الكتاب: المسالك والممالك المؤلف: أبو اسحاق إبراهيم بن محمد الفارسي الاصطخري، المعروف بالكرخي (المتوفى: 346هـ) الناشر: الهيئة العامة لقصور الثقافة، القاهرة الطبعة: عدد الأجزاء: 1   [ترقيم الكتاب موافق للمطبوع] ---------- المسالك والممالك للاصطخري أو مسالك الممالك - مصر الإصطخري الكتاب: المسالك والممالك المؤلف: أبو اسحاق إبراهيم بن محمد الفارسي الاصطخري، المعروف بالكرخي (المتوفى: 346هـ) الناشر: الهيئة العامة لقصور الثقافة، القاهرة الطبعة: عدد الأجزاء: 1   [ترقيم الكتاب موافق للمطبوع] تعريف بسم الله الرّحمن الرّحيم عزيزى القارئ.. تحرص سلسلة (الذخائر) دائما على التنويع فى الوجبة الثقافية الهنيئة المريئة التى تقدمها لك مرتين كلّ شهر، فهى تخرج بك من كتاب فى الأدب إلى آخر فى اللغة، إلى ثالث فى التاريخ إلى رابع فى الفلسفة، إلى خامس فى الاجتماع.. وهكذا. وفى هذه الحلقة تقدّم لك (الذخائر) كتابا فى جغرافيّة الأقاليم، أو علم البلدان، هو كتاب (المسالك والممالك) لأبى إسحاق إبراهيم بن محمد الفارسى الإصطخرى المتوفّى حوالى منتصف القرن الرابع الهجرى. ويبدو أن الرجل كان سيّئ الحظ فى حياته، وبعد مماته، أما عن حياته فلم يعرف عنها الكثير، بل إن نسبة (الإصطخرى) قد غلبه عليها فقيه شافعىّ معاصر له، هو: أبو سعيد الحسن بن أحمد بن يزيد ت 328 هـ[سير أعلام النبلاء للذهبى 11/634] أما بعد موته فقد حالف سوء الحظّ كنيته (أبو إسحاق) فكتبت على صفحة عنوان الكتاب فى طبعة وزارة الثقافة- مصر 1961 (ابن إسحاق) ، بينما كناه محقّق الكتاب (أبو القاسم) [انظر ص 9 من الطبعة المشار إليها] . عنوان (المسالك والممالك) حمله أكثر من كتاب لأكثر من مؤلّف جغرافىّ. فهناك (المسالك والممالك) لأبى جعفر أحمد بن الحارث بن المبارك الخزّاز ت 258 هـ، و (المسالك والممالك) لأبى العبّاس جعفر ابن أحمد المروزىّ ت 274 هـ. ويقول صاحب (الفهرست) إنه أوّل من ألّف كتابا فى المسالك والممالك. وممن ألّفوا كتبا بهذا العنوان: أبو العبّاس أحمد بن محمد بن مروان ابن الطيّب السّرخسى ت 286 هـ، ومنهم: أبو عبد الله أحمد بن محمد ابن نصر الجيهانى (ق 3 هـ) ، ومنهم: عبيد الله بن أحمد بن خرداذ به € الجزء: المقدمة ¦ الصفحة: 5 ت 300 هـ، ومنهم: أبو زيد أحمد بن سهل البلخى ت 322 هـ. ويجيء الإصطخرى مؤلّفنا فى الطبقة التى تلى من تقدّم، ومركزها فى القرن الرابع الهجرى، ومن أبرز أعلامها- إلى جانب الإصطخرى- أبو الفرج قدامة بن جعفر ت 337 هـ[وشهرته كنا قد لا تمنع من أنّ له جهودا مدوّنه فى جغرافية البلدان والأقاليم] ، والمسعودى- صاحب (مروج الذهب) ت 346 هـ، وابن حوقل ت 367 هـ، والمقدسى (شمس الدين أبو عبد الله محمد بن أحمد ت 375 هـ) صاحب (أحسن التقاسيم فى معرفة الأقاليم) . اتّساع التأليف فى جغرافية البلدان والأقاليم يلفتنا إلى وجه من الشّبه، قد يبدو- لأول وهلة- بعيدا، بين موضوع هذه الكتب وموضوع الكتاب الذي قدمته (الذخائر) فى حلقتها السابقة، وهو كتاب (مفاتيح العلوم) للخوارزمى ت 387 هـ، والذي قرن إليه عند تقديمه كتابا (إحصاء العلوم) للفارابى (أبو نصر محمد بن محمد بن طرخان ت 339 هـ) و (الفهرست) لأبى الفرج محمد بن إسحاق النديم ت 380. كلا الضربين من موضوعات التأليف يحمل دلالة تاريخيّة وحضاريّة، كلاهما دالّ على اتّساع رقعة العالم الإسلامى من جهة، وعلى بلوغ العلوم العربيّة الإسلامية مرحلة من النضج والازدهار والتشعّب من جهة أخرى، اتّساع رقعة العالم الإسلامى اقتضى التعريف به بل وببقيّة مناطق العالم المعروفة وقتها، سكّانا وبلادا وطرقا ومعالم طبيعيّة؛ تسهيلا للتنقل بينها، تجارة وعملا، أو دراسة وبحثا، أو متعة وتأمّلا. بينما اقتضى ازدهار العلوم الإسلامية العربيّة وتشعبها العمل على إحصائها ثم تصنيفها وفهرستها. هكذا مضى ركب الثقافة العربيّة الإسلامية، فى ظلّ ظروفه المواتية، حثيثا فى اتجاه التطوّر وسعة الأفق، عازفا عن كلّ ما يجرّ إلى التأخّر ويبعث على الانغلاق. عبد الحكيم راضى € الجزء: المقدمة ¦ الصفحة: 6 محقق هذه الطبعة الأستاذ الدكتور محمد جابر عبد العال الحينى عزيزى القارئ ... معذرة.. إذ لم نستطع الحصول على معلومات كافية عن الأستاذ المحقق، وقد لجأنا إلى سؤال العديد من الأصدقاء والزملاء الذين توقعنا أن تكون لهم به معرفة من قريب أو بعيد. لكن ما حصلنا عليه لم يكن ليسد رمقا أو يروى غلة.. لقد ذكر لى أحد أساتذتى «1» أن الدكتور الحينى بدأ حياته بالعمل فى المكتبة العامة لجامعة القاهرة. ونبهنى أحد الأصدقاء «2» إلى أنه حقق بعض أجزاء كتاب (نهاية الأرب) للنويرى الذي طبعته دار الكتب المصريّة، وقد وجدت اسمه بالفعل على الجزءين الثانى والعشرين والخامس والعشرين، كما استخرجت من فهارس المكتبة العامة لجامعة القاهرة أسماء ثلاثة كتب اقترنت باسمه، أحدها بتحقيقه، وهو كتاب (المسالك والممالك) للإصطخرى الذي نقدمه فى هذه الحلقة، والآخران من تأليفه، أحدهما (الخنساء، شاعرة بنى سليم) وقد صدر فى سلسلة أعلام العرب، عن المؤسسة المصرية العامة للتأليف سنة 1962، والآخر (فى العقائد والأديان المعاصرة، الديانات الكبرى) عن الهيئة المصرية العامة للتأليف والنشر سنة 1971. أما أنا فقد التقيت به فى العالم الجامعى 79/1980 فى كلية التربية بجامعة عين شمس، حيث كان كلانا منتدبا لإلقاء بعض المحاضرات بالكلية.. ذلك كلّ ما لدينا عن الأستاذ الدكتور محقق الكتاب، وإن هيئة تحرير سلسلة الذخائر ليسعدها أن تتلقى أى معلومات عنه تفيد فى كتابة ترجمة مناسبة له يمكن الإفادة منها فى المستقبل. رئيس التحرير € الجزء: المقدمة ¦ الصفحة: 7 مراجع هذه الطبعة المرحوم الأستاذ الدكتور: محمد شفيق غربال 1311- 1381 هـ 1984- 1961 م - مؤرخ من رجال التعليم، ومن أعضاء المجمع اللغوى بالقاهرة. تخرج بمدرسة دار المعلمين العليا (1915) وحصل على الماچستير فى انجلترا (1924) . - درّس بالمعلمين العليا، ثم كان أستاذا مساعدا للتاريخ فى الجامعة المصرية القديمة، وتدرّج فى مناصبها إلى أن اختير عميدا لكلية الآداب فيها. - عمل مستشارا فنيا لوزارة التربية والتعليم (المعارف) ثم وكيلا لوزارة الشئون الاجتماعية. - تولى فى أعوامه الأخيرة إدارة معهد الدراسات العربية بجامعة الدول العربية حتى وفاته. من مؤلفاته المطبوعة: (1) بداية المسألة المصرية وظهور محمد على. (2) المفاوضات البريطانية من الاحتلال إلى معاهدة 1936. (3) منهاج مفصل لدراسة العوامل التاريخية فى بناء الأمة العربية. (4) «محمد على الكبير» فى سلسلة أعلام الإسلام. من مترجماته: المدينة الفاضلة «ترجمة عن بيكر» . [الأعلام للزركلى 6/159] € الجزء: المقدمة ¦ الصفحة: 9 مقدم هذه الطبعة الأستاذ الدكتور عبد العال عبد المنعم الشامى - تخرج فى قسم الجغرافيا بكلية الآداب جامعة القاهرة. - حصل على الماچستير (1973) ، والدكتوراه (1977) فى الجغرافيا. - تدرج فى وظائف هيئة التدريس حتى أصبح استاذا متفرغا بقسم الجغرافيا بآداب القاهرة. من مؤلفاته: - أثر العامل الجغرافى فى ازدهار أم القرى قبل الإسلام. مجلة الدراسات الإسلامية، السنة الثانية، العدد الأول. - جهود الجغرافيين المسلمين فى رسم الخرائط، الكويت 1981. - مدن مصر وقراها عند ياقوت الحموى، الكويت 1981. - جغرافية المدن عند العرب، عالم الفكر، مج 9/14، الكويت 1978. - من مباهج الفكر ومناهج العبر للوطواط- دراسة وتحقيق، الكويت، 1981. - نظم الرى والزراعة فى مصر فى الكتابات العربية، الندوة العالمية الثالثة لتاريخ العلوم عند العرب، المجلس الوطنى، الكويت 1983. - جغرافية العمران عند ابن خلدون، الكويت 1988. - العمران فى الواحات المصرية خلال العصر الوسيط، مج 4/ع 4، 1990 كلية الآداب بالمنيا. - مدن مصر وقراها فى القرن الثامن الهجرى- القسم الأول- مجلة الآداب والعلوم الإنسانية، سلسلة الإصدارات الخاصة، مج 9 ع 1، 1991 المجلة العلمية بكلية الآداب جامعة المنيا. € الجزء: المقدمة ¦ الصفحة: 11 تقديم بقلم د. عبد العال الشامى يعتبر الإصطخرى من أعلام المدرسة الجغرافية العربية فى مجال الدراسات الإقليمية ورسم الخرائط التى ظهرت وازدهرت فى القرن الرابع الهجرى، وتتمثل هذه المدرسة فى نتاج مجموعة من الجغرافيين بدأت برائدهم البلخى (أبو زيد أحمد بن سهل البلخى) ثم تبعه الإصطخرى، الذي عاصره ابن حوقل وجاء من بعده المقدسى. وقد اعتمد هؤلاء فى مؤلفاتهم على إكساب لفظ الإقليم دلالة مغايرة لما كانت عليه الجغرافية عند الإغريق من حيث ما يسمى بالأقاليم السبعة، وجاء هذا الاتجاه الجديد ليقصد بالإقليم كيانا مساحيّا يسهل تحديد حدوده الطبيعية، كما أنه وحدة إدارية سياسية خاضعة لنظام مركزى سياسى موحد، وكثيرا ما كانت هذه الكيانات الإقليمية ذات أصول عرقية ولغوية موحدة فضلا عن الجوانب الاجتماعية. ومثل هذا الاتجاه الجديد المغاير للتقسيمات السابقة أقرب ما يكون لمدلول لفظ الإقليم؛ لأنه كما يقول ياقوت الحموى: إنما سمى إقليما لأنه مقلوم من الأرض التى تتاخمه، أى مقطوع، والقلم فى أصل اللغة القطع وفى القرآن الكريم: إِذْ يُلْقُونَ أَقْلامَهُمْ [سورة آل عمران. الآية 44] . يقول الإصطخرى فى مقدمة كتابه: «ذكرت فى كتابى هذا أقاليم الأرض على الممالك، وقصدت منها بلاد الإسلام بتفصيل مدنها ... € الجزء: المقدمة ¦ الصفحة: 13 ولم أقصد الأقاليم السبعة التى عليها قسمة الأرض» . وحين رسم صورة معمور الأرض فى عصره قال: «فهذه صورة الأرض عامرها والخراب منها وهى مقسومة على الممالك. وعماد ممالك الأرض أربعة: مملكة فارس، ومملكة الروم، ومملكة الصين، ومملكة الهند. فلما جاء الإسلام أخذ من كل مملكة بنصيب. وبهذا ظهرت مملكة الإسلام» . ومثل هذا التقسيم الإقليمى الكبير هو أشبه بما ندرسه اليوم فى الدراسات الإقليمية لمناطق كبرى مثل: غرب أوروبا، الاتحاد السوفيتي، جنوب غرب آسيا، الشرق الأوسط، أفريقية جنوب الصحراء، إمريكا اللاتينية.. ثم أعقب هذا التقسيم العام على الممالك بدراسة تفصيلية شاملة لمملكة الإسلام، وهنا يتضح مدلول لفظ الإقليم بصورة أوضح، حيث أصبحت ولايات أو ممالك الإسلام أقاليم جغرافية واضحة المعالم، ولكل إقليم صورة (خريطة) فيها ما يمكن توقيعه من ظاهرات ثم تأتى الكتابة كشرح مفصل لجغرافية الإقليم. وهكذا نجد هناك مزاوجة بين الدراسة الإقليمية ورسم الخريطة على نحو ما يقول: «الغرض من كتابى هذا تصوير الأقاليم التى لم يذكرها أحد علمته، أما ذكر مدنها وجبالها وأنهارها وبحارها والمسافات وسائر ما أنا ذاكره فقد يوجد فى الأخبار، ولا يتعذر على من أراد تقصى شىء من ذلك من أهل كل بلد، فلذلك تجوّزنا فى ذكر المسافات والمدن وسائر ما نذكره» . وإذا كان الإصطخرى قد قدّم لجميع الأرض صورة فى مستهل كتابه، فإنه قد أفرد بعد ذلك لكل إقليم من بلاد الإسلام صورة على حدة، وقد بلغت عشرين إقليما هى: € الجزء: المقدمة ¦ الصفحة: 14 1- ديار العرب، 2- بحر فارس، 3- المغرب، 4- مصر، 5- الشام، 6- بحر الروم، 7- الجزيرة الفراتية بين دجلة والفرات (أى النصف الشمالى من العراق) ، 8- العراق، 9- خوزستان (عربستان) ، 10- فارس، 11- كرمان، 12- بلاد السند والهند، 13- أرمينية وأذربيجان، 14- الجبال، 15- الديلم، 16- بحر الخزر، 17- المفازة التى بين فارس وخراسان، 18- سجستان، 19- خراسان، 20- ما وراء النهر (نهر جيحون) . ويلاحظ من حيث ترتيب الأقاليم الأخذ فى الاعتبار تقديم ديار العرب على غيرها وذلك لمكانتها الدينية، ولما كان بحر فارس بمدلول العصر (أى جملة المسطحات المائية الممثلة فى المحيط الهندى بذراعيه البحر الأحمر والخليج العربى) يحيط بمعظم ديار العرب؛ فقد ذكر تاليا لديار العرب حتى تستكمل الصورة، ثم جاء ذكر الأقاليم الإسلامية بعد ذلك من أقصى الغرب، أى كل الشمال الإفريقى والأندلسى، ثم مصر الممتده حتى برقة فالشام. وعند هذا الحد من الدراسة تكون معظم سواحل بحر الروم (البحر المتوسط) قد ذكرت فى ممالك الإسلام السابقة، ولهذا انتقل إلى دراسة هذا البحر ككل. ثم انتقل إلى الجزيرة وأعقب ذلك بالعراق- وعند هذا الحد يكون قد استوفى الجناح الغربى من بلاد الإسلام لينتقل بعد ذلك إلى الجناح الشرقى. ودراسة الجناح الشرقى جاءت على أساس تقسيمه إلى نطاقين عرضيين: جنوبى وشمالى، وقد بدأ بالنطاق الجنوبى بذكر الأقاليم المجاورة للعراق ثم ما يليها شرقا فذكر خوزستان- فارس- كرمان- بلاد السند والهند. € الجزء: المقدمة ¦ الصفحة: 15 وأما فى النطاق الشمالى فبدأ فى الغرب بأرمينية وأذربيجان ثم الجبال (يقصد نطاق جبال زاجورس بين العراق وفارس) ثم الدّيلم. وهنا يكون قد وصل إلى سواحل بحر الخزر (قزوين) ومن ثم درسه كإقليم متكامل متحد. ثم قبل أن ينتقل إلى ما تبقى من ممالك الإسلام فى الشرق، جاءت دراسة المفازة التى بين فارس وخراسان كإقليم له مميزاته، وإن لم يكن وحدة سياسية مستقلة، وأخيرا يدرس أقاليم سجستان وخراسان وما وراء النهر. وواضح أن من بين هذه الأقاليم العشرين ثلاثة أقاليم بحرية: بحر الروم، وبحر فارس، وبحر الخزر، أى أن الدراسة شملت أحواض هذه البحار التى تمثل أقاليم جغرافية واضحة، وهو نهج إقليمى صحيح. أما المفازة بين فارس وخراسان فهى الأخرى اعتبرت إقليما جغرافيا متميزا ومختلفا عما حوله، بل كما قال الإصطخرى: من أقل مفاوز الإسلام سكانا وقرى ومدنا، كما أنها غير خاضعة لسلطان بعينه؛ لأنها ليست فى حيز إقليم بعينه. وهكذا نجد أعلام هذه المدرسة الإقليمية المجددة أصحاب منهج إقليمى سليم فى تحديد وجوه اختلاف هذه المفازة عن غيرها من بوادى العرب والبربر وما فى مفاوز كرمان ومكران والسند، فهذه عامتها مسكونة بالأخبية والأخصاص. أخيرا نجد بعد ما ذكر عن الأقاليم الأربعة السابقة أن ما تبقى هى وحدات سياسية- إدارية، أى ولايات إسلامية قد ذكرها البلخى الرائد الأول الذي لم يصلنا كتابه، ثم الإصطخرى وابن حوقل. أما المقدسى € الجزء: المقدمة ¦ الصفحة: 16 فقد كان له تصوره الخاص فى هذه التقسيمات لديار الإسلام، وله اجتهاده المحمود ومبرراته فى أن يختلف مع سابقيه مما يمثل إثراء للفكر الجغرافى العربى. هذا وقد أحصى «ميللر» لأعلام هذه المدرسة 275 خريطة استطاع أن يجمعها لهم من المخطوطات المختلفة التى عثر عليها لكل منهم، وأطلق على هؤلاء الذين اعتمدوا أساسا فى كتاباتهم الجغرافية على تصوير الأقاليم أو رسم الأشكال اسم «أصحاب أطلس الإسلام» ، وهذه المجموعة من الخرائط نوع فريد ونسيج وحيد جاء إنتاجا إسلاميا خالصا من ابتكار هؤلاء، ودليلا على أصالة الفكر الجغرافى الإسلامى وقدرته على التجديد فى مجال رسم الخرائط. أما عن الخصائص أو السمات العامة لخرائط الإصطخرى ومن جاء بعده فى هذا الاتجاه فهى خرائط توضيحية فقط، ليست وظيفتها الأساسية تحديد المواقع على وجه الدقة، بل مجرد بيان الهيئة العامة للأرض وبحارها وتوقيع البلاد بالنسبة لبعضها البعض وما تتضمنه من ظاهرات طبيعيّة وبشرية تفيد فى إرشاد الراغبين فى التعريف على جغرافية الإقليم، كما تنفع المسافرين على الطرق بمعرفة أطوال مراحلها وخصائصها، وكل ذلك فى حدود العصر وإمكانياته، وسوف نجد عند ابن حوقل والمقدسى إضافات قيمة تشير إلى مدى الارتقاء فى هذه المدرسة الجغرافية الإقليمية الخرائطية. وهناك شبهة أن يكون الإصطخرى قد نقل الخرائط الواردة فى كتابه عن البلخى الذي سبقه فى تصوير الأقاليم، ولكن هذه المشكلة قد أثيرت فى القرن الرابع الهجرى؛ فقد ذكرها المقدسى الذي عاش بعد نصف قرن من وفاة البلخى، وكذلك ياقوت الحموى وقد جاءت تهمة € الجزء: المقدمة ¦ الصفحة: 17 نقل الإصطخرى لكتاب البلخى وصوره عند «دى غويه» دون أى دليل، وقد تولى أهل الاختصاص الرد على هذه الشبه «1» ، ولكن يكفى ما جاء عند ابن حوقل حين قابل الإصطخرى الذي عرض عليه بعض خرائطه وكتابه، وكيف أن ابن حوقل كان منصفا فى تحديد الصواب والخطأ أو الجودة والرداءة فى خرائط الإصطخرى فقال: «ولقيت أبا إسحاق الفارسى وقد صور أرض السند فخلطها، وصورة فارس فجودها، وكنت قد صورت أذربيجان التى فى هذه الصفحة فاستحسنها، والجزيرة فاستجادها وأخرج التى لمصر فاسدة، وللمغرب أكثر خطأ» . وهكذا نجد أن قيمة المرء ما يحسنه، وأن الميزة لا تقتضى الأفضلية حتى أن ابن حوقل يقول: «لقد ظللت لا يفارقنى كتب ابن خردازبه والجيهانى وقدامة بن جعفر، حتى إذا لقيت الإصطخرى أخذت كتابه واستغنيت به عن غيره من الكتب» . هذا وقد تولى محقق كتاب الإصطخرى الرد على ما جاء فى دائرة المعارف الإسلامية من نسبة كتاب الإصطخرى إلى البلخى فى مقدمة التحقيق «2» ، وكذلك يشير كراتشكوفسكى- (المستشرق الروسى) الذي ألف تاريخ الأدب الجغرافى العربى «3» - إلى أنه ثبت بعد الفحص € الجزء: المقدمة ¦ الصفحة: 18 الدقيق أن بعض المخطوطات التى نسبت فى فهارس المخطوطات، أو حتى فى الأصل إلى البلخى، إنما تمثل فى الحقيقة مسودات لمصنف الإصطخرى أو ابن حوقل. ويحسن أن نشير هنا إلى بعض الملاحظات على خرائط الإصطخرى، فنجد أنه استخدم الألوان على نحو ما نجد عند يوسف كمال فى المجموعة الكمالية، كما أن فى خرائط الإصطخرى تمثيلا للظاهرات الطبيعية حيث يوضح فى شبه جزيرة سيناء وأقسامها الثلاثة: السهل الساحلى الرملى الشمالى (رمل الجفار) ، ثم الهضبة الوسطى (تيه بنى اسرائيل) ، ثم الكتلة الجبلية الجنوبية (طور سيناء) . وحين يكون المظهر التضاريسى الجبلى هو الصفة الغالبة على الإقليم- على نحو ما هو فى خريطة فارس (هضبة إيران) - فإنه لا يوقع الجبال؛ لأنه ليس بفارس بلد إلّا وبه جبل أو يكون الجبل بحيث تراه إلّا اليسير. كذلك يوقع الجزر كظاهرات طبيعية فى المسطحات المائية، مثل جزر الخليج العربى، وإذا كانت هناك مبالغة فى تصوير الجزر فربما يكون مرجع ذلك إلى الناسخ بدليل وجود اختلافات واضحة بين نسخ الإقليم الواحد فى الخرائط التى وصلت عن الإصطخرى، كما أن الإصطخرى قد يصور فى خريطته بعض النباتات لما لها من دلالة، ففى خريطة مصر يوقع عند بداية الحد الشمالى الشرقى المصرى شجرتان وهما تمثلان البداية لحدود مصر عند رباط الشجرتين. كذلك يهتم الإصطخرى بتوقيع ظاهرات بشرية فى خرائطه، مثل توقيع المدن الحربية كحصون (مدينة دمياط) ، وتصوير منار الإسكندرية، والأهرامين، وكذلك ما تشتهر به بعض النواحى من المبانى العجيبة مثل حائط القلاص كجدار أو سور. € الجزء: المقدمة ¦ الصفحة: 19 وإذا كان من الممكن أن نصف خرائط الإصطخرى وفقا للموضوعات الجغرافية التى تخدمها هذه الخرائط، فإننا نجد أنه قد بدأ بخريطة عامة للمعمور فى مستهل كتابه، وهى صورة للأرض مستديرة.. أما خرائط العالم الإسلامى الإقليمية فقد جاءت فى مستهل تناوله لكل إقليم، وقد أجاد الإصطخرى فى بعضها- على نحو ما أشاد بذلك ابن حوقل- خاصة تلك التى تتعلق بموطنه الأصلى، أو تلك التى اختصت بأقاليم زارها على نحو ما نجد فى صورة ما وراء النهر، التى توجد فى نسخة كتاب الإصطخرى المحفوظة فى خزانة مدينة هامبورج. كذلك هناك من خرائط كتاب الإصطخرى ما يتناول بالتفصيل الظاهرات الطبيعية والبشرية على نحو ما هو متحقق فى خرائط بحر فارس وبحر الروم وبحر الخزر، وكذلك المفازة بين فارس وخراسان. والخلاصة: أن الإصطخرى قد أدخل مفاهيم جديدة لعلم الخرائط عند الجغرافيين المسلمين، بجعله الخريطة أساسا للبحث الجغرافى، وهو اتجاه قد زاد من بعده عمقا وأصالة بما قدمه ابن حوقل والمقدسى، بحيث أصبح هذا الاتجاه مميزا للمدرسة الجغرافية الإسلامية المجددة فى رسم الخرائط. ولما كانت صورة الإقليم لا يمكن أن تستوعب كل ما يريد المؤلف أن يذكره عن هذا الإقليم، فقد جاءت المادة الجغرافية التالية للصورة شارحة لها وكذلك لذكر التفاصيل، ومن هنا تاتى قيمة ما قدمه الإصطخرى ومن جاء بعده فى مجال جغرافية البلدان أو المسالك والممالك أو الجغرافية الإقليمية فى وقتنا الحاضر. أما عن منهج الإصطخرى فى تناول جغرافية أقاليم مملكة الإسلام فقد حدده بأمور بعينها، أهمها: € الجزء: المقدمة ¦ الصفحة: 20 (أ) الخريطة، أو الصورة كما يسميها. (ب) العلاقات المكانية للإقليم. (ج) الأقسام الفرعية ذات الأهمية التى ينقسم إليها الإقليم. (د) المظاهر الطبيعية المختلفة. (هـ) الأحوال الاقتصادية للإقليم وما ينتجه من غلات. (و) المدن الكبرى وأهميتها. (ز) الطرق وأطوالها. وربما عنى بين الحين والحين بأمور أخرى أقل أهمية فى نظره كالنقود والمكاييل والموازين المستعملة فى إقليم ما، أو القبائل التى تعيش فى الإقليم ومنازلها، وربما استطرد أحيانا فذكر بعض النواحى التاريخية وسير الرجال. وإذا كنا قد فصلنا القول عن الخريطة أو صورة الإقليم فيما سبق ذكره، فإن المقصود بالعلاقات المكانية هو ذكر حدود الإقليم الخارجية أو الإطار المكانى للإقليم، وقد يأتى هذا التحديد مفصلا ودقيقا للغاية على نحو ما حدد ديار العرب تحديدا يكاد يشبه إلى حد كبير ما يجمع عليه الجغرافيون المحدثون. وأما الأقاليم الفرعية فكثيرا ما يرى الإصطخرى أن الإقليم الواحد تتنوع أجزاؤه داخل الإطار العام، فيقسمه إلى أقاليم ثانوية يتحدث عن خصائص كل منها، على نحو ما قسم ديار المغرب إلى نصفين شرقى ويشمل كل الشمال الإفريقى، وغربى وهو الأندلس. كما قسم أقاليم ديار العرب الخمسة. وفى مجال الظاهرات الطبيعية ذكرنا تخصيص معالجة للمسطحات المائية الكبرى كبحر فارس وبحر الروم وبحر قزوين، كذلك يهتم بالأنهار ومنابعها € الجزء: المقدمة ¦ الصفحة: 21 ومجاريها ومصباتها، كما يذكر الجبال والنطاقات الرملية، ولا يغفل ذكر أحوال المناخ وكذلك يعالج التربة على نحو ما ذكر عن أرض العراق. وفى مجال الأحوال الاقتصادية: نجد أن الإصطخرى حديثه مقتضب يذكر غلات الإقليم، وقد يعرض لبعض الصناعات أو يذكر العملة والموازين والمكاييل، والحديث هنا أقرب للمشاهدات التى سجلها فى البلاد التى زارها. وفى مجال العمران: نجد أن ذكر المدن هو الذي يستغرق جزءا كبيرا من كتابه، ويتناول المدينة وموقعها ومبانيها ومابها من المرافق المهمة والآثار إن وجدت. أخيرا فى نهاية كل إقليم يفرد للطرق حيزا يكاد يقارب اهتمامه بالمدن وهذا ما يحقق مدلول كلمة «المسالك» فى عنوان كتابه، ومع هذا فليس ما يرد بالتفصيل فى بعض الطرق بالأقاليم- كما سنذكر بعد قليل- هو ما اتبعه، وإنما يختصر تناوله للطرق بسرد المسافات التى يقيسها أحيانا بالأيام وتارة بالفراسخ أو المراحل. ويعتبر ما ذكره الإصطخرى عن الطرق فى مفازة خراسان خير مثال لدراسته للطرق باعتبارها شرايين الحياة فى هذه المفازة التى تتوسط معظم أقاليم الشرق الإسلامى، وبعد أن صور تلك الطرق على خريطة قال: «هذه المفازة من أقل مفاوز الإسلام سكانا ومدنا وقرى ... وليس يستدرك من هذه المفازة إلّا علم الطريق ... » وقد أظهر المنطقة كمنطقة تخوم بين الأقاليم المحيطة بها، وأنها ليست فى حيز إقليم بعينه فيرعاها أهل ذلك الإقليم بالحفظ، ومن ثم كثرت فيها اللصوص، ويصعب سلوكها بالخيل، وإنما تقطع بالجمال، وبعد أن شرع فى ذكر طرق المفازة سرد مقومات هذه الطرق من الناحيتين الطبيعية والبشرية فذكر: € الجزء: المقدمة ¦ الصفحة: 22 أ- موارد المياه فى مختلف صورها من الآبار والعيون والبرك، وما يتجمع من ماء الأمطار والسيول فى الأحواض، وما أقامه الإنسان من قباب على هذه الموارد. ب- كما ذكر ما أقيم على الطرق فى محطاتها من خدمات للمسافرين كالخانات والرباطات والحصون، وينزل بعضها من يقومون بالخفارة (البذرقة) من قبل السلطان. ح- كذلك يشير إلى معلومات عن السكان وعن نمط السكن حتى ولو قل عدد السكان حتى لا يتجاوز بضعة أشخاص، كما يحصى المساكن، ولا ينسى ذكر ما بالقرى من زرع وضرع، وهو يفعل كل ذلك بدقة واضحة. والملاحظ أن نصيب ديار الإسلام من حيث صفحات الكتاب فيه تفاوت كبير بين ما يخص كل إقليم، فإذا كان ما يخص ما وراء النهر يتجاوز ثلاثين صفحة ومثله ما يخص بلاد فارس، فإنّ ما يخص خراسان هو نحو 16 صفحة، وما عدا هذه الأقاليم الثلاثة من جملة الأقاليم لا يتجاوز عشر صفحات لكل إقليم، وأحيانا أقل من ثلاث صفحات، مع الأخذ فى الاعتبار ما فى هذه الطبعة من هوامش وتعليقات تشغل حيزا كبيرا لا يقل عن ثلث حجم الكتاب ككل. ومثل هذا التفاوت يرجع إلى أن الإصطخرى قد زار ما وراء النهر وبلاد فارس موطنه الأصلى، كما زار ديار العرب ومصر والشام والعراق والجزيرة العربية، أما ما عدا هذه المناطق فهو مقل فى سرد التفاصيل مكتفيا أساسا بصور الأقاليم. د. عبد العال الشامى الجزء: المقدمة ¦ الصفحة: 23 المسالك والممالك الجزء: النص ¦ الصفحة: 1 تأليف أبى اسحاق إبراهيم بن محمد الفارسى الإصطخرى (المعروق بالكرخى) المتوفى فى النصف الأول من القرن الرابع الهجرى تحقيق مراجعة الدكتور محمد جابر عبد العال الحسينى محمد شفيق غربال (1381 هـ- 1961 م) الجزء: النص ¦ الصفحة: 3 فهرس اجمالى كلمة المحقق من ص 7 إلى ص 11 مقدمة المؤلف « «15 « «19 فصول الكتاب ديار العرب « «20 « «28 بحر فارس « «29 « «32 ديار المغرب « «33 « «38 ديار مصر « «39 « «42 أرض الشام « «43 « «49 بحر الروم « «50 « «51 أرض الجزيرة « «52 « «55 العراق « «56 « «61 خوزستان « «62 « «66 بلاد فارس « «67 « «96 بلاد كرمان « «97 « «101 بلاد السند « «102 « «107 أرمينية والران وأذربيجان من ص 108 إلى ص 114 الجبال « «115 « «120 الديلم « «121 « «127 بحر الخزر « «128 « «132 مفازة خراسان « «133 « «138 سجستان « «139 « «144 خراسان « «145 « «160 ما وراء النهر « «161 « «192 أقاليم ما وراء النهر: خوارزم « «168 « «173 بخارى « «173 « «176 السغد « «177 « «182 أشروسنة « «182 « «184 الشاش وإيلاق « «184 187 دراسة لمصورات الكتاب « «196 « «205 فهرس الموضوعات « «207 « «212 الجزء: النص ¦ الصفحة: 5 بسم الله الرحمن الرحيم مقدمة حفز النجاح السياسى العظيم، الذي ظفرت به الدولة الإسلامية فى القرن الثانى للهجرة، رجالها إلى اقتحام ميادين جديدة، ميادين تعزز هذا النصر السياسى والحربى الذي كان يبعث الهيبة فى القلوب، ميادين تغزو العقول وتعمل بقوة تفوق قوة السيف؛ اتجهت الدولة الإسلامية إلى تراث الأمم السابقة لها تأخذ منها ما يتلاءم وذوقها فى الحياة وما يتفق ومنطقها فى الدراسة، لتبنى أسس هذا المجد العقلى الذي تطمح إليه؛ ترجم المترجمون عن الفارسية واليونانية والسوريانية ترجمات أشرقت بعدها نهضة علمية تبشر بسلطان عظيم، أخذت هذه النهضة العلمية تشع فى كثير من نواحى النشاط العقلى، إذ ساهم العقل الإسلامى مساهمة دفّاعة فى هذه النهضة، كان من أثرها هذا الفضل الذي اعترفت به البشرية، والذي أتاح لتيار الحضارة أن يأخذ سبيله فى مجراه. فى مطلع هذه النهضة نشأ علم البلدان وهو المعروف فى اصطلاحنا الحديث بالجغرافية الوصفية. قام علم البلدان وكانت الحياة العملية تتطلع إليه فى شوق وفى إلحاح، ذلك لأن التجارة كانت تريد منه أن يكون لها هاديا ومرشدا فى دولة مترامية الأطراف واسعة الأرجاء مختلفة الشعوب والأجناس والألسنة، كانت تريد أن تعرف سبلها ومسالكها ومن تعطى وما تأخذ، ولقد وجدت فى هذا العلم مبتغاها، فأقبل عليه التجار والناس يطلبونه من أصحابه، فظفر بتأييد أتاح له أن يتطور تطورا سريعا، تطورا جعل علم البلدان فى أوائل القرن الرابع الهجرى علما كامل المعالم والأسس. ولقد أتاح الله لهذا العلم أفذاذا، جابوا البلاد وتحملوا المشاق، وعرفوا مسالكها وطرقها وناسها، ووقفوا على طبيعة البلاد التى زاروها وحياة أهلها الاجتماعية، ودوّنوا ما رأوا وما خبروا وما سمعوا، حريصين أن يبيّنوا ما رأوا وما سمعوا، فخرجت كتبهم نورا يهدى، ومرشدا لا يضل ولا يضلل، وحظى بالذكر من بين هؤلاء ابن خرداذبه والجيهانى وأبو الفرج قدامة بن جعفر وأبو زيد البلخى وغيرهم، ولقد بلغ من أهمية كتاب ابن خرداذبه وكتاب الجيهانى أنّ ابن حوقل كان يحرص كل الحرص على أن يرافقاه فى حلّه وترحاله، قال: [وكان لا يفارقنى الجزء: النص ¦ الصفحة: 7 كتاب ابن خرداذبه وكتاب الجيهانى وتذكرة أبى الفرج قدامة بن جعفر] «1» . ظلت هذه الكتب تستحوذ عليه حتى لقى الإصطخرى فى بغداد، فأخذ كتابه واستغنى به عن غيره من الكتب. يرى الدارس لهذه الفترة من تاريخ علم البلدان أنّ هذا العلم قد تطور على يدى رجلين يعدّان من النوابغ هما أبو زيد البلخى والجيهانى، حتى ليمكن أن يقال إن مخالفتهما أمر كان ينبغى أن يبرّر، خالفهما المقدسى فى كتابه أحسن التقاسيم، خالف الجيهانى- الذي كان يسمى ما بين دجلة والفرات بابل- فى هذه التسمية وسمّى الإقليم العراق، وبيّن ذلك فى قوله: [.. ألا ترى الجيهانى ابتدأ بذكر هذه النواحى وسماها إقليم بابل ... وقد شققنا الإسلام طولا وعرضا فما سمعنا الناس يقولون إلا هذا إقليم العراق وأكثر الناس لا يعلمون أين بابل] «2» ، وخالف أبا زيد البلخى فى تقسيم المشرق وبيّن هذا فى قوله: [وقد جعله أبو زيد ثلاثة أقاليم خراسان وسجستان وما وراء النهر وأما نحن فجعلناه واحدا ذا جانبين يفصل بينهما جيحون] «2» ، يتضح مما سقناه حقيقة هى ما لهذين الرائدين أبى زيد البلخى والجيهانى من مكانة سامية عند رواد علم البلدان، هذه المكانة الممتازة هى التى جعلت النساخ يضعون على كتاب الاصطخرى فى هذا العصر المبكر، الاصطلاح الذي جاء به أبو زيد البلخى وهو صور الأقاليم إلى جانب عنوان الكتاب الأصلى، الأمر الذي أشكل على دائرة المعارف الإسلامية فنسبت كتاب الاصطخرى لأبى زيد البلخى أو جعلته معوّلا عليه، وهذه شبهة ليس لها سند أو دليل، وقد أطلقها كاتب مادة الاصطخرى دون أن يؤيد دعواه بأية حجة تسوّغ قوله، ولئن كانت هذه الدعوى غير مؤيدة بالبرهان، ومن ثم فهى تستحق الإهمال، لكن لا يفوتنا أن نشير إلى أن صحة نسبة الكتاب إلى الاصطخرى يقوم عليها الدليل من الكتاب نفسه ومن المعاصرين، ففى حديث الاصطخرى عن فارس يشير إلى رسالة ألّفها، قال: [وقد ذكرت فى الرسالة ما يعلم من قرأها موضع كل كورة برساتيقها ومواضع المدن بها إن شاء الله تعالى] ، ويشهد ابن حوقل أنه لقى الاصطخرى أبا اسحاق الفارسى فى بغداد وأخذ منه كتابه لتصحيحه كما زعم، قال: [ولقيت أبا اسحاق الفارسى وقد صوّر هذه الصورة لأرض الهند فحلطها وصوّر فارس فجوّدها وقد كنت صورت أذربيجان التى فى هذه الصفحة فاستحسنها والجزيرة فاستجادها وأخرج التى لمصر فاسدة وللمغرب أكثرها خطأ وقال قد نظرت فى مولدك وأثرك وأنا أسألك إصلاح كتابى هذا حيث ضللت فأصلحت منه غير مشكل وعزوته إليه] «3» ، والواضح من قول ابن حوقل وضوحا لا يقبل الشك ولا الجدل أنّ للاصطخرى كتابا وأنه أصلحه كما زعم، وأن هذا الكتاب منسوب للأصطخرى، زد على ذلك أن ياقوت الحموى فى معجم البلدان ينقل الجزء: النص ¦ الصفحة: 8 عن الاصطخرى ويسند النقل لصاحبه؛ فليس بعد هذه الأدلة شبهة فى نسبة الكتاب لصاحبه. أما قول ابن حوقل انه أصلحه فمع أنه لا يطعن فى نسبة الكتاب إلا أنه يشير إلى توهين ما فيه من بيانات، والحق أن ابن حوقل ينقل عن الاصطخرى بالنص واللفظ، وهو يلجأ إلى هذه الدعوى لتبرير هذا النقل، وأبسط عرض لكتاب ابن حوقل على كتاب الاصطخرى يدل دلالة واضحة على هذه الحقيقة، أما تعويل الاصطخرى على أبى زيد البلخى فليس هذا بعيب فى الكتاب، لأن هذا العلم كان فى بدئه ويعتمد الخلف دائما على السلف كما اعتمد ابن حوقل على الاصطخرى. أما إضافة النساخ (صور الأقاليم) إلى عنوان الكتاب فهى مسألة تجارية يبتغون من وراء شهرة أبى زيد رواج منسوخاتهم لكتاب الاصطخرى، هذا فضلا عن أن هذا اصطلاح عام لا يميز كتابا عن كتاب مثله مثل اصطلاح (المسالك والممالك) لا يدل وضعه على كتاب أنه مأخوذ منه. والآن من هو الاصطخرى؟ هو أبو القاسم إبراهيم بن محمد الفارسى، المشهور بالفارسى فى أيامه، وبالاصطخرى فيما بعد نسبة إلى بلده، وهو رجل- فيما يبدو- لم يكن ذا نباهة فى عصره، لذلك أغفلت ذكره الكتب التى تؤرخ الرجال، ومن هنا لا ندرى سنة ولادته، وإن كانت من المؤكد فى النصف الثانى من القرن الثالث، ولا ندرى سنة وفاته وإن كنا نعلم أنها فى القرن الرابع، ذلك لأن ابن حوقل التقى به فى بغداد فى أواخر حياته أى فى سنة 325 هـ، كما يتبين ذلك من قوله أنه كان فى بغداد سنة 325 هـ (ص 245- ليدن) ؛ ودراسة كتاب الاصطخرى والأشخاص الذين يشير إليهم يدلان على أن سنة وفاته كانت حوالى منتصف القرن الرابع، ذلك لأنه يشير إلى أبى المظفر محمد بن لقمان بن نصر بن أحمد بن أسد السامانى، الذي كان- فيما يبدو- حاكم سمرقند أيام نوح بن نصر السامانى أو أيام ابنه عبد الملك (توفى سنة 350 هـ) على أحوط احتمال. والاصطخرى مؤلف ذو منهج يميزه عن غيره، أما مذهبه فى التأليف فيتبين من قوله على سبيل المثال فى إقليم الجبال: (فأما الرىّ فإنا ضممناها إلى الدليم وإن كانت قائمة بنفسها، لأن اتصالها بها اتصال واحد وليس بينهما حاجز يستحق به الانفراد عنها فمرة من الجبال ومرة من عمل خراسان) ، ومن قوله أيضا فى ما وراء النهر: (وقد كان فى التقدير أن نصور نصف خوارزم فى صورة خراسان ونصفها فى صورة ما وراء النهر غير أن الغرض فى هذا الكتاب معرفة هذه الأقاليم ومدنها، فاخترت أن تكون خوارزم مجموعة فى الصورة وجعلتها فى صورة ما وراء النهر فأبلغ بذلك غرضى من غير تكرار فى الصورتين) فأنت ترى أنه مؤلف له خطة مرسومة يسير على نهجها، يخضع لها ولا يقبل التقسيم الإدارى الذي دعت إليه ظروف غير جغرافية، تراه يجعل المنطقة وحدة ولا يجزئها إلا إذا جزّأتها الطبيعة، وهو مؤلف دقيق بالنسبة إلى عصره، وتتبين ذلك واضحا من قوله على سبيل المثال: (وأما النيل فإن ابتداء مائه لا يعلم وذلك أنه يخرج من مفازة من وراء أرض الزنج لا تسلك حتى ينتهى الجزء: النص ¦ الصفحة: 9 إلى حد الزنج) ، فهو يرفض الخرافات التى تجعل النيل ينبع من الجنة، ويتضح ذلك أيضا فى حديثه عن الديلم (وفى حماقات الأولين أن الضحاك مقيد بها) ، وفى ختام حديثه عن اليمن فى قوله: (ويحكى عن الغيلان بها من الأعجوبة ما لا أستجيز حكايته) ، فمن هذه الأمثلة تراه رجلا يبحث عن الحقيقة وفق ما يهديه إليه عقله، ويرفض الجرى وراء الخرافات قدر المناهج المتاحة لعصره، وهو بعد ذلك أمين فى التأليف يذكر المحاسن والمساوئ وإن كانت فى قومه الفرس، قال فى فصله عن فارس: (وقد انتحل قوم من الفرس ديانات خرجوا بها من المذاهب فدعوا إليها وانتصبوا لها، لولا إهمال أمرهم ضرب من العصبية وباب من التحامل فنذكر المحاسن ولا نذكر غيرها) . والقارئ لكتاب الاصطخرى يلاحظ فى وضوح أن منهجه فى التأليف يقوم على أسس ثلاثة، أولاد المشاهدة والوصف وفق الرؤية، وتجد ذلك واضحا فى حديثه عن إقليم ما وراء النهر وديار ثمود وغيرهما، وثانيا تحرى الدقة جهد الطاقة مخالفا غيره تارة ومتفقا تارة أخرى، وثالثا سماع الأخبار والاقتصاد فى روايتها، ولقد بيّن ذلك فى مقدمة كتابه قائلا: (فقد يوجد فى الأخبار ولا يتعذر على من أراد تقصّى شىء من ذلك من أهل كل بلد، ولذلك تجوّزنا فى ذكر المسافات والمدن وسائر ما نذكره) ، وليس معنى هذا أنه استغنى عن النقل، وإنما معناه أنه تحرى الاقتصاد فى الرواية، وأثبت ما هو ضرورى ومكمل لكتابه، مما رآه متفقا ومنهجه فى الصحة والمنطق والتصوير. ولا يخفى على الباحث أن الرجل أنفق السنين الأخيرة من حياته مؤلفا لهذا الكتاب، وأنت ترى ذلك واضحا بين ثنايا كتابه، تراه فى بلاد العرب فى أوائل القرن الرابع، كما يتبين ذلك من قوله: (وليس بمكة ماء جار إلا شيء بلغنى بعد خروجى عنها أنه أجرى إليها من عين كان عمل فيها بعض الولاة فاستتم فى أيام المقتدر أمير المؤمنين) ، وهذا يشير- وفقا لمهجه- أنه بدأ فى تأليف كتابه فى أوائل القرن الرابع الهجرى، وأنه ظل يضيف إليه نتيجة مرحلته فى الأقطار الإسلامية حتى حوالى منتصف القرن الرابع، كما يدل على ذلك قوله: (فوقعت فتنة بسمرقند فى أيام مقامى بها وأحرق الباب وذهبت الكتابة وأعاد ذلك الباب أبو المظفر محمد بن لقمان بن نصر ابن أحمد بن أسد كما كان من حديد من غير تلك الكتابة.) ، ومن هذا ندرك أن الرجل لم يأخذ فى تأليف الكتاب إلا بعد نضجه واختزان كثير من التجارب وغربلة ما سمع من أخبار، وأنه ثمرة جهد وعلم كلفاه نصف قرن تقريبا. ومع ذلك فلا عجب أن يكون لكتاب الاصطخرى أهمية تدعو إلى الاحتفال به، أهمية تدفع النساخ أن يقوموا بنسخه وتوزيعه، ولكن عدم شهرة الرجل فى زمانه كانت عاملا يعوق رواجه، ومن ثمّ ظل محدود الجزء: النص ¦ الصفحة: 10 الشهرة، لا يحتفل به إلا العارفون لفضله مثل ياقوت الحموى، الذي ينقل عنه فى كتابه معجم البلدان. وكتاب الاصطخرى نشر أول ما نشر- فى عصرنا الحديث- مختصرا فى نسخة بالزنكوغراف، عن نسخة مخطوطة سنة 690 هـ، نقلها الدكتور مولر (Dr.J.H.Moeller) فى سنة 1839 م، ووضع لها مقدمة باللاتينية، ثم نشره دى جويه المستشرق المشهور من خمس مخطوطات رمز لها.A.B.C.D.E وذلك سنة 1870 م، وظل الكتاب رغم مرور هذا الزمن الطويل ورغم ما فيه من زلات لا يفكر أحد فى إعادة طبعه، ظل الأمر كذلك حتى نشطت لهذا الأمر إدارة الثقافة العامة. وهذه النسخة التى أقدمها هى ثمرة المراجعة على مخطوطة محفوظة بدار الكتب المصرية برقم 199 جغرافيا، وعلى مصورتين لمخطوطتين محفوظتين بدار الكتب المصرية، إحداهما برقم 256 جغرافيا والأخرى نسخت سنة 878 هـ برقم 257 جغرافيا، ولقد رمزت للأولى بحرف (ا) وللثانية بحرف (ب) وللثالثة بحرف (ج) ، كما رمزت لنسخة دى جويه المنشورة بحرف (م) للتمييز بين المخطوط وبين المطبوع. والمخطوط اقد كانت فى حوزة المرحوم على باشا مبارك، وأهديت لدار الكتب المصرية، وهى مكتوبة على ورق ثقيل من القطع الكبير وبخط نسخ، وعلى كل صفحتين متقابلتين مكتوب (وقف الأتابك) وهى ناقصة مع الأسف الشديد، ونبهت على هذا النقص فى موضعه، كما أن بها تمزيقا وخروقا وترقيعا، وناسخها غير معروف وتاريخ نسخها غير معروف أيضا، ولكنها ليست أحدث من المخطوطة ج بأية حال من الأحوال لتشابه الخط، ويمتاز ناسخها بخصلة فريدة هى أنه كثيرا ما يجعل للباء أو التاء التى فى أول الكلمة رأسا مستغنيا بها عن النقط، كما أنه يمتاز بوضع فواصل بعد كل جزء من الحديث كامل، وهذه المخطوطة- بعد ذلك- قريبة الشبه بمخطوطة دى جويه المرموز لها بحرف، C أما المصورتان ب، ج فتشبهان A.B. من مخطوطات دى جويه، والملاحظ أن إحدى هاتين المخطوطتين منقولة عن الأخرى، أو على الأقل كلتاهما مأخوذتان عن نسخة واحدة. والنظرة الفاحصة للمخطوطات جميعا يستدل منها على أنها ترجع إلى أصول ثلاثة، فالمخطوطة ا C ترجعان إلى أصل واحد رغم ما بينهما من اختلاف، والمخطوطات ب ج A B ترجع إلى أصل واحد، أما D فهى ترجع إلى أصل، وهذا الاختلاف هو ثمرة الرغبة فى إرضاء القارئ، ولقد حاولت جهدى أن أصل إلى نص الاصطخرى مستعينا بالمخطوطات على ضوء كتاب ابن حوقل، لأنه كما ذكرنا يكاد يكون صورة أخرى لكتاب الاصطخرى. أما بعد فهذا كتاب الاصطخرى فى صورته الجديدة، أرجو أن أكون قد أديت واجبى نحوه، فإن جاء محققا للغرض من إعادة نشره شكرت ربى على التوفيق وإلهام الصواب، وإن كانت الأخرى فالخير ابتغيت، والله يهدى من يشاء القاهرة فى فبراير سنة 1958 دكتور محمد جابر الحسينى الجزء: النص ¦ الصفحة: 11 [الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على سيدنا محمد النبي وعلى آل محمد وسلّم، ونسأل الله التوفيق وخاتمة السعادة] الجزء: النص ¦ الصفحة: 13 أول الكتاب الحمد لله مبدى النعم وولى الحمد، وصلى الله على محمد وعلى آل محمد، أما بعد فإنى ذكرت فى كتابى هذا أقاليم الأرض على الممالك، وقصدت منها بلاد الإسلام بتفصيل مدنها، وتقسيم ما يعود بالأعمال المجموعة إليها، ولم أقصد الأقاليم السبعة التى عليها قسمة الأرض، بل جعلت كل قطعة أفردتها مفردة مصوّرة، تحكى موضع ذلك الإقليم، ثم ذكرت ما يحيط به من الأماكن، وما فى أضعافه من المدن والبقاع المشهورة والبحار والأنهار، وما يحتاج إلى معرفته من جوامع ما يشتمل عليه ذلك الإقليم، من غير أن استقصيت ذلك كراهة الإطالة، التى تؤدى إلى ملال من قرأه، ولأن الغرض فى كتابى هذا تصوير هذه الأقاليم، التى لم يذكرها أحد علمته؛ أما ذكر مدنها وجبالها وأنهارها وبحارها والمسافات وسائر ما أنا ذاكره فقد يوجد فى الأخبار، ولا يتعذر على من أراد تقصّى شىء من ذلك من أهل كل بلد، فلذلك تجوّزنا فى ذكر المسافات والمدن وسائر ما نذكره، فاتخذت لجميع الأرض التى يشتمل عليها البحر المحيط الذي لا يسلك صورة، إذا نظر إليها ناظر علم مكان كل إقليم مما ذكرناه، واتصال بعضه ببعض، ومقدار كل إقليم من الأرض، حتى إذا رأى كل إقليم