذر إليه، وكان الفقيه أبو جعفر المذكور قد خاطبه شافعا في بعض الأعيان، فتلقّى شفاعته بالقبول، ثم اعتقد أنه قد جاء مقصّرا، فكتب إليه «2» : [الطويل] ومستشفع عندي بخير الورى عندي ... وأولاهم بالشّكر منّي وبالحمد وصلت فلمّا لم أقم بجزائه ... (لففت له رأسي حياء من المجد) «3» وكتب يخاطب أبا نصر بن عبد الله، وقد كان أبو نصر خاطبه قبل ذلك «4» : [الطويل] أتتني أبا نصر نتيجة خاطر ... سريع كرجع الطّرف في الخطرات فأعربت «5» عن وجد كمين طويته ... بأهيف طاو فاتر اللّحظات غزال أحمّ المقلتين عرفته ... بخيف «6» منّى للحسن «7» أو عرفات رماك فأصمى «8» والقلوب رميّة ... لكلّ كحيل الطّرف ذي فتكات وظنّ بأنّ القلب منك محصّب ... فلبّاك من جنابه «9» بالجمرات تقرّب بالنّسّاك في كلّ منسك ... وضحّى غداة النّحر بالمهجات وكانت له جيّان مثوى فأصبحت ... ضلوعك مثواه بكلّ فلاة «10» يعزّ علينا أن تهيم فتنطوي ... كئيبا «11» على الأشجان والزّفرات فلو قبلت للناس في الحبّ فدية ... فديناك بالأموال والبشرات الجزء: 4 ¦ الصفحة: 65 وخاطب أحد أوليائه شافعا في رجل طلّق امرأته، ثم علقت بها نفسه، فلم تسعفه، وكتب إليه «1» : [المتقارب] ألا أيها السّيّد المجتبى ... ويا أيها الألمعيّ العلم أتتني أبياتك المعجزات «2» ... بما قد حوت من بديع الحكم ولم أر من قبلها بابلا «3» ... وقد نفثت سحرها في الكلم ولكنه الدّين لا يشترى ... بنثر ولا بنظام نظم وكيف أبيح حمى مانعا ... وكيف أحلّل ما قد حرم ألست أخاف عقاب الإله ... ونارا مؤجّجة تضطرم؟ أأصرفها طالقة «4» بتّة ... على أنوك «5» قد طغى «6» واجترم؟ ولو أنّ ذلك «7» الغبيّ الخمول «8» ... تثبّت في أمري «9» ما ندم ولكنه طاش مستعجلا ... فكان أحقّ الورى بالنّدم ومن شعره أيضا قوله رحمه الله: [الخفيف] يا عليما بمضمرات القلوب ... أنا عبد مثقّل بالذنوب فاعف عني وتب عليّ وفرّج ... ما أنا فيه من أليم الكروب حالما أشتكي سواك طبيب ... كيف أشجى به وأنت طبيبي «10» ؟ أنا ممن دعا قريب مجيب ... فأرح ما بمهجتي عن قريب تواليفه: قال أبو القاسم بن خلف الغافقي: حدّثني عنه الفقيه أبو خالد بن يزيد بن محمد وغيره بتواليف، منها كتاب «قوت النفوس» ، «وأنس الجليس» وهو كتاب حسن، ضمن فيه كثيرا من شمائل النبيّ عليه الصلاة والسلام. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 66 وفاته: توفي بغرناطة في سنة أربعين وخمسمائة، وهو يحاصر الملثمين «1» بقصبة غرناطة حسبما ثبت في اسم ابن هود أحمد. ومن الطارئين والغرباء عثمان بن يحيى بن محمد بن منظور القيسي «2» من أهل مالقة، يكنى أبا عمرو» ، ويعرف بابن منظور، الأستاذ القاضي، من بيت بني منظور الإشبيليين، أحد بيوت الأندلس المعمور بالنباهة. حاله: كان «4» ، رحمه الله، صدرا في علماء بلده، أستاذا ممتعا، من أهل النظر والاجتهاد «5» والتحقيق، ثاقب الذهن، أصيل البحث، مضطلعا بالمشكلات، مشاركا «6» في فنون، من فقه وعربية، برز فيهما، إلى أصول وقراءات وطب ومنطق. قرأ كثيرا، ثم تلاحق بالشادين «7» ، ثم غبّر في وجوه السوابق. قرأ على الأستاذ أبي «8» عبد الله بن الفخار، ولازم الأستاذ أبا محمد بن أبي «9» السداد الباهلي، وتزوج ابنة «10» الفقيه أبي علي بن الحسن، فاستقرّت عنده كتب والدها، فاستعان بها على العلم والتبحّر في المسائل. وقيّد بخطّه الكثير، واجتهد، وصنّف، وأقرأ ببلده، متحرّفا «11» بصناعة التوثيق، فعظم به الانتفاع. وقعد للتدريس خلفا للراوية أبي عثمان بن عيسى في شوال عام تسعة وسبعمائة. وولي القضاء ببلّش «12» وقمارش، الجزء: 4 ¦ الصفحة: 67 وملتماس، ثم ببلده مالقة. وتوفي «1» قاضيا بها. لقيته وانتفعت بلقائه، وبلوت منه أحسن الناس خلقا، وأعذبهم فكاهة. شعره: وكان قليلا ما يصدر عنه، كتب على ظهر الكتاب الذي ألّفه للوزير أبي بكر بن ذي الوزارتين أبي عبد الله بن الحكيم، مقتديا بغيره من الأعلام في زمانه «2» : [السريع] قد جمع الحكم وفصل الخطاب ... ما ضمّه مجموع هذا الكتاب من أدب غضّ ومن علية ... تسابقوا للخير في كلّ باب فجاء فذّا في العلى والنّهى ... ومنتقى صفو لباب اللّباب ألّفه الحبر الجليل الذي ... حاز العلا إرثا وكسبا فطاب تواليفه: ألّف كتاب «اللّمع الجدلية في كيفية التحدث في علم العربية» . وله تقييد في الفرائض، حسن سمّاه، «بغية المباحث في معرفة مقدمات الموارث» ، وآخر في المسح على الأنماق الأندلسي. وفاته: توفي يوم الثلاثاء الخامس والعشرين لذي حجة من عام خمسة وثلاثين وسبعمائة، ولم يخلف بعده مثله. علي بن أحمد بن الحسن المذحجي من أهل حصن ملتماس «3» ، وابن وزيره الفقيه الحافظ القاضي، يكنى أبا الحسن، ويعرف بجدّه. حاله: من أولي الأصالة والصّيانة والتعفّف، والعكوف على الخير، والآوين إلى طعمة متوارثة، ونباهة قديمة، صنّاع اليد، متقن لكل ما يحاوله من تسعير ونجارة، مبذول المودّة، مطعم للطعام بدار له معدّة للضّيفان من فضلاء من تطويه الطريق، ويغشاه من أبناء السبيل. ولي قضاء بلده في نحو عشرين سنة، فحمدت سيرته، ثم ولي قضاء مالقة فظهرت دربته ومعرفته بالأحكام، فأعفي وعاد إلى ما كان بسبيله من القضاء بموضعه والخطابة. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 68 مشيخته: قرأ على الشيخين الصالحين؛ أبي جعفر بن الزيات، وأبي عبد الله بن الكماد ببلده بلّش، وأخذ عنهما. تواليفه: له أجوبة حسنة في الفقه، وصنّف على كتاب البراذعي تصنيفا حسنا بلغ فيه إلى آخر رزمة البيوع ثلاثة عشر سفرا، واستمرّت على ذلك حاله. وفاته: توفي ببلده بلّش في ... «1» من عام ستة وأربعين وسبعمائة. علي بن عبد الله بن الحسن الجذامي النّباهي المالقي «2» صاحبنا أبو الحسن. أوليته: تنظر فيما تقدم من أهل بيته والمذكورين فيه من سلفه «3» . حاله: هذا الرجل، ولّي قضاء الحضرة، وخطابة جامع السلطان، وعرض له تقزّز فيما يقف عليه من منتخب وصفه، وعدم رضا بما يجتهد فيه من تحليته، فوكلنا التعريف بخصائصه، إلى ما اشتهر من حميدها، تحرّجا مما يجرّ عتبه، أو يثير عدم رضاه. مشيخته: ذكر أنه أخذ عن الشيخ الخطيب أبي بكر الطّنجالي، قريب أبيه، والناظر عليه بعده بوصاته. وكان من أهل الدّراية والرواية، وعن الشيخ الفقيه أبي القاسم محمد بن أحمد الغساني، شهر بابن حفيد الأمين، وقرأ عليه الفقه والقرآن، وسمع عليه، وتلا على الشيخ الأستاذ المقرئ أبي محمد بن أيوب، وسمع عليه الكثير. وهو آخر من حدّث عن أبي بن أبي الأحوص، وعلى الشيخ المقرئ أبي القاسم بن يحيى بن محمد بن درهم، وأخذ عن قريبه القاضي، نسيج وحده أبي بكر عبد الله بن بكر الأشعري. ومن أشياخه صهره القاضي الأستاذ أبو عمرو بن منظور، الجزء: 4 ¦ الصفحة: 69 والأستاذ الحافظ المتكلّم أبو عبد الله القطان، والصّوفي أبو الطاهر محمد بن صفوان، والقاضي الكاتب أبو القاسم محمد البناء. وصحب الشيخ أبا بكر بن الحكيم، ولازمه وروى عنه. ولقي الخطيب المقرئ أبا القاسم بن جزيّ، وأخذ نسبته عن الشيخ أبي القاسم بن عمران. وبرندة عن القاضي المحدّث المقيد أبي الحجاج يوسف المنتشافري. ورحل فلقي بتلمسان عمران أبا موسى المشدالي، وحضر مجلسه، والأخوين الإمامين أبا زيد وأبا موسى ابني الإمام. وبباجة «1» ، أبا العباس أحمد بن الرّباعي، وأبا عبد الله بن هارون. وبتونس أعلاما، كقاضي الجماعة أبي عبد الله بن عبد السلام. قال: ومن خطّه نقلت، وأجازني من أهل المشرق والمغرب، عالم كثير. شعره: قال: نظمت مقطوعتين، موطّئا بهما على البيتين المشهورين. الأولى منهما قولي «2» : [الطويل] بنفسي «3» من غزلان غزوى «4» غزالة «5» ... جمال محيّاها عن النّسك زاجر تصيد بلحظ الطرف من رام صيدها ... ولو أنه النّسر الذي هو طائر معطّرة الأنفاس رائقة الحلى ... هواها بقلبي في المهامه «6» سائر «إذا رمت عنها سلوة قال شافع ... من الحبّ: ميعاد السّلوّ المقابر» والأخرى قولي «7» : [الطويل] وقائلة لمّا رأت شيب لمّتي ... لئن ملت عن سلمى فعذرك ظاهر زمان التّصابي قد مضى لسبيله ... وهل لك بعد الشّيب في الحبّ عاذر؟ فقلت لها: كلّا وإن تلف الفتى ... فما لهواها عند مثلي آخر «ستبقى «8» لها في مضمر القلب والحشا ... سريرة ودّ يوم تبلى السّرائر» الجزء: 4 ¦ الصفحة: 70 وكتب مع شكل يحذو على النّعل الكريم، من شأنه أن يكتب ذلك لكل مزمع سفر «1» : [الطويل] فديتك لا يهدى إليك أجلّ من ... حديث نبيّ الله خاتم رسله ومن ذلك الباب المثال الذي أتى ... به الأثر المأثور في شأن نعله ومن فضله مهما يكن عند حامل ... له نال ما يهواه ساعة حمله ولا سيما إن كان ذا سفر به ... فقد ظفرت يمناه بالأمن كلّه فدونك منه أيها العلم الرّضا ... مثالا كريما لا نظير لمثله ومن ذلك قوله «2» : [البسيط] لا تلجأنّ لمخلوق من الناس ... من يافث كان أصلا أو من الياس «3» وثق بربّك لا تيأس ترى «4» عجبا ... فلا أضرّ على عبد من الياس ومن قوله يمدح السلطان ويصف الإعذار «5» : [البسيط] أبدى لنا من ضروب الحسن أفنانا ... هذا الزمان «6» لمولانا ابن مولانا يقول فيها لطف الله بنا وبه: ولا «7» تحرّك لسانا يا أخا ثقة ... بريم رامة إن وفّى وإن خانا يظلّ ينشر ميت الوجد عن جدث ... من الجفون أو الأحشاء عريانا ثم قال فيها بعد كثير يرجى عفو الله فيه: فما النّسيب بأولى «8» من حديث علا ... عن الإمام ينيل المرء رضوانا يمّمه تحظ بما أملت من أمل» ... يجنيك للسّول أفنانا فأفنانا ومنها في المدح: ملك يخفّ لراجيه بنائله ... على وقار يرى كالعين ثملانا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 71 ملك ينصّ له الآلاء عزته ... على السعادة في الدارين فرقانا العاطر الذّكر ترتاح النفوس له ... تخال فيه لها روحا وريحانا السّاحر المنطق في شتّى العلوم ... إذا سألت منه لوجه الرّشد هانا كسا الزمان ثياب الفضل حتى ... قضا عن منكبي صرفه ظلما وعدوانا وعظّم الشرع حتى أنّ داعيه ... لا يستطيع له المدعوّ عصيانا ومنها في ذكر الإعذار: لله درّك يا مولاي من ملك ... شيّدت بالحق للإسلام بنيانا ولم تبال ببذل المال في غرض ... يعمّ بالفضل ولدانا وبلدانا وقمت في الولد الميمون طائره ... بسنّة الدين إكمالا وإتقانا بدا لنا قمرا «1» ترنو العيون له ... مقلّدا من نطاق المجد شهبانا وقام يسحب أذيال الجمال على ... بساط ملكك بالإعذار جذلانا خجلان بالقصور عن بلوغ مدا ... من العلى بل الحسن منه قد بانا فدته أنفسنا لو كان يقبلها ... منّا وكانت على الإبلال قربانا فيا دما سال عن تقوى فعاد له ... بين الدّماء طهورا طيّبا زانا ولا دليل على الغفلة المعبّر عنها بالسلامة والذهول كقوله: وقمت في الولد الميمون طائره. ومن ذلك قوله يخاطب صاحب العلامة بالمغرب أبا القاسم بن رضوان «2» : [الطويل] لك الله قلبي في هواك رهين ... وروحي عني إن رحلت ظعين ملكت بحكم الفضل كلّي خالصا ... وملكك للحرّ الصّريح يزين فهب لي من نطقي بمقدار ما به ... يترجم سرّ في الفؤاد دفين فقد شملتنا من رضاك ملابس ... وسحّ لدينا «3» من نداك معين أعنت على الدهر الغشوم ولم تزل ... بدنياك في الأمر المهمّ تعين وقصّر من لم تعلم النفس أنه ... خذول إذا خان الزمان يخون الجزء: 4 ¦ الصفحة: 72 وإني بحمد الله عنه لفي غنى ... وحسبي صبر عن سواك يصون أبى لي مجد عن كرام ورثته ... وقوفا بباب للكرام «1» يهين ونفسي «2» سمت فوق السّماكين همّة ... وما كلّ نفس بالهوان تدين ولمّا رأت عيني محيّاك أقسمت ... بأنّك للفعل الجميل ضمين وعاد لها الأنس الذي كان قد مضى ... بريّة إذ شرخ الشّباب خدين «3» بحيث نشأنا لابسين حلى التّقى ... وكلّ بكلّ عند ذاك ضنين أما وسنى تلك الليالي وطيبها ... ووجد غرامي والحديث شجون «4» وفتيان صدق كالشّموس وكالحيا ... حديثهم ما شئت عنه يكون لئن نزحت تلك الدّيار فوجدنا ... عليها له بين الضّلوع أنين إذا مرّ حين زاده الشوق جدّة ... وليس يعاب «5» للرّبوع حنين «6» لقد عبثت أيدي الزمان بجمعنا ... وحان افتراق لم نخله يحين وبعد التقينا في محلّ تغرّب ... وكلّ الذي دون الفراق يهون فقابلت بالفضل الذي أنت أهله ... وما لك في حسن الصنيع قرين وغبت وما غابت مكارمك التي ... على شكرها الرّبّ العظيم يعين يمينا لقد أوليتنا منك نعمة ... تلذّ بها عند العيان عيون ويقصر عنها الوصف إذ هي كلّها ... لها وجه حرّ بالحياء مصون ولمّا قدمت الآن زاد سرورنا ... ومقدمك الأسنى بذاك قمين «7» لأنك أنت الرّوح منّا وكلّنا ... جسوم، فعند البعد كيف تكون ولو كان قدر الحبّ فيك لقاؤنا ... إليك لكنّا باللّزوم ندين ولكن قصدنا راحة المجد دوننا «8» ... فراحته شمل الجميع تصون الجزء: 4 ¦ الصفحة: 73 هنيئا هنيئا أيها العلم الرّضا ... بما لك في طيّ القلوب كمين لك الحسن والإحسان والعلم والتّقى ... فحبّك دنيا للمحبّ ودين وكم لك في دار «1» الخلافة من يد ... أقرّت لها بالصّدق منك مرين وقامت عليها للملوك أدلّة ... فأنت لديها ما حيّيت مكين فلا وجه إلّا وهو بالبشر مقبل «2» ... ولا نطق إلّا عن علاك مبين بقيت لربع الفضل تحمي ذماره «3» ... صحيحا كما قد صحّ منك يقين ودونك يا قطب المعالي بنيّة ... من الفكر عن حال المحبّ تبين أتتك ابن رضوان تمتّ بودّها ... وما لسوى الإغضاء منك ركون فخلّ انتقاد البحث عن هفواتها ... ومهّد لها بالسّمح حيث تكون وخذها على علّاتها فحديثها ... حديث غريب قد عراه سكون ومن شعره قوله في ليلة الميلاد الكريم من قصيدة «4» : [الطويل] خليليّ، مرّا على أرض «5» مأرب ... ولا تعذلاني إنني غير آئب وهي طويلة أثبتت في الرّحلة، فلينظرها هنالك من أراد استيفاء غرضها. نثره: من أمثل ما صدر عنه في غرض غريب، وهو وصف نخلة بإزاء باب الحمراء. ونثره كثير، ولكنا اخترنا له ما اختار لنفسه، وأشاد بشفوفه على أبناء جنسه: يا أيها الأخلّاء الذين لهم الصّنائع، التي تحسدها الغمائم، والبدائع التي تودّها بدلا من أزهارها الكمائم، بقيتم وشملكم جميع، وروض أملكم مريع، والكل منكم للغريب الحسن من حديث المحبّ سميع: [الوافر] بأرض النخل قلبي مستهام ... فكيف يطيب لي عنها المقام؟ لذاك إذا رأيت لها شبها ... أقول وما يصاحبني ملام ألا يا نخلة من ذات عرق ... عليك ورحمة الله السلام فسلّمت يوما تسليم المبرّة، على مدنها الحرّة البرّة، جارة حائط الدار، الواقفة للخدمة كالمنار، على سدّة الجدار، بياض النهار، وسواد الليل المتلفّعة بشعار الجزء: 4 ¦ الصفحة: 74 الوقار، المكفولة الذّيل، أنيسة مشيخة الجماعة، القاطنة من الحمراء العليّة، بباب ابن سماعة، فحين عطفت عليها، وصرفت زمام راحلتي إليها، ووقفت بإزاء فنائها، ولكنها وقوف المشفق من فنائي وفنائها، وقلت لها: كيف حالك أيتها الجارة، السّاكنة بنجدة الحجارة، الواعظة للقريب والبعيد، بمقامها صامتة على الصّعيد: [الطويل] سقاك من الغرّ الغوادي مطيرها ... ولا زلت في خضراء غضّ نظيرها فما أحقّك من باسقة بالتّرحيب، وأقربك من رحمات السّميع المجيب، خلتها اهتزّت عند النّداء اهتزاز السّرور، وتمايلت أكمامها تمايل الثّمل المسرور، ثم قالت لسائلها، بلسان وسائلها، عند مشاهدة مثلي تقول العرب: عينها فرارها، وابن جدّها للناظرين اصفرارها، وجملة بخيّتي، بعد إتمام تحيّتي، أنّ الدهر عجم قناتي، ومسّ الكبر كدّر سناتي، وما عسى أن أبثّ من ثكناتي، وجلّ علاتي من تركيب ذاتي. ولكنّي أجد مع ذلك أنّ وقاري، حسّن لدى الحيّ احتقاري، وكثرة قناعتي، أثمرت إضاعتي، وكمال قدّي، أوجب قدّي، فما أنس م الأشياء، لا أنس عدوان جعسوس «1» ، من لعبوش اليهود أو المجوس، يفحص بمديته عن وريدي، ويحرص على مدّ جريدي، ويجدع كل عام بخنجره أنفي، وكلّما رمت كفّ إذايته عني، كشم كفّ، فلو رأيتم صعصعة أفناني، وسمعتم عند جدم بناني، قعقعة جناني، والدمع لمّا جفاني، يفيض من أجفاني، والجعسوس الخبيث المنحوس قد شدّ ما حدّ بأمراسه، ورفعه لبيعة كفره على راسه، بعد الأمر بوضعه على أسنمة القبور، حسبما ثبت في الحديث المشهور، لحملتكم يا بني سام وحام، على الغيرة وشائج الأرحام، فقد علمتم بنصّ الأثر أني عمّتكم القديمة، وإن لم أكن لذلك بأهل فإني لكم اليوم خديمة، أو من ذرّيّة الفريق الموجب المضروب به المثل يوم السّقيفة، لمن رام من أشراف الأندلس أن يكون إذ ذاك خليفة. وخالة أبي كانت النخلة البرشاء الكبيرة، التي حادثها الأمير عبد الرحمن بالرّصافة «2» القريبة من كورة إلبيرة. فكيف الجزء: 4 ¦ الصفحة: 75 يسهل اليوم عليكم إهمالي، ويجمل لديكم إخمالي، وترك احتمالي، والأيام والحمد لله مساعدة، والملك ملك بني ساعدة؟ فلمّا سمعت عتابها، وعلمت أنها قد شدّت للمناضلة أقتابها، قلت لها: أهلا بك وسهلا، ومهلا عليك أو بهلا، لقد دسع بعيرك، وعادت بالخيبة عيرك. فليست الحقيقة كالمجاز، ولا جلّيقية في النّيّات كالحجاز. هنا جنّات من أعناب مرسلة الذّيول، مكملة الأطناب، قد طاب استيارها، وحمد اختبارها واختيارها، وعذبت عيون أنهارها، وتفتّحت كمائم أزهارها، عن وردها ونرجسها وبهارها، وسرت بطرف محاسنها الرّفاق، حتى قلقت منها الشّام واليمن والعراق. فحين كثر خيرها، سحر بالضّرورة غيرها، وأنت لا كنت يا خشبة، قد صرت من المنال عشبة، وأصبحت نذلي خالفة، ورذلي بالهم تالفة، لا يجتنى بلحك ولا طلعك، ولا يرتجى نفعك، فالأولى قطعك أو قلعك، وإلّا فأين قنوك أو صنوك، أو تمرك أو سبرك؟ هلا أبقيت يا فسيلة على نفسك، وراعيته صلحة جنسك؟ ولقد انتهت بك المحارجة إلى ارتكاب ما لا يجوز، وفي علمك أنّ من أمثال الحكماء كل هالك عجوز. حسبك السّمح لك بالمقام، ما دمت حيّة في هذا المقام. فانقطع كلامها، وارتفع بحكم العجز ملامها. وما كان إلّا أن نقل مقالي، فقال المتكلم بلسان القالي: أنا أتطوّع بالجواب، وعلى الله جزيل الثّواب، ليعلم كلّ سائل، أنّ تفضيل النخل على العنب من المسائل التي لا يسع فيها جحد جاحد، وإن كانا أخوين سقيا بماء واحد. وقد جرى مثل هذا الخطاب بين يدي عمر بن الخطاب، فقيل: يا بني حتمة: أيهما أطيب، الرّطب أم العنب؟ فقال: ليس كالصقر، في رؤوس الرّقل، الراسخات في العقل، المطعمات في المحل، تحفة الصّائم، ونقلة الصّبي القادم، ونزل مريم بنت عمران، والنخلة هي التي مثّل بها المؤمن من الإنسان، ليس كالزّبيب الذي إن أكلته ضرست، وإن تركته غربت، وكفى بهذه الرواية حجّة، لمن أراد سلوك المحجّة. وعلى كل تقدير، فقد لزم التفضيل للنخلة على الكرمة لزوم الصّلة للموصول، والنّصب للمنادى الممطول، والعجز لكتابي المحصّل والمحصول. وكم على ترجيح ذلك من قياس صحيح، ونقل ثابت صريح. قال: واعتذاركم بالمهرمة، عن فعل المكرمة، لأمة في تلك الطّباع كامنة، وسامة للتّلف لا للخلف ضامنة. وذكرتم الثّمرة والبسرة، والوقت ليس بوقت عسرة، فأذكرتم قول القائل، في بعض المسائل: دعنا من تمرتان وبسرتان أو تمرتين وبسرتين، على الوجهين، المتوجّهين في المسلتين، وفي ضمن ذكركم لذلك أدلّة صدق على الجزء: 4 ¦ الصفحة: 76 تطلّع النفس الفقيرة، للأعراض التافهة الحقيرة، والإمامة العظمى، أجلّ عندنا وأسمى، من أن تلحظ بعينها تلك الملاحظ، ولواصل لديها مراتبها وأفكارها ببيانه وتبيانه عمرو بن بحر الجاحظ، إذ هي كافأ الله فضلها ولا قلّص ظلّها كالسّحاب، نجود بغيثها على الآكام والضّراب، ومنابت الشجر من التّراب، فضلا عن الخدمة والأتراب، فليس يضيع مع جميل نظرها ذو نسب، ولا يجهل في أيامها السّعيدة مقدار منتسب إلى حسب. وإن وقعت هفوة صغيرة، أعقبتها حسنة كبيرة، ومنن أثيرة، ونعم كثيرة. ولم لا، وروح أمرها، ومذهب نصرة جمرها، علم السادة للقادة الأكابر، المغرم بجبر كل كسير، وناهيك من به جابر الرازي، ذكر مآثره بعرف أطيب الطّيب، الوزير أبو عبد الله بن الخطيب. والمطلوب منه لهذه الشجرة الثّرما، الغريبة الشّما، التي أصلها ثابت وفرعها في السما، إنما هو يسير بنا، وظهير اعتنا، وخنجر يرما، لعل عباسة أديم دوها أن تذهب، وأكمام كباسة قنوها أن تفضّض بنعيم النضارة ثم تذهّب، ويعود إليها شرخ شبابها، وتستحكم صفرة ثيابها، وخضرة جلبابها، وذلك كله بمنّ اللطيف الخبير، من أسهل العمل على مجد الأمير، وفضل الوزير، إذ هما، دام عزّهما، على بيّنة من أن الإحسان ألقاح، والشكر نتاجه، والثناء إكليل، وهو في الحقيقة تاجه. قال المسلم: ومن يا إخوتي، لعلّي بمعارضة الحافظ أبي علي، ولو أني اشتملت شملة النّضر بن شميل، وأصبحت أفصح من عامر بن الطّفيل، وأخطب من شبيب، وأشعر من حبيب، وجزت من طرق الجدال، منازل نقدة صدور الأبدال. وعلى أنه ما قال إلّا حقّا، فبعدا للمرء وسحقا. ولكني أقسم عليكم بمقدّر الضّيا والحلك، ومسخّر نجوم الفلك، بإصابة الأعراب، وأصحاب الإغراب، وأرباب فنون الإعراب، ألا ما تأمّلتم فصول هذه المقالة، وأفتيتم بما يترجّح فيها لديكم من نسخ أو فسخ أو إجادة أو إقالة، فأنتم علماء الكلام، وزعماء كتائب الأقلام، والمراجعات بين شقاشق الرجال شنشنة معروفة، وطريقة إليها الوجوه في كثير من المخاطبات مصروفة، لا زلتم مذكورين في أهل البيان، مشكورين على بذل الفضل مدى الأحيان. والله سبحانه يجعل التّوفيق حاديكم، ونور العلم هاديكم، ومنه نسل، جلّ اسمه، التطهير من كل معابة، والسّمح فيما تخلّل هذه المقامة من دعابة، والتحية الكريمة مع السلام الطيب المعاد، يعتمد من يقف عليها من الآن إلى يوم المعاد، والرّحمات والمسرات، والبركات والخيرات، من كاتبها علي بن عبد الله بن الحسن، أرشده الله. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 77 المقرئون والعلماء علي بن أحمد بن خلف بن محمد بن الباذش الأنصاري «1» من أهل غرناطة، يكنى أبا الحسن، الشيخ الأستاذ، إمام الفريضة بجامع غرناطة. حاله: من الملّاحي: أوحد زمانه إتقانا ومعرفة ومشاركة في العلوم وانفرادا بعلم العربية. وكان حسن الخطّ، كثير الكتب، ترك منها بخطه كثيرا جدا، مشاركا في الحديث، عالما بأسماء رجاله ونقلته، مع الدّين، والفضل، والزهد، والانقباض عن أهل الدنيا، وترك الملابسة لهم. مشيخته: قرأ على المقرئ بغرناطة أبي القاسم نعم الخلف بن محمد بن يحيى الأنصاري، وأبي علي الصّدفي، وغيرهم ممن يطول ذكرهم. وحدث عنه القاضي أبو الفضل عياض بن موسى، والقاضي أبو محمد بن عطية، والقاضي أبو عبد الله بن عبد الرحيم، والقاضي أبو بكر جابر بن يحيى التّغلبي، والقاضي أبو خالد عبد الله بن أبي زمنين، والقاضي أبو الحسن بن أضحى. تواليفه: ألّف في النحو كتبا كثيرة، منها على كتاب سيبويه، وعلى كتاب المقتضب، وعلى الأصول لابن السّراج، وشرح كتاب الإيضاح، وكلامه على كتاب الجمل لأبي القاسم، وكلامه على الكافي لابن النحاس، مع التنبيه على وهمه في نحو مائة موضع، إلى غير ذلك. شعره: قال أبو القاسم: وله نظم ليس بالكثير. فمن ذلك: [الكامل] أصبحت تقعد بالهوى وتقوم ... وبه تقرّظ معشرا وتديم تعنيك نفسك فاشتغل بصلاحها ... إنني بغير السّقام سقيم «2» وفاته: توفي بغرناطة سنة ثمان وعشرين وخمسمائة، وصلّى عليه إثر صلاة العصر ابنه الأستاذ أبو جعفر، ودفن بمقبرة باب إلبيرة، وازدحم الناس على نعشه، وكانت جنازته حافلة، وتفجّع الناس على قبره. وقبره مشهور، يتبرّك به الناس. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 78 علي بن محمد بن دري المقرئ الفقيه، الخطيب أبو الحسن، الإمام بجامع غرناطة، أصله من طليطلة. حاله: كان من خيار الناس وفضلائهم، وأهل المعرفة منهم، عارفا بإقراء كتاب الله، عزّ وجلّ، والرواية للحديث. أخذ الناس عنه، وكانت عنده مشاركة ومسارعة لقضاء الحوائج، والمشي للإصلاح بين الناس، والإشفاق على المساكين، كثير الصدقة، والسّعي في فداء الأسرى، والوسائط الجميلة في مهمّات الأمور ومشكلاتها. دخل رجل تاجر غريب الميضأة للوضوء، فنسي بها وعاء فيه جملة مال، فتذكّر له، فرجع ولم يجده، فسقط مغشيا عليه، فاجتمع عليه الناس، وهو يقول: مالي، ووافق خروج الأستاذ أبي الحسن المذكور من الجامع، فسأل عنه، فجالس أذنه، فقال: مالك عندي وديعة تركته أنت عندي، وإذا كان بعد صلاة العصر تأخذه. فقام الرجل، فكأنما نشط من عقال، ومشى الخطيب في حينه إلى مشرف غرناطة ابن مالك، فقال له: إني اشتريت لك قصرا في الجنة، بخمسمائة دنير، وأنا الضّامن لذلك، فشكره، وأخبره الخطيب بالقصة، فدفع إليه المال، فدفعه إلى الرجل. وكان الناس لا يتوقّفون له في أمر. مشيخته: روى بطليطلة عن أبي عبد الله المقامي، وعن أبي مسلم الضرير المقرئ، والقاضي أبي الوليد الوقّشي، وأخذ عن أبوي علي الصّدفي والغساني، وعن أبي مروان بن سراج، وابنه سراج. وفاته: توفي بغرناطة في رمضان سنة عشرين وخمسمائة، وصلّى عليه القاضي أبو القاسم بن ورد، ودفن في مقبرة باب إلبيرة، وكانت جنازته حافلة، وتفجّع الناس عليه، وأخلصوا الدعاء له. وممن رثاه أبو عبد الله بن أبي الخصال بقوله: [الطويل] عتاب وما يغني العتاب على الزمن ... وشكوى كما تشكو الرّياح إلى السفن وما رضيت بعد الغضارة أيكة ... نبحت ولكن عالم الكون ممتحن وماذا عليه والسّلامة حظّه ... بأن تتخطاه النّوائب والمحن فليت كريما ينعش الناس «1» خيره ... يعمّر فيها عمره «2» الآن أو حضن الجزء: 4 ¦ الصفحة: 79 ولكنه يمضي كظلّ غمامة ... ويبقى لسمّ سرّه غير مؤتمن يودّ الفتى طول البقاء وطوله ... يورّثه ثكل الأحبّة والبدن وأيّ اغتباط في حياة مرزّءا ... يروح على بثّ ويغدو على شجن زيادته نغص «1» وجدّته بلى ... وراحته كرب وهدنته دخن إذا فوّق السّهم المصيب فقلبه ... ومن صار فيه من أحبّته فنن فيا عجبا للمرء يلتذّ عيشه ... معايش «2» قد لزّت مع الموت في قرن أرى كلّ حيّ للمنيّة حاملا ... فيا ويحه ممّا تحمّل واحتضن إذا زادت الأيام فينا إساءة ... نزيد على علم بما ساء حسن ظنّ ولم أر مثل الموت حقّا كباطل ... وكلّ قباء «3» ليس بالموت مرتهن أإخواننا، لم تبق إلّا تحيّة ... أرقّي «4» بها تلك المعاهد والدّمن أإخواننا، هل تسمعون تحيّتي ... وذو كلم ما تحجب السّرّ والعلن؟ أبا الحسن، خلّد في الجنان منعّما ... جزاء بما أسلفت من سعيك الحسن يطير فؤادي روعة فإذا رأى ... محيّاك في دار الغنا والرّضا سكن وقد كنت ترتاد المواطن إذ نبت ... فبوّأك الرحمن فردوسه وطن وبتّ معنّى بالجلاء فنلته ... وقد كان حاديه يغرّد بالظّعن ولم ترض إلّا الأرض هجرتك التي ... تخيّرها الأولياء على القنن وفي مثلها أنّ الرسول مهاجر «5» ... لسعد وقد واراه أكرم مدفن على أنك المدعوّ من كل بلدة ... هلمّ فإنّا دونك الحجب الجنن «6» سيرضيك من أرضيته في عباده ... وجاهدت فيه بالفروض وبالسّنن ويبقى كما بقيت بعدك أنه ... لهم فلما استهوتهم روعة سكن ويحفظهم حفظ اليتيمين أيّدا ... بوقع جدار قد تداعى وقد وهن أبا الحسن، إنّ المدى، بعد ما بدا، ... طويل، ولا يعتدّ في جنب ما بطن وأسير وجد في فراقك أنه ... سيبقى عليك الوجد ما بقي الزمن الجزء: 4 ¦ الصفحة: 80 سقى الله والسّقيا بكفّيه تربة ... مباركة ضمّتك أسرع ما هتن ولا برحتها ديمة مستهلة ... إذا ركضتها الرّيح قام بها جرن فلا زلت في روض وروح ورحمة ... ومقبرة تترى على ذلك الجنن علي بن عمر بن إبراهيم ابن عبد الله الكناني القيجاطي «1» يكنى أبا الحسن، أصله من بسطة، واستوطن غرناطة، حتى عدّ من أهلها قراءة وإقراء ولزوما. حاله: من «العائد» «2» : أوحد زمانه علما وتخلّقا وتواضعا وتفنّنا. ورد على غرناطة مستدعى عام اثني عشر وسبعمائة، وقعد بمسجدها الأعظم يقرئ فنونا من العلم، من قراءات وفقه وعربية وأدب. وولّي الخطابة، وناب عن بعض القضاة بالحضرة، مشكور المأخذ، حسن السّيرة، عظيم النفع. وقصده الناس، وأخذ عنه البعيد والقريب «3» . وكان أديبا لو ذعيّا، فكها، حلوا، وهو أول أستاذ قرأت عليه القرآن والعربية والأدب، إثر قراءة المكتب. مشيخته: قرأ على أبيه ببلده بسطة القرآن، بالرّوايات السبع، وجمعها في ختمة، وعلى الأستاذ أبي عبد الله بن مساعد الغسّاني. وقرأ بغرناطة القرآن على الأستاذ أبي عبد الله بن مستقور، والأستاذ أبي جعفر الطبّاع، والأستاذ الشهير أبي الحسن بن الضايع، والأستاذ النحوي أبي الحسن الأبّدي، وعلى القاضي أبي عمرو بن الرّندي، والفقيه القاضي أبي علي بن الأحوص، وعلى الفقيه النّسابة أبي جعفر بن مسعدة، والأستاذ العلامة أبي جعفر بن الزبير. ولقي الشيخ الصالح وليّ الله أبا إسحاق بن عبيدس، وحضر مجالسه العامة. وذكر أنه كان يفتتح مجلسه الذي يتكلم فيه بقوله: لا حول ولا قوة إلّا بالله، كنز من كنوز الجنة، رزقنا الله الأدب مع الله، واستعملنا فيما يرضيه، ويرضي رسوله، وجعل حظّنا في الدار الآخرة. ولقي الإمام بجامع بسطة الخطيب الراوية أبا الحسن بن نافع، وغيرهم، وله تواليف في الجزء: 4 ¦ الصفحة: 81 فنون، وشعر، ونثر. فمن شعره قوله «1» : [الكامل] روض المشيب تفتّحت أزهاره ... حتى استبان ثغامه «2» وبهاره ودجى الشباب قد استبان صباحه ... وظلامه قد لاح فيه نهاره فأتى حمام لا يعاف وقوعه ... ومضى غراب «3» لا يخاف مطاره والعمر مثل البدر يرمق «4» حسنه ... حينا ويعقب بعد ذاك سراره ما للإخاء تقلّصت أفياؤه ... ما للصّفاء تكدّرت آثاره والحرّ يصفح إن أخلّ خليله ... والبرّ يسمح إن تجرّأ جاره «5» فتراه يدفع إن تمكن جاهه ... وتراه يرفع «6» إن علا مقداره ولأنت تعلم أنني زمن الصّبا ... ما زلت زندا والحياء سواره والهجر ما بين الأحبّة لم يزل ... ترك الكلام أو السّلام مثاره ولكم تجافى عن جفاء «7» خليله ... فطن وقد ظفرت به أظفاره ولكم أصرّ على التّدابر مدبر ... أفضى إلى ندم به إصراره فأقام كالكسعيّ بان نهاره ... أو كالفرزدق فارقته نواره «8» أنكرتم من حقّ معترف لكم ... بالحقّ ما لا ينبغي إنكاره والشّرع قد منع التقاطع نصّه ... قطعا وقد وردت به «9» أخباره والسّنّ سنّ تورّع وتبرّع ... وتسرّع لتشرّع «10» تختاره الجزء: 4 ¦ الصفحة: 82 ما يومنا من أمسنا قدك «1» اتّئد ... ذهب الشّباب فكيف يبقى عاره؟ هلّا حظرتم أو حذرتم منه ما ... حقّ «2» عليكم حظره وحذاره عجبا لمن يجري هواه لغاية ... محدودة إضماره مضماره يأتي ضحى ما كان يأتيه دجى ... فكأنّه ما شاب منه عذاره فيعدّ ما تفنى «3» به حسناته ... ويعيد ما تبقى به أوزاره فالنفس قد أجرته ملء عنانه «4» ... يشتدّ في مضمارها «5» إحضاره «6» والمرء من إخوانه في جنّة «7» ... بل جنّة تجري بها أنهاره فاليمن «8» قد مدّت إليه يمينه ... واليسر قد شدّت عليه يساره شعر به أشعرت بالنصح الذي ... يهديه «9» من أشعاره إشعاره ولو اختبرتم نقده بمحكّه «10» ... لامتاز بهرجه ولاح «11» نضاره هذا هدى فيه «12» اقتده تنل المنى «13» ... أو أنت في هذا وما تختاره وعليكم مني سلام مثل ما ... أرجت بروض يانع أزهاره ومن شعره في الرّثاء قوله من قصيدة «14» : [الطويل] حمام حمام فوق أيك الأسى تشدو ... تهيج من الأشجان ما أوجد الوجد وذلك شجو في حناجرنا شجى ... وذلك لهو «15» في ضمائرنا جدّ أرى أرجل الأرزاء تشتدّ نحونا ... وأيديها تسعى إلينا فتمتدّ ونحن أولو سهو عن الأمر ما لنا ... سوى أمل إيجابنا عنده جحد الجزء: 4 ¦ الصفحة: 83 فإن خطرت للمرء ذكرى بخاطر ... فتسبيحة «1» السّاهي إذا سمع الرّعد مصاب به قدّت قلوب وأنفس ... لدينا إذا في غيره قطعت برد تلين له الصّمّ الصّلاب وتنهمي ... عيون ويبكي عنده الحجر الصّلد فلا مقلة ترنو ولا أذن تعي ... ولا راحة تعطو ولا قدم تعدو وقد كان يبدو الصّبر منّا تجلّدا ... وهذا مصاب صبرنا فيه لا «2» يبدو مولده: عام خمسين وستمائة. وفاته: توفي بغرناطة ضحى يوم السبت التاسع «3» والعشرين من شهر ذي حجة من عام ثلاثين وسبعمائة، ودفن في عصر اليوم بعد بجبانة باب إلبيرة. وكان الحفل في جنازته عظيما، حضرها السلطان، واحتمل الطلبة نعشه. ومن الطارئين عمر بن عبد المجيد بن عمر الأزدي «4» المعروف بالرّندي، من أهل رندة، يكنى أبا علي «5» . حاله: كان من جملة المقرئين، وجهابذة الأستاذين، مشاركا في فنون، نقّادا، فاضلا. مشيخته: روى «6» عن أبي زيد السّهيلي» ، وعنه أخذ العربية والأدب، وبه تفقّه، وإياه اعتمد. وعن أبي محمد القاسم بن دحمان، وأبي عبد الله بن أبان، وتلا على هؤلاء القراءات بقراءات السّبعة. وعن أبي إسحاق بن قرقول، وأبي عبد الله بن الفخار، وأبي الحسن صالح بن عبد الملك الأوسي، وأبي محمد عبد الحق بن بونه، وأبي عبد الله الحميري الإستجّي، وأبي العباس بن اليتيم، وأبي عبد الله بن مدرك، وأبي القاسم بن حبيش، وأبي عبد الله بن حميد. أخذ عن هؤلاء بمالقة، من أهلها، ومن الواردين عليها. ورحل إلى غرناطة، فأخذ بها عن يزيد بن رفاعة، وابن كوثر، الجزء: 4 ¦ الصفحة: 84 وابن عروس «1» ، وأبي محمد عبد المنعم بن عبد الرحيم بن الفرس، وأبي جعفر بن حكم. وإلى قرطبة، فأخذ بها عن ابن بشكوال، وأبي القاسم المشراط. وإلى إشبيلية، فأخذ بها عن أبي بكر بن الجدّ، وأبي عبد الله بن رزق، وابن خير، وابن صاف. وأخذ بسبتة عن ابن عبيد الله. وبالجزيرة الخضراء عن القاضي أبي جعفر بن عزرة «2» . هؤلاء جملة من أخذ عنهم باللقاء والمشافهة. وأجازه جماعة من أهل المشرق كبيرة، ذكرهم في برنامجه، كالخشوعي، والأرحي، والحرشاني «3» ، وحدّث عن السلفي الحافظ بإجازته العامة. تواليفه: شرح جمل أبي القاسم الزّجاجي، وردّ على ابن خروف، منتصرا بشيخه أبي زيد السهيلي في مسألة نحوية ردّ فيها ابن خروف على السّهيلي، وقيّد فيما جرى بينه وبين الأستاذ أبي محمد القرطبي، جزءا سماه ب «الحقبي، في أغاليط القرطبي» ، لم يخل فيه عن حمل وتعسّف. وألّف برنامجا جامعا. روى عنه أبو عبد الله بن عسكر القاضي، والشيخ أبو عبد الله بن عبيد الأوسي، وأبو عبد الله الطّنجالي، والخطيب ابن أبي ريحانة. مولده: سنة سبع وأربعين وخمسمائة. وفاته: توفي سحر يوم الجمعة الموفي عشرين لشهر ربيع الثاني سنة عشر وستمائة «4» . عثمان بن سعيد بن عثمان بن سعيد الأموي «5» المقرئ، الحافظ المعروف بابن الصّيرفي، قرطبي الأصل، يكنى أبا عمرو، ويشتهر بالدّاني؛ لاستيطانه دانية. ودخل إلبيرة، وقرأ على أبي عبد الله بن أبي زمنين، فوجب ذكره لذلك. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 85 حاله: كان أحد الأئمة الأعلام في علم القرآن، وآياته، وتفسيره، ومعانيه وإعرابه، وجمع في ذلك كله التواليف العجيبة التي يكثر تعدادها، ويطول إيرادها، وله معرفة بالحديث وطرقه، وأسماء رجاله ونقلته. وكان حسن الخطّ، جيد الضبط، آية في الحفظ والعلم، والذكاء والفهم، ديّنا عارفا، ورعا سنيّا. قال المغامي «1» : وكان أبو عمرو مجاب الدعوة. وذكره الحميدي فقال «2» : محدّث مكثر، مقرئ متقدّم. مشيخته: روى «3» عن أبي المطرف عبد الرحمن بن عثمان القشيري بقرطبة، وعن أبي بكر حاتم بن عبد الله البزاز «4» ، وأبي عبد الله محمد بن خليفة، وأحمد بن فتح بن الرّهان «5» ، وأبي بكر بن خليل، ويونس بن عبد الله القاضي، وخلف بن يحيى، وغيرهم. وبإلبيرة عن محمد بن أبي زمنين كثيرا من رواياته وتواليفه. وسمع بأستجّة وبجّانة وسرقسطة «6» من بلاد الثغر. ورحل إلى المشرق «7» ، فلقي «8» أبا الحسن بن أحمد بن مراس العنقي. وسمع بمصر من أبي محمد بن النحاس، وأبي القاسم بن ميسّر، وخلف بن إبراهيم بن خاقان، وفارس بن أحمد، وطاهر بن عبد المنعم، وبالقيروان من أبي الحسن القابسي «9» . وقدم الأندلس فاستوطن دانية. شعره: قال أبو القاسم بن بشكوال: ومما يذكر من شعره قوله «10» : [البسيط] قد قلت إذ ذكروا حال الزمان وما ... يجري «11» على كل من يعزى إلى الأدب الجزء: 4 ¦ الصفحة: 86 لا شيء أبلغ من ذلّ يجرّعه «1» ... أهل الخساسة أهل الدّين والحسب القائمين «2» بما جاء الرسول به ... والمبغضين لأهل الزّيغ والرّيب مولده: قال أبو عمرو «3» : سمعت والدي يقول: إني ولدت سنة إحدى وسبعين وثلاثمائة، وابتدأت طلب العلم بعد خمس وثمانين. وفاته: من خط أبي الحسن المقرئ «4» : يوم الاثنين منتصف شوال سنة أربع وأربعين وأربعمائة بدانية، ودفن عصر اليوم المذكور ببقيعها. ومشى السلطان «5» راجلا أمام نعشه. علي بن أحمد بن سعيد بن حزم بن غالب بن صالح ابن خلف بن معدان بن سفيان بن يزيد «6» الإمام أبو محمد بن حزم. أوليته: أصله من الفرس، وجدّه الأقصى في الإسلام اسمه يزيد، مولى ليزيد بن أبي سفيان. قال أبو مروان بن حيان: وقد كان من عجائبه، انتماؤه في فارس وأتباع أهل بيته، له في ذلك بعد حقبة من الدهر تولّى فيها الوزير، المفضّل في زمانه، الراجح في ميزانه، أحمد بن سعيد بن حزم، لبني أمية أولياء نعمته، لا عن صحة ولاية لهم عليه، فقد عهده الناس مولّد الأرومة من عجم لبلة، جدّه الأدنى حديث عهد بالإسلام، لم يتقدّم لسلفه نباهة. فأبوه أحمد، على الحقيقة، هو الذي بنى بيت نفسه في آخر الدهر برأس رايته، وعمره بالخلال الفاضلة، من الرّجاحة والدّهاء والمعرفة والرجولة والرأي، فأسدى جرثومة شرف لمن نماهم، أغنتهم عن الرسوخ في أولى السابقة، فما من شرف إلّا مسبوق عن خارجته، ولم الجزء: 4 ¦ الصفحة: 87 يكن إلّا كلّا ولا، حتى تخطّى على هذا أوليته لبلة، فارتقى قلعة إصطخر من أرض فارس. فالله أعلم كيف ترقّاها، إذ لم يكن يؤتى من خطل ولا جهالة، بل وصله بها وسع علم، ووشجة رحم معقومة، فلها يستأخر الصلة، فتناهت حاله مع فقهاء عصره إلى ما وصف، وحسابه وحسابهم على الله الذي لا يظلم الناس مثقال ذرّة، عزّت قدرته. حاله: قال الحميدي «1» : كان حافظا، عالما بعلوم الحديث وفقهه، مستنبطا للأحكام من الكتاب والسنّة، متفنّنا في علوم جمّة، عاملا بعلمه، زاهدا في الدنيا بعد الرّئاسة التي كانت له ولأبيه من قبله، في الإدارة «2» وتدبير الممالك، متواضعا، ذا فضائل جمّة. قال: وما «3» رأينا مثله فيما اجتمع له، مع الذكاء وسرعة الحفظ، وكرم النفس والتّديّن. قال أبو مروان بن حيان: كان أبو محمد حامل فنون، من حديث وفقه ونسب، مع المشاركة في كثير من أنواع التعاليم القديمة. وله في ذلك عدة تواليف. وقد مال أولا به النّظر في الفقه إلى رأي أبي عبد الله الشافعي، وناضل عن مذاهبه، وانحرف عن مذهب غيره، حتى وسم به، واستهدف بذلك إلى كثير من الفقهاء، وعيب بالشّذوذ. ثم عدل في الآخر إلى قول أصحاب الظّاهر، مذهب داود بن علي، ومن تبعه من فقهاء الأمصار، فنقحه ونهجه، وجادل عنه، ووضع الكتب في بسطه، وثبت عليه إلى أن مضى بسبيله. وكان يحمل علمه، ويجادل عنه لمن خالفه فيه، على استرسال في طباعه، واستناد إلى العهد الذي أخذه الله على العلماء من عباده، ليبيّنه للناس، ولا يكتمونه، فآل أمره إلى ما عرف. مشيخته: قال «4» : سمع سماعا جمّا، وأول سماعه من أبي عمر أحمد بن محمد بن الجسور قبل الأربعمائة. تواليفه: قال «5» : بلغت تواليفه أربعمائة مجلد. وقال: حمل بعير، فمنها في علم الحديث كتاب كبير سمّاه «الإيصال إلى فهم كتاب «6» الخصال، الجامعة لجمل شرائع الإسلام، في الواجب والحلال والحرام، وسائر الأحكام، على ما أوجبه القرآن والسّنة والإجماع» ؛ أورد فيه أقوال الصحابة والتابعين ومن بعدهم من أئمة المسلمين، الجزء: 4 ¦ الصفحة: 88 وبيان ذلك كله، وتحقيق القول فيه. وله كتاب «الإحكام لأصول الأحكام» في غاية التقصّي وإيراد الحجاج. وكتاب «الفصل في الملل والأهواء والنّحل» . وكتاب «الإجماع ومسائله» على أبواب الفقه. وكتاب «المجلّى والمحلّى» وكتاب «في مراتب العلوم وكيفية طلبها وتعلّق بعضها ببعض» . وكتاب «إظهار تبديل اليهود والنصارى للتوراة والإنجيل، وبيان تناقض ما بأيديهم من ذلك مما لا «1» يحتمل التأويل» . وهذا ممّا سبق إليه، وكتاب «التقريب لحدّ المنطق والمدخل إليه» بالألفاظ العامية والأمثلة الفقهية؛ فإنه سلك في بيانه وإزالة سوء الظنّ عنه، وتكذيب المنحرفين «2» به طريقة لم يسلكها أحد قبله فيما علمنا «3» . شعره: قال» : وكان له في الأدب «5» والشعر نفس واسع، وباع طويل. وما رأيت من يقول الشعر على البديهة أسرع منه. وشعره كثير، وقد جمع على حروف المعجم. ومنه قوله «6» : [الطويل] هل الدّهر إلّا ما عرفنا وأدركنا ... فجائعه تبقى ولذّاته تفنى إذا أمكنت فيه مسرّة ساعة ... تولّت كمرّ الطّرف واستخلفت حزنا إلى تبعات في الحساب «7» وموقف ... نودّ لديه أننا لم نكن كنّا حصلنا على همّ وإثم وحسرة ... وفات الذي كنّا نلذّ «8» به عنّا «9» حنين لما ولّى، وشغل لما «10» أتى ... وغمّ لما يرجى، فعيشك لا يهنا كأنّ «11» الذي كنّا نسرّ بكونه ... إذا حقّقته النّفس لفظ بلا معنى ومن ذلك قوله من قصيدة في الفخر «12» : [الطويل] أنا الشّمس في جوّ العلوم منيرة ... ولكنّ عيبي أنّ مطلعي الغرب الجزء: 4 ¦ الصفحة: 89 ولو أنّني من جانب الشّرق طالع ... لجدّ على ما ضاع من ذكري النّهب ولي نحو أكناف العراق صبابة ... ولا غرو أن يستوحش الكلف الصّبّ فإن ينزل الرحمن رحلي بينهم ... فحينئذ يبدو التأسّف والكرب فكم قائل: أغفلته وهو حاضر ... وأطلب ما عنه تجيء به الكتب هنالك يدري أنّ للبعد قصة ... وأنّ «1» كساد العلم آفته القرب ومنها في الاعتذار عن المدح لنفسه: ولكنّ لي في يوسف خير أسوة ... وليس على من سار «2» سيرته ذنب يقول، وقال الحقّ والصّدق، إنني ... حفيظ عليم، ما على صادق عتب ومن شعره قوله فيما كان يعتقده من المذهب الظاهري «3» : [الطويل] وذي عذل فيمن سباني حسنه ... يطيل ملامي في الهوى ويقول: أفي حسن وجه لاح لم تر غيره ... ولم تدر كيف الجسم أنت قتيل «4» ؟ فقلت له: أسرفت في اللوم ظالما ... وعندي ردّ، لو أردت، طويل «5» ألم تر أنّي ظاهريّ وأنني ... على ما بدا «6» حتى يقوم دليل؟ ومن ذلك قوله «7» : [الطويل] أبن وجه قول الحقّ في نفس سامع ... ودعه فنور الحقّ يسري ويشرق سيؤنسه رفقا فينسى نفاره ... كما نسي القيد الموثّق مطلق الجزء: 4 ¦ الصفحة: 90 ومن ذلك قوله «1» : [الوافر] لئن أصبحت مرتحلا بشخصي «2» ... فروحي «3» عندكم أبدا مقيم ولكن للعيان لطيف معنى ... له «4» طلب «5» المعاينة الكليم وفي المعنى «6» : [الوافر] يقول أخي: شجاك رحيل جسم ... وروحك ما له عنّا رحيل فقلت له المعاين مطمئنّ ... لذا طلب المعاينة الخليل دخوله غرناطة: وصل في جملة الإمام المرتضى، ولمّا جرت عليه الهزيمة واستولى باديس الأمير بغرناطة على محلّته، كان أبو محمد من عداد أسراه مع مثله، إلى أن أطلقه بعد لأي، وخلّصه الله منه. محنته: قال ابن حيان: استهدف إلى فقهاء وقته، فتألّبوا على بغضه، وردّ قوله، وأجمعوا على تضليله، وشنّعوا عليه، وحذّروا سلاطينهم من فتنته، ونهوا أعوامهم عن الدنوّ إليه، والأخذ عنه، فطفق الملوك يقصونه عن قربهم، ويسيّرونه عن بلادهم، إلى أن انتهوا به، منقطع أثره بتربة بلده من بادية لبلة، وبها توفي غير راجع إلى ما أرادوا، به يبثّ علمه فيمن ينتابه بباديته من عامّة المقتبسين منه من أصاغر الطلبة الذين لا يحسّون فيه الملامة بحداثتهم، ويفقّههم ويدرسهم، ولا يدع المثابرة على العلم والمواظبة على التأليف والإكثار من التصنيف حتى كمل من مصنّفاته في فنون العلم وقر بعير، حتى لأحرق بعضها بإشبيلية، وفي ذلك يقول «7» : [الطويل] فإن تحرقوا القرطاس لا تحرقوا الذي ... تضمّنه القرطاس بل هو في صدري يسير معي حيث استقلّت ركائبي ... وينزل إن أنزل ويدفن في قبري الجزء: 4 ¦ الصفحة: 91 مولده: سنة أربع وثمانين وثلاثمائة بقرطبة. وفاته: توفي سنة ست وخمسين وأربعمائة «1» . علي بن إبراهيم بن علي الأنصاري المالقي «2» يكنى أبا الحسن، صاحبنا حفظه الله. حاله: آية الله في الحفظ، وثقوب الذهن، والنجابة في الفنون، وفصاحة الإلقاء، خريج طبعه، وتلميذ نفسه، ومبرز اجتهاده. إمام في العربية، لا يشقّ فيها غباره حفظا وبحثا وتوجيها واطلاعا وعثورا على سقطات الأعلام، ذاكر للغات والآداب، قائم على التفسير، مقصود للفتيا، عاقد للوثيقة، مشارك في الفنون، ينظم وينثر، فلا يعدو الإجادة والسّداد، سليم الصدر، أبيّ النفس، كثير المشاركة، مجدي الصّحبة، بعيد عن التّسمّت. رحل عن بلده مالقة بعد التبريز في العدالة والشهرة بالطلب، واستقرّ بالمغرب، فأقرأ بمدينة أنفا، منوّها به، ثم بسلا، واستوطن بها، رئيس المدرسة بها، مجمهرا بكرسيّها، فارعا بمنبرها بالواردة السلطانية، يفسر كتاب الله بين العشاءين، شرحا كثير العيون، محذوف الفضول، بالغا أقصى مبالغ الفصاحة، مسمعا على المحال النّابية، ويدرس من الغدوات بالمدرسة، دولا في العربية والفقه، أخذه بزمام النبل، مترامية إلى أقصى حدود الاضطلاع. وحضر المناظرة بين يدي السلطان، فاستأثر بشقص «3» من رعيه، وأعجب بقوة جأشه، وأصالة حفظة، فأنمى جراياته، ونوّه به. مشيخته: قرأ ببلده على الأستاذين، علمي القطر؛ القاضي العالم أبي عبد الله ابن تبر، والقاضي النظار أبي عمرو بن منظور. وتلا القرآن على المقرئ أبي محمد بن أيوب. وذاكر بغرناطة إمام العربية أبا عبد الله بن الفخّار ورئيس الكتاب شيخنا أبا الحسن ابن الجيّاب. وبالمغرب كثيرا من أعلامه، كالرئيس أبي محمد الحضرمي، والقاضي أبي عبد الله المقرئ وغيرهما «4» . وهو الآن بحاله الموصوفة قاضيا بشرقي مالقة، وأستاذا بها متكلما، معجز من مفاخر قطره. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 92 شعره: مما يؤثر من شعره منقولا من خطّ صاحبنا أبي الحسن بن الحسن: [البسيط] رحماك رحماك في قلب يقلّبه ... شوق يكاد بلفح الوجد يذهبه هام الفؤاد بمعنى للجمال بدا ... عليك في السّرّ للأرواح أعجبه ولاح منك لذي الإشراف جوهرة ... ألاحت الحسن عمّا كان يحجبه فلو هم الصّحب أن الرّوح تيّمها ... ماضي الجفون برود الثّغر أشنبه يظلّ معتقلا من خوط قامته ... بأسمر غالني منه مؤرّبه وذي فرند يدبّ الموت في شطب ... منه ويوحش في جنح تلهّبه يخاله ذو الصّدا ماء فيبصره ... يودّ في الحال أن لو كان يشربه بالهندوانيّ والذي «1» توشّجه ... وبالصّبابة والأرواح ملعبه كساه سرّ الجمال المحض حلّته ... إذ جاده من نكوب الجود صيّبه وقام يرفل فيها وهي ضافية ... فأقبلت نحوه الأرواح تطلبه هيهات من دونه باب بظاهره ... يجر الفناء «2» وجند الروح يرهبه فمرنا والموت فيه عين عيشته ... فأوج مرقى حياة الروح مرقبه نيدت لوائحه من بحر جوهره ... برقا يغير على الغيران خلّبه وتستعير له روحا مظاهره ... سرّ الجمال بها يبدو تحجّبه بدر وفي أفق الأرواح مطلعه ... مهما أفاقت وإلّا فهي مغربه بخاطر منه سرّ لا يفارقه ... وإن غدا بغرام الشوق يلهبه لي هواه والبعد ينهاني ويصدقني ... في نصحه وصريح الوجد يكذبه سرّ الغرام غريب ليس يعلمه ... إلّا الذي قد غدا يرضيه مغضبه وللصّبابة أقوام وموردهم ... بها من الأنس أحلاه وأعذبه وليس يعرف هذا حقّ معرفة ... إلّا الذي قد تجلّى عنه غيهبه وأبصر الحسن قد لاحت لوائحه ... وغرّ مستبشر الأضواء كوكبه بذات أهيف من سرّ الحياة «3» ... طرس يغالبه طورا فيغلبه الجزء: 4 ¦ الصفحة: 93 وفي لجين الجمال المحض قد فعلت ... فعلا يردّ لها في الحكم مذهبه أروم إعجامه هونا وتطمعني ... فيه النّفاسة والأنفاس تعرفه فمن لمثلي بكتمان ومن نفسي ... أخو بيان مع الساعات يسهبه لبانة السّرّ أن تحظى بمرقبة ... إلى سبيل من الزّلفى تقرّبه تسمو على منكب الجوزاء ذروتها ... عن رقّة بشهود الفرق تسلبه وفي مصافّات سرّ القبض يبسطه ... لدى الوجود الذي قد عزّ مطلبه فيرتقي في مراقي الجمع مختطفا ... إلى المقام الذي إليه «1» بغيته فذاك أعظم ما يرجوه أن سبقت ... عنّا يد نحو باب العزّ تجذبه ومن منظومه في النسيب قوله: [الكامل] لمحمد البرقاء حسن باهر ... كلّ الورى حلف الصّبابة فيه السّحر مفتون بغنج لحاظه ... والشّهد ممزوج بريق «2» فيه فسحره أضنى المتيّم في الهوى ... حتى يكاد سقامه يخفيه ولو انه بالشّهد جاد ورشفه ... لصد لكان من الصّدا يشفيه بصدوده قلبي يقطّع في الهوى ... يا ليته بوصاله رافيه وصدّر كتابا بقوله يخاطبني» : [الوافر] أنسيانا فديتك يا حياتي ... لمن لم ينس «4» حبّك للممات ورجما بالظنون أخا حنين ... إليك رهين «5» شوق وانبتات يمينا بالنهار إذا تجلّى ... وبالقمر المنير وبالآيات «6» لقد أحللت حبّك من فؤادي ... محلّ الروح من بثّ الجهات «7» وشعره بديع، وإدراكه عجيب، وعارضته قوية. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 94 علي بن محمد بن علي بن يوسف الكتامي «1» يكنى أبا الحسن، ويعرف بابن الضّائع، من أهل إشبيلية. حاله: قال الأستاذ أبو جعفر بن الزبير: بلغ «2» الغاية في الفنّ النحوي، وفاق أصحاب الأستاذ أبي علي الشلوبين بأسرهم، وله في مشكلات الكتاب العجائب، وقرأ ببلده أيضا علم الكلام، وأصول الفقه، وكان متقدما في هذه العلوم الثلاثة، متصرّفا فيها. وأما فنّ العربية، وعلم الكلام، فلم يكن في وقته من يقاربه في هذين العلمين. وأما فهمه وتصرفه في كتاب سيبويه، فما أراه يسبقه في ذلك أحد. وله إملاء على طائفة كبيرة من إيضاح الفارسي. وكان له اعتناء كبير بكلام الفارسي على الجملة، وبحسب ذلك استقضى اعتراضات أبي الحسين بن الطراوة على أبي علي بالردّ، واستوفى ما وقع له في ذلك حتى لم يبق بيده شيء على طريقة من الإنصاف ودليل الهدى، لم يسبق إليها، وكذا فعل في رد أبي محمد بن السيد على أبي القاسم الزجّاجي. وكذا فعل في اعتراضات أبي الحسين بن الطراوة على كتاب سيبويه. وكان بالجملة إماما في هذا كله لا يجارى. وأما اختيارات أبي الحسن بن عصفور في مغربه وغير ذلك من تعاليقه وما قيّد في ذلك، فردّ عليه معظمها أو أكثرها. ولم يلق بالأندلس والعدوة، ولا سمعنا بأنبه منه، ممن وقفنا على كلامه أو شاهدناه، ولا رأيت مختلفا عليه من أهل بلده من أترابه، ومن فوقهم. وكان إذا أخذ في فن أتى بعجائب. قال الأستاذ: لازمته، وأخذت عليه كتاب سيبويه في عدة سنين، وأكثر كتاب الإيضاح، وجمل الزجّاجي، إلى غير ذلك، وجميع التلقيحات للسّهروردي، وطائفة كبيرة من إرشاد أبي المعالي، ومن كتاب الأربعين لابن الخطيب، وغير ذلك. مشيخته: أجاز «3» له من أهل بلده الراوية المسنّ أبو الحسن «4» بن السّراج، والقاضي أبو الخطاب بن خليل. ومن غيرهم، القاضي أبو بكر بن محرز، والمقرئ المعمّر أبو بكر الشّماتي المعروف بالشريشي، وأبو عبد الله الأزدي، وأبو عبد الله بن جوبر، وآخرين. وقرأ ببلده، ولازم الأستاذ أبا علي الشلوبين، حتى كمل عليه إيضاح الجزء: 4 ¦ الصفحة: 95 الفارسي، وكتاب سيبويه. وسمع جمل الزجّاجي، وغير ذلك من كتب العربية، ممن كان يقرأ في المجلس، وقرأ عليه طائفة كبيرة من تذكرة الفارسي مما يتعلّق بمسائل الكتاب، بعد أن جرّدها من التذكرة. وبلغ الغاية في الفن النحوي، وفاق أصحاب أبي علي بأسرهم. وفاته: توفي، رحمه الله، في شهر ربيع الآخر «1» من سنة ثمانين وستمائة، وقد قارب التسعين «2» . [قلت: العجب من الشيخ الخطيب، رحمه الله، كيف لا يذكر للمترجم به، رحمه الله، شرحه لجمل الزجّاجي، بل شرحه الصغير والكبير؟ ولم يكن اليوم على الزجّاجي أجدى منها، ولا أنفع، ولا أقلّ فضولا، ولا أفصح عبارة، ولا أوجز خطابة، ولا أجمل إنصافا، ولا أجود نظرا «3» ] . الكتاب والشعراء وأولا الأصليون منهم علي بن محمد بن عبد الحق بن الصباغ العقيلي «4» يكنى أبا الحسن، من أهل غرناطة. حاله: صاحبنا أبو الحسن، من «5» أهل الفضل والسّراوة والرّجولة والجزالة. فذ في الكفاية، ظاهر السذاجة والسلامة، مصعب لأضداده، شديد العصبة «6» لأولي ودّه، في أخلاقه حدّة، وفي لسانه نبالة، أخلّا به، مشتمل على خلال من خطّ بارع، وكتابة حسنة، وشعر جيد، ومشاركة في فقه وأدب ووثيقة، ومحاضرة ممتعة. ناب عن بعض القضاة، وكتب الشروط، وارتسم في ديوان الجند، وكتب عن شيخ الغزاة أبي زكريا يحيى «7» بن عمر على عهده. ثم انصرف إلى العدوة سابع عشر جمادى الأولى من عام ثلاثة «8» وخمسين وسبعمائة، فارتسم في الكتابة السلطانية منوّها به، مستعملا في خدم مجدية، بان غناؤه فيها، وظهرت كفايته. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 96 وجرى ذكره في كتاب التّاج بما نصّه «1» : اللّسن العارف، والنّاقد «2» الجواهر المعاني كما يفعل بالسّكة الصّيارف، الأديب المجيد، الذي تحلّى به للعصر «3» النّحر والجيد، إن أجال جياد براعته فضح فرسان المهارق، وأخجل بين بياض طرسه وسواد نقسه «4» الطّرر تحت المفارق. وإن جلا أبكار أفكاره، وأثار طير البيان «5» من أوكاره، وسلب الرّحيق المفدّم «6» فضل أبكاره «7» ، إلى نفس لا يفارقها ظرف، وهمّة لا يرتدّ إليها طرف، وإباية «8» لا يفلّ لها غرب ولا حرف. وله أدب غضّ، زهره عن «9» مجتنيه مرفضّ «10» . كتبت إليه أنتجز «11» وعده في الالتحاف «12» برائقه، والإمتاع بزهر هواتفه «13» ، وهو قولي «14» : [الكامل] عندي لموعدك افتقار محوج «15» ... وعهودك افتقرت إلى إنجازها والله يعلم فيك صدق مودّتي ... وحقيقة الأشياء غير مجازها فأجابني بقوله: [الكامل] يا مهدي الدّرّ الثمين منظّما ... كلما حلال السّحر في إيجازها أدركت حلبات الأوائل وانيا ... ورددت أولاها على أعجازها أحرزت في المضمار خصل سباقها ... ولأنت أسبقهم إلى إحرازها حلّيت بالسّمطين مني عاطلا ... وبعثت من فكري متات 1» مفازها فلأنجزنّ مواعدي مستعطفا ... فاسمح وبالإغضاء منك مجازها ومن مقطوعاته قوله «17» : [المديد] ليت شعري والهوى أمل ... وأماني الصّبّ لا تقف الجزء: 4 ¦ الصفحة: 97 هل لذاك الوصل مرتجع ... أو لهذا الهجر «1» منصرف؟ ومن ذلك: [الطويل] وظبي سبى «2» بالطّرف والعطف والجيد «3» ... وما حاز من غنج ولين ومن غيد أتيت «4» إليه بالدّنوّ مداعبا ... فقال: أيدنو الظّبي من غابة الأسد؟ وقال من مبدإ قصيدة مطولة فيما يظهر منها «5» : [الطويل] حديث المغاني بعدهنّ شجون ... وأوجه أيام التباعد جون «6» لحا الله أيام الفراق فكم شجت ... وغادرت الجذلان وهو حزين وحيّا ديارا في ربى أغرناطة ... وإنّي بذاك القرب فيه «7» ضنين ليالي أنفقت الشباب مطاوعا ... وعمري لدى البيض الحسان ثمين «8» فأرخصت «9» فيها من شبابي ما غلا ... وغرمي «10» على مال العفاف أمين خليليّ، لا أمر، بأربعها قفا ... فعندي إلى تلك الرّبوع حنين ألم ترياني كلّما ذرّ شارق ... تضاعف عندي عبرة وأنين؟ إذا لم يساعدني أخ منكما فلا ... حدت نحو «11» قرن بعد ذاك أمون أليس عجيبا في البريّة من لنا ... إلى عهد إخوان الزمان «12» ركون؟ فلا تثقن من ذي «13» وفاء بعهده ... فقد أجن السّلسال وهو معين لقلبي «14» عذر في فراق ضلوعه ... وللدمع في ترك الشؤون شؤون ومن ترك الحزم المعين فإنه ... لعان بأيدي الحادثات رهين رعى الله أيامي الوثيق ذمامها ... فإنّ مكاني في الوفاء مكين الجزء: 4 ¦ الصفحة: 98 ولم أر مثل الدهر أمّا عدوّه ... فخبّ وأمّا خلّه فخؤون ولولا أبو عمرو وجود يمينه «1» ... لما كان في عهد الزمان معين ومن شعره قوله «2» : [الكامل] زار الخيال ويا لها من لذّة ... لكنّ لذّات «3» الخيال منام ما زلت ألثم مبسما منظومه ... درّ «4» ومورده الشّهيّ مدام وأضمّ غصن البان من أعطافه ... فأشمّ «5» مسكا فضّ عنه ختام مولده: عام ستة وسبعمائة. وفاته: وتوفي بمدينة فاس، وقد تخلّفه السلطان كاتب ولده، عند وجهته إلى إفريقية، في شوال عام ثمانية وخمسين وسبعمائة، فتوفي في العشرين لرمضان منه. علي بن محمد بن سليمان بن علي بن سليمان ابن حسن الأنصاري «6» من أهل غرناطة، يكنى أبا الحسن، ويعرف بابن الجيّاب، شيخنا ورئيسنا العلّامة البليغ. حاله: من عائد الصّلة: كان، رحمه الله، على ما كان عليه من التفنّن، والإمامة في البلاغة، والأخذ بأطراف الطلب، والاستيلاء على غاية الأدب، صاحب مجاهدة، وملازمة عبادة، على طريقة مثلى من الانقباض والنزاهة، وإيثار التقشف، محبّا في أهل الخير والصلاح، منحاشا إليهم، منافرا عن أضدادهم، شيخ طلبة الأندلس، رواية وتحقيقا، ومشاركة في كثير العلوم، قائما على العربية واللغة، إماما في الفرائض والحساب، عارفا بالقراءات والحديث، متبحرا في الأدب والتاريخ، مشاركا في علم التصوّف، فذّا في المسائل الأدبية البيانية، حامل راية المنظوم والمنثور، والإكثار من ذلك، والاقتدار عليه، جلدا على الخدمة، مغتبطا بالولاية، محافظا على الرّتبة، مراقبا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 99 لو ظائف الأبواب السلطانية، متوقد الذهن، ذلق الجوانب، مشغوفا بالأنس والمفاوضة في الأدب، محسنا للنادرة الظريفة، مليح الدّعابة، غزير الحفظ، غيورا على الخطّة، كثير النشاط إلى المذاكرة، مع استغراق الكلف، وعلو السن. طال به المرض حتى أذهب جواهر بدنه، وعلى ذلك فما اختلّ تميّزه، ولا تغيّر إدراكه. بعثت إليه باكور رمّان، فقال لي من الغد، نعم بالهدنة زمانك، يعني نعمت الهدية رمّانك. فعجب الناس من اجتماع نفسه، وحضور فكره. وهو شيخي الذي نشأت بين يديه وتأدبت به، وورثت خطّته عن رضى منه. كتب عن الدول النصرية نحوا من خمسين سنة أو ما ينيف عليها، متين الجاه، رفيع المكانة، بعيد الصيت، وسفر إلى الملوك، واشتهر بالخير، والحمل على أهل الظلم، وجرى ذكره في التاج بما نصّه «1» : صدر الصّدور الجلّة، وعلم أعلام هذه الملّة، وشيخ الكتابة وبانيها «2» ، وهاصر أفنان البدائع وجانيها، اعتمدته الرياسة، فناء «3» بها على حبل ذراعه، واستعانت به السياسة، فدارت أفلاكها على قطب من شباة يراعه «4» ، فتفيّأ للعناية ظلّا ظليلا، وتعاقبت «5» الدول فلم تر به بديلا، من ندب على علوّه متواضع، وحبر لثدي المعارف راضع، لا تمرّ «6» مذاكرة في فنّ إلّا وله فيه التّبريز، ولا تعرض جواهر الكلام على محاكاة «7» الأفهام إلّا وكلامه الإبريز، حتى أصبح الدهر راويا لإحسانه، وناطقا بلسانه، وغرّب ذكره وشرّق، فأشام «8» وأعرق، وتجاوز البحر الأخضر والخليج الأزرق، إلى نفس هذّبت الآداب شمائلها، وجادت الرياض خمائلها، ومراقبة لربّه، واستباق لروح الله من مهبّه، ودين لا يعجم عوده، ولا تخلف وعوده. وكلّ ما ظهر علينا- معشر «9» بنيه- من شارة تجلى «10» بها العين، الجزء: 4 ¦ الصفحة: 100 أو إشارة كما سبك» اللّجين، فهي إليه منسوبة، وفي حسناته محسوبة، فإنما هي أنفس راضها بآدابه، وأعلقها بأهدابه، وهذّب طباعها، كالشمس تلقي على النجوم شعاعها، والصور الجميلة تترك في الأجسام الصقيلة انطباعها، وما عسى أن أقول «2» في إمام الأئمة، ونور الدياجي المدلهمّة، والمثل السائر في بعد الصيت وعلوّ الهمّة. مشيخته: نقلت من خطه، في بعض ما كتب به إلى من الأشياخ الذين لقيتهم وأجازوني عامة؛ الشيخ الفقيه الخطيب الصالح الصوفي المحقق صاحب الكرامات والمقامات، نسيج وحده، أبو الحسن فضل بن محمد بن علي ابن فضيلة المعافري، قرأت عليه كذا. ومنهم الشيخ الفقيه الأستاذ العالم العلم الكبير، خاتمة المسندين بالمغرب، أبو جعفر أحمد بن إبراهيم بن الزبير الثقفي، نشأت بين يديه، وقرأت عليه كثيرا وسمعت، وأجازني. ومنهم الشيخ الفقيه الخطيب الأستاذ أبو الحسن علي بن أحمد بن محمد بن أحمد بن محمد الخشني البلّوطي، قرأت عليه القرآن العزيز بالقراءات السبع وغير ذلك. ومنهم الشيخ الفقيه الصالح أبو عبد الله محمد بن عياش الخزرجي القرطبي، لقيته بمالقة. ومنهم الشيخ أبو محمد عبد الله بن علي الغساني السعدي الخطيب الصالح، قرأت عليه وسمعت. ومنهم الشيخ العدل أبو الحسن علي بن محمد بن علي بن أحمد بن مستقور الطائي. ومنهم قاضي الجماعة الشيخ الفقيه أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن سعيد العنسي. ومنهم الشيخ الفقيه الخطيب المحدّث الإمام أبو عبد الله محمد بن عمر بن رشيد. ومنهم الشيخ الخطيب أبو جعفر أحمد بن علي الأنصاري الكحيلي. ومنهم الشيخ الخطيب الأستاذ الصالح أبو محمد عبد الواحد بن محمد بن أبي السّداد الأموي الباهلي. ومنهم الشيخ الوزير الحسيب أبو عبد الله محمد بن يحيى بن ربيع الأشعري، والشيخ الخطيب الأستاذ النظار أبو القاسم بن الشّاط، والشيخ الفقيه أبو عبد الله محمد بن مالك بن المرحّل، والشيخ المبارك أبو محمد عبد المولى بن عبد المولى الخولاني. هؤلاء كلهم لقيتهم، وأجازوني إجازة عامة، وأما من أجازني ولم ألقه، فعالم كثير من أهل المغرب والمشرق، منهم أبو العباس بن الغمّاز، قاضي الجماعة بتونس، وأبو عبد الله بن صالح الكناني، خطيب بجاية، والشريف أبو علي الحسن بن طاهر بن أبي الشرف بن رفيع الحسني، وأبو فارس عبد العزيز الهواري، وأبو محمد بن هارون القرطبي، وأبو علي ناصر الدين المشدالي، وغيرهم. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 101 شعره: وشعره كثير مدوّن، جمعته ودونته، يشتمل على الأغراض المتعددة من المعشّرات النبويّات، والقصائد السلطانيات، والإخوانيات، والمقطوعات الأدبيات، والألغاز والأحجيات. فمن ذلك من المعشّرات في حرف الجيم على وجه التبرك «1» : [الطويل] جريئا على الزلّات غير مفكّر ... جبانا على الطاعات غير معرّج جمعت لما يفنى اغترارا بجمعه ... وضيّعت ما يبقى سجيّة أهوج جنونا بدار لا يدوم سرورها ... فدعها سدى ليست بعشّك فادرج «2» جيادك في شأو الضلال سوابق ... تفوت مدّى بين «3» الوجيه وأعوج «4» جهلت سبيل الرشد فاقصد دليله ... تجد دار سعد بابها غير مرتج جناب رسول ساد أولاد آدم ... وقرّب في السّبع الطّباق بمعرج جمال أنار الأرض شرقا ومغربا ... فكلّ سنى من نوره المتبلّج جلا صدأ المرتاب أن سبّح الحصا ... لديه بنطق ليس بالمتلجلج جعلت امتداحي والصلاة عليه لي ... وسائل تحظيني بما أنا أرتج «5» ومن الأغراض الصوفية السلطانية قوله «6» : [الكامل] هات اسقني صرفا بغير مزاج ... واحي «7» التي هي راحتي وعلاجي إن صبّ منها في الزجاجة قطرة ... شفّ الزجاج عن السّنى الوهّاج فإذا «8» الخليع أصاب منها شربة ... حاجاه بالسّرّ المصون محاجي وإذا المريد أصاب منها جرعة ... ناجاه بالحقّ المبين مناج تاهت به في مهمه لا يهتدى ... فيه لتأديب «9» ولا إدلاج يرتاح من طرب بها فكأنها «10» ... غنّته بالأرمال والأهزاج الجزء: 4 ¦ الصفحة: 102 هبّت عليه نفحة قدسيّة ... في فتح «1» باب دائم الإرتاج فإذا انتشى يوما وفيه بقيّة ... سارت به قصدا على المنهاج وإذا تمكّن منه سكر معربد ... فليبصرنّ «2» لمصرع الحلّاج قصرت عبارة فيه عن وجدانه ... فغدا يفيض بمنطق لجلاج أعشاه نور للحقيقة باهر ... فتراه يهبط «3» في الظلام الدّاجي رام الصعود بها لمركز أصله ... فرمت به في بحرها الموّاج فلئن أمدّ برحمة وسعادة ... فليخلصن من بعد طول هياج وليرجعنّ بغنيمة موفورة ... ما شيب عذب شرابها بأجاج «4» ولئن تخطّاه القبول لما جنى ... فليرجعن نكسا على الأدراج ما أنت إلّا درّة مكنونة ... قد أودعت في نطفة أمشاج «5» فاجهد على تخليصها من طبعها ... تعرّج بها في أرفع المعراج واشدد يديك معا على حبل التّقى ... فإن اعتصمت به فأنت النّاجي ولدى العزيز ابسط بساط تذلّل ... وإلى الغنيّ امدد يد المحتاج هذا الطريق له مقدّمتان صا ... دقتان أنتجتا أصحّ نتاج فاجمع إلى ترك الهوى حمل الأذى ... واقنع من الإسهاب بالإدماج حرفان قد جمعا الذي قد سطروا ... من بسط أقوال وطول حجاج والمشرب الأصفى الذي من ذاقه ... فقد اهتدى منه بنور سراج ألا ترى إلّا الحقيقة وحدها ... والكلّ مضطرّ إليها لاجي هذي بدائع حكمة أنشأتها ... بإشارة المولى أبي الحجّاج وسع الأنام بفضله وبعدله ... وبحلمه وبجوده الثّجّاج من آل نصر نخبة الملك الرّضا ... أمن المروّع هم وغيث اللّاجي «6» من آل قيلة ناصري خير الورى ... والخلق بين تخاذل ولجاج «7» الجزء: 4 ¦ الصفحة: 103 ماذا أقول وكلّ قول قاصر ... في وصف بحر زاخر الأمواج منه لباغي العرف درّ فاخر ... ولمن يعادي الدين هول فاجي «1» دامت سعودك في مزيد، والمنى ... تأتيك أفواجا على أفواج ومن الأمداح المطوّلة «2» : [الكامل] لمن المطايا في السّراب سوابحا ... تفلي الفلاة غواديا وروائحا عوج «3» كأمثال القسيّ «4» ضوامر ... يرمين في الآفاق مرمى نازحا أو كالسحاب تسير مثقلة ... حملته «5» من سقيا البطاح دوالحا «6» ركب ييمّم غاية بل آية ... أبدت محيّا الحقّ أبلج واضحا لما دعا داعي الرشاد مردّدا ... لبّوه شوقا والحمام هوادحا فلهم عجيج بالبسيطة صاعد ... يذكي بنار الشوق منك جوانحا وإذا حدا الحادي بذكر المصطفى ... أذروا على الأكوار دمعا سابحا عيس تهادى بالمحبّين الألى ... ركبوا من العزم المصمم جامحا طارت بهم أشواقهم سبّاقة ... فتركن أعلام المطيّ روازحا رفقا بهنّ فهنّ خلق مثلكم ... أنضاء أسفار قطعن منادحا قد جين للهادي وهادا جمّة ... وسلكن نحو الأبطحيّ أباطحا ناشدتك الرحمن وافد مكة ... ألّا صرفت إليّ صرفا طامحا وأخا أتيت القبر قبر محمد ... وحمدت سعيا من سفارك ناجحا وذهلت عن هذا الوجود مغيبا ... لما لمحت من الجمال ملامحا فاقرأ سلامي عند قبر المصطفى ... وامسح بيمناك الجدار مصافحا قسما بوفد يزخرون رواحلا ... قطعت سباسبا بلقعا وضحاضحا حتى أناخوا بالمحصّب من منى ... وتأمّلوا النور المبين اللائحا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 104 وتعرّضوا لعوارض عرفيّة هب ... بت بها تلك الرياح لوافحا وآووا إلى الحرم الشريف فطافعا ... بالبيت أوبا لركن منه ماسحا وسقوا به من ماء زمزم شربة ... نالوا بها في الخلد حظّا رابحا ثم انثنوا قصدا إلى دار الهدى ... يتسابقون عزائما وجوارحا فتبوّؤا المغنى الذي بركاته ... فاضت على الآفاق بحرا طافحا ختموا مناسكهم بزورة أحمد ... بختام مسك طاب عرفا نافحا إنّ السماحة والشجاعة والنّدى ... والبأس والعقل الأصيل الراجحا وقف على شمس المعالي يوسف ... أعلى الملوك خواتما وفواتحا فهو الذي ملأ البلاد فضائلا ... صارت لمن بارى علاه فضائحا إن أجملت سير الكرام فخلقه ... ما زال للإجمال منها شارحا حامي الذّمار مدافعا وموادعا ... كافي العدو محاربا ومصافحا للملك بالعزم المؤيد مانعا ... للعرف بالجود المردد مانحا إن تلقه في يوم جود هامر ... تلق السحاب على البلاد سوابحا أو تلقه في يوم بأس قاهر ... تلق الأسود لدى العرين كوافحا أو تلقه في يوم فخر ظاهر ... تلق الكواكب في السماء لوائحا من أسرة النصر الألى هم ناصحوا ... بعزائم الصدق الأمين الناصحا هم أسّسوا الملك المشيد بناؤه ... فكفوا به الإسلام خطبا فادحا فاستفهم الأيام عن آثارهم ... تطلع عليك صحائفا وصفائحا كان إذا ضنّ الغمام سحائبا ... يهمي وإن جنّ الظلام مصابحا شادوا له مجدا صميما راسخا ... يبقى على الأعقاب ذكرا صالحا وسماء «1» فخر فوق أمن جهادهم ... سمكوا له منه «2» سماكا رامحا الأعظمون مغانيا ومناقبا ... والأكرمون محامدا وممادحا يا دولة نصريّة قد جددت ... نصرا لأبواب المعاقل فاتحا وأمامة سعدية قد أطلعت ... سعدا ولكن للأعادي ذابحا فاضت جدى فكأنما أيامها ... جعلت لأرزاق العباد مفاتحا كفت عدا فكأنما أوقاتها ... جاءت لآيات الأمان شوارحا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 105 عدلا لأقطار الإيالة كالبا ... ولجامحات البغي منها كافحا بشرى بيوسف ناصر الملك الذي ... ما زال عنه مجالدا ومكافحا جمع المواهب للمواهب مانحا ... فوق المنى وعن الجرائم صافحا ابن الإمام أبي الوليد وحسبنا ... مدحا تضمن في الفخار مدائحا يهنيك عيد النّحر أسعد قادم ... وافاك من جدوى يمينك ماتحا وفّيته قربانه وصلاته وأقمت ... فيه شعائرا وذبائحا ورجعت في الجيش الذي أخباره ... تروي غرائبها الحسان صحائحا أسد ضراغم فوق خيل ترتمي ... نحو العدو سوانحا وبوارحا طيّارة بالدّارعين تخالها ... تنقضّ في يوم القتال جوارحا من كلّ من تخذ القنا خيما له ... يلقى العدو مماسيا ومصابحا والشمس أضرمت السبيكة عندما ... لقي الحديد شعاعها المطارحا فاهنأ به وانعم بدولتك التي ... ترضي الوليّ بها وتشجي الكاشحا دامت ودام الحقّ فيها ثابتا ... يعلو يدا والإفك فيها طالحا وقال يمدح ويصف مصنعا سلطانيا «1» : [الكامل] زارت تجرر نحوه أذيالها ... هيفاء تخلط بالنّفار دلالها «2» والشمس «3» من حسد لها مصفرّة ... إذ قصّرت عن أن تكون مثالها وافتك تمزج لينها بقساوة ... قد أدرجت طيّ العتاب نوالها كم رمت كتم مزارها لكنه ... صحّت دلائل لم تطق إعلالها تركت على الأرجاء عند مسيرها ... أرجا كأنّ المسك فتّ خلالها ما واصلتك محبّة وتفضّلا ... لو كان ذاك لواصلت إفضالها لكن توقّعت السّلوّ فجدّدت ... لك لوعة لا تتّقي ترحالها فوحبّها قسما بحق بروره ... لتجشّمنّك في الهوى أهوالها حسّنت نظم الشّعر في أوصافها ... إذ قبّحت لك في الهوى أفعالها يا حسن ليلة وصلها ما ضرّها ... لو أتبعت من بعدها أمثالها الجزء: 4 ¦ الصفحة: 106 لمّا سكرت بريقها وجفونها ... أهملت كأسك لم ترد إعمالها هذا الربيع أتاك ينشر حسنه ... فافسح لنفسك في مداه مجالها واخلع عذارك في البطالة جامحا ... واقرن بأسحار المنى «1» آصالها في جنّة تجلو محاسنها كما ... تجلو العروس لدى الزفاف جمالها شكرت أيادي للحيا شكر الورى ... شرف الملوك همامها مفضالها وصميمها أصلا وفرعا خيرها ... ذاتا «2» وخلقا، سمحها بذّالها» الطاهر الأعلى الإمام «4» المرتضى ... بحر المكارم غيثها سلسالها حاز المعالي كابرا عن كابر ... وجرى لغايات الكرام فنالها إن «5» تلقه في يوم بذل هباته ... تلق الغمائم أرسلت هطّالها «6» أو تلقه في يوم حرب عداته ... تلق الضّراغم فارقت أشبالها ملك إذا ما صال يوما صولة ... خلت البسيطة زلزلت زلزالها فبسيبه «7» وبسيفه نال «8» المنا ... واستعجلت أعداؤه آجالها الواهب الآلاف قبل سؤالها ... فكفى العفاة سؤالها ومطالها القاتل الآلاف قبل قراعها ... فكفى العداة قراعها ونزالها إن قلت بحر كفّه قصّرت إذ ... شبّهت بالملح الأجاج نوالها ملأ البسيطة عدله ونواله «9» ... فالوحش لا تعدو على من غالها وسقى البريّة فيض كفّيه فقد ... عمّ البلاد سهولها وجبالها جمع العلوم عناية بفنونها «10» ... آدابها وحسابها وجدالها منقولها، معقولها، وأصولها ... وفروعها، تفصيلها، إجمالها فإذا عفاتك عاينوك تهللوا ... لمّا رأوا من كفّك استهلالها وإذا عداتك أبصروك تيقّنوا ... أنّ المنيّة سلّطت رئبالها «11» الجزء: 4 ¦ الصفحة: 107 بدّدت شملهم ببيض صوارم ... روّيت من علق «1» الكماة نصالها وأبحت أرضهم فأصبح أهلها ... جزرا «2» تغادر نهبة أموالها فتحت إمارتك السعيدة للورى ... أبواب بشرى واصلت إقبالها وبنت مصانع رائقات ذكّرت ... دار النعيم جنانها وظلالها وأجلّها قدرا وأرفعها مدى ... هذا الذي سامى النجوم فطالها «3» هو جنّة فيها الأمير مخلّد ... بلغت إمارته بها آمالها ولأرض أندلس مفاخر، أنتم ... أربابها، أضفيتم سربالها «4» فحميتم أرجاءها، وكفيتم ... أعداءها، وهديتم ضلّالها فبآل نصر فاخرت لا غيرهم ... لم تعتمد من قبلهم أقيالها «5» بمحمد ومحمد ومحمد ... قصرت على الخصم الألدّ نضالها فهم الألى ركبوا لكلّ عظيمة ... جردا كسين من النجيع جلالها وهم الألى فتحوا لكلّ ملمّة ... بابا أراح بفتحه إشكالها متقلّدون من السيوف عضابها «6» ... متأبّطون من الرماح طوالها الراكبون من الجياد عرابها ... والضاربون من العدا أبطالها أوليّ عهد المسلمين ونخبة ال ... أملاك صفوة محضها وزلالها إنّ العباد مع البلاد مقرّة ... بفضائل لك مهّدت أحوالها فتفكّ عانيها وتحمي سربها ... وتفيد حلما دائما جهّالها ومن الرثاء قوله يرثي ولده أبا القاسم «7» : [الطويل] هو البين حتما، لا لعلّ ولا عسى ... فما بال نفسي لم تفض عنده أسى وما لفؤادي لم يذب منه حسرة ... فتبّا لهذا القلب سرعان ما قسا ويا «8» لجفوني لا تفيض مورّدا ... من الدمع يهمي تارة ومورّسا «9» الجزء: 4 ¦ الصفحة: 108 وما للساني مفصحا بخطابه ... وما كان لو أوفى بعهد لينبسا أمن بعد ما أودعت روحي في الثّرى ... ووسّدت مني فلذة القلب مرمسا «1» وبعد فراق ابني أبي القاسم الذي ... كساني ثوب الثّكل لا كان ملبسا أؤمّل في الدنيا حياة وأرتضي ... مقيلا لدى أبنائها ومعرّسا «2» فآها وللمفجوع فيها استراحة ... ولا بدّ للمصدور أن يتنفّسا على عمر أفنيت فيه بضاعتي ... فأسلمني للقبر حيران مفلسا ظللت به في غفلة وجهالة ... إلى أن رمى سهم الفراق فقرطسا «3» إلى الله أشكو برح حزني فإنه ... تلبّس منه القلب ما قد تلبّسا وصدمة «4» خطب نازلتني عشيّة ... فما أغنت الشكوى ولا نفع الأسا فقد صدّعت شملي وأصمت مقاتلي ... وقد هدّمت ركني الوثيق المؤسّسا ثبتّ لها صبرا لشدّة وقعها ... فما زلزلت صبري الجميل وقد رسا وأطمع «5» أن يلقى برحمته الرضا ... وأجزع أن يشقى بذنب فينكسا أبا القاسم اسمع شجو «6» والدك الذي ... حسا من كؤوس البين أفظع ما حسا وقفت فؤادي مذ رحلت على الأسى ... وأشهد «7» لا ينفكّ وقفا محبّسا وقطّعت آمالي من الناس كلّهم ... فلست أبالي أحسن المرء أم أسا تواريت يا شمسي وبدري وناظري ... فصار وجودي مذ تواريت حندسا وخلّفت لي عبئا من الثّكل فادحا ... فما أتعب الثّكلان نفسا وأتعسا أحقّا ثوى ذاك الشباب فلا أرى ... له بعد هذا اليوم حولي مجلسا فيا غصنا نضرا ثوى عندما استوى ... فأوحشني أضعاف ما كان آنسا ويا نعمة لمّا تبلّغتها انقضت ... فأنعم أحوالي بها صار أبؤسا فودّعته «8» والدمع تهمي سحابه ... كما أسلم السلك الفريد المجنّسا «9» الجزء: 4 ¦ الصفحة: 109 وقبّلت في ذاك الجبين مودعا ... لأكرم من نفسي عليّ وأنفسا وخفّف «1» من وجدي به قرب رحلتي ... وماذا عسى أن ينظر الدهر ما «2» عسا فيا رحمة للشيب يبكي شبيبة ... قياس لعمري عكسه كان أقيسا فلو أنّ هذا الموت يقبل فدية ... حبوناه أموالا كراما وأنفسا ولكنه حكم من الله واجب ... يسلّم فيه من بخير الورى ائتسى «3» تغمدك الرحمن بالعفو والرضا ... وكرّم مثواك الجديد وقدّسا وألّف منّا الشمل في جنّة العلا ... فنشرب تسنيما «4» ونلبس سندسا وكتبت إليه قصيدة أولها «5» : [الطويل] أمستخرجا كنز العتيق بآماقي ... أناشدك الرحمن في الرّمق الباقي فقد ضعفت عن حمل صبري طاقتي ... عليك وضاقت عن زفيري أطواقي فأجابني رحمة الله عليه عن ذلك» : [الطويل] سقاني فأهلا بالسّقاية «7» والعناق «8» ... سلافا بها قام السرور على ساق ولا نقل «9» إلّا من بدائع حكمة ... ولا كأس إلّا من سطور وأوراق فقد أنشأت لي نشوة بعد نشوة ... تمدّ بروحانية ذات أذواق فمن حظّها «10» الفاني متاع لناظري ... وسمعي وحظّ الروح من حظّها «11» الباقي الجزء: 4 ¦ الصفحة: 110 أعادت شبابي بعد سبعين حجّة ... فأثوابه قد جدّدت بعد إخلاق «1» وما كنت يوما للمدامة صاحبا ... ولا قبلتها قطّ نشأة أخلاقي ولا خالطت لحمي ولا مازجت دمي ... كفى شرّها مولاي فالفضل للواقي «2» وهذا على عهد الشباب فكيف لي ... بها بعد ماء للشبيبة مهراق تبصّر فحكما «3» القهوتين تخالفا ... فكم بين إثبات لعقل وإزهاق وشتّان ما بين المدامين «4» فاعتبر ... فكم بين إنجاح لسعي وإخفاق «5» فتلك تهادى بين ظلم وظلمة ... وهذي تهادى بين عدل «6» وإشراق أيا علم الإحسان غير منازع ... شهادة إجماع عليها وإصفاق «7» فضائلك الحسنى عليّ تواترت ... بمنهمر من سحب فكرك غيداق «8» خزائن آداب بعثت بدرّها ... إليّ ولم تمنن بخشية «9» إنفاق الجزء: 4 ¦ الصفحة: 111 ولا مثل بكر حرّة عربيّة ... زكيّة أخلاق كريمة أعراق فأقسم ما البيض الحسان تبرّمت «1» ... تناجيك سرّا بين وحي وإطراق بدور بدت من أفق «2» أطواقها على ... رياض شدت في قضبها «3» ذات أطواق «4» فناظر «5» منها الأقحوان ثغورها ... وقابل منها نرجس سحر «6» أحداق وناسب منها الورد خدّا مورّدا ... سقاه الشباب النّضر «7» ، بورك من ساق! وألبسن من صنعاء وشيا منمنما ... وحلّين من درّ نفائس أعلاق بأحلى لأفواه، وأبهى لأعين ... وأحلى «8» لألباب، وأشهى لعشّاق رأيت بها شهب السماء تنزّلت ... إليّ تحيّيني تحية مشتاق ألا إنّ هذا السحر لا سحر بابل ... فقد سحرت قلبي المعنّى فمن راق «9» ؟ لقد أعجزت شكري «10» فضائل ماجد ... أبرّ بأحباب وأوفى بميثاق تقاضى ديون الشعر مني منبّها «11» ... رويدك لا تعجل عليّ بإرهاق الجزء: 4 ¦ الصفحة: 112 فلو نشر الصادّان من ملحديهما «1» ... لإنصاف هذا الدّين «2» لاذا بإملاق فخذ بزمام «3» الرّفق شيخا تقاصرت ... خطاه وعاهده «4» بمعهود إشفاق «5» فلا «6» زلت تحيي للمكارم رسمها ... وقدرك في أهل العلا والنّهى راق وكتبت إليه في غرض العتاب والاستعتاب» : [الطويل] أدرنا وضوء الأفق قد صدع الفضا ... مدامة عتب بيننا نقلها الرضا فلله عينا من رآنا وللحيا ... حبيّ «8» بآفاق البشاشة أو مضا نفرّ إلى عدل الزمان الذي أتى ... ونبرأ من جور الزمان الذي مضى ونأسو «9» كلوم اللفظ باللفظ عاجلا ... كذا قدح الصّهباء داوى وأمرضا فراجعني بقوله «10» : [الطويل] ألا حبّذا ذاك العتاب الذي مضى ... وإن جرّه واش بزور تمضمضا أغارت له خيل فما ذعرت حمى ... ولكنها كانت طلائع للرضا تألّق منها بارق صاب مزنه «11» ... على معهد الحبّ الصّميم فروّضا تلألأ نور «12» للصداقة حافظا ... وإن ظنّ سيفا للقطيعة منتضى فإن سوّد الشيطان منه صحيفة ... أتى ملك الرّحمى عليها فبيّضا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 113 وما كان حبّ أحكم الصدق عهده ... ليرمى بوسواس الوشاة فيرفضا أعيذ ودادا زاكي القصد وافيا ... تخلّص من أدرانه فتمحّضا «1» ونيّة صدق في رضى الله أخلصت ... سناها بآفاق البسيطة قد أضا من الآفك الساعي ليخفي نورها ... أيخفى شعاع الشمس قد ملأ الفضا؟ وكيف يحلّ المبطلون بإفكهم ... معاقد حبّ أحكمتها يد القضا تعرّض يبغي هدمها فكأنه ... لتشييد مبناها الوثيق تعرّضا وحرّض في تنفيره فكأنما ... على البرّ والتسكين والحبّ حرّضا وأوقد نارا فهو يصلى جحيمها ... يقلّب منها القلب في موقد الغضا «2» أيا واحدي المعدود بالألف وحده ... ويا ولدي البرّ الزكي إن ارتضى بعثت من الدّرّ النفيس قلائدا ... على ما ارتضى حكم المحبة واقتضى نتيجة آداب وطبع مهذّب ... أطال مداه في البيان وأعرضا ولا مثل بكر باكرتني آنفا ... كزورة خلّ بعد ما كان أعرضا هي الروضة الغنّاء أينع زهرها ... تناظر حسنا مذهّبا ومفضّضا أو الغادة الحسناء راقت فينقضي ... مدى العمر في وصفي لها وهو ما انقضى تطابق منها شعرها وجبينها ... فذا اللّيل مسودّا وذا الصّبح أبيضا أو الشهب منها زينة وهداية ... ورجم لشيطان إذا هو قيّضا أتت ببديع الشّعر طورا مصرّحا ... بأبياتك الحسنى وطورا معرّضا ومهّدت الأعذار دون جناية ... ولو أنك الجاني لكنت المغمّضا لك الله من برّ وفيّ وصاحب ... محضت له صدق الضمير فأمحضا لسانك في شكري مفيض تفضّلا ... فيا حسن ما أهدى وأسدى وأقرضا وقلبك فاضت فيه أنوار خلّتي ... فأبقى «3» يدي تسليمه لي مفوّضا وقصدك مشكور وعهدك ثابت ... وفضلك منشور وفعلك مرتضى فهل مع هذا ريبة في مودّة ... بحال! وإن رابت «4» فما أنا معرضا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 114 فثق بولائي إنني لك مخلص ... هوى ثابتا يبقى فليس له انقضا عليك سلام الله ما هبّت الصّبا ... وما بارق جنح الدّجنّة أو مضا وكتب إلى القاضي الشريف وهو بوادي آش «1» : [الطويل] أهزلا وقد جدّت بك اللّمّة الشمطا «2» ... وأمنا وقد ساورتها حيّة رقطا «3» أغرّك طول العمر في غير طائل ... وسرّك أنّ الموت في سيره أبطا رويدا فإنّ الموت أسرع وافد ... على عمرك الفاني ركائبه حطّا فإذ ذاك لا تسطيع «4» إدراك ما مضى ... بحال ولا قبضا تطيق ولا بسطا تأهّب فقد وافى مشيبك منذرا ... وها هو في فوديك أحرفه خطّا فرافقت منه كاتب السّرّ واشيا ... له القلم الأعلى يخطّ به وخطا معمّى كتاب فكّه «احذر» فهذه ... سفينة هذا العمر قاربت الشّطّا وإن طال ما خاضت بك «5» اللجج التي ... خبطت بها في كلّ مهلكة خبطا وما زلت في أمواجها متقلّبا ... فآونة رفعا وآونة حطّا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 115 فقد أوشكت تلقيك في قعر حفرة ... تشدّ عليك الجانبين بها ضغطا ولست على علم بما أنت بعدها ... ملاق، أرضوانا من الله أم سخطا وأعجب شيء منك دعواك في النّهى ... وهذا الهوى المردي على العقل قد غطّى قسطت «1» عن الحقّ المبين جهالة ... وقد غالطتك «2» النّفس فادّعت القسطا وطاوعت شيطانا تجيب إذا دعا ... وتقبل إن أغوى وتأخذ إن أعطى تناءى عن الأخرى وقد قربت مدى ... تدانى عن الدنيا وقد أزمعت شحطا «3» وتمنحها حبّا وفرط صبابة ... وما منحت إلّا القتادة والخرطا «4» فها أنت تهوى وصلها وهي فارك ... وتأمل قربا من حماها وقد شطّا صراط هدى نكّبت عنه عماية ... ودار ردّى أوعيت في سجنها سرطا فما لك إلّا السيد الشافع الذي ... له فضل جاه كلّ ما يرتجي يعطى دليل إلى الرحمن فانهج سبيله ... فمن حاد عن نهج الدليل فقد أخطا محبّته شرط القبول فمن خلت ... صحيفته منها فقد فقد الشّرطا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 116 وما قبلت منه لدى الله قربة ... ولا زكت الأعمال بل حبطت حبطا به الحقّ وضاح، به الإفك زاهق ... به الفوز مرجوّ، به الذّنب قد حطّا هو الملجأ الأحمى، هو الموئل الذي ... به في غد يستشفع المذنب الخطّا «1» إليك ابن خير الخلق بنت بديهة ... تقبّل تبجيلا أنا ملك السّبطا وحيدة هذا العصر وافت وحيدة ... لتبسط من شتّى بدائعها بسطا وتتلو آيات التشيّع إنها ... لموثقة عهدا ومحكمة ربطا لك الشرف المأثور يا ابن محمد ... وحسبك أن تنمى إلى سبطه سبطا إلى شرفي دين وعلم تظاهرا ... تبارك من أعطى وبورك في المعطى ورهطك أهل البيت، بيت محمد ... فأعظم به بيتا وأكرم بهم «2» رهطا بعثت به عقدا من الدّرّ فاخرا ... وذكر رسول الله درّته الوسطى «3» وأهديت منها للسيادة غادة ... نظمت من الدّرّ الثمين بها سمطا وحاشيتها من كل ما شانها «4» ، فإن ... تجعّد حوشيّ تجد لفظها سبطا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 117 وفي الطيبين الظاهرين نظمتها ... فساعدها من أجل ذلك حرف الطا عليك سلام الله ما ذرّ شارق ... وما ردّدت ورقاء في غصنها لغطا ومن غريب ما خاطبني به قوله «1» : [الرجز] أقسم بالقيسين والنابغتين ... وشاعري طييء المولّدين وبابن حجر وزهير وابنه «2» ... والأعشيين بعد ثمّ الأعميين ثم بعشّاق الثريّا والرقي ... يات وعزّة وميّ وبثين وبأبي الشيص ودعبل ومن ... كشاعري خزاعة «3» المخضرمين وولد المعتزّ والرّضيّ والسريّ ... ثم حسن وابن الحسين واختم بقسّ وبسحبان «4» فإن «5» ... أوجب «6» حقّ أن يكونا أوّلين وحليتي «7» نثرهم ونظمهم ... في مشرقي أقطارهم والمغربين أنّ الخطيب ابن الخطيب سابق ... بنثره ونظمه للحلبتين وافتني «8» الصحيفة الحسنا التي ... شاهدت فيها المكرمات رأي عين تجمع من براعة المعنى إلى ... يراعة الألفاظ كلتا الحسنيين أشهد أنك الذي سبقت في ... طريقي «9» الآداب أقصى الأمدين شعر حوى جزالة ورقّة ... تصاغ منه حلية «10» للشّعريين رسائل أزهارها منثورة ... سرور قلب ومتاع ناظرين يا أحوذيّا، يا نسيج وحده ... شهادة تنزهت عن قول مين «11» بقيت في مواهب الله التي ... تقرّ عينيك وتملأ اليدين الجزء: 4 ¦ الصفحة: 118 ومن المقطوعات الموطّنات على المثال «1» : [مخلع البسيط] لله عصر الشباب عصرا ... فتّح للخير كلّ باب حفظت ما شئت فيه حفظا ... كنت أراه بلا ذهاب حتى إذا ما المشيب وافى ... ندّ «2» ولكن بلا إياب لا تعتنوا بعدها بحفظ ... وقيّدوا العلم بالكتاب ومن ذلك قوله «3» : [مخلع البسيط] يا أيها الممسك البخيل ... إلهك المنفق الكفيل أنفق وثق بالإله تربح ... فإنّ إحسانه جزيل وقدّم الأقربين واذكر ... ما روي ابدأ بمن تعول ومن ذلك قوله «4» : [المتقارب] وقائلة لم عراك المشيب ... وما إن يعهد الصّبا من قدم فقلت لها: لم أشب كبرة ... ولكنه الهمّ نصف الهرم ومن ذلك قوله «5» : [المتقارب] هي النّفس إن أنت سامحتها ... رمت بك أقصى مهاوي الخديعه وإن أنت جشّمتها خطّة ... تنافي رضاها تجدها مطيعه فإن شئت فوزا فناقض هواها ... وإن واصلتك اجزها بالقطيعه ولا تعبأنّ بميعادها ... فميعادها كسراب بقيعه ومن المقطوعات أيضا «6» : [الكامل] من أنت يا مولى الورى مقصوده ... طوبى له قد ساعدته سعوده فليشهدنك له فؤاد صادق ... وشهوده قامت عليه شهوده وليفنين عن نفسه ورسومه ... طرّا وفي ذاك الفناء وجوده وليخطفنه «7» بارق يرقى به ... في أشرف المعراج ثم يعيده حتى يظلّ وليس يدري دهشة ... تقريبه المقصود أو تبعيده الجزء: 4 ¦ الصفحة: 119 لكنه ألقى السلاح مسلّما ... فمراده ما أنت منه تريده فلقد تساوى عنده إكرامه ... وهوانه ومفيده ومبيده ومن ذلك قوله في المعنى «1» : [الطويل] يقيني أنّ الله جلّ جلاله ... يقيني «2» فراجي الله ليس يخيب ومن مقطوعاته في الألغاز والأحاجي قوله في حجلة «3» : [الرجز] حاجيت «4» كلّ فطن لبيب ... ما اسم لأنثى «5» من بني يعقوب «6» ذات كرامات فزرها قربة ... فزورها أحقّ بالتقريب تشركها في الاسم أنثى لم تزل ... حافظة لسرّها المحجوب وقد جرى في خاتم الوحي الرضا ... لها حديث ليس بالمكذوب وهو إذا ما الفاء «7» منه صحّفت ... صبغ الحياء «8» لا الحيا المسكوب فهاكها واضحة أسرارها ... فأمرها أقرب من قريب وفي آب الشهر «9» : [مجزوء الرجز] حاجيتكم ما اسم علم ... ذو نسبة إلى العجم يخبر بالرجعة وهـ ... وراجع كما زعم وصف الحميم «10» هو ... بالتصحيف او بدء قسم دونكه أوضح من ... نار على رأس علم ومن ذلك قوله في كانون «11» : [الهزج] وما اسم لسميّين «12» ... ولم يجمعهما جنس الجزء: 4 ¦ الصفحة: 120 فهذا كلّما يأتي ... فبالآخر لي أنس وهذا ما له شخص ... وهذا ما له حسّ وهذا ما له سوم ... وذا قيمته فلس «1» وهذا أصله الأرض ... وهذا أصله الشمس وهذا واحد من سب ... عة تحيا بها النّفس فمن محموله الجنّ ... ومن موضوعه الإنس فقد بان الذي ألغز ... ت ما في أمره لبس ومن ذلك قوله في نمر «2» : [الرجز] ما حيوان ما له من حرمة ... إن اسمه صحّف فابن العمّه «3» وقلبه من بعد تصحيف له ... يريك في الذكر الحكيم أمّه ومن ذلك قوله في سلّم «4» : [الرجز] ما اسم مركّب مفيد الوضع ... مستعمل في الوصل لا في القطع ينصب لكن أكثر استعمال من «5» ... يعنى به في الخفض أو في الرفع وهو إذا خفّفته مغيّرا «6» ... تراه شملا لم يزل ذا صدع فالاسم إن طلبته تجده في ... خامسة من الطوال السّبع وهو إذا صحّفته يعرب عن ... مكسّر في غير باب الجمع «7» له أخ أفضل منه لم تزل ... آثاره محمودة في الشّرع «8» هما جميعا من بني النجار والأف ... ضل أصل في حنين الجذع فهاكه قد سطعت أنواره ... لا سيما لكلّ زاكي «9» الطبع الجزء: 4 ¦ الصفحة: 121 ومن ذلك قوله في فنار «1» : [مجزوء الرجز] ما اسم إذا حذفت من ... هـ فاءه المنوّعه فإنه بنت «2» الزّنا ... مضافة لأربعة ومن ذلك قوله في حوت «3» : [مجزوء الرجز] ما حيوان في اسمه ... إن اعتبرته فنون حروفه «4» ثلاثة ... والكلّ منها نون «5» تصحيفه قطع الفلا ... أو ما جناه المذنبون «6» أو أبيض أو أسود ... أو صفة النفس الخؤون «7» وقلبه مصحّفا «8» ... عليه دارت السنون كانت به في ما «9» مضى ... عبرة قوم يعقلون أودع فيها «10» عنده ... سرّ من السّرّ المصون فهاكه كالنار في ... الزّند لها فيه «11» كمون ومن ذلك قوله في مائدة «12» : [الرجز] حاجيت كلّ فطن نظّار ... ما اسم لأنثى من بني النجار وفي كتاب الله جاء ذكرها ... فقلّ ما يغفل عنها القاري الجزء: 4 ¦ الصفحة: 122 في خبر المهديّ فاطلبها تجد ... إن كنت من مطالعي الأخبار ما هي إلّا العيد عيد رحمة ... ونعمة ساطعة الأنوار يشركها في الاسم وصف حسن ... من وصف قضب الروضة المعطار «1» فهاكه كالشمس في وقت الضّحى ... قد شفّ عنها حجب الأستار ومن ذلك قوله في زبيب «2» : [الرجز] ما نقي العرض طاهر الجسد ... عندما خالطه الماء فسد خالط الماء القراح فغوى ... بعد ما كان من أهل الرّشد عجميّ الأصل تمّ حسنه ... عندما صاد الغزالة الأسد «3» واسمه اسم امرأة مصحّفا «4» ... ولقد يكون وصفا لولد هاكه قد بهرت أنواره ... فارم بالفكر تصب قصد الرشد «5» جميع هذه الأغراض المنسوبة إليه بحر لا ينفد مدده، وقطر لا يبلغ عدده. وأمّا نثره فسلطانيّات مطولات، عرضت بما تخللها من الأحوال متونها، وقلّت لمكان الاستعجال والبديهة عيونها. وقد اقتضبت منها أجزاء سميته «تافها من جم ونقطة من يم» . مولده: ولد بغرناطة في جمادى الآخرة «6» عام ثلاثة وسبعين وستمائة. وفاته: ليلة يوم الأربعاء الثالث والعشرين من شوال عام تسعة وأربعين وسبعمائة. ودفن بباب إلبيرة. وكانت جنازته آخذة نهاية الاحتفال، حضرها السلطان فمن دونه. ومما رثي به: رثيته بقصيدة أنشدتها على قبره خامس يوم دفنه ثبتت في غير ما موضع وهي «7» : [الكامل] ما لليراع خواضع الأعناق ... طرق النّعيّ فهنّ في إطراق وكأنما صبغ الشحوب وجوهها ... والسّقم من جزع ومن إشفاق الجزء: 4 ¦ الصفحة: 123 ما للصحائف صوّحت «1» روضاتها ... أسفا وكنّ نضيرة الأوراق ما للبيان كؤوسه مهجورة ... غفل المدير لها ونام السّاقي ما لي عدمت تجلّدي وتصبّري ... والصبر في الأزمات من أخلاقي خطب أصاب بني البلاغة والحجا ... شبّ الزفير به عن الأطواق «2» أمّا وقد أودى أبو الحسن الرضا ... فالفضل قد أودى على الإطلاق كنز المعارف لا تبيد نقوده ... يوما ولا تفنى على الإنفاق من للبدائع أصبحت سمر السّرى ... ما بين شام للورى وعراق من لليراع يجيل من خطّيّها «3» ... سمّ العدا ومفاتح الأرزاق قضب ذوابل مثمرات بالمنى ... وأراقم ينفثن بالتّرياق من للرقاع الحمر يجمع حسنها ... خجل الخدود وصبغة الأحداق تغتال أحشاء العدوّ كأنها ... صفحات دامية الغرار رقاق وتهزّ أعطاف الوليّ كأنها ... راح مشعشعة براحة ساق من للفنون يجيل في ميدانها ... خيل البيان كريمة الأعراق من للحقائق أبهمت أبوابها ... للناس يفتحها على استغلاق من للمساعي الغرّ تقصد جاهه ... حرما فينصرها على الإخفاق كم شدّ من عقد وثيق حكمه ... في الله أو أفتى بحلّ وثاق رحب الذراع بكلّ خطب فادح ... أعيت رياضته على الحذّاق صعب المقادة في الهوادة والهوى ... سهل على العافين «4» والطّرّاق ركب الطريق إلى الجنان وحورها ... يلقينه بتصافح وعناق فاعجب لأنس في مظنّة وحشة ... ومقام وصل في مقام فراق أمطيّبا بمحامد العمل الرضى ... ومكفّنا بمكارم الأخلاق ما كنت أحسب قبل نعشك أن أرى ... رضوى «5» تسير على الأعناق ما كنت أحسب قبل دفنك في الثّرى ... أنّ اللحود خزائن الأعلاق «6» الجزء: 4 ¦ الصفحة: 124 يا كوكب الهدي الذي من بعده ... ركد الظلام بهذه الآفاق يا واحدا مهما جرى في حلبة ... جلّى بغرّة سابق السّبّاق يا ثاويا بطن الضريح وذكره ... أبدا رفيق ركائب ورفاق يا غوث من وصل الضريح «1» فلم يجد ... في الأرض من وزر ولا من واق ما كنت إلّا ديمة منشورة ... من غير إرعاد ولا إبراق ما كنت إلّا روضة ممطورة ... ما شئت من ثمر ومن أوراق يا مزمعا عنّا العشيّ ركابه ... هلّا لبثت «2» ولو بقدر فواق «3» رفقا أبانا جلّ ما حمّلتنا ... لا تنس فينا عادة الإشفاق واسمح ولو بمزار لقيا في الكرى ... تبقي بها منّا على الأرماق وإذا اللقاء تصرّمت أسبابه ... كان الخيال تعلّة المشتاق عجبا لنفس ودّعتك وأيقنت ... أن ليس بعد ثواك «4» يوم تلاق ما عذرها إن لم تقاسمك الردى ... في فضل كأس قد شربت دهاق إن قصّرت أجفاننا عن أن ترى ... تبكي النجيع عليك باستحقاق واستوقفت دهشا فإنّ قلوبنا ... نهضت بكلّ وظيفة الآماق ثق بالوفاء على المدى من فتية ... بك تقتدي في العهد والميثاق سجعت بما طوقتها من منّة ... حتى زرت «5» بحمائم الأطواق تبكي فراقك خلوة عمّرتها ... بالذكر في طفل وفي إشراق أمّا الثناء على علاك فذائع ... قد صحّ بالإجماع والإصفاق والله قد قرن الثناء بأرضه ... بثنائه من فوق سبع طباق جادت ضريحك ديمة هطّالة ... تبكي عليه بواكف رقراق وتغمّدتك من الإله سعادة ... تسمو بروحك للمحلّ الراقي صبرا بني الجيّاب إنّ «6» فقيدكم ... سيسرّ مقدمه بما هو لاق وإذا الأسى لفح القلوب أواره ... فالصبر والتسليم أيّ رواق الجزء: 4 ¦ الصفحة: 125 وأنشد في هذا الغرض الفقيه أبو عبد الله بن جزي رحمه الله «1» : [الطويل] ألم تر أنّ المجد أقوت معالمه ... فأطنابه قد قوّضت دعائمه هوى من سماء المعلوات شهابها ... وخانت جواد المكرمات قوائمه وثلّت من الفخر المشيد عروشه ... وفلّت من العزّ المنيع صوارمه وعطّل من حلي البلاغة قسّها ... وعرّي من جود الأنامل حاتمه «2» أجل إنه الخطب الذي جلّ وقعه ... وثلّم غرب الدين والعلم هاجمه وإلّا فما للنوم طار مطاره ... وما للزيم الحزن قصّت قوادمه وما لصباح الأنس أظلم نوره ... وما لمحيّا الدهر قطّب باسمه وما لدموع العين فضّت كأنها ... فواقع زهر والجفون كمائمه «3» قضى الله في قطب الرياسة أن قضى ... فشتّت ذاك الشّمل من هو ناظمه ومن قارع الأيام سبعين حجّة ... ستنبو عراره «4» ويندقّ قائمه وفي مثلها أعيا النطاسيّ «5» طبّه ... وضلّ طريق الحزم في الرأي حازمه تساوى جواد في رداه وباخل ... فلا الجود واقيه ولا البخل عاصمه وما نفعت ربّ الجياد كرامه ... ولا منعت منه الغنيّ كرائمه وكلّ تلاق فالفراق أمامه ... وكلّ طلوع فالغروب ملازمه وكيف مجال العقل في غير منفذ ... إذا كان باني مصنع هو هادمه ليبك «6» عليّا مستجير بعدله ... يصاخ لشكواه ويمنع ظالمه ليبك «7» عليّا مائح «8» بحر علمه ... يروّى بأنواع المعارف هائمه ليبك «9» عليّا مظهر فضل نصحه ... يحلّأ «10» عن ورد المآثم حائمه الجزء: 4 ¦ الصفحة: 126 ليبك «1» عليّا معتف «2» جود كفّه ... يواسيه في أمواله ويقاسمه ليبك «3» عليّا ليله وهو قائم ... يكابده أو يومه وهو صائمه ليبك «4» عليّا فضل كلّ بلاغة ... يخلّده في صفحة الطّرس راقمه وشخص ضئيل الجسم يرهب نفثه ... ليوث الشّرى في خيسها وضراغمه «5» تكفّل بالرزق المقدّر للورى ... إذا الله أعطى فهو للناس «6» قاسمه يسدّده سهما وينضوه صارما ... ويشرعه رمحا فكلّ يلائمه إذا سال من شقّيه سائل حبره «7» ... بما شاء منه سائل فهو عالمه ليبك عليه الآن «8» من كان باكيا ... فتلك مغانيه خلت ومعالمه تقلّد منه الملك عضب بلاغة ... يقدّ السلوقيّ المضاعف صارمه وقلّده مثنى الوزارة فاكتفى ... بها ألمعيّ حازم الرأي عازمه ففي يده وهو الزعيم بحقّها ... براعته «9» والمشرفيّ وخاتمه سخيّ على العافين سهل قياده ... أبيّ على العادين صعب شكائمه إذا ضلّت الآراء في ليل حادث ... رآها برأي يصدع الحقّ «10» ناجمه وقام بأمر الملك «11» للدين حاميا ... فذلّ معاديه وضلّ مراغمه وقد كان نيط العلم والحلم والتّقى ... به وهو ما نيطت عليه تمائمه ودوّخ أعناق الليالي بهمّة ... يبيت ونجم الأفق فيها يزاحمه وزاد على بعد المنال تواضعا ... أبى الله إلّا أن تتمّ مكارمه سقيت الغوادي! أيّ علم وحكمة ... ودين متين ذلك القبر كاتمه وما زلت «12» يستسقى بدعوتك الحيا ... وها هو يستسقى لقبرك ساجمه الجزء: 4 ¦ الصفحة: 127 بكت فقدك الكتّاب إذ كان شملهم ... يؤلّفه من روح «1» فضلك ناعمه وطوّقتهم بالبرّ ثم سقيتهم ... نداك فكنت الروض ناحت حمائمه ويبكيك مني ذاهب الصبر موجع ... توقّد «2» في جنبيه للحزن جاحمه فتى نال منه الدهر إلّا وفاءه ... فما وهنت في حفظ عهد عزائمه عليل الذي زرّت عليه جيوبه ... قريح الذي شدّت عليه حزائمه فقد كنت ألقى الخطب منه بجنّة ... تعارض دوني بأسه وتصادمه سأصبر مضطرّا وإن عظم الأسى ... أحارب حزني مرّة وأسالمه وأهديك إذ عزّ اللقاء تحيّة ... وطيب ثناء كالعبير نواسمه وأنشد القاضي أبو بكر «3» القرشي قوله في قصيدة في ذلك «4» : [الوافر] هي الآجال «5» غايتها نفاد ... وفي الغايات تمتاز الجياد وأنشد الفقيه الكاتب أبو بكر «6» القاسم بن الحكيم قوله من قصيدة: [الطويل] لينع الحجا والحلم من كان ناعيا ... ويرع العلا والعلم من كان راعيا وأنشد الفقيه القاضي أبو بكر «7» بن جزي قصيدة أولها «8» : [الطويل] أبثّكما والصبر للعهد ناكث ... حديثا أملّته عليّ الحوادث قصائد مطولات يخرج استقصاؤها عن الغرض، فكان هذا التأبين غريبا لم يتقدّم به عهد بالحضرة لكونها دار ملك، والتجلّة في مثل هذا مقصورة على أولي الأمر، فمضى بسبيله، رحمه الله. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 128 علي «1» بن موسى بن عبد الملك بن سعيد بن خلف ابن سعيد بن محمد بن عبد الله بن سعيد «2» بن الحسن ابن عثمان «3» بن عبد الله بن سعد بن عمار بن ياسر ابن كنانة بن قيس بن الحصين بن لوذم «4» بن ثعلب ابن عوف بن حارثة بن عامر الأكبر بن نام بن عبس «5» واسمه زيد بن مالك بن أدد بن زيد العنسي المذحجي «6» من أهل قلعة يحصب «7» ، غرناطي، قلعي «8» ، سكن تونس، يكنى أبا الحسن، ويعرف بابن سعيد. أوليته: قد تقرر من كرم أوليته وذكر بيته ما ينظر في محله. حاله: هذا الرجل وسطى عقد بيته، وعلم أهله، ودرّة قومه، المصنّف الأديب، الرحال، الطّرفة، الإخباري، العجيب الشأن في التجول في الأوطان، ومداخلة الأعيان، والتمتع بالخزائن العلمية، وتقييد الفوائد المشرقية والمغربية. مشيخته: أخذ عن أعلام إشبيلية كأبي علي الشّلوبين، وأبي الحسن الدباج، وأبي الحسن بن عصفور وغيرهم. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 129 تواليفه: وتواليفه كثيرة، منها المرقصات والمطربات «1» ، عزيز الوجود، والمقتطف أغرب وأعجب، والطالع السعيد في تاريخ بيته وبلده، والموضوعان الغريبان المتعددا الأسفار، وهما «المغرب في حلى المغرب» ، «والمشرق في حلى المشرق» ، وغير ذلك مما لم يتصل إلينا، فلقد حدّثني الوزير أبو بكر بن الحكيم، أنه تخلف كتابا يسمى «المرزمة» ، يشتمل على وقر بعير، لا يعلم ما فيه من الفوائد الأدبية والإخبارية إلّا الله. شعره: قال: تعاطى نظم الشعر في حدّ زمن الشبيبة، يعجب فيه من مثله، فيذكر أنه خرج مع والده، وقد مرّ في صحبته إلى إشبيلية، وفي صحبته سهل بن مالك، فجعل سهل يباحثه عن نظمه، إلى أن أنشده في صفة النهر والنسيم يردّده، والغصون تميل عليه «2» : [المنسرح] كأنما النّهر صفحة كتبت ... أسطرها والنسيم ينشئها «3» لمّا أبانت عن حسن منظرها ... مالت عليها الغصون تقرؤها «4» فطرب أبو الحسن وأثنى عليه، ثم شدا. وناب عن أبيه في أعمال الجزيرة، ومازج الأدباء، ودوّن كثيرا من نظمه، وحفظ له في المدح: [الكامل] يا أيها الملك الذي هباته ... وهباته شدّت عرى الإسلام لمّا أسال نداه سلّ حسامه ... فأراك برقا في متون غمام لله شيعتك التي ترك العدا ... أقداحهم بمواطئ الأقدام طاروا بأجنحة السيوف إليهم ... مثل الحمام جلبن كل حمام فهم سهام والجياد قسيّهم ... وعداهم هدف وسعدك رام الجزء: 4 ¦ الصفحة: 130 وقال: ومما نظمته بالحضرة في فرس كان لهم لوباني أغرّ أكحل بحلية «1» : [الطويل] وأجرد تبري أثرت به الثّرى ... وللفجر «2» في خصر الظلام وشاح عجبت له وهو الأصيل بعرفه ... ظلام وبين الناظرين صباح رحلته المشرقية، وفيها الكثير من نظمه، قال في «الطالع» : لما قدم الديار المصرية واشتهر، كان مما نظمه سلما لمعرفة الأدباء والظرفاء قوله، وقد رأى بساحلها وجوها لا يعرفها، وألسنا غير ما عهد «3» : [الكامل] أصبحت أعترض الوجوه ولا أرى ... من «4» بينها وجها لمن أدريه ويح الغريب توحّشت ألحاظه ... في عالم ليس له بشبيه عودي على بدئي ضلالا بينهم ... حتى كأني من بقايا التّيه ودخل القاهرة، فصنع له أدباؤها صنيعا في ظاهرها، وانتهت بهم الفرجة إلى روض نرجس، وكان فيهم أبو الحسن الجزّار «5» ، فجعل يدوس النرجس برجله، فقال أبو الحسن «6» : [السريع] يا واطئ النرجس بالأرجل ... ما تستحي أن تطأ الأعين بالأرجل؟ «7» فتهافتوا بهذا البيت وراموا إجازته. فقال ابن أبي الأصبغ «8» : [السريع] فقال «9» : دعني لم أزل محرجا ... على لحاظ الرّشا «10» الأكحل الجزء: 4 ¦ الصفحة: 131 وكان أمثل ما حضرهم، ثم أبوا أن يجيزه غيره، فقال «1» : [السريع] قابل جفونا بجفون ولا ... تبتذل الأرفع بالأسفل ثم استدعاه سيف الدين بن سابق، صاحب الأشغال السلطانية، إلى مجلس بضفة النيل، مبسوط بالورد، وقد قامت حوله شمامات نرجس، فقال في ذلك «2» : [السريع] من فضّل النّرجس فهو الذي ... يرضى بحكم الورد إذ يرأس أما ترى الورد غدا قاعدا ... وقام في خدمته النّرجس؟ ووافق ذلك مماليك الترك، وقوفا في الخدمة على عادة المشارقة، فطرب الحاضرون، من حسود ومنصف. ولقي بمصر محيي الدين بن ندا واقد التركي «3» ، والإمام زهير الحجاري بهاء الدين، وبالقاهرة جمال الدين بن مطروح، وجمال الدين بن يغمور، وتعرف بكمال الدين بن العديم رسول سلطان حلب، فاستصحبه يتحف به الملك الناصر صاحب حلب، فلقي بحمص وبيت المقدس وحماه أعلاما جلّة، وله معهم أخبار يطول ذكرها، ودخل على السلطان «4» بحلب، وأنشده قصيدة أولها «5» : [الكامل] جد لي بما ألقى الخيال من الكرى ... لا بدّ للطّيف الملمّ من الكرى «6» فقال كمال الدين: هذا رجل عارف «7» مذ روى لمقصده من أول كلمة. ثم قال بعد أبيات: الناصر الملك الذي عزماته ... أبدا تكون مع العساكر عسكرا ما كان أنبا الفتح يلزم لامه ... والجمع من أعدائه متكسّرا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 132 فعظم استظراف السلطان لهذه المقاصد، وأثنى عليه. ثم وصل فقال: الدين أصلحه وعمّ صلاحه الدنيا ... وأصبح ناصرا ومظفّرا فكأن كنيته غدت موضوعه ... من ربّه والوصف منه مقرّرا وكأنما الأسماء قد عرضت على ... علياه قبل وجوده متخيّرا فقال السلطان: كيف ترون؟ واستعاده. فقال عون الدين العجمي عميد المجلس وكاتب الإنشاء: استنباطه ما سمع الملوك بمثله يا خوند. ثم أنشد: من آل أيوب الذين هم هم ... ورثوا الندى والبأس أكبر أكبرا أهل الرياسة والسياسة والعلا ... بسيوفهم حلّوا الذّرى منحوا الذّرا «1» سمّ العداة على حياء فيهم «2» ... لا تعجبوا فكذاك «3» آساد الشّرى كادوا يقيلون العداة من الرّدى ... لو لم يمدّوا كالحجاب العثيرا جعلوا خواتم سمرهم من قلب كل ... ل معاند عدّ «4» المثقّف خنصرا وببيضهم قد توّجوا أعداءهم ... حتى لقد حلّوا لكيما تشكرا لو لم يخافوا تيه سار «5» نحوهم ... وهبوا الكواكب والصّباح المسفرا وهي طويلة. ثم استجلسه السلطان، وسأله عن بلاده ومقصده «6» بالرحلة، فأخبره أنه جمع كتابا في الحلى البلادية والحلى العبادية المختصّة بالمشرق، وأخبره أنه سمّاه «المشرق في حلى المشرق» . وجمع مثله فسمّاه «المغرب في حلى المغرب» . فقال: نعينك بما عندنا من الخزائن، ونوصلك إلى ما لا» عندنا، مثل خزائن الموصل وبغداد، وتضيف «8» لنا المغرب. فخدم على عادتهم، وقال: أمر مولاي بذلك إنعام وتأنيس، ثم قال له السلطان مداعبا: إن شعراءنا ملقّبون بأسماء الطيور، وقد اخترت لك لقبا يليق بحسن صوتك وإيرادك للشعر، فإن كنت ترضى به، وإلّا لم يعلمه «9» غيرنا، وهو البلبل، فقال: قد رضي المملوك بذلك يا خوند. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 133 فتبسّم السلطان، وقال: اختر واحدة من ثلاث، إمّا الضيافة التي ذكرتها أول شعرك، وإمّا جائزة القصيدة، وإمّا حقّ الاسم. فقال: يا خوند، المملوك ممّن «1» لا يختنق بعشر لقم، فكيف بثلاث؟ فطرب السلطان، وقال هذا مغربي ظريف، ثم أتبعه من الدنانير والخلع الملوكية والتواقيع بالأرزاق ما لا يوصف. ولقي بحضرته عون الدين العجمي، وهو بحر لا تنزفه الدّلاء «2» ، والشهاب التلعفري الشهير الذكر، والتاج ابن شقير، وابن نجيم الموصلي، والشرف بن سليمان الإربليّ، وطائفة من بني الصاحب. ثم تحوّل إلى دمشق، ودخل الموصل وبغداد، ودخل مجلس السلطان المعظم ابن الملك الصالح بدمشق، وحضر بمجلس «3» خلوته. وكان ارتحاله إلى بغداد في عقب سنة ثمان وأربعين وستمائة في رحلته الأولى إليها. ثم رحل إلى البصرة، ودخل أرّجان، وحجّ. ثم عاد إلى المغرب. وقد صنّف في رحلته الأولى إليها مجموعا سمّاه ب «النفحة المسكيّة في الرحلة المكية» . وكان نزوله بساحل مدينة إقليبية «4» من إفريقية في إحدى جمادين من عام اثنين وخمسين وستمائة، واتصل بخدمة الأمير أبي عبد الله المستنصر «5» فنال الدرجة الرفيعة من حظوته. وقال عند اتصاله به لحين قدومه: [المتقارب] وما زلت أضرب في الخافقين ... أروم البلاد وأرعى الدول إلى أن رجعت إلى تونس ... محلّ الإمام وأقصى الأمل فقلت البلاد لهذي قرى ... وقلت الأنام لهذا خول نكبته: وحدّثني شيخنا الوزير أبو بكر بن الحكيم، أن المستنصر جفاه في آخر عمره، وقد أسنّ لجراء خدمة مالية أسندها إليه، وقد كان بلاء منه قبل جفوة، أعقبها انتشال وعناية. فكتب إليه: [الرمل] يا غزالا في الحشا منزله ... وبعيني دائما منهله الجزء: 4 ¦ الصفحة: 134 لا ترعني «1» بالجفا ثانية ... ما بقي في الجسم ما يحمله فرق له، وعاد إلى حسن النظر فيه، إلى أن توفي تحت برّ وعناية، رحمه الله. مولده: ولد بغرناطة ليلة الفطر في سنة عشر وستمائة. وفاته: توفي بتونس، حرسها الله، في أحواز عام خمسة وثمانين وستمائة «2» . علي بن عبد الرحمن بن موسى بن جودي القيسي «3» الأديب الكاتب، يكنى أبا الحسن. حاله: من أهل المعرفة بالعلوم القديمة، وأصله من عمل سرقسطة. وكان صديقا للوزير أبي الحسن بن هاني. مشيخته: قرأ على الحكيم أبي بكر بن الصايغ، المعروف بابن باجة «4» . وكان خليع الرّسن فيما ذكر عنه. شعره: من شعره: [الطويل] خليليّ من نعمان، بالله عرّجا ... على الأيك من وادي العقيق فسلّما وقولا له ما حال لبنى لعلّه ... إذا سمع النجوى بلبنى تكلّما فعهدي به والظلّ ينفضّ دوحه ... وقد خضلت عيدانه فتنعّما تباكره لبنى لإتيان موعد ... عزيز عليها أن يخان ويصرما نبثّ حديثها فنبكي بعبرة ... فترسلها ماء ونرسلها دما الجزء: 4 ¦ الصفحة: 135 ومن شعره قوله «1» : [الوافر] أدر كأس المدام فقد تغنّى ... بفرع الأيك أورقها الصّدوح وهبّ «2» على الرياض نسيم صبح ... يمرّ كما ونى «3» ساد طليح وسال النّهر يشكو من حصاه ... جراحات كما أنّ الجريح وقال: [الطويل] سقى الله دهرا ضمّ شمل مودّة ... وجمّع إخوان الصفاء بلا وعد بميناء تعلوها الرياح بليلة ... وتنظر منها الشمس بالأعين الرّمد وفاته: توفي بغرناطة في حدود الثلاثين وخمسمائة «4» . ومن الطارئين عمر بن خلاف بن سليمان بن سلمة من أهل شابش، يكنى أبا علي. حاله: كان فقيها أديبا مكثرا، شهير المكان بجهته، مولعا بمكاتبة الأدباء وتقييد ما يصدر عنهم، مؤرّخا من أهل النباهة والعناية. ألّف كتابا سماه «نخبة الأعلاق، ونزهة الأحداق في الأدباء» ، وحلّى من ذكر فما قصّر عن السّداد. وله نظم ونثر وخطب، وبيعات ومراجعات تضمّنها الكثير من كتبه. فمن شعره ما قاله يخاطب بعض إخوانه: [البسيط] خذها إليك أبا إسحاق تذكرة ... من ذاكر لك في قرب وفي شحط يرعى ذمامك، لا تنسى لوازمه ... ولا يمازجه بالسّهو والغلط ولا يزال بحفظ العهد معتنيا ... ولا يعامل في البحران بالشطط فأنت عندي أولى من أذمّة ر ... بحي ومن صفوتي في أرفع النّمط قد طال شوقي للإعلام منك بما ... لديك إذ فيه لي تأنيس مغتبط وقد تبّت بنكري في التغافل عن ... معهود ما كنت توليه لذي الشّحط الجزء: 4 ¦ الصفحة: 136 وقد عفا رسم عرفان الإخاء بما ... أوليت من كثرة الإهمال والغلط اجبر «1» أخي وهيه وارجع لصالح ما ... عوّدت في الكتب من مستحسن الخطط وجد ببسط انبساط أنت تبذله ... فإنّ أقبح شيء قبض منبسط وخذ «2» سلاما كعرف المسك نفحته ... من ذي ولاء بذاك المجد مغتبط وفي مفاتحة بعض الأدباء: [الطويل] أبا جعفر، وافتك في صفحة الطّرس ... عقيلة ودّ لم تشنها يد اللّمس لها حلل الإخلاص زيّا وحليها ... عطر ثنا عرف روض الربى ينبس «3» وموجبها ما قد فشا من محامد ... حباك بها الرحمن ذو العرش والكرسي وغرّ علوم حزتها ومعارف ... غلوت بها فحي على البدر والشّمس فإن رزقت منك القبول تشرّفت ... وفازت بتحصيل المسرّة والأنس خطابك يا قاضي العدالة بغيتي ... وروحي وريحاني وقصوى منى نفسي اقتضبتها أعلى الله قدرك، كما أسنى في سماء المعارف والأدب التالد والطارف بدرك، عن ودّ ملك زمامي، وفضل في سبيل المنافسة في خطبة ودادك غاية اهتمامي، وقد تقرّر لديّ من محاسنك وإحسانك بالسماع، ما أوجب عليّ مخاطبتك عند تعذّر المشافهة بألسنة اليراع، فانقدت بزمام ذلك الواجب، وقصدت أداءه على أصحّ المذاهب، راجيا من تجاوزك وإغضائك، ما يليق بباهر علائك، وفي جوابك هو الشفاء، ولدى خطابك يلقى الاعتناء والاحتفاء، والله يطلع منك السّار، ويصل لك المبار. وقال يخاطب السلطان: [الطويل] إلى الحضرة العلياء «4» يستبق العبد ... وفي القرب منها والدّنوّ هو القصد إلى حضرة الولي الإمارية التي ... تبلّج فيها العدل وابتسم السّعد وفيها وجود المرء «5» للدين والدّنا ... وقد خصّها بالرحمة الصّمد الفرد وفاته: كان حيّا في سنة خمس وستمائة. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 137 علي بن أحمد بن محمد بن يوسف بن عمر الغساني «1» من أهل قرية أرينتيرة من قرى سند مدينة وادي آش، يكنى أبا الحسن. حاله: كان من جلّة الطلبة ونبهائهم وأذكيائهم وصلحائهم. عنده معرفة بالفقه، ومشاركة في الحديث، ومعرفة بالنحو والأدب، وحسن نظم ونثر، من أحسن الناس نظما للوثائق، وأتقنهم لها، وأعرفهم بنقدها، وأقصدهم لمعانيها، يستعين على ذلك بأدب وكتابة، فيأتي بأشياء عجيبة. مشيخته: روى عن الراوية أبي العباس الخروبي، والمقرئ أبي الحسن طاهر بن يوسف بن فتح الأنصاري، والقاضي أبي محمد بن عبد الرحيم الخزرجي. تواليفه: ألّف كتابا في شرح المسند الصحيح لمسلم بن الحجاج في أسفار كثيرة، أجاد فيها كل الإجادة. وله كتاب سماه ب «الوسيلة في الأسماء الحسنى» . ونظم في شمائل النبيّ، عليه أفضل الصلاة والسلام. شعره: له شعر في الزهد وغيره، فمنه قوله: [مجزوء الرجز] أيا كريما لم يضع ... لديك عبد أمّلك بالباب من أنت له ... وودّ أن لو كان لك عبد له أسئلة ... وليستحي أن يسألك أفواههم تسأله ... ولم تحسّن عملك ألست «2» أنت خنته ... أمانة قد حمّلك؟ ولم تكن تشكر ما ... من فضله قد خوّلك؟ وكلّما أهملته ... من حقّه ما أهملك إنّا كما قالوا سوى ... أنك أعلى من ملك تلك التي تؤنسني ... وترتجي من فضّلك «3» بشراي إن نال الرّضا ... بها فقد «4» توسّلك الجزء: 4 ¦ الصفحة: 138 علي بن محمد بن «1» علي بن هيضم الرّعيني من أهل إشبيلية، يكنى أبا الحسن. حاله: الكاتب البليغ المحدّث الراوية. قال الأستاذ: كان من أهل العلم والمشاركة، وغلبت عليه الكتابة السلطانية واعتمدها صناعة. وكتب لجلّة من ملوك الأندلس والعدوة. وكان انفصاله من الأندلس قبل سنة أربعين وستمائة. قلت: وكتب للسلطان المتوكل على الله أبي عبد الله بن هود «2» ، ثم للسلطان المتوكل الغالب بالله أبي عبد الله بن نصر «3» . وسكن بغرناطة مدة مديدة. ثم رحل إلى مراكش، فكتب عن أمير سبتة، وعن ملوك الموحدين بمراكش. ونمت حاله ونبهت رتبته، واستقلّ بالإنشاء بعد شيخه أبي زيد الفازازي، وكان محدّثا عارفا بالرواية، متعدد المشيخة، فاضلا، ديّنا، مشاركا في كثير من المعارف، حسن الخط، جيد الكتابة، متوسط الشعر. قلت: هذا الرجل له مشيخة في أصل ابن الخطيب، طويلة اختصرتها. شعره ونثره: من ذلك ما جمع فيه بين النظم والنثر: [الكامل] وافى الكتاب وقد تقلّد جيده ... ما أنت تحسن نظمه وتجيده من كلّ معنى ضمن لفظه في حلى ... خطّ يزيل طلى الطرّوس فريده أبا المطرّف، دعوة من خالص ... لعلاك غابت ودّه وشهيده أنت الوحيد بلاغة وبراعة ... ولك البيان طريفه وتليده فانثر فأنت «4» بديعه وعماده ... وانظم فأنت «5» حبيبه ووليده إيه، أيها السيد الذي جلّت سيادته، وحلّت صميم الفؤاد سعادته، ودامت بها ينفع الناس عادته. ألقى إلى كتاب كريم خطّته تلك اليمنى التي اليمن فيها تخطّه، ونسّقت جواهر بيانه التي راق بها سمطه، فلا تسلوا عن ابتهاجي بأعاجيبه، وانتهاجي لأساليبه، وشدّة كلفي بالتماح وسيمه، وجدّة شغفي باسترواح نسيمه. فإنه قدم وأنس الجزء: 4 ¦ الصفحة: 139 النّفس راحل، واستعاده وروض الفكر ماحل، فجاده لا جرم أنه بما حوى من حدق النّوى، وروى من طرق الهوى، وبكى الربيع المحيل، وشكى من صابح الرّحيل، هيّج لواعج الأشواق وأثارها، وحرّك للنفس حوارها، فحنّت، واستوهبت العين مدارها فما ضنّت. فجاشت لوعة أسكنت، وتلاشت سلوة عنت، وكفّ دمع كفّ، وثقل عذل حفّ، واشتدّ الحنين، وامتدّ الأنين، وعلا النحيب، وعرا الوجيب، والتقى الصّبّ والحين، وهدى المحب قدر ما جناه البين، وطالما أعمل في احتمال المشاق عزيمه، وشدّ لاجتياب الآفاق حيازيمه: [المنسرح] وادع مثوى المقام معتزما ... فلا «1» يرى للغرام ملتزما وأزمع البين «2» عن أحبّته ... والبين عن داره التي رئما وما درى أنه بعزمته ... قد «3» أشعل البين في الحشا ضرما وهل جرى ذاك في تصوّره؟ ... فربما أحدث الهوى لمما إلهي، ألا نوى مشيئته «4» ... شملا من العيش كان منتظما؟ وعاذل قال لي يعنّتني ... لا تبد فيما فعلته ندما ما حيلة في يدي فأعملها ... عدل من الله كلّ ما حكما أما أنّ القلب لو فهم حقيقة البين قبل وقوعه، وعلم قدر ما يشبّ من الرّوع في روعه، لبالغ في اجتنابه، واعتقد المعفي عنه من قبيل المعتنى به، ولحا الله الأطماع، فإنها تستدرج المرء وتغرّه، وتغريه بما يسرّه، ما زالت تقتل في الغارب والذّروة، وتخيل بالترغيب والثّروة، حتى أنأت عن الأحباب والحبايب، ورمت بالغريب أقصى المغارب. فيا لوحشة ألوت بإيناسه، وبالغربة أحلّت في غير وطنه وناسه، ويا عجبا للأيام وإساءتها، وقرب مسرّتها عن مساءتها، كأنها لم تتحف بوصال، ولم تسعف باتصال، ولم تمتّع بشباب، ولم تفتح لقضاء أوطار النفس كل باب: [الخفيف] عجبا للزمان عقّ وعاقا ... وعدمنا مسرّة ووفاقا أين أيامه وأين ليال ... كلآل تلألؤأ واتّساقا؟ كم نعمنا بظلّها فكأنّا ... مرقها للصّبا علينا رماقا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 140 كم بغرناطة وحمص وصلنا ... باصطباح من السرور اغتباقا في «1» ربى نجد تلك أو نهر هدي ... والأماني تجري إلينا استباقا في رياض راقت وراق ولكن ... حين ندّ الحيا لها فأراقا رقّ فيها النسيم فهو نسيب ... قد سبا رقّة نفوسا رفاقا وثنا للغصون منها قدودا ... تتلاقى تصافحا واعتناقا كلّما هبّ من صباه عليل ... وتداوى بها العليل أفاقا حكم السّعد للأحبة فيه ... بكؤوس الوصال أن تنساقا ثم كرّت للدهر عادة سوء ... شقّ فيها خطب النوى حين شاقا شتّت الشمل بعد طول اجتماع ... وسقى للفراق «2» كأسا دهاقا وأعاد الأوطان قفرا ولكن ... قد أعاد القطان فيها الرفاقا ليت شعري والعيش تطويه بالفي ... فى «3» ، أشاما تبوءوا أم عراقا؟ يا حداة القلوب، رفقا بصبّ ... بلغت نفسه السياق اشتياقا آه «4» من شجوة وآه لبين ... ألزم النّفس لوعة واحتراقا هذه، يا سيدي، استراحة من فؤاد وقدته الفرقة والقطيعة، واستباحته لحمى الوقار بما لم تحظره الشريعة، فقديما تشوكيت الأحزان، وتبوكيت الأوطان، وحنّ المشتاق، وكنّ له من الوجد ما لا يطاق، فاستوقف الركب يشكو البلابل، واستوكف السحب لسقيا المنازل، وفدى الرّبع وإن زاده كربا، ومن له إن يلم لائما له تربا. حسبه دموع تفيض مجاريها، ونجوم يسامرها ويسايرها: [الكامل] ألف السهاد فشأنه إدمانه ... واستغرقت أحيانه أشجانه وشكا جفاء «5» الطّيف إذ لم يأته ... هل ممكن من لم ينم إتيانه؟ واستعبدته صبابة وكذا الهوى ... في حكمه «6» أحراره عبدانه كم رام كتمان المحبة جهده ... ودموعه يبدو بها كتمانه الجزء: 4 ¦ الصفحة: 141 وإذا المحبّ طوى حديث غرامه ... كبا الضلوع وشت به أجفانه وهي طويلة. وفاته: بمراكش سحر ليلة الأربعاء الرابعة والعشرين من رمضان سنة ست «1» وستين وستمائة. ودفن عقب ظهره بجبانة الشيوخ مقاربا باب السادة أحد أبواب قصر مراكش. وكان الحفل في جنازته عظيما، لم يتخلّف كبير أحد. علي بن محمد بن علي بن البنا «2» من أهل وادي آش، يكنى أبا الحسن. حاله: من «الإكليل الزاهر» ، قال فيه «3» : فاضل يروقك وقاره، وصقر بعد مطاره. قدم من بلده وادي آش «4» يروم اللحاق بكتّاب الإنشاء، وتوسل بنظم أنيق، وأدب «5» في نسب الإجادة عريق، تعرب براعته عن لسان ذليق، وطبع طليق، وذكاء بالأثرة خليق، وبيننا هو يلحم في ذلك الغرض ويسدي، ويعيد ويبدي، وقد كادت وسائله أن تنجح، وليلة «6» رجائه أن تصبح، اغتاله الحمام، وخانته الأيام، والبقاء لله والدّوام. شعره: من شعره يخاطبني لما تقلدت الكتابة العليا «7» : [البسيط] هو العلاء «8» جرى باليمن طائره ... فكان منك على الآمال ناصره ولو جرى بك ممتدّا إلى أمل «9» ... لأعجز الشمس ما أمّت «10» عساكره لقد حباه منيع العزّ خالقه ... بفاضل منك لا تحصى مآثره فليزه فخرا فما خلق يعارضه ... ولا علاء «11» مدى الدنيا يفاخره لله أوصافك الحسنى لقد عجزت ... من كلّ ذي لسن عنها خواطره هيهات ليس عجيبا عجز ذي لسن ... عن وصف بحر رمى بالدّرّ زاخره الجزء: 4 ¦ الصفحة: 142 هل أنت إلّا الخطيب ابن الخطيب ومن ... زانت حلى الدين والدنيا مفاخره فإن يقصّر عن الأوصاف ذو أدب ... فما بدا منك في التقصير عاذره يا ابن الكرام الألى ما شبّ طفلهم ... إلّا وللمجد قد شدّت مآزره مهلا عليك فما العلياء قافية ... ولا العلاء «1» بسجع أنت ناثره ولا المكارم طرسا أنت راقمه ... ولا المناقب طبّا أنت ماهره ماذا على سابق يسري على سنن ... إن كان من نفعه «2» خلّ يسايره سر حيث شئت من العلياء متّئدا «3» ... فما أمامك سابق «4» تحاذره أنت الإمام لأهل الفخر إن فخروا ... أنت الجواد الذي عزّت مفاخره «5» ما بعد ما حزته من عزّة وعلا ... شأو يطارد فيه المجد كابره نادت بك الدولة النّصريّ «6» محتدها ... نداء مستنجد «7» أزرا يوازره حلّيتها برداء البرّ مرتديا ... وصبح يمنك فجر السّعد سافره «8» فالملك يرفل في أبراده مرحا ... قد عمّت الأرض إشراقا بشائره فاهنأ «9» بها نعمة ما أن يقوم لها «10» ... من اللسان ببعض الحقّ شاكره وليهننا أنه «11» ألقت مقالدها ... إلى سريّ «12» زكت منه عناصره فإنه بدر تمّ في مطالعها ... قد طبّق الأرض بالأنوار نائره ومن أطبع ما هزّ به إلى إقامة سوقه، ورعي حقوقه، قوله «13» : [البسيط] يا معدن الفضل موروثا ومكتسبا ... فكل «14» مجد إلى عليائها «15» انتسبا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 143 بباب مجدكم الأسمى أخو أدب ... مستصرخ بكم يستنجد الأدبا ذلّ الزمان له طورا فبلّغه ... من بعض آماله بعض «1» الذي طلبا والآن أركبه من كلّ نائبة «2» ... صعب الأعنّة لا يألو به نصبا فحمّلته دواعي حبّكم وكفى ... بذاك شافع صدق يبلّغ الأربا فهل سرى نسمة من جاهكم فيها «3» ... خليفة الله فينا يمطر الذّهبا وأهدى إليّ قباقب خشب برسمي ومعها من جنسها صغار للأولاد من مدينة وادي آش من خشب الجوز، وكتب لي معها «4» : [الخفيف] هاكها ضمّرا مطايا حسانا ... نشأت في الرياض قضبا لدانا وثوت بين روضة وغدير ... مرضعات من النّمير لبانا «5» ثم لمّا أراد إكرامها الله ... وسنّى لها المنى والأمانا قصدت بابك العليّ ابتدارا ... ورجت في قبولك الإحسانا «6» قد قبلنا جيادك الدّهم لمّا ... أن بلونا منها العتاق الحسانا أقبلت خلف كلّ حجر ببيع «7» ... خلعت وصفها عليه عيانا فقبلنا «8» برعيها وفسحنا ... في ديار «9» العلى لها ميدانا وأردنا امتطاءها «10» فاتّخذنا «11» ... من شراك الأديم فيها عنانا قدمت قبلها كتيبة سحر ... من كتاب سبت به الأذهانا مثلما تجنب الجيوش المذاكي «12» ... عدّة للقاء مهما كانا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 144 لم ترق مقلتي ولا رقّ قلبي ... كحلاها براعة وبيانا «1» من يكن مهديا فمثلك يهدي ... لم أجد للثّنا عليك لسانا وفاته: توفي في الرابع لشعبان من عام «2» خمسين وسبعمائة معتبطا في الطاعون، لم يبلغ الثلاثين. علي بن محمد بن علي العبدري سكن غرناطة، يكنى أبا الحسن ويعرف بالورّاد، ويشهر أبوه باليربوني. حاله: بقية مسنّي أدباء الأندلس في فن الهزل والمعرب، والهزل متولي شهرته، وله القدح المعلّى فيه، والطريقة المثلى، ظريف المأخذ، نبيل الأغراض، حافظ للعيون، مال بآخرة إلى النّسك وصحبة الصالحين. ولم يزل بحاله الموصوفة إلى أن استولت عليه الكبرة، وظرفه يتألّق خلال النسك. وجرى ذكره في «الإكليل الزاهر» بما نصّه: أديب، نار ذكائه كأنه يتوقّد، وأريب لا يعترض كلامه ولا ينقد. أمّا الهزل فطريقته المثلى، التي ركض في ميدانها وجلى، وطلع في أفقها وتجلّى، فأصبح علم أعلامها، وعابر أحلامها. إن أخذ بها في وصف الكاس، وذكر الورد والآس، وألمّ بالربيع وفصله، والحبيب ووصله، والروض وطيبه، والغمام وتقطيبه، شقّ الجيوب طربا، وعلّ النفوس إربا وضربا. وإن أشفق لاعتلال العشية، في فرش الربيع الموشية، ثم تعدّاها إلى وصف الصّبوح، وأجهز على الرق المجروح، وأشار إلى نغمات الورق، يرفلن في الحلل الزّرق، وقد اشتعلت الليل نار البرق، وطلعت بنور الصباح في شرفات الشرق، سلب الحليم وقاره، وذكر الخليع كأسه وعقاره، بلسان يتزاحم على مورده الخيال، ويتدفّق من حافاته الأدب السيال، وبيان يقيم أود المعاني، ويشيده صانع اللفظ محكمة المباني، ويكسو حلل الإحسان جسوم المثالث والمثاني، إلى نادرة لمثلها يشار، ومحاضرة يجنى بها الشهد ويسار. وقد أثبتّ من شعره المعرب، وإن كان لا يتعاطاه إلّا قليلا، ولا يجاوره إلّا تعليلا، أبياتا لا تخلو من مسحة جمال على صفحاتها، وهبّة طيب ينمّ في نفحاتها. فمن ذلك قوله: [الطويل] يذكّرني حسن الكواعب روضة ... لها خطر قيد النّواظر مونق الجزء: 4 ¦ الصفحة: 145 خدود من الورد النضير وأعين ... من النّرجس السامي إليها تحدّق وخامات زرع يانع كذؤاب ... وما شقّها من جدول الماء مفرّق ومن شعره قوله: [الوافر] أسافرة النقاب، سحرت لمّا ... أمطت الخزّ عن بدر التمام وتيّمت الفؤاد بغنج طرف ... كحيل ما يفيق من المنام لعمر أبيك ما بالنوم بعد ... عن الجفن المكحّل بالظلام ومن معانيه المخترعة وأغراضه المبتدعة، وكلها كذلك: [البسيط] ما لي إذا غبتم تهمي لفرقتكم ... عيني بمنهمر كالغيث هتّان أشبهت نيلوفرا والشمس بهجتكم ... إن غبتم غبت في أمواه أجفان السّقم يشهد لي والدّمع برّح بي ... متى استوى عندكم سرّ وإعلان؟ وقال من المستحسن الذي رمى فأصاب، واستمطر طبعه فصاب: [الطويل] يقولون: لاح الشيب فاله عن الصّبا ... وعن قهوة تصبو لها وتنيب فقلت: دعوني نصطحبها سلافة ... على صبح شيبي فالصّبح عجيب وقال كذلك: [الكامل] لا تعجبنّ من البليد مخولا ... ومن اللبيب يعدّ في الفقراء الماء أصل الخصب غير مدافع ... وأخو البلادة طبعه كالماء والنار مؤثرة الجدوب وإنها ... لشبيهة بطبائع الفطناء ومن قصائده الغريبة: [الكامل] ومعذّر لحظ المشيب بعارضي ... فتصرّمت دوني حبال وصاله هلّا ثنته نسبة لمحبّه؟ ... إنّ العذار لشيبة لجماله وقال أيضا: [الوافر] تحرّ الصّدق إن حدّثت يوما ... وإن حدّثت لا تنقل حديثا وكن للسّرّ صوّانا كتوما ... وربما كان سرّك أو حديثا وقال مما يكتب في غمد سيف: [الطويل] لئن راق منّي منظر بان حسنه ... لقد سامني بالمهنّد باطن كأنّ أديمي رقعة من حديقة ... تلقّفها صلّ لدى الروض كامن الجزء: 4 ¦ الصفحة: 146 وقال مما يكتب على قوس: [البسيط] إن كان من وتر الألحان منبعثا ... سرور قوم مدى الآصال والبكر فإنّ حزن العدا ما نال منبعثا ... منّي وحينهم في النّقر في وتر وقال في غير هذا الغرض: [السريع] الخير كلّ الخير في ستّة ... لم تلف إلّا في كرام الرجال الحزم والحلم وحمل الأذى ... والصبر والصّمت وصدق المقال ومما نختتم به محاسنه قوله: [الطويل] ألا إنّ باب الله ليس بمغلق ... ولا دونه من مانع لموفّق ولكن بلينا في سلوك طريقه ... بكلب من الشيطان ليس بمطرق فمن يرم بالدنيا إليه كلقمة ... فذاك الذي من شرّه ليس يتّقي فخلّ عن الدنيا ودع عنك حبّها ... يدعك إلى أوج السعادة ترتقي وقوله: [البسيط] أيقنت أنّ جميع الخلق ليس له ... شيء من الأمر في شيء فيصنعه فلا أخاف ولا أرجو مدى عمري ... إلّا الذي في يديه الخلق أجمعه مولده: بمدينة مالقة في اليوم الثالث والعشرين لذي حجة من عام أحد وثمانين وستمائة. وفاته: في أحواز أحد وستين وسبعمائة. علي بن عبد العزيز ابن الإمام الأنصاري يكنى أبا الحسن، سرقسطي الأصل، غرناطي الاستيطان والاستعمال. حاله: كان وزيرا جليلا، معظّم القدر، مبجلا أثيرا، ذا معارف جمة، أحد كتاب الزمن، وأهل البلاغة والفصاحة والكرم. وزر للأمير أبي الطاهر تميم بن يوسف بن تاشفين، صاحب غرناطة، فحمدت وزارته، وكتب للأمير علي بن يوسف. وروى عن شيوخ غرناطة. أخباره في الجود والجلالة: قال أبو القاسم: شكى إليه بعض إخوانه من حادث طرقه، وأن النّفاق أخرجه من بلده، وحال بينه وبين بلده، فأنزله أكرم منزل، وخرج إلى المسجد الجامع، الجزء: 4 ¦ الصفحة: 147 وأشهد على نفسه أنه وهبه الربع من أملاكه، وكتب بذلك عقدا ودفعه إليه، وقال: يا أخي، إن ذلك سيصلح من حالك، وحالي لا يتسع لأكثر من هذا، فاعذر أخاك. وكان الذي وهبه يساوي فوق الألف دنير مرابطية، فرحم الله الوزير أبا الحسن؛ فلقد كان نادرة الزمن. شعره: من ذلك قوله: [الكامل] يا ليت شعري والأماني كلّها ... زور يغرّك أو سراب يلمع في كل يوم منزل لأحبّة ... كالظلّ يلبس للمقيل «1» ويخلع ومن ذلك قوله: [الوافر] تسمّوا بالمعارف والمعالي ... فليس المجد بالرحم البوال وإن فاتا فبالبيض المواضي ... وبالسّمر المثقّفة العوالي وإنّ المرء تنهضه هذه «2» ... فليس بناهض أخرى الليالي ومن أسمته أسباب سواها ... فرفعتها تؤول إلى سفال ومن المحدّثين والفقهاء والطلبة النجباء علي بن إبراهيم بن علي بن إبراهيم الجذامي «3» القاضي المتفنن الحافظ، من أهل غرناطة، يكنى أبا الحسن. حاله: من الصّلة: كان عدلا فاضلا جليلا، ضابطا لما رواه، فقيها حافظا، حسن التقييد. تواليفه: قال: اختصر كتاب «الاستذكار» لأبي عمر بن عبد البر، وغير ذلك. مشيخته: روى «4» عن أبي محمد عبد الحق بن بونة، والقاضي أبي عبد الله بن زرقون، وأبي القاسم بن حبيش، وأبي خالد بن رفاعة، وأبي محمد بن عبيد الله، وأبي زيد السّهيلي، وأبي عبد الله بن الفخار، وأبي الوليد بن رشد. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 148 مولده: ضحوة يوم الأضحى من عام خمسة وخمسين وخمسمائة «1» . وفاته: وتوفي قريب الظهر من يوم الأربعاء التاسع عشر لذي حجة من عام اثنين وثلاثين وستمائة. من روى عنه: روى عنه القاضي أبو علي بن أبي الأحوص «2» . علي بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن الضحاك الفزاري من أهل غرناطة، يكنى أبا الحسن، ويعرف بابن النّفزي. حاله: قال أبو القاسم الغافقي: فقيه مشاور بغرناطة، محدّث متكلّم. مشيخته: أخذ عن أبي الحسن شريح، وعن الإمام أبي الحسن علي بن أحمد بن الباذش، وعن أبي القاسم بن ورد، وعن القاضي أبي الفضل عياض بن موسى، وعن الإمام أبي عبد الله المازري، وعن أبي الطاهر السّلفي، وعن أبي مروان بن مسرّة، وأبي محمد بن سماك القاضي، وعلي بن عبد الرحمن بن سمحون القاضي، والقاضي أبي محمد بن عطية، والمشاور أبي القاسم عبد الرحيم بن محمد، والقاضي أبي القاسم بن أبي جمرة، وجماعة يطول ذكرهم. تواليفه: وله تواليف في أنواع من العلم، منها كتاب «نزهة الأصفياء، وسلوة الأولياء، في فضل الصلاة على خاتم الرسل وصفوة الأنبياء» اثنا عشر جزءا، وكتاب «زواهر الأنوار، وبواهر ذوي البصائر والاستبصار، في شمائل النبيّ المختار» سفران كبيران، وكتاب «منهج السداد، في شرح الإرشاد» ثلاثون جزءا، وكتاب «مدارك الحقائق في أصول الفقه» خمسة عشر جزءا، وكتاب «تحقيق القصد السّني، في معرفة الصمد العلي» سفر، وكتاب «نتائج الأفكار، في إيضاح ما يتعلق بمسألة الأقوال من الغوامض والأسرار» سفر، وكتاب «تنبيه المتعلمين على المقدمات والفصول، وشرح المهمات منها والأصول» سفر، وكتاب «السّباعيات» ، وكتاب «تبيين مسالك العلماء، في مدارك الأسماء» ، وكتاب «رسائل الأبرار، وذخائر أهل الحظوة والإيثار، في انتخاب الأدعية المستخرجة من الأخبار والآثار» سفران اثنان، وكتاب «الإعلام، في استيعاب الرواية عن الأئمة الأعلام» سفران. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 149 وفاته: توفي في الكائنة بغرناطة سنة سبع وخمسين وخمسمائة. خرج منها يريد وادي آش، فلم يصل إليها، وفقد فلم يوقع له على خبر. علي بن عبد الله بن يحيى بن زكريا الأنصاري يكنى أبا القاسم، ويعرف بابن زكريا. أوّليّته: قد مرّ في ذكر أبيه وعمّه. حاله: هذا الرجل فاضل، سكون، من أهل السذاجة والسلامة والعفاف والصيانة، معمّ مخول في الخير، طاهر النشأة، جانح للعدالة. قعد للعلاج، وبرز في صناعة الطب على فتا من سنّه، واستيم إليه بمهم من نبيه العمل وخطّته، متصف بالإجادة والبيان. مشيخته: قرأ العربية والفقه وغيرهما من المبادىء على مشيخة وقته، والطب على الوزير أبي يزيد خالد بن خالد من أهل غرناطة، وقعد معه. شعره: ينتحل من الشعر ما عينه في الشّرود أو غير ذلك فراره، كقوله: [الرمل] صعّدت نار فؤادي أدمعي ... فلذا ما جفّ قلبي فانفطر لو أباح الله لي وصل إلى «1» ... صدع للقلب مني وانجبر أصل دائي منك لحظ فاتر ... وأشدّ اللّحظ منه «2» ما فتر كيف أرجو منه برءا وغدت ... قهوة للحسن «3» تسقيه درر؟ فانظر قوله الأنبل من شعره: [الطويل] ولي همّة من دونها كلّ همّة ... أموت بها عطشان أو يخلص الشّرب يعزّ على الكريم ورود ماء ... يكدّره شوب ويطرقه نهب وإني وإن أضحى لودّك موضع ... من القلب أضحى دون موضعه الخلب فتمنعني نفسي لأيمان أروا ... حهم لا «4» على شرب يؤنّقه قشب الجزء: 4 ¦ الصفحة: 150 غفر الله له على قشب، وتجاوز عنه، فلقد دفع منه فضحها. وهو بحاله الموصوفة. ومن الطارئين والغرباء علي بن أحمد بن محمد بن أحمد بن علي بن أحمد الخشني من أهل مالقة، من قرية يعشيش من عمل ملتماس، من شرقيها، يكنى أبا الحسن. ودخل غرناطة ومدح أمراءها، وتردّد إليها. حاله: من «عائد الصلة» : من صدور أهل الدين والفضل، والخير والصلاح والنزاهة، والاقتصاد والانقباض، تحرّف بصناعة التّوثيق بمالقة، جاريا على شاكلة مثله من الاقتصاد، والتبلّغ باليسير، ومصابرة الحاجة، مكبّا على المطالعة والنظر، مجانبا للناس، بعيدا عن الرّيب، مؤثرا للزهد في الدنيا. ولّي الخطابة بالمسجد الأعظم من قصبة مالقة في عام وفاته. مشيخته: قرأ على الأستاذ الصالح الخطيب أبي جعفر بن الزيات، والأستاذ المقرئ رحلة الوقت أبي عبد الله بن الكمّاد. شعره: وشعره آخذ بطرف من الإجادة في بعض المقاصد، فمن ذلك قوله: [الوافر] أرى لك في الهوى نظرا مريبا ... كأنّ عليك عذلا «1» أو رقيبا ولست بخائف في الحب شيئا ... على نفسي مخافتي المشيبا يريني كل ما تهواه نفسي ... قبيحا مالئا عيني عنيبا أنا منه ابن قيس لا يراح ... فذق مرّ التأسف مستطيبا إذا ما كنت تبكي فقد حبّ ... فما مثل الشباب به حبيبا وقال في مذهب المدح من المطولات: [الكامل] الآن تطلب ودّها ووصالها ... من بعد ما شغلت بهجرك بالها وقد استحالت فيك سيماء «2» الصّبا ... حالا يروع مثلها أمثالها وأتيتها متلبسا بروائع ... نكر بفودك أصبحت عذّالها الجزء: 4 ¦ الصفحة: 151 بيض تخيّل للنفوس نصولها ... سمرا تخوّل للنحور نصالها مثل الأفاعي الرّقط تنفث في الحشا ... وأرى بفودك جثما أطالها نار تضرّم في الفؤاد حريقها ... لكن تنير بمفرقيك ذبالها جزعت لهذا الشّيب نفسي وهي ما ... زالت تهوّن كل صعب نالها ولكم صدعت بنافذ من عزمتي ... همّا فلا «1» يهدي العليم ضلالها صادمت من كرب الدّنا أشتاتها ... ما خفت غربتها ولا إقلالها ولئن تقلّص عسرتي فيء الغنا ... عنّي فلي نفس تمدّ ظلالها ما مزّقت ديباجتي غير امرئ ... عرضت عليه النفس قط سؤالها ألقى الليالي غير هبّ صرفها ... والأسد غير مجنّب أغيالها أمشي الهوينا والعداة تمرّ بي ... مرّا يطير عن الجياد نسالها علمت لي الخلق الجميل محقّقا ... وتسيء فيّ على عم «2» أقوالها تبغي انثناء، هل «3» سمعت بنسمة ... مرّت على نجد تهزّ جبالها؟ ولربما عرضت لعيني نظرة ... يرضى الحكيم غرامها وخبالها من غادة سرق الصباح بهاءها ... والبدر في ليل التمام كمالها تهوي المجرّة أن تكون نجومها ... من حليها وهلالها خلخالها عرضت كما مرّت بعينك مطفل ... ترعى بناظرك الكحيل غرامها ما نهنهت نفسي وإن ضمنت لها ... عبراتها يوم الوداع وصالها من كان يأمل أن يقوم بمجلس ... حطّت به شهب السما أثقالها محا أحاديث السّرى «4» أولي النّها ... نصّا ويضري في العلى أمثالها ألقى هواه جانبا وسرى به ... وجنا تدوّي في الدجى إعمالها ومنها في المدح: ألبست دين الله حلّة أمن ... أضفت على إسرائه زلزالها «5» أنتم بني نصر نصرتم ملّة ال ... إسلام حين شكت لكم عذّالها كنتم لها أهلا ورحّبتم بها ... في الغربتين ومنتم إنزالها الجزء: 4 ¦ الصفحة: 152 نزلت على سعد ليسعد جدّها ... وأوت إلى نصر لينصر آلها أحرزتم يوم السّقيفة عودها ... دون الأنام وقودها وسكالها لكن حبوتم من أجرتم منّة ... بخلافة الله التي يعنى لها إذ تؤثرون سواكم قالت بذا ... آي الكتاب، فمن يردّ مقالها؟ حتى إذا عثرت ولم ينهض بها ... إلّاكم بادرتم إنشالها آويتم خير البريّة كلّها ... ومغيثها ونجاتها وثمالها من ألبس الشّرف الرفيع وضيعها ... وكسا معصفرة الحجا جهّالها من أمّ في السّبع العلى أملاكها ... جبريلها في الغرب أو ميكالها من أنقذ الغرقى وقد شمل الرّدى ... هذا الأنام خيارها وحثالها من فاضت الخيرات من تلقائه ... كالصّبح فاض على الدّجى فأزالها من فجّر العين الفرات بكفّه ... يرو الورى ورد القطا سلسالها من لا يقاسي «1» بالرياح إذا سرت ... نشرا تقلّ من السحاب ثقالها معنى وجود الكون علّة كونه ... نفس الحياة منفّسا أهوالها دامت صلاة الله ديمة عارض ... يهمي عليه ندى الدّنا هطّالها لمّا تحقّقت النبوّة أنها ... قد زلزلت منها الورى زلزالها وتقاعست عن منعها أعمامها ... أمّت أئمّة نصرها أحوالها فوثبتم مثل الليوث لنصرها ... والحرب تجنب خلفها أشبالها وأدرتم منها زبونا أصبحت ... ترمي رؤوس الملحدين ثقالها بدر وما بدر وردّم قلبها ... بجنادل الطاغوت تملأ جالها ولكم بأوطاس وقد حمي الوطي ... س على العدا يوم أطاح بحالها فنزعتم أزواجها وسبيتم ... أولادها وسلبتم أموالها وذهبتم بالمصطفى لدياركم ... وحيا سواكم ساقها وجمالها فزتم به فوز المعلّى منحة ... أحرزتم دون الأنام منالها يا أيها الملك الذي من ملكه ... جنت الملوك جمالها وجلالها ما زال حزبك منهم يعلو على ... مرّ الدهور ويعتلي أجبالها حتى حللت من المجادة ذروة ... ما حلّ غيرك في المجادة حالها تحمي الهدى تهمي النّدى تولي الجدا ... وتقي الردى وتري العدا أوجالها الجزء: 4 ¦ الصفحة: 153 قعدت شريعته بيمنك ليس من ... كدر يشين على العباد زلالها يا سيّد السادات، يا ملك الملو ... ك وشمسها وصباحها وهلالها يا بدرها، يا بحرها، أو غيثها ... أو ليثها أو حسنها وجمالها خذها كما دارت بكأس سلافها ... حوراء تمزج باللّمى جريالها تثني على السّحر المبين وشاحها ... وتدير من خمر الفتور جلالها لمياء تبرز للعيون كشاطر ... والعقل يوجب حكمه إجلالها وقفت وذو إحسانها من هاشم ... من سبط خير العالمين حيالها يرجو رضاك وطالما أرضيتم ... آل النبيّ وكنتم أرسالها كم من يد بيضا لدينا منكم ... شكرا «1» له وأولياه فعالها آويتم، واسيتم، واليتم، ... أحللتمونا داركم وجلالها وهجرتم لوصالنا أعداءنا ... ووصلتم لصلاتنا أوصالها فصلوا حياءنا «2» ما استطعتم وصله ... تعطوا من اجزاء «3» الجزاء جزالها وله تأليف غريب عكف عليه عمره في فضل مكّة، وكأنه يروم برهانا على وجوب كونها بالموضع الذي هي به، وفضله على سواه، وتكلم على حروف اسمها، من جهة تناسب أعداد الحروف، مما الناظر فيه مخير في نسبه إلى العرفان أو الهذيان. وفاته: توفي بمالقة في أخريات صفر من عام خمسين وسبعمائة. علي بن أحمد بن محمد بن يوسف بن مروان بن عمر الغساني من أهل وادي آش، وروى وتردّد إلى غرناطة، يكنى أبا الحسن. حاله: كان فقيها حافظا، يقظا، حسن النظر، أديبا، شاعرا مجيدا، كاتبا بليغا، فاضلا. مشيخته: روى عن أبي إسحاق بن عبد الرحيم القيسي، وأبي الحسن طاهر بن يوسف، وأبي العباس الخرّوبي، وأبي القاسم بن حبيش، وأبي محمد عبد المنعم بن الفرس الغرناطي، ومحمد بن علي بن مسرّة. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 154 وروى عنه أبو بكر بن عبد النور، وأبو جعفر بن الدلال، وأبو عبد الله بن أحمد المذحجي، وأبو سعيد الطّراز، وابن يوسف، وابن طارق، وأبو علي الحسن بن سمعان، وأبو القاسم بن الطّيلسان. تواليفه: صنّف في شرح «الموطأ» مصنّفا سمّاه «نهج المسالك، للتفقه في مذهب مالك» في عشرة مجلدات. وشرح صحيح مسلم وسمّاه «اقتباس السراج، في شرح مسلم بن الحجاج» . وشرح تفريع ابن الجلاب وسمّاه «الترصيع، في شرح مسائل التفريع» . وصنّف في الآداب منظوماته ورسائله، وهي شهيرة، شاهدة بتبريزه وتقدّمه. وله نظم شمائل رسول الله صلى الله عليه وسلم، رسالة بديعة تشتمل على نظم ونثر، بعث بها إلى القبر الشريف. وله كتاب «الوسيلة إلى إصابة المعنى، في أسماء الله الحسنى» . شعره: من شعره في «الوسيلة» ، وقد ضمّن كل قطعة أو قصيدة اسما من أسماء الله تعالى، فمنها قوله في اسم الله سبحانه: [الطويل] قل الله نستفتح من اسمائه الحسنى ... بأعظمها لفظا وأعظمها معنى هو الله فادع الله بالله تقترب ... لأقرب قربى من وريدك أو أدنى وآمله مضطرّا وقف عند بابه ... وقوف عزيز لا يصدّ ولا يثنى بباب إله أوسع الخلق رحمة ... فلله ما أولى أبرّ وما أحنى وقدّم من الإخلاص ثم وسيلة ... تنل رتبة العلياء «1» والمقصد الأسنى أمولاي، هل للخلق غيرك مفضل ... يصرّح عن ذكراه في اللفظ أو يكنى؟ ببابك مضطر شكا منك فقره ... لأكرم من أغنى فقيرا ومن أقنى وللفضل والمعروف منك عوائد ... لها الحمد ما أدنى قطوفا وما أهنى فمنها لك الإنعام دأبا خوالدا ... تفاني بها الأيام طرّا ولا يفنى وفاته: توفي شهيدا في ربيع الآخر سنة تسع وستمائة. علي بن صالح بن أبي الليث الأسعد بن الفرج بن يوسف «2» طرطوشي، سكن دانية، يكنى أبا الحسن، ويعرف بابن عزّ الناس «3» . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 155 حاله: كان «1» عالما بالفقه، حافظا لمسائله، متقدّما في علم الأصول، ثاقب الذهن، ذكي الفؤاد، بارع الاستنباط، مسدّد النظر، متوقّد الخاطر، فصيح العبارة، ذا حظّ من قرض الشعر «2» . من روى عنه: روى «3» عنه أبو بكر أسامة بن سليمان، وسليمان بن محمد بن خلف، ويحيى بن عمر بن الفصيح. دخوله غرناطة: قالوا «4» : واستخلصه الأمير أبو زكريا يحيى بن غانية «5» أيام إمارته ببلنسية لمشهور معرفته ونباهته، ثم سار معه إلى قرطبة «6» ، ولازمه إلى أن توفي أبو زكريا بن غانية بغرناطة سنة ثلاث وأربعين، فانتقل إلى شرق الأندلس، واستقرّ بدانية. تواليفه: وله «7» مصنّفات منها «كتاب العزلة» ، ومنها «شرح معاني التحيّة» . ولد بطرطوشة سنة ثمان وخمسمائة، وتوفي بدانية؛ قتل مظلوما بإذن ابن سعد الأمير في رمضان «8» سنة ست وستين وخمسمائة. علي بن أبي جلّا المكناسي «9» يكنى أبا الحسن. حاله: كان «10» شيخا ذكيا، طيب النفس، مليح الحديث، حافظا للمسائل الفقهية، عارفا لها، قائما على كتاب المدوّنة، تفقّه بالشيخ أبي يوسف الجزولي، الجزء: 4 ¦ الصفحة: 156 وعليه اجتهد في مسائل الكتاب. وكان مضطلعا بمشكلاته، حسن المذاكرة، مليح المجلس أنيسه، كثير الحكايات، إلّا أنه كان يحكي غرائب شاهدها تملّحا وأنسا، فينمّقها عليه الطلبة «1» ، وربما تعدّوا ذلك إلى الافتعال على وجه المزاح والمداعبة، حتى لجمعوا «2» من ذلك كثيرا في جزء سموه ب «السّلك «3» المحلّى، في أخبار ابن أبي جلّا» . فمن ذلك ما زعموا أنه حدّث بأنه كانت له هرّة، فدخل البيت يوما، فوجدها قد بلّت أحد «4» كفّيها، وجعلته في الدقيق حتى علق به، ونصبته بإزاء كوّة فأر في الجدار، ورفعت اليد الأخرى لصيده، فناداها باسمها، فردّت «5» رأسها، وجعلت إصبعها في «6» فمها على هيئة المشير بالصمت. وأشباه ذلك كثير. وفاته: في حدود ستة «7» وأربعين وسبعمائة. علي بن أبي بكر بن عبد الرحمن بن علي ابن سمحون الهلالي يكنى أبا الحسن. حاله: كان شيخا جليلا، فقيها، عارفا، نبيلا، نبيها، ذا مروءة كاملة، وخلق حسن، من بيت حسب وعلم ودين. قال أبو القاسم الملّاحي: حدّثني صاحبنا الفقيه الخطيب أبو جعفر بن حسان، قال: كنت أجاوره في بعض أملاكي، وكان له ملك يلاصقني، أتمنى أن أكتسبه، فينتظم لي به ما هو مفترق، فوافقته ذات يوم في القرية، فسألته المعاوضة به، وخيّرته في مواضع في أرضي، فضحك مني، وقال لي: انظر في ذلك إن شاء الله. ثم إنه وجّه لي بعد ذلك بأيام يسيرة، بعقد يتضمن البيع وقبض الثمن مني، فخجلت منه، وراودته في أخذ الثمن، فأبى وقال لي: هذا قليل في حقّك، وكان قد لقي شيوخا أخذ عنهم، وكانت له كتب كثيرة. وفاته: توفي بالمنكّب صبح اليوم السادس من رمضان عام ستة وتسعين وخمسمائة. ولست أحقق أهو القريب أو سلفه، وعلى كلا التقديرين، فالفضل حاصل. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 157 علي بن محمد بن عبد الحق الزرويلي «1» يكنى أبا الحسن، ويعرف بالصّغير، بضم الصاد وفتح الغين والياء المشددة. حاله: من «المؤتمن» «2» : كان هذا الرجل قيّما على التهذيب للبرادعي، حفظا وتفقها، يشارك في شيء من أصول الفقه، يطرّز بذلك مجالسه، مغربا به بين أقرانه من المدرسين في ذلك الوقت، لخلوّهم من تلك الطريقة بالجملة. حضرت «3» مجلس إقرائه، وكان ربعة، آدم اللون، خفيف العارضين، يلبس أحسن زيّ صنعة، وأحسن ما فيه ليس بحسن. وكان يدرس بجامع الأصدع من داخل مدينة فاس، ويحضر عليه نحو مائة نفس، ويقعد على كرسي عال ليسمع البعيد والقريب، على انخفاض كان في صوته، حسن الإقراء، وقورا فيه، سكونا، مثبتا، صابرا على هجوم طلبة البربر، وسوء طريقتهم في المناظرة والبحث، وكان أحد الأقطاب الذين تدور عليهم الفتوى أيام حياته، ترد عليه السؤالات من جميع بلاد المغرب، فيحسن التوقيع على ذلك، على طريقة من الاختصار وترك فضول القول. ولّي القضاء بفاس؛ قدّمه أبو الربيع سلطان المغرب وأقام أوده، وعضده، فانطلقت يده على أهل الجاه، وأقام الحق على الكبير والصغير، وجرى من العدل على صراط مستقيم. ونقم عليه اتخاذ شمّام يستنشق على الناس الخمر، ويحقّ أن ينتقد ذلك. مشيخته: أخذ عن الفقيه راشد بن أبي راشد الوليدي، وانتفع به، وعليه كان اعتماده. وأخذ عن صهره أبي الحسن بن سليم، وأبي عمران الجورماني، وعن غيرهما «4» . وقيّدت عنه بفاس على التهذيب وعلى رسالة أبي زيد، قيّدها عنه تلاميذه، وأبرزوها تأليفا كأبي سالم بن أبي يحيى. وفاته: وفاته يوم الثلاثاء السادس لرمضان عام تسعة عشر وسبعمائة، ودخل غرناطة لمّا وصل رسولا على عهد مستقضيه، رحمهما الله. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 158 علي بن محمد بن علي بن محمد بن يحيى بن عبد الله ابن يحيى بن عبد الله بن يحيى الغافقي «1» سبتي، ساري «2» الأصل، انتقل منها أبوه سنة اثنتين وستين وخمسمائة، يكنى أبا الحسن، ويشهر أهل بيته في سارة بني يحيى. حاله: من «التكملة» «3» : كان محدّثا راوية مكثرا، عدلا ثقة، ناقدا، ذاكرا للتواريخ وأيام الناس وأحوالهم وطبقاتهم، قديما وحديثا، شديد العناية بالعلم، والرغبة فيه، جاعلا الخوض فيه، مفيدا ومستفيدا، وظيفة عمره، جمّاعة للكتب، منافسا فيها، مغاليا في أثمانها، وربما أعمل الرحلة في التماسها حتى اقتنى منها بالابتياع والانتساخ كل علق نفيس. ثم انتقى منها جملة وافرة فحبسها في مدرسته التي أحدثها بقرب باب القصير، أحد أبواب بحر سبتة، وعيّن لها من خيار أملاكه وجيّد رباعه وقفا صالحا، سالكا في ذلك طريقة أهل المشرق، وقعد بها بعد إكمالها لتروية الحديث وإسماعه، في رجب خمس وثلاثين وستمائة، وكثر الأخذ بها عنه، واستمرّ على ذلك مدة. وكان سريّ الهمّة، نزيه النفس، كريم الطبع، سمحا، مؤثرا، معانا على ما يصدر عنه من المآثر الجليلة ونبل الأغراض السنية، بالجدة المتمكنة، واليسار الواسع. وكان سنّيّا، منافرا لأهل البدع، محبّا في العلم وطلابه، سمحا لهم بأعلاق كتبه، قوي الرجاء في ذلك. وممّا يؤثر عنه من النزاهة، أنه لم يباشر قط دنيرا ولا درهما، إنما كان يباشر ذلك وكلاؤه اللائذون به. مشيخته: روى «4» عن أبوي الحسن أبيه والتجيبي، وأبي الحسن بن عطية بن غازي، وأبي عبد الله محمد بن عيسى، وابن عبد الكريم، وابن علي الكتّاني، وأبي إسحاق الشّقوري، وأبوي بكر بن الفصيح، ويحيى بن محمد بن خلف البوريني، وأبي الحسن بن خروف النحوي، وابن عبيدس، وابن جابر، وابن جبير، وابن زرقون، وابن الصائغ، وأبي بكر بن أبي ركب، وأبي سليمان بن حوط الله، وأبي العباس القوراني، وأبي القاسم عبد الرحيم بن الملجوم، وأبي محمد الحجري وأكثر عنه، وابن حوط الله، وابن محمد بن عيسى التّادلي، وعبد العزيز بن زيدان، ويشكر بن موسى بن الغزلقي، هؤلاء أخذ «5» عنهم بين سماع وقراءة، وأكثرهم أجازه الجزء: 4 ¦ الصفحة: 159 أو كتب إليه مجيزا. ولم يلقه أبو جعفر بن مضاء، وأبو الحسن بن القطان ونجبه، وأبو عبد الله بن حماد، وابن عبد الحق التّلمساني، وابن الفخار، وأبو القاسم السهيلي، وابن حبيش، وأبو محمد عبد المنعم بن الفرس. واستجاز بآخرة، مكثرا من الاستفادة، أبا العباس بن الرومية، فأجاز له من إشبيلية. من روى عنه: روى أبو بكر أحمد بن حميد القرطبي، وأبو عبد الله الطّنجالي، وابن عياش، وأبو العباس بن علي الماردي، وأبو القاسم عبد الكريم بن عمران، وأبو محمد عبد الحق بن حكيم. وحدّث بالإجازة عنه أبو عبد الله بن إبراهيم البكري العباسي. محنته ودخوله غرناطة: غرّبه أمير سبتة اليانشتي الملقب بالواثق بالله، غاصّا به لجلالته وأهليته، وكونه قد عرضت عليه فأباها، فدخل الأندلس في شعبان عام أحد وأربعين وستمائة، فنزل ألمرية وأقام بها إلى المحرم من سنة ثمان وأربعين، وأخذ عنه بها عالم كثير. ثم انتقل إلى مالقة في صفر من هذه السنة ودخل غرناطة، فأخذ عنه جميع طلبتها إلّا النادر. قال الأستاذ أبو جعفر الزبير: وقرأت إذ ذاك عليه، وكان يروم من مالقة الرجوع إلى بلده، ويحوم عليه، فلم يقض له ذلك، وأقام بها يؤخذ عنه العلم، إلى أن أتته منيّته. مولده: بسبته يوم الخميس لخمس خلون من رمضان إحدى وسبعين وخمسمائة. وفاته: توفي بمالقة ضحوة يوم الخميس لليلة بقيت من رمضان تسع وأربعين وستمائة، نفعه الله، بشهادة الموت غريقا. علي بن عبد الله بن محمد ابن يوسف بن أحمد الأنصاري «1» فاسي المولد، أصله منها قديما، ومن مراكش حديثا، يكنى أبا الحسن، ويعرف بابن قطرال. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 160 حاله: كان ريان من الأدب، كاتبا بليغا، دمث الأخلاق، لين الجانب، فقيها حافظا، عاقدا للشروط، مقدما في النظر فيها، كتب طويلا عن قاضي الجماعة بمراكش، أبي جعفر بن مضاء، ثم عن أبي القاسم بن بقي، وأسنّ ممتعا بحواسه. مشيخته: روى «1» عن أبوي بكر بن الجدّ، وابن أبي زمنين، وأبي جعفر بن يحيى ولازمه كثيرا، وأبي الحجاج بن الشيخ، وأبوي الحسن بن كوثر ونجبه، وأبي الحسن يحيى بن الصائغ، وأبي خالد بن رفاعة «2» ، وأبي عبد الله بن حفص، وابن حميد، وابن زرقون، وابن سعادة الشاطبي، وابن عروس، وابن الفخار، وأبي العباس، وابن مضاء، ويحيى المجريطي، وأبي القاسم بن بقي، وابن رشد الوراق، وابن سمحون، وابن غالب، وابن جمهور، وابن حوط الله، وعبد الحق بن بونة، وعبد الصمد. وروى عنه ابناه أبو عبد الله وأبو محمد، وأبو عبد الله بن الأبار، وأبو محمد بن برطلة، وأبو محمد بن هارون الطائي، وأبو يعقوب بن عقاب. قال ابن عبد الملك: وحدّثنا عنه من شيوخنا أبو الحجاج بن حكم، وأبو الحسن الرعيني، وأبو الطيب صالح بن شريف، وأبو القاسم العزفي. محنته: وامتحن بالأسر، وهو قاض بأبّدة، حين تغلّب العدوّ الرومي عليها إثر وقيعة «العقاب» «3» ، وذهب لأجل ذلك أصول سماعه، وافتكّ بمشاركة الوزير أبي سعيد بن جامع، ويسّر الله عليه، فثاب جاهه، واستقام أمره، وقدّم للقضاء بمواضع نبيهة «4» . دخوله غرناطة: قال: دخل غرناطة وأقام بها، وقرأ على أبي محمد عبد المنعم بن الفرس، وأبي بكر بن أبي زمنين، وأبي عبد الله بن عروس. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 161 ولد بفاس سنة ثنتين وستين وخمسمائة «1» . وتوفي، عفا الله عنه، يوم الاثنين لإحدى عشرة خلت من جمادى الأولى «2» عام أحد وخمسين وستمائة بمراكش. «انتهى اختصار السفر العاشر بحمد الله تعالى، يتلوه، ومن السفر الحادي عشر ترجمة الطارئين في ترجمة العمال والأثرا. والحمد لله رب العالمين» *** ومن السّفر الحادي عشر من ترجمة الطارئين في ترجمة العمال والأثرا عمر بن علي بن غفرون الكلبي «3» من أهل منتفريد «4» . حاله: كان شيخا مخشوشن الظاهر بدويّه، سريع الجواب، جلدا على العمل، صليبا وقاحا. له ببلده نباهة وخصل من طلب وخطّ وحساب. أمّ ببلده، وانتقل إلى الحضرة عند انتزاء ثغره، وداخل السلطان في سبيل استرجاعه، فنشأت له غمامة رزق ببابه، وأقلّته هضبة حظوة ناطت به ديوان الجيش مدة أيام السلطان، وولّي بعده خططا نبيهة، ثم التأثت حاله وأسنّ، ومات تحت خمول. وجرى ذكره في «الإكليل» بما نصّه «5» : شيخ خدم، قام له الدهر فيها على قدم، وصاحب تعريض، ودهاء عريض، وفائز من الدولة «6» بأياد بيض، خدم الدولة النصرية ببلده عند انتزاء أهله، وكان ممن استنزلهم من حزنه إلى سهله، وحكّم الأمر الغالبي في يافعه وكهله، فاكتسب «7» حظوة أرضته، ووسيلة أرهفته وأمضته، حتى الجزء: 4 ¦ الصفحة: 162 عظم ماله «1» ، واتسقت آماله. ثم دالت الدول، ونكرت «2» أيامه الأول، وتقلب «3» من يجانسه، وشقي بكل «4» من كان ينافسه، فجفّ عوده، والتاثت سعوده، وهلك والخمول يطلبه «5» ، والدهر يقوته من صبابة حرث كان يستغلّه. شعره: وله شعر لم يثقّفه النظر، ولا وضحت منه الغرر. كتب للسلطان أمير المسلمين منفق سوق خدمته، ومتغمده بنعمته، يطلب منه تجديد بعض عنايته: [السريع] يا ملكا، ساد ملوك الورى ... في الحال أو في الأعصر الخاليه العبد لا يطلب شيئا سوى ... تجديد خطّ يدك العالية ومن شعره يخبر عن وداده، ويعلن في جناب الملوك الغالبيين بحسن اعتقاده: [الكامل] حبّ الملوك من آل نصر ديني ... ألقى به ربّي بحسن يقيني هو عدّتي في شدّتي وذخيرتي ... وبه يتحسّبني غدا ويقيني «6» حتى أوان «7» الحشر لم أخدم سوى ... أبوابهم بوسيلة تكفيني «8» أرجو نفاد العمر في أيامهم ... من تحت ستر رعاية ترضيني «9» إن كان دهري في نفادي بعدهم ... فالله، عزّ وجلّ، لا يبقيني «10» وسلم في أيام خموله، وانغلق على المتغلب على الدولة أبي عبد الله بن المحروق، وقد احتقره ببابه، وأعرض عن جوابه، فكتب إليه، ولم يرهب ما لديه: [المجتث] يا من سألتك وعدا «11» ... في كل يوم مرارا اردد عليّ سلامي ... ولا تدعه احتقارا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 163 وفاته: قال شيخنا الكاتب أبو بكر بن شبرين، رحمه الله: وفي ذي حجة من عام أربعة وأربعين وسبعمائة توفي الفقيه أبو علي بن غفرون من أهل منتفريد من حصون براجلة غرناطة. قدم قديما بالباب السلطانية في تنفيذ واجب العسكر الأندلسي وإشراف الحضرة وحفازتها. وكان ميمون النقيبة، وجها في الناس فاضلا، رحمه الله. علي بن يحيى الفزاري «1» من أهل مالقة، بربري النسب فزاريه. يكنى أبا الحسن، ويعرف بابن البربري. حاله: كان من أماثل طريقته عدلا، وعفافا، وفضلا، ليّن العريكة، دمث الأخلاق، حسن الخط، جيد الشعر، تغلب عليه السلامة والغفلة، تصرف في إشراف مالقة وسواها عمره، محمود الطريقة، حسن السيرة. ومدح الملوك والكبراء. شعره: ممّا خاطبني به قوله «2» : [الطويل] لبابك أمّ الآملون ويمّموا ... وفي ساحتي رحماك حطّوا وخيّموا «3» ومن راحتي كفّيك جدواك تنهمي «4» ... فتروى عطاش من نداك وتنعم وأنت لما راموه كعبة حجّهم ... إذا شاهدوا مرآك لبّوا وأحرموا «5» يطوفون سبعا حول بابك عندما ... يلوح لهم ذاك المقام المعظّم فيمناك يمن للرعايا «6» ومنّة ... ويسراك يسر «7» للعفاة ومغنم ولقياك بشر للنفوس وجنّة ... تزقّ «8» بها ورق المنا وترنّم فيا واحد الأزمان علما ومنصبا ... ويا من «9» به الدنيا تروق وتبسم ومن وجهه كالبدر يشرق نوره ... ومن «10» جوده كالغيث بل هو أكرم الجزء: 4 ¦ الصفحة: 164 ومن ذكره كالمسك فضّ ختامه ... وكالشمس نورا بشره المتوسّم لقد حزت خصل «1» السّبق غير معاند «2» ... فأنت على أهل السباق مقدّم حويت من العلياء كلّ كريمة ... بها الروض يندى والرّبى تتبسّم وباهيت أقلام المقام «3» براعة ... فلا قلم إلّا يراعك يخدم إذا «4» فاخر الأمجاد يوما فإنما ... لمجدك في حال الفخار يسلّم وإن سكتوا كنت البليغ لديهم ... يعبّر «5» عن سرّ العلى ويترجم «6» ومنها: فيا صاحبي نجواي عوجا برامة ... على ربعه حيث النّدى والتّكرّم وقولا له: عبد «7» ببابك يرتجي ... قضاء لبانات لديك تتمّم وليس له إلّا علاك وسيلة ... ولا شيء أسمى من علاك وأعظم فجد بالذي يرجوه منك «8» فما له ... كعقد ثمين من ثنائك ينظم بقيت ونجم السّعد عندك طالع ... يضيء له بدر وتشرق أنجم وقال مراجعا القاضي أبا عبد الله بن غالب، رحمه الله: [الطويل] وما كنت عن ذكر الأحبّة ساليا ... ولا عن هوى بيض الدّما برغيب فلمّا أتتني رقعة بلبليّة ... شغلت بها عن منزل وحبيب وقبّلتها ألفا وقلت لها انعمي ... صباحا وممسى بالقبول وطيب فيا حسن خطّ جاء من عند بارع ... ويا سحر لفظ من كلام أديب وإنّ قريضا لم يحكه ابن غالب ... لخلو من الآداب غير عجيب وفاته: بمالقة في الطاعون عام خمسين وسبعمائة. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 165 الزهاد والصلحاء والصوفية والفقراء عتيق بن معاذ بن عتيق بن معاذ بن سعيد بن مقدم بن سعيد بن يوسف بن مقدم اللخمي من أهل غرناطة، يكنى أبا بكر، الشيخ الصوفي. حاله: هذا الرجل فذّ الطريقة في الخصوصيّة والتخلّي، وإيثار الانقطاع والعزلة، طرفة في الوقار والحشمة. نشأ بغرناطة وطلب بها، وكتب بألمرية عن بعض ولاة قصبتها، وعني بمطالعة أقوال الصوفية، فآثر طريقهم، وعوّل عليه، وتجرّد وترك التسبّب، والتزم منزله، بحيث لا يريمه إلّا لصلاة الجمعة في أقرب محالّها وإليه، نظيف البزّة، حسن السّمت، مليح الترتيب والظّرف، طيب المجالسة، طلعة متعة، إخباري، يصل ماضي الزمان بمستقبله، جليس مصلّى، ومجيل سبحة، كثير الزوار، ممن يلتمس الخير وينقر عن أهله، محظوظ المجلس، حفيّ بالوارد، ذاكر، مأثرة من مآثر بلده. مشيخته: أخذ عن الخطيب الصالح ولي الله أبي عبد الله الطّنجالي، والخطيب المحدّث أبي عبد الله بن رشيد، والأستاذ النظار أبي القاسم بن الشّاط، والخطيب الصالح أبي جعفر بن الزيات، والشيخ الأستاذ أبي عبد الله بن الفخار الأركشي، نزيل مالقة، والوزير الراوية أبي عبد الله بن ربيع الأشعري، والعدل الراوية أبي الحسن بن مستقور، والأستاذ المقرئ أبي جعفر الجزيري الضرير، والخطيب أبي عبد الله بن الخشاب، والخطيب المقرئ أبي إسحاق بن أبي العاصي، والشيخ والمحدّث أبي تمام غالب بن حسن بن غالب الجهاري، والقاضي المسنّ أبي جعفر الشاطبي، والقاضي المحدّث أبي المجد يوسف بن الحسن بن أبي الأحوص، والأستاذ المحدّث أبي القاسم بن جابر، وأخيه المحدّث أبي جعفر، والقاضي أبي جعفر بن أبي جبل، والأستاذ الصوفي أبي محمد بن سلمون، والشيخ الشريف أبي الحسن علي بن جمرة بن القاسم الجهني، والأستاذ المقرئ أبي عبد الله بن بيبش العبدري، والشيخ المكتّب أبي عمرو عبد الرحمن بن يشت، والشيخ الراوية المحدّث الرحال أبي عبد الله بن جابر الوادآشي، الملقب من الألقاب المشرقية بشمس الدين، والخطيبين أبوي الحسن بن فرحون، وابن شعيب، والقاضي أبي الحسن البلوي، والأستاذ المقرئ. محنته: ناله امتحان من بعض القضاة ببلده، حملا عليه وإنكارا لما امتاز به من مثلى الطريقة، أدّاه إلى سجنه ومنع الناس عن لقائه. وهو الآن بحاله الموصوفة، قد ناهز السبعين، تمرّ الناس تلتمس بركته وتغشى لطلب الدعاء خلوته. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 166 علي بن علي بن عتيق بن أحمد بن محمد ابن عبد العزيز الهاشمي من أهل غرناطة، ويعرف بالقرشي. حاله: كان، رحمه الله، على طريقة مثلى، حياء ووقارا وصمتا، وانقباضا وتخلّقا وفضلا، عاكفا على الخير، كثير الملازمة لكسر البيت، مكبّا على المطالعة، مؤثرا للخلوة، كلفا بطريق الصوفية. كتب الشروط لأول أمره، فكان صدرا في الإثبات، وعلما في العدول، إلى لين الجانب، ودماثة الخلق، وطهارة الثوب، وحسن اللقاء، ورجوح المذهب، وسلامة الصدر. قيّد الكثير، ولقي في تشريقه أعلاما أخذ عنهم. وتقدّم خطيبا وإماما بالمسجد الأعظم في غرناطة، عام أحد عشر وسبعمائة، واستمرّت حاله، إلى حين وفاته، على سنن أولياء الله الصالحين. مشيخته: قرأ على الأستاذ أبي جعفر بن الزّبير، ولازمه وتأدّب به، وتلا عليه بالقراءات السبع، وسمع كثيرا من الحديث، وعلى الخطيب الولي أبي الحسن بن فضيلة، والشيخ الخطيب أبي عبد الله بن صالح الكناني، سمع عليه الكثير، قال: أنشدني الخطيب أبو محمد بن برطلة: [مخلع البسيط] أسلمني للبلا «1» وحيدا ... من هو في ملكه وحيد قضى عليّ الفناء حتما ... فلم يكن عنه لي محيد وكيف يبقى غريق نزى ... فذاته أولا صعيد يعيد أحواله إليه ... من نعته المبدىء «2» المعيد وأخذ عن الشيخ الراوية المحدّث أبي محمد بن هارون الطائي، والشيخ الراوية المعمر أبي محمد الخلاسي، والشيخ الشريف تاج الدين أبي الحسن العرامي، والشيخ المحدّث الإمام شرف الدين أبي محمد عبد المؤمن الدمياطي، والشيخ رضيّ الدين الطبري، والمحدّث الحافظ فخر الدين التودري الميكالي؛ قال: وأنشدني من لفظه بالحرم الشريف لشيخه الإمام أبي الحسن الخزرجي: [الرمل] عن أهيل المنحنى لا أصبر ... فاعذلوني فيهم أو فاعذروا فيه «3» أحبابي «4» وإن هم عذّبوا ... ومنائي وصلوا أم هجروا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 167 والشيخ المحدّث المفتي بالحرم الشريف، رضي الدين محمد بن أبي بكر بن خليل؛ قال: وأنشدني لبعض شيوخه: [الطويل] أفي كل واد شاعر ومطيب ... وفي كل ناد منبر وخطيب؟ نعم كثر الأقوام قلّة ناقد ... لهم فتساوى مخطئ ومصيب والشيخ المحدّث الإمام أنس الدين ابن الإمام قطب الدين القسطلانيّ، والأديب الواعظ نفيس الدين بن إبراهيم اللمطي؛ قال: وأنشدني إجازة عن الشيخ الإمام شرف الدين أبي الفضل السلمي المرسي من قصيدة: [الطويل] إذا جئت ألقى عند بابك حاجبا ... محيّاه من فرط الجهامة حالك ومن عجب «1» مغناك جنّة قاصد ... وحاجبها من دون رضوان مالك والشيخ الإمام تقي الدين بن دقيق العيد، وأبي العباس بن الظاهري، ومحيي الدين بن عبد المنعم، ومحمد بن غالب بن سعيد الجيّاني، والخطيب الجليل أبي عبد الله بن رشيد من أهل المغرب. وكتب له الشريف أبو علي الحسن بن أبي الشرف، والعدل أبو فارس الهواري، وأبو القاسم بن الطيب، وأبو بكر بن عبيدة، وأبو إسحاق الغافقي، وأبو عبد الله الدرّاج، وأبو الحكم مالك بن المرحّل، وأبو إسحاق التّلمساني، وغيرهم. تواليفه: صنّف في التصوّف كتابا سماه «مطالع أنوار التحقيق والهداية» وكتابا في غرض «الشفا» العياضي. ومن شعره، ثبتّ بظهر الكتاب المسمّى ب «الموارد المستعذبة» من تأليف شيخنا أبي بكر بن الحكيم ما نصّه: [الطويل] كتابك ذا من هوته المفاخر ... سنا وسنا راق منه زواهر لقد جاء كالعقد المنظّم ناثرا ... فرائد قسّ عنك في ذاك «2» قاصر بلاغته في القوم تشهد عندما ... تشكك فيه أنه عنك صادر فلله من روض أنيق غصونه ... بما تتمنّاه «3» فزاه وزاهر فما شئته تجده فيه فإنه ... لناظره بحر بها هو زاخر فنهنيكم بابن الألى شاع مجدهم ... قيادكم مجد بذاتك آخر أتيت بما فيه تبثّ «4» حياة من ... حوته على مرّ الدهور المقابر الجزء: 4 ¦ الصفحة: 168 وأبديت فيه سحر لفظك رائقا ... تلذّ به الأجفان وهي سواهر ومتّعت طرفي فيه لا زلت باقيا ... نحا «1» بك ربيّ يوم تبلى السرائر وخصّك منّي بالسلام مردّدا ... عليك مدى الدنيا وما طار طائر مولده: في حدود سنة سبع وستين وستمائة. وفاته: في صفر من عام أربعة وأربعين وسبعمائة. وكانت جنازته بالغة أقصى مبالغ الاحتفال، وتزاحم الناس على قبره بما بعد العهد به. وممن رثاه شيخنا أبو الحسن بن الجياب فقال: [الرمل] قضي الأمر، فيا «2» نفس اصبري ... صبر تسليم لحكم القدر وعزاء يا فؤادي إنّه ... حكم ملك قاهر مقتدر حكمة قد «3» أحكمت تدبيرها ... نحن منها في سبيل السّفر أجل مقتدر «4» ليس بمس ... تقدم منه «5» ولا مستأخر أحسن الله عزاء كلّ ذي ... خشية من ربّه «6» في عمر في أمانيّ «7» التّقيّ الخاشع ال ... طاهر الذات الزّكيّ السبر قرشيّ من سليم «8» مستقى ... من صميم الشّرف المطّهّر يشهد الليل دليلا «9» أنه ... دائم الذّكر طويل السّهر في صلاة بعثت وفدا لها «10» ... زمر للمصطفى «11» من مضر نائما أو «12» راكعا أو ساجدا ... لطلوع فجره المنفجر جمع الرحمن شملينا «13» غدا ... بحبيب الله خير البشر وتلقّته وفود، رحمة ال ... لّه تأتي بالرّضى والبشر الجزء: 4 ¦ الصفحة: 169 علي بن أحمد بن محمد بن عثمان الأشعري من أهل غرناطة، يكنى أبا الحسن، ويعرف بابن المحروق. أوّليته: قد مرّ ذلك عند ذكر عمّه وجدّه. حاله: هذا الرجل شيخ الفقراء السّفّارة والمتسببة بالرّباط المنسوب إلى جدّه، وهو مقيم الرسم، حاجّ رحّال، عارف بالبلاد، طواف على كثير من مشاهير ما عرف الاصطلاح. وزار ترب الصالحين، وصحب السّفارة، حسن الشكل، أصيل البيت، حافظ للترتيب، غيور على الطريقة، محظوظ العقد، مجانب للأغمار، منافر لأهل البدع، مكبوح عن غلو الصافنة، أنوف، مترفّع، كلف بالتجلّة، يرى لنفسه الحق ولا يفارق الحظّ، خطيب متعاط لمواقف الإطالة وسرد الكثير من كلام الخطباء عن غير اختيار، يطبق المفصل، ويكافىء الغرض المقصود، على شرود عن قانون الإعراب، حسن الحديث، طبقة للرّسم الدّنيوي من هذا الفن كثرة، وحسن بزّة، ونفاذ أمره، ونباهة بيته، وتعاطيا لنتائج الحلوة. محنته: قبض عليه المتغلب على الدولة وأزعجه بعد الثّقاف في المطبق، إلى مرسى ألمريّة، اتهاما بممالأة السلطان، فامتعض له من أهل مدينة وادي آش، وتبعهم المشيخة على المجاهرة، فاستنقذوه، وكاشفوا المتغلب، إذ كانوا على أرقاع الخلاف عليه، وعاجل الأمر تصير الملك لصاحبه، فعاد الشيخ إلى حاله، فهي معدودة عنه من أثر التصريف. مشيخته: ومن خطه نقلت. قال: ولدت في اليوم الحادي والعشرين لرجب عام تسعة وسبعمائة، ولبست الخرقة من يد الشيخ الفقيه الخطيب البليغ الولي الشهير أبي علي عمر بن محمد بن علي الهاشمي القرشي في أوائل ذي قعدة من عام خمسة وثلاثين وسبعمائة. وحدّثني بها، رحمه الله، عن الشيخ الزاهد أبي محمد الخلاسي، عن شرف الأئمة أبي عبد الله بن مسدي، عن الشيخ الكبير أبي العباس بن العريف، عن أبي بكر عبد الباقي بن برال، عن أبي عمرو الطّلمنكي، عن أبي عمرو بن عون الله وأبي علي الحسن بن محمود الجرجاني، عن أبي سعيد ابن الأعرابي، عن أبي محمد سالم بن محمد بن عبد الله الخراساني، عن الفضل بن عياض، عن هشام بن حسّان ويونس بن عبيد، عن أبي الحسن بن الحسن البصري، عن الحسن البصري، عن علي بن أبي طالب، كرّم الله وجهه. ثم رحلت إلى المغرب، طالبا في لقاء أهل الطريقة، راغبا، فلقيت به من أعلام الرجال جملة يطول ذكرهم، ولا يجهل قدرهم. ولما توجهت إلى المشرق، لقيت به أعلاما الجزء: 4 ¦ الصفحة: 170 وأشياخا كراما، لهم طرق سنّية، وأحوال سنية، أودعت ذكرهم هذا طلبا للاختصار، وخوفا من سآمة الإكثار، وكان اعتمادي فيمن لقيت منهم في أيام تجريدي واجتهادي، بعد إيابي من قضاء أربي، من حجّ بيت الله الحرام وزيارة قبر النبيّ عليه الصلاة والسلام، على من بهديه أستنير، وأعتمد عليه فيمن لقيت وصحبت، وإليه أشير، سيدي الشيخ الكبير الجليل الشهير وحيد عصره وفريد دهره، جمال الدين أبو الحجاج الكوراني جنسا، والتميمي قبيلة، والكلوري مولدا، والسهروردي خرقة وطريقة ونسبة، وهو الذي لقّنني، وسلكت على يده، وقطعت مفاوز العزلة عنده، مع جملة ولده. وحدّثني، رضي الله عنه، أنه لقّنه الشيخ الفقيه العارف أبو علي الشمشري، هو والشيخ الإمام نجم الدين الأصبهاني، والشيخ نجم الدين، والشيخ بدر الدين الطوسي، لقّنا الفقيه محسنا المذكور، والشيخ بدر الدين، لقّنه الشيخ نور الدين عبد الصمد النصيري، والشيخ عبد الصمد، لقّنه الشيخ نجيب الدين بن مرغوش الشّيرازي، والشيخ نجيب الدين، لقّنه الشيخ شهاب الدين السّهروردي والشيخ شهاب الدين، لقّنه عمّه ضياء الدين أبو الحسن السهروردي، والشيخ ضياء الدين فرج الزّنجاني، والشيخ فرج الزنجاني، لقّنه أبو العباس النهاوندي، والشيخ أبو العباس، لقّنه أبو عبد الله بن خفيف الشيرازي، والشيخ أبو عبد الله، لقّنه أبو محمد رديم، والشيخ أبو محمد، لقّنه أبو القاسم الجنيد، والشيخ أبو القاسم، لقّنه سري السّقطي، والشيخ سري، لقّنه معروف الكرخي، والشيخ معروف، لقّنه داود الطائي، والشيخ داود، لقّنه حبيب العجمي، والشيخ حبيب، لقّنه الإمام الحسن البصري، والشيخ الحسن، لقّنه الإمام علي بن أبي طالب. ولبست الخرقة من يد الشيخ أبي الحجاج المذكور بسند التلقين المذكور إلى أبي القاسم الجنيد، رضي الله عنه، إلى جعفر الحذاء، إلى أبي عمر الإصطخري، إلى شقيق البلخي، إلى إبراهيم بن أدهم، إلى موسى بن زيد الراعي، إلى أويس القرني، إلى أميري المؤمنين عمر وعلي، رضي الله عنهما، ومنها إلى سيد الأولى والآخرين صلى الله عليه وسلم، وذلك في أوائل عام ثلاثة وأربعين وسبعمائة. وقد ألّفت كتابا جمعت فيه بعض ما صدر من أورادي، أيام تجريدي واجتهادي، محتويا على نظم ونثر، مفرغا عن كلام الغير، إلّا مقطوعة واحدة لبعض المتصوفة، فإني سقتها على جهة لكونها غاية في الاحتفال وهي: [الرمل] قل لمن طاف بكاسات الرضا ... وسقى العشّاق مما قد نهل وسميت الكتاب ب «نكت الناجي، وإشارات الراجي» . ولعلّ ذلك يكون اسما وافق مسمّاه، ولفظا طابق معناه. وإلى ما ذكرت من النكت، أشرت بما نظمت، الجزء: 4 ¦ الصفحة: 171 فقلت: [البسيط] في كل واحدة منهن أسرار ... لا تنقضي، ولها في اللفظ أسرار إن رمت حصر معانيها بما سمعت ... أذناك ليس لها بالسّمع إخصار فاصحب خبيرا بما يرضى الحجاب ... ستارها وكذاك «1» الحرّ ستّار ولعلّه يكون، إن شاء الله، كما ذكرته، وأعرّف بما أنشدته. ولي جملة قصائد وأزجال منظومة على البديهة والارتجال، نطق بها لسان المقال، معربا عمّا وجدته في الحال، قصدت بها الدخول مع ذلك الفريق، وأودعتها غوامض أسرار التحقيق. فمن بعض نكت الكتاب، ما يعجب منه ذو والألباب، نكتة سرّ الفقير، يشير إليه بجميع الكائنات، فلا حديث معجم، ولا موجود مبهم، فهو إذا يتكلم دون حدّه وبلسان وجده، والفقيه يتكلم فوق قدره وبلسان غيره، وهذا ما حضرني في الوقت، مع مزاحمة الشواغل، فتصفّحوا، واصفحوا، وتلمحوا واسمحوا. ولكم الفضل في قبول هذه العجالة واليسير من هذه المقالة. انتهى. ومن الطارئين علي بن عبد الله النميري الششتري «2» عروس الفقراء، وأمير المتجرّدين، وبركة الأندلس، لابس العباءة الخرقة، أبو الحسن. من أهل ششتر، قرية من عمل وادي آش، معروفة، وزقاق الشّشتري معروف بها. وكان مجوّدا للقرآن، قائما عليه، عارفا بمعانيه، من أهل العلم والعمل. حاله: قال شيخنا أبو عثمان بن ليون في صدور تهذيبه لرسالته العلمية: الإمام الصّوفي المتجرّد، جال البلاد والآفاق، ولقي المشايخ، وسكن الرّبط، وحجّ حجّات، وآثر التجرّد والعبادة. وذكره القاضي أبو العباس الغبريني، قاضي بجاية، في كتابه المسمّى عنوان الدّراية فيمن عرف في المائة السابعة بمدينة بجاية، وقال: الفقيه الصوفي الصالح العابد، أبو الحسن الشّشتري من الطلبة المحصّلين، والفقراء الجزء: 4 ¦ الصفحة: 172 المنقطعين، له علم وعمل بالحكمة، ومعرفة بطريق الصوفية، وله تقدم في النظم والنثر، على طريقة التحقيق. وأشعاره في ذلك، وتواشيحه ومقفّياته وأزجاله، غاية في الانطباع. وكان كثيرا ما يجوّد عليه القرآن. ونظمه في التحقيق كثير. مشيخته: أخذ عن القاضي محيي الدين أبي القاسم محمد بن إبراهيم بن الحسين بن سراقة الأنصاري الشاطبي، وعن غيره من أصحاب السّهروردي صاحب العوارف والمعارف. واجتمع بالنّجم بن إسرايل الدّمشقي الفقير سنة خمس وستمائة. قال: ألفيته على قدم التجرد، وله أشعار وأذواق في طريق القوم، وكان من الأمراء وأولاد الأمراء، فصار من الفقراء وأولاد الفقراء، وخدم أبا محمد بن سبعين، وتلمذ له. وكان الشيخ أبو محمد دونه في السّن، لكن استمرّ باتّباعه، وعوّل على ما لديه، حتى صار يعبر عن نفسه في منظوماته وغيرها، بعبد الحق بن سبعين، وبه استدل أصحاب أبي محمد على فضله. ويقال: إنه لما لقيه يريد المشايخ، إن كنت تريد الجنة، فصر إلى الشيخ أبي مدين، وإن كنت تريد ربّ الجنة فهلم. ولما مات الشيخ أبو محمد، انفرد بعده بالرياسة والإمامة على الفقراء والمتجرّدين والسّفّارة، وكان يتبعه في أسفاره ما ينيف على أربعمائة فقير، فيقسّمهم الترتيب في وظايف خدمته. كراماته: قالوا: نادى يوما، وهو مع أصحابه في برّية، يا أحمد، فقال أحدهم: ومن هذا، فقال تسرّون به غدا. فلما وردوا من الغد قابس، وجدوا أحمد قد جاء من الأسر، فقال: صافحوا أخاكم المنادى بالأمس. قالوا: ودخل عليه ببجاية أبو الحسن بن علّال من أمنائها، وهو يذكر في العلم، فأعجبته طريقته، فنوى أن يؤثر الفقراء من ماله بعشرين دنيرا. ثم ساق شطرها، وحبس الباقي ليزوّدهم به، فرأى النبيّ صلّى الله عليه وسلّم، في النّوم، ومعه أبو بكر وعمر، فقال: ادع لي يا رسول الله، فقال لأبي بكر: أعطه، فأعطاه نصف رغيف كان بيده، فقال له الشيخ في الغد: لو أتيت بالكل، لأخذت الرغيف كله. تواليفه: له كتاب «العروة الوثقى في بيان السنن وإحصاء العلوم» . وما يجب على المسلم أن يعمله ويعتقده إلى وفاته. وله «المقاليد الوجودية في أسرار إشارات الصوفية» . وله الرسالة القدسية في توحيد العامة والخاصة. والمراتب الإيمانية والإسلامية والإحسانية. والرسالة العلمية، وغير ذلك. دخوله غرناطة: دخلها ونزل برابطة العقاب، وتكرّر إليها، إذ بلده من عمالتها. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 173 شعره: من ذلك قوله «1» : [الطويل] لقد تهت عجبا بالتّجرّد والفقر ... فلم أندرج تحت الزمان ولا الدّهر وجاءت لقلبي نفحة قدسيّة ... فغبت بها عن عالم الخلق والأمر طويت بساط الكون والطّيّ نشره ... وما القصد إلّا الترك للطّيّ والنّشر وغمّضت عين القلب عن غير مطلق «2» ... فألفيتني ذاك الملقّب بالغير وصلت لمن لم تنفصل عنه لحظة ... ونزّهت من أعني من «3» الوصل والهجر وما الوصف إلّا دونه غير أنني ... أريد به التشبيه «4» عن بعض ما أدري «5» وذلك مثل الصوت أيقظ نائما ... فأبصر أمرا جلّ عن ضابط الحصر نقلت «6» له الأسماء تبغي بيانه ... فكانت له الألفاظ سترا على ستر ومن شعره أيضا قوله في الغرض المذكور «7» : [الكامل] من لامني لو أنه قد أبصرا ... ما ذقته أضحى به متحيّرا وغدا يقول لصحبه إن أنتم ... أنكرتم ما بي أتيتم منكرا شذّت أمور القوم عن عاداتهم ... فلأجل ذاك يقال: سحر مفترى ومن شعره القصيدة الشهيرة ولها حكاية «8» : [الطويل] أرى طالبا منّا الزيادة لا الحسنى ... بفكر رمى سهما فعدّى به عدنا وطالبنا مطلوبنا من وجودنا ... يغيب «9» به عنّا «10» لدى الصّعق إن عنّا تركنا حظوظا من حضيض لحوطنا «11» ... إلى المقصد الأقصى إلى المقصد الأسنى الجزء: 4 ¦ الصفحة: 174 ولم نلف كون الكون إلّا توهّما ... وليس بشيء ثابت هاك «1» ألفينا فرفض السّوا فرض علينا لأننا ... أناس بمحو الشّرك والشرك قد دنا ولكنما «2» كيف السبيل لرفضه ... ورافضه المرفوض نحن وما كنّا؟ فيا قابلا بالوصل والوقفة التي ... حجبت بها اسمع وارعوي مثل ما أبنا تبدّت لك الأوهام لمّا تداخلت ... عليك ونور العقل أورثك الشّجنا وسمّت بأنوار فهمنا أصولها ... ومنبعها من أين كان فما سمنا وقد تحجب الأنوار للعقل مثل ما ... تبعّد من إظلام نفس حوت ظعنا وأنّى دجال في القضيّة يدّعي ... وأكمل من في الناس من «3» صدع الأمنا فلو كان سرّ الله يلحق هكذا ... لقال لنا الجمهور: ها نحن ما خبنا وكم دونه من فتنة وبليّة ... وكم بهمة من قبل ذلك قد جبنا وكل مقام لا تقم فيه إنه ... حجاب فجدّ السّير واستنجد العونا ولا تلتفت في السّير إذ كلّ ما «4» به ... سوى الله غير فاتخذ ذكره حصنا ومهما ترى كل المراتب تجتلى ... عليك فحل عنها فعن مثلها حلنا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 175 وقل: ليس لي في غير ذلك مطلب ... فلا صورة تجلى ولا طرفة تجنى وسر نحو أعلام اليمين فإنها ... سبيل بها يمن فلا تترك اليمنا أمامك هول فاستمع لوصيّتي ... عقال من العقل الذي منه قد تبنا إمام «1» الورى بالمشكلات وقبلهم ... بأوهامه قد أهلك الخرّ والبنّاء محجّتنا قطع الحجا وهو حجّنا ... وحجّتنا شلوه ها بها همنا يثبّتنا عند الصعود لأنه ... يودّ لأنّا للصّعيد قد اخلدنا تلوح لنا الأطواق منه ثلاثة ... كراء وهارب «2» ورؤية ما قلنا ويظهر باسم «3» السّرّ والنفس مدبرا ... وعقلا وخيرا مقبلا عندما يدنى ولوح إذا لاحت سطور كتابنا ... له فيه وهو النّون فالقلم الأدنى وعرش وكرسيّ وبرج وكوكب ... وحشي لجسم الكل في وصفه حرنا تمرّ خطوط الذهن عند التفاتنا ... أحاطته للقصوى «4» التي فيه أحضرنا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 176 مقطّعه الأزمان «1» للدهر مثل ... يكيّف للأجسام من نحلة «2» أينا أقام دوين الدهر مدرة ذاته ... ونحن ونفس الكل في بحره عمنا وفتّق للأملاك جوهره الذي ... يشكّله سرّ الحروف فحرّفنا يفرّق مجموع القضيّة ظاهرا ... ويجمع فرقا من تداخله فزنا وعدّد شيئا لم يكن غير واحد ... بألفاظ أسمائها شتّت المعنى ويعرج والمعراج منه ذواته ... لتطويره العلويّ بالوسم أسرينا ليفلل «3» سفليّا ويوهم أنه ... لسفليّه المجهول بالذات أسبطنا يقدّر خصلا بعد وصل لذاته ... وفرض مسافات يجدّ لها الذّهنا يحلّ لها طور المغبّة شكله ... وإن لمعت فيه فيلحقه المفنا ويلحقه بالشّرط من مثنويّة ... يلوح بها وهو الملوّح والمبنى فنحن كدود القزّ يحصرنا الذي ... صنعنا بدفع الحصر سجنا لنا منّا فكم واقف أردى وكم سائر هذا ... وكم حكمة أبدى وكم مملق أغنى! الجزء: 4 ¦ الصفحة: 177 وتيّم أرباب الهرامس كلّهم ... وحسبك من سقراط أسكنه الدّنا وجرّد أمثال العوالم كلها ... وأبدى لأفلاطون في المثل الحسنا وهام أرسطو أن «1» مشى من هيامه ... وبثّ الذي ألقى إليه وما ضنّا فكان لذي القرنين عونا على الذي ... تبدّى به وهو الذي طليه «2» العينا ويفحص عن أسباب ما قد سمعتم ... وبالبحث غطّى العين إذ ردّه عينا وذوّق للحلّاج طعم اتّحاده ... فقال لنا: من لا يحبّط به معنى فقال له ارجع عن مقالك قال: لا ... شربت مداما كلّ من ذاقها غنّى وأنطق للشّبليّ بالوحدة التي ... أشار بها لمّا محا عنده الكونا أقام لذات الصّغريين «3» لنا حولا «4» ... يخاطب بالتّوحيد إذ ردّه خدنا وكان خطا بابين ذاتين من يكن ... فقيرا يرى البحر فيه قد عمنا فأصمت للحسنيّ تجريد خلقه ... مع الأمر إذ «5» صحّت فصاحته لكنا تثنّى قضيب البان من سكر خمره ... وكان كمثل العمر لكنه ثنّى الجزء: 4 ¦ الصفحة: 178 وقد شذّ بالشّوذيّ عن ثوبه فلم ... يمل نحو أحواز ولا سكن الدّنا وأصبح فيه السّهرورديّ حائرا ... يصيخ لما يلقى الوجود له أذنا بعمر علي «1» بن الفارض الناظم الذي ... تجرّد للأسفار إذ سهّل الحزنا ولابن قسيّ خلع نعلي «2» وجوب ... وليس أخا طلب من المجد قد تبنا أقام على ساق المسرّة نحله ... لمن زمن الأسرار فاستمطر المزنا ولاح سنا برق من القرب للسّنا ... لنجل ابن سينا للذي «3» ظنّ ما ظنّا وقد قلّد الطّوسي بما قد ذكرته ... ولكنه نحو التصوف قد حنّا ولابن طفيل وابن رشد تيقّظ ... رسالة يقظان «4» اقتضت فتحه الجفنا كسا لشعيب ثوب جمع لذاته ... فجرّ على حسّاده الذّيل والودنا وقد «5» طوّق الطائي بسبط كنانه ... بدسكرة الخلّاع إذ ذبّنا «6» الوهنا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 179 تسمّى برفع الروح صبرا ولم ... يبل ما يهزّ «1» في المقام ولا قرنا وباح به نجل الحرائيّ «2» عندما ... رأى كتمه ضعفا وتلويحه غينا وللأمويّ النظم والنثر في الذي ... ذكرنا وإعراب كما عنه أعربنا وأظهر منه الغافقيّ لما خفى ... وكشّف عن أطواره الغيم والدّجنا وبيّن أسرار العبودية التي ... عن اعرابها لم ترفع اللّبس واللّحنا كشفنا غطاء من تداخل سرّها ... فأصبح ظهرا ما رأيتم له بطنا هوانا لدين «3» الحقّ من قد تولّهت ... إلى قربة «4» ألبابنا وله هدنا فمن كان يبغي السّير للجانب الذي ... تقدّس لازبا فلا تأخذوا «5» عنّا وهذه القصيدة غريبة المنزع، وإن لم تخل عن شذوذ من جهة اللّسان، وضعف في الصناعة، أشار فيها إلى مراتب الأعلام من أهل هذه الطريقة، وكأنها مبنية على كلام شيخه الذي خاطبه به عند لقائه حسبما قدمنا، إذ الحسنى الجنّة، والزيادة مقام النظر، فقوله: أرى طالبا منّا الزّيادة لا الحسنى، إشارة إلى ذلك، والله أعلم. والغافقي الذي ختم به هو شيخنا أبو محمد، وهو مرسي الأصل غافقية، رحم الله جميعهم، ونفعنا بأولي الحظوة لديه. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 180 نثره: وكلامه حسن، ومقاصده غريبة، رضي الله عنه، ونفع به. كتب إليه الشيخ الصوفي أبو علي بن تادررت، لمّا سافر ولم يودّعه، وكان قد قال له: أغيب عنكم أياما قلائل، وأعود إن شاء الله، فأبطأ عنه: بسم الله الرحمن الرحيم، الله وحده فقط ليس إلّا وصلواته على ملائه المقرب الأعلى، وعلى سيدهم الخاتم محمد وآله الهداة، وسلامه الحقّ يخصّ العليم بسرّه، في عالم الفرق، ورحمته وبركاته. من أخيه حقيقة في العوالم الأول، لا في عالم العلم الحق، من حيث هو موضوعه بحسب الإضاءة، بمنزله من مدينة بني مدار عمرها الله وأرشدهم، وليس إلّا أني نعتبكم عرفا وعادة، لسفركم دون موادعة، بخلاف سيرتكم الأولى من المشرق الأقصى، إلى المغرب الأقصى، وأمّا بكون حقيقة الأمر الموحد، فلا عتب، بل نقرأ على الماهية سورة الإخلاص التي توحيدها المحض أحاط وأحصى. ثم وعدتم، أنكم ولا بدّ، لا تطول إقامتكم ببجاية كلأها الله، إلّا ليالي «1» قليلة العدد، تأخذون فيها كتبكم وتنفصلون قافلين في أسرع أمد. ثم ظهر غير ذلك من الإقامة إلى هذه المهلة التي نبا كما عندنا الزمان. وقد ورد من أناس بالتّواتر أنكم ولا بدّ تصومون هنالك رمضان المعظم على الأمان، فقلنا: لحظ البشريّة الحيوانية، وعلمنا أن الأمر ليس سرا لأجل القضايا الحكمية الطّلبية، والمقادير العلمية السرّية. ولا تتحرك ذرّة إلّا بإذنه، ولا يسأل عما يفعل، وهم يسألون في دهره وزمنه، يمحو الله ما يشاء ويثبت، وعنده أمّ الكتاب. ولكنّا أيضا نقرأ، والله لا يخلف الميعاد. وقد يكون غير الوفاء بالعهد في الخلف لمصالح فيها وعد الله، لا يخلف الله وعده، ولكن أكثر الناس لا يعلمون. يعلمون ظاهرا من الحياة الدّنيا، والله يفعل ما يشاء. ولا تكن معترضا، فلا تلوم إلّا بحسب فرقنا الأول. وأما من حيث الكمالات الثواني والأول، فلا لوم ولا عتب، لرفع المثنوية، وإحالة الكثرة والإضافة، حتى ليس إلّا الوحدة العلمية المعنوية العليّة. وبالجملة الله معكم، ولن يتركم أعمالكم، فإن ما يرفع العمد والعماد. قال الله: ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ «2» ، وهو معكم أينما كنتم، والله عليم بما تصنعون. والرّغبة إلى ذاتكم الكاملة الوجودية، ذات الكمالات العلمية القدسية، أن تعجلوا لي، إذ وأنتم مقيمون هنالك: [الطويل] وأين يجد في عليّين غرفة ... وإن شغلتم عن نسخها «3» الجزء: 4 ¦ الصفحة: 181 والحق لا يشغله شأن عن شأن، فوجّهوا إليّ بها بعض الفقراء والإخوان، وأنا أقسم عليك في ذلك، يا أخي وسيدي، بالسّر فقط الذي يشغله أبدا سرمدا الله فقط، وأن تعجل لي بذلك، وتحيي مواتي، وتجمع أشتاتي، مع كلام تعتنوا لي به من كلامكم، تخصّوني به في كرّاس مبارك، علّمني الله العليم الحكيم منكم سرّ علمه العظيم وحكمته المحيطة، وكفانا سرّ هذه العوالم الأرضية المركبة الحطيطة، ونقلنا من البسيطة لغة إلى العوالم الرّيسة النفيسة البسيطة، ويرقينا به عنها إلى أن نتصل الحظّ المنفصل للتدبير بنقطته الأولى، وإن كان في الحقيقة ما انفصل، ويدخلها حضرة علمنا المحيط الوجودي، الذي ليس وراءها محيط إليه يرقى ويتصل. والسلام الحقّ محض مظهره ومجلاه ومرآته، ورحمة الله وبركاته. فراجعه الشيخ أبو الحسن الشّشتري المترجم به، رضي الله عنه بما نصّه: بسم الله الرحمن الرحيم، وصلّى الله على النبيّ محمد، المرسل بالحق لإدحاض الشّك، وإيضاح الغلط، الموصل على أقرب السّبيل للحضرة الإلهية، ومن شطط المختص بجوامع الكلم، المبكت لكل من موّه وسفسط، المبعوث بكلمة الإخلاص، التي حاصلها الله فقط، ورضي الله عن مظهر الوراثة المحمدية في كل زمان، المترجم عن كنز الوجود الذي طلسمه الإنسان، وسلام الله ورحمته على المستمع بأذن أنيته لذلك التّرجمان، المتجوهر بمقام الإسلام والإيمان والإحسان، القارئ على أخباره المنبعثة في أرض فرقة كلّ من عليها فان، بالمعنى الفقير الباطن للسّيار الظاهر المشير الحائم على سلب الاسمين، الدّائر على دائرة قاب قوسين. المشهور في العالم الأول، بأبي علي الحسين من خبر ماسيه، الوارث الطالب لذاته بها للوصل له. وهو به عنه باحث، المنظور في ذات كمالاته، المنعوت بالوافي لا بالناكث، المعتصم بحبل التحقيق، القائل بالحق، عبده علي الشّشتري، ابن إفادتكم عبد الحق بن سبعين، أما قبل من حيث الأصل، ومع من حيث الوصل، وبعد من حيث الفصل، فإني أقسم بالبدر إذا أدبر، والصّبح إذا أسفر، أن النصاب واقع من حيث الصور، لا من حبّة حقيقة المظهر. فأين هنا أنت أو أنا؟ أو قبل أو بعد؟ أو هند أو دعد؟ أو خلف أو وعد؟ ولا بدّ من المراح في ميدان الخطاب، وبيان المتشابه عليكم، المودع عليكم، في هذا الكتاب، فأول عائق عنكم مرض أحد الأصحاب، ولا انفكاك عند وجود هذه القضية، عند كل طائفة سنيّة، فما ظنّك بالسّبعينية، هذا مع وجود وعد مبين، وزمان معين. ونحن لم نعيّن للموضوع وقتا، ولو عيّنّا لكبر عند الله مقتا. وإنما قلنا: أيام قلائل، ويدخل في ذلك الجمعة والشهر والعام القابل، بل برزخ العالم وإنائه عند النحرير العاقل. ثم لو عيّنّا يوما أو يومين أو جمعتين، ولم الجزء: 4 ¦ الصفحة: 182 يكن فقلب المؤمن بين إصبعين. أما علمت أنّ الوعد المزعوم المراد منه الذي تتضمّنه صعقة العمود بالبعد أو بالتّواني، أو بالحواس أو بالمعاني؟ والمسكر هو الجريال لا الأواني. وأما قضية الوداع، فقد ارتفع بين الفقراء فيها النزاع، ووقع من الصّوفية في ذلك الإجماع، أنّ الاجتماع من غير ميعاد والافتراق عن غير مشورة، وقول إنه من حيث المذهب لازم بالضرورة، فإنّ المودع لا يخلق أن يكون من تربة الفرس والسبع، أو في مقام الفردانية والجمع، أو في البرزخ الذي بين المقامين، المعبّر عنه عند الصّوفية بالفناء. فإن كان في الوتريّة، فلا أنت ولا أنا، ولا مودع، ولا مودّع، وقلّة العتب لهذا أليق وأطبع. وإن كان في برزخ الفنا، فمن المودع هنا، وإن كان في الفرق هنا. وإن كان في الفرق، فترك المودع أقرب إلى الحق لألم التفرقة الموجود المحسوس، المعترض عند ذلك للنّفوس. واعلم أنّ الانفصال، كان بالطريق عند من يرى بالانفصال والاتّصال، ولا نقلة عند ذوي الاتّصال. وأما نكرة عرفة فهي عند الشيخ أبي عبد الله التّوزري لا عندي، ولو كانت ما ضننت بها بحمد الله لا بحمدي. والسلام على موضوعك ومحمولك، وسلوكك ووصولك، وجمعك وفرقك، وعبوديّتك وحقّك، بل على جملته الصالحة، ورحمة الله وبركاته. وفاته: قالوا: إنه لما وصل بالشام إلى ساحل دمياط، وهو مريض مرضه الذي توفي منه، نزل قرية هناك على ساحل البحر الرومي يصاد فيها السمك، وقال: ما اسم هذه القرية، فقيل: الطّينة، فقال: حنّت الطّينة إلى الطينة، ووصّى أن يدفن بمقبرة دمياط، إذ الطينة بالمفازة بالساحل، ودمياط أقرب المدن إليها، فحمله الفقراء على أعناقهم، فتوفي بها يوم الثلاثاء سابع عشر صفر عام ثمانية وستين «1» وستمائة، ودفن بمقبرة دمياط. وفي سائر الأسماء من حرف العين الأعيان والوزراء والأماثل والكبراء عامر بن محمد بن علي الهنتاني «2» رئيس متبوأ قبيلة من جبل درن، ومزوار المصامدة، والمطلقة يده على جباية الوطن المراكشي، يكنّى أبا ثابت. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 183 حاله: هذا الرجل حسن الشكل، حصيف العقل، ثابت الجأش، معروف الأمانة والصدق، عفيف الفرج، مؤثر للجدّ، ماضي الحذر بأهل الحكم، نزيه اليد، مشهور بالرّجاحة، عين من عيون الحدود الغربية، وبقيّة من بقايا الجلّة العلمية، مسدّد اللسان للإبانة عن الأغراض، مختصر البزّة والحلية، متوسط الجود، مؤثر للخصوصية، بعيد النظر، سديد الرأي. قدمت عليه بمحلّه من الجبل، زائرا متوفّى السلطان أبي الحسن، مستجيرا حماهم، فبلوت من برّه وبر الرئيس النّدي عبد العزيز أخيه ما تقصر عنه همم الملوك، وتقف دونه آمال الأشراف، تلقّيا، واحتفالا، وفرشا، وآنية، وطعاما، وصلة، وانتخابا، واحتشاما، وألطافا، حسبما يتضمن بسط ذلك كتاب «الرحلة» من تأليفي. وأنشدتهم عند رحيلي، وقد رأيت إلى ما يبقي الذكر ويخلّد الآثار شيم السادة، وديدن الرؤساء «1» : [الكامل] يا حسنها من أربع «2» وديار ... أضحت لباغي الأمن دار قرار وجبال عزّ لا تذلّ أنوفها ... إلّا لعزّ الواحد القهّار ومقرّ توحيد وأسّ خلافة ... آثارها تنبي عن الأخبار ما كنت أحسب أنّ أنهار النّدى ... تجري بها في جملة الأنهار ما كنت أحسب أنّ أنوار الحجا ... تلتاح في قنن وفي أحجار مجّت «3» جوانبها البرود وإن تكن ... شبّت بها الأعداء جذوة نار هدّت بناها في سبيل وفائها ... فكأنها صرعى بغير عقار لمّا توعّدها على المجد العدا ... رضيت بعيث النار لا بالعار عمرت بحلّة «4» عامر وأعزّها ... عبد العزيز بمرهف بتّار «5» فرسا رهان أحرزا قصب النّدى ... والبأس في طلق وفي مضمار ورثا عن النّدب الكريم «6» أبيهما ... محض الوفاء ورفعة المقدار الجزء: 4 ¦ الصفحة: 184 وكذا الفروع تطول وهي شبيهة ... بالأصل في ورق وفي أثمار أزرت وجوه الصّيد من هنتاتة ... في جوّها بمطالع الأقمار لله أيّ قبيلة تركت لها ال ... نّظراء دعوى الفخر يوم فخار نصرت أمير المسلمين وملكه ... قد أسلمته عزائم الأنصار آوت «1» عليّا عند ما ذهب الرّدى ... والروع بالأسماع والأبصار وتخاذل الجيش اللهام وأصبح ال ... أبطال بين تقاعد وفرار كفرت صنائعه فيمّم دارها ... مستظهرا منها بعزّ جوار وأقام بين ظهورها لا يتّقي ... وقع الرّدى وقد ارتمى بشرار فكأنها الأنصار لمّا آنست «2» ... فيما تقدّم غربة المختار لمّا غدا لحظا وهم أجفانه ... نابت شفارهم عن الأشفار «3» حتى دعاه الله بين بيوتهم ... فأجاب ممتثلا لأمر الباري لو كان يمنع من قضاء الله ما ... خلصت إليه نوافذ الأقدار قد كان يأمل أن يكافىء بعض ما ... أولوه لولا قاطع الأعمار ما كان يقنعه لو امتدّ المدى ... إلّا القيام بحقّها من دار فيعيد ذاك الماء ذائب فضّة ... ويعيد ذاك التّرب ذوب نضار حتى تفوز على النّوى أوطانها ... من ملكه بجلائل الأوطار «4» حتى يلوح على وجوه وجوههم ... أثر الرعاية «5» ساطع الأنوار ويسوّغ الأمل القصيّ كرامها ... من غير ما ثنيا «6» ولا استعصار ما كان يرضي الشّمس أو بدر الدّجى ... عن درهم فيه «7» ولا دينار أو أن يتوّج أو يقلّد هامها ... ونحورها بأهلّة «8» ودراري حقّ على المولى ابنه إيثار ما ... بذلوه من نصر ومن إيثار فلمثلها ذخر الجزاء ومثله ... من لا يضيع صنائع الأحرار الجزء: 4 ¦ الصفحة: 185 وهو الذي يقضي الديون وبرّه «1» ... يرضيه في علن وفي إسرار حتى تحجّ محلّة رفعوا بها ... علم الوفاء لأعين النّظّار فيصير منها البيت بيتا ثانيا ... للطائفين إليه أيّ بدار تغني قلوب القوم عن هدي به ... ودموعهم تكفي لرمي جمار حيّيت من دار تكفّل سعيها ال ... محمود بالزّلفى وعقبى الدار وضفت عليك من الإله عناية ... ما كرّ «2» ليل فيك إثر نهار دخوله غرناطة: دخل الأندلس، وحلّ بغرناطة في حدود خمسين وسبعمائة، وأقام بها أياما، وقد أسند إليه السلطان أبو الحسن، لمّا رحل عن إفريقية، حفظ حرمه وأسبابه، في مراكب كان استقرارها بسواحل الأندلس، وحضر مجلس السلطان، فراق الحاضرين ملقاه وضمّ لسانه لأطراف الحديث وحسن تبويبه للأغراض. ولهذا الرجل في وطن المغرب ذكر بعيد، وقد أمسك الأمر مرات، على من استقرّ لديه من ولد السلطان، ورتّب له الألقاب والترشيح يغازله بذلك الوطن. وتنوعت الحال بهذا الرجل، من بعد وفاة السلطان أبي سالم ملك المغرب، وانحاز إليه ولده فقام بدعوته، ورتّب له الألقاب بوطن مراكش، ونظر لنفسه أثناء ذلك، فحصّن الجبل، واتّخذ به القلعة، وأكثر الطعمة والعدّة، فلمّا حاقت بأميره الدّبرة، لجأ إلى ما أعدّه، وهو الآن يزجي الوقت مهادنة تشفّ عن انتزاء، والله يهيئ له الخلاص من الورطة، ويتيح له إلى حزب السلامة الفيئة. ومن الطارئين في القضاة والغرباء عاشر بن محمد بن عاشر بن خلف بن رجا ابن حكم الأنصاري بيّاسي «3» الأصل. حاله: كان، رحمه الله، فقيها حافظا للمسائل، مفتيا بالرأي، معروفا بالفهم والإتقان، بصيرا بالفتوى، شوور ببلده وببلنسية، واستقضاه أبو محمد بن سمحون الجزء: 4 ¦ الصفحة: 186 على باغة أيام قضائه بغرناطة، إذ كان يكتب عنه ويلازمه، ثم استقضي بمرسية أعادها الله. وكان حافظ وقته، لم يعاصره مثله. مشيخته: روى عن أبيه، وتلا بالسبع على ابن ذروة المرادي، ولقي أبا القاسم بن النحاس، وأخذ الحديث عن أبي بحر الأسدي، وأبي بكر بن العربي، وأبي جعفر بن جحدر، وأبي الحسن بن واجب، وغيرهم. مولده: ببيّاسة سنة أربع، وقيل: ست وثمانين وأربعمائة. وفاته: توفي بشاطبة، تسع وستين وخمسمائة. تواليفه: شرح المدوّنة مسألة مسألة، بكتاب كبير سماه «الجامع البسيط، وبغية الطالب النشيط» ، حشد فيه أقوال الفقهاء، ورجّح بعضها، واحتجّ له. قالوا: وتوفي قبل إكماله. عياض بن محمد بن محمد بن عياض بن موسى اليحصبي من أهل سبتة، حفيد القاضي العالم أبي الفضل، يكنى أبا الفضل. حاله: من «الصّلة» : كان من جلّة الطلبة، وذوي المشاركة في فنون من العلوم العقلية وغيرها، فصيحا، شاعرا، لسنا، مفوّها، مقداما، موصوفا بجزالة وحدّة امتحن بسببها. وكان مع ذلك كثير التّواضع، فاضل الأخلاق، سريّا، مشاركا، معظّما عند الملوك، مشارا إليه، جليل القدر. حضر الأندلس أيام قضاء أبيه بغرناطة، وغير ذلك الوقت، وجال فيها، وأخذ بقرطبة وإشبيلية وغيرهما، واستقرّ أخيرا بمالقة، وتأثّل بها وبجهاتها أصول أملاك إلى ما كان له. مشيخته: روى عن أبيه أبي عبد الله، وعن أبي محمد بن عبد الله، وأبي بكر بن الحدّاد القاضي بسبتة، وأبي القاسم بن بشكوال، وابن حبيش، وابن حميد، وأبي بكر بن بيبش الشّلطيشي، وغيرهم. من روى عنه: قال الأستاذ: روى عنه جماعة ممن أخذت عنهم، منهم ابنه أبو عبد الله قاضي الجماعة، وأبو العباس بن فرتون، أخذ عنه كثيرا بمدينة فاس. مولده: قال صاحب «الذيل» : سألته عن مولده: فقال: ولدت في اليوم التاسع عشر من محرم عام واحد وستين وخمسمائة بمدينة سبتة. وفاته: توفي في العشر الوسط من جمادى الآخرة عام ثلاثين وستمائة بمالقة، وروضته بها في جنّة كانت له بربضها الشّرقي، رحمه الله. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 187 عياض بن موسى بن عياض بن عمرون بن موسى ابن عياض بن محمد بن عبد الله بن موسى ابن عياض اليحصبي «1» القاضي، الإمام المجتهد، يكنى أبا الفضل، سبتي الدّار والميلاد، أندلسي الأصل، بسطيّه «2» . أوليته: من كتاب ولده في مآثره، وهو كنّاش نبيه، قال: استقرّ أجدادنا في القدم بالأندلس بجهة بسطة، ثم انتقلوا إلى مدينة فاس. وكان لهم استقرار في القيروان، لا أدري قبل حلولهم بالأندلس أو بعد ذلك. وكان عمرون رجلا خيارا من أهل القرآن، وحجّ إحدى عشرة حجة، وغزا مع ابن أبي عامر غزوات كثيرة. وانتقل إلى سبتة بعد سكنى فاس، وكان موسرا، فاشترى بها من جملة ما اشتراه الأرض المعروفة بالمنارة، فبنى في بعضها مسجدا، وفي بعضها ديارا حبسها عليه، وهو الآن منسوب إليه، وولد له ابنه عياض، ثم ولد لعياض ابنه موسى، ثم ولد لموسى القاضي أبو الفضل المترجم به. حاله: قال ولده في تأليفه النبيل: نشأ على عفّة وصيانة، مرضيّ الخلال، محمود الأقوال والأفعال، موصوفا بالنّبل والفهم والحذق، طالبا للعلم، حريصا عليه، إلى أن برع في زمانه، وساد جملة أقرانه، فكان من حفاظ كتاب الله، مع القراءة الحسنة، والنّغمة العذبة، والصوت الجهير، والحظ الوافر من تفسيره وجميع علومه. وكان من أئمة الحديث في وقته، أصوليا متكلّما، فقيها حافظا للمسائل، عاقدا للشروط، بصيرا بالأحكام، نحويا، ريّان من الأدب، شاعرا مجيدا، كاتبا غالبا بليغا، خطيبا، حافظا للغة والأخبار والتواريخ، حسن المجلس، نبيل النادرة، حلو الدّعابة، الجزء: 4 ¦ الصفحة: 188 صبورا، حليما، جميل العشرة جوادا، سمحا، كثير الصّدقة، دروبا على العمل، صلبا في الحق. رحلته وولايته ومنشأ أمره: رحل إلى الأندلس سنة سبع وخمسمائة، فأخذ بقرطبة ومرسية وغيرهما، ثم عاد إلى سبتة، فأجلسه أهلها للمناظرة عليه في «المدوّنة» ، وهو ابن ثلاثين سنة أو ينيف عليها، ثم جلس للشورى. ثم ولّي القضاء، فسار في ذلك حسن السّيرة مشكور الطريقة، وبنى الزيادة الغربية في الجامع الأعظم. وبنى بجبل الميناء الرابية الشهيرة، وعظم صيته. ثم نقل إلى غرناطة في أول صفر سنة إحدى وثلاثين وخمسمائة، فتقلّد خطّة القضاء بها. ثم ولّي قضاء سبتة ثانية. ولمّا ظهر أمر الموحّدين بادر بالمسابقة إلى الدخول في طاعتهم، ورحل إلى لقاء أميرهم بمدينة سلا، فأجزل صلته، وأوجب برّه، إلى أن اضطربت أمور الموحدين عام ثلاثة وأربعين وخمسمائة، وحدث على من كان بقصبتها منهم ما هو معلوم من التغلب عليهم واستئصالهم، ثم من رجوع أمورهم، فالتاثت حاله، ولحق بمراكش مشرّدا به عن وطنه، فكانت بها وفاته. مشيخته: ورتبهم ولده حسبما نقل من فهرسته على الحروف؛ فمنهم أحمد بن محمد بن بقي، وأحمد بن سعيد بن مستقر، وأحمد بن محمد بن مكحول، وأحمد بن محمد السّلفي، الشيخ أبو الطاهر، وأحمد بن محمد بن غلبون بن الحصّار، وأحمد بن محمد بن عبد العزيز المرحي، إلى غيرهم من جملة سبعة عشر رجلا، والحسن بن محمد الصّدفي بن سكّرة، والحسين بن محمد الغساني، والحسين بن عبد الأعلى السفاقسي، والحسن بن علي بن طريف، وخلف بن إبراهيم بن النحاس، وخلف بن خلف الأنصاري بن الأنقر، وخلف بن يوسف بن فرتون، ومحمد بن عيسى التجيبي القاضي، ومحمد بن علي بن حمدين القاضي، ومحمد بن أحمد التجيبي القرطبي القاضي ابن الحاج، ومحمد بن أحمد بن رشد، ومحمد بن سليمان النّفزي ابن أخت غانم. وأجازه محمد بن الوليد الطّرطوشي، ومحمد بن علي بن عمر المازري، ومحمد بن عبد الله المعافري القاضي ابن العربي، ومحمد بن عبد الرحمن بن شبرين القاضي، ومحمد بن علي الأزدي الخطيب الطّليطلي، ومحمد بن علي الشاطبي بن الصقيل، إلى غيرهم من جملة أحد وثلاثين شيخا، وعبد الله بن محمد الخشني، وعبد الله بن محمد بن السيد البطليوسي، وعبد الله بن محمد بن أيوب الفهري، وعبد الرحمن بن محمد السبتي ابن العجوز، وعبد الرحمن بن محمد بن بقي، وعلي بن أحمد الأنصاري ابن الباذش، وعلي بن عبد الرحمن التجيبي ابن الأخضر، من جملة من سبعة وعشرين، وغالب بن عطية الجزء: 4 ¦ الصفحة: 189 المحاربي، وسراج بن عبد الملك بن سراج أبو الحسن، وسفيان بن العاصي الأسدي، من جملة خمسة من الأشياخ في هذا الحرف، وشريح بن محمد الرعيني الإشبيلي، وهشام بن أحمد القرطبي أبو الوليد بن العواد، وهشام بن أحمد الهلالي الغرناطي، ويونس بن محمد بن مغيث بن الصفار، ويوسف بن موسى الكلبي، سمع منه أرجوزته، ويوسف بن عبد العزيز بن عتريس الطليطلي. شعره: قال: مما كتبته من خطّه «1» : [المتقارب] أعوذ بربّي من شرّ ما ... يخاف من الإنس والجنّه وأسأله رحمة تقتضي ... عوارف توصل بالجنّه فما للخلائق «2» من ناره ... سوى فضل رحماه من جنّه ومن شعره، قال: أنشدنيه غير واحد من أصحابنا، فوا رحمة الله عليه: [الوافر] أذات الخلّ «3» ، كم ذا تنتضيها ... عليّ سيوف عينيك انتضاء «4» بمطلك لي مواعد أقتضيها ... من التّوريد واللّعس اقتضاء «5» فقضّي وعد مطلك وانجزيه ... «خيار الناس أحسنهم قضاء «6» » قال: ومما كتبته من خطه «7» : [البسيط] يا من تحمّل عنّي غير مكترث ... لكنه للضّنى والسّقم أوصى بي «8» تركتني مستهام القلب ذا حرق «9» ... أخا جوى وتباريح وأوصاب أراقب النّجم في جنح الدّجى ولها «10» ... كأنّني «11» راصد للنجم أو صابي «12» وما وجدت لذيذ النوم بعدكم ... إلّا جنى حنظل في الطعم أو صاب الجزء: 4 ¦ الصفحة: 190 ومن ذلك قوله رحمه الله «1» : [البسيط] الله يعلم أنّي منذ لم أركم ... كطائر خانه ريش الجناحين فلو قدرت ركبت الريح «2» نحوكم ... فإنّ «3» بعدكم عنّي جنى حيني «4» قال: وكتبت من خطّه «5» : [الكامل] يا راحلين وبالفؤاد تحمّلوا ... أترى لكم قبل الممات قفول؟ أمّا الفؤاد فعندكم أنباؤه ... ولواعج تنتابه وغليل أترى «6» لكم علم بمنتزح الكرى ... عن جفن صبّ ليله موصول؟ أودى بعزمة «7» صبره ولبابه ... طرف أحمّ «8» ومبسم مصقول ما ضرّكم وأضنّكم بتحية ... يحيى بها عند الوداع قتيل إن الخليل «9» بلحظه أو لفظه ... أو عطفه أو وقفه لبخيل ومما نسبه إليه الفتح وغيره، ومن العجب إغفال ولده إياه، قوله يصف الزّرع والشقائق فيه «10» : [السريع] انظر إلى الزّرع وخاماته ... تحكي وقد «11» ماست أمام الرياح كتيبة خضراء «12» مهزومة ... شقائق النّعمان فيها جراح الجزء: 4 ¦ الصفحة: 191 نثره: وهو كثير. فمن خطبه، وكان لا يخطب إلّا بإنشائه: الحمد لله الذي سبق كل شيء قدما، ووسع كل شيء رحمة وعلما ونعما، وهدى أولياءه طريقا نهجا أمما، وأنزل على عبده الكتاب، ولم يجعل له عوجا قيّما، لينذر بأسا شديدا من لدنه، ويبشر المؤمنين الذين يعملون الصالحات أنّ لهم أجرا حسنا، ماكثين فيه أبدا. أحمده على مواهبه، وهو أحقّ من حمد، وأسأله أن يجعلنا أجمع، ممن حظي برضاه وسعد، وأستعينه على طاعته، فهو أعزّ من استعين واستنجد، وأستهديه توفيقا، فإنّ من يهد الله فهو المهتد، ومن يضلل فلن تجد له وليّا مرشدا، وأشهد أن لا إله إلّا الله وحده، لا شريك له، شهادة فاتحة لأقفال قلوبنا، راجحة بأثقال ذنوبنا، منزّهة له عن التّشبيه والتمثيل بنا، وأنه تعالى جدّ ربّنا ما اتخذ صاحبة ولا ولدا، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، أنزل عليه الفرقان، وبعثه بالهدى والإيمان، وأغزى بدعوته دعوة أولياء الشيطان، وأبعدهم مقاعد عن السمع، فمن يستمع الآن يجد له شهابا رصدا. أيها السامع، قد أيقظك صرف القدر من سنة الهوى وتيّاراته، ووعظك كتاب الله بزواجره وعظاته، فتأمّل حدوده، وتدبّر محكم آياته، واتل ما أوحي إليك من كتاب ربّك لا مبدّل لكلماته، ولن تجد من دونه ملتحدا. أين الذين عتوا على الله، وتعظّموا واستطالوا على عباده وتحكّموا، وظنّوا أنه لن يقدر عليهم حتى اصطلموا. وتلك القرى أهلكناهم لما ظلموا وجعلنا لمهلكهم موعدا. غرّهم الأمل وكواذب الظّنون، وذهلوا عن طوارق القبر وريب المنون، وظنوا أنهم إلينا لا يرجعون، حتى إذا رأوا ما يوعدون، فسيعلمون من أضعف ناصرا وأقل عددا. فهذّبوا، رحمكم الله، سراركم بتقوى الله واخلصوا، واشكروا نعمته، وإن تعدّوا نعمة الله لا تحصوها، واحذروا نقمته واتقوه. ولا تعصوا، واعتبروا بوعيده. قُلْ كُلٌّ مُتَرَبِّصٌ فَتَرَبَّصُوا فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ أَصْحابُ الصِّراطِ السَّوِيِّ وَمَنِ اهْتَدى (135) «1» وانهضوا لطاعته الهمم العاجزة، واركضوا في ميدان التّقوى، وحوزوا قصب خصله العابرة، وادخروا ما يخلصكم يوم المحاسبة والمناجزة، وانتظروا قوله: وَيَوْمَ «2» نُسَيِّرُ الْجِبالَ وَتَرَى الْأَرْضَ بارِزَةً وَحَشَرْناهُمْ فَلَمْ نُغادِرْ مِنْهُمْ أَحَداً (47) «3» وذلك يوم تذهل فيه الألباب، وترجف القلوب رجفا، وتبدّل الأرض وتنسف الجبال نسفا، ولا يقبل الله فيه من الظالمين عدلا ولا صرفا. وَنَحْشُرُ الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ زُرْقاً «4» وعرضوا على ربّك صفّا، لقد جئتمونا كما خلقناكم أول مرة، الجزء: 4 ¦ الصفحة: 192 بل زعمتم أن لن نجعل لكم موعدا، اللهمّ انفعنا بالكتاب والحكمة، وارحمنا بالهداية والعصمة، وأوزعنا شكر ما أوليت من النّعمة. ربنا آتنا من لدنك رحمة، وهيّئ لنا من أمرنا رشدا. تواليفه: مما أكمله وقرىء عليه؛ كتاب «الشفا بتعريف حقوق المصطفى» ستة أجزاء. وكتاب «إكمال المعلم في شرح مسلم» تسعة وعشرون جزءا. وكتاب «المستنبطة على الكتب المدوّنة والمختلطة» عشرة أجزاء. وكتاب «ترتيب المدارك وتقريب المسالك لمعرفة أعلام مذهب مالك» خمسة أسفار، ولم يسمعه. وكتاب «الإعلام بحدود قواعد الإسلام» . وكتاب «الإلماع في ضبط الرواية وتقييد السماع» سفر. وكتاب «الرّائد لما تضمنه حديث أم زرع من الفوائد» . وكتاب خطبه، سفر. وكتاب المعجم في شيوخ أبي سكّرة. وكتاب الغنية في شيوخه، جزء. ومما تركه في المبيضة كتاب «مشارق الأنوار على صحيح الآثار» ستة أجزاء ضخمة، وهو كتاب جليل. وفيه يقول الشاعر: [الطويل] مشارق أنوار تبدّت بسبتة ... ومن عجب كون المشارق بالغرب وكتاب «نظم البرهان على صحّة جزم الأذان» جزء. وكتاب «مسألة الأهل المشترط بينهم التزاور» جزء. ومما لم يكمله «المقاصد الحسان فيما يلزم الإنسان» . وكتاب «الفنون الستّة في أخبار سبتة» . وكتاب «غنية الكاتب وبغية الطالب» في الصدور والتّرسيل. وكتاب «الأجوبة المحبّرة، على الأسئلة المتخيّرة» وجدت منها يسيرا فضممته إلى ما وجدته في بطائقه وعند أصحابه. يقول هذا ولده من معان شاذة في أنواع شتى سئل عنها، رحمة الله عليه، فأجاب: جمعت ذلك في جزء. وكتاب أجوبة القرطبيين وجدتها بطابق، فجمعتها مع أجوبة غيرهم. وأجوبته مما نزل في أيام قضائه، من نوازل الأحكام في سفر، وكتاب «سر السّراة في أدب القضاة» . نبذ من أخباره: وأولا في ثناء الأعلام عليه؛ قال ولده: أخبرني ابن عمي الزاهد أن القاضي أبا عبد الله بن حمدين كان يقول له وقت رحلته إليه: وحتى، يا أبا الفضل، إن كنت تركت بالمغرب مثلك. وقال: وأخبرني أن أبا الحسين بن سراج قال له، وقد أراد الرحلة إلى بعض الأشياخ: فهو أحوج إليك منك إليه. وقال: إن الفقيه أبا محمد بن أبي جعفر قال له: ما وصل إلينا من المغرب مثل عياض، وأمثال ذلك كثير، ومن دعابته، قال بعض أصحابنا: صنعت أبياتا تغزلت فيها، والتفت إلى أبيك، رضي الله عنه، ثم اجتمع بي، فاستنشدني إياها، الإحاطة في أخبار غرناطة/ ج 4/م 13 الجزء: 4 ¦ الصفحة: 193 فوجمت، فعزم عليّ فأنشدت: [الطويل] أيا مكثرا صدى ولم آت جفوة ... وما أنا عن فعل الجفاء براض سأشكو الذي توليه من سوء عشرة ... إلى حكم الدنيا وأعدل قاض ولا حكم بينك أرتضي قضاياه ... في الدنيا سوى ابن عياض قال: فلمّا فرغت حسّن، وقال: متى عرفتني قوادا يا فلان، على طريق المداعبة. وأخباره حسنة وفضائله جمة. مولده: بسبتة حسبما نقل من خطّه في النصف من شعبان عام ستة وسبعين وأربعمائة. وفاته: توفي بمراكش ليلة الجمعة نصف الليلة التاسعة من جمادى الآخرة من عام أربعة وأربعين وخمسمائة، ودفن بها في باب إيلان من داخل السّور. عقيل بن عطية بن أبي أحمد جعفر بن محمد ابن عطية القضاعي «1» من أهل طرطوشة، يكنى أبا المجد «2» . حاله: كان فقيها متطرّفا في فنون من العلم، متقنا لما يتناوله من ذلك، حسن التهدّي، من بيت طلب. وقد تقدّم ذكر جدّه الأستاذ. ولّي عقيل قضاء غرناطة وسجلماسة. مشيخته: روى «3» عن أبي القاسم بن بشكوال. قرأ عليه وسمع، وتناول من يده، وأجاز له. وقفت على ذلك بخطّه. شعره: أنشد له في «الذيل» «4» قوله مما نظمه لجماعة من السّادة: [الوافر] ملوك دون بابكم وقوف ... سطت بهم الحوادث والصّروف أذلّهم الزمان وكان قدما ... لهم راع وحولهم يطوف غدوا عبرا لمعتبر فسحقا ... لدنيا أمرها أمر سخيف الجزء: 4 ¦ الصفحة: 194 وطال وحقّ مجدك ما تبدّوا ... وحولهم الغواضب والسيوف أسود يقدمون أسود حرب ... وخلفهم العساكر والصفوف أتى بهم الزمان إليك قصدا ... حيارى فيه يعجزهم رغيف فعطفا أيها المولى عليهم ... وقاك السوء باريك اللطيف فرحمة سيّد قد ذلّ فرض ... يقول به النّبي الهادي الشريف وما يرعى الكرام سوى كريم ... وأنت الماجد النّدي العطوف تواليفه: قال الأستاذ: وقفت على تأليف سماه «فصل المقال، في الموازنة بين الأعمال» تكلّم فيه مع أبي عبد الله الحميدي وشيخه أبي محمد بن حزم، فأجاد فيه وأحسن وأتى بكل بديع، وشرح المقامات الحريرية. وفاته: في صفر سنة ثمان وستمائة. ومن الكتّاب والشعراء عاصم بن زيد بن يحيى بن حنظلة بن علقمة بن عدي بن محمد التميمي ثم العبادي الجاهلي «1» يكنى أبا المخشي «2» ، من أهل إلبيرة. حاله: كان شاعرا مجيدا، شهير المكان، بعيد الصّيت على عهده. قال أبو القاسم: كان من أعلام الجند ومقدميهم. وقال الرّازي: دخل والده زيد بن يحيى من المشرق إلى الأندلس، واختطّ بكورة جند دمشق، وشهر ابنه عاصم هذا بالشّعر، إذ كان غزير القول، حسن المعاني، كثير النادر، سبط اللفظ، فاغتدى شاعر الأندلس، ومادح بني أمية، المخلّف فيهم قوافي شعر «3» المديح الشاردة، وقد كان في لسانه بذاءة زائدة، يتسرّع به إلى من لم يوافقه من الناس، فيقذع هجوهم، ويقذف نساءهم ويهتك حرمهم. وكان أفّاكا نهابا، لا يعدم متظلّما منه، وداعيا عليه، وذاكرا له بالسوء، وهو مستهزئ بذلك، جار على غلوائه. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 195 محنته: قال «1» : وكان مع ذلك منقطعا إلى سليمان ابن الأمير عبد الرحمن بن معاوية، كثير المدح له، على أنه ما أخلى الأمير هشاما من مدحه، وهو مع ذلك لا يسأل سخيمته وحقده عليه؛ لانحطاطه في شعب سليمان أخيه، وبينهما من التنافس والمشاحة ما لا شيء فوقه. وروي «2» أن الذي هاج غضب هشام عليه، أن قال له الساعي عليه: قد عرّض بك بقوله في مديح أخيك سليمان في شعر له فيه منه «3» : [الوافر] وليس كمثل من إن سيل عرفا «4» ... يقلّب مقلة فيها اعورار «5» وكان هشام أحول، فاغتاظ لذلك. وركب فيه من المثلة وركبه، وحقد عليه، إلى أن استدعاه إلى مدينة ماردة، وهشام يومئذ واليها في حياة الأمير أبيه، فخرج إليه أبو المخشي من قرطبة، طامعا في نائله، غير مرتاب بباطنه، فلمّا دخل عليه قال له: يا أبا المخشي، إن المرأة الصالحة التي هجوت ابنها فقذفتها، فأفحشت سبّها، قد أخلصت دعاءها لله في أن ينتقم لها منك، فاستجاب لها، وسلّطني وتأذّن بالاقتصاص لها على يدي منك، ثم أمر به فقطع لسانه، وسمّلت عيناه، وعولج من جراحه، فاستقل منها، وعاش زمنا ممثّلا به. فأما لسانه، فانجبر بعيد وقت إلّا قليلا، واقتدر على الكلام إلّا تلعثما كان يعترضه، واستمرّ العمى، فعظم عليه مصابه، فكثرت في شكواه أشعاره. قال: ويذكر أن قصة أبي المخشي في نبات لسانه، لما بلغت مالك بن أنس، أشار إليها في فتواه في التأنّي بديّة اللسان طمعا في نبتها، وقال: يتأنّى بالحكم عاما، فإن نبت أو شيء منه، عمل في ديّته بحسب ذلك، فقد بلغني أن رجلا بالأندلس نبت لسانه أو أكثره بعدما قطع، فأمكنه الكلام. شعره: قالوا: وبلغ الأمير عبد الرحمن بن معاوية صنيع ابنه هشام بمادحهم أبي المخشي، فساءه وكتب إليه يعنّفه، وأوصل أبا المخشي إليه عند استيلائه بعد حين، فاعتذر إليه ورقّ له، وأنشده بعض ما أحدثه بعد، فكان لا يبين الإنشاد، فينشد له صبيّ كان قد علّمه ودرّبه، فأنشده قصيدته التي وصف فيها عماه وأولها «6» : الجزء: 4 ¦ الصفحة: 196 [الرمل] خضعت أمّ بناتي للعدى ... إذ قضى الله بأمر فمضى «1» ورأت أعمى ضريرا إنما ... مشيه في الأرض لمس بالعصا فبكت «2» وجدا وقالت قولة ... وهي حرّى «3» بلغت منّي المدى ففؤادي قرح «4» من قولها: ... ما من الأدواء داء كالعمى «5» وإذا نال العمى ذا بصر ... كان حيّا مثل ميت قد ثوى «6» وكأنّ الناعم «7» المسرور لم ... يك مسرورا إذا لاقى «8» الرّدى عانى بالقرب وهنا طرب ... بيّن لجّ في الحمى ................ .... «9» ... كيف يعتاد الصّبا من لا يرى أبصرت مستبدلا من طرفه ... قائدا «10» يسعى به حيث سعى بالعصا إن لم يقده قائد «11» ... وسؤال الناس يمشي إن مشى وإذا ركب دنوا كان «12» لهم ... هوجلا في المهمه الخرق الصّوى «13» لم يزل في كلّ مخشيّ الرّدى «14» ... يصطلي الحرب ويجتاب الدّجى امتطيناها سمانا بدنا ... فتركناها نضاء بالفنا وذريني «15» قد تجاورت بها ... مهمها فقرا إلى أهل النّدى الجزء: 4 ¦ الصفحة: 197 قاصدا خير مناف كلها ... ومناف خير من فوق الثّرى وهي طويلة. ومن شعره في الوقيعة بأبي الأسود الفهري «1» ، وكانت عظيمة من أعظم فتوحات الأمير عبد الرحمن «2» : [الكامل] ماذا تسائل «3» عن مواقع معشر ... أودى بهم «4» طلب الذي لم يقدر رشد الخليفة إذا غووا فرماهم ... بالموبذيّ الجهم «5» والمتأزّر فغدا «6» سليمان السّماح عليهم ... كالليث لا يلوي على متعذّر غاداهم «7» متقنّعا في مأزق ... بالموت مرتجس العوارض ممطر «8» أما سليمان السماح فإنه ... جلّى الدّجى وأقام ميل الأصعر وهو الذي ورث النّدى أهل النّدى ... ومحا مغبّة «9» يوم وادي الأحمر بعدا لقتلى بالمجانص «10» أصبحت ... جيفا تلوح عظامها لم تقبر فالليل فيها للذئاب فرائس «11» ... ونهارها وقف لنهش «12» الأنسر أفناهم سيف مبير صارم «13» ... في قسطلونة بل «14» بوادي الأحمر فلتركبنّك «15» ما هربت مخافة ... منه فقع يا ابن اللّقيطة أو طر الجزء: 4 ¦ الصفحة: 198 وفاته: قال ابن حيان: قرأت بخطّ عبادة الشاعر، قال: عمّر أبو المخشي بعد محنته الشنعاء حتى لحق دولة الأمير عبد الرحمن «1» ، فوالى بين مديح أربعة أمراء «2» ، ما بينه وبين جدّه عبد الرحمن بن معاوية الأمير الداخل. وتوفي بعد ذلك قريبا من تاريخ الثمانين والمائة «3» ، وبعد عليه لحاق دولة الأمير عبد الرحمن لهذا التاريخ. ومن الأصليين من ترجمة المحدّثين الفقهاء والطلبة النجباء عيسى بن محمد بن أبي عبد الله بن أبي زمنين المرّي يكنى أبا الأصبغ، من أهل إلبيرة. حاله: نبيه القدر، وروى عن شيوخ بلده. حاله: توفي بعد الأربعمائة. قلت: قد اعتذرت، وتقدم الاعتذار في إثبات من أثبته من هذا البيت في هذا الاختصار من هذا النمط، فلينظر هنالك إن شاء الله. عيسى بن محمد بن عيسى بن عمر بن سعادة الأموي لوشي الأصل، غرناطي الاستيطان والقراءة، يكنى أبا موسى، الشيخ الطبيب بالدار السلطانية. حاله: من «عائد الصلة» : بقية أهل العلم، ونسيج وحده في لين الجانب، وخفض الجناح، وحسن الخلق، وبذل التواضع، ممتع من معارف قديمة، بين طلب وتعليم، على حال تديّن والتزام سنّة، أقرأ الطّبّ، وخدم به الدار السلطانية، وولّي القضاء بلوشة بلده. مشيخته: قرأ على الأستاذ أبي عبد الله الرّقوطي المرسي ولازمه، وأخذ عن أبي الحجاج بن خلصون، وأدرك أمّة من صدور العلماء. تواليفه: له تأليف كبير متعدد الأسفار سماه كتاب «القفل والمفتاح، في علاج الجسوم والأرواح» ، تضمّن كثيرا من العلم الطبي وما يتعلق به، رأيت أجزاء من مسودته بيد ولده. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 199 وفاته: توفي بغرناطة ليلة السبت الخامس عشر لجمادى الآخرة عام ثمانية وعشرين وسبعمائة. حرف الغين من الأعيان غالب بن أبي بكر الحضرمي من أهل غرناطة، يكنى أبا تمام، ويعرف بابن الأشقر. حاله: كان قائدا جزلا مهيبا، مليح التجنّد، معروف الدّربة والثقافة، مشهور الفروسية، ظريف الشكل، رائق الرّكبة، حسن الشّيبة، صليب العود، مرهوب السطوة، ولّي قيادة العسكر زمانا طويلا، فوقع الإجماع على أهليته لذلك؛ تمييزا للطبقات، وانتهاضا بالخدمة، وإنفاذا للعزمة، ومعرفة بالعوائد، واقتدارا على السهر في تفقّد المسالح، واختبار المراصد، واختيار الحرس، وتنظيم المصاف، وإمساك السّيقة ممن يرجع إلى حصيف رأيه، ويركن إلى يمن حنكته، ويعترف بحقه. لقي الجند منه ضغطا لاضطلاعه باستخدامهم، وجعل العقاب من وراء تقصيرهم؛ فقد كان بعض نقبائه يحمل معه مقصّا لإيقاع المثلة بذقون مضيّعي المسلحة أو متهيّبي الملحمة. ولمّا أوقع بالسلطان أمير المسلمين أبي الوليد قرابته بباب داره بما هو مشهور، نمي عنه أنه اخترط سيفه. وكان ممن أثخن الوزير يومئذ جراحة لا يعلم؛ أحيرة وغلطا، أم تواطأ وقصدا، فقد كان من مرج الناس يومئذ، وإعمال بعضهم السلاح في بعض ما هو معلوم، فعزل عن الخطّة، وسئم خطة الخمول، ففقد مكانه من العناء، واضطر إليه. وفاته: توفي بغرناطة عشية يوم الخميس الثاني والعشرين لشوال عام سبعة وعشرين وسبعمائة، ودفن قرب باب إلبيرة. ومن المقربين غالب بن عبد الرحمن بن غالب بن عبد الرؤوف بن تمام ابن عبد الله بن تمام بن عطية بن خالد بن خفاف ابن أسلم بن مكتوم المحاربي، أبو بكر حاله: كان من أهل العلم والعمل، مقرئا فاضلا، راوية، حجّ وروى، وكفّ بصره في آخر عمره. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 200 مشيخته: قرأ القرآن بالسّبع على أبي الحسن بن عبد الله الحضرمي، ودرس الفقه وناظر فيه على سعيد بن خلف بن جعفر الكناني. وروى عن أبي علي الغساني، وعن أبيه عبد الرحمن بن غالب، وأبي عمر بن عبد البر، الإمام الحافظ. من روى عنه: حدّث عنه ذو الوزارتين أبو عبد الله بن أبي الخصال، وأبو عبد الله بن عبد الرحيم القاضي، وعبد الله بن طلحة بن أحمد بن عطية. شعره: قال يحذر من أبناء الزمن: [الرمل] كن بذيّا صائد مستأنسا ... وإذا أبصرت إنسانا ففر إنما الإنسيّ بحر ما له ... ساحل فاحذره إياك الغرر واجعل الناس كشخص واحد ... ثم كن من ذاك الشخص حذر وله رحمه الله: [الكامل] كيف السّلوّ ولي حبيب هاجر ... قاسي الفؤاد يسومني تعذيبا لمّا درى أن الخيال مواصلي ... جعل السّهاد على الجفون رقيبا مولده: ولد سنة إحدى وأربعين وأربعمائة. وفاته: توفي ليلة الجمعة لستّ بقين من جمادى الآخرة سنة ثماني عشرة «1» وخمسمائة. غالب بن حسن بن غالب بن حسن بن أحمد بن يحيى ابن سيد بونه الخزاعي «2» يكنى أبا تمام. أوليته وحاله: أصل «3» سلفه من بونة «4» من بلد إفريقية، واستوطن جدّه بالأندلس قرية زنيتة من وادي «5» لستة شرقي الأندلس من عمل قسنطانية، وملك فيها الجزء: 4 ¦ الصفحة: 201 أموالا عريضة. ولمّا ظهر سبطه وليّ الله أبو أحمد «1» شيخ المريدين بذلك الصقع، وظهرت عليه البركات، وشهدت بولايته الكرامات، غمرتهم بركته، ونوّهت بهم شهرته، إلى أن استولى العدو على تلك الجهات، بعد وفاة الشيخ، رضي الله عنه، فهاجرت ذريته إلى غرناطة، بعد استيطانهم مدينة ألش، وبنوا بالرّبض المعروف بربض البيّازين، واقتطعوا وامتطوا، واتخذوا دار إقامة، وانتشرت به نحلتهم الإرادية «2» ، وانضمّ إليهم من تبعهم من جالية أهل الشرق، وتقدّم هذا الشيخ بعد، شيخا ويعسوبا وقاضيا وخطيبا به، بعد خاله، رحمه الله، فقام بالأعباء، سالكا سنن الصالحين من أهل الجلد والجدّة والقوة والرجولة، من الإيثار والمثابرة على الرباط، والحفوف «3» إلى الجهاد، كان مليح الشّيبة، كثير التّخلق، جمّ التواضع، مألفا للغرباء، مبذول البشر، حسن المشاركة، رافضا للتصنّع، مختصر المطعم والملبس، بقية من بقايا الجلّة، معتمدا في مجالس الملوك بالتّجلّة. مشيخته: يحمل عن والده أبي علي، وعن خاله، وعن الخطيب أبي الحسن ابن فضيلة، وغيرهم. تواليفه: له تأليف في تحريم «4» سماع اليراعة المسماة بالشّبّابة، وعلى ذلك درج جمهورهم. مولده: في ذي القعدة من عام ثلاثة وخمسين وستمائة. وفاته: توفي في عاشر شوال من عام ثلاثة وثلاثين وسبعمائة، وكان الحفل في جنازته يشذّ عن الوصف، ودفن بمقبرتهم. غالب بن علي بن محمد اللخمي الشقوري من أهل غرناطة، يكنى أبا تمام. حاله: كان من أهل الفضل والدّماثة، حسن الخلق، وسيم الخلق، مليح الانطباع، مستطرف الأغراض، من بيت كسب وخيريّة. رحل في شبيبته إلى المشرق، فحجّ، وقرأ الطب بالمارستان من القاهرة المعزّية، وحذق العلاج على طريقة المشارقة، وأطرف بكثير من أخبارهم، وانتصب للمداواة ببجاية بعد مناظرة لها الجزء: 4 ¦ الصفحة: 202 حكاية. وقدم على بلده، فنبه به قدره، واستدعي إلى باب السلطان فخدم به، ثم تحول إلى العدوة، فاتصل بخدمة ملكها السلطان أمير المسلمين أبي سعيد، مسوّغا ما شاء من قبول، ولطف محلّه عنده؛ لانطباعه ولين عريكته وتأنيه لما يوافق غرضه من سبيل الفكاهة، وولّي الحسبة بمدينة فاس، وأثرى وحسنت حاله. وكان مثالا لأهل بلده، موصوفا بالجود وبذل المشاركة لمتغرّبيهم. وله تواليف طيّبة، كان لا يفتر عن الاشتغال بها، بحسب ما فتح له من الإدراك، فمنها نبيل ووبيل. ولمّا انتقل الأمر إلى أمير المسلمين أبي الحسن، وصل حبل رعيه، طاويا بساط الهزل في شأنه، واتصلت خدمته إياه إلى حين وفاته. وفاته: توفي في أوائل عام أحد وأربعين وسبعمائة بسبتة، عند حركة أميره المذكور إلى الجواز للأندلس برسم الجهاد، الذي محصه الله فيه بالهزيمة الكبرى. مولده: ... «1» . حرف الفاء الأعيان والكبراء فرج بن إسماعيل بن يوسف بن نصر «2» الرئيس الجليل، أبو سعيد، وكان حقّه أن يفرد له باب في الأمراء، لكنه الأبواب المتعددة الأسماء، نؤثر فيها الجمع والاختصار كما شرطنا. أوليته: معروفة؛ وكان والده، رحمه الله، صنو أمير المسلمين الغالب بالله «3» أبي عبد الله، وآثره بمدينة مالقة وما يرجع إليها، عند تصير الملك إليه أو بعده. وكان دونه في السّنّ، فاستمرّت أيامه بها إلى أن توفي، رحمه الله، وتصيّر أمره إلى الرئيس أبي محمد بن إشقيلولة، وتخللت ذلك الفتن، حسبما وقع الإلماع به، وتصيّر أمرها إلى ملوك المغرب. ثم لما انجلت الحال عن عودتها إلى الملك النّصري، ولّى عليها الرئيس أبا سعيد، ومكّنه من ميراث سلفه بها، وهو كما استجمع شبابه، وعقد له الجزء: 4 ¦ الصفحة: 203 على ابنته الحرة لباب الملك، فقام بأمرها خير قيام، وثبت لزلزال الفتنة، حسبما هو مذكور في موضعه. حاله: كان هذا الرئيس نسيج وحده في الحزم والجزالة وفخامة الأحوال، مما يرجع إلى الفتية. ناغى السلطان ابن عمّه في اقتناء العقار، وتخليد الآثار، فيما يرجع إلى الفلاحة والاعتمار والازدياد والاستكثار، وأربى عليه بإنشاء المراكب الكبار، فعظمت غلّاته، وضاقت المسارح عن سائمته، وغصّت الأهراء بحبوبه، وسالم الخرج دخل ماله، فبذّ الملوك جدة ويسارا، تقتحم العين منه ظاهرا ساذجا، غفلا من الزينة والتصنّع، في طيّه ظرف وذكاء وحنكة وحلاوة، جهوريا، مرسل عنان النّادرة، باذلا النصفة، مهيب السّطا، خصيب المائدة، شهير الجلالة، بعيد الصيت. ولّي مالقة عام سبعة وسبعين وستمائة، فعانى بها الشّدة واللّيان، حتى رسخت بها قدمه، وطالت لأهلها صحبته، وعظم بها قراره وعساكره، وأينعت غرسانه، ونمت متاجره، وتبنّكت النّعيم حاشيته، وأضيفت إليه الجزيرة الخضراء، فاتسعت العمالة، وانفسحت الخطّة، إلى أن كان من تغلّبه على مدينة سبتة، واستيلائه عليها، مما وقع الإلماع به في موضعه من هذا الكتاب، في شهر شوال عام خمسة وسبعمائة، فساس رعيتها، وتملّك جبالها، وشنّ الغارة على ما وراءها، وتملّك القصر المضاف لها، ولم يزل نظره عليها، إلى أواخر ذي قعدة من عام ثمانية وسبعمائة، فصرف عنها، وجهل قدره، وأوغر صدره، وأوعز للولاة بالتضييق على حاشيته، فدعا بمالقة إلى نفسه في شهر شعبان من عام أحد عشر وسبعمائة، وقدّم لطلب الملك ولده إسماعيل، وسمّاه السلطان، ورتّب له الألقاب، ودوّن الدواوين، فنزع إليه الجند، وانضافت إلى عمالته الحصون. ثم وقعت المهادنة، وأعقبتها المفاتنة، وكان من أمره ما وقع التّنبيه على عيون منه في ذكر ولده. نكبته: ولمّا استأصلت القطيعة محتجنه الراكد في مغابن الخزائن من لدن عام سبعة وسبعين وستمائة، واستنفدت عتاده المطاولة، نظر لنفسه فوجّه كاتبه الوزير أبا عبد الله بن عيسى، وعاقده على الخروج له عن مالقة، متعوّضا عنها بمدينة سلا من عمل ملك المغرب، وتمّ ذلك في شهر رمضان من عام ثلاثة عشر وسبعمائة، وذاع خبره، وضاقت بأولياء انتزائه السّبل، إذ تحققوا بإخفاق المسعى، وسقوط العشيّ بهم على سرحان من سلطانهم الراغبين عنه، فداخلوا ولده المقدّم الأمر، أبا الوليد، واتفق أمرهم على خلعه، ومعاجلة الأمر قبل تمامه، في ... «1» من شهر رمضان، ركب الجزء: 4 ¦ الصفحة: 204 الرئيس، رحمه الله، في نفر من مماليكه المروقة إلى بعض بساتينه، فلمّا قضى وطره، وهمّ بالخروج عنه، اعترضه القوم عند بابه، فالتفّوا به، وأشعروه غرضهم فيه، وجاءوا به إلى بعض القصور بظاهر البلد، فجعلوه به تحت رقبة، وقد بادر ولده القصبة، فاستولى عليها من غير ممانعة؛ لعدم استرابة ثقاته به، إلّا ما كان من خائن يتولّى القيام ببعض أبوابها همّ بسدّه، فطاح لحينه، وتمّ لولده الاستبداد بالأمر، واستولى على النّصب والذخيرة وباقي المال، ونقل الرئيس إلى معقل قرطبة، فلمّا خلص الأمر لولده، انتقل إلى معقل شلوبانية، فلم يزل به لا يبرح عن باب قصره، مرفّها عليه إلى أن قضى نحبه. وفاته: في الرابع عشر لشهر ربيع الأول من عام عشرين وسبعمائة، توفي، رحمه الله، بشلوبانية، وجيء بجنازته محمولا على رؤوس صدور الدولة ووجوه رجالها، متناغين في لباس شعار الحزن بما لم يتقدّم به عهد، ودفن بمقبرة السّبيكة، وولده أمير المسلمين واقف بإزاء لحده، مظهر الاكتراث لفقده، وعلى قبره الآن مكتوب نقشا في الرخام البديع ما نصّه: «هذا قبر علم الأعلام، وعماد دين الإسلام، جواد الأجواد، أسد الآساد، حامي الثغور وممهّد البلاد، المجاهد في ذات الله حقّ الجهاد، شمس الملك وبدره، وعين الزمان وصدره، الكريم الأخلاق، الطاهر الذات والأعراق، الذي سار ذكره في الآفاق، وخلّد من فضائله ما تتحلّى به ظهور المنابر وبطون الأوراق، كبير الإمامة النّصرية، وعظيم الدولة الغالبية، فرع الملك وأصله، ومن وسع الأنام عدله وفضله، مخلّد الفخر الباقي على الأعصار، والعمل الصالح الذي ينال به الحسنى وعقبى الدار، بسلالته الطاهرة الكريمة المآثر والآثار، الإمام الرضي ناصر دين المختار، المنتخب من آل نصر ونعم النسب الكريم في الأنصار، الهمام، الأكبر، الأشهر، المقدم، المرحوم، الأطهر، أبو سعيد بن الإمام الأعلى، ناصر دين الإيمان، وقاهر عبدة الصلبان، صنو الإمام الغالب بالله، ومجهز الجيوش في سبيل الله، سهام العدا، وغمام النّدى، وضرغام الحروب، ذي البأس المرهوب، والجود المسكوب، بطل الأبطال، ومناخ الآمال، المجاهد، الظاهر، المقدّس، المرحوم، أبي الوليد بن نصر، قدّس الله مضجعه، ورقاه إلى الرفيق الأعلى ورفعه. كان، رضي الله عنه، وحيد عصره، وفريد دهره، علت في سماء المعالي رتبه، وكرم من أمير المسلمين صهره ونسبه، فلا يزاحم مكانه، ولا يدانى منصبه، نفذت أحكامه في الشرق والغرب، ومضت أوامره في العجم والعرب، إلى أن استأثر الله به، فكانت وفاته ليلة الخميس الرابع عشر لشهر ربيع الأول من عام عشرين وسبعمائة، وكان مولده يوم الجمعة الجزء: 4 ¦ الصفحة: 205 الثامن لشهر رمضان المعظم من عام ستة «1» وأربعين وستمائة، فسبحان الله الملك الحق، الباقي بعد فناء الخلق: [الطويل] سلام على قبر المكارم والمجد ... مقام الرضى والفوز والبشر والسّعد مثابة إحسان ومعهد رحمة ... ومستودع العلياء «2» والسّرّ والعدّ فيا أيها القبر الذي هو روضة ... تفوح شذى أذكى من المسك والنّدّ لك الفضل إذ حملت أرضى أمانة ... تؤدّى بإكرام إلى جنة الخلد ففيك من الأنصار من آل نصرهم ... همام كريم الذات والأب والجدّ وقسم «3» أمير المسلمين ابن عمّه ... ونخبة بيت الملك واسطة العقد وحامي ذمار الدين ناصره أبو ... سعيد عماد الملك في الحلّ والعقد ليبكي «4» أمير العدوتين بواجب ... من الحق أبناء الوغى وبنو الرّفد وتبكي بلاد كان مالك أمرها ... أفاض بها النّعماء سابغة الورد أقام بها العدل والفضل سنّة ... بإنصاف مستعد وإسعاف مستجد وتبكي أسى ملء العيون لفقده ... وبالحق لو فاضت نفوس من الوجد فيا أيها المولى الذي لمصابه ... بدا الحزن حتى في المطهّمة الجرد لك الله ما أعلى مكارمك التي ... تسير بها الركبان في الغور والنّجد وحسبك أن أورثت خير خليفة ... وأبديت منه للورى علم الرّشد إمام هدى أعماله لهي «5» رحمة ... تنال بها الزّلفى من الصّمد الفرد عليك من الرحمن أزكى تحية ... توفّيك من إحسانه غاية القصد فرج بن محمد بن محمد بن يوسف بن نصر «6» الأمير أبو سعيد، ولد أمير المسلمين ثاني «7» الملوك النصريين، ابن الغالب بالله. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 206 حاله: كان أميرا جليلا جميلا، بلغ الغاية في حسن الصورة، وفضل الفروسية على صغر سنّه، وكان زناتي الشكل والركض والآلة، عروس الميدان، وحلس الخيل، يؤثر من شجاعته وثبات موقفه على الغرارة، وعدم الحنكة، أنه أنشب في اتباع خنزير ضخم الكراديس، عظيم الناب، عريض الغبطة، طرح نفسه عليه في ضحضاح؛ لفضل شجاعته، فكبا به الطرف، واستقبله ذلك الخنزير الفحل صامدا، فاستقلّ، زعموا، من السّقطة، وقد اخترط سيفا عضبا كان يتقلّده، وسبقه بضربة تحت عينيه، أبانت فكّيه، وأطارت محل سلاحه، وخالطه مع ذلك أعزل، فلم يغن، وتلاحق به فرسانه، وقد يئسوا من خلاصه، فرأوا ما بهتوا له، وبشّر بذلك أبوه، فملأ عينه قرّة، وكان يولع منه بفرع ملك، وصقر بيت، وسيف دولة. أسف بذلك وليّ العهد كبيره، فاعتبط لأيام من تصيّر الأمر إليه. وفاته: توفي مغتالا في الأول من عام اثنين وسبعمائة. مولده: عام ستة وثمانين وستمائة. فرج بن محمد بن يوسف بن محمد بن نصر «1» الأمير أبو سعيد، ولي عهد السلطان الغالب بالله. حاله: كان هذا الأمير فاضلا ذكيا، من أهل الأدب والنّبل، قام الأدب في مدته على ساق، ولّاه أبوه الغالب بالله عنده، وأمّله لمكانه لو أنّ الليالي أمهلته. شعره: وأدبه مما ينسب إليه بالأندلس، وهو عندي ما يبعد قوله: [الطويل] أيا ربة الحسن التي سلبت منك ... على أي حال كنت لا بدّ لي منك فإمّا بذلّ وهو أليق بالهوى ... وإمّا بغرّ وهو أليق بالملك وكان ذو الوزارتين أبو عبد الله بن الحكيم، رحمه الله، يقول: أخبرني كاتب هذا الأمير، وهو الوزير أبو عبد الله بن القصيرة الإشبيلي بتونس قال: نظم الأمير بيتا وطلبني بإجازته، وأن يكون المنظوم مشوب النسيب بالفخر. والبيت: [الطويل] أرقت لبرق بالسّبيكة لا الخيف ... وإن كان فيه ما أحاذر من حتف فقلت مجيزا: [الطويل] تجور على قلبي لواحظ غادة ... بأنفذ من عزمي وأقطع من سيف الجزء: 4 ¦ الصفحة: 207 ولي هزّة نحو الوصال أو اللّقا ... كهزة آبائي الكرام إلى الضيف أفيض وفيض في الجفون وبالحشا ... فأشكو بحالي في الشتاء وفي الصيف لعمري لقد وفّى العلا حقّ مفخري ... لو اني في الدنيا مرادي أستوفي قال: واستحسن ذلك ووقع عليه كاتبه، يعني بذلك نفسه. وفاته: عصر يوم الأربعاء لأربع بقين من ذي الحجة سنة ثلاث وخمسين وستمائة، ابن خمس وعشرين سنة. ومن الكتاب والشعراء الفتح بن علي بن أحمد بن عبيد الله الكاتب المشهور «1» من قرية تعرف بصخرة «2» الواد من قرى قلعة يحصب، يكنى أبا نصر، ويعرف بابن خاقان. حاله: كان «3» آية من آيات البلاغة، لا يشقّ غباره، ولا يدرك شأوه، عذب الألفاظ ناصعها، أصيل المعاني وثيقها، لعوبا بأطراف الكلام، معجزا في باب الحلى والصفات، إلّا أنه كان مجازفا، مقدورا عليه، لا يملّ من المعاقرة والقصف «4» ، حتى هان قدره، وابتذلت نفسه، وساء ذكره، ولم يدع بلدا من بلاد الأندلس إلّا دخله، مسترفدا أميره، وواغلا على عليته «5» . قال الأستاذ في «الصلة» «6» : وكان معاصرا للكاتب أبي عبد الله بن أبي الخصال، إلا أنّ بطالته أخلدت «7» به عن الجزء: 4 ¦ الصفحة: 208 مرتبته. وقال ابن عبد الملك «1» : دخل «2» يوما إلى مجلس قضاء أبي الفضل عياض «3» مخمرا، فتنسّم بعض حاضري «4» المجلس رائحة الخمر، فأعلم القاضي بذلك، فاستثبت «5» ، وحدّه حدّا تاما، وبعث إليه بعد أن أقام عليه الحدّ، بثمانية دنانير وعمامة. فقال الفتح حينئذ لبعض أصحابه: عزمت على إسقاط اسم القاضي أبي الفضل من كتابي الموسوم «6» ب «قلائد العقيان» قال: فقلت: لا تفعل، وهي نصيحة، فقال «7» : وكيف ذلك؟ فقلت «8» له: قصّتك معه من الجائز أن تنسى، وأنت تريد أن تتركها «9» مؤرخة، إذ كلّ من ينظر في كتابك يجدك قد ذكرت فيه من هو مثله ودونه في العلم والصيت، فيسأل عن ذلك، فيقال له، [اتّفق معك كيت وكيت] «10» فيتوارث العلم «11» عن الأكابر الأصاغر، قال: فتبين له ذلك، وعلم صحته وأقرّ اسمه «12» . وحدّثني بعض الشيوخ أنّ سبب حقده على ابن باجة أبي بكر «13» ، آخر فلاسفة الإسلام بجزيرة الأندلس، ما كان من إزرائه به، وتكذيبه إياه في مجلس إقرائه، إذ جعل يكثر ذكر ما وصله به أمراء الأندلس، [ويذكر الفخر بذلك] «14» ، ووصف حليا، وكانت «15» تبدو من أنفه فضلة خضراء اللون. زعموا «16» ، فقال له: فمن تلك الجزء: 4 ¦ الصفحة: 209 الجواهر إذن الزمردة التي على شاربك؟ فثلبه في كتابه بما هو معروف في الكتاب «1» . وعلى ذلك فأبو نصر نسيج وحده، غفر الله تعالى «2» له. مشيخته: روى «3» عن أبوي بكر: ابن سليمان بن القصيرة، وابن عيسى ابن اللبّانة، وأبي جعفر بن سعدون الكاتب، وأبي الحسن بن سراج، وأبي خالد بن مستقور «4» ، وأبي الطيّب بن زرقون، وأبي عبد الله بن خلصة الكاتب، وأبي عبد الرحمن بن طاهر، وأبي عامر بن سرور، وأبي محمد بن عبدون، وأبي الوليد بن حجاج، وابن دريد الكاتب. تواليفه: ومصنفاته «5» شهيرة: منها «قلائد العقيان» ، و «مطمح الأنفس» ، و «المطمح» أيضا «6» . وترسيله مدوّن، وشعره وسط، وكتابته فائقة. شعره: من شعره قوله، وثبت في قلائده، يخاطب أبا يحيى ابن الحجاج» : [الطويل] أكعبة علياء وهضبة سؤدد ... وروضة مجد بالمفاخر تمطر هنيئا لملك «8» زان نورك أفقه ... وفي صفحتيه من مضائك أسطر وإني لخفّاق الجناحين كلّما ... سرى لك ذكر أو نسيم معطّر وقد كان واش هاجنا لتهاجر «9» ... فبتّ وأحشائي جوى تتفطّر فهل لك في ودّ ذوى لك ظاهرا ... وباطنه يندى صفاء ويقطر ولست بعلق بيع بخسا وإنني ... لأرفع أعلاق الزمان وأخطر «10» فروجع عنه بما ثبت أيضا في قلائده ممّا أوله «11» : [الطويل] ثنيت، أبا نصر، عناني، وربّما ... ثنت عزمة السّهم المصمّم أسطر الجزء: 4 ¦ الصفحة: 210 نثره: ونثره «1» شهير، وثبتّ «2» له من غير المتعارف من السّلطانيات ظهيرا كتبه عن بعض الأمراء لصاحب الشرطة، ولا خفاء بإدلاله وبراعته: كتاب تأكيد اعتناء، وتقليد ذي منّة وغناء، أمر بإنفاذه فلان، أيّده الله تعالى «3» ، لفلان ابن فلان صانه الله تعالى «4» ، ليتقدّم لولاية المدينة بفلانة «5» وجهاتها، ويصرخ «6» ما تكاثف من العدوان في جنباتها، تنويها أحظاه بعلائه، وكساه رائق ملائه، لما علمه من سنائه، وتوسّمه من غنائه، ورجاه من حسن منابه، وتحققّه من طهارة ساحته وجنابه، وتيقّن- أيّده الله تعالى «7» ! أنه مستحق لما ولّاه، مستقل «8» بما تولّاه، لا يعتريه الكسل، ولا يثنيه «9» عن إمضاء الصوارم والأسل، ولم يكل الأمر منه إلى وكل «10» ، ولا ناطه مناط «11» عجز ولا فشل، وأمره أن يراقب الله تعالى في أوامره ونواهيه، وليعلم أنه زاجره عن الجور وناهيه، وسائله عمّا حكم به وقضاه، وأنفذه وأمضاه، يَوْمَ لا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئاً وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ (19) «12» فليتقدم لذلك «13» بحزم لا يحمد توقدّه، وعزم لا ينفد تفقّده، ونفس مع الخير ذاهبة، وعلى سنن «14» البرّ والتقوى راكبة، ويقدّم للاحتراس من عرف اجتهاده، وعلم أرقه في البحث وسهاده، وحمدت أعماله، وأمن تفريطه وإهماله، ويضمّ إليهم من يحذو حذوهم، ويقفو شأوهم، ممّن لا يستراب بمناحيه، ولا يصاب خلل في ناحية من نواحيه، وأن يذكي العيون على الجناة، وينفي عنها لذيذ السّنات «15» ، ويفحص عن مكامنهم، حتى يغصّ بالروع «16» نفس آمنهم، فلا يستقرّ بهم موضع، ولا يقرّ «17» منهم مخبّ ولا موضع، فإذا ظفر منهم بمن ظفر بحث عن باطنه، وبثّ السؤال في مواضع تصرفه ومواطنه، فإن لاحت شبهة أبداها الكشف والاستبراء، وتعدّاها البغي «18» والافتراء، نكّله بالعقوبة أشدّ نكال، وأوضح له منها ما كان ذا إشكال، بعد أن يبلغ أناه، ويقف على طرف «19» مداه، وحدّ له ألّا يكشف بشرة إلّا في حدّ يتعيّن، وإن جاءه فاسق أن يتبيّن، وأن لا يطمع في صاحب الجزء: 4 ¦ الصفحة: 211 مال موفور، وأن لا يسمع من مكشوف في مستور، وأن يسلك السّنن المحمود، وينزّه عقوبته من الإفراط وعفوه من تعطيل الحدود. وإذا انتهت إليه قصّة مشكلة أخّرها إلى غده، فهو على العقاب أقدر منه على ردّه، فقد يتبيّن في وقت ما لا يتبيّن في وقت، والمعاجلة بالعقوبة من المقت، وأن يتغمّد هفوات ذوي الهيئات، وأن يستشعر الإشفاق، ويخلغ التّكبّر فإنه من ملابس أهل النفاق، وليحسن لعباد الله اعتقاده، ولا يرفض زمام العدل ولا مقاده، وأن يعاقب المجرم قدر زلّته، ولا يعتزّ عند ذلّته، وليعلم أنّ الشيطان أغواه، وزيّن له مثواه، فيشفق من عثاره، وسوء آثاره، وليشكر الله على ما وهبه من العافية، وأكسبه من ملابسها الضّافية، ويذكره جلّ وتعالى «1» في جميع أحواله، ويفكّر في الحشر وأهواله، ويتذكّر وعدا ينجز فيه ووعيدا يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ ما عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَراً وَما عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَها وَبَيْنَهُ أَمَداً بَعِيداً «2» . والأمير أيّده الله، وليّ له ما عدل وأقسط، وبرىء منه إن جار وقسط. فمن قرأه فليقف عند حدّه ورسمه، وليعرف له حقّ قطع الشّرّ وحسمه، ومن وافقه من شريف أو مشروف، وخالفه في شيء «3» منكر أو أمر بمعروف، فقد تعرّض من العقاب لما يذيقه وبال خبله، وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ «4» . وكتب في كذا. وفاته: بمرّاكش ليلة الأحد لثمان بقين من محرم من عام تسعة «5» وعشرين وخمسمائة، ألفي قتيلا ببيت من بيوت فندق لبيب «6» أحد فنادقها، وقد ذبح وعبث به، وما شعر به إلّا بعد ثلاث «7» ليال من مقتله. ومن المقرئين والعلماء فرج بن قاسم بن أحمد بن لب التغلبي «8» من أهل غرناطة، يكنى أبا سعيد. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 212 حاله: هذا» الرجل من أهل الخير والطهارة، والزّكا «2» والديانة، وحسن الخلق. رأس بنفسه، وحلّي بفضل ذاته، وبرّز بمزية إدراكه وحفظه، فأصبح حامل لواء التحصيل عليه «3» بدار الشّورى، وإليه مرجع الفتوى ببلده، لغزارة حفظه، وقيامه على الفقه، واضطلاعه بالمسائل، إلى المعرفة بالعربية واللغة، والمران «4» في التوثيق، والقيام على القراءات، والتّبريز في التفسير، والمشاركة في الأصلين والفرائض والأدب. جيد الخط، ينظم وينثر. قعد ببلده للتدريس على وفور المسجد. ثم استقلّ بعد، وولّي الخطابة بالمسجد الأعظم، وأقرأ بالمدرسة النّصرية، في ثامن وعشرين من رجب عام أربعة وخمسين وسبعمائة، معظّما عند الخاصة والعامة، مقرونا اسمه بالتسويد. وهو الآن بالحالة الموصوفة. مشيخته: قرأ على الخطيب المقرئ «5» ، شيخنا أبي الحسن القيجاطي، والخطيب الصالح الفاضل أبي إسحاق بن أبي العاصي، والقاضي العدل المحدث العالم أبي عبد الله بن بكر، ولازم الشيخ الفقيه أبا عبد الله البيّاني، وأخذ العربية عن شيخ العصر أبي عبد الله بن الفخار، وروى عن الشيخ الرحال الراوية أبي عبد الله محمد بن جابر بن محمد القيسي الوادي آشي، وغيرهم. شعره: من شعره في غرض النسيب قوله «6» : [الطويل] خذوا للهوى من قلبي اليوم ما أبقى ... فما زال قلبي «7» للهوى كلّه رقّا «8» دعوا القلب يصلى في لظى الوجد ناره ... فنار الهوى الكبرى وقلبي هو الأشقى «9» سلوا اليوم أهل الوجد ماذا به لقوا ... فكلّ الذي يلقون بعض الذي ألقى الجزء: 4 ¦ الصفحة: 213 فإن كان عبد يسأل «1» العتق مالكا «2» ... فلا أبتغي من مالكي في الهوى عتقا بدعوى الهوى يدعو أناس وكلهم ... إذا سئلوا طرق الهوى جهلوا الطّرقا فطرق الهوى شتى ولكنّ أهله ... يحوزون «3» في يوم الرّهان بها سبقا «4» فكم «5» جمعت طرق الهوى بين أهله «6» ... وكم أظهرت عند السّرى «7» بينهم فرقا بسيما «8» الهوى تسمو معارف أهله ... فحيث ترى سيما الهوى فاعرف الصدقا فمن زفرة تزجي سحائب زفرة «9» ... إذا زفرة ترقى فلا عبرة ترقا «10» إذا سكتوا عن وجدهم أعربت «11» بهم «12» ... بواطن أحوال وما عرفت نطقا ومن منظومه في وداع شهر رمضان المعظم قوله «13» : [الطويل] أأزمعت يا شهر الصيام رحيلا ... وقاربت يا بدر التمام «14» أفولا؟ أجدّك قد جدّت بك الآن رحلة ... رويدك أمسك للوداع قليلا نزلت فأزمعت الرحيل كلما «15» ... نويت رحيلا إذ نويت نزولا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 214 وما ذاك إلّا أنّ أهلك قد مضوا ... تفانوا فأبصرت الديار طلولا وقفت بها من بعدهم فعل ناد «1» ... لربع خلا يبكي عليه خليلا لقد كنت «2» في الأوقات ناشئة التّقى «3» ... أشدّ به وطأ «4» وأقوم قيلا ولما انجلى وجه الهدى فيك مسفرا ... سدلت على وجه الضّلال سدولا متى ارتاد مرتاد مقيلا لعثرة ... أتاك فألفى للعثار مقيلا وناديت فينا صحبة الخير أقبلوا ... بإقبالكم حزتم لديّ قبولا لقد كنت لما واصلوك ببرّهم ... حفيّا بهم برّا لهم ووصولا أقاموا لدين الله فيك شعائرا ... هدتهم إلى دار السلام سبيلا فكم أطلقوا فيها أعنّة جدّهم ... وكم أرسلوا فيها الدموع همولا دموعا أثارت سحّها ريح زفرة ... فسالت وخدّت في الخدود مسيلا لديك أيا شهر الهدى قصّروا المدى ... فكم لك في شأو الفضائل طولا دلائل تشريف لديك كثيرة ... كفى بكتاب الله فيك دليلا ومن الصوفية والصلحاء فضل بن محمد بن علي بن فضيلة المعافري يكنى أبا الحسن، من أهل الشرق الأندلسي، أبو الحسن الولي الصالح الصوفي. حاله: كان وليّا فاضلا، زاهدا، على سنن الفضلاء، وأخلاق الأولياء، غزير العلم، كثير العمل، دائم الاعتبار، مشهور الكرامة، مستجاب الدعوة، صوفيّا محققا، انتهت إليه الرئاسة في ذلك على عهده. يدلّ على ذلك كلامه على أغراض القوم، وكشفه عن رموزهم وإشاراتهم، أديبا بليغا، كاتبا مرسلا، لا يشقّ غباره في ذلك. قائما على تجويد كتاب الله، عالي الرواية، أسنّ وتناهى وازدلف إلى التّسعين، ممتّعا بجوارحه، وولّي الخطابة والإمامة بالمسجد الأعظم، أقرأ به مدة كبيرة. قال ابن الزبير في «صلته» : كان جليلا في ذاته وخلقه ودينه، معدوم النظير في ذلك، مشاركا في فنون من العلم، أديبا بارعا، كاتبا بليغا، فصيح القلم، متقدما في ذلك، متصوّفا، سنيّا، ورعا، معدوم القرين في ذلك، متواضعا، مقتصدا في شؤونه الجزء: 4 ¦ الصفحة: 215 كلها، جاريا في خلقه وأفعاله وأحواله على سنن السلف، أحفظ الناس للسانه وجوارحه وأصدقائه، وأسلمهم عينا ومشهدا، وأشدّهم تمسكا بهدي السلف الصالح، مؤثرا للخمول، سريع العبرة، شديد الخوف لله سبحانه، تاليا لكتاب الله، كثير الصوم، خفيف القدم في حوائج أصحابه، مشاركا لهم بأقصى ما يمكنه. له تقاييد جوابية عما كان يسأل عنه في الفن الذي كان يؤثره، محررا ما يلزم التقييد به من كتاب الله تعالى وسنّة نبيّه صلى الله عليه وسلم، غير منافر لمذهب الأشعرية، مالكي المذهب، له اختيارات يسيرة لا يفتى بها، ولا تتعدّى علمه. مشيخته: روى عن أبي تمام غالب بن حسن بن أحمد بن سيد بونة «1» ، وعن أبي العباس أحمد بن محمد بن شهيد، وأخذ أيضا عن أبي بكر بن محرم، وأجاز له أبو بكر بن المرابط، وقرأ على القاضي أبي القاسم بن يحيى بن ربيع، والقاضي أبي عيسى بن أبي السّداد المرسي، وغيرهم. من أخباره: وكراماته شهيرة، فمنها أن رجلا استفتاه، فأفتاه بجواب لم يحصل له به الإقناع، فرأى في عالم النوم وإثر سؤاله إياه رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول له: الحق ما قال لك فلان في المسألة. قال الحاكي: فبكّر إليه الرجل من الغد، فلمّا أقبل عليه بموضع إقرائه، قال له: ألم ترد أن تستفتي يا أبا فلان إلّا من رأس العين؟ فبهت الرجل. وأحواله شهيرة. مولده: ولد عام سبعة وستمائة. وفاته: في الثامن عشر من محرم عام تسعة وتسعين وستمائة. ودفن بمقبرة ربض البيّازين مع قومه من صلحاء الشّرق، وكانت جنازته مشهودة. ومن العمال الأثرا فلّوج العلج مولى يحيى بن غانية «2» . حاله: كان فلّوج شهما شجاعا، مهيبا حازما، نال من مولاه حظوة، واستعان به على أموره المهمة. وجرى على يده إغرام أهل قرطبة، وانطلقت على أموالهم يده، وأثرى وجمع مالا دبرا من الصامت والذخيرة عظيما. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 216 نكبته: وكان يحيى بن غانية قد ولّاه حصن بني بشير، فثقّفه وحصّنه، ونقل إليه أمواله ومتاعه وذخيرته. ولمّا توفي مولاه لحق به وملك أمره واستعان بجماعة من النصارى، ثم بدا له لضعف رأيه وسوء تدبيره، أن ألقى بيده إلى ابن أخي مولاه إسحاق بن محمد بن غانية، فأناب ولحق به، معتذرا عن توقفه، فقبض عليه وصفّده، وعرض عليه العذاب، وأسكنه في تابوت، باطنه مسامير، لا يمكنه معها التصرف، وأجاعه بمرأى من الطعام بمطبخه، إلى أن مات جوعا وألما. وهو مع ذلك لا يطمعه في شيء من المال. وتخلّف بالحصن رجلا من جهة سرقسطة، يعرف بابن مالك، ويكنى أبا مروان، فلمّا ذاع خبر القبض عليه، بادر الموحدون الذين بلوشة، فتغلّبوا عليه، واستولوا على ما كان به من مال وذخيرة، ووجدوا فيه من أنواع الثياب والحلي والذّخيرة، كل خطير عظيم، وشدّوا على ابن مالك في طلب المال، فلم يجدوا عنده شيئا، إلى أن فدى نفسه منهم، بمال كبير، فمضى فلّوج على هذا السبيل. ومن المقرئين والعلماء قاسم بن عبد الله بن محمد الشّاط الأنصاري «1» نزيل سبتة، وأصله من بلنسية، يكنى أبا القاسم. قال: والشّاط اسم لجدّي، وكان طوالا فجرى عليه الاسم. حاله: نسيج وحده في إدراك النظر، ونفوذ الفكر، وجودة القريحة، وتسديد الفهم، إلى حسن الشمائل، وعلو الهمة، وفضل الخلق، والعكوف على العلم، والاقتصار على الآداب السّنية، والتحلي بالوقار والسكينة. أقرأ عمره بمدرسة سبتة الأصول والفرائض، متقدما، موصوفا بالأمانة. وكان موفور الحظ من الفقه، حسن المشاركة في العربية، كاتبا، مرسّلا، ريّان من الأدب، ذا مماسّة في الفنون، ونظر في العقليات، ضرورة لم يتزوج، ممن يتحلى بطهارة وعفاف. وقال في «المؤتمن» : كان مع معارفه، عالي الهمة، نزيه النفس، ذا وقار وتؤدة في مشيه ومجلسه، يشاب وقاره بفكاهة نظيفة، لا تنهض إلى التأثير في وقاره، ظريف الملبس، يخضب رأسه بالحنّاء على كبره. مشيخته: قرأ بسبتة على الأستاذ الكبير أبي الحسن بن أبي الربيع وبه تأدب، وعلى أبي بكر بن مشليون، وعلى الحافظ أبي يعقوب المحاسبي، وعلى الطبيب أبي الجزء: 4 ¦ الصفحة: 217 عبد الله محمد بن علي بن أبي خالد العبدري الأبّدي، وعلى أبي الحسن البصري، وعلى خاليه أبي عبد الله محمد وأبي الحسن ابني الطرطاني. وأجازه أبو القاسم بن البرّاء، وأبو محمد بن أبي الدنيا، وأبو العباس بن علي الغماز، وأبو جعفر الطباع، وأبو بكر بن فارس، وأبو محمد الأنباري، وغيرهم. وأخذ عنه الجملة من أهل الأندلس من شيوخنا كالحكيم الأستاذ أبي زكريا بن هذيل، وشيخنا أبي الحسن بن الجياب، وشيخنا أبي البركات، والقاضي أبي بكر بن شبرين، وقاضي الجماعة أبي القاسم الحسني الشريف، والوزير أبي بكر بن ذي الوزارتين أبي عبد الله بن الحكيم، والقاضي أبي القاسم بن سلمون، وغيرهم. شعره: وكان يقرض أبياتا حسنة من الشعر، فمن ذلك قوله يذيّل أبياتا لأبي المطرّف بن عميرة وهي «1» : [الكامل] فضل الجمال على الكمال بخدّه» ... والحقّ «3» لا يخفى على من وسّطه عجبا له برهانه بشروطه ... معه فما مطلوبه «4» بالسّفسطه علم التّباين في النفوس وإنها ... منها مفرّطة وغير مفرّطه «5» فئة «6» رأت وجه الدّليل وفرقة ... أصغت إلى الشّبهات فهي مورّطه فأراد جمعها معا في حكمة «7» ... هذي بمنتجة وذي بمغلّطه ومن شعره قوله: [الكامل] إني «8» سلكت من انقباضي مسلكا ... وجريت من صمتي على منهاج وتركت أقوال البريّة جانبا ... كي لا أميّز مادحا من هاج دخوله غرناطة: ورد على غرناطة عند تصيّر سبتة إلى الإيالة النّصرية مع الوفد من أهلها ببيعة بلدهم، فأخذ عنه بها الجملة، ثم انصرف إلى بلده. قال شيخنا أبو الجزء: 4 ¦ الصفحة: 218 البركات: وأنشدنا لنفسه: [الخفيف] قلت يوما لمن تخذت هواه ... ملّة قد تبعتها وشريعه لم تأبى «1» الوصال وهو مباح ... وتسوم المحبّ سوء القطيعه؟ قال: إني خشيت منك ملالا ... فتركت الوصال مدّ ذريعه وأنشدنا: [الكامل] وغزال أنس سلّ من ألحاظه ... سيفا أراق دم الفؤاد بسلّه وبخدّه من ذاك «2» أعدل شاهد ... يقضي بأنّ الفتك بي «3» من فعله ما لي أطالبه فيدحض حجّتي ... ودمي يطلّ وشاهدي من أهله؟ وأنشدنا الفقيه أبو القاسم الزقّاق، قال: أنشدنا الأستاذ أبو القاسم الشاط، وقد خرجنا معه مشيعين إياه في انصرافه عن غرناطة آئبا إلى بلده: [البسيط] يا أهل غرناطة، إنّي أودّعكم ... ودمع عيني من جراكم جار تركت قلبي غريبا في دياركم ... عساه يلقى لديكم حرمة الجار تواليفه: منها «أنوار البروق، في تعقب مسائل القواعد والفروق» . و «غنية الرابض، في علم الفرائض» . و «تحرير الجواب، في توفير الثّواب» . و «فهرسة حافلة» . وكان مجلسه مألفا للصّدور من الطلبة، والنبلاء من العامة؛ حدّثني شيخنا القاضي الشريف أبو القاسم، قال: كان يجلس عند رجل خياط من أهل سبتة، يعرف بالأجعد من العامة، فأخذ يوما يتكلم عن مسألة، فقال متمثلا: كما تقول: الأجعد الخياط فعل كذا، ثم التفت معتذرا يتبسم وقال: أتمثل بك، فقال الأجعد بديهة: إذا يا سيدي، أعتق عليكم، إشارة إلى قول الفقهاء: العبد يعتق على سيّده إذا مثّل به، فاستظرف قوله. مولده: في ذي قعدة من عام ثلاثة وأربعين وستمائة بمدينة سبتة. وفاته: توفي بها في آخر عام ثلاثة وعشرين وسبعمائة، وقد استكمل الثمانين. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 219 قاسم بن عبد الكريم بن جابر الأنصاري من أهل غرناطة، يكنى أبا محمد، ويعرف بابن جابر. حاله: كان، رحمه الله، من جلّة أهل العلم والفضل، حسن الأخلاق، مليح الحديث، عذب الفكاهة، لطيف الحاشية، على دين والتزام سنّة. رحل إلى المشرق، فلقي العلماء، وأخذ عنهم، وكلف بعلم الجدل، فقرأه كثيرا، وبهر فيه. وورد على غرناطة من رحلته، فأقرأ بها الأصول وغيرها من جدل ومنطق وفقه. مشيخته: قرأ بغرناطة على الخطيب وليّ الله أبي الحسن بن فضيلة، والأستاذ خاتمة المقرئين أبي جعفر بن الزّبير، وولّي القضاء ببسطة، ثم كلف بالإقراء وعكف عليه، فلم ينتقل عنه. من أخذ عنه: أخذ عنه كراسة الفخر المسماة ب «الآيات البينات» ، وكان قائما عليها جملة من شيوخنا، كالأستاذ التعاليمي أبي زكريا بن هذيل، والأستاذ المقرئ أبي عبد الله بن البيّاني. شعره: وله شعر؛ أنشدنا الشيخ أبو القاسم بن سلمون، قال: أنشدنا في شيخنا ابن جميل قوله: [مخلع البسيط] إن أطلع الشّرق شمس دنيا ... قد أطلع الغرب شمس دين وبين شمس وبين شمس ... ما بين دنيا وبين دين مولده: ولد بغرناطة عام تسعة وستين وستمائة. وفاته: توفي بها في جمادى الآخرة أو رجب من عام أربعة عشر وسبعمائة. قاسم بن يحيى بن محمد الزّروالي «1» يكنى أبا القاسم، ويعرف بابن درهم، مالقي، أصله من جبال تاغسى، ودخل غرناطة وقرأ بها. حاله: من تذييل صاحبنا القاضي أبي الحسن، قال فيه: كان، رحمه الله، واحد زمانه، ينبوع الحكمة يتفجر من لسانه، وعنوان الولاية على طيلسانه. ومن «عائد الصلة» : كان، رحمه الله، علما من أعلام الزهد والورع والديانة، والتقلّل من الدنيا، الجزء: 4 ¦ الصفحة: 220 والعكوف على تجويد كتاب الله وإقرائه، منقطع القرين فيه، كثير المناقشة والتحقيق، يرى أن ليس في الأرض من يحكم ذلك حق إحكامه، ما لم يأخذه. مشيخته: قرأ على جملة من حملة كتاب الله بالمشرق والمغرب والأندلس، وعني بذلك. ثم لم يعتمد منهم إلّا على الأستاذ أبي إسحاق الغافقي بسبتة، والخطيب أبي جعفر بن الزيات ببلّش من الأندلس، واستمرت حاله على سبيلها من الزهد والانقباض والتنطّع، والإغراق في الصلاح، والشّذوذ في بعض السجايا إلى أن توفي. بعض من نوادره مع اخشيشانه: حدّثني القاضي أبو الحسن بن الحسن أن بعض الطلبة المتنسّكين قال له: أتيتك أقرأ عليك، فأستخير الله، ثم أتاه فقال: قد استخرت، وهمّ بالقراءة، فقال له الشيخ: أمسك حتى أستخير أنا الله في قراءتك عليّ، فقال الطالب: وهذا عمل برّ، فقال له: الحجة عليك، فانفصل عنه. ثم عاد إليه يسأل منه القراءة، فقال: يا بني، ظهر لي أن لا تقرأ عليّ، فانصرف. ومن أخباره في الكرامة، قال لي المذكور: وقد أزمعت السفر إلى ظاهر طريف مع جمع المسلمين، أنك إن سافرت يا ولدي، تقاسي مشقّة عظمي إن سبق القدر بحياتك، والله يرشدك، وقد كنت شرعت في ذلك مع رفقائي. وفي سحر ليلة اليوم الذي انهزم فيه المسلمون، رأيته في النوم يقول لي منكرا عليّ: قلت لك لا تسافر، يكرّرها، فاستيقظت، وأوقع الله بقلبي الرجوع إلى الجزيرة، لآراب أقضيها، فما بلغ زوال الشمس من اليوم إلّا ومقدّمة الفلّ على أطواق البلد في أسوإ حال. وفاته: توفي ببلدة مالقة خامس صفر، من عام خمسين وسبعمائة في وقيعة الطّاعون، توفي وآخر كلامه: رزقنا الله عملا صالحا يقربنا إليه زلفى، وجعلنا ممن يمرّ عقبتي الدنيا والآخرة مرور أهل التقوى. ومن الكتّاب والشعراء قرشي بن حارث بن أسد بن بشر بن هندي بن المهلب ابن القاسم بن معاوية بن عبد الرحمن الهمداني حاله: هو أعرق الناس في الشعر؛ لأنّ جدّه المهلّب كان شاعرا، وولده هندي كذلك، وأسد وحارث وقرشي، فهم شعراء سنة على نسق، ويدلّ شعرهم على شرف نفوسهم وبعد هممهم. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 221 شعره: قال أبو القاسم الغافقي: من شعره قوله في هاشم بن كعب التميمي، من أنجد الفرسان، قتل في يوم خمسة من أنجاد المولّدين: [الطويل] هجرت القوافي والظّباء «1» الأوانسا ... وودّعت لذّاتي نعم واللواعسا ورعت فؤادي بالمشيب عن الصّبا ... وأصبحت عن عهد الغواية يائسا أبا خالد، ما زلت مذ كنت يافعا ... لكل سنات للمكارم «2» لابسا فما حملت أنثى كمثلك سيّدا ... ولا حملت خيل كمثلك فارسا قاسم بن محمد بن الجد العمري يكنى أبا القاسم، ويعرف بالورسيدي، من أهل ألمريّة، وتكرر وروده على غرناطة. حاله: قال شيخنا أبو البركات: كان حسن الأخلاق، سليم الصدر، بعيدا عن إذاية الناس بيده أو لسانه بالجملة، له خطّ لا بأس به، ومعرفة بالعدد، وسلك الطريقة الزّمامية، وله حظ من قرض الشعر. وجرى ذكره في الإكليل بما نصه: من أئمة أهل الزمان، خليق برعي الذّمام، ذو حظ كما تفتّح زهر الكمام، وأخلاق أعذب من ماء الغمام. كان ببلده محاسبا، في لجة الأعمال راسبا، صحيح العمل، يلبس الطّروس من براعته أسنى الحلل. شعره: قال يمدح المقام السلطاني «3» : [الطويل] أرى أوجه الأيام قد أشرقت بشرا ... فقل لي، رعاك الله، ما هذه البشرى؟ وما بال أنفاس الخزامى تعطّرت ... فأرّجت الأرجاء من نفحها عطرا؟ ونقّبت الشمس المنيرة وجهها ... قصورا عن الوجه الذي أخجل البدرا وما زالت الأغصان «4» في أريحيّة ... كما عطفت أعطافها تنثني شكرا فما ذاك إلّا أن بدا وجه يوسف «5» ... فأربت على الآيات آياته الكبرى خليفة ربّ العالمين الذي به ... تمهّدت الأرجاء وامتلأت بشرا وجرّت على أعلى المجرّة ساحبا ... ذيول العلى فاستكمل النّهي والأمرا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 222 وقام بأمر الله يقضي ويقتضي ال ... فتوح التي تبقي له في العلى ذكرا وأربى على كل الملوك وفاتهم ... بسيرته الحسنى التي قد علت قدرا وهي طويلة. ومن شعره أيضا قوله: [مخلع البسيط] من أين أقبلت يا نسيم ... جادت بساحاتك الغيوم ولا عدمناه سروا «1» ... حلّ به عندنا النعيم بلّغ سلامي أهيل ودّي ... بلّغك الله ما تروم قل لهم صبّكم مشوق ... أنحله وجده القديم لطالما يسهر الليالي ... وطيّ أضلاعه جحيم هبوا رضاكم لذي غرام ... ما زال قدما بكم يهيم إن غبتم عن سواد عيني ... فحبّكم في الحشا مقيم لو «2» ساعد السّعد أن أراكم ... لما اشتكى قلبي السّقيم يا حادي العيس نحو أرض ... بنيقة قدرها عظيم إذا أتيت اللّوى وسلفا ... وبان للناظر الحطيم ولاح بالأبرقين بدر ... بسيره تهتدي النجوم فقل: غريب ثوى بقرب ... في بحر أوزاره يعوم قد أثقلت ظهره الخطايا ... وشجبت ذكره الرسوم إن أعمل الحزم لارتحال ... أقعده ذنبه العظيم لهفي هذا الشباب ولّى ... والقلب في غيّه مقيم يا ربّ، عفوا لذي اجترام ... لا تهتك السّتر يا حليم ما لي شفيع سوى رجائي ... وحسن ظني أيا كريم فلا تكلني إلى ذنوبي ... وارحمني الله «3» يا رحيم وفاته: توفي في وقيعة الطاعون عام خمسين وسبعمائة. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 223 ومن المحدّثين والفقهاء والطلبة النجباء قاسم بن أحمد بن محمد بن عمران الحضرمي من أهل سبتة. حاله: من خطّ صاحبنا القاضي أبي الحسن بن الحسن، قال: كان شيخنا يتّقد ذكاء، رحل عن سبتة إلى الحجاز فقضى الفريضة، وتطور في البلاد المشرقية نحوا من أربعة عشر عاما، وأخذ بها عن جلّة من العلماء. وورد على غرناطة في حدود عام ثمانية عشر وسبعمائة، فأخذ عن بعض أشياخها، وعاد إلى بلده، وكان على خزانة الكتب به، وكان يقرئ القرآن به. قال: وأنشدني، لما لقيته، بيتا واحدا يحتوي على حروف المعجم، وهو: [السريع] قد ضمّ نصر وشكا بثّه ... مذ سخطت عضّ على الإبط مشيخته: أخذ بالمشرق عن جماعة، منهم شهاب الدين أبو العباس أحمد بن أبي طالب الدمشقي الحجار، والشيخ المحدّث أبو عبد الله محمد بن محمد بن محمد الشيرازي ابن جميل، قرأ عليه كتاب ابن الحاجب وحدّثه به عن مؤلفه، وقرأ على الشيخين المقرئين الجليلين؛ أبي عبد الله محمد بن عبد الخالق، المعروف بابن الضائع، وأبي عبد الله بن يعقوب الجراش المقدسي، جملة من الكتب الحديثية وغيرها، وسمع عليهما كتاب «الشاطبية» وحدّثاه بها معا عن المقرئ أبي الحسن على كمال الدين بن شجاع العباسي الضرير، عن صهره، مؤلفها. تواليفه: قال: له في القراءات تقييد حسن سماه «الشافي، في اختصار التيسير الكافي» . وفاته: توفي أيام الطاعون «1» العام ببلده. قاسم بن خضر بن محمد العامري يكنى أبا القاسم، ويعرف بابن خضر، هكذا دون تعريف. يعرف سلفه ببني عمرون، من أهل ألمرية. حاله: من خط شيخنا أبي البركات: كان هذا الشيخ من وجوه ألمرية، وممن تصرف سلفه في خطّة القضاء بها. وهو أقدم خطيب أدركته بسنّي بجامعها الأعظم. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 224 وكان شيخا عفيفا من رجال الجد، ضيق العطن، سريع الغضب، غيورا على تلك الخطة، لا يحلى بعينه أحد. لما مات رفيقه في الصلاة والخطبة، الشيخ الشهير عند العامة، ثالث اثنين، الخراسي والنطية، أبو عبد الله بن الضايع، فكلّ من عرض عليه أن يكون معه أباه، فقال أهل البلد: فما العمل؟ فقال: يكتب إلى أبي القاسم ابن الحاج إلى سبتة، ليأتي إلى أرض سلفه، ويكون رفيقي في الصلاة والخطبة، يعني عمّي، فكتب إليه بذلك، فكانت المسألة عند الآخر أهون من أن يجيب عن «1» الكتاب، ولو بالإباية، فبقي الأمر إلى أن قدّم معه الشيخ الصالح الخطيب المصقع أبو الحسن بن فرحون البلفيقي، فلم يجد فيه قادحا إلّا كونه ليس من أهل البلد، فبقي مرافقا له إلى حين وفاته. غريبة: قال الشيخ: أخبرتني جدّتي عائشة بنت يحيى بن خليل، قالت: كان الرجل الصالح أبو جعفر بن مكنون، خال قاسم بن خضر هذا، فرآه يلعب مع الصبيان في أزقة ألمرية، فقال له: من يكون خطيب ألمرية يلعب، فبقيت في حفظه إلى أن ولّي الخطابة. وفاته: توفي في صفر من عام ثلاثة وسبعمائة، وكانت جنازته مشهودة. حرف السين سوّار بن حمدون بن عبدة بن زهير بن ديسم بن قديدة ابن هنيدة «2» وكان علما من أعلام العرب، وصاحب لواء قيس بالأندلس، ونزل جدّه بقرية قربسانة من إقليم البلاط من قرى غرناطة، وبها أنسل ولده، ولم يزالوا أعلاما، إلى أن ظهر سوّار هذا منهم في الفتنة. حاله وبعض آثاره وحروبه: قال أبو القاسم: كان سوّار هذا بعيد الصيت، رفيع الذكر، شجاعا، محبّا في الظهور، حامي العرب وناصرهم. وكان له أربعة من الإخوة، مثله في الشجاعة، حضروا معه في الحروب في الفتنة، وهو الذي بنى المدينة الحمراء بالليل، والشّمع الجزء: 4 ¦ الصفحة: 225 تزهر لعرب الفحص، وبنى مدينة وادي آش لبني سامي، وبنى مدينة منتيشة لبني عطاف، وبنى مدينة بسطة لبني قحطبة وبني مسيرة، وبنى كورة جيّان للعرب. ولولا أن الله منّ على العرب بسوّار ونصره لما أبقى العجم والمولدون منهم أحدا. وأنسل سوّار عبد العزيز المقتول بمنتشافر، وعبد الرؤوف وعبد الملك. مبدأ أمره وحروبه وشعره: قال أحمد بن عيسى، بعد اختصار، في صدر هذه السنة، يعني سنة خمس وسبعين ومائتين: ثار «1» سوّار بن حمدون بناحية البراجلة من كورة إلبيرة، وانضوت إليه العرب، قام على تفئة مهلك يحيى بن صقالة «2» أميرهم، قتيل المسالمة والمولّدين، فطلب بثأره، وكثرت أتباعه، واعتزت العرب به، وقصد بجمعه إلى منت شاقر «3» ، وبه من عدوّه المذكورين نحو من ستة آلاف رجل «4» نازلهم حتى قهرهم، وطاف على حصونهم فافتتحها، وقتل وغنم، وتنادوا لقتاله في جموع عظيمة، عليها جعد بن عبد الغافر، عامل الأمير عبد الله، وبرز إليهم فيمن برز، وناشبهم الحرب، فانهزموا فقتل منهم خلق حرزوا بسبعة آلاف، وأسر جعد، ومنّ عليه وأطلقه. وكانت وقيعته الأولى هذه تعرف بوقيعة جعد. وغلظ، واستند إلى حصن غرناطة، بالقرب من مدينة إلبيرة. وكانت العرب يتألبون على المولّدين، إلى أن عزل الأمير جعدا عن الكورة إرضاء لسوّار، فأظهر عند ذلك الطاعة، وغزا الحصون الراجعة إلى ابن حفصون فأوقع بهم، فهاجمهم، واجتمعت عليه كلمتهم، فقصدوه وحصروه بغرناطة في نحو عشرين ألفا، وبرز إليهم في عدده القليل من عبيده، ورجال بيوتات العرب من أهل إلبيرة، ورجعوا من جبل الفخّار على تعبئة، يريدون الباب الشرقي من غرناطة، وكادهم لما التحمت الحرب وشبّ ضرامها، بما دبّره من انسلاله في لخمة من فرسانه، حتى استدبرهم، فحمل بشعاره، فانذعروا وانفضّوا، فتوهّم حماتهم أن مددا جاءهم من ورائهم، فولّوا منهزمين، وأعمل سوّار وأصحابه السيوف فيهم إلى باب إلبيرة، فيقال: إن قتلاهم في هذه الوقيعة الثانية كانوا اثني عشر ألفا، وهي الوقيعة المعروفة بوقعة المدينة، ولاذ المولّدون بعد هذا بعمر بن حفصون واستدعوه، الجزء: 4 ¦ الصفحة: 226 فوافاهم في جيش عظيم، ودخل إلبيرة، وناهض سوّارا، وعنده رجالات عرب الكور الثلاث؛ إلبيرة وجيّان، وريّه، واشتدّ القتال، وجال جيش ابن حفصون جولة جرح فيها جراحات صعبة، وكاد سوّار يأتي عليه لولا رجال صدقوه الكرّ واستنقذوه، وتمّت عليه الهزيمة، فانقلب على عقبه، ونالت الحضرة معرّته، فأغرم أهلها الذين استجلبوه ما تشعّث من عسكره، واستعمل عليهم قائده حفص بن المرّة، وانصرف، ونجح سوّار بما تهيّأ له على أعدائه، فاعتلت همّته، وأجلّته العرب، وعلا في الناس ذكره، وقال الأشعار الجزلة فيما تهيّأ له على المولدين، وأكثر الافتخار بنفسه، فشهر، من قوله في ذلك «1» : [الكامل] صرم الغواني، يا هنيد، مودّتي ... إذ شاب مفرق لمّتي وقذالي وصددن عنّي، يا هنيد، وطالما ... علقت حبال وصالهنّ حبالي «2» وهي طويلة، أكثر فيها الفخر، وألمّ بالمعنى. وفاته: ولما انصرف عمر بن حفصون وترك قائده بإلبيرة، جهّز معه طائفة من خيله، وأقرّه لمغاورة سوّار ودرك النيل لديه، وأعمل حفص جهده وطلب غرّته، فأمكنه الله منه، وأنه دنا إليه يوما، وقد أكمن أكثر خيله، وظهر له مستغيرا بجانب من حصنه، فخرج سوّار مبادرا من غرناطة لأول الصّيحة في نفر قليل، لم يحترس من الحيلة التي يحذرها أهل الحزم، فأصحر لعدوه، وخرجت الكمائن من حوله، فقتل وجيء بجثّته إلى إلبيرة، فذكر أن الثّكالى من نسائهم قطّعن لحمه مرقا، وأكلنه حنقا لما نالهنّ من الثّكل. وكان قتل سوّار في سنة سبع وسبعين ومائتين، وقتلت العرب بقتل سوّار، وكلّ حدّها بما نزل بها. سليمان بن الحكم بن سليمان بن عبد الرحمن الناصر لدين الله الخليفة بقرطبة «3» المكنى بأبي أيوب، الملقب من الألقاب الملوكية بالمستعين بالله. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 227 أوّليّته: معروفة. حاله: كان أديبا شاعرا، مجموع خلال فاضلة، أصيل الرأي، راجح العقل، ثبتا. ولي الخلافة غلابا، وقعصا، ومنازعة، وأوقع بأهل قرطبة وقائع أبادتهم. وخلع ثم عادت دولته، وجرت له وعليه الهزائم، على قصر أمد خلافته، لقيام البربر بدعوته، وتدويخ البلاد باسمه، في أخبار فيها عبرة، دخل في بعض حركاتها وهو لاتها المبيرة، إلى أن طحنته رحى الفتنة، وشيكا عن دنيا غير هنيّة، وصبابة ليست بسنيّة. شعره: من شعره يعارض المقطوعة الشهيرة المنسوبة للرشيد «1» : [الكامل] عجبا يهاب اللّيث حدّ سناني ... وأهاب لحظ فواتر الأجفان فأقارع «2» الأهوال لا متهيّبا ... منها سوى الإعراض والهجران وتملّكت نفسي ثلاث كالدّمى ... زهر الوجوه نواعم الأبدان ككواكب الظّلماء لحن لناظري ... من فوق أغصان على كثبان هذي الهلال وتلك أخت «3» المشتري ... حسنا، وهذي أخت غصن البان حاكمت فيهنّ السّلوّ إلى الهوى ... فقضى بسلطان على سلطاني «4» فأبحن من قلبي الحمى وتركنني ... في عزّ ملكي كالأسير العاني «5» لا تعذلوا ملكا تذلّل للهوى «6» ... ذلّ الهوى عزّ وملك ثان مقتله: قتله علي بن حمّود، المتقدم الذكر، متولّي الأمر بعده، صبرا بيده، بدم هشام المؤيد، وقال لما زحف إليه: لا يقتل الزّلطان إلّا الزّلطان، يعني السّلطان، إذ كان بربري اللسان، وذلك في أخريات المحرم من سنة سبع وأربعمائة. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 228 سليمان بن عبد الرحمن بن معاوية بن هشام ابن عبد الملك بن مروان «1» يكنى أبا أيوب. حاله: كان شهما جريئا، أنوفا شجاعا، ديّنا فاضلا. ولما توفي أبوه بقصر قرطبة، وهشام وأبو أيوب هذا غائبان، وكّل ابنه عبد الله المعروف بالبلنسي، وقال: من سبق إليك من أخويك، فارم إليه بالخاتم، فإن سبق إليك هشام، فله فضل دينه وعفافه واجتماع الكلمة عليه، فإن سبق إليك سليمان، فله فضل دينه ونجدته، وحبّ الشاميين له. فقدم هشام من ماردة، وتولّى الخلافة قبل سليمان. واتصل ذلك بسليمان، فأخذ لنفسه البيعة بطليطلة، وما اتصل بها، ودعا إلى نفسه، وواضع أخاه الحرب غير ما مرة، تجري عليه في كلها الهزائم، إلى أن تبرّم بنفسه، وأجاز البحر عن عهد إلى ستين ألفا بذلت له، واستقرّ بأهله وولده ببلاد البربر. ولما صار الأمر للحكم بن هشام، عاد إلى الأندلس سنة اثنتين وثمانين ومائة، وكان اللقاء في شوال منها، فانهزم سليمان، ثم عاد للّقاء فانهزم. وفي سنة أربع وثمانين «2» حشد واحتلّ بجيّان ثم بإلبيرة، والتقى بها معه الحكم، ودام القتال أياما حتى همّ الحكم بالهزيمة، ثم انهزم سليمان وقتل في المعركة بشر كثير، وأفلت سليمان إلى جهة ماردة. وبالتقاء الحكم وعمّه سليمان بإلبيرة وأحوازها استحقّا الذكر هنا على الشرط المعروف. وفاته: وبعث الحكم أصبغ بن عبد الله في طلب سليمان، فأسره وأتاه به، فأمر بقتله، وبعث برأسه إلى قرطبة. قتل في سنة خمس وثمانين بعدها «3» . سعيد بن سليمان بن جودي السّعدي «4» حاله: كان سعيد بن سليمان صديق سوّار، فغصبت العرب الإمارة به بعده، وعلقت به، فقام بأمرها وضمّ نشرها، وكان شجاعا بطلا، فارسا مجرّبا، قد تصرف الجزء: 4 ¦ الصفحة: 229 مع فروسيته في فنون من العلم، وتحقق بضروب من الآداب، فاغتدى أديبا نحريرا، وشاعرا محسنا، واتصل قيامه بأمر العرب إلى أن قتل. شعره: ومن شعره في وقيعة سوّار بالمولدين قوله من قصيدة طويلة: [الخفيف] قد طلبنا بثأرنا فقتلنا ... منكم كلّ مارق وعنيد قد قتلناكم بيحيى وما أن ... كان حكم الإله «1» بالمردود هجتم يا بني العبيد ليوثا ... لم يكونوا لجارهم بقعود فاصطلوا حرّها وحدّ سيوف ... تتلظّى «2» عليكم بالوقود حاكم ماجد يقود إليكم ... فئة سادة كمثل الأسود ورئيس «3» مهذّب من نزار ... وعميد ما مثله من عميد يطلب الثأر بابن قوم كرام ... أخذوا بالعهود قبل المهود فاستباح الحمى فلم «4» يبق منها ... غير عان وفقده «5» المصفود قد قتلنا منكم ألوفا فما يع ... دل قتل الكريم قتل العبيد مثّلوه لمّا أضاف إليهم ... لم يكن قتله برأي سديد قتلته عبيد سوء لئام ... وفعال العبيد غير حميد لم يصيبوا الرشاد فيما أتوه ... لا ولا كان جدّهم لسعود قد غدرتم به بني اللؤم من بع ... د يمين قد أكّدت وعهود فلئن كان قتله غدرة ما ... كان بالنّكس لا ولا الرّعديد كان ليثا يحمي الحروب وحصنا ... وملاذا وعصمة المقصود كان فيه التّقى مع الحلم والبأ ... س وجود ما مثله من «6» جود عال مجد الأمجاد بعدكم «7» ... وقديما، وفتّ كل مجيد فجزاك الإله جنة عدن ... حيث يجزي الثواب كلّ شهيد الجزء: 4 ¦ الصفحة: 230 مقتله: قال الملّاحي: كان من الأعلام، وعدّ في الشعراء والفرسان والخطباء والبلغاء، خطب بين يدي الخليفة «1» المنذر، وهو حدث، أول ما أفضت الخلافة إليه، وعليه قباء خزّ، وقد تنكّب قوسا عربية، والكنانة بين يديه. خطب خطبة بليغة، وصلها بشعر حسن، ولم يزل اللّواء يتردد عليه في العزّ والمقام، ويخطب في أعلى المنبر في المسجد الجامع بإلبيرة. وسجل له الخليفة «2» عبد الله على الكورة، إلى أن همّ بالقيام على بني أمية عندما اشتدّت شكيمته، وظهر على عمر بن حفصون إلى أن قتل بسبب امرأة، تمت عليه الحيلة لأجلها بدار يهودية، إذ كان منحطّا في هوى نفسه، فطاح في ذي قعدة سنة أربع وثمانين ومائتين «3» ، وصار أمر العرب بعده إلى محمد بن أضحى، حسبما يتقرّر في مكانه. ومن ترجمة الأعيان والوزراء والأماثل والكبراء سهل بن محمد بن سهل بن مالك بن أحمد بن إبراهيم ابن مالك الأزدي «4» صدر هذا البيت، وياقوتة هذا العقد، يكنى أبا الحسن. قال أبو جعفر بن مسعدة: كان رأس الفقهاء وخطيب الخطباء البلغاء، وخاتمة رجال الأندلس. تفنّن في ضروب من العلم، وبالجملة فحاله ووصفه في أقطار الدنيا، لا يجمله أحد، فحدّث عن البحر ولا حرج، ضنّ الزمان أن يسمح برجل حاز الكمال مثله. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 231 حاله: قال ابن عبد الملك «1» : كان من أعيان مصره، وأفضل أهل «2» عصره، تفنّنّا في العلوم، وبراعة في المنثور والمنظوم، محدّثا ضابطا، عدلا ثقة ثبتا، حافظا للقرآن العظيم، مجوّدا له، متقنا «3» في العربية، وافر النصيب من الفقه وأصوله، كاتبا، مجيدا «4» للنظم في معرب الكلام وهزله «5» ، ظريف الدعابة، مليح التّندير. له في ذلك أخبار مستظرفة «6» متناقلة، ذا جدة ويسار، متين الدين، تام الفضل، واسع المعروف، عميم الإحسان، تصدق عند القرب من وفاته بجملة كبيرة من ماله ورباعه، وله وفادة على مراكش. مشيخته: روى ببلده عن خاله أبي عبد الله بن عروس، وخال أمّه أبي بكر يحيى بن محمد بن عروس «7» ، وأبي جعفر بن حكم، وأبي الحسن بن كوثر، وأبي خالد بن رفاعة، وأبي محمد عبد المنعم بن الفرس. وبمالقة عن أبي زيد السّهيلي، وأبي عبد الله بن الفخار. وبمرسية عن أبي عبد الله بن حميد، وأبي القاسم بن حبيش. وبإشبيلية عن أبي بكر بن الجدّ، وأبي عبد الله بن زرقون، وأبوي عبد الله العباس بن مضاء، والجراوي الشاعر، وأبي الوليد بن رشد. قرأ عليهم وسمع، وأجازوا له. وأجاز له من أهل الأندلس أبو محمد عبد الله نزيل سبتة، وعبد الحق بن الخراط، نزيل بجاية. ومن أهل المشرق جماعة، منهم إسماعيل بن علي بن إبراهيم الجراوي، وبركات بن إبراهيم الخشوعي أبو الطاهر، وعبد الرحمن بن سلامة بن علي القضاعي، وغيرهم ممن يطول ذكرهم. من روى عنه: روى عنه أبو جعفر بن خلف، والطّوسي، وابن سعيد القزاز، وأبو الحسن العنسي، وأبو عبد الله بن أبي بكر البري، وابن الجنّان، وأبو محمد عبد الرحمن بن طلحية، وأبو محمد بن هارون، وأبو القاسم بن نبيل، وأبو يعقوب بن إبراهيم بن عقاب، وأبو جعفر الطّباع، وأبو الحجاج بن حكم، وأبو الحسن الرّعيني، وأبو علي بن النّاظر، وغيرهم. ثناء الأعلام عليه: والمجال في هذا فسيح، ويكفي منه قول أبي زيد الفزاري: [مجزوء الرمل] عجبا للناس تاهوا ... بثنيّات المسالك الجزء: 4 ¦ الصفحة: 232 وصفوا بالفضل قوما ... وهم ليسوا هنالك كثر النّقل ولكن ... صحّ عن سهل بن مالك شعره: وشعره كثير مما ينخرط في سلك الجيد، فمن ذلك قوله: [الطويل] نهارك في بحر السّفاهة يسبح ... وليلك عن نوم الرّفاهة يصبح وفي لفظك الدّعوى وليس إزاءها ... من العمل الزّاكي دليل مصحّح إذا لم توافق قولة منك فعلة ... ففي كل جزء من حديثك تفصح تنحّ عن الغايات لست من اهلها ... طريق الهوينا في سلوكك أوضح إذا كنت في سنّ البنا غير صالح ... ففي أيّ سنّ بعد ذلك تصلح؟ إلى كم أماشيها على الرّغم غاية ... يصيب المزكّى عندها والمجرّح عليها «1» ألا تني وتنوي فتحسن ... في عين الشّباب «2» وتقبح عسى وطر موقى «3» فألتمس الرّضا ... وأقرع أبواب الرّشاد فتفتح فقد ساء ظنّي بالذي أنا أهله ... وفضلك يا مولاي يعفو ويصفح وقال في تشييع بعض الفقهاء من غرض الأمداح: [البسيط] يلقاك من كل من يلقاك ترحيب ... ومن خليفتها عزّ وتقريب وتصطفيك إلى أحوازها رتب ... لها على مفرق الجوزاء ترتيب تأتي إليك بلا سعي بلا سبب ... كأنّ تركك للأسباب تسبيب من كلّ مشغوفة بالحسن دام لها ... إلى غنائك تصعيد وتصويب يلقاك بالبشر والإقبال خاطبها ... وحظّها منك إعراض وتقطيب ما زلت ترغب عنها وهي راغبة ... كأنّ زهدك فيها عنك ترغيب فانهض إليها فلو تسطيع «4» كان لها ... إلى لقائك إرجاء وتقريب يحيى وتحيى فللباغي مواهبها ... عذب الزّلال وللباغين تعذيب سارت على العدل والإحسان سيرتها ... حتى تلاقى عليها الشّاة والذّيب لم تصبها لذّة الدنيا وزخرفها ... ولا سبتها المطايا والجلابيب الجزء: 4 ¦ الصفحة: 233 إذا أهمّ بني الدنيا نعيمهم ... فهمّها البيض والجرد السّلاهيب فوق الكواكب مضروب سرادقها ... منها «1» على أفق الأفلاك تطنيب كرعت في ظلّها الصافي بسلسلها ... كأنها لك في المشروب شرّيب في قبية من بني الآمال قد قرعت ... سهم إلى طلب العليا طبابيب إذا حضرنا طعاما فهو «2» مأدبة ... وإن سمعنا كلاما فهو تأديب ومن يلذ بأبي إسحاق كان له ... أعلاق مال وأغلاق وتهذيب يا مالك «3» السّرّ من قلبي ويا ملكا ... إن ناب خطب فمن جدواه تأنيب هب القرار لآمال مسافرة ... وقد أضرّ بها بعد وتغريب ففي يمينك وهّابا ومنتظما ... بسط وقبض وترغيب وترهيب وما يصرّ كتابا راق منظره ... إن ناله من تراب الأرض تتريب لك السّيادة لا يلقى لسؤددها ... مثل وإن طال تنقير وتنقيب عزم كحدّ سنان الرّمح يصحبه ... عدل كما اعتدلت فيه الأنابيب كمال نفسك للأرواح تكملة ... وذكر فضلك للأرواح تشبيب وعرف ذاتك كاف في تعرّفنا ... بنفحة الطّيب يدري أنّه طيب إذا ذكرت فللأشعار مضطرب ... رحب المجال وللألحان تطريب سر حيث شئت موفّى من مكارمها ... يهابك الدهر والشّبان والشّيب في غرّة تخلق الأيام جدّتها ... لها على أفق الأملاك تطنيب ومن نمط النّسيب والأوصاف قوله وهو بسبتة بعد وصوله من مراكش، وهو مما طار من شعره «4» : [الكامل] لمّا حططت «5» بسبتة قتب «6» النوى ... والقلب يرجو أن تحوّل «7» حاله والجوّ مصقول الأديم كأنما ... يبدي الخفيّ من الأمور صقاله الجزء: 4 ¦ الصفحة: 234 عاينت «1» من بلد الجزيرة مكنسا «2» ... والبحر يمنع أن يصاد غزاله كالشّكل في المرآة تبصره وقد ... قربت مسافته وعزّ مناله ومن شعره قوله، رحمه الله: [الطويل] تبسّم واستأثرت منه بقبلة ... فشمت أقاحا وارتشفت عقارا ومرّ فأيدي الريح ترسل شعره ... كما ستر الليل البهيم نهارا فيا لك ليلا بالكثيب قطعته ... كما رعت بالزّجر الغراب فطارا تغصّ بنا زهر الكواكب غيرة ... فتقدح في فحم الظلام شرارا ومن ذلك قوله «3» : [الطويل] ولمّا رأيت الصّبح هبّ نسيمه ... دعاني داعيه إلى البين والشّتّ «4» وقلت «5» : أخاف الشمس تفضح سرّنا ... فقالت: معاذ الله تفضحني أختي «6» ومن الحكم وأبيات الأمثال قوله، رحمة الله عليه «7» : [البسيط] منغّص العيش لا يأوي إلى دعة ... من كان ذا «8» بلد أو كان ذا ولد والسّاكن النّفس من لم ترض همّته ... سكنى مكان ولم تسكن «9» إلى أحد ومن شعره «10» : ولا مثل يوم قد نعمنا بحسنه ... مذهّب أثناء المروج صقيل إلى أن بدت شمس النهار تروعنا ... بسير صحيح واصفرار عليل ولا توارت شمسه بحجابها ... وأذّن باقي نورها برحيل الجزء: 4 ¦ الصفحة: 235 وغابت فكان الأفق عند مغيبها ... كقلبي مسودّا «1» لفقد خليلي «2» أتانا بها صفراء «3» يسطع نورها ... فمزّق سربال الدّجى بفتيل فردّت علينا شمسنا وأصيلنا ... بمشبّه شمس في شبيه أصيل ومن نثره قوله يخاطب بني أبي الوليد بن رشد، تعزية في أبيهم، واستفتحه بهذه الأبيات «4» : [الطويل] ألا ليت شعري، هل لطالب غاية ... وصول وأحداث الزمان تعوقه؟ مضى علم العلم الذي ببيانه ... تبيّن خافيه وبان طريقه أخلّاي «5» ، إني من دموعي بزاخر ... بعيد عن الشّطّين منه غريقه وما كان ظنّي قبل «6» فقد أبيكم «7» ... بأنّ مصابا مثل هذا أطيقه ولم أدر من أشقى الثلاثة بعده ... أأبناؤه «8» أم دهره أم صديقه؟ ومن شاهد الأحوال بعد «9» مماته ... تيقّن «10» أنّ الموت نحن نذوقه رجوعا إلى الصّبر الجميل فحقّه ... علينا قضى أن لا توفّى «11» حقوقه أعزّيكم في البعد عنه «12» فإنني ... أهنّيه قربا من جوار يروقه فما كان فينا منه إلّا مكانه ... وفي العالم العلويّ كان رفيقه إيه «13» عن المدامع، هلّا تلا انحدار الدّمعة انحدارها؟ والمطامع هل ثبت «14» على قطب مدارها؟ والفجائع أغير دار بني رشد دارها؟ فإنه حديث أتعاطاه مسكرا، وأستريح الله مفكرا، وأبثّه باعثا على الأشجان مذكرا، ولا أقول كفى، وقد ذهب الواخذ «15» الذي كنت تتلافى، ولا أستشعر صبرا، وقد حلّ نور العلم قبرا، بل أغرق الجزء: 4 ¦ الصفحة: 236 الأجفان بمائها، وأستدعي الأحزان بالشّهير من أسمائها، وأستوهب الأشجان غمرة غمائها. ثم أتهالك تهالك المجنون، وأستجير من الحياة بريب المنون، وأنافر السّلوة «1» منافرة وسواس الظّنون، ولا عتب، فإذا خامر الواله جزعه، فإلى نصرة المدامع مفزعه» ، وإذا ضعف احتماله، فإلى غمرة الإغماء مآله، ومن قال: إنّ «3» الصبر أولى، ولّيته من ذلك ما تولّى. أما أنا فأستعيد من هذا المقام وأستعفيه، وأنزّه نفس الوفاء عن الحلول فيه، فإنه متى بقي للصّبر مكان، ففي محلّ الحزن لقبول ما يقاومه إمكان، وقد خان الإخاء وجهل الوفاء، من رام قلبه السّلوّ، وألفت «4» عينه الإغفاء. هو الخطب الذي نقى «5» الهجود، وألزم أعين الثّقلين أن تجود «6» ، وبه أعظم الدهر المصاب، وفيه أخطأ سهم المنيّة حين أصاب. فحقّنا أن نتجاوز الجيوب إلى القلوب «7» ، وننقلب «8» إذا غالبنا الحزن بصفقة «9» المغلوب، وإذا كان الدهر السّالب فلا غضاضة على المستريح لأنه «10» المسلوب. أستغفر الله، فقد أتذكّر «11» من مفقودنا، رضي الله عنه حكمه، وأشاهد «12» بعين البصيرة شيمه «13» ، فأجدهما يكفّان من واكف الدمع ديمه، ويقولان: الوله عند مماسة المصاب «14» ، ومزاحمة الأوصاب، أمر إن وقع، فقد ضرّ فوق ما نفع، فإنه لا ألم الحزن شفاه، ولا حقّ المصيبة وفّاه، ولا الذّاهب الفائت استرجعه وتلافاه، فربما جنحت إلى الصّبر لا رغبة فيه، بل إيثارا لمقصده وتشيّعا لتصافيه، فأستروح رائحة السّلو، وأنحطّ قاب قوسين «15» أو أدنى عن سدرة ذلك العلو، وأقف بمقام الدّهش بين معنى الحزن الجزء: 4 ¦ الصفحة: 237 المستحكم ولفظ العزاء «1» المتلوّ. فأبكي بكاء النساء، وأصبر صبر الرؤساء، وأحرز «2» رزايا الفضلاء، بفضل «3» رزايا الأخسّاء، موازنة بين «4» هذا الوجود، وبخل يتعاقب على محل الجود «5» . فالدهر يسترجع ما وهب، كان الصّفر «6» أو الذّهب. وإذا تحقّق عدم ثباته، وعدم «7» استرجاعه لجميع هباته، كان «8» المتعرّض لكثيره، محلا لتأثيره. فلا غرو أن دهمكم الرّزء، مورد «9» الفلك الدّابر «10» منه الجزء، فطالما بتّم ترضعكم الحكمة أخلافها، وتهبكم الخلافة آلافها، وتؤملكم «11» الأيام خلافها. وإذا صحيت «12» العقول، وضنّ بما لديه المعقول، وصارت الأذهان إلى حيث لا تتصوّر والألسنة «13» بحيث لا تقول، وردتم معينا، ووجدتم معينا، وافتضضتموها كمثل «14» اللؤلؤ المكنون صورا «15» عينا. أظننتم أن عين الله «16» تنام، أم رمتم أن يكون صرحا إلى إله موسى ذلك السّنام؟ لشدّ ما شيّدتم «17» البناء، وألزمتم اتّباع الأب الأبناء «18» ، حتى غرق الأول في الآخر، وصار السّلف على ضخامته أقلّ المفاخر. ومن علت في علاها1» قدم ترقّيه، ولم يصب «20» بكماله عينا «21» يحفظ من عين العلن ويقيه، فكثيرا ما يأتيه محذوره من جهة توقّيه. هذا أبوكم، رضي الله عنه، حين استكمل، فعرف «22» الضّارّ والشّافي، وتعذّرت صفات كماله على الحرف النّافي، فيا «23» لله لفظة أواليها، وأتبعها زفرة تليها، لقد بحثت الأيام عن حتفها بظلفها، وسعت على قدمها إلى رغم أنفها، [حين أتلفت الواحد يزن مائة ألفها] «24» ، فمن لبثّ الوصل الجزء: 4 ¦ الصفحة: 238 ولرعي «1» الوسائل، وإلى من يلجأ في مشكلات المسائل؟ ومن المجيب إذا لم يكن المسؤول بأعلم من السّائل؟ اللهم صبّرنا على فقد الأنس بالعلم، وأدلنا من حفوف الوله بوقار الحلم، وأخلفه في بنيه وعامة أهليه، بشبيه ما أوليته في جوارك المقدس وتولّيه. وإليكم أيها الإخوة الأولياء، والعلية الذين عليهم قصرت العلياء، أعتذر من اتخاذ «2» الشيء من الكلام بنقصه «3» الأشياء. فقد خان في هذا الزمان «4» ، حتى اللسان، وفقد منه حتى الحسان «5» ، وليس لتأبين محمد صلى الله عليه وسلم، إلّا حسّان، فالعذر منفسح المجال، وإلى التقصير في حقّ رزئكم الكبير نصير «6» في الرّوية والارتجال. ولذلك عدلت إلى الإيجاز، واعتقدت في «7» إرسال القول في هذا الموضع ضربا من المجاز، ومبلغ النفس عذرها مع العجز كالصّائر «8» للإعجاز. وأما حسن العزاء، على تعاقب هذه الأرزاء، فأمر لا أهبه بل أستجديه، ولا أذكركم به ونفس صبركم متوغلة فيه، فسواكم يلهم للإرشاد «9» ، ويذكّر بطرق الرشاد، جعل الله منكم لآبائكم خلفا، وأبقى منكم لأبنائكم سلفا، ولا أراكم «10» الوجود بعده تلفا. والسلام «11» . محنته: امتحن، رحمه الله، بالتّغريب عن وطنه، لبغي بعض حسدته عليه، فأسكن بمرسية مدّة طويلة، إلى أن هلك بألمرية الأمير أبو عبد الله محمد بن يوسف بن هود، آخر جمادى الأولى سنة خمس وثلاثين وستمائة. فسرّح أبو الحسن بن سهل إلى بلده في رمضان من هذه السنة. ومن شعره في ذلك الحال مما يدلّ على بعد شأوه ورفعة همته، قوله «12» : [الطويل] أدافع همّي «13» عن جوانب همّتي ... وتأبى هموم العافين عن «14» الدّفع الجزء: 4 ¦ الصفحة: 239 وألتمس العتبى وحيدا وعاتبي «1» ... وصرف الليالي والحوادث في جمع وإنّي من حزمي وعزمي «2» وهمتي ... وما رزقته النّفس من كرم الطّبع لفي منصب تعلو السماء سماته ... فتثبت «3» نورا في كواكبها السّبع غلا صرف دهري إذ علا فإذا به ... تراب لنعلي أو غبار على شسعي «4» تدرّعت بالصبر الجميل وأجلبت ... صروف الليالي كي تمزّق لي درعي «5» فما ملأت قلبي ولا قبضت يدي ... ولا نحتت أصلي ولا هصرت فرعي «6» فإن عرضت لي لا يفوه بها فمي ... وإن زحفت لي لا يضيق بها ذرعي «7» وفي هذه الأبيات تأنيث السّبعة الكواكب، وحكمها التّذكير، وذلك إما لتأويل بعد أو غفلة، فلينظره. قال أبو الحسن الرعيني: ودخلت عليه بمرسية، وبين يديه شمّامة زهر، فأنشدني لنفسه «8» : [الطويل] وحامل طيب لم يطيّب بطيبه ... ولكنه عند الحقيقة طيب تألّف من أغصان آس وزهرة «9» ... فمن صفتيه زاهر ورطيب تعانقت الأغصان فيه كما التقى ... حبيب على طول النّوى وحبيب وإن الذي أدناه دون «10» فراقه ... إليّ كبير «11» في الوجود عجيب مناسبة للبين كان انتسابها ... وكلّ غريب للغريب نسيب فبالأمس في إسحاره «12» وبداره ... وباليوم في دار الغريب غريب الجزء: 4 ¦ الصفحة: 240 تواليفه: صنّف في العربية كتابا مفيدا، رتّب الكلام فيه على أبواب كتاب سيبويه. وله تعاليق جليلة على كتاب المستصفى في أصول الفقه، وديوان شعر كبير. وكلامه الهزلي ظريف شهير. مولده: عام تسعة وخمسين وخمسمائة. وفاته: توفي بغرناطة منتصف ذي قعدة سنة تسع وثلاثين وستمائة. وزعم ابن الأبّار» أن وفاته كانت سنة أربعين وستمائة، وليس بصحيح «2» . ودفن بمقبرة شقستر. قال ابن عبد الملك «3» : وكان كريم النفس، [فاضل الطبع، نزيه الهمّة] «4» ، حصيف الرأي، شريف الطباع، وجيها، مبرورا، معظّما عند الخاصة والعامة. من رثاه: ممن كتب إلى بنيه يعزّيهم في مصابهم بفقده، ويحضّهم على الصبر من بعده، تلميذه الكاتب الرئيس أبو عبد الله بن الجنّان «5» : [الطويل] دعوني وتسكاب الدموع السّوافك «6» ... فدعوى «7» جميل الصّبر دعوة آفك أصبر جميل في قبيح حوادث ... خلعن على الأنوار ثوب الحوالك تنكّرت الدنيا على الدّين ضلّة ... ومن شيمة الدنيا تنكّر فارك فصبّحنا «8» حكم الردى بردائه ... فتلك وهذا «9» هالك في المهالك «10» الجزء: 4 ¦ الصفحة: 241 عفا طلل منها ومنه فأصبحا «1» ... شريكي عنان في بلا متدارك «2» فلا بهجة تبدي «3» مسرّة ناظر ... ولا حجّة تهدي محجّة «4» سالك وما انتظم الأمران إلّا ليؤذنا ... بأمر دها سير النجوم السّوابك «5» وإنّ لمنشور الوجود انتظاره «6» ... بكفّي فناء للفناء مواشك «7» أما قد علمنا والعقول شواهد ... بأنّ انقراض العلم أصل المهالك إذا أهلك «8» الله العلوم وأهلها ... فما الله للدهر الجهول ببارك «9» هل العلم إلّا الرّوح والخلق جثّة ... وما الجسم بعد الروح بالمتماسك وما راعني في عالم الكون حادث ... سوى حادث في عالم ذي مدارك لذلك ما أبكي كأني متمّم «10» ... أتمّم ما أبقى الأسى «11» بعد مالك الجزء: 4 ¦ الصفحة: 242 وسهّل عندي أن أرى الحزن مالكي ... مصابي بالفيّاض سهل بن مالك إمام هدى كنّا نقلّد رأيه ... كتقليد رأي الشّافعي ومالك غمام ندى «1» كنّا عهدنا سماحه ... بساحل دارات العماد الحوائك «2» أحقّا قضى ذاك «3» الجلال وقوّضت ... مباني معال في السماء سوامك؟ وأقفر في نجد من المجد ربعه ... وعمّر قبر مفرد بالدّكادك؟ وغيّب «4» طود في صعيد بملحد «5» ... وغيّض بحر في ثرى متلاحك «6» ووارى شمس المعارف غيهب ... من الخطب يردي «7» بالشّموس الدّوالك «8» ألا أيها النّاعي لك الثّكل لا تفه ... بها إنها أمّ الدّواهي الدّواهك «9» لعلّك في نعي العلا متكذّب ... فكم ماحل من قبل فيه وماحك الجزء: 4 ¦ الصفحة: 243 فكذّبهم «1» يا ليت أنك مثلهم ... تواتر أخبار وصدق مآلك فيا حسن ذاك القول إذ بان كذبه ... ويا قبحه والصّدق بادي المسالك لقد أرجفوا «2» فيه وقلبي راجف ... مخافة تصديق الظّنون الأوافك كأنّ كمال الفضل كان يسوءهم «3» ... فأبدوا على نقص «4» هوى متهالك كأنهم مستبطئون ليومه «5» ... كما استبطأ المصبور «6» هبّة باتك «7» كأنهم مستمطرون لعارض ... كعارض عاد للتجلّد عارك بلى إنهم قد أرهصوا لرزيّة ... تضعضع ركن الصّابر المتمالك فقد كان ما قد أنذروا بوقوعه ... فهل بعده للصبر «8» صولة فاتك؟ مصاب مصيب للقلوب بسهمه «9» ... رمى عن قسيّ لليالي عواتك الجزء: 4 ¦ الصفحة: 244 بكت حسنها «1» الغبراء فيه فأسعدت ... بأدمعها الخضراء ذات الحبائك «2» على علم الإسلام قامت نوادب ... بهتن مباك أو بهتم مضاحك فمن سنّة سنّت على الرأس تربها ... ومكرمة ناحت لأكرم هالك ومن آية تبكي منوّر «3» صبحها ... إذا قام في جنح من الليل حالك ومن حكمة تبكي «4» لفقد مفجّر ... لينبوعها السّلسال في الأرض سالك فيا أسفي من للهوى ورسومه ... ومن لمنيخ عند تلك المبارك؟ ومن للواء الشّرع يرفع خفضه ... ويمنع من تمزيقه كفّ هاتك؟ ومن لكتاب الله يدرس وحيه ... ويقبس منه النور غير متارك؟ ومن لحديث المصطفى ومآخذ «5» ... يبيّنها «6» في فهمه ومتارك؟ ومن ذا يزيل اللّبس في متشابه ... ومن ذا يزيح الشّكّ عن متشابك؟ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 245 ومن لليراع الصّفر «1» طالت «2» بكفّه ... فصارت طوال السمر «3» مثل النيازك؟ ومن للرّقاع البيض طابت بطيبه «4» ... فجابت إلى الأملاك سبل المسالك؟ ومن لمقام الحفل يصدع بالتي ... تقصّ «5» لقسّ من جناح المدارك؟ ومن لمقال كالنّضار يخلّص «6» ... لإبريزه التبريز لا للسّبائك؟ ومن لفعال إن ذكرت بناءه ... فعال وإن تنشر فمسكة فارك؟ ومن لخلال كرّمت وضرائر «7» ... ضربن بقدح في عتاب «8» الضّرائك «9» ؟ ومن لشعار الزهد أخفي بالغنى «10» ... ففي طيّه فضل الفضيل ومالك «11» ؟ ومن لشعاب المجد أو لشعوبه ... إذا اختلطت ساداته بالصّعالك؟ ألا ليس من: فاكفف عويلك أو فرد ... فما بعد سهل في العلى من مشارك أصبنا فيالله فيه وإنما ... أصبنا لعمري في الذّرى والحوارك الجزء: 4 ¦ الصفحة: 246 فناد بأفلاك المحامد: أقصري ... فلا دوران، زال «1» قطب المدارك وصح بالسناء «2» اليوم أقويت منزلا ... بوطء المنايا لا بوطء السّنابك على هذه حام الحمام محلّقا ... ثمانين حولا كالعدوّ المضاحك فسالمه في معرك الموت خادعا ... وحاربه إذ جاز ضنك المعارك طواك الرّدى مهما يساكن فإنّه ... محرّك جيش ناهب العيش ناهك سبى سبأ قدما وحيّ «3» السّكاسك ... ولم يأل عن خون لخان «4» ومالك وأفنى من ابناء «5» البرايا جموعها ... وألقى البرى «6» بالرغم فوق البرامك سواء لديه أن يصول بفاتك «7» ... من الناس «8» ناس للتقى أو بناسك ولو أنه أرعى على ذي كرامة ... لأرعى «9» على المختار نجل العواتك «10» الجزء: 4 ¦ الصفحة: 247 ولو راعه عمر تكامل ألفه ... لما راع نوحا في السّنين الدّكادك «1» وما من سبيل للدوام وإنما ... خلقنا لأرحاء المنون الدواهك «2» فيا آل سهل أو بنيه مخصصا ... نداء عموم في غموم موالك أعندكم أني لما قد عراكم ... أمانع صبري لن يلين عرائكي «3» ؟ فكيف أعزّي والتعزّي محرّم ... عليّ ولكن عادة آل مالك «4» فإن فرح «5» يبدو فذاك «6» تكرّه ... لتجريع صاب من مصاب مواعك وإن كان صبر «7» إنها لحلومكم ... ثوابت «8» في مرّ الرياح السواهك ورثتم سنا ذاك المقدّس «9» فارتقوا ... بأعلى سنام من ذرى العزّ تامك «10» فلم يمض من أبقى من المجد إرثه ... ولم يلق ملكا «11» تارك مثل مالك الجزء: 4 ¦ الصفحة: 248 أتدرون لم جدّت ركاب أبيكم ... كما جدّ سير بالقلاص الرواتك «1» ؟ تذكّر في أفق السماء قديمه ... فحنّ إلى عيص «2» هنالك شابك وكان «3» سما في حضرة القدس حظّه ... فلم يله «4» عنه بالحظوظ الركائك فيا عجبا منّا نبكّي مهنّأ ... تبوّأ دارا في جوار الملائك يلاقيه في تلك المغاني رفيقه ... بوجه منير بالتّباشير ضاحك فلا تحسبوا أنّ النّوى غال روحه ... لجسم ثوى تحت الدّكادك سادك «5» فلو أنكم كوشفتم «6» بمكانه ... رأيتم مقيما في أعالي الأرائك ينعّم في روض الرّضا وتجوده ... سحائب في كثبان مسك عوانك «7» كذلك وعد الله في ذي مناسب ... من البرّ صحّت بالتّقى «8» ومناسك فيا رحمة الرحمن وافي جنابه ... ويا روحه سلّم عليه وبارك الجزء: 4 ¦ الصفحة: 249 ويا لوعتي سيري إليه برقعتي ... وقصّي شجونا من حديثي هنالك حديث «1» الأشجان شجون، ووجوه القراطيس به كوجوه الأيام جون، فارعني «2» سمعك أبثّك بثّي واكتئابي، وأعرني «3» نظرة في كتابي؛ لتعلم ما بي، فعندي ضرب الأسى جناية «4» ، وعلى وردي أطال باغي الأسى حماية «5» ، وعبرتي أبكت من القطر سجامه، وزفرتي أذكت من الجمر ضرامه، ومني تعلّمت ذات الهديل كيف تنوح، وعنّي أخذت ذات الحسن «6» كيف تغدو والهة وتروح، فما مذعورة راعها القنّاص، وعلق بواحدها حبل الجهالة «7» فأعوزه الخلاص، فهي تتلفّت إليه والمخافة خلفها وأمامها، وتتلهف عليه فتكاد تواقع فيه حمامها، بأخفق ضلوعا، وأشفق روعا، وأضيق مجالا، وأوسع أوجالا، وأشغل بالا، وأشعل بلبالا، بل ما طلاها، وقد رآها، ترمي «8» طلاها، فوقف «9» حتى كاد يشركها في الحين، ويحصل من الشّرك تحت جناحين. ثم أفلت وهو يشكّ في الإفلات، ويشكو وحدته في الفلوات «10» ، بأرهب نفسا، وأجنب أنسا، وألهب حشا، وأغلب توحّشا، وأضيع بالمومات، وأضرع لغير الأمّات، منّي وقد وافى النبأ العظيم، ونثر الهدى بكفّ الرّدى شمله 1» النظيم، وأصبح يعقوب الأحزان وهو كظيم. وقيل: أصيبت الدنيا بحبشتها «12» وحسنها، والدّيانة بمحسّنها وأبي حسنها، فحقّ على القلوب انفطارها، وعلى العيون أن تهمي قطارها، وعلى الصّبر أن يمزّق جلبابه، وعلى الصّدر أن يغلق في وجه السّلوّ بابه. أنعي «13» الجليل السّعي، ورزيّة الجميل السّجية، ووفاة الكريم الصفات، وفقد الصّميم المجد، وذهاب السّمح الوهّاب، وقبض روحاني الأرض، وانعدام معنى الناس، وانهدام مغشى «14» الإيناس، وانكساف «15» شمس العلم، وانتساف قدس الحلم. يا له حادثا، جمع قديما من الكروب وحادثا، ومصابا جرّع أوصابا، وأضحى الجزء: 4 ¦ الصفحة: 250 كلّ به مصابا. لا جرم أني شربت من كأسه مستفظعها «1» ، وشرقت بها وبماء «2» دمعي الذي ارفضّ معها، فغالت خلدي، وغالبت جلدي، حتى غبت عنّي، ولم أدر بآلامي التي تعنّي. ثم أفقت من سكري، ونفقت «3» مبدّد فكري، فراجعني التّذكار والتّهمام، وطاوعني شجونا «4» يتعاطاه الحمام، فبكيت حتى خشيت أن يعشيني، وغشيت إذ غشيني من ذلك أليم «5» ما غشيني، وظلت ألقى «6» انبجاسا للتّرح يلقيني، فتارة يعنيني، وتارة يبقيني، فلو أن احتدامي، والتّدامي، وجفني الدّامي، اطّلعت على بعضه الخنساء، لقالت: هذه عزمة حزن لا يستطيعها النّساء. ذلك بأن قسمة المراثي كقسمة الميراث، وللذّكران المزيّة، كان للسّرور أو للرّزيّة، على الإناث، هذا لو وازن مبكيّ مبكيا، ووارى ترابيّ فلكيّا، إنا «7» لنبكي نور علم وهي تبكي ظلمة جهل، وندبتي بجبل يدعى بسهل، كان «8» يتفجّر منه الأنهار، وينهال جانبه من خشية الله أو ينهار، في مثله ولا أريد بالمثل سواه، فما كان في أبناء الجنس من ساواه. يحسن الجزع من كل مؤمن تقي، ويقال للمتجلد: لا تنزع الرّحمة إلّا من شقي، فكل جفن بعده جاف، فصاحبه جلف أوصاف «9» ، وكل فؤاد لم تصدع «10» له صفاته، ولم تتغيّر لفقده صفاته، فمتحقّق عند العلماء «11» معلوم، أنه معدود في الحجارة أو معدوم. فيا ليت شعري يوم ودّع للتّرحال، ودعا حاديه بشدّ «12» الرّحال، كيف كان حاضروه في تلك الحال، هل استطاعوا معه صبرا، وأطاعوا لتلبيته «13» أمرا؟ أو ضعف احتمالهم، وقوي في مفارقة النفوس اعتمالهم؟ ويا ليت شعري إذ أفادوا الماء طهارة زائدة بغسل جلاله! هل حنّطوه في غير ثنائه أو كفّنوه في غير خلاله؟ ويا ليت شعري إذا استقلّ به نعشه لأشرف، ترفرف عليه الملائكة ويظلّله الرّفرف! هل رأوا قبله حمل «14» الأطواد، على الأعواد؟ وسير الكواكب، في مثل تلك المواكب؟ فيأنسوا بالإلف، ويرفعوا منكم الطّرف، ويدعوا لفيض من أثر ذلك الظّرف؟ ويا ليت شعري إذ ودّعوا «15» درّة الوجود، صدفة اللّحد المجود، لم آثروا الثّرى على نفوسهم، ورضوا الأرض مغربا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 251 لأنوار شموسهم؟ فهلا حفروا له بين أحناء الضلوع، وجعلوا الصفيح صريح الحبّ والولوع، فيكونوا قد فازوا بقربه، وجازوا فخرا خيّر لتربه؟ ويا ليت شعري إذا لم يفعلوا ذلك، ولم يهتدوا هذه المسالك! هل قضوا حقّ الحزن، وسقوا جوانب الضّريح من عبراتهم بأمثال المزن؟ وهل اتصفوا بصفة الأسف، أو قنعوا منها بأن وصفوها؟ وهل تلافوا بقايا الأنفس، بعد المفقود الأنفس، وأتلفوها «1» ؟: [الطويل] فكلّ أسى لا تذهب النفس عنده ... فما هو إلّا من قبيل التصنّع يا قدّس الله مثوى ذلك المتوفّى، وما أظنّ الجزع تمّم «2» حقّه ووفّى. ولو درى الزمن «3» وبنوه، قدر من فقدوه، لوجدوا المفاجئ «4» الفاجع أضعاف ما وجدوه، فقد فقدوا واحدا جامعا للعوالم، وماجدا رافعا لأعلام المعالي والمعالم، ومفدّى ثقل له في الفدا، ونفوس الأودّاء والأعدا، ومبكى ما قامت على مثله النّوائح، ولا حسنت إلّا فيه المراثي كما حسنت من قبل فيه المدائح. رحمة الله عليه ورضوانه، وريحان الجنان يحيّيه به رضوانه. من لي بلسان يقضي حقّ ندبته، وجنان يقضي بما فيه إلى جثّته «5» وتربته، وقد نبّهني «6» حزني عليه وبلّدني، وتملّكني حصر الحسرة عليه وتعبّدني. وأين يقع مهلهل البديه، مما يخفيه مهلهل الثّكل ويبديه؟ يمينا لو لبثت في كهف الرويّة ثلاثمائة سنين، واستمددت سواد ألسنة الفصحاء اللسنين، ما كنت في تأبين ذلك الفصل المبين من المحسنين، إلّا أني أتيت بالطريف «7» من بيانه [المعلم المطارف] «8» والتّليد، ورثيت رشد كماله برثائه كمال ابن رشد أبي الوليد، فأنشدت بنيه قوله فيه «9» : [الطويل] أخلّاي، إني من دموعي بزاخر ... بعيد عن الشّطين منه غريقه وما كان ظنّي قبل فقد أبيكم ... بأنّ مصابا مثل هذا أطيقه ولم أدر من أشقى الثلاثة بعده ... أأبناؤه أم دهره أم صديقه؟ ثم استوفيت تلك الأبيات والرسالة، وأجريت بترجيعها من دم الكبد ونجيعها عبراتي المسالة، فحينئذ كنت أوفّي المصاب واجبه، وأشفي صدورا صديّة شجيّة الجزء: 4 ¦ الصفحة: 252 وقلوبا واجفة واجبة. ولو أن ما رثى به نفسه الكريمة من ثرّ إساءته «1» ، حين رأى الحين مغتصبا «2» حشاشة مكرماته، أثار كامن وجدي بألفاظه المبكية، ومعانيه التي تحلّ من مزاد العيون الأوكية، لا هبّ لي رندا «3» ، وأعقبني صفاة تندى، وأطمعني في أن يعود بكائي زبدا. فقد بلغني أنه لمّا» وقف على ثنيّة المنيّة، وعرف قرب انتقال السّاكن من البنيّة، جمع بنات فكره، كما جمع شيبة الحمد بنات خدره، وقال: يا بنياتي، قد آن ليومي أن يأتي، فهل لكن أن ترينني «5» ؟ فوضعن أكبادهن على الوشيج «6» ، ورفعن أصواتهن بالنّشيج، وأقبلن «7» يرجّعن الأناشيد، ويفجعن القريب والبعيد، حتى أومأ إليهنّ، بأن قضين ما عليهنّ، فيا إخوتاه «8» ، ومثلي بهذا النداء نخي وتاه: أسهموا أخاكم في ميراث تلكم الكلم، واحموا «9» فؤادا بالملمّ المؤلم قد كلم، ولا تقولوا يكفيه ميراث الأحزان، فتبخسوا وحاشاكم في الميزان، فإني وإن تناولتها باليدين، وغلبت عليها فإني صاحب الفريضة «10» والدّين، فإني لحظّي من ميراث الحكمة سائل، ومع أنّ لي حقّا فلي ذمم ووسائل، فابعثوا إليّ ما يطارحني في أشجاني، وأقف على رسمه فأقول شجاني، ولا أطلب من كلام ذلكم الإمام، العزيز فقده على الإسلام، قوله في التصبير، على الرزء الكبير، ووصاته، لئلّا يلزمني ولست بالمستطيع إصغاء للمطيع لأمره «11» وإنصاته، فإن امتثلت، أصبت قتلي بما نثلت، وإن عصيت، أبعدت نفسي من رضاه وأقصيت، ولي في استصحاب حالي أمل، وما لم يرد خطاب لم يلزم عمل. على أني وإن صاب وابل دمعي وصب، وأصبحت بذكر المصاب الكلف الصّبّ، فلا أقول إلّا ما يرضي الربّ، فإني «12» أبكي عالما كبيرا، وعلما شهيرا، تسعدني في بكائه الملّة، وتنجدني بوجده «13» فأنا الكاتب وهي المملّة. وأما أنتم أيها الإخوة الفضلاء، والصفوة الكرماء، فقد تلقيتم وصلته «14» المباركة شفاها، وداوى صدوركم بكلامه النافع وشفاها، فلا يسعكم إلّا الامتثال، والصبر الذي تضرب به الأمثال، فعزاء عزاء، وانتماء إلى التأسّي واعتزاء، وإن فضل رزء الجزء: 4 ¦ الصفحة: 253 أرزاء، وكان جزء منه يعدل «1» أجزاء، فعلى قدرها تصاب العلياء، وأشدّ الناس بلاء الأنبياء ثم الأولياء. ذلك لتبيّن «2» فضيلة الرّضا والتسليم، وتتعيّن صفات «3» من يأتي الله بالقلب السّليم، ويعلم كيف يخلف «4» الكريم للكريم، وكيف يحلّ الأجر العظيم، وهب الله لكم في مصابكم صبرا على قدره، وسكب ديم مغفرته على مثوى فقيدكم وقبره، وطيّب بعرف روضات الجنّات جنبات قصره، ونفعه بما كان أودعه من أسرار العلوم في صدره، وخلّفه منكم بكل سريّ بحلّة المجد من كل نديّ «5» بصدره. قلت: ذكر الشيخ ابن الخطيب في الأصل في هذه الترجمة «الأعيان والوزراء» ، ستة من أهل هذا البيت، كلّهم يسمون بهذا الاسم، عدا واحدا، فإنه سمي بسعيد، وذاك مما يدلّ على كثرة النباهة والأصالة والوجاهة، رحمهم الله. سليمان بن موسى بن سالم بن حسان بن أحمد ابن عبد السلام الحميري الكلاعي «6» بلنسي الأصل، يكنى أبا الربيع، ويعرف بابن سالم. حاله: كان «7» بقيّة الأكابر من أهل العلم بصقع الأندلس الشّرقي، حافظا للحديث، مبرّزا في نقده، تامّ المعرفة بطرقه، ضابطا لأحكام أسانيده، ذاكرا لرجاله «8» ، ريّان من الأدب، كاتبا بليغا. خطب «9» بجامع بلنسية واستقضي، وعرف بالعدل والجلالة، وكان مع ذلك من أولي الحزم والبسالة، والإقدام والجزالة الجزء: 4 ¦ الصفحة: 254 والشهامة، يحضر الغزوات، ويباشر بنفسه القتال، ويبلى البلاء الحسن، آخرها الغزاة التي استشهد فيها. مشيخته: روى «1» عن أبي القاسم بن حبيش وأكثر عنه، وأبي محمد بن عبيد الله، وأبي عبد الله بن زرقون، وأبي عبد الله بن حميد، وأبي بكر بن الجدّ، وأبي محمد بن سيد بونة، وأبي بكر بن مغاور، وأبي محمد عبد المنعم بن عبد الرحيم بن الفرس، وأبي بكر بن أبي جمرة، وأبي الحسن بن كوثر، وأبي خالد بن رفاعة، وأبي جعفر بن حكم، وأبي عبد الله بن الفخار، وأبي الحجاج بن الشيخ، وأبي عبد الله بن نوح، وأبي الحجاج بن أبي محمد بن أيوب، وأبي بكر عتيق بن علي العبدري، وأبي محمد عبد الوهاب بن عبد الصمد بن عتّاب الصّدفي، وأبي العباس بن مضاء، وأبي القاسم بن سمحون، وأبي الحسن عبد الرحمن بن أحمد بن ربيع الأشعري، وأبي زكريا الأصبهاني، وأبي بكر أسامة بن سليم، وأبي محمد عبد الحق الأزدي، وأبي محمد الشاذلي، وأبي الطاهر بن عوف، وأبي عبد الله الحضرمي، وجماعة غير هؤلاء من أهل المشرق والمغرب. من روى عنه: روى «2» عنه أبو بكر بن أبي جعفر بن عمر «3» ، وعبد الله بن حزب الله، وأبو جعفر بن علي، وابن غالب «4» ، وأبو زكريا بن العباس، وأبو الحسن طاهر بن علي، وأبو الحسين عبد الملك بن مفوز، وابن الأبّار، وابن الجنّان، وابن الموّاق، وأبو العباس بن هرقد، وابن الغمّاز، وأبو عمرو بن سالم، وأبو محمد بن برطلة، وأبو الحسن الرعيني، وأبو جعفر الطّنجالي، وأبو الحجاج بن حكم، وأبو علي بن الناظر. تصانيفه: منها «5» «مصباح الظّلم» في الحديث، و «الأربعون حديثا «6» عن أربعين شيخا لأربعين من الصحابة «7» » ، و «الأربعون السباعية «8» » ، و «السباعيات من حديث الصدفي «9» » ، و «حلية الأمالي، في المراقبات «10» العوالي» ، و «تحفة الوداد، ونجعة الجزء: 4 ¦ الصفحة: 255 الرّوّاد «1» » ، و «المسلسلات والإنشادات «2» » ، و «كتاب الاكتفاء في» مغازي رسول الله، ومغازي الثلاثة الخلفاء» ، و «ميدان السابقين، وحلية «4» الصّادقين المصدّقين» في غرض كتاب الاستيعاب، ولم يكمله، و «المعجم ممن «5» وافقت كنيته زوجه من الصحابة» ، و «الإعلام بأخبار البخاري الإمام» ، و «المعجم في مشيخة أبي القاسم بن حبيش» ، و «برنامج رواياته» «6» . و «جني الرطب في سني الخطب» ، و «نكتة الأمثال ونفثة السّحر الحلال» ، و «جهد النصيح، في معارضة المعرّي في خطبة الفصيح» ، و «الامتثال لمثال المنبهج «7» في ابتداع الحكم واختراع الأمثال» ، و «مفاوضة القلب العليل ومنابذة الأمل الطويل بطريقة أبي العلاء المعري في ملقى السبيل» ، و «مجاز فتيا اللّحن للّاحن الممتحن» ، يشتمل على مائة مسألة ملغّزة، و «نتيجة الحب الصميم وزكاة المنثور والمنظوم» ، و «الصحف المنشرة، في القطع المعشّرة» ، و «ديوان رسائله» ، سفر متوسط، و «ديوان شعره» ، سفر «8» . شعره: من شعره ما كتب به إلى أبي بحر صفوان بن إدريس، عقب انفصاله من بلنسية عام سبعة وثمانين وخمسمائة «9» : [الطويل] أحنّ إلى نجد ومن حلّ في نجد ... وماذا الذي يغني حنيني أو يجدي؟ وقد أوطنوها وادعين وخلّفوا ... محبّهم رهن الصّبابة والوجد تبيّن بالبين اشتياقي إليهم ... ووجدي فساوى ما أجنّ «10» الذي يبدي «11» وضاقت على الأرض حتى كأنها ... وشاح بخصر أو سوار على زند الجزء: 4 ¦ الصفحة: 256 إلى الله أشكو ما ألاقي من الجوى ... وبعض الذي لاقيته من جوى يردي «1» فراق أخلّاء وصدّ أحبّة ... كأنّ صروف الدهر كانت على وعد فيا سرحتي نجد، نداء متيّم ... له أبدا شوق إلى سرحتي نجد ظمئت، فهل طلّ يبرّد لوعتي؟ ... ضحّيت «2» ، فهل ظلّ يسكّن من وجد؟ ويا زمنا قد مرّ «3» غير مذمّم ... لعلّ الأنس قد تصرّم من ردّ ليالي نجني الأنس من شجر المنى ... ونقطف زهر الوصل من شجر الصّدّ وسقيا لإخوان بأكناف حائل «4» ... كرام السّجايا لا يحولون عن عهد وكم لي بنجد من سريّ ممجّد ... ولا كابن إدريس، أخي البشر والجدّ «5» أخو همّة كالزّهر في بعد نيلها ... وذو خلق كالزّهر غبّ الحيا العدّ «6» تجمّعت الأضداد فيه حميدة ... فمن خلق سبط ومن حسب جعد أيا راحلا أودى بصبري رحيله ... وفلّل من عزمي وثلّم من حدّي «7» الجزء: 4 ¦ الصفحة: 257 أتعلم ما يلقى الفؤاد لبعدكم؟ ... ألا مذ نأيتم لا يعيد ولا يبدي «1» فيا ليت شعري! هل تعود لنا المنى؟ ... وعيش كما نمنمت حاشيتي برد؟ عسى الله أن يدني السرور بقربكم ... فيبدو بنا الشّمل «2» منتظم العقد ومن شعره في النسيب وفقد الشباب «3» : [الطويل] توالت «4» ليال للغواية جون ... ووافى صباح للرّشاد مبين ركاب شباب أزمعت عنك رحلة ... وجيش مشيب «5» جهّزته منون ولا أكذب الرحمن فيما أجنّه «6» ... وكيف وما «7» يخفى عليه جنين «8» ؟ ومن لم يخل أنّ الرّياء يشينه ... فمن مذهبي أن الرّياء يشين لقد ريع قلبي للشّباب وفقده ... كما ريع بالعقد «9» الفقيد ضنين «10» وآلمني وخط المشيب بلمّتي ... فخطّت بقلبي للشجون فنون وليل «11» شبابي كان أنضر منظرا ... وآنق مهما لاحظته عيون فآها «12» على عيش تكدّر صفوه ... وأنس خلا منه صفا وحجون ويا ويح فودي أو فؤادي كلّما ... تزيّد شيبي كيف بعد يكون؟ حرام على قلبي سكون بغرّة «13» ... وكيف مع الشّيب الممضّ «14» سكون؟ وقالوا: شباب المرء شعبة جنّة ... فما لي عراني للمشيب «15» جنون؟ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 258 وقالوا شجاك الشيب «1» حدثان ما أتى ... ولم يعلموا أنّ الحديث شجون» وقال في الاستعانة والتوكل عليه «3» : [الطويل] أمولى الموالي ليس غيرك لي مولى ... وما «4» أحد يا ربّ منك بذا أولى تبارك وجه وجّهت نحوه المنى ... فأوزعها شكرا وأوسعها طولا وما هو إلّا وجهك الدائم الذي ... أقلّ حلى عليائه يخرس القولا تبرّأت من حولي إليك وقوّتي ... فكن قوتي في مطلبي وكن الحولا «5» وهب لي الرضا مالي سوى ذاك مبتغى ... ولا لقيت نفسي على نيله «6» الهولا وقال «7» : [الطويل] مضت لي سبع «8» بعد عشرين «9» حجّة ... ولي حركات بعدها وسكون فيا ليت شعري كيف «10» أو أين أو متى ... يكون الذي لا بدّ أن سيكون؟ واستجاز المترجم به من يذكر بما نصه: المسؤول من السادة العلماء أئمة الدين، وهداة المسلمين، أن يجيزوا لمن ثبت اسمه في هذا الاستدعاء، وهم المولى الوزير العالم الفاضل الأشرف بهاء الدين أبو العباس أحمد ابن القاضي الأجل أبي عبد الرحمن بن علي البيساني، ولولديه أبي عبد الله، محمد، وأبي عبد الله الحسين وولده عبد الرحيم، ولأولاد ولده أبي الفتح حسن، وأبوي محمد عبد الرحمن ويوسف، ولمماليكه سنقر وأخيه الصغير وسنجر التركيون «11» ، وأفيد وأقسر الروميان «12» ، ولكمال بن يوسف بن نصر بن ساري الطباخ، وللوجيه أبي الفخر بن بركات بن ظافر بن عساكر. ولأبي الحسن بن عبد الوهاب بن وردان، ولأبي البقاء الجزء: 4 ¦ الصفحة: 259 خالد بن يوسف الشّاذلي ولولده محمد، ولمحمد بن يوسف بن محمد البزالي الإشبيلي ولولده، ولعبد العظيم بن عبد الله المندري ولولده أبي بكر، ولأبي الحسن بن عبد الله العطّار جميع ما يجوز لهم روايته من العلوم على اختلافها، وما لهم من نظم ونثر، وإن رأوا تعيين موالدهم ومشايخهم وإثبات أبيات يخفّ موقعها ثراه من الزلل، ومما يخالف الحق، فعلوا مأجورين. وكتب في العشر الأخر من شهر ربيع الآخر سنة ثلاثين وستمائة. فكتب مجيزا بما نصه: قال سليمان بن موسى بن سالم الكلاعي، وكتب بيده تجاوز الله عنه، وأقام بالعفو من أوده: إني لمّا وقفت على هذا الاستدعاء، أجاب الله في مستدعيه المسمى فيه صالح الدعاء، اقتضى حق المسؤول له، الوزير الأجل، العالم الأشرف الأفضل بهاء الدين أبو العباس ابن القاضي الأجل، الفاضل العلم الأوحد، ندرة الزمان، ولسان الدهر، وقسّ البيان، أبو «1» علي عبد الرحيم بن علي، أعلى الله قدره ورفعه، ووسم سلفه الكريم ونفعه، تأكيد الإسعاف، بحكم الإنصاف، له ولكل من سمي معه، فأطلقت الإذن لجميعهم، على تباعد أفكارهم وتدانيها، وتباين أقدارهم وتساويها، من أب سنيّ، وذرّية عريقة في النّسب العلي، ومماليك له تميّزوا بالنسب المولوي، وسمّين بعدهم، اعتلقوا من الرغبة في نقل العلم بالحبل المتين والسبب القوي. والله بالغ بجميعهم من تدارك الآمال أبعد الشّأو القصي، ويجريهم من مساعدة الإمكان، ومسالمة الزمان، على المنهج المرضي، والسنن السّوي، أن يحدّثوا بكل ما اشتملت عليه روايتي، ونظمته عنايتي، من مشهور الدواوين، ومنثور الأجزاء المنقولة عن ثقات الرّاوين، وغير ذلك من المجموعات في أي علم كان من علوم الدين، وكل ما يتعلق بها من قرب أو بعد مما يقع عليه التّعيين، وبما يصح عندهم نسبته إليّ من مجموع جمعته، ومنظوم نظمته، أو نثر صنعته. الإباحة العامة على ذلك آتية، ومقاصد الإسعاف لرغباتهم فيه مطاوعة وموافية، فليرووا عني من ذلك موفّقين، ما شاءوا أن يرووه، وليلتزموا في تحصيله أولا وأدائه ثانيا أوفى ما التزمه العلماء واشترطوه. ومن جلّه شيوخي وصدورهم الذين سمعت منهم، وأخذت بكل وجوه الأخذ عنهم، القاضي الإمام الخطيب العلّامة أبو القاسم عبد الرحمن بن محمد بن عبد الله بن يوسف بن حبيش، آخر أئمة المحدثين بالمغرب، رضي الله عنهم. والإمام الحافظ الصدر الكبير أبو بكر محمد بن عبد الله بن يحيى بن فرج بن الجدّ الفهري. والفقيه المشاور القاضي المسند أبو عبد الله محمد بن أبي الطيب. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 260 والفقيه الحافظ أبو محمد عبد المنعم بن محمد بن عبد الرحيم الخزرجي. والقاضي الخطيب النحوي أبو عبد الله محمد بن جعفر بن حميد. والأستاذ الحافظ أبو محمد عبد الله بن أحمد بن جمهور القيسي. والشيخ الراوية الثقة أبو محمد عبد الحق بن عبد الملك بن بونه بن سعيد بن عصام العبدري. والشيخ الصالح أبو جعفر أحمد بن حكم القيسي الحصّار الخطيب بجامع غرناطة. والفقيه القاضي الأجزل أبو العباس يحيى بن عبد الرحمن بن الحاج. والقاضي الفقيه الحسيب أبو بكر بن أبي جمرة. والقاضي أبو بكر بن مغمور. والقاضي المسند أبو الحسين عبد الرحمن بن ربيع الأشعري. وسوى هؤلاء ممن سمعنا منه كثيرا، وكلهم أجازني روايته وما سمعه. وقرأت على الخطيب أبي القاسم بن حبيش غير هذا وسمعت كثيرا، وتوفي، رحمه الله، بمرسية في الرابع عشر لصفر لسنة أربع وثمانين وخمسمائة. ومولده سنة أربع وخمسمائة، على ما أخبرني به، رحمه الله ورضي عنه. ومما أخذته عن الحافظ أبي بكر بن الجدّ بإشبيلية بلده، موطّأ مالك، رواية يحيى بن يحيى القرطبي، أخبرني به عن أبي بحر سفيان بن العاصي الأسدي الحافظ، سماعا بأسانيده المعلومة. وتوفي الحافظ أبو بكر سنة ست وثمانين. وقرأت على الفقيه أبي عبد الله بن زرقون أيضا موطّأ مالك، وحدّثني به عن أبي عبد الله الخولاني إجازة، قال: سمعته على أبي عمرو عثمان بن أحمد بن يوسف اللخمي؛ عن أبي عيسى يحيى بن عبد الله بن أبي عيسى، عن أبيه عبيد الله بن يحيى الليثي، عن أبيه عن مالك بن أنس، رضي الله عن جميعهم. ولا يوجد اليوم بأندلسنا ومغربنا بأعلى من هذه الأسانيد. وممن كتب لي بالإجازة من ثغر الإسكندرية الإمام الحافظ مفتي الديار المصرية ورئيسها أبو الطاهر بن عوف، والفقيه الحاكم أبو عبد الله بن الحضرمي، والفقيه المدرس أبو القاسم بن فيرّه، وغيرهم، نفعنا الله بهم، ووفقنا للاقتداء بصالح مذهبهم. وأما المولد الذي وقع السؤال عنه، فإني ولدت على ما أخبرني أبواي، رحمهما الله، بقاعدة مرسية، مستهل رمضان المعظم سنة خمس وستين وخمسمائة «1» . ومما يليق أن يكتب في هذا الموضع ما أنشدني شيخنا «2» الفقيه أبو بكر عبد الرحمن بن محمد بن مغاور، رحمه الله، في منزله بشاطبة سنة ست وثمانين وخمسمائة، وهو بقيّة مشيخة الكتّاب بالأندلس لنفسه، مما أعدّه ليكتب على قبره: [الخفيف] أيها الواقف اعتبارا بقبري ... استمع فيه قول عظمي الرميم أودعوني بطن الضريح وخافوا ... من ذنوب كلومها بأديم الجزء: 4 ¦ الصفحة: 261 قلت: لا تجزعوا عليّ فإنّي ... حسن الظّنّ بالرؤوف الرحيم ودعوني بما اكتسبت رهينا ... غلق الرّهن عند مولى كريم انتهى. وكتب هذا بخطه في مدينة بلنسية، حماها الله، سليمان بن موسى بن سالم الكلاعي، في الموفي عشرين لجمادى الآخرة سنة إحدى وثلاثين وستمائة. والحمد لله رب العالمين. وفاته: كان أبدا يقول: إن منتهى عمره سبعون سنة لرؤيا رآها في صغره، فكان كذلك، واستشهد في الكائنة على المسلمين بظاهر أنيشة «1» على نحو سبعة أميال منها؛ لم يزل متقدما أمام الصفوف زحفا إلى الكفار، مقبلا على العدو، ينادي بالمنهزمين من الجند: أعن الجنّة «2» تفرّون؟ حتى قتل صابرا محتسبا، غداة يوم الخميس لعشر بقين من ذي الحجة سنة أربع وثلاثين وستمائة. ورثاه أبو عبد الله بن الأبّار، رحمه الله، بقوله «3» : [الطويل] ألمّا بأشلاء العلى والمكارم ... تقدّ بأطراف القنا والصّوارم وعوجا عليها مأربا وحفاوة «4» ... مصارع غصّت «5» بالطّلا والجماجم نحيّي «6» وجوها في الجنان «7» وجيهة ... بما لقيت «8» حمرا وجوه الملاحم الجزء: 4 ¦ الصفحة: 262 وأجساد إيمان كساها نجيعها «1» ... مجاسد «2» من نسج «3» الظّبى واللهازم «4» مكرّمة حتى عن الدّفن في الثرى ... وما يكرم الرحمن غير الأكارم هم القوم راحوا للشهادة فاغتدوا «5» ... وما لهم في فوزهم من مقاوم تساقوا كؤوس الموت في حومة الوغى ... فمالت بهم ميل الغصون النّواعم مضوا في سبيل الله قدما كأنما ... يطيرون من أقدامهم بقوادم يرون جوار الله أكبر مغنم ... كذاك جوار الله أسنى المغانم عظائم نالوها «6» فخاضوا لنيلها ... ولا روع يثنيهم صدور العظائم وهان عليهم أن تكون لحودهم ... متون الرّوابي أو بطون التّهائم ألا بأبي تلك الوجوه سواهما ... وإن كنّ عند الله غير سواهم عفا حسنها إلّا بقايا مباسم «7» ... يعزّ علينا وطؤها بالمناسم وسؤر أسارير تنير طلاقة ... فتكسف أنوار النجوم العواتم الجزء: 4 ¦ الصفحة: 263 لئن وكفت فيها الدموع «1» سحائبا ... فعن بارقات لحن فيها لشائم ويا بأبي تلك الجسوم نواحلا ... بإجرائها نحو الأجور الجسائم تغلغل فيها كلّ أسمر ذابل ... فجدّل «2» منها كلّ أبيض ناعم فلا يبعد الله الذين تقرّبوا ... إليه بإهداء النفوس الكرائم مواقف أبرار قضوا من جهادهم ... حقوقا عليهم كالفروض اللّوازم أصيبوا وكانوا في العبادة أسوة ... شبابا وشيبا بالغواشي «3» الغواشم فعامل رمح دقّ في صدر عامل ... وقائم سيف قدّ في رأس قائم ويا ربّ صوّام الهواجر واصل ... هنالك مصروم الحياة بصارم ومنقذ عان في الأداهم راسف ... ينوء برجلي راسف في الأداهم أضاعهم يوم الخميس حفاظهم ... وكرّهم في المأزق المتلاحم سقى الله أشلاء بسفح أنيشة ... سوافح تزجيها ثقال الغمائم وصلّى عليها أنفسا طاب ذكرها ... فطيّب «4» أنفاس الرّياح النّواسم الجزء: 4 ¦ الصفحة: 264 لقد صبروا فيها كراما وصابروا ... فلا غرو أن فازوا بصفو المكارم وما بذلوا إلّا نفوسا كريمة «1» ... تحنّ إلى الأخرى حنين الرّوائم «2» ولا فارقوا «3» والموت يتلع جيده ... فحيث «4» التقى الجمعان صدق العزائم بعيشك طارحني الحديث عن التي ... أراجع فيها بالدموع السّواجم «5» وما هي إلّا غاديات فجائع ... تعبّر عنها رائحات مآتم جلائل دقّ الصّبر فيها فلم نطق «6» ... سوى غضّ أجفان وغضّ «7» أباهم أبيت لها تحت الظلام كأنّني ... رميّ نصال أو لديغ أراقم أغازل من برح الأسى غير بارح ... وأزجر «8» من سأم «9» البكا غير سائم وأعقد بالنجم المشرّق ناظري ... فيغرب عني ساهرا غير نائم وأشكو إلى الأيام سوء صنيعها ... ولكنها شكوى إلى غير راحم الجزء: 4 ¦ الصفحة: 265 وهيهات هيهات العزاء ودونه ... قواصم شتّى أردفت بقواصم ولو برّد السّلوان حرّ جوانحي ... لآثرت عن طوع سلوّ البهائم ومن لي بسلوان يحلّ منفّرا ... بجاث من الأرزاء حولي جاثم وبين الثّنايا والمخارم رمّة ... سرى في الثّنايا طيبها والمخارم بكتها المعالي والمعالم جهدها ... فمن «1» للمعالي بعدها والمعالم؟ سعيد صعيد لم ترمه قرارة ... وأعظم بها وسط العظام الرّمائم كأن دما أذكى أديم ترابها ... وقد مازجته الرّيح مسك اللّطائم يشقّ على الإسلام إسلام مثلها ... إلى خامعات بالفلا وقشاعم كأن لم تبت تغشى «2» السّراة «3» قبابها ... ويرعى حماها الصّيد رعي السّوائم سفحت عليها الدّمع أحمر وارسا ... كما تنثر «4» الياقوت أيدي النّواظم وسامرت فيها الباكيات نوادبا ... يؤرّقن تحت الليل ورق الحمائم وقاسمت في حمل الرّزيّة أهلها «5» ... وليس قسيم البرّ غير المقاسم الجزء: 4 ¦ الصفحة: 266 فوا أسفا «1» للدّين أعضل «2» داؤه ... وآيس من أسّ «3» لمسراه حاسم ويا أسفا «4» للعلم أقوت «5» ربوعه ... وأصبح مهدود «6» الذّرى والدّعائم قضى حامل الآثار «7» من آل يعرب ... وحامي هدى المختار من آل هاشم خبا الكوكب الوقّاد إذ متع الضّحى ... ليخبط «8» في ليل من الجهل فاحم وخانت «9» مساعي السّامعين حديثه ... كما شاء يوم الحادث المتفاقم فأيّ بهاء غار ليس بطالع ... وأيّ سناء غاب ليس بقادم سلام على الدّنيا إذا لم يلح بها ... محيّا سليمان بن موسى بن سالم وهل في حياتي متعة بعد موته ... وقد أسلمتني للدّواهي الدّواهم؟ فهأناذا في حرب «10» دهر محارب ... وكنت به في أمن دهر مسالم أخو العزّة القعساء كهلا ويافعا ... وأكفاؤه ما بين راض وراغم الجزء: 4 ¦ الصفحة: 267 تفرّد بالعلياء علما وسؤددا ... وحسبك من عال على الشّهب عالم معرّسه فوق السّهى «1» ومقيله ... ومورده قبل النّسور الجواثم «2» بعيد مداه لا يشقّ غباره ... إذا فاه فاض السّحر ضربة لازم يفوّض منه كلّ ناد ومنبر ... إلى ناجح مسعاه في كلّ ناجم متى صادم «3» الخطب الملمّ بخطبة «4» ... كفى صادما منه بأكبر صادم له منطق سهل النّواحي قريبها ... فإن رمته ألفيت صعب الشّكائم وسحر بيان فات كلّ مفوّه ... فبات عليه قارعا سنّ نادم وما الروض حلّاه بجوهره النّدى ... ولا البرد وشّته «5» أكفّ الرّواقم بأبدع حسنا في «6» صحائفه التي ... تسيّرها أقلامه «7» في الأقالم يمان كلاعيّ نماه إلى العلا ... تمام حواه قبل عقد التّمائم يروق رواق الملك في كلّ مشهد ... ويحسن وسما في وجوه المواسم الجزء: 4 ¦ الصفحة: 268 ويكثر أعلام البسيطة وحده ... كمال مثال «1» أو جمال مقاوم لعا لزمان عاثر من خلاله «2» ... بواق «3» من الجلّى أصيب بواقم مناد إلى دار السلام منادم ... بها الحور، واها للمنادي المنادم أتاه رداه مقبلا غير مدبر ... ليحظى بإقبال من الله دائم إماما لدين أو قواما لدولة ... تولّى ولم تلحقه لومة لائم فإن «4» عابه حسّاده شرقا به ... فلن تعدم الحسناء ذاما بذائم «5» فيا أيها المخدوم سامي «6» محلّه ... فدى لك من ساداتنا كلّ خادم ويا أيها المختوم بالفوز سعيه ... ألا إنما الأعمال حسن الخواتم هنيئا لك الحسنى من الله إنها ... لكلّ تقيّ خيمه، غير خائم تبوّأت جنّات النعيم ولم تزل ... نزيل الثّريّا قبلها والنعائم «7» ولم تأل عيشا راضيا أو شهادة ... ترى ما عداها في عداد المآتم الجزء: 4 ¦ الصفحة: 269 لعمري «1» ما يبلى بلاؤك في العدا ... وقد جرّت «2» الأبطال ذيل «3» الهزائم وتالله «4» لا ينسى مقامك في الوغى ... سوى جاحد نور الغزالة كاتم لقيت الرّدى في الرّوع جذلان باسما ... فبوركت من جذلان في الرّوع باسم وحمت على الفردوس حتى وردته ... ففزت بأشتات المنى فوز غانم أجدّك لا تثني عنانا لأوبة ... أداوي بها برح الغليل المداوم ولا أنت بعد اليوم واعد هبّة ... من النوم تحدوني إلى حال حالم لسرعان ما قوّضت رحلك ظاعنا ... وسرت على غير النواجي «5» الرّواسم وخلّفت من يرجو دفاعك يائسا ... من النّصر أثناء الخطوب الضّوائم «6» كأنّي للأشجان فوق هواجر ... بما عادني من عاديات هواجم عدمتك مفقودا «7» يعزّ نظيره ... فيا عزّ معدوم ويا هون عادم الجزء: 4 ¦ الصفحة: 270 ورمتك مطلوبا فأعيا مناله ... وكيف بما أعيا «1» منالا لرائم؟ وإني لمحزون الفؤاد صديعه ... خلافا لسال قلبه منك سالم وعندي إلى لقياك شوق مبرّح ... طواني من حامي الجوى فوق جاحم وفي خلدي والله ثكلك خالد ... أليّة برّ لا أليّة آثم ولو أنّ في قلبي مكانا لسلوة ... سلوت ولكن لا سلوّ لهائم ظلمتك أن لم أقض نعماك حقّها ... ومثلي في أمثالها غير ظالم يطالبني فيك الوفاء بغاية ... سموت لها حفظا لتلك المراسم فأبكي لشلو بالعراء كما بكى ... زياد لقبر بين بصرى وجاسم «2» وأعبد أن يمتاز دوني عبدة ... بعلياء في تأبين قيس بن عاصم «3» وهذي المراثي قد وفيت برسمها ... مسهّمة جهد الوفيّ المساهم الجزء: 4 ¦ الصفحة: 271 فمدّ إليها رافعا يد قابل ... أكبّ عليها خافضا فم لاثم «1» ومن القضاة في هذا الحرف سلمون بن علي بن عبد الله بن سلمون الكناني «2» من أهل غرناطة، يكنى أبا القاسم، ويدعى باسم جده سلمون، وقد مرّ ذكر أبيه وأخيه. حاله: من أهل العلم والهدى الحسن والوقار، قديم العدالة، متعدّد الولاية، مضطلع بالأحكام، عارف بالشروط، صدر وقته في ذلك، وسابق حلبته إلى الرواية والمشاركة والتّبجّح في بيت الخير والحشمة وفضل الأبوة والأخوة. قلّ في الأندلس مكان شذّ عن ولايته، وناب عن القضاة بالحضرة، فحمد نفاذه، وحسنت سيرته. ثم ولّي مستبدّا في الدولة الباغية، وخاض في بعض أهوائها، بما جرّ عليه عتبا، فعقبه الإعتاب عن كثب. تواليفه: ألّف في الوثائق المرتبطة بالأحكام كتابا مفيدا، نسبه بعض معاصريه إلى أنّه قيّده عن شيخه أبي جعفر بن فركون، ودوّن مشيخته. مشيخته: أجازه «3» الراوية المعمر أبو محمد بن هارون الطائي، والشيخ المسن أبو جعفر أحمد بن عيسى بن عياش المالقي، والشيخ الأديب أبو الحكم ابن المرحّل، والعدل أبو بكر بن إسحاق التجيبي، والقاضي أبو العباس بن الغمّاز، والفرضي أبو إسحاق التّلمساني، وأبو الحسن بن عبد الباقي بن الصواف، والمحدّث أبو محمد الخلاسي، والراوية أبو سلطان جابر بن محمد بن قاسم بن حيّان القيسي، والوزير أبو محمد بن سماك، والشيخ المدرّس بالديار المصرية أبو محمد الدّمياطي، والمقرئ الرّاوية أبو عبد الله بن عيّاش، وأبو الحسن بن مضاء، والمحدّث أبو عبد الله بن النجار، وأبو زكريا بن عبد الله بن محرز، والمقرئ أبو بكر بن عبد الكريم بن صدقة السّفاقسي، والشيخ زين الدين أبو عبد الله محمد بن الحسن القرشي العوني، وأبو القاسم الأيسر الجذامي، وشهاب الدين الأبرقوسي، الجزء: 4 ¦ الصفحة: 272 والعدل أبو فارس الهواري، وأبو الكرم الحميري، وأبو الفدا بن المعلم، والشريف أبو الحسن القرافي، وأبو عبد الله بن رحيمة، والشيخ أبو عبد الله بن اللبيدي، وأبو الحسن بن عطية البودري، وأبو محمد بن سعيد المسرّاتي، وأبو عبد الله بن عبد الحميد، والخطيب أبو الحسن بن السفّاح الرّندي، وأبو محمد بن عطية، والوزير أبو عبد الله بن أبي عامر بن ربيع، والعدل أبو الحسن بن مستقور، والخطيب أبو عبد الله بن شعيب، والشريف أبو علي بن طاهر بن أبي الشرف، والأستاذ أبو بكر بن عبيدة. وقرأ على الأستاذ أبي جعفر بن الزبير، وبرنامج رواياته نبيه. مولده «1» : عام خمسة وثمانين وستمائة «2» . ومن المحدّثين والفقهاء وسائر الطلبة النجباء بين أصلي وغيره: سعيد بن محمد بن إبراهيم بن عاصم بن سعيد الغساني «3» من أهل غرناطة، يكنى أبا عثمان. حاله: هذا الرجل من أهل الذكاء والمعرفة والإدراك، يقوم على الكتاب العزيز حفظا وتدريسا، ويشارك في فنون؛ من أصول وفقه وحساب وتعديل، ومعرفة بالإلمامات الشّعاعية. يكتب خطّا حسنا، وينظم الشعر، ويحفظ الكثير من النّتف والأخبار، مقتصد، منقبض عن الناس، مشتغل بشأنه، قيد الكثير، يسير إليّ لزمانة أصابت أختها، بما يدل على نشاطه وهمته. مشيخته: قرأ على الأستاذ الخطيب أبي القاسم بن جزي، ورحل إلى العدوة، فلقي بفاس وتلمسان جملة، كالأستاذ أبي إسحاق السّلاوي التلمساني، وأبي العباس أحمد بن عبد الرحمن المكناسي من أهل فاس، والحاج ابن سبيع، وغيرهم. واستدعيته لتأديب ولدي، أسعدهم الله، فبلوت منه على السنين، نضحا وسلامة ودينا وعفّة. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 273 شعره: جرى ذكره «1» في «الإكليل الزاهر» بما نصّه «2» : ممن «3» يتشوّق إلى المعارف «4» والمقالات، ويتشوّف «5» إلى الحقائق والمجالات «6» ، ويشتمل على نفس رقيقة، ويسير من تعليم القرآن على خير طريقة، ويعاني من الشّعر ما يشهد بنبله، ويستظرف «7» من مثله. فمن شعره قوله: [الكامل] لمّا نأوا في الظّاعنين وساروا ... أضحت قلوب العاشقين تحار تركوهم في ظلمة وتوحّش ... ما انجابت الأضواء والأنوار ذهبوا فأبقوا كلّ عقل ذاهلا ... ولكل قلب بالنّزوح مطار ظعنوا وقد فتنوا الورى بجمالهم ... عبثوا بأفئدة الأنام وحاروا «8» ما ضرّهم قبل «9» النّوى لو ودّعوا ... ما ضرّهم لو أعلموا إذ ساروا «10» فقلوبنا من بعدهم في فجعة ... ودموعنا من بعدهم أمطار يا دار، أين أحبّتي ووصالنا؟ ... أين الذي كنّا به يا دار؟ كنا نذيع به عبير حديثنا ... وكلامنا الألطاف والأشعار والطّير تتلو فوقنا نغماتها ... والدهر يسمح والمدام تدار ولطالما بتنا وبات رقيبنا ... في غفلة قضيت بها الأوطار هل نحن في «11» زمن تقادم عهده ... نلنا به «12» النّعمى ونحن صغار؟ فلا تذر على الوصال وابكين «13» ... ما دامت الآصال والأسحار ومن المقطوعات: [الطويل] وكم عذلوني في هواه وما رأوا ... محيّاه حتى عاينوه وسلّموا وقالوا: نعم هذا الكمال حقيقة ... فحطّوا وجاءوا صاغرين وسلّموا وكتب إليّ صحبة كتاب أعرته إياه، عقب الفراغ من مطالعته: [السريع] هذا كتاب كلّه «14» معجم ... أفحمني معناه إفحاما الجزء: 4 ¦ الصفحة: 274 أعجمه منشئه أوّلا ... وزاده النّاسخ إعجاما أسقط من إجماله جملة ... وزاد في التفصيل أقساما وغيّر الألفاظ عن وضعها ... وصيّر الإيجاد إعداما فليس في إصلاحه حيلة ... ترجى ولو قوبل أعواما نثره: كتب إليّ شافعا في الولد، وأنا واجد عليه: من حلّ محلّ السيد نادرة الزمان، وسابق حلبة البيان، في رسوخ العلم، والسّمو في درجة الحلم، وأرضعته الحكم درّتها، وقلّدته المعارف دررها، وجلت عليه بدرها، وجلبت إليه بذرها، كان بالحنوّ والرأفة خليقا، وأن يهبّ نسيمه لدنا رفيقا، وأن يتعاهد بالعطف غرسا في زاكي تربته ظلي، وإلى محتده المنجب وفضله المنجب انتمى، فيلحفه من الرحمة جناحا، ويطلع عليه في ليل الوحشة المؤلمة من نور صفحه عن حفوته مصباحا، والذنب إذا لم يكن عقوقا ولا سوء أدب، وكان في المماليك والقيم المالية مغتفر عند الأكابر مثله من ذوي الرتب، وقد بلغ في الاعتراف غاية المدى، واندمل الجرح الذي أصابته المدى، البون واضح في المقاييس، بين المرؤوس والرئيس، وشتّان بين الزيف والجوهر النفيس. ومع أن الولد كمد فهو للنفس ريحانة، وفي فصّ خاتم الإنسان جمانة، وقد نال منه هذا الإمضاء، والصارم يتخذ فيزيد منه المضاء، وهو يرتجي كل ساعة أن يفد عليه البشير برضاك فيستأنف جهورا، وينقلب إلى أهله مسرورا، والله يبقيك والوزارة ترفل منك في مظهر حلل، ويريك في نفسك وبنيك غاية الأمل. مولده: التاسع لذي الحجة عام تسعة وتسعين وستمائة، وهو الآن على حاله الموصوفة. ومن الكتاب والشعراء سهل بن طلحة من أهل غرناطة، يكنى أبا الحسن. حاله: كان ظريفا، عنده مشاركة في الطّلب. مدح ولي العهد أبا عبد الله بن الغالب بالله بشعر وسط، فمن ذلك قوله من قصيدة أولها: [الكامل] أنا للغرام وللهوى مدفوع ... فمتى السّلوّ ووصلها ممنوع؟ يقول أيضا منها بعد كثير: يا حبّذا دار لزينب باللّوى ... حيث الفؤاد على الهوى مطبوع الجزء: 4 ¦ الصفحة: 275 يا حادي العيس التفت نحو اللّوى ... إني بسكان اللّوى مفجوع وعج المطيّ بلعلع وبرامة «1» ... فهناك قلب للشّجيّ مروع أطلال آرام وبيض خرّد ... هنّ الأهلّة بالجيوب طلوع في ظبية من بينهنّ تصدّني ... حسنا ولي أبدا إليه نزوع حوراء جائرة عليّ بحكمها ... ظلما وإنّي مذعن وسميع تفنى الليالي والزمان وأنقضي ... كمدا ولا نبأ لها مسموع يا «2» ليت! هل دهر يعود بوصلها ... فيكون للعيش الخصيب رجوع؟ وتعود أيام السّرور كمثل ما ... قد عاد روح حياتها والروع؟ فقدوم مولانا الأمير محمد «3» ... خير الملوك ومن له التّرفيع وفاته: كان حيّا سنة اثنتين وخمسين وستمائة. سالم بن صالح بن علي بن صالح بن محمد الهمداني «4» من أهل مالقة، يكنى أبا عمرو، ويعرف بابن سالم. حاله: قال الأستاذ أبو جعفر بن الزّبير: كان أديبا مقيّدا، كتب بخطّه كثيرا، وانتسخ أجزاء عدّة، واجتهد وأكثر، وكان متبذّلا في لباسه، متواضعا، مقتصدا، مليح المجالسة، حسن العشرة، جليل الأخلاق، فاضل الطبع. مشيخته: روى «5» عن الحافظ أبي عبد الله بن الفخّار، وأبي زيد «6» السهيلي، وأبي الحجاج بن الشيخ، وأبي جعفر بن حكم، وأبي بكر بن الجدّ، وأبي عبد الله بن زرقون، وأبي محمد بن عبيد الله. وشارك في كثير من شيوخه أبا محمد القرطبي، وكان يناهضه. دخوله غرناطة: دخلها وأقام بها وأخذ عن شيوخها وتردّد إليها. شعره: قال في رمح: [الوافر] أنا الرّمح المعدّ إلى النوائب ... فصاحبني تجدني خير صاحب الجزء: 4 ¦ الصفحة: 276 لئن فخر اليراع بكتب خطّ ... فإنّ الخطّ «1» فخر بالكتائب ومما كتب له ابن خميس قوله: [الوافر] إلهي قد عصينا منك ربّا ... تعالى «2» أن يقابل بالمعاصي فكيف خلوصنا من هول يوم ... تشيب لهوله سود النّواصي؟ وجلب شعرا كثيرا دون شهرته، وما ذكر به. وتوفي بمالقة ليلة الاثنين لثماني «3» عشرة ليلة خلت من رمضان المعظم سنة عشرين وستمائة «4» . حرف الهاء من الملوك والأمراء هشام بن محمد بن عبد الله بن عبد الرحمن الناصر لدين الله بن محمد بن عبد الله «5» أخو المرتضى المتقدم الذّكر «6» ، يكنى أبا بكر، ويلقّب بالمعتد بالله، الخليفة بقرطبة. صفته: أبيض أصهب، إلى الأدمة، سبط الشعر، أخنس، خفيف العارض واللّحية، حسن الجسم، إلى قصر، أمّه أم ولد تسمّى عاتبا. حاله: بويع له بالثّغر «7» ، فقرطبة أيام استقراره بحصن ألبنت «8» ، عند صاحبه عبد الله بن قاسم الفهري. قال ابن حيان، ثالبا إياه على عادته «9» : قلّد الأمر في سنّ الشيخوخة، وكان معروفا بالشّطارة في شبابه، وأقلع «10» فرجي فلاحه. وقال: دخل الجزء: 4 ¦ الصفحة: 277 قرطبة «1» في زيّ تقتحمه العين، وهنا وقلّة، عديم «2» رواء وبهجة، وعدد وعدّة، فوق فرس دون مراكب الملوك، بحلية مختصرة، سادلا سمل غفارة على ما تحتها من كسوة رثّة، قدّامه سبع جنائب «3» من خيل العامريين دون علم ولا مضطرد، يسير هونا والناس ينظرون إليه، ويصيحون بالدّعاء في وجهه. فدخل القصر، وقلّد حكما المعروف بالقزاز الأعمال والأمر، وأطلق يده في المال، وهو الذي يقول فيه الشاعر «4» : [مخلع البسيط] هبك كما تدّعي وزيرا ... وزير من أنت يا وزير؟ والله ما للأمير معنى ... فكيف من وزّر «5» الأمير؟ وضعف «6» أمره، وآثر الناس الوثوب على وزيره، فأوقع به طائفة من الجند، وثارت العامة بهشام فخلع في خبر طويل، ودخل غرناطة مع أخيه المرتضى، ولحق يوم هزيمته بظاهرها، بحصن ألبنت إلى أن بويع له بقرطبة يوم الأحد لخمس بقين من ربيع الآخر سنة ثماني عشرة وأربعمائة. محنته: ثارت العامة به بقرطبة كما تقدم، ملتفّة على أمية بن عبد الرحمن بن هشام بن سليمان بن عبد الرحمن الناصر، يوم الثلاثاء الثاني عشر لذي حجة من سنة اثنتين وأربعمائة، بسوء تدبير وزيره، وبادر الاعتصام بعلية القصر، وأنزل منها إلى ساباط الجامع بالأمان، فيمن تألّف إليه من ولده وحريمه، فحدّث بعض سدنة الجامع أنّ أوّل ما سأل الشيوخ، إحضار كسيرة من خبز يسدّ جوع طفيلة له كان قد احتضنها، ساترا لها بكمه من قرّ ليلته تلك، كانت تشكو الجوع ذاهلة عما أحاط به، فأبكى من كلّمه اعتبارا بعادية الدهر. وأخرج إلى حصن ابن الشرف إلى أن هلك. وفاته: في صفر ثمان وعشرين وأربعمائة «7» . وسنّه نحو أربع «8» وستين سنة. وكان آخر ملوك «9» بني أمية بالأندلس. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 278 ومن ترجمة الأعيان والكبرا والأماثل والوزرا هاشم بن أبي رجاء الإلبيري الوزير، يكنى أبا خالد. حاله: كان من عظماء أهل إلبيرة وحليتهم، وهو الذي عاد الفقيه الزاهد أبا إسحاق بن مسعود الإلبيري «1» في مرضه، وعذله على رداءة مسكنه، وقال له: لو سكنت دارا خيرا من هذه لكانت أولى لك، فأجابه، رحمه الله، بقوله «2» : [مخلع البسيط] قالوا: ألا تستجيد بيتا ... تعجب من حسنه البيوت؟ فقلت: ما ذاكم صواب ... حفش «3» كثير لمن يموت لولا شتاء ولفح قيظ ... وخوف لصّ وحفظ قوت ونسوة يبتغين كنّا «4» ... بنيت بنيان عنكبوت وأيّ معنى لحسن مغنى ... ليس لسكّانه ثبوت ما وعظ «5» القبر لو عقلنا ... موعظة الناطق «6» الصموت يومي إلى ممتطي الحنايا ... ما لك عن مضجعي عميت؟ نسيت يومي وطول نومي ... وسوف تنسى كما نسيت وسدت يا هادمي قصورا ... نعمت فيهنّ كيف شيت معتنقا للحسان فيها ... مستنشقا مسكها الفتيت تسحب ذيل الصّبا وتلهو ... بآنسات يقلن هيت الجزء: 4 ¦ الصفحة: 279 فاذكر سهادي قبل التّنادي «1» ... واسهد له قبل أن يفوت فعن قريب يكون ظعني ... سخطت يا صاح أم رضيت حرف الياء الملوك والأمراء يوسف بن إسماعيل بن فرج بن إسماعيل بن يوسف بن نصر الأنصاري الخزرجي «2» أمير المسلمين بالأندلس، أبو الحجّاج. حاله وصفته: كان «3» أبيض أزهر، أيّدا، برّاق الثنايا، أنجل، رجل الشّعر أسوده، كثّ اللحية، تقع العين منه على بدر تمام، يفضل الناس بحسن المرأى وجمال الهيئة كما يفضلهم مقاما ورتبة، عذب اللسان، وافر العقل، عظيم الهيبة، إلى ثقوب الذهن، وبعد الغور، والتفطّن للمعاريض، والتّبريز في كثير من الصنائع العملية، مائلا إلى الهدنة، مزجيا للأمور، كلفا بالمباني والأثواب، جمّاعة للحلي والذّخيرة، مستميلا لمعاصريه من الملوك. تولّى الملك بعد أخيه بوادي السّقائين من ظاهر الخضراء، ضحوة يوم الأربعاء الثالث عشر من ذي الحجة عام ثلاثة «4» وثلاثين وسبعمائة، وسنّه إذ ذاك خمسة عشر عاما وثمانية أشهر. واستقلّ «5» بالملك، واضطلع بالأعباء، وتملّأ الهدنة ما شاء. وعظم مرانه لمباشرة الألقاب، ومطالعة الرسم، فجاء نسيج وحده، ثم عانى شدائد العدو، فكرم يوم الوقيعة العظمى بظاهر طريف موقعه «6» ، وحمد بعد في منازلة الطّاغية عند الجثوم على الجزيرة «7» صبره، وأجاز البحر في شأنها، فأفلت من مكيدة العدو التي تخطّاها أجله، وأوهن حبلها «8» سعده. ولما نفذ فيها «9» القدر، وأشفت الأندلس، سدّد الله أمور «10» المسلمين بها على يده، الجزء: 4 ¦ الصفحة: 280 وراخى مخنّق الشّدة بسعيه، فعرفت الملوك رجاحته، وأثنت على قصده، إلى حين وفاته «1» . أمه: أم ولد تسمى بهارا، طرف في الخير والصون والرجاحة. ولده: كان له ثلاثة من الولد، كبيرهم محمد أمير المسلمين من بعده، وتلوه أخوه إسماعيل «2» المستقر في كنفه، محجورا عليه التصرف إلى أعمال التدبير، وثالثهم اسمه قيس، شقيق إسماعيل. وزراء دولته: تولّى وزارته لأول أمره، كبير الأكرة ونبيه الدهّاقين «3» ، من منتجعي المدر بحضرته، أبو إسحاق بن عبد البر، لمخيّلة طمع نشأت لمقيمي الدولة فيما بيده، سدّا لحال بها على عوز طريقه إلى حضرته، إلى ثالث شهر المحرم من العام. وأنف الخاصة والنبهاء رياسته، فطلبوا من السلطان إعاضته، فعدل عنه إلى خاصة دولتهم الحاجب أبي النعيم رضوان «4» ، مظنّة التّسديد، ومحطّ الإنفاق، فاتصل نظره مستبدا عليه، في تنفيذ الأمور، وتقديم الولاة والعمال، وجواب المخاطبات، وتدبير الرعايا، وقود الجيوش. ثم نكبه «5» ، وأحاط به مكروها، مجهول السبب، ليلة الأحد الثاني والعشرين لرجب عام «6» أربعين وسبعمائة. وتولّى الوزارة بعده، ابن عمة أبيه القائد «7» أبو الحسن علي بن مول بن يحيى بن مول الأمي، ابن عم وزير أخيه، رجل جهوري حازم؛ مؤثر للغلظة على الشّفقة «8» ، ولم ينشب أن كفّ استبداده، فانكدر نجم سعادتهم، والتأثث حاله، ولزمته شكاية سدكت فاستنقذته «9» . وأقام لرسم «10» الوزارة كاتبه شيخنا نسيج وحده أبا الحسن بن الجياب إلى أخريات شوال عام «11» تسعة وأربعين وسبعمائة. وهلك، رحمه الله، فأجري لي الرّسم، وعصّب لي تلك المثابة، مضاعف الجراية، معزّزة بولاية القيادة. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 281 كتّابه: تولّى كتابته كاتب أخيه وأبيه، شيخنا المذكور إلى حين وفاته. وقلّدني كتابة سرّه مثنّاة بمزيد قربه، مظفّرة برسم وزارته. قضاته: تولّى «1» أحكام القضاء، قاضي أخيه الصّدر البقيّة، شيخنا أبو عبد الله محمد بن يحيى بن بكر «2» إلى يوم الوقيعة الكبرى بطريف، وفقد في مصافّه، وتحت لوائه «3» . وتولى «4» القضاء الفقيه المفتي البقيّة أبو عبد الله محمد بن عيّاش «5» ، من أهل مالقة أياما، ثم طلب الإعفاء، فأسعف عن أيام تقارب أسبوعا، وولّي مكانه الفقيه أبو جعفر أحمد بن محمد بن برطال من أهل مالقة، فسدّد الخطّة، وأجرى الأحكام، إلى الرابع من شهر ربيع الآخر عام ثلاثة وأربعين وسبعمائة. وقدّم «6» عوضا عنه، الفقيه الشريف الصّدر الفاضل أبو القاسم محمد بن أحمد الحسيني السّبتي المولد والمنشأ «7» ، الطالع على أفق حضرته في أيام أخيه، النازع إلى إيالتهم النصرية، معدودا في مفاخر أيامها، مشارا إليه بالبنان عند اعتبار أعلامها؛ ثم عزله لغير جرمة تذكر، إلّا ما لا ينكر وقوعه، مما تجره تبعات الأحكام. وولّي الخطة شيخنا نسيج وحده الرّحلة البقية أبا البركات بن الحاج، شيخ الصّقع، وصدر الجلّة. واستمرّ قاضيا إلى ... «8» وأربعين وسبعمائة. ثم أعاد إليها القاضي المفوض هونه، الشريف الفاضل، أبا القاسم، إلى يوم وفاته. رئيس الغزاة ويعسوب الجند الغربي: تولّى ذلك لأول الأمر الشيخ أبو ثابت عامر بن عثمان بن إدريس بن عبد الحق، قريع دهره في النكراء والدهاء، المسلّم له في الرتبة، عتاقة ورأيا وثباتا، إلى أن نكبه، وقبض عليه وعلى إخوته، يوم السبت التاسع والعشرين من ربيع الأول، عام أحد وأربعين وسبعمائة. وأقام شيخا ورئيسا، دائلهم وابن عمّهم، المتلقّف لكرة عزّهم يحيى بن عمر بن رحّو، ولي ذلك بنفسه ونديمه ومبرز خصاله إلى تمام مدته. من كان على عهده من الملوك: وأولا بفاس دار الملك بالمغرب، السلطان المتناهي الجلالة، أبو الحسن علي بن عثمان بن يعقوب بن عبد الحق. وجاز على عهده إلى الأندلس، إثر صلاة الجزء: 4 ¦ الصفحة: 282 يوم الجمعة تاسع عشر «1» صفر، من عام أحد وأربعين وسبعمائة، بعد أن أوقع بأسطول الروم، المستدعى من أقطارهم، وقيعة كبيرة شهيرة، استولى فيها من المتاع والسلاح والأجفان، على ما قدم «2» به العهد، واستقر بالخضراء في جيوش «3» وافرة، وكان جوازه، في مائة وأربعين جفنا غزويا. وبادر إلى لقائه، واجتمع به في وجوه الأندلسيين وأعيان طبقاتهم بظاهر الجزيرة الخضراء، في اليوم الموفي عشرين من الشهر المذكور «4» . ونازل إثر انقضاء المولد النّبوي، مدينة طريف، ونصب عليها المجانيق، وأخذ بمخنّقها، واستحثّ من بها من المحصورين طاغية الروم «5» ، فبادر يقتاد «6» جيشا يجرّ «7» الشّجر والمدر. وكانت المناجزة يوم الاثنين السابع لجمادى الأولى من العام. ومحّص «8» المسلمون بوقيعة هائلة، أتت «9» على النفوس والأموال والكراع، وهلك فيها بمضرب الملك جملة من العقائل الكرام، فعظمت الأحدوثة، وجلّت المصيبة، وأسرع اللّحاق بالمغرب مفلولا في سبيل الله، محتسبا يروم الكرّة. وكان ما هو معلوم من إمعانه في حدود الشّرق، عند إحكام المهادنة بالأندلس، وتوغّله في بلاد إفريقية، وجريان حكم الله عليه بالهزيمة، ظاهر القيروان التي لم ينتشله الدهر بعدها، وعلقت آمال الخلق بولده، مستحق الملك، من بين سائر إخوته، وهلك على تفئة لحاقه «10» بأحواز مراكش، ليلة الأربعاء السادس والعشرين لربيع الأول عام اثنين وخمسين وسبعمائة، فاختار الله له ما عنده «11» ، بعد أن بلغ من بعد الصيت، وتعظيم الملوك له، وشهرة الذكر، ما لم يبلغه سواه. ونحن نجلب دليلا على فضله، والإشادة بفخره، نسخة العقد الذي تضمن هديته إلى صاحب الديار المصرية، صحبة الرّبعة الكريمة بخطه، وذلك قبّة من مائة بنيقة، وفيها أربعة أبواب، وقبّة أخرى من ستة وثلاثين بنيقة؛ داخلها حلة محلوقة ووجهها حرير أبيض، وركيزها أبنوس وعاج مرصع، والأهار فضة مذهبة، والشرائط حرير. وضربت القبّتان بالصفصيف، وحلّ فيها جميع الهدية. وصفّفت جميع الدواب الجزء: 4 ¦ الصفحة: 283 بجهازاتها أمام القبة، من الخيل ثلاثمائة، وخمسة وثلاثون من البغل بين ذكور وأناث، ومن الجمال سبعمائة، إلا أنها لم تصفّف، بل أعدّت لحمل الهدية، ومن البزاة الأحرار أربعة وثلاثون، ومن أحجار الياقوت مائتان وخمسة وعشرون، ومن قطب الزمرد مائة وثمانية وعشرون، ومن حبوب الجوهر الفاخر أكثره، ثلاثة آلاف وأربعة وستون. ومن أحجار الزبرجد ثمانية وعشرون، ومن المهنّدات بحلية الذهب عشرة، ومن أزواج مهاميز الذهب عشرة، ومن أزواج الأركب عشرة؛ واحد كله ذهب، وثلاثة كلها فضة، وستة من حبحبة مذهبة على الحديد، واثنان من اللضمات من ذهب، وشاشية مذهبة، وحلل: ثلاث عشرة، وعشر كلل ومخاد حلة. وتوق ذهب: مائتان، واشتراق ذهب: عشرون. وقدود: ستة وأربعون. وفرش جلّة. وعشر علامات معشّشة. وعشر وقايات مذهّبة. وثلاثون من وجوه اللّحف حرير وذهب. ومائتان من المحررات الملونة الرفيعة المختمة. وحيطيان أحدهما حلة والآخر طوق. وثلاثة وعشرون شّقة من الرهاز. واثنان من هنابل الحلة. وعشرة براقع للخيل، منها ثمانية من الحلة. ومن أسلة الخيل ثلاثون، وثلاثة طنافس من الحرير. وهنابل حرير: اثنان. وعشرة هنابل من الحرير والصوف. وهنابل وانشريشية وزمورية: مائة وسبعة. وأربعة آلاف من الجلد التركي والأغماتي. ومن درق اللّمط المثمنة مائتان. ومن الأكسية المحررة أربعة وعشرون. ومن البرانس المحررة ثمانية. ومن الأحارم ما بين محررة وصوف عشرون. ومن أزواج المحفف خمسون. وعشر لزمات من الفضة. وست عشرة شقة من الملف. وأما أزودة الحجاج فأعطى للحرة المكرمة أخته، أعزّها الله، ثلاثة آلاف دنير من الذهب، ومائتي كسوة برسم العرب. ولمن سافر معها ستمائة وسبعين. ولأبي إسحاق بن أبي يحيى ثلاثمائة من الذهب وكسوة رفيعة. ولعريفه يحيى السويدي ألف دنير من الذهب. إلى العدد الكثير من الذهب العين برسم الوصفان والخدام، ولرسوم التحبيس على قراء الرابعة الكريمة، ستة عشر ألفا وخمسمائة دنير. انتهى. وكان هذا السلطان، رحمه الله، ممّن دوّخ الأقطار، وجاهد الكفار، ووطئ بالأساطيل خدود البحار، والتمس ما عند الله من الثواب، وأعلق يده من نسخ كتابه بأوثق الأسباب، إلى أن «1» استوسق الأمر لولده، أمير المؤمنين بالمغرب وما إليه، فارس المكني بأبي عنان، الملقب «2» بالمتوكل على الله. فقام بالأمر أحمد قيام. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 284 وجرت بين هذا السلطان وبينه المخاطبات والمراسلات. وسفّرني «1» إليه لأول الأمر، معزّيا «2» بأبيه، ومهنّئا بما صار إليه من ملكه، واستصحبت إليه كتابا من إنشائي، نجليه بحول الله، تجميما لمن يقف على هذه الأخبار، وإن اقتحمتها ثبج الإكثار، وهو: المقام الذي رسخت منه في مقامي الصّبر والشكر قدم، فلا يغيره وجود لا يروعه عدم، وصدقت منه في كتاب المجد عزمة لم يختلجها وهن ولا ندم، حتى تصرفت بحكم معاليه، أيام دهره ولياليه، هو ولدان وهذه خدم. مقام محل أخينا الذي إن جاشت النوائب، وسعها صدره، أو عظمت المواهب، ترفع عنها قدره، أو أظلمت الكروب جلاها بدره. أو تألبت الخطوب هزمها صبره، أو أظلّت سحائب النعم أسدرها حمد الله وشكره، أو عرضت عقود الحمد في أسواق المجد أغلاها فجره، أو راقت حلل الصنائع طرّزها ذكره، أو طبّقت سيوف الناس أغمدها صفحه، وسلّها قهره. السلطان الكذا أبقاه الله ضاحك السعد كلما بكت عين، مجموع الشّمل كلما أزف بين، واري الزّند إذا اقتضى دين، محمي الذّمار بانفساح الأعمار كلما أغار على الأحياء حين. ولا زال يقيد منه شكر الله نعما ما في وعدها ليّ ولا في قولها مين، ويلبس منها حللا تقواه في عواتقها زين. مساهمة في كل خطب غمّ، أو فضل من الله عمّ، ومقاسمة في كل ما ألمّ. وتهنئة بالملك الذي خلص وتمّ، فلان. أما بعد حمد الله الذي جعل الصّبر في الحوادث حصنا منيعا، والشكر يستدعي المزيد من النعم سريعا، فمتى أعملت للصبر دعوة كان بها الأجر سميعا، ومتى رفعت من الشكر رقعة كان المزيد عليها توقيعا، والصلاة على سيدنا ومولانا محمد رسوله الذي بوّأنا من السعادة جنابا مريعا، وبين له حدود أوامره ونواهيه فطوبى لمن كان مطيعا، وكان لنا في الدنيا هاديا ونجده في الآخرة شفيعا، والرضا عن آله وصحبه الذين كانوا على العداة قيظا وللعفاة ربيعا، فحلّوا من الاقتداء به فيما ساء وسرّ وأحلى وأمرّ مقاما رفيعا. وخفض عليهم مضاضة فقده، مثابرتهم على ضمّ شمل المسلمين من بعده، اقتداء بقوله سبحانه: واعتصموا بحبل الله جميعا. والدّعاء لمقامكم الأسمى بالنصر الذي يشكر منه الجياد والبيض الحداد صنيعا، وتشرح منه ألسن الأقلام تهذيبا وتقريعا، والصبر الذي زرافات الأجر قطيعا فقطيعا. فإنا كتبناه الجزء: 4 ¦ الصفحة: 285 إليكم، كتب الله لكم من حظوظ الخير أوفرها عددا، وأقطعكم من خطط السّعد أبعدها مدا. وأتبعكم من كتائب العز أطولها يدا، وخوّلكم من بسطة الملك ما لا يبيد أبدا، وألهمكم من الصبر لما تقدّمونه فتجدونه غدا. من حمراء غرناطة، حرسها الله، وعندنا من الاعتداد في الله أسباب وثيقة، وأنساب صدق في بحبوحة الخلوص عريقة، ومن الثناء عليكم حدائق روض لا تحاكيها حديقة، ومن المساهمة لكم في شتّى الأحوال مقاصد لا تلتبس منها طريقة، ومن السّرور بما سناه الله لكم نعم بشكر الله عزّ وجلّ خليقة. وإلى هذا، أيّدكم الله بنصره، وحكم لمقامكم بشدّ أزره، وإعلاء أمره، فإنّنا ورد علينا الخبر الذي قبض وبسط، وجار وأقسط، وبخس ووفى، وأمرض وشفى، وأضحى وظلّل، وتجهّم وتهلّل، وأمرّ وأحلى وأساء ثم أحسن، وبشّر بعد ما أحزن، خبر وفاة والدكم، محلّ أبينا، السلطان العظيم القدر، الكبير الخطر، قدّس الله طاهر تربته، وكرّم لحده، كما أحيا بكم معالم مجده. فيا له من سهم رمى أغراض القلوب فأثبتها، وطرق مجتمعات الآمال فشتّتها. ونعى إلى المجد إنسان عينه وعين إنسانه، وإلى الملك هيولى أركانه، وإلى الدين ترجمة ديوانه، وإلى الفضل عميد إيوانه. حادث نبّه العيون من سنة غرورها، وذكّر النفوس بهم أمورها. وأشرق المحاجر بماء دموعها، وأضرم الجوانح بنار ولوعها. وبيّن أن سراب الآمال سراب، وأنّ الذي فوق التّراب تراب. فمن تأمل الدنيا وطباعها، والأيام وإسراعها، والحوادث وقراعها، بدا له الحقّ من المين، واستغنى عن الأثر بالعين. فشأنها أن لا تفترّ عن سهم تسدّده إلى غرض، وصحّة تعقبها بمرض، وجوهر ترميه بعرض. وداء للموت قديم، وقربه لا يبقي عليه أديم، وكأسه يشربها موسر وعديم. دبّت إلى كسرى الفرس عقاربه، فلم تمنعه أساورته ولا مرازبه. وقصر قيصر على حكمه فكدّرت مشاربه، وأتبر سيف بن ذي يزن عمدانه فلم ترعه مضاربه، وأردى تبّعا فلم يكن في أتباعه من يحاربه. لم تدافع عنهم الجنود المجنّدة، ولا الصّفاح المهنّدة، ولا الدّروع المحكمة، ولا النّياب المعلمة. ولا الجياد الجرد المسوّمة، ولا الرّماح المثقّفة المقومة. كلّ قدّم على ما قدّم. وجّد إلى ما أعدّ. جعلنا الله ممن يسّر لسفره زادا، وقدّم بين يديه رباطا شافعا لديه وجهادا. ووثّر لنفسه بمناصحة الله والمؤمنين في أعلى عليين مهادا، وطوّق المسلمين عدلا وفضلا وإمدادا. غير أن هذا الفاجىء الذي فجع، ومنع القلوب أن تقرّ والعين أن تهجع، غمرته البشرى، وغلبته المسرّة الكبرى، وعارضته من بقائكم الآية المحكمة الأخرى، فاضمحلّ من بعد الرّسوخ، وصار ليله في حكم المنسوخ. ما كان من استخلاصكم الملك الذي أنتم أهله، واحتيازكم المجد الذي أشرق بكم الجزء: 4 ¦ الصفحة: 286 محلّه. وكيف بسهم أخطأ ذاتكم الشريفة، أن يقال فيه: أصمى وأجهز، والأمل بعد بقائكم أن يقال فيه: تعذّر أو أعوز. إنما الآمال ببقائكم للملإ منوطة، وسعادة الإسلام بحياتكم المتّصلة مشروطة. ومنها: فأي ترح يبقى بعد هذا الفرح، وأي كسل ينشأ بعد هذا المرح. إن أفل البدر، فقد تبلّج الفجر، أو غاض النّيل فقد فاض البحر. وإن مال فلك الملك فقد عاد إلى مداره، وإن أذنب الدّهر فقد أحسن ما شاء في اعتذاره. إنما هذا الخطب وهنّ أعقبه ضوء النهار، وسطعت بعده أشعة الأنوار، وصمصامة أغمدت وسلّ من بعدها ذو الفقار. ومنها: وإنّنا لما ... «1» عن حقّه ورصدنا طالعه في أفقه قابلنا الواقع بالتّسليم، والمنحة الرّادفة بالشكر العظيم، وأنسنا في غمام الهدنة ربّ هذا الإقليم. وقلنا استقرّ الحق ووضحت الطرق، وهوى الرّائد وصدق البرق، وتقرّرت القاعدة وارتفع الفرق، واستبشر بإبلال المغرب أخوه الشّرق. وثابت آمال أولي الجهاد إلى اقتحام فرضة المجاز، وأولي الحج إلى مرافقه ركب الحجاز، وآن للدنيا أن تلبس الحلى العجيبة بعد الابتزاز. والحمد لله الذي زيّن بكم أفق الملك، وكيّف بسعدكم نظم ذلك السّلك. وهنّأ الله إيالتكم العباد والبلاد، والحجّ والجهاد. وصدّق الظنون الذي في مقامكم الذي جاز في المكارم الآماد. بادرنا، أيّدكم الله، من برّكم إلى غرضين، وقمنا من حقّ عزائكم وهنائكم بواجبين مفترضين وشرعنا ومن لدينا أن نباشر بالنفوس هذين القصدين. إلّا أننا عاقنا عن ذلك ما اتصل بنا من العدوّ الذي بلينا بجواره، ورمينا بمصابرة تيّاره، وإلّا فهذا الغرض قد كنّا لا نرى فيه بإجراء الاستنابة، ولا نحظى غيرنا بزيارة تلك المثابة. فليصل الفضل جلالكم، ويقبل العذر كمالكم. وإذا كان الاستخلاف مما تحتمله العبادة، ولا ينكره عند الضرورة العرف والعادة، فأحرى الأخوة والودادة، والفضل والمجادة. فتخيرنا جهدنا، واصطفينا لباب اللّباب فيمن عنادنا، فعينّا فلانا. واتصلت أيامه إلى آخر مدته. وبمدينة «2» تلمسان: عبد الرحمن بن موسى بن عثمان بن يغمراسن بن زيّان، يكنى أبا تاشفين. وقد تقدم «3» ذكره، وهو الذي انقضى ملك بني زيّان على يده «4» . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 287 تولّى الملك عام ثمانية عشر كما تقدم، وتهنّأه إلى أن تأكّدت الوحشة بينه وبين السلطان ملك المغرب، فتحرّك لمنازلته، وأخذ بكظمه «1» ، وحصره سنين ثلاثا، واقتحم عليه ملعب البلدة ليلة سبع وعشرين من رمضان عام سبعة «2» وثلاثين وسبعمائة. وفي غرّة شوال منها، دخل «3» البلد من أقطاره عنوة، ووقف هو وكبير ولده برحبة قصره، قد نزعا لام الحرب المانعة من عمل السلاح استعجالا للمنيّة ورغبة في الإجهاز، وقاما مقام الثّبات والصبر والاستجماع، إلى أن كوثرا وأثخنا، وعاجلتهما «4» منيّة العزّ قبل شدّ الوثاق، وإمكان الشّمات، واستولى على الملك «5» ملك المغرب. وفي ذلك قلت من الرّجز المسمى بقطع السلوك في الدول الإسلامية، مما يخص «6» ملوك تلمسان، ثم أميرها عبد الرحمن هذا «7» : [الرجز] وحلّ فيها عابد الرحمن ... فاغترّ بالدنيا وبالزمان وسار فيها مطلق العنان ... من مظهر سام إلى جنان كم زخرفت «8» علياه من بنيان ... آثاره تنبي عن العيان وصرف العزم إلى بجايه ... فعظمت في قومها النّكايه حتى ما إذا مدّة الملك انقضت ... وأوجه الأيام عنهم أعرضت وحقّ حقّ الدهر فيها ووجب ... وكتب الله عليها ما كتب حثّ إليها السير ملك المغرب ... يا لك من ممارس مجرّب فغلب القوم بغير عهد ... بعد حصار دائم وجهد فأقفرت من ملكهم أوطانه ... سبحان من لا ينقضي سلطانه ثم نشأت لهم بارقة، لم تكد تقد حتى خبت «9» ، عندما جرت على السلطان أبي الحسن الهزيمة بالقيروان؛ وانبتّ عن أرضه، وصرفت البيعة في الأقطار إلى ولده، وارتحل إلى طلب منصور ابن أخيه، المنتزي «10» بمدينة فاس، فدخلوا تلمسان، وقبضوا على القائم بأمرها، وقدّموا على أنفسهم عثمان بن يحيى بن عبد الرحمن بن يغمراسن، المتقدم الذكر في رسم عثمان، وذلك في الثامن والعشرين لجمادى الآخرة الجزء: 4 ¦ الصفحة: 288 من عام تسعة وأربعين وسبعمائة. واستمرت أيامه أثناء الفتنة وارتاش، وأقام رسم الإمرة، وجدّد ملك قومه. واستمرت حاله إلى أن أوقع بهم ملك «1» المغرب، أمير المسلمين أبو عنان الوقيعة المصطلمة «2» التي خضدت الشوكة، واستأصلت الشّأفة. وتحصّل عثمان في قبضته. ثم ألحقت النكبة به أخاه «3» ، فكانت سبيلهما في القتل صبرا عبرة، وذلك في وسط ربيع الأول من عام التاريخ. وبتونس: الأمير أبو يحيى أبو بكر ابن الأمير أبي زكريا ابن الأمير أبي إسحاق ابن الأمير أبي زكريا «4» ، إلى أن هلك. وولي الأمر «5» ولده عمر، ثم ولده أحمد، ثم عاد الأمر إلى عمر. ثم استولى ملك المغرب السلطان أبو الحسن على ملكهم. ثم ضمّ نشرهم بعد نكبته وخروجه عن وطنهم على أبي إسحاق بن أبي بكر. ومن ملوك النصارى بقشتالة: ألفنش «6» بن هرنده بن دون جانجه بن ألفنش المستولي على قرطبة، ابن هرنده المستولي على إشبيلية، إلى عدد جمّ. وكان «7» طاغية مرهوبا، وملكا مجدودا. هبّت له الريح، وعظمت به إلى المسلمين النكاية. وتملّك الخضراء بعد أن أوقع بالمسلمين الوقيعة الكبرى «8» العظمى بطريف. ثم نازل جبل الفتح، وكاد يستولي «9» على هذه الجزيرة، لولا أن الله تداركها بجميل صنعه وخفيّ لطفه، لا إله إلّا هو. فهلك بظاهره في محلّته حتف أنفه ليلة عاشوراء من عام أحد وخمسين وسبعمائة، فتنفس المخنّق، وانجلت الغمّة، وانسدل السّتر. كنت منفردا بالسلطان، رحمه الله، وقد غلب اليأس، وتوقّعت الفضيحة، أؤنسه بعجائب الفرج بعد الشدة، وأقوي بصيرته في التماس لطف الله، وهو يرى الفرج بعيدا، ويتوقع من الأمر عظيما. وورد الخبر بمهلكه، فاستحالت الحال إلى ضدها من السّرور والاستبشار، والحمد لله على نعمه. وفي ذلك قلت «10» : [الطويل] ألا حدّثاني «11» فهي أم الغرائب ... وما حاضر في وصفها مثل غائب الجزء: 4 ¦ الصفحة: 289 ولا تخليا منها على خطر «1» السّرى ... سروج المذاكي أو ظهور النّجائب «2» أيوسف، إنّ الدهر أصبح واقفا ... على بابك المأمول موقف تائب دعاؤك أمضى من مهنّدة الظّبا ... وسعدك أقضى من سعود الكواكب سيوفك في أغمادها مطمئنة ... ولكنّ سيف الله دامي «3» المضارب فثق بالذي أرعاك أمر عباده ... وسل فضله فالله أكرم واهب لقد طوّق الأذفنش سعدك خزية ... تجدّ على مرّ العصور الذواهب وفّيت وخان العهد في غير طائل ... وصدّق أطماع الظنون الكواذب هوى في مجال العجب غير مقصّر ... وهل نهض العجب المخل براكب؟ وغالب أمر الله جلّ جلاله ... ولم يدر أنّ الله أغلب غالب ولله في طيّ الوجود كتائب ... تدقّ وتخفى عن عيون الكتائب تغير على الأنفاس في كل ساعة ... وتكمن حتى في مياه المشارب فمن قارع في قومه سنّ نادم ... ومن لاطم في ربعه خدّ نادب مصائب أشجى وقعها مهج العدا ... وكم نعم في طيّ تلك المصائب شواظّ أراد الله إطفاء ناره ... وقد نفج الإسلام من كل جانب وإن لم يصب منه السلاح فإنّما ... أصيب بسهم من دعائك صائب ولله من ألطافه في عباده ... خزائن ما ضاقت لمطلب طالب فمنهما غرست الصّبر في تربة الرضا ... بأحكامه فلتجن حسن العواقب ولا تعدّ الأمر البعيد وقوعه ... فإن الليالي أمّهات العجائب وهي «4» طويلة سهلة؛ على ضعف كان ارتكابه مقصودا في أمداحه. وببرجلونة «5» : السلطان بطره المتقدم ذكره في اسم أخيه. ومن الأحداث «6» في أيامه الوقيعة الكبرى بظاهر طريف، يوم الاثنين السابع من جمادى الأولى، من عام أحد وأربعين وسبعمائة، وما اتصل بذلك من منازل الطاغية الجزء: 4 ¦ الصفحة: 290 ألهنشه قلعة يحصب الماسة الجوار من حضرته، واستيلائه عليها، وعلى باغة. ثم منازلة الجزيرة الخضراء عشرين شهرا، أوجف خلالها بجيوش المسلمين من أهل العدوتين إلى أرضه. ثم استقرّ منازلا إياها إلى أن فاز بها قداحه، والأمر لله العلي الكبير، في قصص يطول ذكره، تضمن ذلك «طرفة العصر» من تأليفنا. ثم تهنأ السلم، والتحف جناح العافية والأمنة برهة، رحمه الله. وفاته «1» : وما استكمل أيام حياته، وبلغ مداه، أتمّ ما كان شبابا واعتدالا وحسنا وفخامة وعزّا، حتى أتاه أمر الله من حيث لا يحتسب، وهجم «2» عليه يوم عيد الفطر، من عام خمسة وخمسين وسبعمائة، في الركعة الأخيرة، رجل من عداد الممرورين «3» ، رمى بنفسه عليه، وطعنه بخنجر كان قد أعدّه «4» ، وأغرى بعلاجه، وصاح، وقطعت الصلاة، وقبض عليه، واستفهم، فتكلم بكلام مخلّط، واحتمل إلى منزله، على فوت لم يستقر به، إلّا وقد قضى، رحمه الله ورضي عنه، وأخرج ذلك الخبيث «5» للناس، وقتل وأحرق بالنار، مبالغة في التشفي، ودفن السلطان عشية اليوم في مقبرة قصره لصق والده «6» ، وولي أمره ابنه أبو عبد الله محمد، وبولغ في احتفال قبره، بما أشف على من تقدمه، وكتب عليه ما نصه: «هذا قبر السلطان الشهيد، الذي كرمت أحسابه وأعراقه، وحاز الكمال خلقه وأخلاقه، وتحدّث بفضله وحلمه شام المعمور وعراقه، صاحب الآثار السّنيّة، والأيام الهنيّة، والأخلاق الرضيّة، والسير المرضيّة. الإمام الأعلى، والشّهاب الأجلى، حسام الملة، علم الملوك الجلّة، الذي ظهرت عليه عناية ربّه، وصنع الله له في سلمه وحربه. قطب الرّجاحة والوقار، وسلالة سيّد الأنصار، حامي حمى الإسلام برأيه ورايته، المستولي في «7» ميدان الفخر على غايته، الذي صحبته عناية الله في بداية أمره وغايته، أمير المسلمين أبي الحجاج يوسف ابن السلطان الكبير، الإمام الشهير، أسد دين الله، الذي أذعنت الأعداء لقهره، ووقفت الليالي «8» والأيام عند نهيه وأمره. رافع ظلال العدل في الآفاق، حامي حمى السّنة بالسمر الطوال والبيض الرّقاق، مخلّد صحف الذّكر الخالد والعزّ الباقي، الشّهيد السعيد المقدس أبي الوليد، ابن الهمام الأعلى الطاهر النسب والذات، ذي العز البعيد الغايات، والفخر الواضح الآيات، كبير الخلافة النصرية، وعماد الدولة الغالبيّة، المقدس الجزء: 4 ¦ الصفحة: 291 المرحوم أبي سعيد فرج بن إسماعيل بن نصر، تغمّده الله برحمة من عنده، وجعله في الجنّة جارا لسعد بن عبادة جدّه، وجازى عن الإسلام والمسلمين حميد سعيه، وكريم قصده. قام بأمر المسلمين أحمد القيام، ومهّد لهم الأمن من «1» ظهور الأيام، وجلّى لهم وجه العناية مشرق القسام، وبذل فيهم من تواضعه وفضله كل واضح الأحكام، إلى أن قضى الله بحضور أجله، على خير عمله، وختم له بالسعادة، وساق إليه على حين إكمال شهر الصوم هديّة الشهادة. وقبضه ساجدا خاشعا، منيبا إلى الله ضارعا، مستغفرا لذنبه، مطمئنا في الحالة التي أقرب ما يكون العبد فيها من ربّه. على يد «2» شقيّ قيضه الله لسعادته، وجعله سببا لنفوذ سابق مشيئته وإرادته، خفي مكانه لخمول قدره، وتمّ بسببه أمر الله لحقارة أمره، وتمكّن له عند الاشتغال بعبادة الله، ما أضمره من غدره، وذلك في السجدة الأخيرة من صلاة العيد، غرة شوال، من عام خمسة وخمسين وسبعمائة، نفعه الله بالشهادة التي كرم منها الزمان والمكان، ووضح منها على قبول رضوان الله البيان، وحشره مع سلفه الأنصار الذين عزّ بهم الإيمان، وحصل لهم من النار الأمان. وكانت ولايته الملك في غرة اليوم الرابع عشر لذي الحجة من عام ثلاثة وثلاثين وسبعمائة. ومولده في الثامن والعشرين لربيع الآخر عام ثمانية عشر وسبعمائة. فسبحان من انفرد بالبقاء المحض، وحتّم الفناء على أهل الأرض، ثم يجمعهم إلى يوم الجزاء والعرض، لا إله إلا هو. وفي الجهة الأخرى من «3» النظم، وكلاهما من إملائي، ما نصه: [الطويل] يحيّيك بالريحان والروح من قبر ... رضى الله عمّن حلّ فيك مدى الدّهر إلى أن يقوم الناس تعنو وجوههم ... إلى باعث الأموات في موقف الحشر ولست بقبر إنما أنت روضة ... منعّمة الريحان عاطرة النّشر ولو أنني أنصفتك الحقّ لم أقل ... سوى يا كمام الزّهر أو صدف الدّرّ ويا ملحد التقوى ويا مدفن الهدى ... ويا مسقط العليا ويا مغرب البدر لقد حطّ فيك الرحل أيّ خليفة ... أصيل «4» المعالي غرّة في بني نصر لقد حلّ فيك العزّ والمجد والعلى ... وبدر الدّجا والمستجار لدى «5» الدهر الجزء: 4 ¦ الصفحة: 292 ومن كأبي الحجاج حامي حمى الهدى؟ ... ومن كأبي الحجاج ماحي دجا الكفر؟ إمام الهدى غيث النّدى دافع العدا ... بعيد المدى في حومة المجد والفخر سلالة سعد الخزرج بن عبادة ... وحسبك من بيت رفيع ومن قدر إذا ذكر الإغضاء والحلم والتّقى ... وحدّثت عن علياه حدّث عن البحر تخوّنه طرف الزمان وهل ترى ... بقاء لحيّ أو دواما على أمر؟ هو الدهر ذو وجهين يوم وليلة ... ومن كان ذا وجهين يعتب في غدر تولّى شهيدا ساجدا في صلاته ... أصيل التقى رطب اللسان من الذكر وقد عرف الشّهر المبارك حقّ ما ... أفاض من النّعمى ووفّى من البرّ وباكر عيد الفطر والحكم مبرم ... وليس سوى كأس الشهادة من فطر أتيح له وهو العظيم مهابة ... وقدرا حقير الذّات والخلق والقدر شقيّ أتته «1» من لدنه سعادة ... ومنكر قوم جاء بالحادث النّكر وكم من عظيم قد أصيب بخامل ... وأسباب حكم الله جلّت عن الحصر فهذا عليّ قد قضى بابن ملجم ... وأوقع وحشي بحمزة ذي الفخر نعدّ الرّماح المشرفيّة والقنا ... ويطرق أمر الله من حيث لا تدري ومن كان بالدّنيا الدّنية واثقا ... على حالة يوما فقد باء بالخسر فيا مالك الملك الذي ليس ينقضي ... ويا من إليه الحكم في النهي والأمر تغمّد بستر العفو منك ذنوبنا ... فلسنا نرجّي غير سترك من ستر فما عندك اللهمّ خير ثوابه ... وأبقى ودنيا المرء خدعة مغترّ ومما رثي به قولي في غرض ناء عن الجزالة، متحرّيا اختيار ولده «2» : [الكامل] العمر يوم «3» والمنى أحلام ... ماذا عسى أن يستمرّ منام «4» وإذا تحقّقنا لشيء «5» بدأة ... فله بما تقضي العقول تمام والنفس تجمع في مدى آمالها ... ركضا، وتأبي ذلك الأيام من لم يصب في نفسه فمصابه ... بحبيبه نفذت بذا الأحكام الجزء: 4 ¦ الصفحة: 293 بعد الشبيبة كبرة ووراءها ... هوم «1» ومن بعد الحياة حمام ولحكمة ما أشرقت شهب الدّجا ... وتعاقب الإصباح والإظلام دنياك يا هذا محلّة نقلة ... ومناخ ركب ما لديه مقام هذا أمير المسلمين ومن به ... وجد السّماح وأعدم الإعدام «2» سرّ الإمامة «3» والخلافة يوسف ... غيث الملوك وليثها الضّرغام قصدته عادية الزمان فأقصدت ... والعزّ سام والخميس لهام فجعت به الدنيا وكدّر شربها ... وشكى العراق مصابه والشام أسفا على الخلق الجميل كأنه «4» ... بدر الدّجنّة قد جلاه تمام أسفا على العمر الجديد كأنه ... غضّ «5» الحديقة زهره بسّام أسفا على الخلق الرّضيّ كأنها «6» ... زهر الرّياض همى عليه غمام أسفا على الوجه الذي مهما «7» بدا ... طاشت لنور جماله الأفهام يا ناصر الثّغر الغريب وأهله ... والأرض ترجف والسماء قتام يا صاحب الصّدمات «8» في جنح الدجا ... والناس في فرش النعيم نيام يا حافظ الحرم الذي بظلاله ... ستر الأرامل واكتسى الأيتام مولاي، هل لك للقصور زيارة ... بعد انتزاح الدار أو إلمام؟ مولاي، هل لك للعبيد تذكّر؟ ... حاشاك أن تنسى «9» لديك ذمام يا واحد الآحاد والعلم الذي ... خفقت بعزّة نصره «10» الأعلام وافاك أمر الله حين تكاملت ... فيك النّهى والجود والإقدام ورحلت عنّا الرّكب خير خليفة ... أثنى عليك الله والإسلام نعم الطريق سلكت كان رفيقه ... والزّاد فيه تهجّد وصيام وكسفت يا شمس المحاسن ضحوة ... فاليوم كيل «11» والضياء ظلام الجزء: 4 ¦ الصفحة: 294 وسقاك «1» عيد الفطر كأس شهادة ... فيها من الأجل الوحيّ «2» مدام وختمت عمرك بالصلاة فحبّذا ... عمل كريم سعيه وختام «3» مولاي، كم هذا الرقاد؟ إلى متى ... بين الصّفائح والتّراب تنام؟ أعد التحيّة واحتسبها قربة ... إن كان يمكنك الغداة كلام تبكي عليك مصانع شيّدتها «4» ... بيض كما تبكي الهديل حمام تبكي عليك مساجد عمّرتها ... فالناس فيها سجّد وقيام تبكي عليك خلائق أمّنتها ... بالسّلم وهي كأنها أنعام عاملت وجه الله فيما رمته ... منها فلم يبعد عليك مرام لو كنت تفدى أو تجار «5» من الرّدى ... بذلت نفوس من لدنك كرام لو كنت تمنع بالصّوارم والقنا ... ما كان ركنك بالغلاب يرام لكنه أمر الإله وما لنا ... إلّا رضى بالحكم واستسلام والله قد كتب الفنا على الورى ... وقضاؤه جفّت به الأقلام نم في جوار الله مسرورا بما ... قدّمت يوم تزلزل الأقدام واعلم بأن سليل ملك «6» قد غدا ... في مستقرّ علاك وهو إمام ستر «7» تكنّف منه من خلّفته ... ظلّ ظليل فهو ليس يضام كنت الحسام وصرت في غمد الثّرى ... ولنصر ملكك سلّ منه حسام خلّفت أمّة أحمد لمحمد ... فقضت بسعد الأمّة الأحكام فهو الخليفة للورى في عهده ... ترعى العهود وتوصل الأرحام أبقى رسومك كلّها محفوظة ... لم ينتثر منها عليك نظام العدل والشّيم الكريمة والتّقى ... والدّار والألقاب والخدّام حسبي بأن أغشى «8» ضريحك لائما ... وأقول والدمع السّفوح سجام الجزء: 4 ¦ الصفحة: 295 يا مدفن التّقوى ويا مثوى الهدى ... منّي عليك تحية وسلام أخفيت من حزني عليك وفي الحشا ... نار لها بين الضلوع ضرام ولو انني أدّيت حقّك لم يكن ... لي بعد فقدك في الوجود مقام وإذا الفتى أدّى الذي في وسعه ... وأتى بجهد ما عليه ملام وكتبت في بعض المعاهد التي كان يأنس بها رحمة الله عليه «1» : [السريع] غبت فلا عين ولا مخبر ... ولا انتظار منك مرقوب يا يوسف، أنت لنا يوسف ... وكلّنا في الحزن يعقوب يوسف بن عبد الرحمن بن حبيب بن أبي عبيدة بن عقبة ابن نافع الفهري «2» أوليته: كان عبد الرحمن أحد زعماء العرب بالأندلس، وكان ممن ثار منها من أصحاب بلج «3» عصبيّة لقتله، فخرج عن الأندلس إلى إفريقية، وجدّه عقبة بن نافع، هو الذي اختطّ قيروانها أيام معاوية بن أبي سفيان. قال عيسى بن أحمد: وهرب ابنه يوسف هذا من إفريقية إلى الأندلس مغاضبا له، أيام بشر بن صفوان الكلبي، فهوى الأندلس واستوطنها، فساد بها ثم تأمّر فيها. حاله: كان شريفا جليلا، حازما عاقلا، اجتمع عليه أهل الأندلس من أجل أنه قرشي، بعد موت أميرهم ثوابة بن سلامة، ورضي به الخيار من مضر واليمن، فدانت له الأندلس تسع سنين وتسعة أشهر، وكان آخر الأمراء «4» بالأندلس، وعنه انتقل سلطانها إلى بني أمية. وأشرك الصّميل «5» بن حاتم في أمره، فتركت لذلك نسبة الأمر له، وكانت الحرب التي لم يعرف بالمشرق والمغرب أشدّ جلادا ولا أصبر رجالا منها، واعتزلها يوسف تحرّفا، وقام بأمرها الصّميل، وانهزم اليمانيون واستلحموا ملحمة عظيمة، واستوسق الأمر ليوسف. وغزا جلّيقية فعظم في عدوّها الجزء: 4 ¦ الصفحة: 296 أثره. ولما تمّ له الأمر طرقه ما تقدم به الإلماع، من عبور صقر بني أمية عبد الرحمن الداخل في خبر طويل. والتقى بظاهر قرطبة سنة ثمان وثلاثين ومائة في ذي الحجة، وانهزم يوسف بن عبد الرحمن والصّميل، ولحقا بإلبيرة. وأتبعهما عبد الرحمن بن معاوية، فنازله، وقد تحصن بمعقل إلبيرة حصن غرناطة، وترددت بينهما الرّسل في طلب المهادنة والبقاء على الصلح. وتخلّى يوسف عن الدعوة، واستقرّ سكناه بقرطبة، وذلك في صفر سنة تسع وثلاثين ومائة، وأقبل معه في عسكره إلى قرطبة. وذكر أنه تمثّل عند دخوله عسكر عبد الرحمن ببيت جرور ابن ابنة النعمان «1» : [الطويل] فبتنا «2» نسوس الأمر «3» والأمر أمرنا ... إذا نحن فيهم سوقة نتنصّف فتبّا لدنيا لا يدوم نعيمها ... تقلّب ساعات بنا وتصرّف واستقرّ بقرطبة دهرا، ثم بدا له في الخلاف. ولحق بأحواز طليطلة، وأعاد عهد الفتنة، فاغتاله مملوكان له، وقتلاه، رحمه الله، في سنة اثنتين وأربعين ومائة. وأخبار يوسف بن عبد الرحمن معروفة، وهو محسوب من الأمراء الأصلاء بغرناطة، إذ كانت له قبل الإمارة بها ضياع يتردّد إليها. ومن غير الأصليين يحيى بن عبد الله بن محمد بن أحمد بن محمد ابن أحمد بن محمد بن أحمد بن أبي عزفة اللخمي الرئيس أبو زكريا وأبو عمرو ابن الرئيس أبي طالب ابن الرئيس أبي القاسم. كنّاه أبوه أبا عمرو، وغلبت عليه الكنية المعروفة. حاله: كان قيّما على طريقة أصحاب الحديث، رواية وضبطا وتقييدا وتخريجا، مع براعة خط، وطرف ضبط، شاعرا مجيدا مطبوعا، ذا فكاهة وحسن مجالسة. رأس بسبتة، بعد إجازته البحر من الأندلس والاحتلال بفاس، نائبا عن ملك المغرب السلطان أبي سعيد بن عبد الحق، لأمر متّ به إليه قبل استقلاله، ليس هذا موضع ذكره. ثم استبدّ بها مخالفا عليه، لأمر يطول شرحه، أجرى فيه موفّى الجانب من الخلع، باسلا مقداما، سكون الطائر، مثقّفا بخلال رئاسته، ضاما لأطرافها. ونازله الجزء: 4 ¦ الصفحة: 297 جيش المغرب، وبيد أميره ولده أبو القاسم مرتهنا، فأتيح له ظفر أجلى ليلة غربيات المحلّة، والأثر فيها، واستخلاص ولده. مشيخته: أخذ عن جماعة من أهل بلده وغيرهم، قراءة وسماعا وإجازة. فممن أخذ عنه من أهل بلده سبتة، أبو إسحاق الغافقي، وأبو عبد الله بن رشيد، وأبو الظفر المنورقي، وأبو القاسم البلفيقي، وأبو علي الحسن بن طاهر الحسيني، وأبو إسحاق التّلمساني، وأبو محمد عبد الله بن أبي القاسم الأنصاري، وأبو القاسم بن الشّاط. وبغرناطة لما قدم عليها، مغرّبا عن وطنه، عند تصيّره إلى الإيالة النّصرية من أيديهم، وسكناه بها، عن أبي محمد عبد المنعم بن سماك، وأبي جعفر بن الزبير، وأبي محمد بن المؤذن، وأبي الحسن بن مستقور، وغيرهم. ومن أهل ألمرية أبو عبد الله محمد بن الصايغ، وأبو عبد الله بن شعيب. ومن أهل مالقة الولي أبو عبد الله بن الطّنجالي، وأبو محمد الباهلي، وأبو الحسن بن منظور، وأبو الحسن بن مصامد. ومن أهل الخضراء، أبو جعفر بن خميس. ومن أهل بلّش أبو عبد الله بن الكماد. ومن أهل أرجبة «1» أبو زكريا البرشاني. ومن أهل بجاية أبو علي ناصر الدين المشدالي، وأبو عبد الله بن غربوز. ومن أهل فاس أبو عبد الله المومناني. ومن أهل تيزى أبو عبد الله محمد القيسي. وكتب له بالإجازة طائفة كبيرة من أهل المشرق، منهم قطب الدين القسطلاني. شعره: قال لي شيخنا أبو البركات: سألته، وأنا معه واقف بسور قصبة سبتة، أن يجيزني ويكتب لي من شعره، فكتب لي قطيعات منها في تهنئة السلطان أبي الجيوش يوم ولايته: [الكامل] الآن عاد إلى الإمامة نورها ... وارتاح منبرها وهشّ سريرها وبدا لنا من بعد طول قطوبها ... منها التهلّل واستبان سرورها وضعت أزمّتها بكفّ خليفة ... هو أصلها الأولى بها ونصيرها من معشر عرفت بطون أكفّهم ... بذل النّدى واللّاثمين ظهورها خرصانهم ووجوههم في ظلمة ال ... نّقع المثار نجومها وبدورها وسع الرعايا منه عدله ... لم يزل إليه قلوبهم ويصورها «2» حتى اغتدت بالحب فيه صدورها ... ملأى وأخلص في الولاء ضميرها الجزء: 4 ¦ الصفحة: 298 رام العداة لمجده كيدا فلم ... تنجح مساعتها وساء مصيرها وكذاك فعل الله فيمن كاده ... جهلا وغرّته المنى وغرورها مولاي، إنّا عصبة معروفة ... بالحبّ فيك صغيرها وكبيرها جئنا نقضّي من حقوقك واجبا ... نسدي المدائح «1» تارة ونبيرها ولقد خدمت مقامكم من قبلها ... بفرائد حسنا يعزّ نظيرها فاجذب بضبعي من حضيض مزارتي ... من «2» عرّست وعلى يديك مسيرها وافتكّني من أسر فرط خصاصة ... عنفت فلم يقصد سواك أسيرها لا زلت للإسلام تحمي أمّة ... دانته مما يتّقي ويجيرها وبقيت في عزّ وسعد شامل ... حتى يحين من الرفات نشورها وفي الإلغاز بالأقلام والمحبرة: [الوافر] وسرب ضمّهم دست ستير ... شباب ليس يفزعهم قتير قد اختصروا فلم يفرش سآد ... لمجلسهم ولم ينصب سرير لهم كأس إذا دارت عليهم ... فقد أزف التّرحّل والمسير وأفشوا سرّ ساقيهم «3» بلفظ ... مبين ليس يفهمه البصير وهزّت من رؤوسهم نشاطا ... وعند الصّحو يعروهم فتور فصاح إن تحلّلهم وإلّا ... فشأنهم التّلعثم والقصور صلاب حين تعجمهم ولكن ... إذا طعنوا فدمعهم غزير لهم عقل يلوم على القوافي ... لذلك «4» نومهم أبدا كثير طويلهم يطول العمر منه ... أخا نعب ويخترم القصير وهم لم يشف يوما «5» ... بغير القطع عضوهم الكبير فقل لي: من هم، لا زلت فردا ... دياجي المشكلات به تسير نكبته: تنظر في العبادلة في اسم أبيه «6» . مولده: سنة سبع وسبعين وستمائة. وفاته: عام تسعة عشر وسبعمائة، في شعبان، رحمه الله. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 299 يحيى بن علي بن غانية الصحراوي، الأمير أبو زكريا «1» حاله: كان بطلا شهما حازما، كثير الدهاء والإقدام، والمعرفة بالحروب، مجمعا على تقدمه. نشأ في صحبة الأمير بقرطبة محمد ابن الحاج اللّمتوني وولّاه مدينة إستجة، فهي أول ولايته. وليها يحيى، وتزوج محمد بن الحاج أمّه غانية بعد أبيه وكفله، وأقام معه بقرطبة، إلى أن كان من محمد ابن الحاج ما كان من مداخلة أشياخ مسّوفة على خلع محمد بن يوسف بن تاشفين عن الأمر، وصرف البيعة إلى يحيى الحفيد، الوالي في ذلك العهد بمدينة فاس، ولم يتمّ له الأمر، فأجلي عن نكبته. وانفصل يحيى بن غانية عن جماعته، وأقام متصرّفا في الحروب، معروف الحق والغناء، إلى أن اشتهرت بسالته وديانته، ورغب يديّر بن ورقا، صاحب بلنسية، من السلطان في توجيهه إليه، ليستعين به على مدافعة العدوّ، فأجيب إلى ذلك. فوصل يحيى بلنسية، وأقام بها ذابّا عن المسلمين، إلى أن توفي يدّير بن ورقا، فولّاه علي بن يوسف إياها وشرق الأندلس، فظهر غناؤه وجهاده، وهزم الله بها ابن رذمير الطّاغية منازلا إفراغة على يده، فطار ذكره، وعظم صيته، واشتهر سعده، وأسل عن البيضة دفاعه. أخبار عزمه: حكي عنه أنه تزوج في فتوّته امرأة من قومه شريفة جميلة، وقرّ بها عينا، ثم تركها وطلّقها، فسئل عن ذلك، فقال: والله ما فارقتها عن خلّة تذمّ، ولكن خفت أن أشتغل بها عن الجهاد. ولم يزل يدافع النصارى عن المسلمين بالأندلس، فهزم ابن رذمير، وأقلع محلاتهم عن مدينة الأشبونة، واستمسك به حال الأندلس. وولّي قرطبة وما إليها من قبل تاشفين بن علي بن يوسف، عام ثمانية وثلاثين وخمسمائة، فاستقامت الأمور بحسن سيرته، وظهور سعده، إلى صفر من عام تسعة وثلاثين. وكانت ثورة ابن قسي باكورة الفتنة. ولما خرج إلى لبلة، ثار ابن حمدين بقرطبة دار ملكه في رمضان من العام، واستباح قصره، وانطلقت الأيدي على قومه، وتمّ له الأمر. وبلغ يحيى الخبر، فرجع أدراجه إلى إشبيلية، فثار به أهلها، وناصبوه الحرب وأصابوه بجراحة، فلجأ إلى حصن مرجانة، فأقام به يصابر الهول، ويرقّع القنن. ثم تحرّك إليه جيش ابن حمدين، وكانت بينهما وقيعة انهزم فيها ابن حمدين، واستولى ابن غانية على قرطبة، في شعبان من عام أربعين، وتحصّن ابن حمدين بأندوجر ممتنعا بها. ونهض يحيى إلى منازلته، فاستعان ابن حمدين بملك الجزء: 4 ¦ الصفحة: 300 قشتالة، وأطمعه في قرطبة، فتحرّك إلى نصرته. ولما وصل أندوجر، أعذر يحيى في الدفاع والمصابرة، ثم انصرف بالجيش إلى قرطبة، وأخذ العدوّ في آثارهم، صحبة مستغيثه ابن حمدين. فنازل قرطبة، وامتنع ابن غانية بالقصر ومائليه من المدينة. وأدخل ابن حمدين النصارى قرطبة في عاشر ذي الحجة من عام أربعين، فاستباحوا المسجد، وأخذوا ما كان به من النواقيس «1» ، ومزقوا مصاحفه، ومنها زعموا مصحف عثمان، وأنزلوا المنار من الصّومعة، وكان كله فضّة، وحرقت الأسواق، وأفسدت المدينة، وظهر من صبر ابن غانية، وشدّة بأسه، وصدق دفاعه، ما أيأس منه. وكان من قدر الله، أن بلغ طاغية الروم يوم دخولهم قرطبة، اجتياز الموحّدين إلى الأندلس، فأجال طاغيتهم قداح الرأي، فاقتضى أن يهادن ابن غانية، ويتركه بقرطبة في نحر عدوّه من الموحدين، سدّا بينهم وبين بلاده. فعقدت الشروط، ونزل إليه ابن غانية فعاقده، واستحضر له أهل قرطبة، وقال لهم: أنا قد فعلت معكم من الخير، ما لم يفعله من قبلي، غلبتكم في بلدكم وتركتكم رعيّة لي، وقد ولّيت عليكم يحيى بن غانية، فاسمعوا له وأطيعوا. قال المؤرخ: وفخر الطاغية في ذلك اليوم بقومه، وقال: ولا يريبنكم أن تكونوا تحت يدي ونظري، فعندي كتاب نبيكم إلى جدّي. حدّث ابن أم العماد أبو الحسن، قال: حضرت، وأحضر حقّ من ذهب، فتح وأخرج منه كتاب من رسول الله صلى الله عليه وسلم، إلى قيصر ملك الروم، وهو جدّه بزعمه. والكتاب بخط علي بن أبي طالب. قال أبو الحسن: قرأته من أوله إلى آخره، كما جاء في حديث البخاري. وانصرف إلى بلاده، وانصرف ابن حمدين، فكان هلاكه بمالقة، بعد اضطراب كثير. واستقرّ ابن غانية بقرطبة الغادر به أهلها، فشرع في بنيان القصبة وسدّ عورتها، وسام أهلها الخسف وسوء العذاب، ووالى إغرامهم، واستعجل أمرهم، واتصل سلمه مع العدو إلى تمام أحد وأربعين وخمسمائة، وقد تملك الموحدون إشبيلية وما إليها. وضيّق عليه النصارى في طلب الإتاوة، واشتطّوا عليه في طلب ما بيده، ونزل طاغيتهم أندوجر وبه رجل يعرف بالعربي، واستدعى ابن غانية، فلمّا تحصّل بمحلّته، طلبه بالتخلّي عن بيّاسة وأبّدة، فكان ذلك. وتشاغل الموحدون بأمر ثائر نازعهم بالمغرب، فكلب العدو على الأندلس، فنازل الأشبونة وشنترين، وألمرية وطرطوشة ولا ردة وإفراغة، وطمع في استئصال بلاد الإسلام، فداخل ابن غانية سرّا من بإشبيلية من الموحّدين، ووصله كتاب خليفتهم بما أحبّ، وتحرك الطاغية في جيوش لا ترام. وطالب ابن غانية بالخروج عن جيّان وتسليمها إليه، وكاده، حسبما تقدم في اسم الجزء: 4 ¦ الصفحة: 301 عبد الملك بن سعيد. ونهض بعد هذه الكائنة إلى غرناطة، وهي آخر ما تبقى للمرابطين من القواعد ليجمع بها أعيان لمتونة ومسّوفة، في شأن صرف الأمر إلى الموحدين. وفاته: ولما وصل الأمير يحيى بن غانية إلى غرناطة أقام بها شهرين، وتوفي عصر يوم الجمعة الرابع عشر من شعبان عام ثلاثة وأربعين وخمسمائة، ودفن بداخل القصبة في المسجد الصغير، المتصل بقصر باديس بن حبّوس «1» ، مجاورا له في مدفنه، وعليه في لوح من الرخام تاريخ وفاته، والناس يقصدوه للتبرك به. يوسف بن تاشفين بن إبراهيم بن توقورت بن وريابطن ابن منصور بن مصالة بن أمية بن وايامى الصنهاجي ثم اللمتوني «2» يكنى أبا يعقوب ويلقب بأمير المسلمين. أوليته: ذكروا أن يحيى بن إبراهيم بن توقورت حجّ، وهو كبير قبيل الصحراويين في عشر الأربعين وأربعمائة، واجتاز على القيروان وهي موفورة بالعلماء، وتعرّف بالفقيه أبي عمران الفاسي، ورغب إليه أن ينظر له في طلب من يستصحبه، ليعلّم قومه ويفقههم، فخاطب له فقيها من فقهاء المغرب الأقصى اسمه واجاج، واختار له واجاج عبد الله بن ياسين القائم بدولتهم، البادي نظم نشرهم، وتأليف كلمتهم، فاجتمع عليه سبعون شيخا من نبهائهم ليعلمهم، فانقادوا له انقيادا كبيرا، وتناسل الناس، فضخم العدد، وغزا معهم قبائل الصحراء. ثم التأثت حاله معهم، فصرفوه، وانتهبوا كتبه، فلجأ إلى أمير لمتونة يحيى بن عمر بن تلايكان اللمتوني، فقبله، وأعاد حاله، وثابت طاعته، فأمضى القتل على من اختلف عليه. وكان يحيى بن عمر يمتثل أمر عبد الله امتثالا عظيما. ثم خرج بهم إلى سجلماسة، فتملّكوها، وتملّكوا الجبل. ثم ظهروا على المغرب، ثم قتل الأمير يحيى بن عمر، فقدّم عبد الله أخاه أبا بكر بن عمر بدرعة، ونهد به، فتملّك الجزء: 4 ¦ الصفحة: 302 جبال المصامدة، واحتلّ بأغمات وريكة واستوطنها. ولعبد الله أخبار غريبة وشذوذ في الأحكام، الله أعلم بصحتها. وقتل عبد الله بن ياسين برغواطة. ولم يزل الأمير أبو بكر بن عمر حتى أخذ ثأره، وأثخن القتل فيهم، وقدّم ابن عمه يوسف بن تاشفين بن إبراهيم على عسكر كبير، فيهم أشياخ لمتونة، وقبائل البرابرة والمصامدة، واجتاز على بلاد المغرب، فدانت له. وطرق الأمير أبا بكر خبر من قومه من الصحراء انزعج له، فولّى يوسف بن تاشفين على مملكة المغرب، وترك معه الثلث من لمتونة، إخوانه، وأوصاه، وطلّق زوجته زينب، وأمره يتزوّجها؛ لما بلاه من يمنها، فبنى يوسف مدينة مراكش وحصّنها، وتحبّب إلى الناس، واستكثر من الجنود والقوة، وجبى الأموال، واستبدّ بالأمر. ورجع الأمير أبو بكر من الصحراء سنة خمس وستين وأربعمائة، فألفى يوسف مستبدّا بأمره، فسالمه، وانخلع له عن الملك، ورجع إلى صحرائه، فكان بها تصله هدايا يوسف إلى أن قتله السّودان. واستولى يوسف على المغرب كله، ثم أجاز البحر إلى الأندلس، فهزم الطاغية الهزيمة الكبرى بالزلّاقة، وخلع أمراء الطّوائف، وتملّك البلاد إلى حين وفاته. حاله: قال أبو بكر بن محمد بن يحيى الصيرفي: كان، رحمه الله، خائفا لربّه، كتوما لسرّه، كثير الدعاء والاستخارة، مقبلا على الصلاة، مديما للاستغفار، أكثر عقابه لمن تجرأ أو تعرض لانتقامه الاعتقال الطويل، والقيد الثّقيل، والضرب المبرّح، إلّا من انتزى أو شقّ العصا، فالسيف أحسم لانتثار الداء. يواصل الفقهاء، ويعظّم العلماء، ويصرف الأمور إليهم، ويأخذ فيها بآرائهم، ويقضي على نفسه وغيره بفتياهم، ويحضّ على العدل، ويصدع بالحق، ويعضّد الشّرع، ويحزم في المال، ويولع بالاقتصاد في الملبس والمطعم والمسكن، إلى أن لقي الله، مجدّا في الأمور، ملقنا للصواب، مستحبّا حال الجد، مؤدّيا إلى الرعايا حقّها، من الذّب عنها، والغلظة على عدوها، وإفاضة الأمن والعدل فيها. يرى صور الأشياء على حقيقتها، تسمّى بأمير المسلمين لما احتل الأندلس وأوقع بالروم، وكان قبل يدعى الأمير يوسف، وقامت الخطبة فيها جميعا باسمه، وبالعدوة، بعد الخليفة العباسي. وكان درهمه فضّة، ودنيره تبر محض، في إحدى صفحتي الدّنير «لا إله إلا الله، محمد رسول الله» ، وتحت ذلك أمير المسلمين يوسف بن تاشفين، وفي الداير: «ومن يتّبع غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين» . وفي الصفحة الأخرى: «الإمام عبد الله أمير المسلمين» ، وفي الداير: تاريخ ضربه وموضع سكّته، وفي جهتي الدرهم ما حمله من ذلك. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 303 بعض أخباره: في سنة سبعين وأربعمائة وردت عليه كتب الأندلس، يبثّون حالهم، ويحرّكونه إلى نصرهم. وفي سنة اثنتين بعدها ورد عليه عبد الرحمن بن أسباط من ألمرية يشرح حال الأندلس. وفي سنة خمس وسبعين بعدها وجّه إلى شراء العدد فيها واستكثر منها. وفي سنة ستّ بعدها فتح مدينة سبتة ودخلها عنوة على الثّائر بها سقوت البرغواطي. وفي سنة ثمان اتصل به تملّك طاغية قشتالة مدينة طليطلة، وجاز إليه المعتمد بن عباد بنفسه، وفاوضه واستدعاه لنصرة المسلمين، وخرج إليه عن الجزيرة الخضراء. وعلم بذلك الأدفنش، فاخترق بلاد المسلمين معرضا عن رؤساء الطوائف، لا يرضى أخذ الجزية منهم، حتى انتهى إلى الخضراء، ومثل على شاطىء البحر، وأمر أن يكتب إلى الأمير يوسف بن تاشفين، والموج يضرب أرساغ فرسه، بما نسخته: «من أمير الملتين أذفونش بن فردلند إلى الأمير يوسف بن تاشفين. أمّا بعد، فلا خفاء على ذي عينين أنك أمير الملّة المسلمة، كما أنا أمير الملّة النصرانية. ولم يخف عليكم ما عليه رؤساؤكم بالأندلس من التّخاذل، والتواكل، وإهمال الرعية، والإخلاد إلى الراحة، وأنا أسومهم سوء الخسف، وأضرب الدّيار، وأهتك الأستار، وأقتل الشبّان، وأسبي الولدان، ولا عذر لك في التّخلّف عن نصرتهم، إن أمكنتك قدرة. هذا وأنتم تعتقدون أن الله، تبارك وتعالى، فرض على كل منكم، قتال عشرة منّا، ثم خفّف عنكم فجعل على كل واحد منكم قتال اثنين منّا، فإنّ قتلاكم في الجنة، وقتلانا في النار، ونحن نعتقد أن الله أظهرنا بكم، وأعاننا عليكم، إذ لا تقدرون دفاعا، ولا تستطيعون امتناعا. وبلغنا عنك أنك في الاحتفال على نيّة الإقبال، فلا أدري إن كان الحين يبطئ بك أمام التكذيب لما أنزل عليك. فإن كنت لا تستطيع الجواز فابعث إليّ ما عندك من المراكب لأجوز إليك، وأنا جزك في أحبّ البقاع، فإن غلبتني، فتلك غنيمة جاءت إليك، ونعمة مثلت بين يديك. وإن غلبتك، كانت لي اليد العليا، واستكملت الإمارة. والله يتمّ الإرادة» . فأمر يوسف بن تاشفين أن يكتب في ظهر كتابه: «جوابك يا أذفونش، ما تراه، لا ما تسمعه إن شاء الله» . وأردف الكتاب ببيت أبي الطيب «1» : [الطويل] ولا كتب إلّا المشرفيّة والقنا «2» ... ولا رسل إلّا الخميس العرمرم الجزء: 4 ¦ الصفحة: 304 وعبر البحر، وقد استجاش أهل الأندلس. وكان اللقاء يوم الجمعة منتصف «1» رجب من عام تسعة وسبعين وأربعمائة. ووقعت حرب مرّة، اختلط فيها الفريقان، بحيث اقتحم الطاغية محلة المسلمين، وصدم يسارة جيوش الأندلس، واقتحم المرابطون محلّته للحين. ثم برز الجميع إلى مأزق، تعارفت فيه الوجوه، فأبلوا بلاء عظيما، وأجلت عن هزيمة العدو، واستئصال شأفته. وأفلت أذفونش في فلّ قليل، قد أصابته جراحة، وأعزّ الله المسلمين ونصرهم نصرا لا كفاء له، وأكثر شعراء المعتمد القول في ذلك، فمن ذلك قول عبد المجيد بن عبدون من قصيدة: [الوافر] فأين العجب يا أذفونش هلّا ... تجنّبت المشيخة يا غلام؟ ستشملك «2» النساء ولا رجال ... فحدّث ما وراءك يا عصام «3» أقمت لدى الوغى سوقا فخذها ... مناجزة وهون لا تنام فإن شئت اللّجين فثمّ سام ... وإن شئت النّضار فثمّ حام رأيت الضّرب تطييبا فصلّب ... فأنت على صليبك لا تلام أقام رجالك الأشقون كلّا ... وهل جسد بلا رأس ينام؟ رفعنا هامهم في كلّ جذع ... كما ارتفعت على الأيك الحمام سيعبد بعدها الظّلماء لمّا ... أتيح له بجانبها اكتتام ولا ينفكّ كالخفّاش يغضي ... إذا ما لم يباشره الظلام نضا إذ راعه واجتاب ليلا ... يودّ لو انّ طول الليل عام سيبقى حسرة ويبيد إن لم ... أبادتنا القناة أو الحسام الجزء: 4 ¦ الصفحة: 305 وعاد إلى العدوة. ثم أجاز البحر ثانية إلى منازلة حصن ليّيط «1» ، وفسد ما بينه وبين أمراء الأندلس، وعاد إلى العدوة، ثم أجاز البحر عام ثلاثة وثمانين وأربعمائة، عاملا على خلعهم، فتملّك مدينة غرناطة في منتصف رجب من العام المذكور، ودخل القصر بالقصبة العليا منها، واستحسنه، وأمر بحفظه ومواصلة مرمّته، وطاف بكل مكان منه. ثم تملّك ألمرية وقرطبة وإشبيلية وغيرها، في أخبار يطول اقتضاؤها، والبقاء لله. وفاته: توفي، رحمه الله، بمدينة مراكش يوم الاثنين مستهل محرم سنة خمسمائة. وممن رثاه أبو بكر بن سوّار من قصيدة أنشدها على قبره: [الكامل] ملك الملوك، وما تركت لعامل ... عملا من التّقوى يشارك فيه يا يوسف، ما أنت إلّا يوسف ... والكلّ يعقوب بما يطويه اسمع، أمير المؤمنين، وناصر ال ... دين الذي بنفوسنا نفديه جوزيت خيرا عن رعيتك التي ... لم ترض فيها غير ما يرضيه أمّا مساعيك الكرام فإنها ... خرجت عن التّكييف والتّشبيه في كل عام غزوة مبرورة ... تردي عديد الروم أو تفنيه تصل الجهاد إلى الجهاد موفّقا ... حتم القضاء بكل ما تقضيه ويجيء ما دبّرته كمجيئه ... فكأنّ كلّ مغيّب تدريه متواضعا لله مظهر دينه ... في كل ما تبديه أو تخفيه ولقد ملكت بحقّك الدنيا وكم ... ملك الملوك الأمر بالتّمويه لو رامت الأيام أن تحصي الذي ... فعلت سيوفك لم تكد تحصيه إنا لمفجوعون منك بواحد ... جمعت خصال الخير أجمع فيه وإذا سمعت حمامة في أيكة ... تبكي الهديل فإنها ترثيه ومضى «2» قد استرعى رعيّة أمّه ... فأقام فيهم حقّ مسترعيه إذا هزبر الغاب صرّى شبله ... في الغاب كان الشّبل شبه أبيه وإذا عليّ كان وارث ملكه ... فالسّهم يلقى في يدي باريه الجزء: 4 ¦ الصفحة: 306 يوسف بن محمد بن يوسف بن محمد بن نصر «1» ولي عهد أبيه أمير المسلمين، الغالب بالله. حاله: كان أميرا جليلا حصيفا فاضلا، ظاهر النبل، محبّا في العلم ... «2» من فنونه. مال إلى التعاليم والنجوم، أفرط في الاستغراق في ذلك، ونمى إلى أبيه، فأنكره، وقصد يوما منزله لأجل ذلك، ودخل المجلس، وبه مجلّدات كثيرة، وقال: ما هذه يا يوسف؟ فقال، سترا لغرضه المتوقّع فيه نكير أبيه: يا مولاي، هي كتب أدب، فقال السلطان، وقد قنع منه بذلك: يا ولدي، ما أخذناها، يعني السلطنة، إلّا بقلّة الأدب، تورية حسنة، إشارة إلى الثورة على ملوك كانوا تحت إيالتهم، فغرب في حسن النادرة، وكان قد ولّاه عهده بعد أخيه، لو أمهلته المنية. وفاته: توفي يوم الجمعة ثالث عشر صفر عام ستين وستمائة. يوسف بن عبد المؤمن بن علي «3» الخليفة أبو يعقوب الوالي بعد أبيه. حاله: كان فاضلا كاملا عدلا ورعا جزلا، حافظا للقرآن بشرحه، عالما بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، خطئه وصحيحه، آية الموحّدين في الإعطاء والمواساة، راغبا في العمارة، مثابرا على الجهاد، مشيعا للعدل. أصلح العدوة وأمّنها، وأنس شاردها، وحصّن جزيرة الأندلس ببعوثه لها، فقمعوا عاصيها، وافترعوا بالفتح أقاصيها، وأحسن لأجنادها، وأمدّهم من الخيل بالمبين من أعدادها، رحمه الله. ولده: ثمانية عشر، أكبرهم يعقوب ولي عهده، نجم بني عبد المؤمن وجوهرتهم. حاجبه: أبو حفص شقيقه. وزراؤه: إدريس بن جامع، ثم أبو بكر بن يوسف الكومي. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 307 قضاته: حجاج بن يوسف بن عمران، وابن مضاء. كتّابه: أبو الحسن بن عيّاش القرطبي، وأبو العباس بن طاهر بن محشرة. بعض أخباره: في أيامه استوصلت دولة ابن مردنيش، بعد حروب مبيرة، ودوّخ إفريقية، وردّ أهل باجة إلى وطنهم، بعد تملّك العدوّ إياه، وجبرهم جدا واستنقاذا، وفتح حصن بلج. وفاته: في الثامن والعشرين لربيع الآخر سنة ثمانين وخمسمائة، بظاهر شنترين من سهم أصابه في خبائه، وهو محاصر لها، فقضى عليه، وكتم موته، حتى اشتهر بعد رحيله. ذكر ذلك أبو الحسن بن أبي محمد الشّريشي، فكانت خلافته اثنين وعشرين عاما، وعشرة أشهر، وعشرة أيام، وعمره سبع وأربعون سنة. مولده: في مستهل سنة ثلاث وثلاثين وخمسمائة، ودخل غرناطة لأول مرة، ووجب ذكره فيمن حلّ بها. يوسف بن يعقوب بن عبد الحق بن محيو «1» أمير المسلمين بالمغرب، يكنى أبا يعقوب. أوّليته: معروفة مذ وقع الإلماع بذلك في اسم أمير المسلمين أبيه. حاله: كان ملكا عالي الهمة، بعيد الصيت، مرهوب الشّبا، رابط الجأش، صعب الشّكيمة، على عهده اعتلي الملك، وناشب القبيل، واستوسق الأمر. جاز إلى الأندلس مع والده، ودوّخ بين يديه بلاد الروم، ووقف بظاهر قرطبة وإشبيلية، وحضر الوقيعة بذنونه «2» ، وجرت بينه وبين سلطان الأندلس، على عهده، منافرات أجلت أخيرا عن لحاق السلطان به مستعتبا، واستقرّ آخرا محاصرا لتلمسان، غازيا لبني زيّان الأمراء بها، وابتنى مدينة سمّاها تلمسان الجديدة، وأقام محاصرا لها، مضيّقا على أهلها نحوا من ثمانية أعوام، وعظّمته الملوك شرقا وغربا، ووردت عليه الرّسل والهدايا من كل جهة، وهابه الأقارب والأباعد. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 308 وفاته: ولما أراد الله إنفاذ حكمه فيه، قيّض له عبدا خصيّا حبشيّا، أسفه بقتل أخ له أو نسيب، في باب خيانة عثر له عليها، فاقتحم عليه دار الملك على حين غفلة، فدجّاه بسكين أعدّه لذلك، وضجّ القصر، وخرج وبالسلطان رمق، ثم توفي من الغد، أو قريبا منه، في أوائل ذي قعدة من عام ستة وسبعمائة، فكانت دولته إحدى وعشرين سنة وأشهرا، وانتقل إلى مدفن سلفه بسلا، وقبره بها. وركب قاتله فرسا أزعجها ركضا، يروم النجاة واللّحاق بالبلد المحصور، وسبقه الصّياح، فسدّ بعض الأبواب التي أمل النجاة منها، وقتل وألحق به كثير من جنسه. وجرى ذكره في الرّجز المتضمن دول الملوك «1» من تأليفنا، بما نصّه: [الرجز] حتى إذا الله إليه قيّضه ... قام ابنه يوسف فيها عوّضه وهو الهمام الملك الكبير ... فابتهج المنبر والسّرير وضخم الملك وذاع الصّيت ... بملكه وانتظم الشّتيت وساعد السّعد وأغضى الدّهر ... وخلص السّرّ له والجهر وأمل الجود وخيف الباس ... واستشعر الخشية منه الناس ثم تقضّى معظم الزمان ... مواصلا حصر بني زيّان حتى أهلّ تلمسان للفرج ... ونشقوا من جانب اللطف الفرج لما توفي درج السعد درج ... فانفرج ضيق الحصر عنها وانفرج ونزل بظاهر غرناطة وببعض مروجها بقرية أشقطمر، في بعض غزوات أبيه إلى قرطبة، وتقدّم السلطان إليهم من البرّ والقرى، ما كثر الإخبار به والتعجب منه، ووجّه إليهم ولده وولي عهده. يعقوب بن عبد الحق بن محيو بن بكر بن حمامة ابن محمد بن رزين بن فقوس بن كرناطة بن مرين «2» من قبيلة زناتة، أمير المسلمين، المكنى بأبي يوسف، الملقّب بالمنصور، رحمه الله. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 309 أوليته: ظهر بالمغرب أبوه الأمير عبد الحق، وقد اضطربت دولة الموحّدين، والتأث أمرهم، ومرجت عرب رياح؛ لعجز الدولة عن كفّ عدوانهم، فخرج الأمير عبد الحق في بحبوحة قومه من الصحراء، ودعا إلى نفسه، واستخلص الملك بسيفه، عام عشرة وستمائة، وكان على ما يكون عليه مثله، ممن جعله الله جرثومة ملك وخدم دولة، من الصّدق والدّهاء والشجاعة. ورأى في نومه كأنّ شعلا أربع من نار، خرجن منه، فعلون في جوّ المغرب، ثم احتوين على جميع أقطاره، فكان تأويلها تملّك بنيه الأربعة بعده، والله يؤتي ملكه من يشاء. وكان له من الولد إدريس، وعثمان، وعبد الله، ومحمد، وأبو يحيى، وأبو يوسف، ويعقوب هذا. ولمّا هلك هو وابنه إدريس في وقيعة رياح، ولي أمره عثمان ولده، ثم ولي بعده أخوه محمد، ثم ولي بعده أبو يحيى أخوهما. وفي أيامه اتّسق الملك، وضخم الأمر، وافتتحت البلاد. ولمّا هلك حتف أنفه بفاس في رجب من عام ستة وخمسين وستمائة، قام بالملك أخوه يعقوب المترجم به، وأرّث الملك بنيه. حاله: كان ديّنا فاضلا حييّا، جوادا سمحا، شجاعا، محبّا في الصالحين، منقادا إلى الخير، حريصا على الجهاد. أجاز ولده في أوائل عام اثنين وسبعين وستمائة إلى الأندلس، ثم عبر بنفسه في سرار صفر من العام بعده، فاحتلّ بظاهر إشبيلية، وكسر جيش الرّوم المنعقد على زعيمهم المسمّى ذنونه، بظاهر إستجة في ربيع الآخر من العام. ثم عبر ثانيا، مغتنما ما نشأ بين الروم من الفرقة، فغزا مدينة قرطبة، وصار أمر العدو في أطواق الفرنتيرة، بحيث لا يوجد في بطن القتيل منها إلّا العشب أزلا ومسغبة، لانتشار الغارات، وانتساف الأقوات، وحديث الفتنة. وسببها ما كان من تصيّر مالقة إليه، من أيدي المنتزين عليها من بني إشقيلولة، ثم عودتها إلى سلطان الأندلس، من أيدي رجاله، شيوخ بني محلّى، ثم تدارك الله المسلمين بصلاح ذات البين، واحتلّ بظاهر غرناطة، في بعض هذه الغزوات، فنزل بقرية إسقطمر من مرجها، واحتفل السلطان، رحمه الله، في برّه، وأجزل نزله، وتوجيه ولده إليه. وذكر سيرته شاعرهم أبو فارس عزّوز في أرجوزته، فقال: [الرجز] سيرة يعقوب بن عبد الحقّ ... قد حاز فيها قصبات السّبق بغيتان، يقرأ الكتاب ... وتذكّر العلوم والآداب يقوم للكتاب ثلث الليل ... وما له عن ورده من سبيل حتى إذا الصباح لاح وارتفع ... قام وصلّى للإله وركع وضجّ بالتّسبيح والتّقديس ... حتى يتمّ الحزب في التّغليس الجزء: 4 ¦ الصفحة: 310 يقرأ أولا كتاب السّير ... والقصص الآتي بكلّ خبر ثم فتوح الشّام باجتهاد ... وبعده المشهور بالإنجاد سؤاله تعجز عنه الطّلبه ... ومن لديه من أجلّ الكتبه يعقد الكتب إلى وقت الضّحى ... ثم يصلّيها كفعل الصّلحا ويأمر الكتّاب بالأوامر ... في باطن من سرّه وظاهر ويدخل الأشياخ من مرين ... للرأي والتدبير والتّزيين مجلسه ليس به فجور ... ولا فتى في قوله يجور كأنهم مثل النجوم الزّهر ... وبينهم يعقوب مثل البدر قد أسبر الوقار والسكينه ... وحلّ في مكانة مكينه حتى إذا ما جاز وقت الظهر ... قام إلى بيت للنّدى والفخر يبقى إلى وقت صلاة العصر ... يأتي إلى بيت العلى والأمر وينصف المظلوم ممن ظلمه ... ولم يزل إلى صلاة العتمه ثم يؤمّ بيتة الكريما ... ويترك الوزير والخديما ثم ينام تارة، وتارة ... يدبّر الأمور بالإداره ما إن ينام الليل إلّا ساهرا ... ينوي الجهاد باطنا وظاهرا فهل سمعتم مثل هذه السّيره ... وهذه المآثر الأثيره لملك كان من الملوك ... أو مالك في الدهر أو مملوك كذاك كان فعله قديما ... بذاك نال الملك والتّعظيما ومن الرّجز المسمى بقطع السّلوك «1» من تأليفنا، في ذكره، قولي: [الرجز] تبوّا «2» هذا الأمر عبد الحقّ ... أكرم من نال العلى بحقّ واستخلص الملك بحدّ المرهف ... لسن مجد عظيم الشرف وكان سلطانا عظيم الجود ... وصدقت رؤياه في الوجود فأعلى الأيام نور سعده ... ونالها أبناؤه من بعده عثمان ثم بعده محمد ... ثم أبو يحيى الحمام الأسعد تمهّد الملك له لما هلك ... وسلك السّعد به حيث سلك الجزء: 4 ¦ الصفحة: 311 وفتحت فاس على يديه ... والملك العليّ حلّه لديه وكان ذا فضل وهدى وورع ... قد رسم الملك فيهم واخترع ثم أتت وفاته المشهوره ... فولّي المنصور تلك الصّوره وهو أبو يوسف غلّاب العدا ... وواحد الأملاك بأسا وندى ممهّد الملك وموري الزّند ... وباسط العدل ومولي الرّفد مدّت إلى نصرته الأكفّ ... والروم في العدوان لا تكفّ فاقتحم البحر سريعا وعبر ... ودافع الأعداء فيها وصبر ووقعت في عهده أمور ... وفتنة ضاقت لها الصّدور وآلت الحال إلى التئام ... فما أضيعت حرمة الإسلام حتى إذا الله إليه قبضه ... قام ابنه يوسف فيها عوضه وفاته: توفي في شهر المحرم عام خمسة وثمانين وستمائة، بالجزيرة الخضراء ودفن بها. ثم احتمل بعد إلى سلا، فدفن بالجبانة المعروفة هنالك لملوك من بني مرين. ومحلّ هذا السلطان في الملوك المجاهدين المرابطين معروف، تغمّده الله برحمته. الأعيان والوزراء والأماثل والكبراء يحيى بن رحو بن تاشفين بن معطي بن شريفين أقرب القبائل المرينية إلى قبيل سلطانهم من بني حمامة. خدم جدّه بتونس، ثم بالأندلس، يكنى أبا زكريا، شيخ القبيل الزّناتي، ومحراب رأيهم، وقطب رحى حماتهم. حاله: كان هذا الشيخ وحيد دهره، وفريد وقته، وشامة أهل جلدته، في النّبل والفطانة، والإدراك والرّجاحة، شديد الهزل مع البأو، والممالقة مع التّيقور، والمهاترة مع الحشمة، عارفا بأخلاق الملوك وشروط جلسائها، حسن التوصّل إليها، والتأتّي لأغراضها، بعيد الغور، كثير النّكراء، لطيف الحيلة، عارفا بسياسة الوطن، قيوما على أخلاق أهله، عديم الرّضا بسير الملوك وإن أعلقوا بالعروة الوثقى يده ويسّروا على عبور عقبة الصّراط عونه، وأقطعوه الجنّة وحده، طنازا «1» بهم، مغريا خائنة الأعين بتصرّفاتهم، مقتحما حمى اغتيابهم، قد اتخذ ذلك سجيّة أقطعته جانب القطيعة برهة، الجزء: 4 ¦ الصفحة: 312 فارتكب لها الأداهم مدّة، جمّاعة للمال، ذائدا عنه بعصا التّقتير، وربما غمس فيه إبرة للصدقة وساما بينه وبين الوزير، مكفي السماء على الأرض برأيه المستعين على الفتكة وما وراءها، بمنيع موالاتهم، وبانيه يوم مكاشفة الملإ إياه بالنّفرة، وكان قطب الرّحى للقوم في الوجهة إلى الأمير عبد الحليم، ومقيم رسمه. وانصرف إلى جهة مرّاكش عند الهزيمة عليه، فاتّصل بعميدها عامر بن محمد بن علي الهنتاتي، وجرت عليه خطوب، وعاثت في الكثير من نعمته أكفّ التّمزيق، ديدن الدهر، في الأموال المحتجنة، والنقود المكتنزة، واستقرّ أخيرا بسجلماسة، في مظاهرة الأمير عبد الحليم المذكور، وبها هلك. وكان على إزرائه ولسب لسانه، واخز تلال حيّة حدّته، ناصح الرأي لمن استنصحه، قوّاما فيه بالقسط، ولو على نفسه والوالدين والأقربين، فضيلة عرف فيها شأوه، مقيما لكثير من الرّسوم الحسبية. دخوله غرناطة: قدم غرناطة في جمادى من عام تسعة وخمسين وسبعمائة في غرض الرّسالة، ووصل صحبته قاضي الجماعة بالمغرب أبو عبد الله المقري، وكان من امتساكه بالأندلس، ما أوجب عودة المترجم به في شأنه، فتعدد الاستمتاع بنبله. وفاته: توفي قتيلا في الهزيمة على الأمير عبد الحليم بظاهر سجلماسة في ربيع الأول من عام أربعة وستين وسبعمائة. يحيى بن طلحة بن محلّى البطوي، الوزير أبو زكريا حاله: كان مجموعا رائعا، حسن شكل وجمال رواء، ونصاعة ظرف، واستجادة مركب وبزّة، قديم الجاه، مرعى الوسيلة، دربا على الخدمة، جلدا على الوقوف والملازمة، مجدي الجاه، تلمّ به نوبة تواضع، يتشبّث به الفقراء وأولي الكدية، فكه المجلس، محبّا في الأدب، ألفا للظرفاء، عاملا على حسن الذّكر وطيب الأحدوثة. تولّى الوزارة للسلطان أبي الحسن، ونشأ في حجر أبيه، ماتّا إليهم بالخؤولة القديمة، فتملّأ ما شاء من قرب ومزيّة، وباشر حصار الجبل لمّا نازله الطاغية؛ لقرب عهد بفتحه، فأبلى وحسن أثره. نشأ بالأندلس، وسكن وادي آش وغرناطة، واستحقّ الذكر لذلك. شعره: وكان ينظم الشعر، فمن ذلك قوله في مزدوجة في غرض الفخر: [الرجز] أنا ابن طلحة ولا أبالي ... ليث السّرى في الحرب والنزال يحيى حياة البيض والعوالي ... مبيد كلّ بطل مغتال الجزء: 4 ¦ الصفحة: 313 إن سمعوا باسمي في مجال ... يلقوا بأيديهم إلى النّكال أستنزل القرن لدى الصّيال ... وأكسر النّصل على النّصال من أملي التفريق للأموال ... والجمع بين الأقوال والفعال والشّعر إن تسمعه من مقال ... تعلم بأن السّحر في أقوال أوشج الغريب فالأمثال ... وأقرن الأشباه بالأمثال وأفضلّ المرجان باللّآل ... وأذكر الأيام واللّيال فمن أبو أمية الهلال ... ومن وحيد عصره الميكال هذا ولي في غير ذا معال ... بها أعالي الدّهر من أعال كما لحسب الصّميم والمعال ... والمحتد الضّخم الحفيل الحال وكرم الأعمام والأخوال ... والصّون والعفاف والأفضال فمن يساجلني فذا سجال ... ومن يناضلني فذا نضال وفاته: توفي في أواخر عام خمسة وثلاثين وسبعمائة؛ أصابه سهم نفط رمي به من سور تلمسان أيام الحصار، فقضى عليه، نفعه الله. يحيى بن عبد الرحمن بن إبراهيم ابن الحكيم اللخمي أخو الوزير أبي عبد الله بن الحكيم وكبيره، يكنى أبا بكر، رندي الأصل. قد مرّ شيء من ذكر أوّليته. دخل غرناطة مرات، وافدا وزائرا، وساكنا ومغرّبا. حاله: كان وزيرا جليلا، وقورا عفيفا، سريّا فاضلا، رحب الجانب، كثير الأمل، جمّ المعروف، شهير المحل، عريض الجاه، صريح الطّعمة، من أقطاب أرباب النعم، ومنتجعي الفلاحة بالأندلس. استبدّ ببلده برهة، بإسناد ذلك إليه وإلى أخيه، من السلطان أمير المسلمين أبي يعقوب ملك المغرب، الصائر إليه أمره عند نبذها مغاضبا، ثم أصاره إلى إيالة السلطان، ثاني الملوك من بني نصر، على يدي أخيه كاتبه ووزير ولده. محنته ووفاته: ولمّا تقلّد أخوه ذو الوزارتين أبو عبد الله بن الحكيم الأمر، سما جاهه، وعظم قدره، وتعدّد أمله، إلى أن تعدّى إليه أمر المحنة يوم الفتك بأخيه، فطاح في سبيله نشبه، وذهب في حادثه الشنيع مكسبه. واستقرّ مغرّبا بمدينة فاس، تحت ستر وجراية، وبها أدركته وفاته في أوائل شوال من عام عشرة وسبعمائة. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 314 يحيى بن عمر بن رحّو بن عبد الله بن عبد الحق جدّ الملوك من بني مرين، يكنى أبا زكريا، شيخ الغزاة، ورئيس جميع القبائل بالأندلس. أوليته: قد تقدمت الإشارة إلى أوّلية هذا البيت، ونحن نلمع بسبب انتباذهم عن قومهم، وهو ما كان من قتل أخي جدّهم، يعقوب بن عبد الله بن عبد الحق، ابن أخي السلطان أبي يوسف، إذ كان ثائرا مصعبا، مظنّة للملك، ومحلّا للآمال، فنافسه وليّ العهد وأوقع به، فوقع بينهم الشّتات، وفرّ شيوخ هذا البيت وأتباعهم إلى تلمسان، ثم اجتازوا إلى الأندلس، منهم من آثر الجهاد، أو نبا به ذلك الوطن، أو شرّده الخوف، أو أحطب به الاستدعاء. فمنهم موسى وعمران والعباس، أبناء رحّو بن عبد الله، وعثمان بن إدريس، وغيرهم، فبدت فيهم الشياخة، وصحبهم التّقديم، وأقامت فيهم الخطّة، وتردّدت بينهم الولاية. حاله: هذا الشيخ مستحقّ الرّتبة، أهل لهذه الرئاسة، بأسا ونجدة، وعتقا وأصالة، ودهاء ومعرفة، طرف في الإدراك، عامل على الحظوة، مستديم للنعم، طيّب بالخدمة، كثير المزاولة والحنكة، شديد التّيقظ، عظيم الملاحظة، مستغرق الفكرة في ترتيب الأمور الدنيوية، بحّاث عن الأخبار، ملتمس للعيون، حسن الجوار، مبذول النّصفة، بقية بيته بالعدوتين وشيخ رجاله. له الإمامة والتّبريز في معرفة لسانهم، وما يتعلّق به من شعر ومثل وحكمة وخبر، لو عرضت عليه رمم من عبر مهم لأثبتها، فضلا عن غير ذلك، نسّابة بطونهم وشعابهم، وعلّامة سيرهم، وعوائدهم، ألمعيّ، ذكي، حافظ للكثير من الحكم والتواريخ، محفوظ الشّيبة من العصمة، طاهر الصون والعفّة، مشهور الشّهامة والنّجدة، معتدل السّخاء، يضع الهناء مواضع النّصب فلا يخدع عن جدته، ولا يطمع في غفلته، ولا ينازع فيما استحقّه من مزيّته، خدم الملوك، وخبر السّير، فترك الأخبار لعلمه، وعضل عقله بتجربته. تولّى رئاسة القبيل وسط صفر من عام سبعة وعشرين وسبعمائة، معوّضا به عن شيخ الغزاة عثمان بن أبي العلاء، فتنعّم البيت، وخدن الشّهرة، عندما أظلم ما بينه وبين ابن المحروق مدبّر الدولة، ودافعه بالجيش في ملقى حرانه، من أحواز حصن أندرش مرات، تناصف الحرب فيها، وربما ندر الفلج في بعضها، واستمرّت حاله إلى سابع محرم من عام تسعة وعشرين وسبعمائة، وأعيد عثمان بن أبي العلاء إلى رتبته على تفئة مهلك ابن المحروق، وانتقل هو إلى مكانه بوادي آش في قومه، الجزء: 4 ¦ الصفحة: 315 تحت حفظ ومبرّة. ثم دالت له الدولة، وعادت إلى ولده الكرة، يوم القبض على نظرائه وقرابته، مترفي حظوته، ولد الشيخ أبي سعيد عثمان بن أبي العلاء، عند إيقاع الفتكة بهم يوم السبت التاسع والعشرين لربيع الأول عام أحد وأربعين وسبعمائة. واستمرّت له الولاية، وألقت عصاها كلفة منه بالكفؤ الذي سلّم له المنازع، إلى أن قبض سلطانه، رحمه الله، فجرى ولده على وتيرة أبيه، ووفّى له صاع وفائه، فجدّد ولايته، وشدا حسّه، ونوّه رتبته، وصدر له يوم بيعته منشور كريم من إنشائي نصّه: «هذا ظهير كريم منزلته في الظهائر الكريمة منزلة المعتمد في الظّهر الكرام، أطلع وجه التعظيم سافر القسام، وعقد راية العزّ السامي الأعلام، وجدّد كريم المتات وقديم الذّمام، وانتضى للدفاع عن حوزة الدين حساما يقرّ بمضائه صدر الحسام، فأعلن تجديده بشدّ أزر الملك ومناصحة الإسلام، وأعرب عن الاعتناء الذي لا تخلق جديده أيدي الليالي والأيام. أمر به الأمير عبد الله محمد ابن أمير المسلمين أبي الحجّاج، ابن أمير المسلمين أبي الوليد بن نصر، أيّد الله أمره وأعزّ نصره، لوليّه الذي هو عماد سلطانه، وواحد خلصائه، وسيف جهاده، ورأس أولي الدفاع عن بلاده، وعقد ملكه، ووسطى سلكه، الشيخ الجليل الكبير الشهير، الأعزّ الأسنى، الصدر الأسمى، الأحفل، الأسعد، الأطهر، الأظهر، الكذا، أبي زكريا ابن الشيخ الكذا، أبي علي ابن الشيخ الكذا، أبي زيد رحّو بن عبد الله بن عبد الحق، زاد الله قدره علوّا، ومجده سموّا، وجهاده ثناء متلوّا. لمّا كان محلّه من مقامه، المحل الذي تتقاصر عنه أبصار الأطماع فترتدّ حاسرة، وكان للدولة يدا باطشة، ومقلة باصرة، فهو ملاك أمورها واردة أو صادرة، وسيف جهادها الذي أصبحت بمضائه ظافرة، وعلى أعدائها ظاهرة، وكان له الصّيت البعيد، والذكر الحميد، والرأي السديد، والحسب الذي يليق به التمجيد، والقدر الذي سما منه الجيد، وعرفه القريب والبعيد، والجهاد الذي صدق به في قواعده الاجتهاد والتّقليد، فإن أقام جيشا أبعد غارته، وإن دبّر أمرا أحكم إدارته، مستظهرا بالجلال الذي لبس شارته. فهو واحد الزمان، والعدّة الرفيعة من عدد الإيمان، ومن له بذاته وسلفه علو الشّان، وسمو المكان، والحسب الوثيق البنيان، ولبيته الكريم بيت بني رحّو السّابقة في ولاية هذه الأوطان، والمدافعة عن حوزة الملك وحمى السلطان. إن فوخروا صدعوا بالمكارم المعلومة، ومتّوا إلى ملك المغرب ببنوة العمومة، وتزيّنوا من حلى الغرب بالتيجان المنظومة. فهم سيوف الدين، وأبطال الميادين، وأسود العرين، ونجوم سماء بني مرين. وكان سلفه الكريم، رضي الله الجزء: 4 ¦ الصفحة: 316 عنه، يستضيء من رأيه بالشّهاب الثاقب، ويحلّه من بساط تقريبه أعلى المراتب، ويستوضح ببركته جميع المذاهب، ويستظهر بصدق دفاعه على جهاد العدوّ الكاذب، ويرى أنه عزّ دولته، وسيف صولته، وذخيرة فخره، وسياج أمره. جدّد له هذا الرّتب تجديدا صيّر الغاية منها ابتداء، واستأنف به إعلاء، ولم يدّخر عنه حظوة ولا اعتناء. وحين صيّر الله إليه ملك المولى أبيه بمظاهرته، وقلّده قلادة الملك بأصيل اجتهاده، وحميد سعيه، بعد أن سبق الألوف إلى الأخذ بثاره، وعاجلت البطشة الكبرى يد ابتداره، وأردى بنفسه الشّقي الذي سعى في تبديد شمل الإسلام وإطفاء أنواره، على تعدّد الملك يومئذ وتوفر أنصاره، فاستقرّ الملك في قراره، وانسحب السّتر على محلّه وامتدّ ظل الحفظ على داره، عرف وسيلة من المقام الذي قامه، والوفاء الذي رفع أعلامه، وألقى إليه في أهم الأمور بالمقاليد، وألزمه ملازمة الحضور بمجلسه السّعيد، وشديد الاغتباط على قربه مستنجحا منه بالرأي السّديد، ومستندا من ودّه إلى الركن الشّديد، وأقامه بهذه الجزيرة الأندلسية عماد قومه فهو فيهم يعسوب الكتيبة ووسطى العقد الفريد، وفذلكة الحساب وبيت القصيد، فدوّاره منهم للشريد، مأوى الطّارف والتليد، الكفيل بالحسنى والمزيد. يقف ببابه أمراؤهم، وتنعقد في مجلسه آراؤهم، ويركض خلفه كبراؤهم، مجدّدا من ذلك ما عقده سلفه من تقديمه، وأوجبه مزيّة حديثه وقديمه. فهو شيخ الغزاة على اختلاف قبائلهم، وتشعّب وسائلهم، تتفاضل درجات القبول عليهم بتعريفه، وتشرف أقدارهم لديه بتشريفه، وتثبت واجباتهم بتقديره، وينالهم المزيد بتحقيقه للغناء منهم وتقريره، فهو بعده، أيّده الله، قبلة آمالهم، وميزان أعمالهم، والأفق الذي يصوب من سحاب قطره غمام نوالهم، واليد التي تستمنح عادة أطمعتهم وأموالهم. فليتولّ ذلك عظيم القدر، منشرح الصدر، حالّا من دائرة جمعهم محلّ القلب من الصدر، متألّقا في هالتها تألّق البدر، صادعا بينهم باللّغات الزّناتية التي تدل على الأصالة العريقة والنّجار الحرّ. وهو إن شاء الله الحسام الذي لا ينبه على الضريبة، ولا يزيده حسنا جلب الحليّ العجيبة، حتى يشكر الله والمسلمون اغتباط مقامه بمثله، ويزري برّه به على من أسرّ برّه من قبله، ويجني الملك ثمرة تقريبه من محلّه. ومن وقف على الظهير الكريم من الغزاة آساد الكفاح، ومتقلدي السيوف ومعتلقي الرماح، كماة الهيجاء وحماة البطاح، حيث كانوا من موسطة أو ثغر، ومن أقيم في رسم من الجهاد أو أمر، أن يعلموا قدر هذه الغاية المشرقة، واليد المطلقة، والحظوة المتألّقه، فتكون أيديهم فيما قلّدوه ردّا ليده، وعزائمهم متوجّهة إلى مقصده، فقصده، فقدره فوق الأقدار، وأمره الذي ناب أمره مقابل الابتدار، على توالي الأيام وتعاقب الأعصار. وكتب في كذا ... الجزء: 4 ¦ الصفحة: 317 مولده: ولد بظاهر تلمسان، عند لحاق أبيه، رحمه الله، بسلطانها عام أحد وتسعين وستمائة، تلقّيته من لفظه. ومن «المستدرك» : وتمادت ولايته إلى الأوائل من شهر رمضان عام اثنين وستين وسبعمائة، فلمّا تصيّرت إلى قدار ناقتها، محمد بن إسماعيل بن نصر، عزله، وهمّ به، فغرّبه إلى بلد الروم، فرارا أرّق به البسالة والصبر، وتبعه الجيش، فأصيب بجراحة، ورد من صامته، وجلى عن نفسه، فتخلصه عزمه ومضاؤه، واستقرّ عند طاغية الروم، فأولاه من الجميل ما يفوت الوصف، واجتاز العدوة، فعرف بها حقّه، وعادت رتبة هذا الرجل، بعد أن ردّ الله على سلطانها ملكه، إلى أحسن أحوالها من الجاه والحظوة، وانطلاق اليد. والسلطان مع ذلك منطو له على الضّغن لأمور؛ منها غمس اليد في أمر عمّه، وقعوده عنه، وهو أحوج ما كان لنصره، وانزحاله عنه في الشّدة، عندما جمعه المنزل الخشن، فسحب عليه أذيال النكبة لابنه عثمان، مترفى مرقب الظهور في عودته، والمستأثر بجواره، والمحكّم في أمره، فتقبّض عليهما، وعلى من لهما، مخالفا للوقت فيهما، إذ كان متوافرا على الحلم لحدثان العودة، وجدة الإيالة، صبيحة يوم الاثنين لثالث عشر لرمضان عام أربعة وستين وسبعمائة، فأحاط بهم الرجال لهذا السلطان، والتقطوا من بين قبيلهم، ودهمهم الرجال، آخذين بحجزهم وأيديهم إلى دور الثقاف. ثم أركبوا الأداهم، وانتقلوا إلى بعض الأطباق المتفرّقة بقصبة المنكّب، واقتضى نظر السلطان جلأ المترجم به وأولاده من مرسى المنكّب، ونقل ولده الأكبر إلى ألمريّة حسبما مرّ في اسمه، فلينظر هنالك. واستقرّ إلى هذا العهد، بعد قفوله من الحجّ بمدينة فاس، فلقي بها برّا وعناية، ولحق ولداه بالأندلس، وهما بها، تحت جراية وولاية. يوسف بن هلال «1» صهر الأمير أبي عبد الله بن سعد «2» . حاله: كان «3» شجاعا حازما، أحظاه الأمير المذكور وصاهره، وجعل لنظره حصن مطرنيش «4» ومواضع كثيرة. وفسدت طاعته إياه، فقبض عليه ونكبه وعذّبه، الجزء: 4 ¦ الصفحة: 318 واستخلص ما كان لنظره وتركه. فأعمل الحيلة، ولحق بمورتلّة فثار بها، وعاقد صاحب برجلونة «1» على تصيير ما يملكه إليه. فأعانه بجيش «2» من النصارى، ولم يزل يضرب ويوالي الضّرب على بلنسية ويشجي أهلها، وتملّك الصّخرة والصّخيرة وغيرهما. واتفق أنّ خيلا جهّزها ابن سعد للضرب عليه، عثرت بجملته متوجها إلى شنت بيطر «3» ، فقبض عليه، وقيّد أسيرا، فنهض به للحين إلى مورتلّة وطلبه بإخلائها، فأبى، فأمر ابن مردنيش بإخراج عينه اليمنى، فأخرجت بعود. ثم قرّب من الحصن «4» وطلبه بإخلائها، فدعا بزوجه وطلبها بإخلاء الحصن، وإلّا فتخرج عينه الأخرى، فحمل على التكذيب، ولم يجبه أحد، فأخرجت للحين عينه الأخرى، وسيق إلى شاطبة، فبقي «5» إلى أن مات سنة ثلاث وأربعين وستمائة. ودخل غرناطة، وباشر منازلتها مع الأمير صهره، فاستحق الذكر لذلك. ومن القضاة الأصليين وغيرهم يحيى بن عبد الله بن يحيى بن كثير بن وسلاسن ابن سمال بن مهايا المصمودي أوليته وحاله: دخل أبو عيسى يحيى بن كثير «6» الأندلس مع طارق بن زياد، وقيل له اللّيثي؛ لأنه أسلم على يد رجل اسمه يزيد بن عامر الليثي، فنسب إليه، وقيل: إنهم نزلوا بنزل اللّيث، فنسبوا إليه. يكنى يحيى هذا «7» ، أبا عيسى، وكان جليل القدر، عالي الدرجة في القضاء، ولّي قضاء إلبيرة وبجّانة مدة، وولي قضاء جيّان وطليطلة، ثم عزل عن طليطلة، وأضيفت إليه كورة إلبيرة مع جيّان. ثم استعفى عن جيّان وبقي يلي قضاء إلبيرة، وكان لا يرى القنوت في الصلاة، ولا يقنت في مسجده البتّة. مشيخته: روى عن أبي الحسن النحاس، وسمع الموطأ من حديث اللّيث وغيره من عمّ أبيه عبيد الله بن يحيى. مولده: في ذي القعدة سنة سبع وثمانين ومائتين. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 319 وفاته: توفي ليلة الثلاثاء بعد صلاة العشاء، ودفن يوم الثلاثاء بعد العصر، لثمان خلت من رجب عام سبعة وستين وثلاثمائة. يحيى بن عبد الرحمن بن أحمد بن ربيع الأشعري «1» يكنى أبا عامر. حاله: العالم الجليل، المحدّث الحافظ، واحد عصره، وفريد دهره، كان، رحمه الله، علما من أعلام الأندلس، ناصرا لأهل السنة، رادعا لأهل الأهواء، متكلّما دقيق النظر، سديد البحث، سهل المناظرة، شديد التّواضع، كثير الإنصاف، مع هيبة ووقار وسكينة. ولّي قضاء الجماعة بقرطبة ثم بغرناطة «2» ، وأقرأ بغرناطة لأكابر علمائها ونبهائها الحديث والأصلين وغير ذلك، بالمسجد الجامع منها وبغيره. مشيخته: حدّث «3» عن والده العالم المحدّث أبي الحسن عبد الرحمن بن أحمد بن ربيع، وعن الشيخ الأستاذ الخطيب أبي جعفر أحمد بن يحيى الحميري، وعن الراوية المحدّث أبي القاسم خلف بن عبد الملك بن بشكوال، وعن الحافظ المسن أبي بكر بن محمد بن عبد الله بن يحيى بن الجدّ الفهري، والقاضي أبي عبد الله محمد بن سعيد بن زرقون، والزاهد الورع أبي الحجاج يوسف بن محمد البلوي المالقي، عرف بابن الشيخ، وأبي زكريا يحيى بن عبد الرحمن بن عبد المنعم الأصبهاني الواعظ، والفقيه القاضي أبي محمد عبد المنعم بن محمد بن عبد الرحيم الخزرجي. وفاته: بمالقة سنة سبع وثلاثين وستمائة «4» . يحيى بن عبد الله بن يحيى بن زكريا الأنصاري أوليته: تقدمت في اسم عمّه أبي إسحاق، فلينظر هنالك. حاله: من أهل العدالة والزّكاء والسّلف في الخطط الشرعية، سكون، متفنّن في العلوم الشرعية من فقه وأحكام، وله التقدم في الوقت في علم الفرائض والحساب. حبس على الزاوية التي اتّخذتها بالحضرة موضوعات في ذلك الغرض نبيهة، لم يقصر الجزء: 4 ¦ الصفحة: 320 فيها عن الإجادة. وتولّى قضاء مواضع من الأندلس، ثم استعمل في النّيابة عن قاضي الحضرة العلية، وهو الآن قاض بمدينة وادي آش، وخطيب بمسجدها الأعظم، تنتابه الطّلبة للأخذ عنه، والقراءة عليه. مشيخته: روى مع الجملة ممن هو في نمطه، وأخذ بالإجازة عن الشيخ الأستاذ الصالح أبي إسحاق بن أبي العاصي، والخطيب أبي علي القرشي، وعن الفقيه الخطيب أبي عبد الله البيّاني، وعن الأستاذ شيخ الجماعة أبي عبد الله بن الفخّار، وأخذ عن والده وعمه أبي إسحاق. وأجازه الشيخ القاضي الخطيب أبو البركات ابن الحاج، والخطيب الصالح أبو محمد بن سلمون، والكاتب الجليل أبو بكر بن شبرين، ورئيس الكتاب أبو الحسن بن الجيّاب، وقاضي الجماعة أبو القاسم الشريف، والخطيب أبو عبد الله القرشي، وهو الآن بالحال المذكورة. يوسف بن الحسن بن عبد العزيز بن محمد ابن أبي الأحوص القرشي الفهري يكنى أبا المجد، ويعرف بابن الأحوص. حاله: كان من أهل العلم والعدالة والنزاهة. ولّي كثيرا من القواعد، فظهر من قصده الحق، وتحرّيه سبيل الصواب، ما يؤثر عن الجلّة. مشيخته: قرأ على والده وروى عنه، واستدعى له بالإجازة من أعلام زمانه، فأجازه الراوية أبو يحيى بن الفرس، وأبو عمر بن حوط الله، وأبو القاسم بن ربيع، وأبو جعفر أحمد بن عروس العقيلي، وأبو الوليد العطار، والخطيب أبو إسحاق الأوسي القرطبي، والقاضي أبو الخطاب بن خليل، وأبو جعفر الطبّاع، وغيرهم. قال القاضي أبو المجد شيخنا، رحمه الله: أنشدني أبو علي الحسن قال: أنشدني الخطيب أبو الربيع بن سالم قال: أنشدنا أبو عمرو السّفاقي قال: أنشدنا أبو نعيم الحافظ قال: أنشدنا عبد الله بن جعفر الجابري قال: أنشدنا ابن المعتز: [الطويل] ألم تر أنّ الدّهر يوم وليلة ... يكرّان من سبت عليك إلى سبت؟ فقل لجديد العيش: لا بدّ من بلى ... وقل لاجتماع الشّمل: لا بدّ من شتّ وبالسند المذكور إلى أبي الربيع بن سالم قال: أنشدنا أبو محمد عبد الحق بن عبد الملك بن بونة قال: أنشدنا أبو بكر غالب بن عطية الحافظ الإحاطة في أخبار غرناطة/ ج 4/م 12 الجزء: 4 ¦ الصفحة: 321 لنفسه: [الطويل] جفوت أناسا كنت إلفا لوصلهم «1» ... وما بالجفا عند الضرورة من ناس بلوت فلم أحمد فأصبحت يائسا ... ولا شيء أشفى للنفوس من الياس فلا تعذلوني في انقباضي فإنني ... وجدت جميع الشّرّ في خلطة الناس وفاته: في اليوم التاسع عشر من شهر رجب الفرد عام خمسة وسبعمائة. يوسف بن موسى بن سليمان بن فتح بن أحمد ابن أحمد الجذامي المنتشاقري «2» من أهل رندة، يكنى أبا الحجاج. حاله: هذا الرجل حسن اللقاء، طرف في التخلّق والدماثة، وحسن العشرة، أديب ذاكر للأخبار، طلعة، يكتب ويشعر، سيال الطبع معينه. ولّي القضاء ببلده رندة، ثم بمربلّة. وورد غرناطة في جملة وفود من بلده وعلى انفراد منهم. وجرى ذكره في «التاج المحلّى» بما نصّه «3» : حسنة الدهر الكثير العيوب، وتوبة الزمان الجمّ الذنوب، ما شئت من بشر «4» يتألّق، وأدب تتعطّر به النّسمات وتتخلّق، ونفس كريمة الشمائل والضرائب، وقريحة يقطف بحرها بدرر «5» الغرائب، إلى خشية لله تحول بين القلوب وقرارها، وتثني النفوس عن اغترارها، ولسان يبوح بأشواقه، وجفن يسخو بدرر آماقه، وحرص على لقاء كل ذي علم وأدب، وممن «6» يمتّ إلى أهل الدّيانة والعبادة بسبب، سبق بقطرة الحلبة، وفرع «7» من الأدب الهضبة، ورفع الراية، وبلغ في الإحسان الغاية، فطارت قصائده كل المطار، وتغنّى بها راكب الفلك وحادي القطار. وتقلّد خطّة القضاء ببلده، وانتهت إليه رياسة الأحكام بين أهله وولده، فوضحت المذاهب بفضل مذهبه، وحسن مقصده. وله شيمة في الوفاء تعلّم الجزء: 4 ¦ الصفحة: 322 منها الآس «1» ، ومؤانسة عذبة لا تستطيعها الأكواس «2» . وقد أثبتّ من كلامه ما تتحلّى به ترائب «3» المهارق، ويجعل طيبه فوق المفارق. وكنت أتشوّق إلى لقائه، فلقيته بالمحلّة من ظاهر «4» جبل الفتح لقيا لم تبلّ صدا، ولا شفت كمدا، وتعذّر بعد ذلك لقاؤه فخاطبته بقولي «5» : [الطويل] حمدت «6» على فرط المشقّة رحلة ... أتاحت لعينيّ اجتلاء محيّاكا وقد كنت في التّذكار بالبعد «7» قانعا ... وبالريح أن هبّت بعاطر ريّاكا فجلّت «8» لي النّعمى بما أنعمت به ... عليّ فحيّاها الإله وحيّاكا أيها «9» الصّدر الذي بمخاطبته يبأى «10» ويتشرّف، والعلم الذي بالإضافة إليه يتعرّف، والروض الذي لم يزل على البعد بأزهاره الغضّة يتحف. دمت تتزاحم على موارد ثنائك الألسن، وتروي «11» للرواة ما يصحّ من أنبائك ويحسن، طالما مالت إليك النفوس منّا وجنحت، وزجرت الطائر الميمون من رقاعك كلّما سنحت. فالآن اتّضح البيان، وصدّق الأثر العيان. ولقد كنّا للمقام بهذه الرّحال نرتمض «12» ، ويجنّ الظّلام فلا نغتمض، هذا يقلقه إصفار كيسه، وذا يتوجّع لبعد أنيسه، وهذا تروّعه الأهوال، وتضجره بتقلّباتها الأحوال. فمن أنّة لا تنفع، وشكوى إلى الله تعالى ترفع. فلمّا ورد بقدومك البشير، وأشار إلى ثنيّة «13» طلوعك المشير، تشوّفت النفوس الصّديّة «14» إلى جلائها وصقالها، والعقول إلى حلّ عقالها «15» ، والألسن المعجمة «16» إلى فصل مقالها. ثم إنّ الدهر راجع التفاته، واستدرك ما فاته، فلم يسمح من لقائك الجزء: 4 ¦ الصفحة: 323 إلّا بلمحة، ولا بعث من نسيم روضك بغير نفحة، فما زاد أن هيّج الأشواق فالتهبت، وشنّ غاراتها على الجوانح فانتهبت، وأعلّ القلوب وأمرضها، ورمى ثغرة الصّبر فأصاب غرضها. فإن رأيت أن تنفّس عن نفس شدّ الشوق مخنّقها، وكدّر مشارب أنسها وأذهب رونقها، وتتحف من آدابك بدرر تقتنى، وروضة طيّبة الجنى، فليست ببدع في شيمك، ولا شاذّة في باب كرمك. ولولا شاغل لا يبرح، وعوائق أكثرها لا يشرح، لنافست هذه السّحاءة «1» في القدوم عليك، والمثول بين يديك، فتشوّفي «2» إلى اجتلاء أنوارك شديد، وتشيّعي فيك «3» على إبلاء الزمان جديد. فراجعني بقوله «4» : [الطويل] حباك فؤادي نيل بشرى وأحياكا «5» ... وحيد بآداب نفائس حيّاكا بدائع أبداها بديع زمانه ... فطاب بها يا عاطر الرّوض ريّاكا أمهديها أودعت قلبي علاقة ... وإن لم يزل «6» مغرى قديما بعلياكا إذا ما أشار العصر نحو فرنده «7» ... فإيّاك أعني «8» بالإشارة إيّاكا لأتحفني لقياك أسمى «9» مؤمّلي ... وهل تحفة في الدهر إلّا بلقياكا؟ وأعقبت إتحافي فرائدك التي ... وجوب ثناها يا لساني أعياكا خصصتني «10» أيها الحبر «11» المخصوص بمآثر أعيا عدّها وحصرها، ومكارم طيّب أرواح الأزاهر عطرها، وسارت الركبان بثنائها، وشملت الخواطر محبة علائها، بفرائدك الأنيقة، وفوائدك المزرية جمالا على أزهار الحديقة، ومعارفك التي زكت حقّا وحقيقة، وهدت الضالّ عن سبيل الأدب مهيعه «12» وطريقه، وسبق تحفتك عندي أعلى التحف «13» ، وهو مأمول لقائك، والتمتّع بالتماح سناك الباهر وسنائك، على حين امتدت لذلك «14» اللقاء أشواقي، وعظم من فوت استنارتي بنور محيّاك إشفاقي، الجزء: 4 ¦ الصفحة: 324 وتردّد لهجي بما يبلغني من معاليك ومعانيك، وما شاده فكرك الوقّاد من مبانيك، وما أهلّت به بلاغتك من دارسه، وما أضفت «1» على الزمان من رائق ملابسه، وما جمعت من أشتاته، وأحيت من أمواته، وأيقظت من سناته «2» ، وما جاد به الزمان من حسناته. فلترداد هذه المحاسن من أنبائك، وتصرّف الألسنة بثنائك، علقت النفس من هواها بأشدّ علاقة، وجنحت إلى لقائك جنوح والهة مشتاقة، والحوادث الجارية تصرفها، والعوائق الحادثة كلما عطفت بأملها «3» إليه لا تتحفها به ولا تعطفها، إلى أن ساعد الوقت، وأسعد البخت، بلقياكم «4» هذه السفرة الجهادية، وجاد إسعاف الإسعاد من أمنيتي بأسنى هديّة، فلقيتكم لقيا خجل، ولمحت أنواركم لمحة على وجل، ومهجتي «5» في محاسنكم الرائقة، ومعاليكم الفائقة، على ما يعلمه ربّنا عزّ وجلّ. وتذكرت عند لقائكم المأمول، إنشاء قائل يقول: [البسيط] كانت محادثة «6» الركبان تخبر عن ... محمد بن خطيب «7» بأطيب الخبر حتى التقينا فلا والله ما سمعت ... أذني بأحسن ممّا قد رأى بصري قسما «8» لعمري أقوله وأعتقده، وأعتدّه وأعتمده، فلقد بهرت منك المحاسن، وفقت من يحاسن، وقصر عن شأوك كلّ بليغ لسن، وسبقت فطنتك النّارية النّوريّة بلاغة كلّ فطن، وشهد لك الزمن «9» أنك وحيده، ورئيس عصبته الأدبية وفريده. فبورك لك فيما أنلت من الفضائل، وأوتيت من آيات المعارف التي بها نور الغزالة هائل «10» ، ولا زلت مرقّى «11» في مراتب المعالي، موقّى صروف الأيام والليالي. ومن شعره يمدح الجهة النّبوية، مصدّرا بالنسيب لبسط الخواطر النّفسانية «12» : [الكامل] لما تناهى الصّبّ في تشويقه ... درر الدموع اعتاضها بعقيقه الجزء: 4 ¦ الصفحة: 325 متلهّف وفؤاده متلهّب ... كيف البقاء «1» مع احتدام حريقه؟ متموّج بحر الدموع بخدّه «2» ... أنّى خلاص يرتجى لغريقه متجرّع صاب «3» النّوى من هاجر ... ما إن يحنّ للاعجات مشوقه يسبي الخواطر حسنه ببديعه ... يصبي النّفوس جماله بأنيقه قيد النواظر إذ يلوح لرامق ... لا تنثني «4» الأحداق عن تحديقه للبدر لمحته كبشر ضيائه ... للمسك نفحته كنشر فتيقه «5» سكرت خواطر لا محيه كأنّهم ... شربوا من الصّهباء «6» كأس رحيقه عطشوا لثغر لا سبيل لريقه ... إلّا كلمحهم للمع بريقه ما ضرّ مولى عاشقوه عبيده ... لو رقّ إشفاقا لحال رقيقه عنه اصطباري ما أنا بمطيعه ... مثل السّلوّ ولا أنا بمطيقه سجع الحمام يشوق ترجيع الهوى ... فأثار شجو مشوقه بمشوقه وبكت هديلا راعها تفريقه ... ويحقّ أن يبكي أخو تفريقه وبكاء أمثالي أحقّ «7» لأنني ... لم أقض للمولى أكيد حقوقه وغفلت في زمن الشباب المنقضي ... أقبح بنسخ بروره بعقوقه وبدا المشيب وفيه زجر ذوي النّهى ... لو كنت مزدجرا لشيم «8» بروقه حسبي ندامة آسف ممّا جنى ... يصل النّشيج «9» لوزره بشهيقه ويرمّ «10» ما خرم الهوى زمن الصّبا ... ويروم من مولاه رتق فتوقه ويردّد الشكوى لديه تذلّلا ... علّ الرّضا يحييه «11» درك لحوقه فيصحّ من سكر التّصابي صحوه «12» ... نسخا لحكم صبوحه بغبوقه «13» الجزء: 4 ¦ الصفحة: 326 لو كنت يمّمت التّقى وصحبته ... وسلكت إيثارا سواء طريقه «1» لأفدت منه فوائدا وفرائدا ... عرضت تسام لرابح في سوقه لله أرباب القلوب فإنهم ... من حزب من نال الرّضا وفريقه قاموا وقد نام الأنام فنورهم ... هتك الدّجا بضيائه وشروقه وتأنّسوا بحبيبهم فلهم به ... بشر لصدق الفضل في تحقيقه قصّرت عنهم عندما سبقوا المدى ... ولسابق فضل على مسبوقه لولا رجاء تلمّحي «2» من نورهم ... يحيي الفؤاد بسيره وطروقه وتأرّج يستاف من أرواحهم ... سبب انتعاش الرّوح طيب خلوقه «3» لفتنت «4» من جرّا «5» جرائري «6» التي ... من خوفها قلبي حليف خفوقه ومعي رجاء توسّل أعددته ... ذخرا لصدمات الزمان وضيقه حبّي ومدحي أحمد الهادي الذي ... فوز الأنام يصحّ في تصديقه أسمى الورى في منصب وبمنسب ... من هاشم زاكي النّجار عريقه الحقّ أظهره عقيب خفائه ... والدّين نظّمه لدى تفريقه ونفى هداه ضلالة من جائر ... مستوثق بنعوته ولعوقه «7» سبحان مرسله إلينا رحمة ... يهدي ويهدى الفضل من توفيقه والمعجزات بدت بصدق رسوله ... وحقيقه بالمأثرات خليقه كالظّبي في تكليمه والجذع في ... تحنينه والبدر في تشقيقه والنّار إذ خمدت بنور ولادة «8» ... وأجاج ماء قد حلا من ريقه والزّاد قلّ فزاد من بركاته ... فكفى الجيوش بتمره وسويقه ونبوع ماء الكفّ من آياته ... وسلام أحجار غدت بطريقه والنخل لمّا أن دعاه مشى له ... ذا سرعة بعروقه وعذوقه «9» والأرض عاينها وقد زويت له ... فقريب ما فيها رأى كسحيقه «10» الجزء: 4 ¦ الصفحة: 327 وكذا ذراع الشّاة قد نطقت له ... نطق اللسان فصيحه وذليقه ورمى عداه بكفّ حصبا «1» فانثنت ... هربا كمذعور الجنان فروقه «2» وعليه آيات الكتاب تنزّلت ... تتلى بعلو جلاله وبسوقه فأذيق «3» من كأس المحبّة صرفها ... سبحان ساقيه بها ومذيقه حاز السّناء وناله بعروجه ... جاز السماء طباقها بخروقه ولكم له من آية من ربّه ... ورعاية «4» وعناية بحقوقه يا خيرة الأرسال عند إلهه ... يا محرز العليا على مخلوقه علّقت آمالي بجاهك عدّة ... والقصد ليس يخيب في تعليقه ووثقت «5» من حبل اعتمادي عمدة ... لتمسّكي بقويّه ووثيقه ولئن غدوت أخيذ ذنبي إنني ... أرجو بقصدك أن أرى كطليقه وكساد سوقي مذ لجأت لبابكم «6» ... يقضي حصول نفوذه ونفوقه ويحنّ قلبي وهو في تغريبه ... لمزاره لرباك «7» في تشريقه وتزيد لوعته متى حثّ السّرى ... حاد حدا بجماله وبنوقه وأرى قشيب العمر أمسى باليا ... ومرور دهري جدّ في تمزيقه وأخاف أن أقضي ولم أقض المنى ... بنفوذ سهم منيّتي ومروقه فمتى أحطّ على اللّوى رحلي وقد ... بلغت ركابي للحمى وعقيقه وأمرّغ الخدّين في ترب غدا ... كالمسك في أرج شذا منشوقه وأعيد إنشادي وإنشائي «8» الثّنا ... ببديع نظم قريحتي ورقيقه حتى أميل العاشقين تطرّبا ... كالغصن مرّ صبا على ممشوقه وتحيّة التسليم أبلغ شافعي «9» ... وثنا المديح حديثه وعتيقه ولذي الفخار وذي العلى «10» ووزيره ... صدّيقه وأخي الهدى فاروقه مني السلام عليهم كالزّهر في ... تأليفها والزّهر في تأليفه «11» الجزء: 4 ¦ الصفحة: 328 قال: وكتب بذلك إليّ في جملة من شعره «1» : [الطويل] هواكم بقلبي ما «2» لأحكامه «3» نسخ ... ومن أجله جفني بمدمعه يسخو «4» ومن نشأتي ما إن صحت منه نشوتي ... سواء به عصر المشيب «5» أو الشّرخ عليه حياتي مذ تمادت وميتتي ... وبعثي إذا بالصّور يتّفق النّفخ ولي خلد «6» أضحى قنيص غرامه ... ولا شرك يدني إليه ولا فخّ قتلت سلوّي حين أحييت لوعتي ... وما اجتيح «7» بالإقرار في حالتي لطخ «8» وناصح «9» كتمي إذ زكت بيّناته ... يجول عليه من دموع الأسى نضخ وأرجو بتحقيقي «10» هواكم بأن أفي ... فعهد «11» ولا نقض «12» وعقد ولا فسخ وما الحبّ إلّا ما استقلّ ثبوته ... لمبناه رصّ في الجوانح «13» أو رسخ إذا مسلك لم يستقم «14» بطريقه ... سلكت اعتدالا مثل ما يسلك الرّخّ بدا لضميري من سناكم تلمّح ... فبخّ لعقل لم يطر عندها بخّ على عود ذاك اللّمح ما زلت نادبا ... كما تندب الورقاء «15» فارقها الفرخ يدي بأياديكم وقلبي شاغل ... فمن فكرتي نسج ومن أنملي نسخ ومن شعره أيضا قوله في غرض يظهر منه «16» : [الطويل] إليك تحنّ النّجب والنّجباء ... فهم وهي في أشواقهم شركاء الجزء: 4 ¦ الصفحة: 329 تخبّ بركّاب تحبّ وصولها ... لأرض بها باد سنى وسناء فأنفاسها ما إن تني صعداؤها ... وأنفاسهم «1» من فوقها سعداء هم عالجوا إذ عجّل السّير داءهم ... وأشباه مثلي مدنفون بطاء فعدت ودوني للحبيب ترحّلوا ... وما قاعد والراحلون سواء له وعليه حبّ قلبي وأدمعي ... وقد صحّ لي حبّ وسحّ بكاء بطيبة هل أرضى وتبدو سماؤها؟ ... وإن تك أرضا فالحبيب سماء شذا نفحها واللّمح منها كأنه ... ذكاء عبير والضّياء ذكاء «2» فيا حاديا غنّي وللرّكب حاديا ... عنائي «3» بعد البعد عنك عناء بسلع فسل عمّا أقاسي من الهوى ... وسل بقباء إذ يلوح قباء وفي عالج منّي بقلبي لاعج «4» ... فهل لي علاج عنده وشفاء؟ وفي الرقمتين أرقم الشوق لاذع ... ودرياقه أن لو يباح لقاء أماكن تمكين وأرض بها الرضى ... وأرجاء فيها للمشوق رجاء ومن المقطوعات قوله «5» : [الكامل] أدب الفتى في أن يرى متيقّظا ... لأوامر من ربّه ونواه فإذا «6» تمسّك بالهوى يهوي به ... والحبل «7» منه لمن تيقّن واه ومن ذلك «8» : [المنسرح] يا من بدنياه ظلّ في لجج ... حقّق بأنّ النّجاة في الشاطي «9» تطمع في إرثك الفلاح وقد ... أضعت ما قبله من اشراط كن حذرا في الذي طمعت به ... من حجب نقص وحجب إسقاط وقال «10» : [الطويل] ترى شعروا أني غبطت نسيمة ... ذكت بتلاقي الرّوض غبّ الغمائم الجزء: 4 ¦ الصفحة: 330 كما قابلت زهر الرياض وقبّلت ... ثغور أقاحيه بلا لوم لائم وقال «1» : [الكامل] ورد المشيب مبيّضا بوروده ... ما كان من شعر الشّبيبة حالكا يا ليته لو كان بيّض بالتّقى ... ما سوّرته «2» مآثم من حالكا إنّ المشيب غدا رداء للرّدى ... فإذا علاك أجدّ في ترحالكا «3» وأنشدني صاحبنا القاضي أبو الحسن، قال: مما أنشدني الشيخ أبو الحجاج لنفسه «4» : [الخفيف] لوعة الحبّ في فؤادي تعاصت ... أن تداوى ولو أتى ألف راق «5» كيف يبرا «6» من علّة وعليها ... زائد علّة النّوى والفراق؟ فانسكاب الدموع جار فجار ... والتهاب الضّلوع راق فراق نبذة من أخباره: نقلت من خط صاحبنا الفقيه القاضي المؤرخ أبي الحسن بن الحسن، قال حاكيا عنه: ومن غريب ما حدّثني به، قال: كنت «7» جالسا بين يدي «8» الخطيب أبي القاسم التاكرونّي صبيحة يوم بمسجد مالقة الأعظم «9» ، فقال لنا في أثناء حديثه: رأيت البارحة في عالم النّوم كأنّ أبا عبد الله الجلياني يأتيني ببيتي شعر في يده وهما: [الخفيف] كلّ علم يكون للمرء شغلا ... بسوى الحقّ قادح في رشاده فإذا كان فيه لله «10» حظّ ... فهو ممّا يعدّه لمعاده قال: فلم ينفصل المجلس حتى دخل علينا الفقيه الأديب أبو عبد الله الجلياني، والبيتان عنده «11» ، فعرضهما على الشيخ، وأخبره «12» أنه صنعهما البارحة، فقال له الجزء: 4 ¦ الصفحة: 331 كل من في المجلس: أخبرنا بهذا «1» الشيخ قبل مجيئك، فكان هذا من العجائب. وقد وقعت الإشارة لذلك في اسم الشيخ. مشيخته: منقول من خطّه في ثبت أجاز فيه أولادي، أسعدهم الله، بعد خطابة بليغة. قال: فمن شيوخي الذين رويت عنهم، واسترفدت البركة منهم، الشيخ الخطيب الصالح المتفنن أبو محمد عبد الواحد بن أبي السداد الباهلي، والشيخ الإمام أبو جعفر بن الزّبير، والشيخ الوزير المشاور أبو عبد الله بن أبي عامر بن ربيع، والقاضي العدل أبو عبد الله محمد بن علي بن محمد بن برطال، والشيخ الخطيب الصالح أبو عبد الله الطّنجالي، والراوية المسنّ أبو عمرو محمد بن عبد الرحمن الرندي الطنجي، والمدرس الصالح أبو الحسن علي بن أحمد الإشبيلي بن شالة، والخطيبان الأستاذان الحاجان أبو عبد الله محمد بن رشيد الفهري، وأبو عثمان سعيد بن إبراهيم بن عيسى الحميري، والشيخ الصالح أبو الحسين عبد الله بن محمد بن محمد بن يوسف بن منظور، والخطيب الصالح العلّامة المصنف أبو جعفر بن الزيات، والفقيه القاضي أبو جعفر بن عبد الوهاب، والشيخ الراوية المحدّث أبو عبد الله محمد بن أحمد بن الكماد، والخطيب أبو العباس أحمد بن محمد اللورقي، والعدل أبو الحسن علي بن محمد الطائي ابن مستقور، والخطيب الصالح أبو العباس أحمد بن محمد بن خميس الجزيري، والقاضي العدل الحاج أبو محمد عبد الله بن أبي أحمد بن زيد الغرناطي، والشيخ الراوية الحاج الرّحال الصوفي أبو عبد الله محمد بن أحمد بن أمين الفارسي العجمي الأقشري، والقاضي الحسيب أبو عبد الله محمد بن عياض بن محمد بن عياض، والقاضي أبو عبد الله بن عبد المهيمن الحضرمي، والأستاذ أبو إسحاق الغافقي، والإمام أبو القاسمي بن الشّاط، والخطيب القاضي أبو عبد الله القرطبي، والراوية أبو القاسم البلفيقي، والمحدّث أبو القاسم التجيبي، والخطيب أبو عبد الله الغماري، والإمام الكبير ناصر الدين المشدالي، والفقيه الصوفي أبو عبد الله محمد بن محمد الباهلي، عرف بالمسفر من أهل بجاية، وقاضي القضاة بتونس أبو إسحاق بن عبد الرفيع، والعلّامة أبو عبد الله بن راشد، والخطيب أبو عبد الله بن عزمون، والعلّامة الخطيب أبو محمد عبد الواحد بن منظور بن محمد بن المنير الجذامي. قال: وكلهم أجازني عامة ما يرويه، وكان ممن لقيته، وقرأت عليه، إلّا المدرّس أبا الحسن بن شالة، فوقع لي شك في إجازته. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 332 تواليفه: قال: وممّا يسّر الله تعالى فيه من التأليف، كتاب «ملاذ المستعيذ «1» ، وعياذ المستعين، في بعض خصائص سيد المرسلين، في الأحاديث الأربعين المروية على آيات من الذكر الحكيم والنور المبين» . وكتاب «تخصيص القرب، وتحصيل الأرب» ، و «قبول الرأي الرشيد، في تخميس الوتريات النبويات «2» لابن رشيد» . و «انتشاق النّسمات النّجدية، واتّساق النزعات الجدّية» . و «غرر الأماني المسفرات، في نظم المكفّرات» . و «النّفحات الرّندية، واللّمحات الزّندية» ، وهو مجموع شعري. و «حقائق بركات المنام، في مرأى المصطفى خير الأنام» . و «الاستشفاء بالعدّة، والاستشفاع «3» بالعمدة، في تخميس «4» القصيدة النبوية المسماة بالبردة» . و «توجّع الراثي، في تنوّع المراثي» . و «اعتلاق المسائل «5» ، بأفضل الوسائل» . و «لمح البهيج، ونفح الأريج» ، في ترجيز «6» ما لولي الله أبي مدين شعيب بن الحسين الأنصاري، رضي الله عنه، من عبارات حكمة وإشارات صوفية. و «تجريد «7» رؤوس مسائل البيان والتحصيل، لتيسير البلوغ لمطالعتها والتوصيل» . وفهرسة روايتي. ورجز في «8» ذكر مشيخة «9» شيخنا الراوية أبي عمر الطّنجي، رحمه الله، وإسناده. قال: وممّا كنت شرعت فيه ولم يتّفق تمامه، كتاب سميته «عواطف الأعتاب، في لطائف أسباب المتاب» . ومما بيدي الآن جمعه وهو إن شاء الله على التمام، أربعون حديثا متصلة الإسناد، أول حديث منها في الخوف، والثاني في الرجاء، بلواحق تتبعها، وسميته «أرج الأرجاء، في مزج الخوف والرجاء» . والله يصفح عنا، ويغفر زلّاتنا، وأن لا يجعل ما نتولاه من ذلك حجة علينا، وأن نكون ممن منح مقولا، ومنع معقولا، ويختم لنا بخواتم السّعداء من عباده، وممن وفّق وهدى إلى سبيل رشاده. وفاته: كان حيّا عام أحد وستين وسبعمائة. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 333 ومن المقرئين يحيى بن أحمد بن هذيل التجيبي «1» يكنى أبا زكريا، شيخنا أبو زكريا بن هذيل، رحمه الله، أرجدوني «2» الأصل، ينسب إلى سلفه أملاك ومعاهد كولابج هذيل، مما يدل على أصالة. حاله: كان آخر حملة الفنون العقلية بالأندلس، وخاتمة العلماء بها، من طبّ وهندسة وهيئة وحساب وأصول وأدب، إلى إمتاع المحاضرة، وحسن المجالسة، وعموم الفائدة، وحسن العهد، وسلامة الصّدر، وحفظ الغيب، والبراءة من التصنّع والسّمت، مؤثرا للخمول، غير مبال بالناس، مشغولا بخاصّة نفسه. خدم أخيرا باب السلطان بصناعة الطّب، وقعد بالمدرسة بغرناطة يقرئ الأصول والفرائض والطب. عمن أخذ: قرأ على جملة من شيوخ وقته، كالأستاذ أبي بكر بن الفخار، أخذ عنه العربية والأدب. وقرأ الطب على أبي عبد الله الأركشي، وأبي زكريا القصري، وجملة من الإسلاميين بالعدوة. وقرأ كراسة الإمام فخر الدين الرازي، المسماة بالآيات البيّنات، على الأستاذ أبي القاسم بن جابر. ونظر الأصول على الأستاذ النظّار أبي القاسم بن الشّاط. وأخذ الحساب عن أبي الحسن بن راشد. والحساب والهندسة والأصول وكثيرا من عمليات الحساب وجبره ومقابلته والنجوم، على الأستاذ أبي عبد الله بن الرّقام، ولازمه كثيرا. تواليفه: وله تصانيف وأوضاع منها، ديوان شعره المسمى بالسليمانيات والعربيات وتنشيط الكسل. ومنها شرحه لكرّاسة الفخر، وهو غريب المأخذ، جمع فيه بين طريقتي القدماء والمتأخرين من المنطقيين. وكتابه المسمى ب «الاختيار والاعتبار في الطّب» . وكتابه المسمى ب «التذكرة في الطبّ» . شعره: وجرى ذكره في التاج المحلّى بما نصه «3» : درّة بين الناس مغفلة، وخزانة على كل فائدة مقفلة، وهدية من الدهر الضّنين لبنيه محتفلة. أبدع من رتّب الجزء: 4 ¦ الصفحة: 334 التعاليم وعلّمها، وركّض في الألواح قلمها، وأتقن من صور الهيئة ومثّلها، وأسس قواعد البراهين وأثّلها، وأعرف من زاول شكاية، ودفع عن جسم نكاية، إلى غير ذلك من المشاركة في العلوم، والوصول من المجهول إلى المعلوم، والمحاضرة المستفزّة للحلوم، والدّعابة التي ما خلع «1» العذار فيها بالملوم. فما شئت من نفس عذبة الشّيم، وأخلاق كالزهر من بعد الدّيم، ومحاضرة تتحف المجالس والمحاضر، ومذاكرة يروق النواظر «2» زهرها الناضر. وله أدب ذهب في الإجادة كل مذهب، وارتدى من البلاغة بكل رداء مذهب، والأدب نقطة من حوضه، وزهرة من زهرات روضه، وسيمرّ له في هذا الديوان، ما يبهر العقول، ويحاسن بروائه ورائق بهائه الفرند المصقول. فمن ذلك ما خرّجته من ديوان شعره المسمّى ب «السّليمانيات والعربيات «3» » من النّسيب «4» : [الطويل] ألا استودع الرحمن بدرا مكمّلا ... بفاس من الدرب الطويل مطالعه وفي «5» فلك الأزرار يطلع «6» سعده ... وفي أفق الأكباد تلفى مواقعه يصيّر مرآه منجّم مقلتي ... فتصدق في قطع الرجاء قواطعه تجسّم من نور «7» الملاحة خدّه ... وماء الحيا فيه ترجرج مائعه تلوّن كالحرباء في خجلاته ... فيحمرّ قانيه ويبيضّ ناصعه إذا اهتزّ غنّى حليه فوق نحره ... كغصن النّقا غنّت عليه سواجعه يذكر حتف الصّبّ عامل قدّه «8» ... وتقطف «9» من واو العذار توابعه أعدّ الورى «10» سيفا كسيف لحاظه ... فهذا هو الماضي وذاك يضارعه «11» الجزء: 4 ¦ الصفحة: 335 ومن أخرى في النّسيب، وتضمّنت التّورية الحسنة «1» : [الطويل] وصالك هذا أم تحيّة بارق؟ ... وهجرك أم ليل السّليم «2» لتائق؟ أناديك والأشواق تركض حجرها «3» ... بصفحة خدّي من دموع سوابق أبارق ثغر من عذيب رضابه ... قضت مهجتي بين العذيب وبارق ومنها» : فلا تتعبن ريح الصّبا في رسالة ... ولا تخجل الطّيف الذي هو «5» طارقي متى طمعت عيني الكرى بعد بعدكم ... فإني في دعوى الهوى غير صادق قوله: «أبارق ثغر من عذيب رضابه» ينظر إلى قول ابن النبيه في مثل ذلك: [الكامل] يلوي على زرد العذار دلاله ... كم فتنة بين اللّوى وزرود ومن قصيدة ثبتت في السليمانيات «6» : [الطويل] بدا بدر تمّ فوقه الليل عسعسا ... وجنّة أنس في صباح تنفّسا حوى النجم قرطا والدّراري مقلّدا ... وأسبل من مسك الذوائب حندسا كأنّ سنا الإصباح رام يزورنا ... وخاف العيون الرامقات فغلّسا أتى يحمل التوراة ظبيا مزنّرا ... لطيف التثنّي أشنب الثّغر ألعسا وقابل أحبار اليهود بوجهه ... فبارك ربّي «7» عليه وقدّسا ومنها، وتماجن ما شاء، غفر الله له: رويت ولوعي من «8» ضلوعي مسلسلا ... فأصبحت في علم الغرام مدرّسا نفى النوم عني كي أكون مسهدا ... فأصبحت في صيد الخيال مهندسا غزال من الفردوس تسقيه أدمعي ... ويأوي إلى قلبي مثيلا «9» ومكنسا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 336 طغى ورد خدّيه بجنّات صدغه ... فأضعفه بالآس نبتا وما أسا قوله: طغى ورد خديه، البيت، محال على معنى فلاحي، إذ من أقوالهم: أنّ الآس، إذا اغترس بين شجر الورد، أضعفته بالخاصية. وقال أيضا من قصيدة مهيارية «1» : [الرمل] نام طفل النّبت في حجر النّعامى ... لاهتزاز الطّلّ «2» في مهد الخزامى وسقى الوسميّ أغصان النّقا ... فهوت تلثم أفواه النّدامى كحّل الفجر لهم جفن الدّجى ... وغدا في وجنة الصّبح لثاما تحسب البدر محيّا ثمل ... قد سقته راحة الصبح مداما حوله الزهر «3» كؤوس قد غدت ... مسكة الليل عليهنّ ختاما يا عليل الريح «4» رفقا علّني ... أشف بالسّقم الذي حزت سقاما وابلغن «5» شوقي عريبا «6» باللّوى ... همت في أرض بها حلّوا غراما فرشوا فيها من الدّرّ حصى ... ضربوا فيها من المسك خياما كنت أشفي غلّة من صدّكم «7» ... لو أذنتم لجفوني أن تناما واستفدت «8» الرّوح من ريح الصّبا ... لو أتت تحمل من سلمى سلاما نشأت للصّبّ منها زفرة ... تسكب الدّمع على الرّبع سجاما طرب البرق مع القلب بها ... وبها الأنّات طارحن الحماما طلل لا تستفي «9» الأذن به ... وهو للعينين قد ألقى كلاما ترك السّاكن لي من وصله ... ضمّة الجدران لثما والتزاما «10» نزعات من سليمان بها ... فهم القلب معانيها فهاما شادن يرعى حشاشات الحشا ... حسب حظّي منه أن أرعى الذّماما الجزء: 4 ¦ الصفحة: 337 وقال من قصيدة أولها في غرض النسيب «1» : [الطويل] أأرجو أمانا منك واللحظ غادر ... ويثبت عقلي «2» فيك والطّرف ساحر؟ أعدّ سليمان أليم عذابه ... لهدهد «3» قلبي فهو للبين صائر «4» أشاهد منه الحسن في كل نظرة ... وناظر أفكاري بمغناه «5» ناظر دعت للهوى أنصار سحر جفونه ... فقلبي له عن طيب نفس مهاجر إذا شقّ عن بدر الدّجى أفق زرّه «6» ... فإني بتمويه العواذل كافر وفي حرم السّلوان طافت «7» خواطري ... وقلبي لما في وجنتيه مجاور وقد ينزع القلب المبلّى «8» لسلوة ... كما اهتزّ من قطر الغمامة طائر يقابل أغراضي بضدّ مرادها ... ولم يدر أنّ الضّدّ للضّدّ قاهر ونار اشتياقي صعّدت مزن أدمعي ... فمضمر سرّي فوق خدّي ظاهر وقد كنت باكي العين والبين غائب ... فقل لي كيف «9» الدمع والبين حاضر وليس النّوى بالطبع مرّا وإنما ... لكثرة ما شقّت عليه المرائر ومنها في وصف ليلة «10» : وزنجيّة فات الكؤوس بنحرها ... قلائد ياقوت عليها الجواهر ولا عيب فيها غير أنّ ذبالها ... يقطّب فتبدو للكؤوس «11» سرائر تجنّبت فيها نيل كل صغيرة ... وقد غفرت فيها لديّ الكبائر ومن السّليمانيات من قصيدة «12» : [الكامل] يا بارقا، قاد الخيال فأومضا ... اقصد بطيفك مدنفا قد غمّضا ذاك الذي قد كنت تعهد نائما ... بالسّهد من بعد الأحبّة عوّضا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 338 لا تحسبنّي معرضا عن طيفه ... لكن منامي عن جفوني أعرضا عجب الوشاة لمهجتي أن لم تذب ... يوم النّوى وتشكّكت فيما مضى ومنها: خفيت لهم من سرّ صبري آية ... ما فهّمت إلّا سليمان الرّضا لله درّك ناهجا سبل الهوى ... فلمثله أمر الهوى قد فوّضا أمّنت نملا فوق خدّك سارحا ... وسللت سيفا من جفونك منتضى ومن الأمداح قوله من قصيدة «1» : [الطويل] حريص على جرّ الذوائب والقنا ... إذا كعّت «2» الأبطال والجوّ عابس وتعتنق الأبطال لولا سقوطها ... لقلت لتوديع أتته الفوارس إذا اختطفتهم كفّه فسروجهم ... مجال وهم في راحتيه فرائس وقال يمدح السلطان أمير المسلمين أبا الوليد بن «3» نصر عند قدومه من فتح أشكر «4» من قصيدة أولها «5» : [الطويل] بحيث البنود الحمر والأسد الورد ... كتائب، سكّان «6» السماء لها جند وتحت لواء النصر ملك هو الورى «7» ... تضيق به الدنيا إذا راح أو يغدو تأمّنت الأرواح في ظلّ بنده ... كأنّ جناح الروح «8» من فوقه بند فلو رام إدراك النجوم لنالها ... ولو همّ لانقادت له «9» السّند والهند الجزء: 4 ¦ الصفحة: 339 بعيني بحر النّقع تحت أسنّة ... تنمنمه وهنا كما نمنم البرد سماء عجاج والأسنّة «1» شهبها ... ووقع القنا رعد إذا برق الهند وفي وصف آلة النّفط: وظنّوا بأنّ الرعد والصّعق في السما ... فحاق بهم من دونها الصّعق والرعد عجائب «2» أشكال سما هرمس بها ... مهندمة «3» تأتي الجبال فتنهدّ ألا إنّها الدنيا تريك عجائبا ... وما في القوى منها فلا بدّ أن يبدو وكتب وهو معتقل بسبب عمل تولّاه جحدرية أولها «4» : [الطويل] تباعد عني منزل وحبيب ... وهاج اشتياقي والمزار قريب وإني على قرب الحبيب مع النوى ... يكاد إذا اشتدّ الأنين يجيب لقد بعدت عني ديار قريبة ... عجبت لجار الجنب وهو غريب ومنها: أعاشر قوما «5» ما تقرّ نفوسهم ... فللهمّ فيها عند ذاك ضروب إذا شعروا من جارهم بتأوّه ... أجابته منهم زفرة ونحيب فلا ذاك يشكو همّ هذا تأسّفا ... لكلّ امرئ مما دهاه نصيب كأني في غاب الليوث مسلّما «6» ... يروّعني منها الغداة وثوب تحكّم فينا «7» الدهر والعقل حاضر ... بكلّ قياس والأديب أريب «8» ولو مال بالجهّال ميلته بنا ... لجاء بعذر، إنّ ذا لعجيب رفيق بمن لا ينثني عن جريمة ... بطوش بمن ما أوبقته «9» ذنوب وتطمعنا «10» منه بوارق خلّب ... نقول «11» : عساه يرعوي ويتوب «12» إذا ما تشبّثنا بأذيال برده ... دهتنا إذا جرّ الذيول «13» خطوب أدار علينا صولجانا ولم يكن ... سوى أنه بالحادثات لعوب الجزء: 4 ¦ الصفحة: 340 ومنها: أيا دهر، إني قد سئمت تهدّفي ... أجرني فإنّ السّهم منك مصيب إذا خفق البرق الطروق أجابه ... فؤادي ودمع المقلتين سكوب وإن طلع الكفّ الخضيب بسحره «1» ... فدمعي بحنّاء الدماء خضيب تذكّرني الأسحار دارا ألفتها ... فيشتدّ حزني والحمام طروب إذا علقت نفسي بليت وربما ... تكاد تفيض أو تكاد تذوب دعوتك ربّي والدعاء ضراعة ... وأنت تناجى بالدعا فتجيب لئن كان عقبى الصبر فوزا وغبطة ... فإني على الصبر الجميل دروب وبعثت إليه هدية من البادية، فقال يصف منها ديكا، وكتب بذلك، رحمة الله عليه «2» : [المنسرح] أيا صديقا جعلته سندا ... فراح فيما أحبّه وغدا طلبت منكم صريدكا «3» خنثا ... وجّهتموني «4» مكانه لبدا صيّر مني مؤرخا ولكم ... ظللت في علمه من البلدا قلت له: آدم أتعرفه؟ ... قال: حفيدي بعصرنا ولدا نوح وطوفانه رأيتهما؟ ... قال: علونا لفيضه «5» أحدا فقلت: هل لي بجرهم خبر؟ ... فقال: قومي وجيرتي السّعدا فقلت: قحطان هل مررت به؟ ... قال: نفثنا ببرده العقدا فقلت: صف لي سبا وساكنها ... فعند هذا تنفّس الصّعدا وقال «6» : كم لي بدجنهم سحرا ... من صرخة لي وللنؤوم «7» هدا فقلت: هاروت هل سمعت به؟ ... فقال: ريشي لسحره «8» نفدا فقلت: كسرى وآل شرعته؟ ... فقال: كنّا بجيشه وفدا ولّوا وصاروا وها أنا لبد «9» ؟ ... فهل رأيتم من فوقهم أحدا؟ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 341 ديك إذا ما انثنى لفكرته ... رأى وجودا «1» طرائقا قددا «2» يرفل في طيلسانه ولها ... قد صيّر الدهر لونه كمدا إذا دجا الليل غاب هيكله ... كأنّ حبرا عليه قد جمدا كأنما جلّنار لحيته ... برجان حازا عن الهواء مدا كأنّ حصنا علا بهامته ... أعدّه للقتال فيه عدا يرنو بياقوتتي لواحظه ... كأنما اللحظ منه قد رمدا كأنّ منجالتي ذؤابته «3» ... قوس سماء «4» من أجله بعدا وعوسج مدّ من مخالبه ... طغى بها في نقاره وعدا فذاك ديك جلّت محاسنه ... له صراخ بين الدّيوك غدا «5» يطلبني بالذي فعلت به ... فكم فللنا بلبّتيه مدى وجّهته محنة لآكله ... والله ما كان ذاك منّي «6» سدى ولم نزل بعد نستعدي عليه بإقراره بقتله، ونطلبه بالقود عند تصرفه في «7» العمل، فيوجه الدّيّة لنا في ذلك رسائل. ومن شعره في غرض الحسن بن هانىء «8» : [الطويل] طرقنا ديور القوم وهنا وتغليسا ... وقد شرّفوا الناسوت إذ عبدوا عيسى وقد رفعوا الإنجيل فوق رؤوسهم ... وقد قدّسوا الروح المقدّس تقديسا فما استيقظوا إلّا لصكّة بابهم ... فأدهش رهبانا وروّع قسّيسا وقام بها البطريق يسعى ملبّيا ... وقد ليّن «9» الناقوس رفقا «10» وتأنيسا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 342 فقلنا له: آمنّا «1» فإنّا عصابة ... أتينا لتثليث وإن شئت تسديسا «2» وما قصدنا إلّا الكؤوس وإنما ... لحنّا له في القول خبثا وتدليسا «3» ففتّحت الأبواب بالرحب منهم ... وعرّس طلاب المدامة تعريسا «4» فلما رأى زقّي «5» أمامي ومزهري ... دعاني: أتأنيسا «6» لحنت وتلبيسا؟ وقام إلى دنّ يفضّ ختامه ... فكبّس أجرام الغياهب تكبيسا «7» وطاف بها رطب البنان مزنّر ... فأبصرت عبدا صيّر الحرّ مرءوسا سلافا حواها القار لبسا فخلتها ... مثالا من الياقوت في الحبر مغموسا «8» إلى أن سطا بالقوم سلطان نومهم ... ورأس قتيل «9» الشمع نكّس تنكيسا وثبت إليه بالعناق فقال لي: ... بحقّ الهوى هب لي من الضّمّ تنفيسا كتبت بدمع العين صفحة خدّه ... فطلّس حبر الشعر كتبي تطليسا فبئس الذي احتلنا وكدنا عليهم ... وبئس الذي قد أضمروا قبل ذا بيسا فبتنا يرانا الله شرّ عصابة ... نطيع «10» بعصيان الشريعة إبليسا وقال بديهة في غزالة من النحاس على بركة في محل طلب منه ذلك فيه «11» : [الكامل] عنّت لنا من وحش وجرة ظبية ... جاءت لورد الماء ملء عنانها وأظنّها إذا حدّدت آذانها ... ريعت بنا فتوقفت بمكانها حيّت بقرني رأسها إذ لم نجد «12» ... يوم اللقاء تحية «13» ببنانها حنّت على النّدمان من إفلاسهم ... فرمت قضيب لجينها لحنانها لله درء غزالة أبدت لنا ... درّ الحباب تصوغه بلسانها الجزء: 4 ¦ الصفحة: 343 وفاته: فلج فالتزم المنزل عندي لمكان فضله، ووجوب حقّه، وقد كانت زوجه توفيت، وصحبه عليها وجد شديد، وحزن ملازم، فلمّا ثقل، وقربت وفاته، استدعاني، وقد كان لسانه لا يبين القول، وأملى عليّ فيما وصاني به من مهم أمره «1» : [الطويل] إذا متّ فادفنّي حذاء حليلتي ... يخالط عظمي في التّراب عظامها ولا تدفننّي في البقيع فإنّني ... أريد إلى يوم الحساب التزامها ورتّب ضريحي كيفما شاء الهوى ... تكون أمامي أو أكون أمامها لعل إله العرش يجبر صدعتي ... فيعلي مقامي عنده ومقامها وفاته: ومات في ليلة الخامس والعشرين من عام ثلاثة وخمسين وسبعمائة، ودفنته عصره بباب إلبيرة حذاء حليلته كما عهد، رحمة الله عليه. يحيى بن عبد الكريم الشنتوفي من أهل الجزيرة الخضراء. حاله: كان كاتبا ثرثارا، أديبا لوذعيا، كثير النظم والنثر. كتب عن أمير المسلمين أبي يوسف يعقوب «2» ، وابنه أبي يعقوب، واحتلّ معهما «3» بظاهر غرناطة. كتابته: كتب عن المذكور عند نزوله غازيا ومجاهدا بظاهر شريش ما نصّه: أخونا الذي يسير بما يخلّده بطون أوراق الدفاتر، من مأثور حميد المآثر، ويتلقّى ما يرد عليه من قبلنا من منشور حزب البشائر، بمعاشر القبائل والعشائر، ويفوّق ما قبسته المنن لأقلام وأفواه المحابر، في مراقب مراقي المنابر، ويجمع لما وشته سحائب الخواطر، من روضات السّجلّات في النوادي والمحاضر، الأمير الكذا، أدام الله اهتزازه للأنباء السارّة وارتياحه، ونعّم بها أرواحه، ووصل بكل أرج من نسيم الجذل، ومبهج من وسيم الأمل، غدوه ورواحه، وأحبّ به أرواحه. سلام كريم عليكم، ورحمة الله وبركاته. من أخيكم الذي لا يتمّ بشره إلّا بأخذكم منه بأوفى حظّ، وأوفر نصيب، ومصافيكم الذي لا يكمل سروره، ويجمل حبوره، حتى يكون لكم فيه سهم الجزء: 4 ¦ الصفحة: 344 مصيب، ومرعى خصيب، الأمير يوسف ابن أمير المسلمين وناصر الدين يوسف بن عبد الحق. أمّا بعد حمد الله، محقّ الحقّ بتصعيده فوق النّجوم ومعليه، ومبطل الباطل بتصريبه تحت النجوم ومدليه، ومطهّر الأرض من نجس دنس الكفر وأوليه، ضربا بالمرهفات صبرا وطعنا بالمشفعات دراكا، وجاعل بلاد الشّرك الأسار عبّاد الإفك، بما نظمهم من سلك الملك، وبدّدهم من هتك السّتر، بالفتك والسّفك، حبائل لا يخرجون منها وأشراكا، وخاذل من زلّت عن السّور قدمه، وخرجت من الدّور ذممه، بأن يراق دمه، ويعدم وجوده وقدمه، بلوغا لأمان أماني الإيمان وإدراكا، والصلاة والسلام على سيدنا محمد، ناظم فرائد الفرائد، ومنضّد عوائد المواعد، بالظّفر المنتظر بكل جاحد معاند، قلائد لا تنتثر وأسلاكا- وسالك مسالك الغزوات، وناسك مناسك الخلوات، ومدرك مدارك قبول الدّعوات، إفناء لأعداء الله وإهلاكا، والرضا على آله وصحبه، المرتدين بمننه، المهتدين بسننه، في إباحة حرم الحرم، وإزاحة ظلم الظّلم، حنادس وأحلاكا، القارعين بأسيافهم أصلاب كلاب الصّلبان تباكا، والقارعين أبواب ثواب الرحمن نسّاكا، وموالاة الدّعاء لسيدنا ومولانا الوالد، بتخليد السّعد المساعد، وإدارة الإرادة بعضد من النّصر وساعد، مقادير كما يشاء وأفلاكا، وممالآت آياته آيات، هذه الرّايات، بإدراك نهايات الغايات، في اشتباه أشياء ذوي الشّايات، فلا تذر في الأرض كفرا ولا تدع فيها إشراكا. فكتبناه، كتب الله لإخائكم الكريم أرفع الدرجات علا وأتمّها تعظيما، وفضلكم مع القعود عن الشهود بالنّية التي لها أكرم ورود، وأصدق وفود، أجرا عظيما. من منزلنا بمخنّق شريش حيث الكتائب الهائلة هالة بدرها البادية الخسوف، والحماة الكماة أكمام زهرها الدّاني القطوف، وسوار معصمها النائي عن العصمة مجرّدات صفوف صنوف السيوف. فالشّفار بالأحداق كالأشفار بالأحداق إدارتها، الطّاقة بحيزومها نطاقا، والفتح قد لاحت مخايله، وباحت مقاوله، والكفر فلّت مناصله وعرفت مقاتله، والمترف يتمنى أن يلقاه قاتله، فلا يقاتله فرقا، لا يجدون له فراقا فواقا، فحماتها العتاة لا يرون إلّا سماء نقع الكفاح، لمعا متلاقيا وائتلافا، وكماتها لا يشربون إلّا من تحت دمهم المطهّر بنجسه وجه الأرض، المعدي به هريقه من فيح حثّهم يوم العرض، المودي بإراقته واجب الفرض، إعدادا لامتثال الأمر الإلهي واعتناقا. ومن هذا الكتاب وهو طويل: ووصلنا والخيل تمرح في أعنّتها تصلّفا، وتختال في مشيها تغطرفا، وتعضّ على لجمها تحدّقا وتحرّفا، كأنها لم ترم قصارى قصور النصارى، دون تصور عنها، أغراضا وأهدافا، ودون معاهدة العيون وصف الجزء: 4 ¦ الصفحة: 345 الواصف، ولأقلّ مما احتوى عليه هذا الفتح تهتزّ المعاطف، إذ الإيمان اهتزّ إعطافا، وتوشح به عطافا. وهل الكتب وإن طال، نبذة من نبذ الفتوح، وفلذة من كبد النّصر الممنوح، وزهرة من غصن النّدى المروح، أدنينا لإخائكم الكريم منه اقتطافا، والسلام. شعره: [البسيط] ما لي وللصبر عني دونكم حجبا ... وطالما هزّني أنسي لكم طربا فحين شبّ النوى في أضلعي لهبا ... هززت سيف اصطباري بعدكم فنبا وقلت للقلب يسلو بعدكم فأبى غبتم فغاب لذيذ الأنس والوسن ... وخانني جلدي فيكم فأرّقني ذكرى ليالينا في غفلة الزمن ... فارقتموني وطيب العيش فارقني وصرت من بعدكم حيران مكتئبا من لي بقربكم في حفظ عهدكم ... فكم ظفرت به أيام ودّكم وكم جرى دمع أجفاني لفقدكم ... فلو بكيت دما من بعدكم لم أقض من حقّ ذاك القرب ما وجبا لله أيامنا ما كان أجملها ... أعزت «1» بآخرها شكرا وأولها من حسنها لم أزل أصبو بها ولها ... يا صاح، صبرا على الأيام إنّ لها على تصاريفها من أمرها عجبا صبرا على زمن يبديك شيمته ... اقبل مساءته واحمد مسرّته فما عسى يبلغ الإنسان منيته ... ومن كرهت ومن أحببت صحبته لا بدّ أن يفقد الإنسان من صحبا قلت «2» : عجبا من الشيخ ابن الخطيب، رحمه الله، في ذكره هذا المترجم به في ترجمة المقرئين، مع تحليته له، ووصفه إياه بما وصفه من الكتابة والشّعر، بل وإثباته له كتابته، وشعره، فكان حقّه أن يكون في ترجمة الكتّاب والشعراء بعد هذه الترجمة. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 346 يوسف بن إبراهيم بن يوسف بن محمد بن قاسم ابن علي الفهري من أهل غرناطة، يكنى أبا الحجاج، ويعرف بالسّاحلي «1» . حاله: من «العائد» «2» : صدر «3» في حملة القرآن، على وتيرة الفضلاء وسنن الصالحين، من لين الجانب، والعكوف على الخير، وبذل المعروف، وحسن المشاركة، والخفوف إلى الشّفاعة. أبّ الأمراء، وحظي بتسويدهم، وناب في الخطابة بالمسجد الأعظم من حمرائهم «4» ، وكان إماما به، ذا هدى وسكينة ووقار. وحجّ، ولقي المشايخ «5» ، واعتنق الرواية والتّقييد، فانتفع بلقائه. مشيخته: قرأ على الأستاذ العلّامة أبي جعفر ابن الزبير ببلده، وعلى الشيخ الخطيب الصوفي أبي الحسن ابن فضيلة، وعلى الخطيب الصالح أبي جعفر بن الزيات، والمحدّث الرّحال أبي عبد الله بن رشيد. وأخذ في رحلته عن جملة، كالخطيب الراوية أبي عبد الله محمد بن محمد بن فرتون، وناصر الدين منصور بن أحمد المشدالي، والأستاذ أبي عبد الله بن جعفر اليحصبي، وقاضي الجماعة ببجاية الإمام أبي عبد الله بن يحيى الزواوي، والفقيه المحدّث أبي عبد الله محمد بن إبراهيم بن الحسن الشافعي. وأجازه سوى من تقدّم ذكره من أهل المشرق، عبد الغفار بن محمد الكلابي، وحسن بن عمر بن علي الكردي، وعتيق بن عبد الرحمن بن أبي الفتح العمري، ومحمد بن إبراهيم بن سعد الله بن جماعة الكناني، وعمر بن أبي بكر الوادي آشي، وصالح بن عباس بن صالح بن أبي الفوارس الأسعد الصدفي، وأحمد بن محمد بن علي الكناني، ومحمد بن أحمد، وأحمد بن إسماعيل بن علي بن محمد بن الحباب، وأمّ الخير ابنة شرف الدين ابن الطباخ الصّوفي. وقرأ ببلده غرناطة على الأستاذ أبي جعفر الطبّاع، والشيخ أبي الحسن معن بن مؤمن، وأبي محمد النبغدي، وأبي الحسن البلوطي. أنشدنا، قال: كتب إليّ شيخنا محمد بن عتيق بن رشيق في الاستدعاء الذي أجازني، ولمن سمّى فيه «6» : [الطويل] أجزت لهم أبقاهم الله كلّما ... رويت عن الأشياخ في سالف الدّهر الجزء: 4 ¦ الصفحة: 347 وما سمعت أذناي عن كلّ عالم ... وما جاد من نطمي وما راق من نثري «1» على شرط أصحاب الحديث وضبطهم ... بريّ من «2» التّصحيف عار من «3» النّكر وجدّي رشيق شاع في الغرب ذكره ... وفي الشّرق أيضا فادر إن كنت لا تدري «4» ولي مولد من بعد عشرين حجّة ... ثمان على السّتّ المئين «5» ابتدا عمري «6» وبالله توفيقي عليه توكّلي ... له الحمد في الحالين «7» في العسر واليسر حدّثني شيخنا أبو بكر بن الحكيم، قال: أصابتني حمّى، فلمّا انصرفت عني، تركت في شفتي بثورا علي، فزارني الفقيه أبو الحجاج السّاحلي، فأنشدني «8» : [السريع] حاشاك أن تمرض حاشاكا ... قد اشتكى قلبي لشكواكا إن كنت محموما ضعيف القوى ... فإنّني أحسد حمّاكا ما رضيت حمّاك إذ باشرت ... جسمك حتى قبّلت فاكا مولده: عام سبعة وستين وستمائة «9» . وفاته: توفي، رحمه الله، بالحمراء العليّة، في السابع والعشرين لشهر رمضان من عام اثنين وخمسين وسبعمائة. ومن الكتّاب والشعراء بين أصلي وغيره: يحيى بن محمد بن يوسف الأنصاري «10» يكنى أبا بكر، ويعرف بابن الصّيرفي، من أهل غرناطة. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 348 حاله: كان نسيج وحده في البلاغة والجزالة، والتّبريز في أسلوب التاريخ، والتملؤ من الأدب، والمعرفة باللغة والخبر. قال أبو القاسم «1» : من أهل المعرفة بالأدب والعربية والفقه والتاريخ، ومن الكتاب المجيدين والشعراء المطبوعين المكثرين. كتب بغرناطة عن الأمير أبي محمد تاشفين «2» ، وله فيه نظم حسن. مشيخته: قرأ على شيوخ بلده، وأخذ عن العالم الحافظ أبي بكر بن العربي ونمطه. تواليفه: ألّف في تاريخ الأندلس كتابا سماه «الأنوار الجلية، في أخبار الدولة المرابطيّة» ضمّنه العجاب إلى سنة ثلاثين وخمسمائة. ثم وصله إلى قرب وفاته، وكتابا آخر سمّاه «تقصّي الأنباء وسياسة الرؤساء» . شعره: قال: أنشدت الأمير تاشفين في هلاك ابن رذمير: [البسيط] أشكو الغليل بحيث المشرب الخضر ... حسبي وإلّا فورد ما له صدر تجهّمت لي وجوه الصبر منكرة ... ولا حظتني عيون حشوها حذر إني لأجزع من ذاك الوعيد وفي ... ملقى الأسنّة منّا معشر صبروا «3» فلّت سلاحي الليالي أيّ ظالمة ... ولو أعادت شبابي كنت أنتصر مشيّعا كنت ما استصحبت من أمل ... كما يشيّع سهم النّازع الوتر فها أنا وعزيز في نامسة ... تسود في عينه الأوضاح والغرر يا حيّ عذرة، فتياكم بنازلة ... لم تنفصل يمن عنها ولا مضر ما الحكم عندكم إذ نحن في حرم ... على جناية رام سهمه النّظر أرعاني الشّهب في أحشاء ليلتها ... حمل من الصّبح أرجوه وأنتظر يفترّ عن برد من حوله لهب ... أو عن نبات أقاح أرضه سقر وبين أجفانه نهيف الأمير أبي ... محمد تاشفين أو هو القدر سيف به ثلّ عرش الروم واطّادت ... قواعد الملك واستولى به الظّفر وأدرك الدين بالثّأر المنيم على ... رغم وجاءت صروف الدهر تعتذر منى تنال وأيام مفضّضة ... مذهبات العشايا ليلها سحر الجزء: 4 ¦ الصفحة: 349 وفي الذّؤابة من صنهاجة ملك ... أغرّ أبلج يستسقى به المطر مؤيد من أمير المسلمين له هوى ... ورأي ومن سير له سير أنحى على الجور يمحو رسم أحرفه ... حتى استجار بأحداق المهى الحور يا تاشفين، أما تنفكّ بادرة ... من راحتيك المنايا الحمر تبتدر؟ وكم ترنّح في روض جداوله ... بيض السيوف وملتفّ للقنا شجر هي التّرايك فوق الهام لا حبب ... والسّابغات على الأعطاف لا القدر لك الكتائب ملء البيد غازية ... إذا أتت زمر منها مضت زمر على ساكبها للنّقع أردية من ... تحتها جلّق من تحتها زبر تدبّ منها إلى الأعداء سابلة ... عقارب ما لها إلّا القنا إبر بعثتها أسدا شتّى إذا مرجت ... جنّ الوغا انقضّ منها أنجم زهر يا أيها الملك الأعلى الذي سجدت ... لسيفه الهام في الهيجاء والقصر أعر حرار ضلوعي برد ما نهلت ... خيل الزّبير ونار الحرب تستعر حيث الغبار دخان والظّبا لهب ... والأسنّة في هام العدا شرر والنّقع يطفو وبيض الهند راسية ... إن الصواعق يوم الغيم تنكدر أعطى الزبير فتى العلياء صارمه ... لكن بسعدك ما لم يعطه عمر ولّته أظهرها الأبطال خاضعة ... تكبو وتصفعها الهنديّة البتر بحر من الخلق المسرود ملتطم ... يسيل من كل سيف نحوه نصر أمّ ابن الزبير ابن رذمير بداهية ... عضّت ومسّك من أظفاره ظفر لقد نفحت من التّيجان في محم ... وأين من فتكات الضّيغم النّمر؟ لقد نجوت طليق الركض في وهن ... من الأسنّة حتى جاءك القدر خلعت درعا واعتضت الظّلام بها ... وخاض بحر الوغا مركوبك الخطر ومنها: ما بال إنجيلك المتروك ما ذمرت ... نفوس قومك منه الآي والسّور أهديتها غير مشكور مضمّرة ... ملء الأعنّة منها الزّهو والأسر وظلّ طفل من البولاد دانية ... سمراء «1» ترضعه اللبّات والثّغر الجزء: 4 ¦ الصفحة: 350 وعابس للمنايا «1» وهي ضاحكة ... من خدّه بثغور زانها أشر وكل حارسة في الرّوع لابسها ... منسوجة من عيون ما لها نظر أعدت للحرب إنذارا سخوت بها ... على الرّجال التي منها لها وزر قضتك من حمير صيد غطارفة ... فضّ الرجاحة عوص الدهر ينحبر ملثّمون حياء كلّما سفرت لهم ... وجوه المنايا في الوغا سفروا جادوا بطعن كأسماع المحاص ... إلى ضرب كما فغرت أفواهها الحمر وحدت عنها محيّا مروّعة ... فضت بما مجّ في أحشائك الذّعر فرّت إلى حتفها من حتفها فمضت ... والموت يطردها والموت ينتظر قالوا: نجا بذماء «2» النّفس منك فما ... نجا وقد بقرته الحيّة الذّكر توزّعت نفسا على حشيّتها ... من «3» للوساوس يحدو جيشها السّهر؟ نصر عزيز وفتح ليس يعدله ... فتح ولله فيه الحمد والشكر فاهنأ به ابن أمير المسلمين ودم ... للملك ما قامت الآصال والبكر واهنأ بعيدك وافخر شانئيك به ... فإنّها نسك الأسياف لا الجزر جاورت بحرك تغشاني مواهبه ... فمن بذاك ونظمي هذه الدّرر وأنشد أيضا من شعره قوله، رحمة الله عليه: [الخفيف] ركبت خيلها جيوش الضّلال ... وسرت من رماحها بذبال ملقيات دروعها لا لوقت ... فيه تنضو الجلود رقش الصّلال حثّ في إثرها الأمير بعقبا ... ن جياد هوت بأسد رجال في صقيل البريك تحدث للشم ... س بعكس الشّعاع حمّى اشتعال لاث بالريح عمّة من غبار ... ومشى للحديد في أذيال كلّما جرّها على الصّلد أبقت ... كخطوط الصّلال فوق الرمال لبست أمرها على الرّوم حتى ... فجئتها كعادة الآجال أبدلت هامها قصار قدود ... بطوال من الرّماح الطوال والذي فرّ عن سيوفك أودى ... بقنا الرّعب في ثنايا الجبال كنت فيها وأنت في كل حرب ... مغمد النّصل في طلى الأبطال الجزء: 4 ¦ الصفحة: 351 يطلع البدر منك حاجب شمس ... ويرى الليث في إهاب هلال يا لصنهاجة وحولك منهم ... خير جيش عليهم خير وال ملك ليس يركب الدهر إلّا ... كلّ عالي الركاب عالي القذال ما عرا الجدب أو علاه «1» الخطب ... سال غيثا ولاح بدر كمال وحفيف على أمور خفاف ... وثقيل على أمور ثقال لاعب المعطفين بالحمد زهوا ... شيمة الرّمح هزّة في اعتدال مسترقّ النفوس خوفا وحسنا ... إنما السيف هيبة في جمال شيم كالغمام ينشر في الرو ... ض بأندابه صغار اللّآل وسجايا تفتّحت زهرات ... وخلال تسدّ كل اختلال أنت يا تاشفين والله واق ... لك شخص العلا ونفس الكمال ليس آمال من على الأرض إلّا ... أن ترى وأنت غاية الآمال وهنيّا بأن نهضت وأقبل ... ت عزيز النّهوض والإقبال وعلى الكفر منك حرّ مجير ... وعلى الدّين منك برد ظلال يا فتى والزمان نعمى وبؤس ... شرّ حال أفضت إلى خير حال وبما تجزع النفوس من الأم ... ر له فرجة كحلّ العقال ربّ أشياء ليس يبلغ منها ... كنه ما في النّفوس بالأقوال غير أن الكلام إن جلّ قدرا ... وعلا كنت فوقه في الفعال ومن شعره، وقد بيّت العدوّ محلّة الأمير تاشفين، ويذكر حسن ثباته، وقد أسلمه قومه، وهي من القصائد المفيدة، المبدية في الإحسان المعيدة «2» : [الكامل] يا أيها الملك «3» الذي يتقنّع «4» ... من منكم البطل الهمام الأروع «5» ؟ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 352 ومن الذي غدر العدوّ به دجى ... فانفضّ كلّ وهو لا يتزعزع؟ تمضي الفوارس والطعان يصدّها ... عنه ويزجرها «1» الوفاء فترجع والليل من وضح التّرائك والظّبا «2» ... صبح على هام الكماة ممنّع «3» عن أربعين ثنت أعنّتها دجى ... ألفان ألف حاسر ومقنّع لولا رجال كالجبال تعرّضت ... ما كان ذاك السيل مما يردع «4» يتقحّمون على الرماح كأنهم ... إبل «5» عطاش والأسنة تكرع «6» ومن الدّجى لهم «7» على قمم الرّبى ... وذؤابة بين الظّبا تتقطّع نصرت ظلام الكفر ظلمة ليلة ... لم يدر فيها الفجر أين المطلع «8» لولا ثبوتك تاشفين لغادرت ... أخرى الليالي وهيبة لا ترقع فثبتّ والأقدام تزلق والرّدى «9» ... حول السّرادق والأسنّة تقرع لا تعظمنّ «10» على الأمير فإنها ... خدع الحروب وكل حرب تخدع «11» ولكل يوم حنكة وتمرّس ... وتجارب في مثل نفسك تنجع يا أشجع الشجعان «12» ليلة أمسه ... اليوم «13» أنت على التجارب أشجع أهديك من أدب الوغا حكما بها ... كانت ملوك الحرب مثلك تولع لا أنّني أدرى بها لكنها ... ذكرى تخصّ المؤمنين وتنفع اختر من الخلق المضاعفة التي ... وصّى بها صنع السّوابغ تبّع «14» الجزء: 4 ¦ الصفحة: 353 والهند وانى للرفيق «1» فإنه ... أمضى على حلق الدلاص وأقطع ومن الرواجل ما إذا زعزعته ... أعطاك هزّة معطفيه الأشجع ومن الجياد الجرد كلّ مضمّر ... تشجى بأربعه الرياح الأربع والصّمّة البطل الذي لا يلتوي ... منه الصّليب ولا يلين الأخدع وكذاك قدر في العدو حزامة ... فالنّبع بالنّبع المثقّف يقرع خندق عليك إذا اضطربت «2» محلّة ... سيّان تتبع ظافرا «3» أو تتبع واجعل ببابك في الثّقات ومن له ... قلب على هول الحروب مشيّع «4» وتوقّ من كذب الطلائع إنّه ... لا رأي للمكذوب «5» فيما «6» يصنع فإذا احترست بذاك لم يك للعدا ... في فرصة أو في انتهاز مطمع حارب بمن يخشى «7» عقابك بالذي ... يخشى «8» ومن في جود كفّك يطمع قبل التّناوش عبّ جيشك مفحصا «9» ... حيث التمكّن والمجال الأوسع إياك تعبئة الجيوش مضيّقا ... والخيل تفحص بالرجال وتمرع «10» حصّن حواشيها وكن في قلبها ... واجعل أمامك منهم من يشجع والبس لبوسا لا يكون مشهّرا ... فيكون نحوك للعدوّ تطلّع واحتل لتوقع في مضايقة الوغى ... خدعا ترويها وأنت موسّع «11» واحذر كمين الرّوم عند لقائها ... واخفض «12» كمينك خلفها إذ تدفع لا تبقين «13» النهر خلفك عندما ... تلقى العدوّ فأمره «14» متوقّع واجعل «15» مناجزة العدوّ عشيّة ... ووراءك «16» الصدف «17» الذي هو أمنع الجزء: 4 ¦ الصفحة: 354 واصدمه أول وهلة لا ترتدع ... بعد التقدم فالنّكول «1» يضعضع وإذا تكاثفت «2» الرجال بمعرك ... ضنك فأطراف الرّماح توسع حتى إذا استعصت «3» عليك ولم يكن ... إلّا شماس دائم وتمنّع ورأيت نار الحرب تضرم بالظّبا ... ودخانها «4» فوق الأسنّة يسطع «5» ومضت تؤذّن بالصّميل جيادها ... والهام تسجد والصّوارم تركع «6» والرمح يثني معطفيه كأنه ... في الرّاح لا علق الفوارس يكرع والريح تنشأ سجسجا هفّافة ... وهي السّكينة عن يمينك توضع أقص «7» الكمين على العدوّ فإنه ... يعطيك من أكتافه ما يمنع وإذا هزمت عداك فاحذر كرّها ... واضرب وجوه كماتها إذ ترجع وهي الحروب قوى النّفوس وحزبها ... من قوّة الأبدان فيها أنفع ثم انتهض بجميع من «8» أحمدته «9» ... حتى يكون لك المحلّ الأرفع وبذاك «10» تعتب إن تولّت عصبة ... كانت ترفّه للوغى «11» وترفّع من معشر إعراض وجهك عنهم ... فعل الجميل وسخطك المتوقّع يكبو «12» الجواد وكل حبر «13» عالم ... يهفو وتنبو المرهفات القطّع أنّى قرعتم «14» يا بني صنهاجة ... وإليكم في الرّوع كان المفزع؟ ما أنتم إلّا أسود خفيّة «15» ... كلّ بكلّ عظيمة تستطلع «16» الجزء: 4 ¦ الصفحة: 355 ما بال سيدكم تورّط «1» ؟ لم يكن ... لكم التفات نحوه وتجمّع إنسان عين لم يصبه «2» منكم ... جفن وقلب أسلمته الأضلع تلك التي جرّت عليكم خطّة ... شنعاء وهي على رجال أشنع أو ما ليوسف جدّه منن «3» على ... كلّ وفضل سابق لا يدفع «4» ؟ أو ما لوالده عليّ «5» نعمة ... وبكل جيد ربقة لا تخلع؟ ولكم بمجلس تاشفين كرامة ... وشفيعكم فيما يشاء مشفّع ألا رعيتم ذاك وأحسابكم ... وأنفتم من قالة تستشنع أبطأتم عن تاشفين ولم يزل ... إحسانه لجميعكم «6» يتسرّع ردّت مكارمه لكم وتوطّأت ... أكنافه إنّ الكريم سميدع خاف العدى لكن عليكم مشفقا «7» ... فهجعتم «8» وجفونه لا تهجع ومن العجائب أنه مع «9» سنّه ... أدرى وأشهر «10» في الخطوب «11» وأضلع ولقد «12» عفا والعفو منه سجيّة ... ولسطوة لو شاء فيكم موضع يا تاشفين، أقم «13» لجيشك عذره ... فالليل «14» والقدر الذي لا يدفع هجم العدوّ دجى فروّع مقبلا ... ومضى يهينم «15» وهو منك مروّع لا يزدهي إلّا سواك بها ولا ... إلّا لغيرك بالسّنان يقنّع «16» لمّا سددت له الثّنيّة لم يكن ... إلّا على ظهر المنيّة مهيع وكذاك للعيرات «17» إقدام على ... أسد العرين الورد ممّا يجزع الجزء: 4 ¦ الصفحة: 356 ولقد تقفّاها الزبير وقد نجت ... إلّا فلولا إنّ «1» منه المصرع وغدا يعاقب والنفوس حميّة ... والسّمر هيم والصّوارم جوّع أعطش سلاحك ثم أوردها الوغا ... كيما يلذّ لها ويصفو المشرع كم وقعة لك في ديارهم انثنت ... عنها أعزّتها تذلّ وتخضع النّعمة العظمى سلامتك التي ... فيها من الظّفر الرّضى والمقنع لا ضيّع الرحمن سعيك إنه ... سعي به الإسلام ليس يضيّع نستحفظ «2» الرحمن منك وديعة ... فهو الحفيظ لكلّ ما يستودع وفاته: بغرناطة في حدود السبعين وخمسمائة «3» . ومن ترجمة الشعراء من السفر الأخير وهو الثاني عشر المفتتح بالترجمة بعد يحيى بن محمد بن أحمد بن عبد السلام التطيلي الهذلي «4» أصله من تطيلة، وهو غرناطي، يكنى أبا بكر. حاله: قال أبو القاسم الملّاحي: أديب «5» زمانه، وواحد أقرانه، سيال القريحة، بارع الأدب، رائق الشعر، علم في النحو واللغة والتاريخ والعروض وأخبار الأمم، لحق بالفحول المتقدّمين، وأعجزت براعته براعة «6» المتأخرين، وشعره مدوّن، جرى «7» في ذلك كلّه طلق الجموح. ثم انقبض وعكف على قراءة القرآن، وقيام الليل، وسرد الصوم، وصنع «8» المعشّرات في شرف النبيّ عليه الصلاة والسلام. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 357 وأشعاره كثيرة، من الزهد والتذكير للآخرة، والتّجريد من الدنيا، حتى جمع له من ذلك ديوان كبير. شعره: من ذلك قوله من قصيدة: [الطويل] أذوب حياء إن تذكّرت زلّتي ... وحلمك حتى ما أقلّ نواظري وأسكت مغلوبا وأطرق خجلة ... على مثل أطراف القنا والتّواتر تعود بصفح إثر صفح تكرّما ... على الذنب بعد الذنب يا خير غافر وتلحظني بالعفو أثناء زلّتي ... وتنظر مني في خلال جرائر وحقّ هواك المستكنّ بأضلعي ... وما لك عندي من خفيّ ضمائر لما قمت بالمعشار من عشر عشرة ... ولو جئت فيه بالنجوم الزّواهر فيا أيها المولى الصّفوح ومن به ... تنوء احتمالاتي بأعباء شاكر أنلني من برد اليقين صبابة ... ألفّ بها حدّ الهوى والهواجر وخلت الدّجى عذرا أهاب «1» سرى العدا ... إليّ تغطّيني بسود الغدائر وخافت على عيني من السّهد والبكا ... فذرّت بقايا الكحل من جفن ساهر وقال رادّا على ابن رشد حين ردّ على أبي حامد في كتابه المسمى «تهافت التهافت» : [الطويل] كلام ابن رشد لا يبين رشاده ... هو اللّيل يعشى الناظرين سواده ولا سيما نقض التهافت إنه ... تضمّن برساما يعزّ اعتقاده كما اطّرد «2» المحموم في هذيانه ... يفوه بما يملي عليه احتداده أتى فيه بالبهت الصّريح مغالطا ... فما غيّر البحر الخضمّ ثماده وحاول إخفاء الغزالة بالسّها ... فأخفق مسعاه وردّ اعتقاده دلائل تعطيك النّقيضين بالسّوى ... وأكثر ما لا يستحيل عناده إذا أوضح المطلوب منها وضدّه ... يبين على قرب وبان انفراده وأنت بعيد الفكر عن ترّهاته ... فمعظمها رأي يقلّ سداده الجزء: 4 ¦ الصفحة: 358 ومن شعره «1» : إليك بسطت الكفّ في فحمة الدجى ... نداء «2» غريق في الذنوب عريق رجاك ضميري كي تخلّص جملتي ... فكم من فريق شافع لفريق مشيخته: أخذ عن أبيه أبي عبد الله، وحدّث عن الأستاذ أبي الحسن جابر بن محمد التميمي، وعن الأستاذ المقرئ ببلنسية أبي محمد عبد الله بن سعدون التميمي الضرير، عن أبي داود المقرئ. وقرأ أيضا على الخطيب أبي عبد الله محمد بن عروس، وعلى القاضي العالم أبي الوليد بن رشد. مولده: فجر يوم الثلاثاء الخامس والعشرين لمحرم تسعة وخمسين وخمسمائة. وفاته: بغرناظة عام تسعة وعشرين وستمائة. يحيى بن بقي «3» من أهل وادي آش «4» . حاله: بارع الأدب، سيّال القريحة، كثير الشعر جيّده في جميع أنواعه. وكان مع ذلك موصوفا بغفلة. شعره «5» : [الكامل] بأبي غزال غازلته مقلتي ... بين العذيب وبين شطّي بارق الجزء: 4 ¦ الصفحة: 359 وسألت منه قبلة «1» تشفي الجوى ... فأجابني «2» عنها «3» بوعد صادق وأتيت منزله وقد هجع العدا ... أسري إليه كالخيال الطّارق بتنا ونحن من الدّجى في لجّة «4» ... ومن النجوم الزّهر تحت سرادق عاطيته والليل يسحب ذيله ... صهباء «5» كالمسك العتيق «6» لناشق حتى إذا مالت «7» به سنة الكرى ... باعدته «8» شيئا «9» وكان معانقي أبعدته «10» من أضلع تشتاقه ... كي لا ينام على وساد خافق وضممته ضمّ الكميّ لسيفه ... وذؤابتاه حمائل في عاتقي لمّا رأيت الليل ولّى «11» عمره ... قد شاب في لمم له ومفارق ودّعت من أهوى وقلت تأسّفا «12» : ... أعزز عليّ بأن أراك مفارقي وفاته: توفي بمدينة وادي آش سنة أربعين وخمسمائة «13» . يحيى بن عبد الجليل بن عبد الرحمن بن مجبر «14» الفهري فرتشي «15» ، وقال صفوان: إنه بلّشي «16» ، يكنى أبا بكر. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 360 حاله: قال ابن عبد الملك: كان «1» في وقته شاعر المغرب، لم يكن يجري أحد مجراه من فحول الشعراء. يعترف له بذلك أكابر الأدباء، وتشهد له بقوة عارضته وسلامة طبعه قصائده التي صارت مثالا، وبعدت على قربها منالا. وشعره كثير مدوّن، ويشتمل على أكثر من سبعة «2» آلاف بيت وأربعمائة بيت. امتدح الأمراء والرؤساء، وكتب عن بعضهم، وحظي عندهم حظوة تامة، واتصل بالأمير أبي عبد الله بن سعد «3» ، وله فيه أمداح كثيرة. وبعد موته انتقل إلى إشبيلية، وبملازمته للأمير المذكور، وكونه في جملته، استحقّ الذكر فيمن حلّ بغرناطة. ومن أثرته لدى ملوك مراكش، أنه أنشد يوسف بن عبد المؤمن «4» يهنّئه بفتح من قصيدة «5» : [الخفيف] إنّ خير الفتوح ما جاء «6» عفوا ... مثل ما يخطب البليغ «7» ارتجالا قالوا: وكان أبو العباس الجراوي الأعمى الشاعر حاضرا، فقطع عليه؛ لحسادة وجدها، فقال: يا سيدنا، اهتدم فيه بيت ابن «8» وضّاح: [الرجز] خير شراب ما جاء «9» عفوا ... كأنه خطبة ارتجالا «10» فبدر المنصور، وهو حينئذ وزير أبيه، وسنّه في حدود العشرين من عمره، فقال: إن كان قد اهتدمه، فقد استحقّه لنقله إياه من معنى خسيس إلى معنى شريف، فسرّ أبوه لجوابه، وعجب منه الحاضرون. ومرّ المنصور أيام إمرته بأونبة «11» من أرض شلب، ووقف على قبر أبي محمد بن حزم، وقال: عجبا لهذا الموضع، يخرج منه مثل هذا العالم. ثم قال: كلّ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 361 العلماء عيال على ابن حزم. ثم رفع رأسه، وقال: كما أنّ الشعراء عيال عليك يا أبا بكر، يخاطب ابن مجير. شعره: من شعره يصف الخيل العتاق من قصيدة في مدح المنصور» : [الطويل] له خطّت «2» الخيل العتاق كأنها ... نشاوى تهادت «3» تطلب العزف «4» والقصفا عرائس أغنتها الحجول عن الحلى ... فلم تبغ خلخالا ولا التمست وقفا فمن يقق «5» كالطّرس تحسب أنه ... وإن جرّدوه في ملاءته التفّا وأبلق أعطى الليل نصف إهابه ... وغار عليه الصبح فاحتبس النّصفا وورد تغشّى جلده شفق الدّجى ... فإذا حازه حلّى «6» له الذّيل والعرفا وأشقر مجّ الراح صرفا أديمه ... وأصفر لم يسمح بها جلده صرفا وأشهب فضّيّ الأديم مدنّر ... عليه خطوط غير مفهمة حرفا كما خطر «7» الزاهي بمهرق كاتب ... يجرّ «8» عليه ذيله وهو ما جفّا «9» تهبّ على الأعداء منها عواصف ... ستنسف «10» أرض المشركين بها نسفا ترى كلّ طرف «11» كالغزال فتمتري ... أظبيا «12» ترى تحت العجاجة أم طرفا؟ وقد كان في البيداء يألف سربه ... فربّته مهرا وهي تحسبه خشفا تناوله لفظ الجواد لأنه ... متى «13» ما أردت الجري أعطاكه ضعفا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 362 ولمّا «1» اتخذ المنصور ستارة المقصورة بجامعه «2» ، وكانت مدبرة على انتصابها إذا استقرّ المنصور ووزراؤه بمصلّاه، واختفائها إذا انفصلوا عنها، أنشد في ذلك الشعراء، فقال ابن مجبر «3» من قصيدة أولها: [الكامل] أعلمتني ألقي عصا التّسيار ... في بلدة ليست بدار قرار ومنها في وصف المقصورة «4» : طورا تكون بمن حوته محيطة ... فكأنها سور من الأسوار وتكون حينا «5» عنهم مخبوّة «6» ... فكأنها سرّ من الأسرار وكأنما «7» علمت مقادير الورى ... فتصرّفت لهم على مقدار فإذا أحسّت بالإمام «8» يزورها ... في قومه قامت إلى الزّوّار ويكفي من شعر ابن مجبر هذا القدر العجيب، رحمه الله. من روى عنه: حدّث عنه أبو بكر محمد بن محمد بن جمهور، وأبو الحسن بن الفضل، وأبو عبد الله بن عيّاش، وأبو علي الشّلوبين، وأبو القاسم بن أحمد بن حسان، وأبو المتوكل الهيثم، وجماعة. وفاته: توفي بمراكش سنة ثمان وثمانين وخمسمائة «9» ، وسنّه ثلاث وخمسون سنة. يوسف بن محمد بن محمد اليحصبي اللوشي، أبو عمر «10» حاله: من كتاب ابن مسعدة «11» : خطيب الإمامة السّعيدة النّصرية الغالبية، وصاحب قلمها الأعلى. كان شيخا جليلا، فقيها، بارع الكتابة، ماهر الخطّة، خطيبا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 363 مصقعا، منقطع القرين في عصره، منفردا عن النّظير في مصره، عزيزا، أنوفا، فاضلا، صالحا، خيّرا، شريف النفس، منقبضا، وقورا، صموتا، حسن المعاشرة، طيب المحادثة. مشيخته: حدّث عن والده الشيخ الراوية أبي عبد الله، وعن الأستاذ ابن يربوع. ولقي بإشبيلية الأستاذ أبا الحسن الدبّاج، ورئيس النحاة أبا علي الشّلوبين، وغيرهما. شعره: ومن شعره، وإن كان غير كثير، قوله: [الخفيف] شرّد النوم عن جفونك وانظر ... كلمة توقظ النفوس النّياما فحرام على امرئ يشاهد ... حكمة الله أن يلذّ المناما وقوله: [الرمل] ليس للمرء اختيار في الذي ... يتمنّى من حراك وسكون إنّما الأمر لربّ واحد ... إن يشا «1» قال له: كن فيكون وفاته: توفي في المحرم من عام ستين وستمائة، ودفن بمقبرة باب إلبيرة. وحضر جنازته الخاصة والعامة، السلطان فمن دونه، وكلّ ترحّم عليه، وتفجّع له. حدّثني حافده شيخنا، قال: أخرج الغالب بالله، يوم وفاته، جبّة له، لبسته مرفوعة، من ملفّ أبيض اللون، مخشوشنة، زعم أنها من قديم مكسبه من ثمن مغنم ناله، قبل تصيّر الملك إليه، أمر ببيعها، وتجهيزه من ثمنها، ففعل، وفي هذا ما لا ما مزيد عليه من الصّحة والسلامة، وجميل العهد، رحم الله جميعهم. يوسف بن علي الطرطوشي، يكنى أبا الحجاج «2» حاله: من «العائد» : كان، رحمه الله، من أهل الفضل والتواضع، وحسن العشرة، مليح الدّعابة، عذب الفكاهة، مدلّا على الأدب جدّه وهزله، حسن الخط، سلس الكتابة، جيّد الشعر، له مشاركة في الفقه وقيام على الفرائض. كتب بالدار السلطانية، وامتدح الملوك بها، ثم توجّه إلى العدوة، فصحب خطة القضاء عمره، مشكور السيرة، محفوفا بالمبرّة. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 364 وجرى ذكره في «الإكليل» بما نصّه «1» : روض أدب لا تعرف الذّواء «2» أزهاره، ومجموع فضل لا تخفى آثاره، كان في فنون الأدب مطلق الأعنّة، وفي معاركه ماضي الظّبا والأسنّة. فإن هزل، وإلى تلك الطريقة اعتزل، أبرم من الغزل «3» ما غزل، وبذل من دنان راحته ما بذل «4» . وإن صرف إلى المعرب «5» غرب «6» لسانه، وأعاره لمحة من إحسانه، أطاعه عاصيه، واستجمعت لديه أقاصيه. ورد على الحضرة الأندلسية والدنيا شابّة، وريح القبول هابّة، فاجتلى محاسن أوطانها، وكتب عن سلطانها. ثم كرّ إلى وطنه» وعطف، وأسرع اللحاق كالبارق إذا خطف. وتوفي عن سنّ عالية، وبرود من العمر بالية «8» . ومن شعره أيام حلوله بهذه البلاد، قوله يمدح الوزير ابن الحكيم، ويلمّ بذكر السّلم في أيامه: [البسيط] رضاكم إن مننتم خير مرهوب ... وما سوى هجركم عندي بموهوب لكم كما شئتم العتبى وعتبكم ... مقابل الرضى من غير تثريب منوا بلحظ رضى لي ساعة فعسى ... أنال منه لدهري طبّ مطبوب فكم أثارت لي الأيام وابتسمت ... ثغور سعدي بتقريب فتقريب قد كنّ بيضا رعابيبا بقربكم ... والآن يوصفن بالسّود الغرابيب آها لدهر تقضّى لي بباكم ... مرتّب للأماني أيّ ترتيب ما كان إلّا كأحلام سررت بها ... فواصلت حال تقويض بتطنيب يا ليت شعري هل تقضى بعودته ... فأقدر الحسن منه بعد تجريب؟ ومنها: يا أيها السيد الأعلى الذي يده ... حازت ندى السّحب مسكوبا بمسكوب فلو سألنا بلاد الله عن كرم ... فيها لكفّيه والأنواء منسوب لقلن: إن كان جود لا يضاف لذي ال ... وزارتين فجود غير محسوب الجزء: 4 ¦ الصفحة: 365 فالعود جنس ولكن في إضافته ... للهند يختصّ عود الهند بالطّيب من سيّد لا يوفّي الحمد واجبه ... ولو تواصل مكتوبا بمكتوب له المحامد لا تحصى ولا عجب ... فرمل عالج «1» شيّ غير محسوب تناول الشّرف الأقصى بعزمة ذي ... ظنّ نبيل الأماني غير مكذوب وواصل المجد من آياته شرفا ... بمجده وصل أنبوب بأنبوب وجاء مكتسبا أعلى ذخائره ... والمجد ما بين موروث ومكسوب ردء الخليفة لا يرتاح من نصب ... في بذل نصح لحفظ قائم «2» منصوب موفّق الرأي مأمون النّقيبة في ... تدبير ذي حنكة صحّت وتدريب تهابه النفس إذ ترجوه من شرف ... فشأنه بين مرهوب ومرغوب ومنها: يا أوحد العصر في فضل وفي كرم ... خصال قاطع دهر «3» في التّجاريب أعد فديت لأمري منعما نظرا ... ينل به همّ حالي بعض تشبيب لولا ارتكاب حسود الأمر «4» في ضرري ... ما كان ظهر النّوى عندي بمركوب هذا زماني ومنك الأمن حاربني ... حتى أراني في حالات محروب فامنن بتفريج كربي بالرضا فإذا ... رضيت لم أك من شيء بمكروب إن لم أذق من رضاكم ما ألذّ به ... فلا حياة بمأكول ومشروب ومن شعره: [المتقارب] بذكرك تشرح آي العلا ... وتسند أخباره في الصحيح بأفقك يشرق بدر السّنا ... وباسمك يحسن نظم المديح وما يحسن العقد إلّا إذا ... تحلّت به ذات وجه مليح وفاته: كان حيّا عام أحد وأربعين وسبعمائة. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 366 ومن ترجمة المحدّثين والفقهاء وسائر الطلبة النجباء: يحيى بن محمد بن عبد العزيز بن علي الأنصاري يكنى أبا بكر، ويعرف بالعشّاب، ويعرف بالبرشاني «1» . حاله: كان هذا الشيخ من أهل الخير، كثير التؤدة والصمت، معرضا عمّا لا يعنيه. رحل إلى الحج، وأقام هنالك سنين، وقفل منها فخطب بأرجبة «2» . وأخذ ببلاد المشرق عن قطب الدين القسطلانيّ، وأبي الفضل ابن خطيب المري، وزين الدين أبي بكر محمد بن إسماعيل الأنماطي. ولقي أبا علي بن الأحوص بالأندلس ولم يأخذ عنه. أنشدني شيخنا أبو البركات، قال: أنشدني الشيخ أبو بكر البرشاني، وقد لقيته بأرجبة، قال: أنشدنا الإمام أبو عبد الله بن النعمان عن قطب الدين: [الطويل] إذا كان أنسي في لزومي وحدتي ... وقلبي من كلّ البريّة خال فما ضرّني من كان للدّهر «3» قاليا ... وما سرّني من كان فيّ موال ومن العمال يوسف بن رضوان بن يوسف بن رضوان بن يوسف ابن رضوان بن يوسف بن رضوان بن محمد بن خير بن أسامة الأنصاري النّجاري قال القاضي المؤرخ أبو الحسن بن الحسن ممليه: والذي رفع إليّ هذا النسب للركانة هو صاحبنا الفقيه أبو القاسم ولده، ورفع هذا النسب بحاله من التكرار دليل على أصالته. حاله: من أهل الخير والخصوصية، وحسن الرّواء والوقار والحياء والمودّة. نبيه القدر، معروف الأمانة، صدر في أهل العقد والحل ببلده، بيته بيت صون وخير واستعمال، ولو لم يكن من بركات هذا الرجل وآثار فضله إلّا ابنه صدر الفضلاء وبقية الجزء: 4 ¦ الصفحة: 367 الخواص أبو القاسم لكفاه. تولّى قيادة الديوان بمالقة بلده، أرفع الخطط الشرعية العملية، فحمدت سيرته. وفاته: وفاته بمالقة في ... «1» وعلى قبره مكتوب من نظم ولده: [الطويل] إلاهي، خدّي في التراب تذلّلا ... بسطت، عسى رحماك يحيا بها الروح وجاوزت أجداث الممالك خاضعا ... وقلبي مصدوع ودمعي مسفوح ووجّهت وجهي نحو جودك ضارعا ... لعلّ الرضى من جنب حلمك ممنوح أتيت فقيرا والذنوب تؤدني ... وفي القلب من خوف الجرائم تبريح ولم أعتمد إلّا الرّجاء «2» وسيلة ... وإخلاص إيمان به الصّدر مشروح وأنت غنيّ عن عذابي وعالم ... بفقري وباب العفو عندك مفتوح فهب لي عفوا من لدنك ورحمة ... يكون بها من ربقة الذنب تسريح وصلّ على المختار ما همع الحيا ... وما طلعت شمس وما هبّت الريح ومن ترجمة الزهاد والصلحاء يحيى بن إبراهيم بن يحيى البرغواطي «3» من أهل أنفا، من بيت عمال يعرفون ببني التّرجمان، أولي شهرة وشدّة على الناس وضغط. وكان من الحظوة وضدّها بباب سلطانهم ديدن الجباة. غرّب «4» عنهم وانقطع إلى لقاء الصالحين وصحبة الفقراء المتجرّدين، وقدم على الأندلس عابدا، كثير العمل، على حداثة سنّه، ونزل برباط السّودان، من خارج مالقة، واشتهر، وانثال عليه الناس. ثم راض طول ذلك الاجتهاد، وأنس بمداخلة الناس. حاله: هذا «5» الرجل نسيج وحده في الكفاية، وطلاقة اللسان، مدل على أغراض الصوفية، حافظ لكل غريبة من غرائب طريقتهم، متكلّم «6» في مشكلات أقوالهم، قائم على كثير من أخبارهم، يستظهر حفظ جزءي إسماعيل الهروي المسمى ب «منازل السائرين إلى الحق» ، والقصيدة الكبيرة لابن الفارض. عديم النظير في ذلك الجزء: 4 ¦ الصفحة: 368 كله، مليح الملبس، مترفّع عن الكدية، عزيز النفس، قليل الإطراء، حسن الحديث، عذب التّجاوز فيه، على سنن من السّذاجة والسّلامة والرجولة والحمل، صاحب شهرة قرعت به أبواب الملوك بالعدوتين. وعلى ذلك فمغضوض منه، محمول عليه، لما جبل عليه من رفض الاضطلاع «1» ، وترك السّمت، واطّراح «2» التغافل، وولوعه بالنقد والمخالفة في كل ما يطرق سمعه، مرشّحا ذلك بالجدل «3» المبرم، ذاهبا أقصى مذاهب القحة، كثير الفلتات. نالته بسبب هذه البليّة محن كثيرة، أفلت منها بجريعة الذقن، ووسم بالوهن «4» في دينه، مع صحة العقل. وكان الآن عامرا للرّباط المنسوب إلى اللّجام، على رسوم الشياخة، وعدم التابع، مهجور الفناء. مشيخته: زعم أنه حجّ، ولقي جلّة، منهم الشيخ أبو الطاهر بن صفوان المالقي، ولقاؤه إياه وصحبته معروف بالأندلس، وغير ذلك مما يدّعيه متعدّد الأسماء. تواليفه: قيّد «5» الكثير من الأجزاء، منها في نسبة الذنب إلى الذاكر جزء نبيل غريب المأخذ، وفيما «6» أشكل من كتاب أبي محمد ابن الشيخ. وصنّف كتابا كبير الحجم في الاعتقاد «7» ، جلب فيه كثيرا من الأقوال والحكايات «8» ، رأيت عليه بخط شيخنا عبد الله «9» بن المقري ما يدلّ على استحسانه. وطلب «10» مني الكتب عليه بمثل ذلك، فكتبت له ببعض ورقاته «11» ، إثارة لضجره، واستدعاء لفكاهة انزعاجه، ما نصّه: وقفت من الكتاب المنسوب لأبي «12» زكريا البرغواطي، على برسام «13» محموم، واختلاط مذموم، وانتساب زنج في روم، وكان حقّه أن يتهيّب طريقا لم يسلكها، ويتجنّب عقيلة «14» لم يملكها، إذ المذكور لم يتلقّ شيئا من علم الأصول، ولا نظر في الإعراب في فصل من الفصول. إنما الجزء: 4 ¦ الصفحة: 369 هي قحة «1» وخلاف، وتهاون بالمعارف واستخفاف، غير أنه يحفظ في طريق القوم كلّ نادرة، وفيه رجولة «2» ظاهرة، وعنده طلاقة لسان، وكفاية قلّما تتأتّى لإنسان. فإلى الله نسأل «3» أن يعرّفنا بمقادير «4» الأشياء، ويجعلنا بمعزل عن الأغبياء. وقد قلت مرتجلا عند «5» أول نظرة، واجتزأت «6» بقليل من كثرة: [الخفيف] كلّ جار لغاية مرجوّة ... فهو عندي لم يعد حدّ «7» الفتوّه وأراك اقتحمت ليلا بهيما ... مولجا منك ناقة في كوّه «8» لا اتّباعا ولا اختراعا أرتنا «9» ... إذ نظرنا عروسك المجلوّه كلّ ما قلته فقد قاله النا ... س مقالا آياته متلوّه لم تزد غير أن أبحت حمى الإع ... راب في كلّ لفظة مقروّه نسأل «10» الله فكرة تلزم العق ... ل إلى حشمة تحوط «11» المروّه وعزيز عليّ أن كنت «12» يحيى ... ثم لم تأخذ «13» الكتاب بقوّه «14» ومن البرسام الذي يجري على لسانه بين الجدّ والقحة، والجهالة والمجانة، قوله لبعض خدّام باب السلطان، وقد ضويق في شيء أضجره منقولا من خطّه، بعد ردّ كثير منه إلى الإعراب: الله نور السماوات من غير نار ولا غيرها، والسلطان ظلاله وسراجه في الأرض، ولكل منهما فراش مما يليق به ويتهافت عليه، فهو تعالى محرق فراشه بذاته، مغرقهم بصفاته، وسراجه وظلّه. وهو السلطان محرق فراشه بناره، مغرقهم بزيته ونواله. ففراش الله ينقسم إلى حامدين، ومسبّحين، ومستغفرين، وأمناء وشاخصين. وفراش السلطان ينقسمون إلى أقسام، لا ينفكّ أحدهم عنها. وهم وزغة ابن وزغة، وكلب ابن كلب، وكلب مطلقا، وعار ابن عار، وملعون ابن ملعون، وقط الجزء: 4 ¦ الصفحة: 370 ابن قط، ومحق. فأما الوزغة، فهو المحرق في زيت نواله، المشغول بذلك عما يليق بصاحب النّعمة من النصح وبذل الجهد. والكلب ابن الكلب، هو الكيّس المتحرّز في تهافته من إحراق وإغراق، يعطي بعض الحق، ويأخذ بعضه. وأما الكلب مطلقا، فهو الواجد والمشرّد للسفهاء عن الباب المعظّم لقليل النّعمة. وأما العار ابن عار، فهو المتعاطي في تهافته ما فوق الطّوق، ولهذا امتاز هذا الاسم بالرئاسة عند العامة، إذا مرّ بهم جلف أو متعاط، يقولون: هذا العار بن عار، يحسب نفسه رئيسا، وذلك بقرب المناسبة، فهو موضوع لبعض الرئاسة، كما أن الكلب ابن الكلب لبعض الكياسة. وأما الملعون ابن الملعون، فهو الغالط المعاند، المشارك لربّه، المنعم عليه في كبريائه وسلطانه. وأمّا القطّ، فهو الفقير مثلي، المستغنى عنه، بكونه لا تخصّ به رتبة، فتارة في حجر الملك، وتارة في السّنداس، وتارة في أعلى المراتب، وتارة محسن، وتارة مسيء، تغفر سيئاته الكثيرة بأدنى حسنة، إذ هو من الطوافين، متطير بقتله وإهانته، تيّاه في بعض الأحيان لعزّة يجدها في نفسه، من حرمة أبقاها الشارع له، وكل ذلك لا يخفى. وأما الفراش المحق، فهو عند الدّول نوعان، تارة يكون ظاهرا وحظّه مسح المصباح، وإصلاح فتيله، وتصفية زيته، وستر دخانه، ومسايسة ما أعوز من المطلوب منه. ووجود هذا شديد الملازمة ظاهرا. وأما المحقّ الباطن، فهو المشار إليه في دولته بالصلاح والزهد والورع، فتستقبله الخلق لتعظيمه وتركه لما هو بسبيله، فيكون وسيلة بينهم وبين ربّهم، وخليفته الذي هو مصباحهم، فإذا أراد الله بهلاك الدولة، وإطفاء مصباحها تولّى ذلك أهل البطالة والجهالة، فكان الأمر كما رأيتم، والكلّ يعمل على شاكلته. وأفضى به الهوى وتسور حمى السياسة، والإغياء في ميدان القحة إلى مصرع السوء، فجلد جلدا عنيفا بين يدي السلطان، كان سبب وفاته في المطبق، وذلك في شهر المحرم من عام ثمانية وستين وسبعمائة، وقانا الله المعرّات، وجنّبنا سبل المضرّات، وفي كثرة تبجّحه باصطلاح المنطق قيل: [الطويل] لقد كان يحيى منطقيّا مجادلا ... تجارى سيل «1» الهوى وتهوّرا غدا مطلق التقوى وراح مكمّما ... وأصبح من فوق الجدار مسوّرا فما نال من معنى اصطلاح أداره ... سوى أن بدا في نفسه وتصوّرا تجاوز الله عنّا وعنه. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 371 [ ترجمة ابن الخطيب ] بقية السفر الثاني عشر من كتاب الإحاطة مشتملة على ترجمة ابن الخطيب مكتوبة بقلمه بسم الله الرّحمن الرّحيم وصلّى الله على سيّدنا محمد، وعلى آله وصحبه وسلّم تسليما يقول «1» مؤلف هذا الديوان، تغمّد الله خطله في ساعات أضاعها، وشهوة من شهوات اللسان أطاعها، وأوقات للاشتغال بما لا يعنيه، استبدل بها اللهو لما باعها: أمّا بعد حمد الله الذي يغفر الخطيّة، ويحثّ من النّفس اللّجوج المطيّة، فيحرّك «2» ركابها البطيّة، والصلاة «3» على سيدنا ومولانا محمد ميسّر سبل الخير القاصدة «4» الوطيّة، والرضا عن آله وصحبه منتهى القصد «5» ومناخ الطّيّة «6» ، فإني لمّا فرغت من تأليف هذا الكتاب الذي حمل عليه فضل النشاط، مع الالتزام لمراعاة السياسة السلطانية والارتباط، والتفتّ إليه فراقني منه صوان درر، ومطلع غرر، قد تخلّدت مآثرهم بعد «7» ذهاب أعيانهم، وانتشرت مفاخرهم بعد انطواء زمانهم، نافستهم في اقتحام تلك الأبواب، ولباس تلك الأثواب، وقنعت باجتماع الشّمل بهم ولو في الكتاب. وحرصت على أن أنال منهم قربا، وأخذت من «8» أعقابهم أدبا وحبّا، وكما قال «9» : ساقي القوم آخرهم شربا، فأجريت نفسي مجراهم في التّعريف، وحذوت بها حذوهم في باب النّسب والتّصريف، بقصد التشريف، والله لا يعدمني الجزء: 4 ¦ الصفحة: 373 وإيّاهم واقفا يترحّم، وركاب الاستغفار بمنكبيه «1» يزحم، عندما ارتفعت وظائف الأعمال، وانقطعت من التّكسّبات حبال الآمال، ولم يبق إلّا رحمة الله التي تنتاش «2» النفوس وتخلّصها، وتعينها بميسم السّعادة وتخصصها، جعلنا الله ممّن حسن ذكره، ووقف على التماس ما لديه فكره، بمنّه. المؤلف «3» : محمد بن عبد الله بن سعيد بن عبد الله بن سعيد بن علي بن أحمد السّلماني. قرطبي الأصل، ثم طليطليّه، ثم لوشيّه، ثم غرناطيّه. يكنى أبا عبد الله، ويلقّب من الألقاب المشرقية بلسان الدين. أوّليّتي: يعرف بيتنا في القديم ببني وزير «4» ، ثم حديثا «5» بلوشة ببني الخطيب. انتقلوا مع أعلام الجالية القرطبية، كيحيى بن يحيى الليثي وأمثاله، عند وقعة الرّبض الشهيرة «6» إلى طليطلة، ثم تسرّبوا محوّمين على وطنهم، قبل استيلاء الطاغية عليها «7» ، فاستقرّ منهم بالموسطة الأندلسية جملة من النبهاء، تضمّن منهم ذكر خلف «8» ، كعبد الرحمن قاضي كورة باغة، وسعيد المستوطن بلوشة، الخطيب بها، المقرون اسمه بالتّسويد عند أهلها، جاريا مجرى التسمية بالمركّب «9» ، تضمن ذلك تاريخ الغافقي وغيره. وتناسل «10» عقبهم بها، وسكن بعضهم بمنتفريو «11» ، مملكين إياها، مختطين قبل «12» التحصين والمنعة، فنسبوا إليها. وكان سعيد هذا، من أهل العلم، والخير والصلاح، والدّين والفضل، وزكاء الطعمة «13» . وقفني الشيخ المسنّ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 374 الوزير أبو الحكم بن محمد المنتفريدي «1» ، رحمه الله، وهو بقية هذا البيت وإخباريه، على جدار برج ببعض ربى أملاكنا بلوشة، تطأه الطريق المارة من إغرناطة «2» إلى إشبيلية، وقال: كان جدّك يربع «3» بهذا المكان فصولا من العام «4» ، ويجهر بقراءة «5» القرآن، فيستوقف الرّفق «6» المدلجة، الحنين إلى نغمته، والخشوع لصدقه «7» ، فتعرّس رحالها لصق جداره، وتريح ظهرها موهنا، إلى أن يأتي على ورده. وتوفي، وقد أصيب بأهله وحرمته «8» ، عندما تغلب العدوّ على بلده عنوة في خبر طويل. وقفت على مكتوبات من المتوكل على الله، محمد بن يوسف بن هود، أمير المسلمين بالأندلس، [القائم بها بدعوة الأئمة من ولد العباس، رضي الله عنهم، ومن ولده أبي بكر الواثق بالله ولي عهده،] «9» في غرض إعانته، والشّفاعة إلى الملكة زوج سلطان قشتالة، بما يدلّ على نباهة قديم «10» ويفيد إثارة عبرة، واستقالة عثرة. وتخلّف ولده عبد الله، جاريا مجراه في التجلّة «11» ، والتّمعش من حرّ النّشب، والتزيّي بالانقباض، والتحلّي بالنزاهة، إلى أن توفي، وتخلّف ولده سعيد «12» جدّنا الأقرب، وكان صدرا خيّرا، مستوليا على خلال حميدة، من خطّ وتلاوة وفقه، وحساب، وأدب، نافس جيرته من «13» بني الطّنجالي الهاشميين، وتحوّل إلى غرناطة، عندما شعر بعملهم على الثورة، واستطلاعهم إلى النّزوة التي خضدت الشوكة، واستأصلت منهم الشّأفة، وصاهر بها الأعيان من بني أضحى بن عبد اللطيف الهمداني، أشراف جند حمص، الداخلين إلى الجزيرة في طليعة بلج بن بشر القشيري، ولحقه من جرّاء منافسيه، لما جاهروا السلطان بالخلعان، اعتقال أعتبه السلطان بعده وأحظاه على تفئته، وولّاه الأعمال النّبيهة، والخطط الرّفيعة. حدّثني من أثقه «14» ، قال: عزم السلطان أن يقعد جدّك أستاذا لولده، فأنفت من ذلك أمّ الولد، إشفاقا عليه من فظاظة كانت فيه. ثم صاهر القوّاد من بني الجعدالة على أمّ أبي، وتمتّ «15» إلى زوج السلطان ببنوّة الخؤولة، فنبه القدر، وانفسحت الحظوة، وانتاب البيت «16» الرؤساء والقرابة. وكان على قوّة شكيمته، وصلابة مكسرة، مؤثرا للخمول، الجزء: 4 ¦ الصفحة: 375 محبّا في الخير. حدّثني أبي عن أمّه، قالت: قلّما تهنّأنا نحن وأبوك طعاما حافلا لإيثاره به من كان يكمن بمسجد جواره، من أهل الحاجة، وأحلاف الضرورة، يهجم علينا منهم بكل وارش «1» ، يجعل يده ثني يده «2» ، ويشركه في أكيلته، ملتذّا بموقعها من فؤاده. توفي «3» في ربيع الآخر من عام ثلاثة «4» وثمانين وستمائة، صهرته الشمس مستسقيا في بعض المحول، وقد استغرق في ضراعته، فدلّت الحتف على نفسه. وتخلّف والدي، نابتا في التّرف نبت العلّيق، يكنفه رعي أيّم «5» ، تجرّ ذيل النعمة «6» ، وتحنو منه على واحد تحذر عليه الحولى من ولد الذر «7» ، ففاته لترفه حظّ كبير من الاجتهاد. وعلى ذلك فقرأ على الخطيب أبي الحسن البلّوطي، والمقرئ أبي عبد الله بن مستقور «8» ، وأبي إسحاق بن زورال، وخاتمة الجلّة أبي جعفر بن الزّبير، وكان يفضّله. وشارك «9» أهل عصره في الرّواية المستدعاة عن أعلام المشرق، كجار الله أبي اليمن وغيره. وانتقل إلى لوشة بلد سلفه، مقيما للرسم «10» ، مخصوصا بلقب الوزارة، مرتّبا بعادة التّرف «11» ، إلى أن قصدها السلطان أبو الوليد، متخطّيا إلى الحضرة، هاويا إلى ملك البيضة «12» ، وأجزل نزله، وعضّد أمره، وأدخله بلده، لدواع يطول استقصاؤها. ولمّا تمّ له الأمر، صحبه «13» إلى دار ملكه، مستأثرا بشقص 1» عريض من دنياه. وكان من رجال الكمال، طلق الوجه، أنيق المجلس، حلو النادرة، مستوليا على كثير من الخصل، متجنّدا مع الظرف، تضمّن كتاب «التّاج المحلّى» و «الإحاطة» جزءا رائعا «15» من شعره، وفقد في الكائنة العظمى بطريف، يوم الاثنين السابع «16» من جمادى الأولى عام «17» أحد وأربعين وسبعمائة، ثابت الجأش، غير جزوع ولا هيّابة. حدّث «18» الخطيب بالمسجد الجامع من غرناطة، الفقيه أبو الجزء: 4 ¦ الصفحة: 376 عبد الله بن اللوشي، قال: كبا بأخيك الطّرف يومئذ «1» ، وقد غشى العدو، وجنحت إلى إردافه، فانحدر إليه والدك وصرفني، وقال: أنا أولى به، فكان آخر العهد بهما «2» . وخلفني «3» عالي الدرجة، شهير الخطّة، مشمولا بالقبول، مكنوفا بالعناية، «وإن تعدّوا نعمة الله لا تحصوها» . فقلّدني السلطان كتابة سرّه، ولمّا يجتمع الشباب، ويستكمل «4» السّن، معزّزة بالقيادة، ورسوم الوزارة، واستعملني في السّفارة إلى الملوك، واستنابني بدار ملكه، ورمى إلى يدي بخاتمه وسيفه، وائتمنني على صوان ذخيرته «5» وبيت ماله، وسجوف حرمه، ومعقل امتناعه. ومن فصول منشوره: «وأطلقنا يده على كل ما جعل الله لنا النّظر فيه» . ولما هلك، قدّس الله روحه، ضاعف ولده، مولاي رضي الله عنه، حظوتي، وأعلى مجلسي، وقصر المشورة على نصحي، إلى أن كانت عليه الكائنة، فاقتدى فيّ، أخوه المتغلب على الأمر «6» ، فسجل الاختصاص، وعقد القلادة، ثم قطع الإبقاء، وعكس الاختصاص، وحلّ القلادة، لمّا حمله أولو «7» الشحناء من أعوان ثورته على القبض عليّ، فكان ذلك، وقبض «8» عليّ، ونكث ما أبرم من أمانيّ، واعتقلت بحال ترفيه. وبعد أن كبست المنازل والدّور، واستكثر من الحرس، وختم على الأعلاق، وأبرد «9» إلى ما نأى «10» ، فاستؤصلت نعمة لم تكن بالأندلس من ذوات النظائر ولا ربّات الأمثال، في تبحّر الغلّة، وفراهة الحيوان، وغبطة العقار، ونظافة الآلات، ورفعة الثياب، واستجادة العدّة، ووفور الكتب، إلى الآنية والخرثى «11» ، والفرش، والماعون، والزجاج، والمحكم «12» والطّيب، والذّخيرة، والمضارب، والأقبية «13» . واكتسحت السّائمة، وثيران الحرث، وظهر الحمولة «14» ، وقوام الفلاحة، وأذواد «15» الخيل، فأخذ الجميع «16» الجزء: 4 ¦ الصفحة: 377 البيع، وتناهبتها الأسواق، وصاحبها البخس، ورزأتها الخونة، وشمل الخاصة والأقارب الطّلب، واستخلصت «1» القرى والجنّات «2» ، وأعملت الحيل، ودسّت الإخافة، وطوّقت الذنوب، وأمدّ الله بالصبر «3» ، وأنزل السكينة، وانصرف اللسان إلى ذكر الله تعالى، وتعلّقت الآمال به، وطبقت نكبة مصحفيّة «4» ، مطلوبها الذّات، وسبب «5» إفاتتها المال، حسبما قلت عند إقالة العثرة، والخلاص من الهفوة: [الطويل] تخلّصت منها نكبة مصحفيّة ... لفقداني المنصور من آل عامر ووصلت الشّفاعة فيّ مكتتبة بخطّ ملك المغرب، وجعل خلاصي شرطا في العقدة، ومسالمة الدولة، فانتقلت صحبة سلطاني المكفور الحقّ إلى المغرب. وبالغ ملكه في برّي، واغيا في حلّة رعيي منزلا رحبا، وعيشا حفضا، وإقطاعا جمّا، وجراية ما وراءها مرمى، وجعلني بمجلسه صدرا. ثم أسعف قصدي في تهنيء «6» الخلوة بمدينة سلا، منوّه الصّكوك، مهنّأ القرار، متفقّدا باللهى والخلع، مخوّل العقار، موفور الحاشية، مخلّى بيني وبين إصلاح معادي، إلى أن ردّ الله تعالى على السلطان أمير المسلمين أبي عبد الله ابن أمير المسلمين أبي الحجاج ملكه، وصيّر إليه حقّه، وصرف إليه كرسيه، فطالبني بوعد ضربته، وعهد «7» في القدوم عليه بولده أحكمته، ولم يوسعني عذرا، ولا فسح في التّرك مجالا. فقدمت عليه بولده، في اليوم الأغرّ المحجّل، وقد ساءه بإمساكه رهينة ظنّه «8» ، ونغّص مسرّة الفتح بعده، على حال من التقشّف، والرغبة «9» عمّا بيده، وعزف عن الطمع في الكسب «10» وزهد في الرّفد «11» ، حسبما قلت، في بعض المقطوعات في مخاطبته، شكر الله عني فضله: [الكامل] قالوا لخدمته دعاك محمد ... فكرهتها1» وزهدت في التّنويه فأجبتهم أنا والمهيمن كاره ... في خدمة المولى محبّ فيه الجزء: 4 ¦ الصفحة: 378 عاهدت الله على ذلك، وشرحت صدري إلى «1» الوفاء به، وجنحت إلى الانفصال لبيت الله الحرام نشيدة أملي، ومرمى نيّتي، فعلق بي علوق الكرمة، وصارفني بدار العبرة، وخرج لي عن الضرورة، وأراني أنّ مؤازرته أبرّ القربة «2» ، وراكنني إلى عهد بخطه، فسح لعامين أمد الثّواء، واقتدى بشعيب صلوات الله عليه، في خطب «3» الزيادة، وعلى تلك النّسبة، وأشهد من حضر من العلية. ثم رمى إليّ بعد ذلك مقاليد رأيه، وحكم عذلي «4» في اختبارات عقله، وغطّى على «5» جفائي بحلمه، وحثا في وجوه شهواته بتراب زجري، ووقف القبول على وعظي، واستنزل «6» هواي في التحوّل، نابيا «7» عن قصدي، واعترف بقبول نصحي، فاستعنت الله عليه، وعاملت وجهه فيه، من غير تلبّس بخديعة «8» ، ولا تشبّث بولاية، مقتصرا على الكفاية، حذرا من النّقد، خامل المركب، معتمدا على المنسأة «9» ، مستمتعا بخلق النّعل، راضيا بغير النّبيه من الثّوب، مشفقا من موافقة الغرور، هاجرا للزخرف «10» ، صادعا بالحقّ في أسواق الباطل، كافّا عن السّخال «11» براثن السباع، مفوّتا للأصول في سبيل الصّدقة. ثم صرفت الفكر إلى بناء الزاوية والمدرسة والتربة، بكر الحسنات بهذه الخطّة، بل بالجزيرة فيما سلف من المدّة، فتأتى بمنّة الله من صلاح السلطان، وعفاف الحاشية، ونشر «12» الأمن، وروم الثغور، وتثمير الجباية، وإنصاف الحماة والمقاتلة، ومقارعة الملوك المجاورة في إيثار المصلحة الدّينية، والصّدع فوق المنابر، ضمانا عن السلطان بترياق سمّ الثورة، وإصلاح بواطن الخاصّة والعامّة ما الله المجازي عليه، والمعوّض من سهر خلعته على أعطافه، وكدّ أعملته من جرّائه، وخطر اقتحمته من أجله، لا للثّريد الأعفر، ولا للجرد تمرح في الأرسان، ولا للبدر تثقل الأكتاد «13» ، فهو الذي لا يضيع عمل عامل من ذكر أو أنثى، سبحانه إليه الرّجعى، والآخرة والأولى. ومع ذلك فقد عادت هيف إلى أديانها من الاستهداف للشّرور، والاستعراض للمحذور، والنّظر الشّزر المنبعث من خزر العيون، شيمة من ابتلاه الله بسياسة الدّهماء، الجزء: 4 ¦ الصفحة: 379 ورعاية سخطة أرزاق السماء، وقتلة الأنبياء، وعبدة الأهواء، ممّن لا يجعل لله إرادة نافذة، ولا مشيئة سابغة، ولا يقبل معذرة، ولا يجمل في الطلب، ولا يتلبّس مع الله بأدب. ربّنا لا تسلّط علينا بذنوبنا من لا يرحمنا، والحال إلى هذا العهد، وهو أول عام أحد وسبعين وسبعمائة «1» ، على ما ذكرته، أداله الله بحال السّلامة، وبفيأة العافية، والتمتّع بالعبادة، وربّك يخلق ما يشاء ويختار. وقال الشاعر «2» : [مجزوء الكامل] وعليّ أن أسعى ولي ... س عليّ إدراك النجاح ولله فينا سرّ «3» غيب نحن صائرون إليه، ألحفنا الله بلباس التّقوى، وختم لنا بالسّعادة، وجعلنا في الآخرة من الفائزين. نفثت عن بثّ، وتأوّهت عن حمّى، ليعلم «4» بعد المنقلب قصدي، ويدلّ مكتتبي على عقدي. ذكر بعض ما صدر لي من التشريعات الملوكية أيام تأبّشي بهذه الغرور من ذلك ظهير من مولاي السلطان أبي عبد الله، عندما صار له أمر والده المقدّس أبي الحجاج، رحمة الله عليه، وقد ثبتّ في المحمدين، في اسم السلطان، أيّده الله، فلينظره هنالك من تشوّف لاحتفاله واحتفائه، وظاهر برّه واعتنائه. وكتب إليّ مخبرا بما فتح الله عليه، قبل الوصول إليه: «من أمير المسلمين أبي عبد الله محمد ابن مولانا أمير المسلمين أبي الحجاج ابن مولانا أمير المسلمين أبي الوليد بن نصر، أيّد الله أوامرهم، ونصر أجنادهم المظفّرة وعساكرهم، وخلّد مفاخرهم الكريمة ومآثرهم. «إلى وليّنا في الله تعالى، الذي نعلم ما له في الإخلاص لجانبنا من حسن المذاهب، ونعتدّ به اعتدادا يتكفّل بنجاح المقاصد والمآرب، وخلاصتنا، الذي نثني على مجده البعيد الغايات، في الشّاهد والغائب، الفقيه، الوزير الجليل، الصّدر الأوحد المثيل، العالم العلم الأوحد، الرّفيع الشهير، الحسيب الأصيل، الماجد الأثيل الخطير، الخطيب البليغ الكبير، الأوحد، الحافل الفاضل الكامل، إمام البلغاء، وصدر الخطباء، وعلم العلماء، وكبير الرؤساء، الحبيب المخلص، الأودّ الأصفى، الجزء: 4 ¦ الصفحة: 380 أبي عبد الله ابن الوزير الفقيه الجليل، الأعزّ الأرفع، الماجد الأسمى، الصّدر الحافل، الفاضل الكامل، الأعلى الكبير، الخطير الأثير، الأرضى، المعظّم الموقّر، المبرور المقدّس، المرحوم الشهيد، أبي محمد بن الخطيب، وصل الله سعده، وحرس مجده، سلام عليكم، ورحمة الله وبركاته. أما بعد حمد الله، وليّ الحمد وأهله، وناصر الحقّ، ومطلع أنواره، من آفاق رحمته وفضله، وقاهر كل باغ، وخاذله ومذلّه. والصلاة على سيّدنا ومولانا محمد، صفوة أنبيائه، وخاتم رسله، المبتعث بالهدى ودين الحق، ليظهره على الدّين كلّه، نبي الرحمة، الذي ببركة محبّته نلنا الأمنية، في جمع الدّين ونظم شمله، وبفضيلة جاهه عدنا إلى أرفع رتبة ملكنا، وأعلى محلّه. والرضا على آله وصحبه، المقتدين بهديه في أمرهم كله. فكتبناه إليكم، كتب الله لكم، عزّا لا يبلى جديده، وسعدا لا ينقطع مزيده. من حمرائنا بغرناطة، حرسها الله ومهّدها، ولا متعرّف بفضل الله سبحانه إلّا ما عوّد من ألطافه الخفيّة، وأسدى من صنائعه السّنية، وعنايته التي كفلت ببلوغ الأمنية. والحمد لله كثيرا، كما ينبغي لجلاله، ويليق بصفات كماله، وعندنا من إجلالكم، ما يليق بكمالكم، ومن المعرفة بمقداركم، ما يعرب عن حسن اعتقادنا في كريم نجاركم، ومن قدر أحسابكم، ما يلزم بسببه تعظيم جنابكم. وإلى هذا وصل الله سعدكم، وحفظ مجدكم، فإننا بحسب الودّ الذي نصل لمعاليكم، والحب الذي نضاعفه فيكم، خاطبناكم بهذا المكتوب بشرح ما منّ الله علينا من الفتح العظيم الذي أشرقت به أقطار هذه البلاد، وما منّ به من العودة إلى ملكنا المتوارث عن كرام الآباء والأجداد، وما أنعم به من قهر ذوي الشّقاق والعناد. وذلك أنّا، أعزّكم الله، طال علينا المقام برندة، ولم نزل نوجه إلى أهل الحصون التي بغربي مالقة وغيرهم، نقصّ عليهم ما ألزمهم الله من الوفاء ببيعتنا، ونحذّرهم عار النّكث لطاعتنا، إلى أن آن آوان الفرج، ونفذ قضاء الله وقدره، بالعودة إلى ما كنا تغلّبنا عليه. فاقتضى نظرنا أن خرجنا إلى مالقة في مائتي فارس، فما وصلنا واديها، وعلم بنا أهلها، إلّا وخرج لنا جميعهم، ملبّين بالبيعة، فرحين بقدومنا. وفي الحين بادرنا لقتال القصبة حتى استخلصت وأنزل من فيها بنواحيها. وليوم آخر، وصلتنا بيعات أهل الجهات التي تواليها، من أنتقيرة، ولوشة، وبلّش، وصالحة، وقمارش، والحمّة، وسائر الحصون الغربية، فلمّا وصل الخبر إلى الغادر الخاسر، خاف وذعر، ورأى أن لا ملجأ له إلّا أن يفرّ، فجمع شرذمته، وألّف حاشيته، وخرج عن الحمراء ليلا في ليلة الخميس الماضي، قريبا من التاريخ، هاربا إلى أرض الكفّار. وفي صبيحة الليلة، وجّه إلينا أهل حضرتنا، وتوجّهت الأجناد إلى بيعتنا، وانصرفنا إلى دار ملكنا، وحللناها يوم الجزء: 4 ¦ الصفحة: 381 السبت الماضي، من غير حرب ولا قتال، بل بفضل الله تعالى، ذي العظمة والجلال. وعرّفناكم بذلك، لتأخذوا بحظّكم من هذه المسرّة الكبرى، إذ أنتم الحبيب الذي لا يشكّ فيه، والخلاصة، الذي نعلم صدق خلوصه وتصافيه، والله يصل سعودكم، ويحفظ وجودكم، والسلام الكريم عليكم، ورحمة الله وبركاته. وكتب في يوم الأربعاء الرابع والعشرين لجمادى الثانية، من عام ثلاثة وستين وسبعمائة» . وعند استقراري لديه، وقدومي عليه، أصدر لي هذا الظّهير الكريم، بما يظهر من فصوله: «هذا ظهير كريم، أقام مراسم الوفاء، وأحيا معالم الحقّ الفسيحة الأرجاء، وقلص ظلال الجود المتكاثفة الأفياء، وجلى بأنوار الحق ظلم الظّلم والاعتداء، وأدّى الأمانة إلى أهلها إذ كانت متعيّنة الأداء. أمر بتسويغ إنعامه، وإبرام أحكامه، أمير المسلمين عبد الله محمد ابن مولانا أمير المسلمين أبي الحجاج ابن مولانا أمير المسلمين أبي الوليد بن نصر، أعلى الله مقامه وشكر إنعامه، لوليّ مقامه، ومحلّ إجلاله وإعظامه، كبير دولته، وفخر مملكته، ومشيّد سلطانه، وعين زمانه، ظهيره الذي ببركاته أنجحت مقاصده، وحامل لواء وزارته الذي بيمن رأيه عذبت مصادره وموارده، الفقيه الأجلّ الوزير المثيل، الماجد الأثيل، الحسيب الأصيل، العالم العلم، الطّاهر الظّاهر، العظيم المفاخر، الكريم المآثر، إمام البلاغة، وفارس البراعة واليراعة، فخر الرئاسة، ومدبّر فلك السّياسة، الخطيب الحافل، الصّدر الفاضل الشّمائل، الحبيب الخالص، الأودّ الأصفى، أبي عبد الله محمد ابن الوزير الجليل الأوحد الأعلى، الصدر الكبير الخطير الشهير الأسنى، الحافل الفاضل، الظّاهر الطاهر، السّامي الأرقى، المعظّم الموقر، الشهيد المقدّس السعيد، أبي محمد بن الخطيب، وصل الله سعادته، وحرس مجادته، وحفظ رتبته الرّفيعة ومكانته، وبلّغه أمله الأرضى وإرادته. لما كان أبقاه الله مدبّر ملك المولى أبيه، وظهيره الذي لم يزل يدنيه ويصطفيه، وعماده الذي ألقى إليه مقاليد الملك، حين علم أنه صدر الأولياء وواسطة السّلك، ووزيره الذي اعتمده بإدارة أمره، وركن إلى مناصحته في سرّه وجهره، وقلّده نجاد الوزارتين، وحلّاه بحلى الرّئاستين، فاكتفى منه عن الأثر بالعين، ونشر له لواء الولايتين، فتلقّاه بيمينه، وقام مضطلعا بأمره قيام الأسد دون عرينه. وحين انعقد هذا الأمر العلي، قام بسياسة ملكه أحسن قيام وأوفاه، وأداره فأصاب في إدارته مرمى السّداد الذي لم يوافقه إلّا إياه. واستولى في هذه الميادين على غاية الكمال، واضطلع بالرّئاسة والسّياسة اضطلاع أفذاذ الرجال. ولم يزل يدفع عن حماه، الجزء: 4 ¦ الصفحة: 382 ويذبّ عن حوزته بما يحبّه الله ويرضاه، حتى انتظمت بالسّعود أفلاكه المنيفة وأملاكه، ودارت بالتّأييد أفلاكه. ولما كان الشّقي الغادر الذي اغتصب الحقّ، وطهر منه الطرق، قد جار على جانب المعتمد به في ماله، وتعدّى بالبغي على حاله، ظلما وعدوانا، وجورا وطغيانا، لم يقدّم، أيّده الله، عملا، عند العودة إلى ملكه المؤيد، وسلطانه الأسعد، وفخره المجدّد المؤيد، وأخذ الله تعالى له، من الظّالم أعظم الثّار، وأمدّه بإعلامه وإظهاره بأعظم الأنصار، على أن صرف عليه جميع أملاكه التي خلصت له بالشّرع موجباتها، ووضعت في سبيل الاستحقاق بيّناتها، مما كان الغادر قد غصبه له وانتهبه، وقطع بالباطل عنه سببه، ومكّنه، أيّده الله، منها باحتيازها، وتولّى لنفسه إحرازها، وعاد بهذا التّسويغ الملكي يوم عودتها إليه خيرا من أمسه، هنّأه الله الانتفاع بها في العمر الطويل، وحفظها عليه وعلى عقبه، يتملّكها الجيل منهم بعد الجيل. وهي كذا وكذا، بداخل الحضرة وخارجها، وكذا وكذا من البلاد. سوّغ إليه، أيّده الله، ذلك تسويغا شرعيّا، ورفع به عنه فيه الأغراض، رفعا كلّيّا أبديّا، وتبرّأ من حق يتعلّق به، أو شبهة تتطرّق بسببه. فليتصرف، أعزّه الله، في ذلك بما شاء من أنواع التصرفات، على ما توجبه السّنّة الواضحة الآيات، من غير حجر عليه، ولا تعقّب لما لديه. وشمل حكم هذا التّسويغ الجسيم، والإنعام العميم، جميع ما يستغلّ على الأرض والجنّات والكروم، والثّمرات من العوائد المستقبلة عليها، والغلّات، شمولا تاما، مطلقا عاما، وأن يكون هذا ثابتا صحيحا، ومن الشّكّ مزيحا، وحكمه على الأيام، واتصال الشهور والأعوام، متصل الدوام. كتبنا خطّ يدنا شاهدا بإمضائه، وسجّلنا الحكم باستقلاله واقتضائه. فليعلم ذلك من يقف عليه، ويعتبر ما لديه. وذلك في اليوم الثاني لرمضان المعظم من عام ثلاثة وستين وسبعمائة. صح هذا» . ولمّا قضى الله بالانصراف إلى العدوة الغربية، صدرت عن سلطانها أمير المسلمين أبي سالم «1» منشورات رفيعة منها، وقد تشوّفت إلى مطالعة بلاده الغربية، وجهاتها المرّاكشيّة، بقصد لقاء أهل الصلاح والعبادة، وزيارة ملاحد السّادة، ما نصّه: «هذا ظهير كريم أشاد بالتّنويه الفسيح المجال، والإكرام السّابغ الأذيال، وأعاد النعم بعد إبدائها عميمة النّوال، ووارفة الظّلال، وألقى في يد المعتمد به صحيفة الاعتناء حميدة المقال، مقتضبة ديوان الآمال، ورفع له لواء الفخر العزيز المنال، على الجزء: 4 ¦ الصفحة: 383 النّظراء والأمثال. حكم بإعماله، وإمضاء أمره الكريم وامتثاله، عبد الله المستعين بالله إبراهيم ابن مولانا أمير المسلمين، المجاهد في سبيل الله رب العالمين، أبي الحسن ابن مولانا أمير المسلمين المجاهد في سبيل رب العالمين أبي سعيد ابن مولانا أمير المسلمين المجاهد في سبيل رب العالمين أبي يوسف بن عبد الحق. أيّد الله أمره، وأعزّ نصره، للشيخ الفقيه الأجلّ، الأعزّ الأسنى، الوزير الأمجد الأنوه المحترم، الملحوظ، الأثير الأكمل، السّري الحظيّ الذكي الأخلص، أبي عبد الله ابن الشيخ، الوزير، الفقيه الأجلّ، الأعز الأسنى الأمجد، الحسيب الأصيل، الأنوه الأنزه، الأثير الأكمل، المبرور المرحوم أبي محمد بن الخطيب، وصل الله حظوته، ووالى عزّته. جدّد له الحظوة التي يضفى لباسها، وصحح بنظر البرّ والإكرام قيامها وشيّد بمباني الحفاية التي مهّد أساسها، لما وفد على بابه الكريم عائذا بجواره، وملقيا في ساحة العزّ المشيد عصا تسيار ومجريا في ميدان الثّنا جياد أفكاره، ومعتمدا على نظرنا الجميل في بلوغ آماله وحصول أوطاره، فسحنا له في ميدان البرّ والتّرحيب فبلغ مداه، وأنس في حضرتنا الكريمة أنوار العناية التي كانت هداه، وأحللناه من بساطنا المحلّ الذي اشتمل به العزّ وارتداه، وكمل له الأمل ووفّاه. وأذنّا له تفنّنا في إسداء النّعم الثرة، وتلقّي وفادته بوجوه القبول والمبرّة، في زيارة التّربة المقدّسة بشالة «1» المعظمة، حيث ضريح مولانا المقدّس، ومن معه من أسلافنا الكرام، نوّر الله مثواهم، وجعل في الجنة مأواهم. وهذا الغرض الجميل، وإن عدّ من أنواع التكريم، والإحسان العميم، فهو السّعي الذي تصرف إليه وجوه القبول والرضا والاهتمام، والرغبة التي يصفى لها موارد الإسعاف عذوبة الحمام، والتقرّب الذي تؤثره مهاد البرّ المستدام، ولفاعله مزيّة الاعتناء والتّقديم، وجزاء القيام بخدمة سلفنا الكريم، وقد أذنّا له في مشاهدة تلك الجهات من حضرتنا العليّة إلى مرّاكش المحروسة للقاء الأعلام، واجتلاء المعاهد الكرام، والآثار الباقية على الأيام، كيف أحبّ وعلى ما شاء من إراحة أو إلمام، مصحبا بمن ينوّه به في طريقه من الخدّام تنويها للكرامة وتعديدا، وتجديدا للعناية وتأكيدا. فليعلم بذلك، ما له في بابنا الكريم من الاعتناء، وما اعتدنا لمحبي أسلافنا الكرام من الجزاء، ويجري في جميع مآربه وأحواله على النّهج السواء، مراعى حال إيابه إلى مقرّه من حضرتنا العليّة، ومحلّه من بساطنا الأشرف، وعرضه أعمال القائمين ببرّه، وأكرمنا بين أيدينا، فيجني المبادرة إلى توفية آماله، وثمرة أعماله، ويقابل القائم بمبرّته، والله المستعان. وكتب بالمدينة البيضاء، مهّدها الله، في الحادي الجزء: 4 ¦ الصفحة: 384 والعشرين لربيع الثاني عام أحد وستين وسبعمائة: وليعتمد لوزيرنا الشيخ الأجلّ الحظي الأكمل أبو الحسن علي بن العباس، أكرمه الله، على أن يدخله إلى المساكن العلية بقصبة مراكش، حرسها الله، ليشاهد الآثار السلطانية التي انتظمت في سلكنا، وعفّى عليها جديد ملكنا، فليعلم ذلك، وليعمل به، والله المستعان، وكتب في التاريخ المؤرخ به» . وجرّ هذا الإنعام دنيا عريضة، تفتّقت فيها المواهب، ووضحت من اشتهارها المذاهب، شكر الله نعمته، ووالى على تربته رحمته. وصدر لي عن المتصيّر إليه أمره ما نصّه، وهو بعض من جملة، ونوع من أجناس مبرّة: «هذا ظهير كريم، نظم العناية ووصلها، وأجمل الرعاية وفصّلها، وأحرز مواهب السعادة وحصّلها، أمر بإبرامه، والوقوف عند أحكامه، عبد الله المتوكل على الله محمد، أمير المسلمين، المجاهد في سبيل ربّ العالمين، ابن مولانا الأمير عبد الرحمن ابن مولانا أمير المسلمين، المجاهد في سبيل رب العالمين أبي الحسن، ابن مولانا أمير المسلمين، المجاهد في سبيل رب العالمين أبي سعيد، ابن مولانا أمير المسلمين المجاهد في سبيل رب العالمين، أبي يوسف بن عبد الحق، أيّده الله ونصره، وسنى له الفتح المبين ويسّره، للشيخ الفقيه الأجلّ، الأسنى الأعزّ، الأحظى والأرفع، الأمجد الأسنى، الأنوه الأرقى، العالم العلم، الرئيس الأعرف، المتفنّن الأبرع، المصنّف المفيد، الصّدر الأحفل، الأفضل الأكمل، أبي عبد الله، ابن الشيخ الفقيه الوزير الأجلّ، الأسنى الأغرّ، الأرفع الأمجد، الوجيه الأنوه، الأحفل، الأفضل، الحسيب الأصيل الأكمل، المبرور المرحوم أبي محمد بن الخطيب، أيّده الله بوجه القبول والإقبال، وأضفى عليه ملابس الإنعام والإفضال، ورعى له خدمة السّلف الرفيع الجلال، وما تقرّر من مقاصده الحسنة في خدمة أمرنا العال، وأمر في جملة ما سوّغ من الآلاء الوارفة الظّلال، الفسيحة المجال، بأن يجدّد له حكم ما بيده من الأوامر المتقدم تاريخها، المتضمنة تمشية خمسمائة من الفضّة العشرية في كل شهر، عن مرتّب له ولولده الذي لنظره، من مجبى مدينة سلا، حرسها الله، في كل شهر، من حيث جرت العادة أن يتمشى له، ورفع الاعتراض ببابها فيما يجلب من الأدم والأقوات على اختلافها، من حيوان وسواه، وفيما يستفيده خدّامه بخارجها وأحوازها من عنب وقطن وكتّان، وفاكهة وخضر وغير ذلك، فلا يطلب في شيء من ذلك بمغرم ولا وظيف، ولا يتوجّه فيه إليه بتكليف. يتّصل له حكم ما ذكر في كل عام، تجديدا تاما، واحتراما عاما، أعلن بتجديد الحظوة واتصالها، وإتمام النّعمة الجزء: 4 ¦ الصفحة: 385 وإكمالها، من تواريخ الأوامر المذكورة إلى الآن، ومن الآن إلى ما يأتي على الدوام، واتصال الأيام، وأن يحمل جانبه فيمن يشركه أو يخدمه محمل الرّعي، والمحاشاة من السّخرة متى عرضته، والوظائف إذا افترضت، حتى يتّصل له تالد العناية بالطّارف، وتتضاعف أسباب المنن والعوارف، بفضل الله، وتحرّر له الأزواج التي يحرثها، تبالغت من كل وجيبة، ويحاش من كل مغرم أو ضريبة، بالتحرير التّام، بحول الله وعونه. ومن وقف على هذا الظهير الكريم، فليعمل بمقتضاه، وليمض ما أمضاه، إن شاء الله. وكتب في العاشر لشهر ربيع الآخر من عام ثلاثة وستين وسبعمائة. وكتب في التاريخ» . وهذا ومثله، لولا أنه أحظوظ ربما انتفع العقب بوضمها، ورمى غرض الإغفال بسهمها، لم يعن بها، من يرى أن لا جدوى إلّا في التقوى، وأنّ يد الله من هذه الأسباب الضّعيفة أقوى. وأما «1» ما رفع إليّ من الموضوعات العلمية، والوسائل الأدبية، والرسائل الإخوانية، لمّا أقامني الملك صنما يعبد «2» ، وجبلا «3» إليه يستند، صادرة عن الأعلام، وحملة الأقلام، ورؤساء النّثار والنّظام «4» ، فجمّ يضيق عنه الإحصاء، ويعجز عن ضمّ نشره الاستقصاء. فربما «5» تضمّن هذا الكتاب- كتاب الإحاطة- هذا «6» منه كثيرا، منظوما «7» ونثيرا، جرى في أثناء الأسماء، وانتمى إلى الإجادة أكبر الانتماء. غفر الله لي ولقائله، فما كان أولاني وإيّاه بستر وزره «8» ، وإغراء الإضراب بغروره، فأهون بما لا ينفع، وإن ارتفع الكلم الطّيّب لا يدفع «9» ، اللهمّ تجاوز عنّا بكرمك وفضلك «10» . المشيخة: قرأت «11» كتاب الله، عزّ وجلّ، على المكتّب، نسيج وحده، في تحمّل المنزّل حقّ حمله، تقوى وصلاحا، وخصوصيّة وإتقانا، ونغمة، وعناية الجزء: 4 ¦ الصفحة: 386 وحفظا، وتبحّرا في هذا الفن، واضطلاعا بضرائبه «1» ، واستيعابا لسقطات الأعلام، الأستاذ الصالح أبي عبد الله بن عبد الولي العوّاد، كتبا» ثم حفظا، ثم تجويدا، إلى «3» مقرئ أبي عمرو، رحمة الله عليهما. ثم نقلني إلى أستاذ الجماعة، ومطيّة الفنون، ومفيد الطلبة، الشيخ الخطيب «4» أبي الحسن «5» القيجاطي، فقرأت عليه القرآن والعربيّة، وهو أول من انتفعت به «6» . وقرأت على الحسيب «7» الصدر أبي القاسم بن جزي. ولازمت قراءة العربية والفقه والتفسير، على الشيخ الأستاذ الخطيب أبي عبد الله بن الفخّار البيري، الإمام المجمع على إمامته في فن العربية، المفتوح عليه من الله فيه «8» ، حفظا، واضطلاعا «9» ، ونقلا وتوجيها، بما لا مطمع فيه لسواه. وقرأت على قاضي الجماعة الصدر المتفنّن أبي عبد الله بن بكر، رحمه الله. وتأدّبت بالشيخ الرئيس صاحب القلم الأعلى، الصالح الفاضل، أبي الحسن بن الجيّاب. ورويت عن كثير «10» ممن جمعهم الزمان بهذا القطر من أهل الرّواية، كالمحدّث أبي عبد الله بن جابر، وأخيه أبي جعفر، والقاضي الشهير «11» بقيّة السلف، شيخنا أبي البركات ابن الحاج، والشيخ المحدّث الصالح أبي محمد بن سلمون، وأخيه القاضي أبي القاسم بن سلمون، وأبي عمرو ابن الأستاذ أبي جعفر بن الزّبير، وله رواية عالية. والأستاذ اللغوي أبي عبد الله بن بيبش، والمحدّث الكاتب أبي الحسين «12» التّلمساني، والشيخ الحاج أبي القاسم بن البناء، والعدل أبي محمد الزرقون «13» ، يحمل «14» عن الإمام ابن دقيق العيد، والقائد الكاتب ابن ذي الوزارتين أبي عبد «15» الله بن الحكيم، والقاضي المحدّث الأديب، جملة الظّرف، أبي بكر بن شبرين، والشيخ أبي عبد الله بن عبد الملك، والخطيب أبي جعفر الطّنجالي، والقاضي أبي بكر بن منظور، والرّاوية أبي عبد الله بن حزب الله، كلّهم من مالقة، والقاضي أبي عبد الله المقري التّلمساني، والشّريف أبي علي حسن بن يوسف، الجزء: 4 ¦ الصفحة: 387 والخطيب الرئيس أبي عبد الله بن مرزوق، كلّهم من تلمسان. والمحدّث الفاضل الحسيب أبي «1» العباس بن يربوع السّبتي «2» ، والرئيس أبي محمد الحضرمي السّبتي «3» ، والشيخ المقرئ أبي محمد بن أيوب المالقي، آخر الرواة عن ابن أبي الأحوص، وأبي عثمان بن ليون من «4» ألمرية، والقاضي أبي الحجاج المنتشاقري «5» من أهل رندة، وطائفة كبيرة من المعاصرين، ومن أهل العدوة الغربية والمشرق «6» ، الكثير بالإجازة. وأخذت الطبّ والتّعاليم «7» وصناعة التعديل عن الإمام أبي زكريا بن هذيل «8» ، ولازمته. هذا على سبيل الإلمام «9» . ولو تفرّغت لذكرهم «10» ، لخرج هذا التّقييد «11» عمّا وضع له. التواليف: من ذلك «12» : «اللمحة البدرية، في الدولة النّصرية» ، والحلل المرقومة، و «مثلى الطّريقة» ، و «السّحر والشّعر» ، و «ريحانة الكتّاب» في أسفار ثمانية، وكتاب «المحبّة» في سفرين، و «الصّيّب والجهام» مجموع شعري، و «معيار الاختيار» ، و «مفاضلة بين مالقة وسلا» . و «رسالة الطّاعون» ، و «المسائل الطبّية» ، سفر. و «الرّجز في عمل التّرياق» . و «اليوسفي في الطّب» ، في سفرين. و «التّاج المحلّى» ، في سفر. و «نفاضة الجراب» ، في أربعة أسفار. و «البيزرة» في سفر. «والبيطرة» في سفر، جامع لما يرجع إليها من محاسن الخيل، وغير ذلك. ورسالة «تكوين «13» الجنين» . و «الوصول، لحفظ الصحة في الفصول» . و «رجز الطّب» . و «رجز الأغذية» . و «رجز السّياسة» . وكتاب «الوزارة» ، و «مقامة السّياسة» . وكتاب «الإحاطة» هذا في خمسة عشر سفرا. إلى ما صدر مني في هذا العهد القريب، وهي «الغيرة، على أهل الحيرة» ، و «حمل الجمهور، على السّنن المشهور» . و «الزّبدة الممخوضة» ، و «الرّميمة» . و «الرّد على أهل الإباحة» ، و «سدّ الذّريعة، في تفضيل الشّريعة» . و «تقرير الشّبه، وتحرير المشبّه «14» » . و «استنزال اللطف الموجود، في سر الوجود» . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 388 ومن التواليف الصادرة قديما «1» : «بستان الدول» ، وهو موضوع غريب، ما سمع بمثله، قلّ أن شذّ عنه فنّ من الفنون، يشتمل على شجرات عشر: أولها شجرة السلطان، ثم شجرة الوزارة، ثم شجرة الكتابة، ثم شجرة القضاء والصلاة، ثم شجرة الشّرطة والحسبة، ثم شجرة العمل، ثم شجرة الجهاد، وهو فرعان، أسطول وخيول. ثم شجرة ما يضطر باب الملك إليه من الأطبّاء، والمنجمين، والبيازرة «2» ، والبياطرة، والفلاحين، والندماء، والشّطرنجيين، والشعراء والمغنّين. ثم شجرة الرّعايا. وتقسيم هذا كله غريب، يرجع إلى شعب وأصول، وجراثيم وعمد، وقشر ولحاء، وغصون، وأوراق، وزهرات مثمرات «3» وغير مثمرات، مكتوب على كل جزء من هذه الأجزاء «4» اسم الفن المراد به. وبرنامجه صورة بستان، كمل منه نحو ثلاثين «5» جزءا تقارب الأسفار، ثم قطع عنه الحادث على الدولة. و «أبيات الأبيات» . و «فتات الخوان، ولقط الصّوان» في سفر، يتضمن المقطوعات. و «عائد الصلة» في سفرين، وصلت به «صلة» الأستاذ أبي جعفر بن الزبير. و «تخليص الذهب في اختيار عيون الكتب الأدبيات» . و «جيش التّوشيح» . و «طرفة العصر، في دولة بني نصر» ، ثلاثة أسفار. إلى غير ذلك، حتى في الموسيقا وسواها. هذر كثّف به الحجاب، ولعب بالنفس الإعجاب، وضاع الزمان ولا تسل بين الرّد والقبول والنفي والإيجاب. ولله درّ القائل «6» : [السريع] والكون أشراك نفوس الورى ... طوبى لنفس حرّة فازت إن لم تحز معرفة الله قد ... أورطها الشيء الذي حازت وكلّ ميسّر لما خلق له، ولا حول ولا قوة إلّا بالله العلي العظيم. هذا «7» ، وقد ذكرت مؤلفات ابن الخطيب، التي أوردها في ختام ترجمته لنفسه، بصور مختلفة، وفقا لتواريخ كتابتها، وقد أورد لنا المقري منها صورة رتّبت على نمط آخر، وبها زيادات لم ترد في نسخة الإسكوريال مما يدلّ على أن نسخة الإحاطة التي وردت بها، قد كتبت في وقت لاحق. وقد رأينا أن ننقلها فيما يلي: الجزء: 4 ¦ الصفحة: 389 التواليف: «1» «التّاج المحلّى، في مساجلة القدح المعلّى» . و «الكتيبة الكامنة، في أدباء المائة الثامنة» . و «الإكليل الزاهر، فيما فضل عند نظم التّاج من الجواهر» . ثم «النّفاية «2» ، بعد الكفاية» ، هذا في نحو «القلائد» و «المطمحين» لأبي نصر الفتح بن محمد. و «طرفة العصر، في دولة بني نصر» ، في أسفار ثلاثة. و «بستان الدول» موضوع غريب ما سمع بمثله ... (الخ الأوصاف التي وردت في البيان السابق) . وديوان شعري في سفرين، سمّيته الصّيّب والجهام، والماضي والكهام» . والنثر في غرض السّلطانيات كثير. والكتاب المسمّى ب «اليوسفي في صناعة الطّب» في سفرين كبيرين، كتاب ممتع، و «عائد الصّلة» ، وصلت به صلة الأستاذ أبي جعفر ابن الزبير، في سفرين. وكتاب «الإحاطة بما تيسّر من تاريخ غرناطة» ، كتاب كبير في أسفار تسعة، هذا متّصل بآخرها. و «تخليص الذهب، في اختيار عيون الكتب الأدبيات الثلاثة» . و «جيش التّوشيح» في سفرين. ومن بعد الانتقال إلى الأندلس، وما وقع من كياد الدولة: «نفاضة الجراب في علالة الاغتراب» ، موضوع جليل في أربعة أسفار. وكتاب «عمل من طبّ، لمن حبّ» ، ومنزلته في الصناعة الطبية، بمنزلة كتاب أبي عمرو بن الحاجب المختصر في الطريقة الفقهية، لا نظير له. ومن الأراجيز المسمّاة ب «رقم الحلل في نظم الدول» . والأرجوزة المسماة ب «الحلل المرقومة، في اللمع المنظومة» ، ألفيّة من ألف بيت في أصول الفقه. والأرجوزة المسمّاة ب «المعلومة» ، معارضة للمقدمة المسمّاة ب «المجهولة» ، في العلاج من الرأس إلى القدم، إذا أضيفت إلى رجز الرئيس أبي علي، كملت بها الصّناعة كمالا لا يشينه نقص. والأرجوزة المسماة ب «المعتمدة، في الأغذية المفردة» . والأرجوزة في «السياسة المدنية» . إلى ما يشذّ عن الوصف، كالرجز «في عمل الترياق الفاروقي» ، و «الكلام على الطاعون المعاصر» ، و «الإشارة» ، و «قطع السلوك» ، و «مثلى الطريقة، في ذمّ الوثيقة» . حتى في الموسيقى «3» والبيطرة والبيزرة. هذر «4» به كثف الحجاب، ولعب بالنفس الإعجاب «5» ، ولله درّ القائل: الشعر السابق ذكره. الشعر: من ذلك قولي في الجناب الكريم النّبوي، شرفه الله، وهو من أوليات نظمي في ذلك الغرض «6» : [الكامل] هل كنت تعلم في هبوب الريح ... نفسا يؤجّج لاعج التّبريح؟ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 390 أهدتك من مشج «1» الحجاز تحيّة ... غاضت «2» لها عرض الفجاج الفيح بالله قل لي كيف نيران الهوى ... ما بين ريح بالفلاة «3» وشيح؟ وخضيبة المنقار تحسب أنها ... نهلت بمورد دمعي المسفوح باحت بما تخفي وناحت في الدّجى ... فرأيت في الآفاق دعوة نوح نطقت، بما يخفيه قلبي، أدمعي ... ولطالما صمتت عن التّصريح عجبا لأجفاني حملن شهادة ... عن خافت بين الضلوع جريح ولقلّما كتبت رواة مدامعي ... في طرّتيها «4» حلية التّجريح جاد «5» الحمى بعدي وأجراع الحمى ... جود تكلّ به متون الريح هنّ المنازل ما فؤادي بعدها ... سال، ولا وجدي بها بمريح حسبي ولوعا أن أزور بفكرتي ... زوّارها والجسم رهن نزوح فأبثّ فيها من حديث صبابتي ... وأحثّ فيها من جناح جنوحي ودجنّة كادت تضلّ بني «6» الشّرى ... لولا وميضا بارق وصفيح رعشت «7» كواكب جوّها فكأنها ... ورق تقلّبها بنان شحيح صابرت منها لجّة مهما ارتمت ... وطمت رميت عبابها بسبوح حتى إذا الكفّ الخضيب بأفقها ... مسحت بوجه للصباح صبيح شمت المنى وحمدت إدلاج السّرى ... وزجرت للآمال كلّ سنيح فكأنما ليلي نسيب قصيدتي ... والصّبح فيه تخلّص «8» لمديح لمّا حططت لخير من وطئ الثّرى ... بعنان كلّ مولّد وصريح رحمى إله العرش بين عباده ... وأمينه الأرضى على ما يوحي والآية الكبرى التي أنوارها ... ضاءت أشعّتها بصفحة يوح «9» ربّ المقام «10» الصّدق والآي التي ... راقت بها أوراق كلّ صحيح كهف «11» الأنام إذا تفاقم معضل ... مثلوا بساحة بابه المفتوح يردون منه على مثابة راحم ... جمّ الهبات عن الذنوب صفوح الجزء: 4 ¦ الصفحة: 391 لهفي على عمر مضى أنضيته ... في ملعب للتّرّهات فسيح «1» يا زاجر الوجناء يعتسف الفلا ... والليل يعثر في فضول مسوح يصل السّرى سبقا إلى خير الورى ... والرّكب بين موسّد وطريح لي في حمى ذاك الضّريح لبانة ... إن أصبحت لبنى «2» أنا ابن ذريح وبمهبط الرّوح الأمين أمانة ... اليمن فيها والأمان لروحي يا صفوة الله المكين مكانه ... يا خير مؤتمن وخير نصيح أقرضت فيك الله صدق محبّتي ... أيكون تجري فيك غير ربيح؟ حاشا وكلّا أن «3» تخيب وسائلي ... أو أن أرى مسعاي غير نجيح إن عاق عنك قبيح ما كسبت يدي ... يوما فوجه العفو غير قبيح واخجلتا «4» من حلبة «5» الفكر التي ... أغريتها بغرامي المشروح قصرت خطاها بعد ما ضمّرتها ... من كلّ موفور الجمام جموح مدحتك آيات الكتاب فما عسى ... يثني على علياك نظم مديحي «6» وإذا كتاب الله أثنى مفصحا ... كان القصور قصار كلّ فصيح صلّى عليك الله «7» ما هبّت صبا ... فهفت بغصن في الرّياض مروح واستأثر الرحمن جلّ جلاله ... عن خلقه بخفيّ سرّ الروح وأنشدت السلطان ملك المغرب ليلة الميلاد الأعظم من عام ثلاثة وستين وسبعمائة هذه القصيدة «8» : [الطويل] تألّق نجديّا فأذكرني نجدا ... وهاج بي الشّوق المبرّح والوجدا وميض رأى برد الغمامة معقلا «9» ... فمدّ يدا بالتّبر أعلمت البردا تبسّم في مجريّة «10» قد تجهّمت ... فما بذلت وصلا ولا ضربت وعدا وراود منها فاركا قد تنعّمت ... فأهوى لها نصلا وهدّدها رعدا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 392 فحلّتها «1» الحمراء من شفق الضّحى ... نضاها وحلّ المزن من جيدها عقدا لك الله من برق كأنّ وميضه ... يد الساهر المقرور قد قدحت زندا تعلّم من سكّانه شيم النّدى ... فغادر أجراع الحمى روضة تندى وتوّج من نوّارها قنن «2» الرّبا ... وختّم من أزهارها القضب الملدا لسرعان ما كانت مناسف للصّبا ... فقد ضحكت زهرا وقد خجلت وردا بلاد عهدنا في قرارتها الصّبا ... يقلّ لذاك العهد أن يألف العهدا إذا ما النّسيم اعتلّ في عرصاتها ... تناول فيها البان والشّيح والرّندا فكم في مجاني وردها من علاقة ... إذا ما استثيرت أرضها أنبتت وجدا إذا استشعرتها النّفس عاهدت الجوى ... إذا ما التمحتها العين عاقدت السّهدا ومن عاشق حرّ إذا ما استماله ... حديث الهوى العذريّ صيّره عبدا ومن ذابل يحكي المحبّين رقّة ... فيثني إذا ما هبّ عرف الصّبا قدّا سقى الله نجدا ما نضحت بذكرها ... على كبدي إلّا وجدت لها بردا وآنس قلبي فهو للعهد حافظ ... وقلّ على الأيام من يحفظ العهدا صبور وإن لم يبق إلّا ذبالة ... إذا استقبلت مسرى الصّبا اشتعلت وقدا صبور إذا الشّوق استجاد كتيبة ... تجوس خلال الصّبر كان لها بندا وقد كنت جلدا قبل أن يذهب النّوى ... ذمائي وأن يستأصل العظم والجلدا أأجحد حقّ الحبّ والدمع شاهد ... وقد وقع التّسجيل من بعد ما أدّى؟ تناثر في إثر الحمول «3» فريده ... فلله عينا من رأى الجوهر الفردا جرى يققا في ملعب الخدّ «4» أشهبا ... وأجهده ركض الأسى فجرى وردا ومرتحل أجريت دمعي خلفه ... ليرجعه فاستنّ في إثره قصدا وقلت لقلبي: طر إليه برقعتي ... فكان حماما في المسير بها هدّا سرقت صواع العزم يوم فراقه ... فلجّ ولم يرقب صواعا «5» ولا ودّا وكحّلت عيني من غبار طريقه ... فأعقبها دمعا وأورثها سهدا إلى الله كم أهدى بنجد وحاجر ... وأكنى بدعد في غرامي أو سعدى الجزء: 4 ¦ الصفحة: 393 وما هو إلّا الشّوق ثار كمينه ... فأذهل نفسا لم تبن عنده قصدا وما بي إلّا أن سرى الركب موهنا ... وأعمل في رمل الحمى النّصّ والوخدا وجاشت جنود الصّبر والبين والأسى ... لديّ فكان الصّبر أضعفها جندا ورمت نهوضا واعتزمت مودّعا ... فصدّني المقدور عن وجهتي صدّا رقيق بدت للمشترين عيوبه ... ولم تلتفت دعواه فاستوجب الرّدّا تخلّف عنّي ركب طيبة عانيا ... أما آن للعاني المعنّى بأن يفدى؟ مخلّف سربي «1» قد أصيب جناحه ... وطرن فلم يسطع مراحا ولا مغدى نشدتك يا ركب الحجاز، تضاءلت ... لك الأرض مهما استعرض السّهب وامتدّا وجمّ لك المرعى وأذعنت الصّوى ... ولم تفتقد ظلّا ظليلا ولا وردا إذا أنت شافهت الدّيار بطيبة ... وجئت بها القبر المقدّس واللّحدا وآنست نورا من جناب محمد ... يجلّي القلوب الغلف «2» والأعين الرّمدا فنب عن بعيد الدار في ذلك الحمى ... وأذر به دمعا وعفّر به خدّا وقل يا رسول الله عبد تقاصرت ... خطاه وأضحى من أحبّته فردا ولم يستطع من بعد ما بعد المدى ... سوى لوعة تعتاد أو مدحة تهدى تداركه يا غوث العباد برحمة ... فجودك ما أجدى وكفّك ما أندى أجار بك الله العباد من الرّدى ... وبوّأهم ظلّا من الأمن ممتدّا حمى دينك الدّنيا وأقطعك الرّضا ... وتوّجك العليا وألبسك الحمدا وطهّر منك القلب لمّا استخصّه ... فجلّله نورا وأوسعه رشدا دعاه فما ولّى هداه فما غوى ... سقاه فما يظما، جلاه فما يصدا تقدّمت مختارا، تأخّرت مبعثا ... فقد شملت علياؤك القبل والبعدا وعلّة هذا الكون أنت، وكلّ ما ... أعاد وأنت «3» القصد فيه وما أبدى وهل هو إلّا مظهر أنت سرّه ... ليمتاز في الخلق المكبّ من الأهدى ففي عالم الأسرار ذاتك تجتلي ... ملامح نور لاح للطّور فانهدّا وفي عالم الحسن «4» اغتديت مبوّأ ... لتشفي من استشفى وتهدي من استهدى فما كنت لولا أن ثبتّ «5» هداية ... من الله مثل الخلق رسما ولا حدّا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 394 فماذا «1» عسى يثني عليك مقصّر ... ولم يأل فيك الله «2» شكرا ولا حمدا بماذا عسى يجزيك هاو على شفا ... من النار قد أسكنته «3» بعدها الخلدا عليك صلاة الله يا خير مرسل ... وأكرم هاد أوضح الحقّ والرّشدا «4» عليك صلاة الله يا كاشف العمى ... ومذهب ليل الشّرك «5» وهو قد اربدّا إلى كم أراني في البطالة كانعا ... وعمري قد ولّى، ووزري قد عدّا تقضّى زماني في لعلّ وفي عسى ... فلا عزمة تمضي ولا لوعة تهدا حسام جبان كلّما شيم نصله ... تراجع بعد العزم والتزم الغمدا ألا ليت شعري هل أراني ناهدا ... أقود القلاص البدن والضّامر النّهدا رضيع لبان الصدق فوق شملّة «6» ... مضمّرة وسّدت من كورها «7» مهدا فتهدي بأشواقي السّراة إذا سرت ... وتحدي بأشعاري «8» الرّكاب إذا تحدى إلى أن أحطّ الرّحل في تربك الذي ... تضوّع ندّا ما رأينا له ندّا وأطفىء في تلك الموارد غلّتي ... وأحسب قربا مهجة شكت البعدا بمولدك «9» اهتزّ الوجود فأشرقت ... قصور ببصرى ضاءت الهضب والوهدا ومن رعبه الأوثان خرّت مهابة ... ومن هوله إيوان كسرى قد انهدّا وغاض له الوادي وصبّح عزّه ... بيوتا لنار الفرس أعدمها الوقدا رعى الله منها ليلة أطلع الهدى ... على الأرض من آفاقها القمر السّعدا وأقرض ملكا قام فينا بحقّها ... لقد أحرز الفخر المؤثّل والمجدا وحيّا على شطّ الخليج محلّة ... يحالف من ينتابها العيشة الرّغدا وجاد الغمام العدّ فيها خلائفا ... مآثرهم لا تعرف الحصر والعدّا عليّا وعثمان «10» ويعقوب، لا عدا ... رضى الله ذاك النّجل والأب والجدّا حموا وهم في حومة البأس والنّدى ... فكانوا الغيوث المستهلّة والأسدا ولله ما قد خلّفوا من خليفة ... حوى الإرث عنهم والوصيّة والعهدا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 395 إذا ما أراد الصّعب أغرى بنيله ... صدور العوالي والمطهّمة الجردا فكم معتد أردى وكم تائه هدى ... وكم حكمة أخفى وكم نعمة أبدى أبا سالم، دين الإله بك اعتلى ... أبا سالم، ظلّ الإله بك امتدّا فدم من دفاع الله تحت وقاية ... كفاك بها أن تسحب الحلق السّردا ودونكها منّي نتيجة فكرة ... إذا استرشحت للنظم كانت صفا صلدا ولو تركت منّي الليالي صبابة ... لأجهدتها ركضا وأرهقتها شدّا ولكنه جهد المقلّ على الثّوى «1» ... وقد أوضح الأعذار من بلغ الجهدا ومن ذلك قصيدة أنشدتها مولاي السلطان الغني بالله بمحضري بالمشور الحافل، المتّخذ بعد الرجوع إلى الأندلس، في بعض ليالي المولد الكريم، المنوّه بوليمتها، وهي خاتمة النّظم في هذا الغرض المقتضى الإلمام، بمدح السلطان، صرف الله وجوهنا إليه «2» : [الخفيف] ما على القلب بعدكم «3» من جناح ... أن يرى طائرا بغير جناح وعلى الشّوق أن يشبّ إذا هبّ ... بأنفاسكم نسيم الصباح جيرة الحيّ، والحديث شجون «4» ... والليالي تلين بعد الجماح أترون السّلوّ خامر قلبي ... بعدكم «5» لا وفالق الإصباح ولو اني أعطى اقتراحي على ال ... أيام ما كان بعدكم باقتراحي «6» ضايقتني فيكم صروف الليالي ... واستدارت عليّ دور الوشاح وسقتني كأس الفراق دهاقا ... في اغتباق مواصل باصطباح «7» واستباحت من جدّتي وفتائي «8» ... حرما لم أخله بالمستباح قصفت صعدة انتصاري وفلّت ... غرب عزمي المعدّ يوم كفاحي «9» الجزء: 4 ¦ الصفحة: 396 لم تدع لي من السلاح سوى مغ ... فر شيب أهوى به من سلاح عاجلتني به وفي الوقت فضل ... لاهتزازي إلى الهوى وارتياح فكأنّ الشباب طيف خيال ... أو وميض قما عقيب التماح ليل أنس دجى وأقصره ليل ... جاذبت برده يمين صباح صاح والوجد مشرب والورى صف ... فان من منتش «1» وآخر صاح يا ترى والنفوس أسرى الأماني «2» ... ما لها عن وثاقها من سراح هل يباح الورود بعد ذياد؟ ... أو يتاح اللقاء بعد انتزاح؟ وإذا أعوز الجسوم التّلاقي ... ناب عنه تعارف الأرواح «3» جاء عهد الهوى من السّحب هام ... مستهلّ الوميض ضافي المناح كلّما أخضل الرّبوع بكاء ... ضحكت فوقها ثغور الأقاحي «4» عادني من تذكّر العيد عيد ... كان منّي للعين عيد الأضاحي «5» سفحت فيه للدموع دما ... فهي فوق الخدود ذات انسياح وركاب سروا وقد شمل اللي ... ل بمسح الدّجى جميع النّواحي «6» وكأنّ الظّلام عسكر زنج ... ونجوم الدّجى نصول الرّماح حملت منهم ظهور المطايا ... أيّ جدّ بحت وعزم صراح ستروا الوجد وهو نار وكان ال ... ستر يجدي لولا هبوب الرّياح خلّفوني من بعدهم يائس الطّر ... ف ثقيل الخطا مهيض الجناح وجدوها مثل القسيّ ضمورا ... قد برت منهم سهام قداحي وطووا طوع باعث الوجد والشّو ... ق إلى الأبطحيّ غير البطاح مصطفى الكون من ظهور النّبيّي ... ن هداة الأنام سبل الفلاح حجّة الله حكمة الله سرّ ال ... لّه في كل غاية وافتتاح حاشر الخلق عاقب الرّسل المث ... بت بالله بعدهم والماحي «7» صاحب المعجزات لا يتمارى ال ... عقل في آي للحسان صحاح من جماد يقرا وقمر يشقّ ... ومن الماء من بنان الرّاح الجزء: 4 ¦ الصفحة: 397 دعوة الأنبياء منتظر الكو ... ن ودعوى البشير باستفتاح مظهر الوحي مطلع الحقّ معنى ال ... خلق فتح المهيمن الفتّاح أيّ غيث من رحمة الله هام ... وسراج بهديه وضّاح ما الذي يشرح امرؤ في رسول ... عاجل الله صدره بانشراح؟ شقّه الروح ثم طهّر منه ال ... قلب من بعد بالبرود القراح مدحتك الرّسل أيا «1» خاتم الرّس ... ل فمن لي بعدّها بامتداح؟ ولعجز النفوس عن درك الحق ... ق وإيقافها وقوف افتضاح صلوات الإله يا نكتة الكو ... ن على مجدك اللّباب القراح عدد القطر والرّمال وما ... عاقب دهر غدوه برواح وجزاك الإله أفضل ما يج ... زى كرام الأئمّة النّصّاح أسفي كم أرى طريد ذنوب ... أوبقتني فليس لي من براح قد غزتني الخطوب غزو الأعادي ... وبرتني الهموم بري القداح سبق الحكم واستقلّ وهل يم ... حى قضاء «2» قد خطّ في الألواح؟ لا لدنيا جنحت ألهو «3» فيها ... لا لدين خلصت لا لصلاح قاطعا في الغرور برهة عمري ... خسرت صفقتي وخاب قداحي «4» طمع الشّيب باللّجام المحلّى ... حين أبديت أن يردّ جماحي «5» فأبت نفسي اللّجوج وجدّت ... في سموّ إلى الهوى وطماح يا طبيب الذنوب تدبيرك النا ... جع في علّتي ضمين النّجاح يا مجلّي العمى وكافي الدّواهي ... ومداوي المرضى وآسي الجراح سدّ باب القبول دوني وما لي ... يا غياثي سواك من مفتاح خصّك الله بالكمال وزند ال ... كون لم تقترن بكفّ اقتداح قبل أن يوجد الوجود وأن يت ... حف بالنّور ظلمة الأشباح وأضاءت من بعد ميلادك الأر ... ض وهزّت له اهتزاز ارتياح فسرى الخصب في الجسوم الهزالى ... وجرى الرّسل في الضّروع الشحاح ولقد روعيت لديه حقوق ... أقطعتها العدا جناب اطّراح الجزء: 4 ¦ الصفحة: 398 لمعالي محمد بن أبي الحج ... جاج ليث العدا وغيث السّماح ناصر الحقّ مرسل النّفع سحبا ... بين سمر القنا وبيض الصّفاح ومريد الجياد أرض الأعادي ... وهي مختالة لفرط المراح يتلاعبن بالظّلال عرابا ... غذّيت في الفلا لبان اللّقاح يا سراج النّادي وحتف الأعادي ... وعماد الملك الكريم المنّاح جمع الله من حلى آل عبّا ... س لعلياك في سبيل امتداح بين رأي موفّق واعتزام ... مستعين وصارم سفّاح وخفضت الجناح في الأرض حتى ... لم تدع فوق ظهرها من جناح أنت مصباحها ونور دجاها ... دافع الله عنك من مصباح محّص الله منك ياقوتة المل ... ك وينبوع العدل والإصلاح بخطوب أرت حديث سليم ... ن وجاءت بالحادث المجتاح بيدي فاقد الحجا هلهل النّس ... ج أخي جرأة وربّ اجتراح نال منها عقبى مسيلمة الكذ ... ذاب إذ عاند الهوى وسجاح ثم ردّ الأمور ردّا جميلا ... لك «1» من بعد فرقة وانتزاح فاجره في الورى الجميل وعامل ... منه كنز الغنى ومثوى الرّياح واشتر الحمد بالمواهب واعقد ... عقدها في مطنّة الأرياح بركات السّماء تبتدر الأر ... ض إذا استودعت بدور السّماح وتهنّأ منه «2» بدنيا سعيدا ... جاء للمعلوات وفق اقتراح وتمتّع منه بهالة ملك ... أطلعت منك أيّ بدر لياح مشور «3» الرّأي مجمع الحفل مثوى ... كلّ ذمر «4» وسيّد جحجاح ومقام السّلام في مدة السّل ... م وغاب الأسود يوم الكفاح ملتقى حكمة وملعب إلها ... م ومغنى السّرور والأفراح أين كسرى وأين إيوان كسرى؟ ... لا يغلّ «5» الخضمّ بالضّحضاح «6» الجزء: 4 ¦ الصفحة: 399 أين نور الأبدان من عنصر النا ... ر إذا ما اعتبرته يا صاح بنية كان فضلها لك مذخو ... را كزهر الرّياض في الأدواح حين طاب الزّمان واعتدل الفص ... ل استجدّت وبادرت بافتتاح هاكها قد تتوّجت بالمعاني ... واكتست حلّة اللّغات الفصاح حين غاض الشّباب وارتجع الفك ... ر وضاق الخطو العريض السّاح جهد قلب لفقت «1» بعد جهاد ... نقطة من قليبه الممتاح ومعاني البيان منّ عذاري ... لا يبح «2» للشّيوخ عقد نكاح مع شيخ «3» سوى الرجوع إلى اللّ ... هـ ونجوى أهل التّقى والصّلاح ولزوم الباب الذي يجبر الكس ... ر ووصل السؤال والإلحاح وعلى ذاك «4» فهي ساحرة الأح ... داق تري بكلّ خود رداح تنفث السّحر في الجفون وتهدي ... طرر الحسن في الوجوه الملاح دمت في عزّة ورفعة قدر ... بين مغدى موفّق ومراح ما تولّت دهم الدّجنّة غدوا ... وجرت خلفهن شهب الصّباح ومن غرض الأمداح قولي في امتداح سلطان المغرب أبي عنان، لما توجّهت إليه رسولا، محمّلا مصالح البلاد والعباد، واستدعى الشعر مني فقلت «5» : [الكامل] أبدى لداعي الفوز وجه منيب ... وأفاق من عذل ومن تأنيب كلف الجنان إذا جرى ذكر الحمى ... والبان حنّ له حنين النّيب «6» والنّفس لا تنفكّ تكلف بالهوى ... والشّيب يلحظها بعين رقيب رحل الصّبا فطرحت في أعقابه ... ما كان من غزل ومن تشبيب أترى التّغزّل بعد أن ظعن الصّبا ... شأني الغداة أو النّسيب نسيبي «7» ؟ أنّى لمثلي بالهوى من بعد ما ... للوخط في الفودين أيّ دبيب لبس البياض وحلّ ذروة منبر ... منّي ووالى الوعظ فعل خطيب الجزء: 4 ¦ الصفحة: 400 قد كان يسترني ظلام شبيبتي ... والآن يفضحني صباح مشيبي «1» وإذا الجديدان «2» استجدّا أبليا ... من لبسة «3» الأعمار كلّ قشيب سلني عن الدهر الخؤون وأهله ... تسل المهلّب عن حروب شبيب «4» متقلّب الحالات فاخبر تقله ... مهما أعدت يدا إلى تقليب فكل الأمور إذا اعترتك لربّها ... ما ضاق لطف الرّبّ عن مربوب قد يخبأ المحبوب في مكروهها ... من يخبأ المكروه في المحبوب واصبر على مضض الليالي إنها ... لحوامل سيلدن كلّ عجيب واقنع بحظّ لم تنله بحيلة ... ما كلّ رام سهمه بمصيب يقع الحريص على الرّدى ولكم غدا ... ترك التّسبّب أنفع التّسبيب من رام نيل الشيء قبل أوانه ... رام انتقال يلملم «5» وعسيب فإذا جعلت الصبر مفزع معضل ... عاجلت علّته بطبّ طبيب وإذا استعنت على الزمان بفارس «6» ... لبّى نداءك منه خير مجيب بخليفة الله الذي في كفّه ... غيث يروّض ساح كلّ جديب المنتقى من طينة المجد الذي ... ما كان يوما صرفه بمشوب يرمي الصّعاب بسعده «7» فيقودها ... ذللا على حسب الهوى المرغوب ويرى الحقائق من وراء حجابها ... لا فرق بين شهادة ومغيب من آل عبد الحقّ حيث توشّحت ... شعب العلى وربت بأيّ كثيب أسد الشّرى سرج الورى فمقامهم ... لله بين محارب وحروب إمّا دعا الداعي وثوّب صارخا ... ثابوا وأمّوا حومة التّثويب شهب ثواقب والسماء «8» عجاجة ... مأثورها قد صحّ بالتّجريب ما شئت في آفاقها من رامح ... يبدو وكفّ بالنّجيع خضيب عجبت سيوفهم لشدّة بأسهم ... فتبسّمت والجوّ في تقطيب الجزء: 4 ¦ الصفحة: 401 نظموا بلبّات العلا واستوسقوا ... كالرّمح أنبوبا على أنبوب تروي العوالي في المعالي «1» عنهم ... أثر النّدى المولود والمكسوب عن «2» كلّ موثوق به إسناده ... بالقطع أو بالوضع غير معيب فأبو عنان عن عليّ نصّه ... للنّقل عن عثمان عن يعقوب جاءوا كما اتّسق الحساب أصالة ... وغدوا فذالك «3» ذلك المكتوب متجسّدا من جوهر النور الذي ... لم ترم يوما شمسه بغروب متألّقا من مطلع الحقّ الذي ... هو نور أبصار وسرّ قلوب قل للزمان وقد تبسّم ضاحكا ... من بعد طول تجهّم وقطوب هي دعوة الحقّ التي أوضاعها ... جمعت من الآثار كلّ غريب هي دعوة العدل الذي شمل الورى ... فالشّاة لا تخشى اعتداء الذّيب لو أنّ كسرى الفرس أدرك فارسا ... ألقى إليه بتاجه المعصوب لمّا حللت بأرضه متملّيا» ... ما شئت من برّ ومن ترحيب شمل الرّضا فكأنّ كلّ أقاحة ... تومي بثغر للسلام شنيب وأتيت في بحر القرى أمّ القرى ... حتى حططت بمرفإ التقريب فرأيت أمر «5» الله من ظلّ التّقى ... والعدل تحت سرادق مضروب ورأيت سيف الله مطرور الشّبا «6» ... يمضي القضاء بحدّه المرهوب وشهدت نور الحقّ ليس بآفل ... والدّين والدّنيا على ترتيب ووردت بحر العلم يقذف موجه ... للناس من درر الهدى بضروب لله من شيم كأزهار الرّبى ... غبّ انثيال العارض المسكوب وجمال مرأى في رداء مهابة ... كالسيف مصقول الفرند مهيب يا جنّة، فارقت من غرفاتها ... دار القرار بما اقتضته ذنوبي «7» الجزء: 4 ¦ الصفحة: 402 أسفي على ما ضاع من حظّي بها ... لا تنقضي ترحاته ونحيبي «1» إن أشرقت شمس شرقت بعبرتي ... وتفيض في وقت الغروب غروبي «2» حتى لقد علّمت ساجعة الضّحى ... شجوي وجانحة الأصيل شحوبي «3» وشهادة الإخلاص توجب رجعتي ... لنعيمها من غير مسّ لغوب يا ناصر الدين الحنيف، وأهله ... إنضاء مسغبة وفلّ خطوب حقّق ظنون بنيه فيك فإنهم ... يتعلّلون بوعدك المرقوب ضاقت مذاهب نصرهم فتعلّقوا ... بجناب عزّ من علاك رحيب ودجا ظلام الكفر في آفاقهم ... أو ليس صبحك منهم بقريب «4» ؟ فانظر بعين العزّ من ثغر غدا ... حذر العدا يرنو بطرف مريب نادتك أندلس ومجدك ضامن ... أن لا تخيب لديك في مطلوب «5» غصب العدوّ بلادها وحسامك ... الماضي الشّبا مسترجع المغصوب أرها «6» السّوابح في المجاز حقيقة ... من كلّ قعدة محرب وجنيب يتأوّد الأسل المثقّف فوقها ... وتجيب صاهلة رغاء نجيب «7» والنّصر يضحك كلّ مبسم غرّة ... والفتح «8» معقود بكلّ سبيب والرّوم فارم بكلّ نجم ثاقب ... يذكي بأربعها شواظ لهيب بذمايل «9» السّلب التي تركت بني ... زيّان بين مجدّل وسليب وأضف إلى لام الوغى ألف القنا ... تظهر لديك علامة التّغليب إن كنت تعجم بالعزائم عودها ... عود الصّليب اليوم غير صليب ولك الكتائب كالخمائل أطلعت ... زهر الأسنّة فوق كلّ قضيب فمرنّح العطفين لا من نشوة ... ومورّد الخدّين غير مريب يبدو سداد الرأي في راياتها ... وأمورها تجري على تجريب الجزء: 4 ¦ الصفحة: 403 وترى الطّيور عصائبا من فوقها ... لحلول يوم في الضّلال عصيب هذّبتها بالعرض يذكر يومه ... عرض الورى للموعد المكتوب وهي الكتائب إن تنوسي عرضها ... كانت مدوّنة بلا تهذيب «1» حتى إذا فرض الجلاد جلاده «2» ... ورأيت ريح النّصر ذات هبوب قدّمت سالبة العدوّ وبعدها ... أخرى بعزّ النّصر ذات وجوب «3» وإذا توسّط نصل «4» سيفك عندها ... جزأي قياسك فزت بالمطلوب وتبرّأ الشّيطان لمّا أن علا ... حزب الهدى من حزبه المغلوب الأرض إرث والمطامع جمّة ... كلّ يهشّ إلى التماس نصيب وخلائف التّقوى هم ورّاثها ... فإليكها «5» بالحظّ والتّعصيب لكأنّني بك قد تركت ربوعها ... قفرا بكرّ الغزو والتّعقيب «6» وأقمت فيها مأتما لكنّه ... عرس لنسر بالفلاة وذيب وتركت مفلتها بقلب واجب ... رهبا وخدّ بالأسى مندوب «7» تبكي نوادبها وينقلن الخطا ... من شلو طاغية لشلو صليب «8» جعل الإله البيت منك مثابة ... للعاكفين وأنت خير مثيب فإذا ذكرت كأنّ هبّات الصّبا ... قضت بمدرجها لطيمة «9» طيب لولا ارتباط الكون بالمعنى الذي ... قصر الحجا عن سرّه المحجوب قلنا لعالمك الذي شرّفته ... حسد البسيط مزيّة التركيب ولأجل قطرك شمسها ونجومها ... عدلت عن التّشريق للتّغريب تبدو بمطلع أفقها فضّيّة ... وتغيب عندك «10» وهي في تذهيب مولاي، أشواقي إليك تهزّني ... والنّار تفضح عرف عود الطّيب الجزء: 4 ¦ الصفحة: 404 بحلى علاك أطلتها وأطبتها ... ولكم مطيل وهو غير مطيب طالبت أفكاري بفرض بديهها ... فوفت بشرط الفور والتّرتيب متنبّئ «1» أنا في حلا تلك العلا ... لكنّ شعري فيك شعر حبيب الطّبع «2» فحل والقريحة حرّة ... فاقبله بين نجيبة ونجيب لكنّني سهّلتها وأدلتها ... من كلّ وحشيّ بكلّ ربيب «3» هابت مقامك فاطّبيت صعابها ... حتى غدت ذللا على التّدريب إن كنت قد قاربت في تعديلها ... لا بدّ في التّعديل من تقريب «4» عذري لتقصيري وعجزي ناسخ ... ويجلّ منك العفو عن تثريب من لم يدن لله فيك بقربة ... هو من جناب الله غير قريب والله ما أخفيت حبّك خيفة ... إلّا وأنفاسي عليّ تشي بي «5» وقولي في امتداح سلطاني لما احتفل لإعذار «6» ولده، واستركب الفرسان لمزاملة الهدف الخشبي المتّخذ في الجو المسمّى بالطّبلة، وأرسل جوارح الأكلب الضخام، المجتلبة من أرض ألان، خلف فحول البقر الطّاغية الشّرس، تمسكها من آذانها وأجنابها، حتى تتمكن منها الرّجال، وغير ذلك من أوضاع الإعذار وجزئيّاته. وهي آخر الشّعر في هذا الغرض، لخجل السلطان من تنزّلي إلى ذلك، وترفيهي عنه تجلّة، أجلّه الله، وكرّمه لديه «7» : [الطويل] شحطت وفود الليل بان به الوخط «8» ... وعسكره الزّنجيّ همّ به القبط أتاه وليد الصّبح من بعد كبرة ... أيولد أجنى «9» ناحل الجسم مشمطّ؟ كأنّ النجوم الزّهر أعشار سورة ... ومن خطرات الرّجم أثناءها مطّ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 405 وقد وردت نهر المجرّة سحرة ... غوائص فيه مثلما تفعل البطّ وقد جعلت تفلي بأنملها الدّجى «1» ... ويرسل «2» منها في غدائره مشط يحفّ «3» عباب الليل عنها جواهر «4» ... فيكثر فيها النّهب للحين واللّقط فعادت «5» خيالا مثلها، غير أنّه ... من البثّ والشكوى يبين له لغط سرت سلخ شهر في تلفّت مقلة ... على كثب «6» الأحلام تسمو وتنحطّ لي الله من نفس شعاع ومهجة ... إذا قدحت لم يخب من زندها سقط ونقطة قلب أصبحت منشأ الهوى ... وعن نقطة مفروضة ينشأ الخطّ «7» فأقسم لولا زاجر الشّيب والنّهى ... ونفس لغير الله ما خضعت قطّ لريع لها الأحراس منّي بطارق ... مفارقه شمط وأسيافه شمط تناقله كوماء «8» سامية الذّرى ... ويقذفه شهم من النّيق منحطّ ولولا النّهى لم تستبن «9» سبل الهدى ... وكاد وزان الحقّ يدركه الغمط ولولا عوادي الشّيب لم يبرح الهوى ... يهيّجه نوء على الرّمل مختطّ ولولا أمير المسلمين محمد ... لهالت بحار الرّوع واحتجب الشّطّ ينوب عن الإصباح إن مطل الدّجى ... ويضمن سقيا السّرح إن عظم القحط تقرّ له الأملاك بالشيم العلا ... إذا بذل المعروف أو نصب القسط أرادوه فارتدّوا وجاروه فانثنوا ... وساموه في مرقى الجلالة فانحطّوا «10» تثرّ «11» على المدّاح غرّ خلاله ... وما رسموا فوق الطّروس وما خطّوا «12» تعلّم منه الدهر حاليه في الورى ... فآونة يسخو وآونة يسطو «13» الجزء: 4 ¦ الصفحة: 406 ويجمع «1» بين القبض والبسط كفّه ... بحكمة من في كفّه القبض والبسط خلائق قد طابت مذاقا ونفحة ... كما مزجت بالبارد العذب إسفنط «2» أسبط الإمام الغالبيّ محمد ... ويا فخر ملك كنت أنت له سبط وقتك أواقي الله من كلّ غائل ... فأيّ سلاح ما المجنّ وما اللّمط «3» لقد زلزلت منك العزائم دولة ... أناخت على الإسلام تجني وتشتطّ إيالة غدر ضعضع «4» الله ركنها ... ونادى بأهلها «5» التّبار فلم يبطوا «6» على قدر جلّى بك الله بؤسها ... ولا يكمل البحران أو ينضج الخلط وكانوا نعيم الجنّتين تفيّأوا ... ولمّا يقع منها النزول أو الهبط «7» فقد عوّضوا بالأثل والخمط بعدها ... وهيهات أين الأثل منهم «8» أو الخمط فمن طائح فوق العراء مجدّل ... ومن راسف في القيد أرهقه الضغط أنمت على مهد الأمان عيونها ... فيسمع من بعد السّهاد لها غطّ وصمّ صدى الدنيا فلمّا رحمتها ... تزاحم مرتاد عليها ومحتطّ «9» وألحف «10» منك الله أمّة أحمد ... أمانا كما يضفو على الغادة المرط وأحكمت عقد السّلم لم تأل بعده ... وجاء فصحّ العقد واستوثق الرّبط وأيقن مرتاب وأصحب نافر ... وأذعن معتاص وأقصر مشتطّ ولله مبناك الذي معجزاته ... أبت «11» أن توافيها الشّفاه أو الخطّ وأنست غريب الدار مسقط رأسه ... ومن دون فرخيه القتادة والخرط «12» الجزء: 4 ¦ الصفحة: 407 تناسبت الأوضاع فيه «1» وأحكمت ... على قدر حتى الأرائك والبسط فجاء على وفق العلا رائق الحلى ... كما سمّط المنظوم أو نظم السّمط ولله إعذار دعوت له الورى ... فهبّوا لداعيه المهيب وإن شطّوا تقودهم الزّلفى ويدعوهم الرّضا ... ويحدوهم الخصب المضاعف والغبط وأغريت بالبهم العلاج تحفّيا ... فلم يدّخر الشيء الغريب ولا السّمط «2» أتت صورا «3» معلولة عن مزاجها ... وأصل اختلاف الصّورة المزج والخلط قضيت بها دين الزمان ولم يزل ... ألدّ «4» كذوب الوعد يلوي ويشتطّ وأرسلت يوم السّبق كلّ طمرّة ... كما ترسل «5» الملمومة النّار والنّفط رنت عن كحيل كالغزال إذا رنا ... وأوفت بهاد كالظّليم إذا يعطو «6» وقامت على منحوتة من زبرجد ... تخطّ على الصّم الصّلاب إذا تخطو وكلّ عتيق من تماثيل «7» رومة ... تأنّق في استخطاطه القسّ والقمط وطاعته نحر السّكاك أعانها ... على الكون عرق واشج ولحا سبط تلقّف حيّات العصى إذا هوت ... فثعبانها لا يستتم «8» له سرط أزرت بها بحر الهواء سفينة ... على الجود «9» لا الجوديّ كان لها حط وطاردت مقدام الصّوار «10» بجارج ... يصاب به منه الصّماخ أو الإبط وجيء بشبل الملك ينجد عزمه ... عليه الحفاظ الجعد والخلق السّبط سمحت به لم ترع فرط ضنانة ... وفي مثلها من سنّة يترك الفرط فأقدم مختارا وحكّم عاذرا ... ولم يشتمل مسك عليه ولا ضبط ولو غير ذات الله رامته نضنضت «11» ... قنا «12» كالأفاعي الرّقط أو دونها الرّقط وأسد نزال من ذؤابة خزرج ... بهاليل لا روم القديم ولا قبط جلادهم مثنى إذا اشتجر الوغى ... كأنّ رعاء بالعضاه لها خبط الجزء: 4 ¦ الصفحة: 408 كتائب أمثال الكتاب تتاليا ... فمن بيضها شكل ومن سمرها نقط دليلهم القرآن يا حبّذا الهدى ... ورهطهم الأنصار يا حبّذا الرّهط وبيض كأمثال البروق غمامها ... إذا وشحت سحب القتام دم عبط ولكنه حكم يطاع وسنّة ... وأعمال برّ لا يليق بها الحبط وربّة نقص للكمال مآله ... ولا غرو فالأقلام يصلحها القطّ فهنّيته صنعا ودمت مملّكا ... عزيزا تشيد المعلوات وتختطّ ودون الذي يهدي ثناؤك في الورى ... من الطّيب ما تهدي الألوّة والقسط «1» رضيت ومن لم يرض بالله حاكما ... ضلالا فلله الرّضا وله السّخط حياتك للإسلام شرط حياته ... ولا يوجد المشروط إن عدم الشّرط ومن أغراض النسيب قولي في الأوليات والله ولي المغفرة «2» : [الطويل] تعلّقته من دوحة الجود والباس ... قضيبا لعوبا بالرّجاء وبالياس دروبا بتصريف «3» اليراعة والقنا ... طروبا بحمل المشرفيّة والكاس «4» يذكّر «5» فيه الصّبح عند انصداعه ... جمال رواء في تأرّج أنفاس ويبدو لعيني شعره وجبينه ... إذا ما سفحت الحبر في صفح قرطاس أجال من الشوق المبرّح غارة ... على أربع من جني صبري أدراس فظاهرت من سرد السّقام ملامة ... وأوجفت من شفر الدموع بأمراس لك الله من ربى طواك على الظّما ... ومن أمل لم أجن منه سوى ياس ومن قمر سعد عشوت لنوره ... فسعّر أحشائي وصعّد أنفاسي «6» إذا ما شرعت اللّحظ نحوي عابسا ... أقول لقلبي «7» ضاع ما بين جلّاسي «8» أيا عبد شمس الحسن هل لك قدرة ... على سطوة السّفاح من آل عباس؟ سجمت على هول الغرام بمهجة ... تعامت فلم تدر النّعيم من الياس الجزء: 4 ¦ الصفحة: 409 توهّج نار الخدّ نار جوانحي ... ويعيث وسواس الحلى بوسواس يا قلب، صبرا في الغرام وحسبة ... لمن تشكّى بالدّاء والممرض الآس ومطلولة الأعطاف جرّت ذيولها ... على مسكة من مسكة الغاسق القاسي يحدّق من أجفانه نرجس الرّبى ... وهدّد من آذانه ورق الآس لعمرك ما أرى وقد ثقّف النّهى ... إذا التبس الحقّ المبيّن بالياس أتلك شمال أم شمول مدارة ... على كل غصن في الحديقة ميّاس؟ لقد ضعضعت حلمي ولم أر نسمة ... تضعضع من هبّاتها جبل راس رعى الله أجراع الحمى دار صبوتي ... ومربع آلامي ومعهد إيناسي فما كان فيه الوصل إلّا علالة ... كنقبة مرتاح ونهبة خلّاس وقالوا: أبعت العيش بعد فراقنا ... فلفّفت أدراني حياء على الرّاس ثقوا بوفائي ما استقلّت جوارحي ... ورعي ذمامي ما تماسك إحساسي ولا تعذروني إن نسيت عهودكم ... وإن رفع الله الجناح عن الناس فؤادي غنيّ بالوفاء وربما ... تسجّل في صبري وثيقة إفلاس لي الله من قلب خفوق معذّب ... يرى أنّ ما بالموت في الحبّ من باس تجول بنات الفكر حول خياله ... كما حفّ جوّال الفراش بنبراس أفوّض للرحمن أمري في الهوى ... وأعلق كفّي من حماه بأمراس وآمل لطف الله فيه فإنه ... أبرّ بميثاق وأوفى بقسطاس وقلت في النّسيب كذلك: [الطويل] أما وخيال في المنام يزور ... وإن كان عندي أنّ ذلك زور لقد ضقت ذرعا بالشّوى «1» بعد بعدكم ... على أنني للنائبات صبور أدافع في شوقي ووجدي كتائبا ... تزلزل رضوى عندها وثبير «2» سرايا إذا ما الليل مدّ رواقه ... على ساحة الصّبر الجميل ثغير برى جسدي فيكم غرام ولوعة ... إذا سكن الليل البهيم تثور ولا أنني إذ «3» ما اهتدى نحو مضجعي ... خيالكم بالليل حين يزور الجزء: 4 ¦ الصفحة: 410 ولو شئت في طيّ الكتاب لزرتكم ... ولم تدر عنّي أحرف وسطور؟ تذكّرت عهدا طال بعد انصرامه ... عليه الأسى وانجاب وهو قصير وقد طلعت للرّاح في ظلماته ... نجوم توالي حثّهن بدور وتبنّيتم الوصل في روضة الرّضا ... بليلا وأكواس السرور تدور وعهدا بعين الدمع «1» للدمع بعده ... موارد في آماقنا وبحور عهود منى غصّ الزمان بحسنها ... فغار عليها والزمان غيور فها أنا أستقري الرياح إذا سرت ... ليخبرني بالظّاعنين خبير وإن خطّ وجدي من دموعي رسالة ... على صفح خدّي فالنسيم سفير أيا «2» رحلة الصيف التي بجوانحي ... لها لهب لا ينقضي وسعير أحوّل منك الشّهر حولا على الورى ... وأصبحت الأيام وهي شهور؟ ويا قلب، لا تطرح سلاحك رهبة ... فهل هي إلّا أنّة وزفير؟ جنيت النّوى لا عن ملال ولا قلى ... فمثلي بموصول الملام جدير وجردّت عنّي لبسة الوصل طائعا ... وكم شرق بالماء وهو نمير؟ أأحمد إن جلّ الذي بي من الجوى ... وأصبحت ما لي في هواك نصير فلست من اللّطف الخفيّ بيائس ... فكم من بكاء كان عنه سرور أتاني كتاب منك لا بل حديقة ... تفيّأتها والهجر منك هجير وأرسلت دمع العين حين قرأته ... فمنها أمامي روضة وغدير تكلّفت فيك الصّبر والصبر معوز ... وهوّنت فيك الخطب وهو عسير ولذت إلى الآمال وهي سفاهة ... وملت إلى الأطماع وهي غرور سألقي إلى أيدي الزمان مقادتي ... فيعدل في أحكامه ويجور وإنّ الذي بالبعد أجرى قضاءه ... على جمع شملي كيف شاء قدير فتدرك آمال وتقضى مآرب ... لدينا وتشفى باللقاء صدور الجزء: 4 ¦ الصفحة: 411 وقلت، وهي من القصائد التي تشتمل على أغراض غريبة «1» : [الطويل] عسى خطرة بالرّكب يا حادي العيس ... على الهضبة الشّمّاء من قصر باديس «2» لنظفر من ذاك الزلال بعلّة «3» ... وننعم في تلك الظّلال بتعريس حبست بها ركبي فواقا، وإنما ... عقدت على قلبي بها عقد تحبيس «4» وقد «5» رسخت آي الجوى في جوانحي ... كما رسخ الإنجيل في قلب قسّيس بميدان جفني للسّهاد كتيبة ... تغير على سرح الكرى في كراديس وما بي إلّا نفحة حاجريّة «6» ... سرت والدّجى ما بين وهن وتغليس ألا نفس يا ريح من جانب اللّوى «7» ... ينفّس «8» من نار الجوى بعض تنفيس ويا قلب، لا تلق السّلاح فربما ... تعذّر في الدّهر اطّراد المقاييس وقد تعتب الأيام بعد عتابها ... وقد يعقب الله النّعيم من البوس الجزء: 4 ¦ الصفحة: 412 ولا تخشي «1» لجّ الدمع، يا خطرة الكرى، ... على «2» الجفن بل قيسي على صرح بلقيس «3» تقول سليمى: ما لجسمك شاحبا ... مقالة تأنيب يشاب بتأنيس وقد كنت تعطو كلّما هبّت الصّبا ... بريّان في ماء الشبيبة مغموس ومن رابح «4» الأيام يا ابنة «5» عامر ... يجوب «6» الفلا فلّت «7» يداه بتفليس فلا تحسبي والصّدق خير سجيّة ... ظهور النّوى إلّا بطون النواميس ومنها: وقفراء أمّا ركبها فمضلّل ... ومربعها من آنس غير مأنوس خبطنا «8» بها من هضبة لقرارة ... ضلالا وملنا من كناس إلى خيس «9» وقد غمر الآل الرّحال كأنما ... تخبّط منه في ضباب الدّماميس «10» إذا ما نهضنا من «11» مقيل غزالة ... نزلنا فعرّسنا بساحة عرّيس «12» أدرنا بها كأسا دهاقا «13» من السّرى ... أملنا بها عند الصّباح من الرّوس وحانة خمّار هدانا لقصدها ... شميم الحميّا واصطكاك النّواقيس تطلّع ربّانيّها «14» من جداره «15» ... يهينم في جنح الظلام بتقديس الجزء: 4 ¦ الصفحة: 413 بكرنا «1» وقلنا إذ نزلنا بحانه «2» ... عن الصّافنات الجرد والضّمّر العيس: أيا عابد النّاسوت، إنّا عصابة ... أتينا لتثليث، بلى، ولتسديس وما قصدنا إلّا المقام بحانة ... وكم ألبس الحقّ المبين بتلبيس فأنزلنا قوراء في «3» جنباتها ... محاريب شتّى لاختلاف النّواميس بدرنا بها «4» طين الختام بسجدة ... أردنا بها تجديد حسرة إبليس «5» وطاف «6» العذارى بالمدام كأنها «7» ... قطا تتهادى في رياش الطّواويس وصارفنا «8» فيها نضارا بمثله ... كأنّا ملأنا «9» الكاس ليلا من الكيس وقمنا نشاوى عندما متع الضّحى «10» ... كما نهضت غلب الأسود من الخيس فقال: لبئس المسلمون ضيوفنا ... أما وأبيك «11» الحبر ما نحن بالبيس وهل في بني مثواك إلّا مبرّز ... بحلبة شورى أو بحلقة تدريس؟ يحدّق «12» تحت النّقع مقلة ضاحك ... إذا التقت «13» الأبطال عن مقل شوس «14» إذا هزّ عسّال اليراعة فاتكا ... أسال نجيع الحبر فوق القراطيس سبينا عقار الرّوم في عقر حانها «15» ... بحيلة «16» تمويه وخدعة تدليس لئن أنكرت شكلي ففضلي واضح ... وهل جائز في العقل إنكار محسوس؟ رسبت «17» بأقصى الغرب ثغر «18» مظنّة ... وكم درّة علياء في قاع قاموس الجزء: 4 ¦ الصفحة: 414 وأغريت «1» سوسي بالعذيب وهاجر «2» ... على وطن داني الجوار من السّوس «3» وقلت في أسلوب مهيار، رحمه الله: [الخفيف] جز على جرع للحمى «4» لا محاله ... وتعرّض لرائد الرحّاله وأفض «5» في تلال نجد وقد جم ... م بها الحمض واذكرن «6» زابقا له وأدر في قرارة الماء قد دا ... رت على بدرها من الرّيع هاله ربما يعجز القويّ عن الأم ... ر فيرضي الضّعيف فيها احتياله فإذا ما استجدت من خبر الح ... مى يقينا أو التمحت جلاله فاعقل الحرف في ظلال من البا ... ن على الوحش في الهجير مماله وادخل الحيّ عندما روّح الرّا ... عي وضمّ المساء «7» فيه رعاله لا تجاوز أطناب خيمة ... ظمئا «8» فهاتيك القلوب حباله ولتقل إن أتتك تسأل عن حا ... لي تعوّضتها بحالك حاله ليس إلّا امتعاضة لغريب ... أثخنته جفونك القتّاله سيّل «9» الماء والمزادة ملأى ... ثم ما نال غير نفس مساله كيف لو جاء سائلا منك رسلا ... أو أتى يحتدي جواب رساله قسما إنه أخي ضنّين ... وهب البأس شأنه والبساله بكت الورق شجوه حين ناجا ... ها وأبدى له الأصيل اعتلاله نازح زار من تبالة نجدا ... أين ما بينه وبين تباله أيها السّابق العنيف ترى المه ... ر يسقّى يمينه وشماله يرد الحوض حوله كل أشقى ... كلّ حول «10» يلقي عليه مساله فكراه إذا استحمّ غرار ... وقراه إذا ألمّ عجاله الجزء: 4 ¦ الصفحة: 415 فإذا السّكنى «1» راحة والأماني ... لليالي شرّابة أكّاله لا تحلّوا دم الغريب المعنّى ... وعلى الله في الجزاء الحواله وكسا من نمارق السّندس المخ ... ضرّ ذهنا يحيا به «2» ورساله يا لقومي من ذكر تلك المغاني ... ما لقلبي يهوى أنيني «3» ما له علق البثّ والصبابة فيها ... ويلي البحر عندها والملاله كان لا يرتضي الحياض لورد ... فهو اليوم قانع ببلاله «4» همّة تزحم السّماك وقلب ... آثر اللّبث في حضيض الإقاله كان أولى له الإباية والعز ... ز، فيا بئس ما ارتضى لو إياله «5» والهوى مركب الهوان إذا هم ... لج في ملعب الصّبا والجهاله ما الذي يجلب العذول لسمعي ... من حديث خبا إليّ خباله لا أبالي بما يقول فهلّا ... أقصر العذل جاهدا لا أبا له أنا ما بي سوى لحاظ فتاة ... ختلتني وأدبرت مختاله بسمت أقحوانة وتثنّت ... بانة ثمّ لا حظتني غزاله ورمتني فقل لعرّاف نجد ... إن تخلّصت إذ «6» فدونك ماله أخبر الخابط المدوّم نشكو ... أظهر العيس جملة وفصاله إنني قد نزعت عن نتن الغي ... ي ويا طالما انتحلت محاله ومن الفخر والتأبين، قلت متشبّعا، علم الله بألّا أملك، وإنما هي أغراض الشعراء يتفنّن فيها، والله وليّ التجاوز عن التجاوز: [الوافر] لنا في الفخر سيمات «7» مطلّة ... تقوم على دعاويها الأدلّة وشمس الحقّ منظور سناها ... على الشبه المخيلة المخلّه بني سلمان سل عنهم ستدري ... على الأجيال منهم كلّ جلّه الجزء: 4 ¦ الصفحة: 416 يمانية المناسي «1» والمواضي ... مفاخرها رسوم مستقلّه فمن نار الوغى في كلّ واد ... ومن نار القرى في كل حلّه ومن وصل الخطاب بكل ناد ... ومن فضل الثّناء بكل ملّه تهشّ لنا البدور بكل خدر ... وتهوانا الشّموس بكل كلّه ويمرضنا العفاف فكم عليل ... وما غير الهوى والكتم علّه تحجّ بيوتنا القصّاد دأبا ... فلا تنفكّ طائفة مهلّه بحيث البيض ضامنة المساعي ... وحيث السّمر مثمرة مغلّه فعند السلم محرمة عكوف ... وعند الحرب فاتكة محلّه وحيث الجرد للغارات تردي ... فتتركها «2» جواسر مشمعلّه ولم أر مثلنا في الدهر قوما ... رياح الجو تلحف بالأجلّه وتضطبن الصواعق في غمود ... وتقتنص البوارق بالأهلّه فتطعمنا المجاني والرّواسي ... وتسقينا الغيوث المستهلّه وتفترش البطاح لنا الحشايا ... وللرّايات أروقة مظلّه وتعرف من أغرّتنا الدّياجي ... لعزّ الله خاضعة أذلّه أبا عبد الإله «3» ، فدتك نفس ... على ما حزت من فضل مدلّه دعوتك مستجدّا عهد أنس ... أبلّته الليالي المستملّه وقد ظعن الصّبا إلّا ادّكار ... وقد ذهب الهوى إلّا تعلّه فساعدني عليه من اغتراب ... له في مهجتي وخز الأخلّه وما حلني «4» بفخرك في صريح ... فكم تاج هناك وكم تجلّه ودمت مجمّعا شمل المعالي ... ومقتادا، أم الدّنيا «5» شملّه؟ وقلت أرثي ثلاثة من الإخوان تقاربت وفياتهم، جمع الله الشّمل بهم في دار الرضوان والمغفرة بمنّه: [الطويل] أسائلكم، هل من خبير وسلوان «6» ... ففي ليل همّي ضاع أو سيل أجفاني؟ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 417 وهل عندكم علم بصبري إنّني ... فقدت جميل الصّبر أوجع فقدان؟ يقولون: خفّض بعض ما بك من جوى ... يهون «1» على المرتاح ما لقي العاني تضيق عليّ الأرض وهي فسيحة ... كما حال «2» فوق الخصر معقد هيمان وما يفتأ الشّوق المقيم بأضلعي ... إذا مرّ «3» عن طوق الصّبابة أفناني وليس مشيبا ما ترون بمفرقي ... ولكن خطوب جمّة ذات ألوان وأرّق عينيّ الأسى يبعث الأسى ... مطوّقة نامت على غصن البان لمن دمن يشكو العفاء رسومها ... كحظّ زبور في مصاحف رهبان وقفت بها أذري النّجيع كأنما ... تقرّي وشكّ البين منّي بقربان ديار الألى كانوا إذا أفق دجا ... كواكب يجلو نورها ليل أشجاني هوت من سمائي بعد ما كنّ زينة ... ولهفي عليها من ثلاثة شهبان رماني بيعقوب الزمان وبعده ... رماني بدرهام «4» يا لك سهمان وإن كان ما بين الخطوب تفاضل ... فلا نال فقدي أحمد «5» بن سليمان كفاني أن أدرجت محض مسرّتي ... وجملة أنسي بين لحد وأكفان وو الله ما أنساني الدّهر أوّلا ... بثأر ولا أنسيت بالثّالث الشّان تخوّنهم صرف الرّدى فتحرّموا ... كما انتثرت يوما قلادة عقيان فمن سابق ولّى على إثر سابق ... كما استبقت غرّ الجياد بميدان بنفسي من حيّيته فاستخفّ بي ... ولو أنه ردّ التحية أحياني وعهدي به مهما دعوت وبينه ... وبيني العلى والنّيل والخيل لبّان دنا منزلا منّي وشطّ مزاره ... فيا من لقلبي منه بالسّاخط الدّاني ألا ليت عمري لم يفدني زمانه ... مودّة خلّ سار عنّي وخلّان فلو شعرت نفسي فإنّي «6» لشاعر ... به يوم أرداني لشمّرت أرداني هو الموت يختار الخيار وينتقي ... جنى لبني الدّنيا كما يفعل الجاني الجزء: 4 ¦ الصفحة: 418 فلا تقن ما يفنى تعش وادع للحشا «1» ... أبى الدهر أن يلقى على الدهر ألفان صديق الفتى إن خفّق الحق روحه ... فكم نسبة ما بين روح وجثمان وما حال زند لم يؤيد بساعد ... وما حال طرف قد أصيب بإنسان وهبني أمنت الحادثات ولم يرع ... جناني وخلّاني الزمان وخلّائي أليس إلى التّحليل كلّ مركّب ... مقدّمة لم يختلف عندها اثنان؟ يدبّر لي الدهر المكيدة في المنى ... فإن قلت قضّاني الخفوق تقاضاني وليل بقبّابي محلّة قلعة ... أهدرته في ترضّ على مان أيعقوب، ما حزني عليك بمنقض ... ولا أنس إنسان مصابك أنساني ولا حالي الحالي على البعد غرّني ... ولا عيشي الهاني على النّأي ألهاني فمن لي بدمع في المحاجر مهتد ... عليك وقلب في الحناجر حيران نسبت إلى ماء السماء مدامعي ... فأورت ولي «2» فيها شقائق نعمان إذا ما حدت ريح الزّفير سحابها ... ثقالا سقى منها المعاهد عهدان وقد دان قبل اليوم دمعي خالصا ... ولكن أملّني «3» على الدّمع إدماني لقد كنت لي ركنا شديدا وساعدا ... مديدا ومذخورا لسرّي وإعلاني كسا لحدك الرّيحان والرّوح والرّحا ... فقد كنت روحي في الحياة وريحاني وجادت على مثواك مزنة رحمة ... يحيّيك منها كلّ أوطف هتّان وما كان إبراهيم إلّا حديقة ... من الفضل تؤتي أكلها كلّ إنسان أمين على السّرّ المصون محافظ ... على كتمه إن شاق صدر بكتمان لئن بليت تلك المحاسن في الثّرى ... فحزني جديد ما استمرّ الجديدان قراه عليها من نعيم ونضرة ... ولهفي عليه من شباب وريعان ذكتك وللأيام «4» سلم وشملنا ... جميع وطرف الدهر ليس بيقظان وللنّرجس المطلول تحديق أعين ... وللآسة التي بها «5» ربذ آذان وللشمس ميل للغروب مرنّح ... ترى راجح «6» الدّنير في كفّ ميزان الجزء: 4 ¦ الصفحة: 419 بساط طواه الدهر إلّا تذكّرا ... كما تنقع الرّمضاء غلّة ظنّان وإن ذكر الإخوان، من مثل أحمد؟ ... ألا كلّ مرعى تعده غير سعدان «1» ذخيرة أيامي ووسطى قلادتي ... ونكتة إخلاصي وحكمة ديواني وثرّان ضلت «2» الفضل يوم استفادة ... هداني إلى نهج السّبيل وهاداني شهيد ذرت عيني عليه نجيعها ... كأنّهم واروه ما بين أجفان أخلّاء كانوا في الشّدائد عدّة ... إذا أثمرت هوج الخطوب بخطبان وقد «3» شلّهم شوى الرّدى فتجمّلوا ... وحلّوا جوار الله أكرم ضيفان يحقّ لهم أن يغبطوا إذ تنقلوا ... إلى العالم الباقي وللعالم «4» الفاني وما أكتب اللّقيا «5» وإن بعد المدى ... ويا قرب ما بين المعجّل والواني سكنتم فحرّكتم جحيم جوانحي ... وغبتم فأحضرتم لواعج أحزاني ويمّمتم دار النّعيم وإنّني ... لأشقى، فيا بؤسي بسكّان نعمان ولو أنّني أعطيت نفسي حقّها ... فما أنا للعهد الكريم بخوّان ولا عار في ورد الحمام فإنه ... سبيل الورى ما بين شيب وشبّان لعمرك ما يصفو الزمان لوارد ... وإن طال ما أحمى لظى الحرب صفّان وقس آتيا من أمره بالذي مضى ... فربّ قياس كان أجلى «6» لبرهان أما تركت كسرى كسيرا صروفه ... ولان على صولاته ملك اللان؟ ومدّ إلى سيف أكفّ اعتدائه ... فأخرجه بالرّغم من غمد غمدان «7» ؟ وهل دافعت خطبا توابع تبّع ... وهل درأت كربا سياسة ساسان؟ وكان قياد الصّعب صعبا ممنّعا ... فألقى إلى الدّنيا مقادة إذعان جلت لبني العباس وجه عبوسها ... وقبل أمدّت سرب أبناء مروان وكم أخلفت شتّى المنى من خليفة ... وأذوت رياح الدهر إذواء تيجان وغادرت القصر المشيد بناؤه ... بسنداد قفرا بلقعا بعد عمران الجزء: 4 ¦ الصفحة: 420 ولم تبق يوما للخورنق رونقا ... ولا شعّبت بالقتل من شعب بوّان وكم من أبيّ سامه العسر دهره ... فأبدى له بعد الرّضا وجه غضبان ومحتقر ماضي الذّبابين في الوغى ... سطا منه بالأنف الحميّ ذبابان وأيّ سرور لم يعد بمساءة ... وأيّ كمال لم يعاقب بنقصان ومن باع ما يبقى بفان فإنما ... تعجّل في دنياه صفقة خسران خذوها على بعد النّوى من مسهّد ... حليف أسى ما في الجوانح لهفان وو الله ما وفّيت حقّ مودة ... ولكنه وسعي ومبلغ إمكاني ومهما تساوى طيّب ومقصّر ... بحال فحكم النّطق والصّمت سيّان ولا لوم لي في العجز عن نيل فائت ... فإنّ الذي أعيا البريّة أعياني ومن الاسترجاع والاعتبار، والتحزّن لورطة الغفلة، وما توفيقي إلّا بالله، قلت من الشعر المتقدم عن هذا الوقت: [الطويل] جهاد هوى لكن بغير ثواب ... وشكوى جوى لكن بغير جواب وعمر تولّى في لعلّ وفي عسى ... ودهر تقضّى في نوى وعتاب أما آن للمنبتّ في سبل الهوى ... بأن يهتدي يوما سبيل صواب؟ تأمّلتها خلفي مراحل جبتها ... يناهز فيها الأربعين حسابي جرى بي طرف اللهو حتى شكا الوجى «1» ... وأقفر من زاد النشاط جرابي وما حصلت نفسي عليها بكامل ... ولا ظفرت كفّي ببعض طلاب نصيبي منها حسرة كونها مضت ... بغير زكاة وهي مثل نصاب الجزء: 4 ¦ الصفحة: 421 وما راعني والدهر ربّ وقائع ... سجال على أبنائه وغلاب سوى شعرات لحن من فوق مفرقي ... قذفن لشيطان الصّبا بشهاب أبحن ذماري وانتهبن شبيبتي ... أهنّ نصول أم نصول خطاب؟ وقد كنت يهدى الروض «1» طيب شمائلي ... ويمرح غصن البان بين ثيابي فمذ كتب الوخط الملمّ بعارضي ... حروفا أتى منها بمحض عتاب نسخت بما قد خطّه مسند الهوى ... وكم سنّة منسوخة بكتاب سلامي على تلك المعاهد إنها ... مرابع ألّافي وعهد صحابي ويا آلة العهد انعمي فلطالما ... سكبت على مثواك ماء شبابي كأنّي بذات الضّال هاتيك «2» من فتى ... تذكّر فيها اللهو بعد ذهاب تقول اذكريني «3» بعد ما بان حيرتي ... وصوّح روضي واقشعرّ جنابي وأصبحت من بعد الأوانس كالدّمى ... يهول حداة العيس جوب يباب تغار الرياح السّاجيات بطارقي ... فما أن تديم الرّكض حول هضابي الجزء: 4 ¦ الصفحة: 422 فإن سجّع الركبان فيّ بمدحة ... حثى «1» في وجوه المادحين ترابي ألم تعلموا أنّ الوفاء سجيّتي ... إذا شحطت داري وشطّ ركابي؟ سقاك كدمع «2» أو لحودي وابل ... يقلّد نحر الحوض درّ حباب ولا برحت تهفو لعهدك للصّبا «3» ... ويسحب فيه المزن فضل سحاب سواي يعادي «4» الدّهر أو يستفزّه ... بيوم فراق أو بيوم إياب وغيري يثنّي الحوض ثني عنانه ... إلى نيل رفد والتماس ثواب تملّأت بالدّنيا الدنيّة خبرة ... فأعظم ما بالنّاس أيسر ما بي وأيقنت أنّ الله يمنع جاهدا ... ويرزق أقواما بغير حساب فيا ذلّ أذن ضمّها أذن حاجب ... ويا هون وجه خلف سدّة باب وقد كان همّي أن تعاني مطيّتي ... ببعض نبات الليل خوض عبابي وأضحي ومحراب الدّجى متهجّدي ... وأمسي وماء الرّافدين شرابي وتضحك من بغداد بيض قبابها ... إذا ما تراءت بالسّواد قبابي الجزء: 4 ¦ الصفحة: 423 ولكن قضاء يغلب العزم حكمه ... ويضرب من دون الحجا بحجاب يقولون لي: حتى م تندب فاسا ... فقلت، وحسن العهد ليس يعابي: إذا أنا لم آسف على زمن مضى ... وعهد تقضّى في صبا وتصاب فلا نظمت درّ القريض قريحتي ... ولا كانت الآداب أكبر دابي «1» وقلت أبياتا تبرز بها يد من طاق خشبي، لتمام ساعة من الليل، في نهاية الإحكام وحسن الشكل، ينصب مكانها بين يدي السلطان ليلة اتخاذ المولد الكريم، فكان منها عند تمام الساعة الرابعة قولي: [الكامل] سبق القضاء وأبرم المحتوم ... والغيب عنّا سرّه مكتوم حال الزمان إذا اعتبرت غريبة ... والحال في التحقيق ليس تدوم والليل سلك درّة ساعاته ... إن حلّ معقده هوى المنظوم أكرم برابعة تولّت بعدما ... ثبتت لها في الصّالحات رسوم ولقد سهرت مفكّرا والبدر في ... بحر السماء مع النجوم يعوم فحسبت شكل البدر أبيض هائما ... فوقي يحلّق طيره ويحوم ومنها: حجر رماه المنجنيق فشأنه ... متطأطئ متدافع ملموم ومن النجوم أسنّة لجيوشها ... من كلّ مطّلع عليّ هجوم رجعت إلى حربي وعمري معقل ... ومخلّصي من نابها معدوم بدرت لها شرفات أسناني تهي ... وقواي تفقد رجعة وتقوم فصرخت: يا ويلي أصيبت غرّتي ... ماذا عسى هذا البناء يدوم وإذا رمى فلك البروج مدينة ... بالمنجنيق فسورها المهدوم ما دون وجه الحقّ إن حقّقته ... يفنى ويبقى الواحد القيّوم الجزء: 4 ¦ الصفحة: 424 المقطوعات المشتملة على الأغراض العديدة منها في غرض التّورية «1» : [البسيط] ناديت دمعي إذ جدّ الرّحيل بهم ... والقلب من فرق التّوديع قد وجبا «2» سقطت، يا دمع، من عيني غداة نأى ... عنّي الحبيب ولم تقض الذي وجبا وقلت في التورية أيضا «3» : [الوافر] كتبت بدمع عيني صفح خدّي ... وقد منع الكرى هجر الخليل وراب «4» الحاضرين فقلت: هذا ... كتاب «العين» ينسب للخليل وقلت في التورية أيضا «5» : [الطويل] ولمّا رأت عزمي حثيثا على السّرى ... وقد رابها صبري على موقف البين أتت بصحاح «6» الجوهريّ دموعها ... فعارضت من دمعي بمختصر العين «7» وقلت في التورية أيضا «8» : [الخفيف] مضجعي فيك عن قتادة يروي ... وروى عن أبي الزّناد فؤادي «9» وكذا النوم شاعر «10» فيك أمسى ... من دموعي يهيم في كلّ وادي الجزء: 4 ¦ الصفحة: 425 وقلت في التورية أيضا «1» : [الخفيف] حين ساروا عنّي وقد خنقتني ... عبرات قد أعربت عن ولوعي «2» صحت من فيض العذيب؟ فلمّا ... لم أجد ناصرا فلعت دموعي «3» وقلت في التورية أيضا «4» : [الخفيف] قال لي والدموع تنهلّ سحبا ... في عراض «5» من الخدود محول: بك ما بي، فقلت: مولاي عافا ... ك المعافي من عبرتي ونحولي «6» أنا جفني القريح يروي عن الأع ... مش والجفن منك عن مكحول «7» وقلت في التورية أيضا: [الكامل] مكناسة جمعت بها زمر العدا ... فمدا بريد فيه ألف بريد من واصل الجوع لا لرياضة ... أو لابس الصّوف غير مريد فإذا سلكت طريقها متصوّفا ... فابن السّلوك بها على التّجريد وقلت في التورية أيضا ولها حكاية» : [الخفيف] قلت لمّا استقلّ مولاي زرعي ... ورأى غلّة الطعام قليله: دمنتي لانتجاعي الحرث كلّت ... فهي اليوم دمنة وكليله وقلت في التورية أيضا، وقد أهدى الوزير عمر بن عبد الله فرسا به جراد في عرقوبه: [البسيط] أشكو إلى الله «9» من أبناء يعقوب ... والوعد ما بين مرموق ومرقوب الجزء: 4 ¦ الصفحة: 426 زرعت عرقوب أرضي من شعيركم ... جاء الجراد فأفنى زرع عرقوب وقلت أيضا، وقد جلس السلطان للسلام في يوم شديد البرد «1» : [الرمل] جلس المولى لتسليم الورى ... ولفضل «2» البرد في الجوّ احتكام فإذا ما سألوا عن يومنا ... قلت: هذا اليوم برد وسلام وقلت في التورية أيضا في سنة قحط: [الطويل] سألنا ربيع العام للعام رحمة ... فضنّ ولم يسمح بذرّة إنعام وقلنا، وقد ردّ الحياء وجوهنا: ... قليل الحيا والله أصبح من عام «3» وقلت في التورية أيضا وضمّنته مثلا «4» : [الكامل] لمّا رأوا كلفي به وردوا «5» ... قدر الذي في فيه من حبّ قالوا الفتى حلو فقلت: نعم «6» ... طلعت حلاوته على القلب «7» وقلت في ذلك والله وليّ التّجاوز: [الكامل] أنا كافر وسواي فيه بعاذل ... لا يستبين الصّدق في آياته ومصدّق بصحيفة الخدّ الذي ... قد أعجب الكفّار حسن نباته وقلت في التورية أيضا «8» : [مجزوء الكامل] بأبي ظبي «9» غزاني ... مستبيحا شرح «10» صدري فأنا اليوم شهيد ال ... حبّ من غزوة بدر الجزء: 4 ¦ الصفحة: 427 وقلت في التورية أيضا على طريقة المشارقة «1» : [الكامل] أشكو لمبسمه الحزين «2» وقد حمى ... عنّي لماه المشتهى ورحيقه يا ريقه حيّرتني ومطلتني ... ما أنت إلّا بارد يا ريقه وقلت في التورية فيمن ركب البحر وماد «3» : [الكامل] ركب السفينة واستقلّ بأفقها ... فكأنما ركب الهلال الفرقد وشكوا إليه «4» بميده فأجبتهم ... لا غرو أن ماد القضيب الأملد وقلت في التورية أيضا «5» : [المجتث] يا مالكي بخلال ... تهدي إلى الفكر خيره «6» أضرمت قلبي نارا ... يا مالك بن نويره «7» وقلت في التورية على عرف العامة «8» : [السريع] قلت وقد ألبس جسمي الضّنا ... صبغة سقم أبدا لا تحول «9» يا من رآني أشفق «10» لما حلّ بي ... يلبس «11» مخيوطّ «12» على ذي النحول وقلت في التورية، وقد دلّك السلطان يديه بالحنّاء: [المديد] إن شمس الدّين مخبر الملوك ... درّة العقد ووسطى السّلوك دلّك الكفّ بحنّاء فقلنا ... أنت شمس الدّين عند الدّلوك الجزء: 4 ¦ الصفحة: 428 وقلت من التورية في رثاء رجل اسمه الحسن «1» : [البسيط] أشكو إلى الله من بثّي ومن شجني ... لم أجن من شجني «2» شيئا «3» سوى محن أصابت الحسن العين التي رشقت ... وعادة العين لا تضمي سوى الحسن وقلت من التورية الغريبة، عندما خرج السلطان من المدينة البيضاء بفاس طالبا حقّه، يريد الحمراء بغرناطة «4» : [الطويل] ولمّا حثثت السّير والله حاكم ... لملكك في الدنيا بعزّ وفي الأخرى حكى فرس الشّطرنج طرفك لا يرى ... ينقّل من بيضاء إلّا إلى حمرا وقلت في قرية شخت من بادية المنكّب، وتمكنت فيها التورية من وجهين: [المتقارب] بات رفيقي لهم شخت ... بشيبته عافها العيان وقلت: ما هذه البوادي ... فقال لي: شخت يا فلان وقلت في قريب منه «5» : [الطويل] تعجّلت وخط الشّيب في زمن الصّبا ... لخوضي غمار الهمّ في طلب المجد فمهما رأيتم شيبة فوق «6» مفرقي ... فلا تنكروها إنها شيبة الحمد وقلت من التورية بالفقه، وقد صدّرت بها كتابا، مجيبا به آخر تقدّمه «7» : [الكامل] يا من تقلّد للعلاء سلوكا ... والفضل أضحى «8» نهجه مسلوكا كاتبتني متفضّلا فملكتني ... لا زلت منك مكاتبا مملوكا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 429 وقلت من أبيات في التورية: [الطويل] وما كان إلّا أن جنى الطّرف نظرة ... غدا القلب رهنا في عقوبة ذنبه وما الحقّ أن يأتي امرؤ بجريرة ... فيؤخذ في أوزارها جار جنبه وقلت في التورية «1» : [الكامل] ما للسّها «2» بادي النّحول كأنّه ... متستّر تبدو مخايل خوفه؟ قالوا: عليل «3» ، قلت: هذا ممكن ... والله أعلم «4» داؤه من جوفه وقلت في التورية أيضا «5» : [الطويل] أجاد يراع الحسن خطّ عذاره ... وأودعه السّرّ المصون الذي يدري «6» ولم يفتقر فيه لختم وطابع ... فمبسمه أغناه عن طابع السّرّ وقلت في عين قرية البذول «7» ، وفيه التورية: [السريع] قلت اعشقوا عين البذول التي ... في مثلها يرفض قول العذول فقلّ ما أبصرتم منظرا ... أملح من منظر عين البذول وقلت أيضا في التورية: [الطويل] وظبي لأوضاع الجمال مدرّس ... عليم بأقسام المحاسن ماهر أرى جيده نصّ المحلّى وقررت ... ثناياه ما ضمّت صحاح الجواهر وقلت في التورية أيضا، وفي إشارة إلى رجل يقصد الولائم من أجل بطنه، وشدّة نهمه «8» : [السريع] اذمم ذوي التّطفيل مهما أتى ... وإن تكن أجملتهم فاعنه يمشي على رجليه مع كونه «9» ... من جنس من يمشي على بطنه الجزء: 4 ¦ الصفحة: 430 وقلت في التورية أيضا، والتورية طبّية، وقد سهرت في طريق المنكّب برأس المزاد، وقد صدعتني وعورته: [الخفيف] عند رأس المزاد عادني السّه ... د ولم تغن حيلتي واجتهادي حسبي الله كيف يبرأ سريعا ... سهر عن صداع رأس الزاد؟ وقلت في التورية بكتاب مسلم، من كتب الحديث «1» : [مجزوء الكامل] ذهب «2» الألى كانوا نجو ... ما للورى فالكون مظلم وتذاكر «3» الناس الحدي ... ث الحقّ وافتقد المعلّم أنا كاتب السلطان ما ... طالعت قطّ «4» كتاب مسلم إلّا سخاما قادحا ... في الدّين والله المسلّم وقلت في التورية النجومية في المدح «5» : [البسيط] إن أبهم الخطب جلّى في دجنّته ... رأيا يفرّق بين الغيّ والرّشد وإن عتا «6» الدّهر أبدى من أسرّته ... وكفّه هدي حيران وريّ صد وإن نظرت إلى لألاء غرّته ... يوم الهياج رأيت الشمس في الأسد وقلت من التورية في المدح: [الطويل] تخوّنه صرف الزمان وهل ترى ... دواما لحال أو بقاء على أمر؟ هو الدهر ذو وجهين يوم وليلة ... ومن كان ذا وجهين معتب في غدر وقلت وقد جمدت رجلاي لشدة البرد بتاجرة، موريا بعرف العامة، إذ تقول لمن بولغ في نكاله، عملت إطرافه: [الطويل] لقد جمدت رجلاي تاجرة الرّدى ... فخفّضت من بأي لديها وإشراف وما أرتجي من بقعة قد هجوتها ... لقد ظفرت بي فهي تعمل أطرافي «7» الجزء: 4 ¦ الصفحة: 431 وقلت في التورية لمن يدعى شمس الدين «1» : [الرمل] قل لشمس الدين: وقّيت الردى ... لم يدع سقمك عندي جلدا رمدت عينك هذا عجب «2» ... أوعين الشّمس تشكو الرّمدا؟ وقلت في التورية في رجل أقسم أنه ذو مالية وأمانة، وطلب من السلطان خدمته «3» : [الوافر] حلفت لهم بأنك ذو يسار ... وذو ثقة وبرّ باليمين «4» ليستندوا إليك بحفظ مال ... فتأكل باليسار وباليمين ومن المقطوعات أيضا: في غرض المدح [الطويل] : طوى البعد عن شوق وحثّ ركابه ... وأوشك في مغناك حطّ رحاله وممّا شجاه البعد عنك وشفّه ... تبدّى نحول السّقم فوق هلاله وكتبت في جواب للسلطان، وقد رحلت لتفقد الثّغور، وكان من فصوله إليّ تقرير التشوّق إلى اللقاء: [الطويل] تخالف جنس الشّوق والحكم واحد ... وكلّ محبّ في الكمال مشتاق فمعنى اشتياق الأرض للغيث حاجة ... ومعنى اشتياق الغيث للأرض إشفاق وخاطبت سلطان المغرب ابن السلطان أبي الحسن، ولها حكاية، وأبو الحسن الصغير، رجل كبير من فقهائها: [الكامل] قل للذي ذكر الهدى وعهوده ... فبكى وأصبح مشفقا من فقدها غصبت حقوق الله جلّ جلاله ... فقضى أبو الحسن الصغير بردّها الجزء: 4 ¦ الصفحة: 432 وقلت في غرض المدح، أشير إلى الكفّتين، والعدد المستخرج منهما للمجهول «1» : [البسيط] لا عدل في الملك إلّا وهو قد نصبه ... وصيّر الخلق في ميراثه «2» عصبه والكفّتان ترى من كفّه درّة «3» ... تستخرج العدد المجهول للطّلبه وقلت، وقد مررت بين يدي السلطان، في يوم شديد الهاجرة، وهو ينظر من طاق بقبّة قصره، وأنا أروم تفقّد أملاكي بالفحص، وأنكر ذلك في شدة الحر: [الطويل] إذا كان فوقي من نداك غمامة ... وحولي روح من رضاك وريحان فإنّ سموم القيظ عندي نسمة ... وإنّ مشيم القفر عندي بستان وقلت مشيرا إلى الحديث في البحر «4» : [المتقارب] رأيت بكفّك اعتبارا ... بأسا وندى ما أن يبارى فقلت وقد عجبت منه «5» ... يا بحر متى تعود نارا «6» ؟ وقلت وقد جعل السلطان في رأسه بيضة السلاح مصقولة: [الوافر] يا إماما، أطال ربّي علاه ... وهماما بالفخر ما أولاه أنت كالرّمح في اعتدال وطول ... وانتخاب الحديد في أعلاه وقلت في غرض الافتخار «7» : [الكامل] ما ضرّني أن لم أجىء «8» متقدّما ... فالسّبق «9» يعرف آخر المضمار ولئن غدا ربع البلاغة بلقعا «10» ... فلربّ كنز في أساس جدار الجزء: 4 ¦ الصفحة: 433 وقلت وفيه الإشارة إلى الكاتب ابن الكواب «1» : [المتقارب] بأوت على زمني همّة ... فأعتبني الزمن «2» العاتب وشرّفني الله في موطني ... وفي بيته يشرف الكاتب وقلت، وهو من التخلّص المخترع، وقد جرى بعض ما مدح به الملوك من بني العباس: [البسيط] أقول والليل أعياني تطاوله ... وأوسع الذّمّ والتّعنيت أسوده ما كان يجرؤ ليلي أن يطاولني ... شعاركم يا بني العباس أيّده وقلت وهو من بديع التخلص: [البسيط] أقول والصبح لا تبدو مخايله ... وقد تعجّبت من سهدي ومن أرقي «3» كأنما الليل زنجي ملابسه ... قد زيّنت بلآلئ أنجم الأفق ونام سكرا فلا شيء ينبّهه ... لما يخشى حراكا حمرة الشّفق وقلت من أبيات أمدح السلطان أبا الحجاج رحمه الله «4» : [الكامل] في مصر قلبي من خزائن يوسف ... حبّ وعير مدامعي تمتاره «5» حلّيت شعري باسمه فكأنّه ... في كل قطر جلّه «6» ديناره وخاطبت ولده، رضي الله عنه، معترفا بحبّي فيه، وكره الخدمة «7» : [الكامل] قالوا: لخدمته دعاك محمد ... فكرهتها وزهدت في التّنويه فأجبتهم أنا والمهيمن كاره ... في خدمة المولى محبّ فيه وراجعته عن كتاب كتب لي بخطه، من فصوله الإنحاء على رداءة الحبر: [الطويل] إذا ما تجلّى النّور في جنح ظلمة ... جلاها كما تجلو الدّجى غرّة الفجر فلا تنكرنّ الحبر إن حال لونه ... فوجهك يجلو ظلمتي اللّيل والحبر الجزء: 4 ¦ الصفحة: 434 ومن مدح البلاد وفيه بيان سبب حبّها قولي في غرناطة «1» : [الطويل] أحبّك يا مغنى الجلال «2» بواجب ... وأقطع في أوصافك الغرّ أوقاتي «3» تقسّم منك التّرب قومي وجيرتي ... ففي الظّهر أحيائي «4» وبالبطن «5» أمواتي «6» وفي سبتة المحروسة «7» : [السريع] حيّيت يا مختطّ سبت بن نوح ... بكلّ مزن يغتدي أو يروح وحمل الرّيحان ريح الصّبا ... أمانة فيك إلى كلّ روح ولينظر تمام هذه المقطوعة في اسم الخطيب أبي عبد الله بن مرزوق في حرف الميم. وقلت في بنيونش «8» من أحواز خارج سبتة المذكورة: [البسيط] لله بنيونش تحكي منازلها ... كواكب أشرقت في جنح ظلماء صحّ النسيم فما يعتلّ من أحد ... إلّا النّسيم وما يرتاع من داء ومن كرامتها أنّ الشمال إذا ... رامت زيارتها تمشي على الماء وفي مصر، وقد بيّنت مزيّة محبّيها على من دونهم: سلمت لمصر في الهوى من بلد ... يهديه هواؤه لدى استنشاقه من ينكر دعواي فقل عنيّ له ... تكفي امرأة العزيز «9» من عشّاقه الجزء: 4 ¦ الصفحة: 435 وفي غرناطة «1» : [الكامل] بلد تحفّ به الرّياض كأنه ... وجه جميل والرّياض عذاره وكأنما واديه معصم فضّة ... ومن الجسور المحكمات سواره وفي رياض الكدية التي لولدي، أسعده الله، ولا نظير لها في جلالة القدر: [السريع] حدّث عن الكدية من شئته ... يظنّ إخبارك تصحيفا فالعقل بالمعتاد مستأنس ... إن ذكر الواصف موصوفا والحقّ في أوصافها أنها ... خرقاء حسن وجدت صوفا وفي جنّة أخيه المعروفة بجنان الورد: [الطويل] إذا أهدي الإنسان وردة جنّة ... تهلّل من بعد العبوس محيّاه وأمّل أن يحيا لفصل يعيدها ... فكيف بمن في جنة الورد مثواه وفي جنّة أخيهما بالزّاوية «2» : [السريع] إن كانت الجنّة موجودة ... في الأرض قلنا: جنّة الزّاويه يا بقعة فاز بها المشتري ... فأمّ من خلّفها هاويه ومن أغراض النّسيب قلت من قصيدة: [الطويل] تذكّرت عهدا كان أحلى من الكرى ... وأقصر من إلمام طيف خياله فيا ليت شعري من أتاح لي الجوى ... وعذّب بالي هل أمرّ بباله؟ وقلت، وهو من التّشبيه العقيم: [الكامل] أمعلّلي بمطامع من دونها ... جوب النفوس مفاوز الأعمار تزداد أشواقي إذا يوم خلا ... كتضاعف الأعداد بالأسعار الجزء: 4 ¦ الصفحة: 436 وقلت من أغراض المشارقة «1» : [المتقارب] رموا بالسّلو حليف الغرام ... وأدمعه كالحيا «2» الهاطل أعوذ بعزّك يا سيدي ... لذلّي من دعوة الباطل وقلت من أبيات «3» : [الكامل] عذّبت قلبي بالهوى فقيامه ... في نار هجرك دائما وقعوده ولقد عهدت القلب منك موحّدا «4» ... فعلام يقضى في العذاب خلوده؟ وقلت في ذي ذؤابة سوداء: [الرمل] يا غزالا ترك القلب المبلّى ... حين ولّى في ذفوف «5» وكآبه كيف يخشى القلب مني خفقانا ... ودواء المسك في تلك الذّؤابه؟ وقلت في النسيب «6» : [الكامل] من لي بذكرى كلّما أوجبتها «7» ... تمحو سلوّي واشتياقي تثبت وسحاب دمع كلّما استمطرته «8» ... غير القتاد بمضجعي لا تنبت «9» وقلت في النّسيب أيضا «10» : [الوافر] أضاف إلى الجفون السود شعرا ... كجنح اللّيل أو صبغ المداد فقلت: أمير هذا الحسن تزكو الأ ... جور له بتكثير السّواد وقلت في المعنى أيضا: [السريع] من لي به أسمر حلو اللّما ... أهيف ماضي السّحر مرهوبه كالنحل في رقّة خصر وفي ... لسع متى شاء ومقلوبه الجزء: 4 ¦ الصفحة: 437 وقلت في النسيب أيضا «1» : [المنسرح] أنكرت «2» لمّا أطلّ عارضه ... فقال لي حين رابه نظري ألم تقل لي بأنني قمر ... فانظر إلى وبر أرنب القمر ومن أغراض التّضمين قلت «3» : [المديد] لا تهج بالذّكر من خلدي «4» ... نار شوق «5» شقّ محتمله ويقول الناس في مثل ... لا تحرّك من دنا أجله وقلت من التضمين «6» : [السريع] يا من بأكناف فؤادي رتع «7» ... قد ضاق بي في «8» حبّك المتّسع ما فيك لي جدوى ولا أرعوي ... «شحّ مطاع وهوى متّبع» وقلت من التضمين [مجزوء الرجز] قال جوادي عندما ... همزت همزا أعجزه إلى متى تهمزني ... ويل لكلّ همزه وقلت «9» : [الخفيف] أصبح الخدّ منك جنّة عدن ... مجتلى أعين وشمّ أنوف ظلّلتنا «10» من الجفون سيوف ... جنّة الخلد تحت ظلّ السيوف وقلت: [الوافر] محاسنك اغتدت جنّات عدن ... لمن يرتاد إحسانا وحسنا فمهما حلّها إنسان عين ... فللإنسان فيها ما تمنّى وقلت في طول الليل: [الكامل] ساورت أسود من ظلام دجى ... من باته فإلى الجحيم دفع أنا لا أقول سطا الصباح به ... لكن طغى ثعبانه فربع الجزء: 4 ¦ الصفحة: 438 وقلت «1» : [الخفيف] رفعت قصة اشتياقي ليحيى ... فزوى «2» الوجه رافضا للفتوّه ورمى بالكتاب ضعف ابتسال «3» ... قلت: يحيى، خذ الكتاب بقوّه وقلت: «4» [الخفيف] سار بي للأمير يشكو اعتراضا «5» ... يوسف والشهود أبناء جنسه قال: ما تقول؟ قلت بديها «6» ... لم أخف من عقابه أو حبسه حصحص الحقّ يا خوند، فدعني ... أنا راودت يوسفا عن نفسه وقلت: «7» [البسيط] يا كوكب الحسن، يا معناه، يا قمره ... يا روضة المتناهي الرّيع يا ثمره أمرتني بسلوّ عنك ممتنع ... «مأمور حسنك لمّا يقض ما أمره» وقلت في ذلك أيضا «8» : [السريع] أفقد عينيّ «9» لذيذ الوسن ... من لم أزل فيه خليع الرّسن عذاره المسكيّ في خدّه ... أنبته الله النّبات الحسن وقلت في العين الذي بحصن نارجة، وهو ينفع من مرض الحصا: [الكامل] انظر إليه شبيه معجزة العصا ... ماء «10» بتنقية المثانة خصّصا فإذا الطبيب سقاه أسرع نجحه ... وتحدّث الماء «11» الزّلال مع الحصا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 439 وقلت في التّضمين أيضا: [الطويل] يعاهدني دمعي على كتم سرّه ... ويجري إذا ذكر جوى ويمين وذاك لأنّي من نجيعي خضبته ... وليس لمخضوب البنان يمين ومن الأوصاف وما يرجع إليها قلت في الليل: [الطويل] تلوّى ظلام الليل بالصبح ظالما ... إلى أن تبدّى الضوء وانقشع الحلك كما سرق العبد العبوس عمامة ... فأخرجها من تحته حاكم الفلك وقلت في المعنى: [الطويل] أقول ووعد الصّبح يمطله الدّجى ... إلى أن تبدّى للعيون محيّاه كأنّ الصباح الطّلق طفل مجرّد ... تلقّفه الثّعبان ثم تبنّاه وقلت فيه: [الرمل] عبس الليل فلا صبح يرى ... وهوى النجم وغاب الفرقد وضحكنا وحلينا طرفا ... أفلا يضحك هذا الأسود؟ وقلت فيه: [المتقارب] أيا ليل، أفرطت في جفوتي ... وعوّدتني منك شرّ الخلال وما لي ذنب ولكن سخفت ... بقرط الثّريّا وتاج الهلال وقلت فيه: [الطويل] أرقت وجنح الليل قيد لخطوة «1» ... فلهفي على الجفن القريح المسهّد وما بليت نفس تنظّر فيه «2» ... بأوحش من عبد عبوس مقيّد وقلت فيه «3» : [الكامل] يا ليل، طلت ولم تجد بتبسّم ... وأريتني خلق العبوس النادم هلّا رحمت تغرّبي وتفرّقي ... لله ما أقساك يا ابن الخادم! الجزء: 4 ¦ الصفحة: 440 وقلت فيه: [الكامل] حار الظلام عليّ دورة كافر ... فقصدت قصد عبادة وتلاوه ولو انّني كابرته لم أستطع ... ما حال أبيض في بلاد قهاوه وقلت فيه: [السريع] بليل كانون عرفت الجوى ... لولا ضياء كفّ من ظلمه طال به نفح نسيم الصّبا ... فاشتعل الإصباح في فحمه وقلت فيه: [الكامل] وكأنّ جنح الليل أسود سارق ... سرق الصباح الطّلق ثوبا أبيضا ما زال يضرب بالبوارق ظهره ... حتى أقرّ به فها هو قد أضا وقلت فيه: [الكامل] يا ليلة ساهرت طالع أفقها ... حتى تمايل غاربا أو غاطسا والصّبح من ريح الشمال بزكمة ... تركته من بعد استكان عاصفا وقلت في ليلة انتخب لها الكثير من الفواكه «1» : [الطويل] أيا ليلة بالخصب لم تأل شهرة ... كما اشتهرت في فضلها ليلة القدر فأمّن فيها اللّوز من غمّة النّوى «2» ... وأصبح فيها التّين منشرح الصّدر وقلت في وصف السماء: [الكامل] تتعاور القطبان فيها «3» رقعة ... وكلاهما فيها لعوب حاذق الزّهرة الزّهراء قربان بها ... والبدر شاة والنجوم بياذق وقلت أصف فرسا أهديته «4» : [الطويل] إذا ما سرى ليلا فبالنّجم يهتدي ... ومهما انتمى يوما فللبرق ينتمي «5» يصيخ إذا أصغى بمسمع كاهن ... ويرنو إذا أومى بطرف منجّم الجزء: 4 ¦ الصفحة: 441 فبوّأته من مهجتي متبوّأ ... خفيّا على سرّ الفؤاد المكتّم فيا «1» عجبا مني وفرط تشيّعي ... أهيم بوجدي فيه وهو ابن ملجم وقلت أصف سكّين بشر للسلطان أبي سالم ملك المغرب: [الطويل] أرى سيف إبراهيم بيني وبينه ... مناسبة عند اعتبار المناسب أزيل حروف الخطّ عند التباسها ... وتبشر حدّاه حروف الكتائب وقلت في سكّين الأضاحي للسلطان أبي الحجاج «2» : [الطويل] لي الفضل أن شاهدتني واختبرتني «3» ... على كل مصقول الغرارين مرهف كفاني «4» فخرا أن تراني قائما ... بسنّة إبراهيم في كفّ يوسف وقلت كذلك: [السريع] إن شهرت نصلي يدا يوسف ... ريعت لكفّي مهجة اللّيث ولحت مثل البرق في كفّه ... لا ينكر البرق على الغيث وقلت في برّادة كان يشرب فيها السلطان: [مجزوء الرمل] علم الملوك أعني ... يوسف المولى الهماما الغمام الأرض «5» سقى ... وأنا أسقي الغماما وقلت في طيفور طعام أهديته: [الطويل] تعلّم طيفوري خلال سميّه ... وإن كان منسوبا إلى غير بسطام فجاء فقير الوقت لابس خرقة ... وليس براض غير صحبة صوّام فديتك لا تردده عنك مخيّبا ... ودرسك «6» ، يا مولاي، قصّة بلعام الجزء: 4 ¦ الصفحة: 442 وقلت في روض «1» : [المجتث] كأنّما الروض ملك ... يبأى «2» به جلساه يرضى النّديم فمهما ... سقى الرّياض كساه وقلت في مروحة سلطانية «3» : [الطويل] كأنّي قرص «4» الشمس عند طلوعها ... وقد قدمت من قبلها نسمة الفجر وإلّا كما هبّت بمحتدم الوغى ... صبا «5» النّصر لكن من بنود بني «6» نصر وقلت في بحريّ يلعب على الشريط، منوّع الحركات: [المتقارب] ويجري تلاعب في شريط ... وحى الفعل متّصل الصّموت تدلّى وارتقى وسما وأهوى ... فأعجب في التّماسك والثّبوت «7» فقل «8» : إن يكن بشرا سويّا ... ففيه غريزة «9» عنكبوت وقلت في بيضة سلاح مصقولة اتخذت للسلطان: [المنسرح] خصصت بالحسن وانفردت به ... فجلّ قدري وقلّ أشباهي «10» كأنّني كوكب الصباح بدا ... على جبين الغنيّ بالله وقلت في الدّواة والقلم: [مجزوء الرمل] ما رأت عيني عجيبا ... كيراعي في الدّواة غائصا يستخرج الدّر ... ر ببحر الظّلمات وقلت كذلك: [المجتث] أقلامنا الواسطيّه ... ذوابل خطّيه مصروفة لجهاد ... وحكمة وعطيّه الجزء: 4 ¦ الصفحة: 443 وقلت في ملزم الكتب: [الكامل] يا حسنه من ملزم آثاره ... لذوي الوراقة أحسن الآثار وكأنما الكرّاس طرف أشهب ... شدّوا على شفتيه عود زيار «1» وكأنما قلم الكتاب بصفحه ... مكوى وذاك النّفط نفط النار وقلت في بيضة السلاح أيضا: [الطويل] إذا أنت لاحظت السلاح وجدتني ... أطاوله عزّا وأفضله قدرا ويلبسني المولى الإمام محمد ... فتبصر منه الشّمس توّجت البدرا وقلت في ذلك: [الطويل] لحسن بني نصر صنعت محمدا ... فيهديك معنى العزّ فألي والنّصر علوت على بحر السماء حبابة ... ولا غرو أن يعلو الحباب على البحر وقلت في مرآة اتّخذت للسلطان أيضا: [الكامل] لمجدّد الملك الرّفيع محمّد ... أنشئت فاعجب من غرابة شان تبدو مظاهري لها «2» فكأنّني ... من باطن المولى الذي أنشاني وقلت في وصف قينة: [الطويل] ومرضعة طفلا من العود ثديها ... ولا درّ إلّا الدّرّ من أدب محض إذا لمسته بالبنان تخالها ... طبيبا من الحذّاق جسّ على نبض وقلت أيضا في البدر: [البسيط] أقول والبدر يسمو في السما «3» صعدا ... لصاحبي والدّجى مستقبل الفجر انظره في كفّة الميزان صاعدة ... كأنّها ضجّة بيضاء من حجر وقلت متغزّلا، والله وليّ التّجاوز: [الكامل] قلم المحاسن خطّ نور عذاره ... أو مثل حلّته يحاك بلا علم لا تتّقوا عينا تصيب جماله ... فالله عوّذه بنون والقلم الجزء: 4 ¦ الصفحة: 444 وقلت في معنى غريب: [الكامل] ولربّ رزق غد «1» لقيت مواجها ... كفّت أكفّهم وقاية واق جاورت والتفتوا إليّ فخلتهم ... جعلوا ذوابلهم على الأعناق وقلت في رمّانة: [البسيط] رمّانة راق منها منظر عجيب ... تريك صورتها إبداع باريها كأنما حبّها درّ وظاهرها ... خدّ ومن شحمها قطن يواريها وقلت مرتجلا لمن طلب ذلك على ضفّة الوادي الكبير: [المتقارب] ومنتقش المتن كالمبرد ... إذا هبّ عرف النّسيم النّدي تدافع مسترسلا مائجا ... كما اندفع الدّرع من مزود وقلت، وقد استزاد الطلبة الحاضرون من ذلك: [الخفيف] وطموح العباب ضافي المقيل ... حسر الرّوح عن حسام صقيل كسبيك اللّجين ذهّبه الصا ... نع سبحانه بشمس الأصيل واستزادوا من ذلك فقلت: [الطويل] ومدّرع ينساب في منبت الخوط «2» ... يداعب «3» مثوى ظلّه كلّ مغبوط أقام شعاع الشمس يشغل فوقه ... فسال له ذوب اللّجين من «4» البوط ثم قلت في ذلك: [السريع] ثعبان نهر راعنا مدّه ... لمّا أتى ينساب من حجره فاهتزّت الأغصان من فوقه ... وصاحت الأطيار في إثره ثم قلت في ذلك: [الكامل] انظر إليه والأصيل مورّس ... والشّمس ترسل من عنان مسيرها وكأنما هو زئبق مترجرج ... ألقت عليه الشمس من إكسيرها الجزء: 4 ¦ الصفحة: 445 ومن وصف المواضع قلت في تاجرة: [الطويل] بتاجرة ريح أزاحك بردها ... إله متى استرحمته فهو يرحم رأت عصبي غزلا وجسمي مرمّة ... فها هي تسدي كلّ يوم وتلحم ومن ذلك أيضا: [السريع] يا بقعة بالحمد معروفة ... تحذرها الشّمس فلا تشرق ترى عيون الماء عمشا بها ... وأعين النيران لا تنطق ومن ذلك أيضا: [الطويل] جفاك الحيا من بقعة ظلت عندها ... بلا جلد ممّا لقيت ولا جلد فلو سامتها الشمس أرعد قرصها ... ولثّت فلم تسطع حراكا من البرد وقلت أصف جبل شلير «1» : [المتقارب] شلير «2» ، لعمري أساء «3» الجوار ... وسدّ عليّ رحيب الفضا هو الشيخ أبرد شيء يرى ... إذا لبس البرنس الأبيضا وقلت أخاطب بعض أصحابنا ممن يخضب بياض شيبه من بعد الإنقاء: [الكامل] وكريمة شهد الخضاب شهادة ... بفتوّها عند الأداء مزوّره مرض الفؤاد وحمّ لأجلها ... فجعلت منها للعلاج مزوّره وقلت وقد استزاد الحاضرون من هذا المعنى: [الكامل] عهدي بهاتيك الكريمة مهرق ... يقن تسرّ به العيون وتغبط أغريت أجزاء المداد بظلّها ... وكذا المداد على الطرّوس مسلّط وقلت في ذلك: [البسيط] وخضتها «4» بعدما لاح المشيب وقد ... جوّزت في العقل كتم الصّبح بالغبش فاض البياض على رغم السّواد بها ... ويرشح الدّمع تحت الكحل في العمش الجزء: 4 ¦ الصفحة: 446 وقلت عند الرجوع من الرّحلة: [الطويل] رجعنا بفضل الله بعد استدارة ... وفينا بها الأنس كيل اختياره كما راجع البركان مفروض نقطة ... من السّطح، منها كان بدء مداره وقلت في الغرض المذكور: [الطويل] إلى العين «1» تنأى الشّهب والشمس فتنة ... تلألأ منّا البرّ والبحر ذو الموج رحلنا عن الأوج الرفيع نحلّها ... لمن «2» أجل شتّى ثم عدنا إلى الأوج وقلت أخاطب شيخنا أبا الحسن بن الجيّاب «3» : [الكامل] بين السّهام وبين كتبك نسبة ... مهما يصاب من العدوّ المقتل وإذا أردت لها زيادة نسبة ... هذي وهذي في الكنانة تجعل وقلت في البراغيث وفيها التّجنيس «4» : [البسيط] بتنا نكابد همّ القحط ليلتنا ... وأنجد السّهد والكرب البراغيثا «5» وكان «6» يحمل ما كنّا نكابده ... من المشقّة لو أنّ البرى غيثا «7» وقلت في ذلك «8» : [الطويل] وقالوا: بدت منكم على الجلد حمرة ... فقلنا «9» : براغيث لكم رقّطونا «10» عدت نحونا ليلا ومن بعد ذا امتدّت «11» ... كما رقصت في القلو بزر قطونا «12» الجزء: 4 ¦ الصفحة: 447 وقلت في معنى غريب «1» : [الكامل] إنّ اللّحاظ هي السّيوف حقيقة ... ومن استراب فحجّتي تكفيه لم يدع غمد السيف جفنا باطلا ... إلّا لشبه «2» اللّحظ يغمد فيه وقلت فيما يظهر منها: [الوافر] هممت لأن أقبّلها بشيبتي ... فأبدت عند ذا سمة القنوط وقالت لي: رأيتك في حياتي ... جعلت بجسمها «3» قطن الحنوط ومن الدّعابة والفكاهة، قولي أخاطب رجلا منتفخا بالجاه، يعطي أموره فوق حقّها: [الكامل] رفقا بنفسك سيدي رفقا ... فالفضل أن تبرا «4» وأن تبقى أمّا مزاجك فهو معتدل ... لكن أظنّ خيالك استسقا وقلت في الغرض المذكور: [الطويل] رأيت بمخدومي انتفاخا فرابني ... وباكرت دكّان الطبيب كما وجب فقال: وقاك الله فيه فلا تخف ... عليه فهذا النّفخ ليس له سبب وقلت على طريقة المشارقة: [مجزوء الرمل] همّ أن ينتف ذقني ... قلت: والاني بفضله لم أكن أدخل إلّا ... آملا «5» جنّة وصله وقلت على طريقتهم أيضا: [مجزوء الرمل] قلت لمّا سألوني ... بامتحاني واختباري أنا من عاري كأس ... أنا من كأسي عار الجزء: 4 ¦ الصفحة: 448 وقلت على طريقتهم أيضا «1» : [الطويل] وقالت: حلقت الكسّ مني بنورة ... فقلت لها استنصرت من ليس ينصر ألا فاخبري «2» عنّي فديتك واصدقي ... محلّق «3» ذاك الكسّ أنّي مقصّر وقلت في بعض الأصحاب، وقد أكثر من سرقة كتب البرق الشامي للعماد الأصفهاني، رحمه الله «4» : [الطويل] خليليّ إن يقض «5» اجتماع بخالد ... فقولا له عنّي «6» ولن تعدوا الحقّا سرقت العماد الأصفهانيّ «7» برقه ... وكيف ترى في شاعر يسرق «8» البرقا؟ وقلت، وقد أرجف قوم من الممرورين بظهور الخاتم: [الطويل] وقالوا «9» : ظفرنا في الزمان بخاتم ... قد اجتمعت أوصافه الغرّ في شخص فقلت لهم: إن صحّ ما قد ذكرتم ... فلا بدّ أن يحتاج فيه إلى فصّ وقلت، ونستغفر الله من السّفاهة: [الكامل] قالت: بعقلك فاحتفظ كي لا ترى ... تبكي بضرّ ليس يعرف كاشفا واعمل فديت حساب سحري وارعوي ... فأنا الذي أخرجت «10» سرّنا كاشفا وقلت مطاوعا إخوان الدّعابة: [الكامل] قالت: إذا استخبرتها عن زوجها ... هو يقرن الأزواج في الفدّان قلت ابلغي عني السلام تحيّة ... عند المجيء لزوجك القرّان وقلت وهي نزعة بيطارية «11» : [الطويل] وذي زوجة تشكو فقلت له اسقها ... دواء من الحبّ المليّن للبطن فقال: أبت شرب الدواء بطبعها ... فقلت اسقها إن عافت الشرب بالقرن الجزء: 4 ¦ الصفحة: 449 وقلت أخاطب بعض الطلبة، وكنية أبيه أبو الربيع، واتّهمته بأكل الحشيش: [الطويل] إنني ابن سليمان وفي الفكر فترة ... تخبر أنّ العقل جدّ مغيّب فقلت: أظنّ السّيّد اعتمّ عمّة ... ولكنها في الأصل من كنية الأب وقلت على طريقة المشارقة والله وليّ المغفرة «1» : [الخفيف] قال لي عندما أتى بجدال ... وشكوك على أصول الدّين ولساني يبدّل الدّال تاء «2» ... عاجزا «3» في الأمور عن تبيين التمس مخرجا يوافق قولي ... قلت: أحسنت يا جلال «4» التّين وقلت معارضا أبياتا مثلها لبعض المعاصرين: [الوافر] بعثت له إذ اتبعنا عصيرا ... هجرنا في تفقّده البيوتا لعلك يا حبيب القلب تأتي ... فتأكل عندنا عنبا وتوتا وقلت أخاطب من أدل عليه، وما أولاني بذلك «5» : [المتقارب] إذا قمت قل «6» بعقيب الكرى ... إلهي أنت إله الورى تباركت أنشأتهم من تراب ... وأنشأتني بينهم من خرا «7» وقلت وهي نزعة مشرقية «8» : [الكامل] يا قائدي نحو الغرام بمقلة ... نفقت حلاوتها بكلّ فؤادي «9» ماذا جنيت عليّ من مضض الهوى ... الله ينصف منك يا قوّادي «10» وقلت فيمن رعى محبوبه عارضه في حال السّكر، ولحية التيس دواء نافع للبطن: [الطويل] رعى عارضي ظبي شكى سقم بطنه ... وقال، ولم ترشد لحذق ولا كيس: ألم تر أنّي علّة البطن أشتكي ... وينفع من يشكو بها لحية التّيس؟ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 450 وقلت: [الخفيف] حين لم أرج للخلاص سبيلا ... دأبه بالصّدود في عشّاقه قيّض الله لحية لخلاصي ... قبضت بالبنان فوق خناقه وقلت في ذلك «1» : [الخفيف] لم أجد فيه لين بثّ لقلبي ... وقبولا لحجّتي واعتذاري ثقّل الله ظهره بعيال ... سوّد الله وجهه بعذار وقلت في ذلك: [الكامل] ناديت مبتهلا وقد جنّ الدّجى ... لمّا برمت بردّه وبنجهه يا ربّ، واجعل لوعتي في قلبه ... يا ربّ، واجعل لمحتي في وجهه وفي قريب من ذلك، والله العفوّ الغفور: [الرمل] لي حبيب لست أعصى أمره ... لم أطق بعد وصال هجره يدّعي أني ثقيل مبرم ... أثقل الله بعدلي ظهره وقلت في مجتمع فضلاء: [الطويل] أقول وقد جاء الغلام بثردة ... بأمثالها يحيى السّعيد وينعم بنيت على زرد ولقمني الفتى ... كذلك ماعون البناء يلقّم وقلت، والله ولي التجاوز، أداعب بعضهم «2» : [السريع] شيخ رباط إن أتى شادن ... خلوته عند انسدال الظلام أدلى وقد أبصره دلوه ... وقال: يا بشراي، هذا غلام وقلت مشيرا إلى بعض طبقات الغناء «3» : [الكامل] ضرط الفقيه فقلت: ذاك غريبة ... ما كان ذلك منه بالمعلوم فرنا «4» إليّ وقال: قد أطرفتكم «5» ... من ضرطتي بغريبة المزموم الجزء: 4 ¦ الصفحة: 451 وقلت أصف رجلا خبيثا غفر الله لي وله «1» : [الطويل] وذي حيل يعيى التّقيّة أمرها «2» ... مكايده في لجّة الليل تسبح يدبّ شبول الليث والليث ساهر ... ويسرق ناب الكلب والكلب ينبح وقلت في نزعات المشارقة «3» : [الوافر] أقول لعاذلي لمّا نهاني ... وقد وجد الملامة «4» إذ جفاني علمت بأنه مرّ التّجنّي ... وفاتك أنه حلو اللسان ومن أغراض الإشارات الصوفية وغيرها من الوعظ والجدّ والحكم، ولعلّ ذلك ماحيا لما تقدّمه بفضل الله قلت: وربما ثبتت في كتاب «المحبة» من تأليفي: [الطويل] تعدّدت الألفاظ واتّحد المعنى ... وأصبح فردا ما مررت به مثنى وعادت لعين الجمع وهي كثيرة ... محا كلّ فرق مجتلى وجهك الأسنى تعبّدت الأفكار آثارك العليا «5» ... وقيّدت الأبصار روضتك الغنّا وقصّرت الألفاظ عن نيل غاية ... ببعض الذي أبدته ذاتك من معنى وقلت «6» : [الكامل] لا تنكروا «7» إن كنت قد أحببتكم ... أو أنني استولى عليّ هواكم طوعا وكرها ما ترون فإنني ... طفت الوجود فما وجدت سواكم وقلت: [السريع] والكون أشراك نفوس الورى ... طوبى لنفس حرّة فازت إن لم تحز معرفة الله قد ... أورطها الشيء الذي حازت الجزء: 4 ¦ الصفحة: 452 وقلت أيضا في المشيب وما في معناه «1» : [الكامل] أنّى لمثلي بالهوى من بعد ما ... للوخط بالفودين «2» أيّ دبيب لبس البياض وحلّ ذروة منبر ... منّي ووالى الوعظ فعل خطيب وقلت في تعلّل يناقض ذلك «3» : [الخفيف] قلت للشّيب: لا يربك جفائي ... في اختصاري لك البرور ومقتك أنت بالعتب يا مشيبي أولى ... جئتني فجأة «4» وفي غير وقتك وقلت «5» : [الرمل] طال حزني لنشاط ذاهب ... كنت أسقى دائما من خانه «6» وشباب كان يندى نضرة ... نزل الثلج على ريحانه ونظرت يوما إلى ولدي فأعجبتني شيبته فقلت «7» : [الرمل] سرق الدهر شبابي من يدي ... ففؤادي مشعر بالكمد وحملت «8» الأمر إذ أبصرته ... باع ما أفقدني من ولدي وقلت وهو الحقّ: [المنسرح] انظر لخضّاب «9» الشّيب قد نصلا ... ورائد العيش بعده انفصلا ومطلبي والذي كلفت به ... قد رمت تحصيله فما حصلا لا أمل مسعف ولا عمل ... ونحن «10» في ذا والموت قد وصلا وقلت: [الوافر] قحطنا ثم صاب الغيث رحمى ... فشكرا يا حمام، إذا غططتا «11» ويا غيث الرّضا، عنّا انسكابا ... فأنت على الخبير به سقطتا وقلت لمّا أخذت في طريقة أبي الفرج: [الطويل] قعدت لتذكير ولو كنت منصفا ... لذكّرت نفسي فهي أحوج للذّكرى إذا لم يكن مني لنفسي زاجرا ... فيا ليت شعري كيف نفعل في أخرى الجزء: 4 ¦ الصفحة: 453 وقلت، وأنا بسلا، وقد أحسست غفلة، والحال كلّه كذلك «1» : [الطويل] أيا أهل هذا القطر، ساعده القطر ... دهيت «2» فدلّوني لمن يرفع الأمر؟ تشاغلت بالدنيا ونمت مفرّطا ... وفي شغلي أو نومتي سرق العمر وقلت في منكانة الرّمل وهو بديع: [البسيط] منكانة الرّمل فيها عبرة ونهى ... وشاهد أنّ كلّا منقض كمدا لباب عمر الفتى يجري بجريتها ... كأنما العمر لمّا أطلقت فصدا ولما ارتجلت ذلك، استزاد الحاضرون فقلت «3» : [البسيط] تأمّل الرّمل في المنكان «4» منطلقا ... يجري وقدره عمرا منك منتهبا والله لو كان وادي الرّمل ينجده ... ما طال «5» طائله إلّا وقد ذهبا وقلت في قريب منه: [الطويل] حمى الفلك الدوّار جفني عن الكرى ... لشتّى هموم منه فكري يجنيها أراه رحى قين وعمري صفيحة ... يكرّ عليها بالمدار فيفنيها وقلت في الوصايا: [الوافر] إذا ما النّفس مالت نحو حسن ... فقد خطرت على خطر الولوع فإن أحسّت ميله «6» أدركها ... فما بعد المميل سوى الوقوع وقلت في المعنى: [الرجز] إذا صرفت نحو وجه حسن ... طرفك واستهداك للحين الطّمع فلا تمل قلبك ما اسطعت «7» له ... فالقلب كالحائط إن مال وقع الجزء: 4 ¦ الصفحة: 454 وقلت: [المتقارب] أخي، لا تقل كذبا إن نطقت ... فللناس في الصّدق فضل وضح وخف إن كذبت طروّ افتضاح ... فما كذب الفجر إلّا افتضح وقلت منحيا على عالم الكون والفساد: [الكامل] والله لو كانت حياتي في يدي ... مع جهل وعد الله أو لقياه في خفض عيش لا تكلّف منّة ال ... إنسان مطعمه ولا سقياه ما كان هذا العالم الجمّ الأذى ... مما يؤمّل عاقل بقياه وكتبت في بعض الحيطان لما اجتزت على مدينة سبتة «1» : [الوافر] أقمنا برهة ثم ارتحلنا ... كذلك الدهر حال بعد حال وكلّ بداية فإلى انتهاء ... وكلّ إقامة فإلى ارتحال ومن سام الزمان بعام أمر «2» ... فقد وقف الرجاء على المحال ولنختم غرض هذه المقطوعات بقولي، ولا حول ولا قوة إلّا بالله «3» : [مجزوء الرمل] عدّ عن كيت وكيت ... ما عليها غير ميت كيف ترجو «4» حالة البقا ... ء «5» لمصباح وزيت؟ ومن الموشحات التي انفرد باختراعها الأندلسيون، وقد طمس اليوم رسمها، قولي «6» : ربّ ليل ظفرت بالبدر ... ونجوم السماء لم تدر حفظ الله ليلنا ورعى ... أيّ شمل من الهوى جمعا غفل الدهر والرقيب معا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 455 ليت نهر النهار «1» لم يجر ... حكم الله لي على الفجر علّل النّفس يا أخا الطّرب «2» ... بحديث أحلى من الضّرب في هوى من وصاله أربي «3» كلّما مرّ ذكر من أدري «4» ... قلت: يا برده على صدري صاح لا تهتمم «5» بأمر غد ... وأجز صرفها يدا بيد بين نهر وبلبل غرد وغصون تميل «6» من سكر ... أعلنت: يا غمام «7» ، بالشّكر يا مرادي ومنتهى أملي ... هاتها عسجديّة الحلل حلّت الشمس منزل الحمل وبرود «8» الربيع في نشر ... والصّبا عنبرية النّشر غرّة الصبح هذه وضحت ... وقيان الغصون قد صدحت وكأنّ الصّبا إذا نفحت وهفا «9» طيبها عن الحصر ... مدحة في علا بني نصر هم ملوك الورى بلا ثنيا ... مهّدوا الدين زيّنوا الدّنيا وحمى الله منهم العليا بالإمام «10» المرفّع الخطر ... والغمام المبارك القطر إنما يوسف إمام هدى ... جاز في المعلوات كلّ مدى قل لدهر بملكه سعدا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 456 افتخر واجبا «1» على الدهر ... كافتخار الربيع بالزّهر يا عماد العلاء والمجد ... أطلع العيد طالع السّعد ووفى الفتح فيه بالوعد وتجلّت فيه على القصر «2» ... غرر من طلائع النّصر فتهنّأ من حسنه البهج ... بحياة النفوس والمهج واستمعها ودع مقال شجي قسما بالهوى لذي حجر ... ما لليل المشوق من فجر ومن ذلك قولي أيضا «3» : زمن الأنس كلّما ولّى ردّه معوز ... فاغتنم منك ريق العمر وهو مستوفز اطرد الهمّ بابنة العنب ... وأحل غيم الثّرى عن شموس عكفن في حجب ... عن عيون الورى هي كنز من خالص الذّهب ... حلّ عند العرا كم فقير أتى على وعد فيه يستنجز ... والوعيد الشديد معروف للذي يكنز أضحك الفجر مبسم الشّرق ... فاستراب الظّلام وانتضى الأفق صارم البرق ... من قراب الغمام وتحلّت ترائب الورق ... درّ زهر الكمام ولجيش الصباح في الأفق راية تركز ... وخيول السّحاب بالبرق أبدا تنهز «4» وقدود الغصون ترتاح ... للقاء النسيم وشميم الرياض نفّاح ... كثناء الكريم ومحيّا الصباح يلتاح ... في الجمال الوسيم وخطيب الحمام في الغصن مسهب موجز ... ينكر النّوم فهو بالعتب مفصح ملغز للهوى قدوة من الناس ... ذات نهج قويم لا ترى في المدام من باس ... وارتشاف النديم بحديث الغرام والكاس ... في الزّمان القديم الجزء: 4 ¦ الصفحة: 457 طوّر واصفح كلّ ديوان وبه طرّز ... ما لا تجز في شريعة الظّرف غير ما جوّز قف ركاب المدائح الغرّ ... بأهل برّ الهدى يوسف الملك نخبة الأمر ... غيث أفق النّدى من لأسلافه بني نصر ... في جهاد العدى؟ وكتبت عن السلطان أبي الحجاج ابن السلطان أبي الوليد بن نصر، رحمه الله، إلى التّربة المقدّسة، تربة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهي من أوليات ما صدر عني في هذه الأغراض «1» : [الطويل] إذا فاتني ظلّ الحمى ونعيمه ... فحسب «2» فؤادي أن يهبّ نسيمه ويقنعني أنّي به متكيّف «3» ... فزمزمه دمعي وجسمي حطيمه «4» يعود فؤادي ذكر من سكن الغضا ... فيقعده فوق الغضا «5» ويقيمه ولم أر يوما «6» كالنسيم إذا سرى ... شفى سقم القلب المشوق سقيمه «7» نعلّل بالتّذكار نفسا مشوقة ... يدير عليها كأسه ويديمه «8» الجزء: 4 ¦ الصفحة: 458 وما شفّني «1» بالغور قدّ مرنّم «2» ... ولا شاقني من وحش «3» وجرة «4» ريمه ولا سهرت عيني لبرق ثنيّة ... من الثّغر يبدو موهنا فأشيمه «5» براني شوق للنبيّ محمد ... يسوم فؤادي برحه «6» ما يسومه ألا يا رسول الله، ناداك ضارع ... على البعد «7» محفوظ الوداد سليمه مشوق إذا ما الليل مدّ رواقه ... تحثّ «8» به تحت الظلام همومه إذا ما حديث عنك جاءت به الصّبا ... شجاه من الشوق الحديث «9» قديمه أيجهر بالنّجوى وأنت سميعها ... ويشرح ما يخفي وأنت عليمه «10» ؟ وتعوزه السّقيا وأنت غياثه ... وتتلفه البلوى وأنت رحيمه «11» ؟ بنورك، نور الله، قد أشرق الهدى ... فأقماره وضّاحة ونجومه الجزء: 4 ¦ الصفحة: 459 لك «1» انهلّ فضل الله بالأرض «2» ساكبا ... فأنواؤه ملتفّة وغيومه «3» ومن فوق أطباق السماء بك اقتدى ... خليل الذي أوطاكها «4» وكليمه «5» لك الخلق الأرضى الذي جلّ ذكره «6» ... ومجدك «7» في الذّكر الحكيم «8» عظيمه يجلّ مدى علياك عن مدح مادح ... فموسر «9» درّ القول فيك عديمه ولي، يا رسول الله، فيك وراثة ... ومجدك لا ينسى الذّمام «10» كريمه وعندي إلى أنصار دينك نسبة ... هي الفخر لا يخشى انتقالا مقيمه وكان بودّي أن أزور مبوّأ ... بك افتخرت أطلاله ورسومه وقد يجهد الإنسان طرف اعتزامه ... ويعوزه من بعد ذاك مرومه وعذري في تسويف عزمي ظاهر ... إذا ضاق عذر العزم عمّن يلومه عدتني بأقصى الغرب عن تربك العدا «11» ... جلالقة الثّغر الغريب ورومه الجزء: 4 ¦ الصفحة: 460 أجاهد منهم في سبيلك أمّة ... هي البحر يعيي أمرها من يرومه فلولا اعتناء منك يا ملجأ الورى «1» ... لريع حماه واستبيح حريمه فلا تقطع الحبل الذي قد وصلته ... فمجدك موفور النّوال عميمه وأنت لنا الغيث الذي نستدرّه ... وأنت لنا الظّلّ الذي نستديمه ولمّا نأت داري وأعوز مطمعي ... وأقلقني شوق يشبّ «2» جحيمه بعثت بها جهد المقلّ معوّلا ... على مجدك الأعلى الذي جلّ خيمه وكلت بها همّي وصدق قريحتي ... فساعدها «3» هاء الرّويّ وميمه فلا تنسني يا خير من وطئ الثّرى ... فمثلك لا ينسى لديه خديمه عليك صلاة الله ما ذرّ «4» شارق ... وما راق من وجه الصّباح وسيمه إلى «5» رسول الحقّ، إلى كافّة الخلق، وغمام الرحمة الصادق البرق، والحائز «6» في ميدان اصطفاء الرحمن قصب السّبق، خاتم الأنبياء، وإمام ملائكة السماء، ومن وجبت له النبوّة وآدم بين الطّين والماء، شفيع أرباب الذنوب، وطبيب أدواء الجزء: 4 ¦ الصفحة: 461 القلوب، ووسيلة «1» الخلق إلى علّام الغيوب، نبيّ الهدى الذي طهر قلبه، وغفر ذنبه، وختم به الرسالة ربّه، وجرى في النفوس مجرى الأنفاس حبّه، المشفّع «2» يوم العرض، المحمود في ملإ السماوات «3» والأرض، صاحب اللّواء المنشور «4» ، والمؤتمن على سرّ الكتاب المسطور، ومخرج الناس من الظّلمات إلى النور، المؤيّد بكفاية الله وعصمته، الموفور حظّه من عنايته ونعمته «5» ، الظّلّ الخفّاق على أمّته، من لو حازت الشمس بعض كماله ما عدمت إشراقا، أو كانت للآباء رحمة قلبه ذابت نفوسهم إشفاقا، فائدة «6» الكون ومعناه، وسرّ الوجود الذي بهر «7» الوجود سناه، وصفيّ حضرة القدس الذي لا ينام قلبه إذا نامت عيناه، البشير «8» الذي سبقت له البشرى، ورأى من آيات ربّه الكبرى، ونزل عليه «9» سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى «10» . الأنوار «11» من عنصر «12» نوره مستمدّة، والآثار «13» من آثاره مستجدّة. من طوي بساط الوحي لفقده، وسدّ باب النبوّة «14» والرسالة من بعده، وأوتي جوامع الكلم فوقف «15» البلغاء حسرى دون حدّه، الذي انتقل في الغرر الكريمة نوره، وأضاءت لميلاده مصانع الشام وقصوره، وطفقت الملائكة تحيّيه «16» وفودها وتزوره. وأخبرت الكتب المنزّلة على الأنبياء بأسمائه وصفاته، فجاء بتصديق الخبر ظهوره «17» وأخذ عهد الإيمان «18» به «19» على من اتصلت بمبعثه منهم أيام حياته، المفزع الأمنع يوم الفزع الأكبر، والسّند المعتمد عليه «20» في أهوال المحشر، ذو «21» المعجزات التي أثبتتها المشاهدة والحسّ، وأقرّ بها الجنّ والإنس، من جماد يتكلّم، وجذع لفراقه يتألّم، وقمر له ينشقّ، وشجر «22» يشهد أنّ ما جاء به هو الحقّ، الجزء: 4 ¦ الصفحة: 462 وشمس بدعائه عن مسيرها تحبس، وماء من أصابعه الكريمة «1» ينبجس «2» ، وغمام باستسقائه يصوب، وركيّة «3» بصق في أجاجها «4» فأصبح ماؤها وهو العذب المشروب، المخصوص بمناقب الكمال وكمال المناقب، المسمّى بالحاشر «5» العاقب «6» ذو المجد البعيد المراقي «7» والمراقب «8» ، أكرم من رفعت «9» إليه وسيلة المعترف المتغرب «10» ، سيّد الرسل محمد بن عبد الله بن عبد المطلب، الذي فاز بطاعته المحسنون، واستنقذ بشفاعته المذنبون، وسعد باتباعه الذين «11» لا خوف عليهم ولا هم يحزنون، صلى الله عليه وسلم، ما لمع برق، وهمع ودق «12» ، وطلعت شمس، ونسخ اليوم أمس. من عتيق شفاعته، وعبد «13» طاعته، المعتصم بسببه، المؤمن بالله ثم به، المستشفي بذكره كلّما تألّم، المفتتح بالصلاة عليه «14» كلما تكلّم، الذي «15» إن ذكر تمثّل طلوعه بين أصحابه وآله، وإن هبّ النسيم العاطر وجد فيه طيب خلاله، وإن سمع الأذان تذكّر صوت بلاله «16» ، وإن ذكر القرآن استشعر «17» تردّد جبريل بين معاهده وخلاله «18» ، لاثم تربه، ومؤمّل قربه، ورهين طاعته وحبّه، المتوسّل به إلى رضى الله ربّه «19» ، يوسف بن إسماعيل بن نصر «20» . كتبه إليك يا رسول الله، والدّمع ماح، وخيل الوجد ذات جماح، عن شوق يزداد كلّما نقص الصّبر، وانكسار لا يتاح له إلّا بدنوّ مزارك الجبر، وكيف الجزء: 4 ¦ الصفحة: 463 لا يعيي «1» مشوقك الأمر، وتوطأ على كبده الجمر «2» ، وقد مطلت الأيام بالقدوم على تربتك «3» المقدّسة اللّحد، ووعدت الآمال ودانت بإخلاف الوعد، وانصرفت الرّفاق والعين بإثمد «4» ضريحك ما اكتحلت، والركائب إليك ما ارتحلت «5» ، والعزائم قالت وما فعلت، والنواظر في تلك المشاهد الكريمة لم تسرح، وظهور «6» الآمال عن ركوب «7» العجز لم تبرح. فيا لها من «8» معاهد فاز من حيّاها، ومشاهد ما أعطر ريّاها! بلاد نيطت بها عليك التّمائم «9» ، وأشرقت بنورك منها النّجود والتّهائم. ونزل في حجراتها عليك الملك، وانجلى بضياء فرقانك فيها الحلك «10» ، مدارس الآيات والسّور، ومطالع المعجزات السّافرة الغرر «11» ، حيث قضيت الفروض وحتمت، وافتتحت سور «12» الوحي «13» وختمت، وابتدئت «14» الملّة الحنيفية وتمّمت، ونسخت الآيات وأحكمت. أما والذي بعثك بالحقّ هاديا، وأطلعك للخلق نورا باديا، لا يطفئ غلّتي إلّا شربك، ولا يسكّن لوعتي إلّا قربك، فما أسعد من أفاض من حرم الله إلى حرمك، وأصبح بعد أداء ما فرضت عن الله ضيف كرمك، وعفّر الخدّ في معاهدك ومعاهد أسرتك، وتردّد ما بين داري بعثتك وهجرتك «15» . وإني لما عاقتني عن زيارتك العوائق وإن كان شغلي عنك بك، وصدّتني «16» الأعداء فيك عن وصل سببي بسببك، وأصبحت بين «17» بحر تتلاطم أمواجه، وعدوّ تتكاثف أفواجه، ويحجب الشمس عند الظّهيرة عجاجه، في طائفة من المؤمنين بك وطّنوا على الصبر نفوسهم، وجعلوا التوكّل على الله وعليك لبوسهم «18» ، ورفعوا إلى مصارحتك رؤوسهم، واستعذبوا في مرضاة الله «19» ومرضاتك بوسهم «20» ، يطيرون من هيعة إلى أخرى، الجزء: 4 ¦ الصفحة: 464 ويلتفتون «1» والمخاوف «2» عن «3» يمنى ويسرى، ويقارعون وهم الفئة القليلة جموعا كجموع قيصر وكسرى، لا يبلغون من عدوّ هو «4» الذّرّ عند «5» انتشاره، عشر «6» معشاره، قد باعوا من الله تعالى «7» الحياة الدّنيا؛ لأن تكون كلمة الله هي العليا، فيا له من سرب مروع، وصريخ إلّا منك «8» ممنوع، ودعاء إلى الله «9» وإليك مرفوع. وصبية حمر الحواصل، تخفق فوق أوكارها «10» أجنحة المناصل، والصليب قد تمطّى يمدّ «11» ذراعيه، ورفعت الأطماع بضبعيه، وقد حجبت بالقتام السماء، وتلاطمت أمواج الحديد، والبأس الشّديد، فالتقى الماء، ولم يبق إلّا الذّماء «12» . وعلى ذلك فما ضعفت البصائر ولا ساءت الظنون، وما وعد به الشهداء تعتقده القلوب حتى تكاد تشاهده «13» العيون، إلى أن نلقاك «14» غدا إن شاء الله وقد أبلينا العذر «15» ، وأرغمنا الكفر، وأعملنا في سبيل الله وسبيلك البيض والسّمر «16» ، استنبت «17» رقعتي هذه لتطير إليك من شوقي «18» بجناح خافق، وتشعر «19» نيّتي التي تصحبها لرفيق موافق، فتؤدّي «20» عن عبدك وتبلّغ، وتعفّر الخدّ في تربك «21» وتمرّغ، وتطيّب بريّا «22» معاهدك الطاهرة وبيوتك، وتقف وقوف الخشوع «23» والخضوع تجاه تابوتك، وتقول بلسان التملّق، عند التّشبّث بأسبابك والتّعلّق، منكسرة الطّرف، حذرا بهرجها «24» من عدم الصّرف: يا غياث الأمة، وغمام الرحمة، ارحم غربتي وانقطاعي، وتغمّد بطولك الجزء: 4 ¦ الصفحة: 465 قصر باعي، وقوّ على هيبتك خور «1» طباعي. فكم جزت من لجّ مهول، وجبت من حزون وسهول، وقابل بالقبول نيابتي، وعجّل بالرّضا إجابتي. ومعلوم من كمال تلك الشّيم، وسخاء «2» تلك الدّيم، أن لا يخيب «3» قصد من حطّ بفنائها، ولا يظمأ وارد أكبّ على إنائها «4» . اللهمّ، يا من جعلته أوّل الأنبياء بالمعنى وآخرهم بالصّورة، وأعطيته لواء الحمد يسير آدم فمن دونه تحت ظلاله المنشورة، وملّكت أمّته ما زوي له من زوايا البسيطة المعمورة، وجعلتني من أمّته المجبولة على حبّه المفطورة «5» ، وشوّقتني إلى معاهده المبرورة، ومشاهده المزورة، ووكلت لساني بالصلاة عليه، وقلبي بالحنين إليه، ورغّبتني في التماس «6» ما لديه، فلا تقطع عنه أسبابي، ولا تحرمني في «7» حبّه أجر ثوابي، وتداركني بشفاعته يوم أخذ كتابي. هذه يا رسول الله وسيلة من بعدت داره، وشطّ مزاره، ولم يجعل بيده اختياره. فإن لم تكن «8» هذه «9» للقبول أهلا فأنت للإغضاء «10» والسمح «11» أهل، وإن كانت ألفاظها وعرة فجنابك للقاصدين سهل، وإذا «12» كان الحبّ يتوارث كما أخبرت، والعروق تدسّ حسبما إليه أشرت، فلي بانتسابي إلى سعد «13» عميد أنصارك مزيّة، ووسيلة أثيرة حفيّة «14» ، فإن «15» لم يكن لي عمل ترتضيه «16» فلي نيّة. فلا تنسني ومن بهذه الجزيرة التي افتتحت «17» بسيف كلمتك، على أيدي خيار «18» أمّتك، فإنما نحن بها «19» وديعة تحت بعض أقفالك «20» ، نعوذ بوجه ربّك من إغفالك، ونستنشق من ريح عنايتك نفحة، ونرتقب من محيّا «21» قبولك لمحة، ندافع بها عدوّا ظغى وبغى، وبلغ من مضايقتنا ما ابتغى. فمواقف التّمحيص قد أعيت من كتب وأرّخ «22» ، والبحر قد الجزء: 4 ¦ الصفحة: 466 أصمتت «1» بواعث لججه من استصرخ، والطّاغية في العدوان مستبصر، والعدوّ محلّق والوليّ مقصّر «2» . وبجاهك نستدفع «3» ما لا نطيق، وبعنايتك نعالج سقيم الدّين فيفيق، فلا تفردنا ولا تهملنا، وناد ربّك فينا، رَبَّنا وَلا تُحَمِّلْنا «4» ، وطوائف أمّتك حيث كانوا، عناية منك تكفيهم، وربّك يقول لك «5» ، وقوله الحقّ: وَما كانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ «6» . والصلاة والسلام عليك يا خير من طاف وسعى، وأجاب داعيا إذا دعا، وصلّى الله «7» على جميع أحزابك وآلك، صلاة «8» تليق بجلالك، وتحقّ «9» لكمالك، وعلى ضجيعيك وصديقيك، وحبيبيك ورفيقيك، خليفتك في أمّتك «10» ، وفاروقك المستخلف بعده على ملّتك «11» ، وصهرك ذي النّورين المخصوص ببرّك ونحلتك «12» ، وابن عمّك، سيفك المسلول على حلتك، بدر سمائك ووالد أهلّتك. والسلام الكريم عليك وعليهم كثيرا أثيرا «13» ، ورحمة الله تعالى وبركاته. وكتب «14» بحضرة «15» جزيرة الأندلس غرناطة، صانها الله تعالى «16» ووقاها، ودفع عنها ببركتك كيد عداها. وكتبت عن ولده أمير المسلمين أبي عبد الله «17» إلى ضريح رسول الله صلى الله عليه وسلم، وضمّنت ذلك ما فتح الله عليه من الفتوحات السّنيّات إليه وفي أوائل عام أحد وسبعين وسبعمائة «18» : [الطويل] دعاك بأقصى المغربين غريب ... وأنت على بعد المزار قريب مدلّ بأسباب الرجاء وطرفه ... غضيض على حكم الحياء مهيب «19» الجزء: 4 ¦ الصفحة: 467 يكلّف قرص البدر حمل تحيّة ... إذا ما هوى والشمس حين تغيب ليرجع «1» من تلك المعالم غدوة ... وقد ذاع من ورد «2» التحيّة طيب ويستودع «3» الريح الشمال شمائلا ... من الحبّ لم يعلم بهنّ رقيب ويطلب في جيب الجيوب جوابها ... إذا ما أطلّت والصباح منيب «4» ويستفهم الكفّ الخضيب ودمعه ... غراما بحنّاء النّجيع خضيب ويتبع آثار المطيّ مشيّعا «5» ... وقد زمزم الحادي وحنّ نجيب إذا أثر الأخفاف «6» لاحت محاربا ... يخرّ عليها راكعا وينيب ويلقي ركاب الحجّ وهي قوافل ... طلاح وقد لبّى النداء «7» لبيب فلا قول إلّا أنّة وتوجّع ... ولا حول إلّا زفرة ونحيب غليل ولكن من قبولك منهل ... عليل ولكن من رضاك طبيب ألا ليت شعري والأمانيّ ضلّة ... وقد تخطىء الآمال ثم تصيب أينجد نجد بعد شطّ «8» مزاره ... ويكثب «9» بعد البعد منه كثيب «10» ؟ وهل ينقضي ديني «11» فيسمح طائعا «12» ... وأدعو بحظّي مسمعا فيجيب؟ ويا ليت شعري هل لحومي مورد «13» ... لديك؟ وهل لي في رضاك نصيب؟ ولكنّك المولى الجواد وجاره ... على أيّ حال كان ليس يخيب وكيف يضيق الذّرع يوما بقاصد ... وذاك الجناب المستجار رحيب «14» ؟ وما هاجني إلّا تألّق بارق ... يلوح بفود الليل منه مشيب ذكرت به ركب الحجاز وجيرة ... أهاب بها نحو الحبيب مهيب الجزء: 4 ¦ الصفحة: 468 فبتّ وجفني من لآلىء دمعه ... غنيّ وصبري للشّجون سليب «1» ترنّحني «2» الذكرى ويهفو بي الهوى ... كما مال غصن في الرياض رطيب وأحضر تعليلا لشوقي بالمنى ... ويطرق وجد غالب فأغيب مناي «3» ، لو اعطيت الأمانيّ، زورة ... يبثّ غرام عندها ووجيب فقول حبيب إذ يقول تشوّقا ... عسى وطن يدنو إليّ حبيب تعجّبت من سيفي وقد سابق القضا ... وقلبي فلم يسكبه منه مذيب «4» وأعجب «5» أن لا يورق الرمح في يدي ... ومن فوقه غيث المشوق «6» سكيب فيا سرح ذاك «7» الحيّ لو أخلف الحيا ... لأغناك من صوب الدموع صبيب ويا هاجر الجوّ الجديب تلبّثا ... فعهدي رطب الجانبين خصيب ويا قادح الزّند الشّحاح «8» ترفّقا ... عليك فشوقي الخارجيّ شبيب أيا خاتم الرسل المكين مكانه ... حديث الغريب الدّار فيك غريب فؤادي على جمر البعاد مقلّب ... يماح عليه للدموع قليب فو الله ما يزداد إلّا تلهّبا «9» ... أأبصرت «10» ماء ثار عنه لهيب؟ فليلته ليل السليم ويومه «11» ... إذا شدّ للشوق العصاب عصيب هواي «12» هدى فيك اهتديت بنوره ... ومنتسبي للصّحب منك نسيب وحسبي على «13» أنّي لصحبك منتم ... وللخزرجيّين الكرام نسيب عدت عن مغانيك المشوقة للعدا ... عقارب لا يخفى لهنّ دبيب حراص على إطفاء نور قدحته ... فمستلب من دونه «14» وسليب الجزء: 4 ¦ الصفحة: 469 تمرّ الرياح الغفل فوق كلومهم ... فتعبق من أنفاسها وتطيب بنصرك «1» عنك الشّغل من غير منّة ... وهل يتساوى مشهد ومغيب؟ فإن صحّ منك الحظّ طاوعت «2» المنى ... ويبعد مرمى السّهم وهو مصيب ولولاك لم يعجم «3» من الرّوم عودها ... فعود الصّليب الأعجميّ صليب وقد كانت الأحوال لولا مراغب ... ضمنت ووعد بالظّنون «4» تريب «5» منابر عزّ أذّن الفتح فوقها ... وأفصح للعضب الطّرير خطيب «6» نقود «7» إلى هيجائها كلّ صائل ... كما ريع مكحول اللّحاظ ربيب ونجتاب من سرد «8» اليقين مدارعا ... يكفّتها «9» من يجتني ويثيب إذا اضطرب «10» الخطيّ حول غديرها ... يروقك منها لجّة وقضيب فعذرا وإغضاء ولا تنس صارخا ... بعزّك يرجو أن يجيب مجيب وجاهك بعد الله نرجو وإنّه ... لحظّ مليء «11» بالوفاء رغيب عليك صلاة الله ما طيّب الفضا ... عليك مطيل بالثّناء مطيب وما اهتزّ قدّ للغصون مرنّح ... وما افترّ ثغر للبروق شنيب إلى «12» حجّة الله تعالى المؤيد «13» ببراهين أنواره، وفائدة الكون ونكتة أدواره، وصفوة نوع البشر ومنتهى أطواره. إلى المجتبى وموجود الوجود لم يغن بمطلق الوجود عديمه، والمصطفى «14» من ذرّية آدم قبل أن يكسو العظام أديمه، المحتوم في القدم، وظلمات العدم، عند صدق القدم، تقديمه وتفضيله «15» إلى وديعة النّور المنتقل في الجباه الكريمة والغرر، وغمام الرحمة الهامية الدّرر. إلى مختار الله المخصوص باجتبائه، وحبيبه الذي له المزيّة على أحبّائه، من «16» ذرّية أنبياء الله تعالى الجزء: 4 ¦ الصفحة: 470 آبائه. إلى الذي شرح صدره وغسله، ثم بعثه واسطة بينه وبين العباد وأرسله، وأتمّ عليه إنعامه الذي أجزله، وأنزل عليه من النّور والهدى «1» ما أنزله. إلى بشرى المسيح والذّبيح، ومن لهم التّجر الرّبيح، المنصور بالرّعب والرّيح، المخصوص بالنّسب الصّريح. إلى الذي جعله في المحول غماما، وللأنبياء إماما، وشقّ صدره لتلقّي روح أمره غلاما، وأعلم به في التّوراة والإنجيل إعلاما، وعلّم المؤمنين صلاة عليه وسلاما. إلى الشّفيع الذي لا تردّ في العصاة شفاعته، والوجيه الذي قرنت بطاعة الله طاعته، والرؤوف الرّحيم الذي خلصت إلى الله في أهل الجرائم ضراعته. صاحب الآيات التي لا يسع ردّها، والمعجزات التي أربى على الألف عدّها، فمن «2» قمر شقّ «3» ، وجذع حنّ له وحقّ، وبنان يتفجّر بالماء، فيقوم بريّ الظماء، وطعام يشبع الجمع الكثير يسيره، وغمام يظلّل به مقامه ومسيره «4» ، خطيب المقام المحمود إذا كان العرض، وأول من تنشقّ «5» عنه الأرض، ووسيلة الله تعالى التي لولاها «6» ما أقرض القرض، ولا عرف النّفل «7» والفرض، محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف المحمود الخلال، من ذي الجلال، الشاهدة بصدقه صحف الأنبياء وكتب الإرسال، وآياته التي أثلجت القلوب ببرد اليقين السّلسال، صلّى الله عليه وسلّم، ما ذرّ شارق «8» ، وأومض بارق، وفرّق بين اليوم الشامس والليل الدامس فارق، صلاة تتأرّج عن «9» شذى الزهر «10» ، وتنبلج عن سنا الكواكب الزّهر، وتتردد بين السّرّ والجهر، وتستغرق ساعات النهار «11» وأيام الشهر، وتدوم بدوام الدهر، من عبد هداه، ومستقري «12» مواقع نداه، ومزاحم أبناء «13» أنصاره في منتداه، وبعض سهامه المفوّقة «14» إلى نحور عداه. مؤمّل العتق من النّار بشفاعته، ومحرز طاعة الجبّار بطاعته، الآمن باتصال رعيه من إهمال الله وإضاعته، متّخذ الصلاة عليه وسائل نجاة، وذخائر في الشدائد مرتجاة «15» ، ومتاجر «16» الجزء: 4 ¦ الصفحة: 471 بضائعها غير مزجاة «1» ، الذي ملأ بحبّه جوانح صدره، وجعل فكره هالة لبدره، وأوجب حقّه «2» على قدر العبد لا على قدره، محمد بن يوسف بن نصر الأنصاري الخزرجي نسيب سعد بن عبادة من أصحابه، وبوارق سحابه، وسيوف نصرته، وأقطاب دار هجرته، ظلّله الله يوم الفزع الأكبر من رضاك عنه بظلال الأمان، كما أنار قلبه من هدايتك بأنوار الهدى والإيمان، وجعله من أهل السّياحة في فضاء حبّك والهيمان. كتبه إليك يا رسول الله واليراع يقتضي «3» مقام الهيبة صفرة لونه، والمداد يكاد أن يحول سواد جونه، وورقة «4» الكتاب يخفق فؤادها حرصا على حفظ اسمك الكريم وصونه، والدمع يقطر فتنقط به الحروف وتفصّل الأسطر، وتوهّم المثول بمثواك المقدّس لا يمرّ بالخاطر سواه ولا يخطر، عن قلب بالبعد عنك قريح «5» ، وجفن بالبكاء جريح، وتأوّه عن تبريح «6» ، كلّما هبّ «7» من أرضك نسيم ريح. وانكسار ليس له إلّا جبرك «8» ، واغتراب لا يؤنس فيه إلّا قربك، وإن لم «9» يقض فقبرك. وكيف لا يسلم في مثلها الأسى، ويوحش الصباح والمسا، ويرجف جبل الصّبر بعد ما رسى، لولا لعلّ وعسى. فقد سارت الرّكبان «10» إليك ولم يقض مسير، وحوّمت الأسراب عليك والجناح كسير، ووعدت الآمال فأخلفت، وحلفت العزائم فلم تف بما حلفت، ولم تحصل النفس من تلك المعاهد ذات الشّرف الأثيل، إلّا على التّمثيل، ولا من المعالم المتناهية «11» التّنوير، إلّا على التّصوير، مهبط «12» وحي الله ومتنزّل أسمائه، ومتردّد ملائكة سمائه، ومرافق «13» أوليائه، وملاحد أصحاب خيرة أنبيائه، رزقني الله الرضا بقضائه، والصّبر على جاحم البعد ورمضائه. من حمراء غرناطة، حرسها الله تعالى، دار ملك الإسلام بالأندلس قاصية سيلك «14» ، ومسلحة «15» رجلك يا رسول الله وخيلك، وأنأى مطارح دعوتك الجزء: 4 ¦ الصفحة: 472 ومساحب ذيلك، حيث مصافّ الجهاد في سبيل الله وسبيلك، قد ظلّلها القتام، وشهبان الأسنّة أطلعها «1» منه الإعتام، وأسواق بيع النفوس من الله قد تعدّد بها «2» الأيامى «3» والأيتام، حيث الجراح قد تحلّت بعسجد نجيعها النحور، والشّهداء تحفّ بها الحور، والأمم الغريبة قد قطعتها «4» عن المدد البحور، حيث المباسم المفترّة، تجلوها المصارع البرّة، فتحييها بالعراء «5» ثعور الأزاهر، وتندبها صوادح الأدواح برنّات تلك المزاهر «6» ، [وتحمل «7» السحاب أشلاءها المعطّلة من ظلّها «8» بالجواهر،] «9» حيث «10» الإسلام من عدوّه المكايد بمنزلة قطرة من عارض غمام، وحصاة من ثبير «11» أو شمام «12» ، وقد سدّت الطريق، وأسلم الفراق الفريق «13» ، وأغضّ الريق، ويئس من الساحل الغريق، إلّا أن الإسلام بهذه الجهة المتمسكة بحبل الله وحبلك، المهتدية بأدلّة سبلك، سالم والحمد لله من الانصداع، محروس بفضل الله من الابتداع، مقدود من جديد الملّة، معدوم فيه وجود الطوائف المضلّة، إلّا ما يخصّ الكفر من هذه العلّة، والاستظهار على جمع الكثرة من جموعه بجمع القلّة. ولهذه الأيام، يا رسول الله، أقام الله أوده «14» برّا بوجهك الوجيه ورعيا، وإنجازا لوعدك «15» وسعيا «16» ، وهو الذي لا يخلف وعدا ولا يخيب سعيا، وفتح لنا فتوحا «17» أشعرتنا برضاه عن وطننا الغريب، وبشّرتنا منه تعالى بتغمّد «18» التقصير ورفع التّثريب «19» ، ونصرنا وله المنّة على عبدة الصليب، وجعل لألفنا الرّدينيّ «20» الجزء: 4 ¦ الصفحة: 473 ولا منا «1» السّردي حكم التغليب. وإذا كانت الموالي التي طوّقت «2» الأعناق مننها، وقرّرت العوائد الحسنة «3» سيرها وسننها، تبادر إليها نوّابها الصّرحاء «4» ، وخدّامها النّصحاء، بالبشائر، والمسرّات التي تشاع في العشائر، وتجلو لديها نتائج أيديها، وغايات مباديها، وتتاحفها وتهاديها، بمجاني جنّاتها وأزاهر غواديها، وتطرف محاضرها بطرف بواديها، فبابك يا رسول الله أولى بذلك وأحقّ، ولك الحقّ الحقّ، والحرّ منا عبدك المسترقّ، حسبما سجّله الرّق. وفي رضاك من كل من يلتمس رضاه المطمع، ومثواك المجمع، وملوك الإسلام في الحقيقة عبيد سدّتك «5» المؤمّلة، وخول مثابتك «6» المحسّنة بالحسنات المجمّلة «7» ، وشهب تعشو «8» إلى بدورك المكمّلة، ومحض «9» سيوفك المقلّدة في سبيل الله المحمّلة، وحرمة «10» مهادك، وسلاح جهادك، وبروق عهادك «11» . وإنّ مكفول احترامك الذي لا يخفر، وربيّ إنعامك الذي لا يكفر «12» ، وملتحف جاهك «13» الذي يمحى ذنبه بشفاعتك إن شاء الله ويعفر، يطالع روضة الجنّة المفتّحة أبوابها بمثواك، ويفاتح صوان «14» القدس الذي أجنّك «15» وحواك، وينثر بضائع الصلاة عليك بين يدي الضّريح الذي يهواك «16» ، ويعرض جنى ما غرست وبذرت، ومصداق ما بشّرت به لمّا بشّرت وأنذرت، وما انتهى إليه طلق جهادك، ومصبّ عهادك «17» ، لتقرّ عين نصحك الذي «18» أنام العيون السّاهرة هجوعها، وأشبع البطون وروّاها ظمؤها من 1» الله وجوعها. وإن كانت الأمور بمرأى من عين عنايتك، وغيبها متعرّف بين إفصاحك وكنايتك «20» . ومجمله «21» يا رسول الله، صلّى الله عليك، وبلّغ وسيلتي إليك، هو «22» أنّ الله سبحانه لمّا عرّفني لطفه الخفيّ في التّمحيص، المقتضي عدم المحيص، ثم في التّخصيص، المغني بعيانه الجزء: 4 ¦ الصفحة: 474 عن التّنصيص، وفّق «1» ببركتك السّارية رحماها «2» في القلوب، ووسائل محبّتك العائدة بنيل المطلوب، إلى استفادة عظة واعتبار، واغتنام إقبال بعد إدبار، ومزيد استبصار، واستعانة بالله تعالى وانتصار «3» ، فسكن هبوب الكفر بعد إعصار، وحلّ مخنّق الإسلام بعد حصار، وجرت على سنن السّنة بحسب الاستطاعة والمنّة اليسيرة، وجبرت بجاهك القلوب الكسيرة، وسهّلت «4» المآرب العسيرة، ورفع بيد العزّة الضّيم، وكشف بنور البصيرة الغيم، وظهر القليل على الكثير، وباء الكفر بخطّة التّعثير، واستوى الدّين الحنيف على المهاد الوثير، فاهتبلنا يا رسول الله غرّة العدوّ وانتهزناها، وشمنا «5» صوارم عزّة الغدوّ «6» وهززناها، وأزحنا «7» علل الجيوش وجهّزناها، فكان مما ساعد عليه القدر، والحظّ «8» المبتدر، والورد الذي حسن منه «9» الصّدر، أننا عاجلنا مدينة برغة «10» ، وقد جرّعت «11» الأختين؛ مالقة ورندة، من مدائن دينك، وخزائن «12» ميادينك، أكواس «13» الفراق، وأذكرت مثل من بالعراق، وسدّت طرق التّزاور على «14» الطّراق، وأسالت المسيل بالنّجيع «15» المراق، في مراصد المراد والمراق «16» ، ومنعت المراسلة مع هدي «17» الحمام، لا بل مع طيف المنام عند الإلمام «18» ، فيسّر الله اقتحامها، وألحمت بيض الشّفار في رؤوس «19» الكفار إلحامها، وأزال «20» بشر السيوف من بين تلك الحروف إقحامها، فانطلق المسرى، واستبشرت القواعد الحسرى، وعدمت بطريقها المخيف مصارع الصّرعى ومثاقف «21» الأسرى، والحمد لله على فتحه الأسنى ومنحه الأسرى، ولا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 475 إله إلّا «1» هو منفّل قيصر وكسرى، وفاتح مغلقاتهما «2» المنيعة قسرا، واستولى الإسلام منها على قرار جنّات، وأمّ بنات، وقاعدة حصون، وشجرة غصون، طهّرت «3» مساجدها المغتصبة المكرهة «4» ، وفجع فيها «5» الفيل الأفيل وأبرهة «6» ، وانطلقت بذكر الله الألسنة المدرهة «7» ، وفاز بسبق ميدانها الجياد «8» الفرهة. هذا وطاغية الرّوم على توفّر جموعه، وهول مرئيه ومسموعه، قريب جواره، بحيث يتّصل خواره، [وقد حرّك إليها الحنين حواره.] «9» ثم نازل المسلمون بعدها شجا الإسلام الذي أعيا النّطاسيّ علاجه، وكرك «10» هذا القطر الذي لا تطاول «11» أعلامه ولا تصاول «12» أعلاجه، وركاب الغارات التي تطوي المراحل إلى مكايدة المسلمين طيّ البرود، وجحر الحيّات التي لا تخلع على اختلاف الفصول جلود الزرود، ومنغّص الورود في العذب المورود «13» ، ومقضّ المضاجع، وحلم الهاجع، ومجهّز الخطب الفاجىء الفاجع، ومستدرك فاتكة الراجع، قبل هبوب الطائر السّاجع، حصن آشر «14» ، حماه الله دعاء لا خبرا، كما جعله للمتفكرين في قدرته معتبرا، فأحاطوا به إحاطة القلادة بالجيد، وأذلّوا عزّته بعزّة ذي العرش المجيد، وحفّت به الرايات يسمها وسمك، ويلوح في صفحاتها اسم الله تعالى واسمك، فلا ترى إلّا نفوسا تتزاحم على موارد «15» الشهادة أسرابها، وليوثا يصدق طعانها في الله وضرابها «16» ، وأرسل الله عليها رجزا إسرائيليا من جراد السّهام، تشذّ آيته «17» عن الأفهام، وسدّد إلى الجبل النفوس القابلة للإلهام، من بعد الاستغلاق والاستبهام، الجزء: 4 ¦ الصفحة: 476 وقد عبثت جوارح صخوره في قنائص الهام، وأعيا صعبه على الجيش اللهام، فأخذ مسائغه «1» النّقض والنّقب «2» ، ورغا فوق أهله السّقب «3» ، ونصبت المعارج والمراقي، وقرعت «4» المناكب والتّراقي، واغتنم الصّادقون من «5» الله الحظّ الباقي، وقال الشهيد المسابق «6» : يا فوز استباقي، ودخل البلد فالتحم «7» السّيف، واستلب البحت والزّيف، ثم استخلصت القصبة فعلت أعلامك في أبراجها المشيّدة، وظفر ناشد دينك منها بالنّشيدة «8» ، وشكر الله في قصدها مساعي النصائح الرّشيدة، وعمل ما يرضيك يا رسول الله في سدّ ثلمها، وصون مستلمها، ومداواة ألمها، حرصا على الاقتداء في مثلها بأعمالك، والاهتداء بمشكاة كمالك، ورتّب فيها الحماة تشجي العدو، وتواصل «9» في مرضاة الله تعالى ومرضاتك الرّواح والغدوّ «10» . ثم كان الغزو إلى مدينة أطريرة «11» ، بنت حاضرة الكفر إشبيلية، التي أظلّتها بالجناح السّاتر، وأنامتها «12» في ضمان الأمان للحسام الباتر، وقد وتر الإسلام من «13» هذه المومسة «14» البائسة بوتر الواتر، وأحفظ منها بأذى «15» الوقاح المهاتر، لما جرّته على أسراه «16» من عمل الخاتل الخاتر، حسب المنقول لا بل المتواتر، فطوى إليها المسلمون المدى النازح، ولم تشك المطيّ الروازح «17» ، وصدق في «18» الجدّ جدّها المازح، وخفقت فوق أوكارها أجحنة الأعلام، وغشيتها «19» أفواج الملائكة الموسومة «20» وظلال «21» الغمام، وصابت من السهام الجزء: 4 ¦ الصفحة: 477 ودق الرّهام «1» ، وكاد يكفي السماء «2» على الأرض ارتجاج أطوادها «3» بكلمة الإسلام، وقد صمّ خاطب عروس الشهادة عن الملام، وسمح بالعزيز المصون مبايع «4» الملك العلّام، وتكلّم لسان الحديد الصّامت وصمت إلّا بذكر الله لسان الكلام، ووفّت «5» الأوتار بالأوتار، ووصل بالخطّيّ «6» ذرع «7» الأبيض البتّار، وسلّطت النار على أربابها، وأذن الله في تبار تلك الأمة وتبابها «8» ، فنزلوا «9» على حكم السيف آلافا، بعد أن أتلفوا بالسلاح إتلافا، واستوعبت «10» المقاتلة أكنافا «11» ، وقرنوا في الجدل «12» أكتافا أكتافا، وحملت العقائل والخرائد، والولدان والولائد، إركابا من فوق الظهور وإردافا، وأقلّت منها أفلاك الحمول بدورا تضيء من ليالي المحاق أسدافا «13» ، وامتلأت الأيدي من المواهب والغنائم، بما لا يصوّره حلم النّائم، وتركت العوافي تتداعى إلى تلك الولائم، وتفتنّ «14» من مطاعمها في الملائم، وشنّت الغارات على حمص «15» فجلّلت خارجها مغارا، وكست كبار الرّوم بها صغارا، وأجحرت أبطالها إجحارا «16» ، واستاقت من النعم ما لا يقبل الحصر استبحارا، ولم يكن إلّا أن عدل القسم، واستقلّ بالقفول «17» العزيز الرّسم، ووضح من التوفيق الوسم، فكانت الحركة إلى قاعدة «18» جيّان قيعة «19» الظلّ الأبرد، ونسيجة المنوال المفرد، وكناس الغيد الخرّد، وكرسيّ الإمارة، وبحر العمارة، ومهوى هوى الغيث الهتون، وحزب التّين والزيتون، حيث خندق الجنّة المعروف «20» تدنو لأهل النار مجانيه، وتشرق بشواطئ الأنهار إشراق الأزهار زهر «21» مبانيه، والقلعة التي تختّمت بنان شرفاتها بخواتم النّجوم، الجزء: 4 ¦ الصفحة: 478 وهمت من دون سحابها البيض سحائب الغيث السّجوم، والعقيلة التي أبدى الإسلام يوم طلاقها، وهجوم فراقها، سمة الوجوم لذلك الهجوم فرمتها البلاد المسلمة بأفلاذ أكبادها الوادعة، وأجابت منادي دعوتك الصّادقة الصّادعة، وحبتها «1» بالفادحة الفادعة، فغصّت الرّبى والوهاد بالتّكبير والتّهليل، وتجاوبت الخيل بالصّهيل، وانهالت الجموع المجاهدة في الله تعالى انهيال الكثيب المهيل. وفهمت نفوس «2» العباد المجاهدة في الله حقّ الجهاد معاني التّيسير من ربّها والتّسهيل، وسفرت الرايات عن المرأى الجميل، وأربت المحلّات المسلمة «3» على التأميل. ولمّا صبحتها النواصي «4» المقبلة الغرر، والأعلام المكتتبة الطّرر، برز حاميتها مصحرين «5» ، وللحوزة «6» المستباحة مستنصرين، فكاثرهم «7» من سرعان الأبطال رجل الدّبى «8» ، ونبت «9» الوهاد والرّبى، فأقحموهم من وراء السّور، وأسرعت أقلام الرّماح في بسط عددهم المكسور، وتركت صرعاهم ولائم للنّسور. ثم اقتحموا ربض المدينة الأعظم فافترعوه «10» ، وجدّلوا من دافع عن أسواره وصرعوه، وأكواس «11» الحتوف جرّعوه، ولم يتصل أولى الناس بأخراهم، ويحمد «12» بمخيّم النصر العزيز سراهم، حتى خذل الكفّار «13» الصبر وأسلم الجلد، وأنزل «14» على المسلمين النصر فدخل البلد، وطاح في السيل الجارف الوالد منه «15» والولد، وأتهم «16» المطرف منه «17» والمتلد، فكان هولا بعيد الشّناعة، وبعثا «18» كقيام الساعة، أعجل المجانيق عن الركوع والسجود، والسلالم عن مطاولة النّجود، والأيدي عن ردم الخنادق والأغوار، والأكبش عن مناطحة الأسوار، والنّفوط عن إصعاق الفجّار «19» ، وعمد الحديد، ومعاول «20» البأس الجزء: 4 ¦ الصفحة: 479 الشديد، عن نقب الأبراج ونقض الأحجار، فهيلت الكثبان، وأبيد الشّيب والشّبّان، وكسرت الصلبان، وفجع بهدم «1» الكنائس الرّهبان، وأهبطت النّواقيس من مراقيها العالية، وصروحها المتعالية، وخلعت ألسنتها الكاذبة، ونقل ما استطاعته الأيدي المجاذبة «2» ، وعجزت عن الأسلاب ذوات الظّهور، وجلّل الإسلام شعار العزّ «3» والظّهور، بما خلت عن مثله سوالف الدهور «4» ، والأعوام والشهور، وأعرست الشهداء بالحور، ومنّوا «5» النفوس المبيعة من الله بحلّ «6» الصدقات الصّادقة «7» والمهور. ومن بعد ذلك هدم السور، ومحيت من «8» مختطّه «9» المحكم السطور، وكاد يسير ذلك الجبل الذي اقتعدته تلك «10» المدينة ويدكّ ذلك الطّور. ومن بعد ما خرب الوجار، وعقرت «11» الأشجار، عفّر «12» المنار، وسلّطت على بنات التراب والماء «13» النّار، وارتحل عنها المسلمون وقد عمّتها المصائب، وأصمى لبّتها «14» السّهم الصّائب، وظلّلتها «15» القشاعم العصائب، فالذّئاب في الليل البهيم تعسل «16» ، والضّباع من الحدب البعيد تنسل، وقد ضاقت الجدل عن المخانق، وبيع العرض الثمين بالدّانق، وسبكت أسورة الأسوار، وسوّيت الهضاب بالأغوار، واكتسحت الأحواز القاصية سرايا الغوار «17» ، وحجبت بالدخان مطامع الأنوار، وتخلّفت قاعتها عبرة للمعتبرين، وعظة للناظرين، وآية للمستبصرين، ونادى لسان الحميّة، يا لثارات الإسكندرية، فأسمع آذان المقيمين والمسافرين، وأحقّ الله الحقّ بكلماته وقطع دابر الكافرين. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 480 ثم كانت الحركة إلى أختها الكبرى، ولدتها الحزينة عليها العبرى، مدينة أبدة «1» ، ذات «2» العمران المستبحر، والرّبض الخرق «3» المصحر، والمباني الشّمّ الأنوف، وعقائل المصانع الجمّة الحلي والشّنوف، والغاب «4» الأنوف، وبلد «5» التّجر، والعسكر المجر، وأفق الضّلال الفاجر الكاذب «6» على الله الكذب الفجر، فخذل «7» الله حاميته «8» التي يعيي الحسبان عدّها، وسجر «9» بحورها التي لا يرام مدّها، وحقّت عليها كلمة الله «10» التي لا يستطاع ردّها. فدخلت لأول وهلة، واستوعب جمعها «11» والمنّة لله في نهلة، ولم يك «12» للسيف من عطف «13» عليها ولا مهلة. ولما «14» تناولها العفاء والتّخريب، واستباحها «15» الفتح القريب، وأسند عن عواليها حديث النّصر الحسن القريب «16» ، وأقعدت أبراجها من بعد القيام والانتصاب، وأضرعت مسايفها «17» لهول المصاب، انصرف عنها المسلمون بالفتح الذي عظم صيته، والعزّ الذي سما طرفه واشرأبّ ليته، والعزم «18» الذي حمد مسراه ومبيته، والحمد لله ناظم الأمر وقد رأب شتيته، وجابر الكسر وقد أفات الجبر مفيته. ثم كان الغزو إلى أمّ البلاد، ومثوى الطارف والتّلاد، قرطبة، وما قرطبة «19» ؟ المدينة التي على عمل أهلها في القديم بهذا الإقليم كان العمل، والكرسي الذي بعصاه «20» رعي الهمل، والمصر الذي له في خطّة المعمور النّاقة والجمل، والأفق الذي هو لشمس الخلافة العبشميّة «21» الحمل، فخيّم الإسلام بعقوتها «22» المستباحة، وأجاز نهرها الجزء: 4 ¦ الصفحة: 481 المعيي على السّباحة، وعمّ دوحها الأشب «1» بوارا، وأدار الكماة «2» بسورها سوارا، وأخذ «3» بمخنّقها حصارا، وأعمل النّصر «4» بشجر نصلها اجتناء ما شاء واهتصارا، وجدّل من أبطالها من لم يرض انجحارا «5» ، فأعمل إلى المسلمين إصحارا «6» ، حتى فرع «7» بعض جهاتها غلابا جهارا، ورفعت الأعلام إعلاما بعزّ الإسلام وإظهارا، فلولا استهلال الغوادي، وإن أتى الوادي، لأفضت إلى فتح «8» الفتوح تلك المبادي، ولقضى تفثه «9» العاكف والبادي، فاقتضى الرأي- ولذنب الزّمان «10» في اغتصاب الكفر إيّاها متاب، تعمل ببشراه بفضل الله «11» أقتاد وأقتاب، ولكلّ أجل كتاب- أن يراض صعبها حتى يعود ذلولا، وتعفّى معاهدها الآهلة فتترك طلولا. فإذا فجع الله بمارج النار طوائفها المارجة، وأباد بخارجها «12» الطائرة والدّراجة، خطب السيف منها أمّ خارجة «13» . فعند ذلك أطلقنا بها ألسنة النار ومفارق الهضاب بالهشيم «14» قد شابت، والغلّات المستغلّة «15» قد دعاها «16» القصل «17» فما ارتابت، وكأنّ صحيفة نهرها لما أضرمت النار حفافي «18» ظهرها ذابت، وحيّته «19» فرّت أمام الحريق فانسابت، وتخلّفت لغمائم الدّخان عمائم تلويها برءوس الجبال أيدي الرياح، وتنشرها «20» بعد الرّكود أيدي الاجتياح. وأغريت «21» بأقطارها الشاسعة، وجهاتها الجزء: 4 ¦ الصفحة: 482 الواسعة، جنود الجوع، وتوعّدت بالرجوع، فسلب «1» أهلها لتوقع الهجوم منزور الهجوع، فأعلامها خاشعة خاضعة، وولدانها لثديّ البؤس راضعة، والله سبحانه يوفد بخبر فتحها القريب ركاب البشرى، وينشر رحمته قبلنا نشرا. [ولهذا العهد يا رسول الله صلّى الله عليك، وبلّغ وسيلتي إليك، بلغ «2» عن هذا القطر المرتدي بجاهك الذي لا يذلّ من ادّرعه، ولا يضلّ بالسبيل «3» الذي يشرعه، إلى أن لاطفنا ملك الروم بأربعة من البلاد كان الكفر قد اغتصبها، ورفع التّماثيل ببيوت الله ونصبها، فانجاب عنها بنورك الحلك، ودار بإدالتها إلى دعوتك الفلك، وعاد إلى مكاتبها القرآن الذي نزل به على قلبك الملك] «4» . ثم «5» تنوعت يا رسول الله لهذا العهد أحوال العدوّ تنوّعا يوهم إفاقته من الغمرة «6» ، وكادت فتنته تؤذن بخمود الجمرة، وتوقّع الواقع، وحذر ذلك السمّ الناقع، وخيف الخرق الذي يحار فيه الرّاقع، فتعرّفنا عوائد الله سبحانه ببركة هدايتك، وموصول عنايتك، فأنزل النصر والسّكينة، ومكّن العقائد المكينة، فثابت «7» العزائم وهبّت، واطّردت «8» عوائد الإقدام واستتبّت، وما راع العدوّ إلّا خيل الله تجوس خلاله، وشمس الحقّ تقلّص «9» ظلاله، وهداك الذي هديت «10» يدحض ضلاله. ونازلنا حصني قنبيل والحوائر «11» ، وهما معقلان متجاوران يتناجى منهما السّاكن سرارا، وقد اتّخذا بين النّجوم قرارا، وفصل بينهما حسام النهر يروق غرارا، والتفّ معصمه في حلّة العصب «12» وقد جعل الجسر سوارا، فخذل الصّليب بذلك الثغر من تولّاه، وارتفعت أعلام الإسلام بأعلاه، وتبرّجت عروس الفتح المبين بمجلاه، والحمد لله على ما أولاه. ثم تحرّكنا على تفيئة «13» تعدّي ثغر الموسطة على عدوّه المساور في المضاجع، ومصبحه بالفاجىء الفاجع، فنازلنا حصن روطة الآخذ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 483 بالكظم، المعترض بالشّجا اعتراض العظم، وقد شحنه العدوّ مددا بئيسا، ولم يأل اختياره رأيّا ولا رئيسا «1» ، فأعيا داؤه، واستقلّت بالمدافعة أعداؤه. ولما أتلع إليه جيد المنجنيق، وقد برك عليه برك «2» الفنيق، وشدّ عصاب «3» العزم «4» الوثيق، لجأ أهله إلى التماس العهود والمواثيق، وقد غصّوا بالريق، وكاذ يذهب بأبصارهم لمعان البريق، فسكّنّاه من حامية المجاهدين بمن يحمي ذماره، ويقرّر اعتماره، واستولى أهل الثغور إلى هذا الحد على معاقل كانت مستغلقة ففتحوها، وشرعوا أرشية «5» الرماح إلى قلب قلوبها فمتحوها «6» . ولم تكد الجيوش المجاهدة تنفض عن الأعراف متراكم الغبار، وترخي عن آباط خيلها شدّ حزم المغار، حتى عاودت النفوس شوقها، واستتبعت ذوقها، وخطبت التي لا فوقها، وذهبت بها الآمال إلى الغاية القاصية، والمدارك المتصاعبة على الأفكار المتعاصية، فقصدنا الجزيرة الخضراء، باب هذا الوطن الذي منه طرق وادعه، ومطلع الحقّ الذي صدع الباطل صادعه، وثنيّة الفتح التي «7» برق منها لامعه، ومسرب «8» الهجوم الذي لم تكن لتعثر على غيره مطامعه، وفرضة المجاز التي لا تنكر، ومجمع البحرين في بعض ما يذكر، حيث يتقارب الشّطّان، [وتتقاطر ذوات الأشطان] «9» ، ويتوازى الخطّان، ويكاد «10» أن تلتقي حلقتا البطان. وقد كان الكفر قدّر قدر هذه الفرضة التي طرق منها حماه، ورماه الفتح الأول بما رماه، وعلم أن لا تتّصل أيدي المسلمين بإخوانهم إلّا من تلقائها، وأنه لا يعدم المكروه مع بقائها، فأجلب عليها برجله وخيله، وسدّ أفق البحر من أساطيله، ومراكب أباطيله، بقطع ليله. وتداعى المسلمون بالعدوتين إلى استنفاذها من لهواته، أو إمساكها من دون مهواته، فعجز الحول، ووقع بملكه إياها القول، واحتازها «11» قهرا، وقد صابرت الضّيق ما يناهز ثلاثين شهرا، وأطرق الإسلام بعدها إطراق الواجم، واسودّت الوجوه لخبرها الهاجم، وبكتها حتى دموع الغيث السّاجم «12» ، وانقطع المدد إلّا من رحمة من ينفّس الكروب، ويغري بالإدالة الشروق والغروب. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 484 ولمّا شككنا «1» بشبا الله نحرها، وأغصصنا بجيوش الماء وجيوش الأرض تكاثر نجوم السماء برّها وبحرها، ونازلناها نذيقها شديد النّزال، ونجحنا «2» بصدق الوعيد في غير «3» سبيل الاعتزال، رأينا بأوا لا يظاهر «4» إلّا بالله ولا يطال، ومنعة «5» يتحاماها الأبطال، وجنابا روّضه الغيث الهطّال. أمّا أسوارها «6» فهي التي أخذت النّجد والغور، واستعدت بجدال «7» الجلاد عن البلاد فارتكبت الدّور «8» ، تحوز بحرا من الاعتمار «9» ثانيا، وتشكّك أن يكون الإنس لها بانيا. وأمّا أبراجها فصفوف وصنوف، تزيّن صفحات المسايف «10» منها أنوف، وآذان لها من دوافع الصخر شنوف «11» . وأمّا خندقها فصخر مجلوب، وسور مقلوب، فصدقها «12» المسلمون القتال بحسب محلّها من نفوسهم، واقتران اغتصابها ببوسهم، وأفول شموسهم، فرشقوها من النبال بظلال تحجب الشمس فلا يشرق سناها، وعرّجوا في المراقي البعيدة يفرعون مبناها، ونقبوها «13» أنقابا، وحصبوها «14» عقابا، ودخلوا مدينة إلبنة «15» بنتها غلابا، وأحسبوا السيوف استلالا والأيدي اكتسابا «16» ، واستوعب القتل مقاتلتها السابغة الجنن «17» ، البالغة المنن، فأخذهم الهول المتفاقم، وجدّلوا كأنهم الأراقم، لم تفلت منهم عين تطرف، ولا لسان يلبّي من يستطلع «18» الخبر أو يستشرف. ثم سمت الهمم الإيمانية إلى المدينة الكبرى فداروا سوارا «19» على سورها، وتجاسروا على اقتحام أودية الفناء الجزء: 4 ¦ الصفحة: 485 من فوق جسورها، وأدنوا «1» إليها بالضّروب، من حيل الحروب، بروجا مشيدة، ومجانيق توثّق حبالها منها نشيدة، وخفقت بنصر الله عذبات الأعلام، وأهدت الملائكة مدد الإسلام «2» ، فخذل الله كفّارها، وأكهم «3» شفارها، وقلّم بيد قدرته أظفارها، فالتمسوا الأمان للخروج، ونزلوا عن «4» مراقي العروج، إلى الأباطح والمروج، من سمائها ذات البروج، فكان بروزهم إلى العراء من الأرض «5» ، تذكرة بيوم العرض، وقد جلّل المقاتلة الصّغار «6» ، وتعلّق بالأمّهات النّشء الصّغار «7» . وبودرت المدينة بالتّطهير، ونطقت المآذن العالية بالأذان الشهير، والذّكر الجهير، وطرحت كبار «8» التماثيل عن المسجد الكبير، وأزرى «9» بألسنة النواقيس لسان التّهليل والتّكبير، وأنزلت عن الصروح أجرامها، يعيي الهندام مرامها، وألفي منبر الإسلام بها مجفوّا فأنست غربته، وأعيد إليه قربه وقربته، وتلا واعظ الجمع المشهود، قول منجز الوعود، ومورق العود وَما ظَلَمْناهُمْ وَلكِنْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَما أَغْنَتْ عَنْهُمْ آلِهَتُهُمُ الَّتِي يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ لَمَّا جاءَ أَمْرُ رَبِّكَ وَما زادُوهُمْ غَيْرَ تَتْبِيبٍ (101) وَكَذلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذا أَخَذَ الْقُرى وَهِيَ ظالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ (102) إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِمَنْ خافَ عَذابَ الْآخِرَةِ ذلِكَ يَوْمٌ مَجْمُوعٌ لَهُ النَّاسُ وَذلِكَ يَوْمٌ مَشْهُودٌ (103) «10» إلى آخرها «11» ، فكاد «12» الدّمع يغرق الآماق، والوجد يستأصل الأرماق، وارتفعت الزّعقات، وعلت الشّهقات «13» ، وجيء بأسرى المسلمين يرسفون في القيود الثّقال، وينسلون من أجداث «14» الاعتقال، ففكّت عن سوقهم أساود1» الحديد، وعن أعناقهم فلكات البأس الشّديد، وظلّلوا بجناح اللّطف العريض المديد، وترتّبت في المقاعد الحامية، وأزهرت بذكر الله المآذن السّامية، فعادت «16» المدينة لأحسن أحوالها، وسكنت من بعد أهوالها، وعادت الجالية إلى أموالها، ورجع إلى القطر شبابه، وردّ على دار الجزء: 4 ¦ الصفحة: 486 هجرة «1» الإسلام بابه، واتّصلت بأهل لا إله إلّا الله أسبابه، فهي اليوم في بلاد الإسلام قلادة النّحر، وحاضرة البرّ والبحر، أبقى الله عليها وعلى ما وراءها من بيوت أمّتك، ودائع الله في ذمّتك، [ظلال عنايتك الواقية، وأمتعها إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها] «2» بكلمة دينك الصّالحة الباقية، وسدل عليها أستار عصمته الواقية. وعدنا والصلاة عليك شعار البروز والقفول، وهجيري الشّروق والأفول. والجهاد يا رسول الله الشأن المعتمد، ما امتدّ بالأجل الأمد، والمستعان الواحد «3» الفرد الصمد «4» . فوجبت مطالعة مقرّك النبويّ بأحوال هذه الأمة المكفولة في حجرك، المفضّلة بإرادة تجرك، المهتدية بأنوار فجرك. وهل هو إلّا ثمرة «5» سعيك، ونتائج رعيك، وبركة حبّك، ورضاك الكفيل برضا ربّك، وغمام رعدك، وإنجاز وعدك، وشعاع من نور سعدك، وبذر «6» يجنى ريعه من بعدك، ونصر رايتك، وبرهان آيتك «7» ، وأثر حمايتك ورعايتك؟ واستنبت هذه الرسالة مائحة «8» بحر النّدى الممنوح «9» ، ومفاتحة باب الهدى بفتح الفتوح، وفارعة «10» المظاهر والصّروح، وملقية «11» الرّحل بمتنزّل الملائكة والرّوح، لتمدّ إلى قبولك «12» يد استمناح، وتطير «13» إليك من الشّوق الحثيث بجناح، ثم تقف بموقف الانكسار، وإن كان تجرها آمنّا من الخسار، وتقدم بأنس القربة «14» ، وتحجم «15» بوحشة الغربة، وتتأخّر بالهيبة، وتجهش لطول الغيبة، وتقول ارحم بعد داري، وضعف اقتداري، وانتزاح أوطاني، وخلوّ «16» أعطاني، وقلّة زادي، الجزء: 4 ¦ الصفحة: 487 وفراغ مزادي، وتقبّل وسيلة اعترافي، وتغمّد هفوة «1» اقترافي، وعجّل بالرضا انصراف متحملي لانصرافي «2» . فكم جبت من بحر زاخر، وقفر بالرّكاب ساخر، وحاش لله أن يخيب قاصدك، أو تتخطّاني «3» مقاصدك، أو تطردني موائدك، أو تضيق عنّي عوائدك، ثم تمدّ مقتضية «4» مزيد رحمتك، مستدعية دعاء من حضر من أمّتك. وأصحبتها يا رسول الله عرضا من النّواقيس التي كانت بهذه البلاد المفتتحة تعيّن الإقامة والأذان، وتسمع الأسماع الضّالة والآذان، ممّا قبل الحركة، وسالم المعركة، ومكّن من نقله الأيدي المشتركة، واستحقّ بالقدوم عليك، والإسلام بين يديك، السابقة في الأزل البركة، وما سواها فكانت جبالا عجز عن حملها «5» الهندام «6» ، فنسخ وجودها الإعدام. وهي يا رسول الله جنى من جنانك، ورطب من أفنانك، وأثر ظهر عليها «7» من مسحة «8» حنانك. هذه هي الحال «9» والانتحال، والعائق أن تشدّ إليك «10» الرّحال، ويعمل «11» التّرحال، إلى أن نلقاك في عرصات «12» القيامة شفيعا، ونحلّ بجاهك إن شاء الله محلّا رفيعا، ونقدّم في زمرة الشّهداء الدامية كلومهم من أجلك، الناهلة غللهم في سجلّك «13» ، ونبتهل إلى الله الذي أطلعك في سماء الهداية سراجا، وأعلى لك في السّبع الطّباق معراجا، وأمّ الأنبياء منك بالنّبي الخاتم، وقفّى على آثار نجومها المشرقة بقمرك العاتم، أن لا يقطع عن هذه الأمة الغريبة أسبابك، ولا يسدّ في وجوهها أبوابك، ويوفقها لاتّباع هداك، ويثبّت أقدامها على جهاد عداك. وكيف تعدم «14» ترفيها، أو تخشى «15» بخسا وأنت موفيها؟ أو يعذّبها الله وأنت فيها؟ وصلاة الله وسلامه تحطّ بفنائك رحال طيبها، وتهدر «16» في ناديك شقاشق خطيبها، ما أذكر الصباح الطّلق هداك، والغمام السّكب نداك، وما حنّ مشتاق يلثم «17» ضريحك، وفليت «18» نسمات الأسحار عمّا استرقت «19» من ريحك، وكتب في كذا «20» . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 488 وصدر عني قبل هذه الرسالة عن السلطان «1» ، رضي الله عنه، رسالة بهذه الفتوح إلى صاحب تونس «2» نصها «3» : الخلافة التي ارتفع في «4» عقائد فضلها الأصيل القواعد الخلاف، واستقلّت مباني فخرها الشائع وعزّها الذائع على ما أسّسه الأسلاف، ووجب لحقّها الجازم وفرضها اللّازم الاعتراف، ووسعت الآملين لها الجوانب الرّحيبة والأكناف، فامتزاجنا بعلائها المنيف وولائها الشريف كما امتزج الماء والسّلاف «5» ، وثناؤنا على مجدها الكريم وفضلها العميم كما تأرّجت الرياض الأفواف، لمّا زارها الغمام الوكّاف، ودعاؤنا بطول بقائها واتصال علائها يسمو به إلى قرع أبواب السّماوات العلا الاستشراف، وحرصنا على توفية حقوقها العظيمة وفواضلها العميمة لا تحصره الحدود ولا تدركه الأوصاف، وإن عذر في التّقصير عن نيل ذلك المرام الكبير الحقّ والإنصاف. خلافة وجهة تعظيمنا إذا توجّهت الوجوه، ومن نؤثره إذا همّنا «6» ما نرجوه، ونفدّيه ونبدّيه إذا استمنح المحبوب واستدفع «7» المكروه، السلطان الخليفة «8» ، الجليل، الكبير، الشهير، الإمام، الهمام، الأعلى، الأوحد، الأصعد، الأسعد، الأسمى، الأعدل، الأفضل، الأسنى، الأطهر، الأظهر، الأرضى، الأحفل، الأكمل، أمير المؤمنين أبي إسحاق ابن الخليفة الإمام البطل الهمام، عين الأعيان، وواحد الزمان، الكبير، الشهير، الطّاهر، الظّاهر، الأوحد، الأعلى، الحسيب، الأصيل، الأسمى، العادل، الحافل، الفاضل، المعظّم، الموقّر، الماجد، الجزء: 4 ¦ الصفحة: 489 الكامل، الأرضى، المقدّس، أمير المؤمنين أبي يحيى أبي بكر، ابن السلطان الكبير، الجليل، الرّفيع، الماجد، الظاهر، الطاهر، المعظّم، الموقّر، الأسمى، المقدّس، المرحوم أبي زكريا، ابن الخليفة الإمام، المجاهد، الهمام، الكبير «1» ، الشهير، الخطير، بطل الميدان، مفخر الزمان، الطاهر الظاهر، الأمضى، المقدّس، الأرضى، أمير المؤمنين أبي إسحاق، ابن الخليفة الهمام الإمام، ذي الشهرة الجامحة، والمفاخر الواضحة، علم الأعلام، فخر السيوف والأقلام، المعظّم الممجّد، المقدّس، الأرضى، أمير المؤمنين، المستنصر بالله أبي عبد الله ابن أبي زكريا بن عبد الواحد بن أبي حفص، أبقاه الله. ومقامه مقام إبراهيم رزقا وأمانا، لا يخصّ جلب الثمرات إليه وقتا ولا يعيّن زمانا، وكان على من يتخطّف الناس من حوله مؤيّدا بالله معانا، معظّم قدره العالي على الأقدار، ومقابل داعي حقّه بالابتدار، المثنى على معاليه المخلّدة الآثار، في أصونة النّظام والنّثار، ثناء الرّوضة المعطار على الأمطار، الداعي إلى الله بدوام «2» بقائه في عزّة «3» منسدلة الأستار، وعصمة «4» ثابتة المركز مستقيمة المدار، وأن يختم له بعد بلوغ غايات الآجال ونهايات الأعمار، بالزّلفى وعقبى الدّار. سلام كريم كما حملت نسمات الأسحار، أحاديث الأزهار، وروت ثغور الأقاحي والبهار، عن مسلسلات الأنهار، وتجلّى على منصّة الاشتهار، وجه عروس النهار، يخصّ خلافتكم الكريمة النّجار، العزيزة الجار، ورحمة الله وبركاته. أما بعد حمد الله الذي أخفى حكمته البالغة عن أذهان البشر، فعجزت عن قياسها، وجعل الأرواح كما ورد في الخبر «5» ، تحنّ إلى أجناسها، منجد هذه الملّة، من أوليائه الجلّة، بمن يروض الآمال بعد شماسها، وييسّر الأغراض قبل التماسها، ويعنى بتجديد المودّات في ذاته، وابتغاء مرضاته، على حين إخلاق لباسها، الملك الحقّ واصل الأسباب بحوله بعد انتكاث «6» أمراسها، ومغني النفوس بطوله بعد إفلاسها، حمدا يدرّ أخلاف النّعم بعد إبساسها، وينشر «7» رمم الآمال من أرماسها، ويقدّس النفوس بصفات ملائكة السماوات بعد إبلاسها «8» . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 490 والصلاة «1» على سيدنا ومولانا محمد رسوله سراج الهداية ونبراسها، عند اقتناء الأنوار واقتباسها، مطهّر الأرض من أوضارها وأدناسها، ومصطفى الله من بين ناسها، وسيّد الرّسل الكرام ما بين شيثها وإلياسها، الآتي «2» مهيمنا على آثارها في حين فترتها ومن بعد نصرتها واستئناسها «3» ، مرغم الضّراغم في أخياسها «4» ، بعد افترارها وافتراسها، ومعفّر أجرام الأصنام ومصمت أجراسها. والرّضا عن آله وأصحابه «5» ، وعترته وأحزابه، حماة شرعته البيضاء وحرّاسها، وملقّحي غراسها، ليوث الوغى عند احتدام مراسها، ورهبان الدّجى «6» تتكفّل مناجاة «7» السّميع العليم، في وحشة الليل البهيم، بإيناسها، وتفاوح نواسم الأسحار عند الاستغفار بطيب أنفاسها، والدّعاء لخلافتكم العليّة المستنصريّة بالصّنائع «8» التي تشعشع أيدي «9» العزّة القعساء من أكواسها، ولا زالت العصمة «10» الإلهية كفيلة باحترامها واحتراسها «11» ، وأنباء الفتوح المؤيدة بالملائكة والرّوح ريحان جلّاسها، وآيات المفاخر التي ترك الأول للآخر مكتتبة الأسطار «12» بأطراسها، وميادين الوجود مجالا لجياد جودها وباسها، والعزّ والعدل منسوبين لفسطاطها وقسطاسها، وصفيحة «13» النصر العزيز تفيض كفّها المؤيدة بالله على رياسها، عند اهتياج أضدادها وشرّة «14» انتكاسها «15» ، لانتهاب البلاد وانتهاسها «16» ، وهبوب رياح رياحها وتمرّد مرداسها. فإنّا كتبناه إليكم- كتب الله لكم من كتائب نصره أمدادا تذعن أعناق الأنام «17» لطاعة ملككم المنصور الأعلام عند إحساسها، وآتاكم من آيات العنايات آية تضرب الصّخرة الصّماء ممن عصاها بعصاها فتبادر بانبجاسها «18» - من حمراء غرناطة حرسها الله وأيام الإسلام بعناية الملك العلّام تحتفل وفود الملائكة الكرام لو لائمها وأعراسها، وطواعين الطّعان في عدوّ الدّين المعان تجدّد عهدها «19» بعام عمواسها، والحمد لله الجزء: 4 ¦ الصفحة: 491 حمدا معادا يقيّد «1» شوارد النّعم ويستدرّ مواهب الجود والكرم ويؤمّن من انتكاب الجدود وانتكاسها، وليّ الآمال ومكاسها. وخلافتكم هي المثابة التي يزهى الوجود بمحاسن مجدها زهوّ الرياض بوردها وآسها، وتستمدّ أضواء الفضائل من مقباسها «2» ، وتروي رواة الإفادة والإبادة «3» غريب الوجادة «4» عن ضحّاكها وعبّاسها. وإلى هذا أعلى الله معارج قدركم وقد فعل، وأنطق بحجح فخركم «5» من احتفى وانتعل، فإنه وصلنا كتابكم الذي حسبناه على صنائع الله لنا «6» تميمة لا تلقع «7» بعدها عين، وجعلناه على حلل مواهبه قلادة لا يحتاج معها زين، ودعوناه من جيب الكنانة «8» آية بيضاء الكتابة لم يبق معها شكّ ولا مين «9» ، وقرأنا منه وثيقة ودّ هضم فيها عن غريم الزمان دين. ورأينا منه إنشاء، خدم اليراع بين يديه [وشّاء، واحتزم «10» بهيمان عقدته] «11» مشّاء، وسئل عن معانيه الاختراع فقال: إنّا أنشأناهنّ إنشاء، فأهلا به من عربي أبيّ «12» يصف السانح والبانة، ويبين فيحسن «13» الإبانة، أدّى الأمانة، وسئل عن حيّه فانتمى «14» إلى كنانة، وأفصح وهو لا ينبس، وتهلّلت قسماته وليل حبره يعبس، وكأنّ خاتمة المقفل على صوانه، المتحف بباكر الورد في غير أوانه، رعف من مسك عنوانه. ولله من قلم دبّج تلك الحلل، ونقع بمجاج الدّواة المستمدّة من عين الحياة الغلل. فلقد تخارق في الجود، مقتديا بالخلافة التي خلّد فخرها في الوجود، فجاد بسرّ البيان ولبابه، وسمح في سبيل الكرم حتى بماء شبابه، وجمح لفرط بشاشته وفهامته، بعد شهادة السّيف بشهامته، فمشى من الترحيب في الطّرس الرّحيب على أمّ هامته. وأكرم به من حكيم أفصح بملغوز الإكسير، في اللّفظ اليسير، وشرح بلسان الخبير، سرّ صناعة التدبير، كأنما خدم الملكة السّاحرة بتلك البلاد، قبل اشتجار «15» الجلاد، فآثرته بالطّارف من سحرها والتّلاد، أو عثر «16» بالمعلّقة، وتيك «17» القديمة الجزء: 4 ¦ الصفحة: 492 المطلّقة، بدفينة «1» دار، أو كنز تحت جدار، أو ظفر لباني الحنايا، قبل أن تقطع «2» به عن أمانيّه المنايا، ببديعة «3» ، أو خلف جرجير الروم قبل منازلة القروم «4» على وديعة «5» ، أو أسهمه ابن أبي سرح، في نشب للفتح وسرح، أو ختم «6» له روح بن حاتم ببلوغ المطلب، أو غلّب الحظوظ بخدمة آل الأغلب، أو خصّه زيادة الله بمزيد، أو شارك الشّيعة في أمر أبي يزيد «7» ، أو سار على منهاج في مناصحة بني صنهاج، وفضح بتخليد أمداحهم كلّ هاج. وأعجب له وقد عزّز منه مثنى البيان بثالث، فجلب سحر الأسماع واسترقاق الطّباع بين مثان للإبداع «8» ومثالث. كيف اقتدر على هذا المحيد «9» ، وناصح مع التّثليب مقام التّوحيد؟ نستغفر الله وليّ العون، على الصّمت «10» والصّون، فالقلم هو الموحّد قبل الكون، والمتّصف من صفات السّادة أولي العبادة بضمور الجسم وصفرة اللون. إنما هي كرامة فاروقيّة، وأثارة «11» من حديث سارية وبقيّة، سفر وجهها في الأعقاب، بعد طول الانتقاب، وتداول الأحقاب، ولسان مناب عن كريم جناب. وإصابة السّهم لسواه محسوبة، وإلى الرّامي الذي يسدّده «12» منسوبة، ولا تنكر على الغمام بارقة، ولا على المتحقّقين «13» بمقام التّوحيد كرامة خارقة، فما شاءه «14» الفضل من غرائب برّ وجد، ومحاريب خلق كريم ركع الشّكر فيها وسجد، حديقة بيان استثارت نواسم الإبداع «15» من مهبّها، واستزارت «16» غمائم الطّباع من مصبّها، فآتت أكلها مرّتين بإذن ربّها، لا بل كتيبة عزّ طاعنت بقنا الألفات سطورها، فلا يرومها النّقد ولا يطورها، ونزعت عن قسيّ النّونات خطوطها، واصطفّت من بياض الطّرس وسواد النّقس «17» بلق «18» تحوطها. فما كأس المدير على الغدير، بين الجزء: 4 ¦ الصفحة: 493 الخورنق «1» والسّدير «2» ، تقامر «3» بنرد الحباب، عقول ذوي «4» الألباب، وتغرق كسرى في العباب «5» ، وتهدي وهي الشّمطاء نشاط الشباب. وقد أسرج ابن سريح «6» وألجم، وأفصح الغريض «7» بعد ما جمجم، وأعرب النّاي الأعجم، ووقّع معبد «8» بالقضيب، وشرعت في حساب العقد بنان الكفّ الخضيب، وكأنّ الأنامل فوق مثالث العود ومثانيه، وعند إغراء الثّقيل بثانيه، وإجابة صدى الغناء بين مغانيه. المراود تشرع في الوشي، أو العناكب تسرع في المشي، فما المخبر «9» بنيل الرّغائب، أو قدوم الحبيب الغائب، لا بل إشارة البشير، بكمّ المشير على العشير، بأجلب للسّرور من زائره «10» المتلقّى بالبرور، وأدعى للحبور من سفيره المبهج للسّفور «11» . فلم نر مثله من كتيبة كتاب تجنب الجرد تمرح في الأرسان، وتتشوّف مجالي ظهورها إلى عرائس الفرسان، وتهزّ معاطف الارتياح من صهيلها الصّراح بالنّغمات الحسان. إذا أوجست «12» الصّريخ نازعت «13» إثناء الأعنّة، وكاثرت بأسنّة آذانها مشرعة الأسنّة، فإن ادّعى الظّليم إثكالها «14» فهو ظالم، أو نازعها «15» الظّبي هواديها وأكفالها فهو هاذ «16» أو حالم. وإن سئل الأصمعي «17» عن عيوب الغرر والأوضاح، قال مشيرا إلى وجوهها الصّباح: جلدة بين العين والأنف سالم من كلّ عبل الشّوى، مسابق للنّجم إذا ما «18» هوى، سامي التّليل، عريض ما تحت الشّليل، ممسوحة «19» أعطافه بمنديل النّسيم البليل، من أحمر كالمدام، تجلى على النّدام عقب الفدام، أتحف لونه بالورد، في زمن البرد، وحيّي «20» أفق محيّاه الجزء: 4 ¦ الصفحة: 494 بكوكب السّعد، وتشوّف الواصفون إلى عدّ محاسنه فأعيت على «1» العدّ، بحر يساجل البحر عند المدّ، وريح تباري الريح عند الشّدّ، بالذّراع الأشدّ، حكم له مدبّر فلك «2» الكفل باعتدال فصل القدّ، وميّزه قدره المميّز يوم الاستباق، بقصب السّباق، عند اعتبار الجدّ «3» ، وولّد مختطّ غرّته أشكال الجمال على الكمال بين البياض والحمرة ونقاء الخدّ، وحفظ رواية الخلق الوجيه، عن جدّه الوجيه، ولا تنكر الرواية على الحافظ ابن الجدّ. وأشقر أبيّ «4» الخلق، والوجه الطّلق، أن يحقّر كأنما صيغ من العسجد، وطرف بالدّرّ وأنعل بالزبرجد. ووسم في الحديث بسمة اليمن والبركة، واختصّ بفلج الخصام عند اشتجار «5» المعركة، وانفرد بمضاعف السّهام، المنكسرة على الهام، في الفرائض المشتركة، واتّصف «6» فلك كفله بحركتي الإرادة والطّبع من أصناف الحركة. أصغى إلى السماء بأذن الملهم، وأغري «7» لسان الصّهيل «8» عند التباس معاني المهمز «9» والتّسهيل ببيان المبهم، وفتنت العيون من ذهب جسمه ولجين نجمه بحبّ الدّنيّر «10» والدّرهم، فإن انقضّ فرجم، أو ريح لمّا «11» هجم، وإن «12» اعترض فشفق لاح به للنّجم نجم. وأصفر قيّد الأوابد الحرّة، وأمسك المحاسن وأطلق الغرّة، وسئل من أنت في قوّاد الكتائب، وأولي الأخبار العجائب، فقال: أنا المهلّب بن أبي صفرة، نرجس هذه الألوان، في رياض الأكوان، تحيا به محيّا «13» الحرب العوان. أغار بنخوة الصّائل على معصفرات الأصائل فارتداها، وعمد إلى خيوط شعاع الشمس عند جانحة الأمس فألحم «14» منها حلّتة وأسداها، واستعدت عليه ملك «15» المحاسن فما أعداها، فهو أصيل تمسّك بذيل الليل عرفه وذيله، وكوكب يطلعه من القتام ليله، فيحسده فرقد الأفق وسهيله. وأشهب تغشى «16» من لونه مفاضة «17» ، وتسربل منه لأمة «18» فضفاضة، قد احتفل زينه، لمّا رقم بالنّبال لجينه، فهو الأشمط، الذي حقّه لا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 495 يغمط، والدّراع «1» المسارع، والأعزل الذّراع «2» ، وراقي الهضاب الفارع، ومكتوب الكتيبة البارع، وأكرم به من مرتاض سالك، ومجتهد على غايات السّابقين الأوّلين «3» متهالك. وأشهب يروي من الخليفة، ذي الشّيم المنيفة، عن مالك. وحباريّ كلّما سابق وبارى، استعار جناح الحبارى «4» ، فإذا أعملت هذه «5» الحسبة، قيل من هنا جاءت النّسبة، طرد النّمر لما عظم أمره وأمر، فنسخ وجوده بعدمه، وابتزّه الفروة ملطّخة «6» بدمه. وكأنّ مضاعف الورد نثر عليه من طبقه أو الفلك، لما ذهب الحلك، مزج فيه «7» بياض صبحه بحمرة شفقه، وقرطاسيّ حقّه لا يجهل، متى ما ترقى العين فيه تسهل «8» ، إن نزع عنه جلّه، فهو نجم كلّه، انفرد بمادة الألوان، قبل أن تشوبها «9» يد الأكوان، وتمزجها أقلام الملوان «10» ، يتقدم منه الكتيبة «11» لواء ناصع، أو أبيض مماصع «12» ، لبس وقار المشيب «13» ، في ريعان العمر القشيب، وأنصتت الآذان من صهيله المطيل المطيب، لما ارتدى بالبياض إلى نغمة الخطيب، وإن تعتّب منه للتأخير المتعتّب «14» ، قلنا: الواو لا ترتّب، ما بين فحل وحرّة، وبهرمانة «15» ودرّة، ويا لله من ابتسام غرّة، ووضوح يمن في طرّة، وبهجة للعين وقرّة. وإن ولع الناس بامتداح القديم، [وخصّوا الحديث بفري الأديم، وأوجب المتعصّب وإن أبى المنصب مزية «16» التّقديم،] «17» وطمح إلى رتبة المخدوم طرف الخديم، وقورن المثري بالعديم، وبخس في سوق الكسد «18» الكيل، ودجا الليل، [وظهر في فلك الإنصاف الميل، لمّا تذوكرت الخيل،] «19» فجيء بالوجيه والخطّار، والذائد «20» وذي الخمار «21» ، وداحس والسّكب، والأبجر «22» وزاد الركب، والجموح واليحموم، الجزء: 4 ¦ الصفحة: 496 والكميت ومكتوم، والأعوج والحلوان «1» ، ولاحق والغضبان، وعفزر «2» والزّعفران، والمحبّر واللّعاب، والأغرّ والغراب، وشعلة «3» والعقاب، والفيّاض واليعبوب، والمذهّب واليعسوب، والصّموت «4» والقطيب، وهيدب والصبيب، وأهلوب وهدّاج، والحرون وخرّاج «5» ، وعلوى «6» والجناح والأحوى ومجاج «7» ، والعصا والنّعامة، والبلقاء والحمامة، وسكاب والجرادة، وخوصاء «8» والعرادة. فكم «9» بين الشّاهد والغائب، والفروض والرغائب، وفرق ما بين الأثر والعيان، غنيّ عن البيان، وشتّان ما بين الصّريح والمشتبه، ولله درّ القائل في «10» مثلها: «خذ ما تراه ودع شيئا سمعت به» . والنّاسخ يختلف به الحكم، وسرّ الدواب عند التفضيل بين هذه الدواب «11» الصّم البكم «12» ، إلّا ما ركبه نبيّ، أو كان له يوم الافتخار برهان خبيّ «13» ، ومفضّل ما سمع على ما رأى غبيّ، فلو أنصفت محاسنها التي وصفت لأقضمت حبّ القلوب علفا، وأوردت ماء الشبيبة «14» نطفا، واتّخذت لها من عذر الخدود الملاح عذر موشيّة، وعلّلت بصفير ألحان القيان كلّ عشيّة. وأنعلت «15» بالأهلّة، وغطّيت بالرياض بدل الأجلّة. إلى الرّقيق، الخليق بالحسن الحقيق، تسوقه إلى مثوى الرعاية روقة الفتيان رعاته، ويهدي «16» عقيقها من سبجه «17» أشكالا تشهد للمخترع سبحانه بإحكام مخترعاته، وقّفت ناظر الاستحسان لا يريم، لمّا بهره «18» منظرها الكريم، وتخامل «19» الظّليم، وتضاءل الرّيم، وأخرس «20» مفوّه «21» اللسان، وهو «22» بملكة التّبيان «23» ، الحفيظ العليم. وناب لسان الحال عن لسان المقال، عند الاعتقال، فقال يخاطب الجزء: 4 ¦ الصفحة: 497 المقام الذي أطلعت أزهارها غمائم جوده، واقتضت اختيارها بركة وجوده. لو علمنا أيها الملك الأصيل، الذي كرم منه الإجمال والتّفصيل، أنّ الثناء يوازيها، لكلنا لك بكيلك، أو الشّكر يعادلها ويجازيها «1» ، لتعرّضنا بالوشل «2» إلى نيل نيلك، أو قلنا: هي «3» التي أشار إليها مستصرخ سلفك المستنصر «4» بقوله: «أدرك بخيلك» «5» حين شرق بدمعه «6» الشرق، وانهزم الجمع واستولى الفرق، واتسع فيه والحكم لله الخرق، ورأى أنّ مقام التوحيد بالمظاهرة على التّثليث، وحزبه الخبيث، هو الأولى والأحقّ. والآن قد أغنى الله بتلك النّيّة، عن إنجاد «7» الطّوال الرّدينيّة، وبالدّعاء من تلك المثابة الدينيّة، إلى ربّ البنيّة، عن الأمداد السّنيّة، والأجواد تخوض بحر الماء إلى بحر المنيّة، وعن الجرد العربية في مقاود الليوث الأبيّة، فجدّد «8» برسم هذه الهديّة، مراسم العهود الودّية، والذّمم الموحّدية، لتكون علامة على الأصل، ومكذّبة لدعوى الوقف والفصل، وإشعارا بالألفة التي لا تزال ألفها بحول الله «9» ألف الوصل، ولامها حراما على النّصل. وحضر بين يدينا رسولكم فلان فقرّر من فضلكم ما لا ينكره من عرف علوّ مقداركم، وأصالة داركم، وفلك إبداركم، وقطب مداركم، وأجبناه «10» عنه بجهد ما كنّا لنقنع من جناه المهتصر، بالمقتضب المختصر، ولا لنقابل «11» طول طوله بالقصر، لولا طروء الحصر. وقد كان بين الأسلاف رحمة الله عليهم ورضوانه «12» ودّ أبرمت من أجل الله معاقده، ووثّرت للخلوص الجليّ النصوص مضاجعه القارّة ومراقده، الجزء: 4 ¦ الصفحة: 498 وتعاهد بالجميل توجّع لفقده فيما سلف «1» فاقده، أبى الله إلّا أن يكون لكم الفضل في تجديده، والعطف بتوكيده. ونحن الآن لا ندري أيّ مكارمكم نذكر «2» ، أو أيّ فواضلكم نشرح أو نشكر، أمفاتحتكم التي هي في الحقيقة عندنا «3» فتح، أم هديّتكم وفي وصفها للأقلام سبح، ولعدوّ الإسلام بحكمتها «4» كبح. إنما نكل الشكر لمن يوفّي جزاء الأعمال البرّة، ولا يبخس مثقال الذّرّة، ولا أدنى من مثقال الذّرة، ذي الرّحمة الثّرّة، والألطاف المتصلة المستمرة، لا إله إلّا هو. وإن تشوفتم إلى الأحوال الراهنة، وأسباب الكفر «5» الواهية بقدرة الله الواهنة، فنحن نطرفكم بطرفها، [ونطلعكم على سبيل الإجمال بطرفها،] «6» وهو أننا لمّا أعادنا «7» الله من التمحيص، إلى مثابة التخصيص، من بعد المرام العويص، كحلنا بتوفيق الله بصر البصيرة، ووقفنا على سبيله مساعي الحياة القصيرة، ورأينا كما نقل إلينا، وكرّر على «8» من قبلنا وعلينا، أن الدّنيا وإن غرّ الغرور، وأنام على سرر الغفلة السّرور، فلم ينفع الخطور على أجداث الأحباب «9» والمرور، جسر يعبر، ومتاع لا يغبط من حبي به ولا يجبر «10» ، إنما هو خبر به يخبر، [وأن الحسرة بمقدار «11» ما على تركه تجبر] «12» ، وأن الأعمار أحلام، وأن الناس نيام، وربما رحل الراحل عن الخان، وقد جلّله بالأذى والدّخان، أو ترك به طيبا، وثناء يقوم بعده للآتي خطيبا، فجعلنا العدل في الأمور ملاكا، والتفقّد للثّغور مسواكا، وضجيع «13» المهاد، حديث الجهاد، وأحكامه مناط الاجتهاد، وقوله: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى تِجارَةٍ تُنْجِيكُمْ «14» دليل «15» الاستشهاد، وبادرنا رمق «16» الحصون المضاعة وجنح التّقية دامس، [وعوراتها «17» لا تردّيد لامس] «18» ، وساكنها بائس، والأعصم في شعفاتها «19» من العصمة آيس «20» ، فزيّنا «21» ببيض الشّرفات ثناياها، وأفعمنا بالعذب الجزء: 4 ¦ الصفحة: 499 الفرات ركاياها، وغشّينا بالصّفيح المضاعف أبوابها، واحتسبنا عند موفيّ الأجور ثوابها، وبيّضنا بناصع الكلس أثوابها، فهي اليوم توهم حسّ «1» العيان، أنها قطع من بيض العنان، تكاد تناول قرص البدر بالبنان، متكفّلة للمؤمن من فزع «2» الدنيا والآخرة بالأمان. وأقرضنا الله قرضا، وأوسعنا مدوّنة الجيش عرضا، وفرضنا أنصافه مع الأهلّة فرضا، واستندنا من التوكّل على الله الغنيّ الحميد إلى ظلّ لواء، ونبذنا إلى الطاغية عهده على سواء، وقلنا: ربّ «3» أنت العزيز، وكلّ جبّار لعزّك ذليل، وحزبك هو الكثير وما سواه فقليل، أنت الكافي، ووعدك الوعد الوافي، فأفض علينا مدارع الصابرين، واكتبنا من الفائزين، بحظوظ رضاك الظافرين، وثبّت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين. فتحرّكنا أولى الحركات، وفاتحة مصحف البركات، في خفّ من الحشود، واقتصار على من «4» بحضرتنا من العساكر المظفّرة والجنود، إلى حصن أشر «5» البازي «6» المطلّ، وركاب العدو الضّالّ المضلّ، ومهدي نفثات الصّلّ، على امتناعه وارتفاعه، وسموّ «7» يفاعه، وما بذل العدوّ فيه من استعداده، وتوفير أسلحته وأزواده، وانتخاب أنجاده. فصلينا «8» بنفسنا ناره، وزاحمنا عليه الشّهداء نصابر أواره، ونلقى بالجوارح العزيزة سهامه المسمومة وجلامده «9» الملمومة وأحجاره، حتى فرعنا بحول «10» من لا حول ولا قوة إلّا به أبراجه المنيعة وأسواره، وكففنا عن البلاد والعباد «11» أضراره، بعد أن استضفنا إليه حصن السّهلة «12» جاره، ورحلنا عنه بعد أن شحنّاه رابطة وحامية، وأزوادا «13» نامية، وعملنا بيدنا في رمّ ما ثلم القتال، وبقر من بطون مسابقة «14» الرجال، واقتدينا بنبيّنا صلوات الله وسلامه عليه في الخندق لمّا حمى ذلك المجال، ووقع الارتجاز المنقول خبره والارتجال «15» ، وما كان ليقرّ الإسلام مع تركه القرار، وقد كتب الجوار، وتداعى الدّعرة وتعاوى الشّرار. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 500 وقد «1» كنّا أغزينا الجهة الغربية من المسلمين بمدينة «2» برغة «3» التي سدّت بين القاعدتين؛ رندة ومالقة «4» الطريق، وألبست ذلّ الفراق ذلك الفريق، ومنعتهما أن تسيغا «5» الرّيق، فلا سبيل إلى الإلمام لطيف المنام، إلّا «6» في الأحلام، ولا رسالة إلّا في أجنحة هديّ الحمام، فيسّر الله فتحها، وعجّل منحها، بعد حرب انبتّت فيها النّحور، وتزيّنت الحور، وتبع هذه الأمّ بنات شهيرة، وبقع للزرع والضّرع خيرة، فشفي الثّغر من بوسه، وتهلّل وجه الإسلام بتلك الناحية بعد عبوسه. ثم أعملنا الحركة إلى مدينة الجزيرة «7» ، على بعد المدى، وتغلغلها في «8» بلاد العدا، واقتحام هول الفلا «9» وغول الرّدى، مدينة تبنّتها «10» حمص فأوسعت الدّار، وأغلت الشّوار، وراعت الاستكثار، وبسطت الاعتمار، رجّح إلينا قصدها على البعد، والطريق الجعد، ما أشقت «11» به المسلمين، من استئصال طائفة من أسراهم مرّوا بها آمنين، وبطائرها «12» المشؤوم متيمّنين، قد أنهكهم الاعتقال، والقيود الثّقال، وأضرعهم الإسار، وجلّلهم الانكسار، فجدّلوهم في مصرع واحد، وتركوهم عبرة للرائي والمشاهد، وأهدوا بوقيعتهم إلى الإسلام ثكل الواجد، وترة «13» الماجد، فكبسناها كبسا، وفجأناها بإلهام من لا يضلّ ولا ينسى، فصبّحتها الخيل، ثم تلاحق الرّجل لما «14» جنّ الليل «15» ، وحاق بها الويل، فأبيح منها الذّمار1» ، وأخذها الدّمار، ومحقت من مصانعها البيض «17» الأهلّة وخسفت الأقمار، وشفيت من دماء أهليها «18» الضّلوع الحرار «19» ، وسلّطت على هياكلها النار، واستولى على الآلاف «20» العديدة من سبيها الإسار، وانتهى إلى إشبيلية الثّكلى المغار، فجلّل وجوه من بها من الجزء: 4 ¦ الصفحة: 501 كبار النصرانية الصّغار، واستولت الأيدي على ما لا يسعه الوصف ولا تقلّه الأوقار. وعدنا والأرض تموج سبيا، لم تترك «1» بعفرّين «2» شبلا ولا بوجرة «3» ظبيا، والعقائل حسرى، والعيون يبهرها «4» الصّنع الأسرى، وصبح السّرى قد حمد من «5» بعد بعد المسرى، فسبحان الذي أسرى، ولسان الحميّة ينادي في تلك الكنائس المخزية «6» والنّوادي: يا لثارات الأسرى. ولم يكن إلّا أن نفّلت «7» الأنفال، ووسمت بالإيضاح «8» الأغفال، وتميّزت الهوادي والأكفال، وكان إلى غزو مدينة جيّان الاحتفال، قدنا إليها الجرد تلاعب الظّلال نشاطا، والأبطال تقتحم الأخطار رضى بما عند الله واغتباطا، والمهنّدة الدّلق «9» تسبق إلى الرّقاب استلالا واختراطا، والرّدينيّة السّمر تسترط حيّاتها «10» النفوس استراطا، [واستكثرنا من عدد القتال احتياطا،] «11» وأزحنا «12» العلل عمّن أراد جهادا منجيا غباره من دخان «13» جهنّم ورباطا، ونادينا الجهاد الجهاد، يا أمة [الجهاد راية] «14» النبيّ الهاد، الجنّة الجنّة تحت ظلال السيوف الحداد، فهزّ النداء إلى الله تعالى كلّ عامر وغامر، وائتمر الجمّ من دعوة الحقّ إلى أمر آمر، وأتى الناس من الفجوج العميقة رجالا وعلى كلّ ضامر، وكاثرت الرايات «15» أزهار البطاح لونا وعدّا، وسدّت الحشود مسالك الطرق «16» العريضة سدّا، ومدّ بحرها الزاخر مدّا، فلا يجد لها الناظر ولا المناظر حدّا. وهذه المدينة هي الأمّ الولود، والجنّة التي في النار لسكّانها من الكفّار «17» الخلود، وكرسيّ الملك، ومجنّبته الوسطى من ذلك السّلك «18» ، باءت بالمزايا العديدة ونجحت، وعند الوزان بغيرها من أمّات البلاد «19» رجحت، غاب الأسود، وجحر الحيّات السّود، ومنصب التماثيل الهائلة، ومعلق النواقيس الصّائلة. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 502 وأدنينا إليها المراحل، وعيّنّا لبحار «1» المحلّات المستقلّات منها الساحل. ولمّا أكثبنا «2» جوارها، وكدنا نلمح «3» نارها، تحرّكنا ووشاح الأفق المرقوم بزهر النجوم قد دار دائره، والليل من خوف الصّباح على سرحه المستباح قد شابت غدائره، والنّسر يرفرف باليمن طائره، والسّماك الرامح «4» يثأر بعزّ «5» الإسلام ثائره، والنّعائم راعدة فرائص الجسد، من خوف الأسد، والقوس يرسل سهم السعادة، بوتر العادة، إلى أهداف «6» النّعم المعادة، والجوزاء عابرة نهر المجرّة، والزّهرة تغار من الشّعرى العبور بالضّرّة، وعطارد يسدي في حبل «7» الحروب، على البلد المحروب ويلحم، ويناظر على أشكالها الهندسيّة «8» فيفحم، والأحمر يبهر، والعلم الأبيض يفري وينهر، والمشتري يبدي في فضل الجهاد ويعيد، ويزاحم في الحلقات» على ما للسعادة من الصفات ويزيد، وزحل عن الطالع منزحل، [وعن العاشر مرتحل] «10» ، وفي زلق السّقوط وحل، والبدر يطارح حجر المنجنيق، كيف يهوي إلى النّيق، ومطلع الشمس يرقب، وجدار الأفق يكاد بالعيون عنها ينقب. ولمّا فشا سرّ الصباح، واهتزّت أعطاف الرّايات لتحيّات مبشّرات الرّياح، أطللنا «11» عليها إطلال الأسود على الفرائس، والفحول على العرائس، فنظرنا منظرا يروع بأسا ومنعة، ويروق وضعا وصنعة، تلفّعت معاقله الشّمّ للسّحاب ببرود، ووردت من غدير «12» المزن في برود، وأسرعت لاقتطاف «13» أزهار النجوم، والذّراع بين النطاق معاصم رود، وبلدا «14» يعيي الماسح والذارع «15» ، وينتظم المحاني والأجارع. فقلنا اللهمّ نفّله أيدي عبادك «16» ، وأرنا فيه آية من آيات جهادك، فنزلنا بساحتها العريضة المتون، نزول الغيث الهتون، وتيمّنّا من فحصها الأفيح بسورة التّين والزيتون، متبرّية «17» من أمان الرحمن للبلد المفتون، وأعجلنا الناس بحميّة نفوسهم النّفيسة، وسجيّة شجاعتهم البئيسة، عن أن نبوّئ للقتال المقاعد، وندني بإسماع الجزء: 4 ¦ الصفحة: 503 شهير النّفير منهم الأباعد، وقبل أن يلتقي الخديم بالمخدوم، ويركع المنجنيق ركعتي القدوم، فدافعوا «1» من أصحر إليهم من الفرسان، وسبق إلى حومة الميدان، حتى أحجروهم في البلد، وسلبوهم لباس الجلد، في موقف يذهل الوالد عن الولد، صابت «2» السّهام فيه غماما، وطارت كأسراب الحمام تهدي حماما، وأضحت القنا قصدا، بعد أن كانت شهابا رصدا. وماج بحر القتام بأمواج النّصول، وأخذ الأرض الرّجفان لزلزال الصباح «3» الموصول. فلا ترى إلّا شهيدا تظلّل مصرعه الحور، وصريعا تقذف به إلى السّاحل أمواج «4» تلك البحور، ونواشب تبأى بها الوجوه الوجيهة عند الله والنّحور، فالمقضب فوده يخصب «5» والأسمر غصنه سيثمر «6» ، والمغفر حماه يخفر، وظهور القسيّ تقصم «7» ، وعصم الجند الكوافر تفصم. وورق «8» اليلب في المنقلب يسقط، والبتّر تكتب «9» ، والسّمر تنقط، فاقتحم الرّبض الأعظم لحينه، وأظهر الله لعيون المبصرين والمستبصرين عزّة دينه، وتبرّأ الشيطان من خدينه «10» ، وبهت «11» الكفّار وخذلوا، وبكلّ مرصد «12» جدّلوا، ثم دخل البلد بعده غلابا، وجلّل قتلا واستلابا، فلا تسل، إلّا الظّبا والأسل، عن قيام ساعته، وهول يومها وشناعته، وتخريب المبائت والمباني، وغنى الأيدي من خزائن تلك المغاني، ونقل الوجود الأول إلى الوجود الثاني. وتخارق السيف فجاء «13» بغير المعتاد، ونهلت القنا الرّدينيّة من الدماء حتى كادت تورق كالأغصان المغترسة والأوتاد، وهمت أفلاك القسيّ وسحّت، وأرنّت «14» حتى بحّت، ونفدت موادّها «15» فشحّت، بما ألحّت، وسدّت المسالك جثث القتلى فمنعت العابر، واستأصل الله من عدوّه الشأفة «16» وقطع الدّابر، وأزلف الشهيد وأحسب الصابر، وسبقت رسل الفتح الذي لم يسمع بمثله في الزمن الغابر، تنقل البشرى من أفواه المحابر، إلى آذان المنابر. أقمنا بها أياما نعقر الأشجار، ونستأصل بالتّخريب الوجار «17» ، ولسان الانتقام من عبدة الأصنام، ينادي يا لثارات الإسكندرية تشفّيا من الفجّار، ورعيا لحقّ الجار. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 504 وقفلنا وأجنحة الرايات برياح العنايات «1» خافقة، وأوفاق التوفيق الناشئة من خطوط الطريق موافقة «2» ، وأسواق العزّ بالله نافقة، وحملاء الرفق مصاحبة والحمد لله مرافقة، وقد ضاقت ذروع الجبال، عن أعناق الصّهب السّبال «3» ، ورفعت على الأكفال، ردفاء «4» كرائم الأنفال، وقلقلت من النواقيس أجرام الجبال، بالهندام والاحتيال، وهلك «5» بمهلك هذه الأمّ بنات كنّ يرتضعن ثديّها الحوافل، ويستوثرن حجرها الكافل، شمل التخريب أسوارها، وعجّلت النار بوارها «6» . ثم تحرّكنا بعدها حركة الفتح، وأرسلنا دلاء» الأدلّاء «8» قبل المتح «9» ، فبشّرت بالمنح. وقصدنا مدينة «10» أبّدة «11» وهي ثانية الجناحين، وكبرى الأختين، ومساهمة جيّان في حين الحين، مدينة أخذت عرض «12» الفضاء الأخرق، وتمشّت في «13» أرباضها تمشّي الكتابة الجامحة في المهرق «14» ، المشتملة على المتاجر والمكاسب، والوضع المتناسب، والفلح «15» المعيي ريعه «16» عمل الحاسب، وكوارة «17» الدير «18» اللاسب، المتعددة اليعاسب، فأناخ العفاء بربوعها العامرة، ودارت كؤوس عقار الحتوف ببنان السيوف على متديّريها المعاقرة، وصبّحتها طلائع الفاقرة، وأغريت ببطون أسوارها عوج المعاول الباقرة، ودخلت مدينتها عنوة السيف، في أسرع من خطرة الطّيف، ولا تسل «19» عن الكيف. فلم يبلغ العفاء من مدينة حافلة، وعقيلة في حلل المحاسن رافلة، ما بلغ من هذه البائسة التي سجدت لآلهة النيران أبراجها، وتضاءل بالرّغام معراجها، وضفت على أعطافها ملابس الخذلان، وأقفر من كنائسها كناس الغزلان. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 505 ثم تأهّبنا لغزو أمّ القرى الكافرة، وخزائن المزاين «1» الوافرة، وربّة الشّهرة السافرة، والأنباء المسافرة، قرطبة، وما أدراك ما هيه؟ ذات الأرجاء الحالية الكاسية، والأطواد الرّاسخة الرّاسية، والمباني المباهية، والزّهراء الزاهية «2» ، والمحاسن غير المتناهية، حيث هالة بدر السماء قد استدارت من السّور المشيد البناء دارا «3» ، ونهر المجرّة من نهرها الفيّاض المسلول حسامه من غمود «4» الغياض قد لصق بها جارا، وفلك الدّولاب المعتدل الانقلاب قد استقام مدارا، ورجّع الحنين اشتياقا إلى الحبيب الأوّل وادّكارا، حيث الطّود كالتّاج يزدان بلجين العذب المجاج فيزري بتاج كسرى ودارا، حيث قسيّ الجسور المديرة «5» كأنها عوج المطيّ الغريرة تعبر النهر قطارا، حيث آثار العامريّ المجاهد تعبق بين تلك المعاهد شذى معطارا، حيث كرائم السّحاب «6» تزور «7» عرائس الرّياض الحبايب فتحمل لها من الدّر نثارا، حيث شمول الشّمال «8» تدار على الأدواح بالغدوّ والرّواح فترى الغصون سكارى، وما هي بسكارى، حيث أيدي الافتتاح تفتضّ من شقائق البطاح أبكارا، حيث ثغور الأقاح «9» الباسم تقبّلها بالسّحر زوّار النّواسم فتخفق قلوب النجوم الغيارى، حيث المصلّى العتيق قد رحب مجالا وطال منارا، وأزرى ببلاط الوليد احتقارا، حيث الظّهور المثارة بسلاح الفلاح تجبّ عن مثل أسنمة المهارى، والبطون كأنها لتدميث الغمائم بطون العذارى، والأدواح العالية تخترق أعلامها الهادية بالجداول الخيارى «10» . فما شئت من جوّ صقيل، ومعرّس للحسن «11» ومقيل، ومالك للعقل وعقيل، وخمائل كم فيها للبلابل من قال وقيل، وخفيف يجاوب بثقيل، وسنابل تحكي من فوق سوقها، وقضب بسوقها، الهمزات فوق الألفات، والعصافير البديعة الصّفات، فوق القضب المؤتلفات، تميل لهبوب «12» الصّبا والجنوب، مالئة «13» الجيوب، بدرر الحبوب، وبطاح لا تعرف عين المحل، فتطلبه بالذّحل، ولا تصرف «14» في خدمة بيض قباب الأزهار، عند افتتاح السّوسن والبهار، غير العبدان من سودان النّحل «15» وبحر الفلاحة الجزء: 4 ¦ الصفحة: 506 الذي لا يدرك ساحله، ولا يبلغ الطّيّة «1» البعيدة راحله، إلى الوادي، وسمر النوادي، وقرار دموع الغوادي، المتجاسر على تخطّيه عند تمطّيه الجسر العادي، والوطن الذي ليس من عمرو ولا زيد، والفرا الذي في جوفه كلّ صيد «2» ، أقلّ كرسيّه خلافة الإسلام، وأغار «3» بالرّصافة والجسر دار السلام، وما عسى أن تطنب في وصفه ألسنة الأقلام، أو تعبّر به عن ذلك الكمال فنون الكلام، فأعملنا إليها السّرى والسّير، وقدنا إليها النخيل وقد عقد الله «4» في نواصيها الخير. ولمّا وقفنا بظاهرها المبهت المعجب، واصطففنا بخارجها المنبت المنجب، والقلوب تلتمس الإعانة من منعم مجزل، وتستنزل مدد «5» الملائكة من منجد منزل، والركائب واقفة من خلفنا بمعزل، تتناشد في معاهد الإسلام: «قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل «6» » برز من حاميتها المحامية، ووقود النار الحامية، وبقية السيف الوافرة على الحصاد النامية، قطع الغمائم الهامية، وأمواج البحور الطامية، واستجنّت بظلال أبطال المجال أعداد الرجال النّاشبة والرّامية. وتصدّى للنّزال من صناديدها الصّهب السّيال «7» أمثال الهضاب الراسية، يجنّها «8» جنن السّوابغ الكاسية، وقواميسها المفادية «9» للصّلبان يوم بؤسها بنفوسها المواسية، وخنازيرها التي عدتها عن قبول حجج الله ورسوله ستور الظّلم الغاشية، وصخور القلوب القاسية، فكان «10» بين الفريقين أمام جسرها الذي فرق البحر، وحلي بلجينه ولآلىء زينه منها النّحر، حرب لم تنسج الأزمان «11» على منوالها، ولا أتت الأيام «12» الحبالى بمثل أجنّة أهوالها، من قاسها بالفجار أفك وفجر، أو مثّلها بجفر «13» الهباءة خرف وهجر، ومن شبّهها بحرب داحس «14» والغبراء فما عرف الخبر، فليسأل من جرّب «15» وخبر. ومن الجزء: 4 ¦ الصفحة: 507 نظّرها بيوم شعب جبله، فهو ذو بله، أو عادلها ببطن عاقل، فهو «1» غير عاقل، أو احتجّ بيوم ذي قار، فهو إلى المعرفة ذو افتقار، أو ناضل بيوم الكديد، فسهمه غير السديد. إنما كان مقاما غير معتاد، ومرعى نفوس لم يف بوصفه لسان مرتاد، وزلزال جبال أوتاد، ومتلف مذخور لسلطان الشيطان وعتاد، أعلم فيه البطل الباسل، وتورّد «2» الأبيض الباتر وتأوّد الأسمر العاسل، ودوّم الجلمد المتكاسل، وانبعث «3» من حدب الحنيّة إلى هدف الرّميّة الناشر الناسل، ورويت لمرسلات السّهام المراسل. ثم أفضى أمر الرّماح إلى التّشاجر والارتباك، ونشبت «4» الأسنّة في الدّروع نشب «5» السّمك في الشّباك، ثم اختلط المرعى بالهمل، وعزل الرّدينيّ عن العمل، وعادت السيوف من فوق المفارق تيجانا، بعد أن شقّت غدر السوابغ خلجانا، واتّحدت جداول الدروع فصارت بحرا، وكان التّعانق فلا ترى إلّا نحرا يلازم نحرا، عناق وداع، وموقف شمل ذي انصداع، وإجابة مناد إلى فراق الأبد وداع. واستكشفت مآل «6» الصبر الأنفس الشفّافة، وهبّت بريح النصر الطلائع المبشّرة الهفّافة. ثم أمدّ السيل ذلك العباب، وصقل الاستبصار الألباب، واستخلص العزم صفوة اللّباب، وقال لسان النّصر «7» ادخلوا عليهم الباب، فأصبحت طوائف الكفّار، حصائد مناجل الشّفار، فمغافرهم «8» قد رضيت حرماتها بالإخفار «9» ، ورؤوسهم محطوطة في غير مقام «10» الاستغفار، وعلت الرايات من فوق تلك الأبراج المستطرفة والأسوار «11» ، ورفرف على المدينة جناح البوار «12» ، لولا الانتهاء إلى الحدّ والمقدار، والوقوف عند اختفاء سرّ الأقدار «13» . ثم عبرنا نهرها، وشددنا «14» بيدي «15» الله قهرها، وضيّقنا حصرها، [وأدرنا بلآلئ القباب البيض خصرها] «16» ، وأقمنا بها أياما تحوم عقبان البنود على فريستها حياما وترمي «17» الأدواح «18» ببوارها، ونسلّط «19» الجزء: 4 ¦ الصفحة: 508 النيران «1» على أقطارها، فلولا عائق «2» المطر، لحصلنا من فتح ذلك الوطن على الوطر، فرأينا أن نروضها بالاجتثاث والانتساف، ونوالي على زروعها وربوعها كرّات رياح الاعتساف، حتى يتهيّأ للإسلام لوك طعمتها، ويتهنّأ بفضل الله إرث نعمتها. ثم كانت عن موقفها الإفاضة من «3» بعد نحر النّحور، وقذف جمار الدّمار على العدوّ المدحور «4» ، وتدافعت خلفنا السّيقات المتّسقات «5» تدافع أمواج البحور. وبعد أن ألححنا على جنّاتها المصحرة، وكرومها المستبحرة «6» ، إلحاح الغريم، وعوّضناها المنظر الكريه من المنظر الكريم، وطاف عليها طائف من ربّك «7» فأصبحت كالصّريم «8» ، وأغرينا حلاق «9» النار بحمم الجحيم، وراكمنا «10» في أجواف أجوائها غمائم الدّخان، تذكّر طيّبة البان، بيوم الغميم، وأرسلنا رياح الغارات لا «11» تذر من شيء أتت عليه إلّا جعلته كالرّميم، واستقبلنا الوادي يهول مدّا، ويروع «12» سيفه الصقيل حدّا «13» ، فيسّره «14» الله من بعد الإعواز، وانطلقت على الفرضة بتلك الفرصة «15» أيدي الانتهاز، وسألنا من ساءله أسد بن الفرات «16» فأفتى برجحان الجواز، فعمّ الاكتساح والاستباح جميع الأحواز، فأديل المصون، وانتهبت القرى وهدّمت الحصون، واجتثّت الأصول وحطّمت الغصون، ولم نرفع عنها إلى اليوم «17» غارة تصافحها بالبوس، وتطلع عليها غررها الضّاحكة باليوم العبوس. فهي الآن مجرى السّوابق ومجرّ العوالي، على التّوالي، والحسرات تتجدّد في أطلالها البوالي، وكأنّ بها قد صرعت، وإلى الدّعوة المحمّدية قد أسرعت، بقدرة من أنزل القرآن على الجبال فخشعت «18» ، من خشية الله وتصدّعت، وعزّة «19» من أذعنت الجبابرة لعزّه وخنعت. وعدنا والبنود لا يعرف اللفّ «20» نشرها، والوجوه المجاهدة الجزء: 4 ¦ الصفحة: 509 لا يخالط التّقطّب «1» بشرها، والأيدي بالعروة الوثقى معتلقة، والألسن بشكر نعم «2» الله منطلقة، والسيوف في مضاجع الغمود قلقة، وسرابيل الدّروع خلقة، والجياد من ردّها إلى المرابط والأواري «3» ردّ العواري حنقة، وبعبرات الغيظ المكظوم مختنقة، تنظر إلينا نظر العاتب، وتعود من ميادين المراح والاختيال تحت حلل السّلاح عود الصّبيان إلى المكاتب، والطّبل بلسان العزّ هادر، والعزم إلى منادي العود الحميد مبادر، ووجود نوع الرّماح من بعد ذلك الكفاح نادر، والقاسم «4» ترتّب بين يديه من السّبي النوادر، ووارد مناهل «5» الأجور غير المحلّإ ولا المهجور غير «6» صادر، ومناظر الفضل الآتي عقب «7» أخيّه المتأتي «8» على المطلوب المواتي «9» مصادر، والله على تيسير الصّعاب وتخويل المنن الرّغاب قادر، لا إله إلّا هو فما أجمل لنا صنعه الخفيّ، وأكرم بنا لطفه الحفيّ، اللهمّ لا نحصي ثناء «10» عليك، ولا نلجأ منك إلّا إليك، ولا نلتمس خير الدنيا والآخرة إلّا لديك، فأعد علينا عوائد نصرك يا مبدي يا معيد، وأعنّا من وسائل شكرك على ما ينثال «11» به المزيد، يا حيّ يا قيّوم يا فعّال «12» لما يريد. وقارنت رسالتكم الميمونة لدينا حذق «13» فتح بعد «14» صيته، مشرئبّ ليته، وفخر من فوق النجوم العوائم «15» مبيته، عجبنا من تأتّي أمله الشّارد، وقلنا البركة في قدوم الوارد. وهو أنّ ملك النصارى «16» لاطفنا بجملة من الحصون كانت من مملكة «17» الإسلام قد غصبت، والتّماثيل فيها ببيوت الله قد نصبت، أدالها الله بمحاولتنا الطّيّب من الخبيث، والتّوحيد من التّثليث، وعاد إليها الإسلام عودة الأب الغائب، إلى البنات الحبائب، يسأل عن شؤونها، ويمسح دموع «18» الرّقّة عن جفونها. وهي للرّوم خطّة خسف قلّ ما ارتكبوها فيما الجزء: 4 ¦ الصفحة: 510 نعلم «1» من العهود، ونادرة من نوادر الوجود، وإلى الله علينا وعليكم عوارف الجود، وجعلنا في محاريب الشكر من الرّكّع السّجود. عرّفناكم بمجملات أمور تحتها تفسير، ويمن من الله وتيسير، إذ استيفاء الجزئيات عسير، لنسرّكم بما منح الله دينكم، ونتوّج بعزّ الملّة الحنيفية جبينكم، ونخطب بعده دعاءكم وتأمينكم، فإنّ دعاء المؤمن لأخيه بظهر الغيب سلاح ماض، وكفيل بالمواهب «2» المسؤولة من المنعم الوهّاب «3» متقاض «4» ، وأنتم أولى من ساهم في برّ، وعامل الله بخلوص سرّ، وأين يذهب الفضل عن بيتكم وهو صفة «5» حيّكم، وتراث ميتكم، ولكم مزية القدم، ورسوخ القدم، والخلافة مقرّها إيوانكم، وأصحاب الإمام مالك، رضي الله عنه، مستقرّها قيروانكم «6» ، وهجير المنابر ذكر إمامكم، والتوحيد إعلام أعلامكم، والوقائع الشهيرة في الكفر منسوبة إلى أيّامكم، والصحابة الكرام فتحة أوطانكم، وسلالة الفاروق عليه السلام وشائج «7» سلطانكم، ونحن نستكثر من بركة خطابكم، ووصلة جنابكم، ولولا الأعذار لوالينا بالمتزيّدات تعريف أبوابكم. والله، عزّ وجلّ، يتولّى عنّا من شكركم المحتوم، ما قصّر «8» المكتوب منه «9» عن المكتوم، ويبقيكم لإقامة الرّسوم، ويحلّ محبّتكم من القلوب محلّ الأرواح من الجسوم، وهو سبحانه يصل سعدكم، ويحرس مجدكم، [ويوالي نعمه عندكم.] «10» والسلام الكريم الطّيّب [الزاكي «11» المبارك] «12» البرّ العميم يخصّكم كثيرا أثيرا، ما أطلع الصبح «13» وجها منيرا، بعد أن أرسل النّسيم سفيرا، وكان الوميض الباسم لأكواس الغمائم على أزهار الكمائم مديرا، ورحمة الله تعالى «14» وبركاته «15» . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 511 وصدر عني في مخاطبة الشيخ الخطيب أبي عبد الله بن مرزوق جوابا عن كتابه «1» : [الوافر] ولمّا أن نأت عنكم دياري «2» ... وحال البعد بينكم وبيني بعثت لكم سوادا في بياض ... لأنظركم بشيء مثل عيني بم أفاتحك يا سيدي، وأجلّ عددي؟ كيف أهدي سلاما، فلا أحذر ملاما؟ أو أنتخب لك كلاما، فلا أجد لتبعة التّقصير في حقّك الكبير إيلاما؟ إن قلت: تحيّة كسرى في الثّناء وتبّع، فكلمة في مربع العجمة تربع، ولها المصيف فيه والمربع، والجميم والمنبع، فتروى متى شاءت وتشبع. وإن قلت: إذا العارض خطر، ومهما همى أو قطر، سلام الله يا مطر «3» ، فهو في الشريعة بطر، ومركبه «4» خطر، ولا يرعى به وطن ولا يقضى وطر. وإنما العرق الأوشج، ولا يستوي البان والبنفسج، والعوسج والعرفج «5» : [الطويل] سلام وتسليم وروح ورحمة ... عليك وممدود من الظّلّ سجسج وما كان فضلكم «6» ليمنعني الكفران أن أشكره، ولا لينسيني الشيطان أن أذكره، فأتّخذ في البحر سببا «7» ، أو أسلك غير الوفاء مذهبا، تأبى ذلك، والمنّة لله تعالى، طباع لها في مجال الرّعي باع، وتحقيق وإشباع، وسوائم «8» من الإنصاف لها مرعى «9» في رياض الاعتراف فلا يطرقها ارتياع، ولا تخفيها سباع. وكيف نجحد تلك الحقوق وهي شمس ظهيرة، وأذان عقيرة جهيرة «10» ، فوق مئذنة شهيرة، آدت الأكتاد «11» لها الجزء: 4 ¦ الصفحة: 512 ديون تستغرق الذّمم، وتسترقّ حتى الرّمم، فإن قضيت في الحياة فهي الخطّة التي نرتضيها، ولا نقنع من عامل الدهر المساعد إلّا أن «1» ينفّذ مراسمها ويمضيها، وإن قطع الأجل فالغنيّ الحميد من خزائنه التي لا تبيد يقضيها، ويرضي من يقتضيها. وحيّا الله أيها العلم السّامي الجلال زمنا بمعرفتك المبرّة على الآمال أبرّ» وأتحف، وإن أساء بفراقك وأجحف، وأعرى بعد ما ألحف، وأظفر باليتيمة المذخورة للشدائد والمزاين «3» ، ثم أوحش منها أصونة هذه الخزائن، فآب حنين الأمل بخفّيه «4» ، وأصبح المغرب غريبا يقلّب كفّيه، ونستغفر الله من هذه الغفلات، ونستهديه دليلا في مثل هذه الفلوات، وأي ذنب في الفراق للزمن أو لغراب الدّمن، أو للرّواحل المدلجة ما بين الشّام إلى اليمن، وما منها إلّا عبد مقهور، وفي رمّة القدر مبهور، عقد والحمد لله مشهور، وحجّة لها على النفس اللوّامة ظهور. جعلنا الله ممّن ذكر المسبّب في الأسباب، وتذكّر وَما يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُوا الْأَلْبابِ «5» قبل غلق الرّهن وسدّ الباب. وبالجملة فالفراق ذاتيّ، ووعده مأتيّ، فإن لم يحن «6» فكأن قد، ما أقرب اليوم من الغد، والمرء في الوجود غريب، وكلّ آت قريب، وما من مقام إلا لزيال من غير احتيال، والأعمار مراحل والأيام أميال «7» : [الوافر] نصيبك في حياتك من حبيب ... نصيبك في منامك من خيال جعل الله الأدب مع الحقّ شاننا، وأبعد عنا الفرق «8» الذي شاننا، وإني لأسرّ لسيدي بأن رعى الله صالح سلفه، وتداركه بالتّلافي في تلفه، وخلّص سعادته من كلفه، وأحلّه من الأمن في كنفه، وعلى قدرها تصاب العلياء، وأشدّ الناس بلاء الأنبياء ثم الأولياء. هذا والخير والشّرّ في هذه الدار، المؤسّسة على الأكدار، ظلّان مضمحلّان، فإذا «9» ارتفع، ما ضرّ أو ما نفع، وفارق المكان، فكأنّه ما كان، ومن كلمات المملوك البعيدة عن الشكوك، إلى أن يشاء ملك الملوك «10» : خذ من زمانك ما تيسّر ... واترك بجهدك ما تعسّر الجزء: 4 ¦ الصفحة: 513 ولربّ مجمل حالة ... ترضى به ما لم يفسّر والدهر ليس بدائم ... لا بدّ أن سيسوء إن سرّ واكتم حديثك جاهدا ... شمت المحدّث أو تحسّر والناس آنية الزّجا ... ج إذا عثرت به تكسّر لا تعدم التّقوى فمن ... عدم التّقى في الناس أعسرّ وإذا امرؤ خسر الإل ... هـ فليس خلق منه أخسر وإنّ لله في رعيك لسرّا، ولطفا مستمرّا مستقرّا، إذ ألقاك «1» بسرّ الرّوع إلى الساحل، وأخذ «2» بيدك من ورطة الواحل، وحرّك منك عزيمة الرّاحل، إلى الملك الحلاحل «3» ، فأدالك «4» من إبراهيمك سميّا، وعرفك بعد الوليّ وسميّا، ونقلك من عناية إلى عناية، وهو الذي يقول وقوله الحقّ ما نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ «5» الآية. وقد وصل كتاب سيدي يحمد- والحمد لله «6» - العواقب، ويصف المراقي التي حلّها والمراقب، وينشر المفاخر الحفصيّة والمناقب، ويذكر ما هيّأه الله لديها من إقبال، ورخاء بال، وخصّيصى «7» اشتمال ونشور «8» آمال، وأنه اغتبط وارتبط، وألقى العصا بعد ما خبط. ومثل تلك الخلافة العليّة من تزن الذوات، المخصوصة من الله بشريف «9» الأدوات، بميزان تمييزها، وتفرّق بين شبه المعادن وإبريزها، وشبه الشيء مثل معروف «10» ، ولقد أخطأ من قال: الناس ظروف، إنما هم شجرات مربع في بقعة ماحلة، وإبل مائة الجزء: 4 ¦ الصفحة: 514 لا تجد فيها راحلة «1» ، وما هو إلّا اتّفاق، ونجح للملك وإخفاق «2» ، وقلّما كذب إجماع وإصفاق، والجليس الصالح لربّ السّياسة «3» أمل مطلوب، وحظّ إليه مجلوب، وإن سئل أطرف، وعمر الوقت ببضاعة أشرف، وسرق الطّباع، ومدّ في الحسنات الباع، وسلّى في الخطوب، وأضحك في اليوم القطوب، وهدى إلى أقوم الطّرق، وأعان على نوائب الحقّ، وزرع له المودّة في قلوب الخلق، زاد الله سيدي لديها قربا أثيرا، وجعل فيه للجميع خيرا كثيرا، بفضله وكرمه. ولعلمي بأنّه أبقاه الله يقبل نصحي، ولا يرتاب في صدق صبحي، أغبطه بمثواه، وأنشده ما حضر من البديهة في مسارّة هداه ونجواه: [الكامل] بمقام إبراهيم عذ واصرف له ... فكرا تؤرّق عن بواعث تعتري «4» فجواره حرم وأنت حمامة ... ورقاء والأغصان عود المنبر فلقد أمنت من الزمان وريبه ... وهو المروّع للمسيء وللبري وإن تشوّف سيدي للحال «5» ، فلعمر وليّه لو كان المطلوب دنيا لوجب وقوع الاجتزاء، ولاغتبط بما تحصّل في هذه الجزور، المبيعة في حانوت الزّور، من السّهام الوافرة الأجزاء، فالسلطان رعاه الله، يوجب ما فوق مزية التعليم، والولد، هداهم الله، قد أخذوا بحظّ قلّ أن ينالوه بغير هذا الإقليم، والخاصّة والعامة تعامل بحسب ما بلته من نصح سليم، وترك لما بالأيدي وتسليم، وتدبير عاد على عدوّهم «6» بالعذاب الأليم، إلّا من أبدى السلامة وهو من إبطان الحسد بحال السّليم، ولا ينكر ذلك في الحديث ولا في القديم. لكن «7» النفس منصرفة عن هذا الغرض، ونافضة «8» يدها من العرض، قد فوّتت الحاصل، ووصلت في الله القاطع وقطعت الواصل، وصدقت لما نصح الفود النّاصل «9» ، وتأهّبت للقاء الحمام الواصل، وقلت: [المنسرح] انظر خضاب الشّباب قد نصلا «10» ... وزائر الأنس بعده انفصلا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 515 ومطلبي والذي كلفت به ... حاولت تحصيله فما حصلا لا أمل مسعف ولا عمل ... ونحن «1» في ذا والموت قد وصلا والوقت إلى الإمداد منكم بالدّعاء في الأصائل والأسحار، إلى مقيل العثار «2» ، شديد الافتقار، والله عزّ وجلّ يصل لسيدي رعي جوانبه، ويتولّى تيسير آماله من فضله العميم ومآربه، وأقرأ عليه من التّحيّات، المحمّلة من فوق رحال الأريحيّات، أزكاها، ما أوجع البرق الغمائم فأبكاها، وحسد الروض جمال النّجوم الزّواهر فقاسها بمباسم الأزهار «3» وحكاها، واضطبن «4» هرم اللّيل عند الميل عصا الجوزاء وتوكّاها، ورحمة الله تعالى وبركاته. وخاطبت الفقيه الرئيس أبا زيد بن خلدون لما ارتحل من بحر ألمرية، واستقرّ ببسكرة عند الرئيس بها أبي العباس ابن مزنى صحبة رسالة خطّبها «5» أخوه أبو زكريا، وقد تقلّد كتابة الإنشاء لصاحب تلمسان، ووصل الكتب «6» عنه من إنشائه «7» : [الطويل] بنفسي وما نفسي عليّ بهينة ... فينزلني عنها المكاس بأثمان «8» حبيب نأى عنّي وصمّم لا يني «9» ... وراش سهام البين عمدا فأصماني «10» وقد كان همّ الشّيب، لا كان، كافيا ... فقد آدني «11» لمّا ترحّل همّان الجزء: 4 ¦ الصفحة: 516 شرعت له من دمع عيني موردا ... فكدّر «1» شربي بالفراق وأظماني «2» وأرعيته من حسن عهدي حميمه «3» ... فأجدب آمالي وأوحش أزماني حلفت على ما عنده لي من رضى ... قياسا بما عندي فأحنث أيماني وإنّي على ما نالني منه من قلى ... لأشتاق من لقياه نغبة ظمآن سألت جنوني فيه تقريب عرشه ... فقست بجنّ الشوق جنّ سليمان إذا ما دعا داع من القوم باسمه «4» ... وثبت وما استثبتّ «5» شيمة هيمان وتالله ما أصغيت فيه لعاذل ... تحاميته حتى ارعوى وتحاماني ولا استشعرت نفسي برحمة عابد «6» ... تظلّل يوما مثله عبد رحمان ولا شعرت من قبله بتشوّق ... تخلّل منها بين روح وجثمان أمّا الشّوق فحدّث عنه ولا حرج، وأمّا الصّبر فاسأل «7» به أيّة درج، بعد أن تجاوز اللّوى «8» والمنعرج، لكنّ الشّدة تعشق الفرج، والمؤمن ينشق من روح الله الأرج، وأنّى بالصّبر على أبرّ الدّبر، لا بل الضرب الهبر «9» ، ومطاولة اليوم والشّهر، تحت حكم القهر؟ وهل للعين أن تسلو سلوّ المقصر، عن إنسانها المبصر، أو تذهل ذهول الزّاهد، عن سرّها الرّائي «10» والمشاهد؟ وفي الجسد بضعة يصلح «11» إذا صلحت، فكيف حاله إذا رحلت عنه ونزحت، وإذا كان الفراق وهو الحمام الأول، فعلام المعوّل؟ أعيت مراوضة الفراق، على الرّاق، وكادت لوعة الاشتياق، أن تفضي إلى السّياق «12» : [السريع] تركتموني بعد تشييعكم ... أوسع أمر الصّبر عصيانا أقرع سنّي ندما تارة ... وأستميح الدمع أحيانا وربما تعلّلت بغشيان المعاهد الخالية، وجدّدت رسوم الأسى بمباكرة الرسوم البالية، أسأل نون النّوى «13» عن أهليه، وميم الموقد المهجور عن مصطليه، وثاء الجزء: 4 ¦ الصفحة: 517 الأثافي المثلّثة عن منازل الموحّدين، وأحار بين تلك الأطلال حيرة الملحدين، لقد ضللت إذا وما أنا من المهتدين. كلفت لعمر الله، بسال عن جفوني المؤرقة، ونائم عن همومي المتجمّعة «1» المتفرّقة، ظعن عن ملال «2» ، لا متبرّما مني بشرّ خلال، وكدّر الوصل بعد صفائه، وضرّج النّصل بعد عهد وفائه «3» : [الطويل] أقلّ اشتياقا أيّها القلب ربّما «4» ... رأيتك تصفي الودّ من ليس جازيا «5» فها أنا أبكي عليه بدم أساله، وأنهل فيه أسى له «6» ، وأعلّل بذكراه قلبا صدعه، وأودعه من الوجد ما أودعه، لمّا خدعه، ثم قلاه وودّعه، وأنشق ريّاه أنف ارتياح قد جدعه، وأستعديه «7» على ظلم ابتدعه «8» : [الطويل] خليليّ، هل أبصرتما أو سمعتما «9» ... قتيلا بكى، من حبّ قاتله، قبلي؟ فلولا عسى الرجاء ولعلّه، لا بل شفاعة المحلّ الذي حلّه، لمزجت الحنين بالعتب «10» ، وبثثت كتائبه «11» كمناء في شعاب الكتب، تهزّ من الألفات رماحا خزر الأسنّة، وتوتّر «12» من النّونات أمثال القسيّ المرنّة «13» ، وتقود من مجموع الطّرس والنّقس «14» بلقا تردي «15» في الأعنّة. ولكنه أوى «16» إلى الحرم الأمين، وتفيّأ ظلال الجوار المؤمّن من معرّة العوار «17» عن الشمال واليمين، حرم الخلال «18» المزنيّة، الجزء: 4 ¦ الصفحة: 518 والظّلال اليزنيّة، والهمم السّنيّة، والشّيم التي لا ترضى بالدّون ولا بالدّنيّة، حيث الرّفد الممنوح، والطّير الميامن يزجر لها السّنوح، والمثوى الذي إليه مهما تقارع الكرام على الضّيفان حول جوابي الجفان الميل والجنوح «1» : [الكامل] نسب كأنّ عليه من شمس الضّحى ... نورا ومن فلق الصباح عمودا ومن حلّ بتلك المثابة فقد اطمأنّ جنبه، وتغمّد بالعفو ذنبه. ولله درّ القائل «2» : [الكامل] فوحقّه لقد انتدبت لوصفه ... بالبخل لولا أنّ حمصا داره بلد متى أذكره تهتج لوعتي ... وإذا قدحت الزّند طار شراره اللهمّ غفرا، لا كفرا «3» ، وأين قرارة النّخيل، من مثوى الأقلف البخيل، ومكذبة المخيل؟ وأين ثانية هجر، من متبوّإ من ألحد وفجر؟ [المتدارك] من أنكر غيثا منشؤه ... في الأرض فليس «4» بمخلفها فبنان بني مزنى مزن ... تنهلّ بلطف مصرّفها مزن مذ حلّ ببسكرة ... يوما نطقت بمصحّفها «5» شكرت حتى بعبارتها ... وبمعناها وبأحرفها ضحكت بأبي العباس من ال ... أيام ثنايا زخرفها وتنكّرت الدنيا حتى ... عرفت منه بمعرّفها بل نقول: يا محلّ الولد لا أُقْسِمُ بِهذَا الْبَلَدِ (1) وَأَنْتَ حِلٌّ بِهذَا الْبَلَدِ (2) «6» ، لقد حلّ بينك عرى الجلد، وخلّد الشوق بعدك يا ابن خلدون في الصّميم من الخلد. فحيّا الله زمنا شفيت برقى «7» قربك زمانته، واجتليت في صدف مجدك جمانته «8» ، ويا من لمشوق لم تقض من طول خلّتك لبانته، وأهلا بروض أظلّت أشتات معارفك بانته، فحمائمه بعدك تندب «9» ، فيساعدها الجندب، ونواسمه ترقّ فتتغاشى «10» ، الجزء: 4 ¦ الصفحة: 519 وعشيّاته تتخافت وتتلاشى، [ومزنه باك] «1» وأدواحه «2» [في ارتباك، وحمائمه] «3» في مأتم ذي اشتباك، كأن لم تكن قمر «4» هالات قبابه، ولم يكن «5» أنسك شارع بابه، إلى صفوة الظّرف ولبابه، ولم يسبح إنسان عينك في ماء شبابه. فلهفي عليك من درّة اختلستها يد النّوى، ومطل بردّها الدهر ولوى، ونعق الغراب ببينها في ربوع الجوى «6» ، ونطق بالزّجر فما نطق عن الهوى. وبأي شيء يعتاض «7» منك أيتها الرياض، بعد أن طمى نهرك الفيّاض، وفهقت الحياض؟ ولا كان الشّانىء المشنوء «8» ، والجرب «9» المهنوء، من قطع ليل أغار على الصّبح فاحتمل، وشارك في الذّمّ الناقة والجمل، واستأثر جنحه ببدر النادي لما كمل. نشر الشّراع فراع، وأعمل «10» الإسراع، كأنما هو تمساح النّيل ضايق الأحباب في البرهة، واختطف لهم من الشّطّ نزهة العين وعين النّزهة. ولجّج «11» بها والعيون تنظر، والغمر عن «12» الاتباع يحظر، فلم يقدر إلّا على الأسف، والتماح الأثر المنتسف «13» ، والرجوع بملء العيبة من الخيبة، ووقر «14» الجسرة من الحسرة. إنما «15» نشكو «16» إلى الله البثّ والحزن، ونستمطر من عبراتنا «17» المزن، وبسيف الرجاء نصول، إذا شرعت «18» لليأس أسنّة ونصول «19» : [البسيط] ما أقدر الله أن يدني على شحط ... من داره الحزن ممّن داره صول «20» فإن كان كلم «21» الفراق رغيبا «22» ، لمّا نويت مغيبا، وجلّلت الوقت الهنيّ تشغيبا، فلعلّ الملتقى يكون قريبا، وحديثه يروي صحيحا غريبا. إيه شقّة الجزء: 4 ¦ الصفحة: 520 النّفس «1» كيف حال تلك الشّمائل، المزهرة الخمائل؟ والشّيم «2» ، الهامية الدّيم، هل يمرّ ببالها من راعت بالبعد باله؟ وأخمدت بعاصف البين ذباله «3» ؟ أو ترثي لشؤون شأنها سكب لا يفتر، وشوق يبتّ حبال الصّبر ويبتر، وضنى تقصر عن حلله الفاقعة صنعاء وتستر، والأمر أعظم والله يستر. وما الذي يضيرك؟ صين من لفح السّموم نضيرك، بعد أن أضرمت وأشعلت وأوقدت وجعلت، وفعلت فعلتك التي فعلت، أن تترفّق بذماء، أو تردّ بنغبة «4» ماء أرماق ظماء، وتتعاهد المعاهد بتحيّة يشمّ عليها شذا أنفاسك، أو تنظر إلينا على البعد بمقلة حوراء من بياض قرطاسك، وسواد أنفاسك «5» ، فربما قنعت الأنفس المحبّة بخيال زور، وتعلّلت بنوال منزور، ورضيت لمّا لم تصد العنقاء بزرزور: [الكامل] يا من ترحّل والرياح «6» لأجله ... تشتاق «7» إن هبّت شذا ريّاها تحيي النفوس إذا بعثت تحية ... فإذا عزمت اقرأ وَمَنْ أَحْياها «8» ولئن أحييت بها فيما سلف نفوسا تفديك، والله إلى الخير يهديك، فنحن نقول معشر مريديك «9» : ثنّ ولا تجعلها بيضة الدّيك «10» ، وعذرا فإنّي لم أجترىء «11» على خطابك بالفقر الفقيرة، وأدللت لدى حجراتك برفع العقيرة، عن «12» نشاط بعثت «13» مرموسه «14» ، ولا اغتباط بالأدب تغري بسياسته سوسه، وانبساط أوحى إليّ على الفترة ناموسه، وإنما هو اتفاق جرّته نفثة المصدور، وهناء الجرب المجدور، وخارق الجزء: 4 ¦ الصفحة: 521 لا مخارق «1» ، فثمّ قياس فارق، أو لحن غنّى به بعد البعد «2» مفارق «3» . والذي «4» هيّأ هذا القدر وسبّبه، وسوّغ «5» منه المكروه وحبّبه، ما اقتضاه الصّنو يحيى، مدّ الله حياته، وحرس من الحوادث ذاته- من خطاب ارتشف به لهذه القريحة بلالتها، بعد أن رضي علالتها، ورشّح إلى الصّهر الحضرمي سلالتها، فلم يسع إلّا إسعافه، بما أعافه، فأمليت مجيبا، ما لا يعدّ في يوم الرّهان «6» نجيبا، وأسمعت وجيبا، لمّا ساجلت بهذه التّرهات سحرا عجيبا، حتى إذا «7» ألف القلم العريان سبحه، وجمح برذون «8» الغرارة «9» فلم أطق كبحه، لم أفق من غمرة غلوّه، وموقف متلوّه، إلّا وقد تحيّز إلى فئتك «10» مغترّا، بل معترّا «11» ، واستقبلها ضاحكا مفترّا، وهشّ لها برّا، وإن كان لونه من الوجل «12» مصفرّا، وليس بأول من هجر، في التماس الوصل ممّن هجر، أو بعث التّمر إلى هجر، وأي نسب بيني اليوم وبين زخرف الكلام، وإجالة جياد الأقلام، في محاورة الأعلام، بعد أن حال الجريض دون القريض «13» ، وشغل المريض عن التّعريض، واستولى «14» الكسل، ونصلت «15» الشعرات البيض، كأنّها الأسل «16» ، تروع برقط الحيّات، سرب الحياة، وتطرق بذوات «17» الغرر والشّيات «18» ، عند البيات. والشّيب الموت العاجل، وإذا ابيضّ زرع صبّحته المناجل، والمعتبر الآجل. وإذا اشتغل الشيخ بغير معاده، حكم في الظاهر بإبعاده، وأسره في ملكة عاده، فأغض، أبقاك الله، واسمح، لمن قصّر عن المطمح، وبالعين الكليلة فالمح، واغتنم لباس ثوب الثّواب، واشف بعض الجوى بالجواب، تولّاك الله الجزء: 4 ¦ الصفحة: 522 فيما استضفت وملكت، ولا بعدت ولا هلكت، وكان لك آية سلكت، ووسمك من السعادة بأوضح السّمات، وأتاح لقاءك من قبل الممات. والسلام الكريم يعتمد جلال «1» ولدي، وساكن خلدي، بل أخي، وإن اتّقيت «2» عتبه وسيدي، ورحمة الله وبركاته. [من محبّه المشتاق إليه محمد بن عبد الله بن الخطيب، وفي الرابع عشر من شهر ربيع الثاني، من عام سبعين وسبعمائة] «3» . وخاطبت الفقيه أبا زكريا بن خلدون، لما ولّي الكتابة عن السلطان أبي حمّو موسى بن زيّان «4» ، واقترن بذلك نصر وصنع غبطته به، وقصدت بذلك تنفيقه وإنهاضه لديه «5» : نخصّ الحبيب الذي هو في الاستظهار به أخ وفي الشّفقة عليه ولد، والوليّ الذي ما بعد قرب مثله أمل ولا على بعده جلد، والفاضل الذي لا يخالف في فضله ساكن ولا بلد، أبقاه الله وفاز فوزه وعصمته لها من توفيق الله سبحانه «6» عمد، ومورد سعادته المسوغ لعادته لا غور ولا ثمد «7» ، ومدى إمداده من خزائن إلهام الله وسداده ليس له أمد، وحمى فرح قلبه بمواهب من «8» ربّه أن «9» يطرقه كمد. تحية محلّه، من صميم قلبه بمحلّه، المنشئ رواق الشّفقة مرفوعا بعمد المحبّة والمقة «10» فوق ظعنه وحلّه، مؤثره ومجله، المعتني بدقّ أمره وجلّه «11» ، ابن الخطيب «12» . من الحضرة الجهادية غرناطة صان الله خلالها «13» ، ووقى هجير هجر الغيوم ظلالها، وعمر بأسود الله أغيالها، كما أغرى بمن «14» كفر بالله صيالها «15» . ولا زائد إلّا منن من «16» الله تصوب، وقوة يستردّ بها المغصوب، ويخفض «17» الصّليب المنصوب، والحمد لله الجزء: 4 ¦ الصفحة: 523 الذي بحمده ينال المطلوب، وبذكره تطمئنّ القلوب. ومودّتكم المودّة التي غذّتها ثديّ الخلوص بلبانها، وأحلّتها حلائل المحافظة بين أعينها وأجفانها، ومهّدت مواتّ أخواتها «1» الكبرى أساس بنيانها، واستحقّت ميراثها مع استصحاب حال الحياة، إن شاء الله، واتصال أزمانها، واقتضاء عهود الأيام بيمنها وأمانها. ولله درّ القائل «2» : [الطويل] فإن لم يكنها أو تكنه فإنّه ... أخوها غذته أمّه بلبانها وصل الله ذلك من أجله وفي ذاته، وجعله وسيلة إلى مرضاته، وقربة تنفع عند اعتبار ما روعي من سنن الجبّار ومفترضاته. وقد وصل كتابكم الذي فاتح بالريحان والرّوح، وحلّ من مرسوم الحياة «3» محلّ البسملة من اللّوح، وأذن لنوافح الثناء بالبوح «4» ، يشهد عدله بأنّ البيان يا آل خلدون سكن من «5» مثواكم دار خلود، وقدح زندا غير صلود، واستأثر من محابركم السيّالة وقضب أقلامكم «6» الميّادة الميّالة بأب منجب وأمّ ولود، يقفو «7» شانيه غير المشنوّ، وفصيله غير الجرب ولا المهنوّ، من الخطاب السلطاني سفينة منوح «8» ، إن لم نقل سفينة نوح. ما شئت من آمال أزواج، وزمر من الفضل وأفواج «9» ، وأمواج كرم تطفو فوق أمواج، وفنون بشائر، وإهطاع «10» قبائل وعشائر، وضرب للمسرّات أعيا السّامر «11» . فلله هو «12» من قلم راعى نسب القنا «13» فوصل الرّحم، وأنجد الوشيج الملتحم «14» ، وساق بعصاه من البيان الذّود المزدحم، وأخاف من شذّ عن الطاعة مع الاستطاعة فقال: لا عاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ «15» . ولو لم يوجب الحقّ برقه ورعده، ووعيده ووعده، لأوجبه يمنه «16» وسعده. فلقد ظهرت مخايل نجحه، علاوة على نصحه، ووضحت محاسن صبحه، في وحشة الموقف الصّعب وقبحه، وصل الله له عوائد منحه، وجعله إقليدا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 524 كلما استقبل باب أمل وكّله الله بفتحه. أمّا ما قرّره ولاؤكم من حبّ زكا عن «1» حبّة القلب حبّه، وأنبته النبات الحسن ربّه، وساعده من الغمام سكبه، ومن النّسيم اللّدن مهبّه، فرسم ثبت عند الوليّ «2» نظيره، من «3» غير معارض يضيره، وربما أربى بتذييل مزيد، وشهادة ثابت ويزيد «4» . ولم لا يكون ذلك وللقلب على القلب شاهد؟ وكونها أجنادا مجنّدة لا يحتاج تقريره إلى ماهد «5» ، أو جهد جاهد. ومودّة الأخوّة سبيلها لاحب، ودليلها للدّعوى «6» الصادقة مصاحب، إلى ما سبق من فضل ولقاء، ومصاقبة «7» سقاء واعتقاد، لا يراع سربه بذئب انتقاد «8» ، واجتلاء شهاب وقّاد، لا يحوج إلى إيقاد. إنما عاق عن مواصلة ذلك نوى شطّ منها الشّطن، وتشذيب لم يتعيّن معه الوطن. فلمّا تعيّن «9» ، وكاد صبح «10» الحقّ أن يتبيّن، عاد الوميض ديجورا، والثّماد «11» بحرا مسجورا، إلى أن أعلق الله منكم اليد بالسّبب الوثيق «12» ، وأحلّكم بمنجى نيق «13» ، لا يخاف من منجنيق، وجعل يراعكم لسعادة موسى «14» معجزة تأتي على الخبر بالعيان «15» ، فتخرّ لثعبانها سحرة البيان: [المتقارب] أيحيى، سقى، حيث لحت، الحيا «16» ... فنعم الشّعاب ونعم الرّكون «17» وحيّا يراعك من آية ... فقد حرّك القوم بعد السّكون دعوت لخدمة موسى عصاه ... فجاءت تلقّف ما يأفكون فأذعن من يدّعي السّحر رغما ... وأسلم من أجلها المشركون الجزء: 4 ¦ الصفحة: 525 وساعدك السّعد «1» فيما أردت ... فكان كما ينبغي أن يكون فأنتم «2» أولى الأصدقاء بصلة السّبب، ورعي الوسائل والقرب. أبقاكم الله وأيدي الغبطة بكم عالية «3» ، وأحوال تلك «4» الجهات بدرككم المهمات حالية، وديم المسرّات من إنعامكم المدرّات «5» على معهود المبرّات متوالية «6» . وأما ما تشوّفتم إليه من حال وليّكم فأمل متقلّص الظّل، وارتقاب لهجوم جيش الأجل المطلّ، ومقام على مساورة الصّلّ، وعمل يكذّب الدعوى، وطمأنينة تنتظر الغارة الشّعوا. ويد بالمذخور تفتح، وأخرى تجهد وتمنح، ومرض يزور فيثقل، وضعف عن الواجب يعقل «7» إلّا أنّ اللطائف تستروح، والقلب من باب الرجاء لا يبرح. وربما ظفر اليائس «8» ، ولم تطّرد «9» المقايس «10» ، تداركنا الله بعفوه، وأوردنا من منهل الرّضا والقبول على صفوه، وأذن لهذا الخرق في رفوه. وأمّا ما طلبتم من انتساخ ديوان، وإعمال بنان في الإتحاف ببيان، فتلك عهود لديّ مهجورة، ومعاهد «11» لا متعهّدة ولا مزورة، شغل عن ذلك خوض «12» يعلو لجبه، وحوض «13» يقضى «14» من لغط المانح عجبه، وهول جهاد تساوى جمادياه ورجبه، ولولا «15» التماس أجر، وتعلّل بربح تجر، لقلت: أهلا بذات النّحيين «16» . فلئن «17» شكت، وبذلت المصون بسبب ما أمسكت، فلقد ضحكت في الباطن ضعف ما بكت. ونستغفر الله من سوء انتحال، وإيثار المزاح بكلّ حال. وما الذي ينتظر مثلي ممّن عرف المآخذ والمتارك، وجرّب لما بلا المبارك، وخبر مساءة الدّنيا الفارك؟ هذا أيها الحبيب ما وسعه الوقت الضيق، وقد ذهب الشّباب الرّيّق «18» . فليسمح فيه معهود كمالك، الجزء: 4 ¦ الصفحة: 526 جعل الله مطاوعة آمالك، مطاوعة يمينك لشمالك، ووطّأ لك موطّأ العزّ بباب كلّ مالك، وقرن النّجح بأعمالك، [وحفظك في نفسك وأهلك ومالك، والسّلام من فلان] «1» . وكتبت إلى الأولاد وهم بالمنكّب صحبة السلطان، رضي الله عنه «2» : [مخلع البسيط] يا ساكني مرفا الشّواني ... شوقي من بعدكم شواني ولاهج «3» الشّوق قد هواني ... من بعدكم فاقتضى «4» هواني كأنّه مالكا عناني ... أنموذج من أبي عنان لقد كفاني لقد كفاني ... باقي ذما ذاهب «5» كفاني منّوا على الخوف بالأماني «6» ... فأنتم جملة الأماني إلى أيّ كاهن أتنافر، وفي أيّ ملعب أتجاول وأتظافر، وبين يدي أيّ حاكم أتظالم فلا أتغافر، مع هذا الجبل، الذي هو في الشكل «7» جمل، حفّ به من الثّعب «8» همل، سنامه التّامك أجرد، وذنبه الشابل «9» كأنه جمل يطرد، وعنقه إلى مورد البحر يتعرّج ويتعرّد، وكأنما البنية بأعلاه خدر فاتنة، أو برق غمامة هاتنة، استأثر غير ما مرّة بأنسي، وصارت عينه الحمئة مغرب شمسي، حتى كأن هذا الشّكل من خدر وبعير، وإن كان مجاز مستعير، يتضمن «10» شكوى البين، ويفرّق بين المحبّين: ما فرّق الأحباب بعد الله إلّا الإبل ... والناس يلحون «11» غراب البين لما جهل وما على ظهر غراب البين تقضى «12» الرّحل ... ولا إذا صاح غراب في الديار ارتحل وما غراب البيت إلّا ناقة أو جمل الجزء: 4 ¦ الصفحة: 527 فأقسم لولا أنّ الله ذكر الإبل في الكتاب الذي أنزل، وأعظم الغاية «1» بها وأجزل، لسللت عليه سلاح الدّعاء، وأغريت بهجره نفوس الرّعاء. وقلت: أراني الله إكسارك من بعير، فوق سعير، ولا سمحت لك «2» عقبة الأندر «3» والسعير «4» ، ببرّ ولا شعير: [الوافر] دعوت عليك لمّا عيل صبري ... وقلبي قائل يا ربّ لا لا نستغفر الله، وأيّ ذنب لذي ذنب شائل، وليث مائل، بإزاء لجّ هائل، يتعاوره «5» الوعد والوعيد، فلا يبدي ولا يعيد، وتمرّ الجمعة «6» والعيد، فلا يستدبر «7» ولا يستعيد «8» ، إنما الذّنب لدهر يرى المجتمع فيغار، ويشنّ منه على الشّمل المغار «9» ، ونفوس على هذا الغرض تسانده «10» ، وتعينه ليبطش ساعده، وتقاربه فيما يريد فلا تباعده: [الكامل] ولقد علمت فلا تكن متجنّيا ... إنّ الفراق هو الحمام الأول حسب الأحبّة أن يفرّق بينهم ... صرف الزمان «11» فما لنا نستعجل لكن المحبّ جنيب «12» ، ولغرض المحبوب سليب «13» : [الطويل] ويحسن قبح «14» الفعل إن جاء منكم ... كما طاب عرف العود وهو دخان وقد قنعت برسالة تبلّغ الأنّة، وتدخل بعد ذلك الصّراط الجنّة، ويعبّر «15» لسانها عن شوقي من دون عقله، وتنظر عيني «16» من بياض طرسها وسواد نفسها بمقله. وإن «17» كان الجواب، فهو الأجر والثّواب، ولم أر مثل «18» شوقي من نار تخمد بطرس يلقى على أوارها، فيأمن عادية جوارها. لكنها نار الخليل ربما تمسّكت من الجزء: 4 ¦ الصفحة: 528 المعجزة بأثر، وعثرت على آثاره مع من عثر، جمع الله من الشّمل بكم ما انتثر، وأنسى بالعين الأثر، وحرس على الكل من مسوق وسائق «1» ، وموحش ورائق، سرّ القلوب، ومناخ الجوى المجلوب، ومثار الأمل المطلوب. ولا زالت العصمة تنسدل فوق مثواه قبابها، والسّعود تحمل «2» في أمره العليّ منانها «3» . فالمحبوب إليه حبيب وإن أساء، وأوحش الصباح والمساء: [البسيط] إن كان ما ساءني ممّا يسرّكم ... فعذّبوا فقد استعذبت تعذيبي والسلام عليكم ما حنّ مشوق، وتأوّد لليراع في رياض الرّقاع قضيب «4» ممشوق، ورحمة الله وبركاته. وأجاب عن ذلك الفقيه أبو عبد الله بن زمرك، كاتب الدولة، والولدان عبد الله وعلي «5» ، بما يستحسن في غرض الرسالة وأبياتها، فراجعت الثلاثة بما نصه «6» : [مخلع البسيط] أكرم بها من بناء بان «7» ... أرسخ في الفخر «8» من أبان أجنا «9» لديها الرّضا حنان «10» ... من المعاني جنا جناني أيّ جبي «11» للأكفّ دان «12» ... ما للمباري «13» به يدان أقسم بالذّكر والمثان ... ما لك فيما سمعت ثان مدامة بزّت «14» الأواني ... تشطّ «15» للقول كلّ وان «16» تقول أوضاعها الغواني «17» ... بالعلم عن زينة الغوان الجزء: 4 ¦ الصفحة: 529 يا ربّ، بارك لمن بنان «1» ... في الفكر والقلب والبنان هكذا هكذا، وبعين الحسود القذا، تستشار «2» الدّرر الكامنة، وتهاج القرائح النّائمة، في حجر «3» الغفلة الآمنة، وتقتضى «4» الدّيون من الطباع الضامنة: [الرجز] أعيذها بالخمس من ولائد ... قد قلّدت بنخب القلائد أعيذها بالخمس من حبايب ... يغذّين بالمراضع الأطايب أعيذها بالخمس من وجوه ... يصونها الله من المكروه ويا ماتح «5» قلب القلوب أرويت «6» ، وصدق ما نويت، البير بيرك، ذو «7» حفرت وذو طويت، وما رميت إذ رميت، ولو علمنا السّرائر، لأعددنا لهذا المكيل الغرائر، ولو تحقّقنا إجابة السؤال، والنّسيج على هذا المنوال، لفسحنا الظروف لهذا النّوال. ساجلنا الغيوث فشححنا، وبارزنا اللّيوث فافتضحنا، وصلّينا والحمد لله على السلامة بما قدحنا، لا بل التمسنا نقبة «8» ، فأقطعنا «9» تنوّرا، واقتبسنا جذوة، فأقبسنا نورا، وما كان عطاء ربّك محظورا «10» : [الكامل] ملك الثلاث الآنسات عناني ... وحللن من قلبي بكلّ مكان هذي الهلال وتلك بنت المشتري ... حسنا وهذي أخت غصن البان متى كان أفق المنكّب، مطلعا لهذا الكوكب، وأجمة ذلك «11» الساحل الماحل، مرتبعا لهذا الذّمر الحلاحل «12» ، ومورد الجمل البادي «13» العرّ، مغاصا «14» لمثل هذا الدّرّ، إلّا أن يكون كنز هذا المرام، المستدعي للكلف «15» والغرام، من مستودعات الجزء: 4 ¦ الصفحة: 530 تلك الأهواء والأهرام، دفنه «1» الملك الغصّاب، بعد أن قدّست الأنصاب، وأخفى «2» الأثر فلا يصاب، أو تكون الأنوار هنالك تتجسّم، والحظوظ تعيّن وتقسّم، والحقائق تحدّ وترسم، أو تتوالد بتلك المغارات يوسانيا وروسم. أنا ما «3» ظننت بأن تثور من أجم الأقلام أسود، وتعبث بالسّويداوات من نتائج اليراع والدواة لحاظ سود. من قال في الإنسان عالما صغيرا فقد ظلمه، كيف والله بالقلم علّمه، ورفع في العوالم علمه. لقد درّت حلمات تلك الأقلام «4» من رسل غزير، وما كان فحل تلك الأقلام بزير، ولا سلطان تلك الطّباع المديدة الباع ليستظهر بوزير. إنما هي مشاكي كمال «5» أوقدها الله وأسرجها، وملكات في القوة رجّحها «6» مرجّح القوة فأبرزها إلى العقل وأخرجها. وأحر بها أن تحطّ بذرى «7» المدارك الإلهية رحالها، وتترك إلى الواجب الحقّ محالها، فتتجاوز أوحالها، مستنيرة بما أوحي لها. إيه بنيّة، أقسم بربّ البنيّة، وقاسم الحظوة السنيّة، لقد فزت من نجابتكم عند التماح إجابتكم بالأمنيّة، فما أبالي بعدها بالمنيّة. وقاه الله عين الكمال من كمال، صان سروجه من إهمال «8» ، واكتنفه بالمزيد من غير «9» يمين وشمال، كما سوّغ الفقير مثلي إلى فقرها زكاة جمال «10» ، لا زكاة جمال. ولعمري، وما عمري عليّ بهيّن، ولا الحلف في مقطع الحقّ بمتعيّن، لقد أحقب «11» منها إليّ ثلاث كتائب، قادها النّصر جنائب، ألفاتها العصي، ونوناتها القسيّ، وغاياتها المرام القصيّ «12» ، ورقومها الحلق «13» ، وجيادها قد فشا فيها البلق، بحيث لا استظهار للشيخ إلّا بشعب سدر «14» ، ولا افتراس إلّا لمرقة «15» قدر، ودريد هذا الفن يحمل في خدر: [الكامل] سلّت عليّ سيوفها أجفانه ... فلقيتهنّ من المشيب «16» بمغفر فلولا تقدّم العهد بالسّلم، لخيف من كلمها وقوع الكلم. أما إحداهنّ ذات القتام «17» ، والدّلج بالإعتام، المستمدّ سوادها الأعظم من مسك الختام، فعلّلت «18» الجزء: 4 ¦ الصفحة: 531 فريضة نظامها بالزيادة، وعلت يدها بمنشور السّيادة، ورسم شنشنتها المعروفة لأخزم «1» ، وجادها من الطّبع السّماك والمرزم، وضفر أشجاعها «2» المضفّرة لزوم ما لا يلزم: [الكامل] خدم اليراع بها فدبّجها «3» ... وسألت مجتهدا عن الغرض «4» فعلمت أنّ الصّلح مقصده ... لتزول بعض عداوة الرّبض وأما أختها التّالية، ولدّتها الحافلة الحالية «5» ، فنؤوم مكسال، ريقها برود سلسال، ومن دونها موارد ونسال «6» ، وذئب عسّال، وإن علّلت «7» بنقص في النّظم، وقد أخذت من البدائع بالكظم، وامتكّته «8» المعاني امتكاك العظم. وأمّا الثالثة فكاعب، حسنها بالعقول متلاعب، بنت لبون، لا لهمة «9» حرب زبون، حيّاها الله وبيّاها، فما أعطر ريّاها: [البسيط] تشمّ أرواح «10» نجد من ثيابهم ... عند القدوم لقرب العهد بالدّار ولو قصّرت لتغمّد تقصيرها، وكثر بالحقّ نصيرها، فكيف وقد أجادت «11» ، وصابت غمامتها وجادت. وقد شكرت على الجملة والتّفصيل، وعرفت منّة الباذل وجهد الفصيل، وطالعت مسائل البيان والتّحصيل، وقابلت مفضّض الضّحى بمذهّب الأصيل. وأثرت يدي وكانت إلى تلك الفقر فقيرة، ونبهت في عيني الدّنيا وكانت حقيرة، ورجحت «12» أن لا تعدم هذه الأسواق مديرا، ولا تفقد هذه الآفاق روضة وغديرا. وسألت لجملتكم المحوطة للشّمل، الملحوظة بعين السّتر والحمل «13» ، عزّا أثيرا، وخيرا كثيرا، وأمنا تحمدون منه فراشا وثيرا. وعذرا أيها الأحباب، والصّفو اللّباب، عن كدح سنّ وكبرة، وفلّ استرجاع وعبرة، استرقته ولجّ الشّغب «14» ذو النظام، والخلق فراش يكبّون منّي على حطام، ورسل الفرنج قد غشي المنازل منثالها، ونبحتها «15» بالعشيّ أمثالها، والمراجعات تشكون اللّبث «16» ، والجباة تستشعر الجزء: 4 ¦ الصفحة: 532 المكيدة والخبث «1» : [الطويل] ولو كان همّا واحدا لبكيته ... ولكنّه همّ وثان وثالث والله، عزّ وجلّ، يمتّع بأنسكم من عدم الاستمتاع بسواه، وقصر «2» عليه متشعّب هواه، ويبقي بركة المولى الذي هو قطب مدار هذه الأقمار، والأهلّة، لا بل مركز فلك الملّة، وسجلّ حقوقها المستقلّة، والسلام عليكم، ما حنّت النّيب إلى الفصال، وتعلّلت أنفس المحبّين بذكر أزمنة «3» الوصال، وكرّت البكر على الآصال، ورحمة الله وبركاته. وكتبت إلى بعض الفضلاء، وقد بلغني مرضه أيام كان اللحاق بالمغرب: وردت عليّ من فئتي التي إليها في معرك الدهر أتحيّز، وبفضل فضلها في الأقدار المشتركة أتميّز، سحاءة سرّت وساءت، وبلغت من القصدين ما شاءت، أطلع بها صنيعة ودّه من شكواه على كل عابث في السّويداء، موجب اقتحام البيداء، مضرم نار الشّفقة في فؤاد لم يبق من صبره إلّا القليل، ولا من إفصاح لسانه إلّا الأنين والأليل، ونوى مدّت لغير ضرورة يرضاها الخليل، فلا تسل عن ضنين تطرّقت اليد إلى رأس ماله، أو عابد موزع متقبّل أعماله، وأمل ضويق في فذلكة آماله. لكني رجّحت دليل المفهوم على دليل المنطوق، وعارضت القواعد الموحشة بالفروق، ورأيت الخطّ يبهر والحمد لله ويروق، واللفظ الحسن ومض في حبره للمعنى الأصيل بروق، فقلت: ارتفع الوصب، وردّ من الصّحة المغتصب، وكلّة الحسّ والحركة هو العصب. وإذا أشرق سراج الإدراك حمل على سلامة سليطه، والرّوح خليط البدن والمرء بخليطه، وعلى ذلك فبليد احتياطي لا يقنعه إلا الشّرح، فيه يسكن الظّمأ البرح. وعذرا عن التكليف فهو محلّ الاستقصاء والاستفسار، والإطناب والإكثار. وزند القلق في مثلها أورى، والشّفيق بسوء الظن مغرى. والسلام. وخاطبت بعضهم: كتبت إلى سيدي، والخجل قد صبغ وجه يراعي، وعقّم ميلاد إنشائي واختراعي، لمكارمه التي أعيت منّة ذراعي، وعجر في خوض بحرها سفيني وشراعي، فلو كان فضله فنّا محصورا، لكنت على الشكر معانا منصورا، أو على غرض مقصورا، لزارت أسدا هصورا، ولم يكن فكري عن عقائل البيان الجزء: 4 ¦ الصفحة: 533 حصورا، لكنه نجد تألّق بكل ثنيّة، ومكارم رمت عن كلّ حنيّة، ومجد سبق إلى كل أمنيّة، وأياد ببلوغ غايات الكمال معنيّة. فحسبي الإلقاء باليد لغلبة تلك الأيادي، وإسلام قيادي، إلى ذلك المجد السّيادي، وإعفاء يراعي ومدادي. فإذا كانت الغاية لا تدرك، فالأولى أن يلقى الكدّ ويترك، ولا يعرّج على الادّعاء، ويصرف القول من باب الخبر إلى باب الدّعاء. وقد وصل كتاب سيّدي مختصر الحجم، جامعا بين النّجم والنّجم، قريب عهد من يمينه بمجاورة المطر السّجم، فقلت: اللهمّ كلّف سيدي وأجزه، ومدّ يده بالضّر فاخزه. ولله درّ المثل، أشبه امرؤ بعض برّه كمال واختصار، وريحان أنوف وإثمد أبصار. أعلق بالرّعي الذي لا يقرّ بعد الدار من شيمته، ولا يقدح اختلاف العروض والأقطار في ديمته. إنما نفسه الكريمة والله يقيها، وإلى معارج السعادة يرقّيها، قانون يلحق أدنى الفضائل بأقصاها، وكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلّا أحصاها. وإني وإن عجزت عما خصّني من عمومها، وأحسّني من جموعها، لمخلّد ذكر يبقى وتذهب اللها، ويعلى مباني المجد تجاوز ذوابها السّها، ويذيع بمخايل الملك فما دونها، ممادح يهوى المسك أن يكونها، ويقطف له الروض المجود غصونها، وتكحل به الحور العين عيونها، وتؤدي منه الأيام المتهرّبة ديونها. وإن تشوّف سيدي، بعد حمده وشكره، واستنفاد الوسع في إطالة حمده، وإطابة ذكره، إلى الحال، ففلان حفظه الله يشرح منها المجمل، ويبيّن من عواملها الملغى والمعمل. وإما اعتناء سيدي بالولد المكفّن بحرمته، فليس ببدع في بعد صيته، وعلوّ همّته، على من تمسّك بأذمّته، وفضله أكبر من أن يقيّد بقصّة، وبدر كماله أجلّ من أن يعدّل بوسط أو حصّة. والله تعالى يحفظ منه في الولاء وليّ القبلة، ووليّ المكارم بالكسب والجبلّة، ويجعل جيش ثنائه لا يؤتى من القلّة، بفضله وكرمه، والسلام الكريم عليه، ورحمة الله وبركاته. وكتب في كذا. ومن تشوف إلى الإكثار من هذا الفن، فعليه بكتابنا المسمى ب «ريحانة الكتّاب، ونجعة المنتاب» «1» . رسالة السياسة قال ابن الخطيب: ولنختم هذا الغرض ببعض ما صدر عني في السّياسة وكان إملاؤها في ليلة واحدة «2» : الجزء: 4 ¦ الصفحة: 534 حدّث من امتاز باعتبار الأخبار، وحاز درجة الاشتهار، بنقل حوادث الليل والنهار، وولج بين الكمائم والأزهار، وتلطّف لخجل الورد من تبسّم البهار، قال: سهر الرشيد ليلة «1» ، وقد مال في هجر النبيذ ميلة «2» ، وجهد ندماؤه في جلب راحته، وإلمام النوم بساحته، فشحّت عهادهم «3» ، ولم يغن اجتهادهم. فقال: اذهبوا إلى طرق سمّاها ورسمها، وأمهات قسمها، فمن عثرتم عليه من طارق ليل، أو غثاء سيل، أو ساحب ذيل، فبلّغوه، والأمنة سوّغوه، واستدعوه، ولا تدعوه. فطاروا عجالى، وتفرّقوا ركبانا ورجالا، فلم يكن إلّا ارتداد طرف، أو فواق حرف «4» ، وأتوا بالغنيمة التي اكتسحوها، والبضاعة التي ربحوها، يتوسّطهم الأشعث الأغبر، واللّجّ الذي لا يعبر، شيخ طويل القامة، ظاهر الاستقامة، سبلته مشمطّة، وعلى أنفه من القبح «5» مطّة، وعليه ثوب مرقوع، لطير الخرق «6» عليه وقوع، يهينم بذكر مسموع، وينبئ عن وقت مجموع. فلما مثل سلّم، وما نبس بعدها ولا تكلّم. فأشار إليه الملك «7» فقعد، بعد أن انشمر وابتعد، وجلس، فما استرقّ النظر ولا اختلس، إنما حركة فكره، معقودة بزمام ذكره، ولحظات اعتباره، في تفاصيل أخباره. فابتدره الرشيد سائلا، وانحرف إليه مائلا، وقال: ممن الرجل؟ فقال: فارسيّ الأصل، أعجميّ الجنس عربيّ الفصل، قال: بلدك، وأهلك وولدك؟ قال: أمّا الولد فولد الدّيوان، وأمّا البلد فمدينة الإيوان. قال: النّحلة، وما أعملت إليه الرّحلة؟ قال: أمّا الرّحلة فالاعتبار، وأمّا النّحلة فالأمور الكبار، قال: فنّك، الذي اشتمل علية دنّك؟ فقال: الحكمة فنيّ الذي جعلته أثيرا، وأضجعت منه فراشا وثيرا، وسبحان الذي يقول: وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً «8» . وما سوى ذلك فتبيع «9» ، ولي فيه مصطاف وتربيع «10» . قال: فتعاضد جذل الرشيد وتوفّر، وكأنما «11» غشي وجهه قطعة من الصبح إذا أسفر، وقال: ما رأيت كاللّيلة أجمع لأمل شارد، وأنعم بمؤانسة وارد. يا هذا، إني سائلك، ولن تخيب بعد وسائلك، فأخبرني الجزء: 4 ¦ الصفحة: 535 بما «1» عندك في هذا الأمر الذي بلينا بحمل أعبائه، ومنينا بمراوضة إبائه «2» ، فقال: هذا الأمر قلادة ثقيلة، ومن خطّة العجز مستقيلة، ومفتقرة لسعة الذّرع، وربط السياسة المدنية بالشّرع، يفسدها «3» الحلم «4» في غير محلّه، ويكون ذريعة إلى حلّه، ويصلحها «5» مقابلة الشكل بشكله: [المتقارب] ومن لم يكن سبعا آكلا ... تداعت سباع إلى أكله فقال الملك: أجملت ففصّل، وبريت فنصّل، وكلت فأوصل، وانثر الحبّ لمن يحوصل، واقسم السياسة فنونا، واجعل لكلّ لقب قانونا، وابدأ بالرّعيّة، وشروطها المرعيّة. فقال: رعيّتك ودائع الله «6» قبلك، ومرآة العدل الذي عليه جبلك، ولا تصل إلى ضبطهم إلّا بإعانته «7» التي وهب لك. وأفضل ما استدعيت به عونك «8» فيهم، وكفايته التي تكفيهم، تقويم نفسك عند قصد تقويمهم، ورضاك بالسّهر لتنويمهم، وحراسة كهلهم ورضيعهم، والترفّع عن تضييعهم، وأخذ كل طبقة بما عليها وما لها، أخذا يحوط مالها، ويحفظ عليها كمالها، ويقصّر عن غير الواجب آمالها، حتى تستشعر عليتها «9» رأفتك وحنانك، وتعرف أوساطها في النّصب امتنانك، وتحذر سفلتها سنانك، وحظّر على كلّ طبقة منها أن تتعدّى طورها، أو تخالف دورها، أو تجاوز بأمر طاعتك فورها. وسدّ فيها سبل الذريعة، وأقصر جميعها على «10» خدمة الملك بموجب الشّريعة، وامنع أغنياءها من البطر والبطالة، والنظر في شبهات الدين بالتّمشدق والإطالة، وليقلّ فيما شجر بين السلف «11» كلامها، وترفض «12» ما ينبز به أعلامها، فإنّ ذلك يسقط الحقوق، ويرتّب العقوق. وامنعهم من فحش الحرص والشّره، وتعاهدهم بالمواعظ التي تجلو البصائر من المره «13» ، واحملهم من الاجتهاد في العمارة على أحسن المذاهب، وانهم عن التحاسد على المواهب، ورضهم على الإنفاق بقدر الحال، والتعزّي عن الفائت فردّه من المحال. وحذّر «14» البخل على «15» الجزء: 4 ¦ الصفحة: 536 أهل اليسار، والسّخاء على أولي الإعسار. وخذهم من الشّريعة بالواضح الظاهر، وامنعهم من تأويلها منع القاهر. ولا تطلق لهم التّجمّع على من أنكروا أمره في نواديهم، وكفّ عنهم أكفّ تعدّيهم، ولا تبح لهم تغيير ما كرهوه بأيديهم. ولتكن غايتهم، فيما توجّهت إليه إبايتهم، ونكصت عن الموافقة عليه رايتهم، إنهاؤه «1» إلى من وكلته بمصالحهم من ثقاتك، المحافظين على أوقاتك. وقدّم منهم من أمنت عليهم مكره، وحمدت على الإنصاف شكره، ومن كثر حياؤه مع التّأنيب، وقابل الهفوة باستقالة «2» المنيب، ومن لا يتخطّى عندك «3» محلّه، الذي حلّه، فربما عمد إلى المبرم فحلّه. وحسّن النّية لهم بجهد الاستطاعة، واغتفر المكاره في جنب حسن الطاعة. وإن ثار جرادهم، واختلف في طاعتك مرادهم، فتحصّن لثورتهم، واثبت لفورتهم، فإذا سألوا وسلّوا، وتفرّقوا وانسلّوا، فاحتقر كثرتهم، ولا تقل عثرتهم «4» ، واجعلهم لما بين أيديهم وما خلفهم نكالا، ولا تترك لهم على حلمك اتّكالا. ثم قال: والوزير الصالح أفضل عددك، وأوصل مددك، فهو الذي يصونك عن الابتذال، ومباشرة الأنذال، ويثب لك على الفرصة، وينوب في تجرّع الغصّة، واستجلاء القصّة، ويستحضر ما نسيته من أمورك، ويغلّب فيه الرأي بموافقة مأمورك، ولا يسعه ما تمكنك المسامحة فيه، حتى يستوفيه. واحذر مصادمة تيّاره، والتجوّز في اختياره، وقدّم استخارة الله في إيثاره، وأرسل عيون الملاحظة في «5» آثاره، وليكن معروف «6» الإخلاص لدولتك، معقود الرّضا والغضب برضاك وصولتك، زاهدا عمّا في يديك، مؤثرا كلّ «7» ما يزلف لديك، بعيد الهمّة، راعيا للأذمّة «8» ، كامل الآلة، محيطا بالإيالة، رحب «9» الصّدر، رفيع القدر، معروف البيت، نبيه الحيّ والميت، مؤثرا للعدل والإصلاح، دريّا «10» بحمل السّلاح، ذا خبرة بدخل المملكة وخرجها، وظهرها وسرجها، صحيح العقد، متحرّزا من النّقد، جادّا عند لهوك، متيقّظا في حال سهوك، يلين عند غضبك، ويصل الإسهاب بمقتضبك «11» ، قلقا من شكره دونك الجزء: 4 ¦ الصفحة: 537 وحمده، ناسبا لك الأصالة «1» بعمده. وإن أعيا عليك وجود أكثر هذه الخلال، وسبق إلى نقيضها «2» شيء من الاختلال، فاطلب منه سكون النّفس وهدونها «3» ، وأن لا يرى منك رتبة إلّا رأى قدره دونها، وتقوى الله تفضل شرف الانتساب، وهي للفضائل فذلكة الحساب. وساو في حفظ غيبه بين قربه ونأيه، واجعل حظّه من نعمتك موازيا لحظّك من حسن رأيه، واجتنب منهم من يرى في نفسه إلى الملك سبيلا، أو يقود من عيصه للاستظهار عليك قبيلا، أو من كاثر مالك ماله، أو من تقدم لعدوّك استعماله، أو من سمت لسواك آماله، أو من يعظم عليه إعراض وجهك، ويهمّه نادرة «4» نهجك «5» ، أو من يداخل غير أحبابك، أو من ينافس أحدا ببابك. وأمّا الجند فاصرف التّقويم «6» منهم للمقاتلة، والمكايدة المخاتلة «7» ، واستوف عليهم شرائط الخدمة، وخذهم بالثّبات للصّدمة، ووفّ ما أوجبت لهم من الجراية والنّعمة، وتعاهدهم عند الغناء بالعلف «8» والطّعمة، ولا تكرّم منهم إلّا من أكرمه غناؤه، وطاب في الذّبّ عن ملّتك «9» ثناؤه، وولّ «10» عليهم النّبهاء من خيارهم، واجتهد في صرفهم عن الافتنان بأهلهم «11» وديارهم، ولا توطّئهم الدّعة مهادا، وقدّمهم على حفظك «12» وبعوثك متى «13» أردت جهادا، ولا تلن «14» لهم في الإغماض عن حسن طاعتك قيادا، وعوّدهم حسن المواساة بأنفسهم اعتيادا، ولا تسمح لأحد منهم في إغفال شيء من سلاح استظهاره، أو عدّة اشتهاره، وليكن ما فضل عن «15» شبعهم وريّهم، مصروفا إلى سلاحهم وزيّهم، والتّزيّد في مراكبهم وغلمانهم، من غير اعتبار لأثمانهم. وامنعهم من المستغلّات والمتاجر، وما يتكسّب منه غير المشاجر، وليكن من الغزو اكتسابهم، وعلى المغانم حسابهم، كالجوارح التي تفسد باعتيادها، أن تطعم من غير اصطيادها. واعلم أنها لا تبذل نفوسها من عالم الإنسان، إلّا لمن يملك قلوبها بالإحسان وفضل اللّسان، ويملك حركاتها بالتّقويم، ورتبها بالميزان القويم، ومن تثق بإشفاقها «16» على أولادها، الجزء: 4 ¦ الصفحة: 538 وتشتري «1» رضا الله بصبرها «2» على طاعته وجلادها. فإذا استشعرت لها هذه الخلال تقدمتك إلى مواقف التّلف، مطيعة دواعي الكلف، واثقة منك بحسن الخلف. واستبق إلى تمييزهم استباقا، وطبّقهم طباقا، أعلاها من تأمّلت منه في المحاربة عنك إحظارا «3» ، وأبعدهم في مرضاتك مطارا «4» ، وأضبطهم لما تحت يدك «5» من رجالك حزما ووقارا، واستهانة بالعظائم واحتقارا، وأحسنهم لمن تقلّده أمرك من الرعيّة جوارا، إذا أجدت اختيارا، وأشدّهم على مماطلة من مارسه من الخوارج عليك اصطبارا. ومن بلا «6» في الذبّ عنك «7» إحلاء وإمرارا، ولحقه الضّرّ في معارك «8» الدفاع عنك مرارا. وبعده من كانت محبّته لك أكثر «9» من نجدته، وموقع رأيه أصدق «10» من موقع صعدته «11» . وبعده «12» من حسن انقياده لأمرائك، وإحماده لآرائك، ومن جعل نفسه من الأمر حيث جعله «13» ، وكان صبره على ما عراه أكثر من اعتداده بما فعله. واحذر منهم من كان عند نفسه أكبر من موقعه في الانتفاع، ولم يستح «14» من التزيّد بأضعاف ما بذله من الدّفاع، وشكا البخس فيما تعذّر عليه من فوائدك، وقاس بين عوائد «15» عدوّك وعوائدك، وتوعّد بانتقاله عنك وارتحاله، وأظهر الكراهية لحاله. وأما العمّال فإنهم ينبئون «16» عن مذهبك، وحالهم في الغالب شديدة الشّبه بك، فعرّفهم في أمانتك السّعادة، وألزمهم في رعيّتك العادة، وأنزلهم من كرامتك بحسب منازلهم في الاتّصاف، بالعدل والإنصاف، وأحلّهم من الحفاية، بنسبة مراتبهم من الأمانة والكفاية، وقفهم عند تقليد الأرجاء، مواقف الخوف والرّجاء، وقرّر في نفوسهم أنّ أعظم ما به إليك تقرّبوا، وفيه تدرّبوا، وفي سبيله أعجموا وأعربوا، إقامة حقّ ودحض باطل «17» ، حتى لا يشكو غريم مطل ماطل، وهو آثر لديك من كل رباب «18» هاطل. وكفّهم من الرّزق الموافق، عن التصدّي لدنيء المرافق. واصطنع منهم من تيسّرت كلفته، وقويت للرعايا ألفته، ومن زاد على تأميله صبره، وأربى على الجزء: 4 ¦ الصفحة: 539 خبره خبره، وكانت رغبته في حسن الذّكر، تشفّ «1» على غيرها من بنات الفكر، واجتنب منهم من غلب «2» عليه التّخرّق في الإنفاق، وعدم الإشفاق، والتنافس في الاكتساب، وسهل عليه سوء الحساب، وكانت ذريعته المصانعة بالنّفاية، دون التّقصّي والكفاية، ومن كان منشؤه خاملا، ولأعباء الدّناءة حاملا، وابغ من يكون الاعتذار في أعماله، أوضح من الاعتذار في أقواله، ولا يفتننّك من «3» قلّدته اجتلاب الحظّ المطمع «4» ، والتّنفّق بالسّعي المسمع، ومخالفة السّنن المرعيّة وإتباعه رضاك بسخط الرعيّة، فإنه قد غشّك، من حيث بلّك ورشّك، وجعل من يمينك في شمالك، حاضر مالك. ولا تضمّن عاملا مال عمله، وحل بينه فيه وبين أمله، فإنّك تميت رسومك بمحيّاه، وتخرجه من خدمتك فيه إلّا أن تملّكه إيّاه. ولا تجمع له في «5» الأعمال فيسقط استظهارك ببلد على بلد، والاحتجاج على والد بولد، واحرص على أن يكون في الولاية غريبا، ومتنقّله منك قريبا، ورهينة لا يزال معها مريبا، ولا تقبل مصالحته على شيء اختانه، ولو برغيبة فتّانه، فتقبل المصانعة في أمانتك، وتكون مشاركا له «6» في خيانتك، ولا تطل مدّة العمل، وتعاهد كشف الأمور ممّن يرعى الهمل، ويبلغ الأمل. وأما الولد فأحسن آدابهم، واجعل الخير دابهم «7» ، وخف عليهم من إشفاقك وحنانك، أكثر من غلظة جنانك، واكتم عنهم ميلك، وأفض عليهم جودك ونيلك، ولا تستغرق بالكلف بهم يومك ولا ليلك، وأثبهم على حسن الجواب، وسبّق إليهم «8» خوف الجزاء على رجاء الثواب، وعلّمهم الصّبر على الضّرائر، والمهلة عند استخفاف الجرائر، وخذهم «9» بحسن السّرائر، وحبّب إليهم مراس الأمور «10» الصعبة المراس، وحصّن «11» الاصطناع والاغتراس، والاستكثار من أولي المراتب والعلوم، والسياسات والحلوم، والمقام المعلوم، وكرّه إليهم مجالسة الملهين، ومصاحبة السّاهين، وجاهد أهواءهم عن عقولهم، واحذر «12» الكذب على مقولهم، ورشّحهم الجزء: 4 ¦ الصفحة: 540 إذا أنست منهم رشدا أو هديا، وأرضعهم من المؤازرة والمشاورة ثديا، لتمرّنهم على الاعتياد، وتحملهم على الازدياد، ورضهم رياضة الجياد، واحذر عليهم الشهوات فهي داؤهم، وأعداؤك في الحقيقة وأعداؤهم. وتدارك الخلق الذّميمة كلّما نجمت، واقذعها إذا هجمت، قبل أن يظهر تضعيفها، ويقوى ضعيفها، فإن أعجزتك في صغرهم «1» الحيل، عظم الميل: [البسيط] إنّ الغصون إذا قوّمتها اعتدلت ... ولن تلين إذا قوّمتها الخشب وإذا قدروا على التدبير، وتشوّفوا للمحلّ الكبير، فلا «2» توطّنهم في مكانك، جهد إمكانك، وفرّقهم في بلدانك، تفريق عبدانك. واستعملهم في بعوث جهادك، والنيابة عنك في سبيل اجتهادك، فإنّ حضرتك تشغلهم بالتّحاسد، والتّباري والتّفاسد. وانظر إليهم بأعين الثّقات، فإنّ عين الثقة، تبصر ما لا تبصر عين المحبّة والمقة. وأمّا الخدم فإنهم بمنزلة الجوارح التي تفرّق بها وتجمع، وتبصر وتسمع، فرضهم بالصدق والأمانة، وصنهم صون الجمانة «3» ، وخذهم بحسن الانقياد إلى ما آثرته، والتقليل ممّا استكثرته. واحذر منهم من قويت شهواته، وضاقت عن هواه لهواته، فإنّ الشهوات تنازعك في استرقاقه، وتشاركك في استحقاقه. وخيرهم من ستر ذلك عليك «4» بلطف الحيلة، وآداب للفساد مخيلة «5» . وأشرب قلوبهم أنّ الحقّ في كلّ ما حاولته واستنزلته، وأنّ الباطل في كلّ ما جانبته واعتزلته، وأنّ من تصفّح منهم أمورك فقد أذنب، وباين الأدب وتجنّب. وأعط من أكددته، وأضقت منهم ملكه وشددته، روحة يشتغل فيها بما يغنيه «6» ، على حسب صعوبة ما يعانيه، تغبطهم فيها بمسارحهم، وتجمّ كليلة جوارحهم. ولتكن عطاياك فيهم بالمقدار الذي لا يبطر أعلامهم، ولا يؤسف الأصاغر فيفسد أحلامهم، ولا ترم محسنهم بالغاية من إحسانك، واترك لمزيدهم فضلة من رفدك ولسانك. وحذّر عليهم مخالفتك ولو في صلاحك، بحدّ سلاحك. وامنعهم من التّواثب والتّشاجر، ولا تحمد لهم شيم التّقاطع والتّهاجر، واستخلص منهم لسرّك من قلّت في الإفشاء ذنوبه، وكان أصبرهم «7» على ما ينوبه، ولودائعك من كانت رغبته في وظيفة لسانك، أكثر من رغبته في إحسانك، الجزء: 4 ¦ الصفحة: 541 وضبطه لما تقلّده «1» من وديعتك، أحبّ إليه من حسن صنيعتك. وللسّفارة عنك من حلا الصدق في فمه، وآثره ولو بإخطار دمه، واستوفى لك وعليك فهم ما تحمّله، وعني بلفظه حتى لا يهمله، ولمن تودعه أعداء دولتك من كان مقصور الأمل، قليل القول صادق العمل، ومن كانت قسوته زائدة على رحمته، وعظمه في مرضاتك آثر من شحمته، ورأيه في الحذر سديد، وتحرّزه من الحيل شديد. ولخدمتك في ليلك ونهارك من لانت طباعه، وامتدّ في حسن السّجية باعه، وآمن كيده وغدره، وسلم من الحقد صدره، ورأى المطامع فما طمع، واستثقل إعادة ما سمع، وكان بريئا من الملال، والبشر عليه أغلب الخلال. ولا تؤنسهم منك بقبيح فعل ولا قول، ولا تؤيسهم من طول «2» . ومكّن في نفوسهم أنّ أقوى شفعائهم، وأقرب إلى الإجابة من دعائهم، إصابة الغرض فيما به وكلوا، وعليه شكّلوا، فإنّك لا تعدم بهم انتفاعا، ولا يعدمون لديك ارتفاعا. وأمّا الحرم فهنّ «3» مغارس الولد، ورياحين الخلد، وراحة القلب الذي أجهدته الأفكار، والنّفس التي تقسّمها الإحماد إلى المساعي والإنكار «4» ، فاطلب منهنّ من غلب عليهنّ من حسن الشّيم، المترفّعة عن القيم، ما لا يسوءك في خلدك، أن يكون في ولدك، واحذر أن تجعل لفكر بشر دون بصر إليهنّ سبيلا، وانصب دون ذلك عذابا وبيلا «5» ، وأرعهنّ من النّساء العجز من فاقت «6» في الدّيانة والأمانة سبله «7» ، وقويت غيرته ونبله، وخذهنّ بسلامة النّيّات، والشيم السّنيّات، وحسن الاسترسال، والخلق السّلسال. وحظّر «8» عليهنّ التّغامز والتّغاير، والتّنافس والتّخاير، وآس «9» بينهنّ في الأغراض، والتّصامم عن الإعراض، والمحاباة بالأعراض. وأقلل من مخالطتهنّ فهو أبقى لهمّتك، وأسبل لحرمتك، ولتكن عشرتك لهنّ عند الكلال والملال، وضيق الاحتمال، بكثرة الأعمال، وعند الغضب والنّوم، والفراغ من نصب اليوم. واجعل مبيتك بينهنّ تنم بركاتك، وتستتر حركاتك، وافصل من ولدت منهنّ إلى مسكن يختبر فيه استقلالها، وتعتبر «10» بالتفرّد خلالها. ولا تطلق لحرمة شفاعة ولا تدبيرا، ولا تنط بها من الأمر صغيرا ولا كبيرا، واحذر أن يظهر على خدمهنّ في خروجهنّ عن القصور، وبروزهن من الجزء: 4 ¦ الصفحة: 542 أجمة الأسد الهصور «1» ، زيّ مفارع «2» ، ولا طيب للأنوف مسارع، واخصص بذلك من طعن في السّن، ويئس من الإنس والجنّ، ومن توفّر النزوع إلى الخيرات قبله، وقصر عن جمال الصورة ووسم «3» بالبله. ثم لمّا بلغ إلى هذا الحدّ، حمي وطيس استجفاره، وختم حزبه باستغفاره، ثم صمت مليّا، واستعاد كلاما أوّليا. ثم قال: واعلم يا أمير المؤمنين، سدّد الله سهمك لأغراض خلافته، وعصمك من الزمان وآفته، أنك في مجلس الفصل، ومباشرة الفرع من ملكك والأصل، في طائفة من عزّ الله تذبّ عنك حماتها، وتدافع عن حوزتك كماتها، فاحذر أن يعدل بك غضبك عن عدل تزري منه ببضاعة، أو يهجم بك رضاك على إضاعة. ولتكن قدرتك وقفا على الاتصاف، بالعدل والإنصاف، واحكم بالسّويّة، واجنح بتدبيرك إلى حسن الرّويّة. وخف أن تقعد بك أناتك عن حزم تعيّن، أو تستفزّك العجلة في أمر لم يتبيّن. وأطع الحجّة ما توجّهت عليك «4» ، ولا تحفل بها إذا كانت إليك «5» ، فانقيادك إليها أحسن من ظفرك، والحقّ أجدى من نفرك. ولا تردّنّ النصيحة في وجه، ولا تقابل عليها بنجه، فتمنعها إذا استدعيتها، وتحجب عنك إذا استوعيتها، ولا تستدعها من غير أهلها، فيشغبك أولو الأغراض بجهلها. واحرص على أن لا ينقضي مجلس جلسته، أو زمن اختلسته، إلّا وقد أحرزت فضيلة زائدة، أو وثقت منه في معادك بفائدة، ولا يزهدنّك في المال كثرته، فتقلّ في نفسك أثرته. وقس الشّاهد بالغائب، واذكر وقوع ما لا يحتسب من النوائب، فالمال المصون، أمنع الحصون. ومن قلّ ماله قصرت آماله، وتهاون بيمينه شماله، والملك إذا فقد خزينه، أنحى «6» على أهل الجدة التي تزينه، وعاد على رعيّته بالإجحاف، وعلى جبايته بالإلحاف، وساء معتاد عيشه، وصغر في عيون جيشه، ومنّوا عليه بنصره، وأنفوا من الاقتصار على قصره. وفي المال قوّة سماوية تصرف الناس لصاحبه، وتربط آمال أهل السّلاح به. والمال نعمة الله تعالى فلا تجعله ذريعة إلى خلافه، فتجمع بالشّهوات بين إتلافك وإتلافه. واستأنس بحسن جوارها، واصرف في حقوق الله بعض أطوارها، فإن فضل المال عن الأجل فأجلّ «7» ، ولم يضر ما تلف «8» منه بين يدي الله عزّ وجلّ. وما ينفق في سبيل الشّريعة، وسدّ الذريعة، مأمول خلفه، الجزء: 4 ¦ الصفحة: 543 وما سواه فمستيقن «1» تلفه. واستخلص لحضور «2» نواديك الغاصّة، ومجالسك العامّة والخاصّة، من يليق بولوج عتبها، والعروج «3» لرتبها. أما العاميّة فمن عظم عند الناس قدره، وانشرح بالعلم صدره، أو ظهر يساره، وكان لله إخباته وانكساره، ومن كان للفتيا منتصبا، وبتاج المشورة معتصبا. وأما الخاصّيّة فمن رقّت طباعه، وامتدّ فيما يليق بتلك المجالس باعه، ومن تبحّر في سير الحكماء، وأخلاق الكرماء، ومن له فضل سافر، وطبع للدّنيّة منافر، ولديه من كل ما تستتر به الملوك عن العوام حظّ وافر. وصف ألبابهم بمحصول خيرك، وسكّن قلوبهم بيمن طيرك، وأغنهم ما قدرت عن غيرك. واعلم بأنّ مواقع العلماء من ملكك مواقع المشاعل المتألّقة، والمصابيح المتعلّقة، وعلى قدر تعاهدها تبذل من الضّياء، وتجلو بنورها صور الأشياء، وفرّعها «4» لتحبير ما يزيّن مدتك، ويحسّن من بعد البلاء جدّتك. وبعناية الأواخر، ذكرت الأول «5» ، وإذا محيت المفاخر، خربت الدّول. واعلم أنّ بقاء الذّكر مشروط بعمارة البلدان، وتخليد الآثار الباقية في القاصي منها والدّان، فاحرص على ما يوضّح في الدهر سبلك، ويحوز «6» المزيّة لك على من قبلك، وأنّ خير الملوك من ينطق بالحجّة وهو قادر على القهر، ويبذل الإنصاف في السّر والجهر، مع التمكّن من المال والظّهر. ويسار الرعية جمال للملك وشرف، وفاقتهم من ذلك طرف، فغلّب أينق «7» الحالين بمحلّك، وأولاهما بظعنك «8» وحلّك. واعلم أنّ كرامة الجور دائرة، وكرامة العدل مكاثرة «9» ، والغلبة بالخير سيادة، وبالشّرّ هوادة. واعلم أنّ حسن القيام بالشّريعة يحسم عنك نكاية الخوارج، ويسمو بك إلى المعارج، فإنها تقصد أنواع الخدع، وتوري بتغيير البدع. وأطلق على عدوّك أيدي الأقوياء من الأكفاء، وألسنة اللّفيف من الضّعفاء، واستشعر عند نكثه شعار الوفاء. ولتكن ثقتك بالله أكثر من ثقتك بقوة تجدها، وكتيبة تنجدها، فإنّ الإخلاص يمنحك قوى لا تكتسب، ويهديك «10» مع الأوقات نصرا لا يحتسب. والتمس سلم «11» من الجزء: 4 ¦ الصفحة: 544 سالمك، بنفيس «1» ما في يدك. وفضّل حاصل يومك على منتظر غدك، فإن أبى وضحت محجّتك، وقامت عليه للناس «2» حجّتك، فللنفوس على الباغين ميل، ولها من جانبه نيل، واستمدّ «3» كل يوم سيرة من يناويك، واجتهد أن لا يباريك «4» في خير ولا يساويك، وأكذب بالخير ما يشنّعه «5» من مساويك، ولا تقبل من الإطراء إلّا ما كان فيك، فضل عن إطالته، وجدّ يزري ببطالته «6» . ولا تلق المذنب بحميّتك وسبّك، واذكر عند حميّة «7» الغضب ذنوبك إلى ربّك. ولا تنس أنّ ذنب «8» المذنب أجلسك مجلس الفصل، وجعل من «9» قبضتك رياش النّصل. وتشاغل في هدنة الأيام بالاستعداد، واعلم أنّ التّراخي منذر بالاشتداد. ولا تهمل عرض ديوانك، واختبار أعوانك، وتحصين معاقلك وقلاعك، وعمّ إيالتك «10» بحسن اضطلاعك. ولا تشغل زمن الهدنة بلذّاتك، فتجني في الشّدة على ذاتك. ولا تطلق في دولتك ألسنة الكهانة والإرجاف، ومطاردة الآمال العجاف «11» ، فإنه يبعث سوء القول، ويفتح باب الغول «12» . وحذّر على المدرّسين والمعلّمين «13» ، والعلماء والمتكلّمين، حمل الأحداث على الشّكوك الخالجة، والزلّات «14» الوالجة، فإنه يفسد طباعهم، ويغري سباعهم، ويمدّ في مخالفة الملّة باعهم. وسدّ سبل «15» الشّفاعات فإنها تفسد عليك حسن الاختيار، ونفوس الخيار. وابذل في الأسرى من حسن ملكتك ما يرضي من ملّكك رقابها، وقلّدك ثوابها وعقابها. وتلقّ بدء نهارك بذكر الله في ترفّعك وابتذالك، واختم اليوم بمثل ذلك. واعلم أنك مع كثرة حجّابك، وكثافة حجابك، بمنزلة الظّاهر للعيون، المطالب بالدّيون، لشدّة البحث عن أمورك، وتعرّف السّرّ الخفيّ بين آمرك ومأمورك، فاعمل في سرّك ما لا تستقبح أن يكون ظاهرا، ولا تأنف أن تكون به مجاهرا، وأحكم بريك في الله ونحتك، وخف من فوقك يخفك «16» من تحتك. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 545 واعلم أنّ عدوّك من أتباعك من تناسيت حسن قرضه، أو زادت مؤونته على نصيبه منك وفرضه. فأصمت الحجج «1» ، وتوقّ اللّجج «2» ، واسترب بالأمل، ولا يحملنك انتظام الأمور على الاستهانة بالعمل. ولا تحقّرنّ صغير الفساد، فيأخذ في الاستئساد. واحبس الألسنة عن التّحالي «3» باغتيابك، والتّشبّث بأذيال ثيابك، فإنّ سوء الطّاعة ينتقل من الأعين الباصرة، إلى الألسن القاصرة، ثم إلى الأيدي المتناصرة. ولا تثق بنفسك في قتال عدوّ ناواك «4» ، حتى تظفر بعدوّ غضبك وهواك. وليكن خوفك من سوء تدبيرك، أكثر من عدوّك السّاعي في تتبيرك «5» . وإذا استنزلت ناجما «6» ، أو أمنت ثائرا هاجما، فلا تقلّده البلد الذي فيه نجم، وهمى عارضه «7» فيه وانسجم، يعظّم عليك القدح في اختيارك، والغضّ «8» من إيثارك، واحترز من كيده في حوزك «9» ومأمّك، فإنّك أكبر همّه وليس بأكبر همّك. وجمّل المملكة بتأمين الفلوات، وتسهيل الأقوات، وتجويد «10» ما يتعامل به من الصّرف في البياعات، وإجراء العوائد مع الأيام والسّاعات، ولا تبخس عيار قيم البضاعات، ولتكن يدك عن أموال الناس محجورة، وفي احترامها إلّا عن الثّلاثة مأجورة: مال من عدا طوره وطور «11» أهله، وتجاوز «12» في الملابس والزّينة، وفضول المدينة، يروم معارضتك بحمله «13» ، ومن باطن أعداك، وأمن اعتداك، ومن أساء جوار رعيّتك بإخساره، وبذل الأذاية فيهم بيمينه ويساره. وأضرّ ما منيت به التّعادي بين عبدانك، أو في بلد من بلدانك، فسدّ فيه الباب، واسأل عن الأسباب، وانقلهم بوساطة أولي الألباب، إلى حالة الأحباب. ولا تطوّق الأعلام أطواق المنون، بهواجس الظّنون، فهو أمر لا يقف عند حدّ، ولا ينتهي إلى عدّ. واجعل ولدك في احتراسك، [وصدق مراسك] «14» ، حتى لا يطمع في افتراسك. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 546 ثم لمّا رأى الليل قد كاد ينتصف، وعموده يريد أن ينقصف، ومجال الوصايا أكثر ممّا يصف، قال: يا أمير المؤمنين، بحر السّياسة زاخر، وعمر التّمتّع «1» بناديك العزيز «2» مستأخر، فإن أذنت في فنّ من فنون الأنس يجذب بالمقاد، إلى راحة الرّقاد، ويعتق النّفس بقدرة ذي الجلال، من ملكة الكلال «3» . فقال: أما والله قد استحسنّا ما سردت، فشأنك وما أردت. فاستدعى عودا فأصلحه حتى أحمده «4» ، وأبعد في اختياره أمده. ثم حرّك فمه «5» ، وأطال الحسن ثمّه، ثم تغنّى بصوت يستدعي الإنصات، ويصدع الحصاة «6» ، ويستفزّ الحليم عن وقاره، ويستوقف الطّير ورزق بنيه في منقاره، وقال: [الخفيف] صاح، ما أعطر القبول بنمّه ... أتراها أطالت اللبث «7» ثمّه؟ هي دار الهوى منى النّفس فيها ... أبد الدّهر والأمانيّ جمّه إن يكن ما تأرّج الجوّ منها ... واستفاد الشّذا وإلّا فممّه من بطرفي «8» بنظرة ولأنفي ... في رباها وفي ثراها بشمّه ذكر العهد فانتفضت كأنّي ... طرقتني من الملائك لمّه وطن قد نضيت فيه شبابا ... لم تدنّس منه البرود مذمّه بنت عنه والنفس من أجل من قد «9» ... خلّفته خلاله «10» مغتمّه كان حلما فويح من أمّل الدّه ... ر وأعماه جهله وأصمّه تأمل العيش بعد أن أخلق «11» الجس ... م وبنيانه عسير المرمّه وغدت وفرة الشّبيبة بالشّي ... ب على رغم أنفها معتمّه فلقد فاز مالك «12» جعل اللّ ... هـ إلى الله قصده ومأمّه من يبت من غرور دنيا بهمّ ... يلدغ القلب أكثر الله همّه الجزء: 4 ¦ الصفحة: 547 ثم أحال اللّحن إلى لون التّنويم، فأخذ كلّ في النّعاس والتّهويم، وأطال الجسّ في الثّقيل، عاكفا عكوف الضّاحي في المقيل، فخاط عيون القوم، بخيوط النّوم، وعمر بهم المراقد، كأنّما أدار عليهم الفراقد، ثم انصرف، فما علم به أحد ولا عرف. ولمّا أفاق الرشيد جدّ في طلبه، فلم يعلم بمنقلبه فأسف للفراق، وأمر بتخليد حكمه في بطون الأوراق. فهي إلى اليوم تروى «1» وتنقل، وتجلى القلوب بها وتصقل، والحمد لله ربّ العالمين. هذا «2» ما حضرني «3» من المنثور والمنظوم «4» ، وحظّه عندي في الإفادة «5» حظّ ضعيف، وغرضه، كما شاء الله تعالى «6» ، سخيف، لكن الله سبحانه «7» بعباده لطيف، [سبحانه لا إله إلّا هو] «8» . مولدي: في الخامس والعشرين لرجب عام ثلاثة عشر وسبعمائة «9» ، وكم بالحيّ ممّن ذكرته ألحق بالميت، وبالقبر قد استبدل من البيت، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. قلت «10» : هنا انتهى هذا التأليف المسمّى ب «الإحاطة في تاريخ غرناطة» بالاختصار، وتحصل منه ما أردناه من هذا المقدار، ووهبناه للناظر فيه هبة ليست بهبة اعتصار، بل هي لتحصيله ذات انتصار. ولمّا لم يمكنه أن يعرّف بمحنته ووفاته، رأيت أنا بعده أن أعرّف بذلك في مختصري هذا على مهيعه، وعادته، فأقول: محنته ووفاته: رأيت تعليقا بخط بعض العدول المعاصرين، الأذكياء المحاضرين، الأدباء المجيدين، الطرفاء المقيدين، وهو صاحبنا أبو عبد الله ... «11» الوادي آشي، حفظه الله، طرفة زمان، وحفظة أوان، وهو ما نصّه الجزء: 4 ¦ الصفحة: 548 من تاريخ ابن خلدون، قال «1» : ولما «2» استولى السلطان أبو العباس على البلد الجديد، دار ملكه، فاتح «3» ست وسبعين، استقلّ «4» بسلطانه، والوزير محمد بن عثمان مستبدّ عليه، وسليمان بن داود من أعراب «5» بني عسكر رديف له «6» . وقد كان الشرط وقع بينه وبين السلطان ابن الأحمر، عندما بويع بطنجة، على نكبة «7» ابن الخطيب وإسلامه إليه، لما نمي عنه أنه كان يغري السلطان عبد العزيز بملك «8» الأندلس. فلمّا زحف السلطان أبو العباس من طنجة، ولقي «9» الوزير أبا بكر بن غازي بساحة البلد الجديد، فهزمه السلطان، ولاذ منه «10» بالحصار، أوى معه ابن الخطيب إلى البلد الجديد خوفا على نفسه، فلمّا «11» استولى السلطان على البلد «12» أقام أياما، ثم أغراه سليمان بن داود بالقبض عليه «13» ، فقبضوا عليه، وأودعوه السجن «14» ، وطيّروا بالخبر إلى السلطان ابن الأحمر. وكان سليمان بن داود شديد العداوة لابن الخطيب، لما «15» كان سليمان قد بايعه «16» السلطان ابن الأحمر على مشيخة الغزاة بالأندلس، متى أعاده الله إلى ملكه. فلمّا استقرّ له سلطانه، أجاز إليه سليمان سفيرا عن «17» عمر بن عبد الله، ومقتضيا عهده من السلطان، فصدّه ابن «18» الخطيب عن ذلك، بأن «19» تلك الرياسة إنما الجزء: 4 ¦ الصفحة: 549 هي «1» لأعياص «2» الملك من آل «3» عبد الحق؛ لأنهم يعسوب زناتة، فرجع آيسا «4» ، وحقد ذلك لابن الخطيب. ثم جاور «5» الأندلس بمحل «6» إمارته من جبل الفتح، فكانت تقع بينه وبين ابن الخطيب مكاتبات ينفس «7» كل واحد «8» منهما لصاحبه «9» ، بما يحفظه «10» لما «11» كمن في صدورهما. وحين بلغ الخبر «12» بالقبض على ابن الخطيب إلى السلطان [ابن الأحمر] «13» ، بعث كاتبه ووزيره بعد ابن الخطيب، وهو أبو عبد الله بن زمرك، فقدم على السلطان أبي العباس، وأحضر ابن الخطيب بالمشور «14» في مجلس الخاصة وأهل الشورى «15» ، وعرض عليه بعض كلمات وقعت له في كتابه «16» ، فعظم عليه «17» النكير «18» فيها، فوبّخ ونكّل وامتحن بالعذاب بمشهد ذلك الملإ «19» . ثم تلّ «20» إلى محبسه، واشتوروا في قتله بمقتضى تلك المقالات المسجّلة عليه، وأفتى بعض الفقهاء فيه. ودسّ سليمان بن داود لبعض الأوغاد من حاشيته بقتله، فطرقوا السجن ليلا، ومعهم زعانفة جاءوا في لفيف الخدم مع سفراء السلطان ابن الأحمر، وقتلوه خنقا في محبسه، وأخرجوا شلوه من الغد، فدفن في مقبرة باب المحروق. ثم أصبح من الغد على شأفة «21» قبره طريحا، وقد جمعت له أعواد، وأضرمت عليه نارا «22» ، فاحترق شعره، واسودّ بشره، فأعيد إلى حفرته. وكان في ذلك انتهاء محنته. وعجب الناس من هذه الجزء: 4 ¦ الصفحة: 550 السفاهة «1» التي جاء بها سليمان، واعتدّوها من هناته، وعظم النكير فيها عليه وعلى قومه وأهل دولته. والله فعال «2» لما يريد. وكان، عفا الله عنه، أيام امتحانه بالسجن، يتوقّع مصيبة الموت، فيتجيش «3» هواتفه بالشعر «4» يبكي نفسه. وممّا قال في ذلك: [المتقارب] بعدنا وإن جاورتنا البيوت ... وجئنا بوعظ «5» ونحن صموت وأنفاسنا سكنت دفعة ... كجهر الصلاة تلاه القنوت وكنّا عظاما «6» فصرنا عظاما «7» ... وكنّا نقوت فها نحن قوت وكنّا شموس سماء العلا ... غربن فناحت «8» علينا «9» البيوت «10» فكم جدّلت «11» ذا الحسام الظّبا ... وذو البخت كم جدّلته البخوت وكم سيق للقبر في خرقة ... فتى ملئت من كساه التّخوت فقل للعدا: ذهب ابن الخطيب ... وفات ومن «12» ذا الذي لا يفوت فمن «13» كان يفرح منهم «14» له ... فقل: يفرح اليوم من لا يموت انتهى من السفر الأخير منه، حيث عرّف بنفسه وبشيوخه، رحمة الله على الجميع. قلت: وهنا انتهى ما قصدناه، وتمّ بحول الله ما أردناه واستوفيناه واستلحمناه، وذلك بغرناطة أقالها الله وصانها، وعمر بالعلماء الأعلام، وصالحي الإسلام، عمرانها، وبتاريخ أوائل شهر ربيع الآخر من عام خمسة وتسعين وثمانمائة، والحمد لله، وسلام على عباده الذين اصطفى. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 551 الحمد لله، من كتاب «نفاضة الجراب» لابن الخطيب المذكور، رحمه الله، الذي ألّفه بالعدوة بعد صرفه عن الأندلس، واستقراره بالعدوة بآخرة من عمره، وقرب وفاته، ولذلك سمّاه «نفاضة الجراب» ، قال في أثنائه ما نصّه: وإلى هذا العهد صدر عني من النظم والنثر بحال القلعة، ومكان الغمرة، رسائل إخوانية، ومقطوعات أدبية، نثبتها إحماضا وإراحة؛ لتعيد مطالع هذا جماما، أو تهدي إليه أنسا، والحمد لله على البأساء والنّعماء: [المتقارب] جزتني غرناطة بعد ما ... جلوت محاسنها بالجلا ولم تبق جاها ولا حرمة ... ولم تبق مالا ولا منزلا كأني انفردت بقتل الحسين ... وجرّدت سيفي في كربلا ولم أجن ذنبا سوى أنني ... صدعت بأمداحها في الملا وأني صنعت فيها الغريب ... فصرت الغريب أجوب الفلا يمينا لقد أنكرت ما جرى ... نفوس الورى وأبته العلا وما خصّني زمني بالعقوق ... فكم خصّ «1» من فاضل مبتلى أإن ظهرت نعمة الإله ... عليّ فألبست منها حلا أإن قرّبتني الملوك الكرام ... يقلّد آخرها الأوّلا وإن مكّنتني من أمرها ... فشمت السيوف وصنت الطّلا وقابلت بالشكر منها الصنيع ... وحاشى لمثلي أن يغفلا فأقسم بالله لولا أنوفا ... لجرّدت من مقولي منصلا يقدّ الدروع ويخلي الدموع ... ويلقي على من عدا الله ركلا فيترك في الناس أمثاله ... تجدّ على رغم أنف البلا ولا خلق أجهل ممن يظنّ ... بمقدار مثلي أن يجهلا وما «2» ركبت الدّجى إذ سما ... يقلّد للنّجم نصرا كلا وكان لساني سيفا صقيلا ... وكانت يراعي قنا ذبّلا ولكن ليأت «3» بصبر جميل ... قضاء الذي لم يزل مجملا وحاسبت نفسي فيما أمرّ ... فألفيته البعض فيما خلا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 552 وأسكنت ناري لما دعا ... وأسكنت يأسي لما غلا سلام عليها وإن أخفرت ... ذمامي ووجّزت بالقلا وألبستها الأمن سترا حصيفا ... وإن هتكت ستري المسبلا ومثلي يبقى على عهده ... إذا أعرض الخلّ أو أقبلا وقلت «1» : [مخلع البسيط] من حاكم بي على الفراق ... حكم زياد على العراق يبدي «2» وقد ختمت يداه ... بالجور في أنفس رقاق وعاجل النّظم بانتثار ... وصيّر الشّمل لافتراق فمن أكفّ على خدود ... ومن دموع على تراق وأيّ حال إلى دوام ... وما سوى الله غير باق يا سائق الرّكب، إنّ نفسي ... من لوعة البين في سياق رفقا على مهجتي فإنّي ... قد بلغت روحي التّراقي ويا رسول النّسيم، بلّغ ... بحيرة الحيّ ما ألاقي وسق إلى سمعهم «3» حديثا ... من أرضهم طيّب المساق جرّعني البين كأس حزن ... بعدهم مرّة المذاق فلا أنيسا «4» سوى ادّكاري ... ولا جليسا «5» إلى اشتياق ففي غدوّي بها اصطباحي ... وفي رواحي بها اغتباقي يا شقّة القلب، ليت شعري ... هل صحّ «6» شملك في اتّساق؟ أو يقلع الدهر من عتاب ... أو يطلق الشوق من وثاق؟ طال عليّ الظلام لمّا ... ضنّ محيّاك بالتّلاقي فيكذب الليل في ارتحال ... ويمطل الفجر بانشقاق ضايقني الدّهر فيك حتى ... في موقف البين والفراق الجزء: 4 ¦ الصفحة: 553 فلم يكن فيه من سلام ... ولا كلام ولا اعتناق قد عجز النطق عن شجوني ... قد بلغ الماء للنّطاق أقسمت حقّا بخير هاد ... سرى إلى الله بالبراق لو خيّرت في الوجود نفسي ... ما اخترت منها «1» سوى التّلاقي إن بطش الدهر بي وأبدى ... سجيّة الغدر والنّفاق فكم هلال رأيت بدرا ... أفلت من ظلمة المحاق يا من على فضله اعتمادي ... يا من بأسبابه اعتلاقي إن لم تجد منك لي برحمى ... ما لي في الخلق من خلاق تمّ بحمد الله الجزء: 4 ¦ الصفحة: 554 فهارس الإحاطة 1- تراجم الأعلام 2- الكنى والألقاب 3- الكتب والمؤلّفات 4- الأماكن والبقاع 5- القوافي 6- الأرجاز 7- فهرس المحتويات الجزء: 4 ¦ الصفحة: 555 فهرس تراجم الأعلام باب الألف إبراهيم بن أبي بكر بن عبد الله بن موسى الأنصاري (أبو إسحاق التلمساني) : 1/168. إبراهيم بن أبي الحسن بن أبي سعيد عثمان بن أبي يوسف يعقوب بن عبد الحق (أبو سالم) : 1/155. إبراهيم بن خلف بن محمد بن الحبيب القرشي العامري: 1/191. إبراهيم بن عبد الله بن محمد بن إبراهيم (أبو إسحاق ابن الحاج النميري) : 1/178. إبراهيم بن عبد الرحمن بن أبي بكر التسولي (أبو سالم بن أبي يحيى) : 1/196. إبراهيم بن فرج بن عبد البر الخولاني (أبو إسحاق بن حرة) : 1/166) . إبراهيم بن محمد بن إبراهيم الأنصاري الساحلي (الطويجن) : 1/170. إبراهيم بن محمد بن إبراهيم بن عبيدس بن محمود النفزي (أبو إسحاق) : 1/193. إبراهيم بن محمد بن علي بن محمد بن أبي العاصي التنوخي: 1/197. إبراهيم بن محمد بن مفرج بن همشك: 1/151. إبراهيم بن محمد بن أبي القاسم بن أحمد بن محمد الأزدي (أبو إسحاق) : 1/165. إبراهيم بن يحيى بن عبد الواحد بن أبي حفص عمر بن يحيى الهناتي (أبو إسحاق) : 1/159. إبراهيم بن يوسف بن محمد بن دهاق الأوسي (أبو إسحاق ابن المرأة) : 1/168. أحمد بن إبراهيم بن أحمد بن صفوان (أبو جعفر) : 1/93. أحمد بن إبراهيم بن الزبير بن محمد الثقفي (أبو جعفر) : 1/72. أحمد بن أيوب اللمائي (أبو جعفر) : 1/101. أحمد بن أبي جعفر بن محمد بن عطية القضاعي (أبو جعفر) : 1/127. أحمد بن حسن بن باصة الأسلمي (أبو جعفر) : 1/81. أحمد بن الحسن بن علي بن الزيات الكلاعي (أبو جعفر) : 1/145. أحمد بن خلف بن عبد الملك الغساني القليعي: 1/45. أحمد بن سليمان بن أحمد القرشي (أبو جعفر بن فركون) : 1/92. أحمد بن أبي سهل بن سعيد بن أبي سهل الخزرجي (أبو جعفر) : 1/59. أحمد بن عباس بن أبي زكريا (أبو جعفر) : 1/125. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 557 أحمد بن عبد الله بن محمد بن أحمد اللخمي (أبو العباس بن عرفة) : 1/138. أحمد بن عبد الله بن محمد بن الحسن بن عميرة المخزومي (أبو مطرف) : 1/62. أحمد بن عبد الرحمن بن محمد بن عبد الرحمن بن محمد بن الصقر الأنصاري الخزرجي (أبو العباس) : 1/68. أحمد بن عبد الحق بن محمد بن يحيى بن عبد الحق الجدلي (أبو جعفر) : 1/66. أحمد بن عبد الملك بن سعيد: 1/88. أحمد بن عبد النور بن أحمد بن راشد (أبو جعفر) : 1/77. أحمد بن عبد الولي بن أحمد الرعيني (أبو جعفر العوّاد) : 1/75. أحمد بن علي بن أحمد بن خلف الأنصاري (أبو جعفر ابن الباذش) : 1/76. أحمد بن علي بن محمد بن علي بن محمد بن خاتمة الأنصاري (أبو جعفر) : 1/108. أحمد بن علي الملياني (أبو عبد الله وأبو العباس) : 1/143. أحمد بن عمر بن يوسف بن إدريس بن عبد الله بن ورد التميمي (أبو القاسم) : 1/60. أحمد بن أبي القاسم بن عبد الرحمن (أبو العباس ابن القبّاب) : 1/71. أحمد بن محمد بن أحمد بن عبد الرحمن بن علي العامري (أبو جعفر) : 1/56. أحمد بن محمد بن أحمد بن محمد بن عبد الله الكلبي (ابن جزي) : 1/52. أحمد بن محمد بن أحمد بن قعنب الأزدي (أبو جعفر) : 1/58. أحمد بن محمد بن أحمد بن هشام القرشي (ابن فركون) : 1/49. أحمد بن محمد بن أحمد بن يزيد الهمداني اللخمي: 1/47. أحمد بن محمد بن أضحى بن عبد اللطيف الهمداني الإلبيري: 1/47. أحمد بن محمد بن أبي الخليل (أبو العباس) : 1/83. أحمد بن محمد بن سعيد بن زيد الغافقي: 1/59. أحمد بن محمد بن شعيب الكرياني (أبو العباس) : 1/134. أحمد بن محمد بن طلحة (أبو جعفر) : 1/104. أحمد بن محمد بن علي بن أحمد بن علي الأموي (أبو جعفر بن برطال) : 1/60. أحمد بن محمد بن علي بن محمد (أبو جعفر بن مصادف) : 1/80. أحمد بن محمد بن عيسى الأموي (أبو جعفر الزيات) : 1/144. أحمد بن محمد الكرني: 1/83. أحمد بن محمد بن يوسف الأنصاري (أبو جعفر الحبالي) : 1/82. أسباط بن جعفر بن سليمان بن أيوب بن سعد بن بكر بن عفان الإلبيري: 1/228. أسد بن الفرات بن بشر بن أسد المرّي: 1/231. أسلم بن عبد العزيز بن هشام بن خالد (أبو الجعد) : 1/229. إسماعيل بن فرج بن إسماعيل بن يوسف بن محمد الأنصاري الخزرجي (أمير المؤمنين بالأندلس) : 1/200. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 558 إدريس بن يعقوب بن يوسف بن عبد المؤمن بن علي (المأمون) : 1/222. إسماعيل بن يوسف بن إسماعيل بن فرج بن نصر (أبو الوليد) : 1/214. أصبغ بن محمد بن الشيخ المهدي (أبو القاسم) : 1/235. باب الباء باديس بن حبوس بن ماكسن بن زيري بن مناد الصنهاجي (أبو مناد الحاجب المظفر بالله الناصر لدين الله) : 1/240. بدر مولى عبد الرحمن بن معاوية الداخل (أبو النصر) : 1/246. بكرون بن أبي بكر بن الأشقر الحضرمي (أبو يحيى) : 1/246. بلكين بن باديس بن حبوس بن ماكسن بن زيري بن منواد الصنهاجي (سيف الدولة) : 1/238. باب التاء تاشفين بن علي بن يوسف: 1/247. باب الثاء ثابت بن محمد الجرجاني الأستراباذي (أبو الفتوح) : 1/253. باب الجيم جعفر بن أحمد بن علي الخزاعي (أبو أحمد) : 1/255. جعفر بن عبد الله بن محمد بن سيد بونة الخزاعي (أبو أحمد) : 1/257. باب الحاء حاتم بن سعيد بن خلف بن سعيد: 1/272. حباسة بن ماكسن بن زيري بن مناد الصنهاجي: 1/273. حبوس بن ماكسن بن زيري بن مناد الصنهاجي (أبو مسعود) : 1/267. حبيب بن محمد بن حبيب النجشي: 1/274. حسن بن محمد بن باصة (أبو علي الصعلعل) : 1/261. حسن بن محمد بن حسن القيسي (أبو علي القلنار) : 1/261. الحسن بن محمد بن الحسن النباهي الجذامي (أبو علي) : 1/260. الحسن بن محمد بن علي الأنصاري (أبو علي ابن كسرى) : 1/262. الحسين بن عبد العزيز بن محمد بن أبي الأحوص القرشي الفهري (أبو علي ابن الناظر) : 1/259. الحسين بن عتيق بن الحسين بن رشيق التغلبي (أبو علي) : 1/264. حفصة بنت الحاج الركوني: 1/277. حكم بن أحمد بن رجا الأنصاري (أبو العاصي) : 1/271. الحكم بن عبد الرحمن بن محمد بن عبد الله (المستنصر بالله) : 1/268. الحكم بن هشام بن عبد الرحمن بن معاوية (أبو العاصي) : 1/269. حمدة بنت زياد المكتب: 1/275. باب الخاء خالد بن عيسى بن إبراهيم بن أبي خالد البلوي: 1/286. الخضر بن أحمد بن الخضر بن أبي العافية (أبو القاسم) : 1/281. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 559 باب الدال داود بن سليمان بن داود بن عبد الرحمن بن سليمان بن عمر بن حوط الله الأنصاري الحارثي الأندي (أبو سليمان) : 1/287. باب الراء رضوان النصري الحاجب المعظم: 1/289. باب الزاي زاوي بن زيري بن مناد الصنهاجي (أبو مثنى) : 1/293. زهير العامري (فتى المنصور بن أبي عامر) : 1/296. باب السين سالم بن صالح بن علي بن صالح بن محمد الهمداني (أبو عمرو بن سالم) : 4/276. سعيد بن سليمان بن جودي السعدي: 4/229. سعيد بن محمد بن إبراهيم بن عاصم بن سعيد الغساني (أبو عثمان) : 4/273. سلمون بن علي بن عبد الله بن سلمون الكناني (أبو القاسم) : 4/272. سليمان بن الحكم بن سليمان بن عبد الرحمن (أبو أيوب المستعين بالله) : 4/227. سليمان بن عبد الرحمن بن معاوية بن هشام بن عبد الملك بن مروان (أبو أيوب) : 4/229. سليمان بن موسى بن سالم بن حسان الحميري الكلاعي (أبو الربيع بن سالم) : 4/254. سهل بن طلحة (أبو الحسن) : 4/275. سهل بن محمد بن سهل بن مالك بن أحمد بن إبراهيم بن مالك الأزدي (أبو الحسن) : 4/231. سوّار بن حمدون بن عبدة بن زهير: 4/225. باب الصاد صالح بن يزيد بن صالح بن موسى النفزي (أبو الطيب) : 3/275. صفوان بن إدريس بن إبراهيم بن عبد الرحمن (أبو بجر) : 3/266. الصميل بن حاتم بن عمر بن جذع الضبابي الكلبي: 3/264. باب الطاء طلحة بن عبد العزيز بن سعيد البطليوسي (أبو محمد بن القبطرنة) : 1/298. باب العين عاشر بن محمد بن عاشر بن خلف بن رجا بن حكم الأنصاري: 4/186. عاصم بن زيد بن يحيى بن حنظلة التميمي العبادي الجاهلي (أبو المخشي) : 4/195. عامر بن عثمان بن إدريس بن عبد الحق (أبو ثابت) : 4/49. عامر بن محمد بن علي الهنتاني (أبو ثابت) : 4/183. عبد الأعلى بن معلا الإلبيري (أبو المعلى) : 4/18. عبد الأعلى بن موسى بن نصير: 3/405. عبد الله بن إبراهيم بن الزبير بن الحسن بن الحسين الثقفي العاصمي (أبو محمد) : 3/319. عبد الله بن إبراهيم بن عبد الله الأزدي (أبو محمد بن المرابع) : 3/320. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 560 عبد الله بن إبراهيم بن علي بن محمد التجيبي (أبو محمد بن أشقيولة) : 3/287. عبد الله بن إبراهيم بن وزمر الحجاري الصنهاجي (أبو محمد) : 3/328. عبد الله بن أحمد بن إسماعيل بن عيسى بن أحمد بن إسماعيل بن سماك العاملي (أبو محمد) : 3/313. عبد الله بن أحمد بن محمد بن سعيد الغافقي (أبو محمد) : 3/314. عبد الله بن أيوب الأنصاري (أبو محمد بن خدوج) : 3/309. عبد الله بن بلقين بن باديس بن حبوس بن ماكسن بن زيري بن مناد الصنهاجي: 3/289. عبد الله بن الجبير بن عثمان بن عيسى بن الجبير اليحصبي (أبو محمد) : 3/293. عبد الله بن الحسن بن أحمد بن يحيى بن عبد الله الأنصاري (أبو محمد القرطبي) : 3/309. عبد الله بن سعيد بن عبد الله بن سعيد بن أحمد بن علي السلماني (أبو محمد) : 3/294. عبد الله بن سليمان بن داود بن عبد الرحمن الأنصاري الحارثي الأزدي (أبو محمد بن حوط الله) : 3/317. عبد الله بن سهل الغرناطي (أبو محمد وجه نافخ) : 3/308. عبد الله بن عبد البر بن سليمان بن محمد الرعيني (أبو محمد ابن أبي المجد) : 3/349. عبد الله بن عبد الرحمن بن عبد الملك بن سعيد (اليرطبول) : 3/347. عبد الله بن علي بن عبد الله بن علي بن سلمون الكناني (أبو محمد) : 3/306. عبد الله بن علي بن محمد التجيبي الرئيس (أبو محمد بن أشقيولة) : 3/291. عبد الله بن علي بن هذيل الفزاري (أبو مروان) : 3/411. عبد الله بن فارس بن زيان (أبو محمد) : 3/351. عبد الله بن فرج بن غزلون اليحصبي (أبو محمد بن العسال) : 3/352. عبد الله بن محمد بن إبراهيم بن مجاهد العبدري الكواب (أبو محمد) : 3/305. عبد الله بن محمد بن أحمد بن محمد بن جزي (أبو محمد) : 3/298. عبد الله بن محمد بن أحمد بن محمد بن عبد الملك بن أبي جمرة الأزدي (أبو محمد) : 3/316. عبد الله بن محمد بن أحمد بن محمد العزفي (أبو طالب) : 3/292. عبد الله بن محمد بن سارة البكري: 3/333. عبد الله بن محمد الشراط (أبو محمد) : 3/335. عبد الله بن محمد بن عبد الله بن سعيد السلماني (أبو محمد بن الخطيب) : 3/331. عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن بن محمد المرّي (أبو خالد) : 3/315. عبد الله بن موسى بن عبد الرحمن بن حماد الصنهاجي (أبو يحيى) : 3/320. عبد الله بن يحيى بن عبد الرحمن بن أحمد الأشعري (أبو القاسم بن ربيع) : 3/318. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 561 عبد الله بن يحيى بن محمد بن أحمد بن زكريا الأنصاري (أبو محمد) : 3/315. عبد الله بن يوسف بن رضوان بن يوسف بن رضوان النجاري (أبو القاسم) : 3/337. عبد البر بن فرسان بن إبراهيم بن عبد الله بن عبد الرحمن الغساني (أبو محمد) : 3/445. عبد الحق بن إبراهيم بن محمد بن نصر بن فتح بن سبعين العكي (أبو محمد) : 4/20. عبد الحق بن عثمان بن محمد بن عبد الحق بن محيو (أبو إدريس) : 3/410) . عبد الحق بن علي بن عثمان بن أبي يوسف يعقوب بن عبد الحق: 3/408. عبد الحق بن غالب بن عطية بن عبد الرحمن المحاربي (أبو محمد) : 3/412. عبد الحق بن محمد بن عطية بن يحيى المحاربي: 3/425. عبد الحكيم بن الحسين بن عبد الملك بن يحيى التنمالي اليدرازتيني: 3/419. عبد الحليم بن عمر بن عثمان بن يعقوب بن عبد الحق بن محيو (أبو محمد) : 3/406. عبد الرحمن بن إبراهيم بن محمد الأنصاري (أبو بكر ابن الفصّال) : 3/368. عبد الرحمن بن إبراهيم بن يحيى بن سعيد بن محمد اللخمي (أبو القاسم ابن الحكيم) : 3/359. عبد الرحمن بن أحمد بن أحمد بن محمد الأزدي (أبو جعفر ابن القصير) : 3/367. عبد الرحمن بن أسباط: 3/399. عبد الرحمن بن عبد الله بن أحمد الخثعمي (أبو زيد، وأبو القاسم، أبو الحسين) : 3/363. عبد الرحمن بن عبد الملك الينشتي (أبو بكر) : 3/403. عبد الرحمن بن محمد بن عبد الله بن عبد الرحمن (أبو مطرف المرتضى) : 3/355. عبد الرحمن بن محمد بن عبد الله بن مالك المعافري (أبو محمد) : 3/400. عبد الرحمن بن محمد بن عبد الله بن محمد (الناصر لدين الله) : 3/353. عبد الرحمن بن محمد بن محمد بن محمد (ولي الدين ابن خلدون) : 3/377. عبد الرحمن بن معاوية بن هشام بن عبد الملك (أبو المطرف، وأبو زيد، وأبو سليمان، الداخل، صقر بني أمية) : 3/356. عبد الرحمن بن هانىء اللخمي (أبو المطرف) : 3/366. عبد الرحمن بن يخلفتن بن أحمد بن تفليت الفازازي (أبو زيد) : 3/395. عبد الرحيم بن إبراهيم بن عبد الرحيم الخزرجي (أبو القاسم ابن الفرس، المهر) : 3/360. عبد الرزاق بن يوسف بن عبد الرزاق الأشعري (أبو محمد) : 3/439. عبد العزيز بن عبد الله بن عبد العزيز الأسدي العراقي: 4/15. عبد العزيز بن عبد الواحد بن محمد الملزوزي (أبو فارس عزّوز) : 4/11. عبد العزيز بن علي بن أحمد بن عبد الرحمن (أبو سلطان بن يست) : 3/441. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 562 عبد القادر بن عبد الله بن عبد الملك بن سوّار المحاربي: 4/17. عبد القهار بن مفرج بن عبد القهار بن هذيل الفزاري: 3/411. عبد الملك بن حبيب بن سليمان بن هارون السلمي (أبو مروان) : 3/420. عبد الملك بن سعيد بن خلف العنسي: 3/440. عبد الملك بن علي بن هذيل الفزاري (أبو محمد) : 3/411. عبد المنعم بن علي بن عبد المنعم بن إبراهيم بن سدراي بن طفيل (أبو العرب الحاج) : 4/19. عبد المنعم بن عمر بن عبد الله بن حسان الغساني (أبو محمد وأبو الفضل) : 3/448. عبد المنعم بن محمد بن عبد الرحيم بن فرج الخزرجي (أبو محمد ابن الفرس) : 3/415. عبد المهيمن بن محمد الأشجعي البلّذوذي: 4/9. عبد المهيمن بن محمد بن عبد المهيمن الحضرمي (أبو محمد) : 4/3. عبد المؤمن بن عمر بن عثمان بن يعقوب بن عبد الحق بن محيو (أبو محمد) : 3/408. عبد الواحد بن زكريا بن أحمد اللحياني (أبو ملك) : 3/409. عبد الواحد بن محمد بن علي بن أبي السداد الأموي المالقي (الباهلي) : 3/424. عتيق بن أحمد بن محمد بن يحيى الغساني (أبو بكر ابن الفراء، قرنيات) : 4/61. عتيق بن زكريا بن مول التجيبي (أبو بكر) : 4/46. عتيق بن معاذ بن عتيق بن معاذ اللخمي (أبو بكر) : 4/166. عثمان بن إدريس بن عبد الله بن عبد الحق بن محيو (أبو سعيد) : 4/59. عثمان بن سعيد بن عثمان بن سعيد الأموي (أبو عمرو ابن الصيرفي) : 4/85. عثمان بن عبد الرحمن بن يحيى بن يغمراسن (أبو سعيد) : 4/40. عثمان بن يحيى بن محمد بن منظور القيسي (أبو عمرو) : 4/67. عقيل بن عطية بن أبي أحمد جعفر بن محمد بن عطية القضاعي (أبو المجد) : 4/194. علي بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن الضحاك الفزاري (أبو الحسن ابن النفزي) : 4/149. علي بن إبراهيم بن علي بن إبراهيم الجذامي (أبو الحسن) : 4/148. علي بن إبراهيم بن علي الأنصاري المالقي (أبو الحسن) : 4/92. علي بن أحمد بن الحسن المذحجي (أبو الحسن) : 4/68. علي بن أحمد بن خلف بن محمد بن الباذش الأنصاري (أبو الحسن) : 4/78. علي بن أحمد بن سعيد بن حزم (أبو محمد) : 4/87. علي بن أحمد بن محمد بن أحمد بن علي بن أحمد الخشني (أبو الحسن) : 4/151. علي بن أحمد بن محمد بن عثمان الأشعري (أبو الحسن ابن المحروق) : 4/170. علي بن أحمد بن محمد بن يوسف بن عمر الغساني (أبو الحسن) : 4/138. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 563 علي بن أحمد بن محمد بن يوسف بن مروان بن عمر الغساني (أبو الحسن) : 4/154. علي بن بدر الدين بن موسى بن رحّو بن عبد الله بن عبد الحق (أبو الحسن) : 4/51. علي بن أبي بكر بن عبد الرحمن بن علي بن سمحون الهلالي (أبو الحسن) : 4/157. علي بن أبي جلّا المكناسي (أبو الحسن) : 4/156. علي بن حمود بن ميمون بن حمود (أبو الحسن الناصر لدين الله) : 4/43. علي بن صالح بن أبي الليث الأسعد بن الفرج بن يوسف (أبو الحسن ابن عزّ الناس) : 4/155. علي بن عبد الله بن الحسن الجذامي النباهي المالقي (أبو الحسن) : 4/69. علي بن عبد الله بن محمد بن يوسف بن أحمد الأنصاري (أبو الحسن ابن قطرال) : 4/160. علي بن عبد الله النميري الششتري (أبو الحسن) : 4/172. علي بن عبد الله بن يحيى بن زكريا الأنصاري (أبو القاسم) : 4/150. علي بن عبد الرحمن بن موسى بن جودي القيسي (أبو الحسن) : 4/135. علي بن عبد العزيز ابن الإمام الأنصاري (أبو الحسن) : 4/147. علي بن علي بن عتيق بن أحمد الهاشمي القرشي: 4/167. علي بن عمر بن إبراهيم بن عبد الله الكناني القيجاطي (أبو الحسن) : 4/81. علي بن عمر بن محمد بن مشرف بن محمد بن أضحى الهمداني (أبو الحسن) : 4/64. علي بن لب بن محمد بن عبد الملك بن سعيد العنسي: 4/56. علي بن محمد بن توبة (أبو الحسن) : 4/63. علي بن محمد بن دري (أبو الحسن) : 4/79. علي بن محمد بن سليمان بن علي بن سليمان بن حسن الأنصاري (أبو الحسن ابن الجياب) : 4/99. علي بن محمد بن عبد الحق الزرويلي (أبو الحسن الصغير) : 4/158. علي بن محمد بن عبد الحق بن الصباغ العقيلي (أبو الحسن) : 4/96. علي بن محمد بن علي بن البنا (أبو الحسن) : 4/142. علي بن محمد بن علي العبدري (أبو الحسن الورّاد) : 4/145. علي بن محمد بن علي بن محمد الغافقي (أبو الحسن) : 4/159. علي بن محمد بن علي بن هيضم الرعيني (أبو الحسن) : 4/139. علي بن محمد بن علي بن يوسف الكتامي (أبو الحسن ابن الضائع) : 4/95. علي بن مسعود بن علي بن أحمد المحاربي (أبو الحسن) : 4/54. علي بن موسى بن عبد الملك بن سعيد العنسي المذحجي (أبو الحسن ابن سعيد) : 4/129. علي بن يحيى الفزاري (أبو الحسن ابن البربري) : 4/164. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 564 علي بن يوسف بن تاشفين (أبو الحسن) : 4/44. علي بن يوسف بن محمد بن كماشة (أبو الحسن) : 4/57. عمر بن حفصون بن عمر جعفر الإسلامي: 4/25. عمر بن خلاف بن سليمان بن سلمة (أبو علي) : 4/136. عمر بن عبد المجيد بن عمر الأزدي (أبو علي الرندي) : 4/84. عمر بن علي بن غفرون الكلبي: 4/162. عمر بن محمد بن عبد الله بن محمد بن مسلمة التجيبي (أبو محمد المتوكل على الله، ابن الأفطس) . عمر بن يحيى بن محلّى البطوي (أبو علي) : 4/47. عياض بن محمد بن محمد بن عياض بن موسى اليحصبي (أبو الفضل) : 4/187. عياض بن موسى بن عياض بن عمرون اليحصبي (أبو الفضل القاضي) : 4/188. عيسى بن محمد بن أبي عبد الله بن أبي زمنين المرّي (أبو الأصبغ) : 4/199. عيسى بن محمد بن عيسى بن عمر بن سعادة الأموي (أبو موسى) : 4/199. باب الغين غالب بن أبي بكر الحضرمي (أبو تمام ابن الأشقر) : 4/200. غالب بن حسن بن غالب بن حسن (أبو تمام ابن سيد بونة) : 4/201. غالب بن عبد الرحمن بن غالب بن عبد الرؤوف المحاربي (أبو بكر) : 4/200. غالب بن علي بن محمد اللخمي الشقوري (أبو تمام) : 4/202. باب الفاء الفتح بن علي بن أحمد بن عبيد الله (أبو نصر ابن خاقان) : 4/208. فرج بن إسماعيل بن يوسف بن نصر (أبو سعيد) : 4/203. فرج بن قاسم بن أحمد بن لب التغلبي (أبو سعيد) : 4/212. فرج بن لب- فرج بن قاسم بن أحمد بن لب التغلبي (أبو سعيد) . فضل بن محمد بن علي بن فضيلة المعافري (أبو الحسن) : 4/215. فرج بن محمد بن محمد بن يوسف بن نصر (أبو سعيد الأمير) : 4/206. فرج بن محمد بن يوسف بن محمد بن نصر (أبو سعيد الأمير) : 4/207. فلّوج العلج: 4/216. باب القاف قاسم بن أحمد بن محمد بن عمران الحضرمي: 4/224. قاسم بن خضر بن محمد العامري (أبو القاسم) : 4/224. قاسم بن عبد الله بن محمد الشاط الأنصاري (أبو القاسم) : 4/217. قاسم بن عبد الكريم بن جابر الأنصاري (أبو محمد) : 4/220. قاسم بن محمد بن الجد العمري (أبو القاسم الورسيدي) : 4/222. قاسم بن يحيى بن محمد الزروالي (أبو القاسم ابن درهم) : 4/220. قرشي بن حارث بن أسد بن بشر الهمداني: 4/221. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 565 باب الميم مالك بن عبد الرحمن بن علي بن عبد الرحمن (ابن المرحل) : 3/231. مؤمّل (مولى باديس بن حبّوس) : 3/252. مؤمّل بن رجاء بن عكرمة بن رجاء العقيلي: 3/230. مبارك (مولى المنصور بن أبي عامر) : 3/220. محمد بن إبراهيم بن خيرة (أبو القاسم ابن المواعيني) : 2/223. محمد بن إبراهيم بن سالم بن فضيلة المعافري (أبو عبد الله البيو) : 2/226. محمد بن إبراهيم بن عبد الله بن أحمد الأنصاري (أبو عبد الله ابن السراج) : 3/122. محمد بن إبراهيم بن عبد الله بن أبي زمنين المرّي (أبو عبد الله) : 3/124. محمد بن إبراهيم بن علي بن باق الأموي (أبو عبد الله) : 2/224. محمد بن إبراهيم بن عيسى بن داود الحميري (أبو عبد الله) : 2/252. محمد بن إبراهيم بن محمد بن إبراهيم البلفيقي (ابن الحاج) : 3/187. محمد بن إبراهيم بن محمد الأوسي (أبو عبد الله ابن الرقّام) : 3/49. محمد بن إبراهيم بن محمد بن محمد الأنصاري (أبو عبد الله الصنّاع) : 3/174. محمد بن إبراهيم بن المفرج الأوسي (ابن الدباغ الإشبيلي) : 3/48. محمد بن أحمد بن إبراهيم بن الزبير (أبو عمرو) : 3/119. محمد بن أحمد بن إبراهيم بن محمد التلمساني الأنصاري (أبو الحسين) : 3/151. محمد بن أحمد بن أحمد بن صفوان القيسي: 2/262. محمد بن أحمد بن أمين بن معاذ العراقي الخلاطي الأقشري الفارسي (جلال الدين) : 3/202. محمد بن أحمد الأنصاري (أبو عبد الله الموّاق) : 3/175. محمد بن أحمد بن جبير بن سعيد بن جبير الكناني: 2/146. محمد بن أحمد بن جعفر بن عبد الحق السلمي (أبو عبد الله ابن جعفر القونجي) : 3/177. محمد بن أحمد بن الحداد الوادي آشي (أبو عبد الله) : 2/220. محمد بن أحمد بن حسين بن يحيى القيسي (أبو الطاهر ابن صفوان) : 3/179. محمد بن أحمد بن خلف بن عبد الملك بن غالب الغساني (أبو بكر القليعي) : 3/121. محمد بن أحمد بن داود بن موسى بن مالك اللخمي اليكي (أبو عبد الله ابن الكماد) : 3/43. محمد بن أحمد الرقوطي المرسي (أبو بكر) : 3/48. محمد بن أحمد بن زيد بن أحمد الغافقي (أبو بكر) : 2/77. محمد بن أحمد بن شاطر الجمحي المراكشي (أبو عبد الله) : 3/203. محمد بن أحمد بن عبد الله بن أحمد الإستجي الحميري (أبو عبد الله) : 2/207. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 566 محمد بن أحمد بن عبد الله العطار: 3/141. محمد بن أحمد بن عبد الرحمن بن إبراهيم الأنصاري (أبو عبد الله الساحلي) : 3/181. محمد بن أحمد بن عبد الملك الفشتالي (أبو عبد الله) : 2/114. محمد بن أحمد بن علي بن حسن بن علي بن الزيات الكلاعي (أبو بكر) : 2/80. محمد بن أحمد بن علي بن قاسم المذحجي (أبو عبد الله) : 3/46. محمد بن أحمد بن علي الهواري (أبو عبد الله ابن جابر) : 2/216. محمد بن أحمد بن فتوح بن شقرال اللخمي (أبو عبد الله الطرسوني) : 3/31. محمد بن أحمد بن قاسم الأمي (أبو عبد الله القطّان) : 3/182. محمد بن أحمد بن قطبة الدوسي (أبو القاسم) : 2/159. محمد بن أحمد بن المتأهّل العبدري (أبو عبد الله) : 3/164. محمد بن أحمد بن محمد بن أحمد (أبو بكر ابن شبرين) : 2/152. محمد بن أحمد بن محمد الأشعري (أبو عبد الله ابن المحروق) : 2/79. محمد بن أحمد بن محمد بن الأكحل (أبو يحيى) : 3/154. محمد بن أحمد بن محمد بن أبي خيثمة الجبائي (أبو الحسن) : 2/207. محمد بن أحمد بن محمد الدوسي (أبو عبد الله ابن قطبة) : 3/122. محمد بن أحمد بن محمد بن عبد الله الأنصاري: 3/140. محمد بن أحمد بن محمد بن عبد الله الكلبي (أبو القاسم ابن جزي) : 3/10. محمد بن أحمد بن محمد بن علي الغساني (أبو الحكم ابن حفيد الأمين) : 3/47. محمد بن أحمد بن محمد بن علي الغساني (أبو القاسم ابن حفيد الأمين) : 3/45. محمد بن أحمد بن محمد بن محمد بن أبي بكر بن مرزوق العجيسي (شمس الدين أبو عبد الله) : 3/75. محمد بن أحمد بن محمد بن محمد الحسني (أبو القاسم) : 2/110. محمد بن أحمد بن المراكشي (أبو عبد الله) : 3/142. محمد بن أحمد بن يوسف بن أحمد الهاشمي الطنجالي: 3/186. محمد بن إدريس بن علي بن إبراهيم بن القاسم (أبو عبد الله ابن مرج الكحل) : 2/228. محمد بن إسماعيل بن فرج بن إسماعيل بن نصر (أبو عبد الله الرئيس) : 1/301. محمد بن إسماعيل بن فرج بن إسماعيل بن يوسف الخزرجي (أبو عبد الله) : 1/306. محمد بن بكرون بن حزب الله (أبو عبد الله) : 3/143. محمد بن جابر بن محمد بن قاسم القيسي (أبو عبد الله) : 3/124. محمد بن جابر بن يحيى بن محمد بن ذي النون التغلبي (ابن الرمالية) : 3/15. محمد بن جعفر بن أحمد بن خلف بن حميد بن مأمون الأنصاري (أبو عبد الله) : 3/49. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 567 محمد بن الحسن بن أحمد بن يحيى الأنصاري الخزرجي الميورقي: 3/144. محمد بن الحسن بن زيد بن أيوب بن حامد الغافقي (أبو الوليد) : 3/157. محمد بن حسن العمراني الشريف: 2/371. محمد بن حسن بن محمد بن عبد الله الأنصاري (أبو عبد الله ابن صاحب الصلاة وابن الحاج) : 3/52. محمد بن حسنون الحميري (أبو عبد الله) : 3/175. محمد بن حكم بن محمد بن أحمد بن باق الجذامي (أبو جعفر) : 3/51. محمد بن خلف بن موسى الأنصاري الأوسي (أبو عبد الله) : 3/126. محمد بن خميس بن عمر بن محمد (أبو عبد الله) : 2/376. محمد بن رضوان بن محمد بن أحمد بن إبراهيم بن أرقم النميري (أبو يحيى) : 2/82. محمد بن سعد الحرسني (أبو ورد ابن القصجة) : 3/362. محمد بن سعد بن محمد بن أحمد بن مردنيش الجذامي (أبو عبد الله) : 2/70. محمد بن سعيد بن خلف بن سعيد العنسي (أبو بكر) : 3/163. محمد بن سعيد بن علي بن يوسف الأنصاري (أبو عبد الله الطرّاز) : 3/27. محمد بن سعد بن محمد بن لب (أبو عبد الله) : 3/25. محمد بن سليمان بن القصيرة (أبو بكر) : 2/367. محمد بن سودة بن إبراهيم بن سودة المري (أبو عبد الله) : 3/139. محمد بن عباد بن محمد بن إسماعيل (المعتمد بن عباد) : 2/61. محمد بن عبد الله بن إبراهيم بن محمد النميري (أبو عمرو ابن الحاج) : 3/158. محمد بن عبد الله ابن الحاج البضيعة: 2/308. محمد بن عبد الله بن داود بن خطاب الغافقي: 2/295. محمد بن عبد الله بن أبي زمنين (أبو عبد الله) : 3/132. محمد بن عبد الله بن سعيد بن عبد الله السلماني (أبو عبد الله لسان الدين ابن الخطيب السلماني) : 4/374. محمد بن عبد الله بن عبد العظيم بن أرقم النميري (أبو عامر) : 3/62. محمد بن عبد الله بن فطيس (أبو عبد الله) : 2/309. محمد بن عبد الله بن محمد بن إبراهيم اللواتي (أبو عبد الله ابن بطوطة) : 3/206. محمد بن عبد الله بن محمد بن عبد الله بن أبي عامر بن محمد بن أبي الوليد بن يزيد بن عبد الملك المعافري (المنصور ابن أبي عامر) : 2/57. محمد بن عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن المرّي: 3/132. محمد بن عبد الله بن محمد بن علي الأنصاري (أبو القاسم) : 3/172. محمد بن عبد الله بن محمد بن لب الأمي (أبو عبد الله) : 2/299. محمد بن عبد الله بن محمد بن مقاتل (أبو القاسم) : 3/173. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 568 محمد بن عبد الله بن منظور القيسي (أبو بكر) : 2/101. محمد بن عبد الله بن ميمون بن إدريس بن محمد بن عبد الله العبدري (أبو بكر) : 3/60. محمد بن عبد الله بن يحيى بن عبد الله بن فرج بن الجد الفهري (أبو بكر) : 3/63. محمد بن عبد الرحمن بن إبراهيم بن يحيى اللخمي (أبو عبد الله ذو الوزارتين) : 2/310. محمد بن عبد الرحمن بن الحسن بن قاسم اللخمي القائصي (أبو الحسن) : 3/133. محمد بن عبد الرحمن بن سعد التميمي التسلي الكرسوطي (أبو عبد الله) : 3/98. محمد بن عبد الرحمن بن عبد السلام بن أحمد بن يوسف بن أحمد الغساني (أبو عبد الله) : 3/134. محمد بن عبد الرحمن العقيلي الجراوي (أبو بكر) : 2/332. محمد بن عبد الرحمن الكاتب (أبو عبد الله) : 3/159. محمد بن عبد الرحمن المتأهل (عمامتي) : 2/333. محمد بن عبد الرحمن بن محمد بن علي بن محمد بن أحمد بن الفخار الجذامي (أبو بكر) : 3/64. محمد بن عبد العزيز بن سالم بن خلف القيسي (أبو عبد الله) : 3/131. محمد بن عبد العزيز بن عبد الرحمن بن عبيد الله بن عياش التجيبي البرشاني (أبو عبد الله) : 2/337. محمد بن عبد الملك بن سعيد بن خلف بن سعيد: 3/161. محمد بن عبد الملك بن محمد بن محمد بن طفيل القيسي (أبو بكر) : 2/334. محمد بن عبد المنعم الصنهاجي الحميري (أبو عبد الله) : 3/101. محمد بن عبد الواحد بن إبراهيم بن مفرج الغافقي (أبو القاسم الملّاحي) : 3/135. محمد بن عبد الولي الرعيني (أبو عبد الله العوّاد) : 3/21. محمد بن علي بن أحمد الخولاني (أبو عبد الله ابن الفخار) : 3/22. محمد بن علي بن الحسن بن راجح الحسني (أبو عبد الله) : 2/412. محمد بن علي بن الخضر بن هارون الغساني (أبو عبد الله ابن عسكر) : 2/103. محمد بن علي بن العابد الأنصاري (أبو عبد الله) : 2/185. محمد بن علي بن عبد الله بن علي القيسي العرادي: 2/184. محمد بن علي بن عبد الله اللخمي (أبو عبد الله الشقوري) : 3/136. محمد بن علي بن عبد الله بن محمد ابن الحاج (أبو عبد الله) : 2/81. محمد بن علي بن عبد ربه التجيبي (أبو عمرو) : 3/173. محمد بن علي بن عمر العبدري (أبو عبد الله) : 2/418. محمد بن علي بن عمر بن يحيى بن العربي الغستاني (أبو عبد الله) : 3/67. محمد بن علي بن فرج القربلياني (أبو عبد الله الشفرة) : 3/137. محمد بن علي بن محمد بن إبراهيم بن محمد الهمداني (أبو القاسم ابن البرّاق) : 2/341. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 569 محمد بن علي بن محمد البلنسي (أبو عبد الله) : 3/25. محمد بن علي بن محمد بن عبد الله بن عبد الملك الأوسي (العقرب) : 2/183. محمد بن علي بن محمد العبدري (أبو عبد الله اليتيم) : 3/68. محمد بن علي بن محمد بن علي بن محمد بن خاتمة الأنصاري (أبو عبد الله) : 2/345. محمد بن علي بن محمد بن علي بن محمد بن يوسف بن قطرال الأنصاري (أبو عبد الله) : 3/153. محمد بن علي بن هانىء اللخمي السبتي (أبو عبد الله) : 3/108. محمد بن علي بن يوسف بن محمد السكوني (أبو عبد الله ابن اللؤلؤة) : 3/138. محمد بن عمر بن علي بن إبراهيم المليكشي (أبو عبد الله) : 2/405. محمد بن عمر بن محمد بن عمر الفهري (أبو عبد الله ابن رشيد) : 3/102. محمد بن عياض بن محمد بن عياض بن موسى اليحصبي (أبو عبد الله) : 2/144. محمد بن عياض بن موسى بن عياض بن عمر بن موسى بن عياض اليحصبي (أبو عبد الله) : 2/145. محمد بن عيسى بن عبد الملك بن قزمان الزهري (أبو بكر) : 2/347. محمد بن غالب الرصافي (أبو عبد الله) : 2/356. محمد بن فتح بن علي الأنصاري (أبو بكر الأشبرون) : 2/80. محمد بن قاسم بن أحمد بن إبراهيم الأنصاري (أبو عبد الله) : 3/148. محمد بن قاسم بن أبي بكر القرشي المالقي: 2/366. محمد بن مالك المرّي الطغنري: 2/182. محمد بن محمد بن إبراهيم بن محمد (أبو البركات ابن الحاج البلفيقي) : 2/83. محمد بن محمد بن إبراهيم بن محمد بن عبد الله الخولاني (أبو عبد الله الشريشي) : 3/127. محمد بن محمد بن إبراهيم بن المرادي (ابن العشاب) : 2/373. محمد بن محمد بن أحمد الأنصاري (السّواس) : 3/176. محمد بن محمد بن أحمد الأنصاري (أبو عبد الله ابن الجنان) : 2/233. محمد بن محمد بن أحمد بن أبي بكر بن يحيى القرشي المقري (أبو عبد الله) : 2/116. محمد بن محمد بن أحمد بن شلطبور الهاشمي (أبو عبد الله) : 2/243. محمد بن محمد بن أحمد بن علي الأنصاري (أبو عبد الله ابن قرال) : 3/53. محمد بن محمد بن أحمد بن قطبة الدوسي (أبو بكر) : 2/161. محمد بن محمد بن أحمد بن محمد بن عبد الله الكلبي (أبو عبد الله ابن جزي) : 2/163. محمد بن محمد بن إدريس بن مالك القضاعي (أبو بكر القللوسي) : 3/53. محمد بن محمد البدوي (أبو عبد الله) : 3/57. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 570 محمد بن محمد البكري (أبو عبد الله ابن الحاج) : 3/175. محمد بن محمد بن جعفر بن مشتمل الأسلمي (أبو عبد الله البلياني) : 2/246. محمد بن محمد بن حزب الله (أبو عبد الله) : 2/249. محمد بن محمد بن حسان الغافقي (أبو عبد الله) : 3/157. محمد بن محمد بن الشديد (أبو عبد الله) : 2/267. محمد بن محمد بن شعبة الغساني (أبو عبد الله) : 3/170. محمد بن محمد بن لب الكناني (أبو عبد الله) : 3/56. محمد بن محمد بن عبد الله بن محمد اللوشي اليحصبي (أبو عبد الله) : 2/174. محمد بن محمد بن عبد الله بن مقاتل (أبو بكر) : 2/261. محمد بن محمد بن عبد الرحمن بن إبراهيم الأنصاري الساحلي (أبو عبد الله المعمم) : 3/145. محمد بن محمد بن عبد الرحمن بن إبراهيم بن يحيى بن الحكيم اللخمي (أبو بكر) : 2/176. محمد بن محمد بن عبد الرحمن التميمي (أبو عبد الله بن الحلفاوي وابن المؤذن التونسي) : 3/205. محمد بن محمد بن عبد الملك بن محمد بن سعيد الأنصاري الأوسي (أبو عبد الله) : 2/375. محمد بن محمد بن عبد الواحد بن محمد البلوي (أبو عبد الله) : 2/262. محمد بن محمد بن العراقي (أبو عبد الله) : 3/171. محمد بن محمد بن علي بن سودة المري (أبو القاسم) : 3/129. محمد بن محمد بن علي بن العابد الأنصاري: 2/181. محمد بن محمد بن محارب الصريحي (أبو عبد الله ابن أبي الجيش) : 3/55. محمد بن محمد بن محمد بن أحمد بن قطبة الدوسي (أبو القاسم) : 2/162. محمد بن محمد بن محمد بن بيبش العبدري (أبو عبد الله) : 3/16. محمد بن محمد بن محمد بن عبد الرحمن بن إبراهيم اللخمي (أبو القاسم ابن الحكيم) : 2/172. محمد بن محمد بن محمد بن عبد الواحد البلوي (أبو بكر) : 3/166. محمد بن محمد بن محمد بن قطبة الدوسي (أبو بكر) : 2/162. محمد بن محمد بن محمد بن يوسف بن محمد بن أحمد بن محمد بن نصر بن قيس الخزرجي (أبو عبد الله) : 1/316. محمد بن محمد المكودي (أبو عبد الله) : 3/8. محمد بن محمد بن ميمون الخزرجي (أبو عبد الله لا أسلم) : 3/147. محمد بن محمد النمري الضرير (أبو عبد الله) : 3/19. محمد بن محمد بن يوسف بن عمر الهاشمي (أبو بكر الطنجالي) : 3/146. محمد بن محمد بن يوسف بن محمد بن أحمد بن محمد بن خميس بن نصر الأنصاري الخزرجي: 1/326. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 571 محمد بن مسعود بن خالصة بن فرج بن مجاهد بن أبي الخصال الغافقي (أبو عبد الله) : 2/269. محمد بن مفضل بن مهيب اللخمي (أبو بكر) : 2/288. محمد بن هاني بن محمد بن سعدون الأزدي الإلبيري الغرناطي الأندلسي (أبو القاسم) : 2/186. محمد بن يحيى بن إبراهيم بن أحمد النفزي (أبو عمرو ابن عبّاد) : 3/190. محمد بن يحيى بن عبد الله بن محمد بن أحمد العزفي (أبو القاسم) : 3/3. محمد بن يحيى العبدري (أبو عبد الله الصدفي) : 3/118. محمد بن يحيى بن محمد بن يحيى الأشعري المالقي (أبو عبد الله ابن بكر) : 2/106. محمد بن يحيى بن محمد بن يحيى الغساني البرجي الغرناطي (أبو القاسم) : 2/190. محمد بن يزيد بن رفاعة الأموي الإلبيري: 3/139. محمد بن يوسف بن إسماعيل بن فرج بن إسماعيل بن فرج بن يوسف بن نصر الخزرجي (الغني بالله) : 2/3. محمد بن يوسف بن خلصون (أبو القاسم) : 3/194. محمد بن يوسف بن عبد الله بن إبراهيم التميمي المازني (أبو الطاهر) : 2/370. محمد بن يوسف بن علي بن يوسف بن حيان النفزي (أبو حيان) : 3/28. محمد بن يوسف بن محمد بن أحمد بن خميس بن نصر بن قيس الخزرجي الأنصاري (أبو عبد الله الغالب بالله) : 2/51. محمد بن يوسف بن محمد بن أحمد الصريحي (أبو عبد الله ابن زمرك) : 2/196. محمد بن يوسف بن هود الجذامي (أبو عبد الله المتوكل على الله) : 2/74. مزدلي بن تيو لتكان بن حمنى: 3/207. مسلم بن سعيد التنملي: 3/251. المطرف بن عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن: 3/210. مظفّر (مولى المنصور بن أبي عامر) : 3/220. مقاتل بن عطية البرزالي (أبو حرب ذو الوزارتين، الرّيّه) : 3/229. منديل بن يعقوب بن عبد الحق بن محيو الأمير (أبو زيان) : 3/208. منذر بن يحيى التجيبي (أبو الحكم الحاجي المنصور ذو الوزارتين) : 3/211. منصور بن علي بن عبد الله الزواوي (أبو علي) : 3/248. منصور بن عمر بن عثمان بن يعقوب بن عبد الحق بن محيو (أبو علي) : 3/228. المهلب بن أحمد بن أبي صفرة الأسدي (أبو القاسم) : 3/231. موسى بن محمد بن يوسف بن عبد المؤمن بن علي الهنتاني (أبو عمران) : 3/207. موسى بن يوسف بن عبد الرحمن بن يحيى بن يغمراسن بن زيان (أبو حمّو) : 3/216. باب النون نزهون بنت القليعي: 3/262. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 572 نصر بن إبراهيم بن أبي الفتح الفهري (أبو الفتح) : 3/261. نصر بن إبراهيم بن أبي الفتح بن نصر بن إبراهيم بن نصر الفهري (أبو الفتح) : 3/261. نصر بن محمد بن محمد بن يوسف بن نصر (أبو الجيوش) : 3/254. باب الهاء هاشم بن أبي رجاء الإلبيري (أبو خالد) : 3/279. هشام بن محمد بن عبد الله بن عبد الرحمن (أبو بكر، المعتد بالله) : 4/277. باب الياء يحيى بن إبراهيم بن يحيى البرغواطي: 4/368. يحيى بن أحمد بن هذيل التجيبي (أبو زكريا) : 4/334. يحيى بن بقي (أبو بكر) : 4/359. يحيى بن رحو بن تاشفين بن معطي بن شريفين: 4/312. يحيى بن طلحة بن محلّى البطوي (الوزير أبو زكريا) : 4/313. يحيى بن عبد الله بن محمد بن أحمد اللخمي (أبو زكريا، وأبو عمرو) : 4/297. يحيى بن عبد الله بن يحيى بن زكريا الأنصاري: 4/320. يحيى بن عبد الله بن يحيى بن كثير المعمودي (أبو عيسى) : 4/319. يحيى بن عبد الجليل بن عبد الرحمن بن مجبر الفهري (أبو بكر) : 4/360. يحيى بن عبد الرحمن بن إبراهيم بن الحكيم اللخمي (أبو بكر) : 4/314. يحيى بن عبد الرحمن بن أحمد بن ربيع الأشقري (أبو عامر) : 4/320. يحيى بن عبد العزيز الشنتوفي: 4/344. يحيى بن علي بن غانية الصحراوي (أبو زكريا) : 4/300. يحيى بن عمر بن رحّو بن عبد الله بن عبد الحق (أبو زكريا) : 4/315. يحيى بن محمد بن أحمد بن عبد السلام التطيلي الهذلي (أبو بكر) : 4/357. يحيى بن محمد بن عبد العزيز بن علي الأنصاري (أبو بكر العشاب البرشاني) : 4/367. يحيى بن محمد بن يوسف الأنصاري (أبو بكر ابن الصيرفي) : 4/348. يوسف بن إبراهيم بن يوسف بن محمد بن قاسم بن علي الفهري (أبو الحجاج الساحلي) : 4/347. يوسف بن إسماعيل بن فرج بن إسماعيل الأنصاري الخزرجي (أبو الحجاج) : 4/280. يوسف بن تاشفين بن إبراهيم بن توقورت الصنهاجي اللمتوني (أبو يعقوب) : 4/302. يوسف بن الحسن بن عبد العزيز بن محمد بن أبي الأحوص القرشي الفهري (أبو المجد ابن الأحوص) : 4/321. يوسف بن رضوان بن يوسف بن رضوان الأنصاري النجاري: 4/367. يعقوب بن عبد الحق بن محيو بن بكر (أبو يوسف المنصور) : 4/309. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 573 يوسف بن عبد الرحمن بن حبيب بن أبي عبيدة بن عقبة بن نافع الفهري: 4/296. يوسف بن عبد المؤمن بن علي (أبو يعقوب) : 4/307. يوسف بن علي الطرطوشي (أبو الحجاج) : 4/364. يوسف بن محمد بن محمد اليحصبي اللوشي (أبو عمر) : 4/363. يوسف بن محمد بن يوسف بن محمد بن نصر: 4/307. يوسف بن موسى بن سليمان بن فتح بن أحمد الجذامي المنتشاقري (أبو الحجاج) : 4/322. يوسف بن هلال: 4/318. يوسف بن يعقوب بن عبد الحق بن محيو (أبو يعقوب) : 4/308. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 574 فهرس الكنى والألقاب باب الألف ابن الأحوص- يوسف بن الحسن بن عبد العزيز بن محمد بن أبي الأحوص القرشي الفهري (أبو المجد) . ابن أسباط- عبد الرحمن بن أسباط. الإستجي الحميري- محمد بن أحمد بن عبد الله بن أحمد الإستجي الحميري (أبو عبد الله) . الأشبرون- محمد بن فتح بن علي الأنصاري (أبو بكر) . ابن الأشقر- غالب بن أبي بكر الحضرمي (أبو تمام) . ابن أشقيولة- عبد الله بن إبراهيم بن علي بن محمد التجيبي (أبو محمد) . ابن أشقيولة- عبد الله بن علي بن محمد التجيبي الرئيس (أبو محمد) . ابن أضحى الإلبيري- أحمد بن محمد بن أضحى بن عبد اللطيف الهمداني الإلبيري. ابن أضحى الهمداني- علي بن عمر بن محمد بن مشرف بن محمد بن أضحى الهمداني (أبو الحسن) . ابن الأفطس- عمر بن محمد بن عبد الله بن محمد بن مسلمة التجيبي (أبو محمد المتوكل على الله) . ابن الأكحل- محمد بن أحمد بن محمد بن الأكحل (أبو يحيى) . ابن الإمام الأنصاري- علي بن عبد العزيز ابن الإمام الأنصاري (أبو الحسن) . باب الباء ابن الباذش- أحمد بن علي بن أحمد بن خلف الأنصاري (أبو جعفر) . ابن الباذش- علي بن أحمد بن خلف بن محمد بن الباذش الأنصاري (أبو الحسن) . ابن باصة- أحمد بن حسن بن باصة الأسلمي (أبو جعفر) . ابن باصة- حسن بن محمد بن باصة (أبو علي الصعلعل) . ابن باق- محمد بن إبراهيم بن علي بن باق الأموي (أبو عبد الله) . ابن باق- محمد بن حكم بن محمد بن أحمد بن باق الجذامي (أبو جعفر) . الباهلي- عبد الواحد بن محمد بن علي بن أبي السداد الأموي المالقي (الباهلي) . البدوي- محمد بن محمد البدوي (أبو عبد الله) . ابن البرّاق- محمد بن علي بن محمد بن إبراهيم بن محمد الهمداني (أبو القاسم) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 575 ابن البربري- علي بن يحيى الفزاري (أبو الحسن) . البرجي- محمد بن يحيى بن محمد بن يحيى الغساني البرجي الغرناطي (أبو القاسم) . ابن برطال- أحمد بن محمد بن علي بن أحمد بن علي الأموي (أبو جعفر) . البرغواطي- يحيى بن إبراهيم بن يحيى البرغواطي. البضيعة- محمد بن عبد الله ابن الحاج. ابن بطوطة- محمد بن عبد الله بن محمد بن إبراهيم اللواتي (أبو عبد الله) . البطوي- يحيى بن طلحة بن محلّى البطوي (الوزير أبو زكريا) . ابن بقي- محمد بن سعد بن محمد بن لب (أبو عبد الله) . ابن بكر- محمد بن يحيى بن محمد بن يحيى (أبو عبد الله) . أبو بكر بن إبراهيم المسوفي الصحراوي (أبو يحيى) : 1/218. أبو بكر بن عبد العزيز بن سعيد البطليوسي (ابن القبطرنة) : 1/298. أبو بكر المخزومي الأعمى الموروري المدوّري: 1/231. البلّذوذي- عبد المهيمن بن محمد الأشجعي البلذوذي. البلوي- محمد بن محمد بن عبد الواحد بن محمد البلوي (أبو عبد الله) . البلياني- محمد بن محمد بن جعفر بن مشتمل الأسلمي (أبو عبد الله) . ابن البنا- علي بن محمد بن علي بن البنا (أبو الحسن) . ابن بيبش- محمد بن محمد بن محمد بن بيبش العبدري (أبو عبد الله) . البيو- محمد بن إبراهيم بن سالم بن فضيلة المعافري (أبو عبد الله البيو) . باب التاء التسولي- إبراهيم بن عبد الرحمن بن أبي بكر التسولي (أبو سالم ابن أبي يحيى) . التطيلي- يحيى بن محمد بن أحمد بن عبد السلام التطيلي الهذلي (أبو بكر) . التلمساني- إبراهيم بن أبي بكر بن عبد الله بن موسى الأنصاري (أبو إسحاق التلمساني) . التلمساني- محمد بن أحمد بن إبراهيم بن محمد التلمساني الأنصاري (أبو الحسين) . ابن توبة- علي بن محمد بن توبة (أبو الحسن) . التونسي- محمد بن محمد بن عبد الرحمن التميمي (أبو عبد الله) . باب الجيم ابن جابر- قاسم بن عبد الكريم بن جابر الأنصاري (أبو محمد) . ابن جابر- محمد بن أحمد بن علي الهواري (أبو عبد الله) . ابن جابر- محمد بن جابر بن محمد بن قاسم القيسي (أبو عبد الله) . ابن جبير- محمد بن أحمد بن جبير بن سعيد بن جبير الكناني. ابن الجبير- عبد الله بن الجبير بن عثمان بن عيسى بن الجبير اليحصبي (أبو محمد) . ابن الجد- محمد بن عبد الله بن يحيى بن عبد الله بن فرج بن الجد الفهري (أبو بكر) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 576 الجراوي- محمد بن عبد الرحمن العقيلي الجراوي (أبو بكر) . ابن جزيّ- أحمد بن محمد بن أحمد بن محمد بن عبد الله الكلبي. ابن جزي- عبد الله بن محمد بن أحمد بن محمد بن جزي (أبو محمد) . ابن جزي- محمد بن محمد بن أحمد بن محمد بن عبد الله الكلبي (أبو عبد الله) : 2/163. ابن جزي الكلبي- محمد بن أحمد بن محمد بن عبد الله الكلبي (أبو القاسم) . ابن جعفر القونجي- محمد بن أحمد بن جعفر بن عبد الحق السلمي (أبو عبد الله) . ابن أبي جلّا- علي بن أبي جلّا المكناسي. ابن أبي جمرة الأزدي- عبد الله بن محمد بن أحمد بن محمد بن عبد الملك بن أبي جمرة الأزدي (أبو محمد) . ابن الجنان- محمد بن محمد بن أحمد الأنصاري (أبو عبد الله) . ابن جودي- سعيد بن سليمان بن جودي السعدي. ابن جودي- علي بن عبد الرحمن بن موسى بن جودي القيسي (أبو الحسن) . ابن الجياب- علي بن محمد بن سليمان بن علي بن حسن الأنصاري (أبو الحسن) . ابن أبي الجيش- محمد بن محمد بن محارب الصريحي (أبو عبد الله) . أبو الجيوش- نصر بن محمد بن محمد بن يوسف بن نصر. باب الحاء ابن الحاج- محمد بن حسن بن محمد بن عبد الله الأنصاري (أبو عبد الله ابن صاحب الصلاة وابن الحاج) . ابن الحاج- محمد بن علي بن عبد الله بن محمد ابن الحاج (أبو عبد الله) . ابن الحاج البكري- محمد بن محمد البكري (أبو عبد الله) . ابن الحاج البلفيقي- محمد بن إبراهيم بن محمد بن إبراهيم البلفيقي. ابن الحاج البلفيقي- محمد بن محمد بن إبراهيم بن محمد (أبو البركات) . ابن الحاج النميري- إبراهيم بن عبد الله بن محمد بن إبراهيم (أبو إسحاق ابن الحاج النميري) . ابن الحاج النميري- محمد بن عبد الله بن إبراهيم بن محمد النميري (أبو عمرو) . الحاجب المنصور- منذر بن يحيى التجيبي (أبو الحكم) . الحاجب المظفر بالله- باديس بن حبوس بن ماكسن بن زيري بن مناد الصنهاجي (أبو مناد) . الحبالي- أحمد بن محمد بن يوسف الأنصاري (أبو جعفر) . ابن حبيب السلمي- عبد الملك بن حبيب بن سليمان بن هارون السلمي (أبو مروان) . الحجاري- عبد الله بن إبراهيم بن وزمر الحجاري الصنهاجي (أبو محمد) . ابن الحداد- محمد بن أحمد بن الحداد الوادي آشي (أبو عبد الله) . ابن حرّة- إبراهيم بن فرج بن عبد البر الخولاني (أبو إسحاق) . ابن حزب الله- محمد بن بكرون بن حزب الله (أبو عبد الله) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 577 ابن حزب الله- محمد بن محمد بن حزب الله (أبو عبد الله) . ابن حزم- علي بن أحمد بن سعيد بن حزم (أبو محمد) . ابن حسان- محمد بن محمد بن حسان الغافقي (أبو عبد الله) . أبو الحسن بن عبد العزيز بن سعيد الطليوسي (ابن القبطرنة) : 1/298. أم الحسن بنت القاضي أبي جعفر الطنجالي: 1/237. ابن الحسن المذحجي- علي بن أحمد بن الحسن المذحجي (أبو الحسن) . ابن حسنون- محمد بن حسنون الحميري (أبو عبد الله) . ابن حفصون- عمر بن حفصون بن عمر بن جعفر الإسلامي. ابن حفيد الأمين- محمد بن أحمد بن محمد بن علي الغساني (أبو الحكم) . ابن حفيد الأمين- محمد بن أحمد بن محمد بن علي الغساني (أبو القاسم) . الحكم الربضي- الحكم بن هشام بن عبد الرحمن بن معاوية (أبو العاصي) . ابن الحكيم- عبد الرحمن بن إبراهيم بن يحيى بن سعيد بن محمد اللخمي (أبو القاسم) . ابن الحكيم اللخمي- محمد بن عبد الرحمن بن إبراهيم بن يحيى اللخمي (أبو عبد الله ذو الوزارتين) . ابن الحكيم اللخمي- محمد بن محمد بن عبد الرحمن بن إبراهيم بن يحيى بن الحكيم اللخمي (أبو بكر) . ابن الحكيم اللخمي- محمد بن محمد بن محمد بن عبد الرحمن بن إبراهيم اللخمي (أبو القاسم) . ابن الحكيم اللخمي- يحيى بن عبد الرحمن بن إبراهيم بن الحكيم اللخمي (أبو بكر) . ابن الحلفاوي- محمد بن محمد بن عبد الرحمن التميمي (أبو عبد الله) . أبو حمّو- موسى بن يوسف بن عبد الرحمن بن يحيى بن يغمراسن بن زيان. ابن حوط الله- داود بن سليمان بن داود بن عبد الرحمن بن سليمان بن عمر بن حوط الله الأنصاري الحارثي الأندي (أبو سليمان) . ابن حوط الله- عبد الله بن سليمان بن داود بن عبد الرحمن الأنصاري الحارثي الأزدي (أبو محمد) . باب الخاء ابن خاتمة- أحمد بن علي بن محمد بن علي بن محمد بن خاتمة الأنصاري (أبو جعفر) . ابن خاتمة- محمد بن علي بن محمد بن علي بن محمد بن خاتمة الأنصاري (أبو عبد الله) . ابن خاقان- الفتح بن علي بن أحمد بن عبيد الله (أبو نصر) . ابن خدوج- عبد الله بن أيوب الأنصاري (أبو محمد) . الخشني- علي بن أحمد بن محمد بن أحمد بن علي بن أحمد الخشني (أبو الحسن) . ابن أبي الخصال- محمد بن مسعود بن خالصة بن فرج بن مجاهد بن أبي الخصال الغافقي (أبو عبد الله) . ابن خضر- قاسم بن خضر بن محمد العامري (أبو القاسم) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 578 ابن خطاب- محمد بن عبد الله بن داود بن خطاب الغافقي. ابن الخطيب السلماني- عبد الله بن محمد بن عبد الله بن سعيد السلماني (أبو محمد) . ابن الخطيب السلماني- محمد بن عبد الله بن سعيد بن عبد الله السلماني (أبو عبد الله لسان الدين ابن الخطيب السلماني) . ابن خلاف- عمر بن خلاف بن سليمان بن سلمة (أبو علي) . ابن خلدون- عبد الرحمن بن محمد بن محمد بن محمد (ولي الدين) . ابن خلصون- محمد بن يوسف بن خلصون (أبو القاسم) . ابن خميس- محمد بن خميس بن عمر بن محمد (أبو عبد الله) : 2/376. ابن خميس الأنصاري- محمد بن أحمد بن محمد بن عبد الله الأنصاري. ابن أبي خيثمة الجبائي- محمد بن أحمد بن محمد بن أبي خيثمة الجبائي (أبو الحسن) . باب الدال الداخل- عبد الله بن معاوية بن هشام بن عبد الملك (أبو المطرف، وأبو زيد، وأبو سليمان، صقر بني أمية) . ابن الدباغ الإشبيلي- محمد بن إبراهيم بن المفرج الأوسي. ابن درهم- قاسم بن يحيى بن محمد الزروالي (أبو القاسم) . ابن دري- علي بن محمد بن دري (أبو الحسن) . ابن دهاق- إبراهيم بن يوسف بن محمد بن دهاق الأوسي (أبو إسحاق ابن المرأة) . باب الذال ذو الوزارتين- ابن أبي الخصال. ذو الوزارتين- محمد بن عبد الرحمن بن إبراهيم بن يحيى اللخمي (أبو عبد الله) . ذو الوزارتين- مقاتل بن عطية البرزالي (أبو حرب) . ذو الوزارتين- منذر بن يحيى التجيبي (أبو الحكم) . ابن ذي النون- محمد بن جابر بن يحيى بن محمد بن ذي النون التغلبي (ابن الرمالية) . باب الراء ابن راجح- محمد بن علي بن الحسن بن راجح الحسني (أبو عبد الله) . ابن ربيع- عبد الله بن يحيى بن عبد الرحمن بن أحمد الأشعري (أبو القاسم) . ابن رشيد- محمد بن عمر بن محمد بن عمر (أبو عبد الله) . ابن رشيق- الحسين بن عتيق بن الحسين بن رشيق التغلبي (أبو علي) . الرصافي البلنسي- محمد بن غالب الرصافي. ابن رضوان- عبد الله بن يوسف بن رضوان بن يوسف بن رضوان النجاري (أبو القاسم) . ابن الرقّام- محمد بن إبراهيم بن محمد الأوسي (أبو عبد الله) . الرقوطي- محمد بن أحمد الرقوطي المرسي (أبو بكر) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 579 ابن الرمالية- محمد بن جابر بن يحيى بن محمد بن ذي النون التغلبي. الرندي- عمر بن عبد المجيد بن عمر الأزدي (أبو علي) . ابن الرومية- أحمد بن محمد بن أبي الخليل (أبو العباس) . الرّيّه- مقاتل بن عطية البرزالي (أبو حرب ذو الوزارتين) . باب الزاي ابن الزبير- محمد بن أحمد بن إبراهيم بن الزبير (أبو عمرو) . ابن زكريا- علي بن عبد الله بن يحيى بن زكريا الأنصاري (أبو القاسم) . ابن أبي زكريا- أحمد بن عباس بن أبي زكريا (أبو جعفر) . ابن زمرك- محمد بن يوسف بن محمد بن أحمد الصريحي (أبو عبد الله) . ابن أبي زمنين- عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن بن محمد المري (أبو خالد) . ابن أبي زمنين- عيسى بن محمد بن أبي عبد الله بن أبي زمنين المري (أبو الأصبغ) . ابن أبي زمنين- محمد بن إبراهيم بن عبد الله بن أبي زمنين المرّي (أبو عبد الله) . ابن أبي زمنين- محمد بن عبد الله بن أبي زمنين (أبو عبد الله) . ابن أبي زمنين- محمد بن عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن المرّي. الزواوي- منصور بن علي بن عبد الله الزواوي (أبو علي) . الزيات- أحمد بن الحسن بن علي بن الزيات الكلاعي (أبو جعفر) . الزيات- أحمد بن محمد بن عيسى الأموي (أبو جعفر) . ابن الزيات- محمد بن أحمد بن علي بن حسن بن علي بن الزيات الكلاعي (أبو بكر) . باب السين الساحلي- محمد بن أحمد بن عبد الرحمن بن إبراهيم الأنصاري (أبو عبد الله) . الساحلي- يوسف بن إبراهيم بن يوسف بن محمد بن قاسم بن علي الفهري (أبو الحجاج الساحلي) . ابن سارة البكري- عبد الله بن محمد بن سارة البكري. ابن سالم- سالم بن صالح بن علي بن صالح بن محمد الهمداني (أبو عمرو) . ابن سالم- سليمان بن موسى بن سالم بن حسان الحميري الكلاعي (أبو الربيع) . ابن سبعين- عبد الحق بن إبراهيم بن محمد بن نصر بن فتح بن سبعين العكي (أبو محمد) . ابن أبي السداد- عبد الواحد بن محمد بن علي بن أبي السداد الأموي المالقي (الباهلي) . ابن السراج- محمد بن إبراهيم بن عبد الله بن أحمد الأنصاري (أبو عبد الله) . ابن سعادة- عيسى بن محمد بن عيسى بن عمر بن سعادة الأموي (أبو موسى) . ابن سعيد- علي بن موسى بن عبد الملك بن سعيد العنسي المذحجي (أبو الحسن ابن سعيد) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 580 ابن سعيد الغساني- سعيد بن محمد بن إبراهيم بن عاصم بن سعيد الغساني (أبو عثمان) . ابن سلمون- عبد الله بن علي بن عبد الله بن علي بن سلمون الكناني (أبو محمد) . ابن سماك العاملي- عبد الله بن أحمد بن إسماعيل بن عيسى بن أحمد بن إسماعيل بن سماك العاملي (أبو محمد) . ابن سمحون- علي بن أبي بكر بن عبد الرحمن بن علي بن سمحون الهلالي (أبو الحسن) . ابن أبي سهل الخزرجي- أحمد بن أبي سهل بن سعيد بن أبي سهل الخزرجي (أبو جعفر) . السهيلي- عبد الرحمن بن عبد الله بن أحمد الخثعمي (أبو زيد، وأبو القاسم، وأبو الحسين) . ابن سوّار المحاربي- عبد القادر بن عبد الله بن عبد الملك بن سوّار المحاربي. السّواس- محمد بن محمد بن أحمد الأنصاري. ابن سودة المري- محمد بن سودة بن إبراهيم بن سودة المري (أبو عبد الله) . ابن سودة المري- محمد بن محمد بن علي بن سودة المري (أبو القاسم) . ابن سيد بونة- غالب بن حسن بن غالب بن حسن (أبو تمام) . ابن سيد بونة الخزاعي- جعفر بن عبد الله بن محمد بن سيد بونة الخزاعي (أبو أحمد) . الشاط- قاسم بن عبد الله بن محمد الشاط الأنصاري (أبو القاسم) . ابن شاطر- محمد بن أحمد بن شاطر الجمحي المراكشي (أبو عبد الله) . ابن شبرين- محمد بن أحمد بن محمد بن أحمد (أبو بكر) . ابن الشديد- محمد بن محمد بن الشديد (أبو عبد الله) : 2/267. الشديد على بنية- محمد بن قاسم بن أحمد بن إبراهيم الأنصاري (أبو عبد الله) . الشراط- عبد الله بن محمد الشراط (أبو محمد) . الشريشي- محمد بن محمد بن إبراهيم بن محمد بن عبد الله الخولاني (أبو عبد الله) . الشريف العمراني- محمد بن حسن الهمراني الشريف. الششتري- علي بن عبد الله النميري الششتري (أبو الحسن) . ابن شعبة- محمد بن محمد بن شعبة الغساني (أبو عبد الله) . ابن شعيب- أحمد بن محمد بن شعيب الكرياني (أبو العباس) . الشفرة- محمد بن علي بن فرج القربلياني (أبو عبد الله) . ابن شقرال اللخمي- محمد بن أحمد بن فتوح بن شقرال اللخمي (أبو عبد الله الطرسوني) . الشقوري- محمد بن علي بن عبد الله اللخمي (أبو عبد الله) . ابن شلطبور- محمد بن محمد بن أحمد بن شلطبور الهاشمي (أبو عبد الله) . الشنتوفي- يحيى بن عبد العزيز الشنتوفي. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 581 باب الصاد ابن الصائغ- محمد بن عبد الله بن محمد بن لب الأمي (أبو عبد الله) . ابن صاحب الصلاة- محمد بن حسن بن محمد بن عبد الأنصاري (أبو عبد الله ابن صاحب الصلاة وابن الحاج) . ابن الصباغ العقيلي- علي بن محمد بن عبد الحق بن الصباغ العقيلي (أبو الحسن) . الصدفي- محمد بن يحيى العبدري (أبو عبد الله) . الصعلعل- حسن بن محمد بن باصة (أبو علي) . الصغير- علي بن محمد بن عبد الحق الزرويلي (أبو الحسن) . ابن صفوان- أحمد بن إبراهيم بن أحمد بن صفوان (أبو جعفر) . ابن صفوان- محمد بن أحمد بن حسين بن يحيى القيسي (أبو الطاهر) . ابن الصقر الأنصاري- أحمد بن عبد الرحمن بن محمد بن عبد الرحمن بن محمد بن الصقر الأنصاري الخزرجي (أبو العباس) . صقر بني أمية- عبد الرحمن بن معاوية بن هشام بن عبد الملك (أبو المطرف، وأبو زيد، وأبو سليمان، الداخل) . صقر قريش- عبد الرحمن بن معاوية بن هشام بن عبد الملك (الداخل) . الصنّاع- محمد بن إبراهيم بن محمد بن محمد الأنصاري (أبو عبد الله) . ابن الصيرفي- عثمان بن سعيد بن عثمان بن سعيد الأموي (أبو عمرو) . ابن الصيرفي- يحيى بن محمد بن يوسف الأنصاري (أبو بكر) . باب الضاد ابن الضائع- علي بن محمد بن علي بن يوسف الكنامي (أبو الحسن) . باب الطاء أبو طالب العزفي- عبد الله بن محمد بن أحمد بن محمد العزفي (أبو طالب) . الطرّاز- محمد بن سعيد بن علي بن يوسف الأنصاري (أبو عبد الله) . الطرسوني- محمد بن أحمد بن فتوح بن شقرال اللخمي (أبو عبد الله) . الطرطوشي- يوسف بن علي الطرطوشي (أبو الحجاج) . الطغنري- محمد بن مالك المرّي الطغنري. ابن طفيل- محمد بن عبد الملك بن محمد بن محمد بن طفيل القيسي (أبو بكر) : 2/334. ابن طلحة- أحمد بن محمد بن طلحة (أبو جعفر) . الطنجالي- محمد بن أحمد بن يوسف بن أحمد الهاشمي الطنجالي. الطنجالي- محمد بن محمد بن يوسف بن عمر الهاشمي (أبو بكر) . الطويجن- إبراهيم بن محمد بن إبراهيم الأنصاري الساحلي. باب العين ابن العابد- محمد بن علي بن العابد الأنصاري (أبو عبد الله) . ابن العابد الأنصاري- محمد بن محمد بن علي بن العابد الأنصاري. العاصمي- عبد الله بن إبراهيم بن الزبير بن الحسن بن الحسين الثقفي العاصمي (أبو محمد) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 582 ابن أبي العاصي- إبراهيم بن محمد بن علي بن محمد بن أبي العاصي التنوخي. ابن أبي العافية- الخضر بن أحمد بن الخضر بن أبي العافية (أبو القاسم) . العاملي- عبد الله بن أحمد بن إسماعيل بن عيسى بن أحمد بن إسماعيل بن سماك العاملي (أبو محمد) . ابن عبّاد النفزي- محمد بن يحيى بن إبراهيم بن أحمد النفزي (أبو عمرو ابن عبّاد) . ابن عبد الحق- أحمد بن عبد الحق بن محمد بن يحيى بن عبد الحق الحدلي (أبو جعفر) . ابن عبد الحق- علي بن بدر الدين بن موسى بن رحّو بن عبد الله بن عبد الحق (أبو الحسن) . عبد الرحمن الداخل- عبد الرحمن بن معاوية بن هشام بن عبد الملك (أبو المطرف، وأبو زيد، وأبو سليمان، صقر بني أمية) . ابن عبد ربه التجيبي- محمد بن علي بن عبد ربه التجيبي (أبو عمرو) . ابن عبد العظيم- محمد بن عبد الله بن عبد العظيم بن أرقم النميري (أبو عامر) . ابن عبد الملك- محمد بن محمد بن عبد الملك بن محمد بن سعيد الأنصاري الأوسي (أبو عبد الله) : 2/375. ابن عبد المنعم- محمد بن عبد المنعم الصنهاجي الحميري (أبو عبد الله) . ابن عبد النور- أحمد بن عبد النور بن أحمد بن راشد (أبو جعفر) . ابن عبد الواحد- محمد بن محمد بن محمد بن عبد الواحد البلوي (أبو بكر) . العبدري- محمد بن علي بن عمر العبدري (أبو عبد الله) . العبدري- محمد بن علي بن محمد العبدري (أبو عبد الله اليتيم) . العجيسي- محمد بن أحمد بن محمد بن محمد بن أبي بكر بن مرزوق العجيسي (شمس الدين أبو عبد الله) . العرادي- محمد بن علي بن عبد الله بن علي القيسي العرادي. ابن العراقي- محمد بن محمد بن العراقي (أبو عبد الله) . أبو العرب- عبد المنعم بن علي بن عبد المنعم بن إبراهيم بن سدراي بن طفيل (أبو العرب الحاج) . ابن العربي الغستاني- محمد بن علي بن عمر بن يحيى بن العربي الغستاني (أبو عبد الله) . ابن عرفة- أحمد بن عبد الله بن محمد بن أحمد اللخمي (أبو العباس) . ابن عز الناس- علي بن صالح بن أبي الليث الأسعد بن الفرج بن يوسف (أبو الحسن) . العزفي- محمد بن يحيى بن عبد الله بن محمد بن أحمد العزفي (أبو القاسم) . عزّوز- عبد العزيز بن عبد الواحد بن محمد الملزوزي (أبو فارس) . ابن العسال- عبد الله بن فرج بن غزلون اليحصبي (أبو محمد) . ابن عسكر- محمد بن علي بن الخضر بن هارون الغساني (أبو عبد الله) . العشّاب- أحمد بن محمد بن أبي الخليل (أبو العباس) . العشاب- يحيى بن محمد بن عبد العزيز بن علي الأنصاري (أبو بكر) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 583 ابن العشاب- محمد بن محمد بن إبراهيم بن المرادي. العطار- محمد بن أحمد بن عبد الله العطار. ابن عطية- عقيل بن عطية بن أبي أحمد جعفر بن محمد بن عطية القضاعي (أبو المجد) . ابن عطية القضاعي- أحمد بن أبي جعفر بن محمد بن عطية القضاعي (أبو جعفر) . ابن عطية المحاربي- عبد الحق بن محمد بن عطية بن يحيى المحاربي. العقرب- محمد بن علي بن محمد بن عبد الله بن عبد الملك الأوسي. أبو علي بن هدية: 1/236. عمامتي- محمد بن عبد الرحمن المتأهل. ابن عمر المليكشي- محمد بن عمر بن علي بن إبراهيم المليكشي (أبو عبد الله) . ابن عميرة المخزومي- أحمد بن عبد الله بن محمد بن الحسن بن عميرة المخزومي (أبو مطرف) . العوّاد- أحمد بن عبد الولي بن أحمد الرعيني (أبو جعفر) . العوّاد- محمد بن عبد الولي الرعيني (أبو عبد الله) . ابن عياش- محمد بن عبد العزيز بن عبد الرحمن بن عبيد الله بن عياش التجيبي البرشاني (أبو عبد الله) . ابن عيسى الحميري- محمد بن إبراهيم بن عيسى بن داود الحميري (أبو عبد الله) . باب الغين الغافقي- أحمد بن محمد بن سعيد بن زيد الغافقي. الغالب بالله- إسماعيل بن فرج بن إسماعيل بن يوسف بن محمد الأنصاري الخزرجي. الغالب بالله- محمد بن يوسف بن محمد بن أحمد بن خميس بن نصر بن قيس الخزرجي الأنصاري (أبو عبد الله) . ابن غالب الرصافي- محمد بن غالب الرصافي. ابن غانية- يحيى بن علي بن غانية الصحراوي (أبو زكريا) . الغساني البرجي- محمد بن يحيى بن محمد بن يحيى الغساني البرجي الغرناطي (أبو القاسم) . ابن غفرون- عمر بن علي بن غفرون الكلبي. الغني بالله- محمد بن يوسف بن إسماعيل بن فرج بن إسماعيل بن فرج بن يوسف بن نصر الخزرجي. باب الفاء الفازازي- عبد الرحمن بن يخلفتن بن أحمد بن تفليت الفازازي (أبو زيد) . الفتح بن خاقان- الفتح بن علي بن أحمد بن عبيد الله (أبو نصر ابن خاقان) . ابن الفخّار- محمد بن علي بن أحمد الخولاني (أبو عبد الله) . ابن الفخار الجذامي- محمد بن عبد الرحمن بن محمد بن علي بن محمد بن أحمد بن الفخار الجذامي (أبو بكر) . ابن الفراء- عتيق بن أحمد بن محمد بن يحيى الغساني (أبو بكر قرنيات) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 584 ابن فرتون- محمد بن عبد الله بن محمد بن علي الأنصاري (أبو القاسم) . ابن الفرس- عبد الرحيم بن إبراهيم بن عبد الرحيم الخزرجي (أبو القاسم) . ابن الفرس- عبد المنعم بن محمد بن عبد الرحيم بن فرج الخزرجي (أبو محمد) . ابن فرسان- عبد البر بن فرسان بن إبراهيم بن عبد الله بن عبد الرحمن الغساني (أبو محمد) . ابن فرقد- إبراهيم بن خلف بن محمد بن الحبيب القرشي العامري. ابن فركون- أحمد بن سليمان بن أحمد القرشي (أبو جعفر) . ابن فركون (أبو جعفر) - أحمد بن محمد بن أحمد بن هشام القرشي. الفشتالي- محمد بن أحمد بن عبد الملك الفشتالي (أبو عبد الله) . ابن الفصّال- عبد الرحمن بن إبراهيم بن محمد الأنصاري (أبو بكر) . ابن فضيلة- فضل بن محمد بن علي بن فضيلة المعافري (أبو الحسن) . ابن فضيلة المعافري- محمد بن إبراهيم بن سالم بن فضيلة المعافري (أبو عبد الله البيو) . ابن فطيس- محمد بن عبد الله بن فطيس (أبو عبد الله) . باب القاف أبو القاسم السهيلي- عبد الرحمن بن عبد الله بن أحمد الخثعمي (أبو زيد، وأبو القاسم، وأبو الحسين) . القاضي عياض- عياض بن موسى بن عياض بن عمرون اليحصبي (أبو الفضل القاضي) . ابن القبّاب- أحمد بن أبي القاسم بن عبد الرحمن (أبو العباس) . ابن القبطرنة- أبو بكر بن عبد العزيز بن سعيد البطليوسي. ابن القبطرنة- أبو الحسن بن عبد العزيز بن سعيد البطليوسي. ابن القبطرنة- طلحة بن عبد العزيز بن سعيد البطليوسي (أبو محمد) . ابن قرال- محمد بن محمد بن أحمد بن علي الأنصاري (أبو عبد الله) . القرشي- علي بن علي بن عتيق بن أحمد الهاشمي القرشي. القرطبي- عبد الله بن الحسن بن أحمد بن يحيى بن عبد الله الأنصاري (أبو محمد) . قرنيات- عتيق بن أحمد بن محمد بن يحيى الغساني (أبو بكر بن الفراء) . ابن قزمان- محمد بن عيسى بن عبد الملك بن قزمان الزهري (أبو بكر) : 2/347. ابن القصجة- محمد بن سعد الحرسني (أبو ورد) . ابن القصير- عبد الرحمن بن أحمد بن أحمد بن محمد الأزدي (أبو جعفر) . ابن القصيرة- محمد بن سليمان بن القصيرة (أبو بكر) . القطّان- محمد بن أحمد بن قاسم الأمي (أبو عبد الله) : 3/182. ابن قطبة- محمد بن أحمد بن محمد الدوسي (أبو عبد الله) . ابن قطبة الدوسي- محمد بن أحمد بن قطبة الدوسي (أبو القاسم) . ابن قطبة الدوسي- محمد بن محمد بن أحمد بن قطبة الدوسي (أبو بكر) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 585 ابن قطبة الدوسي- محمد بن محمد بن محمد بن أحمد بن قطبة الدوسي (أبو القاسم) . ابن قطبة الدوسي- محمد بن محمد بن محمد بن قطبة الدوسي (أبو بكر) . ابن قطرال- علي بن عبد الله بن محمد بن يوسف بن أحمد الأنصاري (أبو الحسن) . ابن قطرال- محمد بن علي بن محمد بن علي بن محمد بن يوسف بن قطرال الأنصاري (أبو عبد الله) . ابن قعنب- أحمد بن محمد بن أحمد بن قعنب الأزدي (أبو جعفر) . القللوسي- محمد بن محمد بن إدريس بن مالك القضاعي (أبو بكر) . القلنار- حسن بن محمد بن حسن القيسي (أبو علي) . القليعي- أحمد بن خلف بن عبد الملك الغساني (أبو جعفر) . القليعي- محمد بن أحمد بن خلف بن عبد الملك بن غالب الغساني (أبو بكر) . القيجاطي- علي بن عمر بن إبراهيم بن عبد الله الكناني القيجاطي (أبو الحسن) . باب الكاف الكرسوطي- محمد بن عبد الرحمن بن سعد التميمي التسلي الكرسوطي (أبو عبد الله) . الكرني- أحمد بن محمد الكرني. ابن كسرى- الحسن بن محمد بن علي الأنصاري (أبو علي) . ابن الكماد- محمد بن أحمد بن داود بن موسى بن مالك اللخمي اليكي (أبو عبد الله) . ابن كماشة- علي بن يوسف بن محمد بن كماشة (أبو الحسن) . الكوّاب- عبد الله بن محمد بن إبراهيم بن مجاهد العبدري الكواب (أبو محمد) . باب اللام لا أسلم- محمد بن محمد بن ميمون الخزرجي (أبو عبد الله) . ابن لب- علي بن لب بن محمد بن عبد الملك بن سعيد العنسي. ابن لب- فرج بن قاسم بن أحمد بن لب التغلبي (أبو سعيد) . ابن لب- محمد بن سعد بن محمد بن لب (أبو عبد الله) . ابن لب- محمد بن محمد بن لب الكناني (أبو عبد الله) . ابن لب الأمّي- محمد بن عبد الله بن محمد بن لب الأمّي (أبو عبد الله) . لسان الدين ابن الخطيب السلماني- محمد بن عبد الله بن سعيد بن عبد الله السلماني (أبو عبد الله لسان الدين) . اللمائي- أحمد بن أيوب اللمائي (أبو جعفر) . ابن اللؤلؤة- محمد بن علي بن يوسف بن محمد السكوني (أبو عبد الله) : 3/138. اللوشي- محمد بن محمد بن عبد الله بن محمد اللوشي اليحصبي (أبو عبد الله) . باب الميم المازني- محمد بن يوسف بن عبد الله بن إبراهيم المازني (أبو الطاهر) . ابن مالك الطغنري: محمد بن مالك المرّي الطغنري. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 586 ابن مالك المعافري- عبد الرحمن بن محمد بن عبد الله بن مالك المعافري (أبو محمد) . المأمون (مأمون الموحدين) - إدريس بن يعقوب بن يوسف بن عبد المؤمن بن علي. ابن مأمون- محمد بن جعفر بن أحمد بن خلف بن حميد بن مأمون الأنصاري (أبو عبد الله) . المتأهل- محمد بن عبد الرحمن المتأهل. ابن المتأهّل- محمد بن أحمد بن المتأهّل العبدري (أبو عبد الله) . المتوكل على الله- عمر بن محمد بن عبد الله بن محمد بن مسلمة التجيبي (أبو محمد ابن الأفطس) . المتوكل على الله- محمد بن يوسف بن هود الجذامي (أبو عبد الله) . ابن مجبر الفهري- يحيى بن عبد الجليل بن عبد الرحمن بن مجبر الفهري (أبو بكر) . ابن أبي المجد- عبد الله بن عبد البر بن سليمان بن محمد العريني (أبو محمد) . ابن المحروق- علي بن أحمد بن محمد بن عثمان الأشعري (أبو الحسن) . ابن المحروق- محمد بن أحمد بن محمد الأشعري (أبو عبد الله) . ابن محيو- عبد الحق بن عثمان بن محمد بن عبد الحق بن محيو (أبو إدريس) . ابن محيو- عبد الحليم بن عمر بن عثمان بن يعقوب بن عبد الحق بن محيو (أبو محمد) . ابن محيو- عبد المؤمن بن عمر بن عثمان بن يعقوب بن عبد الحق بن محيو (أبو محمد) . أبو المخشي: عاصم بن زيد بن يحيى بن حنظلة التميمي العبادي الجاهلي (أبو المخشي) . المدوّري- أبو بكر المخزومي الأعمى الموروري المدوّري. ابن المرابع- عبد الله بن إبراهيم بن عبد الله الأزدي (أبو محمد ابن المرابع) . المراكشي- محمد بن أحمد بن المراكشي (أبو عبد الله) . ابن المرأة- إبراهيم بن يوسف بن محمد بن دهاق الأوسي (أبو إسحاق ابن المرأة) . المرتضى- عبد الرحمن بن محمد بن عبد الله بن عبد الرحمن (أبو مطرف) . ابن مرج الكحل- محمد بن إدريس بن علي بن إبراهيم بن القاسم (أبو عبد الله) . ابن المرحل- مالك بن عبد الرحمن بن علي بن عبد الرحمن. ابن مردنيش- محمد بن سعد بن محمد بن أحمد بن مردنيش الجذامي (أبو عبد الله) . ابن مرزوق العجيسي- محمد بن أحمد بن محمد بن محمد بن أبي بكر بن مرزوق العجيسي (شمس الدين أبو عبد الله) . المستعين بالله- سليمان بن الحكم بن سليمان بن عبد الرحمن (أبو أيوب المستعين بالله) . المستنصر بالله- الحكم بن عبد الرحمن بن محمد بن عبد الله. ابن مصادف- أحمد بن محمد بن علي بن محمد (أبو جعفر) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 587 المعتد بالله- هشام بن محمد بن عبد الله بن عبد الرحمن (أبو بكر) . المعتمد بن عباد- محمد بن عباد بن محمد بن إسماعيل. المعمّم- محمد بن محمد بن عبد الرحمن بن إبراهيم الأنصاري الساحلي (أبو عبد الله المعمّم) . مفرّج الأموي- أحمد بن محمد بن أبي الخليل (أبو العباس) . ابن مقاتل- محمد بن عبد الله بن محمد بن مقاتل (أبو القاسم) . ابن مقاتل- محمد بن محمد بن عبد الله بن مقاتل (أبو بكر) . المقري- محمد بن محمد بن أحمد بن أبي بكر بن يحيى القرشي المقري (أبو عبد الله) . المكودي- محمد بن محمد المكودي (أبو عبد الله) . الملّاحي- محمد بن عبد الواحد بن إبراهيم بن مفرج الغافقي (أبو القاسم) . الملياني- أحمد بن علي الملياني (أبو عبد الله وأبو العباس) . المليكشي- محمد بن عمر بن علي بن إبراهيم المليكشي (أبو عبد الله) . المنتشاقري- يوسف بن موسى بن سليمان بن فتح بن أحمد الجذامي المنتشاقري (أبو الحجاج) . ابن منخل الغافقي- محمد بن أحمد بن زيد بن أحمد الغافقي. المنصور- يعقوب بن عبد الحق بن محيو بن بكر (أبو يوسف المنصور) . المنصور بن أبي عامر- محمد بن عبد الله بن محمد بن عبد الله بن أبي عامر بن محمد بن أبي الوليد بن يزيد بن عبد الملك المعافري. المنصور العامري- محمد بن عبد الله بن محمد بن عبد الله بن أبي عامر بن محمد بن أبي الوليد بن يزيد بن عبد الملك المعافري (المنصور بن أبي عامر) . ابن منظور القيسي- عثمان بن يحيى بن محمد بن منظور القيسي (أبو عمرو) . ابن منظور القيسي- محمد بن عبد الله بن منظور القيسي (أبو بكر) . المهر- عبد الرحيم بن إبراهيم بن عبد الرحيم الخزرجي (أبو القاسم ابن الفرس) . ابن مهيب- محمد بن مفضل بن مهيب اللخمي (أبو بكر) . ابن المؤذن- محمد بن محمد بن عبد الرحمن التميمي (أبو عبد الله) . ابن المواعيني- محمد بن إبراهيم بن خيرة (أبو القاسم) . الموّاق- محمد بن أحمد الأنصاري (أبو عبد الله) . ابن ميمون- محمد بن عبد الله بن ميمون بن إدريس بن محمد بن عبد الله العبدري (أبو بكر) . باب النون الناصر لدين الله- عبد الرحمن بن محمد بن عبد الله بن محمد (الناصر لدين الله) . الناصر لدين الله- علي بن حمود بن ميمون بن حمود (أبو الحسن) . ابن الناظر- الحسين بن عبد العزيز بن محمد بن أبي الأحوص القرشي الفهري (أبو علي) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 588 النباهي- الحسن بن محمد بن الحسن النباهي الجذامي (أبو علي) . النباهي- علي بن عبد الله بن الحسن الجذامي النباهي المالقي (أبو الحسن) . النفزي- إبراهيم بن محمد بن إبراهيم بن عبيدس بن محمود النفزي (أبو إسحاق) . النفزي (أثير الدين) - محمد بن يوسف بن علي بن يوسف بن حيان النفزي (أبو حيان) . ابن النفزي- علي بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن الضحاك الفزاري (أبو الحسن) . النمري- محمد بن محمد النمري الضرير (أبو عبد الله) . باب الهاء ابن هانىء الأندلسي- محمد بن هاني بن محمد بن سعدون الأزدي الإلبيري الغرناطي الأندلسي. ابن هانىء اللخمي- عبد الرحمن بن هانىء اللخمي (أبو المطرف) . ابن هانىء اللخمي- محمد بن عبد الرحمن بن الحسن بن قاسم اللخمي القائصي (أبو الحسن) . ابن هانىء اللخمي- محمد بن علي بن هانىء اللخمي السبتي (أبو عبد الله) . ابن هدية- أبو علي بن هدية. ابن هذيل التجيبي- يحيى بن أحمد بن هذيل التجيبي (أبو زكريا) . ابن همشك- إبراهيم بن محمد بن مفرج بن همشك. الهنا- محمد بن عبد الله بن محمد بن علي الأنصاري (أبو القاسم) . الهنتاني- عامر بن محمد بن علي الهنتاني (أبو ثابت) . ابن هيضم- علي بن محمد بن علي بن هيضم الرعيني (أبو الحسن) . باب الواو وجه نافخ- عبد الله بن سهل الغرناطي (أبو محمد) . الورّاد- علي بن محمد بن علي العبدري (أبو الحسن الورّاد) . ابن ورد- أحمد بن عمر بن يوسف بن إدريس بن عبد الله بن ورد التميمي (أبو القاسم) . الورسيدي- قاسم بن محمد بن الجد العمري (أبو القاسم) . باب الياء اليتيم- محمد بن علي بن محمد العبدري (أبو عبد الله) . ابن أبي يحيى- إبراهيم بن عبد الرحمن بن أبي بكر التسولي (أبو سالم) . اليرطبول- عبد الله بن عبد الرحمن بن عبد الملك بن سعيد. ابن يست- عبد العزيز بن علي بن أحمد بن عبد الرحمن (أبو سلطان) . ابن يغمراسن- عثمان بن عبد الرحمن بن يحيى بن يغمراسن (أبو سعيد) . الينشتي- عبد الرحمن بن عبد الملك الينشتي (أبو بكر) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 589 فهرس الكتب والمؤلّفات باب الألف أبكار الأفكار في الأصول: ابن الرقام: 3/49 الإجماع ومسائله: ابن حزم: 4/89 أجوبة الإقناع والإحساب في مشكلات مسائل الكتاب: ابن الفخار: 3/66 الأجوبة المحبرة على الأسئلة المتخيرة: القاضي عياض: 4/193 الأجوبة اليمنية: ابن سبعين: 4/23 الأحاديث الأربعون بما ينتفع به القارئون والسامعون: ابن الفخار: 3/66 الإحاطة في أخبار غرناطة: ابن الخطيب السلماني: 4/388، 390 الاحتفال في استيفاء ما للخيل من الأصول: محمد بن رضوان: 2/82 الإحكام لأصول الأحكام: ابن حزم: 4/89 أخبار محمد بن إسحاق: ابن الرومية: 1/87 الأخبار المذهّبة: ابن الحكيم اللخمي: 2/177 أخبار معاوية: ابن البراق: 2/342 اختصار غريب حديث مالك للدارقطني: ابن الرومية: 1/86 اختصار الكامل في الضعفاء والمتروكين لابن عدي: ابن الرومية: 1/87 الاختيار والاعتبار في الطب: ابن هذيل: 4/334 الأدب: ابن المواعيني: 2/224 أربعون حديثا: ابن جابر القيسي: 3/126 الأربعون حديثا: ابن الحاج: 1/180 الجزء: 4 ¦ الصفحة: 590 أربعون حديثا: ابن عسكر: 2/104 الأربعون حديثا: الملاحي: 3/136 الأربعون حديثا: ابن الناظر: 1/260 الأربعون حديثا عن أربعين شيخا لأربعين من الصحابة: ابن سالم: 4/255 أربعون حديثا في الرقائق: ابن منظور القيسي: 2/102 الأربعون السباعية: ابن سالم: 4/255 أرج الأرجاء في مزج الخوف والرجاء: المنتشاقري: 4/333 الأرجوزة الطبية المجهولة: ابن طفيل: 2/334 أرجوزة في شرح كتاب الفصيح: القللوسي: 3/54 أرجوزة في شرح ملاحن: ابن دريد: القللوسي: 3/54 أرجوزة في العروض: ابن المرحل: 3/233 أرجوزة في الفرائض: التلمساني: 1/169 أرجوزة في الفرائض: القللوسي: 3/54 أرجوزة في الفرائض: ابن هانىء اللخمي: 3/109 إرشاد السائل لنهج الوسائل: المعمّم: 3/146 إرشاد السالك في بيان إسناد زياد عن مالك: ابن الفخار: 3/66 أسّ مبنى العلم وأسّ معنى الحلم: الزيات: 1/146 الاستشفاء بالعدة والاستشفاع بالعمدة في تخميس القصيدة النبوية المسماة بالبردة: المنتشاقري: 4/333 استنزال اللطف الموجود في سر الوجود: ابن الخطيب السلماني: 4/388 استواء النهج في تحريم اللعب بالشطرنج: ابن الفخار: 3/66 الأسطرلاب: أصبغ بن محمد: 1/236 الأسرار: المعمّم: 3/146 الإشارة: ابن الحكيم اللخمي: 2/177 الإشارة ابن الخطيب السلماني 4/390 الإشارة الصوفية والنكت الأدبية: ابن الحكيم اللخمي: 2/177 أشعة الأنوار في الكشف عن ثمرات الأذكار: المعمّم: 3/146 إصلاح النية في المسألة الطاعونية: البلياني: 2/247 الجزء: 4 ¦ الصفحة: 591 الأصول إلى معرفة الله ونبوّة الرسول: محمد بن خلف: 3/127 أصول القرّاء الستة غير نافع: ابن جزي الكلبي: 3/12 إظهار تبديل اليهود والنصارى للتوراة والإنجيل وبيان تناقض ما بأيديهم من ذلك مما لا يحتمل التأويل: ابن حزم: 4/89 اعتلاق المسائل بأفضل الوسائل: المنتشاقري: 4/333 إعراب القرآن: ابن حبيب السلمي: 3/422 الإعلام بأخبار البخاري الإمام: ابن سالم: 4/256 الإعلام بحدود قواعد الإسلام: القاضي عياض: 4/193 الإعلام في استيعاب الرواية عن الأئمة الأعلام: ابن النفزي: 4/149 إعلان الحجة في بيان رسوم المحجّة: الساحلي: 3/182 الإفصاح فيمن عرف بالأندلس بالصلاح: ابن الحاج البلفيقي: 2/86 إقامة المريد: المقري (أبو عبد الله) : 2/125 اقتباس السراج في شرح مسلم بن الحجاج: علي بن أحمد الغساني: 4/155 الاقتصار على مذاهب الأئمة الأخيار: محمد بن خلف: 3/127 الإقناع في القراءات: ابن الباذش: 1/77 الاكتفاء في مغازي رسول الله ومغازي الثلاثة الخلفاء: ابن سالم: 4/256 الإكليل الزاهر فيمن فصل عند نظم الجواهر: ابن الخطيب السلماني: 1/237 الإكليل الزاهر فيما فضل عند نظم التاج من الجواهر: ابن الخطيب السلماني: 4/390 إكمال المعلم في شرح مسلم: القاضي عياض: 4/193 الإكمال والإتمام في صلة الإعلام بمجالس الأعلام من أهل مالقة الكرام: ابن عسكر: 2/105 الإلماع في ضبط الرواية وتقييد السماع: القاضي عياض: 4/193 الامتثال لمثال المنبهج في ابتداع الحكم واختراع الأمثال: ابن سالم: 4/256 الأمثال السائرة: ابن المواعيني: 2/224 الجزء: 4 ¦ الصفحة: 592 إملاء فوائد الدول في ابتداء مقاصد الجمل: ابن الفخار: 3/66 انتشاق النسمات النجدية واتساق النزعات الجدية: المنتشاقري: 4/333 انتفاع الطلبة النبهاء في اجتماع السبعة القراء: ابن الفخار: 3/66 أنس الفريد: ابن أبي زمنين: 3/133 إنشاد الطوال وإرشاد السّؤال في لحن العامة: ابن هانىء اللخمي: 3/109 أنوار الأفكار فيمن دخل جزيرة الأندلس من الزهاد والأبرار: أحمد بن عبد الرحمن الخزرجي: 1/70 أنوار البروق في تعقب مسائل القواعد والفروق: الشاط: 4/219 الأنوار الجلية في أخبار الدولة المرابطية: ابن الصيرفي: 4/349 الأنوار السنية في الكلمات السنية: ابن جزي الكلبي: 3/11 الإيجاز في دلالة المجاز عبد الحكيم بن الحسين 3/420 الإيصال إلى فهم كتاب الخصال: ابن حزم: 4/88 الإيضاح والبيان في الكلام على القرآن: محمد بن خلف: 3/127 إيقاظ الكرام بأخبار المنام: ابن الحاج: 1/180 باب الباء البحر المحيط (تفسير القرآن) : النفزي: 3/29 برّ العارف: ابن سبعين: 4/23 برنامج رواية الملاحي: الملاحي: 3/136 برنامج روايات ابن سالم: ابن سالم: 4/256 برنامج روايات ابن الناظر: ابن الناظر: 1/260 البرهان في ترتيب سور القرآن: أحمد بن إبراهيم بن الزبير: 1/73 البرهان والدليل في خواص سور التنزيل وما في قراءتها في النوم من بديع التأويل: ابن منظور القيسي: 2/102 بستان الدول: ابن الخطيب السلماني: 4/389، 390 الجزء: 4 ¦ الصفحة: 593 بشارة القلوب بما تخبر الرؤيا من الغيوب: ابن الحكيم اللخمي: 2/177 بغية السالك في أشرق المسالك: المعمّم: 3/146 بغية المباحث في معرفة مقدمات الموارث: ابن منظور القيسي: 4/68 بغية المستفيد: ابن صفوان: 1/94 البها الكامل: الكرسوطي: 3/100 بهجة الأفكار وفرجة التذكار في مختار الأشعار: ابن البرّاق: 2/342 بهجة الأنوار: المعمّم: 3/146 بهجة المجالس: أبو عمر بن عبد البر: 2/224 البيان في حقيقة الإيمان: محمد بن خلف: 3/127 البيزرة: ابن الخطيب السلماني: 4/388 البيطرة: ابن الخطيب السلماني: 4/388 باب التاء التاج المحلى في مساجلة القدح المعلى: ابن الخطيب السلماني: 4/388، 390 تاريخ ابن رشيق: ابن رشيق: 1/267 تاريخ أصبغ بن محمد: أصبغ بن محمد: 1/236 تاريخ ألمرية: ابن الحاج البلفيقي: 2/86 تاريخ علماء إلبيرة: الملاحي: 3/136 تاريخ غرناطة: ابن جزي: 2/164 تبيين مسالك العلماء في مدارك الأسماء: ابن النفزي: 4/149 التجر الربيح في شرح الجامع الصحيح: المعمّم: 3/146 تجريد رؤوس مسائل البيان والتحصيل لتيسير البلوغ لمطالعتها والتوصيل: المنتشاقري: 4/333 تحبير نظم الجمان في تفسير أم القرآن: ابن الفخار: 3/66 تحرير الجواب في توفير الثواب: الشاط: 4/219 تحريم سماع اليراعة المسماة بالشبابة: ابن سيد بونة: 4/202 تحفة الأبرار في مسألة النبوة والرسالة وما اشتملت عليه من الأسرار: ابن منظور القيسي: 2/102 تحفة المتوصل في صنعة الطب: الشقوري: 3/137 الجزء: 4 ¦ الصفحة: 594 تحقيق القصد السني في معرفة العمد العلي: ابن النفزي: 4/149 تحفة الوداد ونجعة الرواد: ابن سالم: 4/255 تخصيص القرب وتحصيل الأرب: المنتشاقري: 4/333 تخليص الذهب في اختيار عيون الكتب الأدبيات الثلاثة: ابن الخطيب السلماني: 4/389، 390 التذكرة في الطب: ابن هذيل: 4/334 ترتيب المدارك وتقريب المسالك لمعرفة أعلام مذهب مالك: القاضي عياض: 4/193 ترحيل الشمس: القللوسي: 3/54 الترشيد في صناعة التجويد: ابن الناظر: 1/260 الترصيع في شرح مسائل التفريع: علي بن أحمد الغساني: 4/155 تسمية الشيوخ وتحرير الأسانيد: المعمّم: 3/146 التصوّف والكلام على اصطلاح القوم: ابن صفوان: 3/179 تعاليق على كتاب المستصفى في أصول الفقه: سهل بن محمد الأزدي: 4/241 تفسير البحر المحيط: النفزي: 3/29 تفسير القرآن: ابن حبيب السلمي: 3/422 تفسير القرآن: ابن أبي زمنين: 3/133 تفضيل صلاة الصبح للجماعة في آخر الوقت المختار، على صلاة الصبح للمنفرد في أول وقتها بالابتدار: ابن الفخار: 3/66 تقاييد منثور ومنظوم في علم النجوم: محمد بن رضوان: 2/82 التقريب لحد المنطق والمدخل إليه: ابن حزم: 4/89 تقريب الوصول إلى علم الأصول: ابن جزي الكلبي: 3/12 تقرير الشبه وتحرير المشبّه: ابن الخطيب السلماني: 4/388 تقصّي الأنباء وسياسة الرؤساء: ابن الصيرفي: 4/349 التكملة والتبرئة في إعراب البسملة والتصلية: ابن الفخار: 3/66 تكوين الجنين: ابن الخطيب السلماني: 4/388 تلخيص التهذيب لابن بشير: الكرسوطي: 3/100 الجزء: 4 ¦ الصفحة: 595 تلخيص الدلالة في تخليص الرسالة: الزيات: 1/147 تلخيص محصّل الإمام فخر الدين ابن الخطيب الرازي: ابن خلدون: 3/386 التنبيه على أغلاط الغافقي: ابن الرومية: 1/87 التنبيه على مذهب الشافعية والحنفية والحنبلية: ابن جزي الكلبي: 3/12 تنبيه المتعلمين على المقدمات والفصول وشرح المهمات منها والأصول: ابن النفزي: 4/149 تنعيم الأشباح بمحادثة الأرواح: ابن الحاج: 1/180 توجع الراثي في تنوع المراثي: المنتشاقري: 4/333 التوجيه الأوضح الأسمى في حذف التنوين من حديث أسما: ابن الفخار: 3/66 توهين طرق حديث الأربعين: ابن الرومية: 1/87 باب الثاء ثمار العدد: أصبغ بن محمد: 1/236 ثورة المريدين: ابن صاحب الصلاة: 2/70، 3/63 باب الجيم الجامع: ابن حبيب السلمي: 3/422 جامع أنماط السائل في العروض والخطب والرسائل: عبد المنعم بن عمر: 3/448 الجامع البسيط وبغية الطالب النشيط: عاشر بن محمد: 4/187 الجدل الصغير: ابن باق: 3/52 الجدل الكبير: ابن باق: 3/52 جرّ الحرّ، في التوحيد: ابن صفوان: 3/180 جزء على حديث جبريل: صالح بن يزيد: 3/276 جزء في إجماع الفقهاء: ابن المرأة: 1/168 جزء في بيان اسم الله الأعظم: ابن الحاج: 1/180 جزء في تفضيل التين على التمر: ابن حفيد الأمين: 3/46 جزء في شواذ العروض: ابن عبد النور: 1/78 جزء في العروض: ابن عبد النور: 1/78 الجزء: 4 ¦ الصفحة: 596 جني الرطب في سني الخطب: ابن سالم: 4/256 الجهاد الأكبر: الشقوري: 3/137 جهد النصيح في معارضة المعرّي في خطبة الفصيح: ابن سالم: 4/256 جواب البيان على مصارمة أهل الزمان: ابن الفخار: 3/66 الجواب المختصر المروم في تحريم سكنى المسلمين ببلاد الروم: ابن الفخار: 3/66 الجوابات المجتمعة عن السؤالات المنوعة: ابن الفخار: 3/66 جوامع الأشراف والعنايات في الصوادع والآيات: الزيات: 1/146 الجواهر: ابن شاس: 3/45 الجولات (مختار شعر ابن المرحل) : ابن المرحل: 3/233 جيش التوشيح: ابن الخطيب السلماني: 4/389، 390 باب الحاء الحافل في تذييل الكامل: ابن الرومية: 1/87 الحديقة في البديع: الحجاري: 3/330 حركة الدخولية في المسألة المالقية: ابن الحاج البلفيقي: 2/86 الحسبة في الأمراض: ابن حبيب السلمي: 3/422 حقائق بركات المنام في مرائي المصطفى خير الأنام: المنتشاقري: 4/333 الحقائق والرقائق: المقري (أبو عبد الله) : 2/125 الحقبي في أغاليط القرطبي: الرندي: 4/85 حكم الدعاء في أدبار الصلوات: ابن الرومية: 1/87 الحكم والعدل بالجوارح: ابن حبيب السلمي: 3/422 الحلل المرقومة في اللمع المنظومة: ابن الخطيب السلماني: 4/388، 390 حلية الأمالي في المراقبات العوالي: ابن سالم: 4/255 الحلية في ذكر البسملة والتصلية: ابن عبد النور: 1/78 حلية النبيل في معارضة ما في السبيل: أبو القاسم السهيلي: 3/364 حمل الجمهور على السنن المشهور: ابن الخطيب السلماني: 4/388 حي بن يقظان: ابن طفيل: 2/334 الجزء: 4 ¦ الصفحة: 597 حياة القلوب: ابن أبي زمنين: 3/133 باب الخاء الخبر المختصر في السلوى عن ذهاب البصر: ابن عسكر: 2/104 خطب القاضي عياض: القاضي عياض: 4/193 خطر فبطر ونظر فحظر، على تنبيهات على وثائق ابن فتوح: ابن الحاج البلفيقي: 2/86 خطرات الواجد في رثاء الواحد: ابن البراق: 2/342 خطرة المجلس في كلمة وقعت في شعر استنصر به أهل الأندلس: ابن الحاج البلفيقي: 2/86 باب الدال الدر المنظم في الاختيار المعظم: ابن البراق: 2/342 الدرر الفاخرة واللجج الزاخرة: ابن الخطيب السلماني: 1/97 الدرر في اختصار الطرر: الكرسوطي: 3/100 الدرر المنظومة الموسومة في اشتقاق حروف الهجا المرسومة: ابن فضيلة: 2/228 الدرة المكنونة في محاسن إسطبونة: القللوسي: 3/54 الدعوات والأذكار المخرجة من صحيح الأخبار: ابن جزي الكلبي: 3/11، 12 ديوان رسائل ابن سالم: ابن سالم: 4/256 ديوان شعر ابن الحاج البلفيقي: ابن الحاج البلفيقي: 2/86 ديوان شعر ابن الحداد الوادي آشي: ابن الحداد الوادي آشي: 2/220 ديوان شعر ابن سالم: ابن سالم: 4/256 ديوان شعر سهل بن محمد الأزدي: سهل بن محمد الأزدي: 4/241 باب الذال ذيل تاريخ مالقة: أبو الحسن بن الحسن: 3/146 باب الراء الرائد لما تضمنه حديث أم زرع من الفوائد: القاضي عياض: 4/193 الجزء: 4 ¦ الصفحة: 598 الربا: ابن حبيب السلمي: 3/422 رجز الأغذية: ابن الخطيب السلماني: 4/388 رجز الطب: ابن الخطيب السلماني: 4/388 رجز في الأحكام الشرعية: ابن الحاج: 1/181 رجز السياسة المدنية: ابن الخطيب السلماني: 4/388، 390 رجز في ألفاظ فصيح ثعلب: البلياني: 2/247 رجز في الجدل: ابن الحاج: 1/181 رجز في الحجب والسلاح: ابن الحاج: 1/181 رجز في علم الكلام: البلياني: 2/247 الرجز في عمل الترياق الفاروقي: ابن الخطيب السلماني: 4/388، 390 رجز في الفرائض: ابن الحاج: 1/181 رجز في الفرائض: ابن فرقد: 1/192 رجوع الإنذار بهجوم العذار: ابن البراق: 2/342 الرحلة: صفوان بن إدريس: 3/267 رحلة: ابن جبير ابن جبير: 2/148 الرحلة: العنوية النفزي: 1/194 رحلة المتبتل: المقري (أبو عبد الله) : 2/125 الرحلة النباتية والمستدركة: ابن الرومية: 1/87 الردّ على ابن خروف: الرندي: 4/85 الردّ على ابن غرسية في رسالته في تفضيل العجم على العرب: ابن الفرس: 3/416 الرد على أهل الإباحة: ابن الخطيب السلماني: 4/388 ردع الجاهل عن اغتياب المجاهل: أحمد بن إبراهيم بن الزبير: 1/73 رسائل الأبرار وذخائر أهل الحظوة والإيثار في انتخاب الأدعية المستخرجة من الأخبار والآثار: ابن النفزي: 4/149 الرسائل في الفقه والمسائل: النفزي: 1/194 رسالة حي بن يقظان: ابن طفيل: 2/334 رسالة الطاعون: ابن الخطيب السلماني: 4/388 الرسالة العلمية: الششتري: 4/173 رسالة في ادّخار الصبر وافتخار القصر والفقر: ابن عسكر: 2/105 الجزء: 4 ¦ الصفحة: 599 رسالة في الأسطرلاب الخطي والعمل به: محمد بن رضوان: 2/82 الرسالة القدسية في توحيد العامة والخاصة: الششتري: 4/173 الرسالة النورية في ترتيب السلوك: ابن سبعين: 4/23 رصف المباني في حروف المعاني: ابن عبد النور: 1/78 رصف نفائس اللآلي، ووصف عرائس المعالي: الزيات: 1/146 رغائب القرآن: ابن حبيب السلمي: 3/422 رفع الحجب المستورة في محاسن المقصورة: محمد بن أحمد الحسني: 2/113 رقم الحلل في نظم الدول: ابن الخطيب السلماني: 1/214، 228 3/257، 4/390 الرمي بالحصا: ابن المرحل: 3/233 الرميمة: ابن الخطيب السلماني: 4/388 الرهون والحدثان: ابن حبيب السلمي: 3/422 الروض الآنف والمشرع الرّوا فيما اشتمل عليه كتاب السيرة واحتوى: أبو القاسم السهيلي: 3/364 الروض المحظور في أوصاف بني منظور:- 2/101 روضة الجنان: ابن فضيلة: 2/228 روضة الحدائق في تأليف الكلام الرائق: ابن البراق: 2/342 روضة العباد المستخرجة من الإرشاد: ابن الحاج: 1/180 رياضة الأبي في قصيدة الخزرجي: محمد بن أحمد الحسني: 2/113 ريحان الآداب وريعان الشباب: ابن المواعيني: 2/224 ريحانة الكتاب: ابن الخطيب السلماني: 4/388 باب الزاي زاد المسافر: صفوان بن إدريس: 3/267 الزبدة الممخوضة: ابن الخطيب السلماني: 4/388 الزهرات وإجالة النظرات: ابن الحاج: 1/180 زهرة البستان ونزهة الأذهان: محمد بن مالك الطغنري: 2/182 زواهر الأنوار وبواهر ذوي البصائر والاستبصار في شمائل النبي المختار: ابن النفزي: 4/149 الجزء: 4 ¦ الصفحة: 600 الزيج القويم: ابن الرقام: 3/49 باب السين السباعيات: ابن النفزي: 4/149 السباعيات من حديث الصدفي: ابن سالم: 4/255 سبيل الرشاد في فضل الجهاد: أحمد بن إبراهيم بن الزبير: 1/73 سحّ مزنة الانتخاب في شرح خطبة الكتاب: ابن الفخار: 3/66 السحب الواكفة والظلال الوارفة في الرد على ما تضمنه المضنون به على غير أهله من اعتقاد الفلاسفة: ابن منظور القيسي: 2/102 السحر والشعر: ابن الخطيب السلماني: 4/388 السخاء واصطناع المعروف: ابن حبيب السلمي: 3/422 سد الذريعة في تفضيل الشريعة: ابن الخطيب السلماني: 4/388 سر السراة في أدب القضاة: القاضي عياض: 4/193 السرّ المذاع في تفضيل غرناطة على كثير من البقاع: ابن السراج: 3/123 السلك المحلّى في أخبار ابن أبي جلّا:- 4/157 سلك المنخّل لمالك بن المرحل: ابن المرحل: 3/233 سلوة الخاطر فيما أشكل من نسبة النسب الرتب إلى الذاكر: ابن الحاج البلفيقي: 2/86 السليمانيات والعربيات وتنشيط الكسل: ابن هذيل: 4/334 باب الشين الشافي في اختصار التيسير الكافي: قاسم بن أحمد الحضرمي: 4/224 الشافي في تجربة ما وقع من الخلاف بين التيسير والتبصرة والكافي: ابن سلمون: 3/308 الشجرة في الأنساب: الملاحي: 3/136 شجرة في أنساب العرب: محمد بن رضوان: 2/82 شذور الذهب في صروم الخطب: الزيات: 1/147 شرح آية الوصية: أبو القاسم السهيلي: 3/364 شرح أبيات الإيضاح العضدي: ابن ميمون: 3/61 الجزء: 4 ¦ الصفحة: 601 شرح الأسماء الحسنى: ابن المرأة: 1/168 شرح الإشارة للباجي في الأصول: أحمد بن إبراهيم بن الزبير: 1/73 شرح إيضاح الفارسي: ابن باق: 3/52 شرح إيضاح الفارسي: ابن مأمون: 3/51 شرح البخاري: المهلب بن أحمد: 3/231 شرح التسهيل لابن مالك: ابن هانىء اللخمي: 3/109 شرح التيسير في القراءات: الباهلي: 3/424 شرح جمل أبي القاسم الزجاجي: الرندي: 4/85 شرح جمل الزجاجي: ابن مأمون: 3/51 شرح حشائش دياسقوريدوس وأدوية جالينوس: ابن الرومية: 1/87 شرح الشهاب أحمد بن عبد الرحمن الخزرجي: 1/70 الشرح الصغير على جمل الزجاجي: ابن ميمون: 3/61 شرح غريب البخاري: ابن أبي خيثمة الجبائي: 2/207 شرح قصيدة البردة: ابن خلدون: 3/386 الشرح الكبير على جمل الزجاجي: ابن ميمون: 3/61 شرح كتاب الإرشاد لأبي المعالي: ابن المرأة: 1/168 شرح كتاب الإيضاح: ابن الباذش: 4/78 شرح كتاب التسهيل لأبي عبد الله بن مالك: محمد بن أحمد الحسني: 2/113 شرح كتاب تسهيل الفوائد لابن مالك: النفزي: 3/29 شرح كتاب الرسالة: ابن أبي يحيى: 1/197 شرح كتاب الشهاب محمد بن عبد الرحمن الغساني: 3/134 شرح كتاب القرشي في الفرائض: ابن صفوان: 1/94 شرح كراسة الفخر الرازي: ابن هذيل: 4/334 شرح الكوامل لأبي موسى الجزولي: ابن عبد النور: 1/78 شرح محاسن المجالس لأبي العباس أحمد بن العريف: ابن المرأة: 1/168 شرح المسند الصحيح لمسلم بن الحجاج: علي بن أحمد الغساني: 4/138 الجزء: 4 ¦ الصفحة: 602 شرح مشكل ما وقع في الموطأ وصحيح البخاري: محمد بن خلف: 3/127 شرح معاني التحية: ابن عز الناس: 4/156 شرح المعشرات الغزلية والمكفرات الزهدية: ابن ميمون: 3/61 شرح مغرب أبي عبد الله بن هشام الفهري: ابن عبد النور: 1/78 شرح مقامات الحريري: ابن ميمون: 3/61 شرح المقامات الحريرية: ابن عطية: 4/195 شروف المفارق في اختصار كتاب المشارق: الزيات: 1/147 الشريف والإعلام بما أبهم في القرآن من أسماء الأعلام: أبو القاسم السهيلي: 3/364 الشفا بتعريف حقوق المصطفى: القاضي عياض: 4/193 باب الصاد الصحف المنشرة في القطع المعشّرة: ابن سالم: 4/256 الصدور والمطالع: ابن المرحل: 3/233 صلة الصلة لابن بشكوال: أحمد بن إبراهيم بن الزبير: 1/73 صناعة الجدل: ابن الفرس: 3/416 الصيّب الهتان الواكف بغايات الإحسان المشتمل على أدعية مستخرجة من الأحاديث النبوية وسور القرآن: ابن منظور القيسي: 2/102 الصيب والجهام والماضي والكهام: ابن الخطيب السلماني: 4/388، 390 باب الطاء الطالع السعيد: أبو الحسن بن سعيد: 1/232 الطالع السعيد (في التاريخ) : ابن سعيد: 4/130 طرفة العصر في تاريخ دولة بني نصر: ابن الخطيب السلماني: 1/200، 2/174، 3/254 طرفة العصر في دولة بني نصر: ابن الخطيب السلماني: 4/389، 390 الطرق المتداولة في القراءات: ابن الباذش: 1/77 الجزء: 4 ¦ الصفحة: 603 باب العين عائد الصلة: ابن الخطيب السلماني: 4/389، 390 العبارة الوجيزة عن الإشارة: الزيات: 1/146 العجالة: صفوان بن إدريس: 3/267 عجالة المستوفز المستجاز في ذكر من سمع من المشايخ دون من أجاز من أئمة المغرب والشام والحجاز: ابن مرزوق: 3/76 عدّة الداعي وعمدة الواعي: الزيات: 1/146 عدة المحق وتحفة المستحق: الزيات: 1/147 العذب والأجاج في شعر أبي البركات ابن الحاج: ابن الحاج البلفيقي: 2/86 عرائس بنات الخواطر المجلوّة على منصات المنابر: ابن الحاج البلفيقي 2/86 العروض: صالح بن يزيد: 3/276 العروض: أبو محمد القرطبي: 3/311 العروة الوثقى في بيان السنن وإحصاء العلوم: الششتري: 4/173 العشريات الزهدية: ابن المرحل: 3/233 العشريات والنبويات: ابن المرحل: 3/233 عمل من طبّ لمن حبّ: ابن الخطيب السلماني: 4/390 عنوان الدراية: الغبريني: 4/20 عوارف الكرم وصلات الإحسان فيما حواه العين من لطائف الحكم وخلق الإنسان: الزيات: 1/146 عواطف الأعتاب في لطائف أسباب المتاب: المنتشاقري: 4/333 باب الغين غرائب النجب في رغايب الشعب: المعمّم: 3/146 غرر الأماني المسفرات في نظم المكفرات: المنتشاقري: 4/333 الجزء: 4 ¦ الصفحة: 604 الغرر في تكميل الطرر: الكرسوطي: 3/100 الغرة الطالعة في شعراء المائة السابعة: ابن هانىء اللخمي: 3/109 الغلسيات: ابن الحاج البلفيقي: 2/86 غنية الخطيب بالاختصار والتقريب: المعمّم: 3/146 غنية الرابض في علم الفرائض: الشاط: 4/219 الغنية في شيوخ القاضي عياض: القاضي عياض: 4/193 غنية الكاتب وبغية الطالب: القاضي عياض: 4/193 الغيرة على أهل الحيرة: ابن الخطيب السلماني: 4/388 الغيرة المذهلة عن الحيرة والتفرقة والجمع: النفزي: 1/194 باب الفاء فائدة الملتقط وعائدة المغتبط: الزيات: 1/147 فتات الخوان ولقط الصوان: ابن الخطيب السلماني: 4/389 الفرائض: ابن حبيب السلمي: 3/422 الفرائض: ابن حفيد الأمين: 3/46 الفرائض وأعمالها: صالح بن يزيد: 3/276 فضائل القرآن: الملاحي: 3/136 الفعل المبرور والسعي المشكور فيما وصل إليه أو تحصل لديه من نوازل القاضي أبي عمر بن منظور: ابن منظور القيسي: 2/102 الفصل في الملل والأهواء والنحل: ابن حزم: 4/89 فصل المقال في الموازنة بين الأعمال: ابن عطية: 4/195 الفصول المقتضبة في الأحكام المنتخبة: ابن الحاج: 1/181 الفصول والأبواب في ذكر من أخذ غير من الشيوخ والأتباع والأصحاب: ابن الحاج البلفيقي: 2/86 فضل مكة: الخشني: 4/154 الفنون الستة في أخبار سبتة: القاضي عياض: 4/193 فهرسة حافلة: الشاط: 4/219 الفوائد العامة في لحن العامة: ابن جزي الكلبي: 3/12 الفوائد المنتخبة والموارد المستعذبة: ابن الحكيم اللخمي: 2/177 الجزء: 4 ¦ الصفحة: 605 الفيصل المنتضى المهزوز في الرد على من أنكر صيام يوم النيروز: ابن الفخار: 3/66 فيض العباب وإجالة قداح الآداب في الحركة إلى قسنطينة والزاب: ابن الحاج: 1/181 باب القاف قاعدة البيان وضابطة اللسان: الزيات: 1/146 قبول الرأي الرشيد في تخميس الوتريات النبويات لابن رشيد: المنتشاقري: 4/333 القدح المعلّى:-: 1/104 قراءة نافع: أبو محمد القرطبي: 3/311 قدر جمّ في نظم الجمل: ابن الحاج البلفيقي: 2/86 قرة عين السائل وبغية نفس الآمل: الزيات: 1/146 قصائد في مدح النبيّ صلى الله عليه وسلم: الفازازي: 3/396 قطع السلوك (أرجوزة) : ابن الخطيب السلماني: 1/214، 3/257، 4/390 القفل والمفتاح في علاج الجسوم والأرواح: ابن سعادة: 4/199 قلائد العقيان: الفتح بن خاقان: 4/210 قمع اليهود عن تعدّي الحدود: الشقوري: 3/137 القوانين الفقهية في تلخيص مذهب المالكية: ابن جزي الكلبي: 3/12 قوت المقيم: ابن هانىء اللخمي: 3/109 قوت النفوس وأنس الجليس: ابن أضحى: 4/66 باب الكاف كائنة ميرقة أحمد بن عبد الله المخزومي: 1/65 كتاب الأحكام: ابن الفرس: 3/416 كتاب الأربعين حديثا البلدانية: ابن الحاج: 1/180 كتاب الحيوان والخواص: ابن الرقام: 3/49 كتاب الدرج: ابن سبعين: 4/23 الجزء: 4 ¦ الصفحة: 606 كتاب الزمان والمكان: أحمد بن إبراهيم بن الزبير: 1/73 كتاب الشفاء: ابن الرقام: 3/49 كتاب الصفر: ابن سبعين: 4/23 كتاب العروض: ابن الحداد الوادي آشي: 2/220 كتاب العزلة: ابن عز الناس: 4/156 كتاب في التورية: ابن الحاج: 1/180 الكتاب الكبير في التاريخ: ابن رشيق: 1/267 كتاب المختلطة: أسد بن الفرات: 1/231 الكتاب المؤتمن في أنباء أبناء الزمن: ابن الحاج البلفيقي: 1/196 الكتيبة الكامنة في أدباء المائة الثامنة: ابن الخطيب السلماني: 4/390 كراهية الغناء: ابن حبيب السلمي: 3/422 الكل والإحاطة: ابن سبعين: 4/23 الكلام على الطاعون المعاصر: ابن الخطيب السلماني: 4/390 كلام على نوازل الفقه: ابن حفيد الأمين: 3/46 كيفية الأذان يوم الجمعة: ابن الرومية: 1/87 باب اللام اللائح المعتمد عليه في الرد على من رفع الخبر بلا إلى سيبويه: ابن الفخار: 3/66 اللباس والصحبة: ابن الحاج: 1/181 لذات السمع من القراءات السبع: الزيات: 1/146 اللطائف الروحانية والعوارف الربانية: الزيات: 1/146 لمح البهيج ونفح الأريج: المنتشاقري: 4/333 اللمحة البدرية في الدولة النصرية: ابن الخطيب السلماني: 4/388 اللمع الجدلية في كيفية التحدث في علم العربية: ابن منظور القيسي: 4/68 لهجة اللافظ وبهجة الحافظ: الزيات: 1/146 اللؤلؤ والمرجان: ابن المرحل: 3/233 اللؤلؤ والمرجان اللذان من العذب والأجاج يستخرجان: ابن الحاج البلفيقي: 2/86 الجزء: 4 ¦ الصفحة: 607 باب الميم ما اتفق لأبي البركات فيما يشبه الكرامات: ابن الحاج البلفيقي: 2/86 ما رأيت وما رئي لي من المقامات: ابن الحاج البلفيقي: 2/86 ما كثر وروده في مجلس القضاء: ابن الحاج البلفيقي: 2/86 المباحث البديعة في مقتضى الأمر من الشريعة: عبد الحكيم بن الحسين: 3/420 مباشرة ليلة السفح: ابن البراق: 2/342 المبدي لخطأ الرندي: أبو محمد القرطبي: 3/311 مثاليث القوانين في التورية والاستخدام والتضمين: ابن الحاج: 1/181 مثلى الطريقة في ذم الوثيقة: ابن الخطيب السلماني: 4/388، 390 مجاز فتيا اللحن للاحن الممتحن: ابن سالم: 4/256 المجتنى النضير والمقتنى الخطير: الزيات: 1/146 المجلّى والمحلّى: ابن حزم: 4/89 مجموع في الألغاز: ابن البراق: 2/342 مجموع في العروض: ابن فرقد: 1/192 المحبة: ابن الخطيب السلماني: 4/388 المحبة: ابن خلصون: 3/194 المحتسب: ابن جني: 3/416 مختار شعر ابن المرحل (الجولات) : ابن المرجل: 3/233 مختصر الأحكام السلطانية: ابن الفرس: 3/416 مختصر إصلاح المنطق: ابن عياش: 2/338 مختصر أغاني الأصبهاني: ابن عبد ربه التجيبي: 3/174 مختصر اقتباس الأنوار للرشاطي: محمد بن عبد الرحمن الغساني: 3/134 المختصر البارع في قراءة نافع: ابن جزي الكلبي: 3/12 مختصر الغريب المصنف: محمد بن رضوان: 2/82 مختصر كتاب الاستذكار لأبي عمر بن عبد البر: علي بن إبراهيم الجذامي: 4/148 مختصر كتاب الجمل لابن خاقان الأصبهاني: ابن القصير: 3/367 الجزء: 4 ¦ الصفحة: 608 مختصر كتاب النسب لأبي عبيد بن سلام: ابن الفرس: 3/416 مختصر المحتسب لابن جني: ابن الفرس: 3/416 مختصر ناسخ القرآن ومنسوخه لابن شاهين: ابن فرس: 3/416 المختلطة: أسد بن الفرات: 1/231 مدارك الحقائق في أصول الفقه: ابن النفزي: 4/149 المدخل إلى الهندسة: أصبغ بن محمد: 1/236 المراتب الإيمانية والإسلامية والإحسانية: الششتري: 4/173 مراتب العلوم وكيفية طلبها وتعلق بعضها ببعض: ابن حزم: 4/89 المرجع بالدرك على ما أنكر وقوع المشترك: ابن الحاج البلفيقي: 2/86 المرزمة: ابن سعيد: 4/130 المرقصات والمطربات: ابن سعيد: 2/340، 4/130 المسائل التي اختلف فيها النحويون من أهل البصرة والكوفة: ابن الفرس: 3/416 المسائل الطبية: ابن الخطيب السلماني: 4/388 مسألة الأهل المشترط بينهم التزاور: القاضي عياض: 4/193 المساهلة والمسامحة في تبيين طرق المداعبة والممازحة: ابن الحاج: 1/180 المسلسلات ابن الناظر: 1/260 المستنبطة على الكتب المدونة والمختلطة: القاضي عياض: 4/193 المسلسلات والإنشادات: ابن سالم: 4/256 المسهب في غرائب المغرب: الحجاري: 3/330 مشاحذ الأفكار في مآخذ النظار: ابن ميمون: 3/61 مشارق الأنوار على صحيح الآثار: القاضي عياض: 4/193 مشبهات اصطلاح العلوم: ابن الحاج البلفيقي: 2/86 المشتمل في أصول الوثائق: ابن أبي زمنين: 3/133 المشرع الروي في الزيادة على المروي: ابن عسكر: 2/104 المشرف الأصفى في المأرب الأوفى: الزيات: 1/146 المشرق في حلى المشرق: ابن سعيد: 4/130 مصباح الظلم، في الحديث: ابن سالم: 4/255 الجزء: 4 ¦ الصفحة: 609 مطالع أنوار التحقيق والهداية: القرشي: 4/168 مطلع الأنوار البهية: ابن صفوان: 1/94 مطلع الأنوار ونزهة الأبصار فيما احتوت عليه مالقة من الرؤساء والأعلام والأخيار وتقيّد من المناقب والآثار: ابن عسكر: 2/105 مطمح الأنفس: الفتح بن خاقان: 4/210 المعاملات ثمار العدد: أصبغ بن محمد: 1/236 المعاني المبتكرة الفكرية في ترتيب المعالم الفقهية: عبد الحكيم بن الحسين: 3/420 المعتمدة في الأغذية المفردة: ابن الخطيب السلماني: 4/390 المعجم في شيوخ أبي سكرة: القاضي عياض: 4/193 المعجم في مشيخة أبي القاسم بن حبيش: ابن سالم: 4/256 المعجم ممن وافقت كنيته زوجه من الصحابة: ابن سالم: 4/256 المعشّرات الحبية: الفازازي: 3/396 المعشّرات الزهدية: الفازازي: 3/396 المعشرات الغزلية والمكفرات الزهدية: ابن ميمون: 3/61 المعلم بزوائد البخاري على مسلم: ابن الرومية: 1/86 معيار الاختيار: ابن الخطيب السلماني: 4/388 المغازي: ابن حبيب السلمي: 3/422 المغرب في اختصار المدونة: ابن أبي زمنين: 3/133 المغرب في حلى المغرب: ابن سعيد: 4/130 مغنيطاس الأفكار فيما تحتوي عليه مدينة الفرج من النظم والنثر والأخيار: الحجاري: 3/328 مفاضلة بين مالقة وسلا: ابن الخطيب السلماني: 4/388 مفاوضة القلب العليل ومنابذة الأمل الطويل بطريقة أبي العلاء المعري في ملقى السبيل: ابن سالم: 4/256 المقاصد الحسان فيما يلزم الإنسان: القاضي عياض: 4/193 مقالة في الإخوان: ابن البراق: 2/342 مقالة في علم العروض الدوبيتي: التلمساني: 1/169 الجزء: 4 ¦ الصفحة: 610 المقاليد الوجودية في أسرار إشارات الصوفية: الششتري: 4/173 مقام رسول الله صلى الله عليه وسلم: ابن حبيب السلمي: 3/422 المقام المخزون في الكلام الموزون: الزيات: 1/146 مقامة السياسة: ابن الخطيب السلماني: 4/388 المقتطف: ابن سعيد: 4/130 ملء العيبة: ابن رشيد: 2/323 ملء العيبة فيما جمع بطول الغيبة في الوجهتين الكريمتين إلى مكة وطيبة: ابن رشيد: 3/103 ملاذ المستعيذ وعياذ المستعين في بعض خصائص سيد المرسلين: المنتشاقري: 4/333 ملاك التأويل في متشابه اللفظ في التنزيل: أحمد بن إبراهيم بن الزبير: 1/73 ملخص أسانيد الموطأ: أبو محمد القرطبي: 3/311 ملقى السبل في فضل رمضان: ابن البراق: 2/342 الممتع في تهذيب المقنع: ابن الكماد: 3/44 مناسك الحج: المعمّم: 3/146 منتخب الأحكام: ابن أبي زمنين: 3/133 منظوم الدرر في شرح كتاب المختصر: ابن الفخار: 3/66 المنهاج في ترتيب مسائل الفقيه المشاور أبي عبد الله ابن الحاج: عبد الله بن أحمد الغافقي: 3/315 منهج السداد في شرح الإرشاد: ابن النفزي: 4/149 منهج الضوابط المقسمة في شرح قوانين المقدمة: ابن الفخار: 3/66 المنوطة على مذهب مالك: ابن خدوج: 3/309 المهذب في تفسير الموطأ: ابن أبي زمنين: 3/133 المؤتمن على أنباء أبناء الزمن: ابن الحاج البلفيقي: 2/86، 3/147 الموارد المستعذبة: ابن الحكيم: 4/168 الموارد المستعذبة: أبو بكر ابن الحكيم: 2/325 مواهب العقول وحقائق المعقول: النفزي: 1/194 الموطأة لمالك: ابن المرحل: 3/233 الجزء: 4 ¦ الصفحة: 611 ميدان السابقين وحلية الصادقين المصدقين: ابن سالم: 4/256 ميزان العمل: ابن رشيق: 1/267 ميزان العمل: ابن رشيق: 2/177 باب النون ناسخ القرآن ومنسوخه: ابن شاهين: 3/416 الناسخ والمنسوخ: ابن حبيب السلمي: 3/422 النبات: الشفرة: 3/138 نتائج الأفكار في إيضاح ما يتعلق بمسألة الأقوال من الغوامض والأسرار: ابن النفزي: 4/149 نتيجة الحب الصميم وزكاة المنثور والمنظوم: ابن سالم 4/256 نتيجة وجد الجوانح في تأبين القرين الصالح: ابن جبير: 2/148 النجوم: ابن حبيب السلمي: 3/422 نخبة الأعلاق ونزهة الأحداق في الأدباء: ابن خلاف: 4/136 نزهة الأبصار في نسب الأنصار: ابن الفراء: 4/62 نزهة الأصفياء وسلوة الأولياء في فضل الصلاة على خاتم الرسل وصفوة الأنبياء: ابن النفزي: 4/149 نزهة الحدق في ذكر الفرق: ابن الحاج: 1/180 نزهة الخاطر في مناقب عمار بن ياسر: ابن عسكر: 2/104 النسب: ابن حبيب السلمي: 3/422 النسب: أبو عبيد بن سلام: 3/416 النصائح المنظومة: ابن أبي زمنين: 3/133 نصح المقالة في شرح الرسالة: ابن الفخار: 3/66 نصرة الحق ورد الباغي في مسألة الصدقة ببعض الأضحية: عبد الحكيم بن الحسين: 3/420 نظم البرهان على صحة جزم الأذان: القاضي عياض: 4/193 الجزء: 4 ¦ الصفحة: 612 نظم الجمان في التشكي من إخوان الزمان: ابن جبير: 2/148 نظم الحلي في أرجوزة أبي علي: ابن الفراء: 4/62 نظم الدراري فيما تفرد به مسلم عن البخاري: ابن الرومية: 1/86، 87 نظم سلك الجواهر في جيّد معارف الصدور والأكابر: المعمّم: 3/146 نظم السلوك في الأنبياء والخلفاء والملوك: عزوز: 4/11 نظم السلوك في شيم الملوك: الزيات: 1/146 نظم شمائل الرسول صلى الله عليه وسلم: علي بن أحمد الغساني: 4/155 نظم في العروض والقوافي: القالوسي: 3/54 نفاضة الجراب: ابن الخطيب السلماني: 2/191 نفاضة الجراب في علالة الاغتراب: ابن الخطيب السلماني: 4/388، 390 النفاية بعد الكفاية: ابن الخطيب السلماني: 4/390 النفحات الرندية واللمحات الزندية: المنتشاقري: 4/333 نفحات المسوك وعيون التبر المسبوك في أشعار الخلفاء والوزراء والملوك: ابن منظور القيسي: 2/102 النفحة الأرجية في الغزوة المرجية: ابن خميس الأنصاري: 3/141 النفحة القدسية: المعمّم: 3/146 النفحة الوسيمة والمنحة الجسيمة: الزيات: 1/146 النكت والأمالي في الرد على الغزالي: محمد بن خلف: 3/127 نكتة الأمثال ونفثة السحر الحلال: ابن سالم: 4/256 نهج المسالك للتفقه في مذهب مالك: علي بن أحمد الغساني: 4/155 نوازل الفقه: ابن حفيد الأمين: 3/46 النور المبين في قواعد عقائد الدين: ابن جزي الكلبي: 3/12 باب الهاء الهندسة: أصبغ بن محمد: 1/236 الهودج في الكتب: ابن الحكيم اللخمي: 2/177 الجزء: 4 ¦ الصفحة: 613 باب الواو واسطة السلوك في سياسة الملوك: موسى بن يوسف (أبو جمّو) : 3/216 الواضحة: ابن حبيب السلمي: 3/422 الواضحة: ابن المرحل: 3/233 الوافي في علم القوافي: صالح بن يزيد: 3/276 الوجيز في التفسير: عبد الحق بن غالب: 3/412 الورع في المال: ابن حبيب السلمي: 3/422 الوزارة: ابن الخطيب السلماني: 4/388 الوسائل ونزهة المناظر والحمائل: ابن الحاج: 1/180 الوسيلة إلى إصابة المعنى في أسماء الله الحسنى: علي بن أحمد الغساني: 4/155 الوسيلة في الأسماء الحسنى: علي بن أحمد الغساني: 4/138 الوسيلة الكبرى المرجو نفعها في الدنيا والأخرى: ابن المرحل: 3/233 وسيلة المسلم في تهذيب صحيح مسلم: ابن جزي الكلبي: 3/11 الوشاح المفضّل: ابن المواعيني: 2/224 الوصايا النظامية في القوافي الثلاثية: الزيات: 1/146 وصف السلوك إلى ملك الملوك: ابن خلصون: 3/194 الوصول لحفظ الصحة في الفصول: ابن الخطيب السلماني: 4/388 باب الياء اليوسفي في الطب: ابن الخطيب السلماني: 4/388، 390 الجزء: 4 ¦ الصفحة: 614 فهرس الأماكن والبقاع باب الألف آقلة (قرية) : 1/33. إبتايلس (قرية) : 1/35. أبدة: 2/46، 73. أبّذة: 1/193 ابن ناطح (قرية) : 1/33. أججر (قرية) : 1/32. أحجر (قرية) : 1/33. أحواز طنجة: 3/255 أحواز الغبطة: 2/262. أربل (قرية) : 1/35. أرجدونة: 2/26، 3/349، 4/334. أرجونة: 2/51. الأرش (مدينة) : 1/63. أرنالش (قرية) : 1/35. أركش: 3/64. أرملة (قرية) : 4/48. أرملة الصغرى (قرية) : 1/32. أرملة الكبرى (قرية) : 1/32. أرينتيرة (قرية) : 4/138. إستبّة: 2/376. إستبونة- إشتبونة. إستجة: 1/18، 2/207، 4/27. إسطبونة: 3/53. الإسكندرية: 2/139، 147، 152، 3/173. أشبونة: 4/28. إشبيلية: 1/15، 88، 230، 254، 262، 306، 2/61، 73، 75، 77، 81، 101، 144، 153، 3/63، 157، 377، 402، 4/95، 129. إشبيلية: 4/139. أشتبونة: 2/10، 84. أشتر (قرية) : 1/33. أشقطمر (قرية) : 1/34، 4/309. أشكر (قرية) : 1/32. أشكن (قرية) : 1/35. أصبهان: 2/147. أطريرة: 2/45. أغمات: 2/69. إفراغة: 1/22، 2/70. إفريقية: 1/20، 159، 238، 294، 296، 305، 331، 3/14، 378، 409، 4/99، 201. إلبيرة: 1/13، 14، 17، 18، 19، 22، 165، 229، 267، 268، 2/60، 84، 189، 3/135، 230، 354، 357، 440، 4/26، 44، 85، 199، 279. إلبيرة (قرية) : 1/34. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 615 ألفنت (قرية) : 1/34. ألمرية: 1/15، 60، 68، 71، 80، 108، 259، 268، 297، 2/83، 84، 96، 226، 243، 246، 262، 299، 300، 345. ألمرية: 3/44، 68، 141، 142، 148، 158، 166، 170، 176، 299، 333، 362، 4/64، 222، 224. أنتيانة (قرية) : 1/34. الأنجرون: 3/439. أندرش: 1/52، 3/158. الأندلس (وردت في معظم صفحات الكتاب) . أندة: 1/287. أنطاكية: 1/15. أنطس (قرية) : 1/33. أنقر (قرية) : 1/33. باب الباء باب إستجة: 1/254. باب إشبيلية: 2/62. باب إلبيرة: 1/21، 246، 285، 418، 3/19، 4/123. باب بجاية: 1/80. باب البنود: 2/41. باب السادة (بمراكش) : 4/142. باب السمارين: 2/10. باب عبد الجبار: 2/288. باب الفخارين: 1/76. باب الفرج: 1/182، 2/63. باب قبالة: 1/57. باب يعقوب: 1/208. باجة: 2/68، 153. بادس: 3/101. بادي (قرية) : 1/275. باغة (مدينة) : 1/291، 3/403. باغوة (مدينة) : 1/308. بجّانة: 2/96. بجاية: 1/63، 80، 163، 2/84، 124، 242، 3/49، 419، 420. بحر الزقاق: 3/100. بحر الشام: 1/15. البحر المحيط الغربي: 1/15. براجلة ابن خريز (إقليم) : 1/56. بربل (قرية) : 1/35. برج هلال (قرية) : 1/34. برجلونة- برشلونة. برجة: 1/52، 59، 285، 2/84، 229. برجيلة قيس: 4/26. برذنار (قرية) : 1/33. برسانة برياط (قرية) : 1/34. برشانة: 1/22، 2/82، 341. برشلونة: 2/15، 59، 71، 3/148، 4/290. برقلش (قرية) : 1/34. برقة: 2/189. البساط (إقليم) : 1/231. بسطة: 1/22، 80، 259، 2/73، 80، 3/44، 316، 4/81، 188. البشارات: 3/411. البشارّة: 3/129. بشارة بني حسان: 3/129. بشتر: 4/27. بشر (قرية) : 1/35. بشر عيون: 1/31. بشرّة غرناطة: 3/139. بطليوس: 3/172، 4/28. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 616 بغداد: 2/147. بلاد العدوة: 1/15. بلاد القبلة: 2/59. بلاد يأجوج ومأجوج: 1/14. البلاط (إقليم) : 1/33، 4/225. بلاي: 1/23. بلّش: 1/24، 145، 150، 3/43، 47، 60، 68، 181، 320، 328، 4/69، 360. بلفيق: 2/83. بلنسية: 1/22، 66، 68، 104، 223، 258، 312، 2/73، 152، 3/220، 4/217. البلوط (قرية) : 1/34. بلومال (قرية) : 1/34. بليانة (قرية) : 1/34. بنوط (قرية) : 1/35. البنية (مدينة) : 2/49. بونة: 3/15، 4/201. بياسة: 2/73، 3/175، 308، 4/187. بيبش (قرية) : 1/32. بيت المقدس: 2/125، 147. بيرة- إلبيرة. بيرة (قرية) : 1/33. بيش: 1/23. بيش (قرية) : 1/35. بين القصرين: 3/29. البينول: 2/84. باب التاء تاجرة الجمل (إقليم) : 3/400. تازا- تيزى. تازي: 1/196. تاكرونا: 2/51، 4/25. تجرجر (قرية) : 1/33. تطيلة: 4/357. تلمسان: 1/163، 305، 312، 321، 331، 2/8، 20، 54، 116، 137، 143، 299، 3/52، 75، 256، 352، 411، 4/40، 287. تلمسان: 4/314، 318. تنبكتو: 1/177. تونس: 1/19، 63، 66، 138، 159، 163، 167، 312، 321، 2/8، 20، 54، 125، 412، 418، 3/57، 124، 205، 256، 377، 395، 409، 4/129. تونس: 4/135، 289، 489. تيزى: 3/102، 255. تينملل: 3/419. باب الجيم جامع باب الفخارين: 3/48. جامع الربض: 3/55. جامع غرناطة: 3/48. جبال تاغسى: 4/220. جبانة باب إلبيرة: 1/144. جبانة باب الفخارين: 1/76. جبانة جبل فاره: 3/183. جبانة الشيوخ (بمراكش) 3/336، 4/142. جبل أبي خالد: 1/229. جبل الثلج- جبل شلير. جبل درن: 4/183. جبل شلير: 1/16، 3/324. جبل طارق- جبل الفتح. جبل فاره: 1/289، 3/183. جبل الفتح: 1/71، 89، 308، 2/9، 3/116. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 617 جبل الفخار: 1/29. جرف مقبل: 1/26. جرليانة (قرية) : 1/33. الجزائر (مدينة) : 3/408. الجزيرة الخضراء: 1/330، 2/48، 57، 3/68، 140، 4/312، 344. جزيرة شقر: 1/66، 104، 2/228. جزيرة طريف: 1/197. جنة ابن عمران: 1/26. جنة ابن كامل: 1/26. جنة ابن المؤذن: 1/26. جنة الجرف: 1/26. جنة الحفرة: 1/26. جنة العرض: 1/26. جنة العريف: 1/26، 2/11. جنة فدان عصام: 1/26. جنة فدان الميسة: 1/26. جنة قداح بن سحنون: 1/26. جنة المعروري: 1/26. جنة نافع: 1/26. جنة النخلة السفلى: 1/26. جنة النخلة العليا: 1/26. جيّان: 1/19، 75، 76، 196، 2/46، 51، 73، 269. جيجانة (قرية) : 1/33. باب الحاء حارة البحر: 1/60. حارة الجامع: 1/33. حارة عمروس (قرية) : 1/33. حارة الفراق: 1/33. الحبشان (قرية) : 1/33. الحجاز: 2/311. حرّان: 2/148. حش أبي علي: 1/31. حش البكر: 1/33. حش البلوطة (قرية) : 1/34. حش بني الرسيلية (قرية) : 1/34. حش البومل (قرية) : 1/34. حش خليفة (قرية) : 1/34. حش الدجاج (قرية) : 1/34. حش رقيب (قرية) : 1/34. حش الرواس (قرية) : 1/34. حش زنجيل: 1/33. حش السلسلة (قرية) : 1/34. حش الصحاب: 1/31. حش علي (قرية) : 1/34. حش قصيرة (قرية) : 1/34. حش الكوباني (قرية) : 1/34. حش مرزوق (قرية) : 1/34. حش المعيشة (قرية) : 1/34. حش نوح (قرية) : 1/34. حصن أركش: 3/67. حصن أريول: 3/261. حصن أشر: 2/45. حصن ألبنت: 4/277. حصن أندة: 1/287. حصن أوطة: 4/25. حصن بجيج: 1/207. حصن برشانة: 2/337. حصن بيبش: 1/32. حصن تشكر: 1/207. حصن خريز: 1/31. حصن روط: 1/208. حصن سنيانة: 1/32. حصن شتمانس: 1/207. حصن شلب: 2/153. حصن طلياطة: 4/57. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 618 حصن غافق: 3/314. حصن قشتالة: 1/308. حصن قشرة: 1/308. حصن قمارش: 3/139. حصن المدور: 1/291. حصن مطرنيش: 4/318. حصن ملتماس: 4/68. حصن منتشافر: 4/26. حصن منتفريد: 3/294. حصن منتماسن: 1/60. حصن منت ميور: 1/103. حصن منتيل: 2/46. حصن ناجرة: 1/31. حصن النجش: 1/274. حصن واط: 1/32، 3/420. حصن الورد: 1/103. حصن ولبة: 3/10. حصن يسر: 3/55. حصن البراجلة: 3/10. حمام أبي العاصي (بغرناطة) : 1/271. حمراء غرناطة: 1/182، 318. حمص: 2/61. الحمّة: 1/59، 3/67. حمّة بجانة: 2/96. الحورة (قرية) : 1/34. حوز الساعدين: 1/32. حوز وتر: 1/32. باب الخاء خراسان: 1/14. الخندق العميق (المشايخ) : 1/28. باب الدال دار ابن جزي: 1/31. دار أم مرضي: 1/31. الدار البيضاء: 1/31. دار الحديث الأشرفية: 3/103. دار خلف: 1/31. دار السنينات: 1/31. دار العطشى: 1/31. دار الغازي (قرية) : 1/34. دار نبلة ووثر: 1/31. دار هذيل: 1/31. دار وهدان (قرية) : 1/33. دانية: 1/127، 257، 2/73، 4/85، 155. دجمة (قرية) : 1/23. ددشطر (قرية) : 1/35. درب أبي العاصي (بغرناطة) : 1/271. درب الفرعوني: 2/288. دلاية: 2/84. دمشق: 2/311، 3/103، 400. دمياط: 4/183. دور (قرية) : 1/35. الدوير (قرية) : 1/34. دويرتايش (قرية) : 1/33. الديموس الصغرى (قرية) : 1/34. الديموس الكبرى (قرية) : 1/34. باب الذال ذرذر (قرية) : 1/35. ذكر (قرية) : 1/24. باب الراء رابعة بني عمار: 1/57. ربض البيازين: 1/256، 2/196. رحبة أبان: 2/288. رغون: 1/305، 312، 321، 332، 2/24، 54. رقاق (قرية) : 1/32. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 619 رق المخيض (قرية) : 1/34. الرقة: 1/15. رقوطة: 4/20. الركن (قرية) : 1/34. رمداي: 1/273. رندة: 1/306، 2/153، 181، 311، 330، 3/49، 275، 359، 4/25، 84، 322. روضة بني يحيى: 1/57. روط: 1/208. روطة: 1/219، 3/194، 329. رومة (قرية) : 1/31. ريّة (كورة) : 3/349، 4/25. باب الزاي الزاوية (قرية) : 1/35. زقاق الششتري: 4/172. زناتة: 1/258. زنيتة (قرية) : 4/201. باب السين ساقية القليعي: 1/45. سبتة: 1/63، 68، 227، 2/87، 92، 112، 144، 145، 153، 295، 3/3، 17، 55، 68، 101، 141، 231، 293، 400، 4/4، 160، 188، 217. سبتة: 4/224. السبيكة: 1/183، 2/56. سبح (قرية) : 1/35. سجلماسة: 1/219، 222، 2/261، 3/406، 4/194، 313. سردانية: 1/15. سرقسطة: 1/68، 151، 152، 219، 220، 221، 2/370، 3/51، 4/135. سرقوسة: 1/231. سعدى (قرية) : 1/35. سقرسطونة: 2/51. السكة: 1/23. سكون (قرية) : 2/186. سلا (مدينة) : 1/71، 4/312. سنبودة (قرية) : 1/33. سنتشر (قرية) : 1/33. سند (قرية) : 4/138. سنيانة (قرية) : 1/32. السودان: 1/177. سويدة (قرية) : 1/34. السيجة (قرية) : 1/33. باب الشين شابش: 4/136. شاطبة: 1/15، 2/73، 4/187. شالش: 3/420. شالة: 4/384. الشام: 1/14، 2/61، 125، 4/183. شتمانس (قرية) : 1/35. شدونة: 2/146. شريش: 3/46، 65. ششتر: 4/172. شقورة: 2/269، 3/136. الشكروجة (قرية) : 1/34. شكنب (قرية) : 3/400. شلار: 1/230. الشلان (قرية) : 1/34. شلب: 2/288، 3/329. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 620 شلوبانية: 3/409. شنترين: 3/333، 4/28، 308. شنتلية: 3/349. شنتمرية: 3/231. شوذر (قرية) : 1/33. الشوش (قرية) : 1/33. شون (قرية) : 1/34، 165. شيجة: 1/23. باب الصاد صخرة الوادي (قرية) : 4/208. الصخور: 2/74. الصيرمورتة: 1/231. باب الضاد ضوجر (قرية) : 1/34. باب الطاء طرجيلة (قرية) : 4/25. طرّش: 3/139. طرطوشة: 1/15، 127، 268، 4/156، 194. الطرف (قرية) : 1/34. طريف: 2/109، 3/13، 46، 298، 4/289، 290. طشانة (إقليم) : 2/61. طغنر (قرية) : 1/34، 56، 2/182. طلبيرة: 4/45. طلياطة (حصن) : 4/57. طليطلة: 1/18، 19، 2/62، 77، 3/157، 294، 4/79. طنجة: 3/206. طوق الحضرة: 1/45. طيلاطة: 1/306. الطينة (قرية) : 4/183. باب العين عرتقة (قرية) : 1/33. العريش: 2/61. العنّاب: 1/161. العيران (قرية) : 1/34. عين الأبراج: 1/31. عين الحورة (قرية) : 1/34. عين الدمع: 1/29. باب الغين الغبطة: 2/262. غدير الصغرى: 1/33. غدير الكبرى: 1/33. غرليانة (قرية) : 1/33. غرناطة (وردت في معظم صفحات الكتاب) . غرنطلة (قرية) : 1/33. الغروم (قرية) : 1/33. غسان (قرية) : 1/33. غلجر (قرية) : 1/35. الغيضون (قرية) : 1/32، 34. باب الفاء فاس: 1/71، 134، 197، 305، 311، 320، 2/59، 81، 82، 84، 114، 116، 124، 139، 144، 164، 171، 185، 371، 3/8، 51، 52، 68، 98، 108. فاس: 3/118، 231، 386، 4/18، 47، 99، 162، 282. فتن (قرية) : 1/35. فحص البلوط: 4/28. فحص الرنيسول: 1/23. الفخار (قرية) : 1/35. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 621 فدان عصام: 1/26. فدان الميسة: 1/26. فرتش: 4/360. فرتونة: 4/40. الفرج (مدينة) : 3/328. فرغليط: 2/269. فرقد: 3/366. فنتيلان (قرية) : 1/33. فنيانة: 2/84. باب القاف قابس: 1/63. القاهرة: 3/28، 30، 448، 4/131. قبالة (قرية) : 1/34. قبرة: 1/23، 308. قرباسة (قرية) : 1/35. قربسانة (قرية) : 1/34، 4/225. قربليان: 3/137. قرطاجنة: 1/191. قرطبة: 1/83، 260، 308، 2/73، 77، 269، 287، 288، 347، 370، 3/294، 318، 358. قرمونة: 2/73. قريش (قرية) : 1/35. قرية ابن ناطح: 1/33. قرية البلوط: 1/34. قرية الخزرج: 2/51. قرية الفخار: 1/35. قرية قريش: 1/35. قرية النبيل: 1/35. قسطيلية: 1/13. قسلة (قرية) : 3/412. قسنطانية: 4/201. قشتالة: 1/152، 290، 291، 305، 321، 331، 2/9، 21، 54، 61، 72، 3/258، 4/289. قشتالة (قرية) : 1/32، 152. القصر (قرية) : 1/22، 35. قصر كتامة: 3/288. قصر نجد: 4/17. القصيبة (قرية) : 1/33. قفصة: 2/334. ققلولش (قرية) : 1/35. قلتيش (قرية) : 1/34. قلجار (قرية) : 1/32. القلصادة: 1/289. قلعة أيوب: 3/309. قلعة بني سعيد- قلعة يحصب. القلعة الملكية- قلعة يحصب. قلعة يحصب: 1/23، 272، 3/163، 347، 440، 4/18، 129، 208. قلقاجج (قرية) : 1/35. قلمرية: 4/45. قلنبيرة (قرية) : 1/35. قلنقر (قرية) : 1/35. قمارش: 3/138. القمور (قرية) : 1/33. القنار (قرية) : 1/35. قنالش (قرية) : 1/35، 2/84. قنب قيس: 1/33، 3/135. قنتر (قرية) : 1/35. قنتورية: 1/286. قنجة: 3/177، 178. قنطرة القاضي (بغرناطة) : 4/63. قورت (قرية) : 3/420. قولجر (قرية) : 1/33. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 622 قولر (قرية) : 1/33. قيجاطة: 1/329، 2/325، 3/176. القيروان: 1/229، 231، 296، 3/356، 4/302. باب الكاف الكدية (قرية) : 1/34. كدية ابن سعد: 1/29. الكدية المبصلة: 1/29. كورة (قرية) : 1/35. باب اللام لاقش (قرية) : 1/34. لبلة: 3/63. لدوبيانة: 1/23. لسّانة (قرية) : 1/32. اللّسانة: 1/23. لص (قرية) : 1/35. اللقوق: 1/24. لورقة: 1/291، 3/414. لوشة: 1/229، 237، 2/174، 229، 3/158، 194، 293، 400، 403، 4/374. باب الميم ماس (قرية) : 1/34. مالقة: 1/15، 18، 57، 59، 66، 74، 77، 93، 101، 103، 168، 169، 259، 260، 261، 264، 313، 2/80، 84، 101، 103، 111، 207، 226، 252. مالقة: 2/261، 262، 267، 366، 3/45، 47، 53، 55، 56، 64، 67، 68، 98، 13، 145، 147، 158، 172، 179، 181، 182، 187، 291، 335، 337، 347. مالقة: 3/425، 4/67، 147، 151، 154، 160، 164، 221، 277، 321. مجلقر: 3/22. مدرج السبيكة: 1/26. مدرج نجد: 1/26. مدينة سالم: 2/61. مدينة الفرج: 3/231. المدينة المنورة: 2/149، 311. مراكش: 1/25، 63، 69، 70، 71، 127، 143، 171، 220، 223، 227، 252، 280، 2/54، 75، 224، 246، 336. مراكش: 2/341، 367، 375، 3/62، 153، 162، 274، 360، 366، 399، 419، 4/56، 142، 160، 212، 306، 363. مربلة: 2/84. مرتش: 1/209، 210. مرسانة: 1/23. مرسانة (قرية) : 1/34. مرسية: 1/15، 22، 168، 221، 291، 297، 2/73، 74، 233، 3/44، 49، 51، 55، 261، 266، 316. مرنيط (قرية) : 1/35. مسجد ابن عزرة: 3/48. مسجد أبي العاصي (بغرناطة) : 1/271. مسجد البيازين: 3/14. المسجد الجامع (بالحمراء) : 1/318. مسجد الضيافة (بقرطبة) : 3/423. المشايخ (الخندق العميق) : 1/28. المشيجة: 4/31. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 623 مصر: 1/229، 2/61، 147، 189، 418. المعروري: 1/26. المغرب: 1/237، 246، 262، 305، 330، 2/6، 19، 57، 311، 3/255، 288، 378، 4/3. المغرب الأقصى: 1/246. مقبرة إلبيرة: 1/59، 3/306. مقبرة أم سلمة: 3/423. مقبرة ربض البيازين: 4/216. مقبرة العسال: 3/353. مقبرة الغرباء: 1/142. المقرمدة: 2/82. مكناسة: 1/155، 3/68. مكناسة الجوف: 4/28. مكناسة الزيتون: 1/63. مكة المكرمة: 2/125، 147، 4/25. الملاحة (قرية) : 1/33، 3/135. ملتماس: 3/46، 4/151. مليانة: 1/63. منتفريد: 3/294، 4/162. منشتال (قرية) : 1/35. المنصورة: 1/22. المنظر (مدينة) : 1/318. منية السيد: 1/313. المهدية: 1/160. ميورقة: 1/15. باب النون ناجرة (قرية) : 1/31. الناعورة (بقرطبة) : 1/260. نبّارة: 2/22. نبالة (قرية) : 1/34. نبلة ووتر: 1/31. النبيل (قرية) : 1/35. النجش- حصن النجش. نفجر (قرية) : 1/33. نفجر وغرنطلة (قرية) : 1/33. النهر الأعظم (بإشبيلية) : 2/61. نهر الغنداق: 2/229. باب الهاء همدان (قرية) : 1/24، 32، 47. هنين: 2/95. هونين: 2/95. باب الواو وابشر (قرية) : 1/35. وادي آش: 1/22، 23، 24، 52، 275، 2/11، 73، 77، 111، 183، 249، 332، 333، 334، 341، 3/62، 164، 260، 287، 448، 4/16، 40، 115، 138، 142، 154، 172، 201، 360. وادي أفلم: 4/48، 49. وادي أم الربيع: 1/227. وادي الحجارة: 2/61، 3/231، 328. وادي الحمة: 1/275. وادي شلوبانية: 1/24. وادي طرش نصر: 1/60. وادي عبد شمس: 2/143. وادي الغيران: 2/243. وادي فرتونة: 1/207. وادي المنصورة: 1/274، 286. وادي ناطلة: 1/22. واط (قرية) : 1/32. والة (قرية) : 1/33. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 624 واني (قرية) : 1/35. الوطا (قرية) : 1/35. ولبة: 3/10. ولجر (قرية) : 1/35. الولجة (قرية) : 1/34. وهران: 1/253. باب الياء ياجر البلديين (قرية) : 1/32. ياجر الشاميين (قرية) : 1/32. يعشيش (قرية) : 4/151. يومين (قرية) : 2/61. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 625 فهرس القوافي قافية الألف المقصورة عتبى: مخلع البسيط: النفزي: 2: 3/43 أضحى:-: أبو بكر المخزومي: 3: 1/235 الضحى: الكامل: ابن الحاج البلفيقي: 19: 2/91 الصدى: الطويل: ابن جزي: 2: 2/170 يفدى: المجتث:-: 4: 3/288 الندى: الكامل: الرصافي: 1: 3/161 الهدى: الكامل:-: 11: 1/314 يبارى: المتقارب: ابن الخطيب السلماني: 2: 4/433 الأخرى: الطويل: ابن الخطيب السلماني: 2: 4/429 سرى: الطويل: ابن خلصون: 15: 3/197 أسرى: المجتث: ابن الشيخ: 2: 1/263 البشرى: الطويل: الورسيدي: 9: 4/222 الكرى: الطويل: ابن أبي حبل: 4: 1/75 الكرى: الكامل: ابن سعيد: 3: 4/132 للذكرى: الطويل: ابن الخطيب السلماني: 2: 4/453 الورى: المتقارب: ابن الخطيب السلماني: 2: 4/450 أسى: الطويل: ابن الجياب: 31: 4/108 البوسى: الطويل: ابن الخطيب السلماني: 1: 3/220 عيسى: الطويل: ابن هذيل: 16: 4/342 فقضى: البسيط:-: 1: 2/138 فمضى: الرمل: أبو المخشي: 15: 4/197 كفى: الكامل: عزوز: 36: 4/13 الجزء: 4 ¦ الصفحة: 626 تبقى: الكامل: ابن الخطيب السلماني: 2: 4/448 منتقى: الطويل: ابن أبي الخصال: 2: 2/280 يرقى: الطويل: ابن قطبة الدوسي: 7: 2/162 فتعالى: الخفيف: عبد الله بن سعيد السلماني: 3: 3/297 أولى: الطويل: ابن سالم: 5: 4/259 الخزامى: الرمل: ابن هذيل: 16: 4/337 الحمى: الطويل: ابن طفيل: 18: 2/335 لمى: البسيط: ابن المرابع: 10: 3/321 مثنى: الطويل: ابن الخطيب السلماني 4 4/452 الأدنى: الطويل: ابن أبي الخصال: 2: 2/278 معنى: الطويل: علي بن أحمد الغساني: 9: 4/155 أفنى: الطويل: العبدري: 3: 2/419 تفنى: الطويل: ابن حزم: 6: 4/89 الجوى: الطويل: ابن شبرين: 4: 2/154 والشكوى: الطويل: المليكشي: 8: 2/405 نوى: الطويل: ابن أبي الخصال: 2: 2/282 الهوى: المتقارب: ابن المرابع: 5: 3/323 قافية الهمزة الهمزة الساكنة وثناء: الطويل: ابن الحاج: 2: 1/181 الهمزة المفتوحة أضاءها: الطويل: قيس بن الخطيم: 1: 3/382 فناءه: الطويل: ابن أبي الخصال: 2: 2/280 هاء: السريع: ابن المرحل: 2: 3/242 الهمزة المضمومة باء: الوافر: الإستجي الحميري: 1: 2/212 أنباء: الطويل: ابن خميس: 51: 2/385 انتضاء: الوافر: القاضي عياض: 3: 4/190 جفاؤه: الطويل: النفزي: 2: 3/42 خفاء: الطويل: ابن الخطيب السلماني: 8: 3/95 الجزء: 4 ¦ الصفحة: 627 شركاء: الطويل: المنتشاقري: 13: 4/329 العناء: الوافر: النفزي: 12: 1/195 مناؤها: الكامل: ابن صفوان: 1: 1/99 ونهاؤه: الخفيف: أبو محمد ابن القبطرنة: 2: 1/300 ينشئها: المنسرح: ابن سعيد: 2: 4/130 واطئ: الطويل: ابن الحداد: 21: 2/222 الهمزة المكسورة رداء: الكامل: ابن خاتمة: 6: 1/115 أعدائه: الكامل ابن الحكيم اللخمي: 4: 2/324 أعدائها: الكامل: ابن الحاج البلفيقي: 4: 2/96 بسوداء: الطويل: النفزي: 2: 3/42 والضرّاء: الكامل:-: 2: 3/385 الفقراء: الكامل: الورّاد: 3: 4/146 الجوزاء: الخفيف: أبو إسحاق الإلبيري: 16: 4/63 استرضائه: الكامل: ابن الصقر: 2: 1/70 الحفاء: المتقارب: ابن رضوان: 2: 3/343 خفاء: مخلع البسيط: ابن الخطيب السلماني: 4: 4/51 الشرفاء: الكامل: ابن هانىء اللخمي: 34: 3/111 لصفائه: الكامل: الرصافي البلنسي: 3: 2/365 ذكائه: الطويل: ابن أبي الخصال: 2: 2/277 ماء: الوافر: ابن طلحة: 2: 1/106 بدمائه: الطويل: ابن فرسان: 2: 3/447 سماء: الكامل: صفوان بن إدريس: 25: 3/267 ظلماء: البسيط: ابن الخطيب السلماني: 3: 4/435 أثنائه: الكامل: الرصافي البلنسي: 2: 2/364 العناء: الخفيف: ابن جزي: 2: 2/171 قافية الباء الباء الساكنة الكتاب: السريع: ابن منظور القيسي: 4: 4/68 عجب: الطويل: النفزي: 2: 3/41 الجزء: 4 ¦ الصفحة: 628 وجب: الطويل: ابن الخطيب السلماني: 2: 4/448 صاحب: الوافر: ابن سالم: 2: 4/276 لاحب: المتقارب: البرجي: 4: 2/195 هارب المجتث: ابن فركون: 5: 1/51 الغضب: المتقارب: أبو القاسم السهيلي: 2: 3/365 الطلب: الرمل: أبو البركات ابن الحاج: 2: 1/61 عجيب: السريع: صالح بن يزيد: 3: 3/282 قريب: الخفيف: النفزي: 2: 3/42 القشيب: المتقارب: ابن زمرك: 3: 2/203 الرطيب: السريع: الشريشي: 7: 3/128 المغيب: السريع: ابن البراق: 5: 2/344 الباء المفتوحة وكآبه: الرمل: ابن الخطيب السلماني: 2: 4/437 قبابا: الوافر: صفوان بن إدريس: 45: 3/268 النجابه: مخلع البسيط: عبد الله بن سعيد السلماني: 2: 3/297 عابه: الوافر صالح بن يزيد: 1: 3/286 غابها: الكامل: ابن عبد الواحد: 5: 3/167 ركابا: الكامل: ابن هانىء الأندلسي: 2: 2/187 صوابه: مجزوء الرمل: المعتمد بن عباد: 3: 2/64 عتبى: مخلع البسيط: النفزي: 2: 3/43 عجبا: البسيط: صالح بن يزيد: 2: 3/280 وجبا: البسيط: ابن الخطيب السلماني: 2: 4/425 الحبّا: الطويل: ابن الحكيم اللخمي: 8: 2/323 مجدبا: الكامل: ابن الخطيب السلماني: 2: 2/85 مقتربا: البسيط: الشراط: 3: 3/336 طربا: البسيط: الشنتوقي: 2: 4/346 انتسبا: البسيط: ابن البنا: 6: 4/143 عصبه: البسيط: ابن الخطيب السلماني: 2: 4/433 قصبه: الرمل: ابن قزمان: 2: 2/350 تعبا: البسيط:-: 1: 3/382 تعبا: البسيط: إبراهيم بن سهل: 1: 1/307 الجزء: 4 ¦ الصفحة: 629 لعبا: المتدارك: ابن حريق: 8: 3/208 مرتقبا: المنسرح: ابن عرفة: 3: 1/141 كوكبا: السريع: ابن قزمان: 5: 2/348 مجانبا: الكامل: الفازازي: 14: 3/397 منتهبا: البسيط: ابن الخطيب السلماني: 2: 4/454 لهبه: البسيط: ابن سارة: 2: 3/334 حبيبا: الوافر: المتنبي: 1: 1/8 تعذيبا: الكامل: غالب بن عبد الرحمن: 2: 4/201 رقيبا: الوافر: الخشني: 5: 4/151 الباء المضمومة صائب: الطويل: أبو الحسن الجياب: 2: 1/330 بابها: الطويل: محمد بن حسان: 2: 2/57 آداب: الكامل: الشريف العمراني: 4: 2/373 ترابها: الطويل: الطويجن: 1: 1/172 العاتب: المتقارب: ابن الخطيب السلماني: 2: 4/434 يعاتبه: البسيط: البرجي: 82: 2/191 المهذّب: الطويل: الرشّاس: 2: 3/423 شارب: المتقارب: ابن الحاج: 2: 1/182 الشرب: الطويل: ابن زكريا: 4: 4/150 لهارب: الطويل: ابن عبد الواحد: 15: 3/167 الغرب: الطويل: ابن حزم: 8: 4/89 الخشب: البسيط: ابن الخطيب: السلماني: 1: 4/541 خواضب: الطويل: ابن بيبش: 3: 3/17 كوكب: الطويل: الفتح بن خاقان: 2: 3/401 الطلب: البسيط: ابن الخيمي: 2: 2/312 أطلب: الطويل: ابن الحاج: 2: 1/181 جانب: الطويل: ابن خاتمة: 7: 1/118 هبّوا: الطويل: ابن حسون البرجي: 15: 3/312 يذهبه: البسيط: علي بن إبراهيم المالقي: 30: 4/93 ويذهب: الطويل: ابن مالك المعافري: 1: 3/401 طروب: الخفيف: عبد الرحمن المعافري: 2: 3/401 الجزء: 4 ¦ الصفحة: 630 مرقوب: السريع: ابن الخطيب السلماني: 2: 4/296 مطلوب: الطويل: الزيات: 5: 1/149 مرهوبه: السريع: ابن الخطيب السلماني: 2: 4/437 حبيب: الطويل: ابن حبيب: 9: 3/422 حبيب: الوافر: صالح بن يزيد: 21: 3/283 عجيب: الطويل: ابن الحكيم اللخمي: 5: 2/181 يخيب: الطويل: ابن الجياب: 1: 4/120 قريب: الطويل: ابن قطبة: 4: 2/161 قريب: الطويل: ابن الخطيب السلماني: 51: 4/467 قريب: الطويل: ابن هذيل: 20: 4/340 وتقريب: البسيط: سهل بن محمد الأزدي: 27: 4/233 طيب: الطويل: سهل بن محمد الأزدي: 6: 4/240 وخطيب: الطويل:-: 2: 4/168 يغيب: الطويل: ابن قطبة: 4: 2/161 وتنيب: الطويل: الورّاد: 2: 4/146 الباء المكسورة به: الطويل: ابن أبي العافية: 2: 3/350 غائب: الطويل: ابن الخطيب السلماني: 19: 4/289 نائب: الطويل: الفازازي: 12: 3/398 لنوائبه: الطويل: ابن خاتمة: 2: 1/117 باب: مخلع البسيط: ابن الجياب: 4: 4/119 الألباب: الكامل: ابن جزي: 2: 3/303 الكتاب: الوافر: ابن قزمان: 2: 2/350 للخراب: الوافر: ابن الخطيب السلماني: 1: 1/159 أوصى بي: البسيط: القاضي عياض: 4: 4/190 خضابي: الطويل: ابن المرحل: 3: 3/241 بالعنّاب: الكامل: صالح بن يزيد: 3: 3/284 جوابي: الطويل: الشقوري: 3: 3/137 جواب: الطويل: ابن الخطيب السلماني: 35: 4/421 جوابي: الكامل: ابن عرفة: 4: 1/141 ثيابي: الكامل: الملياني: 6: 1/144 الجزء: 4 ¦ الصفحة: 631 سبب: البسيط: ابن الجبير: 4: 3/293 سبب: البسيط: الرصافي البلنسي: 19: 2/362 العجب: المتدارك: موسى بن محمد: 2: 3/208 حبّ: الكامل: ابن الخطيب السلماني: 2: 4/427 حبّي: الطويل:-: 5: 3/15 صحب: الطويل: ابن أبي الخصال: 2: 2/281 الأدب: البسيط: ابن الصيرفي: 3: 4/86 والأدب: البسيط: ابن شبرين: 34: 3/168 وتهذّبي: الكامل: أحمد بن عبد الملك بن سعيد: 6 1/90 المآرب: الطويل: ابن عطية المحاربي: 46: 3/431 بالغرب: الطويل:-: 1: 4/193 ومغرّب: الكامل:-: 1: 1/230 قربي: الطويل: ابن صفوان: 3: 3/180 التقرب: الطويل: أبو زيد: 1: 3/180 مكاسبه: الطويل: ابن عياش: 3: 2/340 المناسب: الطويل: ابن الخطيب السلماني: 2: 4/442 مكتسب: البسيط: الشريف العمراني: 8: 2/372 القشب: البسيط: ابن صفوان: 1: 1/99 القشب: البسيط: ابن عطية القضاعي: 1: 1/132 المناقب: الطويل: ابن جزي: 6: 3/12 السواكب: الطويل: عزوز: 6: 4/11 غالب: الطويل: ابن طفيل: 14: 2/334 مطلبه: البسيط: اليتيم: 14: 3/70 متجنّب: الكامل: المليكشي: 17: 2/406 ذنب: الطويل: ابن فرقد: 7: 1/193 ذنبه: الطويل: ابن الخطيب السلماني: 2: 4/430 ذهب: البسيط: صالح بن يزيد: 2: 3/283 مذهبي: السريع: ابن الحاج البلفيقي: 2: 2/100 ومرقوب: البسيط: ابن الخطيب السلماني: 2: 4/426 مقلوبها: السريع: الطرطوشي: 1: 2/142 الذنوب: مخلع البسيط: ابن الحاج البلفيقي: 1: 2/100 الجزء: 4 ¦ الصفحة: 632 بالذنوب: الخفيف: ابن أضحى: 4: 4/66 بموهوب: البسيط: الطرطوشي: 26: 4/365 عيوبه: الطويل: ابن أبي المجد: 2: 3/350 آئب: الطويل: النباهي: 1: 4/74 الحبيب: الخفيف:-: 2: 3/287 دبيب: الكامل: ابن الخطيب السلماني: 2: 4/453 كثيب: الطويل: النفزي: 2: 3/42 ونحيبي: الكامل: ابن خلدون: 52: 3/387 تعذيبي: البسيط: ابن الخطيب السلماني: 1: 4/529 خصيبه: الطويل: أبو بكر بن أرقم: 2: 3/350 كنصيبه: الطويل: ابن الجياب: 2: 3/350 بطيبه: الطويل: ابن شبرين: 2: 3/350 عيبي: السريع: ابن شبرين: 2: 2/156 برغيب: الطويل: ابن البربري: 5: 4/165 مغيّب: الطويل: ابن الخطيب السلماني: 2: 4/450 تأنيب: الكامل: ابن الخطيب السلماني: 101: 4/400 قافية التاء التاء الساكنة فازت: السريع: ابن الخطيب السلماني: 2: 4/389، 452 عرفت: المنسرح: ابن أبي الخصال: 2: 2/272 صموت: المتقارب: ابن الخطيب السلماني: 8: 4/551 بيت: المتقارب: ابن الحاج: 2: 1/182 التاء المفتوحة مسرّته: البسيط: الشنتوفي: 2: 4/346 زنته: المتقارب: ابن جزي: 1: 53 البيوتا: الوافر: ابن الخطيب السلماني: 2: 4/450 التاء المضمومة ففائت: الطويل: ابن أبي الخصال: 2: 2/276 شتات: الطويل: ابن جزي: 3: 3/304 أوقات: الطويل:-: 2: 8 الجزء: 4 ¦ الصفحة: 633 تثبت: الكامل: ابن الخطيب السلماني: 2: 4/437 الكبت: الكامل: ابن خميس: 50: 2/391 منبتّ: الطويل: ابن أبي الخصال: 2: 2/279 نعت: الطويل: ابن خلصون: 34: 3/198 الفنت: الطويل: ابن جزي: 28: 2/168 منعوت: البسيط: صالح بن يزيد: 2: 3/283 البيوت: مخلع البسيط: أبو إسحاق بن مسعود: 13: 4/279 ميّت: الطويل: ابن شبرين: 3: 2/159 التاء المكسورة الظبات: الوافر: حاتم بن سعيد: 3: 1/273 الجنبات: الطويل: عبد المنعم بن عمر: 2: 3/448 الطيبات: الوافر: ابن الحاج البلفيقي: 4: 2/99 انبتاته: الطويل: ابن شعيب الكرياني: 3: 1/135 لداتي: الطويل: أبو محمد القرطبي: 2: 3/311 اللذّات: الكامل: العزفي: 22: 3/4 الخطرات: الطويل: ابن أضحى: 9: 4/65 زفراتي: الطويل: اللوشي: 4: 2/175 عات: البسيط: محمد بن قاسم: 2: 2/367 أوقاتي: الطويل: ابن الخطيب السلماني: 2: 4/435 البركات: الكامل: ابن الحاج البلفيقي: 2: 2/95 حركاتي: الطويل: النفزي: 7: 3/39 نغماتها: الكامل: ابن البراق: 16: 2/343 للممات: الوافر: علي بن إبراهيم المالقي: 4: 4/94 الرواة: مجزوء الرمل: ابن الخطيب السلماني: 2: 4/443 أقوات: البسيط: ابن الفصال: 2: 3/371 آياته: الطويل: محمد بن عبد الرحمن الكاتب: 11: 3/160 آياته: الكامل: ابن الخطيب السلماني: 2: 4/427 سبت: الطويل:-: 2: 4/321 والشتّ: الطويل: سهل بن محمد الأزدي: 2: 4/235 أمّته: السريع: عبد الرزاق بن يوسف: 8: 3/439 زينتي: الطويل: المقري (أبو عبد الله) : 175: 2/125 الجزء: 4 ¦ الصفحة: 634 فوت: السريع: ابن الفصال: 3: 3/371 الصموت: المتقارب: ابن الخطيب السلماني: 3: 4/443 ميت: مجزوء الرمل: ابن الخطيب السلماني: 2: 4/455 قافية الثاء الثاء الساكنة ناكث: مخلع البسيط: ابن المرحل: 8: 3/238 الثاء المفتوحة حديثا: الوافر: الورّاد: 2: 4/146 البراغيثا: البسيط: ابن الخطيب السلماني: 2: 4/447 الثاء المضمومة الأخابث: الطويل: ابن مرج الكحل: 4: 2/231 الحوادث: الطويل: ابن جزي: 1: 4/128 وثالث: الطويل: ابن الخطيب السلماني: 1: 4/533 وثالث: الطويل: الإستجي الحميري: 2: 2/211 الخبيث: المتقارب: بشار بن برد: 2: 3/381 الثاء المكسورة المثلّث: الطويل: ابن الحداد: 10: 2/221 الليث: السريع: ابن الخطيب السلماني: 2: 4/442 قافية الجيم الجيم الساكنة ثبج: الرمل: ابن عبد ربه: 4: 4/27 فينفرج: الطويل: الينشتي: 5: 3/405 المهج: المتقارب: ابن الحاج: 3: 1/182 الجيم المفتوحة سراجا: مخلع البسيط: ابن فطيس: 3: 2/310 منهاجا: البسيط: الزيات: 2: 1/150 حجّه: الخفيف: ابن أبي العافية: 2: 1/285 تأرجا: الطويل: ابن أبي الخصال: 2: 2/277 الجزء: 4 ¦ الصفحة: 635 عالجا: الطويل: ابن الخبان: 30: 2/235 الجيم المضمومة دارج: السريع: محمد بن مالك الطغنري: 6: 2/183 سجسج: الطويل: ابن الخطيب السلماني: 1: 4/512 الجيم المكسورة وحراج: الكامل: ابن خميس: 64: 2/394 المزاج: الوافر: ابن طفيل: 3: 2/336 الحلّاج: الكامل: ابن عياش: 2: 2/339 وعلاجي: الكامل: ابن الجياب: 31: 4/102 منهاج: الكامل: الشاط: 2: 4/218 تبرّج: الكامل: ابن العابد: 2: 2/185 معرّج: الطويل: ابن الجياب: 9: 4/102 وبنهجه: الكامل: ابن الخطيب السلماني: 2: 4/451 الموج: الطويل: ابن الخطيب السلماني: 2: 4/447 البهيج: الوافر: ابن الفخار: 2: 3/67 قافية الحاء الحاء الساكنة النجاح: السريع: ابن الكماد: 2: 3/45 الرياح: السريع: القاضي عياض: 2: 4/191 وضح: المتقارب: ابن الخطيب السلماني: 2: 4/455 يروح: السريع: ابن الخطيب السلماني: 23: 3/97، 4/435 الحاء المفتوحة وروائحا: الكامل: ابن الجياب: 56: 4/104 راحا: الكامل: النفزي: 9: 3/40 إفصاحه: الطويل: ابن الحاج: 2: 1/182 جناحا: المتقارب: ابن خميس: 80: 2/388 الضحى: الكامل: ابن الحاج البلفيقي: 19: 2/91 أضحى:-: أبو بكر المخزومي: 3: 1/235 الصريحة: الوافر: اليتيم: 10: 3/74 النصيحه: الوافر: ابن عبد السلام: 2: 3/74 الجزء: 4 ¦ الصفحة: 636 الحاء المضمومة ونجاح: الكامل: ابن قزمان: 9: 2/349 الراح: البسيط: ابن قزمان: 2: 2/349 الجراح: الوافر: ابن عبادة المري: 6: 2/63 وشاح: الطويل: ابن سعيد: 2: 4/131 لمّاح: الكامل: ابن الصائغ: 47: 2/305 الألواح: الكامل: ابن الحاج البلفيقي: 20: 2/90 تسبح: الطويل: ابن الخطيب السلماني: 2: 4/452 يصبح: الطويل: سهل بن محمد الأزدي: 9: 4/233 السوافح: الطويل: ابن عيسى الحميري: 49: 2/258 السّمح: الطويل: ابن عبد النور: 8: 1/78 الصدوح: الوافر: ابن جودي: 3: 4/136 الروح: الطويل: أبو القاسم ابن رضوان: 8: 4/368 ويروح: الكامل: ابن الحكيم اللخمي: 3: 2/173 جنوح: الخفيف: محمد بن مالك الطغنري: 3: 2/182 الحاء المكسورة بصباح: الكامل: القللوسي: 8: 3/54 راح: الوافر: أبو الطاهر المازني: 6: 2/370 أفراح: الكامل: ابن مرزوق: 14: 3/77 البطاح: الوافر: الرصافي البلنسي: 4: 2/365 وقاح: الخفيف:-: 2: 1/153 سلاح: الكامل: ابن جزي: 2: 2/171 الرماح: المتقارب: الرصافي البلنسي: 3: 2/365 جناح: الخفيف: ابن الخطيب السلماني: 94: 4/396 جناحي: الكامل: ابن الخطيب السلماني: 17: 3/78 بالرياح: الوافر: ابن عيسى الحميري: 4: 2/254 لناصح: الطويل: ابن أبي الخصال: 2: 2/279 نازح: الطويل: ابن راجح: 25: 2/414 الجوانح: الطويل: ابن الخطيب السلماني: 20: 2/413 الصحيح: المتقارب: الطرطوشي: 3: 4/366 التبريح: الكامل: ابن الخطيب السلماني: 39: 4/390 الجزء: 4 ¦ الصفحة: 637 ضريح: الخفيف: محمد بن مالك الطغنري: 3: 2/183 قافية الخاء الخاء المفتوحة ليصرخا: الطويل: ابن أبي الخصال: 2: 2/279 شيوخا: الكامل: ابن مرج الكحل: 7: 2/230 الخاء المضمومة يسخو: الطويل: المنتشاقري: 12: 4/329 الخاء المكسورة نسخها: الطويل: ابن تادررت: 1: 4/181 قافية الدال الدال الساكنة والحسد: الطويل: حفصة بنت الحاج: 4: 1/278 فقد: الطويل: ابن الحكيم اللخمي: 2: 2/324 جلد: الطويل: ابن الخطيب السلماني: 2: 4/446 غيد: الطويل: ابن الصباغ العقيلي: 2: 4/98 الدال المفتوحة الإراده: الخفيف: محمد بن عبد العزيز بن سالم: 2: 3/131 سادا: الوافر: الزيات: 2: 1/150 والأجسادا: الكامل: ابن الخطيب السلماني: 5: 2/7 وجمادها: الكامل: ابن فركون: 1: 1/93 الشهاده: الوافر: محمد بن محمد بن يوسف: 1: 1/327 والوجدا: الطويل: ابن الخطيب السلماني: 82: 4/392 الحدّا: الطويل: المليكشي: 23: 2/407 عددا: البسيط: ابن جزي: 3: 3/13 والوردا: الطويل: ابن قطبة: 3: 2/160 موردا: الطويل:-: 4: 2/77 الصدى: الطويل: ابن جزي: 2: 2/170 قصدا: الطويل: ابن الحاج: 2: 1/182 عدّه: المجتث: حفصة بنت الحاج: 2: 1/280 الجزء: 4 ¦ الصفحة: 638 وغدا: المنسرح: ابن هذيل: 23: 4/341 يفدى: المجتث:-: 4: 3/288 جلدا: الرمل: ابن الخطيب السلماني: 2: 4/432 مخلّدا: الطويل: ابن الكماد: 10: 3/44 وحمده: المجتث: محمد بن سعيد بن خلف: 3: 3/163 كمدا: البسيط: ابن الخطيب السلماني: 2: 4/454 الندى: الكامل: الرصافي: 1: 3/161 الهدى: الكامل:-: 11: 1/314 القدودا: المتقارب: الإستجي الحميري: 2: 2/212 ورودا: الكامل: أبو الأجرب: 3: 3/265 سعودا: الكامل: ابن ميمون: 2: 3/62 قعودا: الطويل: ابن أبي الخصال: 2: 2/277 عقوده: الوافر: ابن طفيل: 2: 2/336 عمودا: الكامل: أبو تمام: 1: 4/519 طريدا: الطويل: أبو بكر بن شبرين: 3: 1/16 المقيّدا: الطويل: ابن المرحل: 1: 3/245 الدال المضمومة مراد: الكامل: ابن خطاب: 2: 2/297 اجتهاده: الطويل:-: 1: 3/383 ومهاد: الكامل: ابن خطاب: 16: 2/297 سواده: الطويل: يحيى بن محمد التطيلي: 8: 4/358 الجياد: الوافر: أبو بكر القرشي: 1: 4/128 عبده: مخلع البسيط: ابن لب: 2: 3/27 يبدو: الطويل: ابن صفوان: 1: 1/99 أجد: المنسرح: اللمائي: 2: 1/103 منجد: السريع: ابن المرابط: 1: 1/330 الوجد: الطويل: القيجاطي: 9: 4/83 قاصدة: الطويل: النفزي: 105: 3/35 القصد: الطويل: ابن خلاف: 3: 4/137 والرعد: الطويل: ابن هذيل: 3: 1/209 فعدوا: الرمل: ابن عرفة: 2: 1/141 الجزء: 4 ¦ الصفحة: 639 الوعد: الطويل:-: 3: 4/58 يتوعد: الكامل: ابن شعيب الكرياني: 3: 1/136 الفرقد: الكامل: ابن الخطيب السلماني: 2: 4/428 الفرقد: الرمل: ابن الخطيب السلماني: 2: 4/440 ويحمد: الكامل: الفازازي: 19: 3/397 سرمد: مجزوء السريع صالح بن يزيد: 7: 3/279 جند: الطويل: ابن هذيل: 1: 1/209 جند: الطويل: ابن هذيل: 9: 4/339 يفنّد: الطويل: ابن الحاج البلفيقي: 2: 2/93 أسوده: البسيط: ابن الخطيب السلماني: 2: 4/434 تعود: الكامل: ابن الخطيب السلماني: 2: 1/29 سعود: الطويل: ابن قطبة: 5: 1/30 سعوده: الكامل: ابن الجياب: 7: 4/119 وقعوده: الكامل: ابن الخطيب السلماني: 2: 4/437 الجنود: الوافر: محمد بن عبد الله ابن الحاج البضيعة: 1: 2/309 عبيد: الطويل: ابن زمرك: 1: 2/206 وتجيده: الكامل: ابن هيضم: 5: 4/139 وحيد: مخلع البسيط: ابن برطلة: 4: 4/167 عيد: الطويل: ابن فركون: 3: 1/51 يفيد: مجزوء الكامل ابن شبرين: 38: 3/116 الدال المكسورة فؤادي: الخفيف: ابن الخطيب السلماني: 2: 4/425 فؤادي: الكامل: ابن جابر: 6: 2/218 فؤادي: الكامل: ابن الخطيب السلماني: 2: 4/450 العباد: الخفيف: الحكم الربضي: 2: 1/270 ابن عبّاد: البسيط: المعتمد بن عباد: 10: 2/69 بالحداد: الخفيف: حفصة: 3: 1/92 المداد: الوافر: ابن الخطيب السلماني: 2: 4/437 بفساد: الطويل: ابن الحاج البلفيقي: 13: 2/97 رشاده: الخفيف:-: 2: 4/331 عاد: الوافر: ابن المرحل: 2: 3/241 الجزء: 4 ¦ الصفحة: 640 والمعاد: مخلع البسيط: ابن العسال: 2: 3/353 واجتهادي: الخفيف: ابن الخطيب السلماني: 2: 4/431 العهاد: السريع: عبد المهمين بن محمد: 13: 4/8 واد: السريع ابن الخطيب السلماني: 2: 1/306 بوادي: الوافر: حمدة بنت زياد: 6: 1/276 عوادي: الكامل: ابن عبد الصمد: 3: 2/69 إياد: الكامل: الرصافي البلنسي: 49: 2/360 مزبد: الكامل: عروة بن حزام: 3: 3/385 كبد: البسيط: ابن خلصون: 5: 3/196 الكبد: البسيط: المكودي: 16: 3/9 زبرجد: الكامل: ابن الفخار: 3: 3/67 زبرجد: الكامل: ابن فضيلة: 4: 2/227 المجد: الطويل: ابن الخطيب السلماني: 2: 4/429 نجد: الطويل: ابن حزب الله: 3: 2/252 نجد: الكامل: ابن شعيب الكرياني: 1: 1/135 الوجد: الكامل: ابن خلدون: 37: 3/389 ووجدي: الخفيف: ابن الحكيم اللخمي: 9: 2/321 يجدي: الطويل: ابن سالم: 18: 4/256 واحد: الطويل: اللوشي: 21: 3/23 وحدها: الكامل: الفشتالي: 11: 2/115 ردّه: السريع: ابن عبد الملك: 2: 2/375 الردّ: الطويل: ابن الخطيب السلماني: 5: 2/417 وارد: الطويل: ابن أبي الخصال: 2: 2/279 والزّرد: الطويل: ابن أضحى الإلبيري: 14: 1/48 الورد: الطويل: البلوي: 9: 2/265 الورد: الطويل: ابن جابر: 12: 2/217 وردها: السريع: ابن جزي: 2: 3/303 يزد: البسيط: ابن الخطيب السلماني: 2: 1/27، 28 حاسد: الكامل: ابن هانىء اللخمي: 2: 3/111 والرشد: البسيط: ابن الخطيب السلماني: 3: 4/431 مقصد: الطويل: ابن أبي الخصال: 2: 2/278 الجزء: 4 ¦ الصفحة: 641 صاعد: الطويل: الجراوي: 3: 2/333 بعده: المتقارب: ابن الحداد: 2: 2/221 بعدي: الطويل: ابن أبي الخصال: 3: 2/272 بأسعد: الطويل: ابن رشيد: 5: 3/104 والسعد: الطويل:-: 16: 4/206 وعد: الطويل: ابن جودي: 2: 4/136 غد: البسيط: الينشتي: 2: 3/404 الرفد: الطويل: ابن راجح: 3: 2/417 والرفد: الطويل: ابن رضوان: 13: 3/340 مرفد: الطويل: ابن الأكحل: 26: 3/155 فقدها: الكامل: ابن الخطيب السلماني: 2: 4/432 وبتالد: الكامل:-: 3: 1/286 بلد: البسيط: ابن الخطيب السلماني: 5: 3/404 الملد: الطويل: النمري: 18: 3/20 ولد: البسيط: سهل بن محمد الأزدي: 2: 4/235 مولدي: الطويل: ابن زمرك: 2: 2/203 وبالحمد: الطويل: ابن أضحى: 2: 4/65 لمحمد: الطويل:-: 2: 3/152 بالكمد: الرمل: ابن الخطيب السلماني: 2: 4/453 الندي: المتقارب: ابن الخطيب السلماني: 2: 4/445 بفرنده: الكامل: ابن عبد الحق: 3: 1/67 زنده: المتقارب: ابن الفصال: 10: 3/369 المسهّد: الطويل: ابن الخطيب السلماني: 2: 4/440 مشهد: الطويل: ابن رضوان: 23: 3/340 العهد: الطويل: ابن الحاج البلفيقي: 2: 2/95 المهد: الطويل: ابن الحكيم اللخمي: 4: 2/172 الوجود: الخفيف: ابن الجياب: 2: 3/351 الوجود: الخفيف: ابن أبي المجد: 7: 3/351 قدود: الطويل: ابن قشوم: 2: 3/46 القدود: المتقارب: المتنبي: 1: 1/307 وزرود: الكامل: ابن النبيه: 1: 4/336 الجزء: 4 ¦ الصفحة: 642 الورود: مخلع البسيط: صالح بن يزيد: 2: 3/282 مسعود: الطويل: ابن الجياب: 35: 4/54 مفقود: البسيط: أحمد بن ساهي: 2: 3/423 بالأملود: الكامل: ابن أبي العافية: 10: 1/28 واليد: الطويل: ابن أبي الخصال: 2: 2/281 المؤيّد: الطويل:-: 21: 1/325 بريد: الكامل: ابن الخطيب السلماني: 3: 4/426 تنضيد: الكامل: ابن عبد الحق: 2: 1/68 الغيد: الكامل: ابن عبد العظيم: 1: 3/63 وعنيد: الخفيف: ابن جودي: 18: 4/230 قافية الراء الراء الساكنة بصائر: مجزوء الكامل قس بن ساعدة: 3: 2/212 السرار: المتقارب: ابن الحاج: 2: 1/191 النهار: السريع: صالح بن يزيد: 10: 3/280 يفخر: الكامل: الينشتي: 2: 3/404 القدر: مخلع البسيط: حفصة بنت الحاج: 5: 1/278 يعتذر: مخلع البسيط: أبو الحسن بن سعيد: 6: 1/279 تعسّر: مجزوء الكامل ابن الخطيب السلماني: 7: 4/513 البشر: السريع: ابن الحاج البلفيقي: 3: 2/95 البشر: المتقارب:-: 2: 2/213 البشر: المتقارب: ابن الأفطس: 3: 4/30 يحشر: المجتث: نزهون بنت القلاعي: 7: 1/234 معشر: الكامل: ابن رضوان: 20: 3/342 قصر: الطويل: ابن المرابع: 8: 3/324 فانفطر: الرمل: ابن زكريا: 4: 4/150 ففر: الرمل: غالب بن عبد الرحمن: 3: 4/201 الوطر: الطويل: ابن زمرك: 5: 2/202 نافر: السريع: صالح بن يزيد: 2: 3/280 السّفر: الطويل: المراكشي: 1: 3/143 الجزء: 4 ¦ الصفحة: 643 تامر: مجزوء الكامل أبو عمرو بن العلاء: 1: 2/136 قمر: المتقارب: أبو محمد بن القبطرنة: 4: 1/299 ماهر: الطويل: ابن الخطيب السلماني: 2: 4/430 تزهر: الطويل: صالح بن يزيد: 4: 3/280 نظير: السريع: الزيات: 21: 1/148 الراء المفتوحة آثارا: البسيط: ابن خلصون: 10: 3/197 يبارى: المتقارب: ابن الخطيب السلماني: 2: 4/433 إيثاره: السريع: ابن الحكيم اللخمي: 3: 2/323 جارا: المتقارب: المنتشاقري: 8: 2/251 دارا: المتقارب: ابن أبي العافية: 5: 1/284 مرارا: المجتث: ابن غفرون: 2: 4/163 أوزارها: المتقارب: ابن جبير: 2: 2/150 وطارا: الكامل: صفوان بن إدريس: 3: 3/273 أسفارا: البسيط: المليكشي: 18: 2/409 عقارا: الطويل: سهل بن محمد الأزدي: 4: 4/235 الأقمارا: الكامل: ابن مقاتل: 3: 2/261 نارا: البسيط: البدوي: 5: 3/58 نارا: المتقارب: ابن حزب الله: 11: 2/251 أنارا: المتقارب: ابن جبير: 32: 2/149 أكبرا: الكامل: ابن سعيد: 7: 4/133 نثرا: الطويل: صفوان بن إدريس: 51: 3/270 هجره: الرمل: ابن الخطيب السلماني: 2: 4/451 الأخرى: الطويل: ابن الخطيب السلماني: 2: 4/429 قدرا: الطويل: ابن الخطيب السلماني: 2: 4/444 قدرا: المجتث: ابن الفخار: 2: 3/64 المعذره: المتقارب: ابن أبي العاصي: 2: 1/200 سرى: الطويل: ابن خلصون: 15: 3/197 أسرى: المجتث: ابن الشيخ: 2: 1/263 البشرا: الطويل: ابن جزي: 48: 3/300 البشرا: الطويل: ابن راجح: 16: 2/415 الجزء: 4 ¦ الصفحة: 644 البشرى: الطويل: الورسيدي: 9: 4/222 عاطرا: السريع: ابن رشيد: 3: 3/307 ومنظرا: الطويل: ابن أبي الخصال: 2: 2/279 وسافرا: الطويل: ابن أبي الخصال: 2: 2/279 فأسفرا: الكامل: ابن دراج القسطلي: 66: 3/212 ومظفّرا: الكامل: ابن سعيد: 3: 4/133 الكرى: الطويل: ابن أبي حبل: 4: 1/75 الكرى: الكامل: ابن سعيد: 3: 4/132 ذاكرا: السريع: سارة بنت أحمد: 12: 3/307 ذكرا: الوافر: ابن طلحة: 2: 1/106 للذكرى: الطويل: ابن الخطيب السلماني: 2: 4/453 سكرا: الطويل: الرصافي البلنسي: 47: 2/357 مكره: السريع: ابن الخطيب السلماني: 2: 3/380 المجامرا: الطويل: ابن أبي الخصال: 2: 2/278 ثمره: البسيط: ابن الخطيب السلماني: 2: 4/439 العمرا: الطويل: النفزي: 2: 3/41 الورى: المتقارب: ابن الخطيب السلماني: 2: 4/450 زورا: الكامل: ابن المرحل: 15: 3/238 مزوره: الكامل: ابن الخطيب السلماني: 2: 4/446 مقصوره: الكامل: ابن هانىء اللخمي: 2: 3/111 مذكورا: البسيط: ابن حبيب: 4: 3/423 وتهوّرا: الطويل: ابن الخطيب السلماني: 3: 4/371 كثيره: مخلع البسيط: ابن حسان: 3: 3/157 متحيرا: الكامل: الششتري: 3: 4/174 خيره: المجتث: ابن الخطيب السلماني: 2: 4/428 الراء المضمومة طائره: البسيط: ابن الجياب: 41: 2/315 تمتاره: الكامل: ابن الخطيب السلماني: 2: 4/434 الثار: الطويل: ابن الحاج: 2: 1/183 آثاره: الكامل: ابن أبي الخصال: 2: 2/272 يستثار: مخلع البسيط: ابن جزي: 3: 2/170 الجزء: 4 ¦ الصفحة: 645 إيثاره: السريع: صالح بن يزيد: 3: 3/281 جار: البسيط: البلياني: 8: 2/248 يجار: الكامل: عزوز: 18: 4/14 تحار: الكامل: ابن سعيد الغساني: 12: 4/274 أسحار: البسيط: عبد الحق بن غالب: 10: 3/413 داره: الكامل:-: 2: 4/519 تدار: الوافر: ابن المرابع: 6: 3/322 عذاره: الكامل: ابن الخطيب السلماني: 2: 4/436 عذاره: الكامل: ابن الخطيب السلماني: 2: 1/25 عذاره: الكامل: ابن شعيب الكرياني: 2: 1/136 اعتذار: مخلع البسيط: صالح بن يزيد: 3: 3/284 حرار: الكامل: أبو القاسم السهيلي: 5: 3/366 أسرار: البسيط: ابن المحروق: 3: 4/172 الضرار: الوافر: ابن الحاج: 1: 1/188 اعورار: الوافر: أبو المخشي: 1: 4/196 أفكاره: الكامل: ابن عيسى الحميري: 3: 2/255 وبهاره: الكامل: القيجاطي: 27: 4/82 أزهارها: البسيط: ابن المرحل: 2: 3/240 يدبر: السريع: صالح بن يزيد: 2: 3/285 يصبر: الطويل: ابن جزي: 2: 3/303 فيصبر: الكامل: ابن المرحل: 2: 3/241 والكبر: البسيط: ابن سارة: 5: 3/334 ناثره: البسيط: البدوي: 17: 3/59 زاجر: الطويل: النباهي: 4: 4/70 فجر: الطويل: أحمد بن عبد الملك بن سعيد: 4: 1/91 ساحر: الطويل: ابن هذيل: 14: 4/338 والبحر: الطويل: ابن أبي الخصال: 2: 2/278 ذخروا: البسيط: أبو الحسن ابن القبطرنة: 2: 1/300 صدر: البسيط: ابن الصيرفي: 52: 4/349 مصدر: الطويل: ابن الخطيب السلماني: 4: 1/293 غدروه: الخفيف: ابن شبرين: 3: 1/315 الجزء: 4 ¦ الصفحة: 646 فاعذروا: الرمل: أبو الحسن الخزرجي: 2: 4/167 يذر: البسيط: صالح بن يزيد: 27: 3/278 الشرر: البسيط: المزدغي: 2: 4/17 يبشّر: الطويل: ابن رشيد: 55: 3/104 ناصره: البسيط: ابن البنا: 21: 4/142 ينصر: الطويل: ابن الخطيب السلماني: 2: 4/449 يخاطر: الطويل: المنصور بن أبي عامر: 7: 2/59 أسطر: الطويل: الفتح بن خاقان: 1: 4/210 القطر: الطويل: ابن العشاب: 5: 2/374 تمطر: الطويل: الفتح بن خاقان: 6: 4/210 شاعر: الطويل: المخزومي الأعمى: 4: 3/164 الذّعر: الطويل: ابن القصيرة: 18: 2/368 أمر: الطويل: أحمد بن عبد الملك بن سعيد: 8: 1/89 الأمر: الطويل: ابن الخطيب السلماني: 2: 4/454 قمر: المنسرح: ابن الخطيب السلماني: 1: 2/7 ظاهر: الطويل: النباهي: 4: 4/70 زواهر: الطويل: القرشي: 10: 4/168 الزهر: الطويل: ابن الخطيب السلماني: 1: 2/12 جوهر: السريع: البدوي: 4: 3/57 والبدور: الوافر: أبو بكر بن الطفيل: 2: 1/71 زور: الطويل: ابن الخطيب السلماني: 28: 4/410 أزوره: الطويل: ابن الصائغ: 3: 1/221 قتير: الوافر: يحيى بن عبد الله اللخمي: 11: 4/299 سريرها: الكامل: يحيى بن عبد الله اللخمي: 16: 4/298 وزير: مخلع البسيط:-: 2: 4/278 ونصير: الطويل: ابن صفوان: 14: 1/101 نظيرها: الطويل: النباهي: 1: 4/75 نقير: الطويل: ابن الصقر: 3: 1/70 الراء المكسورة واختباري: مجزوء الرمل: ابن الخطيب السلماني: 2: 4/448 ثار: الطويل: حمدة بنت زياد: 3: 1/276 الجزء: 4 ¦ الصفحة: 647 الآثار: الكامل: ابن الخطيب السلماني: 3: 4/444 جار: البسيط: الشاط: 2: 4/219 داري: المتقارب: ابن رشيق: 2: 1/266 بالدار: البسيط: ابن الخطيب السلماني: 1: 4/432 مقدار: الطويل: ابن جزي: 3: 1/53 واعتذاري: الخفيف: ابن الخطيب السلماني: 2: 4/451 الجرّار: الكامل: صالح بن يزيد: 10: 3/281 مدرار: الكامل: ابن زمرك: 8: 2/201 المدرار: الكامل: ابن زمرك: 15: 2/200 الأزرار: الكامل: المعتمد بن عباد: 7: 2/66 قرار: الكامل: ابن الخطيب السلماني: 39: 4/184 قرار: الكامل: ابن مجبر: 5: 4/363 مزاره: الطويل: ابن الفرس: 10: 3/418 مزاري: الكامل: البلوي: 33: 2/263 الاختصار: الوافر: ابن البنا: 3: 3/204 والأوطار: الكامل: عزوز: 10: 4/11 عقار: الكامل: النفزي: 9: 3/40 وقاره: الكامل: الرصافي البلنسي: 2: 2/365 بالوقار: الوافر: ابن الحكيم اللخمي: 10: 2/322 بالذكار: الكامل: المأمون: 4: 1/226 تذكاره: الكامل: ابن الحكيم اللخمي: 15: 2/322 المضمار: الكامل: ابن الخطيب السلماني: 2: 4/433 الأعمار: الكامل: ابن الخطيب السلماني: 2: 4/436 نار: الطويل: ابن قطبة: 2: 2/160 النهار: الوافر: العبدري: 2: 2/419 الأنوار: الكامل: ابن صفوان: 1: 1/99 اختياره: الطويل: ابن الخطيب السلماني: 2: 4/447 الديار: الوافر: الطويجن: 1: 1/173 الديار: الوافر: عبد الله بن سعيد السلماني: 2: 3/297 الخبر: البسيط: المنتشاقري: 2: 4/325 خبري: مجزوء الرجز: ابن مرزوق: 116: 3/80 الجزء: 4 ¦ الصفحة: 648 فتصبّر: الكامل: ابن خطاب: 5: 2/295 واصطبر: البسيط: ابن منظور القيسي: 2: 2/102 قبري: الطويل: اللمائي: 4: 1/104 تعتري: الكامل: ابن الخطيب السلماني: 3: 4/515 يعتري: السريع: عبد الحق بن مفرج: 3: 3/412 وكثره: المجتث: ابن اللؤلؤة: 4: 3/138 ونثر: المجتث: أبو بكر بن سعيد: 9: 1/232 الكوثر: الكامل: ابن مرج الكحل: 21: 2/229 وبالأجر: الطويل: ابن أبي العافية: 3: 1/285 تجري: الطويل: صالح بن يزيد: 9: 3/283 تجري: الطويل: ابن مهيب: 17: 2/291 تجري: الكامل: ابن الخطيب السلماني: 1: 3/333 حجره: السريع: ابن الخطيب السلماني: 2: 4/445 الفجر: الطويل: ابن الخطيب السلماني: 2: 4/443 الفجر: الطويل: ابن الخطيب السلماني: 2: 4/434، 444 بحر: الطويل: ابن أبي الخصال: 2: 2/281 القادر: الكامل: ابن الخطيب السلماني: 3: 2/250 بالنوادر: الطويل: ابن جزي: 2: 3/304 تدر: موشح: ابن الخطيب السلماني: 37: 4/455 صدري: الطويل: ابن حزم: 2: 4/91 صدري: الطويل: نزهون بنت القليعي: 2: 3/263 صدري: مجزوء الكامل: ابن الخطيب السلماني: 2: 4/427 المصدر: المتقارب: ابن الحاج البلفيقي: 14: 2/99 غدر: الطويل: ابن الحكيم اللخمي: 18: 2/179 القدر: الطويل: ابن الخطيب السلماني: 2: 4/441 القدر: الرمل: ابن الجياب: 12: 4/169 يقدر: الكامل: أبو المخشي: 10: 4/198 يدري: الطويل: ابن الخطيب السلماني: 2: 4/430 الذرّ: الطويل: ابن الحكيم اللخمي: 2: 2/177 والضرر: البسيط: ابن سوّار المحاربي: 3: 4/17 بأسر: الخفيف: الحجاري: 2: 3/330 الجزء: 4 ¦ الصفحة: 649 واليسر:-: محمد بن أحمد القيسي: 2: 2/262 العشر: البسيط: أبو العلاء المعري: 1: 3/71 والبصر: البسيط: ابن الرومية: 4: 1/87 والنصر: الطويل: ابن الخطيب السلماني: 2: 4/444 القطر: الطويل: ابن بيبش: 5: 3/17 نواظري: الطويل: يحيى بن محمد التطيلي: 10: 4/358 النواظر: الطويل: ابن قطبة: 6: 1/30 نظري: المنسرح: ابن الخطيب السلماني: 2: 4/438 الشعر: الطويل: ابن هذيل: 6: 3/298 وعر: الطويل: محمد بن عبد الملك بن سعيد: 2: 3/162 الأعفر: الكامل: الطويجن: 1: 1/176 بمغفر: الكامل: ابن الخطيب السلماني: 1: 4/531 والفقر: الطويل: ابن عباد النفزي: 2: 3/190 والبكر: البسيط: الورّاد: 2: 4/147 بالنكر: الطويل: ابن الحاج: 2: 1/183 أمر: الطويل: ابن الخطيب السلماني: 2: 4/431 الأمر: الطويل: ابن خلصون: 9: 3/198 عامر: الطويل: ابن الخطيب السلماني: 1: 4/378 الخمر: الطويل: المكودي: 2: 3/9 والخمر: الطويل: ابن راجح: 20: 2/416 القمر: البسيط: ابن الحكيم اللخمي: 2: 2/324 الطاهر: الكامل: ابن حزب الله: 9: 2/250 الدهر: الطويل: ابن الخطيب السلماني: 8: 1/201 الدهر: الطويل: ابن الخطيب السلماني: 25: 4/292 الدهر: الطويل: ابن رشيق: 6: 4/347 الدهر: الطويل: الششتري: 8: 4/174 قهره: السريع: صالح بن يزيد: 5: 3/285 بزوره: الوافر: ابن سارة: 3: 3/335 وقسور: الطويل:-: 2: 4/18 والصور: البسيط: ابن عبدون: 71: 4/32 وقصورها: الطويل: ابن أبي الخصال: 2: 2/281 الجزء: 4 ¦ الصفحة: 650 الأكور: الكامل: ابن الحاج: 2: 1/183 تكبيري: الكامل: ابن عميرة: 2: 1/65 مسيرها: الكامل: ابن الخطيب السلماني: 2: 4/445 قافية الزاي الزاي الساكنة مستوفز: موشح: ابن الخطيب السلماني: 20: 4/457 الزاي المفتوحة أعجزه: مجزوء الرجز: ابن الخطيب السلماني: 2: 4/438 عزّا: الطويل: عمامتي: 2: 2/333 الزاي المضمومة عزيز: الكامل: ابن صفوان: 2: 1/100 الزاي المكسورة مجاز: الطويل: أبو محمد القرطبي: 2: 3/311 إنجازها: الكامل: ابن الخطيب السلماني: 2: 4/97 إيجازها: الكامل: ابن الصباغ: 5: 4/97 وتنتزي: الطويل: ابن أبي الخصال: 2: 2/277 العزّ: المنسرح: السالمي: 4: 2/71 قافية السين السين الساكنة ناكس: مخلع البسيط: ابن المرحل: 8: 3/238 السين المفتوحة أسى: الطويل: ابن الجياب: 31: 4/108 غاطسا: الكامل: ابن الخطيب السلماني: 2: 4/441 واللواعسا: الطويل: قرشي بن حارث: 4: 4/222 تنفسا: الطويل: ابن هذيل: 9: 4/336 فأفلسا: الطويل:-: 2: 3/384 البوسى: الطويل: ابن الخطيب السلماني: 1: 3/220 حسيسا: الكامل: التلمساني: 3: 1/170 الجزء: 4 ¦ الصفحة: 651 عيسى: الطويل: ابن هذيل: 16: 4/342 السين المضمومة يرأس: السريع: ابن سعيد: 2: 4/132 إنياس: البسيط: ابن عيسى الحميري: 1: 20/256 عابس: الطويل: ابن هذيل: 3: 4/339 مختلس: البسيط: ابن عياش: 2: 2/339 جنس: الهزج: ابن الجياب: 8: 4/120 السين المكسورة الآسي: الطويل: الرصافي البلنسي: 3: 2/365 الآسي: البسيط: محمد بن أحمد القيسي: 2: 2/262 بقرطاس: البسيط: أم الحسن بنت أبي جعفر الطنجالي: 2: 1/237 كاس: الوافر: المكودي: 3: 3/9 ناسي: الطويل: ابن عطية: 3: 4/322 الناس: مجزوء البسيط:-: 2: 1/237 وناسي: المتقارب: ابن الحاج: 2: 1/184 أكياس: البسيط: الطريفي: 3: 2/325 الياس: البسيط: النباهي: 2: 4/71 بالياس: البسيط: النفزي: 2: 3/41 والياس: البسيط: ابن الحكيم اللخمي: 3: 2/325 وبالياس: الطويل: ابن الخطيب السلماني: 28: 4/409 السندس: الكامل: ابن خاتمة: 29: 1/114 مفترس: البسيط: الطويجن: 25: 1/176 يدرس: الكامل: ابن شعيب الكرياني: 4: 1/136 والعرسي: الطويل: الينشتي: 3: 3/405 نفسه: السريع:-: 2: 3/384 تنفّس: الطويل: ابن أبي الخصال: 2: 2/281 الشمس: السريع: الشريشي: 5: 3/128 اللّمس: الطويل: ابن خلاف: 6: 4/137 الجنس: الطويل: الفازازي: 5: 3/399 جنسه: الخفيف: ابن الخطيب السلماني: 3: 4/439 باديس: الطويل: ابن الخطيب السلماني: 1: 1/246 الجزء: 4 ¦ الصفحة: 652 باديس: الطويل: ابن الخطيب السلماني: 37: 4/412 رسيسي: الكامل: ابن خطاب: 4: 2/298 عيسه: الطويل: ابن أبي الخصال: 2: 2/277 كيس: الطويل: ابن الخطيب السلماني: 2: 4/450 كأويس: الخفيف: ابن شبرين: 1: 2/156 قافية الشين الشين المفتوحة الأشا: مجزوء الكامل: عمامتي: 2: 2/333 رشّا: الخفيف: ابن خاتمة: 5: 1/117 يشا: البسيط:-: 2: 1/153 الشين المكسورة بالغبش: البسيط: ابن الخطيب السلماني: 2: 4/446 ريشي: الوافر: ابن مرج الكحل: 2: 2/231 قافية الصاد الصاد المفتوحة شخصا: البسيط: أبو القاسم الحسني: 1: 3/110 خصّصا: الكامل: ابن الخطيب السلماني: 2: 4/439 قصّا: مجزوء الوافر: المقري (أبو عبد الله) : 3: 2/134 مخلصه: الكامل: عبد المهيمن بن محمد: 2: 4/8 قلصا: البسيط: ابن هانىء اللخمي: 16: 3/110 نصّا: مجزوء الوافر: أبو بكر بن العربي: 2: 2/134 الصاد المكسورة بالمعاصي: الوافر: ابن خميس: 2: 4/277 شخص: الطويل: ابن الخطيب السلماني: 2: 4/449 القصص: البسيط: ابن الفصال: 9: 3/375 قصّ: البسيط: ابن الفصال: 4: 3/371 بنقص: الخفيف: ابن خاتمة: 7: 1/116 منتكص: البسيط: ابن الفصال: 4: 3/373 الجزء: 4 ¦ الصفحة: 653 قافية الضاد الضاد المفتوحة أغراضه: الكامل:- 2: 3/374 الرضا: الطويل: ابن الخطيب السلماني: 4: 4/113 وعرضا: الوافر: ابن الزبير: 17: 3/120 مقرّضا: الطويل: الشريف العمراني: 14: 2/372 الفضا: المتقارب: ابن الخطيب السلماني: 2: 4/446 القضا: المتقارب: ابن جزي: 2: 2/171 فقضى: البسيط:-: 1: 2/138 تمضمضا: الطويل: ابن الجياب: 30: 4/113 غمّضا: الكامل: ابن هذيل: 7: 4/338 فمضى: الرمل: أبو المخشي: 15: 4/197 أومضا: الطويل: ابن الجنان: 20: 2/234 أبيضا: الكامل: ابن الخطيب السلماني: 2: 4/441 الضاد المكسورة رائض: السريع: النفزي: 2: 3/41 براض: الطويل:-: 3: 4/194 براض: الكامل: ابن الحكيم اللخمي: 4: 2/174 المراض:-: الإستجي الحميري: 2: 2/210 قاض: الطويل: ابن الحاج: 2: 1/186 لعياض مجزوء الرمل: ابن الخطيب السلماني: 22: 3/96 محض: الطويل: ابن الخطيب السلماني: 2: 4/444 والعرض: الطويل:-: 3: 2/215 والعرض: الطويل: ابن كسرى: 3: 1/263 الغرض: الكامل: ابن الخطيب السلماني: 2: 4/532 الغضّ: الطويل: ابن فرسان: 6: 3/447 قافية الطاء الطاء المفتوحة وسّطه: الكامل: الشاط: 5: 4/218 الجزء: 4 ¦ الصفحة: 654 القطا: الكامل: ابن الحداد: 8: 2/223 رقطا: الطويل: ابن الجياب: 35: 4/115 الطاء المضمومة وتغبط: الكامل: ابن الخطيب السلماني: 2: 4/446 القبط: الطويل: ابن الخطيب السلماني: 68: 4/405 الطاء المكسورة الشاطي: المنسرح: المنتشاقري: 3: 4/330 الإبط: السريع: قاسم بن أحمد الحضرمي: 1: 4/224 شحط: البسيط: ابن خلاف: 10: 4/136 الخطط: المنسرح: ابن قزمان: 13: 2/350 تعطي: الطويل: ابن الخطيب السلماني: 4: 3/298 مغبوط: الطويل: ابن الخطيب السلماني: 2: 4/445 القنوط: الوافر: ابن الخطيب السلماني: 2: 4/448 قافية العين العين الساكنة ودع: مجزوء الخفيف ابن أبي الخصال: 6: 2/287 المتسع: السريع: ابن الخطيب السلماني: 2: 4/438 دفع: الكامل: ابن الخطيب السلماني: 2: 4/438 المدامع: مجزوء الكامل: المقري (أبو عبد الله) : 4: 2/133 العين المفتوحة تابعه: الكامل: محمد بن عبد الرحمن الغساني: 7: 3/134 تبعه: الرمل: ابن لب: 5: 3/26 أربعا: الطويل: البرجي: 9: 2/195 الرجوعا: الخفيف: المليكشي: 3: 2/409 الخديعه: المتقارب: ابن الجياب: 4: 4/119 وشريعه: الخفيف: الشاط: 3: 4/219 مريعا: الطويل ابن أبي الخصال: 2: 2/277 شنيعه: المتقارب: العزفي: 3: 3/4 الجزء: 4 ¦ الصفحة: 655 العين المضمومة ينابع: الطويل: ابن الزيات: 5: 3/322 مرتّع: الكامل: ابن عميرة: 2: 1/64 ولادع: الطويل: ابن الخطيب السلماني: 3: 1/30 ودّعوا: الطويل: ابن أبي الخصال: 2: 2/279 أودعوا: الطويل: ابن صفوان: 1: 1/99 ذرعه: المجتث: محمد بن سعيد بن خلف: 2: 3/164 ويخشع: الكامل: الزيات: 5: 1/149 تنفع: الكامل: صالح بن يزيد: 2: 3/285 طالع: الطويل: ابن المرابع: 4: 3/322 مطالعه: الطويل: ابن هذيل: 8: 4/335 الأضلع: الكامل: ابن خميس: 64: 2/382 مطلع: الطويل: ابن أبي الخصال: 2: 2/280 المدامع: الطويل: ابن الجياب: 1: 1/150 هامع: الكامل: ابن المرابع: 1: 1/151 لوامع: الطويل: ابن أبي الخصال: 2: 2/276 ويجمّع: الكامل: ابن مرج الكحل: 9: 2/231 مطمع: الطويل: ابن جزي: 4: 3/304 يطمع: الكامل: اللمائي: 2: 1/103 يلمع: الكامل: ابن الإمام الأنصاري: 2: 4/148 يصنع: الكامل: ابن خاتمة: 1: 1/111 فيصنعه: البسيط: الورّاد: 2: 4/147 الأروع: الكامل: ابن الصيرفي: 75: 4/352 نزوعها: الطويل: ابن زمرك: 2: 2/203 الجموع: مجزوء الكامل المعتمد بن عباد: 7: 2/64 ممنوع: الكامل: سهل بن طلحة: 11: 4/275 سريع: الكامل:-: 1: 1/123 تقطيع: البسيط: ابن خاتمة: 9: 1/113 ومطيع: الطويل: ابن ميمون: 2: 3/62 شفيع: الطويل: ابن أبي العافية: 2: 1/285 جميعها: الطويل: ابن زمرك: 13: 2/203 الجزء: 4 ¦ الصفحة: 656 العين المكسورة بدائعي: الطويل: ابن عطية المحاربي: 17: 3/437 الرائع: الكامل: ابن خاتمة: 5: 1/109 بالخداع: الخفيف: ابن عميرة: 2: 1/65 لوداعي: الكامل: ابن برطال: 3: 1/61 أسماعي: السريع: ابن خاتمة: 2: 1/121 خاشع: الكامل: ابن المرحل: 56: 3/242 الدفع: الطويل: سهل بن محمد الأزدي: 8: 4/239 مشفع: الطويل: ابن أبي الخصال: 2: 2/281 الطوالع: الطويل: ابن الحكيم اللخمي: 3: 2/173 الطوالع: الطويل: ابن أبي الخصال: 2: 2/280 أضلعه: السريع: ابن هانىء اللخمي: 5: 3/133 معي: الطويل: ابن أبي الخصال: 2: 2/282 جمعه: السريع:-: 2: 1/319 تسمع: الكامل: ابن شعيب الكرياني: 6: 1/137 التصنع: الطويل: ابن الجنان: 1: 4/252 خضوع: المتقارب: عبد المهيمن بن محمد: 2: 4/8 ولوعي: الخفيف: ابن الخطيب السلماني: 2: 4/426 الولوع: الوافر: ابن الخطيب السلماني: 2: 4/454 التوديع: الكامل: ابن جزي: 31: 2/167 سميع: الكامل: ابن خلدون: 21: 3/391 قافية الغين الغين المضمومة وفراغ: الطويل: ابن جزي: 4: 3/12 مصاغ: الطويل: ابن اللؤلؤة: 4: 3/138 قافية الفاء الفاء الساكنة والطارف: السريع: الشريشي: 2: 3/129 فعطف: البسيط: ابن عرفة: 2: 1/141 الجزء: 4 ¦ الصفحة: 657 الفاء المفتوحة التفّا: الطويل: ابن زمرك: 7: 2/201 أجفا: الطويل: صالح بن يزيد: 6: 3/278 خفا: الطويل: ابن أبي الخصال: 2: 2/280 صرفا: الطويل: ابن العابد: 1: 2/182 طرفا: الرمل: ابن خلصون: 9: 3/196 كاشفا: الكامل: ابن الخطيب السلماني: 2: 4/449 والقصفا: الطويل: يحيى بن عبد الجليل الفهري: 12: 4/362 المسعفا: الكامل: ابن الفراء: 18: 4/62 كفى: الكامل: عزوز: 36: 4/13 ألفا: الوافر: الشراط: 5: 3/336 مدنفا: الكامل: ابن المرحل: 3: 3/242 شنفا: الطويل: ابن هانىء الأندلسي: 32: 2/187 الوفا: السريع: محمد بن محمد بن محمد الخزرجي: 16: 1/317 مجوّفا: الطويل: ابن أبي العافية: 2: 1/285 تصحيفا: السريع: ابن الخطيب السلماني: 3: 4/436 الفاء المضمومة سلافه: الكامل: ابن الحاج: 2: 1/181 ملتفّ: الطويل:-: 2: 3/384 تذرف: الطويل: ابن الحاج البلفيقي: 71: 2/87 تصرفها: المنسرح: التلمساني: 4: 1/169 مصرف: الكامل: الزيات: 4: 1/150 ينصرف: المتقارب: محمد بن أحمد بن أمين: 2: 3/203 صفصف: الكامل:-: 2: 4/56 تقف: المديد: ابن الصباغ العقيلي: 2: 4/97 ووكف: الخفيف: ابن خاتمة: 5: 1/116 يخلف: الكامل: ابن لب: 3: 4/56 نتنصف: الطويل:-: 2: 4/297 والصروف: الوافر: ابن عطية: 9: 4/194 يسوّف: الطويل: ابن أبي الخصال: 2: 2/281 خفيف: الطويل: ابن الحاج: 2: 1/184 الجزء: 4 ¦ الصفحة: 658 الفاء المكسورة الطوائف: الطويل: ابن أبي الخصال: 2: 2/280 وإشراف: الطويل: ابن الخطيب السلماني: 2: 4/431 نطاف: الكامل: ابن قزمان: 2: 2/347 حتف: الطويل: فرج بن محمد: 1: 4/207 كطرفه: الطويل: ابن أبي مدين: 2: 2/324 رشفه: الكامل: أبو الطاهر المازني: 4: 2/371 المنصف: الكامل: البلياني: 17: 2/248 شغف: البسيط: ابن عرفة: 2: 1/142 بالجلف: الطويل: ابن العراقي: 5: 3/171 بمخلفها: المتدارك:-: 6: 4/519 والسّلف: البسيط: ابن عطية المحاربي: 22: 3/426 مرهف: الطويل: ابن الخطيب السلماني: 2: 4/442 بالخوف: الطويل: ابن الحاج البلفيقي: 2: 2/93 خوفه: الكامل: ابن الخطيب السلماني: 2: 4/430 المتصوّف: الكامل: ابن الجياب: 11: 3/179 أنوف: الخفيف: ابن الخطيب السلماني: 2: 4/438 سيف: الطويل: ابن القصيرة: 4: 4/207 قافية القاف القاف الساكنة الرفاق: مجزوء الكامل ابن شعيب الكرياني: 16: 1/137 السّبق: الكامل:-: 1: 1/209 فاتّسق: السريع: ابن عبدون: 1: 4/17 غسق: السريع: صفوان بن إدريس: 4: 3/273 الغسق: السريع: الزياني: 1: 4/17 أفق: المتقارب: ابن ميمون: 3: 3/61 الفلق: السريع: ابن المرحل: 1: 4/17 العقيق: السريع: ابن طلحة: 3: 1/105 الجزء: 4 ¦ الصفحة: 659 القاف المفتوحة ووفاقا: الخفيف: ابن هيضم: 16: 4/140 تبقى: الكامل: ابن الخطيب السلماني: 2: 4/448 منتقى: الطويل: ابن أبي الخصال: 2: 2/280 الحقّا: الطويل: ابن الخطيب السلماني: 2: 4/449 رقّا: الطويل: فرج بن لب: 10: 4/213 رقا: الكامل: ابن الحاج البلفيقي: 2: 2/93 الورقا: البسيط: المقري (أبو عبد الله) : 5: 2/134 يرقى: الطويل: ابن قطبة الدوسي: 7: 2/162 تنطقا: المتقارب: ابن جزي: 1: 2/171 خلقا: البسيط: ابن الحكيم اللخمي: 4: 2/173 طلقا: الخفيف: ابن أبي العافية: 5: 1/284 ورحيقه: الكامل: ابن الخطيب السلماني: 2: 4/428 الطريقه: الوافر: ابن الخطيب السلماني: 6: 1/71 شفيقا: الطويل: ابن جبير: 2: 2/151 القاف المضمومة الحدائق: الطويل: ابن رشيد: 29: 3/106 حقائقه: البسيط: مروان بن عبد العزيز: 6: 1/129 مشتاق: الطويل: ابن الخطيب السلماني: 2: 4/432 إشراق: البسيط: ابن حسان: 3: 3/158 حاذق: الكامل: ابن الخطيب السلماني: 2: 4/441 الأرق: الرمل: ابن خاتمة: 8: 2/346 تحترق: المنسرح:-: 1: 1/80 تشرق: السريع: ابن الخطيب السلماني: 2: 4/446 ويشرق: الطويل: ابن حزم: 2: 4/90 يفرق: الكامل: ابن خاتمة: 1: 1/123 تنطق: الطويل: أبو القاسم السهيلي: 2: 3/364 منطق: الكامل: ابن يست: 1: 3/442 تشقّق: الكامل:-: 1: 2/10 مونق: الطويل: الورّاد: 3: 4/145 الشروق: الخفيف: أبو الحسن بن سعيد: 4: 1/280 الجزء: 4 ¦ الصفحة: 660 وتشوق: الطويل: يوسف بن سعيد بن حسان: 10: 1/27 تعوقه: الطويل: سهل بن محمد الأزدي: 9: 4/236 رحيق: الوافر: ابن خاتمة: 5: 1/117 طريق: الطويل: الطرسوني: 3: 3/14 غريقه: الطويل: سهل بن محمد الأزدي: 3: 4/252 تضيق: الكامل: ابن مهيب: 22: 2/292 أطيق: الطويل: اللوشي: 2: 2/175 عقيقها: الطويل: البلياني: 9: 2/247 طليق: الطويل: ابن جزي: 20: 2/164 القاف المكسورة لتائق: الطويل: ابن هذيل: 5: 4/336 سائق: الطويل: ابن الحاج البلفيقي: 2: 2/97 الباقي: الطويل: ابن الخطيب السلماني: 2: 4/110 الباقي: الطويل: الرصافي البلنسي: 9: 2/363 راق: الخفيف: المنتشاقري: 3: 4/331 إطراق: الكامل: ابن الخطيب السلماني: 48: 4/123 العراق: مخلع البسيط: ابن الخطيب السلماني: 25: 4/553 الفراق: الوافر: ابن لب: 2: 3/26 ساق: الطويل: ابن الجياب: 28: 4/110 العشّاق: الكامل: ابن خاتمة: 27: 1/111 عشّاقه: الخفيف: ابن الخطيب السلماني: 2: 4/451 عشّاقه: الكامل: ابن جزي: 17: 2/165 استنشاقه: الكامل: ابن الخطيب السلماني: 2: 4/435 الخفّاق: الكامل: ابن أبي الخصال: 19: 2/270 الإشفاق: الكامل: صالح بن يزيد: 2: 3/284 باستحقاق: الكامل: ابن جبير: 4: 2/151 الرقاق: الخفيف: صالح بن يزيد: 2: 3/282 الآماق: الكامل: ابن الصائغ: 56: 2/301 واعتناق: الوافر: صالح بن يزيد: 2: 3/282 واق: الكامل: ابن الخطيب السلماني: 2: 4/445 الأشواق: الكامل: ابن خلصون: 10: 3/195 الجزء: 4 ¦ الصفحة: 661 السوابق: الطويل:-: 2: 3/361 السوابق: الطويل: المتنبي: 2: 1/154 تتقي: الكامل: ابن أبي العافية: 16: 1/283 وانتق: الكامل: ابن جزي: 2: 2/170 الحق: الطويل: الإستجي الحميري: 1: 2/212 الحقّ: الطويل: ابن الخطيب السلماني: 4: 2/163 أرقي: البسيط: ابن الخطيب السلماني: 3: 4/434 بارق: الكامل: يحيى بن بقي: 10: 4/359 مشرق: الكامل: المليكشي: 2: 2/412 طرق: المنسرح: ابن أبي الخصال: 10: 2/271 المورق: الكامل: ابن أبي العافية: 2: 1/284 لموفّق: الطويل: الورّاد: 4: 4/147 مراهق: الطويل: ابن أبي الخصال: 2: 2/278 الطريق: المتقارب: ابن الحاج البلفيقي: 9: 2/96 عريق: الطويل: التطيلي: 2: 4/359 وعشيق: المجتث: أبو بكر بن سعيد: 2: 3/263 بعقيقه: الكامل: المنتشاقري: 64: 4/325 قافية الكاف الكاف الساكنة ومقتك: الخفيف: ابن الخطيب السلماني: 2: 4/453 مقدارك: السريع: محمد بن أحمد الحسني: 5: 2/111 بقدرك: الوافر: ابن عبد الملك: 2: 2/376 أمرك: الوافر: ابن خاتمة: 2: 1/117 شمسك: السريع: ابن الحاج: 2: 1/184 معك: الرمل: ابن مرج الكحل: 2: 2/232 آفك: الطويل: ابن الجنان: 80: 4/241 المسالك: مجزوء الرمل: أبو زيد الفزاري: 3: 4/232 الحلك: الطويل: ابن الخطيب السلماني: 2: 4/440 الحلك: الكامل: ابن مرزوق: 4: 3/77 بذلك: الخفيف: ابن رضوان: 3: 3/343 الجزء: 4 ¦ الصفحة: 662 هلك: مجزوء الرمل: البدوي: 4: 3/58 الكاف المفتوحة سواكا: الخفيف: ابن خطاب: 8: 2/298 حيّاكا: الطويل: المنتشاقري: 6: 4/324 محياكا: الطويل: ابن الخطيب السلماني: 3: 4/323 البكا: الطويل: ابن مرج الكحل: 3: 2/232 دركا: البسيط: ابن شبرين: 3: 2/155 حالكا: الكامل: المنتشاقري: 3: 4/331 مسالكا: الكامل: الشاطبي: 1: 3/61 هنالكا: الكامل: ابن ميمون: 1: 3/62 خيالكا: الكامل: ابن رشيق: 4: 1/266 كذلكا: الكامل: ابن قوسرة: 1: 3/61 لشكوكا: السريع: الساحلي: 3: 4/348 مسلوكا: الكامل: ابن الخطيب السلماني: 2: 4/429 عريكه: مجزوء الرمل: ابن الحاج: 2: 1/183 الكاف المضمومة هتّاك: البسيط: النفزي: 8: 1/195 فتك: المنسرح: ابن شعيب الكرياني: 4: 1/136 فارك: الطويل: ابن خميس: 70: 2/379 الشرك: المنسرح: ابن أبي تليد: 2: 3/30 النّسك: الطويل: النفزي: 3: 3/42 حالك: الطويل: السلمي: 2: 4/168 مالك: الكامل: ابن رشيق: 36: 1/264 يسلكه: البسيط: ابن جعفر القونجي: 7: 3/178 الكاف المكسورة رشاك: الكامل: ابن خطاب: 24: 2/296 حواك: الكامل: العقرب: 8: 2/184 أشتكي:-: ابن الحكيم اللخمي: 3: 2/180 المتدارك: الكامل: ابن عباد النفزي: 11: 3/190 الجزء: 4 ¦ الصفحة: 663 جوارك: الطويل: ابن دراج القسطلي: 69: 3/221 درك: البسيط: ابن أبي الخصال: 32: 2/272 درك: مجزوء الرجز: البلذوذي: 22: 4/9 لزهرك: الطويل: ابن عياش: 2: 2/339 شكّ: المنسرح: ابن شبرين: 5: 2/155 ابن همشك: الخفيف: ابن صفوان: 1: 1/152 الحوالك: الطويل: ابن أبي الخصال: 2: 2/281 المملّك: الطويل: ابن أبي الخصال: 2: 2/278 منك: الطويل: فرج بن محمد: 2: 4/207 السلوك: المديد: ابن الخطيب السلماني: 2: 4/428 قافية اللام اللام الساكنة دلائل: دوبيت: ابن المرحل: 21: 3/236 ذبال: السريع: ابن خميس: 30: 2/397 فصال: الكامل: ابن الفصال: 3: 3/373 حلال: السريع: ابن طلحة: 2: 1/106 الأجل: المتقارب: ابن خاتمة: 4: 1/118 وارتحل: المديد:-: 2: 3/15 نحل: المتقارب: صالح بن يزيد: 3: 3/282 بمعزل: الخفيف: ابن الزيات: 4: 1/199 منزل: الخفيف: ابن أبي العاصي: 9: 1/199 بالأمل: الطويل: القللوسي: 4: 3/54 جهل:-: ابن الخطيب السلماني: 2: 4/527 نهل: الرمل:-: 1: 4/171 تحول: السريع: ابن الخطيب السلماني: 2: 4/428 الدول: المتقارب: ابن سعيد: 3: 4/134 نزول: السريع: ابن شلطبور: 4: 2/244 مستحيل: الرمل: ابن هانىء اللخمي: 2: 3/111 اللام المفتوحة رسائلا: الطويل: ابن زمرك: 4: 2/202 الجزء: 4 ¦ الصفحة: 664 وسائلا: الطويل: ابن رضوان: 33: 3/338 لالا: الوافر: ابن الخطيب السلماني: 1: 4/528 بالها: الكامل: الخشني: 65: 4/151 ذباله: مجزوء الكامل: أحمد بن عبد الملك بن سعيد: 3: 1/92 نبالا: الوافر: صالح بن يزيد: 2: 3/282 ارتجالا: الخفيف: يحيى بن عبد الجليل: 1: 4/361 الرحّاله: الخفيف: ابن الخطيب السلماني: 34: 4/415 زالا: البسيط: ابن الحكيم اللخمي: 2: 2/324 فتعالى: الخفيف: عبد الله بن سعيد السلماني: 3: 3/297 دلالها: الكامل: ابن الجياب: 48: 4/106 نمالا: الوافر: المعري: 1: 3/156 أبوالا: البسيط:-: 1: 2/178 خياله: الكامل: ابن خلصون: 6: 3/195 أذيالها: المتقارب: أبو بكر المخزومي: 2: 1/234 البلا: الطويل: ابن الحكيم اللخمي: 41: 2/330 والإبلا: البسيط: ابن عطية المحاربي: 45: 3/434 المثلا: البسيط: ابن هانىء اللخمي: 3: 3/111 بالجلا: المتقارب: ابن الخطيب السلماني: 23: 4/552 راحلا: الطويل: الحجاري: 2: 3/329 الأدلّه: الوافر: ابن الخطيب السلماني: 23: 4/416 الذلّا: الطويل: المقري (أبو عبد الله) : 5: 2/133 أرسلا: الطويل: السبتي: 1: 3/142 انفصلا: المنسرح: ابن الخطيب السلماني: 3: 4/453، 515 فعلا: البسيط: ابن الحاج: 1: 1/187 فلا: البسيط: ابن المرحل: 12: 3/235 أسفله: السريع:-: 2: 3/383 وكلّا: الخفيف: ابن المرابع: 2: 1/151 أولى: الطويل: ابن سالم: 5: 4/259 قبولا: الكامل: ابن الحاج البلفيقي: 2: 2/93 ونحولا: الكامل: الإستجي الحميري: 1: 2/207 ونحولا: الكامل: ابن المرحل: 20: 3/234 الجزء: 4 ¦ الصفحة: 665 رسولا: الطويل: المليكشي: 3: 2/407 رسولا: المتقارب: العزفي: 75: 3/5 أفولا: الطويل: فرج بن لب: 15: 4/214 شمولا: الخفيف: أبو بكر ابن القبطرنة: 3: 1/300 بالوسيلة: الخفيف: ابن الفصال: 10: 3/369 قليله: الخفيف: ابن الخطيب السلماني: 2: 4/426 ميلا: الطويل: ابن أبي الخصال: 2: 2/278 مميلا: الكامل: ابن المرحل: 2: 3/241 طويلا: المتقارب: ابن قطبة الدوسي: 3: 2/163 اللام المضمومة حاله: الكامل: سهل بن محمد الأزدي: 4: 4/234 حالوا: الطويل: ابن جزي 2: 3/304 رسائله: الطويل: الزواوي: 3: 3/251 وسائل: الطويل: ابن صفوان: 1: 1/99 الوسائل: الطويل: ابن مهيب: 2: 2/293 ظلال: الطويل: فخر الدين الرازي: 5: 2/140 الوبل: الطويل: ابن خاتمة: 4: 2/346 تمتثل: البسيط: الزواوي: 2: 3/250 رجل: البسيط: كثير عزة: 1: 2/238 فتقبل: الطويل: ابن الحاج البلفيقي: 2: 2/94 المقتل: الكامل: ابن الخطيب السلماني: 2: 4/447 بدل: البسيط: ابن المرابع: 12: 3/323 نزلوا: البسيط: الإستجي الحميري: 1: 2/211 والهزل: السريع: ابن الخطيب السلماني: 2: 3/149 يواصل: الطويل: ابن عميرة: 2: 1/65 تتنقّل: الكامل: الينشتي: 2: 3/404 الطلل: المتدارك: ابن شبرين: 3: 1/151 والأمل: البسيط: ابن شعبة: 21: 3/170 محتمله: المديد: ابن الخطيب السلماني: 2: 4/438 تحمل: الطويل: ابن أبي الخصال: 2: 2/276 والعمل: البسيط: ابن المرحل: 19: 3/237 الجزء: 4 ¦ الصفحة: 666 متبول: البسيط: النفزي: 78: 3/31 المناهل: الطويل: ابن قطبة: 3: 2/160 مستهلّه: الطويل: ابن أبي الخصال: 2: 2/277 سهل: الطويل: ابن عسكر: 4: 2/105 منهله: الرمل: ابن سعيد: 2: 4/134 الأول: الكامل: ابن الخطيب السلماني: 2: 4/528 وقبول: الطويل: ابن الخطيب السلماني: 17: 3/331 دول: البسيط: ابن خاتمة: 2: 2/346 صول: البسيط: حذج المري: 1: 4/520 قفول: الكامل: القاضي عياض: 6: 4/191 ويقول: الطويل: ابن حزم: 4: 4/90 رحيل: الوافر: ابن حزم: 2: 4/91 مناديل: البسيط: عبدة بن الطبيب: 1: 3/140 أصيل: الكامل: أم الحسن بن أبي جعفر الطنجلي: 2: 1/237 الكفيل: مخلع البسيط: ابن الجياب: 3: 4/119 الخليل: الوافر: ابن صفوان: 2: 1/100 دليل: الوافر: الحجاري: 3: 3/329 عليل: الطويل: ابن عرفة: 3: 1/142 القليل: الوافر: ابن قزمان: 2: 2/350 كليل: الطويل: عبد المهيمن الحضرمي: 51: 2/317، 4/5 اللام المكسورة لي: المنسرح: ابن شبرين: 6: 2/156 السائل: السريع: ابن عيسى الحميري: 1: 2/256 بالي: الطويل:-: 3: 3/384 البالي: الطويل: ابن جزي: 38: 1/53 ببالها: الكامل: ابن خميس: 46: 2/398 بذبال: الخفيف: ابن الصيرفي: 27: 4/351 والتالي: الكامل: ابن الخطيب السلماني: 4: 2/114 الرجال: السريع: الورّاد: 2: 4/147 حال: الوافر: ابن الخطيب السلماني: 3: 4/455 حال: البسيط: ابن خاتمة: 1: 1/124 الجزء: 4 ¦ الصفحة: 667 رحاله: الطويل: ابن الخطيب السلماني: 2: 4/432 المحال: الرمل: ابن الحكيم: 1: 2/312 المحال: الرمل: ابن الحكيم اللخمي: 40: 2/319 خال: الطويل:-: 2: 4/367 الأبدال: الخفيف: ابن الحاج البلفيقي: 9: 2/98 العذّال: الكامل: اليتيم: 16: 3/73 وقذالي: الكامل: سوّار بن حمدون: 2: 4/227 وأنذال: السريع: ابن قزمان: 3: 2/355 قطرال: المنسرح: ابن شبرين: 1: 3/154 النزال: المتقارب: ابن الخطيب السلماني: 9: 3/409 وصاله: الكامل: الورّاد: 2: 4/146 بالوصال: الخفيف: حفصة بنت الحاج: 2: 1/279 والمتعالي: مخلع البسيط: منصور بن عمر: 3: 3/228 والأفعال: الكامل: الساحلي: 2: 3/182 المعالي: المجتث: الزواوي: 3: 3/251 للتغالي: الخفيف: المليكشي: 12: 2/410 اعتلالها: الطويل: ابن الخطيب السلماني: 2: 3/344 الخلال: المتقارب: ابن الخطيب السلماني: 2: 4/440 إذلال: الطويل: امرؤ القيس: 1: 3/382 والمال: البسيط: ابن منخل الغافقي: 4: 2/78 منالها: الطويل: ابن رضوان: 2: 3/344 البوال: الوافر: ابن الإمام الأنصاري: 4: 4/148 طوال: الوافر: أبو الأجرب: 3: 3/265 بالغوالي: الوافر: ابن طلحة: 3: 1/105 الموالي: الخفيف: ابن سيد الناس: 9: 2/410 خيال: الخفيف: البلوي: 21: 2/266 خياله: الطويل: ابن الخطيب السلماني: 2: 4/436 خيال: الوافر: المتنبي: 1: 4/513 الليالي: المتقارب: ابن شعيب الكرياني: 13: 1/135 بلابلي: الطويل: ابن فضيلة: 16: 2/227 قبلي: الطويل: جميل بثينة: 1: 4: 518 الجزء: 4 ¦ الصفحة: 668 لأجله: الخفيف: ابن الحاج البلفيقي: 2: 2/94 مثلي: الطويل: ابن مهيب: 19: 2/293 بالأرجل: السريع: ابن سعيد: 1: 4/131 والوجل: البسيط: ابن الحكيم اللخمي: 4: 3/359 ومرتحل: البسيط: ابن يست: 28: 3/442 زحل: البسيط:-: 1: 3/201 الأكحل: السريع: ابن أبي الأصبغ: 1: 4/131 للكحل: البسيط: ابن جهور: 3: 2/233 للكحل: البسيط: ابن مرج الكحل: 3: 2/233 خلاخله: الكامل: نزهون بنت القليعي: 2: 3/263 النخل: الطويل: عبد الرحمن الداخل: 4: 3/357 العدل: الطويل: المليكشي: 1: 2/412 فاعدل: الكامل: ابن عرفة: 41: 1/139 تعدل: الطويل: ابن رضوان: 4: 3/343 الذلّ: الطويل: ابن مهيب: 2: 2/293 مبتذل: البسيط: الرصافي البلنسي: 10: 2/364 غيرلي: الطويل: ابن جزي: 4: 3/305 المنازل: الطويل: ابن قطبة: 2: 1/31 أنزل: الكامل: ابن الحاج: 2: 1/183 بسلّه: الكامل: الشاط: 3: 4/219 تسل: البسيط: ابن عطية المحاربي: 30: 3/436 رسله: الطويل: النباهي: 5: 4/71 الرسل: البسيط: ابن شرف: 3: 3/161 تنسل: الطويل: امرؤ القيس: 1: 1/307 يسل: البسيط: صالح بن يزيد: 6: 3/281 فضلي: الطويل: ابن الأفطس: 10: 4/29 بفضله: الوافر: ابن عبد الملك: 2: 2/376 بفضله: مجزوء الرمل: ابن الخطيب السلماني: 2: 4/448 الهاطل: المتقارب: ابن الخطيب السلماني: 2: 4/437 عل: الطويل: ابن أبي الخصال: 2: 2/279 شغل: البسيط: ابن خاتمة: 12: 2/345 الجزء: 4 ¦ الصفحة: 669 بالأسفل: السريع: ابن سعيد: 1: 4/132 عاقل: الطويل: ابن جبير: 2: 2/151 أكله: المتقارب: ابن الخطيب السلماني: 1: 4/536 الثكل: الطويل:-: 5: 1/161 الجلل: البسيط: ابن الفرس: 2: 3/361 شامل: المتقارب: ابن جزي: 2: 3/303 مؤمّل: الطويل: أبو جعفر بن سعيد: 4: 1/278 النمل: الطويل: ابن مرج الكحل: 2: 2/232 للمتأهّل: الطويل: ابن المتأهّل: 4: 3/165 سهل: الطويل: ابن أبي الخصال: 2: 2/277 والسهل: الطويل: ابن الخطيب السلماني: 3: 3/379 ولي: مجزوء الخفيف ابن المرحل: 4: 3/247 محول: الخفيف: ابن الخطيب السلماني: 3: 4/426 العذول: السريع: ابن الخطيب السلماني: 2: 4/430 معوّل: الطويل: امرؤ القيس: 1: 3/385 يلي: السريع: أحمد بن إبراهيم بن الزبير: 3: 1/73 سخايل: الطويل: الطويجن: 2: 1/175 صقيل:-: سهل بن محمد الأزدي: 6: 4/235 صقيل: الخفيف: ابن الخطيب السلماني: 2: 4/445 الخليل: الوافر: ابن الخطيب السلماني: 2: 4/425 الذليل: المتقارب: ابن دراج: 4: 4/43 العليل: الوافر: ابن جزي: 2: 3/303 العليل: الوافر: ابن خاتمة: 1: 1/122 قليل: الخفيف: ابن الخطيب السلماني: 1: 3/333 قافية الميم الميم الساكنة احتكام: الرمل: ابن الخطيب السلماني: 2: 4/427 الظلام: السريع: ابن الخطيب السلماني: 2: 4/451 وظلام: الدوبيت: ابن جزي: 2: 2/170 قدم: المتقارب: ابن الجياب: 2: 4/119 الجزء: 4 ¦ الصفحة: 670 مظلم: مجزوء الرمل: ابن الخطيب السلماني: 4: 4/431 علم: الكامل: ابن الخطيب السلماني: 2: 4/444 العلم: المتقارب: ابن أضحى: 8: 4/66 الأمم: المتقارب: البدوي: 2: 3/59 الميم المفتوحة التثاما: الوافر: ابن خميس: 37: 2/377 إفحاما: السريع: ابن سعيد الغساني: 5: 4/274 وداما: الكامل: محمد بن قاسم الأنصاري: 4: 3/150 الخذامى: الرمل: ابن هذيل: 16: 4/337 عظامها: الطويل: ابن هذيل: 4: 4/344 وزكاما: الطويل:-: 2: 3/384 السلامه: مجزوء الكامل ابن مرزوق: 5: 3/92 الهماما: مجزوء الرمل: ابن الخطيب السلماني: 2: 4/442 النياما: الخفيف: يوسف بن محمد اللوشي: 2: 4/364 عاتمه: مجزوء الخفيف:-: 2: 1/122 ثمّه: الخفيف: ابن الخطيب السلماني: 12: 4/547 مترجما: الطويل: ابن الفرس: 27: 3/416 الحمى: الطويل: ابن طفيل: 18: 2/335 ملتزما: المنسرح: ابن هيضم: 7: 4/140 تنسّما: الطويل: الإستجي الحميري: 2: 2/210 ضما: الطويل: ابن فرسان: 3: 3/447 لمى: البسيط: ابن المرابع: 10: 3/321 سلّما: الكامل: ابن قطبة الدوسي: 1: 2/163 فسلّما: الطويل: ابن جودي: 5: 4/135 مسلما: السريع: الحجاري: 4: 3/330 تعلما: الطويل: ابن زمرك: 2: 2/201 قلمه: الخفيف: ابن باق: 14: 2/225 بينهما: البسيط: ابن عميرة: 2: 1/64 مروما: الكامل: ابن أبي العافية: 19: 1/282 نسيما: مخلع البسيط: ابن الفرس: 13: 3/418 الذميمه: الخفيف: ابن الحاج البلفيقي: 3: 2/94 الجزء: 4 ¦ الصفحة: 671 الميم المضمومة عائمه: السريع: ابن عسكر: 2: 2/105 دعائمه: الطويل: ابن جزي: 45: 4/126 مدام: الوافر: ابن مرج الكحل: 4: 2/231 حرام: الكامل:-: 1: 2/138 حرام: المتقارب:-: 1: 1/126 ضرامه: الكامل: ابن عيسى الحميري: 5: 2/253 الغرام: الوافر: صالح بن يزيد: 45: 3/276 يرام: الوافر: ابن زمرك: 3: 2/202 اعتصام: مخلع البسيط: ابن عبد الملك: 4: 2/376 سقام: المتقارب: أبو القاسم السهيلي: 3: 3/366 مقام: الوافر: ابن الشديد: 33: 2/267 المقام: الوافر: النباهي: 3: 4/74 غلام: الوافر: الإستجي الحميري: 1: 2/214 غلام: الوافر: ابن عبدون: 11: 4/305 الكلام: الوافر: ابن جزي: 2: 3/303 اهتمام: الوافر: ابن جابر: 35: 2/218 حمام: الكامل: أبو تمام: 1: 2/179 منام: الكامل: ابن الخطيب السلماني: 50: 4/293 منام: الكامل: ابن الصباغ العقيلي: 3: 4/99 تختم: الطويل: ابن شلطبور: 19: 2/243 تترجم: الطويل: الورّاد: 53: 3/183 الأنجم: الكامل: الجراوي: 4: 2/333 تترحّم: الطويل: ابن الفرس: 4: 3/419 يرحم: الطويل: ابن الخطيب السلماني: 2: 4/446 قدم:-: الإستجي الحميري: 1: 2/211 المكارم: الطويل: العبدري: 4: 2/418 تتصرّم: الكامل: ابن البراق: 4: 2/344 أكرم: الكامل: المعتمد بن عباد: 7: 2/65 العرمرم: الطويل: المتنبي: 1: 4/304 فأكرم: الطويل: ابن زمرك: 20: 2/198 الجزء: 4 ¦ الصفحة: 672 وينعم: الطويل: ابن الخطيب السلماني: 2: 4/451 هواكم: الكامل: ابن الخطيب السلماني: 2: 4/452 ودّكم: البسيط: الشنتوفي: 2: 4/346 أحلم: الطويل: ابن عسكر: 3: 2/105 وسلّموا: الطويل: ابن سعيد الغساني: 2: 4/274 يسلم: الكامل:-: 5: 2/65 وعلم: الوافر: ابن طلحة: 3: 1/107 الهمم: الرمل: المقري (أبو عبد الله) : 5: 2/133 ويمّموا: الطويل: ابن أبي الخصال: 2: 2/280 مراهم: الطويل: النفزي: 2: 3/43 يبهم: السريع: أبو عمرو الزاهد: 3: 3/46 منفهم: البسيط: صالح بن يزيد: 2: 3/282 لفضلهم: البسيط: ابن الحاج البلفيقي: 8: 2/97 مكتوم: الكامل: ابن الخطيب السلماني: 13: 4/424 تحوم: الطويل: ابن صفوان: 1: 1/99 مرحوم: الخفيف: النفزي: 2: 3/42 تروم: الكامل:-: 2: 1/252 يروم: الكامل: ابن صفوان: 1: 1/99 كلوم: الطويل: ابن مقاتل: 2: 3/173 الغيوم: مخلع البسيط: الورسيدي: 18: 4/223 وخيّموا: الطويل: ابن البربري: 19: 4/164 وتديم: الكامل: ابن الباذش: 2: 4/78 مديم: الطويل: محمد بن عبد الله ابن الحاج البضيعة: 6: 2/309 والتكريم: الكامل: الرصافي: 1: 3/162 نسيمه: الطويل: ابن الخطيب السلماني: 33: 4/458 سقيم: الطويل: ابن مهيب: 3: 2/294 مقيم: الوافر: ابن حزم: 2: 4/91 كليم: الطويل: ابن مقاتل: 5: 2/262 صميم: الوافر: ابن بيبش: 32: 3/18 إبراهيم: الكامل:-: 1: 2/215 إبراهيم: الكامل: ابن كسرى: 1: 1/263 الجزء: 4 ¦ الصفحة: 673 الميم المكسورة الغمائم: الطويل: أبو القاسم الحسني: 1: 3/116 الغمائم: الطويل: المنتشاقري: 2: 4/330 المدام: الرمل: ابن قطبة: 2: 2/160 بسطام: الطويل: ابن الخطيب السلماني: 3: 4/442 إنعام: الطويل: ابن الخطيب السلماني: 2: 4/427 الإسلام: الكامل: ابن سعيد: 5: 4/130 وسلام: الكامل:-: 12: 3/261 التمام: الوافر: الورّاد: 3: 4/146 ينتمي: الطويل: ابن الخطيب السلماني: 4: 4/441 للترحّم: الطويل: صالح بن يزيد: 2: 3/287 الدم: الطويل: ابن الحاج: 1: 1/29 المتقادم: الطويل: موسى بن يوسف (أبو حمّو) : 57: 3/217 النادم: الكامل: ابن الخطيب السلماني: 2: 4/440 القدم: البسيط: ابن قزمان: 7: 2/348 والصوارم: الطويل: ابن الأبار: 101: 4/262 الكرم: البسيط:-: 2: 2/213 كالمواسم: الطويل: الحجاري: 3: 3/330 رسمه: الخفيف:-: 2: 3/407 وهاشم: الطويل: أبو العلاء المعري: 1: 2/143 المنعّم: الطويل: النفزي: 5: 3/30 وتحكّمي: الطويل: ابن الجياب: 27: 1/213 والألم: البسيط: ابن شلطبور: 3: 2/244 سلّم: المتقارب: ابن أبي العافية: 2: 1/285 والسّلم: البسيط: ابن المرحل: 16: 3/240 الظّلم: البسيط: عبد الحق بن غالب: 3: 3/413 ظلمه: السريع: ابن الخطيب السلماني: 2: 4/441 علم: البسيط: ابن سبعين: 4: 4/24 العلم: البسيط:-: 13: 2/56 قلمي: البسيط: حفصة بنت الحاج: 2: 1/277 والقلم: البسيط: ابن عطية المحاربي: 14: 3/438 الجزء: 4 ¦ الصفحة: 674 كلمه: السريع: عبد الله بن سعيد السلماني: 3: 3/297 ذمم: البسيط: ابن أبي الخصال: 7: 2/348 والصنم: البسيط: ابن بكر: 2: 2/108 كالنجوم: الخفيف: محمد بن سعيد بن خلف: 2: 3/164 الأقوم: الكامل: ابن أبي العاصي: 2: 1/199 بالمعلوم: الكامل: ابن الخطيب السلماني: 2: 4/451 لئيم: الوافر: ابن المرحل: 2: 3/241 الكريم: الوافر: العاملي: 6: 3/314 سقيم: الطويل: ابن الفصّال: 3: 3/368 الرميم: الخفيف: ابن سالم: 4: 4/261 بالصميم: الوافر: الطويجن: 2: 1/172 قافية النون النون الساكنة ثوان: الكامل: الإستجي الحميري: 2: 2/211 الرسن: السريع: ابن الخطيب السلماني: 2: 4/439 السفن: الطويل: ابن أبي الخصال: 30: 4/79 الركون: المتقارب: ابن الخطيب السلماني: 5: 4/525 وسكون: الرمل: يوسف بن محمد اللوشي: 2: 4/364 هتين: المتقارب: ابن فرقد: 8: 1/192 النون المفتوحة لدانا: الخفيف: ابن البنا: 12: 4/144 وإحسانا: الطويل: ابن السراج: 4: 3/123 مولانا: البسيط: النباهي: 19: 4/71 برهانها: السريع: ابن الحاج البلفيقي: 2: 2/92 سلوانا: الكامل: ابن الحاج: 2: 1/184 وهوانا: الكامل: ابن خلصون: 13: 3/195 عصيانا: السريع: ابن الخطيب السلماني: 2: 4/517 مثنى: الطويل: ابن الخطيب السلماني: 4: 4/452 والجنّه: المتقارب: القاضي عياض: 3: 4/190 فنحنا: الخفيف: ابن الصائغ: 4: 1/221 الجزء: 4 ¦ الصفحة: 675 الأدنى: الطويل: ابن أبي الخصال: 2: 2/278 عدنا: الطويل: الششتري: 69: 4/174 السنا: مجزوء الكامل: الجراوي: 3: 2/333 وحسنا: الوافر: ابن الخطيب السلماني: 2: 4/438 معنى: الطويل: علي بن أحمد الغساني: 9: 4/155 غنا: المتقارب: الباهلي: 6: 3/425 أفنى: الطويل: العبدري: 3: 2/419 تفنى: الطويل: ابن حزم: 6: 4/89 لنا: الكامل: ابن قطبة: 4: 2/160 رقّطونا: الطويل: ابن الخطيب السلماني: 2: 4/447 الجفونا: الوافر: ابن المرحل: 20: 3/239 العيونا: الوافر: صالح بن يزيد: 2: 3/283 أينا: المجتث: محمد بن قاسم: 5: 2/366 تصبحينا: الوافر: عمرو بن كلثوم: 1: 9/1 سبعينا: السريع: ابن المرحل: 2: 3/242 تلاقينا: البسيط: ابن زيدون: 1: 2/256 علينا: مخلع البسيط: ابن الأفطس: 2: 4/30 الياسمينا: الخفيف: الإستجي الحميري: 2: 2/209 النون المضمومة بانوا: الكامل: ابن صفوان: 37: 1/94 أشجانه: الكامل: ابن هيضم: 5: 4/141 وريحان: الطويل: ابن الخطيب السلماني: 2: 4/433 دخان: الطويل: ابن الخطيب السلماني: 1: 4/528 هجرانه: السريع: ابن جزي: 8: 2/170 الخفقان: الطويل: ابن عطية القضاعي: 1: 1/131 الحرمان: الكامل: ابن سارة: 2: 3/334 فعدنان: البسيط:-: 1: 3/201 إخوان: الطويل: ابن أبي الخصال: 2: 2/280 العيان: المتقارب: ابن الخطيب السلماني: 2: 4/429 باطن: الطويل: الورّاد: 2: 4/146 شؤون: الطويل: ابن صفوان: 37: 1/96 الجزء: 4 ¦ الصفحة: 676 جون: الطويل: ابن الصباغ العقيلي: 15: 4/98 شجون: الطويل: ابن شبرين: 13: 2/157 المجون: الوافر: ابن طلحة: 6: 1/107 تكون الخفيف: أبو محمد القرطبي: 3: 3/312 ركون: الطويل: ابن كسرى: 3: 1/264 وسكون: الطويل: ابن سالم: 2: 4/259 سحنون: البسيط: المقري (أبو عبد الله) : 1: 2/134 عيون: الطويل: العبدري: 8: 2/420 العيون: الوافر: ابن الرومية: 1: 1/88 مبين: الطويل: ابن سالم: 12: 4/258 وشين: المجتث ابن أبي العافية: 4: 1/284 فتعينه: الكامل: ابن سودة: 37: 3/129 ظعين: الطويل: النباهي: 36: 4/72 ويمين: الطويل: ابن الخطيب السلماني: 2: 4/440 رهين: الوافر: ابن حوط الله: 2: 3/318 النون المكسورة أبان: مخلع البسيط: ابن الخطيب السلماني: 7: 4/529 بلبانها: الطويل: أبو الأسود الدؤلي: 1: 4/524 هتان: البسيط: الورّاد: 3: 4/146 ثان: مخلع البسيط:-: 2: 3/17 خانه: الرمل: ابن الخطيب السلماني: 2: 4/453 دان: البسيط: أبو بكر المخزومي: 4: 1/232 التداني: مخلع البسيط: ابن زمرك: 6: 2/204 الفدان: الكامل: ابن الخطيب السلماني: 2: 4/449 هداني: الطويل: أبو القاسم السهيلي: 8: 3/365 والآذان: الخفيف: ابن الحاج البلفيقي: 2: 2/93 هجراني: البسيط: الحكم الربضي: 4: 1/270 الميزان: الخفيف: ابن المرحل: 3: 3/241 لإحسان:-: ابن المرحل: 2: 3/177 شان: الكامل: ابن الخطيب السلماني: 2: 4/444 شان: الكامل: ابن رضوان: 4: 3/343 الجزء: 4 ¦ الصفحة: 677 العاني: البسيط: ابن العشاب: 8: 2/374 المغاني: مجزوء الرمل: ابن شبرين: 2: 1/315 جفاني: الوافر: ابن الخطيب السلماني: 2: 4/452 أجفاني: الطويل: ابن الخطيب السلماني: 77: 4/417 الأجفان: الكامل: المستعين بالله: 8: 4/228 مكان: الكامل: ابن الخطيب السلماني: 2: 4/530 مكاني: مخلع البسيط: ابن بيبش: 2: 3/17 الأماني: مجزوء الكامل: ابن شعيب الكرياني: 4: 1/136 بأثمان: الطويل: ابن الخطيب السلماني: 12: 4/516 زمان: الكامل: صالح بن يزيد: 2: 3/285 الزمان: الوافر: ابن خاتمة: 1: 1/123 نعمانه: الكامل: ابن عباد النفزي: 34: 3/191 الإيمان: الطويل: ابن الجياب: 3: 1/208 عنان: الوافر: عبد العزيز بن عبد الله: 22: 4/15 عنانها: الكامل: ابن هذيل: 5: 4/343 أوانه: الكامل: اللمائي: 4: 1/103 شواني: مخلع البسيط: ابن الخطيب السلماني: 5: 4/527 الألوان: الكامل: العاملي: 6: 3/313 هوان: الطويل:-: 2: 4/47 فأحياني: البسيط: ابن عيسى الحميري: 4: 2/254 عياني: الوافر: ابن صفوان: 2: 1/100 محن: البسيط: ابن الخطيب السلماني: 2: 4/429 عدن: الكامل: ابن خميس: 2: 2/401 بدارين: البسيط:-: 15: 1/212 والحزن: البسيط: ابن عطية القضاعي: 10: 1/131 كالغصن: الطويل: ابن الحكيم اللخمي: 3: 2/173 للبطن: الطويل: ابن الخطيب السلماني: 2: 4/449 فاعنه: السريع: ابن الخطيب السلماني: 2: 4/430 جفنها: السريع: ابن الحاج البلفيقي: 2: 2/94 فأرقني: البسيط: الشنتوفي: 2: 4/346 الزمن: البسيط: ابن أبي الخصال: 37: 2/274 الجزء: 4 ¦ الصفحة: 678 وشجوني: الكامل: عزوز: 15: 4/12 تعذلوني: الخفيف: محمد بن خلف: 2: 3/127 اللون: البسيط: ابن أبي العافية: 2: 1/285 بفنونه: الكامل: ابن المرحل: 21: 3/234 ممنون: الطويل: أحمد بن خالد: 1: 1/160 البين: الطويل: ابن الخطيب السلماني: 2: 4/425 وبيني: الوافر: ابن الخطيب السلماني: 2: 4/512 يأتيني: البسيط: المعتمد بن عباد: 8: 2/67 بالراحتين: المتقارب: محمد بن محمد بن يوسف: 3: 1/327 بالرقمتين: الوافر:-: 2: 2/138 الجناحين: البسيط: القاضي عياض: 2: 4/191 دين: مخلع البسيط: ابن جابر: 2: 4/220 الدين: البسيط ابن الحاج النميري: 15: 3/159 الدين: الخفيف: ابن الخطيب السلماني: 3: 4/450 رفدين: الطويل: أبو بكر ابن القبطرنة: 3: 1/301 ودين: الوافر:-: 2: 3/367 الحزين: الوافر: ابن جزي: 2: 3/13 معيني: الخفيف: ابن جزي: 2: 1/53 يسقيني: البسيط: ابن قطبة: 4: 1/30 يقيني: الطويل: ابن رضوان: 2: 3/341 يقيني: الكامل: ابن غفرون: 5: 4/163 ويبكيني: البسيط: ابن عباد النفزي: 14: 3/193 مين: مجزوء البسيط: ابن عرفة: 2: 1/141 ثمين: الكامل: ابن الحاج البلفيقي: 4: 2/96 سمين: الوافر: ابن رضوان: 4: 3/344 ويظميني: البسيط: ابن خلدون: 34: 3/392 باليمين: الوافر: ابن الخطيب السلماني: 2: 4/432 أفانين: المنسرح: ابن قطرال: 2: 3/154 قافية الهاء الهاء الساكنة الله: الكامل: ابن الفرس: 14: 3/361 الجزء: 4 ¦ الصفحة: 679 أمّ له: المتقارب: ابن جبير: 2: 2/150 الهاء المفتوحة رباها: الكامل: عبد الله بن سعيد السلماني: 4: 3/297 فتاها: الخفيف:-: 2: 2/141 قراها: الكامل: البدوي: 2: 3/59 أعلاها: الطويل: ابن أبي الخصال: 2: 2/278 نواها: الطويل: العطار: 12: 3/142 قضاياها: الطويل: العبدري: 14: 2/419 رياها: الكامل: ابن الخطيب السلماني: 2: 4/521 ما لها: المتقارب: صالح بن يزيد: 2: 3/285 وأولها: البسيط: الشنتوفي: 2: 4/346 باريها: البسيط: ابن الخطيب السلماني: 2: 4/445 يجاريها: البسيط: النفزي: 5: 1/195 أرضيها: البسيط: ابن شبرين: 2: 2/156 تليها: الخفيف: ابن عميرة: 3: 1/64، 2/85 يجنيها: الطويل: ابن الخطيب السلماني: 2: 4/454 الهاء المضمومة تراه: الكامل:-: 2: 2/61 جلساه: المجتث: ابن الخطيب السلماني: 2: 4/443 وتخشاه: الطويل:-: 2: 2/20 وأغلاه: السريع: ابن شعيب الكرياني: 2: 1/136 أولاه: الوافر: ابن الخطيب السلماني: 2: 4/433 مغناه: الطويل: الإستجي الحميري: 13: 2/208 وعيناه: المنسرح: ابن قزمان: 4: 2/349 مثواه: الكامل: ابن أبي الخصال: 20: 3/402 تقواه: الطويل: ابن الصائغ: 31: 2/307 يهواه: السريع: ابن جزي: 2: 2/171 محياه: الطويل:-: 2: 2/141 محياه: الطويل: ابن الخطيب السلماني: 2: 4/436، 440 لقياه: الكامل: ابن الخطيب السلماني: 3: 4/455 له: السريع: البدوي: 2: 3/58 الجزء: 4 ¦ الصفحة: 680 الهاء المكسورة أشباهي: المنسرح: ابن الخطيب السلماني: 2: 4/443 ساهي: المنسرح: صفوان بن إدريس: 2: 3/273 ونواه: الكامل: المنتشاقري: 2: 4/330 رسول الله: المنسرح: ابن كسرى: 2: 1/263 والله: السريع: ابن شبرين: 9: 2/155 الواله: الكامل: ابن صفوان: 5: 1/99 شبيه: الكامل: ابن طلحة: 2: 1/106 وجنتيه: الخفيف: ابن عرفة: 4: 1/142 أدريه: الكامل: ابن سعيد: 3: 4/131 فيه: الكامل: ابن الحاج البلفيقي: 2: 2/95 فيه: الكامل: ابن سوّار: 16: 4/306 فيه: الكامل: أبو الطاهر المازني: 3: 2/371 فيه: الكامل: علي بن إبراهيم المالقي: 5: 4/94 تكفيه: الكامل: ابن الخطيب السلماني: 2: 4/448 يتقيه: الخفيف: أبو القاسم السهيلي: 2: 3/365 عليه: المجتث:-: 2: 2/139 تحويه: الكامل: الإستجي الحميري: 2: 2/214 التنويه: الكامل: ابن الخطيب السلماني: 2: 4/378، 434 قافية الواو الواو المفتوحة وتلاوه: الكامل: ابن الخطيب السلماني: 2: 4/441 الجوى: الطويل: ابن شبرين: 4: 2/154 والشكوى: الطويل: المليكشي: 8: 2/405 الهوى: المتقارب: ابن المرابع: 5: 323 نوى: الطويل: ابن أبي الخصال: 2: 2/282 الفتوّه: الخفيف: ابن الخطيب السلماني: 7: 4/370 للفتوّه: الخفيف: ابن الخطيب السلماني: 2: 4/439 الجزء: 4 ¦ الصفحة: 681 قافية الياء الياء المفتوحة عنايه: الكامل:-: 2: 3/373 نابيه: الكامل: ابن مهيب: 2: 2/294 المحيّا: الخفيف: ابن الحكيم اللخمي: 4: 2/173 يحيا: الطويل: الإستجي الحميري: 13: 2/209 يحيا: الطويل: الشراط: 5: 3/336 الأعاديا: الطويل: ابن الحاج البلفيقي: 2: 2/99 الأعاديا: الطويل: النفزي: 2: 3/43 عاريا: الطويل: أبو بكر المخزومي: 2: 1/233 جازيا: الطويل: المتنبي: 1: 4/518 خطيّه: المجتث: ابن الخطيب السلماني: 2: 4/443 راعيا: الطويل: ابن الحكيم: 1: 4/128 باليا: الطويل: ابن زمرك: 14: 2/199 الخاليه: السريع: ابن غفرون: 2: 4/163 جليّه: مخلع البسيط: ابن ميمون: 2: 3/62 داهيه: الطويل:-: 2: 3/384 الزاويه: السريع: ابن الخطيب السلماني: 2: 4/436 الياء المكسورة حيّه: الطويل: ابن باق: 5: 2/226 وموشيّ: البسيط: ابن خاتمة: 2: 1/116 الجزء: 4 ¦ الصفحة: 682 فهرس الأرجاز قافية الألف ظاهره يريك سر من رأى: ابن صفوان: 1/100 كم من خليل بشره زهر الربى: ابن صفوان: 1/100 عوجي على تلك الربى: العزفي: 3/4 يعقد الكتب إلى وقت الضحى: عزوز: 4/311 ولا مثل الشمس في وقت الضحى: ابن الخطيب السلماني: 1/228 حتى إذا أدركه شرك الردى: ابن الخطيب السلماني: 1/164 وانتحب النادي عليه والندى: ابن الخطيب السلماني: 1/164 فعاد من خالف فيها وانتزى: ابن الخطيب السلماني: 3/358 فأذهب الرحمن عنها البوسى: ابن الخطيب السلماني: 3/220 بادرها المفدى الهمام موسى: ابن الخطيب السلماني: 3/220 وسار في الليل إلى وادي الأشى: ابن الخطيب السلماني: 1/214 حتى إذا الملك سليمان قضى: ابن الخطيب السلماني: 3/257 ونسي العهد الذي كان مضى: ابن الخطيب السلماني: 3/257 ثم بنى الزهرا فيما قد بنى: ابن الخطيب السلماني: 3/359 وساعد السعد فنال واقتنى: ابن الخطيب السلماني: 3/359 وزكرياء بها بعد ثوى: ابن الخطيب السلماني: 3/258 وحل بالشرق وبالشرق ثوى: ابن الخطيب السلماني: 3/258 وربما فاز امرؤ بما نوى: ابن الخطيب السلماني: 3/258 ثم نوى الرحلة عنها والنوى: ابن الخطيب السلماني: 3/258 قافية الهمزة الهمزة المكسورة وعاد نصر بمدى حمرائه: ابن الخطيب السلماني: 1/214 الجزء: 4 ¦ الصفحة: 683 أتى وأمر الله من ورائه: ابن الخطيب السلماني: 1/214 قافية الباء الباء الساكنة بغيتان يقرأ الكتاب: عزوز: 4/310 وتذكر العلوم والآداب: عزوز: 4/310 وكتب الله عليها ما كتب: ابن الخطيب السلماني: 4/288 وحق حقّ الدهر فيها ووجب: ابن الخطيب السلماني: 4/288 مناقب كالشهب الثواقب: ابن الخطيب السلماني: 1/214 وجدّه صنو الإمام الغالب: ابن الخطيب السلماني: 1/214 أعيذها بالخمس من حبايب: ابن الخطيب السلماني: 4/530 يغذّين بالمراضع الأطايب: ابن الخطيب السلماني: 4/530 الباء المفتوحة ومن لديه من أجل الكتبه: عزوز: 4/311 كم من خليل بشره زهر الربى: ابن صفوان: 1/100 عوجي على تلك الربى: العزفي: 3/4 لكي تقضّي ما ربا: العزفي: 3/4 ترسل غماما صبّا: العزفي: 3/4 أفديك يا ريح الصبا: العزفي: 3/4 أعتق بكل عض منه رقبه:-: 3/359 واعتد ذلك ذخرا ليوم العقبه:-: 3/359 لا أجد منقبة مثل هذه المنقبه:-: 3/359 سؤاله تعجز عنه الطلبه: عزوز: 4/311 عن صب سلاما صيّبا: العزفي: 3/4 الباء المضمومة بكى عليه الحرب والمحراب: ابن الخطيب السلماني: 1/214 وندبته الضمّر العراب: ابن الخطيب السلماني: 1/214 الباء المكسورة وأصبح العدو في تباب: ابن الخطيب السلماني: 3/358 وعادت الأيام في شباب: ابن الخطيب السلماني: 3/358 وصيّر الدعي رهين الترب: ابن الخطيب السلماني: 1/164 الجزء: 4 ¦ الصفحة: 684 يا لك من ممارس مجرّب: ابن الخطيب السلماني: 4/288 حثّ إليها السير ملك المغرب: ابن الخطيب السلماني: 4/288 ثم أبو حفص سما عن قرب: ابن الخطيب السلماني: 1/164 في الذي سطره من نسبه: ابن الخطيب السلماني: 1/228 وكان ليثا دامي المخالب: ابن الخطيب السلماني: 3/257 تغلب الأمر بجد غالب: ابن الخطيب السلماني: 3/257 أغرب في ناموسه ومذهبه: ابن الخطيب السلماني: 1/228 حافظة لسرها المحجوب: ابن الجياب: 4/120 لها حديث ليس بالمكذوب: ابن الجياب: 4/120 ما اسم لأنثى من بني يعقوب: ابن الجياب: 4/120 صبغ الحياء لا الحيا المسكوب: ابن الجياب: 4/120 حاجيت كل فطن لبيب: ابن الجياب: 4/120 فزورها أحق بالتقريب: ابن الجياب: 4/120 فأمرها أقرب من قريب: ابن الجياب: 4/120 قافية التاء التاء الساكنة وأوجه الأيام عنهم أعرضت: ابن الخطيب السلماني: 4/288 حتى إذا مدة الملك انقضت: ابن الخطيب السلماني: 4/288 التاء المفتوحة وطلق الدنيا بها بتاتا: ابن الخطيب السلماني: 1/214 ولم يزل فيها إلى أن ماتا: ابن الخطيب السلماني: 1/214 التاء المضمومة وعارض في خدّه نباته: ابن الحاج: 1/183 بملكه وانتظم الشتيت: ابن الخطيب السلماني: 4/309 وضخم الملك وذاع الصيت: ابن الخطيب السلماني: 4/309 التاء المكسورة إن خرج الخلط مع الحيّات: ابن سينا: 1/83 في يوم بحران فعن حياة: ابن سينا: 1/83 وكان يوم المرج في دولته: ابن الخطيب السلماني: 1/214 ففرق الأعداء من صولته: ابن الخطيب السلماني: 1/214 الجزء: 4 ¦ الصفحة: 685 قافية الثاء الثاء المفتوحة فلم تخف من عقدها انتكاثا: ابن الخطيب السلماني: 1/164 وعاث في أموالها عياثا: ابن الخطيب السلماني: 1/164 قافية الجيم الجيم الساكنة ونشقوا من جانب اللطف الأرج: ابن الخطيب السلماني: 3/257 لما ترقى درج السعد درج: ابن الخطيب السلماني: 3/257، 4/309 ونشقوا من جانب اللطف الفرج: ابن الخطيب السلماني: 4/309 حتى أتى أهل تلمسان الفرج: ابن الخطيب السلماني: 3/257، 4/309 حتى أهلّ تلمسان للفرج: ابن الخطيب السلماني: 4/309 فانفضّ ضيق الحصر عنها وانفرج: ابن الخطيب السلماني: 3/257، 4/309 قافية الحاء الحاء المفتوحة إلى متى تستحسن القبائحا: ابن الحاج البكري: 3/176 يا غاديا في غفلة ورائحا: ابن الحاج البكري: 3/176 صحيفة قد ملئت فضائحا: ابن الحاج البكري: 3/176 يوم يفوز من يكون رابحا: ابن الحاج البكري: 3/176 ثم تلمسان وفاسا فتحا: ابن الخطيب السلماني: 1/228 يستنطق الله به الجوارحا: ابن الحاج البكري: 3/176 كيف تجنب الطريق الواضحا: ابن الحاج البكري: 3/176 يعقد الكتب إلى وقت الضحى: عزوز: 4/311 ولا مثل الشمس في وقت الضحى: ابن الخطيب السلماني: 1/228 فضاء لون سعده ووضحا: ابن الخطيب السلماني: 1/228 ثم يصليها كفعل الصلحا: عزوز: 4/311 وملك أصحاب اللثام قد محا: ابن الخطيب السلماني: 1/228 الحاء المضمومة وسقيت بسعده الرماح: ابن الخطيب السلماني: 1/164 الجزء: 4 ¦ الصفحة: 686 هبّت بنصر عزّه الرياح: ابن الخطيب السلماني: 1/164 واتصلت من بعد ذا فتوح: ابن الخطيب السلماني: 3/358 تغدو على مثواه أو تروح: ابن الخطيب السلماني: 3/358 قافية الدال الدال الساكنة قد قلدت بنخب القلائد: ابن الخطيب السلماني: 4/530 أعيذها بالخمس من ولائد: ابن الخطيب السلماني: 4/530 وفضلهم ليس له من جاحد: ابن الخطيب السلماني: 1/164 أولهم يحيى بن عبد الواحد: ابن الخطيب السلماني: 1/164 عندما صاد الغزالة الأسد: ابن الجياب 4/123 ما نقي العرض طاهر الجسد: ابن الجياب 4/123 عندما خالطه الماء فسد: ابن الجياب 4/123 فارم بالفكر تصب قصد الرشد: ابن الجياب 4/123 بعد ما كان من أهل الرشد: ابن الجياب 4/123 ولقد يكون وصفا لولد: ابن الجياب 4/123 الدال المفتوحة حتى إذا أدركه شرك الردى: ابن الخطيب السلماني: 1/164 وهو أبو يوسف غلّاب العدا: ابن الخطيب السلماني: 4/312 أباح بالسيف نفوسا عدّه: ابن الخطيب السلماني: 3/257 واحتجن المال بها والعدّه: ابن الخطيب السلماني: 3/220 فلم تطل في الملك منه المدّه: ابن الخطيب السلماني: 3/257 وهو بها باق لهذي المدّه: ابن الخطيب السلماني: 3/220 وواحد الأملاك بأسا وندا: ابن الخطيب السلماني: 4/312 وانتحب النادي عليه والندى: ابن الخطيب السلماني: 1/164 ونشر الأعلام والبنودا: ابن الخطيب السلماني: 1/214 فقاد من مالقة الجنودا: ابن الخطيب السلماني: 1/214 الدال المضمومة ثم أبو يحيى الحمام الأسعد: ابن الخطيب السلماني: 4/311 ثم الشهيد والأمير خالد: ابن الخطيب السلماني: 3/258 هيهات ما في الدهر حيّ خالد: ابن الخطيب السلماني: 3/258 الجزء: 4 ¦ الصفحة: 687 حتى انتهى على يديه أمده: ابن الخطيب السلماني: 3/258 وهو الذي سطا عليه ولده: ابن الخطيب السلماني: 3/258 عثمان ثم بعده محمد: ابن الخطيب السلماني: 4/311 الدال المكسورة وبعده المشهور بالإنجاد: عزوز: 4/311 ثم فتوح الشام باجتهاد: عزوز: 4/311 ونالها أبناؤه من بعده: ابن الخطيب السلماني: 4/311 قام أبو حمو بها من بعده: ابن الخطيب السلماني: 3/258 فأعلى الأيام نور سعده: ابن الخطيب السلماني: 4/311 حتى إذا استوفى زمان سعده: ابن الخطيب السلماني: 3/258 وباسط العدل ومولي الرفد: ابن الخطيب السلماني: 4/312 من بعد عهد موثّق مؤكّد: ابن الخطيب السلماني: 1/214 ممهّد الملك وموري الزند: ابن الخطيب السلماني: 4/312 بعد حصار دائم وجهد: ابن الخطيب السلماني: 4/288 فغلب القوم بغير عهد: ابن الخطيب السلماني: 4/288 وكان سلطانا عظيم الجود: ابن الخطيب السلماني: 4/311 وحدثت رؤياه في الوجود: ابن الخطيب السلماني: 4/311 فخلع الأمر وألقى باليد: ابن الخطيب السلماني: 1/214 قافية الراء الراء الساكنة ودافع الأعداء فيها وصبر: ابن الخطيب السلماني: 4/312 فاقتحم البحر سريعا وعبر: ابن الخطيب السلماني: 4/312 فأسرع السير إليها وابتدر: ابن الخطيب السلماني: 3/358 وكل شيء بقضاء وقدر: ابن الخطيب السلماني: 3/358 وهو الذي علياه لا تنحصر: ابن الخطيب السلماني: 1/164 ثم تولّى ابنه المستنصر: ابن الخطيب السلماني: 1/164 تدارك الأمر الإمام الطاهر: ابن الخطيب السلماني: 1/214 فعالج الدار طبيب ماهر: ابن الخطيب السلماني: 1/214 الراء المفتوحة ثم ينام تارة وتاره: عزوز: 4/311 الجزء: 4 ¦ الصفحة: 688 يدبر الأمور بالإداره: عزوز: 4/311 وعن قريب سلب الإماره: ابن الخطيب السلماني: 1/164 عنه الدعي ابن أبي عماره: ابن الخطيب السلماني: 1/164 من بعد ستمائة مفسّره: ابن المرحل: 3/247 ولدت يوم سبعة وعشره: ابن المرحل: 3/247 يا سائلي عن مولدي كي أذكره: ابن المرحل: 3/247 أصبح بعد ناهيا وآمرا: ابن الخطيب السلماني: 3/257 وابن ابنه وهو المسمى عامرا: ابن الخطيب السلماني: 3/257 ما إن ينام الليل إلا ساهرا: عزوز: 4/311 ينوي الجهاد باطنا وظاهرا: عزوز: 4/311 فولّي المنصور تلك الصوره: ابن الخطيب السلماني: 4/312 ثم أتت وفاته المشهوره: ابن الخطيب السلماني: 3/312 وهذه المآثر الأثيره: عزوز: 4/311 فهل سمعتم مثل هذه السيره: عزوز: 4/311 الراء المضمومة وعظمت في صقعه آثاره: ابن الخطيب السلماني: 1/164 ونال ملكا عاليا مقداره: ابن الخطيب السلماني: 1/164 والناس محصور بها وحاصر: ابن الخطيب السلماني: 3/358 وقام بالأمر الحفيد الناصر: ابن الخطيب السلماني: 3/358 وأشرق الأمن وضاء القصر: ابن الخطيب السلماني: 3/358 فأقبل السعد وجاء النصر: ابن الخطيب السلماني: 3/358 وخلص السر له والجهر: ابن الخطيب السلماني: 4/309 وساعد السعد وأغضى الدهر: ابن الخطيب السلماني: 4/309 مجلسه ليس به فجور: عزوز: 4/311 ولا فتى في قوله يجور: عزوز: 4/311 وفتنة ضاقت لها الصدور: ابن الخطيب السلماني: 4/312 ووقعت في عهده أمور: ابن الخطيب السلماني: 4/312 وهو الهمام الملك الكبير: ابن الخطيب السلماني: 4/309 فابتهج المنبر والسرير: ابن الخطيب السلماني: 4/309 الراء المكسورة إن كنت من مطالعي الأخبار: ابن الجياب: 4/123 الجزء: 4 ¦ الصفحة: 689 قد شف عنها حجب الأستار: ابن الجياب: 4/123 ما اسم لأنثى من بني النجار: ابن الجياب: 4/122 من وصف قضب الروضة المعطار: ابن الجياب: 4/123 حاجيت كل فطن نظّار: ابن الجياب: 4/122 فقل ما يغفل عنها القاري: ابن الجياب: 4/122 ونعمة ساطعة الأنوار: ابن الجياب: 4/123 والقصص الآتي بكل خبر: عزوز: 4/311 وبينهم يعقوب مثل البدر: عزوز: 4/311 ويأمر الكتاب بالأوامر: عزوز: 4/311 قام إلى بيت العلا والأمر: عزوز: 4/311 في باطن من سرّه وظاهر: عزوز: 4/311 كأنهم مثل النجوم الزهر: عزوز: 4/311 حتى إذا ما جاز وقت الظهر: عزوز: 4/311 وهو الذي استبد بالأمور: ابن الخطيب السلماني: 1/164 وحازها ببيعة الجمهور: ابن الخطيب السلماني: 1/164 قام ابنه الواثق بالتدبير: ابن الخطيب السلماني: 1/164 يقرأ أولا كتاب السير: عزوز: 4/311 ثم مضى في زمن يسير: ابن الخطيب السلماني: 1/164 قافية الزاي الزاي المفتوحة فعاد من خالف فيها وانتزى: ابن الخطيب السلماني: 3/358 وحارب الكفار دأبا وغزا: ابن الخطيب السلماني: 3/358 قافية السين السين المفتوحة فأذهب الرحمن عنها البوسى: ابن الخطيب السلماني: 3/220 بادرها المفدى الهمام موسى: ابن الخطيب السلماني: 3/220 السين المضمومة وأمل الجود وخيف الباس: ابن الخطيب السلماني: 4/309 واستشعر الخشية منه الناس: ابن الخطيب السلماني: 4/309 الجزء: 4 ¦ الصفحة: 690 السين المكسورة لدولة المسترشد العباسي: ابن الخطيب السلماني: 1/228 ووافقت أيامه في الناس: ابن الخطيب السلماني: 1/228 فأصبحت فريسة المفترس: ابن الخطيب السلماني: 3/358 لم يأل فيها أن دعا لنفسه: ابن الخطيب السلماني: 1/228 وجلّت الفتنة في أندلس: ابن الخطيب السلماني: 3/358 وكان في الحزم فريد جنسه: ابن الخطيب السلماني: 1/228 وضج بالتسبيح والتقديس: عزوز: 4/310 حتى يتم الحزب في التغليس: عزوز: 4/310 قافية الشين الشين المفتوحة وسار في الليل إلى وادي الأشى: ابن الخطيب السلماني: 1/214 والملك لله يعزّ من يشا: ابن الخطيب السلماني: 1/214 قافية الضاد الضاد الساكنة مستوحشا كالليث أقعى وربض: ابن الخطيب السلماني: 1/271 واستشعر الثورة فيها وانقبض: ابن الخطيب السلماني: 1/271 الضاد المفتوحة فلاح نور السعد فيها وأضا: ابن الخطيب السلماني: 3/257 تصير الملك لعثمان الرضا: ابن الخطيب السلماني: 3/257 حتى إذا الملك سليمان قضى: ابن الخطيب السلماني: 3/257 ونسي العهد الذي كان مضى: ابن الخطيب السلماني: 3/257 قام ابنه يوسف فيها عوّضه: ابن الخطيب السلماني: 4/309، 312 حتى إذا الله إليه قيّضه: ابن الخطيب السلماني: 4/309، 312 الضاد المكسورة فأفحش الوقعة في أهل الربض: ابن الخطيب السلماني: 1/271 حتى إذا فرصته لاحت تفض: ابن الخطيب السلماني: 1/271 الجزء: 4 ¦ الصفحة: 691 قافية العين العين الساكنة قد رسم الملك فيهم واخترع: ابن الخطيب السلماني: 4/312 كان ذا فضل وهدى وورع: ابن الخطيب السلماني: 4/312 أيا كريما لم يضع: علي بن أحمد الغساني: 4/138 حتى إذا الصباح لاح وارتفع: عزوز: 4/310 فالقلب كالحائط إن مال وقع: ابن الخطيب السلماني: 4/454 قام وصلّى للإله وركع: عزوز: 4/310 طرفك واستهداك الطمع: ابن الخطيب السلماني: 4/454 العين المفتوحة فإنه بنت الزنا مضافة لأربعه: ابن الجياب: 4/122 وانحكم الأمر له وانجمعا: ابن الخطيب السلماني: 1/228 في خبر نذكر منه لمعا: ابن الخطيب السلماني: 1/228 ودولة أموالها مجموعه: ابن الخطيب السلماني: 1/164 وطاعة أقوالها مسموعه: ابن الخطيب السلماني: 1/164 ما اسم إذا حذفت منه فاءه المنوعه: ابن الجياب: 4/122 وابتهجت بعدله الشريعه: ابن الخطيب السلماني: 1/214 وفتح المعاقل المنيعه: ابن الخطيب السلماني: 1/214 العين المضمومة أبو الربيع دهره ربيع: ابن الخطيب السلماني: 3/257 يثني على سيرته الجميع: ابن الخطيب السلماني: 3/257 العين المكسورة خامسة من الطوال السبع: ابن الجياب: 4/121 لا سيما لكل زاكي الطبع: ابن الجياب: 4/121 تراه شملا لم يزل ذا صدع: ابن الجياب: 4/121 والأفضل أصل في حنين الجذع: ابن الجياب: 4/121 آثاره محموده في الشرع: ابن الجياب: 4/121 ما اسم مركّب مفيد الوضع: ابن الجياب: 4/121 مستعمل في الوصل لا في القطع: ابن الجياب: 4/121 يعني به في الخفض أو في الرفع: ابن الجياب: 4/121 الجزء: 4 ¦ الصفحة: 692 مكسّر في غير باب الجمع: ابن الجياب: 4/121 قافية الفاء الفاء المفتوحة وكلما أقدره الله عفا: ابن الخطيب السلماني: 3/358 سطا وأعطى وتغاضى وفا: ابن الخطيب السلماني: 3/358 وكان عبد المؤمن الخليفة: ابن الخطيب السلماني: 1/228 ثم انقضت أيامه المنيفه: ابن الخطيب السلماني: 1/228 الفاء المضمومة مدت إلى نصرته الأكفّ: ابن الخطيب السلماني: 4/312 والروم في العدوان لا تكفّ: ابن الخطيب السلماني: 4/312 الفاء المكسورة لسن مجد عظيم الشرف: ابن الخطيب السلماني: 4/311 أنت في إعراضه في أسف: ابن صفوان: 1/100 كل امرئ عنوانه من يصطفي: ابن صفوان: 1/100 واستخلص الملك بحد المرهف: ابن الخطيب السلماني: 4/311 وطي ذاك البشر حد المرهف: ابن صفوان: 1/100 لا تصحبن يا صاحبي غير الوفي: ابن صفوان: 1/100 قافية القاف القاف المفتوحة واخترم السيف أبا إسحاقا: ابن الخطيب السلماني: 1/164 أبا هلال لقي المحاقا: ابن الخطيب السلماني: 1/164 جدد فيها الملك لما أخلقا: ابن الخطيب السلماني: 3/220 وبعث السعد وقد كان لقا: ابن الخطيب السلماني: 3/220 عنك ويأبى الله إلا سوقها: ابن أضحى الإلبيري: 1/48 إليك حتى قلدوك طوقها: ابن أضحى الإلبيري: 1/48 وقد أراد الملحدون عوقها: ابن أضحى الإلبيري: 1/48 الله أعطاك التي لا فوقها: ابن أضحى الإلبيري: 1/48 القاف المكسورة دع ما بقي منها وأدرك ما بقي: ابن شلطبور: 2/245 الجزء: 4 ¦ الصفحة: 693 قد حاز فيها قصبات السبق: عزوز: 4/310 عذراء تحثو في وجوه السّبق: ابن شلطبور: 2/246 بابن الخطيب الأمن مما أتقي: ابن شلطبور: 2/245 مؤمّن الأغراض فيما تتّقي: ابن شلطبور: 2/246 موصول عزّ في سعود ترتقي: ابن شلطبور: 2/246 أصبح رقّي في يديه معتقي: ابن شلطبور: 2/245 وحسرة بين الدموع تلتقي: ابن شلطبور: 2/245 أكرم من نال العلى بحقّ: ابن الخطيب السلماني: 4/311 تبوّأ هذا الأمر عبد الحقّ: ابن الخطيب السلماني: 4/311 سيرة يعقوب بن عبد الحقّ: عزّوز: 4/310 أقرّ عيني وإن لم يصدق: ابن شلطبور: 2/245 بوابل من غيث جود غدق: ابن شلطبور: 2/246 وأوقع الروم به في الخندق: ابن الخطيب السلماني: 3/358 إن ساعد الجفن رقيب الأرق: ابن شلطبور: 2/245 سوى ريح لاح لي بالأبرق: ابن شلطبور: 2/245 من صرفه من مرعد أو مبرق: ابن شلطبور: 2/245 ملتقطات لفظه المفترق: ابن شلطبور: 2/246 عليه من نور السماح المشرق: ابن شلطبور: 2/246 بدر علا في مغرب أو مشرق: ابن شلطبور: 2/245 على القلوب موقف التفرق: ابن شلطبور: 2/245 نائب الدهر مشيب المفرق: ابن شلطبور: 2/245 منها بشكوى روعة أو فرق: ابن شلطبور: 2/245 حواشي الروض خدود المهرق: ابن شلطبور: 2/246 بالبدر تحت لمة من غسق: ابن شلطبور: 2/245 من لاعج الشوق بما لم تطق: ابن شلطبور: 2/245 حليها من درّ ذاك المنطق: ابن شلطبور: 2/246 تبهرجت أنوار شمس الأفق: ابن شلطبور: 2/246 فانقلب الملك بسعي مخفق: ابن الخطيب السلماني: 3/358 وأن مسعى بغيتي لم يخفق: ابن شلطبور: 2/245 يمن اختيار للطريق الأوفق: ابن شلطبور: 2/246 ليل دجاها عن سنّى مؤتلق: ابن شلطبور: 2/246 الجزء: 4 ¦ الصفحة: 694 لديك بالأعشى لدى المحلّق: ابن شلطبور: 2/246 تناسبت في الخلق أو في الخلق: ابن شلطبور: 2/245 تالله ما أروى زناد القلق: ابن شلطبور: 2/245 عن التصابي وفنون القلق: ابن شلطبور: 2/245 نجديّة منكم تلافت رمقي: ابن شلطبور: 2/245 كالسيف في حد الظبا والرونق: ابن شلطبور: 2/246 حمّل في شرخ الشباب المونق: ابن شلطبور: 2/246 جواره الأمنع رحل أينقي: ابن شلطبور: 2/245 قافية الكاف الكاف الساكنة وليستحي أن يسألك: علي بن أحمد الغساني: 4/138 وسلك السعد به حيث سلك: ابن الخطيب السلماني: 4/311 بها فقد توسّلك: علي بن أحمد الغساني: 4/138 وترتجي من فضّلك: علي بن أحمد الغساني: 4/138 لديك عبد أمّلك: علي بن أحمد الغساني: 4/138 أمانة قد حمّلك: علي بن أحمد الغساني: 4/138 ولم تحسن عملك: علي بن أحمد الغساني: 4/138 أنك أعلى من ملك: علي بن أحمد الغساني: 4/138 من حقه ما أهملك: علي بن أحمد الغساني: 4/138 وودّ أن لو كان لك: علي بن أحمد الغساني: 4/138 تمهد الملك له لما هلك: ابن الخطيب السلماني: 4/311 من فضله قد خوّلك: علي بن أحمد الغساني: 4/138 الكاف المضمومة واتسق الأمر وقر الملك: ابن الخطيب السلماني: 1/214 وربما جر الحياة الهلك: ابن الخطيب السلماني: 1/214 الكاف المكسورة وعندما خيف انتثار السلك: ابن الخطيب السلماني: 1/214 ووزر الروم وزير الملك: ابن الخطيب السلماني: 1/214 لملك كان من الملوك: عزوز: 4/311 أو مالك في الدهر أو مملوك: عزوز: 4/311 الجزء: 4 ¦ الصفحة: 695 قافية اللام اللام الساكنة ما فرّق الأحباب بعد الله إلا الإبل: ابن الخطيب السلماني: 4/527 ولا إذا صاح غراب في الديار ارتحل: ابن الخطيب السلماني: 4/527 وما على ظهر غراب البين تقضى الرحل: ابن الخطيب السلماني: 4/527 وما غراب البيت إلا ناقة أو جمل: ابن الخطيب السلماني: 4/527 والناس يلحون غراب البين لما جهل: ابن الخطيب السلماني: 4/527 وهو أبو الوليد إسماعيل: ابن الخطيب السلماني: 1/214 والشمس لا يفقدها دليل: ابن الخطيب السلماني: 1/214 اللام المفتوحة كأنه خطبة ارتجالا: ابن وضاح: 4/361 فسلّط البيض على بيض الطلا: ابن الخطيب السلماني: 1/228 ثم تولى أمرهم أبو العلا: ابن الخطيب السلماني: 1/228 اللام المضمومة والحق لا يغلبه المحال: ابن الخطيب السلماني: 1/164 واضطربت على الدعي الأحوال: ابن الخطيب السلماني: 1/164 اللام المكسورة وأفضّل المرجان باللآل: البطوي: 4/314 أنا ابن طلحة ولا أبالي: البطوي: 4/313 ما خطرت لعاقل ببال: ابن الخطيب السلماني: 1/164 مبيد كل بطل مغتال: البطوي: 4/313 وأقرن الأشباه بالأمثال: البطوي: 4/314 أوشج الغريب فالأمثال: البطوي: 4/314 فمن يساجلني فذا سجال: البطوي: 4/314 إن سمعوا باسمي في مجال: البطوي: 4/314 والمحتد الضخم الحفيل الحال: البطوي: 4/314 ليث السرى في الحرب والنزال: البطوي: 4/313 وأكسر النصل على النصال: البطوي: 4/314 والصون والعفاف والأفضال: البطوي: 4/314 من يناضلني فذا نضال: البطوي: 4/314 الجزء: 4 ¦ الصفحة: 696 بها أعالي الدهر من أعال: البطوي: 4/314 والجمع بين الأقوال والفعال: البطوي: 4/314 هذا ولي في غير ذا معال: البطوي: 4/314 كما لحسب الصميم والمعال: البطوي: 4/314 والشعر إن تسمعه من مقال: البطوي: 4/314 يلقوا بأيديهم إلى النكال: البطوي: 4/314 ومن وحيد عصرة الميكال: البطوي: 4/314 فمن أبو أمية الهلال: البطوي: 4/314 كرم الأعمام والأخوال: البطوي: 4/314 يحيى حياة البيض والعوالي: البطوي: 4/313 تعلم بأن السحر في أقوال: البطوي: 4/314 من أملي التفريق للأموال: البطوي: 4/314 أستنزل القرن لدى الصيال: البطوي: 4/314 عجيبة من لعب الليالي: ابن الخطيب السلماني: 1/164 وأذكر الأيام والليالي: البطوي: 4/314 وما له عن ورده من سبيل: عزوز: 4/310 يقوم للكتاب ثلث الليل: عزوز: 4/310 وغمر الهول كقطع الليل: ابن الخطيب السلماني: 3/358 بفتنة الفهري والصميل: ابن الخطيب السلماني: 3/358 قافية الميم الميم الساكنة فرد العلا وعلم الأعلام: ابن الخطيب السلماني: 1/214 ابن الرئيس الماجد الهمام: ابن الخطيب السلماني: 1/214 ذو نسبة إلى العجم: ابن الجياب: 4/120 بالتصحيف أو بدء قسم: ابن الجياب: 4/120 حاجيتكم ما اسم علم: ابن الجياب: 4/120 نار على رأسه علم: ابن الجياب: 4/120 الميم المفتوحة يريك في الذكر الحكيم أمّه: ابن الجياب: 4/121 ولم يزل في صلاة العتمه: عزوز: 4/311 ثم سليمان عليها قدّما: ابن الخطيب السلماني: 3/257 الجزء: 4 ¦ الصفحة: 697 لم يرع من آل بها أو ذمّه: ابن الخطيب السلماني: 1/271 ومات حتف أنفه واخترما: ابن الخطيب السلماني: 3/257 ما حيوان ما له من حرمه: ابن الجياب: 4/121 إن اسمه صحف فابن العمّه: ابن الجياب: 4/121 حتى إذا الدهر عليه احتكما: ابن الخطيب السلماني: 1/271 قام بها ابنه المسمى حكما: ابن الخطيب السلماني: 1/271 وينصف المظلوم ممن ظلمه: عزوز: 4/311 وكان جبارا بعيد الهمّه: ابن الخطيب السلماني: 1/271 وأطلع الشموس والنجوما: ابن الخطيب السلماني: 3/220 ورتّب الرتب والرسوما: ابن الخطيب السلماني: 3/220 ويترك الوزير والخديما: عزوز: 4/311 كذاك كان فعله قديما: عزوز: 4/311 ثم يؤم بيته الكريما: عزوز: 4/311 بذاك نال الملك والتعظيما: عزوز: 4/311 الميم المضمومة سبحان من لا ينقضي دوامه: ابن الخطيب السلماني: 3/359 حتى إذا ما كملت أيامه: ابن الخطيب السلماني: 3/359 وجرأة وكلام وحلم: ابن الخطيب السلماني: 1/228 وعنده سياسة وعلم: ابن الخطيب السلماني: 1/228 والملك في أربابه عقيم: ابن الخطيب السلماني: 1/164 سطا عليه العم إبراهيم: ابن الخطيب السلماني: 1/164 الميم المكسورة وآلت الحال إلى التئام: ابن الخطيب السلماني: 4/312 وخلف الأمر إلى هشام: ابن الخطيب السلماني: 3/358 فما أضيعت حرمة الإسلام: ابن الخطيب السلماني: 4/312 ثم أجاب داعي الحمام: ابن الخطيب السلماني: 3/358 وهو الذي أركب جيش الروم: ابن الخطيب السلماني: 1/228 وجدّ في إزالة الرسوم: ابن الخطيب السلماني: 1/228 على يدي طائفة من قومه: ابن الخطيب السلماني: 1/214 وانتبه الدهر له من نومه: ابن الخطيب السلماني: 1/214 الجزء: 4 ¦ الصفحة: 698 قافية النون النون الساكنة وبأبي الشيص ودعبل من: ابن الجياب: 4/118 أو صفة النفس الخؤون: ابن الجياب: 4/122 أو ما جناه المذنبون: ابن الجياب: 4/122 سرّ من من السرّ المصون: ابن الجياب: 4/122 عبرة قم يعقلون: ابن الجياب: 4/122 الزند لها فيه كمون: ابن الجياب: 4/122 والكل منها نون: ابن الجياب: 4/122 عليه دارت السنون: ابن الجياب: 4/122 إن اعتبرته فنون: ابن الجياب: 4/122 في مشرق أقطارهم والمغربين: ابن الجياب: 4/118 بنثره ونظمه للحلبتين: ابن الجياب: 4/118 أقسم بالقيسين والنابغتين: ابن الجياب: 4/118 والرقيات وعزّة ومي وتبين: ابن الجياب: 4/118 وشاعري طيّىء المولدين: ابن الجياب: 4/118 طريقي الآداب أقصى الأمدين: ابن الجياب: 4/118 تقر عينيك وتملأ اليدين: ابن الجياب: 4/118 سرور قلب ومتاع ناظرين: ابن الجياب: 4/118 ثم حسن وابن الحسين: ابن الجياب: 4/118 شاهدت فيها المكرمات رأي عين: ابن الجياب: 4/118 أوجب حق أن يكونا أولين: ابن الجياب: 4/118 كشاعري خزاعة المخضرمين: ابن الجياب: 4/118 شهادة تنزعت عن قول مين: ابن الجياب: 4/118 تصاغ منه حلية للشعريين: ابن الجياب: 4/118 والأعشيين بعد ثم الأعميين: ابن الجياب: 4/118 يراعة الألفاظ كلتا الحسنيين: ابن الجياب: 4/118 النون المفتوحة ثم بنى الزهرا فيما قد بنى: ابن الخطيب السلماني: 3/359 وساعد السعد فنال واقتنى: ابن الخطيب السلماني: 3/359 الجزء: 4 ¦ الصفحة: 699 فحسنه بين الورى يسحرنا: ابن الحاج: 1/183 فقلت هذا عارض ممطرنا: ابن الحاج: 1/183 قد أسبر الوقار والسكينه: عزوز: 4/311 وصل في مكانة مكينه: عزوز: 4/311 النون المضمومة وافق عزا ساميا سلطانه: ابن الخطيب السلماني: 1/164 سبحان من لا ينقضي سلطانه: ابن الخطيب السلماني: 4/288 أصاب ملكا رئيسا أوطانه: ابن الخطيب السلماني: 1/164 فأقفرت من ملكهم أوطانه: ابن الخطيب السلماني: 4/288 النون المكسورة فاغتر بالدنيا وبالزمان: ابن الخطيب السلماني: 4/288 ثم تقضّى معظم الزمان: ابن الخطيب السلماني: 3/257، 4/309 من مظهر سام إلى جنان: ابن الخطيب السلماني: 4/288 وسار فيها مطلق العنان: ابن الخطيب السلماني: 4/288 باني المعالي لبني مروان: ابن الخطيب السلماني: 3/358 مواصلا حصر بني زيان: ابن الخطيب السلماني: 3/257، 4/309 آثاره تنبي عن العيان: ابن الخطيب السلماني: 4/288 كم زخرفت علياه من بنيان: ابن الخطيب السلماني: 4/288 وحل فيها عابد الرحمن: ابن الخطيب السلماني: 4/288 صقر قريش عابد الرحمن: ابن الخطيب السلماني: 3/358 فاغتنموا السلم لهذا الحين: ابن الخطيب السلماني: 3/358 ويدخل الأشياخ من مرين: عزوز: 4/311 ووصلت إرسال قسطنطين: ابن الخطيب السلماني: 3/358 للرأي والتدبير والتزيين: عزوز: 4/311 قافية الهاء الهاء المفتوحة جدد عهد الخلفاء فيها: ابن الخطيب السلماني: 3/358 وأسّس الملك لمترفيها: ابن الخطيب السلماني: 3/358 الهاء المضمومة أجرى دموعي إذ جرت شوقا له: ابن الحاج: 1/183 الجزء: 4 ¦ الصفحة: 700 الهاء المكسورة أعيذها بالخمس من وجوه: ابن الخطيب السلماني: 4/530 يصونها الله من المكروه: ابن الخطيب السلماني: 4/530 والملك العليّ حلّه لديه: ابن الخطيب السلماني: 4/312 وفتحت فاس على يديه: ابن الخطيب السلماني: 4/312 ورجع الحق إلى أهليه: ابن الخطيب السلماني: 1/164 وبعده محمد يليه: ابن الخطيب السلماني: 1/164 قافية الواو الواو المفتوحة وزكرياء بها بعد ثوى: ابن الخطيب السلماني: 3/258 حل بالشرق وبالشرق ثوى: ابن الخطيب السلماني: 3/258 ربما فاز امرؤ بما نوى: ابن الخطيب السلماني: 3/258 ثم نوى الرحلة عنها والنوى: ابن الخطيب السلماني: 3/258 قافية الياء الياء المفتوحة وصرف العزم إلى بجايه: ابن الخطيب السلماني: 4/288 فعظمت في قومه النكايه: ابن الخطيب السلماني: 4/288 ونجم المهدي هو الداهيه: ابن الخطيب السلماني: 1/228 فأصبحت تلك المباني واهيه ابن الخطيب السلماني: 1/228 الجزء: 4 ¦ الصفحة: 701 فهرس المحتويات ومن الغرباء 3 عبد المهيمن بن محمد بن عبد المهيمن بن محمد بن علي بن محمد بن عبد الله بن محمد الحضرمي 3 عبد المهيمن بن محمد الأشجعي البلّذوذي 9 عبد العزيز بن عبد الواحد بن محمد الملزوزي 11 ومن العمّال 15 عبد العزيز بن عبد الله بن عبد العزيز الأسدي العراقي 15 عبد القادر بن عبد الله بن عبد الملك بن سوّار المحاربي 17 ومن الزهّاد والصلحاء وأولا الأصليون 18 عبد الأعلى بن معلا 18 عبد المنعم بن علي بن عبد المنعم بن إبراهيم بن سدراي بن طفيل 19 ومن الطارئين وغيرهم 20 عبد الحق بن إبراهيم بن محمد بن نصر بن فتح بن سبعين العكّي 20 وفيما يسمى بإحدى عيون الإسلام من الأسماء العينية وهم عتيق وعمر وعثمان وعلي، وأولا الأمراء والملوك وهم ما بين طارىء وأصلي وغريب 25 عمر بن حفصون بن عمر بن جعفر الإسلامي بن كسمسم بن دميان بن فرغلوش بن أذفونش 25 عمر بن محمد بن عبد الله بن محمد بن مسلمة التجيبي 28 ومن الغرباء 40 عثمان بن عبد الرحمن بن يحيى بن يغمراسن 40 علي بن حمود بن ميمون بن حمود بن علي بن عبيد الله بن إدريس بن إدريس بن عبد الله بن حسن بن علي بن أبي طالب 43 علي بن يوسف بن تاشفين بن ترجوت 44 الجزء: 4 ¦ الصفحة: 703 الأعيان والوزراء والأماثل والكبراء 46 عتيق بن زكريا بن مول التجيبي 46 عمر بن يحيى بن محلّى البطّوي 47 عامر بن عثمان بن إدريس بن عبد الحق 49 علي بن بدر الدين بن موسى بن رحّو بن عبد الله بن عبد الحق 51 علي بن مسعود بن علي بن أحمد بن إبراهيم بن عبد الله بن مسعود المحاربي 54 علي بن لب بن محمد بن عبد الملك بن سعيد العنسي 56 علي بن يوسف بن محمد بن كماشة 57 عثمان بن إدريس بن عبد الله بن عبد الحق بن محيو 59 القضاة الأصليون 61 عتيق بن أحمد بن محمد بن يحيى الغساني 61 علي بن محمد بن توبة 63 علي بن عمر بن محمد بن مشرف بن محمد بن أضحى بن عبد اللطيف بن الغريب بن يزيد بن الشمر بن عبد شمس بن الغريب الهمداني 64 ومن الطارئين والغرباء 67 عثمان بن يحيى بن محمد بن منظور القيسي 67 علي بن أحمد بن الحسن المذحجي 68 علي بن عبد الله بن الحسن الجذامي النّباهي المالقي 69 المقرئون والعلماء 78 علي بن أحمد بن خلف بن محمد بن الباذش الأنصاري 78 علي بن محمد بن دري 79 علي بن عمر بن إبراهيم بن عبد الله الكناني القيجاطي 81 ومن الطارئين 84 عمر بن عبد المجيد بن عمر الأزدي 84 عثمان بن سعيد بن عثمان بن سعيد الأموي 85 علي بن أحمد بن سعيد بن حزم بن غالب بن صالح بن خلف بن معدان بن سفيان بن يزيد 87 علي بن إبراهيم بن علي الأنصاري المالقي 92 علي بن محمد بن علي بن يوسف الكتامي 95 الكتاب والشعراء وأولا الأصليون منهم 96 الجزء: 4 ¦ الصفحة: 704 علي بن محمد بن عبد الحق بن الصباغ العقيلي 96 علي بن محمد بن سليمان بن علي بن سليمان بن حسن الأنصاري 99 علي بن موسى بن عبد الملك بن سعيد بن خلف بن سعيد بن محمد بن عبد الله بن سعيد بن الحسن بن عثمان بن عبد الله بن سعد بن عمار بن ياسر بن كنانة بن قيس بن الحصين بن لوذم بن ثعلب بن عوف بن حارثة بن عامر الأكبر بن نام بن عبس واسمه زيد بن مالك بن أدد بن زيد العنسي المذحجي 129 علي بن عبد الرحمن بن موسى بن جودي القيسي 135 ومن الطارئين 136 عمر بن خلاف بن سليمان بن سلمة 136 علي بن أحمد بن محمد بن يوسف بن عمر الغساني 138 علي بن محمد بن علي بن هيضم الرّعيني 139 علي بن محمد بن علي بن البنا 142 علي بن محمد بن علي العبدري 145 علي بن عبد العزيز ابن الإمام الأنصاري 147 ومن المحدّثين والفقهاء والطلبة النجباء 148 علي بن إبراهيم بن علي بن إبراهيم الجذامي 148 علي بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن الضحاك الفزاري 149 علي بن عبد الله بن يحيى بن زكريا الأنصاري 150 ومن الطارئين والغرباء 151 علي بن أحمد بن محمد بن أحمد بن علي بن أحمد الخشني 151 علي بن أحمد بن محمد بن يوسف بن مروان بن عمر الغساني 154 علي بن صالح بن أبي الليث الأسعد بن الفرج بن يوسف 155 علي بن أبي جلّا المكناسي 156 علي بن أبي بكر بن عبد الرحمن بن علي بن سمحون الهلالي 157 علي بن محمد بن عبد الحق الزرويلي 158 علي بن محمد بن علي بن محمد بن يحيى بن عبد الله بن يحيى بن عبد الله بن يحيى الغافقي 159 علي بن عبد الله بن محمد بن يوسف بن أحمد الأنصاري 160 ومن السّفر الحادي عشر من ترجمة الطارئين في ترجمة العمال والأثرا 162 عمر بن علي بن غفرون الكلبي 162 الجزء: 4 ¦ الصفحة: 705 علي بن يحيى الفزاري 164 الزهاد والصلحاء والصوفية والفقراء 166 عتيق بن معاذ بن عتيق بن معاذ بن سعيد بن مقدم بن سعيد بن يوسف بن مقدم اللخمي 166 علي بن علي بن عتيق بن أحمد بن محمد بن عبد العزيز الهاشمي 167 علي بن أحمد بن محمد بن عثمان الأشعري 170 ومن الطارئين 172 علي بن عبد الله النميري الششتري 172 وفي سائر الأسماء من حرف العين الأعيان والوزراء والأماثل والكبراء 183 عامر بن محمد بن علي الهنتاني 183 ومن الطارئين في القضاة والغرباء 186 عاشر بن محمد بن عاشر بن خلف بن رجا بن حكم الأنصاري 186 عياض بن محمد بن محمد بن عياض بن موسى اليحصبي 187 عياض بن موسى بن عياض بن عمرون بن موسى بن عياض بن محمد بن عبد الله بن موسى بن عياض اليحصبي 188 عقيل بن عطية بن أبي أحمد جعفر بن محمد بن عطية القضاعي 194 ومن الكتّاب والشعراء 195 عاصم بن زيد بن يحيى بن حنظلة بن علقمة بن عدي بن محمد التميمي ثم العبادي الجاهلي 195 ومن الأصليين من ترجمة المحدّثين الفقهاء والطلبة النجباء 199 عيسى بن محمد بن أبي عبد الله بن أبي زمنين المرّي 199 عيسى بن محمد بن عيسى بن عمر بن سعادة الأموي 199 حرف الغين من الأعيان غالب بن أبي بكر الحضرمي 200 ومن المقربين 200 غالب بن عبد الرحمن بن غالب بن عبد الرؤوف بن تمام بن عبد الله بن تمام بن عطية بن خالد بن خفاف بن أسلم بن مكتوم المحاربي، أبو بكر 200 غالب بن حسن بن غالب بن حسن بن أحمد بن يحيى بن سيد بونه الخزاعي 201 غالب بن علي بن محمد اللخمي الشقوري 202 الجزء: 4 ¦ الصفحة: 706 حرف الفاء الأعيان والكبراء فرج بن إسماعيل بن يوسف بن نصر 203 فرج بن محمد بن محمد بن يوسف بن نصر 206 فرج بن محمد بن يوسف بن محمد بن نصر 207 ومن الكتاب والشعراء 208 الفتح بن علي بن أحمد بن عبيد الله الكاتب المشهور 208 ومن المقرئين والعلماء 212 فرج بن قاسم بن أحمد بن لب التغلبي 212 ومن الصوفية والصلحاء 215 فضل بن محمد بن علي بن فضيلة المعافري 215 ومن العمال الأثرا 216 فلّوج العلج 216 ومن المقرئين والعلماء 217 قاسم بن عبد الله بن محمد الشّاط الأنصاري 217 قاسم بن عبد الكريم بن جابر الأنصاري 220 قاسم بن يحيى بن محمد الزّروالي 220 ومن الكتاب والشعراء 221 قرشي بن حارث بن أسد بن بشر بن هندي بن المهلب بن القاسم بن معاوية بن عبد الرحمن الهمداني 221 قاسم بن محمد بن الجد العمري 222 ومن المحدّثين والفقهاء والطلبة النجباء 224 قاسم بن أحمد بن محمد بن عمران الحضرمي 224 قاسم بن خضر بن محمد العامري 224 حرف السين سوّار بن حمدون بن عبدة بن زهير بن ديسم بن قديدة بن هنيدة 225 سليمان بن الحكم بن سليمان بن عبد الرحمن الناصر لدين الله الخليفة بقرطبة 227 سليمان بن عبد الرحمن بن معاوية بن هشام بن عبد الملك بن مروان 229 سعيد بن سليمان بن جودي السّعدي 229 ومن ترجمة الأعيان والوزراء والأماثل والكبراء 231 الجزء: 4 ¦ الصفحة: 707 سهل بن محمد بن سهل بن مالك بن أحمد بن إبراهيم بن مالك الأزدي 231 سليمان بن موسى بن سالم بن حسان بن أحمد بن عبد السلام الحميري الكلاعي 254 ومن القضاة في هذا الحرف 272 سلمون بن علي بن عبد الله بن سلمون الكناني 272 ومن المحدّثين والفقهاء وسائر الطلبة النجباء بين أصلي وغيره 273 سعيد بن محمد بن إبراهيم بن عاصم بن سعيد الغساني 273 ومن الكتاب والشعراء 275 سهل بن طلحة 275 سالم بن صالح بن علي بن صالح بن محمد الهمداني 276 حرف الهاء من الملوك والأمراء هشام بن محمد بن عبد الله بن عبد الرحمن الناصر لدين الله بن محمد بن عبد الله 277 ومن ترجمة الأعيان والكبرا والأماثل والوزرا 279 هاشم بن أبي رجاء الإلبيري 279 حرف الياء الملوك والأمراء يوسف بن إسماعيل بن فرج بن إسماعيل بن يوسف بن نصر الأنصاري الخزرجي 280 يوسف بن عبد الرحمن بن حبيب بن أبي عبيدة بن عقبة بن نافع الفهري 296 ومن غير الأصليين 297 يحيى بن عبد الله بن محمد بن أحمد بن محمد بن أحمد بن محمد بن أحمد بن أبي عزفة اللخمي 297 يحيى بن علي بن غانية الصحراوي، الأمير أبو زكريا 300 يوسف بن تاشفين بن إبراهيم بن توقورت بن وريابطن بن منصور بن مصالة بن أمية بن وايامى الصنهاجي ثم اللمتوني 302 يوسف بن محمد بن يوسف بن محمد بن نصر 307 يوسف بن عبد المؤمن بن علي 307 يوسف بن يعقوب بن عبد الحق بن محيو 308 يعقوب بن عبد الحق بن محيو بن بكر بن حمامة بن محمد بن رزين بن فقوس بن كرناطة بن مرين 309 الجزء: 4 ¦ الصفحة: 708 الأعيان والوزراء والأماثل والكبراء 312 يحيى بن رحو بن تاشفين بن معطي بن شريفين 312 يحيى بن طلحة بن محلّى البطوي، الوزير أبو زكريا 313 يحيى بن عبد الرحمن بن إبراهيم بن الحكيم اللخمي 314 يحيى بن عمر بن رحّو بن عبد الله بن عبد الحق 315 يوسف بن هلال 318 ومن القضاة الأصليين وغيرهم 319 يحيى بن عبد الله بن يحيى بن كثير بن وسلاسن بن سمال بن مهايا المصمودي 319 يحيى بن عبد الرحمن بن أحمد بن ربيع الأشعري 320 يحيى بن عبد الله بن يحيى بن زكريا الأنصاري 320 يوسف بن الحسن بن عبد العزيز بن محمد بن أبي الأحوص القرشي الفهري 321 يوسف بن موسى بن سليمان بن فتح بن أحمد بن أحمد الجذامي المنتشاقري 322 ومن المقرئين 334 يحيى بن أحمد بن هذيل التجيبي 334 يحيى بن عبد الكريم الشنتوفي 344 يوسف بن إبراهيم بن يوسف بن محمد بن قاسم بن علي الفهري 347 ومن الكتّاب والشعراء بين أصلي وغيره 348 يحيى بن محمد بن يوسف الأنصاري 348 ومن ترجمة الشعراء من السفر الأخير وهو الثاني عشر المفتتح بالترجمة بعد 357 يحيى بن محمد بن أحمد بن عبد السلام التطيلي الهذلي 357 يحيى بن بقي 359 يحيى بن عبد الجليل بن عبد الرحمن بن مجبر الفهري 360 يوسف بن محمد بن محمد اليحصبي اللوشي، أبو عمر 363 يوسف بن علي الطرطوشي، يكنى أبا الحجاج 364 ومن ترجمة المحدّثين والفقهاء وسائر الطلبة النجباء 367 يحيى بن محمد بن عبد العزيز بن علي الأنصاري 367 ومن العمال 367 يوسف بن رضوان بن يوسف بن رضوان بن يوسف بن رضوان بن يوسف بن رضوان بن محمد بن خير بن أسامة الأنصاري النّجاري 367 الجزء: 4 ¦ الصفحة: 709 ومن ترجمة الزهاد والصلحاء 368 يحيى بن إبراهيم بن يحيى البرغواطي 368 ذكر بعض ما صدر لي من التشريعات الملوكية أيام تأبّشي بهذه الغرور 380 وصدر عني قبل هذه الرسالة عن السلطان، رضي الله عنه، رسالة بهذه الفتوح إلى صاحب تونس نصها 489 رسالة السياسة 534 الفهارس العامّة 555 الجزء: 4 ¦ الصفحة: 710