من ذلك مفصّلا علم موقعه من هذه الصورة، ولم تتسع هذه الصورة التى جمعت سائر الأقاليم لما يستحقه كل إقليم فى صورته، من مقدار الطول والعرض والاستدارة والتربيع والتثليث، وسائر ما يكون عليه أشكال تلك الصورة، فاكتفيت ببيان موقع كل إقليم ليعرف مكانه، ثم أفردت لكل إقليم من بلاد الإسلام صورة على حدة، بيّنت فيها شكل ذلك الإقليم وما يقع فيه من المدن، وسائر ما يحتاج إليه علمه، مما آتى على ذكره فى موضعه إن شاء الله تعالى. ففصّلت بلاد الإسلام عشرين إقليما، وابتدأت ب ديار العرب فجعلتها إقليما، لأن فيها الكعبة ومكة أمّ القرى وهى واسطة هذه الأقاليم، ثم أتبعت ديار العرب ببحر فارس لأنه يكتنف أكثر ديار العرب، ثم ذكرت المغرب حتى انتهيت إلى مصر فذكرتها، ثم ذكرت الشام ثم بحر الروم ثم الجزيرة ثم العراق ثم خوزستان ثم فارس ثم كرمان ثم المنصورة وما يتصل بها من بلاد السند والهند والإسلام، ثم أذربيجان وما يتصل بها، ثم كور الجبال ثم الديلم ثم بحر الخزر ثم المفازة التى بين فارس وخراسان ثم سجستان وما يتصل بها ثم خراسان ثم ما وراء النهر. فهذه صورة الأرض عامرها والخراب منها وهى مقسومة على الممالك. وعماد ممالك الأرض أربعة، فأعمرها وأكثرها خيرا وأحسنها استقامة فى السياسة وتقويم العمارات فيها مملكة إيرانشهر، وقصبتها إقليم بابل وهى مملكة فارس، وكان حدّ هذه المملكة فى أيام العجم معلوما، فلما جاء الإسلام أخذ من كل مملكة بنصيب، الجزء: النص ¦ الصفحة: 15 فأخذ من مملكة الروم الشام ومصر والمغرب والأندلس، وأخذ من مملكة الهند ما اتصل بأرض المنصورة والملتان إلى كابل وطرف أعلى طخارستان، وأخذ من مملكة الصين ما وراء النهر، وانضاف إليه هذه الممالك العظيمة، فمملكة الروم تدخل فيها حدود الصقالبة ومن جاورهم من الروس والسّرير واللّان والأرمن ومن دان بالنصرانية، ومملكة الصين تدخل فيها سائر بلدان الأتراك وبعض التبّت ومن دان بدين أهل الأوثان منهم، ومملكة الهند تدخل فيها السند وقشمير وطرف من التبّت ومن دان بدينهم، ولم نذكر بلد السودان فى المغرب والبجة والزنج ومن فى أعراضهم من الأمم، لأن انتظام الممالك بالديانات والآداب والحكم وتقويم العمارات بالسياسة المستقيمة، وهؤلاء مهملون لهذه الخصال، ولا حظّ لهم فى شىء من ذلك فيستحقون به إفراد ممالكهم بما ذكرنا به سائر الممالك، غير أن بعض السودان المقاربين لهذه الممالك المعروفة يرجعون إلى ديانة ورياضة وحكم، ويقاربون أهل هذه الممالك مثل النوبة والحبشة، فإنّهم نصارى يرتسمون بمذاهب الروم، وقد كانوا قبل الإسلام يتصلون بمملكة الروم على المجاورة، لأن أرض النوبة متاخمة لأرض مصر والحبشة على بحر القلزم، وبينها وبين أرض مصر مفازة فيها معدن الذهب، ويتصلون بمصر والشام من طريق بحر القلزم، فهذه الممالك المعروفة، وقد زادت مملكة الإسلام بما اجتمع إليها من أطراف هذه الممالك. وقسمة الأرض على الجنوب والشمال: فإذا أخذت من المشرق من الخليج الذي يأخذ من البحر المحيط بأرض الصين، إلى الخليج الذي يأخذ من هذا البحر المحيط من أرض المغرب بأرض الأندلس، فقد قسمت الأرض قسمين، وخط هذه القسمة يأخذ من بحر الصين حتى يقطع بلد الهند ووسط مملكة الإسلام، حتى يمتد إلى أرض مصر إلى المغرب، فما كان فى حدّ الشمال من هذين القسمين فأهله بيض، وكلما تباعدوا فى الشمال ازدادوا بياضا، وهى أقاليم باردة، وما كان مما يلى الجنوب من هذين القسمين فإنّ أهله سود، وكلما تباعدوا فى الجنوب ازدادوا سوادا، وأعدل هذه الأماكن ما كان فى الخط المستقيم وما قاربه، وسنذكر كل أقليم من ذلك بما يعرف قربه ومكانه من الإقليم الذي يصاقبه. فأما مملكة الإسلام فإنّ شرقيها أرض الهند وبحر فارس، وغربيّها مملكة الروم وما يتصل بها من الأرمن واللّان والرّان والسرير والخزر والروس وبلغار والصقالبة وطائفة من الترك، وشماليّها مملكة الصين وما اتصل بها من بلاد الأتراك، وجنوبيّها بحر فارس؛ وأما مملكة الروم فإن شرقيّها بلاد الإسلام، وغربيّها وجنوبيّها البحر المحيط، وشماليّها حدود عمل الصين، لأنّا ضممنا ما بين الأتراك وبلد الروم من الصقالبة وسائر الأمم إلى بلد الروم، وأما مملكة الصين فإنّ شرقيّها وشماليها البحر المحيط، وأما جنوبيّها فمملكة الإسلام والهند، وأما غربيّها فهو البحر المحيط، إن جعلنا يأجوج ومأجوج وما وراءهم إلى البحر من هذه المملكة، وأما أرض الهند فإن شرقيها بحر فارس، وغربيّها وجنوبيّها بلاد الإسلام، وشماليّها مملكة الصين، فهذه حدود هذه الممالك التى ذكرناها. وأما البحار فإنّ أعظمها بحر فارس وبحر الروم، وهما خليجان الجزء: النص ¦ الصفحة: 16 متقابلان يأخذان من البحر المحيط، وأعظمها طولا وعرضا بحر فارس، والذي ينتهى إليه بحر فارس من الأرض من حدّ الصين إلى القلزم، فإذا قطعت من القلزم إلى الصين على خط مستقيم كان مقداره مائتى مرحلة، وذلك أنّك إذا قطعت من القلزم إلى أرض العراق فى البرّية كان نحوا من شهر، ومن العراق إلى نهر بلخ نحوا من شهرين، ومن نهر بلخ إلى آخر الإسلام فى حدّ فرغانة نيفا وعشرين مرحلة، ومن هناك إلى أن تقطع أرض الخزلجيّة كلها فتدخل فى عمل التّغزغز نيف وثلاثون مرحلة، ومن هذا المكان إلى البحر من آخر عمل الصين نحو من شهرين؛ فأما من أراد قطع هذه المسافة من القلزم إلى الصين فى البحر طالت المسافة عليه، لكثرة المعاطف والتواء الطرق فى هذا البحر، وأما بحر الروم فإنّه يأخذ من البحر المحيط فى الخليج الذي بين المغرب وأرض الأندلس، حتى ينتهى إلى الثغور الشامية، ومقداره فى المسافة نحو من سبعة أشهر، وهو أحسن استقامة واستواء من بحر فارس، وذلك أنّك إذا أخذت من فم هذا الخليج أدّتك ريح واحدة إلى آخر هذا البحر، وبين بحر القلزم- الذي هو لسان بحر فارس- وبين بحر الروم على سمت الفرما أربع مراحل، غير أن بحر الروم يجاوز الفرما إلى الثغور بنيف وعشرين مرحلة، وقد فصّلنا فى مسافات المغرب ما يغنى عن إعادته، فمن مصر إلى أقصى المغرب نحو من مائة وثمانين مرحلة، فكان ما بين أقصى الأرض من المغرب إلى أقصاها من المشرق نحوا من أربعمائة مرحلة؛ وأما عرضها من أقصاها فى حدّ الشمال إلى أقصاها فى حدّ الجنوب فإنّك تأخذ من ساحل البحر المحيط حتى تنتهى إلى أرض يأجوج ومأجوج، ثم تمرّ على ظهر الصقالبة، وتقطع أرض بلغار الداخلة والصقالبة، وتمضى فى بلاد الروم إلى الشام حتى تخرج من الشام وأرض مصر والنوبة، ثم تمتدّ فى برّية بين بلاد السودان وبلاد الزنج حتى تنتهى إلى البحر المحيط، وهذا خط ما بين جنوبىّ الأرض وشماليّها؛ فأما الذي أعلمه من مسافة هذا الخط فإنّ من ناحية يأجوج إلى ناحية بلغار وأرض الصقالبة نحوا من أربعين مرحلة، ومن أرض الصقالبة فى بلد الروم إلى الشام نحوا من ستين مرحلة، ومن أرض الشام إلى أرض مصر نحوا من ثلاثين مرحلة، ومنها إلى أقصى النوبة نحوا من ثمانين مرحلة حتى تنتهى إلى هذه البرّية، فذلك مائتان وعشر مراحل كلها عامرة؛ وأما ما بين يأجوج ومأجوج والبحر المحيط فى الشمال، وما بين برارىّ السودان والبحر المحيط فى الجنوب فقفر خراب، ما بلغنا أنّ فيه عمارة، ولا أدرى مسافة هاتين البرّيتين إلى شط البحر المحيط كم هى، وذلك أن سلوكهما غير ممكن لفرط البرد الذي يمنع من العمارة والحياة فى الشمال، وفرط الحرّ المانع من الحياة والعمارة فى الجنوب؛ وأما ما بين الصين والمغرب فمعمور كلّه، والأرض كلها مستديرة والبحر المحيط محتفّ بها كالطوق، ويأخذ بحر الروم وبحر فارس من هذا البحر؛ فأما بحر الخزر فليس يأخذ من هذا الخليج وإنما هو بحر لو أخذ السائر على ساحله من الخزر على أرض الدّيلم وطبرستان وجرجان والمفازة على سياه كوه لرجع إلى مكانه الذي سار منه، من غير أن يمنعه مانع إلا نهر يقع فيه، وأما بحيرة خوارزم فكذلك. وفى أعراض بلاد الزنج ومن وراء أرض (3) المسالك والممالك الجزء: النص ¦ الصفحة: 17 الروم خلجان وبحار، لم نذكرها لقصورها عن هذه البحار وكثرتها، ويأخذ من البحر المحيط خليج حتى ينتهى فى ظهر بلد الصقالبة، ويقطع أرض الروم على القسطنطينية حتى يقع فى بحر الروم، وأرض الروم حدّها من البحر المحيط على بلاد الجلالقة وافرنجة ورومية وأثيناس إلى القسطنطينية، ثم إلى أرض الصقالبة، ويشبه أن يكون نحوا من مائتين وسبعين مرحلة، وذاك أن من حدّ الثغور فى الشمال إلى أرض الصقالبة نحوا من شهرين. وقد بيّنا أن من الثغور إلى أقصى المغرب مائتين وعشر مراحل، والروم المحض من حد رومية إلى حدّ الصقالبة، فأما ما ضممنا إلى بلد الروم من الافرنجة والجلالقة وغيرهم فإن لسانهم مختلف، غير أن الدين والملك «1» واحد، كما أن فى مملكة الإسلام ألسنة مختلفة والملك واحد؛ وأما مملكة الصين فإنّها نحو من أربعة أشهر فى ثلاثة أشهر، فإذا أخذت من فم الخليج حتى تنتهى إلى دار الإسلام مما وراء النهر فهو نحو من ثلاثة أشهر، وإذا أخذت من حدّ المشرق حتى تقطع إلى حدّ المغرب فى أرض التبت، وتمرّ فى أرض التغزغز وخرخيز وعلى ظهر كيماك إلى البحر فهو نحو من أربعة أشهر. ولمملكة الصين ألسنة مختلفة، فأمّا الأتراك كلها من التغزغز وخرخيز وكيماك والغزيّة والخزلجيّة فألسنتهم واحدة، يفهم بعضهم عن بعض، فأما أرض الصين والتبّت فلهم لسان مخالف لهذه الألسنة، والمملكة كلها منسوبة إلى صاحب الصين المقيم بخمدان، كما أن مملكة الروم منسوبة إلى الملك المقيم بالقسطنطينية، ومملكة الإسلام منسوبة إلى أمير المؤمنين ببغداد، ومملكة الهند منسوبة إلى الملك المقيم بقنّوج. وديار الأتراك متميزة، فأمّا الغزيّة فإنّ حدود ديارهم ما بين الخزر وكيماك وأرض الخزلجية وبلغار، وحدود دار الإسلام ما بين جرجان إلى فاراب وأسبيجاب، وأما ديار الكيماكيّة فإنهم من وراء الخزلجية من ناحية الشمال، وهم فيما بين الغزية وخرخيز وظهر الصقالبة، ويأجوج هم فى ناحية الشمال، إذا قطعت ما بين الصقالبة والكيماكية، والله أعلم بمكانهم وسائر بلادهم؛ وأما خرخيز فإنّهم ما بين التغزغز وكيماك والبحر المحيط وأرض الخزلجية؛ وأما التغزغز فإنهم ما بين التبّت وأرض الخزلجية وخرخيز ومملكة الصين؛ وأما الصين فإنّهم ما بين البحر والتغزغز والتبّت، والصين نفسه هو هذا الإقليم، وإنما نسبنا سائر بلاد الأتراك إليها في المملكة، كما نسبنا سائر مملكة الروم إلى أرض رومية والقسطنطينية، وكما نسبنا سائر ممالك الإسلام إلى إيرانشهر- وهو أرض بابل. وأرض الصقالبة عريضة طويلة نحو من شهرين فى مثلها، وبلغار الخارجة هى مدينة صغيرة ليس فيها أعمال كثيرة، واشتهارها لأنها فرضة لهذه الممالك، والروس قوم بناحية بلغار فيما بينها وبين الصقالبة، وقد انقطعت طائفة من الأتراك عن بلادهم، فصاروا فيما بين الخزر والروم يقال لهم البجناكيّة، وليس موضعهم بدار لهم على قديم الأيام، وإنما انتابوها فغلبوا عليها؛ وأما الخزر فإنّه اسم لهذا الجنس من الناس، وأما البلد فإنه مصر يسمى إتل، وإنما سمى باسم النهر الذي يجرى عليه الجزء: النص ¦ الصفحة: 18 إلى بحر الخزر، وليس لهذا المصر كثير رساتيق ولا سعة ملك، وهو بلد بين بحر الخزر والسرير والروس والغزيّة؛ وأما التبّت فإنها بين أرض الصين والهند وأرض الخزلجيّة والتغزغز وبحر فارس وبعضها فى مملكة الهند، وبعضها فى مملكة الصين، ولهم ملك قائم بنفسه، يقال إن أصله من التبابعة والله أعلم. وأما جنوبى الأرض من بلاد السودان فإن بلد السودان الذي فى أقصى المغرب على البحر المحيط بلد مكنّف، ليس بينه وبين شىء من الممالك اتصال، غير أن حدا له ينتهى إلى البحر المحيط، وحدا له إلى برّية بينه وبين أرض المغرب، وحدا له إلى برية بينه وبين أرض مصر على ظهر الواحات، وحدا له ينتهى إلى أن البرّية التى قلنا إنّه لا يثبت فيها عمارة لشدة الحر؛ وبلغنى أن طول أرضهم نحو من سبعمائة فرسخ فى نحوها، غير أنها من البحر إلى ظهر الواحات أطول من عرضها؛ وأما أرض النوبة فإنّ حدا لها ينتهى إلى أرض مصر، وحدا لها إلى هذه البريّة التى بين أرض السودان ومصر، وحدا لها إلى أرض البجة، وبرارى بينها وبين القلزم، وحدا لها إلى هذه البريّة التى لا تسلك؛ وأما أرض البجة فإن ديارهم صغيرة، وهى ما بين الحبشة والنوبة، وهذه البرية التى لا تسلك؛ وأما الحبشة فإنها على بحر القلزم، وهو بحر فارس، فينتهى حدّ لها إلى بلاد الزنج، وحدّ لها إلى البرية التى بين النوبة وبحر القلزم، وحدّ لها إلى البجة والبرية التى لا تسلك؛ وأما أرض الزنج فإنّها أطول من أرض السودان، ولا تتصل بمملكة غير الحبشة، وهى بحذاء اليمن وفارس وكرمان إلى أن تحاذى أرض الهند؛ وأما أرض الهند فإنّ طولها من عمل مكران فى أرض المنصورة والبدهة وسائر بلد السند إلى أن تنتهى إلى قنّوج، ثم تجوزه إلى أرض التبّت نحو من أربعة أشهر، وعرضها من بحر فارس على أرض قنوج نحو ثلاثة أشهر؛ وأما مملكة الإسلام فإنّ طولها من حدّ فرغانة حتى تقطع خراسان والجبال والعراق وديار العرب إلى سواحل اليمن نحو من خمسة أشهر، وعرضها من بلد الروم حتى تقطع الشام والجزيرة والعراق وفارس وكرمان إلى أرض المنصورة على شط بحر فارس نحو من أربعة أشهر، وإنما تركنا أن نذكر فى طول الإسلام حدّ المغرب إلى الأندلس، لأنها مثل الكم فى الثوب، وليس فى شرقى المغرب ولا فى غربيها إسلام، لأنّك إذا جاوزت مصر فى أرض المغرب كان جنوبىّ المغرب بلاد السودان، وشمالىّ المغرب بحر الروم ثم أرض الروم، ولو صلح أن يجعل طول الإسلام من فرغانة إلى أرض الأندلس لكان مسيرة ثلاثمائة وعشر مراحل لأن من أقصى فرغانة إلى وادى بلخ نيّفا وعشرين مرحلة، ومن وادى بلخ إلى العراق نحوا من ستين مرحلة، ومن العراق إلى مصر نحوا من خمسين مرحلة، وقد بيّنا فى مسافات المغرب أن من مصر إلى أقصاه مائة وثمانين مرحلة، وقصدت فى كتابى هذا تفصيل بلاد الإسلام إقليما إقليما حتى يعرف موقع كل إقليم من مكانه، وما يجاوره من سائر الأقاليم، ولم تتسع هذه الصورة التى جمعت سائر الأقاليم لما يستحقه كل إقليم فى صورته، من مقدار الطول والعرض والاستدارة والتربيع والتثليث وما يكون عليه أشكالها، غير أنّا بيّنا لكل إقليم مكانا يعرف به موضعه، وما يجاوره من سائر الأقاليم، ثم أفردنا لكل إقليم منها صورة على حدة، فبيّنا فيها شكل ذلك الإقليم، وما يقع فيه من المدن، وسائر ما يحتاج إلى علمه، مما نأتى على ذكره فى موضعه إن شاء الله. الجزء: النص ¦ الصفحة: 19 ديار العرب وابتدأت بديار العرب لأن القبلة بها ومكة فيها وهى أم القرى، وبلد العرب وأوطانهم التى لم يشركهم فى سكناها غيرهم، والذي يحيط بها بحر فارس من عبّادان، وهو مصب ماء دجلة فى البحر، فيمتد على البحرين حتى ينتهى إلى عمان، ثم يعطف على سواحل مهرة وحضرموت وعدن، حتى ينتهى على سواحل اليمن إلى جدّة ثم يمتد على الجار ومدين حتى ينتهى إلى أيلة، وثمّ قد انتهى حينئذ حدّ ديار العرب من هذا البحر، وهذا للكان من البحر لسان يعرف ببحر القلزم، ينتهى إلى تاران وجبيلات «1» إلى القلزم فينقطع، فهذا هو شرقى ديار العرب وجنوبيّها وشىء من غربيها، ثم يمتد عليها من أيلة إلى مدينة قوم لوط والبحيرة الميّتة التى تعرف ببحيرة زغر، إلى الشراة والبلقاء وهى من عمل فلسطين، وأذرعات وحوران والبثنيّة والغوطة ونواحى بعلبك وذلك من عمل دمشق وتدمر وسلمية وهما من عمل حمص، ثم الخناصرة وبالس وهما من عمل قنّسرين، وقد انتهينا إلى الفرات، ثم يمتد الفرات على ديار العرب حتى ينتهى إلى الرّقة وقرقيسيا والرّحبة والدّالية وعانة والحديثة وهيت والأنبار إلى الكوفة ومستفرغ مياه الفرات إلى البطائح، ثم تمتد ديار العرب على نواحى الكوفة والحيرة على الخورنق وعلى سواد الكوفة إلى حد واسط، فتصاقب ما قارب دجلة عند واسط مقدار مرحلة، ثم تمتد على سواد البصرة وبطائحها حتى تنتهى إلى عبّادان، فهذا الذي يحيط بديار العرب، فما كان من عبّادان إلى أيلة فإنه بحر فارس «2» ، ويشتمل على نحو ثلاثة أرباع ديار العرب، وهو الحد الشرقى والجنوبى وبعض الغربى، وما بقى من الحد الغربى من أيلة إلى بالس فمن الشام، وما كان من بالس إلى عبّادان فهو الحد الشمالى، فمن بالس إلى أن تجاوز الأنبار من حدّ الجزيرة، ومن الأنبار إلى عبّادان من حد العراق، ويتصل بأرض العرب بناحية أيلة برّية تعرف بتيه بنى اسرائيل، وهى بريّة وإن كانت متصلة بديار العرب فليست من ديارهم، وإنما هى برية بين أرض العمالقة واليونانيّة وأرض القبط، وليس للعرب بها ماء ولا مرعى، فلذلك لم ندخلها فى ديارهم، وقد سكن طوائف من العرب من ربيعة ومضر الجزيرة حتى صارت لهم ديارا ومراعى، فلم نذكر الجزيرة فى ديار العرب، لأن نزولهم بها- وهى ديار فارس والروم- فى اضعاف قرى معمورة ومدن لها أعمال عريضة، فنزلوا على حكم «3» فارس والروم، حتى إن بعضهم تنصّر ودان بدين الروم مثل تغلب من ربيعة بأرض الجزيرة، وغسّان وبهراء وتنوخ من اليمن بأرض الشام. الجزء: النص ¦ الصفحة: 20 وديار العرب هى الحجاز، الذي يشتمل على مكة والمدينة واليمامة ومخاليفها ونجد الحجاز، المتصل بأرض البحرين وبادية العراق وبادية الجزيرة وبادية الشام، واليمن المشتملة على تهامة، ونجد اليمن وعمان ومهرة وحضرموت وبلاد صنعاء وعدن وسائر مخاليف اليمن، فما كان من حدّ السّرّين حتى ينتهى إلى ناحية يلملم، ثم على ظهر الطائف ممتدا على نجد اليمن إلى بحر فارس مشرقا فمن اليمن، ويكون ذلك نحو الثلثين من ديار العرب، وما كان من حد السّرين على بحر فارس إلى قرب مدين، راجعا فى حدّ المشرق على الحجر إلى جبلى طيّي، ممتدا على ظهر اليمامة إلى بحر فارس فمن الحجاز، وما كان من حدّ اليمامة إلى قرب المدينة، راجعا على بادية البصرة حتى يمتد على البحرين إلى البحر فمن نجد، وما كان من حدّ عبّادان إلى الأنبار مواجها لنجد والحجاز، على أسد وطيىء وتميم وسائر قبائل مضر فمن بادية العراق، وما كان من حدّ الأنبار إلى بالس مواجها لبادية الشام على أرض تيماء وبريّة خساف إلى قرب وادى القرى والحجر فمن بادية الجزيرة، وما كان من بالس إلى أيلة مواجها للحجاز على بحر فارس إلى ناحية مدين، معارضا لأرض تبوك حتى يتصل بديار طيّئ فمن بادية الشام، على أن من العلماء بتقسيم هذه الديار من زعم أن المدينة من نجد لقربها منها، وأن مكة من تهامة اليمن لقربها منها، وأنا بمشيئة الله وعونه سأذكر ما انتهى إليه علمى، من مدنها وما تشتمل عليه المدن مما يحتاج إلى علمه، والمشاهير من ديار العرب بها وجبالها ورمالها، وجوامع من المسافات المسلوكة بها، ولا نعلم بأرض العرب نهرا ولا بحرا يحمل سفينة، لأن البحيرة الميّتة التى تعرف بزغر- وإن كانت مصاقبة للبادية فليست منها، ومجمع الماء الذي بأرض اليمن فى ديار سبأ، إنما كان موضع مسيل ماء بنى فى وجهه سدّ، فكان يجتمع فيه مياه كثيرة يستعملونها فى القرى والمزارع، حتى كفروا بعد أن كان الله جعل لهم عمارات- قرى متصلة إلى الشام فسلّط الله عزّ وجلّ على ذلك الماء آفة فكان لا يمسك ماء، وهو قوله تعالى: (وَجَعَلْنا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بارَكْنا فِيها) «1» إلى قوله: (وَمَزَّقْناهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ) «2» فبطل ذلك الماء إلى يومنا هذا، وأما الجداول والعيون والسوانى والآبار فإنها كثيرة. ونبتدئ من مدن ديار العرب بمكة شرفها الله، وهى مدينة فيما بين شعاب الجبال، وطول مكة من المعلاة إلى المسفلة نحو ميلين، وهو من حدّ الجنوب إلى الشمال، ومن أسفل جياد إلى ظهر قعيقعان نحو الثلثين من هذا، وأبنيتها حجارة، والمسجد فى نحو الوسط منها، والكعبة فى وسط المسجد، وباب الكعبة مرتفع عن الأرض نحو قامة وهو مصراع واحد، وأرض البيت مرتفعة عن الأرض مع الباب، والباب بحذاء قبّة زمزم، والمقام بقرب زمزم على خط محاذ للباب، وبين يدى الكعبة مما يلى المغرب حائط مبنى مدوّر، وهو من البيت إلّا أنه لم يدخل فيه، وهو الحجر، والطواف يحيط به وبالبيت، وينتهى إلى هذا الحجر من البيت ركنان، أحدهما يعرف بالركن العراقى الجزء: النص ¦ الصفحة: 21 والآخر بالركن الشامى، والركنان الآخران أحدهما عند الباب، والحجر الأسود فيه على أقل من قامة، والركن الآخر يعرف باليمانى، وسقاية الحاج- التى تعرف بسقاية العباس- على ظهر زمزم، وزمزم فيما بينها وبين البيت، ودار الندوة من المسجد الحرام فى غربيّة، وهى خلف دار الإمارة مشرعة إلى المسجد، وهو مسجد قد جمع إلى المسجد الحرام وكان فى الجاهلية مجتمعا لقريش، والصّفا مكان مرتفع من جبل أبى قبيس، وبينها وبين المسجد الحرام عرض الوادى الذي هو طريق وسوق، ومن وقف على الصفا كان بحذاء الحجر الأسود، والمسعى ما بين الصفا والمروة، والمروة حجر من جبل قعيقعان، ومن وقف عليها كان بحذاء الركن العراقى، إلا أن الأبنية قد سترت ذلك الركن عن الرؤية، وأبو قبيس هو الجبل المشرف على الكعبة من شرقيّها، وقعيقعان هو الجبل الذي من غربى الكعبة، وأبو قبيس أعلى وأكبر منه، ويقال إن حجارة البيت من قعقعان، ومنى «1» على طريق عرفة من مكة، وبينها وبين مكة ثلاثة أميال، ومنى شعب طوله نحو ميلين وعرضه يسير، وبها أبنية كثيرة لأهل كل بلد من بلدان الإسلام، ومسجد الخيف فى أقل من الوسط مما يلى مكة، وجمرة العقبة فى آخر منى مما يلى مكة، وليست العقبة التى تنسب إليها الجمرة من منى، والجمرة الأولى والوسطى هما جميعا فوق مسجد الخيف إلى ما يلى مكة، والمزدلفة مبيت للحاجّ ومجمع للصلاة إذا صدروا من عرفات، وهو مكان بين بطن محسّر والمأزمين، وأما بطن محسّر فهو واد بين منى والمزدلفة، وليس من منى ولا من المزدلفة، وأما المأزمان فهو شعب بين جبلين يفضى آخره إلى بطن عرنة، وهو واد بين المأزمين وبين عرفة، وليس من عرفة، وعرفة ما بين وادى عرنة إلى حائط بنى عامر إلى من أقبل على الصّخرات، التى يكون بها موقف الإمام وعلى طريق عقبة «2» ، وحائط بنى عامر «3» نخيل عند عرفة، وبقربه المسجد الذي يجمع فيه الإمام بين الصلاتين الظهر والعصر، وهو حائط نخيل وبه عين، وينسب إلى عبد الله بن عامر بن كريز، وليس عرفات من الحرم، وإنما حدّ الحرم إلى المأزمين، فإذا جزتهما إلى العلمين المضروبين فما وراء العلمين من الحلّ، وكذلك التّنعيم الذي يعرف بمسجد عائشة ليس من الحرم والحرم دونه، وحدّ الحرم نحو عشرة أميال فى مسيرة يوم، وعلى الحرم كله منار مضروب يتميّز به من غيره، وليس بمكة ماء جار، إلا شىء بلغنى بعد خروجى عنها أنه أجرى إليها، من عين كان عمل فيها بعض الولاة، فاستتم فى أيام المقتدر أمير المؤمنين، ومياهم من السماء وليست لهم آبار تشرب، وأطيبها بئر زمزم، ولا يمكن الإدمان الجزء: النص ¦ الصفحة: 22 على شربه، وليس بجميع مكة- فيما علمته- شجر مثمر إلا شجر البادية، فإذا جزت الحرم فهناك عيون وآبار وحوائط كثيرة وأودية ذات خضر ومزارع ونخيل، وأما الحرم فلم أر ولم أسمع أن به شجرا مثمرا، إلا نخيلات رأيتها بفخّ ونخيلات يسيرة متفرقة، وأما ثبير فهو جبل مشرف يرى من مني والمزدلفة، وكانت الجاهلية لا تدفع من المزدلفة إلا بعد طلوع الشمس إذا أشرقت على ثبير، وبالمزدلفة المشعر الحرام، وهو مصلى الإمام يصلى به المغرب والعشاء والصبح، والحديبية بعضها فى الحلّ وبعضها فى الحرم، وهو مكان صدّ فيه المشركون رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المسجد الحرام، وهو أبعد الحلّ إلى البيت، وليس هو فى طول الحرم ولا فى عرضه إلا أنّه فى مثل الزاوية للحرم فلذلك صار بينها وبين المسجد أكثر من يوم. وأما المدينة فهى أقل من نصف مكة، وهى فى حرّة سبخة الأرض، ولها نخيل كثيرة، ومياه نخيلهم وزروعهم من الآبار، يستقون منها العبيد، وعليها سور، والمسجد فى نحو من وسطها، وقبر النبي صلى الله عليه وسلم من المسجد فى شرقيه قريبا من القبلة، وهو الجدار الشرقى من المسجد، وهو بيت مرتفع ليس بينه وبين سقف المسجد إلا فرجة، وهو مسدود لا باب له، وفيه قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم وقبر أبى بكر وعمر رضى الله عنهما، والمنبر الذي كان يخطب عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم غشّى بمنبر آخر، والروضة أمام المنبر بينه وبين القبر، ومصلى رسول الله الذي كان يصلى فيه الأعياد فى غربى المدينة داخل الباب، وبقيع الغرقد خارج باب البقيع فى شرقى المدينة؛ وقباء خارج المدينة على نحو من ميلين إلى ما يلى القبلة، وهو مجمع بيوت للأنصار يشبه القرية؛ وأحد جبل فى شمالى المدينة، وهو أقرب الجبال إليها على مقدار فرسخين، وبقربها مزارع فيها ضياع لأهل المدينة توازى «1» العقيق فيما بينها وبين الفرع، والفرع من المدينة على أربعة أيام فى جنوبيّها، وبها مسجد جامع، غير أن أكثر هذه الضياع خراب، وكذلك حوالى المدينة ضياع كثيرة وأكثرها خراب، والعقيق واد من المدينة فى قبليها على أربعة أميال فى طريق مكة، وأعذب مياه تلك الناحية آبار العقيق. وأما اليمامة فإنّ مدينتها دون مدينة الرسول، وهى أكثر تمرا ونخلا من المدينة ومن سائر الحجاز. وأما البحرين فإنها من ناحية نجد، ومدينتها هجر وهى أكثر تمورا، إلا أنها ليست من الحجاز، وهى على شط بحر فارس، وهى ديار القرامطة، ولها قرى كثيرة وقبائل من مضر ذوو عدد قد احتفّوها، وليس بالحجاز مدينة بعد مكة والمدينة أكبر من اليمامة، ويليها فى الكبر وادى القرى، وهى ذات نخيل كثيرة وعيون، والجار فرضة المدينة وهى على ثلاث مراحل من المدينة على شط البحر، وهى أصغر من جدّة، وجدّة فرضة أهل مكة على مرحلتين منها على شط البحر، وهى عامرة كثيرة التجارات والأموال، ليس بالحجاز بعد مكة أكثر مالا وتجارة منها، وقوام تجارتها بالفرس. الجزء: النص ¦ الصفحة: 23 والطائف مدينة صغيرة نحو وادى القرى، إلا أن أكثر ثمارها الزبيب، وهى طيبة الهواء وأكثر فواكه مكة منها، وهى على ظهر جبل غزوان. وبغزوان ديار بنى سعد وسائر قبائل هذيل، وليس بالحجاز- فيما علمته- مكان هو أبرد من رأس هذا الجبل، ولذلك اعتدل هواء الطائف، وبلغنى أنه ربما جمد الماء فى ذروة هذا الجبل، وليس بالحجاز مكان يجمد فيه الماء سوى هذا الموضع فيما علمته. والحجر قرية صغيرة قليلة السكان، وهى من وادى القرى على يوم بين جبال، وبها كانت ديار ثمود، الذين قال الله فيهم: (وَثَمُودَ الَّذِينَ جابُوا الصَّخْرَ بِالْوادِ) «1» ورأيت تلك الجبال ونحتهم، الذين قال الله عنهم: (وَتَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبالِ بُيُوتاً فارِهِينَ) «2» ، ورأيتها بيوتا مثل بيوتنا فى أضعاف جبال، وتسمى تلك الجبال الأثالب، وهى جبال فى العيان متصلة، حتى إذا توسّطتها رأيت كل قطعة منها قائمة بنفسها، يطوف بكل قطعة منها الطائف، وحواليها رمل لا يكاد يرتقى إلى ذروة كل قطعة منها أحد إلا بمشقة شديدة، وبها بئر ثمود التى قال الله فى الناقة: (لَها شِرْبٌ وَلَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَعْلُومٍ) «3» . وتبوك بين الحجر وبين أول الشام على أربع مراحل نحو نصف طريق الشام، وهو حصن به عين ونخيل، وحائط ينسب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويقال إنّ أصحاب الأيكة الذين بعث إليهم شعيب كانوا بها، ولم يكن شعيب منهم، وإنما كان من مدين. ومدين على بحر القلزم محاذية لتبوك على نحو من ست مراحل، وهى أكبر من تبوك، وبها البئر التى استقى منها موسى عليه السلام لسائمة شعيب، ورأيت هذه البئر مغطاة قد بنى عليها بيت، وماء أهلها من عين تجرى لهم، ومدين اسم القبيلة التى كان منها شعيب، وإنما سميت القرية بهم، ألا ترى أنّ الله يقول: (وَإِلى مَدْيَنَ أَخاهُمْ شُعَيْباً) «4» . وأما الجحفة فإنها منزل عامر، وبينها وبين البحر نحو من ميلين، وهى فى الكبر ودوام العمارة نحو من فيد، وليس بين المدينة ومكة منزل يستقل بالعمارة والأهل جميع السنة إلا الجحفة، ولا بين المدينة والعراق مكان يستقل بالعمارة والأهل جميع السنة مثل فيد، وفيد فى ديار طيّئ، وجبلا طيئ منها على مسيرة يومين «5» ، وفيها نخيل وزرع قليل لطيئ وبها ماء قليل، يسكنها بادية من طيئ، ينتقلون عنها فى بعض السنة للمراعى، وجبلة حصن فى آخر وادى ستارة، ووادى ستارة بين بطن مرّ وعسفان عن يسار الذاهب إلى مكة، وطول هذا الوادى نحو من يومين، لا يكون الإنسان منه فى مكان من بطن هذا الوادى لا يرى فيه نخلا، وعلى ظهر هذا الوادى واد مثل هذا يعرف بساية وآخر يعرف بالسائرة، وبجبلة كانت وقعة لبنى تميم فى بكر بن وائل، وفى جرف منها قيل هلك لقيط بن زرارة أخو حاجب. الجزء: النص ¦ الصفحة: 24 خيبر حصن ذات نخيل كثيرة وزروع، وينبع حصن بها نخيل وماء وزروع، وبها وقوف لعلي بن أبى طالب عليه السلام يتولاها أولاده؛ والعيص حصن صغير بين ينبع والمروة، والعشيرة حصن صغير بين ينبع والمروة، تفضّل تمورها على سائر تمور الحجاز، إلا الصّيحانى بخيبر والبردى والعجوة بالمدينة، وبقرب ينبع جبل رضوى، وهو جبل منيف ذو شعاب وأودية، ورأيته من ينبع أخضر، وأخبرنى من طاف فى شعابه أن به مياها كثيرة وأشجارا، وهو الجبل الذي زعم طائفة يعرفون بالكيسانية، أن محمد بن الحنفية بن على بن أبى طالب حى مقيم به، ومن رضوى يحمل حجر المسنّ إلى سائر الآفاق، وبقربه فيما بينه وبين ديار جهينة وبلىّ وساحل البحر ديار للحسنيّين، حزرت بيوت الشعر التى يسكنونها نحوا من سبعمائة بيت وهم بادية مثل الأعراب، ينتقلون فى المراعى والمياه انتقال الأعراب، لا تميّز بينهم فى خلق ولا خلق، وتتصل ديارهم مما يلى المشرق بودّان؛ وودّان هذه من الجحفة على مرحلة، وبينها وبين الأبواء- التى هى على طريق الحاج فى غربيّها- ستة أميال، وبها كان فى أيام مقامى بها رئيس الجعفريين، أعنى أولاد جعفر بن أبى طالب، ولهم بالفرع والسّائرة ضياع كثيرة وعشيرة وأتباع، وبينهم وبين الحسنيّين حروب ودماء، حتى استولت طائفة من اليمن يعرفون ببنى حرب على ضياعهم، فصاروا حزبا لهم فضعفوا؛ وتيماء حصن أعمر من تبوك وهى فى شمالى تبوك، وبها نخيل وهى ممتار البادية، وبينها وبين أول الشام ثلاثة أيام، ولا أعلم فيما بين العراق واليمن والشام مكانا إلا وهو فى ديار طائفة من العرب، ينتجعونه فى مراعيهم ومياههم، إلا أن يكون بين اليمامة والبحرين وبين عمان من وراء عبد القيس برية خالية من الآبار والسكان والمراعى، قفرة لا تسلك ولا تسكن، فأما ما بين القادسية إلى الشّقوق- فى الطول وفى العرض من قرب السّماوة إلى حدّ بادية البصرة- فسكانها قبائل من بنى أسد، فإذا جزت الشقوق فأنت فى ديار طيّىء، إلى أن تجاوز معدن النّقرة فى الطول وفى العرض من وراء جبلى طيّىء محاذيا لوادى القرى، إلى أن تتّصل بحدود نجد من اليمامة والبحرين، ثم إذا جزت المعدن عن يسار المدينة فأنت فى سليم، وإذا جزته عن يمين المدينة فأنت فى جهينة، وفيما بين مكة والمدينة بكر بن وائل فى قبائل من مضر من الحسنيّين والجعفريين وقبائل من مضر، وأما نواحى مكة فإن الغالب على نواحيها مما يلى المشرق بنو هلال «1» وبنو سعد فى فبائل من هذيل، وفى غربيّها مدلج وغيرها من قبائل مضر. وأما بادية البصرة فإنها أكثر هذه البوادى أحياء وقبائل، وأكثرها تميم حتى يتصلوا بالبحرين واليمامة، ثم من ورائهم عبد القيس؛ وأما بادية الجزيرة فإن بها أحياء من ربيعة واليمن، وأكثرهم كلب اليمن، وفى قبيلة منهم يعرفون ببنى العليص خرج صاحب الشام، الذي فلّ جيوش مصر وأوقع بأهل الشام، حتى قصده المكتفى بنفسه إلى الرّقة فأخذه؛ وبادية السماوة من دومة الجندل إلى عين التمر، وبريّة خساف من بادية الجزيرة، وبريّة خساف فيما بين الرقة وبالس عن يسار الذاهب إلى الشام، وصفّين الجزء: النص ¦ الصفحة: 25 أرض من هذه البادية بقرب الفرات ما بين الرقة وبالس، وهو الموضع الذي كانت به حرب معاوية وعلىّ صلوات الله عليه، والحرب تنسب إليها، ورأيت هذا الموضع من بعد، وأخبرنى من رأى به قبر عمّار بن ياسر رضى الله عنه، وبيت المال الذي كان يجمع فيه الفىء لعلى بن أبى طالب صلوات الله عليه. وأما بادية الشام فإنها ديار لفزارة ولخم وجذام وبلىّ وقبائل مختلطة من اليمن وربيعة ومضر، وأكثرها يمن، والرمل المذكور بالحجاز هو الرمل الذي عرضه من الشقوق إلى الأجفر، وطوله من وراء جبلى طيّىء إلى أن يتّصل مشرقا بالبحر، وهو رمل أصفر ليّن اللمس، يكاد بعضه يحكى الغبار. وأما تهامة فإنّها قطعة من اليمن وهى جبال مشتبكة، أولها مشرف على بحر القلزم، مما يلى غربيّها، وشرقيّها بناحية صعدة وجرش ونجران، وشماليتها حدود مكة، وجنوبيها من صنعاء على نحو من عشر مراحل، وقد صورت جبال تهامة فى صورة ديار العرب؛ وبلاد خيوان تشتمل على قرى ومزارع ومياه معمورة بأهلها، وهى مفترشة وبها أصناف من قبائل اليمن، ونجران وجرش مدينتان متقاربتان فى الكبر بهما نخيل، ويشتملان على أحياء من اليمن كثيرة، وصعدة أكبر وأعمر منهما، وبها يتخذ ما كان يتخذ بصنعاء من الأدم، ويتّخذ بنجران وجرش والطائف أدم كثير، غير أن أكثر ذلك يرتفع من صعدة، وبها مجتمع التجار والأموال، والحسنىّ المعروف بالزيدى بها مقيم، وليس بجميع اليمن مدينة أكبر ولا أكثر أهلا ومرافق من صنعاء، وبلغنى أنها من اعتدال الهواء بحيث لا يتحوّل الإنسان عن مكان واحد شتاء وصيفا عمره، وتتقارب بها ساعات الشتاء والصيف، وبها كانت ديار ملوك اليمن فيما تقدّم، وبها بناء عظيم قد خرب، فهو تلّ عظيم يعرف بغمدان كان قصرا لملوك اليمن، وليس باليمن بناء أرفع منه. والمذيخرة جبل للجعفرى، بلغنى أن أعلاه نحو عشرين فرسخا، فيها مزارع ومياه ونباتها الورس «1» ، وهو منيع لا يسلك إلا من طريق واحد حتى تغلب عليه القرمطىّ، الذي كان خرج باليمن يعرف بمحمد بن الفضل، وشبام جبل منيع جدا فيه قرى ومزارع وسكان كثيرة، وهو مشهور من جبال اليمن. ويرتفع من اليمن العقيق والجزع، وهما حجران إذا حكّا خرج منهما الجزع والعقيق، لأن وجه الحجر كالغشاء، وبلغى أنهما يكونان فى صحارى فيها حصى فيلتقط من بين الحجارة. وعدن مدينة صغيرة، وإنما شهرتها لأنها فرضة على البحر، ينزلها السائرون فى البحر، وبها معادن اللؤلؤ. وباليمن مدن كثيرة هى أكبر منها وليست بمشهورة. وبلاد الإباضية بقرب خيوان، وهى أعمر بلاد تلك النواحى مخاليف ومزارع وأغزرها مياها، وحضرموت فى شرقى عدن بقرب البحر، وبها رمال كثيرة تعرف بالأحقاف، وحضرموت فى نفسها مدينة صغيرة ولها أعمال عريضة، وبها قبر هود النبي عليه السلام، وبقرمها بلهوت بئر عميقة لا يكاد يستطيع أحد أن ينزل الجزء: النص ¦ الصفحة: 26 إلى قعرها. وأما بلاد مهرة فإن قصبتها تسمى الشّحر، وهى بلاد قفرة ألسنتهم مستعجمة جدا، لا يكاد يوقف عليها، وليس ببلادهم نخيل ولا زرع، وإنما أموالهم الأبل، وبها نجب من الأبل تفضل فى السير على سائر النجب، واللّبان الذي يحمل إلى الآفاق من هناك؛ وديارهم مفترشة، وبلادهم بواد نائية، ويقال إنها من عمان. وعمان مستقلة بأهلها، وهى كثيرة النخيل والفواكه الجرميّة «1» من الموز والرمّان والنبق ونحو ذلك، وقصبتها صحار وهى على البحر، وبها متاجر البحر وقصد المراكب، وهى أعمر مدينة بعمان وأكثرها مالا، ولا تكاد تعرف على شاطىء بحر فارس بجميع بلاد الإسلام مدينة أكثر عمارة ومالا من صحار، وبها مدن كثيرة، وبلغنى أنّ حدود أعمالها نحو من ثلاثمائة فرسخ، وكان الغالب عليها الشراة، إلى أن وقع بينهم وبين طائفة من بنى سامة ابن لؤى- وهم من كبراء تلك النواحى- حروب، فحرج منهم رجل يعرف بمحمد بن القاسم السامى إلى المعتضد فاستنجده، فبعث معه بابن ثور ففتح عمان للمعتضد، وأقام بها الخطبة له، وانحاز الشراة إلى ناحية لهم تعرف بنزوة، وإلى يومنا هذا بها إمامهم وبقية ما لهم وجماعتهم؛ وعمان بلاد حارة جدا، وبلغنى أن بمكان منها بعيد عن البحر ربما وقع ثلج دقيق، ولم أر أحدا شاهد ذلك إلا بالإبلاغ، وبأرض سبأ من اليمن طوائف من حمير وكذلك بأرض حضرموت. وأما ديار همدان وأشعر وكندة وخولان فإنّها مفترشة فى أعراض اليمن، وفى أضعافها مخاليف وزروع، وبها بواد وقرى تشتمل على بعض تهامة وبعض نجد اليمن من شرقى تهامة، وهى قليلة الجبال مستوية البقاع؛ ونجد اليمن غير نجد الحجاز، غير أن جنوبى نجد الحجاز يتصل بشمالىّ نجد اليمن، وبين البحرين وبين عمان بريّة ممتنعة؛ وباليمن قرود كثيرة، بلغنى أنها تكثر حتى لا تطاق إلا بجمع عظيم، وإذا اجتمعت كان لها كبير تتبعه مثل اليعسوب للنحل، وبها دابة تسمى العدار، بلغنى أنها تطلب الإنسان فتقع عليه، فإن أصابت منه ذلك تدوّد جوف الإنسان فانشق، ويحكى عن الغيلان بها من الأعجوبة مالا أستجيز حكايته. وأما المسافات بديار العرب فإنّ الذي يحيط بها: من عبّادان إلى البحرين نحو من 15 مرحلة، ومن البحرين إلى عمان نحو من شهر، ومن عمان إلى أرض مهرة نحو من شهر، وإلى حضرموت من مهرة نحو من شهر، ومن أقصى حضرموت إلى عدن نحو من شهر، ومن عدن إلى جدة نحو من شهر. ومن جدة إلى ساحل الجحفة نحو من 5 مراحل، ومن ساحل الجحفة إلى الجار نحو من 3 مراحل، ومن الجار إلى أيلة نحو من 20 مرحلة، ومن أيلة إلى بالس نحو من 20 مرحلة، ومن بالس إلى الكوفة نحو من 20 مرحلة، ومن الكوفة إلى البصرة نحو من 12 مرحلة، ومن البصرة إلى عبادان نحو من مرحلتين، فهذا هو الدور الذي يحيط بها. الجزء: النص ¦ الصفحة: 27 وأما طرقها: فإن من الكوفة إلى المدينة نحو من 20 مرحلة، ومن المدينة إلى مكة نحو 10 مراحل؛ وطريق الجادة من الكوفة إلى مكة أقصر من هذا الطريق بنحو من 3 مراحل، إذا انتهى إلى معدن النقرة عدل عن المدينة، حتى يخرج إلى معدن «1» بنى سليم إلى ذات عرق حتى ينتهى إلى مكة. وأما طريق البصرة فهو إلى المدينة نحو من 18 مرحلة، ويلتقى مع طريق الكوفة بقرب معدن النّقرة، وأما طريق البحرين إلى المدينة فنحو من 15 مرحلة، وأما طريق الرّقة إلى المدينة فنحو من نحو 20 مرحلة، وكذلك من دمشق إلى المدينة نحو من 20 مرحلة، ومن فلسطين إلى المدينة نحو من 20 مرحلة، ومن مصر إلى المدينة على الساحل نحو من 20 مرحلة. ولم نفرد لمصر والمغرب طريقا لأنه يلتقى بأيلة مع طريق أهل فلسطين، فيصير الطريقان سوى، وهو أول حد البادية، وإنما يتفرق قبل دخول البادية، ولأهل مصر وفلسطين إذا جاوزوا مدين طريقان: أحدهما إلى المدينة على بدا وشغب- قرية بالبادية كان بنو مروان أقطعوها الزّهرى المحدّث وبها قبره- حتى ينتهى إلى المدينة على المروة، وطريق يمضى على ساحل البحر حتى يخرج بالجحفة، فيجتمع بها طريق أهل العراق ودمشق وفلسطين ومصر؛ وأما طريق البصرة والرّقة، فهما لا يسلكان وقد تعطّلا، وسائر الطرق مسلوكة. ومن عدن إلى مكة نحو شهر، ولها طريقان: إحداهما على ساحل البحر وهو أبعد، والآخر يأخذ على صنعاء وصعدة وجرش ونجران والطائف حتى ينتهى إلى مكة، ولهم طريق على البوادى وتهامة هو أقرب من هذين الطريقين، إلّا أنّه على أحياء اليمن ومخاليفها، تسلكه الحواس «2» منهم. وأما أهل حضرموت ومهرة فإنّهم يقطعون عرض بلادهم حتى يتصلوا بالجادّة التى بين عدن وبين مكة، والمسافة منهم إلى الاتصال بهذه الجادّة ما بين عشرين مرحلة إلى خمسين مرحلة. وأما طريق عمان فهو طريق يصعب سلوكه فى البرية، لكثرة القفار بها وقلة السكان، وإنما طريقهم فى البحر إلى جدة، فإن سلكوا على السواحل من مهرة وحضرموت إلى عدن- أو إلى طريق عدن- بعد عليهم، وقلّ ما يسلكونه، وكذلك ما بين عمان والبحرين فطريق شاق، يصعب سلوكه لتمانع العرب فيما بينهم بها، وأما ما بين البحرين وعبّادان فغير مسلوك وهو قفر، والطريق فيها على البحر، ومن البصرة إلى البحرين نحو من 18 مرحلة فى قبائل العرب ومياههم مسلوك عامر «3» ، غير أنه مخوف. فهذه جوامع المسافات التى يحتاج إلى علمها، فأما ما بين ديار العرب لقبائلها من المسافات فقلّ ما تقع الحاجة لغير أهل البادية إلى معرفتها. الجزء: النص ¦ الصفحة: 28 بحر الفارس وسنذكر بعد ديار العرب بحر فارس، فإنّه يشتمل على أكثر حدودها، ويتصل بديار العرب منه وبسائر بلدان الإسلام ونصوّره، ثم نذكر جوامع ممّا يشتمل عليه هذا البحر، ونبتدئ بالقلزم على ساحله مما يلى المشرق، فإنّه ينتهى إلى أيلة، ثم يطوف بحدود ديار العرب، التى ذكرناها وبيّناها قبل هذا إلى عبّادان، ثم يقطع عرض دجلة وينتهى على الساحل إلى مهروبان ثم إلى جنّابة، ثم يمرّ على سيف فارس إلى سيراف، ثم يمتد إلى سواحل هرمز وراء كرمان إلى الدّيبل وساحل الملتان وهو ساحل السند، وقد انتهى حدّ بلدان الإسلام، ثم ينتهى إلى سواحل الهند حتى ينتهى إلى سواحل التبّت فيقطعها إلى أرض الصين؛ وإذا أخذت من القلزم غربيّها على ساحل البحر سرت فى مفاوز، من حدود مصر حتى تنتهى إلى مفاوز هى للبجة، وبها معادن الذهب، إلى مدينة على شط البحر يقال لها عيذاب ثم يمتد على بلد الحبشة، وهى محاذية لمكة والمدينة حتى يحاذى قرب عدن، ثم يقطع الحبشة ويتصل بظهر بلد النوبة حتى ينتهى إلى بلدان الزنج وهى من أوسع تلك الممالك فيمتد على محاذاة جميع بلدان الإسلام، وقد انتهى مسافة هذا البحر، ثم تعرض فيه جزائر وأقاليم مختلفة، إلى أن يحاذى أرض الصين. وقد صوّرت هذا البحر وذكرت حدوده مطلقا، وسأصف ما يحيط به وما فى أضعافه جملا، يقف عليه من قرأه إن شاء الله. أما ما كان من هذا البحر من القلزم إلى ما يحاذى بطن اليمن فإنه يسمى بحر القلزم، ومقداره نحو ثلاثين مرحلة طولا، وعرضه أوسع ما يكون غير مسير ثلاث ليال، ثم لا يزال يضيق حتى يرى من بعض جنباته الجانب الآخر، حتى ينتهى إلى القلزم، ثم يدور على الجانب الآخر من بحر القلزم، وبحر القلزم مثل الوادى به جبال كثيرة قد علا الماء عليها، وطرق السفن بها معروفة لا يهتدى فيها إلا بربان، يتخلّل بالسفينة فى أضعاف تلك الجبال بالنهار، فأما بالليل فلا يسلك، وماؤه صاف ترى تلك الجبال فيه، وفى هذا البحر ما بين القلزم وأيلة مكان يعرف بتاران، وهو أخبث ما فى هذا البحر من الأماكن، وذلك أنه دوّارة ماء فى سفح جبل، إذا وقعت الريح على ذروته انقطعت الريح على قسمين، فتنزل الريح على شعبين فى هذا الجبل متقابلين، فتخرج الريح من كلا هذين الشعبين فتتقابل فيثور الماء، وتتبلّد كل سفينة تقع فى تلك الدوّارة باختلاف الريحين وتتلف فلا تسلم واحدة، وإذا كان للجنوب أدنى مهب فلا سبيل إلى سلوكه، ومقدار طوله الجزء: النص ¦ الصفحة: 29 نحو ستة أميال، وهو الموضع الذي غرق فيه فرعون، وبقرب تاران موصع يعرف بجبيلات، يهيج وتتلاطم أمواجه باليسير من الريح، وهو موضع مخوف أيضا، فلا يسلك بالصبا مغرّبا وبالدبور مشرّقا، وإذا حاذى أيلة ففيه سمك كثير مختلف الألوان، فإذا قابل بطن اليمن سمى بحر عدن إلى أن يجاوز عدن ثم يسمى بحر الزنج، إلى أن يحاذى عمان عاطفا على فارس، وهذا بحر يعرض حتى يقال إن عبره إلى بلد الزنج سبعمائة فرسخ، وهو بحر مظلم أسود لا يرى مما فيه شىء، وبقرب عدن معدن اللؤلؤ يخرج ما يرتفع منه إلى عدن وإذا جزت عمان إلى أن تخرج عن حدود الإسلام، وتتجاوزه إلى قرب سرنديب يسمى بحر فارس، وهو عريض البطن جدا، فى جنوبه بلدان الزنج، وفى هذا البحر هوّارات كثيرة ومعاطف صعبة، ومن أشدها ما بين جنابة والبصرة، فإنّه مكان يسمى هور جنّابة، وهو مكان مخوف لا تكاد تسلم منه سفينة عند هيجان البحر، وبها مكان يعرف بالخشبات، من عبّادان على نحو ستة أميال، على جرى ماء دجلة إلى البحر، ويرقّ الماء حتى يخاف على السفن الكبار، إن سلكته أن تجلس على الأرض إلا فى وقت المدّ، وبهذا الموضع خشبات منصوبة قد بنى عليها مرقب يسكنه ناظور، يوقد بالليل ليهتدى به ويعلم به المدخل إلى دجلة، وهو مكان مخوف إذا ضلت السفينة فيه خيف انكسارها لرقة الماء، وبحذاء جنّابة مكان يعرف بخارك وبه معدن اللؤلؤ، يخرج منه الشيء اليسير، إلا أن النادر إذا وقع من هذا المعدن فاق فى القيمة غيره، ويقال إن الدرّة اليتيمة تقع من هذا المعدن، وبعمان وبسر نديب فى هذا البحر معدن لؤلؤ، ولا أعلم معدنا للؤلؤ إلا ببحر فارس، ولهذا البحر مدّ وجزر فى اليوم والليلة مرتان، من حد القلزم إلى حد الصين حيث انتهى، وليس لبحر المغرب ولا لبحر الروم ولا لسائر البحار مدّ ولا جزر غير بحر فارس، وهو أن يرتفع الماء قريبا من عشرة أذرع، ثم ينضب حتى يرجع إلى مقداره، وفى هذا البطن من البحر الذي نسبناه خصوصا إلى فارس جزائر، منها لافت وخارك وأوال وغيرها من الجزائر المسكونة، وبها مياه عذبة وزرع وضرع، فهذه جوامع من صفة هذا البحر من حدود الإسلام. وسأصف ما على سواحله صفة جامعة، نبتدئ منها بالقلزم ثم تنتهى إلى جنباته إن شاء الله. وأما القلزم «1» فإنّها مدينة على شفير البحر، وينتهى هذا البحر إليها، وهى فى عطف هذا البحر فى آخر لسانه، وليس بها زرع ولا شجر ولا ماء، وإنما يحمل لهم من آبار ومياه بعيدة منهم، وهى تامة العمارة بها فرضة مصر والشام، ومنها تحمل حمولات الشام ومصر إلى الحجاز واليمن وسواحل هذا البحر، وبينها وبين فسطاط مصر مرحلتان، ثم ينتهى على شط البحر فلا تكون بها قرية ولا مدينة، سوى مواضع فيها ناس مقيمون على صيد من هذا البحر الجزء: النص ¦ الصفحة: 30 وشىء من النخيل يسير، حتى ينتهى على تاران وجبيلات، وما حاذى جبل الطور إلى أيلة؛ وأيلة هذه مدينة صغيرة عامرة، بها زرع يسير، وهى مدينة اليهود الذين حرّم الله عليهم صيد السبت، وجعل منهم القردة والخنازير، وبها فى يد اليهود عهد لرسول الله صلى الله عليه وسلم؛ وأما مدين وما انتهى على هذا البحر فى عطوف اليمن إلى عمان والبحرين إلى عبّادان فقد وصفناه فى صفة ديار العرب، وأما عبّادان فإنها حصن صغير عامر على شط البحر، ومجمع ماء دجلة، وهو رباط كان فيه محارس للقطريّة وغيرهم من متلصّصة البحر، وبها على دوام الأيام مرابطون، ثم تقطع عرض دجلة فتصير على ساحل هذا البحر إلى مهروبان من حدّ فارس، ويعرض فيها أما كن تمنع من السلوك إلا فى الماء، وذلك أن مياه خوزستان تجتمع إلى دورق وحصن مهدى وباسيان فتتصل بماء البحر؛ ومهروبان مدينة صغيرة عامرة وهى فرضة أرّجان، وما والاها من أدانى فارس وبعض خوزستان، ثم ينتهى البحر على الساحل إلى شينيز «1» ، وهى مدينة أكبر من مهروبان، ومنها يرتفع الشينيزى «2» الذي يحمل إلى الآفاق، ثم ينتهى إلى جنّابة؛ وجنّابة هذه مدينة أكبر من مهروبان، وهى فرضة لسائر فارس خصبة شديدة الحرّ، ثم ينتهى على الساحل إلى سيف البحر إلى نجيرم، وهذا السيف ما بين جنّابة ونجيرم، به قرى ومساكن ومزارع متفرقة مفترشة شديدة الحرّ، ثم ينتهى إلى سيراف «3» وهى الفرضة العظيمة لفارس، وهى مدينة عظيمة ليس بها سوى الأبنية شىء، حتى يجاوز على جبل يطلّ عليه، وليس بها ماء يجمد ولا زرع ولا ضرع، وهى أغنى بلاد فارس، ثم يتجاوز على الساحل فى مواضع منقطعة تعترض بها جبال ومفاوز، إلى أن ينتهى إلى حصن ابن عمارة، وهو حصن منيع على هذا البحر، وليس بجميع فارس حصن أمنع منه، ويقال إن صاحب هذا الحصن هو الذي قال الله فيه (وَكانَ وَراءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْباً) «4» ، وينتهى على ساحل هذا البحر إلى هرمز، وهى فرضة كرمان، مدينة غرّاء كثيرة النخل حارة جدا، ثم تسير على شطّه إلى الدّيبل، وهى مدينة عامرة وبها مجمع التجار، وهى فرضة لبلد السند، وبلد السند هو المنصورة وأراضى الزطّ وما والاها إلى الملتان، ثم ينتهى على ساحل بلدان الهند إلى أن يتّصل بساحل تبت، وينتهى إلى ساحل الصين، ثم إلى الصين ثم لا يسلك بعده. وإذا أخذت من القلزم غربىّ هذا البحر، فإنه ينتهى إلى بريّة قفرة، لا شىء فيها إلى أن يتصل ببادية البجة، والبجة قوم أصحاب أخبية شعر، أشد سوادا من الحبشة فى زى العرب، لا قرى لهم ولا مدن ولا زرع، إلا ما ينقل إليهم من مدن الحبشة واليمن ومصر والنوبة، وينتهى حدّ هم إلى ما بين الحبشة وأرض النوبة وأرض مصر، وينتهى إلى معادن الذهب، ويأخذ هذا المعدن من قرب أسوان مصر على نحو من عشر مراحل، حتى الجزء: النص ¦ الصفحة: 31 ينتهى إلى حصن على البحر يسمى عيذاب، ويسمى مجمع الناس بهذا المعدن العلّاقى «1» ، وهو رمال وأرض مبسوطة لا جبل بها، وأموال هذا المعدن ترتفع إلى أرض مصر، وهو معدن ذهب لا فضة فيه، والبجة قوم يعبدون الأصنام وما استحسنوه، ثم يتصل ذلك بأرض الحبشة وهم نصارى، وتقرب ألوانهم من ألوان العرب بين السواد والبياض، وهم متفرقون فى ساحل هذا البحر إلى أن يحاذى عدن، وما كان من النمور والجلود الملمّعة وأكثر جلود اليمن- التى تدبغ للنعال- تقع منها إلى عدوة اليمن، وهم أهل سلم ليسوا بدار حرب، ولهم على الشط موضع يقال له زيلع، فرضة للعبور إلى الحجاز واليمن، ثم يتصل ذلك بمفازة بلد النوبة، والنوبة نصارى، وهى بلدان أوسع من الحبشة، وبها من المدن والعمارة أكثر مما بالحبشة، ويخترق نيل مصر فيما بين مدنها وقراها، حتى يتجاوز ذلك إلى رملة من أرض الزنج، ثم يتجاوزه إلى برارى يتعذر مسلكها، ثم ينتهى هذا البحر حتى يتصل بأرض الزنج مما يحاذى عدن، إلى أن يمتد على البحر وتتجاوز محاذاتها جميع حدّ الإسلام، ويدخل فيما حاذى بعض بلدان الهند لسعته وكثرته، وبلغنى أن فى بعض أطراف الزنج صرودا فيها زنج بيض، وبلد الزنج هذا بلد قشف قليل العمارة قليل الزروع، إلا ما اتصل بها من مستقر الملك. الجزء: النص ¦ الصفحة: 32 ديار المغرب وأما المغرب فهو نصفان يمتدان على بحر الروم، نصف من شرقيّه ونصف من غربيّه، فأما الشرقى فهو برقة وافريقية وتاهرت وطنجة والسوس وزويلة وما فى أضعاف هذه الأقاليم، وأما الغربى فهو الأندلس، وقد جمعتهما فى التصوير. فأما الجانب الشرقى فإنّ الذي يحيط به من شرقيّة حدّ مصر بين الاسكندرية وبرقة من حدّ بحر الروم، حتى يمضى على ظهر الواحات إلى بريّة تنتهى إلى أرض النوبة، وغربيّه البحر المحيط ممتدا على حدّه، وشماليه بحر الروم الذي يأخذ من البحر المحيط، يأخذ من حدّ مصر على ما يحاذى برقة إلى طرابلس المغرب، ثم إلى المهديّة ثم إلى تونس ثم إلى طبرقة ثم إلى تنس ثم إلى جزيرة بنى مزغنا «1» ، ثم إلى ناكور ثم إلى البصرة ثم إلى أزيلة ثم إلى السوس الأقصى، ثم يمتد على بريّة ليس وراءها عمارة، وجنوبيّه رمل من حد البحر المحيط حتى يمتد من وراء سجلماسة إلى زويلة، ثم يمتد إلى ظهر الواحات من أرض مصر، وأما الأندلس فإنّه يحيط به مما يلى البحر المحيط من حدّ بلد الجلالقة، على كورة يقال لها شنترين، ثم إلى أخشنبة ثم إلى أشبيلية ثم إلى سدونة ثم إلى جزيرة جبل طارق ثم إلى مالقة ثم إلى بجّانة ثم إلى بلاد مرسية ثم إلى بلاد بلنسية ثم إلى طرطوشة ثم يتصل ببلاد الكفر مما يلى البحر ببلاد الافرنجة، ومما يلى البر ببلاد علجسكس ثم ببلاد بسكونس ثم ببلاد الجلالقة حتى ينتهى إلى البحر. فأمّا برقة فإنّها مدينة وسطة ليست بكبيرة، وحواليها كورة عامرة كبيرة، وهى فى مستو من الأرض خصبة، ويطيف بها من كل جانب بادية يسكنها طوائف من البربر، وقد كان يخرج إليها عامل من مصر، إلى أن ظهر المهدى عبيد الله المستولى على المغرب، فاستولى عليها وأزال عمّال مصر، وأما طرابلس المغرب فهى من عمل افريقية، وهى مدينة مبنية من الصخر على ساحل بحر الروم، خصبة واسعة الكورة حصينة جدا، وأما المهديّة فإنّها مدينة صغيرة استحدثها عبيد الله المستولى على المغرب، وسماها بهذا الاسم، وهى على البحر، وعبيد الله تحوّل إليها من القيروان، وهى من القيروان على يومين. وتونس مدينة كبيرة خصبة واسعة المياه والزروع، وهى أول (5) المسالك والممالك الجزء: النص ¦ الصفحة: 33 عدوة الأندلس، يعبر منها ولا يعبر من دونها، إلا من المدن التى تلى المغرب، لأنها أول مدينة تحاذى الأندلس، وما دونها محاذ لبلاد الافرنجة. وطبرقة مدينة صغيرة وبيّة بها عقارب قاتلة نحو عقارب عسكر مكرم، وبها فى البحر معدن المرجان، وليس يعرف فى الأرض معدن للمرجان إلا بها؛ وأما تنس فهى مدينة كبيرة، وهى عدوة إلى الأندلس أيضا، إلا أنها وبيّة؛ وجزيرة بنى مزغنّا مدينة عامرة، يحف بها طوائف من البربر، وهى من الخصب والسعة على غاية ما تكون المدن؛ وناكور على شط البحر مدينة كبيرة، يعبر منها أيضا إلى بجّانة، وهى مدينة حصينة خصبة، والبصرة مدينة كبيرة واسعة خصبة، وهى بحذاء جزيرة جبل طارق، وبينها وبين الجزيرة المذكورة عرض البحر اثنا عشر فرسخا، وأزيلة مدينة كبيرة على شط البحر المحيط، وهى خصبة كثيرة الخير، وهى أقصى المعابر إلى الأندلس، والسّوس الأقصى اسم المدينة إلا أنها كورة عظيمة، ذات مدن وقرى وسعة وخصب، ويحتف بها طوائف من البربر، وأما البصرة وأزيلة فهما من إقليم طنجة، وطنجة هى كورة عظيمة، تحيط بمدن وقرى وبواد «1» للبربر كثيرة، ومدينتها العظمى التى هى القصبة تسمى فاس، وهي المدينة التى بها يحيى الفاطمى، ولم يفتحها عبيد الله الخارج بالمغرب إلى حين تصنيف هذا الكتاب، وأما ناكور وجزيرة بنى مزغنّا فى مدن وقرى كثيرة فقريبة من تاهرت الأعلى؛ ومدينة كورة تاهرت اسمها تاهرت، وهى مدينة كبيرة خصبة واسعة البريّة والزروع والمياه، وبها الإباضيّة وهم الغالبون عليها [وسجلماسة مدينة وسطة من حدّ تاهرت، إلا أنها منقطعة لا يسلك إليها إلا فى القفار والرمال، وهى قريبة من معدن الذهب، بينها وبين أرض السودان وأرض زويلة، ويقال إنه لا يعرف معدن للذهب أوسع ذهبا ولا أصفى منه، إلا أنّ المسلك إليه صعب، والاستعداد شاق جدا، وهى من مملكة عبيد الله، ويقال إن كورة تاهرت بأسرها من افريقية، إلا أنها مفردة بالاسم والعمل فى الدواوين، وسطيف مدينة كبيرة بين تاهرت وبين القيروان، وهى حصينة ولها كورة تشتمل على قرى كثيرة وعمارة متصلة، وسكانها كتامة قبيلة من البربر، بهم ظهر عبيد الله، وكان أبو عبد الله المحتسب الداعى إلى عبيد الله مقيما بينهم، حتى تمهّد أمره بهم، والقيروان هى أجلّ مدينة بأرض المغرب، خلا قرطبة بالأندلس فإنها أعظم منها، وهى المدينة التى كان يقيم بها ولاة المغرب، وبها كان مقام الأغلب وبنيه إلى أن أزال ملكهم أبو عبد الله المحتسب، وخارج القيروان أبنية كانت معسكر آل الأغلب ومقامهم بها كان، وتسمى الرّقّادة، إلى أن استحدث عبيد الله المهديّة على شط البحر، فأقام بها وانتقل عن رقّادة، وأما زويلة فإنها من حدّ المغرب، وهى مدينة وسطة لها كورة عريضة، وهى متاخمة لأرض السودان، وبلدان السودان بلدان عريضة إلا أنها قفرة قشفة جدا، ولهم فى جبال لهم عامة ما يكون فى بلاد الإسلام من الفواكه، إلا أنهم لا يطعمونه، ولهم أطعمة يتغذون بها من فواكه ونبات، وغير ذلك مما لا يعرف فى بلدان الإسلام، والخدم السود الذين يباعون فى بلدان الجزء: النص ¦ الصفحة: 34 الإسلام منهم، وليس هم بنوبة ولا بزنج ولا بحبشة ولا من البجة، إلا أنهم جنس على حدة أشد سوادا من الجميع وأصفى، ويقال إنه ليس فى أقاليم السودان من الحبشة والنوبة والبجة وغيرهم إقليم هو أوسع منه، ويمتدون إلى قرب البحر المحيط مما يلى الجنوب، ومما يلى الشمال على مفازة ينتهى إلى مفاوز مصر من وراء الواحات، ثم على مفاوز بينها وبين أرض النوبة، ثم على مفاوز بينها وبين أرض الزنج، وليس لها اتصال بشىء من الممالك والعمارات إلا من وجه المغرب، لصعوبة المسالك بينها وبين سائر الأمم، وهذه جوامع ما يحتاج إلى معرفته من شرقى البحر من المغرب. وأما الغربى من المغرب فهو الأندلس، والأندلس بلدان عريضة كثيرة المدن خصبة واسعة، ومدينتها العظمى تسمى قرطبة، وهى من الأندلس فى وسطها، والذي يحيط بالأندلس البحر المحيط، ثم يطوف بحر الروم بها إلى أرض افرنجة، فيأخذ من مدينة شنترين إلى أخشنبة ثم إلى إشبيلية ثم إلى سدونة ثم إلى الجزيرة ثم إلى مالقة ثم إلى بجّانة ثم إلى بلاد مرسية على مدينة لقنت إلى بلاد بلنسية ثم إلى طرطوشة وهى آخر المدن التى على البحر، ثم يتصل من جهة البحر ببلاد الافرنجة، ومن جهة البرّ يتصل ببلاد علجسكس، وهى بلاد حرب من النصارى، ثم يتصل ببلاد بسكونس وهم أيضا نصارى، ثم يتصل ببلاد الجلالقة وهم نصارى أيضا، فينتهى من الأندلس حدّان إلى دار الكفر وحدّان إلى البحر، وهذه المدن التى ذكرناها على الشط كلها مدن كبار عامرة، والأندلس فى أيدى بنى أمية ما افتتحت لبنى العباس ولا قدر عليها عبيد الله، ولما زالت دولة بنى مروان، عبر إليها من أزيلة المغرب إلى جزيرة جبل طارق بعض بنى أمية فتغلّب عليها، فهى فى أيديهم إلى وقت تصنيفنا هذا الكتاب. ومن مشاهير مدن الأندلس جيّان وطليطلة ونفزة وسرقصطة ولا ردة ووادى الحجارة وترجالة وقورية وماردة وباجة وغافق ولبلة وقرمونة ومورور واستجة وريّة، وهي كلها مدن عظام، وليس فيها ما يقارب قرطبة فى العظم والكبر، وأكثر أبنيتها من حجارة، وهى أبنية جاهلية لا تعرف فيها مدينة محدثة إلا بجّانة، فإنّها محدثة فى حدّ بلاد يقال لها البيرة وشنترين التى على البحر المحيط بها يقع العنبر، ولم نعلم ببحر الروم والبحر المحيط موضع عنبر إلا بشنترين وشىء وقع فى أيام مقامى بالشام بسواحل الروم، وتقع بشنترين فى وقت من السنة من البحر دابّة، تحتك بحجارة على شط البحر فيقع منها وبر فى لين الخز، لونه لون الذهب لا يغادر منه شيئا، وهو عزيز قليل فيجمع وتنسج منه ثياب، فتتلوّن فى اليوم ألوانا، ويحجر عليها ملوك بنى أمية، ولا ينقل إلا سرا، وتزيد قيمة الثوب عن ألف دينار لعزّته وحسنه؛ ومالقة سكانها عرب، وبها السّفن «1» الذي تتخذ منه مقابض السيوف؛ وجزيرة جبل طارق منها افتتح الأندلس فى أول الإسلام، وجبل طارق جبل عامر حصين بالقرى والمدن، وهو آخر المعابر بالأندلس؛ الجزء: النص ¦ الصفحة: 35 وطليطلة مدينة فى جبل عال، بناؤها من حجارة قد وثّقت بالرصاص، وحواليها سبعة أجبل كلها عامرة منيعة مسكونة، وحولها نهر عظيم يقارب فى الكبر دجلة، واسم هذا النهر تاجه، يخرج من بلد يقال لها شنتبريّة «1» ، ووادى الحجارة مدينة هى وما حواليها من المدن والقرى تعرف بمدن بنى سالم، وريّة كورة عظيمة خصيبة، ومدينتها أرجدونة ومنها كان عمر بن حفصون، الذي خرج على بنى أمية بها؛ وفحص البلّوط كورة خصبة واسعة ومدينتها غافق، وقورية مدينة كانت كبيرة إلا أنها خربت بعصبية وقعت بينهم، فاستعان أحد الفريقين بالجلالقة النصارى حتى خرّبوها؛ وماردة من أعظم مدن الأندلس، وكذلك طليطلة، وهما ممتنعتان ليس بهما عامل لبنى أمية، إلا أنه يخطب بهما لهم؛ وشنترين كورة عظيمة ومدينتها قلمرية، وثغور الجلالقة ماردة ونفزة ووادى الحجارة وطليطلة، ومدينة الجلالقة مما يلى ثغور الأندلس يقال لها سمّورة، وعظيم الجلالقة بمدينة يقال لها أبيط، هى بعيدة عن بلدان الإسلام، وليس فى أصناف الكفر الذين يلون الأندلس أكثر عددا من الأفرنجة، ويقال لملكهم قارله، غير أن الذين يلون المسلمين منهم أقل من سائر أجناس الكفر، لدخولهم فى البحر، والحاجز الذي بينهم وبين الأفرنجة من بلدان الشرك من غيرهم، ثم الجلالقة يتلونهم فى الكثرة، وأقلهم عددا البسكونس وهم أشد شوكة، والذين يتلون البسكونس من ثغور الأندلس سرقسطة وتطيلة ولاردة، ويليهم قوم من النصارى يقال لهم علجسكس أقلهم غائلة، وهم الحاجز بينهم وبين الافرنجة. والبربر الذين هم بأرض الأندلس وسائر المغرب صنفان، صنف يقال لهم البتر، وصنف يقال لهم البرانس، فنفزة ومكناسة وهوارة ومديونة من البتر وهم بالأندلس، وكتامة وزناتة ومصمودة ومليلة وصنهاجة من البرانس. فأما زناتة فأوطانها بناحية تاهرت، وأما كتامة فأوطانها بناحية سطيف، وسائر البربر الذين هم من البرانس فمفترشون فى سائر المغرب من شرقى بحر الروم، وأما نفزة ومكناسة «2» فهم بالأندلس بين الجلالقة وبين مدينة قرطبة، وأما هوارة ومديونة فهم سكان شنتبرية. وبكورة البيرة حرير كثير يفضل ويقدّم على غيره، وبالأندلس معادن كثيرة من الذهب، وبها معادن فضة بناحية البيرة ومرسية، وبقرب قرطبة بموضع يقال له كرتش وتفسيره بالعربية ديار، وبناحية تطيلة سمّور كثير. وزويلة بلد فى وجه أرض السودان، وهؤلاء الخدم السود أكثرهم يقع إلى زويلة، وأرض المغرب ما كان منها فى شرقى بحر الروم بقرب الساحل فتعلوهم سمرة، وكلما تباعدوا فيما يلى الجنوب والمشرق ازدادوا سوادا، حتى ينتهوا إلى بلد السودان، فيكون الناس بها أشد الأمم سوادا، ومن كان فى غربى بحر الروم بالأندلس فهم بيض زرق، وكلما ازدادوا وتباعدوا إلى ما يلى المغرب والشمال ازدادوا بياضا، حتى يقطع عرض الروم كله إلى ظهر الصقالبة، الجزء: النص ¦ الصفحة: 36 فكلما ازدادوا وتباعدوا ازدادوا بياضا وزرقة وحمرة شعر، إلا أن طائفة منهم يرجعون إلى سواد شعر وعيون وهم صنف من الروم من الجلالقة، ويقال إن أصلهم من الشام، كما أن طائفة بخر شنة من أرض الروم يرجعون إلى سواد شعر وعيون، يزعمون أنهم من العرب من غسّان، وقعوا إليها مع جبلة بن الأيهم. وبين المغرب وبلد السودان مفاوز منقطعة، لا تسلك إلا من مواضع معروفة، وكان ملوك أفريقية وبرقة أولاد الأغلب، الذي كان قد أنفذ فى أول أيام بنى العباس، ليكون فى وجه إدريس بن إدريس، وملوك طنجة أولاد إدريس بن إدريس، وبينهم وبين أفريقية تاهرت الشراة، وهم الغالبون عليها. وملوك الأندلس بنو أمية، ما خطب لبنى العباس بها إلى يومنا هذا، ويخطبون لأنفسهم وهم من أولاد هشام بن عبد الملك، وصاحبهم فى وقت تصنيف هذا الكتاب هو عبد الرحمن بن محمد بن عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن بن الحكم بن هشام ابن عبد الرحمن بن معاوية بن هشام بن عبد الملك بن مروان بن الحكم، وأول من عبر منهم إلى الأندلس عبد الرحمن بن معاوية بن هشام بن عبد الملك بن مروان فى أول ولاية بنى العباس فتغلّب عليها، وبقيت الإمارة فى أولاده إلى وقت تصنيفنا هذا. والغالب على مذاهب أهل المغرب كلهم مذاهب الحديث، وأغلبها عليهم فى الفتيا مذهب مالك بن أنس. والذي يقع من المغرب الخدم السود من بلاد السودان، والخدم البيض من الأندلس، والجوارى المثمنات، تأخذ الجارية والخادم من غير صناعة على وجوههما «1» بألف دينار وأكثر؛ وتقع منها اللبّود المغربيّة والبغال للسرج والمرجان والعنبر والذهب والعسل والزيت والسّفن والحرير والسمّور. وأما المسافات بالمغرب فإن من مصر إلى برقة 20 مرحلة، ومن برقة إلى طرابلس مثلها، ومن طرابلس إلى القيروان مثلها، فذلك من مصر إلى القيروان 60 مرحلة، ومن القيروان إلى سطيف 16 مرحلة، ومن سطيف إلى تاهرت 20 مرحلة، ومن تاهرت إلى فاس 50 مرحلة، ومن فاس إلى السوس الأقصى نحو 30 مرحلة، فمن القيروان إلى السوس الأقصى 116 مرحلة، فجميع المسافة من مصر إلى أقصى المغرب فى شرقى بحر الروم نحو 6 أشهر، وحجّاج أقصى المغرب يخرجون قرب المحرم، فيذهب فى سفرهم واستراحتهم عامة السنة حتى يلحقوا الحج، ومن القيروان إلى زويلة نحو شهر، ومن القيروان إلى المهدية مسيرة يومين، ومن القيروان إلى تونس 3 مراحل، ومن تونس إلى طبرقة نحو 10 مراحل، ومن طبرقة إلى تنس نحو 16 مرحلة، ومن تنس إلى جزيرة بنى مزغنّا «2» 5 أيام، ومن تاهرت إلى ناكور 20 مرحلة، ومن تاهرت إلى سجلماسة نحو 50 مرحلة، ومن فاس إلى البصرة 6 مراحل، ومن فاس إلى أزيلة 8 مراحل، ومن القيروان إلى سجلماسة فى البرية نحو الجزء: النص ¦ الصفحة: 37 من 80 مرحلة، وفى العمارة 120 مرحلة «1» . فهذه جوامع المسافات فى المغرب فى شرقى بحر الروم. وأما مسافات الأندلس فإن قصبتها قرطبة ومنها إلى أشبيلية 3 مراحل، وإلى استجة مرحلة على سمت القبلة، ومن قرطبة إلى سرقسطة 10 أيام، وإلى تطيلة 13 يوما، ومن تطيلة إلى لاردة 4 مراحل، ومن قرطبة إلى طليطلة 6 أيام، ومن طليطلة إلى وادى الحجارة يومان، ومن قرطبة إلى مكناسة 4 أيام، ثم إلى هوارة مثلها، ثم إلى نفزة 10 أيام، ومن نفزة إلى مدينة سمّورة 4 أيام، ومن قرطبة إلى قورية 12 يوما، ومن قورية إلى ماردة 4 أيام، ومن قورية إلى باجة 6 أيام، ويأخذ فى طريق ماردة مما يلى أخشنبة، فمن قرطبة إلى أشبيلية إلى باجة إلى ماردة إلى قورية إلى قلمرية مدينة شنترين العظمى، ومن باجة إلى شنترين 12 يوما، وإلى أقصى «2» ، كور شنترين 5 أيام، ومن قرطبة إلى فحص البلّوط يومان، إلى مدينتها المعروفة بغافق، ومن فحص البلوط إلى لبلة 14 يوما، وأشبيلية على طريق سدونة، ومن قرطبة إلى قرمونة 4 أيام، ومن قرمونة إلى أشبيلية 3 أيام، ومن استجه إلى مورور مرحلة، ومن مورور إلى سدونة يومان، ومن مورور إلى جبل طارق 3 أيام، ومن استجة إلى مالقة 7 أيام، ومالقة شرقى قرطبة واستجة قبليّها، ومن استجة إلى أرجدونة 3 مراحل، ومن قرطبة إلى بجّانة 6 أيام، ومن قرطبة إلى مرسية 14 يوما، ومن قرطبة إلى مدينة بلنسية 18 يوما، ومن طرطوشة إلى بلنسية 5 مراحل، ومن مرسية إلى بجّانة 6 أيام، ومن بجّانة إلى مالقة نحو 10 أيام، ومن مالقة إلى جزيرة جبل طارق 4 أيام، ومن الجزيرة إلى سدونة 3 أيام، ومدينة سدونة قلسانة، ومنها إلى أشبيلية 4 أيام، وإلى قرمونة 3 أيام. فهذه جوامع المسافات بالأندلس، وقد أتينا على جوامع ما أردناه من المغرب، وتتلوه أرض مصر فى حدّ بلاد الإسلام راجعا إلى المشرق. الجزء: النص ¦ الصفحة: 38 ديار مصر وأما مصر فإنّ لها حدا يأخذ من بحر الروم بين الإسكندرية وبرقة، فيأخذ فى برارىّ حتى ينتهى إلى ظهر الواحات، ويمتد إلى بلد النوبة، ثم يعطف على حدود النوبة فى حدّ أسوان، إلى أرض البجة من وراء أسوان، حتى ينتهى إلى بحر القلزم، ثم يمتد على بحر القلزم ويجاوز القلز على البحر إلى طور سينا، ويعطف على تيه بنى اسرائيل ويمتد حتى ينتهى إلى بحر الروم فى الجفار خلف رفح والعريش، ويمتد على بحر الروم إلى أن ينتهى إلى الإسكندرية، ويتصل بأول الحدّ الذي ذكرناه. المسافات بمصر: من ساحل بحر الروم حيث ابتدأناه إلى أن يتصل بأرض النوبة من وراء الواحات نحو 25 مرحلة، ومن حدّ النوبة مما يلى الجنوب على حدود النوبة نحو 8 مراحل، ومن القلزم على ساحل البحر إلى أن ينعطف على التية 6 مراحل، ومن حدّ البحر على حدّ التيه إلى أن يتصل ببحر الروم نحو 8 مراحل ويمتد على البحر إلى أول الحدّ الذي ذكرناه نحو 12 مرحلة، وطولها من أسوان إلى بحر الروم نحو 25 مرحلة، وبها بحيرة فيها جزائر مسافتها نحو مرحلتين فى مثلها، فهذه جملة مسافاتها. وأما صفة مدنها وبقاعها: فإن مدينتها العظمى تسمى الفسطاط، وهى على النيل فى شرقيّة شمالىّ النيل، وذلك أن النيل يجرى مؤرّبا بين المشرق والجنوب، والبلد كله على جانب واحد، إلا أن فى عدوة النيل أبنية قليلة تعرف بالجزيرة، وهى جزيرة يعبر من الفسطاط إليها على جسر فى سفن، ويعبر من هذه الجزيرة إلى الجانب الآخر على جسر آخر، إلى أبنية ومساكن على الشط الآخر يقال لها الجيزة، والفسطاط مدينة كبيرة نحو الثلث من بغداد؛ ومقداره نحو ثلثى فرسخ، والفسطاط على غاية العمارة والخصب، وبالفسطاط قبائل وخطط للعرب تنسب إليهم محالّها، مثل ما بالكوفة والبصرة إلا أنها أقل من ذلك، وهى سبخة ومعظم بنائهم بالطوب طبقات، وأكثر السفل بها غير مسكونة، وربما بلغت طبقات الدار الواحدة ثمانى طبقات، إلا فى طرف منها يسمى الموقف فإنّه أصلب قليلا، وبها بناء مفترش وذلك بالحمراء على شط النيل، وبها مسجدان للجمعة: بنى أحدهما عمرو بن العاص فى وسط الأسواق، والآخر بأعلى الموقف بناه أحمد بن طولون، وخارج مصر أبنية بناها أحمد بن طولون تكون زيادة على ميل، كان يسكنها جنده تسمى القطائع، كما كان بناء آل الأغلب خارج القيروان- الرقّادة، الجزء: النص ¦ الصفحة: 39 وبها نخيل وثمار كثيرة، وزروعهم على ماء النيل، تمتد فتعمّ «1» المزارع من حد أسوان إلى حدّ الاسكندرية وسائر الريف، فيقيم الماء من «2» عند ابتداء الحرّ إلى الخريف، ثم ينصرف فيزرع ثم لا يسقى بعد ذلك، وأرض مصر لا تمطر ولا تثلج، وليس بأرض مصر مدينة يجرى فيها الماء «3» دائما غير الفيوم، والفيوم هذه مدينة وسطة، يقال إن يوسف النبي عليه السلام اتخذ لهم مجرى يدوم لهم فيه الماء، وقوّم بحجارة وسماء اللّاهون. وأما النيل فإنّ ابتداء مائه لا يعلم، وذلك أنه يخرج من مفازة من وراء أرض الزنج لا تسلك، حتى ينتهى إلى حدّ الزنج، ثم يقطع فى مفاوز وعمارات أرض النوبة، فيجرى على عمارات متصلة إلى أن يقع فى أرض مصر، وهو نهر يكون عند امتداده أكبر من دجلة والفرات إذا جمعا، وماؤه أشد عذوبة وحلاوة وبياضا من سائر أنهار الإسلام، وفى هذا النهر يكون التمساح والسقنقور وسمكة يقال لها الرعّادة «4» ، لا يستطيع أحد أن يقبض عليها وهى حيّة، حتى يرتعش وتسقط من يده، فإذا ماتت فهى كسائر السمك، وأما التمساح فإنه دابّة من دوّاب الماء مستطيل الرأس، طول رأسه يكون نحوا من نصف طول بدنه، وله أنياب لا يعض على دابة ما كانت من سبع أو جمل إلا مدّه فى الماء، وربما خرج من الماء فمشى فى البر، وليس له فى البر سلطان ولا يضر أحدا، وجلده يشبه السّفن الذي تتخذ منه مقابض السيوف، لا يعمل السلاح «5» فيه إلا تحت يديه ورجليه «6» ومكان الإبط، وأما السقنقور فإنه صنف من السمك، إلا أن له يدين ورجلين، ويتعالج به للجماع، ولا يكون فى مكان إلا فى النيل. وعلى حافات النيل من حدّ أسوان إلى أن يقع فى البحر مدن وقرى منظومة متكاثفة، وأسوان هذه ثغر النوبة إلا أنهم مهادنون، وبصعيد مصر جنوبى النيل معدن الزبرجد فى بريّة منقطعة عن العمارة، ولا يعلم فى الأرض معدن له غير هذا، وفى شمالى النيل جبل بقرب الفسطاط يسمى المقطّم، فيه وفى نواحيه حجر الخماهن، ويمتد هذا الجبل إلى النوبة، وعند هذا الجبل بحذاء الفسطاط قبر الشافعى فى جملة المقابر. وأما الاسكندرية فهى مدينة على شط البحر، كثيرة الرخام فى الفرش والأبنية والعمد، وبها منارة قد أسّست فى الماء من صخر رفيع السمك جدا، تشتمل على زيادة من ثلثمائة بيت، لا يصل المرتقى إليها إلا بدليل. ويسمى ما علا من النيل عن الفسطاط الصعيد، وما تسفّل منه الريف، ومن حدّ الفسطاط فى جنوبى النيل أبنية عظيمة يكثر عددها، مفترشة على سائر الصعيد «7» ، وبحذاء الفسطاط على نحو من فرسخين منها أبنية عظيمة، أكبرها اثنان ارتفاع الجزء: النص ¦ الصفحة: 40 كل واحد منهما أربعمائة ذراع «1» ، وعرضه أربعمائة ذراع، وطوله أربعمائة ذراع، وهو فى صورة العمارة «2» مربع الأسفل، ثم لا يزال يرتفع ويضيق حتى يصير أعلاه نحو مبرك جمل، وملئت بنيانه بكتابة يونانية «3» ، وفى داخله طريق يسير فيه الناس رجّالة إلى قريب أعلاه، وفى هذين الهرمين طريق فى باطن الأرض مخترق، وأصحّ ما سمعت فى الأهرام أنها قبور الملوك الذين كانوا بتلك الأرض. وعرض العمارة على النيل من حدّ أسوان ما بين نصف يوم إلى يوم إلى أن تنتهى إلى الفسطاط، ثم تعرض فيصير عرضها من حدّ الإسكندرية إلى الخوف، الذي يتصل بمفازة القلزم- نحو ثمانية أيام، وما فى العرض من أرض مصر قفار. وأما الواحات فإنّها بلاد كانت معمورة بالمياه والأشجار والقرى والناس، فلم يبق فيها ديّار، وبها إلى يومنا هذا ثمار كثيرة وغنم قد توحّشت فهى تتوالد، والواحات من صعيد مصر إليها فى حدّ الجنوب نحو ثلاثة أيام فى مفازة، وتتصل الواحات بالنوبة ببريّة فتنتهى إلى أرض السودان. وبأرض مصر بحيرة يفيض فيها ماء النيل، تتصل ببحر الروم تعرف ببحيرة تنّيس «4» ، إذا امتدّ النيل فى الصيف عذب ماؤها، وإذا نقص فى الشتاء إلى أوان الحرّ غلب ماء البحر عليها فملح ماؤها، وفيها مدن مثل الجزائر تطيف البحيرة بها، فلا طريق إليها إلا فى السفن، فمن مشاهير تلك المدن تنّيس ودمياط، وهما مدينتان لا زرع بهما ولا ضرع، وبهما يتخذ المرتفع من ثياب مصر، وهذه البحيرة قليلة العمق «5» ، يسار فى أكثرها. بالمرادى، وبها سمكة تسمى الدلفين فى خلقة الزق المنفوخ، وسمكة إذا أكلها الإنسان رأى منامات هائلة، ومن حدّ هذه البحيرة إلى حدّ الشام أرض كلها رمال متصلة حسنة اللون تسمى الجفار، بها نخيل ومنازل ومياه مفترشة غير متصلة، ويتصل حدّ الجفار ببحر الروم، وحدّ بالتّيه، وحدّ بأراضى فلسطين من الشام، وحدّ ببحيرة تنّيس وما اتصل به من ريف مصر إلى حدود القلزم، وأما تيه بنى اسرائيل فيقال إن طوله نحو من أربعين فرسخا، وعرضه قريب من طوله، وهى أرض فيها رمال وأرض صلبة «6» ، وبها نخيل وعيون مفترشة قليلة، يتصل حدّ له بالجفار، وحدّ بجبل طور سينا وما اتصل به، وحدّ بإزاء «7» بيت المقدس وما اتصل به من فلسطين، وحدّ له ينتهى إلى مفازة فى ظهر ريف مصر إلى حدّ القلزم. وأما الأشمونين فإنها مدينة صغيرة عامرة، ذات نخيل وزروع، ويرتفع من الأشمونين ثياب كثيرة، الجزء: النص ¦ الصفحة: 41 وبحذائها من شمالى النيل مدينة صغيرة يقال لها بوصير، بها قتل مروان بن محمد، ويقال إنّ سحرة فرعون الذين حشرهم فى يوم موسى من بوصير؛ فأما أسوان فإن بها نخيلا كثيرا وزروعا، وهى أكبر مدن الصعيد، وإسنا «1» وإخميم متقاربتان فى العمارة، صغيرتان عامرتان بالنخيل والزروع، وذو النون المصرى الناسك من إخميم؛ والفرما على شط البحيرة، وهى مدينة صغيرة خصبة، وبها قبر جالينوس اليونانى، ومن الفرما إلى تنّيس نحو فرسخين فى البحيرة، وبتنّيس تل عظيم مبنى من أموات منضّدين بعضهم على بعض، يسمى هذا التل بوتون، ويشبه أن يكون ذلك من قبل موسى عليه السلام، لأن أرض مصر فى أيام موسى كان دينهم الدفن، ثم صارت للنصارى ودينهم الدفن، ثم صارت للإسلام، ورأيت عليهم أكفانا من جنس الخيش، وجماجم وعظاما فيها صلابة إلى يومنا هذا؛ وعين شمس ومنف هما قريتان قد خربتا، كل واحدة منهما من الفسطاط على نحو أربعة أميال، وعين شمس من شمالى الفسطاط ومنف من جنوبيّه، ويقال إنهما كانتا مسكنين لفرعون، وعلى رأس جبل المقطم فى قلّته مكان يعرف بتنّور فرعون، يقال إنه كان إذا خرج من أحد هذين الموضعين يوقد فيه، فيعدّ فى المكان الآخر ما يعدّ له. وفى نيل مصر مواضع لا يضر فيها التمساح، منها عند الفسطاط وبوصير وغير ذلك من أماكن معروفة؛ وحوالى الفسطاط زرع ينبت مثل القضبان يسمى البلسان، يتخذ منه دهن البلسان، لا يعرف بمكان فى الدنيا إلا هناك؛ وأما العبّاسة وفاقوس وجرجير فإنها من أرض الحوف، ويعرف شمالىّ النيل أسفل من الفسطاط بالحوف، وجنوبيه بالريف، ومعظم رساتيق مصر وقراها فى هذين الموضعين. وأما معدن الذهب فمن أسوان إليه خمسة عشر يوما، والمعدن ليس فى أرض مصر ولكنه فى أرض البجة وينتهى إلى عيذاب، ويقال إن عيذاب ليست من أرض البجة، وإنما هى من مدن الحبشة، والمعدن أرض مبسوطة لا جبل فيها، وإنما هى رمال ورضراض، ويسمى ذلك المكان الذي فيه مجمع الناس العلّاقى، وليس للبجة قرى ولا خصب فيه غناء، وإنما هم بادية ولهم نجب، يقال إن ما فى النجب أسير منها، ورقيقهم ونجبهم وسائر ما بأرضهم يقع إلى مصر وبمصر بغال وحمير ولا يعرف فى شىء من بلدان الإسلام أحسن ولا أثمن منها، ولهم من وراء أسوان حمير صغار فى مقدار الكباش، ملمّعة تشبه البغال الملمّعة، إذا أخرجت من مواضعها لم تعش، ولهم حمير يقال لها السملاقيّة بأرض الصعيد، زعموا أن أحد أبويها من الوحشى والآخر من الأهلى، فهى أسير تلك الحمير، وبالجفار حيّات فى مقدار الشبر، تثب من الأرض حتى تقع فى المحامل فتلسع، وأهل مصر فى أخبارهم يزعمون أن الجفار فى أيام فرعون كانت معمورة بالقرى والمياه، وأن الذي قال الله تعالى وَدَمَّرْنا ما كانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَما كانُوا يَعْرِشُونَ «2» هو الجفار، ولذلك سمى العريش عريشا. الجزء: النص ¦ الصفحة: 42 أرض الشام وأما الشام فإنّ غربيها بحر الروم ، وشرقيها البادية من أيلة إلى الفرات، ثم من الفرات إلى حدّ الروم، وشماليها بلاد الروم، وجنوبيها حدّ مصروتيه بنى إسرائيل، وآخر حدودها ممّا يلى مصر رفح، ومما يلى الروم الثغور، وهى ملطية والحدث ومرعش والهارونيّة والكنيسة وعين زربة والمصّيصة وأذنة وطرسوس والذي يلى الشرقىّ والغربى مدن قد ذكرناها فى تصوير الشام، (وفى إعادتها تطويل «1» ) . قد جمعت الثغور إلى الشام، وبعض الثغور تعرف بثغور الشام، وبعضها تعرف بثغور الجزيرة، وكلاهما من الشام، وذلك أن كل ما وراء الفرات من الشام، وإنما سمى من ملطية إلى مرعش ثغور الجزيرة، لأن أهل الجزيرة بها يرابطون وبها يغزون، لا لأنّها من الجزيرة. وكور الشام إنّما هى جند فلسطين وجند الأردنّ وجند حمص وجند دمشق وجند قنّسرين والعواصم والثغور، وبين ثغور الشام وثغور الجزيرة جبل اللّكام، وهو الفاصل بين الثغرين، وجبل اللكام هو جبل داخل فى بلد الروم، ويقال إنّه ينتهى فى بلد الروم إلى نحو من مائتى فرسخ، ويظهر فى بلد الإسلام «2» بين مرعش والهارونيّة وعين زربة فيسمى اللكام، إلى أن يجاوز اللاذقيّة ثم يسمى جبل بهراء، وتنوخ إلى حمص ثم يسمى جبل لبنان، ثم يمتد على الشام حتى ينتهى إلى بحر القلزم. وأما جند فلسطين- وهو أول أجناد الشام مما يلى المغرب- فإنّه تكون مسافته للمراكب طول يومين من رفح إلى حدّ اللّجون، وعرضه من يافا إلى ريحا «3» يومان، وأما زغر وديار قوم لوط والجبال والشراة فمضمومة إليها، وهى منها فى العمل إلى أيلة، وديار قوم لوط والبحيرة الميّتة وزغر إلى بيسان وطبريّة تسمى الغور لأنها بين جبلين، وسائر بلاد الشام مرتفع عليها، وبعضها من الأردنّ وبعضها من فلسطين فى العمل، وأما نفس فلسطين فهو ما ذكرته، وفلسطين ماؤها من الأمطار، وأشجارها وزروعها أعذاء «4» إلا نابلس، فإنّ بها مياها جارية، وفلسطين أزكى بلدان الشام، ومدينتها العظيمة الرّملة، وبيت المقدس يليها فى الكبر، وبيت المقدس مدينة مرتفعة على جبال يصعد إليها من كل مكان قصد من فلسطين، وبها مسجد ليس فى الإسلام الجزء: النص ¦ الصفحة: 43 مسجد أكبر منه «1» ، والبناء فى زاوية من غربى المسجد، ويمتد على نحو نصف عرض المسجد، والباقى من المسجد فارغ إلا موضع الصخرة، فإنّ عليه حجرا مرتفعا مثل الدكّة، وفى وسط الحجر على الصخرة قبة عالية جدا، وارتفاع الصخرة من الأرض إلى صدر القائم، وطولها وعرضها متقارب يكون بضعة عشر ذراعا، وينزل إلى باطنها بمراق من باب شبيه بالسرداب، إلى بيت يكون طوله نحو بسطة فى مثلها، وليس ببيت المقدس ماء جار سوى عيون لا تتسع للزروع، وهو من أخصب بلدان فلسطين، ومحراب داود عليه السلام بها- وهو بنيّة مرتفعة- ارتفاعها يشبه أن يكون خمسين ذراعا من حجارة، وعرضها نحو ثلاثين ذراعا على الحزر والتخمين، وأعلاه بناء مثل الحجرة وهو المحراب، وإذا وصلت إليها من الرّملة فهو أول ما يتلقاك من بناء بيت المقدس، وفى مسجد بيت المقدس لعامة الأنبياء المعروفين لكل واحد منهم محراب معروف، وعلى ناحية جنوب بيت المقدس على ستة أميال منه قرية تعرف ببيت لحم، وهى مولد عيسى عليه السلام، ويقال إن فى كنيسة منها قطعة من النخلة التى أكلت منها مريم، وهى مرفوعة عندهم يصونونها، ومن بيت لحم على سمته فى الجنوب مدينة صغيرة، شبيهة فى القدر بقرية- تعرف بمسجد ابراهيم عليه السلام، وفى المسجد الذي يجمّع فيه الجمعة قبر إبراهيم وإسحاق ويعقوب عليهم السلام صفا، وقبور نسائهم صفا بحذاء كل قبر من قبورهم قبر امرأة صاحبه «2» ، والمدينة فى وهدة بين جبال كثيرة كثيفة الأشجار، وأشجار هذه الجبال وسائر جبال فلسطين وسهلها زيتون وتين وجمّيز وعنب، وسائر الفواكه أقل من ذلك. ونابلس مدينة السامرة، يزعمون أن بيت المقدس هو نابلس، وليس للسامرة مكان من الأرض إلا بها، وآخر مدن فلسطين مما يلى جفار مصر مدينة يقال لها غزّة، بها قبر هاشم ابن عبد مناف، وبها مولد محمد بن إدريس الشافعى، وفيها أيسر «3» عمر بن الخطاب فى الجاهلية، لأنها كانت مستطرقا لأهل الحجاز، وبفلسطين نحو من عشرين منبرا على صغر رقعتها، وهى من أخصب بلاد الشام، وأما الجبال والشّراة فإنّهما بلدان متميزان، أما الشراة فمدينتها تسمى أذرح، وأما الجبال فإن مدينتها تسمى روات، وهما بلدان فى غاية الخصب والسّعة، وعامة سكانها العرب متغلبون عليها. وأما الأردن فإن مدينتها الكبرى طبريّة، وهى على بحيرة عذبة الماء، طولها اثنا عشر ميلا فى عرض فرسخين أو ثلاثة، وبها عيون جارية حارة، مستنبطها على نحو فرسخين من المدينة، فإذا انتهى الماء إلى المدينة على ما دخله من الفتور بطول السير إذا طرحت فيه الجلود انمعطت «4» ، ولا يمكن استعماله إلا بالمزاج، ويعمّ الجزء: النص ¦ الصفحة: 44 ذلك الماء حماماتهم ومياضىء لهم، والغور أوله هذه البحيرة، ثم يمتد على بيسان حتى ينتهى إلى زغر وريحا إلى البحيرة الميّتة، والغور ما بين جبلين غائر فى الأرض جدا، وبه عيون وأنهار ونخيل، ولا تستقر به الثلوج، وبعض «1» الغور من حدّ الأردنّ إلى أن تجاوز بيسان، فإذا جاوزته كان من حدّ فلسطين، وهذا البطن إذا امتدّ فيه السائر أداه إلى أيلة؛ وصور بلد من أحصن الحصون التى على شط البحر، عامرة خصبة، ويقال إنه أقدم بلد بالساحل، وإنّ عامة حكماء اليونان منها، وبالأردنّ كان مسكن يعقوب النبي عليه السلام، وجب يوسف عليه السلام «2» على اثنى عشر ميلا من طبريّة، على ما يلى دمشق ومياه طبريّة من البحيرة. وأما جند دمشق فإنّ قصبتها مدينة دمشق، وهى أجلّ «3» مدينة بالشام كلها، وهى فى أرض واسعة بين جبال تحيط «4» بها مياه كثيرة وأشجار وزروع متصلة، وتسمى تلك البقعة الغوطة، عرضها مرحلة فى مرحلتين، ليس بالمغرب مكان أنزه منه، ومخرج مائها من تحت كنيسة يقال لها الفيجة، وأول ما يخرج مقداره ارتفاع ذراع فى عرض باع، ثم يجرى فى شعب تتفجّر فيها العيون، فيأخذ منه نهر عظيم أجراه يزيد بن معاوية، يعرض فى كثير ثم يستنبط منه نهر المزّة ونهر القنوات، ويظهر عند الخروج من الشّعب بموضع يقال له النّيرب، ويقال إنه المكان الذي قال الله فيه (وَآوَيْناهُما إِلى رَبْوَةٍ ذاتِ قَرارٍ وَمَعِينٍ «5» ثم يبقى من هذا الماء عمود النهر فيسمى بردى، وعليه قنطرة فى وسط مدينة دمشق، لا يعبره الراكب غزارة وكثرة، فيفضى إلى قرى الغوطة، ويجرى الماء فى عامّة دورهم وسككهم وحمّاماتهم، وبها مسجد ليس فى الإسلام مسجد أحسن ولا أكثر نفقة منه، وأمّا الجدار والقبّة التى فوق المحراب عند المقصورة فمن بناء الصابئين، وكان مصلاهم ثم صار فى أيدى اليونانيين، فكانوا يعظمون فيه دينهم، ثم صار لليهود وملوك من عبدة الأوثان، فقتل فى ذلك الزمان يحيى بن زكريا عليه السلام، ونصب رأسه على باب هذا المسجد، بباب يسمى جيرون، ثم تغلّب عليه النصارى فصار فى أيديهم كنيسة، يعظمون فيها دينهم، حتى جاء الإسلام فصار للمسلمين واتخذوه مسجدا، وعلى باب جيرون حيث نصب رأس يحيى بن زكرياء نصب رأس الحسين بن على عليهما السلام «6» ، فلما كان فى أيام الوليد بن عبد الملك عمره فجعل أرضه رخاما مفروشا، وجعل وجه جدرانه رخاما مجزّعا، وأساطينه رخاما موشّى، ومعاقد رؤوس أساطينه ذهبا، ومحرابه ذهبا «7» مرصعا بالجواهر، ودور السقف كله ذهبا مكتبا، كما تطوف ترابيع جدار المسجد، يقال إنه أنفق فيه وحده خراج الشام، وسطحه رصاص، وسقفه خشب مذهب، يدور الماء على رقعة المسجد، حتى الجزء: النص ¦ الصفحة: 45 إذا فجرّ فيه انبسط على جميع الأركان سواء، ومن جند دمشق بعلبكّ وهى مدينة على جبل، عامة أبنيتها من حجارة وبها قصور من حجارة، قد بنيت على أساطين شاهقة، ليس بأرض الشام أبنية حجارة أعجب ولا أكبر منها، وأطرابلس مدينة على بحر الروم عامرة، ذات نخل وقصب سكر وخصب. وأما جند حمص فإن مدينتها حمص، وهى مدينة فى مستو خصبة جدا، من أصح بلدان الشام تربة، فى أهلها جمال مفرط، وليس بها عقارب ولا حيات، ولها مياه وأشجار وزروع كثيرة، وأكثر زروع رساتيقها أعذاء، وبها كنيسة بعضها مسجد جامع وبعضها كنيسة، وهى من أعظم كنائس الشام، وعامة طريق حمص مفروشة بالحجارة؛ وأما أنظرظوس فهو حصن على بحر الروم، ثغر لأهل حمص، وبه كان مصحف عثمان بن عفان؛ وأما سلمية فهى مدينة الغالب على سكانها بنو هاشم، على طرف «1» البادية خصبة، وأما شيزر وحماة فإنهما مدينتان صغيرتان نزهتان، كثيرتان الماء والشجر والزرع. وجند فنّسرين مدينتها حلب، وهى عامرة بالأهل جدا، على مدرج طريق العراق إلى الثغور وسائر الشامات وقنسرين مدينة تنسب الكورة إليها، وهى من أصغر المدن بها؛ ومعرّة النعمان مدينة هى وما حواليها من القرى أعذاء، ليس بجميع نواحيها ماء جار ولا عين، وكذلك أكثر ما بجميع جند قنسرين أعذاء، ومياههم من السماء وخناصرة حصن على شفير البريّة، كان يسكنه عمر بن عبد العزيز؛ وأما العواصم فاسم الناحية، وليس موضع بعينه يسمى العواصم، وقصبتها أنطاكية، وهى بعد دمشق أنزه بلد بالشام، عليها سور من صخر يحيط بها، وبجبل مشرف عليها فيه مزارع وأرحية ومراع وأشجار، وما يستقل به أهلها من مرافقها، ويقال إن دور السور للراكب يومان، وتجرى مياههم فى دورهم وسككهم «2» ومسجد جامعهم، وبها ضياع وقرى ونواح خصبة جدا، وأما الصخرة فإنّها تعرف بصخرة موسى، ويقال إن موسى اجتمع مع الخضر عليهما السلام فى هذا الموضع؛ وأما بالس فهى مدينة على شط الفرات صغيرة، وهى أول مدن الشام من العراق، والطريق إليها عامر، وهى فرضة الفرات لأهل الشام؛ وأما منبج فهى مدينة فى بريّة، الغالب على مزارعها الأعذاء وهى خصبة، ومنها البحترى الشاعر وثابت ابنه بها «3» ، وسكانها عرب، وبقربها سنجة، وهى مدينة صغيرة بقربها قنطرة حجارة تعرف بقنطرة سنجة، ليس فى الإسلام قنطرة أعجب منها، وأما سميساط فهى على الفرات، وكذلك جسر منبج، وهما مدينتان صغيرتان خصبتان، لهما زروع سقى ومباخس «4» ، وماؤهما من الفرات، وملطية مدينة كبيرة من أكبر الثغور التى دون جبل اللّكام، وتحتف بها جبال كثيرة الجوز، وسائر الثمار مباح لا مالك له، وهى من الجزء: النص ¦ الصفحة: 46 قرى بلد الروم على مرحلة، وحصن منصور حصن صغير فيه منبر وزروعه عذى، والحدث ومرعش هما مدينتان صغيرتان عامرتان، فيهما مياه وزروع وأشجار كثيرة، وهما ثغران؛ وأما زبطرة فإنها حصن كان من أقرب هذه الثغور إلى بلد الروم، خرّبه الروم؛ والهارونية من غربى جبل اللّكام فى بعض شعابه، وهى حصن صغير بناه هارون الرشيد فنسب إليه، واسكندرونة حصن على ساحل بحر الروم صغير به نخيل؛ وبيّاس مدينة صغيرة على شط بحر الروم، ذات نخل وزروع خصبة، والتّينات حصن على شط البحر أيضا، فيه مجمع لخشب الصنوبر، الذي ينقل إلى الشامات وإلى مصر والثغور؛ والكنيسة حصن فيه منبر، وهو ثغر فى معزل من شط البحر؛ والمثقّب حصن صغير بناه عمر بن عبد العزيز، به منبر ومصحف له؛ وعين زربة بلد يشبه مدن الغور، بها نخيل وهى خصبة واسعة الثمار والزروع والمرعى، وهى المدينة التى أراد وصيف الخادم أن يدخل بلد الروم منها، فأدركه المعتضد هناك، والمصّيصة مدينتان: إحداهما تسمى المصّيصة والأخرى كفربيّا على جانبى جيحان، وبينهما قنطرة حجارة حصينة جدا، على شرف من الأرض ينظر منها الجالس فى المسجد الجامع إلى قرب البحر نحو أربعة فراسخ، وجيحان يخرج من بلد الروم حتى ينتهى إلى المصّيصة ثم إلى رستاق يعرف بالملّون حتى يقع فى بحر الروم، وأذنة مدينة تكون مثل أحد جانبى المصيصة على نهر يسمى سيحان، وهى مدينة خصبة عامرة، وهى منقطعة على نهر سيحان فى غربى النهر، وسيحان هو دون جيحان فى الكبر، عليه قنطرة حجارة عجيبة البناء طويلة جدا، ويخرج هذا النهر من بلد الروم أيضا، وطرسوس مدينة كبيرة عليها سوران من حجارة، تشتمل على خيل «1» ورجال وعدّة، وهى فى غاية العمارة والخصب، وبينها وبين حدّ الروم جبال، هى الحاجز بين المسلمين والروم، ويقال إنه كان بها زهاء مائة ألف فارس- فيما يزعم أهلها، وليس من مدينة عظيمة من حد سجستان إلى كرمان وفارس والجبال وخوزستان وسائر العراق والحجاز واليمن والشامات ومصر إلا وبها لأهلها دار وأكثر، ينزلها أهلها إذا وردوها؛ وأولاس حصن على ساحل البحر، بها قوم متعبدون، وهى آخر ما على بحر الروم من العمارة للمسلمين. وأمّا رقيم فإنّها مدينة بقرب البلقاء، وهى صغيرة منحوتة بيوتها كلها، وجدرانها من صخر كأنها حجر واحد، والبحيرة الميّتة «2» من الغور بقرب زغر، وإنما تسمى الميّتة لأنه ليس فيها شىء من الحيوان لا سمك ولا غيره، وتقذف بشىء يسمى الحمّر، منه يلقّحون كروم فلسطين- كما يلقّح النخل بطلع الفحّال «3» - منها، وبزغر بسر «4» يقال له الانقلاء، لم أر بالعراق ولا بمكان أعذب ولا أحسن منظرا منه، كأن لونه الزعفران لا يغادر منه شيئا، ويكون أربعة منه شبرا، وديار قوم لوط هى أرض تسمى الأرض المقلوبة، وليس بها زرع الجزء: النص ¦ الصفحة: 47 ولا ضرع ولا حشيش، وهى بقعة سوداء قد فرشت بحجارة كلها متقاربة فى الكبر، يروى أنها الحجارة المسوّمة التى رمى بها قوم لوط، وعلى عامة تلك الحجارة كالطابع؛ ومعان مدينة صغيرة سكانها بنو أمية ومواليهم وهو حصن من الشّراة، وحوران والبثنيّة هما رستاقان عظيمان من جند دمشق، مزارعهما مباخس، وهناك بصرى وعند البلقاء عمّان التى جاء فى الخبر فى ذكر الحوض أنه ما بين عمّان وبصرى، وبغراس على طريق الثغور، وبها دار ضيافة لزبيدة، وليس بالشام دار ضيافة غيرها، وبيروت «1» مدينة على شط بحر الروم، خصبة «2» من عمل دمشق، بها كان مقام الأوزاعى. وأما المسافات بالشام «3» فإن طولها من ملطية إلى رفح: فمن ملطية إلى منبج 4 أيام، ومن منبج إلى حلب يومان، ومن حلب إلى حمص 5 أيام، ومن حمص إلى دمشق 5 أيام، ومن دمشق إلى طبرية 4 أيام، ومن طبرية إلى الرملة 3 أيام، ومن الرملة إلى رفح يومان، فذلك 25 مرحلة، وعرضها فى بعض المواضع أكثر من بعض، فأعرضها طرفاها، وأحد طرفيها من الفرات من جسر منبج على مبنج ثم على قورس فى حدّ قنّسرين، ثم على العواصم فى حد أنطاكية، ثم يقطع جبل اللكام إلى بيّاس، ثم إلى التينات ثم على المثقّب ثم على المصّيصة ثم على أذنة ثم على طرسوس وذلك نحو 10 مراحل، وإن سلكت من بالس فإلى حلب، ثم إلى أنطاكية ثم إلى اسكندرونة ثم إلى بيّاس حتى تنتهى إلى طرسوس، فالمسافة أيضا نحو 10 مراحل، غير أن السمت المستقيم هو الطريق الأول. وأما الطرف الآخر فهو حدّ فلسطين، فيأخذ من البحر من حدّ يافا حتى ينتهى إلى الرملة، ثم إلى القدس، ثم إلى أريحا «4» ، ثم إلى زغر ثم إلى جبال الشراة ثم إلى الشراة إلى أن ينتهى إلى معان ومقدار هذا 6 مراحل. فأما ما بين هذين الطرفين من الشام فهو مخصّر، ولا يكاد يزيد عرض موضع من الأردنّ ودمشق وحمص على أكثر من 3 أيام، لأن من دمشق إلى اطرابلس على بحر الروم يومين غربا، وإلى أقصى الغوطة حتى يتصل بالبادية شرقا يوما، ومن حمص إلى انظر طوس على بحر الروم يومين غربا، ومن حمص إلى سليمة على البادية شرقا يوما، ومن طبرّية إلى صور على البحر غربا يوما، ومنها إلى أن تجاوز فيق على حدّ ديار بنى فزارة شرقا يوما. فهذه مسافتا طول الشام وعرضه. وأما المسافة فى أضعافه فإنا نبدأ بفلسطين وهى أول أجناد الشام مما يلى المغرب وقصبتها الرملة، فمن الرملة إلى يافا نصف مرحلة، ومن فلسطين إلى عسقلان مرحلة، وإلى غزّة مرحلة، ومن الرملة إلى بيت المقدس يوم، ومن بيت المقدس إلى مسجد ابراهيم يوم، ومن بيت المقدس إلى ريحا مرحلة، ومن بيت المقدس إلى البلقاء يومان، ومن الرملة إلى قيساريّة يوم، ومن الرملة إلى نابلس يوم، ومن ريحا إلى زغر يومان، ومن زغر إلى جبال الشراة يوم ومن جبال الشراة الجزء: النص ¦ الصفحة: 48 إلى آخر الشراة يوم «1» ، وأما الأردنّ فإن قصبتها طبريّة، فمنها إلى صور يوم «2» ومنها إلى عقبة فيق يوم «3» ، ومنها إلى بيسان يومان خفيفان، ومنها إلى عكّا يوم، والأردنّ أصغر أجناد الشام وأقصرها مسافة. وأما جند دمشق فإنّ قصبتها دمشق، ومنها إلى بعلبكّ يومان، وإلى إطرابلس يومان، وإلى بيروت يومان، وإلى صيدا يومان، وإلى أذرعات 4 أيام، وإلى أقصى الغوطة يوم، وإلى حوران والبثنيّة يومان وأمّا جند قنّسرين فإنّ مدينتها قنسرين، غير أنّ دار الإمارة والأسواق ومجمع الناس والعمارات «4» بحلب، فمن حلب إلى بالس يومان، ومن حلب إلى قنسرين يوم، ومن حلب إلى الأثارب يوم، ومن حلب إلى قورس يوم، ومن حلب إلى منبج يومان، ومن حلب إلى الخناصرة يومان. وأمّا العواصم فإنّ قصبتها انطاكية، ومنها إلى اللاذقية «5» 3 مراحل «6» ، ومنها إلى بغراس يوم، وإلى الأثارب يومان، وإلى حمص 5 مراحل، ومنها إلى مرعش يومان، وإلى الحدث 3 أيام. وأما الثغور فإنّه لا قصبة لها، وكل مدينة قائمة بنفسها، ومنبج قريبة من «7» الثغور، ومن منبج إلى الفرات مرحلة خفيفة، ومن منبج إلى قورس مرحلتان، ومن منبج إلي ملطية 4 أيام، ومن منبج إلى سميساط يومان «8» ، ومن منبج إلى الحدث يومان، ومن سميساط إلى شمشاط يومان «9» ، ومن شمشاط إلى حصن منصور يوم، ومن حصن منصور إلى ملطية يومان، ومن حصن منصور إلى زبطرة يوم، ومن حصن منصور إلى الحدث يوم، ومن الحدث إلى مرعش يوم، ومن ملطية إلى مرعش ثلاث مراحل كبار «10» . فهذه مسافات ثغور الجزيرة وأما الثغور الشامية: فمن اسكندرونة إلى بيّاس مرحلة خفيفة، ومن بيّاس إلى المصّيصة مرحلتان، ومن المصيصة إلى عين زربة يوم، ومن المصّيصة إلى أذنة يوم، ومن أذنة إلى طرسوس يوم، ومن طرسوس إلى أولاس على بحر الروم يومان «11» ، ومن طرسوس إلى الحوزات يومان، ومن طرسوس إلى بيّاس على بحر الروم فرسخان، ومن بيّاس إلى الكنيسة والهارونية أقل من يوم، ومن الهارونية إلى مرعش من ثغور الجزيرة أقل من يوم «12» ، فهذه جملة مسافات الثغور «13» . وقد انتهى قولنا فيما أردنا ذكره من الشام وذكرنا المغرب ومصر والشام وأقاليم ممتدة على بحر الروم واستوفيناها، ويصل ذلك بذكر الروم. الجزء: النص ¦ الصفحة: 49 بحر الروم وأمّا بحر الروم فإنه خليج من البحر المحيط بين الأندلس وبين البصرة «1» من بلاد طنجة، وبين طنجة وبين جزيرة جبل طارق من أرض الأندلس عرضه اثنا عشر ميلا «2» ، ثم يتسع ويعرض فيمتد على سواحل المغرب فيما يلى شرقى هذا البحر، حتى ينتهى إلى أرض مصر ويمتد على أراضى مصر حتى ينتهى إلى أرض الشام ممتدا عليها، ثم يعطف بناحية الثغور فيدور على بلد الروم من أنطاكية وما قاربها، ثم يصير غربىّ البحر إلى خليج القسطنطينية ويعبره، ثم يمتد على سواحل أثيناس، ثم على سواحل رومية ثم يمتد على قرب إفرنجة فيصير «3» البحر حينئذ جنوبيا، ويكون على ساحله افرنجه، إلى أن يتصل بطرطوشة من بلاد الأندلس، ويمتد على البلاد التى وصفناها فى صفة الأندلس، حتى يحاذى البصرة «4» بجزيرة جبل طارق، ثم يمتد على البحر المحيط إلى شنترين، وهى آخر بلاد الإسلام على هذا البحر من جانب بلد الروم، فلو أن رجلا سار من البصرة على السواحل حتى يعود إلى ما يحاذيه من أرض الأندلس، لا يحتاج إلى أن يعبر نهرا أو خليجا أمكنه. وقد «5» ذكرت ما على هذا البحر من المدن والبقاع، من السوس الأقصى إلى أن ينتهى إلى أرض مصر وإلى آخر الشام، من الثغور إلى أولاس وما يحيط به من بلد الأندلس، ما يغنى عن إعادته. فإذا جزت أولاس دخلت «6» جبالا تنتهى إلى بحر الروم يقال لها قلمية، وقلمية مدينة كانت للروم، وبعض أبواب طرسوس يسمى باب قلمية ينسب إليها، وقلمية ليست على البحر ولا على شط هذا البحر، وإذا جزت هذا الموضع بنحو من مرحلة مكان يعرف باللّامس قرية على شط البحر، فيه يكون الفداء بين المسلمين والروم، يكون الروم فى البحر فى السفن والمسلمون فى البر فيتفادون، وأنطاكية حصن للروم على شط البحر، منيع واسع الرستاق كثير الأهل، ثم ينتهى إلى شط الخليج، وهو خليج مالح يعرف بخليج القسطنطينية، وعليه سلسلة ممتدة لا تعبر فيه سفن البحر ولا غيرها إلا بإذن، مثل المأصر «7» ، ويقع فى بحر الروم من البحر المحيط من وراء الروم؛ وسواحل أثيناس ورومية ذات الجزء: النص ¦ الصفحة: 50 قرى ومزارع ومدن كبار، وأثيناس ورومية مدينتان بهما مجمع النصارى بقرب البحر، فأما اثيناس فإنها دار حكمة اليونانيين وبها تحفظ علومهم وحكمهم، وأما رومية فإنها ركن من أركان ملك النصارى، فإنّ للنصارى كرسيا بأنطاكية وكرسيا بالأسكندرية وكرسيا برومية، والكرسى الذي بالبيت المقدّس محدث، لم يكن فى أيام الحواريين، وإنما اتخذوه بعد ذلك لتعظيم البيت المقدّس، ثم يتصل بالافرنجة على ساحل البحر إلى أن يحاذى صقلّية، ويجاوزها حتى يتصل بطرطوشة من أرض الأندلس، وقد ذكرنا المسافة التى بأرض المغرب ومصر والشام إلى آخر الإسلام والثغور فى كل مكان منه، ما يغنى عن إعادته. وفى هذ البحر جزائر صغار وكبار وجبال، فأمّا المعمور بالناس فهى صقلّية- وهى أكبرها، وإقريطش «1» وقبرس وجبل القلال، فأما صقاية فإنها قريبة من الافرنحة، حتى يرى منها أرض افرنجة، حتى يرى منها أرض افرنجة، وتثمر الزروع بها، وهى جزيرة طولها نحو سبع مراحل، وبصقلية من الخصب والسّعة والزروع والمواشى والرقيق- أكثر ما يقع منها- ما يفضل على سائر ممالك الاسلام المتاخمة للبحر، واقريطش دونها فى العرصة وفى العمارة، وسكانها جميعا مسلمون أهل غزو، وبين أظهرهم نبذ من النصارى كما يكون ببلدان المسلمين؛ وأما قبرس فإن أهلها نصارى كلهم، ليس فيهم من المسلمين أحد، وهى تقارب فى الكبر والعمارة اقريطش، خصبة جدا، افتتحها معاوية صلحا فهادن أهلها فهى فى هدنة المسلمين، وهم نصارى من الروم، وعرض هذا البحر من سواحل الشام- إذا استوت الريح يومان إلى قبرس، ومن قبرس إلى الجانب الآخر من هذا البحر نحو ذلك، ويقع بقبرس الميعة «2» التى تحمل إلى بلدان الإسلام من بلد الروم، والمصطكى تكون بقبرس؛ وأما جبل القلال «3» فإنّه كان جبلا فيه مياه خرّارة، فوقع إليه قوم من المسلمين فعمروه، وصاروا فى وجوه الافرنجة، لا يقدر عليهم لامتناع مواضعهم «4» ، ومقداره فى الطول يومان، وليس فى البحار أحسن «5» حاشية من هذا البحر، فإنّ العمارات فى الجانبين ممتدة غير منقطعة، وسائر البحار يعرض فى شطوطها المفاوز والمقاطع، وتترد فيه سفن المسلمين والروم، يعبر كل فريق إلى جانب الآخر سواء فيغنمون، وربما اجتمع فيه الجيوش من المسلمين والروم فى السفن، فيجتمع لكل فريق مائة سفينة حربية وأكثر من ذلك، فيكون حربهم فى الماء، وهذه «6» صفة هذا البحر وما يكون فيه. الجزء: النص ¦ الصفحة: 51 أرض الجزيرة وأما الجزيرة فإنّها ما بين دجلة والفرات، وتشتمل على ديار ربيعة ومضر، ومخرج ماء «1» الفرات من داخل بلد الروم من ملطية على يومين، ويجرى بينها وبين سميساط، ويمرّ على سميساط وجسر منبج وبالس إلى الرقّة وقرقيسيا والرحبة وهيت والأنبار وقد انقطع حدّ الفرات مما يلى الجزيرة، ثم يعدل حدّ الجزيرة فى سمت الشمال إلى تكريت، وهى على دجلة حتى ينتهى عليها إلى السنّ مما يلى الجزيرة والحديثة والموصل وجزيرة ابن عمر، ثم يتجاوز آمد فينقطع حدّ دجلة على بعد من حدّ أرمينية، ثم يمتد مغرّبا إلى سميساط ثم ينتهى إلى مخرج ماء الفرات فى حدّ الإسلام من حيث ابتدأنا. ومخرج ماء «2» دجلة فوق آمد من حد بلد الأرمن «3» ، وعلى شرقى دجلة وغربى الفرات مدن وقرى، تنسب إلى الجزيرة- وإن كانت خارجة عنها- لقربها منها. وأما مسافاتها: فمن مخرج ماء الفرات فى حد ملطية إلى سميساط يومان، ومن سميساط إلى جسر منبج 4 أيام، ومن جسر منبج إلى بالس 4 أيام، ومن بالس إلى الرقة يومان، ومن الرقة إلى الأنبار 20 مرحلة، ومن الأنبار إلى تكريت يومان، ومن تكريت إلى الموصل 6 أيام، ومن الموصل إلى آمد 4 أيام، ومن آمد إلى سميساط 3 أيام، ومن سميساط إلى ملطية 3 أيام، ومن الموصل إلى بلد مرحلة، ومن بلد إلى نصيبين 3 مراحل، ومن نصيبين إلى راس عين 3 مراحل، ومن راس عين إلى الرقة 4 أيام، ومن راس عين إلى حرّان «4» 3 أيام، ومن حرّان إلى جسر منبج يومان، ومن حرّان إلى الرّها يوم «5» ، ومن الرها إلى سميساط يوم، ومن حرّان إلى الرّقة 3 أيام. وأما صفة مدنها وبقاعها فإن أنزه بلد بالجزيرة وأكثرها خضرة بلد نصيبين، وهى مدينة كبيرة فى مستوى من الأرض، ومخرج «6» مائها من شعب جبل يعرف ببالوسا، وهو أنزه مكان بها، حتى ينبسط فى بساتينها ومزارعها، ولهم مع ذلك فيما بعد عن المدينة مباخس كثيرة، وبها دير عظيمة وحواليها ديارات وصوامع للنصارى كثيرة، وبها عقارب كبيرة قاتلة موصوفة، وبالقرب من نصيبين جبل ماردين، من الأرض إلى ذروته نحو من فرسخين، وبه «7» قلعة منيعة لا يستطاع فتحها عنوة، وبه حيات موصوفة تفوق الحيّات بسرعة القتل، الجزء: النص ¦ الصفحة: 52 وهو جبل به جواهر الزجاج. وأما الموصل فهى مدينة على غربى دجلة، صحيحة التربة والهواء، ليس لهم سوى ماء دجلة للشفة «1» ، وليس لهم من دجلة زرع ولا شجر إلا الشيء اليسير فى عدوة دجلة من شرقيّها، وزروعهم مباخس، وفواكههم تحمل من سائر النواحى، وهى مدينة عامّة أبنيتها بالجص والحجارة، كبيرة غنّاء؛ وبلد مدينة صغيرة على غربى دجلة، و (ليس) بها ماء جار سوى دجلة وشجر وزروع ومباخس كثيرة؛ وأمّا سنجار فإنّها مدينة فى وسط بريّة ديار ربيعة، بقرب جبل ينسب إلى سنجار، وبها نخيل، وليس بالجزيرة بلد به نخل سوى سنجار، إلا أن يكون على الفرات وبهيت والأنبار وتل أعفر؛ وأمّا دارا فهى مدينة صغيرة نزهة، تشتمل على مياه جارية وأشجار وزروع ولها مباخس، وهى فى سفح جبل؛ وكفرتوثا فى مستوى من الأرض، وهى مدينة أكبر من دارا، ذات نهر وشجر وزروع، ولها مباخس كثيرة، وراس عين «2» مدينة على مستوى، وأرضها الغالب عليها القطن، ويخرج منها زيادة على ثلاثمائة عين، كلها صافية تحكى ما تحتها على قامات، فتجتمع مياهها حتى يصير منها نهر الخابور، الذي يقع إلى قرقيسيا، ومسافة «3» هذا النهر نحو عشرين فرسخا قرى ومزارع، وراس عين مدينة أكبر من كفرتوثا، ولهم زروع وأشجار مستقلة عن البنيان، على سنن هذه المياه، وهى خصبة كثيرة المباخس؛ وأما آمد فهى على دجلة من شرقيّها، وسورها فى غاية الحصانة، وهى كثيرة الشجر «4» والزروع؛ وأما جزيرة ابن عمر فهى مدينة صغيرة على غربىّ دجلة، لها أشجار ومياه؛ وشمشاط هى ثغر الجزيرة، لأنها فى غربىّ دجلة وشرقى الفرات؛ وأما ملطية وما ذكرناه من ثغور «5» الشام، فإنما «6» نسبناها إلى الجزيرة، لأن أهلها يرابطون بها لقربها منهم، وإلا فثغر الجزيرة على الحقيقة شمشاط؛ والحديثة على شط دجلة من شرقيّه، وهى مدينة نزهة جدا، ذات بساتين وأشجار وزروع ولها مباخس، والسنّ على شرقىّ دجلة، وهى مدينة صغيرة بقربها جبل بارمّا على مرحلة، وجبل بارمّا هو جبل تشقه دجلة فتجرى فى وسطه، وفى الماء منه عيون القير والنفط، وجبل بارمّا يمتد إلى وسط الجزيرة مما يلى المغرب، ويقال إنه مما يلى المشرق، يمتد إلى حدّ كرمان وهو جبل ماسبذان، وأما ديار مضر فإن الرّقّة أكبر ما فيها من المدن، والرقّة والرافقة مدينتان متلاصقتان، وفى كل واحدة منهما مسجد جامع، وهما على شرقىّ الفرات كثيرتا الأشجار والمياه فى مستوى الأرض خصيبتان «7» ، وفى غربى الفرات الجزء: النص ¦ الصفحة: 53 بين الرقّة وبالس أرض صفين، وبها قبر عمّار بن ياسر قتيل الفئة الباغية رضى الله عنه، وبالرقة موضع «1» كان بيت مال علىّ عليه السلام «2» أيام صفين، وحرّان تليها فى الكبر وهى مدينة الصابئين، وبها سدنتهم السبعة عشر، وبها تل عليه مصلّى يعظّمه الصابئون، وينسب إلى ابراهيم خليل الله عليه السلام، وهي- من بين تلك المدن- قايلة الماء والشجر ولها مباخس؛ والرّها مدينة وسطة والغالب على أهلها النصارى، وفيها زيادة على ثلاثمائة دير وصوامع كثيرة ورهابين، ولهم بها كنيسة ليس فى بلاد الاسلام «3» كنيسة أعظم منها، ولها مياه وبساتين كثيرة وزروع، وهي أصغر من كفرتوثا؛ وجسر منبج وسميساط هما مدينتان نزهتان لهما زروع ومياه وبساتين ومباخس، وهما غربىّ الفرات؛ وأمّا قرقيسيا فإنها على الخابور، ولها بساتين وأشجار كثيرة وزروع نزهة؛ ورحبة مالك ابن طوق أكبر منها، وهى كثيرة الشجر والمياه على غربىّ الفرات؛ وهيت مدينة وسطة على غربىّ الفرات وعليها حصن، وهى عامرة آهلة، وهى بحذاء تكريت «4» ، وبها قبر عبد الله بن المبارك؛ والأنبار مدينة وسطة، وبها آثار أبنية لأبى العباس السفاح «5» ، أول خلفاء بنى العباس «6» ، وكانت داره التى يسكنها، وهى مدينة عامرة آهلة ذات نخل وزرع وشجر وهي شرقىّ الفرات. وبالجزيرة مفاوز يسكنها قبائل من ربيعة ومضر أهل خيل وغنم، والإبل عندهم أقل منها بالبادية، وأكثرهم متصلون بالقرى وبأهلها، فهم بادية حاضرة «7» ؛ والزّابان نهران كبيران إذا جمعا يكونان نحو النصف من دجلة، وأكبرهما مما يلى الحديثة، ومخرجهما من قرب جبال أذربيجان؛ وتكريت بلد على غربىّ دجلة أكثر أهلها نصارى، وأسفل من تكريت فوهة نهر دجيل «8» ، الذي يأخذ من دجلة فتعمر «9» عليه قطعة كبيرة من سواد «10» بغداد حتى يقاربها؛ وعانة مدينة صغيرة فى وسط الفرات، يطوف بها خليج من الفرات؛ وحصن مسلمة بلغنى أنه كان لمسلمة بن عبد الملك، وبه طائفة من بنى أمية، وماؤه من السماء الجزء: النص ¦ الصفحة: 54 وبه مباخس؛ وتلّ بنى سيّار صغيرة يسكنها عرب من غنىّ، وأكثرها كانت للعباس بن عمرو الغنوىّ؛ وباجروان منزل نزه خصب واسع؛ والدّالية مدينة بشط الفرات صغيرة من غربيه «1» بها أخذ صاحب الخال الذي كان خرج بالشام؛ والجودىّ جبل بقرب جزيرة ابن عمر، يقال إن سفينة نوح استقرت عليه، وتحته قرية تعرف بثمانين، يقال إنّ جميع من كان مع نوح فى السفينة ثمانون رجلا «2» ، بنوا تلك القرية فسميت بهم، ولم يعقب أحد منهم؛ وسروج «3» مدينة خصبة كثيرة الأعناب والفواكه، لها رستاق من حران على نحو يوم. الجزء: النص ¦ الصفحة: 55 العراق وأما العراق فإنه «1» فى الطول من حد تكريت إلى حدّ «2» عبادان على بحر فارس، وفى العرض عند بغداد من قادسية الكوفة إلى حلوان، وعرضه بواسط- من واسط إلى قريب الطّيب، وعرضه بالبصرة- من البصرة إلى حدود جبّى، والذي يطوف بحدوده من تكريت مما يلى المشرق حتى يجوز بحدود شهروز، ثم يطوف على حدود حلوان وحدود السيروان والصيمرة وحدود الطيب وحدود السوس، حتى ينتهى إلى حدود جبّى، ثم إلى البحر، فيكون فى هذا الحد من تكريت إلى البحر تقويس، ويرجع إلى حدّ المغرب من وراء البصرة فى البادية على سواد البصرة وبطائحها إلى واسط، ثم على سواد الكوفة وبطائحها إلى الكوفة، ثم على ظهر الفرات إلى الأنبار ثم من الأنبار إلى حدّ «3» تكريت بين دجلة والفرات، وفى هذا الحدّ من البحر إلى تكريت تقويس أيضا، فهذا المحيط بحدود العراق. وأما المسافات فإنّه من تكريت إلى البحر مما يلى المشرق مقوّس نحو شهر، ومن البحر راجعا فى حدّ المغرب إلى تكريت مقوّس نحو شهر، ومن بغداد إلى سامرّا 3 مراحل، ومن سامرّا إلى تكريت مرحلتان «4» ، ومن بغداد إلى الكوفة 4 مراحل، ومن الكوفة إلى القادسية مرحلة، ومن بغداد إلى واسط 8 مراحل، ومن بغداد إلى حلوان 6 مراحل، ومن بغداد إلى حدود الصيمرة والسيروان نحو ذلك، ومن واسط إلى البصرة 8 مراحل، ومن الكوفة إلى واسط على طريق البطائح 6 مراحل، ومن البصرة إلى البحر مرحلتان، وعرض العراق ببغداد من حلوان إلى القادسية 11 مرحلة، وعرضه عند سامرّا من «5» الدجلة إلى حدّ شهرزور وأذربيجان نحو 5 مراحل، والعامر منه أقل من مرحلة، وعرضه بواسط نحو 4 مراحل وعرضه بالبصرة- من البصرة إلى حدود جبّى نحو مرحلة «6» . وأما مدنها فالبصرة مدينة عظيمة لم تكن فى أيام العجم، وإنما اختطها المسلمون أيّام عمر بن الخطاب، ومصّرها عتبة بن غزوان، وهي خطط وقبائل كلها، ويحيط بغربيّها البادية مقوّسا، وليس فيها مياه إلا أنهار، الجزء: النص ¦ الصفحة: 56 وذكر بعض أهل الأخبار أن أنهار البصرة عدّت أيام بلال بن أبى بردة فزادت على مائة ألف نهر وعشرين ألف نهر، تجرى فيها الزواريق، وقد كنت أنكر ما ذكر من عدد هذه الأنهار فى أيام بلال بن أبى بردة، حتى رأيت كثيرا من تلك البقاع، فربما رأيت فى مقدار رمية سهم عددا من الأنهار صغارا، تجرى فى كلها زواريق صغار، ولكل نهر اسم ينسب به إلى صاحبه الذي احتفره، أو إلى الناحية التى يصب فيها، وأشباه ذلك من الأسامى، فجوّزت أن يكون ذلك فى طول هذه المسافة وعرضها، وأكثر أبنيتها بالآجر، وهى من بين سائر العراق مدينة عشريّة، ولها نخيل متصلة من عبدسى إلى عبّادان نيف وخمسون فرسخا متصلا، لا يكون الإنسان منه فى مكان إلا وهو «1» فى نهر ونخيل، أو يكون بحيث يراهما، وهى فى مستوى لا جبال فيه، ولا بحيث يقع البصر على جبال، وبها قبر طلحة بن عبيد الله من الصحابة فى المدينة، وخارج المربد فى البادية قبر أنس بن مالك والحسن البصرى وابن سيرين والمشاهير من علماء البصرة وزهّادها، ولها نهر يعرف بنهر الأبلّة طوله أربعة فراسخ ما بين البصرة والأبلّة، وعلى حافتى هذا النهر قصور وبساتين متصلة، كأنها بستان واحد قد مدّت على خيط واحد، وتتشعب هذه الأنهار إلى أنهار كثيرة، فمنها ما يقارب هذا النهر فى الكبر، كأنّ نخيلها غرست على خيط واحد، وهذه الأنهار كلها منخرقة «2» بعضها إلى بعض، وكذلك عامة أنهار البصرة، حتى إذا جاءهم مدّ البحر تراجع الماء فى كل نهر، حتى يدخل نخيلهم وحيطانهم وجميع أنهارهم من غير تكلف، فإذا جزر الماء انحط حتى تخلو منه البساتين والنخيل ويبقى فى الأنهار، إلا أن الغالب على مائهم الملوحة، وإنما يستقون إذا جزر الماء إلى حدّ نهر معقل، ثم يعذب فلا يضره ماء البحر، والأبلّة على هذا النهر «3» ، وعلى ركن الأبلة فى نهرها «4» خور عظيم الخطر، وربما سلمت السفن من سائر الأماكن فى البحر وغرقت فى هذا الخور، يعرف بخور الأبلّة، والأبلة مدينة صغيرة خصبة عامرة، حدّ لها نهر الأبلة إلى البصرة، وحدّ لها دجلة- التى يتشعب منها هذا النهر- عاطفا عليها، وينتهى عمودها إلى البحر بعبّادان، وللبصرة مدن: فأمّا عبّادان والأبلّة والمفتح والمذار فعلى شط دجلة، وهى مدن صغار متقاربة فى الكبر عامرة، إلا الأبلة فإنها أكبرها، وفى حدود البصرة بين أضعاف قراها آجام كثيرة وبطائح، أكثرها يسار فيها بالمرادى «5» ، قريبة القعر كأنها كانت على قديم الأيام أرضا مكشوفة، ويشبه أن يكون لما بنيت البصرة وشقّت الأنهار، واتصل بعضها ببعض فى القرى والمجارى «6» ، تراجعت المياه وغلبت الجزء: النص ¦ الصفحة: 57 على ما يسفل من أرضها، فصارت بحارا وهى البطائح «1» . وأما واسط فإنّها نصفان على شط دجلة متقابلان بينهما جسر من سفن فى كل جانب «2» ، وفى كل جانب مسجد جامع، وهى محدثة فى الإسلام، أحدثها الحجاج بن يوسف «3» ، وبها خضراء الحجاج، وهى مدينة يحيط بحدّها الغربى البادية بعد مزارع يسيرة، وهى خصبة كثيرة الشجر والنخيل والزروع، وهى أصح هواء من البصرة وليس لها بطائح، وأراضى رساتيقها متصلة معمورة. وأما الكوفة فإنّها قريبة من البصرة فى الكبر، وهواؤها أصح، وماؤها أعذب من ماء «4» البصرة، وهى على الفرات، وبناؤها مثل بناء البصرة، ومصّرها سعد بن أبى وقّاص، وهى أيضا خطط لقبائل العرب، إلا أنها خراجية بخلاف البصرة، لأن ضياع الكوفة جاهلية وضياع البصرة إحياء موات فى الإسلام. والقادسيّة والحيرة والخورنق هى على طرف البادية مما يلى الغرب، ويحيط بها مما يلى المشرق النخيل والأنهار والزروع، وهى «5» والكوفة فى أقل من مرحلة، والحيرة مدينة جاهلية طيبة التربة مفترشة البناء كبيرة، إلا أنها خلت عن الأهل لما عمرت الكوفة، وهواؤها وترابها أصح من الكوفة، وبينها وبين الكوفة نحو فرسخ، وقريب من الكوفة قبر علىّ عليه السلام، وقد اختلف فى مكانه، فقيل إنه فى زاوية على باب جامع الكوفة، أخفى من أجل بنى أمية، ورأيت فى هذا الموضع دكان علاف، ومنهم من زعم أنه من الكوفة على فرسخين، وعليه قنطرة وآثار المقابر، والقادسية على شفير البادية، وهى مدينة صغيرة ذات نخيل ومياه وزروع، ليس بالعراق بعدها ماء جار ولا شجر. وأما بغداد فإنها مدينة محدثة فى الإسلام، لم تكن بها عمارة فابتنى المنصور المدينة فى الجانب الغربى، وجعل حواليها قطائع لحاشيته ومواليه وأتباعه، مثل قطيعة الربيع، والحربيّة وغيرهما، ثم عمرت، فلما كان فى أيام «المهدى» جعل معسكره فى الجانب الشرقى فسمى عسكر المهدى، ثم عمرت بالناس والبنيان، وانتقلت الخلافة إلى الجانب الشرقى، وهى اليوم أسفل هذا الجانب بالحريم، ليس وراءها بنيان للعامة متصل، وتفترش قصور الخلافة وبساتينها من بغداد إلى نهر بين «6» فرسخين على جدار واحد، حتى تتصل من نهر بين إلى شط دجلة، ثم يتصل البناء بدار الخلافة مرتفعا على دجلة إلى الشماسيّة نحو خمسة أميال- وتحاذى الشماسية فى الجانب الغربى الحربيّة- فيمتد نازلا على دجلة إى إلى آخر الكرخ، ويسمى «7» الشرقى جانب الطاق وجانب الجزء: النص ¦ الصفحة: 58 الرّصافة وعسكر المهدى، فمن نسبه إلى الطاق يعنى أن أوله باب الطاق، وهو موضع السوق الأعظم، ومن نسبه إلى الرصافة نسبه إلى قصر كان الرشيد بناه بقرب المسجد الجامع بها، ومن نسبه إلى عسكر المهدى فإن المهدى كان عسكر من هذا الجانب بحذاء مدينة أبى جعفر، ويسمى الجانب الغربى جانب الكرخ، وببغداد مساجد جوامع فى ثلاثة مواضع، فى مدينة المنصور وفى الرصافة وفى دار الخلافة، وتتصل العمارة والبنيان بكلواذى، وبها مسجد جامع فلو عدّ فى جملة بغداد لجاز، وقد عقد بين الجانبين على دجلة جسران «1» من سفن، ويكون من باب خراسان إلى أن يبلغ باب الياسريّة، وذلك عرض الجانبين جميعا نحو خمسة أميال، وأعمر بقعة منها الكرخ، وبها اليسار ومساكن معظم التجار، وأما الأشجار والأنهار- التى فى الجانب الشرقى ودار الخلافة- فإنها من ماء النّهروان وتامرّا «2» ، وليس يرتفع إليها من ماء دجلة إلا شىء يسير، يقصر عن العمارة وينضح بالدواليب، وأما الجانب الغربى فإنه قد شقّ إليه من الفرات نهر عيسى «3» من قرب الأنبار تحت قنطرة دمّما «4» ، وتتحلب من هذا النهر صبابات تجتمع فتصير نهرا يسمى الصّراة، ويتفجّر منها أنهار، وبها عمارات الجانب الغربى، ويقع ما يبقى من ماء الصّراة الصغيرة والكبيرة فى دجلة، وينتهى آخر نهر عيسى إلى دجلة فى جوف مدينة بغداد، وأما نهر عيسى فإن السفن تجرى فيه من الفرات إلى أن يقع فى دجلة، وأما الصّراة «5» فإن فيها حواجز تمنع من جرى السفن، فتنتهى السفن منها إلى قنطرة الصراة، ثم يحوّل ما فيها ويجاوز به ذلك الحجاز إلى سفن غيرها، وبين بغداد والكوفة سواد مشتبك غير متميز، تخترق إليه أنهار من الفرات، فأولها مما يلى بغداد نهر صرصر «6» ، عليه مدينة صرصر، تجرى فيه السفن، وعليه جسر من سفن تعبر عليه القوافل، ومدينة صرصر صغيرة عامرة بالنخيل والزروع وسائر الثمار، من بغداد على ثلاثة فراسخ، ثم ينتهى على فرسخين إلى نهر الملك «7» ، وهو نهر كبير أضعاف نهر صرصر، وعليه جسر يعبر من سفن «8» ، وينتهى نهر الملك إلى قصر عمر بن هبيرة الفزارى بإحدى شعبتية، والأخرى ترمى فى دجلة عند كوثى نحو ضيعة تعرف بالكيل، ثم يمتد عمود الفرات حتى يخرج منه نهر سورا، وهو نهر كثير الماء ليس يخرج من الفرات شعبة أكبر منه «8» ، حتى ينتهى إلى سورا ثم إلى سائر سواد الجزء: النص ¦ الصفحة: 59 الكوفة، ويقع الفاضل فى البطائح، وكربلاء من غربى الفرات فيما يحاذى قصر ابن هبيرة «1» ؛ وأما سامّرا فإنها كلها فى شرقى دجلة، وليس «1» معها فى الجانب الشرقى ماء جار إلا نهر القاطول الذي يقرب إلى السواد ويبعد عنها، فأما ما يحيط بها فبرية، وعماراتها وأشجارها فى الجانب الغربى بحذائها، وهى ممتدة مع ما يتصل بهاء والدور نحو مرحلة لا ينقطع بناؤها، وهى مدينة إسلامية ابتدأها المعتصم واستتم بناءها المتوكل، وهى خراب ربما يسير الرجل فى مقدار فرسخ منها لا يجد بها دارا معمورة، وهواؤها وثمارها أصح من بغداد» ؛ وأما النّهروان فانها مدينة يشق نهر النهروان وسطها صغيرة عامرة، من بغداد على أربعة فراسخ، ونهر النهروان يفضى إلى سواد بغداد فيما يسفل عن دار الخلافة إلى إسكاف «3» وغيرها من المدن والقرى، فإذا جزت النهروان إلى الدّسكرة خفّت المياه والنخيل، ثم يصير من الدسكرة إلى حد حلوان كالبادية المنقطعة العمارة، مفترشة منفردة المنازل والقرى حتى تدور على تامرّا وحدود شهرزور إلى حدّ تكريت؛ وأما المدائن فمدينة صغيرة جاهلية، قد كانت عظيمة فنقل عامة أبنيتها إلى بغداد، وهى من بغداد على مرحلة، وكانت مسكن الأكاسرة وبها إيوان كسرى إلى يومنا هذا، وهو إيوان عظيم معقود من آجر وجص، ليس للأكاسرة إيوان أكبر منه، ولم نكثر من وصف بغداد لاشتهار وصفها عند الخاص والعام «4» ، فاكتفينا من وصف بغداد بجملة يسيرة ذكرناها لئلا يطول به الكتاب «5» ؛ وبابل قرية صغيرة إلا أنها أقدم أبنية العراق، وينسب ذلك الإقليم إليها لقدمها، وكان ملوك الكنعانيين وغيرهم يقيمون بها، وبها آثار أبنية تشبه أن تكون فى قديم الأيام مصرا عظيما، ويقال إن الضحاك أول من بنى بابل، وكوثى «6» ربّا يقال إن ابراهيم الخليل عليه السلام بها طرح فى النار، وكوثى اثنان: أحدهما كوثى الطريق والآخر كوثى «7» ربا، وبكوثى ربّا إلى هذه الغاية تلال عظيمة من رماد، يزعمون أنها، نار نمرود بن كنعان، التى طرح فيها ابراهيم عليه السلام؛ والجامعان منبر صغير حواليها رستاق عامر خصب جدا؛ والمدائن من شرقى دجلة من بغداد الجزء: النص ¦ الصفحة: 60 على مرحلة، ويقال إن ذا القرنين أقام بالمداين إلى أن مات، والأخبار عنه تكذّب، فإن الأكثرين على أنه سم فى منصرفه من أرض الصين، وحمل تابوته إلى أمه باسكندرية، ويقال إن جانبى المدائن المكتتفين لدجلة كانت على عهد الفرس موصولا بينهما بجسر على دجلة مبنى بالآجر، وليس لذلك أثر؛ وأما عكبراء والبردان والنّعمانيّة ودير العاقول وجبّل وجرجرايا وفم الصلح ونهر سابس وسائر ما ذكرنا على شط دجلة من المدن فهى متقاربة فى الكبر، ليس بها مدينة كبيرة، وهى مشتبكة العمارة، وكذلك لكل مدينة من ذلك كورة؛ وأما حلوان فهى مدينة عامرة، ليس فى أرض العراق بعد البصرة والكوفة وبغداد وواسط وسامرّا والحيرة مدينة أكبر منها، وأكثر ثمارها التين، وهى بقرب الجبل، وليس بالعراق «1» مدينة بقرب الجبل غيرها، وربما سقط بها الثلج، فأما أعلى جبلها فإن الثلج يسقط به دائما؛ والدّسكرة مدينة بها نخيل وزروع عامرة، وخارجها حصن من طين، داخله فارغ، وإنما هو مزرعة، يقال إن الملك «2» كان يقيم هناك بعض فصول السنة، فسميت دسكرة الملك لذلك؛ وأما من تكريت إلى أن تجاوز سامرّا إلى قرب العلث فكأنك تطوف على مثال القوس إلى الدسكرة، ثم تطوف على مثال القوس إلى حد عمل واسط، من حدّ العراق إلى حدّ الجبل، فإنه قليل العمارة، فيها قرى مفترشة، والغالب عليها الأكراد والأعراب، وهى مراع لهم، وكذلك من تكريت عن غربيّها إلى أن تنتهى إلى الأنبار بين دجلة والفرات قليل العمارة، وإنما العمارة منه ما يحاذى سامرّا أميالا يسيرة والباقى بادية، ولم أبالغ فى وصف العراق لا كثار الناس فيها واشتهار عامة ما يذكر عنها «3» ؛ فهذه صفة جامعة لها وجيزة، إذ كان قصدى فيها وفى غيرها إلى تخطيط هيأتها فى الصورة «4» . الجزء: النص ¦ الصفحة: 61 خوزستان «1» وأما حدود خوزستان فإن شرقيّها حد فارس وأصبهان، وبينها وبين حدّ فارس من حدّ أصبهان نهر طاب وهو الحدّ إلى قرب مهروبان، ثم يصير الحد بين الدّورق ومهروبان على الظهر إلى البحر، وغربيّها حدّ رستاق واسط ودور الراسبىّ، وشماليها حدّ الصّيمرة وكرخا واللّور، حتى يتصل على حدود الجبال إلى أصبهان، على أنه يقال إن اللّور كانت من خوزستان فحوّلت إلى الجبال، وحدّ خوزستان مما يلى فارس وأصبهان وحدود الجبال وواسط على خط مستقيم فى التربيع، إلا أن الحدّ الجنوبى من عبّادان إلى رستاق واسط يصير مخروطا، فيضيق فى التربيع عما قابله، وفى حدّ الجنوب أيضا- من حدّ عبادان على البحر إلى حدّ فارس- تقويس يسير فى الزاوية، فينتهى هذا الحدّ الجنوبى إلى شىء من البحر، ثم إلى دجلة حتى يجاوز بيان، ثم ينعطف وراء المفتح والمذار إلى أن يتصل برستاق واسط من حيث ابتدأنا. وأما ما يقع فيها من المدن فانها كور، منها الأهواز واسمها هرمز شهر، وهى الكورة العظيمة التى ينسب إليها سائر الكور، وعسكر مكرم وتستر وجنديسابور والسّوس ورامهرمز وسرّق، وكل ما ذكرنا من كورة فهى اسم المدينة، غير سرّق فإن مدينتها الدّورق، وهى المعروفة بدورق الفرس، وإيذج ونهر تيرى وحومة الزّط والخابران وهما واحد، وحومة البنيان وسوق سنبيل ومناذر الكبرى ومناذر الصغرى وجبّى والطّيب وكليوان فهذه مدن لكل مدينة كورة، ومن مدنها المعروفة المشهورة بصنّى وأزم وسوق الأربعاء وحصن مهدى وباسيان وبيان وسليمانان وقرقوب ومتّوث وبرذون وكرخا. وخوزستان فى مستوى وأرض سهلة ومياه جارية، فمن أكبر أنهارها نهر تستر. وهو النهر الذي بنى عليه سابور الملك شاذروان بباب تستر، حتى ارتفع ماؤه إلى أرض المدينة، لأن تستر على مكان مرتفع من الأرض، فيجرى هذا النهر من وراء عسكر مكرم على الأهواز، حتى ينتهى على نهر السّدرة إلى حصن مهدى ويقع فى البحر، ويجرى من ناحية تستر نهر المسرقان حتى ينتهى إلى عسكر مكرم سفلىّ الأهواز، وآخره بالأهواز لا يتجاوزها، فإذا انتهى إلى عسكر مكرم فعليه جسر كبير نحو عشرين سفينة، تجرى فيه السفن العظام، وقد الجزء: النص ¦ الصفحة: 62 ركبته أنا من عسكر مكرم إلى الأهواز، والمسافة ثمانية «1» فراسخ، فسرنا فى الماء ستة فراسخ، ثم خرجنا وسرنا فى وسط النهر، وكان الباقى من هذا النهر إلى الأهواز طريقا يابسا، ولا يضيع من هذا الماء شىء، وإنما تسقى به أراضى قصب السكر وما فى أضعافه من النخيل والزروع، وما بخوزستان كلها على كمال عمارتها بقعة هى أعمر وأزكى «2» من المسرقان. ومياه خوزستان من الأهواز والدورق وتستر وغير ذلك مما يصاقب هذه المواضع كلها تجتمع عند حصن مهدى، فتصير هناك نهرا كبيرا، ويغزر ويصير له عرض ثم ينتهى إلى البحر، وليس بها بحر إلا ما تنتهى إليه زاوية من مهروبان إلى قرب سليمانان بحذاء عبادان فانه شىء يسير، وهو من بحر فارس، وليس بجميع خوزستان جبال ولا رمال إلا شىء يسير، يتاخم نواحى تستر وجنديسابور وبناحية إيذج وأصبهان، والباقى من خوزستان كأنه أرض العراق؛ وأما هواؤها وماؤها وتربتها وصحة أهلها فإن مياهها طيّبة عذبة جارية، ولا أعرف بجميع خوزستان بلدا- ماؤهم من البئر، لكثرة المياه الجارية بها، وأما ترابها فإن ما بعد عن دجلة إلى ناحية الشمال أيبس وأصح، وما كان إلى دجلة أقرب فهو من جنس أرض البصرة فى التسبّخ، وكذلك فى «3» الصحة ونقاء البشرة فى الناس فيما بعد عن دجلة، وأما المسرقان خاصة فإن بها رطبا يسمى الطنّ، يقال إن ذلك الرطب إذا أكله الإنسان وشرب عليه ماء المسرقان لم تخطئ «4» منه الخمر، وليس بخوزستان موضع يجمد فيه الماء، ولا يقع فيه الثلج، ولا يخلو من النخيل، والعلل بها كثيرة وخاصة لمن انتابها. وأمّا ثمارهم وزرعهم فإن الغالب على بلاد خوزستان من الأشجار النخل، ولهم عامة الحبوب من الحنطة والشعير والباقلاء، وأكثر حبوبها بعد الحنطة والشعير الأرز، فيخبزونه وهو لهم قوت، وكذلك فى رستاق العراق، وليس من بلد ليس به قصب سكر من هذه الكور الكبار، ولكن أكثر ما بها من السكر بالمسرقان، ويقع جميعه إلى عسكر مكرم، وليس بعسكر مكرم فى القصبة كثير سكر، وكذلك بتستر والسوس فإنه يتخذ منه السكر، والقصب فى سائر المواضع إنما هو للأكل دون أن يتخذ منه السكر، وعندهم عامة الثمار لا يكاد يخطئهم إلا الجوز، وما لا يكون إلا ببلاد الصرود «5» . وأما لسانهم فإن عامتهم يتكلمون بالفارسية والعربية، غير أن لهم لسانا آخر خوزيا، ليس بعبرانى ولا سريانى ولا فارسى؛ وزيهم زى أهل العراق فى الملابس من القمص والطيالسة والعمائم، وفى أضعافهم من يلبس الأزر والميازر، والغالب على أخلاقهم سوء الخلق، والمنافسة فيما بينهم فى اليسير من الأمور وشدة الامساك، والغالب على خلقهم صفرة اللون والنحافة وخفة اللحى والضخامة، ووفور الشعر فيهم أقل مما فى غيرهم من المدن، وهذه صفة عامة الجروم «6» . الجزء: النص ¦ الصفحة: 63 وأما ما ينتحلونه من الديانات فإن الغالب بخوزستان الاعتزال، والغلبة عليهم دون سائر النحل، وفى سائر كورهم من أهل الملل نحو ما فى سائر الأمصار. وأما الخاصيات بها: فإن عندهم بتستر «1» الشّاذروان «2» الذي بناه سابور، وهو من أعجب البناء وأحكمه، بلغنى أن امتداده يقرب من ميل، قد بنى بالحجارة كله حتى تراجع الماء فيه وارتفع إلى باب تستر، ولهم بالسوس- بلغنى والله أعلم- أن تابوتا وجد فى أيام أبى موسى الأشعرى، فذكروا أنّ فيه عظام دانيال النبي عليه السلام، وكان أهل الكتاب يديرونه فى مجامعهم، ويتبركون به ويستسقون المطر به إذا أجدبوا، فأخذه أبو موسى وعمد إلى نهر على باب السوس فشق منه خليجا، وجعل فيه ثلاثة قبور مطوية بالآجر، ودفن ذلك التابوت فى أحد القبور، ثم استوثق منها كلها وعمّاها، ثم فتح الماء حتى غلب زيد النهر الكبير على ظهر تلك القبور، والنهر يجرى عليها إلى يومنا هذا، ومن نزل إلى قعر الماء وجد تلك القبور. ولهم بناحية آسك متاخما لأرض فارس جبل «3» ، تتقد منه نار أبدا لا تنطفىء، ويرى منه الضوء بالليل والدخان بالنهار، وهو فى حدّ خوزستان، ويشبه فيما أظن أنه عين نفط أو زفت أو غيره مما تعمل فيه النار، فوقع فيه على قديم الأيام نار، فعلى قدر ما تخرج يحترق أبدا فيما أحسبه، من غير أن رأيت فيه «4» علامة لذلك ولا سمعت به، وأنا أقوله ظنا؛ ولهم بعسكر مكرم صنف من العقارب صغار على قدر ورق الانجذان «5» تسمى الجرّارة، قلّ من يسلم من لسعها «6» ، وهى أبلغ فى القتل من بعض الحيّات، وأما تستر فإن بها يتخذ الديباج الذي يحمل إلى الدنيا، وكسوة مكة من الديباج يتخذ بها، وبها للسلطان طراز؛ وأما السوس فإنه تعمل بها الخزور، ومنها تحمل إلى الآفاق، وبالسوس صنف من الأترجّ شمّامات «7» ذكية كالأ كف بأصابعها، لم أر مثلها فى بلدان الأترجّ «8» ؛ وبقرقوب «9» السّوسنجرد «10» الذي يحمل إلى الآفاق، وبها وبالسوس طراز للسلطان، وببصنّى تعمل الستور التى تحمل إلى الآفاق، المكتوب عليها عمل بصنّى، وقد تعمل ببرذون وكليوان وغيرهما من تلك المدن ستور يكتب عليها بصنّى «11» ، وتدلّس فى ستور بصنى إلا أن المعدن بصنّى، وبرامهرمز من ثياب الإبريسم ما يحمل منها إلى كثير من المواضع، ويقال الجزء: النص ¦ الصفحة: 64 إن مانى بها قتل وصلب، ويقال إنه مات فى محبس بهرام «1» حتف أنفه، فقطع رأسه وأظهر قتله «2» ؛ وجنديسابور مدينة خصبة واسعة الخير، وبها نخل وزروع كثيرة ومياه، ونزلها يعقوب بن اللّيث الصفّار، لخصبها واتصالها بالمير «3» الكثيرة، فمات بها، وبها قبره؛ ونهر تيرى تكون بها ثياب تشبه ثياب بغداد، وتحمل إلى بغداد فتدلّس بالبغدادى وتقصر ببغداد؛ وجبّى مدينة ورستاق عريض، مشتبك العمارة من النخيل وقصب السكر، ومنها أبو على الجبائى إمام المعتزلة فى عصره، وتتصل زاوية من خوزستان بالبحر فيكون له خور، يخاف على سفن البحر إذا انتهت إليه فإنها تغوص «4» ، وتجتمع مياه خوزستان بحصن مهدى فتتصل بالبحر، ويعرض هناك حتى ينتهى فى طرفه المدّ والجزر، ويتّسع حتى كأنه من البحر. وتتخذ بالطّيب تكك تشبه الأرمنى، قلّ ما تتخذ فى مكان من الإسلام بعد أرمينية أحسن منها فيما علمته «5» ؛ واللّور بلد خصب الغالب عليه هواء الجبل، وكان من خوزستان إلا أنّه أفرد فى أعمال الجبال؛ وأما سنبيل فإنّها كورة متاخمة لفارس، وقد كانت مضمومة إلى فارس من أيام محمد بن واصل إلى آخر أيام السّجزيّة، ثم حوّلت إلى خوزستان، والزطّ والخابران هما كورتان عامرتان على نهرين جاريين، والبنيان متاخمة للسّردان من أرض فارس ولأصبهان، وهواؤها هواء الصرود، وليس بخوزستان رستاق يقارب الصرود غير البنيان؛ وأما آسك فإنها قرية ليس فيها منبر، وحواليها نخيل كثير، وبها كانت وقعة الأزارقة، التى يقال إن أربعين من الشراة قتلوا نحوا من ألفى رجل تبعتهم من أهل البصرة، وبها «6» الدوشاب «7» الأرّجانى الذي يحمل إلى الآفاق منها، وأما مناذر الكبرى والصغرى فإنّهما كورتان عامرتان بالنخل والزروع ولهما ارتفاع كثير. وأما المسافات بها فإن من فارس إلى العراق طريقين شارعين: أحدهما إلى البصرة ثم إلى بغداد، والآخر إلى واسط ثم إلى بغداد؛ فأما طريق البصرة: فإنك تأخذ من أرّجان إلى آسك قرية «8» مرحلتين خفيفتين، ثم إلى زيدان مرحلة- وزيدان قرية، ثم منها إلى الدّورق مرحلة، والدورق مدينة كبيرة وهى مدينة سرّق، ثم من الدورق إلى خان مردويه- وهو خان تنزله السابلة- مرحلة، ومن خان مردويه إلى باسيان- مدينة وسطة فى الكبر عامرة يشق النهر فيها فتصير نصفين- مرحلة، ومن باسيان إلى حصن مهدى مرحلتين، وفيها منبر ويسلك بينهما فى الماء، وكذلك من الدورق إلى باسيان يسلك فى الماء- وهو أيسر الجزء: النص ¦ الصفحة: 65 من البر، ومن حصن مهدى إلى بيان مرحلة على الظهر، وبيان فيها منبر، وقد انتهيت إلى آخر حدود خوزستان، وبيان على دجلة، فاركب منها الماء إن شئت إلى الأبلة، وإن شئت على الظهر إلى أن تحاذى الأبلة ثم تعبر؛ وأما الطريق إلى واسط ثم إلى بغداد: فإنّ من أرّجان إلى سوق سنبيل مرحلة، ثم إلى رامهرمز مرحلتين، ثم من رامهرمز إلى عسكر مكرم 3 مراحل، ومن عسكر مكرم إلى تستر مرحلة، ومن تستر إلى جنديسابور مرحلة، ومن جنديسابور إلى السوس مرحلة، ومن السوس إلى قرقوب مرحلة، ومن قرقوب إلى الطيب مرحلة، ويتصل بعمل واسط، ومن العسكر «1» إلى واسط طريق أخصر من هذا فلا يدخل تستر، ولكنّا ذكرنا هذا المسلك لأن قصدنا ذكر مسافة ما بين المدن، ولم نرد نفس الطرق إلى بغداد، فكان هذا أجمع لما أردنا أن نذكره. ومن العسكر إلى إيذج 4 مراحل، ومن العسكر إلى الأهواز مرحلة، ومن الأهواز إلى أزم مرحلة، ومن الأهواز إلى الدورق 4 مراحل، ومن عسكر مكرم إلى الدورق نحو هذا، ومن الأهواز إلى رامهرمز نحو 3 مراحل أيضا، لأن الأهواز وعسكر مكرم فى سمت واحد، ورامهرمز منهما كإحدى زوايا المثلث، ومن عسكر مكرم إلى سوق الأربعاء مرحلة، وجبّى تحاذى سوق الأربعاء، ومن سوق الأربعاء إلى حصن مهدى مرحلة، ومن الأهواز إلى نهر تيرى يوم، ومن السوس إلى بصنّى أقل من مرحلة، ومن السوس إلى برذون مرحلة خفيفة، ومن السوس إلى متّوث «2» مرحلة، فذلك جوامع المسافات بها. الجزء: النص ¦ الصفحة: 66 بلاد فارس وأما فارس فالذى يحيط بها مما يلى الشرق حدود كرمان، ومما يلى الغرب كور خوزستان وأصبهان، ومما يلى الشمال المفازة التى بين فارس وخراسان وبعض حدود أصبهان، ومما يلى الجنوب بحر فارس، وصورة فارس على التربيع إلا من الزاوية التى تلى أصبهان، والزاوية التى تلى كرمان مما يلى المفازة، وفى الحد الذي يلاصق البحر تقويس قليل من أوله إلى آخره، وإنما وقع فى زاويتيها مما يلى كرمان وأصبهان زنقة، لأن من شيراز وهى وسط فارس إليهما من المسافة نحو نصف ما بين شيراز وخوزستان وبين شيراز وجروم كرمان. قد صوّرت بلاد فارس بحدودها، ولم أصوّر فيها رستاقا لانتشار «1» ذلك وكثرته، ولا الجبال لأنه ليس بفارس بلد إلا وبه جبل، أو يكون الجبل منه بحيث تراه إلا اليسير، وما صوّرت فيها إلا مدينة لها منبر مذكور مشهور «2» ، وقد ذكرت فى الرسالة ما يعلم من قرأها موضع كل كورة برساتيقها ومواضع المدن بها إن شاء الله تعالى. ذكر ما بفارس من الكور والمدن والزموم والأحياء والحصون وبيوت النيران والأنهار والبحار. كور فارس خمس «3» : فأوسعها عرصة «4» وأكثرها مدنا ونواحى كورة اصطخر، ومدينتها اصطخر، وهى أكبر مدينة بهذه الكورة، وتليها فى الكبر كورة أردشير خرّه، ومدينتها جور، ويدخل فى هذه الكورة قباذخرّة، وبكورة أردشير خرّه مدن هى أكبر من جور مثل شيراز وسيراف، وإنما صارت جور هى مدينة أردشير خرّه لأنها بناء أردشير ودار ملكه، وشيراز وإن كانت قصبة فارس كلها وبها الدواوين ودار الإمارة فهى مدينة محدثة فى الإسلام، وتليها فى الكبر كورة دارابجرد ومدينتها دارابجرد، وفسا هى أكبر مدنها وأعمر، غير أن الكورة منسوبة إلى دار الملك، ومدينته التى ابتناها لهذه الكورة دارابجرد، وتليها فى الكبر أرّجان ومدينتها العظمى أرّجان، وليس بهذه الكورة مدينة أكبر من أرّجان، وتليها فى الكبر كورة سابور وهى أصغر كور فارس ومدينتها سابور، وبهذه الكورة مدن هى أكبر منها مثل النّوبنجان وكازرون، ولكن هذه الكورة الجزء: النص ¦ الصفحة: 67 تنسب إلى سابور، لأن سابور الملك هو الذي بنى مدينة سابور. وأما زمومها «1» فهى خمسة: وأكبرها زمّ جيلويه ويعرف بزمّ الزميجان «2» ، ثمّ الذي يلى هذا الزّم فى الكبر زمّ أحمد بن الليث ويعرف باللّوالجان، ويلى ذلك فى الكبر زمّ الحسين «3» بن صالح ويعرف بزمّ الديوان، ثم زمّ شهريار ويعرف بزمّ البازنجان، والبازنجان الذين فى حدود أصبهان ناقلة من هذا الزمّ، وزمّ أحمد بن الحسن ويعرف بزمّ الكاريان وهو زمّ أردشير. وأما أحياء الأكراد فإنها تكثر فى الإحصاء، غير أنهم بجميع فارس يقال إنّهم يزيدون على خمسمائة ألف بيت شعر، ينتجعون المراعى فى المشتى والمصيف على مذاهب العرب، ويخرج من بيت واحد من الأرباب والأجراء والرعاء واتباعهم ما بين رجل «4» واحد إلى عشرة من الرجال ونحو ذلك، وسأذكر من أسامى أحيائهم ما يحضرنى ذكره على أنهم لا يتقصّون فى العدد إلا من ديوان الصدقات «5» . وأما أنهارها الكبار التى تحمل السفن إذا أجريت فيها فانها: نهر طاب ونهر شيرين ونهر الشّاذ كان ونهر درخيد ونهر الخوبذان ونهر رتين «6» ونهر سكّان «7» ونهر جرشيق ونهر الإخشين ونهر كرّ ونهر فرواب ونهر تيرزه. وأما بحارها فإنها بحر فارس وبحيرة البختكان وبحيرة دشت أرزن وبحيرة التوّز وبحيرة الجوبانان وبحيرة جنكان. وأما بيوت نيرانها فإنها لا تخلو ناحية ولا مدينة بفارس إلا القليل من بيوت النيران، والمجوس أكثر ملل أهل الكتاب بها، ولهم من هذه البيوت بيوت يفضّلونها فى التعظيم، وسنذكر ذلك. وأما حصونها فإن فى عامّة نواحى فارس حصونا، بعضها أمنع من بعض وأكثرها بناحية سيف بنى الصّفار. وسأفصل كل ما ذكرته مجملا، فأبتدىء بذكر ما فى كل كورة من النواحى التى تشتمل على القرى، وشهرت فى الدواوين بأعمال مفردة، ورساتيق مستقلة بضياعها، فمنها ما يخلو من المنابر ومنها ما بها منابر، وربّ كورة هى أكبر وأعرض ومدنها ونواحيها فى التسمية أقل مما هى «8» أصغر منها، ثم اتبع ذلك بتفصيل كل ما ذكرته مجملا إن شاء الله. نواحى كورة اصطخر: ناحية يزد وهى أكبر ناحية منها، وبها من المدن كثه وهى القصبة، وميبد ونائين والفهرج الجزء: النص ¦ الصفحة: 68 وليس فى هذه النواحى كلها ناحية بها أربع منابر غير هذه الناحية، وناحية الرّوذان كانت من كرمان فحولت إلى فارس، ويكون مقدار «1» هذه الناحية فى الطول نحوا من ستين فرسخا، وأبرقوه ومدينتها أبرقوه، وإقليد ومدينتها إقليد، والسّرمق، ومدينتها السرمق، والجوبرقان ومدينتها مشكان، والأرخمان ومدينتها الأرخمان، وجارين ليس بها منبر، وقوين ليس بها منبر، وطرخنيشان «2» ليس بها منبر، وبوّان ومدينتها المريزجان، والرّهنان ليس بها منبر، وبرم مدينتان: أباذة وهى قرية عبد الرحمن ومهرزنجان «3» ، وخوزستان وليس بها منبر، والبودنجان ومدينتها البودنجان- وهى قرية الآس، وصاهك الكبرى ولها منبر «4» ، وصاهك الصغرى ليس بها منبر، ومروسف ليس بها منبر، وشهر فاتك ومدينتها شهر فاتك، وهراة ومدينتها هراة، والروذان ومدينتها الروذان وبها من المدن «5» أبان وأناس «6» وخبر، والأذكان ومدينتها الأذكان، وسرشك وليس بها منبر، والراذان ليس بها منبر، والبيضاء ومدينتها البيضاء، وهزار ومدينتها هزار، ومائين ومدينتها مائين، وأبرج «7» ومدينتها أبرج، ونوبه «8» ليس بها منبر، ورامجرد وليس بها منبر، والطسّوج ومدينتها خرّمة، والحيرة وبها منبر، والكاسكان وليس بها «9» منبر، والمهرجاسقان ليس بها منبر، وجفوز ليس بها منبر، وحمر ليس بها منبر، والفاروق ليس بها منبر، والسرواب وبها منبر، وكمين وبها منبر، والرون ليس بها منبر، والأرد ومدينتها بجّه، وكرد ومدينتها كرد، وكلّار ليس بها منبر، وسروستان ليس بها منبر، والأوسبنجان ليس بها منبر، والسّردن ومدينتها اللّورجان، وأسلان ليس بها منبر، والبامان ليس بها منبر، والخمايجان السفلى ليس بها منبر. وأما نواحى كورة أردشير خرّة فإن شيراز هى مستقر العمال، ولها ثلاثة عشر طسّوجا، فى كل طسّوج قرى وعمارات متصلة، ينفرد كل طسوج بعمل فى الديوان مفرد، منها طسوج كفره العليا وطسّوج كفره السفلى طسّوج كبير، وطسّوج جويم، وطسّوج الدسكان، وطسوج تنبوك، وطسوج الكارنيان، وطسّوج الأشاربانان، وطسوج ابنديان، طسوج شاهمرنك، وطسوج شهرستان، وطسوج الطيريان، وطسوج خان، وبهذه الطساسيج منبران: أحدهما شيراز- وهى محدثة فى الإسلام من هذه الطساسيج: من الشاهمرنك ومن الطيريان ومن اشاربانان ومن الجزء: النص ¦ الصفحة: 69 التنبوك ومن الكارنيان، وموضع المسجد الجامع والأسواق من شاهمرنك، وموضع دار الأمارة من الإشاربانان، وجويم بها منبر، وسائر نواحى أردشير خرّة: جور «1» ومدينتها جور، وميمند ومدينتها مائين، والصّيمكان ومدينتها الصيمكان، وخوار ليس بها منبر، والفرجان وليس بها منبر، والباسجان وليس بها منبر، والخنيفغان ليس بها منبر، وخبر وبها منبر، وهى غير خبر كورة اصطخر، والباذوان ليس بها منبر، وخورستان ومدينتها خورستان، والفوسجان ومدينتها الفوسجان، وهمند ليس بها منبر، وجيبرين ليس بها منبر، وهرمز ليس بها منبر، والتشكانات ليس بها منبر، والحسكان ليس بها منبر، وهمجان ليس بها منبر، والكوهكان «2» ليس بها منبر، وكيزرين ليس بها منبر، وسيف بنى الصفّار ليس بها منبر، وفيها باسكوت وباورم سيف آل أبى زهير ليس بها منبر، وسيف عمارة ليس بها منبر- ويعرف بالجلندى، وكران ومدينتها كران، وسيراف وبها ثلاثة منابر: سيراف وهى القصبة ونجيرم وجمّ، ودشت بارين وقصبتها الغندكان «3» ، وبها الفهلق مدينة، ودشت الدستقان ومدينتها صفارة، وتوّج ومدينتها توّج، والاغرستان ومدينتها الخربق، وكير ومدينتها كير، وكارزين ومدينتها كارزين، وأبزر «4» ومدينتها أبزر، وسميران ومدينتها سميران، وكوار ومدينتها كوار، والكهرجان ليس لها مدينة «5» . ومما فى البحر من الجزائر المنسوبة إلى كورة أردشير خرّة: جزيرة بنى كاوان وهى لافت وبها مدينة، وأوال وبها مدينة، وخارك وبها منبر. وأما نواحى كورة داربجرد: كرم وبها منبران: أحدهما اباذه والآخر كرد بجرد، والمصّ ومدينتها المصّ، وفسا ومدينتها فسا، وطمستان وبها منبر، والمحوّلة ليس بها منبر، والكردبان وبها منبر، وازبراه ومدينتها ازبراه، وسنان ومدينتها سنان، وجويم ومدينتها جويم، وجهرم ومدينتها جهرم، والفستجان وبها منبر، والدّاركان وبها منبر، وإيج وبها منبر، والاصطهبانان وبها منبر، ونيريز ومدينتها خيار، والمريزجان وبها منبر، والماروان وبها منبر، وخسوا «6» ومدينتها روبنج، ورستاق الرستاق وبها منبر، وقنطرة ليس بها منبر، وسوانجان ليس بها منبر، وفرج وبها منبر، وتارم وبها منبر، والماسكانات وبها منبر، وشق الرستاق ليس بها منبر، وشق الروذ ليس بها منبر، وتالات ليس بها منبر، وشق الماسنان ليس بها منبر، ورمّ شهريار مدينتها الرمّ. وأما نواحى كورة سابور: سابور ومدينتها سابور «7» ، كازرون ومدينتها الجنّجان، والكاسكان «8» الجزء: النص ¦ الصفحة: 70 ليس بها منبر، وجفته ليس بها منبر، ودزبز ليس بها منبر، وجروج ليس بها منبر، وخشت ليس بها منبر، وكمارج وبها منبر، وهنديجان «1» سابور وليس بها منبر، والتيرمردان ليس بها منبر، والزامجان ومدينتها الزامجان، والخوبذان ومدينتها الخوبذان، والنّوبنجان ومدينتها النوبنجان، وشعب بوّان ليس بها منبر، وتنبوك المورستان بها منبر، والجويخان ليس بها منبر، ودرخيد ليس بها منبر، وأنبوران ليس بها منبر، وجنبذ الملّجان ليس بها منبر، والمامغان ليس بها منبر، وآسك ليس بها منبر، وفرطاست ليس بها منبر، وبين ليس بها منبر «2» ، كرو «3» ليس بها منبر، وبادست ليس بها منبر، وبهلو وليس بها منبر، والبهبسكان ليس بها منبر، وأزادجرد ليس بها منبر، والروديجان ليس بها منبر، وكام فيروز ليس بها منبر، ولها خمسة رساتيق: ارز وبازر واشتادان وكا كان وآتشجاه، والمستجان ليس بها منبر، والزنجان ليس بها منبر، وبندر هبان ليس بها منبر، وخمايجان العليا ليس بها منبر، والسيسكان ليس بها منبر، ومورق ليس بها منبر، وداذين ليس بها منبر، ودوّان ليس بها منبر، وخرّة ومدينتها خرّة، وصرام «4» ليس بها منبر. وأما نواحى كورة أرّجان: أرّجان ومدينتها أرّجان، وبازرنج ليس بها منبر، وبلاد سابور «5» بها منبر، وريشهر بها منبر، وبنيان «6» ليس بها منبر، وكهكاب ليس بها منبر، ودير أيوب ليس بها منبر، والملّجان ليس بها منبر، والسلجان ليس بها منبر، والجلّادجان ليس بها منبر، ودير العمر ليس بها منبر، وفرزك بها منبر، وهنديجان أرّجان ليس بها منبر، ومهروبان بها منبر، وجنّابة بها منبر، وشينيز بها منبر، وصوان النجس ليس بها منبر. وأما زمومها فإن لكل زمّ منها مدنا وقرى مجتمعة، قد ضمن خراج كل ناحية منها رئيس من الأكراد، وألزموا إقامة رجال لبذرقة «7» القوافل وحفظ الطرق ونوائب السلطان إذا عرضت، وهى كالممالك. فأما زمّ جيلويه المعروف بالزميجان فإن مكانه فى الناحية التى تلى أصبهان، وهو «8» يأخذ طرفا من كورة اصطخر، وطرفا الجزء: النص ¦ الصفحة: 71 من كورة سابور، وطرفا من كورة أرّجان، فحدّ منه ينتهى إلى البيضاء، وحدّ منه ينتهى إلى حدود أصبهان، وحدّ منه ينتهى إلى حدود خوزستان، وحدّ منه ينتهى إلى ناحية سابور، وكل ما وقع فى هذا من المدن والقرى فمن هذا الزمّ؛ ويتاخمهم «1» فى عمل أصبهان البازنجان، وهم صنف من البازنجان الذين هم بزم شهريار، وليس من هؤلاء البازنجان أحد فى عمل فارس، إلا أن لهم بها قرى وضياعا كثيرة؛ وأما زمّ الديوان، المعروف للحسين ابن صالح وهو من كورة سابور، فإن حدا منه يلى أردشير خرّه، وثلاثة حدود تحيط «2» بها كورة سابور، وكل ما كان من المدن والقرى فى أضعافها فهى منها؛ وأما زمّ اللّوالجان لأحمد بن الليث- وهو فى كورة أردشير خرّه، فحدّ منه يلى البحر، وتحيط بثلاثة حدود له كورة أردشير خرّه، وما وقع فى أضعافه من القرى والمدن فهو منه؛ وأما زمّ الكاريان فإن حدا منه إلى سيف بنى الصفّار، وحدّا منه إلى زمّ البازنجان، وحدا منه إلى حدود كرمان، وحدا منه إلى أردشير خرّه، وهى كلها فى أردشير خرّه. وأما أحياء الأكراد بفارس فهم: الكرمانيّة والرامانيّة ومدثر وحىّ محمد بن بشر والبقيليّة «3» والبنداد مهريّة وحىّ محمد بن إسحاق والصباحيّة والإسحاقية والأذركانيّة والشهركيّة والطهمادهنيّة والزباديّة والشهرويّة والبندادكيّة «4» والخسرويّة والزنجيّة والصفريّة والشهياريّة والمهركيّة والمباركيّة والاشتامهريّة والشاهونيّة والفراتيّة والسلمونيّة والصيريّة والازاددختيّة والبرازدختيّة والمطلبيّة والمماليّة والشاهاكانيّة والكجتيّة «5» والجليليّة، فهؤلاء الذين حضرنى أسماؤهم «6» ، ولا يتهيأ تقصّيهم إلا من ديوان الصدقات، ويقال إنهم يزيدون على خمسمائة ألف بيت، ويخرج من الحى الواحد ألف «7» فارس إلى مائة فارس، وأقل من ذلك وأكثر، وينتجعون فى المشتى والمصيف على المرعى، إلا القليل منهم على حدود الصرود والجروم فلا ينتقلون، ولهم من العدّة والبأس والقوة بالرجال والدواب والكراع ما يستصعب على السلطان أمرهم- إذا أراد تحيّفهم «8» ، ويزعمون أنهم من العرب، وهم أصحاب أغنام ورماك «9» ، والإبل فيهم قليل، وليس للأكراد خيل إلا للبازنجان، الذين انتقلوا إلى حدّ أصبهان، وإنما دوابهم براذين، وهم على حسن حال ويسار، ومذاهبهم فى القنية «10» والنجعة مذاهب قبائل العرب وقبائل الأتراك «11» ، وهم فيما يقال يزيدون على مائة حىّ، وإنما حضرنى نيّف وثلاثون حيا. الجزء: النص ¦ الصفحة: 72 وأما حصون فارس فإن منها مدنا محصنة بحصن، ومنها حصون داخل المدينة وحواليها أرباض، ومنها قهندزات «1» فى مدن، ومنها حصون فى جبال منيعة، مفردة عن البنيان قائمة بأنفسها، وأما المدن المحصّنة فإنها إصطخر بها حصن حواليه ربض، ومدينة كثه بها حصن وربض؛ والبيضاء بها حصن وربض؛ والسّرمق بها حصن وربض وقهندز؛ وإقليد لها قهندز وربض، وقرية الآس لها قهندز وربض؛ وشيراز لها قهندز يسمى قلعة شهموبذ ولها ربض «2» ؛ وجور عليها حصن وليس بها ربض، وكارزين «3» لها قهندز وربض؛ وكير لها قهندز وربض؛ وأبزر لها قهندز وربض؛ وسميران لها قهندز وربض، وفسا لها حصن «4» وربض؛ ودارابجرد لها حصن وربض؛ وروبنج لها حصن وربض؛ وسابور لها سور وليس «5» لها ربض، والجنّجان لها حصن وليس لها ربض؛ جفتة لها حصن. وأما القلاع بها «6» فإنّه يقال فيما بلغنى أن لفارس زيادة على خمس آلاف قلعة، مفردة فى الجبال وبقرب المدن وفى المدن، ولا يتهيّأ تقصّيها إلا من الدواوين، وكذلك ما ذكرناه من المدن المحصّنة فإنى لا أقدر على تقصّيها، وإنما أذكر جوامع ما أعرفه من ذلك، إلا أن فى هذه القلاع ما لم يذكر لأحد من الجبابرة أنه قدر على فتحها عنوة، منها قلعة ابن عمارة وتسمى قلعة الدّيكدان وتنسب إلى الجلندى، ولا يقدر أحد أن يرتقى إليها بنفسه، إلا أن يرقى به فى شىء من البجر «7» ، وهى مرصد لآل عمارة فى البحر، ويعشّرون منها المراكب؛ وقلعة الكاريان على جبل طين، قصدها محمد بن واصل فى جيشه، فتحصن بها أحمد بن الحسن الأزدىّ فلم يقدر عليها؛ وقلعة سعيد أباذ برامجرد من كورة اصطخر، وهى على جبل شاهق المرتقى «8» إليها فرسخ، وكانت فى الشرك تعرف بقلعة اسفندباذ، فلما كان فى الإسلام تحصّن فيها زياد بن أبيه أيام أمير المؤمنين علىّ بن أبى طالب عليه السلام ونسبت إلى زياد، ثم تحصّن بها آخر أيام بنى أمية منصور بن جعفر وكان واليا على فارس، فنسبت القلعة إليه فعرفت بقلعة منصور، فتعطلت مدة ثم بناها محمد بن واصل الحنظلى فنسبت القلعة إليه- وكان واليا على فارس؛ فلما أخذه يعقوب بن الليث لم يقدر على فتحها إلا بأمر محمد بن واصل، فخرّبها ثم احتاج إليها فأعاد بناءها، وجعلها محبسا لمن سخط عليه؛ وقلعة إشكنوان من رستاق مائين المرتقى إليها صعب، وهى منيعة جدا وفيها عين ماء جار؛ وقلعة جوذرز صاحب كيخسرو بموضع يسمى السويقة من كام فيروز وهى منيعة جدا؛ وقلعة الجصّ بناحية أرّجان فيها مجوس، وباد كذارات الفرس وأيامهم تتدارس فيها «9» ، وهى منيعة جدا؛ وقلعة إيرج وهى منيعة جدا؛ وأما القلاع المنيعة التى يقدر على الاحتيال لفتحها فهى أكثر من أن يبلغها حفظى. الجزء: النص ¦ الصفحة: 73 وأما بيوت نيران فارس فتكثر عن إحصائى وحفظى، إذ ليس من بلد ولا رستاق ولا ناحية إلا وبها عدد كثير من بيوت النيران إلا القليل، غير أن المشاهير التى تفضل على غيرها فى التعظيم- منها بيت نار الكاريان ويعرف ببارنوا، وبيت نار بخرّه ينسب إلى دارا بن دارا، وبه يحلف المجوس فى المبالغة بأيمانهم، وبيت نار عند بركة جور ويسمى بارين، وحدّثنى من رأى به قد كتب عليه بالفهلوية أنه أنفق عليه ثلاثون ألف درهم «1» ؛ وبيت نار على باب سابور يعرف بشبر خشين؛ وبيت نار بباب سابور أيضا على باب ساسان يعرف بجنبذ كاوس؛ وبكازرون بيت نار يعرف بجفته؛ وبكازرون أيضا بيت نار يعرف بكلازن؛ وبشيراز أيضا بيت نار يعرف بالكارنيان، وبشيراز بيت نار آخر يعرف بهرمز، وعلى باب شيراز بقرية تعرف بالبركان بيت نار يعرف بالمسوبان «2» . ومن دين المجوس أن المرأة إذا زنت فى حملها أو حيضها لم تطهر، إلا بأن تأتى هذه النار فتتعرى لبعض الهرابذة فتطهر ببول البقر. وأما أنهار فارس فإنها: نهر طاب يخرج من جبال اصبهان بقرب البرج، فيصب إلى نهر مسن، وهو نهر يخرج من حدود اصبهان فيظهر «3» بناحية السّردن، فيجتمعان عند قرية تدعى مسن، ثم يجرى إلى باب أرّجان تحت قنطرة تكان، وهى قنطرة بين فارس وخوزستان، فيسقى رستاق ريشهر، ثم يقع فى البحر عند حدّ تستر. وأما نهر شيرين فمخرجه من جبل دينار الذي بناحية بازرنج، فيسقى فرزك والجلادكان، ثم يخترق حتى يقع فى البحر نحو جنّابة، وأما نهر الشاذكان فإنه يخرج من بازرنج وجبالها، حتى يدخل تنبوك مورستان وخان حماد، فيسقى رستاق زيزانزد ونائين والكهركان، ثم يمتد إلى دشت الدستقان ثم يدخل «4» فى البحر. وأما نهر درخيد فإنه يخرج «5» من جبال الجويخان فيقع فى بحيرة درخيد. وأما نهر الخوبذان فإنه يخرج من الخوبذان فيسقى الخوبذان وانبوران، ثم ينصب إلى الجلادجان متعرجا فيقع فى البحر. وأما نهر رتين فيخرج من خمايجان العليا حتى يصير بالزّيريان فيقع فى نهر سابور، ثم ينحدر من نهر سابور فيمضى إلى توّج، فيمر ببابها ومنها إلى البحر. ونهر إخشين يخرج من خلال «6» جبال داذين، فإذا بلغ الجنقان وقع فى نهر توّج. وأما نهر سكّان فإنه يخرج من رستاق الرّويحان من قرية تدعى شاذفرى فيسقى زروعها، ثم ينحدر إلى رستاق سياه فيسقيها، ومنها إلى كوار فيسقيها، ومنها إلى خبر فيسقيها، ثم إلى الصّيمكان فيسقيها، ثم إلى كارزين فيسقيها، ثم إلى قرية تسمى سكّ- وينسب هذا الوادى إلى سكّ، ثم يقع فى البحر، وليس فى أنهار الجزء: النص ¦ الصفحة: 74 فارس نهر أكثر عمارة من هذا النهر. وأما نهر جرشيق فإنه يخرج من رستاق ماصرم «1» ، ويخترق رستاق المشجان حتى يجرى تحت قنطرة حجارة عادية- تعرف بقنطرة سبوك، حتى يدخل رستاق خرّه فيسقيها، ثم إلى رستاق داذين ويقع فى نهر اخشين؛ وأما نهر الكرّ فإنه يخرج من كروان من حدود الأرد- وينسب إلى كروان هذا النهر، فيخرج من شعب بوّان ثم يسقى رستاق كام فيروز، وينحدر فيسقى قرية رامجرد وكاسكان والطسّوج، وينتهى إلى بحيرة بجفوز وتسمى بحيرة البختكان، ويقال إن له منبعا يخرج من بعض كور درابجرد فينتهى إلى البحر. وأما نهر فرواب فإنه يخرج من الجوبرقان، من قرية تعرف «2» بفرواب، فيجرى على باب اصطخر تحت قنطرة خراسان حتى يسقط إلى نهر الكر، ومنها نهر يعرف بتيرزه، يخرج من ناحية دارجان سياه فيسقى رستاق الجنيفغان وجور، حتى يخترق رساتيق أردشير خرّه ثم يقع فى البحر؛ وأما الأنهار التى تقصر عن هذا المقدار فى العظم فإنها تكثر عن إحصائى. وأما بحار فارس فإن منها بحر فارس، وهو خليج من البحر المحيط فى حد الصين وبلد الواق واق، حتى يجرى على حدود بلدان الهند والسند وكرمان إلى فارس، وينسب هذا البحر من بين سائر الممالك التى عليه إلى فارس، لأنه ليس عليه مملكة أعمر منها، ولأن ملوك الفرس كانوا على قديم الزمان أقوى سلطانا، وهم المستولون إلى يومنا هذا على ما بعد وقرب من شطوط هذا البحر «3» . ومن بحيراتها التى تحيط بها القرى والعمارات بحيرة البختكان، التى يقع فيها نهر الكرّ، وهى من ناحية جفوز إلى قرب كرمان «4» ، فيكون طولها نحو عشرين فرسخا، وماؤها مالح وينعقد فيها الملح، وحواليها مسبع، وتحيط بها رساتيق وقرى، وهى فى كورة اصطخر؛ وبحيرة بدشت أرزن من كورة سابور، طولها نحو عشرة فراسخ، وماؤها عذب، وربما تجف حتى لا يبقى فيها من الماء إلا القليل، وربما امتلأت نحو عشرة فراسخ، وتحتفّ بها القرى والعمارات، وعامة سمك شيراز منها؛ وبحيرة توّز من كورة سابور بقرب كازرون، وطولها نحو عشرة فراسخ إلى قرب مورق، وماؤها مالح وفيها صيد كثير ومنافع «5» ، وبحيرة الجنكان مالحة، طولها نحو اثنى عشر فرسخا، ويرتفع من أطرافها الملح، وحواليها قرى الكهرجان، وهى من أردشير خرّه أولها من شيراز على فرسخين وآخرها حدّ خوزستان، وبحيرة الباسفويه «6» - التى عليها دير الباسفوية «7» - طولها نحو ثمانية فراسخ، وماؤها مالح وصيدها كثير، وفى أطرافها آجام كثيرة، فيها قصب وبردىّ الجزء: النص ¦ الصفحة: 75 وحلفاء، وغير ذلك مما ينتفع به أهل شيراز، وهي في كورة اصطخر متاخمة للزرقان من رستاق هراة. صفة معظم المدن فى مقاديرها وأبنيتها ونحو ذلك: أما اصطخر فهى مدينة وسطة وسعتها مقدار ميل، وهى من أقدم مدن فارس وأشهرها، وبها كان مسكن ملوك «1» فارس، حتى حوّل أردشير الملك إلى جور، ويروى فى الأخبار أن سليمان بن داود عليه السلام كان يسير من طبريّة إليها من غدوة إلى عشية، وبها مسجد يعرف بمسجد سليمان، ويزعم قوم من عوام الفرس الذين لا يرجعون إلى تحقيق- أن جم الذي كان قبل الضحّاك هو سليمان، وكان في قديم الأيام على اصطخر سور قد تهدّم، وبناؤهم من الطين والحجارة والجصّ على قدر يسار البانى، وقنطرة خراسان خارج من المدينة على بابها مما يلى خراسان، إلا أن وراء القنطرة أبنية ومساكن ليست بقديمة. وأما سابور فإنها مدينة بناها سابور الملك، وهى فى السعة نحو من اصطخر إلا أنها أعمر وأجمع للبناء «2» وأيسر أهلا، وبناؤها نحو بناء اصطخر، وبها وباصطخر وباء، إلا أن خارج المدينة صحيح الهواء؛ وأما دارابجرد فإنها من بناء دارا، ولذلك سميت دارابجرد، وتفسيرها عمل دارا، وعليها سور عامر جديد «3» مثل سور جور، وعليها خندق تتولد المياه فيه من النزّ والعيون، وفى هذا الماء حشائش، إن دخله إنسان أو دابّة التفّت عليه، فلا يتهيأ له عبوره، ولا يكاد يسلم إلا على شدة، ولها أربعة أبواب، وفى وسط المدينة جبل حجارة كأنّه قبة، ليس له اتصال بشىء من الجبال، وبنيانهم من طين، وليس بها فى زماننا كثير من أثر العجم، وأما جور فإنها من بناء أردشير، ويقال إن مكانها كان ماء واقفا كالبحيرة، فنذر أردشير أن يبنى مدينة على المكان الذي يظفر فيه بعدوّه، ويبتنى فيها بيت نار، فظفر هناك فاحتال فى إزالة ماء ذلك المكان بما فتح من مجارية، فبنى بذلك المكان جور، وهى قريبة فى السعة من اصطخر وسابور ودارابجرد، وعليها سور عامر من طين وخندق، ولها أربعة أبواب: باب مما يلى المشرق يسمى باب مهر، ومما يلى المغرب باب بهرام، ومما يلى الشمال باب هرمز، ومما يلى الجنوب باب أردشير، وفى وسط المدينة بناء مثل الدكة يسمى الطّربال، ويعرف بلسان الفرس بأيوان، وكياخرّة وهو بناء بناه أردشير، ويقال إنه كان من الارتفاع بحيث يشرف منه الإنسان على المدينة جميعها «4» ورساتيقها، وبنى أعلاه بيت نار، واستنبط بحذائه من جبل ماء حتى أصعده إلى أعلى هذا الطربال كالفوّارة، ثم ينزل فى مجرى آخر، وهو بناء من جصّ وحجارة، وقد استعمل الناس أكثره وخرب، حتى لم يبق منه شىء «5» إلا اليسير، وفى المدينة مياه جارية، وهى مدينة نزهة جدا، يسير الرجل منها من كل باب نحوا من فرسخ فى بساتين وقصور. فأما مدينة شيراز فإنها مدينة إسلامية ليست بقديمة، الجزء: النص ¦ الصفحة: 76 وإنما بنيت فى الإسلام، بناها محمد بن القاسم بن أبى عقيل ابن عم الحجاج بن يوسف، وسميت بشيراز تشبيها بجوف الأسد، وذلك أن عامة المير «1» بتلك النواحى تحمل إلى شيراز «2» ، ولا تحمل منها إلى مكان، وكانت معسكرا للمسلمين لمّا أناخوا على فتح اصطخر، فلما فتحوا اصطخر نزل بهذا المكان فجعل معسكر فارس، وبناها مدينة، وهى نحو من فرسخ فى السعة، وليس عليها سور، وهى مشتبكة البناء كثيرة الأهل، بها شحنة الجيش لفارس أبدا، ودواوين فارس وعمالها وولاة الحرب فيها؛ وأما كارزين فإنها مدينة صغيرة نحو الثلث من اصطخر، ولها قلعة، وليست من الكبر وقوة الأسباب بحيث يجب ذكرها، إلا أنّا ذكرناها لأنها قصبة كورة قباذخره. ومن أجلّ المدن التى بكورة اصطخر مما يلى خراسان كثه وهى حومة يزد «3» ، وأبرقوه، وبناحية كرمان الرّوذان، وهرية من شق كرمان، ومن ناحية أصبهان كرد والسّردن، وأما كثه وهى حومة يزد فإنها مدينة على طرف المفازة، ولها طيب هواء البرّية وصحته وخصب المدن الجليلة، ولها رساتيق تشتمل على خصب ورخص، والغالب على أبنيتها آزاج الطين، ولها مدينة محصنة بحصن، وللحصن بابان من حديد، يسمى أحدهما باب إيزد والآخر باب المسجد لقربه من الجامع، وجامعها فى الربض، ومياههم من القنى، إلا نهرا لهم يخرج من ناحية القلعة، من قرب قرية فيها معدن الآنك «4» ، وهى نزهة جدا، ولها رساتيق عريضة خصبة، وهى ورساتيقها كثيرة الثمار تفضل لكثرتها مما يحمل إلى أصبهان وغيرها، وجبالهم كثيرة الشجر والنبات، الذي يحمل منها إلى الآفاق، وخارج المدينة ربض يشتمل على أبنية وأسواق تامة العمارة، والغالب على أهلها الأدب والكتابة. وأما أبرقوه فإنها مدينة محصنة كثيرة الزحمة تكون نحو الثلث من اصطخر، وهى مشتبكة البناء والغالب على بنائها وبناء يزد الآزاج، وهى قرعاء ليس حواليها شجر ولا بساتين، إلا فيما بعد عنها، وهى خصبة رخيصة الأسعار. وأما الرّوذان فإنها قريبة من أبرقوه فى الشبه فيما وصفنا. وأما هراة فهى أكبر من أبرقوه، وهي في الأبنية وسائر ما وصفنا مقاربة لأبرقوه، إلا أن لها مياها وثمارا كثيرة تفضل عن أهلها، فتحمل إلى النواحى. وأما كرد فإنها أكبر من أبرقوه، وأرخص سعرا وأخصب، وبناؤهم من طين، وهى كثيرة القصور. والسّردن أخصب منها وأرخص سعرا، وهى كثيرة الأشجار. والبيضاء أكبر مدينة فى كورة اصطخر، وإنما سميت البيضاء لأن لها قلعة تبص من بعد ويرى بياضها، وكان بها معسكر المسلمين يقصدونها فى فتح اصطخر، فأما اسمها بالفارسية فهو نشاتك «5» ، وهى مدينة تقارب فى الكبر اصطخر، وبناؤهم من طين، وهى تامة العمارة خصبة جدا، يتسع أهل شيراز بميرتهم. الجزء: النص ¦ الصفحة: 77 وأما كورة سابور فإن معظم مدنها كازرون وخرّة والنوبنجان، وأبنيتها وأبنية سائر هذه المدن من طين، ويستعمل فيها الجص والحجارة أيضا، وهى من العمران والسّعة والخصب واشتباك الأبنية على التمام. وأما كازرون والنوبنجان فهما متقاربتان فى الكبر، إلا أن بناء كازرون أوثق وأكثر قصورا وأصح تربة وهواء، وليس بجميع فارس أصح هواء وتربة من كازرون، ومياههم من الآبار، وهى مدينة خصبة واسعة الثمار، وأخصب مدن كورة سابور كازرون، والنوبنجان أكبر منها. وأما كورة دارابجرد فإن أكبر مدنها فسا، وهى مدينة مفترشة البناء واسعة الشوارع، تقارب فى الكبر شيراز إلا أنها أصح هواء من شيراز، وأوسع أبنية منها، وبناؤهم من طين، وأكثر الخشب فى أبنيتهم السرور، وهى مدينة قديمة، ولها مدينة عليها حصن وخندق ولها ربض وأسواقها فى ربضها، وهى مدينة يجتمع فيها ما يكون فى بلاد الصرود والجروم، من الثلج والرطب والجوز والأترجّ وغير ذلك؛ وأما سائر المدن من كورة دارابجرد فإنها كلها عامرة خصبة. وأما مدن أردشير خرّه فإنّا قد ذكرنا جور وشيراز، وأكبر مدينة بها بعد شيراز سيراف، وهى تقارب شيراز فى الكبر، وبناؤهم بالساج وخشب يحمل من بلاد الزنج، وأبنيتهم طبقات، وهى على شفير البحر مشتبكة البناء كثيرة الأهل، يبالغون فى نفقات الأبنية، حتى إنّ الرجل من التجار لينفق على داره زيادة عن ثلاثين ألف دينار، وليس حواليها بساتين وأشجار، وإنما سعتهم «1» وفواكههم وأطيب مياههم من جبل مشرف عليهم يسمى جمّ، وهو أعلى جبل بقربها يشبه الصرود، وسيراف أشد تلك المدن حرا. وأما أرّجان فإنها مدينة كبيرة كثيرة الخير، بها نخيل كثيرة وزيتون وفواكه الجروم، وهى بريّة بحريّة سهلية جبليّة، وماؤها سيح، وبينها وبين البحر مرحلة؛ وأكبر مدن فارس شيراز، ثم تليها فى الكبر فسا، ثم تليها فى الكبر سيراف، وتلى سيراف فى الكبر أرّجان، وتلى تلك «2» توّج وسابور واصطخر وكثه ودارابجرد وجور وجنّابة والنّوبنجان «3» والغندجان، وهى متقاربة فى الكبر؛ وتوّج مدينة شديدة الحر فى وهدة، بناؤها طين، وهى كثيرة النخيل؛ والنّوبنجان مدينة حارة فيها نخيل قليلة، وبقربها شعب بوّان مقدار فرسخين قرى ومياه متصلة، قد غطت الأشجار تلك القرى حتى لا يراها الإنسان إلا أن يدخلها، وهى أنزه شعب بفارس، وهى من الصرود. وجنّابة وسينيز «4» ومهروبان على البحر شديدة الحر، وبها نخيل وما يكون فى الجروم من الفواكه. وسنذكر المسافات بفارس: الجزء: النص ¦ الصفحة: 78 فالطريق من شيراز إلى سيراف: من شيراز إلى كفره- قرية- 5 فراسخ، ومن كفره إلى بخر- قرية- 5 فراسخ، ومن بخر إلى كوار غلوة، وهى مقسم ماء مدينة كوار، ومن بخر إلى البنجمان- قرية- 4 فراسخ، ومن البنجمان إلى جور «1» مدينة 6 فراسخ، ومن جور إلى دشت شوراب 5 فراسخ، ومنها إلى خان آزادمرد 6 فراسخ، وهو خان فى صحراء قدرها 3 فراسخ كلها نرجس مضعف، ومن خان آزادمرد إلى كيرند- قرية- 6 فراسخ، ومن كيرند إلى مي- قرية- 6 فراسخ، ومن مى إلى رأس العقبة بادركان خان 6 فراسخ، ومن بادركان خان إلى بركانة خان 4 فراسخ، ومن بركانة إلى سيراف- مدينة- نحو 7 فراسخ، فذلك ستون فرسخا. والطريق من شيراز إلى إلى كثه حومة يزد- وهو طريق خراسان- فمن شيراز إلى الزرقان- قرية- 6 فراسخ، ومن الزرقان إلى اصطخر- مدينة- 6 فراسخ، ومن اصطخر إلى بير- قرية- 4 فراسخ، ومن بير إلى كهمند- قرية- 8 فراسخ، ومن كهمند إلى قرية بيد 8 فراسخ، ومن قرية بيد إلى أبرقوه- مدينة- 12 فرسخا، ومن أبرقوه إلى قرية الأسد 13 فرسخا، ومن قرية الأسد إلى قرية الجوز 6 فراسخ، ومن قرية الجوز إلى قلعة المجوس- قرية- 6 فراسخ، ومن قلعة المجوس إلى مدينة كثه حومة يزد 5 فراسخ، ومن يزد إلى مكان «2» يسمى آبخيزه 6 فراسخ، وآبخيزه مكان ليس بقرية، وإنما هى صحراء فيها أصول تين، وهو آخر عمل فارس، فذلك ثمانون فرسخا. والطريق من شيراز إلى جنّابة: فمن شيراز إلى خان الأسد- وهو على نهر السّكّان- 6 فراسخ، ومن الخان إلى دشت أرزن- خان- 4 فراسخ، ومن دشت أرزن إلى تيره- قرية- 4 فراسخ، ومن تيره إلى كازرون- مدينة- 6 فراسخ، ومن كازرون إلى قرية دزبز 4 فراسخ، ومن قرية دزبز إلى رأس العقبة- خان- 4 فراسخ، ومن رأس العقبة إلى توّج- مدينة- 4 فراسخ، ومن توّج إلى جنّابة- مدينة- 12 فرسخا، فذلك أربعة وأربعون فرسخا. والطريق من شيراز إلى الشيرجان: فمن شيراز إلى اصطخر 12 فرسخا، ومن اصطخر إلى زياداباذ- قرية- وهو من رستاق جور «3» - 8 فراسخ، ومن زياداباذ إلى كلوذر- قرية- وهو مرصد 8 فراسخ، ومن كلوذر إلى الجوبانان- قرية وبها بحيرة- 6 فراسخ، ومن الجوبانان إلى قرية عبد الرحمن 6 فراسخ، وهى مدينة تسمى أباذه، ومن قرية عبد الرحمن إلى قرية الآس- مدينة وتسمى البودنجان- 6 فراسخ، ومن قرية الآس إلى صاهك الكبرى- مدينة- 8 فراسخ، ومن صاهك إلى رباط السّرمقان- رباط- 8 فراسخ، ومن رباط الجزء: النص ¦ الصفحة: 79 السرمقان إلى پشت خم- رباط أيضا- 9 فراسخ، ومن پشت خم إلى الشيرجان- مدينة كرمان- 9 فراسخ، ورباط السرمقان من فارس وما بعده من كرمان، فذلك من شيراز إلى حد السرمقان اثنان وستون فرسخا» . والطريق من شيراز إلى جروم كرمان: فمن شيراز إلى خان ميم- قرية من رستاق الكهرجان- 7 فراسخ «2» ، ومنه إلى خوزستان- مدينة- 7 فراسخ «3» ، ومن خوزستان إلى منزل يعرف بالرباط 4 فراسخ «4» ، ومن الرباط إلى كرم- مدينة- 4 فراسخ، ومن كرم «5» إلى فسا- مدينة- 5 فراسخ. ومن فسا إلى طمستان- مدينة- 4 فراسخ، ومن طمستان إلى جومة الفستجان- مدينة- 6 فراسخ، ومن الفستجان إلى الداركان «6» 4 فراسخ، ومن الداركان إلى المريزجان- مدينة- 4 فرسخ، ومن المريزجان إلى سنان- مدينة- 4 فراسخ، ومن سنان إلى دارابجرد- مدينة- 5 فرسخ. ومن دارابجرد إلى زم المهدى- مدينة- 5 فراسخ، ومن الزم إلى رستاق الرستاق- مدينة- 5 فراسخ، ومن رستاق الرستاق إلى فرج- مدينة- 8 فراسخ، ومن فرج إلى تارم- مدينة- 14 فرسخا، فذلك من شيراز إلى تارم اثنان وثمانون فرسخا. الطريق من شيراز إلى أصبهان: من شيراز إلى هزار- مدينة- 7 فراسخ، ومن هزار إلى مائين- مدينة- 6 فراسخ، ومن مائين إلى كنسا- مرصد- 6 فراسخ، ومن كنسا إلى كنار- قرية- 4 فراسخ، ومن كنار إلى قصر أعين- قرية- 7 فراسخ، ومن قصر أعين إلى اصطخران- قرية- 7 فراسخ، ومن اصطخران إلى خان أويس- قرية- 7 فراسخ، ومن خان أويس إلى كوژ- قرية- 7 فراسخ، ومن كوژ إلى كره 8 فراسخ، ومن كره إلى خان لنجان- قرية- 7 فراسخ، ومن خان لنجان إلى أصبهان 7 فراسخ؛ وحد فارس إلى خان أويس من شيراز إليها ثلاثة وأربعون فرسخا، فذلك من شيراز إلى أصبهان اثنان وسبعون فرسخا. الطريق من شيراز إلى خوزستان: فمن شيراز إلى جويم 5 فراسخ، ومن جويم إلى خلان- قرية- الجزء: النص ¦ الصفحة: 80 4 فراسخ، ومن خلان إلى الخرارة- قرية كبيرة قليلة الماء «1» - 5 فراسخ، ومن الخرارة إلى الكركان- قرية- «2» 5 فراسخ، ومن الكركان إلى النوبنجان- مدينة كبيرة- 6 فراسخ، ومن النوبنجان إلى الخوروان- قرية- 4 فراسخ، ومن الخوروان إلى درخيد- قرية- 4 فراسخ، ومن درخيد إلى خان حمّاد- قرية- 4 فراسخ، ومن خان حمّاد إلى بندك- قرية- 8 فراسخ، ومن بندك إلى قرية العقارب- وتعرف نهير «3» - 4 فراسخ، ومن هير إلى راسين 4 فراسخ، ومن راسين إلى أرّجان 7 فراسخ، ومن أرّجان إلى سوق سنبيل 6 فراسخ، والحد بينهما قنطرة تكان تكون من أرّجان على غلوة، فذلك من شيراز إلى أرّجان ستون فرسخا. فأما المسافات بين المدن الكبار بفارس: فمن فسا إلى كارزين 18 فرسخا، ومنها إلى جهرم 10 فراسخ، ومن فسا «4» إلى كارزين 8 فراسخ، وقد مرّ أن من شيراز إلى اصطخر 12 فرسخا، ومن شيراز إلى كوار 10 فراسخ، ومن شيراز إلى جور 20 فرسخا، ومن شيراز إلى فسا 27 فرسخا «5» ، ومن شيراز إلى البيضاء 8 فراسخ، ومن شيراز إلى دارابجرد 50 فرسخا، وقد مرّ أن من شيراز إلى سيراف 60 فرسخا، ومن شيراز إلى النوبنجان 25 فرسخا، ومن شيراز إلى يزد 74 فرسخا، ومن شيراز إلى توّج 32 فرسخا، ومن شيراز إلى جنّابة 54 فرسخا «6» ، ومنها إلى أرّجان 60 فرسخا، وقد مرّ ذلك، ومنها إلى سابور 25 فرسخا، ومن شيراز إلى كازرون 20 فرسخا «7» ، ومن شيراز إلى خرّه 25 فرسخا، ومن شيراز إلى خرّمة 14 فرسخا، ومن شيراز إلى جهرم 30 فرسخا، ومن جور إلى كازرون «8» 16 فرسخا، ومن سيراف إلى نجيرم 12 فرسخا، ومن مهروبان إلى حصن ابن عمارة- وهو طول فارس على البحر- نحو 160 فرسخا؛ والذي يحيط بالمفازة من حدّ كرمان إلى حد اصبهان من الروذان إلى أبان 18 فرسخا، ومن أبان إلى فهرج 25 فرسخا، ومن فهرج إلى كثه 5 فراسخ، ومن كثه إلى ميبد 10 فراسخ، ومن ميبد إلى عقدة 10 فراسخ، ومن عقدة إلى نائين 15 فرسخا، ومن نائين إلى اصبهان 45 فرسخا «9» ، فمن روذان إلى نائين ثلاثة وثمانون فرسخا. ومسافة الحدّ الذي يلى كرمان: من حد السيف من لدن حصن ابن عمارة الجزء: النص ¦ الصفحة: 81 إلى أن ينتهى إلى تارم، ثم يمتد إلى الروذان حتى ينتهى إلى برية خراسان، مثل ما من البحر على خط شيراز إلى أن ينتهى ألى مفازة خراسان وهو 120 فرسخا؛ والحد الذي يلى خوزستان ومهروبان حتى ينتهى إلى أرّجان وبلاد سابور والسّردن إلى أول حدّ اصبهان نحو 60 فرسخا. ذكر الماء والهواء والتربة بفارس. أرض فارس مقسومة على خط من لدن أرّجان إلى النوبنجان إلى كازرون إلى خرّه، تمر على حدود السيف إلى كارزين «1» ، حتى تمتد إلى الزموم ودارابجرد إلى فرج وتارم، فما كان من ناحية الجنوب فجروم، وما كان يلى الشمال فصرود، ويقع فى جرومها أرّجان والنوبنجان ومهروبان وشينيز وجنّابة وتوّج ودشت الدستقان وخرّه وداذين ومورق «2» وكازرون «3» ودشت بارين وجيبرين ودشت البوسقان وزم اللّوالجان وكيرزين وأبرز «4» وسميران وخمايجان والخربق وكران وسيراف «5» ونجيرم وحصن ابن عمارة وما فى أضعاف ذلك. ويقع فى الصرود اصطخر والبيضاء ومائين وايرج وكام فيروز وكرد وكلّار وسروستان والاوسبنجان والارد والرون وصرام وبازرنج والسردن وخرّمة والحيرة والنّيريز والماسكانات والإيج والاصطهبانان «6» وبرم ورهنان وبوّان وطرخنيشان والجوبرقان واقليد والسّرمق وأبرقوه ويزد وجارين ونائين وما أضعاف ذلك. وعلى الحد مدن فيها ما فى الصرود والجروم من النخيل والجوز، مثل فسا وجور وشيراز وسابور والنوبنجان وكازرون. فأما الصرود فإن فيها أما كن يبلغ من شدة البرد فيها ألا ينبت عندهم شىء من الفواكه سوى الزرع، كالأرد والرون وكرد والرساتيق الاصطخرية والرهنان؛ وأما الجروم فإن بها ما يبلغ من شدة الحر فى الصيف الصائف ألا يثبت «7» عندهم شىء من الطيور من شدة الحر، مثل الاغرستان وهى رستاق، ولقد خبرنى بعض الناس أنه كان فى بيت يشرف على واد فيه حجارة، فرأى نصف النهار تتفلّق فيه الحجارة كما تتفلّق فى النار؛ والصرود كلها صحيحة الهواء، والجروم الغالب عليها فساد الهواء وتغيير الألوان، وليس فيها أكثر وباء من مدينة دارابجرد ثم توّج، وأصح الهواء فى الجروم أرّجان وسيراف وجنّابة وشينيز، وأعدل هذه المدن ما كان فى هذين الحدّين مثل شيراز وفسا وكازرون وجور وغير ذلك، وليس بجميع فارس هواء أصح من هواء كازرون، ولا أصلح أبدانا وبشرة من أهلها. وأما المياه فإن أصح المياه بها ماء نهر كرّ، وأردأ المياه ماء دارابجرد. الجزء: النص ¦ الصفحة: 82 ذكر صور أهل فارس وزيّهم ولسانهم «1» وأديانهم. أما صورهم فإن أهل الجروم الغالب على خلقتهم نحافة الخلق «2» ، وخفة الشعر وسمرة اللون، وأهل الصرود أعبل «3» أجساما وأكثر شعورا وأشد بياضا؛ ولهم ثلاثة ألسنة: الفارسية التى يتكلمون بها، وجميع أهل فارس يتكلمون بلغة واحدة يفهم بعضهم عن بعض، إلا ألفاظا تختلف لا تستعجم على عامّتهم، ولسانهم الذي به كتب العجم «4» وأيامهم ومكاتبات المجوس فيما بينهم هو الفهلوية، التى تحتاج إلى تفسير حتى يعرفها الفرس، ولسان العربية به «5» مكاتبات السلطان والدواوين وعامة الناس وأمراؤهم «6» ؛ وأمّا زيّهم فإن زىّ السلطان بها الأقبية، وربما لبسوا الدراريع «7» التى هى أوسع فرجة، وأعرض جربّانا «8» وجيوبا من دراريع الكتّاب، والعمائم التى تحتها قلانس مرتفعة، ويلبسون السيوف بحمائل، وفى أوساطهم المناطق، وخفافهم تصغر عن خفاف أهل خراسان. وأما قضاتهم فإنهم يلبسون الدّنيّات، وما أشبهها من القلانس المشمّرة عن الأذنين مع الطيالسة والقمص والجباب، ولا يلبسون درّاعة ولا خفا بكسر ولا قلنسوة تغطى الأذنين. وأما زى الكتّاب فإنهم يلبسون الدراريع والعمائم، فإن لبسوا تحت العمائم قلانس جعلوها خفيّة، توقى الوسخ ولا تظهر، ويلبسون الخف المكسّر ألطف من خف السلطان، ولا يلبسون قباء ولا طيالسة. وأما التنّاء «9» والتجار والملوك فلباسهم شىء واحد، من الطيالسة والعمائم والخفاف التى لا كسر فيها والقمص والجباب والمبطّنات، وإنما يتفاضلون فى الجودة فى الملابس، فأما الزىّ فواحد، وزيّهم زىّ أهل العراق. وأما أخلاق ملوكهم والتنّاء منهم والمخالطين للسلطان من عمال الدواوين وغيرهم «10» فالغالب عليهم استعمال المروّة فى أحوالهم، والنزاهة عما يقبح به الحديث من الأخلاق الدنيّة، والمبالغة فى تحسين دورهم ولباسهم وأطعمتهم، والمنافسة فيما بينهم فى ذلك. والآداب الظاهرة فيهم؛ وأما تجارهم فالغالب عليهم محبة جمع المال والحرص «11» ؛ فأما أهل سيراف والسواحل فإنهم يسيرون فى البحر حتى ربما غاب أحدهم عامة عمره فى البحر، ولقد بلغنى أن رجلا من سيراف ألف البحر، حتى ذكر أنه لم يخرج من السفينة نحوا من أربعين سنة، وكان إذا قارب البر أخرج صاحبه لقضاء حوائجه، فى كل مدينة يتحوّل من سفينة إلى أخرى إذا انكسرت أو تشعثت فاحتيج إلى اصلاحها، وقد أعطوا من ذلك حظا جزيلا، حتى إن أحدهم يبلغ ملكه أربعة آلاف ألف دينار، وفى عصرنا الجزء: النص ¦ الصفحة: 83 قد بلغنى ما هو أكثر من ذلك، فتراه فى لباسه لا يتميز من أجيره «1» ، وأما أهل كازرون وفسا وغيرهم «2» ، فهم أهل تجارات فى البرّ، وقد أعطوا من ذلك حظا جزيلا، حتى أن أحدهم ليبلغ ملكه الكثير «3» ، وهم أهل صبر على الغربة وحرص على جمع المال «4» ، وفيهم اليسار الظاهر حيثما كانوا، وما علمت مدينة فى برّ ولا بحر فيها قوم من الفرس مقيمون إلا وهم عيون تلك المدينة، والغالب عليهم اليسار واستقامة الحال والعفّة. وأما أديانهم فإن السواحل من سيراف إلى مهروبان إلى أرّجان وأكثر الجروم الغالب عليهم مذاهب أهل البصرة فى القدر وأقلهم المعتزلة، وأهل جهرم الغالب عليهم الاعتزال، وأهل خرّة هم شيعة «5» ؛ وأما الصرود فإن شيراز واصطخر وفسا الغالب عليهم مذاهب أهل الجماعة على مذاهب أهل بغداد، والغالب على أهل فارس فى الفتيا مذهب أهل الحديث. فأما أهل الملل منهم فإن فيهم اليهود والنصارى والمجوس، وليس فيهم صابئة ولا سامرة «6» ، ولا من سائر النحل أحد ظاهر، وأكثر هذه الملل المجوس، وهم الغالبون على سائر الملل فى الكثرة، ثم النصارى ثم اليهود أقلهم، فأما كتب المجوس وبيوت نيرانهم وأديانهم «7» وما كانوا عليه فى أيام ملوكهم فإنهم يتوارثونه، وذلك فى أيديهم ويتدينون به؛ وليس المجوس ببلد أكثر منهم بفارس، لأن بها دار ملوكهم «8» وأديانهم وكتبهم. ذكر طبقات الناس بفارس أما طبقات الناس بفارس فإن لهم فى قديم الأيام- على ما يذكره الفرس فى كتبهم- ملوكا ملكوا الدنيا، مثل الضحّاك وجم وأفريدون فى آخرين، كانوا ملوك الأرض حتى قسم أفريدون الأرض بين بنيه، فصار ملوك الفرس سكان ايرانشهر إلى أن قتل ذو القرنين دار الملك، فصارت الممالك طوائف، حتى كان أيام أردشير فعادت المملكة إلى واحد، فما زالت فيهم يتولاها مثل سابور وبهرام وقباذ وفيروز وهرمز وسائر الأكاسرة، حتى جاء الإسلام فزال الملك عنهم، وإنما سكن بابل الأكاسرة فى آخر أيامهم، وانتقلوا من ديارهم الجزء: النص ¦ الصفحة: 84 عن فارس إلى قرب من الروم والعرب، كما انتقل التتابعة من اليمن لما ملكوا الآفاق، وكما انتقل ملوك الإسلام من العرب عن ديار العرب إلى بابل، لتوسط الممالك والاشراف على كل ناحية، ولسنا نكثر فى ذكر ملوك الفرس لانتشار أخبارهم وعلم الناس بأيامهم؛ فأما فى الإسلام فإن لهم ملوكا منهم فى تقليد الإمارات، ومنهم من قعد عنها على استقلاله بها وكفايته من الفرس، والعرب الذين توطنوا فارس فصاروا من أهلها- والذين تغرّبوا عنها فمنهم الهرمزان من الأساورة، أسر فى أيام عمر فقدم به «1» عليه فأطلقه وآمنه فأسلم، وله إلى آل أبى طالب صهر، فاتهم بقتل عمر بن الخطاب مع أبى لؤلؤة عبد للمغيرة بن شعبة، فقتله عبيد الله بن عمر بعد موت عمر، ويقال إن سلمان الفارسي من ولد الأساورة، وأنه تزهّد وخرج يطلب الدين ويتصفح الملل، حتى وقع إلى المدينة فأسلم عند ورود النبي صلى الله عليه وسلم المدينة، ومنهم آل عمارة ويعرفون بآل الجلندى، ولهم مملكة عريضة وضياع كثيرة وقلاع على سيف البحر بفارس متاخمة لحد كرمان، ويزعمون أن ملكهم هناك قبل موسى عليه السلام «2» ، وأن الذي قال الله عز وجل «3» وَكانَ وَراءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْباً هو الجلندى، وهم قوم من أزد اليمن، ولهم إلى يومنا هذا منعة وعدة وبأس وعدد، لا يستطيع السلطان أن يقهرهم «4» ، وإليهم أرصاد البحر وعشور السفن، وقد كان عمرو بن الليث ناصب حمدان بن عبد الله الحرب نحو سنتين فما قدر عليه، حتى استعان عليه بابن عمه العباس بن أحمد بن الحسن وأحمد بن الحسن الذي نسبنا إليه زم الكاريان، وهو من آل الجلندى أزدى، وابنه حجر بن أحمد هو على الزم فى منعة وقوة إلى يومنا هذا؛ وآل الصفّار الذين نسب إليهم سيف بنى الصفّار هم آل الجلندى، وهؤلاء أقدم من ملوك الإسلام بفارس، وأمنعهم جانبا؛ ومنهم آل أبى زهير المدينى ينسب إليهم سيف بنى زهير، وهم من سامة بن لؤى ملوك ذلك السيف، ولهم منعة وعدد؛ ومنهم أبو سارة الذي خرج متغلبا على فارس يدعو إلى نفسه، حتى بعث المأمون من خراسان محمد بن الأشعث فواقعه فى صحراء كس من شيراز، وفرّق جيشه وقتله، وكان الوالى بفارس حينئذ يزيد بن عقال: وجعفر بن أبى زهير الذي قال فيه الرشيد وقد وفد عليه فى ملوك فارس لولا طرش به لاستوزرته؛ والمظفّر بن جعفر الذي كان يملك عامة الدستقان، وله مملكة السيف من حدّ جنّابة إلى حد نجيرم، وسائر آل أبى زهير من حد نجيرم إلى حد بنى عمارة، ومسكن آل أبى زهير كران، ومسكن المظفّر على ساحل البحر بصفارة؛ ومنهم آل حنظلة بن تميم من ولد عروة بن أديّة، الذين عبروا من البحرين إلى فارس فى أيام بنى أمية، بعد قتل عروة بن أديّة فسكنوا اصطخر ونواحيها، وملكوا الأموال الكثيرة والقرى النفيسة؛ وكان منهم عمرو بن عيينة، وبلغ من يساره أنه ابتاع بألف ألف درهم مصاحف فوقفها الجزء: النص ¦ الصفحة: 85 فى مدن الإسلام؛ وكان مبلغ خراج أهل «1» هذا البيت فى ضياعهم نحو عشرة آلاف ألف درهم، وكان المأمون ولّى عمر بن ابراهيم غزو البحر لقتال القطرية، وابنه مرداس بن عمر المكنى بأبى بلال بلغ من ماله أن كان خراجه نحو ثلاثة آلاف ألف درهم، وكان ابن عمه محمد بن واصل ملكه مثل ملك هذا، وخراجه مثل خراجه، لا يتفاوت بكبير شىء، وكان أجلّ أهل هذا البيت عمرو بن عيبنة، وكانت من قوة أهل «2» هذا البيت أن الأتراك لما استولوا على الخلافة- فلم يطقهم الخلفاء- فرقوا فى اقطاعات عريضة، وولّوا فارس ليبعدوا عن الباب «3» ، وكان منهم من عظماء الأتراك نحو من أربعين أميرا، ورئيسهم المولد، وكان يمنعهم الظلم فتشغبوا عليه وهمّوا به «4» حتى استجار بمرداس بن عمر فأجاره وأخرجه إلى بغداد، وولّوا على أنفسهم ابراهيم بن سيما، وكتب عبيد الله ابن يحيى عن المعتمد إلى مرداس فى قتلهم فاستعفى، وكتب إلى محمد بن واصل فجمع حاشيته وأهل طاعته حتى قتل هؤلاء الأمراء عن آخرهم، إلا إبراهيم بن سيما وأربعة نفر، وكان رئيس الأتراك بعد المولد بفارس، واستولى محمد بن واصل على فارس، فبعث إليه من بغداد عبد الرحمن بن مفلح، وكان على جيشه طاشم فى جيش عظيم، فهزم جيش عبد الرحمن وقتل طاشم، وأسر عبد الرحمن وقتله، فصفت له فارس، حتى قصد ابن عمه مرداس بالخنق مخالفة على نفسه، فاستدعى يعقوب بن الليث، فدخل يعقوب بن الليث فارس لمعاضدة مرداس، حتى حارب محمد بن واصل بمروسدان بناحية البيضاء، راجعا من محاربة عبد الرحمن بن مفلح، فهزمه وفرّق جيشه وأسر بسيراف فى البحر، فسلم إلى يعقوب وأنفذه إلى قلعة ثمّ فحبسه بها سنتين، حتى كان يعقوب بجنديسابور فتغلب هو والمحبّسون على القلعة، فبعث يعقوب من قتلهم إلا القليل؛ ومن ملوك الفرس ممّن ملك بغير فارس آل سامان، فإنهم من ولد بهرام، وكان بهرام من أهل خبر من أردشيرخرّه فسكن الرىّ، ثم ولى محاربة الأتراك فقصد بلخ «5» وفرق جمع الأتراك، وأثر فيهم فاستفحل أمره وقويت شوكته، حتى خافه كسرى ذلك العصر على نفسه وملكه، فهمّ بمحاربته وازالة ملكه، فاضطره بهرام إلى أن استجار بملك الروم «6» ، وأخلى مملكته إلى أن يقصد ملك الروم، فرجع وكان من حديثه ما قد ذكر فى الكتب، وآل سامان من ولده فكانوا ملوك ما وراء نهر بلخ «7» المعروف بجيحون وأمراءه يتوارثونه بينهم، إلى أن انتهت الامارة إلى اسماعيل بن أحمد بن أسد، فبلغ من سلطانه وتمكّن أمره أن أزال ما كان استصعب على المعتضد- فى شهامته وصولته وبأسه- من ملك عمرو ابن الليث، وتفريق جمعه حين «8» ملك خراسان كلها وما وراء النهر وجرجان وطبرستان وقومس والرى الجزء: النص ¦ الصفحة: 86 وقزوين «1» وأبهر وزنجان، وهذه مملكة ما علمت أن الأكاسرة جمعتها لرجل واحد، وقمع مع هذه المملكة الأتراك وذلّلهم، حتى بلغت صولته وهيبته حدود الصين، وهابته ملوك الترك حتى صار مما يلى مملكة الإسلام من «2» بلدان الأتراك من الأمن مثل دار الإسلام، ثم ملك بعده ابنه أحمد بن اسماعيل، فزاد إلى هذه المملكة فتح سجستان واذلال بقايا السّجزيّة، وبسط من حسن النظر للرعية ما انتشر به ذكره، ثم ملك بعده نصر بن أحمد، وبلغ من بأسه وقمع من عارضه فى ملكه وقوة دولته أنه ما اعترض فى ملكه أحد إلا قمعه وكانت الغلبة له؛ وأما من ملك من فارس من غير الفرس فغلب عليه فإن منهم على بن الحسين بن بشر من الأزد المقيمين الذين كانوا ببخارى فانتقل إلى فارس، وكان من الشّحنة «3» وقوى فى أيام المعتز والمستعين فغلب على فارس، وكان له بأس ومنعة، حتى حار به يعقوب بن الليث بقنطرة سكّان بقرب شيراز فهزمه وأسره، فأقام فى حبسه مدة ثم قتله؛ وأما ملوك الزموم الذين على أبوابهم الجيوش الدائمة من ألف رجل إلى ثلاثة آلاف رجل- فإن منهم فى زم الزميجان المعروف بزم جيلويه المهرجان بن روزبه، وهو أقدم من جيلويه وأعظم شوكة ومنزلة، وأخوه سلمة «4» ابن روزبه بعده، وكان جيلويه ناقلة إليهم من خمايجان السفلى من كورة اصطخر، وكان يخدم سلمة فلما مات تغلب جيلويه على هذا الزم، واستفحل أمره حتى نسب الزمّ إليه إلى يومنا هذا، وبلغ من شوكته أن أوقع بآل أبى دلف، وقتل معقل بن عيسى أخا أبى دلف، ثم قصده أبو دلف فقتله وحمل رأسه فكان لآل أبى دلف إلى أن انقضت أيامهم، يقيمون برأسه فى الحروب يحمل بين أيديهم على رمح، وقد صبّب القحف «5» بالفضة حين وقع فى يد عمرو بن الليث، لما هزم أحمد بن عبد العزيز بالزرقان فكسره، ورياسة هذا الزم فى أولاد جيلويه إلى يومنا هذا؛ وأما زمّ الديوان فكان رئيسهم آزاد مرد بن كوشهاذ من الأكراد، فملكه دهرا ثم عصى، فقصده السلطان فهرب إلى عمان وبها مات، وصار الأمر بعده إلى الحسين بن صالح من الأكراد، فصار الزمّ فى يده ويد أولاده إلى أيام عمرو بن الليث، فنقله عنهم إلى ساسان بن غزوان من الأكراد، فهو فى أهل بيته إلى يومنا هذا؛ وأما زم اللوالجان فكان فى أيدى آل الصفّار، إلى أن ولى محمد بن ابراهيم الطاهرى فارس «6» فجعله فى يدى أحمد ابن الليث رجل من الأكراد، فهو فى يدى أهل بيته إلى يومنا هذا، ومحمد بن ابراهيم هو الذي أوقع بآزادمرد ابن كوشهاذ حتى هرب؛ وأما زم الكاريان فهو فى يدى آل الصفّار إلى يومنا هذا على قديم الأيام، ورئيسهم اليوم حجر بن أحمد بن الحسن؛ وأما زم البازنجان فإن رئيسهم كان يسمى شهريار من الأكراد، والزم منسوب إليه وكان مصاهرا لجيلويه، وصار بعده للقاسم بن شهريار ثم انتقل إلى موسى بن القاسم، والبازنجان الذين هم الجزء: النص ¦ الصفحة: 87 فى حدّ أصبهان هم من هذا الزم فانتقلوا عن فارس، إلا أن لهم فى حدود فارس ضياعا كثيرة، وكان رئيسهم موسى بن عبد الرحمن ثم صارت لموسى بن مهراب، وصارت بعده لابنه أبى مسلم محمد بن موسى ومن بعده لأخيه فارس بن موسى، ومن بعده لأحمد بن موسى، والرئاسة فيهم إلى يومنا هذا. وأما من صلح من الفرس للدواوين من الكتّاب والعمال والأدباء فإن منهم عبد الحميد بن يحيى، وكان له فى بنى أمية ولاء ينسب إليهم، وكان من كتابته واستقلاله ما أغنى عن ذكره لاشتهاره، ومنهم عبد الله بن المقفع، كان فارسيا أقام بالبصرة، وقتل فى أيام المنصور بالبصرة، وكان كتب أمانا لعبد الله بن على من المنصور، فشرط فيه براءة المسلمين من بيعته لو خان فى أمانه «1» ، فوجد المنصور عليه فأمر عامل البصرة بقتله سرا فقتله سرا، ومنهم سيبويه وكان مقيما بالبصرة، ويقال إنه من أهل اصطخر فأقام بالبصرة، إلا أنه مات بفارس، وقبره بشيراز بباب يعرف بباب إبرذه فى مفترشة يعرف بالمزدكان، وله (الكتاب) المنسوب إليه فى النحو؛ والفرس هم شحنة دواوين الخلافة والعمّال الذين بهم قوام السياسة، من الوزراء وسائر عمال الدواوين، منهم البرامكة وآل ذى الرئاستين وإلى يومنا هذا من المادرائيّين والفيريابيين وسائر شحنة الخلافة من أولاد الفرس، الذين انتقلوا إلى السواد فى أيام الأكاسرة فأقاموا فى أرض النبط، وأما قوادها فمنها وهم أولاد الفرس «2» ، وليس فى سائر دواوين الإسلام ديوان هو أصعب عملا وأكثر أنواعا من ديوان فارس، لاختلاف ربوعها وتقارب «3» الأخرجة على أصناف زروعها واختلاف أبواب أموالها، وتشعب الأعمال بها «4» على المتقلدين لها، حتى لا يكاد يبلغ الرجل الواحد الاستقلال بتلك الأعمال كلها إلا فى الفرد، وما علمنا أحدا منهم جمع من العلم بأبواب «5» الدواوين إلا نفرا يسيرا، منهم المعلى «6» بن النضر كاتب الحسن بن رجاء، وكان من أهل العراق توطن شيراز فمات بها، وكذلك الحسن بن رجاء جمع له الحرب وأعمال الدواوين، مات بشيراز وقبره عند دار الأمارة يعرف بدار هدّاب «7» بن ضرار المازنى، التى كان المأمون ابتناها لما أرجف باختياره بفارس، ويكنى المعلى بأبى على، فكان يتقلب فى أعمال الدواوين نحو خمسين سنة، وعاش بعد الحسن بن رجاء نحوا من ست سنين؛ وماهان بن بهرام من أهل سيراف كتب لعلى بن الحسين بن بشر «8» ومحمد بن واصل وجمع له الدواوين فاستقل بها؛ وأخوه كامل بن بهرام ويكنى بأبى الليث، كان لا يوصف فى الاستقلال إلا بديوان الرسائل فقط؛ ومنهم الحسن بن عبد الله ويكنى بأبى الجزء: النص ¦ الصفحة: 88 سعيد «1» ، واسم عبد الله بزرجمهر بن خدايداد بن المرزبان، وبلده فسا، توطن شيراز «2» ، وهو من جانب أمه «3» منسوب إلى بنى مروان، ومنهم محمد بن يعقوب من أهل يزد، استقل بدواوين فارس وتوطن بخارى. وبفارس قوم يقال لهم أهل البيوتات، يتوارثون فيما بينهم أعمال الدواوين «4» ، منهم آل حبيب وكان مشايخهم مدرك وأحمد والفضل بنو حبيب، وأصلهم من كام فيروز ومنشؤهم شيراز، قطنوها وتقلدوا الأعمال الجليلة الشريفة، وكان المأمون الخليفة استدعى مدرك بن حبيب إلى بغداد للحساب وغيره من وجوه الخدمة، وحظى عنده وقرأ عليه «5» ومات ببغداد أيام المعتصم، واتهم يحيى بن أكثم به «6» ؛ وآل أبى صفيّة من موالى باهلة، منهم يحيى وعبد الرحمن «7» وعبد الله بنو محمد بن اسماعيل، ناقلة توطنوا بها فى زمان المأمون وتقلدوا أعمال «8» الديوان بها «9» ؛ وأما آل المرزبان بن زادية، فإنهم كانوا من أهل شيراز، وكان الحسن بن المرزبان بندارا لمحمد بن واصل «10» ، ومن بعده ليعقوب ابن الليث؛ وكان جعفر بن سهل بن المرزبان كاتب أبى الحارث بن فريغون من أهل هذا البيت «11» ، وخدم علىّ بن المرزبان عمرو بن الليث على ديوان الاستدراك، وآل المرزبان بن خدايداد الذين يقال إن أصلهم من فسا، وهم أقدم أهل هذه البيوتات «12» ، وأكثرهم عددا، ومنهم أبو سعيد «13» الحسن بن عبد الله ونصر بن منصور بن المرزبان، وعبد الرحمن بن الحسين بن المرزبان، وخدايداد بن مردشاد بن المرزبان، وأحمد بن خدايداد فى جماعة تركنا تقصى عددهم، يتولون طرفا من أعمال الديوان إلى يومنا هذا، وآل مردشاد بن نسبة، منهم على بن مردشاد وأولاده الحسن والحسين وأحمد، وإلى يومنا هذا منهم عمّال العمالات، فهؤلاء مع آخرين لم نذكرهم أهل بيوت يتوارثون هذه الأعمال «14» . الجزء: النص ¦ الصفحة: 89 وقد انتحل قوم من الفرس ديانات خرجوا بها عن «1» المذاهب، فدعوا إليها وانتصبوا «2» لها، لولا أن إهمال أمرهم ضرب من العصبية وباب من التحامل، فنذكر المحاسن ولا نذكر غيرها، لكان من الواجب إهمال ذكرهم لشناعة أمرهم وفظاعة أخبارهم، ولكن الوقوف على ما أمكن من أخبار الناس وسيرهم- من محمود ومذموم- غير مكروه، فممّن عرف من هؤلاء واشتهر ذكر الحسين بن منصور المعروف بالحلّاج- من أهل البيضاء، وكان رجلا حلاجا ينتحل النسك، فما زال يرتقى به طبقا عن طبق حتى انتهى به الحال إلى أن زعم: أن من هذّب فى الطاعة جسمه، وأشغل بالأعمال الصالحة قلبه، وصبر على مفارقة اللذات، وملك نفسه فى منع الشهوات، ارتقى به الى مقام المقربين، ثم لا يزال يتنزّل فى درج المصافاة، حتى يصفو عن البشرية طبعه، فإذا لم يبق فيه من البشرية نصيب، حلّ فيه روح الله، الذي كان منه عيسى بن مريم، فيصير مطاعا، فلا يريد شيئا إلا كان من كلّ ما ينفذ فيه أمر الله، وأن جميع فعله حينئذ فعل الله، وجميع أمره أمر الله، فكان يتعاطى هذا ويدعو إلى نفسه بتحقيق ذلك كله، حتى استمال جماعة من الوزراء وطبقات من حاشية السلطان وأمراء الأمصار وملوك العراق والجزيرة والجبال وما والاها، وكان لا يمكنه الرجوع إلى فارس ولا يطمع فى قبولهم إياه، فخاف على نفسه منهم لو ظهر لهم، فأخذ وما زال فى دار السلطان ببغداد، إلى أن خيف من قبله أن يستغوى كثيرا من أهل دار الخلافة من الحجاب والخدم وغيرهم، فصلب حيا إلى أن مات. ومنهم الحسن الجنّابى ويكنى بأبى سعيد من أهل جنّابة، كان دقاقا أظهر مذهب القرامطة فنفى عن جنّابة، فخرج منها إلى البحرين، فأقام بها تاجرا يستميل العرب بها ويدعوهم إلى نحلته حتى استجابوا له، وملك البحرين وما والاها، فكان من كسره عساكر السلطان وعيثه وعدوانه على أهل عمان، وسائر ما يصاقبه من بلدان العرب ما قد انتشر ذكره، حتى قتل وكفى الله أمره، ثم قام ابنه سليمان بن الحسن فكان من قتله الحاج، وانقطاع طريق مكة فى أيامه والتعدى فى الحرم، وانتهاب كنوز الكعبة وقتل المعتكفين بمكة- ما قد اشتهر ذكره، ولما اعترض الحاجّ بما كان منه أخذ عمه أخو أبى سعيد وقراباته فحبسوا بشيراز مدة- وكانوا مخالفين له فى الطريقة، يرجعون إلى صلاح وسداد، وشهد لهم بالنزاهة من القرمطة- فخلّى عنهم، والله الحافظ للاسلام وأهله، والشر لمن حادّ الله فى أمره. وسنذكر الخاصيات بها: بناحية اصطخر أبنية حجارة عظيمة الشان، من تصاوير وأساطين وآثار أبنية عادية، يذكر الفرس أنه مسجد سليمان بن داود صلى الله عليهما «3» ، وأن ذلك من عمل الجن، وهى تشبه أبنية رأيتها ببعلبك وأرض الشام ومصرفى العظم، ومما يعجز عن مثله أهل هذا العصر، وبناحية اصطخر تفاح تكون التفاحة الواحدة منه بعضها حامض وبعضها حلو، حدّث مرداس بن عمر بن الحسن بن رجاء، فرأى فى وجهه الجزء: النص ¦ الصفحة: 90 انكارا لذلك فأحضره حتى رآه؛ وبقرية عبد الرحمن بئر عمقها قامات كثيرة، جافة القعر عامة السنة، حتى إذا كان الوقت المعروف من السنة ينبع منها ماء، يرتفع إلى وجه الأرض ويجرى منه ما يدير الرحى، حتى ينتفع به فى سقى الزروع وغير ذلك ثم يغور. وبناحية سابور جبل قد صوّر فيه صور كل ملك وكل مرزبان معروف للعجم، وكل مذكور من سدنة النيران وعظيم من موبذ وغيره، وتتابع صور هؤلاء وأيامهم وقصصهم فى أدراج، وقد خصّ بحفظ ذلك قوم سكّان بموضع بناحية أرّجان يعرف بحصن الجص، وبجور بركة على باب البلد مما يلى شيراز تعرف بنزّ، قد أكبّ على قعرها قدر نحاس عظيمة، يخرج من ثقبة فى أعلى تلك القدر ضيقة جدا ماء عظيم، ليس فى تقدير رأى العين أن مثل ذلك الماء على كثرته يخرج من ذلك الثقب على ضيقه؛ وبقرب أبرقوه تلال عظيمة من رماد يزعم قوم أنها نار نمرود بن كنعان، التى أوقدها لإحراق ابراهيم عليه السلام «1» وهذا خطأ، لأن الصحيح فى الأخبار أن نمرود كان مقيما ببابل، وكذلك ملوك الكنعانيين قبل ملوك الفرس؛ وقد ذكرنا «2» المومياى فى جملة ما يرتفع من ناحية «3» دارابجرد. وبكورة أرّجان بقرية يقال لها صاهك الغرب بئر، يذكر أهلها أنهم امتحنوا قعرها بالمثقلات والأرسان، فلم يقفوا منها على عمق، يفور منها الدهر كله ماء بقدر ما يدير رحى ويسقى تلك القرية. وبكورة سابور رستاق يعرف بالهنديجان فيها بئر بين جبلين، يخرج منها دخان فيعلو حرها «4» ، حتى لا يتهيأ لأحد أن يقربها، وإذا طار فوقها طائر سقط فيها واحترق؛ وبدشت بارين قرية تعرف بجور هى نحيسة لا شجر فيها، فيها أهل بيت ينسبون إلى السحر ويسألون عن الأخبار، ويحكى عنهم ما أستفظع حكايته فى كتابى. وبكورة أردشير خرّه على باب شيراز عين ماء يشرب منه الناس لتنقية الجوف، فمن شرب منه قدحا أقامه مجلسا، ومن زاد فلكل قدح مجلس؛ وبناحية كام فيروز بقرية تعرف بالمورجان بين جبال شاهقة كهف فيه جرن، وفى سقف هذا الكهف ماء ينقطر إلى الجرن، فيزعم الناس أن عليه طلّسما، فإن دخل ذلك الكهف رجل خرج ما يكفى رجلا، وإن دخله ألف رجل خرج بقدر حاجتهم. وعلى باب أرّجان مما يلى خوزستان قنطرة على نهر طاب، تنسب إلى الديلمى طبيب الحجّاج، وهى طاق واحد- سعة الطاق على الأرض ما بين العمودين نحو ثمانين خطوة، وارتفاعه مقدار ما يجوز فيه راكب الجمل بيده علم من أكبر ما يكون؛ وبناحية كران طين أخضر كالسلق يؤكل، ليس فيما علمته فى بلد مثله؛ وبناحية جنّابة فى البحر مكان يعرف بخارك معدن اللؤلؤ، يقال إن النادر منه لا يفوقه شىء، وأن الدرة اليتيمة منه إن صح ذلك، وبناحية شيراز ريحان يعرف بسوسن نرجس، ورقه مثل ورق السوسن، وداخله مثل عين النرجس سواء، وبناحية داذين نهر ماء عذب يعرف بنهر إخشين، يشرب منه ويسقى الأراضى، وإذا غسلت به ثياب خرجت خضرا؛ وبدشت بارين فى جبالها- بقرية تسمى الجزء: النص ¦ الصفحة: 91 بر- عين ماء قليل، يعرف بماء نوح، يتداوى به من العلل والعين، ويقال إنه ربما حمل منه إلى حدود الصين لاشتهاره واستعمال الناس إياه، فينتابه الناس من خراسان والبلدان النائية. فأما ما يرتفع من بلدان فارس مما ينقل إلى الأمصار، وما يفضّل فى جنسه على سائر ما يرتفع فى البلدان: فمن ذلك ماء الورد الذي يرتفع من جور فانه يفضّل فى جنسه، وينقل إلى البحر فيفرّق فى الحجاز واليمن والشام ومصر والمغرب وخوزستان وخراسان والجبال «1» ؛ ويرتفع من غير جور ما هو أجود إلا أن معظم الجهاز منه، ويرتفع بجور ماء الطلع وماء القيصوم الذي لا نعرفه فى بلد غير جور، وماء الزعفران المسوسن وماء الخلاف الذي يفضّل على جنسه فى سائر البلدان. ويرتفع من سابور الأدهان من كل جنس ما يفضّل على أدهان سائر المدن إلا الخبرىّ والبنفسج، فإن الذي بالكوفة منهما خير، والإنبجات التى تحمل إلى الآفاق منها. ويرتفع من سينيز وجنّابة وكازرون وتوّج ثياب كتان، وللسلطان فى كل بلد منها طراز غير كازرون، وتحمل هذه الثياب إلى الآفاق من بلدان الإسلام كلها، ويرتفع من فسا أنواع من الثياب التى تجلب إلى الآفاق، وبها طراز الوشى والشعر والسوسنجرد للسلطان، فأما الوشى فإن المذهب المرتفع منه أجود مما يكون بغيره من الأمصار، وأما غير المذهب فإن الذي بجهرم أجود وأكثر منه، وأما الشعر فإنه يعمل للسلطان ثياب مثقالية تأخذ قيمة كبيرة، وكلل مرتفعة وسائر أصناف الشعر، ويتخذ من القز للسلطان ستور معلمة معينة «2» ، ويرتفع من ثياب القز والشعر ما يحمل إلى كثير من أمصار الإسلام، والسوسنجرد الذي يكون بها أرفع مما يكون بقرقوب «3» وتوّج وتارم، وبها أكسية القز التى تبلغ قيمة كبيرة، ويرتفع من جهرم ثياب الوشى المرتفع والبسط والنخاخ والمصليات والزلالىّ المعروفة بالجهرمىّ، ويرتفع من يزد وأبرقوه ثياب قطن تحمل إلى الآفاق، ويرتفع من الغندجان- قصبة دشت بارين- من البسط والستور والمقاعد وأشباه ذلك ما يوازى به عمل الأرمينى، وبها طراز للسلطان، وتحمل منها إلى الآفاق، وإنما فضّل سوسنجرد فسا على سوسنجرد قرقوب لأن القرقوبى إبريسم وهذا صوف، والصوف أجود من الابريسم فى الصنعة، ويحمل من سيراف ما يقع إليها من أمتعة البحر، من العود والعنبر والكافور والجواهر والخيزران والعاج والأبنوس والفلفل والصندل وسائر الطيب والأدوية والتوابل- التى يكثر تقصيها- إلى جميع فارس «4» والدنيا كلها، وهى فرضة لهذه المواضع، وأهلها أيسر أهل فارس، ومنهم الجزء: النص ¦ الصفحة: 92 من يجوز «1» ما له ستين ألف ألف درهم، ما اكتسبه إلا من تجارة البحر، وهم الغالبون على مدن تلك السواحل وعلى البحر كله؛ ويرتفع من أرّجان دوشاب يكون بآسك، وآسك هذه التى كان بها وقعة الأزارقة، وكانوا أربعين رجلا، فقصدهم نحو ألفى رجل من أصحاب البصرة، فقتلوا الألفين عن آخرهم، ويفضّل هذا الدوشاب على ما يكون بالعراق وسائر المدن، إلا السيلان الذي يكون بالاحساء وهجر فانه يفوقه «2» ؛ وبأرّجان زيت «3» يحمل إلى الآفاق منه فيفضّل على غيره، وبكازرون «4» تمر يفال له الجيلاندار، يتفرد به ذلك الموضع، ولا يكون بالعراق والحجاز وكرمان وسائر مواضع النمور، ويحمل منها إلى العراق «5» على كثرة تمورها. وبدارابجرد سمك بالخندق الذي يحيط بالبلد، لا شوك فيه ولا عظم ولا فقار، وهو من ألذ السموك، ويرتفع من دارابجرد مثل العمل الطبرىّ الذي يكون بطبرستان. ويرتفع من كازرون ثياب كتان تنقل إلى الآفاق؛ ويرتفع «6» من قرية من دارابجرد المومياى الذي يحمل إلى السلطان، وهو غار فى جبل قد وكّل به من يحفظه، فيفتح فى كل سنة فى وقت معروف، وقد استجمع فى نقر حجر هناك ماء قد اجتمع المومياى فى أسفله، فإذا جمع يكون مثل الرمّانة، فيختم ويشهده ثقات السلطان من الحكام وأصحاب البرد والمعدّلين، ويرضخ للذى يحضره بالشيء اليسير، وهو المومياى الصحيح، وما عدا هذا «7» المومياى الذي يحمل إلى السلطان فشىء مزوّر، يشبه المومياى وليس بالصحيح، وبقرب هذا الغار قرية تسمى آبين، فينسب هذا إليها ويسمى موم قرية آبين؛ وبناحية دارابجرد جبال من الملح الأبيض والأصفر والأخضر والأسود والأحمر، تنحت من هذه الجبال موائد وغير ذلك مما ينحتونه «8» ويحمل إلى سائر المدن، والملح الذي فى سائر المدن إنما هو من باطن الأرض أو ماء يجمد، وهذا هو جبل ملح ظاهر «9» ؛ وبدارابجرد دهن رازقى يقال إنه ليس فى مكان مثله يحمل إلى الآفاق «10» ؛ ويكون بأرض فارس عامة المعادن من الفضة والحديد والآنك والكبريت والنفط، وأشباه ذلك مما يستقل به أهلها مما يكون فى سائر الأقطار، إلا أن الفضة بها قليلة بناحية يزد بموضع يعرف بنائين، ولا أعرف بها معدن الذهب «11» ، ومعدن الصفر بالسّردن يحمل منها إلى البصرة وإلى سائر النواحى، والحديد يرتفع من جبال اصطخر، وبقرية من كورة اصطخر تعرف بدارابجرد معدن الزئبق «12» ؛ ويعمل بفارس مداد أسود للدواة والصبغ يفضّل على الجزء: النص ¦ الصفحة: 93 غيره «1» ؛ وبشيراز أبراد تحمل إلى الآفاق، وبجانات من كورة اصطخر ثياب قطن مستحسنة تعرف بالجاناتى «2» رقيقة. فأما نقودهم وأوزانهم ومكاييلهم، فالبيع والشراء بجميع فارس بالدراهم، وإنما الدنانير عندهم كالعرض «3» ، وليس على سكة الدراهم والدنانير التى تعرف بفارس إلا اسم أمير المؤمنين، من أيام السجزية إلى يومنا هذا؛ فأما أوزانهم فإن وزن الدراهم «4» كل عشرة دراهم سبعة مثاقيل، وليس مثل اليمن وغيرها من المواضع التى تختلف مقادير أوزان الدرهم بها؛ وأما ما توزن به الأمتعة فإن المنا بشيراز اثنان صغير وكبير، فالكبير ألف درهم وأربعون درهما، وما رأيت ولا بلغنى أن فى موضع من المواضع المنا على هذا الوزن إلا بأردبيل، والآخر هو منا «5» بغداد وزن مائتين وستين درهما، وهذا المن مستعمل بجميع فارس وعامة ما دخلته من أمصار المسلمين، وإن كان لهم أوزان غير هذا، والمنا بالبيضاء وزن ثمانمائة درهم، وباصطخر وزن أربعمائة درهم، وبخرّة المنا مائتان وثمانون درهما، وبسابور المنا ثلاثمائة درهم، وببعض «6» نواحى أردشير خرّه المنا بها مائتان وأربعون درهما. وأما الكيل فإن بشيراز الجريب عشرة أقفزة، والقفيز ستة عشر رطلا فى التقدير، يزيد وينقص القليل إذا كان المكيل حنطة، والرطل وزن مائة وثلاثين درهما، ولهذا القفيز كيل على حدة «7» ، ولهذا القفيز نصف وربع، كل واحد منهما كيل قائم بنفسه، وكيل صغير هو جزء من أربعة وعشرين من هذا القفيز، وجريب اصطخر وقفيزها على النصف من جريب شيراز، ومكاييل البيضاء تزيد على مكاييل اصطخر بنحو العشر ونصف العشر، ومكاييل كام فيروز وما يتصل بها على الخمسين من مكاييل البيضاء، ومكاييل أرّجان تزيد على مكاييل شيراز الربع، ومكاييل سابور وكازرون تزيد على مكاييل شيراز العشرة ستة، ومكاييل فسا تنقص عن مكاييل شيراز العشر. أبواب المال لبيت المال على الناس والزموم أبواب المال، التى تطبق عليها الدواوين، من خراج الأرضين والصدقات وأعشار السفن وأخماس المعادن والمراعى والجزية وغلّة دار الضرب والمراصد والضياع والمستغلات وأثمان الماء وضرائب الجزء: النص ¦ الصفحة: 94 الملاحات والآجام؛ فأما خراج الأرضين فعلى ثلاثة أصناف «1» : على المساحة والمقاسمة والقوانين التى هى مقاطعات معروفة لا تزيد ولا تنقص زرع أم لم يزرع؛ وأما المساحة والمقاسمة فإن زرع أخذ خراجه، وإن لم يزرع لم يؤخذ، وعامة فارس مساحة إلا الزموم فإنها مقاطعات إلا شيئا يسيرا من المقاسمات، وتختلف الأخرجة فى البلدان على المساحة، فأثقلها بشيراز، وعلى كل صنف من الزرع شىء مقدّر، فعلى الجريب الكبير من الأرض يزرع فيه الحنطة والشعير السيح مائة وتسعون درهما «2» ، والشجر «3» بالسيح مائة واثنان وتسعون درهما، والرطاب والمقاثى السيح للجريب الكبير مائتان وسبعة وثلاثون درهما ونصف «4» ، وعلى الجريب الكبير من القطن السيح مائتان وستة وخمسون درهما وأربعة دوانيق، وعلى الجريب الكبير من الكروم «5» ألف وأربعمائة وخمسة وعشرون درهما، والجريب الكبير ثلاثة أجربة وثلثان بالجريب الصغير، والجريب الصغير ستون ذراعا فى ستين ذراعا بذراع الملك، وذراع الملك تسع قبضات، هذا خراج شيراز للسيح. وخراج كوار «6» على الثلثين من هذا، لأن جعفر بن أبى زهير السامى «7» كلّم الرشيد فردّه إلى ثلثى الربع؛ وخراج اصطخر ينقص من خراج شيراز فى الزرع بشىء يسير، هذا خراج السيح. والبخوس خراجه على ثلث السيح، والطّويّ والمنضح «8» والمندّى على ثلثى الخراج، والسقى ما ندّى وسقى سقية فينقص «9» الربع من الخراج، وإذا ندى وسقى سقيتين فهو السيح، وقد استتم الخراج؛ وكور دارابجرد وأرّجان وسابور زراعتهم ومقادير الخراج على أراضيهم بخلاف هذا يزيد أو ينقص. وأما المقاسمة فإنها على وجهين، ضياع فى أيدى قوم من أهل الزموم وغيرهم، ومعهم عهود من علىّ بن أبى طالب عليه السلام «10» ومن عمر بن الخطاب رضى الله عنه وغيرهما من الخلفاء، فيقاسمون على العشر والثلث والربع وغير ذلك، والوجه الآخر مقاسمات على قرى صارت لبيت المال، فيزراع الناس عليها. وأما أبواب أموال الضياع فإن الضياع السلطانية خارجة عن المساحة، وإنما تؤخذ من السلطان بالمقاسمة أو المقاطعة، وعلى الأكرة فيها ضرائب من الدراهم يؤدونها. وأما الصدقات الجزء: النص ¦ الصفحة: 95 وأعشار السفن وأخماس المعادن والجزية ودار الضرب والمراصد وضرائب الملّاحات والآجام وأثمان الماء والمراعى فإنها تقرب فى الرسم مما فى سائر الأمصار. وليس بفارس دار ضرب إلا بشيراز، وأما المستغلات فإنها تربة أسواق بشيراز وغير شيراز، أبنيتها للناس ويؤدون أجرة الأرض والطواحين للسلطان وأجرة الدور التى يعمل فيها ماء الورد، وكان الرسم القديم بفارس أن كل حومة بفارس لا خراج على الكروم فيها، ولا على الأشجار بجميع فارس، إلى أن ولى على بن عيسى الوزارة، سنة اثنتين وثلاثمائة فألزمهم فيها كلها الخراج، وبفارس ضياع قد ألجأها أربابها إلى الكبراء من حاشية السلطان بالعراق، فهى تجرى بأسمائهم وخفّف عنهم الربع، فهى فى أيدى أهلها بأسماء هؤلاء يتبايعونها ويتوارثونها. الجزء: النص ¦ الصفحة: 96 بلاد كرمان وأما كرمان فإن شرقيّها أرض مكران ومفازة ما بين مكران والبحر من وراء البلوص، وغربيّها أرض فارس، وشماليها مفازة خراسان وسجستان، وجنوبيّها بحر فارس، ولها فى حدّ الشيرجان دخلة فى حد فارس مثل الكم، وفيما يلى البحر لها تقويس. وكرمان لها صرود وجروم، وصرودها تقصر عن صرود فارس فى البرد، وليس فى جرومها شىء من الصرود، وفى صرودها ربما عرض بعض الجروم؛ وأما ما يقع فيها من المدن التى أعرفها فهى الشّيرجان وجيرفت وبمّ وهرموز، وفى أضعاف ذلك ما بين فارس وجيرفت مدينة روبين «1» ، وبعضهم يزعم أنها مدينة ليست من كرمان، وبعضهم يقول إنها من كرمان، ومدينة كشيستان «2» وجيروقان ومرزقان والسورقان وولاشكرد ومغون، ومما يلى جيرفت إلى الشيرجان ناجت «3» وخير، وما بين الشيرجان وبمّ: الشامات وبهار وخنّاب وغبيرا وكوغون ورائين وسروستان ودارجين، وما بين جيرفت وبمّ مدينة هرمز تعرف بقرية الجوز «4» ، وما بين الشيرجان وفارس أناس وكردكان وبيمند، وبين الشيرجان وبين فارس أيضا إلى حدود دارابجرد حسناباذ وكاهون، ومن الشيرجان إلى ما يلى المفازة بردشير وجنزروذ وزرند وفيرزين وماهان وخبيص، ومما يلى المفازة بناحية بمّ نرماشهر وفهرج وسنيج، إلا أن سنيج فى وسط المفازة منقطعة عن حدود كرمان وإن كانت مضمومة إليها، وصوّرناها فى مفازة فارس وخراسان والأخواش «5» ، على أن منهم من زعم أن الأخواش من عمل سجستان، فصورناها على حدود؛ وحوالى جبل بارز: الريقان ومدينة قفير وحومة قوهستان أبى غانم، وفيما يلى هرموز وجيرفت مدينة كومين ونهر زنجان ومنوجان، فأما شهروا «6» على البحر فليس بها منبر، وهذا ما علمته. ومن مشاهير جبالها المنيعة جبال القفص وجبال البارز وجبال معدن الفضة، وليس ببلاد كرمان نهر عظيم الجزء: النص ¦ الصفحة: 97 ولا بحور إلا بحر فارس، إلا أن خليجا من بحر فارس يخترق إلى هرموز يسمى الجير، فتدخل فيه السفن من البحر وهو مالح، وفى أضعاف مدن كرمان مفاوز كثيرة، وليس اتصال عماراتها مثل اتصال عمارات فارس؛ وجبال القفص هى جبال جنوبيّها البحر، وشماليّها حدود جيرفت والرّوذبار وقوهستان أبى غانم، وشرقيها الأخواش ومفازة بين القفص ومكران، وغربيّها البلوص «1» وحدود المنوجان ونواحى هرموز، ويقال إنها سبعة أجبل، وبها نخيل كثير وخصب من زرع وضرع، وهى جبال منيعة، ولكل جبل رئيس، وهم ممتنعون، وللسلطان عليهم جراية يستكفهم بها، وهم مع ذلك يقطعون الطريق فى عامة كرمان إلى مفازة سجستان وإلى حدّ فارس، وهم رجّالة لا دوّاب لهم، والغالب على خلقتهم النحافة والسمرة وتمام الخلق، ويزعمون أنهم من العرب وتوصف بلادهم «2» أن بها من الأموال المجموعة والذخائر ما يكثر عن الوصف؛ وأما البلوص فهم فى سفح جبل القفص، ولا يخاف القفص من أحد إلا من البلوص، وهم أصحاب نعم وبيوت شعر مثل البادية، ولا يقطعون الطريق ولا يتأذى بهم أحد؛ وأما جبال البارز فإنها جبال خصبة، فيها أشجار بلد الصرود، وتقع فيها الثلوج، وهى جبال منيعة، وأهلها لا يتأذى بهم أحد، ولم يزل أهلها على المجوسية أيام بنى أمية كلها لا يقدر عليهم، وكانوا شرا من القفص، فلما ولى الأمر بنو العباس أسلموا، وكانوا مع ذلك فى منعة شديدة إلى أيام السجزية، فأخذ يعقوب وعمرو ابنا الليث رؤوسهم وملوكهم وأخلوا تلك الجبال من عيالهم، وهى أخصب من جبال القفص وبها معادن حديد؛ وأما جبال المعادن فهى جبال بها فضة، وتمتد من ظهر جيرفت على شعب يعرف بدرباى إلى جبل الفضة مرحلتين، ودرباى «3» هذه شعب خصب عامر بالبساتين والقرى نزه جدا. وجروم كرمان أكثر من صرودها، ولعل صرودها نحو الربع، وهى مما يلى الشيرجان فيما حواليها إلى جهة فارس والمفازة وإلى ما يلى بمّ، والجروم فيها من حدّ هرموز إلى حدّ مكران وحد فارس وحدّ الشيرجان، فيقع فى أضعافها هرموز والمنوجان وجيرفت وجبال القفص ودشت رويست وبشت خمّ، وما فى أضعاف ذلك من المدن والرساتيق «4» ، وكذلك بمّ وما فى أضعافها إلى المفازة، وإلى حدّ مكران وإلى خبيص؛ والغالب على أهل كرمان نحافة الجسم والسمرة لغلبة الحرّ، وليس بعد جيرفت وبمّ مما يلى المشرق شىء من الصرود، ومما يلى المغرب من جيرفت صرود، تقع فيها الثلوج ما بين جبل الفضة إلى درباى، إلى أن تشرف على جيرفت، وكذلك فى وجه جبل بارز، وبقرب جيرفت موضع يعرف بالميجان «5» ، وعامة فواكه جيرفت والحطب والثلوج تحمل إليها من ميجان ودرباى، ويخترقها نهر يعرف بديوروذ «6» ، شديد الجرى له وجبة «7» وخرير شديد، يجرى بالصخور ولا يستطع أحد أن ينزله، إلا متوقيا على رجليه من تلك الحجارة، الجزء: النص ¦ الصفحة: 98 وهو مقدار ما يدير عشرين رحى؛ وهرموز إنما هى مجمع تجارة كرمان، وهى فرضة البحر وموضع السوق، وبها مسجد جامع ورباط «1» ، وليس بها كثير مساكن وإنما مساكن التجار فى رستاقها، متفرقين فى القرى نحو فرسخين، وبلدهم كثير النخل، والغالب على زرعهم الذرة. وأما جيرفت فإن طولها نحو ميلين، وهى متجر خراسان وسجستان، ويجتمع فيها ما يكون بالصرود والجروم، من الثلج والرطب والجوز والأترجّ، وماؤهم من نهر ديوروذ، وهى خصبة جدا وزروعهم سقى، وأما بمّ فإن فيها نخيلا، ولها قرى كثيرة، وهى أصح هواء من جيرفت، ولها قلعة منيعة مشهورة «2» وهى فى المدينة؛ وبمدينة بمّ ثلاثة مساجد يجمّعون فيها الجمعات، فمنها مسجد للخوارج فى السوق عند دار منصور بن خردين، ومسجد جامع فى البزّازين لأهل الجماعة، ومسجد جامع فى القلعة، وفى المسجد الجامع للخوارج بيت مالهم للصدقات، وشراتهم «3» قليلون، إلا أن لهم يسارا، وبمّ أكبر من جيرفت. وفهرج مدينة صغيرة، وعامة حشيشها النرجس والسوسن وحطبهم كله من الآس «4» . وأما الشيرجان فمياههم من القنّى فى المدينة، ومياه رساتيقها من الآبار، وهى أكبر مدينة بكرمان، وأبنيتها من «5» آزاج لقلة الخشب بها، والغالب على أهل الشيرجان مذهب أهل الحديث، والغالب على أهل جيرفت الرأى، والغالب على أهل الروذبار «6» وقوهستان أبى غانم والبلوص والمنوجان التشيع، ومن حد مغون وولا شجرد إلى ناحية هرموز يزرع النيل والكمّون ويحمل منها إلى الآفاق، ويتخذ بها الفانيذ «7» وقصب السكر، والغالب على طعامهم الذرة، وبها نخيل كثير حتى ربما بلغ بها وبسائر الجروم من جيرفت التمر مائة منّ بدرهم، ولهم سنّة حسنة لا يرفعون من تمورهم ما أسقطه الريح، فيأخذه غير أربابه، وربما كثرت الرياح فيصير إلى الضعفاء من التمور فى التقاطهم إياها أكثر مما يصير للأرباب، وليس عليهم فيها إلا العشور للسلطان، مثل ما بالبصرة. وأما ناحية رويست فإنه بلد قشف، والغالب على أهلها اللصوصية. وشهروا «8» قرية على البحر بها صيادون، وإنما هى منزل لمن أراد أن يأخذ من فارس إلى هرموز، وليس بها منبر. ولسان أهل كرمان الفارسية، إلا أنّ القفص لهم مع لسان الفارسية لسان القفص «9» ، وكذلك البلوص والبارز لهم مع لسان الفارسية لسان آخر. ويرتفع من بمّ ثياب قطن تحمل إلى الآفاق؛ ومن ناحية زرند ترفع بطائن معروفة تحمل إلى فارس والعراق. الجزء: النص ¦ الصفحة: 99 والخواش إنما هى أخواش مثل البرارى «1» ، وهم بادية أصحاب إبل وغنم «2» ومراع، ولهم أخصاص ينزلون فيها، ولهم نخيل كثير؛ وأما الأخواش فإنه يرتفع منها الفانيذ «3» ، الذي يحمل إلى سجستان. وأما نقودهم فإن الغالب عليها الدراهم «4» ، ولا يستعملون الفلوس ولا شيئا من النقرة «5» ، والدنانير فيما بينهم كالعرض لا يتبايعون بها. وأما المسافات بين مدن كرمان فإن من الشيرجان «6» إلى رستاق الرستاق من حد فارس: من الشيرجان إلى كاهون مرحلتان، ومن كاهون إلى حسناباذ نحو من فرسخين، ومن حسناباذ إلى رستاق الرستاق نحو من مرحلة؛ ومن الشيرجان إلى الروذان مما يلى فارس: منها إلى بيمند 4 فراسخ، ومن بيمند إلى كردكان فرسخان، ومن كردكان إلى أناس مرحلة كبيرة، ومن أناس إلى الروذان من حد فارس مرحلة خفيفة؛ ومن الشيرجان إلى رباط السرمقان من «7» حدّ فارس مرحلتان كبيرتان، وليس فيما بينهما منبر، وبشت خم بين الشيرجان وبين رباط السرمقان منزل «8» ، ومن الشيرجان إلى بم: أول مرحلة منها الشامات وتعرف بكوهستان، ومن الشامات إلى بهار مرحلة خفيفة، ومن بهار إلى خنّاب مرحلة خفيفة، ومن خنّاب إلى غبيرا مرحلة خفيفة، ومن غبيرا إلى كوغون فرسخ، ومن كوغون إلى رائين مرحلة، ومن رائين إلى سروستان مرحلة خفيفة، ومن سروستان إلى دارجين مرحلة، ومن دارجين إلى بمّ مرحلة؛ ومن «9» الشيرجان إلى جيرفت- إن شئت سرت على طريق بمّ إلى سروستان، ثم تعطف عن يمينك إلى هرمز- قرية الجوز- مرحلة، ومنها إلى جيرفت مرحلة، وإن شئت خرجت من الشيرجان إلى ناجت مرحلتين، ومن ناجت إلى خير مرحلة، ومن خير إلى جبل الفضّة مرحلة، ومن جبل الفضّة إلى درباى مرحلة، ومن درباى إلى جيرفت مرحلة. ومن الشيرجان إلى خبيص: منها إلى فرزين مرحلتان، ومن فرزين إلى ماهان مرحلة، ومن ماهان إلى خبيص 3 مراحل؛ ومن الشيرجان إلى زرند: منها إلى بردشير مرحلتان، ومن بردشير إلى جنزروذ مرحلة كبيرة، ومن جنزروذ إلى زرند مرحلة كبيرة، ومن زرند إلى حدّ المفازة مرحلة كبيرة؛ ومن بمّ إلى المفازة: منها إلى نرماشهر مرحلة، ومن نرماشهر إلى الفهرج على طرف المفازة مرحلة، الجزء: النص ¦ الصفحة: 100 ومن بمّ إلى جيرفت: منها «1» إلى دارجين مرحلة، ومن دارجين إلى هرمز مرحلة، ومن هرمز إلى جيرفت مرحلة؛ ومن جيرفت إلى فارس- منها إلى قناة الشاه مرحلة، ومن قناة الشاه إلى مغون مرحلة، ومن مغون إلى ولاشكرد مرحلة، ومن ولاشكرد إلى السورقان «2» مرحلة، ومن السورقان إلى المرزقان مرحلة، ومن مرزقان إلى جيروقان فرسخ، ومن جيروقان إلى كشيستان مرحلة خفيفة، ومن كشيستان إلى روبين مرحلة خفيفة، ومن روبين إلى فارس مرحلة خفيفة. ومن جيرفت إلى هرموز تسير إلى ولاشكرد، ثم تعدل منها إلى يسارك إلى كومين «3» مرحلة كبيرة، ومنها «4» إلى نهر زنكان مرحلة، ومن نهر زنكان إلى المنوجان مرحلة، ومن المنوجان إلى هرموز مرحلتان. والطريق من هرموز إلى فارس: من هرموز إلى شهروا على شط البحر مرحلة، وعن شهروا إلى رويست 3 مراحل، ومن رويست إلى تارم 3 مراحل، فهذه جوامع مسافات كرمان. الجزء: النص ¦ الصفحة: 101 بلاد السند وأما بلاد السند وما يصاقبها مما قد جمعناه فى صورة واحدة، فهى بلاد السند وشىء من بلاد الهند ومكران وطوران والبدهة، وشرقىّ ذلك كله بحر فارس، وغربيّه كرمان ومفازة سجستان وأعمال سجستان، وشماليه بلاد هند «1» ، وجنوبيه مفازة بين مكران والقفص، ومن ورائها بحر فارس، وإنما صار بحر فارس يحيط بشرقى هذه البلاد والجنوبىّ من وراء هذه المفازة، من أجل أن البحر يمتد من صيمور على الشرقىّ إلى نحو «2» تيز مكران، ثم ينعطف على هذه المفازة إلى أن يتقوّس على بلاد كرمان وفارس. والذي يقع من المدن فى هذه البلاد فبناحية مكران: التّيزوكيز «3» وقنّزبور ودرك «4» وراسك وهى مدينة الخروج، وبه وبند وقصر قند واصفقه وفهلفهره ومشكى وقنبلى وأرمائيل. وأما طوران فإن مدنها محالى وكيز كانان وسورة «5» وقصدار. وأما البدهة فإنّ مدينتها قندابيل. وأما مدن السند فإنها المنصورة واسمها بالسندية برهمناباذ «6» والدّيبل والبيرون «7» وقالّرى وأنّرى وبلّرى والمسواهى والبهرج «8» وبانية ومنحاترى «9» وسدوسان «10» والرّور «11» . وأما مدن الهند فهى قامهل وكنباية وسوبارة وسندان وصيمور والملتان وجندراور وبسمد، فهذه من مدن هذه البلاد التى عرفناها. ومن كنباية إلى صيمور من بلد بلهرا «12» بعض ملوك الهند، وهى بلاد كفر إلا أن هذه المدن فيها المسلمون، ولا يلى عليهم من قبل بلهرا إلا مسلم، وبها مساجد يجمّع فيها الجمعات، ومدينة بلهرا التى يقيم فيها ما نكير، وله مملكة عريضة. الجزء: النص ¦ الصفحة: 102 والمنصورة مدينة مقدارها فى الطول والعرض نحو ميل فى ميل، ويحيط بها خليج من نهر مهران وهى فى شبيه «1» بالجزيرة، وأهلها مسلمون وملكهم من قريش «2» ، يقال إنه من ولد هبّار بن الأسود، قد «3» تغلب عليها هو وأجداده، إلا أن الخطبة بها للخليفة، وهى مدينة حارة بها نخيل، وليس لهم عنب ولا تفاح ولا كمثرى ولا جوز، ولهم قصب سكر، وبأرضهم «4» ثمرة على قدر التفاح تسمى الليمونة، حامضة شديدة الحموضة «5» ، ولهم فاكهة تشبه الخوخ يسمونها الأنبج «6» ، تقارب طعم الخوخ، وأسعارهم رخيصة، وفيها خصب، ونقودهم القاهريات- كل درهم نحو خمسة دراهم «7» ، ولهم درهم يقال له الطاطرىّ، فى الدراهم وزن درهم وثلثين «8» ، ويتعاملون بالدنانير أيضا، وزيهم زى أهل العراق، إلا أن زى ملوكهم «9» يقارب زى ملوك الهند فى الشعور والقراطق «10» . وأما الملتان «11» فهى مدينة نحو نصف «12» المنصورة، وتسمى فرج بيت الذهب، وبها صنم تعظّمه الهند وتحجّ إليه من أقاصى بلدانها، وتتقرب إلى هذا الصنم فى كل سنة بمال عظيم، لينفق على بيت الصنم والعاكفين «13» عليه منهم، وسميت الملتان بهذا الصنم، وبيت هذا الصنم قصر مبنى فى أعمر موضع، بسوق الملتان بين سوق العاجيين وصفّ الصفّارين، وفى وسط هذا القصر قبة والصنم فيها، وحوالى القبّة بيوت يسكنها خدم هذا الصنم ومن يعكف عليه، وليس بالملتان من الهند والسند الذين يعبدون الأوثان «14» غير هؤلاء «15» ، الذين هم فى هذا القصر مع الصنم، وهذا الصنم صورة على خلقة الإنسان، متربع على كرسىّ من جصّ وآجر، والصنم قد ألبس جميع جسده جلدا يشبه السختيان أحمر، حتى «16» لا يبين من جثّته شىء إلا عيناه، فمنهم من يزعم أن بدنه خشب، ومنهم من يزعم أنه من غير الخشب، إلا أنه لا يترك بدنه ينكشف، وعيناه جوهرتان، وعلى رأسه إكليل ذهب مرتفع «17» على ذلك الكرسىّ، قد مدّ ذراعيه على ركبتيه، وقد فرّق أصابع 1» كل يد له كما تحسب أربعة «19» ، وعامة الجزء: النص ¦ الصفحة: 103 ما يحمل إلى هذا الصنم من المال فإنما يأخذه أمير الملتان، وينفق على السدنة منه، فإذا قصدهم الهند للحرب وانتزاع هذا الصنم منهم أخرجوا الصنم، فأظهروا كسره واحراقه فيرجعون، ولولا ذلك لخرّبوا الملتان، وعلى الملتان حصون ولها منعة «1» ، وهى خصبة إلا أن المنصورة أخصب وأعمر منها، والملتان إنما سمى فرج بيت الذهب لأنها لما فتحت فى أول الإسلام كان فى المسلمين ضيق وقحط، فوجدوا فيها ذهبا كثيرا فاتسعوا به، وخارج الملتان على مقدار نصف فرسخ أبنية كثيرة تسمى جندراور، وهى معسكر للأمير، لا يدخل الأمير منها إلى الملتان إلا فى الجمعة، فيركب الفيل ويدخل إلى صلاة الجمعة، وأميرهم قرشىّ من ولد سامة بن لؤى، قد تغلب عليها ولا يطيع صاحب المنصورة، إلا أنه يخطب للخليفة. وأما بسمد فهى مدينة صغيرة، وهى والملتان وجندراور «2» عن شرقىّ نهر مهران «3» ، وبين كل واحدة منها وبين النهر نحو فرسخ، وماؤهم من الآبار، وبسمند خصبة، ومدينة الرور تقارب الملتان فى الكبر، عليها سوران، وهى على شط نهر مهران، وهى من حدّ المنصورة. والدّيبل هى غربىّ «4» مهران على البحر، وهى متجر كبير وفرضة لهذه البلاد وغيرها، وزروعهم مباخس، وليس لهم كثير شجر ولا نخيل، وهو بلد قشف وإنما مقامهم للتجارة. والبيرون مدينة بين الديبل والمنصورة على نحو من نصف الطريق، وهى إلى المنصورة أقرب؛ ومنحاترى على غربىّ مهران، وبها يعبر «5» من جاء من الديبل إلى المنصورة، وهى بحذائها؛ والمسواهى والبهرج وسدوسان هذه كلها غربىّ مهران؛ وأما أنّرى وقالّرى فهما شرقىّ مهران على طريق المنصورة إلى الملتان، وهما بعيدتان عن شط مهران؛ وأما بلّرى فهى على شط مهران عن غربيّه، بقرب الخليج الذي ينفتح «6» من مهران على ظهر المنصورة؛ وأما بانية فهى مدينة صغيرة ومنها عمر بن عبد العزيز الهبّارى القرشىّ، جد هؤلاء المتغابين على المنصورة؛ وقامهل مدينة من أول حدّ الهند إلى صيمور، فمن صيمور، فمن صيمور إلى قامهل من بلد الهند؛ ومن قامهل إلى مكران والبدهة وما والى «7» ذلك إلى حدّ الملتان- هى كلها من بلد السند، والكفار فى حدود بلد السند إنما هم البدهة وقوم يعرفون بالميد. وأما البدهة فهى مفترشة ما بين حدود طوران ومكران والملتان ومدن المنصورة، وهم فى غربىّ مهران، الجزء: النص ¦ الصفحة: 104 وهم أهل إبل، وهذا الفالج «1» الذي يحمل إلى الآفاق بخراسان وفارس وسائر البلاد التى يكون بها البخاتى إنما يحمل منهم؛ ومدينة بدهة التى يتجرون إليها قندابيل، وهم مثل البادية لهم أخصاص وآجام. وأما الميد فهم على شطوط مهران من حدّ الملتان إلى البحر، ولهم فى البرية التى بين مهران وبين قامهل مراع ومواطن كثيرة، ولهم عدد كثير؛ وبقامهل وسندان وصيمور وكنباية مساجد جوامع «2» ، وفيها أحكام المسلمين ظاهرة، وهى مدن خصبة واسعة، وبها النارجيل والموز والأنبج «3» ، والغالب على زروعهم الأرز، وبها عسل كثير، وليس بها نخيل؛ والراهوق وكلوان رستاقان متجاوران وهما بين كيز وأرمائيل، فأما كلوان فهى من مكران، وأما الراهوق فهى من حد المنصورة، وهى مباخس قليلة الثمر قشفة، إلا أن لهم مواشى كثيرة. والطوران قصبتها القصدار، وهى مدينة لها رستاق ومدن، والغالب عليها رجل يعرف بمغير «4» بن أحمد يخطب للخليفة فقط، ومقامه بمدينة تعرف بكيزكانان، وهى ناحية خصبة واسعة رخيصة «5» الأسعار، وبها أعناب ورمّان وفواكه الصرود، وليس بها نخيل؛ وبين بانية وقامهل مفاوز، ومن قامهل إلى كنباية أيضا مفاوز، ثم يكون حيئنذ من كنباية إلى صيمور قرى متصلة وعمارة للهند. وزىّ المسلمين والكفّار بها واحد فى اللباس وارسال الشعر، ولباسهم الأزر والميازر لشدة الحر ببلدانهم، وكذلك زىّ أهل الملتان لباسهم الأزر والميازر؛ ولسان أهل المنصورة والملتان ونواحيها العربية والسنديّة، ولسان أهل مكران الفارسية والمكريّة، ولباس القراطق فيهم ظاهر، إلا التجار فإن لباسهم القمص والأردية وسائر زى أهل فارس والعراق. ومكران ناحية واسعة عريضة، الغالب عليها المفاوز والقحط والضيق، والمتغلب عليها رجل يعرف بعيسى ابن معدان، ويسمى بلسانهم مهراج، ومقامه بمدينة كيز، وهى مدينة نحو النصف من الملتان، وبها نخيل كثيرة، وفرضة مكران وتلك النواحى تيز، وتعرف بتيزمكران، وأكبر مدينة بمكران القنّزبور «6» ، وبه وبند وقصرقند ودرك وفهلفهرة كلها مدن صغار، وهى كلها جروم، ولهم رستاق يسمى الخروج، ومدينتها راسك، ورستاق يسمى جدران «7» ، وبها فانيذ كثير ونخيل وقصب سكر، وعامة الفانيذ الذي يحمل إلى الآفاق منها، إلا شيئا يحمل من ناحية ماسكان، وبقصدار أيضا فانيذ؛ وماسكان هذه رستاق الشراة، ويتصل بنواحى كرمان ناحية تسمى مشكى وهى مدينة قد تغلب عليها رجل يعرف بمطهر بن رجاء، وهو لا يخطب إلا للخليفة، ولا يطيع أحدا من المولوك المصاقبين له، وحدود عمله نحو ثلاث مراحل، وبها نخل قليل وشىء من فواكه الصرود، على أنها من الجروم. وأرمائيل وقنبلى مدينتان كبيرتان وبينهما مقدار منزلتين، وبين أرمائيل الجزء: النص ¦ الصفحة: 105 والبحر مقدار نصف فرسخ، وهما بين ديبل ومكران. وقندابيل مدينة كبيرة، ليس بها نخيل وهى فى بريّة، وهى ممتار البدهة «1» ؛ وبين كيزكانان وقندابيل رستاق يعرف بإيل «2» ، وفيه مسلمون وكفار من البدهة، وأكثر زروعهم البخوس، ولهم كروم ومواش، وهى ناحية خصبة، وإيل هو اسم رجل تغلّب على هذه الكورة فنسب إليه. وأما المسافات بها فمن تيز إلى كيز نحو 5 مراحل، ومن كيز إلى قنّزبور مرحلتان، ومن أراد من قنزبور إلى تيزمكران فطريقه على كيز، ومن قنّزبور إلى درك 3 مراحل، ومن درك إلى راسك 3 مراحل، ومن راسك إلى فهلفهرة 3 مراحل، ومن فهلفهرة إلى اصفقة مرحلتان خفيفتان، ومن اصفقة إلى بند مرحلة، ومن بند إلى به مرحلة، ومن به إلى قصرقند مرحلة، ومن كيز إلى أرمائيل 6 مراحل، ومن أرمائيل إلى قنبلى مرحلتان، ومن قنبلى إلى الديبل 4 مراحل، ومن المنصورة إلى الديبل 6 مراحل، ومن المنصورة إلى الملتان 12 مرحلة، ومن المنصورة إلى طوران نحو 15 مرحلة، ومن قصدار- إلى الملتان نحو 20 مرحلة، وقصدار مدينة «3» طوران، ومن المنصورة إلى حدّ البدهة 5 مراحل، ومن كيز مسكن عيسى بن معدان إلى البدهة نحو 10 مراحل، ومن البدهة إلى التيز نحو 15 مرحلة، وطول عمل مكران من تيز إلى قصدار نحو 12 مرحلة، ومن الملتان إلى أوّل حدود الاستان المعروف ببالس نحو 10 مراحل «4» ، وتحتاج إلى عبور مهران إذا أردت بلاد البدهة من المنصورة إلى مدينة تسمى سدوسان على شط مهران، ومن قندابيل إلى مستنج مدينة بالس 4 مراحل، ومن قصدار إلى قندابيل نحو 5 فراسخ، ومن قندابيل إلى المنصورة نحو 8 مراحل، ومن قندابيل إلى الملتان مفاوز «5» نحو 10 مراحل، وبين المنصورة وبين قامهل 8 مراحل، ومن قامهل إلى كنباية 4 مراحل، وكنباية على نحو فرسخ من البحر، ومن كنباية إلى نحو 4 مراحل، وسوبارة من البحر على نصف فرسخ، وبين سوبارة وسندان نحو 5 مراحل؛ وهى أيضا على نصف فرسخ من البحر، وبين صيمور وبين سندان نحو 5 مراحل، وبين صيمور وسرنديب نحو 15 مرحلة، وبين الملتان وبسمد نحو مرحلتين، ومن بسمد إلى الرّور 3 مراحل، ومن الرور إلى أنّرى 4 مراحل، ومن أنّرى إلى قلّرى مرحلتان، ومن قلّرى إلى المنصورة مرحلة، ومن الدّيبل إلى بيرون 4 مراحل، ومن بيرون إلى منحاترى مرحلتان، ومن قلّرى «6» إلى بلّرى «7» نحو 4 فراسخ، وبانيه «8» هى بين المنصورة وبين قامهل على مرحلة من المنصورة. الجزء: النص ¦ الصفحة: 106 وأما أنهارها فإنّ لهم نهرا يعرف بمهران، وبلغنى أن مخرجه من ظهر جبل يخرج منه بعض أنهار جيحون، فيظهر مهران بناحية الملتان فيجرى على حد بسمد والرور، ثم على المنصورة حتى يقع فى البحر شرقىّ الديبل، وهو نهر كبير عذب جدا، ويقال إن فيه تماسيح مثل ما فى النيل، وأنه مثل النيل فى الكبر وجريه مثل جريه، يرتفع على وجه الأرض ثم ينضب، فيزرع عليها مثل ما ذكرناه فى أرض مصر. والسندروذ من الملتان على نحو من ثلاث مراحل وهو نهر كبير عذب، بلغنى أنه يفرغ إلى مهران؛ وأما مكران فإن الغالب عليها البوادى والمباخس، وهى قليلة الأنهار جدا؛ ولهم ما بين المنصورة ومكران مياه من نهر «1» مهران كالبطائح، عليها طائفة من السند يعرفون بالزطّ؛ فمن قارب منهم هذا الماء فهم فى أخصاص، وطعامهم السمك، وطير الماء فى جملة ما يتغذّون به، ومن بعد منهم فى البرارى فهم مثل الأكراد. قد انتهينا فى حدّ المشرق إلى آخر حدود الإسلام، ونرجع إلى حدّ الروم غربا، فنصف أقاليمها إلى آخر الإسلام فى حدّ المشرق، فالذى نبتدئ به أرمينية والران وأذربيجان، وقد جعلناها إقليما واحدا. الجزء: النص ¦ الصفحة: 107 أرمينية والرّان وأذربيجان فأما أرمينية والران وأذربيجان فإن جمعناها فى صورة واحدة، وجعلناها إقليما واحدا «1» ، والذي يحيط بها مما يلى المشرق الجبال والديلم «2» وغربى «3» بحر الخزر، والذي يحيط بها مما يلى المغرب حدود الأرمن واللان وشىء من حد الجزيرة، والذي يحيط بها مما يلى الشمال اللّان وجبال القبق، والذي يحيط بها مما يلى الجنوب حدود العراق وشىء من حدود الجزيرة. فأما أذربيجان فإن أكبر مدينة بها أردبيل، وبها المعسكر ودار الإمارة، وهى مدينة تكون نحو «4» ثلثى فرسخ فى مثلها، وعليها سور فيه ثلاثة «5» أبواب، وبناؤها وبناؤها الغالب عليه الطين، وهى مدينة خصبة وأسعارها رخيصة، ولها «6» رساتيق وكور، وبها جبل نحو فرسخين يسمى سبلان عظيم مرتفع، لا يفارقه الثلج شتاء ولا صيفا، ولا يكون به عمارة؛ وتلى أردبيل فى الكبر المراغة «7» ، وكانت فى قديم الأيام المعسكر ودار الإمارة، والمراغة نزهة جدا، خصبة كثيرة البساتين والرساتيق والزروع، وكان عليها سور خرّبه ابن أبى الساج؛ ثم تلى المراغة فى الكبر أرمية، وهى مدينة نزهة خصبة «8» كثيرة الخير رخيصة الأسعار، على شط بحيرة الشّراة؛ وأما الميانج والخونج وأجن ودخرّاقان «9» وخوىّ وسلماس ومرند وتبريز وبرزند وورثان وموقان وجابروان وأشنه «10» ، فإنها مدن صغار متقاربة فى الكبر، وأما جابروان وتبريز وأشنه الأذريّه فإن هذه الثلاث مدن وما تحتفّ به تعرف بالرّدينىّ؛ وأما برذعة فإنها مدينة كبيرة جدا، تكون أكبر من فرسخ فى فرسخ، وهى نزهة خصبة كثيرة الزرع والثمار جدا، وليس فيما بين العراق وخراسان بعد الرىّ واصبهان مدينة أكبر ولا أخصب ولا أخصب ولا أحسن موضعا ومرافق من برذعة، ومنها على أقل من فرسخ موضع يسمى الأندراب، ما بين كرنة ولصوب ويقطان الجزء: النص ¦ الصفحة: 108 أكثر من مسيرة يوم فى يوم، مشتبكة البساتين والباغات «1» كلها فواكه، وفيها البندق الجيد أجود من بندق سمرقند، وبها شاهبلّوط «2» أجود من شاهبلّوط الشام، ولهم فاكهة تسمى الروقال فى تقدير الغبيراء، وله نوى حلو الطعم إذا أدرك، وفيه مرارة قبل أن يدرك، وأما الشاهبلوط فإنّه على تقدير نصف جوزة سوداء، يقارب طعمه طعم البندق والرطب «3» ؛ وببرذعة تين يحمل من لصوب، يفضّل على جنسه، ويرتفع من الابريسم شىء كثير يربى على توت مباح «4» لا مالك له، ويجهّز منه إلى فارس وخوزستان شىء كثير «5» ، وعلى ثلث «6» فرسخ من برذعة نهر الكرّ، وبنهر الكر السرماهى الذي يحمل إلى الآفاق مالحا، ويرتفع من نهر السكر سمك يسمى «7» الزراقن والعشوبة، وهما «8» سمكان يفضلان على أجناس السمك بتلك النواحى، وعلى باب برذعة- يسمى باب الأكراد- سوق يسمى الكركى، مقدار فرسخ فى فرسخ يجتمع فيه الناس كل يوم أحد، وينتابه الناس من كل مكان حتى من العراق، وهو أكبر من سوق كولسره، وقد غلب على هذا اليوم لدوامه اسم «9» الكركىّ، حتى إن كثيرا منهم إذا عدّ أيام الجمعة قال السبت والكركى والاثنين والثلاثاء حتى يعدّ أيام الجمعة، وبيت ما لهم فى المسجد الجامع على رسم الشام، فإن بيوت أموال الشام فى مساجدها، وهو بيت مال مرصّص السطح وعليه باب حديد، وهو على تسعة أساطين، ودار الإمارة بجنب المسجد الجامع فى المدينة والأسواق فى ربضها؛ وأما باب الأبواب «10» فإنها مدينة على البحر، وفى وسطها مرسى للسفن، وبين هذا المرسى وبين البحر قد بنى الجزء: النص ¦ الصفحة: 109 على حافتى البحر سدّان، حتى ضاق مدخل السفن، وجعل المدخل ملتويا، وعلى هذا الفم سلسلة ممدودة لا يخرج المركب ولا يدخل إلا بأمر، وهذان السدّان من صخر ورصاص، وباب الأبواب «1» على بحر طبرستان، هى مدينة تكون أكبر من أردبيل، ولهم زروع كثيرة وثمار قليلة، إلا ما يحمل إليهم من النواحى، وهى مدينة عليها سور من حجارة وآجر وطين، وهى فرضة بحر الخزر «2» من السرير وسائر بلدان الكفر، وهى أيضا فرضة جرجان وطبرستان والديلم، ويرتفع منها ثياب كتان، وليس بالران وأرمينية وأذربيجان ثياب كتان إلا هناك، وبها زعفران، ويقع إليها رقيق من سائر دور الكفر؛ وتفليس مدينة دون باب الأبواب فى الكبر، وعليها سوران من طين، ولها ثلاثة أبواب، وهى خصبة جدا كثيرة الفواكه والزروع، وهى ثغر وبها حمامات مثل حمامات طبريّة، ماؤها سخن من غير نار، وليس بالران مدينة أكبر من برذعة والباب وتفليس؛ فأما بيلقان وورثان وبرديج وبرزنج والشّماخية وشروان والأبخاز «3» والشابران وقبله وشكّى وجنزه وشمكور وخنان فإنها صغار متقاربة فى الكبر، خصبة واسعة المرافق «4» . وأمّا دبيل فإنها مدينة أكبر من أردبيل «5» ، وهى قصبة أرمينية، وبها دار الإمارة «6» ، كما أن دار الإمارة بالرّان برذعة، ودار الإمارة بأذربيجان أردبيل، وعليها سور «7» ، والنصارى بها كثير، والمسجد الجامع جنب البيعة، ويرتفع منها ثياب الصوف من بسط ووسائد ومقاعد وتكك «8» وغير ذلك من أصناف الأرمينى، ولهم صبغ يسمى القرمز، به يصبغ الصوف «9» ، وبلغنى أنه دودة تنسج على نفسها مثل دودة الفز «10» ، وبلغنى أنه يرتفع منها أيضا «11» بزيون «12» كثير، وهى قصبة أرمينية الجزء: النص ¦ الصفحة: 110 وكان بها سنباط بن أشوط، ولم تزل فى أيدى الكبراء من النصارى «1» ، وهم الغالبون على أهل أرمينية، وهى مملكة الأرمن، متاخمين للروم، فحدّ لهم إلى برذعة، وحدّ لهم إلى الجزيرة، وحدّ لهم إلى أذربيجان «2» ، والثغر الذي يلى الروم من أرمينية قاليقلا، وإليها يغزو أهل أذربيجان والجبال والرى وما والاها، ولهم مدخل إلى الروم يعرف بطرابزنده، يجتمع فيه التجار فيدخلون بلد الروم للتجارة، فما وقع من دبابيج وبزيون وثياب الروم إلى تلك النواحى فمن طرابزنده؛ وأما نشوى وبركرى وخلاط ومناز كرد وبدليس وقاليقلا وأرزن وميّافارقين وسراج «3» فهى بلدان صغار متقاربة فى المقدار، خصبة كلها عامرة كثيرة الخير، وميّافارقين يعدّها قوم من الجزيرة، إلا أنها دون دجلة «4» ، وخلفها حدّ الجزيرة فيما صورنا ما بين دجلة والفرات، فلذلك جعلناها بأرمينية. وأما الأنهار بهذه البلاد التى تجرى فيها السفن فنهر الكرّ ونهر الرّس، فأما سبيذروذ الذي بين أردبيل وزنجان فنهر يصغر عن جرى السفن فيه، والكرّ نهر عذب مرىء خفيف «5» ، يخرج من ناحية الجبل على حدود جنزة وشمكور إلى قرب تفليس، ثم يقع فى بلدان الكفر، وأما نهر» الرّس فإنه نهر عذب طيب، يخرج من أرمينية حتى ينتهى إلى باب ورثان، ثم ينتهى إلى خلف موقان وخلف مخرج نهر الكرّ فيقع فى البحر. وأما بحارها فإن بأذربيجان بحيرة تعرف ببحيرة أرمية مالحة الماء، وفيها سمك، وفيها دابة تسمى كلب الماء وهى كبيرة، وحواليها كلها عمارة وقرى ورساتيق، وبين هذه البحيرة وبين مراغة ثلاثة فراسخ، وبينها وبين أرمية فرسخان «7» ، وبين داخرّقان وشط البحيرة نحو أربعة فراسخ، وطولها نحو أربعة أيام سير الدواب، وأما للريح فإنه ربما يسار فى ليلة، وبحيرة بأرمينية تعرف ببحيرة أرجيش، يرتفع منها سمك الطرّيخ يحمل إلى الجزء: النص ¦ الصفحة: 111 الآفاق؛ ولهم «1» بحر طبرستان وعليه من المدن باب الأبواب وباكوه، وبباكوه النفط؛ فأما دجلة فإن شيئا يسيرا ينتهى منها إلى أرمينية. وقد صوّرنا دجلة فى صورة الجزيرة والعراق، ويرتفع من نواحى برذعة بغال تجلب إلى الآفاق، ويرتفع «2» منها هذه الفوّة «3» التى تجلب إلى بلاد الهند وسائر المواضع. وحدّ الرّان من باب الأبواب إلى تفليس إلى قرب نهر الرسّ مكان يعرف بحجيران، وأذربيجان حدها حتى ينتهى إلى ظهر الطّرم «4» إلى حدّ زنجان إلى ظهر الدّينور، ثم يدور «5» إلى ظهر حلوان وشهرزور حتى ينتهى إلى قرب دجلة، ثم يطوف على حدود أرمينية، وقد بيّنا حدّ أرمينية قبل هذا. وبهذه المدن من السعر «6» الرخيص ما يبلغ فى بعض المواضع الشاة بدر همين، وربما بلغ العسل فى بعض أقاليمها «7» المنوين «8» والثلاثة بدرهم، وبها من الخصب ما إن ذكر لمن لم يشاهده أنكره «9» لعظمه، وبها ملوك فى الأطراف، أما كنهم «10» مثل الممالك، لهم مملكة واسعة وأموال، منهم ملك شروان يعرف بشروان شاه، وملك الأبخاز يعرف بالأبخاز شاه. والغالب على أذربيجان وأرمينية والران الجبال، وبدبيل جبل عظيم يسمى الحارث، لا يرتقى إلى أعلاه من ارتفاعه وصعوبة مسلكه والثلوج عليه دائمة، ودونه جبل صغير يسمى الحويرث، وتخرج من الحارث «11» مياههم «12» ومحتطبهم ومتصديهم فيه، ويقال إنه لا يعرف جبل أعلى منه بهذه المدن «13» ، ومن أردبيل ألف درهم وأربعون درهما مثل منا شيراز إلا أنّ بشيراز يسمى المنا، وبأردبيل يسمى الرطل. ولسان أذربيجان وأرمينية والرّان الفارسية الجزء: النص ¦ الصفحة: 112 والعربية «1» ، غير أن أهل دبيل وحواليها يتكلمون بالأرمينية، ونواحى برذعة لسانهم الرّانيّة، ولهم جبال يسمونها القبق، وتحيط بها ألسنة مختلفة كثيرة للكفار. ونقود أذربيجان والرّان وأرمينية الذهب والفضة جميعا. المسافات بهذه النواحى الطريق من برذعة إلى أردبيل: من برذعة إلى يونان 7 فراسخ، ومن يونان إلى بيلقان 7 فراسخ، ومن بيلقان إلى ورثان 7 فراسخ، ومن ورثان إلى بلخاب 7 فراسخ، ومن بلخاب إلى برزند 7 فراسخ، ومن برزند إلى أردبيل 15 فرسخا «2» . الطريق من برذعة إلى باب الأبواب: من برذعة إلى برزنج 18 فرسخا، ومن برزنج «3» إلى معبر الكرّ إلى الشماخية 14 فرسخا، ومن الشماخية إلى شروان 3 أيام، ومن شروان إلى الأبخاز يومان، ومن الأبخاز إلى جسر سمور 12 فرسخا، ومن جسر سمور إلى باب الأبواب 20 فرسخا. الطريق من برذعة إلى تفليس: من برذعة إلى جنزه مدينة 9 فراسخ؛ ومن جنزه إلى شمكور 10 فراسخ، ومن شمكور إلى خنان مدينة 21 فرسخا، ومن خنان إلى قلعة ابن كندمان 10 فراسخ، ومن القلعة إلى تفليس 12 فرسخا. الطريق من برذعة إلى دبيل: من برذعة إلى قلقاطوس 9 فراسخ، ومن قلقاطوس إلى متريس 13 فرسخا. ومن متريس إلى دوميس 12 فرسخا، ومن دوميس إلى كيل كوى 16 فرسخا، ومن كيل كوى إلى سيسجان مدينة «4» 16 فرسخا، ومن سيسجان إلى دبيل 16 فرسخا، وهذا «5» الطريق من برذعة إلى دبيل فى بلاد «6» الأرمن، وهذه القرى كلها مملكة سنباط بن أشوط. الجزء: النص ¦ الصفحة: 113 الطريق من أردبيل إلى زنجان: من أردبيل إلى قنطرة سبيذروذ مرحلتان، ومن القنطرة «1» إلى السراة يوم، ومن السراة إلى نوى يوم، ومن نوى إلى زنجان يوم. ومن أردبيل إلى المراغة: من أردبيل إلى الميانج 20 فرسخا، ومن الميانج إلى خونج مدينة 7 فراسخ، ومن خونج إلى كولسره رستاق سوق عظيم لا منبر فيه 3 فراسخ «2» ، ومن كولسرة إلى المراغة 10 فراسخ. الطريق من أردبيل إلى آمد: من أردبيل إلى المراغة 40 فرسخا، ومن المراغة إلى داخرّقان منبر مرحلتان، ومنها إلى أرمية مدينة مرحلتان، ومن أرمية إلى سلماس مرحلتان، ومن سلماس إلى خوىّ 7 فراسخ، ومن خوىّ إلى بركرى 30 فرسخا، ومن بركرى إلى أرجيش يومان «3» ، ومن أرجيش إلى خلاط 3 أيام «4» ، ومن خلاط إلى بدليس ثلاثة أيام «5» ، ومن بدليس إلى ميّافارقين 4 أيام «6» ، ومن ميّافارقين إلى آمد يومان «7» . الطريق من المراغة إلى دبيل: من مراغة إلى أرمية 30 فرسخا، ومن أرمية إلى سلماس 14 فرسخا، ومن سلماس إلى خوىّ 7 فراسخ، ومن خوى إلى نشوى 3 أيام، ومن نشوى إلى دبيل 4 مراحل «8» ، ومن المراغة إلى الدينور 60 فرسخا ليس فيها منابر. الجزء: النص ¦ الصفحة: 114 الجبال «1» وأما الجبال فإنها تشتمل على ماه «2» الكوفة والبصرة وما يتصل بهما مما أدخلناه فى أضعافها، فحدّها الشرقىّ مفازة خراسان وفارس وأصبهان وشرقىّ خوزستان، وحدها الغربىّ أذربيجان، وحدها الشمالىّ حدود الديلم وقزوين والرىّ، وإنما أفردنا الرى وقزوين وأبهر وزنجان عن الجبال وضممناها إلى الديلم، لأنها محتفة بجبالها على التقويس، وحدّها الجنوبىّ العراق وخوزستان. والجبال تشتمل على مدن مشهورة، وأعظمها همذان والدّينور وإصبهان وقمّ «3» ، ولها مدن أصغر من هذه مثل قاشان ونهاوند واللّور والكرج والبرج وأشباهها، وسنذكر ما تقع الحاجة إلى معرفته. فأما المسافات بها فالطريق من همذان إلى حلوان: فمن همذان إلى أسداباذ مدينة 7 فراسخ، ومن أسداباذ إلى قصر اللصوص «4» 7 فراسخ «5» ، فيه منبر بناه مؤنس «6» ، ومن قصر «7» اللصوص إلى ماذران 7 فراسخ، ليس فيها منبر، ومنها إلى قنطرة أبى النعمان «8» ، 5 فراسخ، ومن قنطرة أبى النعمان إلى قرية «9» أبى أيوب 4 فراسخ، ومنها إلى بيستون فرسخان، والقرية بها تسمى ساسانيان، ومن بيستون إلى قرماسين 8 فراسخ «10» ، ومن قرماسين إلى الزبيدى منزل 8 فراسخ، ومن الزبيدى إلى مرج القلعة 9 فراسخ، ومن المرج إلى حلوان 10 فراسخ «11» . الطريق من همذان إلى الدينور تجىء إلى ماذران، ومن ماذران 4 فراسخ إلى صحنة، ومن صحنة إلى الدينور 4 فراسخ. الجزء: النص ¦ الصفحة: 115 الطريق من همذان إلى الرىّ: من همذان إلى ساوة مدينة 30 فرسخا ومن ساوة إلى الرى 30 فرسخا. الطريق من همذان إلى أذربيجان «1» : من همذان إلى نارستان 10 فراسخ، ومن نارستان إلى أوذ 8 فراسخ، ومن أوذ إلى قزوين يومان «2» ، وليس بين قزوين وهمذان مدينة، ومن قزوين إلى أبهر 12 فرسخا، ومن أبهر إلى زنجان 20 فرسخا «3» ، وهذا الطريق إذا كان الخوف «4» ، فإذا أمنوا فإنهم يأخذون من همذان إلى زنجان على سهرورد 30 فرسخا «5» . الطريق من همذان إلى إصبهان: من همذان إلى رامن 7 فراسخ، ومن رامن إلى بروجرد 11 فرسخا «6» ؛ ومن بروجرد إلى الكرج 10 فراسخ، ومن الكرج إلى البرج 12 فرسخا، ومن البرج إلى خونجان منزل 10 فراسخ، ومن خونجان إلى إصبهان 30 فرسخا، لا مدينة فيها. الطريق من همذان إلى خوزستان: من همذان إلى روذراور 7 فراسخ، ومن روذراور إلى نهاوند 7 فراسخ، ومن نهاوند إلى لاشتر 10 فراسخ، ومن لاشتر إلى شابرخاست «7» 12 فرسخا، ومن شابرخاست إلى اللّور 30 فرسخا، لا مدينة فيها ولا قرية، ومن اللور إلى قنطرة أندامش مدينة فرسخان، ومن قنطرة اندامش إلى جنديسابور فرسخان. المسافات ما بين مدن الجبال: من همذان إلى ساوه 30 فرسخا، ومن ساوه إلى قمّ 12 فرسخا، ومن قمّ إلى قاشان 12 فرسخا، ومن الرىّ إلى قزوين 30 فرسخا «8» ، ومن همذان إلى الدينور نيف وعشرون فرسخا، ومن الدينور إلى شهرزور 4 مراحل ومن حلوان إلى شهرزور 4 مراحل، ومن الدينور إلى الصّيمرة «9» 5 مراحل، ومن الدينور إلى السيروان 4 مراحل، ومن السيروان إلى الصيمرة مسيرة يوم، ومن اللّور إلى الكرج 6 مراحل، ومن إصبهان إلى قاشان 3 مراحل، ومن قمّ إلى قاشان مرحلتان. المدن بالجبال: همذان وروذراور ورامن وبروجرد وفراونده «10» وزاذقان «11» وشابرخاست ولا شتر ونهاوند الجزء: النص ¦ الصفحة: 116 وقصر اللصوص وأسداباذ والدّينور وقرماسين والمرج وطزر وحورمه «1» وسهرورد وزنجان وأبهر وسمنان «2» وقمّ وقاشان وروذه وبوسنه «3» والكرج والبرج وسراى ودوان «4» وإصبهان- المدينة «5» واليهودية- وخان «6» لنجان وباره والصيمرة «7» وسيروان ودور بنى الراسبى والطّالقان. وأما صفات المدن وغير ذلك بها: أما همذان فمدينة كبيرة، مقدارها فرسخ «8» فى فرسخ، ولها مدينة وربض، ولمدينتها أربعة أبواب حديد، وبناؤهم من طين، ولهم مياه وبساتين وزروع كثيرة خصبة. وأما الدّينور فإنها مثل ثلثى همذان، وهى مدينة كثيرة الثمار والزروع خصبة «9» ، وأهلها أحسن طباعا من أهل همذان، ولها مياه ومستشرف نزه. وإصبهان: هى مدينتان إحداهما اليهودية والأخرى المدينة، وبينهما مقدار ميلين، وفى كل واحدة منهما مسجد جامع، واليهودية أكبرهما، وهى وحدها أكبر من همذان، والمدينة أقل من نصف اليهودية فى الكبر وبناؤهما من طين، وهما أخصب مدن الجبال وأوسعها عرصة وأكثرها أهلا ومالا، وهى فرضة لفارس والجبال وخراسان وخوزستان، وليس بالجبال كلها أكثر حمّالا للحمولات «10» منها، ويرتفع منها من العتّابى والوشى «11» وسائر الثياب الحرير والقطن، ما يجهّز إلى العراق وفارس «12» وخراسان وغير ذلك من الأمصار «13» ، وبها زعفران وفواكه تجلب إلى العراق وسائر النواحى «14» ، وليس من العراق إلى خراسان بعد الرىّ مدينة أكبر من إصبهان وأكثر «15» خيرا منها. والكرج مدينة متفرقة ليس لها اجتماع المدن، وتعرف بكرج أبى دلف، كانت مسكنا له ولأولاده إلى أن زالت أيامهم، والبناء بها بناء الملوك قصور وأبنية واسعة متفرقة، وهى مدينة بها زروع ومواش، فأما البساتين والمتنزهات فليست بها، وأما فواكههم فمن بروجرد وغيرها، وبناؤهم من طين، وهى مدينة طويلة الجزء: النص ¦ الصفحة: 117 نحو فرسخ، ولها سوقان، سوق على باب الجامع وسوق آخر، بينهما صحن كبير «1» . وبروجرد مدينة اتخذ فيها المنبر حمولة وزير أبى دلف «2» ، وهى مدينة خصبة كثيرة الخير، تحمل فواكهها إلى الكرج وغيرها، وطولها أكثر من عرضها، وطولها نحو نصف فرسخ، وبها زعفران. ونهاوند على جبل، وهى مدينة بناؤها من طين، ولها أنهار وبساتين وفواكه كثيرة، تحمل إلى العراق لجودتها وكثرتها، وبها جامعان أحدهما عتيق والآخر محدث ويرتفع بها زعفران. وروذراور اسم رستاق، والمنبر منها فى الكرج يعرف بكرج روذراور، وهى مدينة صغيرة بناؤها من طين، وهى خصبة لها مياه وأنهار وزروع «3» ، ويرتفع منها من الزعفران ما لا يرتفع من غيرها من مدن الجبال، فيجهّز إلى العراق وسائر النواحى لكثرته وجودته. وأما حلوان فإنها مدينة فى سفح الجبل المطل على العراق، وقد صورناها فى صورة العراق، وهى مدينة بناؤها من طين، وفيها أيضا بناء حجارة، وهى مدينة نحو نصف الدينور، والثلج منها على مرحلة، وهى مع ذلك حارّة، فيها نخيل وتين كثير ورمّان. وأما الصّيمرة والسيروان فهما صغيرتان، غير أن بناءهما الغالب عليه الحجارة والجص، يجتمع فيهما التمر والجوز وما يكون فى بلاد الصرود والجروم، وفيهما مياه وأشجار وزروع، وهما نزهتان يجرى الماء فى خلال الدور والمحالّ. وأما شهرزور فإنها مدينة صغيرة، قد غلب عليها الأكراد على قربها من العراق، ولا يكون بها أمير ولا عامل، وهى فى يد الأكراد، وكذلك سهرورد الغالب عليها الأكراد، وهى مدينة صغيرة «4» . وأما قزوين فإنها مدينة عليها حصن ولها مدينة داخلة. والجامع فى المدينة «5» ، وهى ثغر الديلم، وبينها وبين مستقر ملك الديلم مرحلتان اثنا عشر فرسخا «6» . والطّالقان «7» أقرب إلى الديلم منها «8» ، وليس لقزوين ماء جار إلا مقدار ما يشرب، ويجرى هذا الماء فى المسجد الجامع فى قناة، وهو ماء وبىء، غير أن لهم أشجارا وكروما وزروعا، كلها عذى تزكو حتى يحمل إلى الآفاق. وأما قمّ فإنها مدينة عليها «9» سور، وهى خصبة، وماؤهم من آبار «10» ، وماؤهم للبساتين على سوان، الجزء: النص ¦ الصفحة: 118 وبها فواكه وأشجار فستق وبندق، وليس بتلك النواحى بندق إلا بمدينة لاشتر فإنّ بها بندقا، وليس بجميع الجبال نخيل إلا بالصيمرة والسيروان وشابرخاست، وهى نخيل قليلة؛ وأهل قمّ كلهم شيعة، والغالب عليهم العرب، وقاشان مدينة صغيرة، بناؤها وبناء قمّ الغالب عليه الطين، أما سائر ما ذكرنا من مدن الجبال سوى الرىّ فإنها صغار متقاربة. وليس بجميع الجبال «1» بحر صغير ولا كبير، ولا بها نهر تجرى فيه السفن، والغالب عليها كلها الجبال، إلا ما بين همذان إلى الرىّ وإلى قمّ، فإن الجبال هناك قليلة، وأما الذي يحيط بالجبال من حدّ شهرزور، ممتدا على حلوان والصيمرة والسيروان واللور إلى إصبهان وحدّ فارس راجعا على قاشان إلى همذان، حتى ينتهى إلى قزوين وسهرورد على حدود أذربيجان، إلى أن يعود إلى شهرزور، فإنها كلها جبال لا يكاد يوجد فيها فضاء كبير لا يرى منه جبل «2» . فأما الرىّ فإنّا ضممناها إلى الديلم، وإن كانت قائمة بنفسها، لآن اتصالها بها اتصال واحد، وليس بينهما حاجز تستحق به الانفراد عنها، فمرّة من الجبال ومرّة من عمل خراسان؛ والرىّ مدينة ليس بعد بغداد فى المشرق أعمر منها، إلا أن نيسابور أكبر عرصة منها، فأما اشتباك البناء والبساتين «3» والخصب والعمارة فهى أعمر، وهى مدينة مقدارها فرسخ ونصف فى مثله، الغالب على بنائها الطين. ومن الجبال المذكورة بهذه الكورة جبل دنباوند، جبل مرتفع «4» يرى فيما بلغنى من خمسين فرسخا لارتفاعه وما بلغنى أن أحدا ارتقاه، ويتحدث فى خرافات الفرس أن الضحاك حىّ فى هذا الجبل، وأن السحرة من جميع أقطار الأرض تأوى إليه. وجبل بيستون جبل «5» ممتنع لا يرتقى إلى ذروته، وطريق الحاج تحته سواء، ووجهه من أعلاه إلى أسفله أملس حتى كأنه منحوت، مقدار قامات كثيرة من الأرض قد نحت وجهه وملّس، ويزعم الناس أن بعض الأكاسرة أراد أن يتخذ جوف هذا الجبل موضع سوق، ليدلّ به على قوته «6» وسلطانه، وعلى ظهر هذا الجبل بقرب الطريق مكان يشبه الغار فيه عين ماء تجرى، وهناك صورة دابّة كأحسن ما يكون من الصور، زعموا أنه صورة دابة كسرى «7» المسماة شبديز، وعليه كسرى وصورة شيرين. وليس بهذه النواحى جبل عظيم مذكور إلا ما ذكرنا، غير أن جبل سبلان أعظم من دنباوند، والحارث بدبيل أعظم منهما. الجزء: النص ¦ الصفحة: 119 وأما جبال الخرّميّة فإنها جبال ممتنعة وفيها الخرميّة، وكان منها بابك، وفى قراهم مساجد، وهم يقرءون القرآن، غير أنه يقال إنهم لا يدينون فى الباطن بشىء إلا الإباحة. وأما نقودهم فالذهب والفضة جميعا، والغالب على نقودهم الذهب. وأما أوزانهم فإن منا همذان والماهات «1» أربعمائة درهم. ولا أعلم بجميع الجبال معادن ذهب ولا فضة، غير أن بقرب أصبهان معدنا للكحل «2» . والغالب على أهل الجبال كلها اقتناء الأغنام، وعلى أطعمتهم الألبان وما يكون منه، حتى أن جبنهم يحمل إلى الآفاق «3» . الجزء: النص ¦ الصفحة: 120 الديلم «1» وأما الدّيلم وما يتصل بها: فمن ناحية الجنوب قزوين والطّرم وشىء من أذربيجان وبعض الرىّ، ويتصل بها من جهة المشرق بقية الرىّ وطبرستان، ويتصل بها من جهة الشمال «2» بحر الخزر، ومن جهة المغرب شىء من أذربيجان وبلدان الرّان، وقد ضممنا إلى ذلك ما يتصل بها من جبال الرّوبنج وفادوسبان «3» وجبال قارن وجرجان، وأما بحر الخزر فقد أفردنا له صورة، وقد صورنا الديلم وما يتصل «4» بها. وسنذكر من مدنها وما يقع فى أضعافها مثل ما ذكرنا من غيرها، أما الديلم فإنها سهل وجبل، أما السهل فهم الجيل، وهم مفترشون على شط البحر تحت جبال الديلم، وأما الجبل فللديلم المحض، وهى جبال منيعة، والمكان الذي يقيم به الملك يسمى روذبار، وبه يقيم آل جستان، ورياسة الديلم فيهم. وزعم بعض الناس أن الديلم طائفة من بنى ضبّة، ومواضعهم كثيرة الأشجار والغياض، وأكثر ذلك للجيل فى الوجه الذي يقابل البحر وطبرستان، وقراهم مفترشة، وهم أهل زرع وسوائم، وليس عندهم من الدواب ما يستقلون بها، ولسانهم مفرد غير العربية والفارسية، وفى بعض الجيل- فيما بلغنى- طائفة منهم يخالفون بلسانهم لسان الجيل والديلم، والغالب على خلقة الديلم النحافة وخفة الشعر والعجلة وقلة المبالاة؛ وقد كان الديلم دار كفر يسبى من رقيقهم إلى أيام الحسن بن زيد، فتوسّطهم العلوية وأسلم بعضهم، وفيهم إلى يومنا هذا كفّار بالجبال المتصلة بها. والرّوبنج وجبال فادوسبان «5» وقارن هى جبال ممتنعة، لكل جبل منها رئيس «6» ، والغالب عليها الأشجار العالية والغياض والمياه، وهى خصبة جدا، فأما جبال قارن فإنها قرى لا مدينة بها إلا سهمار «7» ، على مرحلة من سارية، ومستقر آل قارن بموضع يسمى فرّيم «8» ، وهو موضع حصنهم وذخائر هم ومكان ملكهم، ويتوارث الجزء: النص ¦ الصفحة: 121 صاحب الجبل المملكة بها منذ «1» أيام الأكاسرة، وجبال فادوسبان جبال مملكة، ورئيسهم يسكن قرية تسمى أرم، وليس بجبال فادوسبان «2» منبر، وبينها وبين سارية مرحلة. وأما جبال الرّوبنج فإنها كانت ممالك، إلا أن فى هذا العصر قد فنيت ملوكهم، وهم من الرىّ وطبرستان، فما كان فى وجه الرىّ فمن حدود الرىّ، وما كان فى وجه طبرستان فمن طبرستان. والمدخل إلى الديلم «3» من طبرستان على سالوس، وهى على البحر ولها منعة، إذا استوثق منها بالشحنة صعب المسلك على أهل الديلم إلى طبرستان، وبين هذه الجبال من حدّ الديلم إلى أستراباذ إلى البحر أكثر من «4» يوم، وربما ضاق حتى يضرب الماء الجبل، فإذا جزت «5» الديلم إلى الجيل اتسع حتى صار بينه وبين البحر مسيرة يومين وأكثر. وأما نواحى قزوين فإن الذي يتصل بها من المدن أبهر وزنجان والطّالقان؛ ويتصل بالرىّ: الخوار وشلنبة وويمة؛ وتقع فى قومس سمنان والدّامغان وبسطام؛ وتقع فى طبرستان: آمل وناتل وسالوس وكلار والرّويان وميلة وبرجى وعين الهمّ ومامطير وسارية وطميسة؛ وتقع فى عمل جرجان: جرجان وأستراباذ وأبسكون ودهستان. وأما جبال الروبنج وفادوسبان وقارن فلست أعرف بها منبرا غير سهمار، وهى فى جبال قارن، وأعظم هذه المدن الرىّ «6» ، وهى مدينة إذا جاوزت العراق إلى المشرق فليس مدينة أعمر ولا أكبر ولا أيسر أهلا منها إلى آخر الإسلام، إلا نيسابور فإنها فى العرصة أوسع، فأما اشتباك الأبنية والعمارة واليسار فإنّ الرىّ تفضلها، وطولها فرسخ ونصف فى مثله «7» ، وبناؤها «8» طين، وقد يستعمل فيها الجص والآجر، ولها أبواب مشهورة: منها باب طاق، يخرج منه إلى الجبال والعراق، وباب بليسان يخرج منه إلى قزوين، وباب كوهكين «9» يخرج منه إلى طبرستان، وباب هشام يخرج منه إلى قومس وخراسان، وباب سين يخرج منه إلى قمّ، ومن أسواقها المشهورة: روذة وبليسان ودهك نو ونصرآباذ وساربانان وباب الجبل وباب هشام وباب سين، وأعمرها الرّوذة، فإن بها معظم التجارات والخانات، وهو شارع عريض مشتبك الخانات والأبنية، ولها مدينة عليها حصن، وفيها المسجد الجامع، وأكثر المدينة خراب، والعمارة فى الربض، ومياههم من الآبار، ولها أيضا قنّى، ولهم فى المدينة نهران للشرب «10» ، أحدهما يسمى سورقنى يجرى على الرّوذة، والآخر الجيلانىّ يجرى على ساربانان، الجزء: النص ¦ الصفحة: 122 ومنهما شربهم، ولهم قنى كثيرة وما يفضل عن مشربهم يفرغ إلى ضياعهم. ونقودهم الدراهم والدنانير، وزىّ أهلها زىّ العراق، ويرجعون إلى مروّة، ولهم دهاء وتجارب، وبها قبر محمد بن الحسن الفقيه والكسائى «1» المقرئ والفزارىّ المنجّم. وأما الخوار فإنها مدينة صغيرة نحو ربع ميل، وهى عامرة وبها ناس يرجعون إلى شرف، ولهم ماء جار يخرج من ناحية دنباوند، ولهم ضياع ورساتيق. وأما ويمة وشلنبة فهما من ناحية دنباوند، وهما مدينتان صغيرتان أصغر من الخوار، وأكبرهما ويمة، ولهما زروع ومياه وبساتين، ولهما أعناب كثيرة وجوز، وهى أشد تلك النواحى بردا؛ وللرى سوى هذه المدن قرى تزيد فى الكبر على هذه المدن كثيرا، مثل سدّ «2» وورامين وأرنبوية «3» وورزنين ودزاه وقوسين، وغير ذلك من القرى التى بلغنى أن فيها ما يزيد أهلها على عشرة آلاف رجل. ومن رساتيقها المشهورة قصران الداخل والخارج وبهزان والسّن وبشاويه ودنباوند «4» ورستاق قوسين وغير ذلك، ويرتفع من الرىّ مما يجلب إلى غيرها القطن الذي يحمل إلى بغداد وأذربيجان «5» ، ومن الثياب المنيّرة والأبراد والأكسية «6» . وليس لجميع هذه النواحى نهر تجرى فيه السفن. وأما الجبال فإن من حدّ عمل ارى دنباوند، وهو جبل رأيته أنا من وسط روذة بالرى، وبلغنى أنه يرى من قرب ساوة، وهو جبل وسط جبال يعلو فوقها كالقبّة، ويحيط بالموضع الذي يعلو على الجبال نحو أربعة فراسخ، ولم يصح عندى أن أحدا ارتقى أعلاه؛ وفى حماقات الأوّلين أن الضحّاك الملك مقيد «7» بها، وأن السحرة يجتمعون إليه فى أعلاه؛ ويرتفع من أعلاه دخان دائم الدهر كله، وحوالى هذه القلّة قرى، منها قرية دبيران ودرمية وبرا وغيرها من القرى، وكان على بن شروين الذي أسر على وادى جيحون من قرية درمية، إلا أن القلة التى ترتفع عن هذه البقعة جبل أقرع، ليس عليه كثير شجر ولا نبات، ولا يعلم بسائر الجبال ونواحى الديلم «8» جبل أعظم منه. الجزء: النص ¦ الصفحة: 123 وأما قومس فإن أكبر مدينة بها الدّامغان، وهى مدينة أكبر من خوار الرى؛ وسمنان أصغر منها، وبسطام أصغر من سمنان، والدامغان قليلة الماء، وهى متوسطة العمارة، وبسطام أكبر منها عمارة وأكثر فواكه، ويحمل إلى العراق من بسطام فواكه كثيرة، ويرتفع من قومس أكسية معروفة تحمل إلى الأمصار. وأما قزوين فإنها مدينة عليها حصن، وداخلها مدينة صغيرة عليها حصن، والمسجد الجامع فى المدينة الداخلة، وهى مدينة ماؤها من السماء والآبار، وليس بها نهر إلا قناة صغيرة للشرب، لا يفضل لزروعهم، وهى خصبة مع قلة مياهها، وهى ثغر الديلم، وبها فواكه وأعناب كثيرة وزبيب «1» يحمل إلى الآفاق، وتكون نحو ميل فى ميل؛ وأبهر وزنجان صغيرتان خصيبتان كثيرتا المياه والأشجار والزروع، وزنجان أكبر من أبهر، غير أن أهل زنجان الغالب عليهم الغفلة «2» . وأما طبرستان فإن أكبر مدنها آمل، وهى مستقر الولاة فى هذا العصر، وكانوا فى قديم الأيام يسكنون سارية، وطبرستان بلد كثير المياه والثمار والأشجار الجبلية والسهلية، والغالب عليها الغياض، والغالب على أبنيتها «3» الخشب والقصب، وهى كثيرة الأمطار شتاء وصيفا وسطوحهم مسنّمة لذلك، وآمل «4» أكبر من قزوين مشتبكة العمارة، لا يعلم على قدرها «5» أعمر منها فى هذه النواحى؛ ويرتفع من «6» طبرستان من الإبريسم ما يحمل «7» إلى الآفاق، وليس فى الإسلام مدينة أكثر منها ابريسم «8» ، وبها «9» خشب كثير من أصلب الخشب، ينحت منها آنية وأطباق تنقل إلى الآفاق «10» ، والغالب على أهلها وفور الشعر واقتران الحواجب وسرعة الكلام والعجلة، والغالب على طعامهم خبز الأرز والسمك والثوم والبقول وكذلك الجيل وطرف من الديلم «11» ؛ ويعمل بطبرستان ثياب كثيرة من الحرير تنقل إلى الآفاق، وكذلك من الصوف والفرش والأكسية وغير ذلك 1» ؛ وليس بجميع طبرستان نهر تجرى فيه سفينة، إلا أن البحر منها قريب على أقل من يوم، غير أن بجميع الجزء: النص ¦ الصفحة: 124 طبرستان الماء؛ والغياض غالب بها إلا فى الأماكن الجبلية «1» ؛ وأما بطن طبرستان فالغالب عليها الندى والنزوز. وأما جرجان فأكبر مدنها «2» جرجان، وهى أكبر من آمل، وبناؤها «3» من طين، وهى أيبس تربة من آمل؛ وأقل مطرا وأنداء من طبرستان، وأهلها أحسن وقارا ومروّة ويسارا فى كبرائهم، وهى قطعتان إحداهما المدينة والأخرى بكراباذ، بينهما نهر يجرى كبير يحتمل أن تجرى فيه السفن «4» ، ويرتفع منها من الابريسم شىء كثير «5» ، وابريسم طبرستان يحمل بزر دوده من جرجان، ولا يرتفع من طبرستان بزر ابريسم «6» ، ولهم مياه كثيرة وضياع عريضة، وليس فى المشرق بعد أن تجاوز العراق مدينة أجمع ولا أظهر حسنا على مقدارها من جرجان «7» ، وذلك أن بها الثلج والنخيل، وبها فواكه الصرود والجروم من التين والزيتون وسائر الفواكه «8» ، وأهلها أصحاب مروّة يتبارون فى المروّات، ويأخذون أنفسهم بالتأنى والأخلاق المحمودة، وقد خرج منهم رجال كثيرون موصوفون بالسّرو «9» ، منهم العمركى صاحب المأمون. ونقودهم ونقود طبرستان الدنانير والدراهم، وأوزانهم المنا سمّائة درهم، وكذلك بالرىّ وطبرستان «10» ، وقومس «11» مناها ثلاثمائة درهم. وأستراباذ يرتفع منها ابريسم كثير «12» ؛ ولهم فرضة على البحر يركبون منها إلى الخزر وإلى باب الأبواب والجيل والديلم «13» وغير ذلك، وليس فى هذه الناحية التى ذكرتها فرضة أجلّ من أبسكون، ولهم ثغر- يعرف برباط دهستان وبها منبر، وهو ثغر للغزّية الأتراك، ويتصل حدّ جرجان بالمفازة التى تلى خوارزم، ومنها تجيئهم الأتراك «14» . الجزء: النص ¦ الصفحة: 125 ذكر مسافات هذه الديار الطريق من الرىّ إلى حدّ أذربيجان: من الرىّ إلى قزوين 4 مراحل؛ ومن قزوين إلى أبهر مرحلتان خفيفتان «1» ، ومن أبهر إلى زنجان يومان أوفر مما بين قزوين وأبهر. ومن أراد الطريق القصد لم يدخل قزوين، وجعل الطريق على قرية تسمى يزداباذ من رستاق دستبى. والطريق من الرىّ إلى الجبال «2» : من الرىّ إلى قسطانة مرحلة، ومن قسطانة إلى مشكويه مرحلة، ومن مشكويه إلى ساوة مرحلة 9 فراسخ، وساوة ربما كانت من عمل الجبال، وربما كانت من عمل الرىّ. الطريق من الرىّ إلى طبرستان: من الرى إلى برزيان مرحلة خفيفة «3» ، ومن برزيان إلى نامهند مرحلة كبيرة، ومن نامهند إلى آسك مرحلة، ومن آسك إلى بلور مرحلة، ومن «4» بلور إلى كنازل مرحلة 6 فراسخ، ومن كنازل إلى قلعة اللارز مرحلة 5 فراسخ، ومنها إلى فرست مرحلة 6 فراسخ، ومنها إلى آمل مرحلة. الطريق من الرىّ إلى خراسان على قومس: من الرىّ إلى افرندين «5» مرحلة، ومن افرندين إلى كهدة «6» مرحلة، ومن كهدة إلى خوار مرحلة، ومن خوار إلى قرية الملح مرحلة، ومن قرية الملح إلى راس الكلب مرحلة، ومن راس الكلب إلى سمنان مرحلة، ومن سمنان إلى عليا «7» باذ مرحلة، ومن عليا باذ إلى جرمجوى مرحلة، ومن جرمجوى إلى الدّامغان مرحلة، ومن الدامغان إلى الحدّادة مرحلة، ومنها «8» إلى بذش «9» مرحلة، ومنها «10» إلى المورجان مرحلة كبيرة، ومنها «11» إلى هفدر مرحلة، ومنها «12» إلى أسداباذ «13» مرحلة، وهى من عمل نيسابور «14» . الجزء: النص ¦ الصفحة: 126 الطريق من طبرستان إلى جرجان: من آمل إلى ميلة فرسخان، ومن ميلة فرسخان، ومن ميلة إلى برجى «1» 3 فراسخ، وهما جميعا مرحلة، ومنها «2» إلى سارية مرحلة، ومنها إلى مارست مرحلة، ومنها» إلى ابادان مرحلة، ومنها «4» إلى طميسة «5» مرحلة، ومنها «6» إلى أستراباذ مرحلة، ومنها «7» إلى رباط حفص مرحلة، ومنه «8» إلى جرجان مرحلة. ومن أراد أن يخرج من آمل إلى مامطير مرحلة، ومنها إلى سارية مرحلة، ولا يجعل طريقه على برجى فهو أقصد «9» ، وإنما ذكرنا الطريق الآخر لأن فيه منبرين «10» . الطريق من آمل إلى الديلم: من آمل إلى ناتل مرحلة، ومن ناتل إلى سالوس مرحلة خفيفة، ومن سالوس إلى كلار مرحلة، ومنها «11» إلى الديلم مرحلة، ومن آمل إلى البحر إلى عين الهمّ مرحلة خفيفة. الطريق من جرجان إلى خراسان: من جرجان إلى دينارزارى «12» مرحلة، ومن دينار زارى إلى املوتلو «13» مرحلة، ومن املوتلو إلى أجغ مرحلة، ومن أجغ إلى سيبداست مرحلة، ومن سيبداست إلى أسفرائين مرحلة. الطريق من جرجان إلى قومس: من جرجان إلى جهينة مرحلة، ثم منها إلى بسطام مرحلة. الجزء: النص ¦ الصفحة: 127 بحر الخزر وأما بحر الخزر فإن شرقيّه بعض الديلم وطبرستان وجرجان وبعض المفازة التى بين جرجان وخوارزم، وغربيّه أرّان «1» وحدود السرير وبلاد الخزر وبعض مفازة الغزّية، وشماليّه مفازة الغزّية بناحية سياكوه، ووجنوبيّه الجيل والديلم «2» . وهذا البحر ليس له اتصال بشىء من البحار على وجه الأرض، فلو أن رجلا طاف بهذا البحر لرجع إلى مكانه الذي ابتدأ منه، لا يمنعه مانع إلا نهر عذب يقع فيه، وهو بحر مالح ولا مدّ له ولا جزر، وهو بحر مظلم قعره طين، بخلاف بحر القلزم وسائر بحر فارس، فإن فى بعض المواضع من بحر فارس ربما يرى عمقه لصفاء ما تحته من الحجارة البيض، ولا يرتفع من هذا البحر شىء من الجواهر من لؤلؤ أو مرجان أو غيره مما يرتفع من البحار، ولا ينتفع بشىء مما يخرج منه سوى السموك، وبركب فيه التجار من أراضى المسلمين إلى أرض الخزر، وما بين الرّان والجيل وطبرستان وجرجان. وليس فى هذا البحر جزيرة مسكونة فيها عمارة كما ذكرنا فى بحرى فارس والروم، إلا أن فيه جزائر فيها غياض ومياه وأشجار، وليس بها أنيس، ومنها جزيرة سياكوه، وهى جزيرة كبيرة بها عيون وأشجار وغياض، وبها دوابّ وحش؛ ومنها جزيرة بحذاء الكرّ، وهى كبيرة بها غياض وأشجار ومياه، ويرتفع منها الفوّة «3» ، ويخرج إليها من نواحى برذعة، فيحملون منها الفوّة، ويحملون فى السفن إليها دوابّ من نواحى برذعة وسائر المواضع، فتسرح فيها حتى تسمن «4» . وليس من آبسكون إلى الخزر- عن اليمين على شط البحر- قرية ولا مدينة، سوى موضع من آبسكون على نحو خمسين فرسخا يسمى دهستان، وهى دخلة «5» فى البحر تستتر فيها السفن فى هيجان البحر، ويقصد هذا الموضع خلق كثير من النواحى، ويقيمون بها للصيد، وبها مياه، ولا أعلم غير هذا المكان مكانا يقيم به أحد، إلا أن يكون سياه كوه فإنه تقيم به طائفة من الأتراك، وهم قريبو العهد بالمقام به، لاختلاف وقع بين الغزّية وبينهم، فانقطعوا عنهم واتخذوه مأوى ومرعى، ولهم عيون ومراع، هذا ما عن يمين هذا البحر من آبسكون. ومن آبسكون- عن يسارها إلى الخزر- فى عمارة متصلة إلا شيئا بين باب الأبواب والخزر، وذلك أنك إذا أخذت من آبسكون الجزء: النص ¦ الصفحة: 128 مضيت على حدود جرجان وطبرستان والديلم والجيل، ثم «1» تدخل فى حدود الرّان، وإذا جزت موقان إلى باب الأبواب على يومين فهو بلد شروان شاه، ثم تتجاوزه إلى سمندر أربعة أيام، ومن سمندر إلى إثل سبعة أيام مفاوز. ولهذا البحر بناحية سياكوه زنقة يخاف على السفن الداخلة بها الريح أن تنكسر، وإذا انكسرت السفن هناك لم يتهبأ جمع شىء منها من الأتراك، فإنهم يستولون على ذلك. وأما الخزر فإنه اسم «2» «الإقليم، وقصبته تسمى إثل، وإثل اسم» النهر الذي يجرى إليه من الروس وبلغار؛ وإثل قطعتان: قطعة على غربىّ «هذا النهر المسمى» إثل وهى أكبرهما، وقطعة على شرقيّه، والملك يسكن فى الغربىّ «منها؛ ويسمى الملك بلسانهم» بك، ويسمى أيضا باك، وهذه «القطعة مقدارها فى الطول نحو فرسخ، ويحيط بها سور» إلا أنه مفترش البناء، وأبنيتهم خركاهات «لبود إلا شيئا يسيرا بنى من طين، ولهم أسواق» وحمامات، وفيها خلق ومن المسلمين، يقال إنهم يزيدون على «عشرة آلاف مسلم، ولهم» نحو ثلاثين مسجدا، وقصر الملك بعيد من شط النهر، وقصره من آجر، وليس «لأحد بناء من» آجر غيره، ولا يسوغ الملك لأحد أن يبنى بالآجر، ولهذا السور أبواب أربعة، منها إلى ما يلى النهر ومنها إلى ما يلى الصحراء على ظهر هذه المدينة، وملكهم يهودى يقال إن له من الحاشية نحو أربعة آلاف رجل؛ والخزر مسلمون ونصارى ويهود وفيهم عبدة أوثان، وأقل الفرق اليهود، وأكثرهم المسلمون والنصارى، إلا أن الملك وخاصّته يهود. والغالب على أخلاقهم أخلاق أهل الأوثان، يسجد بعضهم لبعض عند التعظيم، وأحكام خصّوا بها على رسوم قديمة مخالفة «3» لدين المسلمين واليهود والنصارى، وللملك من الجيش اثنا عشر ألف رجل، وإذا مات منهم رجل أقيم آخر مكانه، وليست لهم جراية دارّة إلا شىء نزر يسير، يصل إليهم فى المدة الطويلة، إذا كان لهم حرب أو حزبهم أمر يجتمعون له. وأبواب مال هذا الملك من الأرصاد وعشور التجارات، على رسوم «4» لهم من كل طريق وبحر ونهر، ولهم وظائف على أهل المحالّ والنواحى من كل صنف، مما يحتاج إليه من طعام وشراب وغير ذلك؛ وللملك سبعة من الحكام من اليهود والنصارى والمسلمين وأهل الأوثان، إذا عرض للناس حكومة قضى فيها هؤلاء، ولا يصل أهل الحوائج إلى الملك نفسه، وإنما يصل إلى هؤلاء الحكام، وبين هؤلاء الحكام- يوم «5» القضاء- وبين الملك سفير يراسلونه فيما يجرى من الأمر «6» وينتهون إليه، فيرد عليهم أمره ويمضونه؛ وليس لهذه المدينة قرى إلا أن مزارعهم مفترشة، يخرجون فى الصيف فى الزروع نحو عشرين فرسخا ليزرعوا، ويجمعوا بعضه على النهر وبعضه على الصحارى، فينقلون غلّاتهم بالعجل وفى النهر، والغالب الجزء: النص ¦ الصفحة: 129 على قوتهم الأرز والسمك، وهذا الذي يحمل منهم من العسل والشمع إنما يحمل إليهم من ناحية الروس وبلغار، وكذلك هذه الجلود الخز- التى تحمل إلى الآفاق- لا تكون إلا فى تلك الأنهار، التى بناحية بلغار والروس وكويابه، ولا تكون فى شىء من الأقاليم فيما علمته. والنصف الشرقىّ من الخزر فيه معظم التجار والمسلمين والمتاجر، والغربىّ خالص «1» للملك وجنده «2» والخزر الخلّص. ولسان الخزر غير لسان الترك والفارسية، ولا يشاركه لسان فريق من الأمم. وأما نهر إثل فإنه فيما بلغنى يخرج من قرب خرخيز، فيجرى فيما بين الكيماكيّة والغزّية، وهو الحد بين الكيماكيّة والغزّية، ثم يذهب غربا على ظهر بلغار، ويعود راجعا إلى ما يلى المشرق حتى يجوز على الروس، ثم يمر على بلغار ثم على برطاس حتى يقع فى بحر الخزر، ويقال إنه يتشعب من هذا النهر نيّف وسبعون نهرا، ويبقى عمود النهر يجرى على الخزر حتى يقع فى البحر، ويقال إن هذه المياه إذا كانت مجموعة فى نهر واحد أعلاه يزيد على جيحون، ويبلغ «3» من كثرة هذه المياه وغزارتها أنها تنتهى إلى البحر، فتجرى فى البحر داخلا مسيرة يومين، وتغلب على ماء البحر حتى يجمد فى الشتاء لعذوبته وحلاوته، ويبين فى البحر لونه من لون ماء البحر. وللخزر مدينة تسمى سمندر فيما بينها «4» وبين باب الأبواب، لها بساتين كثيرة، ويقال إنها تشتمل على نحو من أربعة آلاف كرم إلى حد السرير، والغالب على ثمارها الأعناب، وفيها خلق من المسلمين، ولهم بها مساجد، وأبنيتهم من خشب قد نسجت، وسطوحهم مسنّمة، وملكهم من اليهود قرابة ملك الخزر، وبينهم وبين حدّ السرير فرسخان، وبينهم وبين صاحب السرير هدنة. والسرير هم نصارى، ويقال إن هذا السرير كان «5» لبعض ملوك الفرس، وهو سرير من ذهب «6» لبعض ملوك الفرس، فلما زال ملكهم حمل إلى السرير، وحمله بعض ملوك الفرس، بلغنى أنه من أولاد بهرام جوبين، والملك إلى يومنا هذا فيهم، ويقال إن هذا السرير عمل لبعض الأكاسرة فى سنين كثيرة. وبين السرير وبين المسلمين هدنة «7» ، ولا أعلم فى عمل الخزر مجمع ناس سوى سمندر «8» . وبرطاس هم أمة متاخمون للخزر، ليس بينهم وبين الخزر أمة أخرى، وهم قوم مفترشون على وادى إثل، وبرطاس اسم الناحية، وكذلك الروس والخزر والسرير اسم للمملكة لا للمدينة ولا للناس. الجزء: النص ¦ الصفحة: 130 والخزر لا يشبهون الأتراك، وهم سود الشعر، وهم صنفان: صنف يسمون قراخزر، وهم سمر يضربون- لشدة السمرة- إلى السواد كأنهم صنف من الهند، وصنف بيض ظاهر والحسن والجمال، والذي يقع من رقيق الخزر هم أهل الأوثان، الذين يستجيزون بيع أولادهم واسترقاق بعضهم بعضا، فأما اليهود منهم والنصارى فإنها تدين بتحريم استرقاق بعضهم بعضا مثل المسلمين؛ وبلد الخزر لا يرتفع شىء منه يحمل إلى الآفاق غير الغرى، وأما الزئبق «1» والعسل والشمع والخزر والأوبار فمجلوب إليها؛ ولباس الخزر وما حواليها القراطق «2» والأقبية، وليس يكون عندهم شىء من الملبوس، وإنما يحمل إليهم من نواحى جرجان وطبرستان وأرمينية وأذربيجان والروم؛ وأما سياستهم وأمر المملكة بهم فإن عظيمهم يسمى خاقان خزر، وهو أجلّ من ملك الخزر إلا أن ملك الخزر هو الذي يقيمه، وإذا أرادوا أن يقيموا هذا الخاقان جاءوا به فيخنقونه بحريرة، حتى إذا قارب أن ينقطع نفسه قالوا له: كم تشتهى مدة الملك؟ فيقول كذا وكذا سنة، فإن مات دونها وإلا قتل إذا بلغ تلك السنة، ولا تصلح الخاقانيّة عندهم إلا فى أهل بيت معروفين، وليس له من الأمر والنهى شىء إلا أنه يعظّم ويسجد له إذا دخل إليه، ولا يصل إليه أحد إلا نفر يسير مثل الملك ومن فى طبقته، ولا يدخل عليه الملك إلا لحادثة، فإذا دخل عليه تمرّغ فى التراب وسجد وقام من بعد، حتى يأذن له بالتقرّب، وإذا حزبهم حزب عظيم أخرج فيه خاقان، فلا يراه أحد من الأتراك ومن يصاقبهم من أصناف الكفر إلا انصرف ولم يقاتله تعظيما له، وإذا مات ودفن لم يمر بقبره أحد إلا ترجّل وسجد، ولا يركب ما لم يغب عن قبره، ويبلغ من طاعتهم لملكهم أن أحدهم ربما يجب عليه القتل- ويكون من كبرائهم- فلا يحبّ الملك أن يقتله ظاهرا، فيأمره أن يقتل نفسه، فينصرف إلى منزله ويقتل نفسه. والخاقانيّة فى قوم معروفين ليس لهم مملكة ويسار، فإذا انتهت الرياسة إلى أحدهم عقدوا له، ولم ينظروا إلى ما عليه حاله، ولقد أخبرنى من أثق به أنه رأى فى بعض أسواقهم شابا يبيع الخنر، كانوا يقولون إن خاقانهم إذا مات فليس أحد أحق منه بالخاقانيّة، إلا أنه كان مسلما ولا تعقد الخاقانية إلا لمن يدين باليهودية. والسرير والقبّة الذهب التى لهم لا تضرب إلا لخاقان، ومضاربه إذا برزوا فوق مضارب الملك، ومسكنه فى البلد أرفع من منزل مسكن الملك. وبرطاس اسم للناحية، وهم أصحاب بيوت خشب، وهم مفترشون. وبسجرت هم صنفان، صنف فى آخر الغزّية على ظهر بلغار، ويقال إن مبلغهم نحو ألفى رجل، ممتنعون فى مشاجر لا يقدر عليهم، وهم فى طاعة بلغار؛ وبسجرت أخرهم متاخمون لبجناك، وهم وبجناك أتراك، وهم متاخمون للروم، ولسان بلغار مثل لسان الخزر، ولبرطاس لسان آخر، وكذلك لسان الروس غير لسان الخزر وبرطاس. وبلغار اسم المدينة وهم مسلمون الجزء: النص ¦ الصفحة: 131 وفيها مسجد جامع، وبقرب مدينة أخرى تسمى سوار «1» فيها أيضا مسجد جامع، وأخبرنى من كان يخطب بها أن مقدار عدد الناس بهاتين المدينتين نحو عشرة آلاف رجل، ولهم أبنية خشب يأوونها «2» فى الشتاء، وفى الصيف يفترشون فى الخركاهات، وأخبرنى الخطيب بها أن الليل عندهم «3» لا يتهيأ أن يسير فيه الإنسان أكثر من فرسخ فى الصيف، وفى الشتاء يقصر النهار ويطول الليل حتى يكون نهار الشتاء مثل ليالى الصيف «4» . والروس هم ثلاثة أصناف، فصنف هم «5» أقرب إلى بلغار، وملكهم يقيم بمدينة تسمى كويابة، وهى أكبر من بلغار، وصنف أبعد «6» منهم يسمون الصّلاوية، وصنف يسمون الأرثانية، وملكهم مقيم بأرثا، والناس يبلغون فى التجارة إلى كويابة، فأما أرثا فإنه لا يذكر أن أحدا دخلها من الغرباء، لأنهم يقتلون كل من وطئ أرضهم من الغرباء، وإنما ينحدون فى الماء يتجرون، فلا يخبرون بشىء من أمورهم ومتاجرهم، ولا يتركون أحدا يصحبهم ولا يدخل بلادهم، ويحمل من أرثا السمّور الأسود والرصاص؛ والروس قوم يحرقون أنفسهم إذا ماتوا، وتحرق مع مياسيرهم الجوارى بطيبة من أنفسهن، وبعضهم يحلق اللحى، وبعضهم يفتلها مثل الذوائب، ولباسهم الفراطق القصار، ولباس «7» الخزر وبلغار وبجناك القراطق التامة، وهؤلاء الروس يتجرون إلى الخزر ويتجرون إلى الروم وبلغار الأعظم، وهم متاخمون للروم فى شماليتها، وهم عدد كثير يبلغ من قوّتهم أنهم ضربوا خراجا على ما يلى بلادهم من الروم؛ وبلغار الداخل هم نصارى. المسافات بين بلاد بحر الخزر ونواحيها: من آبسكون إلى بلاد الخزر عن اليمين نحو 300 فرسخ، ومن آبسكون عن يسار السائر إلى الخزر نحو 300 فرسخ، ومن آبسكون إلى دهستان «8» 6 مراحل، ويقطع هذا البحر إذا طابت الريح عرضا من طبرستان إلى باب الأبواب فى أسبوع «9» . وأما من آبسكون إلى بلاد الخزر فإنه زائد على العرض- لأنه مزوّى. ومن إثل إلى سمندر 8 أيام، ومن سمندر إلى باب الأبواب 4 أيام، وبين مملكة السرير وباب الأبواب 3 أيام، ومن إثل إلى أول حدّ برطاس مسيرة 20 يوما، ومن أوّل برطاس إلى آخره نحو 15 يوما، ومن برطاس إلى بجناك نحو 10 مراحل، ومن إثل إلى بجناك «10» مسيرة شهر، ومن إثل إلى بلغار على طريق المفازة نحو شهر، وفى الماء نحو شهرين فى الصعود وفى الحدود نحو 20 يوما، ومن بلغار إلى أول حدّ الروم نحو 10 مراحل، ومن بلغار إلى كويابة نحو 20 مرحلة، ومن بجناك إلى بسجرت الداخل 10 أيام، ومن بسجرت الداخل إلى بلغار 25 مرحلة. الجزء: النص ¦ الصفحة: 132 مفازة خراسان وأما مفازة خراسان وفارس فإن الذي يحيط بها، من شرقيّها حدود مكران وشىء من حدود سجستان ، وغربيّها حدود قومس والرىّ وقمّ وقاشان، وشماليتها حدود خراسان وشىء من سجستان، وجنوبيّها حدود كرمان وفارس وشىء من حدود اصبهان. هذه المفازة من أقل «1» مفاوز الإسلام سكانا وقرى ومدنا على قدرها، لأن مفاوز البادية فيها مراع وأحياء العرب ومدن وقرى، لا يكاد يخلو بنجد وتهامة وسائر الحجاز مكان إلا وهو فى حيز قبيلة، يترددون فيها على المراعى، وكذلك عامة اليمن إلا شيئا بين عمان واليمامة مما يلى البحر إلى حدود اليمن، فإن ذلك الموضع خال عن ديار العرب، وكذلك المفاوز التى فى أضعاف كرمان ومكران والسند عامتّها مسكونة بالأخبية والأخصاص وغيرها، ومفاوز البربر أيضا مسكونة بأحياء البربر فى مراعيها، وليس يستدرك من مفازة فارس وخراسان إلا علم «2» الطريق، وما يعرض فى أضعاف طرقها من المنازل «3» ، إذ ليس فيما عدا طرقها كثير عمارة ولا سكّان، وهذه مفازة من أكثر المفاوز لصوصا وفسّادا، وذلك أنها ليست فى حيز إقليم بعينه، فيرعاها أهل ذلك الاقليم بالحفظ، لأنه يحيط بهذه المفازة أيد كثيرة من سلاطين شتى، فبعض هذه المفازة من عمل خراسان وقومس، وبعضها من عمل سجستان، وبعضها من عمل كرمان وفارس واصبهان وقمّ وقاشان والرىّ، فإذا أفسد القطّاع فى عمل دخلوا عملا آخر، ومع ذلك فهى مفازة يصعب سلوكها بالخيل، وإنما تقطع بالإبل، وإنما «4» الدواب للأحمال، فلا تسلك إلا على طرق معروفة ومياه معلومة، إن تجاوزوها فى أعراض هذه المفازة هلكوا؛ وللصوص فى هذه المفازة مأوى «5» يعتصمون به ويأوون إليه، ويخفون فيه المال والذخائر يعرف بجبل كركس كوه، وكركس اسم المفازة التى تتاخم الرىّ وقمّ إلى مسيرة أيام من شرقىّ هذه المفازة؛ فأما جبل كركس كوه فهو جبل ليس بالكبير، وإنما هو جبل منقطع عن الجبال تحيط به المفازة، وبلغنى أن دور أسفله نحو فرسخين فقط، وبهذا الجبل ماء يسمى آب «6» بنده، ووسط هذا الجبل مثل الساحة، وفى شعاب هذا «7» الجبل مياه قليلة، وهو جبل وعر المسلك الجزء: النص ¦ الصفحة: 133 إلى ذراه، فيه معاطف ومسالك وحشة، لا يكاد يظهر على من توارى فيه، وآب بنده إذا صرت عند «1» هذا الماء كنت كأنك فى حظيرة والجبل محيط بك. وسياه كوه جبل يمتد ويتصل بجبال الجيل. وفى هذه المفازة قرى، ولا أعلم بها مدينة سوى سنيج، فإنها مدينة من عمل كرمان فى المفازة على طريق سجستان، وتحيط بها من جميع نواحيها هذه المفازة، وفى المفازة على طريق اصبهان إلى نيسابور موضع يعرف بالجرمق، وهى ثلاث قرى؛ وتحيط بهذه المفازة من مشاهير المدن مما يلى فارس: نائين ويزد وعقدة، وأردستان من اصبهان؛ ومن حد كرمان: خبيص وزاور ونرماشير؛ ومن حدّ الجبال: قمّ وقاشان ودزه، وكذلك الرىّ والخوار جميعا سوادهما يتاخم المفازة؛ وسمنان والدّامغان من قومس؛ ومن خراسان مدن قوهستان وهى الطّبسين والطّبس «2» وقاين فإن حدّ سوادها ينتهى إلى المفازة. والطرق المعروفة فى هذه المفازة طريق من اصبهان إلى الرى وهو أقربها، وطريق من كرمان إلى سجستان، وطريق من فارس وكرمان إلى خراسان؛ فمنها طريق يزد فى حدّ فارس، وطريق شور وطريق زاور وطريق خبيص من حدود كرمان إلى خراسان، وطريق يسمى الطريق الجديد من كرمان إلى خراسان، فهذه هى الطرق المعروفة، لا أعلم بها طريقا مسلوكا غير الذي ذكرناه، وهناك طريق قلّ ما تسلك من اصبهان، يخرج على قومس لا تسلك إلا عند ضرورة، والمسلك فيها على السمت، وسأصف مسافات هذه الطرق وما فيها إن شاء الله. الطريق من الرىّ إلى اصبهان: من الرىّ إلى دزة مدينة- فيها منبر- مرحلة، ومن الرىّ إليها عمارة إلا مقدار فرسخين فى وسط الطريق، ومن دزه إلى دير الجصّ مرحلة، وبين دزه ودير الجصّ مفازة محاذية كركس كوه وسياه كوه، ودير الجص رباط من جصّ وآجر، يسكنه بذرقة «3» السلطان وهو منزل للمارة وليس به زرع ولا شجر، وفيه بئر ماء ملح لا يشرب، وماؤهم من المطر فى حوضين خارجين من هذا الدير، والمفازة تحيط به من كلا الجانبين، ومن دير الجصّ إلى كاج أيضا مفازة، وكاج كانت قرية فخربت ولا سكان بها، وإنما هى منزل وماؤها من الأمطار أيضا فى حياض، والآبار بها مالحة، ومن كاج إلى قمّ منزل، والطريق فى مفازة إلى أن تنتهى على فرسخين من المدينة، ثم تنتهى إلى قرية ثم إلى المدينة أيضا مفازة، ومن قمّ إلى قرية المجوس طريق عامر مرحلة، الجزء: النص ¦ الصفحة: 134 وفى هذه القرية مجوس، ومن هذه «1» إلى قاشان مرحلتان فى عمارة على جنب المفازة «2» ، ومن قاشان إلى حصن يسمى بدرة مرحلتان، والطريق بعضه مفازة تحيط بها العمارة؛ وبدرة حصن لهم زرع وفيها نحو خمسين مسكنا، ومن بدرة إلى رباط أبى على بن رستم «3» مرحلة كبيرة، مفازة تتصل «4» بمفازة كركس كوه، ويسكن هذا الرباط رجّالة على النوب، وهو منزل للمارة وله ماء جار من قرية بالقرب منه إلى حوض فى الرباط، ومن هذا الرباط إلى دانجى مرحلة، ودانجى قرية كبيرة عامرة، ومن دانجى إلى اصبهان مرحلة خفيفة، والطريق من دانجى إلى المدينة عامرة. والطريق من الرىّ إلى اصبهان بين سياه كوه وكركس كوه- وكركس كوه عن يسار السائر، وسياه كوه عن يمينه، وسياه كوه أيضا مأوى للصوص- ليس بها عمارة، ومن كركس كوه إلى دير الجص 4 فراسخ، ومن دير الجص إلى سياه كوه 5 فراسخ، وبين سياه كوه وكركس كوه 9 فراسخ على دير الجص، ومن كركس كوه إلى دزه 7 فراسخ. وأما طريق نائين «5» : فإن من نائين إلى مزرعة فى المفازة مرحلة، وهذه مزرعة ربما كان بها نفسان أو ثلاثة وتسمى بونة، وفيها عين ماء يزرع عليه، ومن بونة إلى جرمق 4 مراحل، وفى الطريق فى كل فرسخين أو ثلاثة جنبذة وبركة ماء، وجرمق هذه تسمى سيده وتفسيرها ثلاث قرى: اسم إحداها بيادق والأخرى جرمق والثالثة أرابه. وهى تعد من خراسان وفيها نخيل وزروع وعيون ماء ومواش كثيرة، وفى القرى الثلاث نحو ألف رجل، وكلها فى رأى العين قريبة بعضها من بعض، ومن جرمق إلى نوخانى 4 مراحل، فى كل ثلاثة أو أربعة فراسخ جنبذة وبركة ماء، ومن نوخانى إلى رباط حوران مرحلة، ومن الرباط إلى قرية تسمى إتشكهان مرحلة خفيفة، ومن اتشكهان إلى الطّبسين مرحلة، ومن أراد من نوخانى إلى دسكروان «6» مرحلة، ومن دسكروان إلى بنّ مرحلة كبيرة، ومن بنّ إلى ترشيز مرحلتان، ومن ترشيز إلى نيسابور 5 مراحل. وطريق من يزد وشور ونائين تجتمع بكرى، وهى قرية فيها نحو ألف رجل، ولها رستاق كبير، وبين طبس وكرى 3 فراسخ. وأما طريق شور فإن شور اسم ماء مالح فى المفازة، وليس باسم قرية «7» ولا مدينة، ورأس مفازة شور قرية تسمى بيرة، وهى قرية صغيرة بها دون عشرة أنفس من حدود كرمان، ومنها إلى عين ماء تسمى مغول «8» مرحلة الجزء: النص ¦ الصفحة: 135 - وليس بها بناء «1» ، ومنها إلى غمر سرخ- وهو غمر كبير» وفى وهدة طين أحمر وجبله أحمر- مرحلة، ومنها إلى منزل يسمى جاه بر- وهو بئر وقباب- مرحلة، ليس به أحد، ومنه إلى حوض هزار- حوض يجتمع فيه ماء المطر- مرحلة، ومن حوض هزار إلى شور- وهو عين ماء مالح إلا أنه شروب، وعليها قباب وليس بها أحد، ومن شور إلى منزل يسمى مغول أيضا عين ماء وقباب- مرحلة، ومن مغول إلى كرى مرحلة كبيرة، وعلى أربعة فراسخ من كرى بركة «3» يجتمع فيها ماء السيل، وفى مفازة شور وبين ماء شور وبين برّ- عن يمين الذاهب من خراسان إلى كرمان على نحو فرسخين- حجارة، فى صور الفواكه من اللوز والتفاج ونحوه، وفيها صور تقارب صور «4» الناس والأشجار وغير ذلك. وأما طريق زاور: فإن زاور قرية عامرة، عليها حصار ولها ماء جار، وهى من حدود كرمان، فمنها إلى مكان يسمى در كوجرى «5» - وفيه ماء عين ضعيف وليس هنالك بناء- مرحلة، ومنه إلى شور دوازده مرحلة، وهناك رباط قد خرب وهو شعث فيه نخيل وليس به أحد، وهو مكان مخوف وقلّ ما يخلو من اللصوص، ومنه إلى دير بردان- وهناك آبار وهو صحراء لا بناء فيه- مرحلة، ومنه إلى منزل فيه حوض يجتمع فيه ماء السيول مرحلة، وليس هناك بناء، ومن هذا الحوض إلى نابند- وهو رباط فيه مقدار عشرين مسكنا، وفيه ماء عليه رحى صغيرة، ولهم زرع على ماء عين ولهم نخيل، وقبل نابند بفرسخين عين ماء، وعنده أصيلات نخيل وقباب- ليس بها أحد، وعن يمين نابند على مدّ البصر «6» نخيل كثيرة ومراع ليس فيها أحد، وهو مأوى للصوص، غير أن أهل نابند يتعاهدون هذه النخيل ويجنونها، وتسير من نابند مرحلتين إلى مكان يسمى بئر شك، وما بين كل فرسخين أو ثلاثة قباب وحياض ليس بها أحد، وبئر شك بئر طيبة الماء، ومن بئر شك إلى خور مرحلة ليس بها شىء، ومن خور إلى خوست «7» مرحلتان، ومن خوست إلى كرى نحو 3 مراحل. وأما طريق خبيص: فإن خبيص مدينة على شفير المفازة من جروم «8» كرمان، وهى مدينة صغيرة ماؤها جار، وبها نخيل كثيرة وهى خصبة رخصية الأسعار، فمنها إلى مكان يسمى الدّروازق «9» مرحلة، فيه أبنية مدّ البصر متهدّمة، وبها تلال تدل على أنها كانت أبنية فهدمت، وليس بها نهر ولا بئر ولا عين، ومنها إلى مكان يسمى الجزء: النص ¦ الصفحة: 136 شورروذ مرحلة، وهو واد تجرى فيه سيول الأمطار ولا يجرى إلا من مطر، ولكنه يجرى على أرض سبخة فيجرى السيل مالحا، وهذه المفازة مالحة التربة، ومنه إلى مكان يسمى بارسك- وهو جبل صغير- مرحلة، ومنه إلى مكان يسمى نيمة مرحلة، وفيه بئر حفرتها ابنة عمرو بن الليث، فبلغ الماء نحو عشرين باعا فخرج ماؤها أسود، وبلغنى أنه سقى منها كلب فمات، ومن هذا المكان إلى مكان يسمى الحوض- وهو حوض يجتمع فيه ماء المطر- مرحلة «1» ، ومنه إلى رأس الماء مرحلتان، وفيه عين ماء يجتمع فى حوض ويسقى زراعاتها، وهو رباط يكون فيه الواحد والاثنان، ومن رأس الماء إلى كوكور قرية عامرة- وهى من حدّ قوهستان- مرحلة، ومن كوكور إلى خوست مرحلتان؛ وفى مفازة خبيص على فرسخين من رأس الماء مما يلى خراسان حجارة صغار سود نحو أربعة فراسخ، ومن بارسك إلى قبر الخارجى «2» حصى صفار، بعضه فى لون الكافور بياضا، وبعضه أخضر فى لون الزجاج، وليس فى هذه المفازة- إذا جزت فرسخين من رأس الماء إلى جبل بجنوبه «3» نحو مرحلة- نبات. الطريق من يزد إلى خراسان: من يزد إلى آبخيزه مرحلة، وآبخيزه ليس بها قرية ولا ساكن «4» ، وبها عين ماء وحوض يجتمع فيه ماء المطر، وليس من يزد إلى آبخيزه عمارة، ومن آبخيزه إلى خزانة مرحلة، ليس بينهما عمارة، وخزانة قرية فيها نحو مائتى رجل، وبها زرع وضرع وبساتين، ومن خزانة إلى تل سياه سبيذ مرحلة، وليس بينهما «5» عمارة، وهو خان ليس به أحد، وبه حوضان يحويان مياه الأمطار، ومن تل سياه سبيذ إلى ساغند مرحلة، وليس بينهما عمارة، وساغند قرية فيها نحو أربعمائة رجل، وبها عين ماء وهى عامرة، إلا أن خزانة أعمر منها، ومن ساغند إلى پشت باذام مرحلة كبيرة، وليس بينهما عمارة، وبها خان ومنزل وماؤها من الآبار، ومن پشت باذام إلى رباط «6» محمد مرحلة خفيفة، وليس بينهما عمارة، وهو رباط فيه نحو ثلاثين رجلا، ولهم زرع وعيون ماء، ومن رباط محمد إلى الريك مرحلة، وهو منزل فيه حوض ماء وخان ليس فيه سكان، والريك «7» رمل مقداره فرسخان، ومن الريك «8» إلى مهلب مرحلة، وهو خان وعين ماء، وعنده جبل وليس بينهما عمارة، ومنه إلى رباط حوران مرحلة «9» ، ورباط حوران رباط من جص وحجارة، يكون فيه ثلاثة نفر أو أربعة يحفظونه، وبها عين ماء وليس بها زرع، ومن رباط حوران إلى زاد آخرة مرحلة، وزاد آخرة بئر ماء الجزء: النص ¦ الصفحة: 137 وخان «1» ليس فيه ساكن، وليس بينهما عمارة، ومن زاد آخرة إلى بستادران مرحلة، وهى قرية فيها ثلاثمائة رجل، وفيها ماء جار من قناة وزرع وضرع وكروم، وليس بينهما عمارة، ومن بستادران إلى بنّ مرحلة خفيفة، وليس بينهما عمارة، وبنّ قرية عامرة فيها نحو خمسمائة رجل، وفيها ماء جار وزرع وضرع وخصب، ومن بنّ إلى رادويه «1» مرحلة، وليس بينهما «2» عمارة، ورادويه منزل فيه بئر ماء وخان ليس فيه ساكن، ومن رادويه إلى ريكن مرحلة، وليس بينهما عمارة، وريكن رباط فيه زرع وماء جار، وفيه ثلاثة أو أربعة نفر، ومن ريكن إلى استلشت مرحلة، وليس «3» بينهما عمارة، واستلشت منزل فيه حوض ماء للمطر وخان، وليس فيه سكّان «4» ، ومن استلشت إلى ترشيز مرحلة، وهى حومة بشت نيسابور مدينة، وفى هذا الطريق على كل فرسخين أو ثلاثة خان وحوض ماء. وطرق هذه المفازة على الترتيب من اصبهان إلى الرىّ طريق، ثم يليه طريق نائين «5» إلى خراسان، ويليه طريق يزد إلى خراسان، ويلى ذلك طريق شور ثم طريق زاور «6» ثم طريق خبيص ثم الطريق الجديد ثم طريق سجستان إلى كرمان. وأما الطريق الجديد فإنك «7» تأخذ من نرماشير إلى دارستان «8» مرحلة، وهى قرية فيها نخيل، وليس وراءها عمارة، وإلى رأس الماء مرحلة، ومن راس الماء وهو عين ماء يجتمع فى بركة، ثم يقطع عرض المفازة من راس الماء إلى قرية «9» سلم- 4 مراحل مفازة كلها، ويقال إن قرية سلم من كرمان، ومن قرية سلم إلى هراة 10 أيام. وإن شئت أخذت من نرماشير «10» إلى سنيج 5 مراحل، ومن سنيج إلى قرية سلم نحو 5 أيام فى عيون ماء قليلة. وأما طريق سجستان فإنّ المدخل إليها من نرماشير إلى سنيج 5 أيام فى حدّ كرمان، ومن سنيج إلى سجستان 7 مراحل، وقد بينّاها فى صفة سجستان وكرمان. الجزء: النص ¦ الصفحة: 138 سجستان وأما سجستان وما يتصل بها ممّا قد جمع إليها فى الصورة، فإن الذي يحيط بها مما يلى المشرق مفازة بين مكران وأرض السند «1» ، وشىء من عمل الملتان، ومما يلى المغرب خراسان وشىء من عمل الهند، ومما يلى الشمال أرض الهند، وممّا يلى الجنوب المفازة التى بين سجستان وفارس وكرمان، وفيما يلى خراسان والغور والهند تقويس. وأما مدنها وما يقع فى أضعافها مما يحتاج إلى معرفته فلها من المدن زرنج وكشّ «2» ونه والطاق والقرنين وخواش وفره وجزه وبست وروذان وسروان «3» وصالقان «4» وبغنين ودرغش وتلّ وبشلنك وبنجواى وكهك وغزنة والقصر وسيوى واسفنجاى وجامان؛ ومدينتها» العظمى تسمى زرنج ولها مدينة وربض، وعلى المدينة حصن وخندق، وعلى الربض أيضا سور، والماء الذي فى الخندق ينبع من مكانة، ويقع فيه أيضا فضل من المياه، ولها خمسة أبواب: أحدها الباب الجديد، والآخر الباب العتيق، وكلاهما يخرج منهما إلى فارس، وبينهما قريب، والباب الثالث باب كركويه يخرج منه إلى خراسان، والباب الرابع باب نيشك يخرج منه إلى بست، والباب الخامس يعرف بباب الطعام يخرج منه إلى الرساتيق، «2» وأعمر هذه الأبواب باب الطعام، وهذه الأبواب كلها حديد، وللربض ثلاثة عشر بابا، فمنها باب مينا يأخذ إلى فارس، ثم يليه باب جرجان، ثم يليه باب شيرك، ثم يليه باب شتاراق، ثم يليه باب شعيب، ثم يليه باب نوخيك، ثم يليه باب الكان، ثم يليه باب نيشك؛ ثم يليه باب كركويه، ثم يليه باب استريس، ثم يليه باب غنجرة، ثم يليه باب بارستان، ثم يليه باب روذكران، وأبنيتها كلها طين آزاج معقودة، لأن الخشب بها يتسوّس ولا يثبت، والمسجد الجامع فى المدينة دون الربض إذا دخلت من باب فارس، ودار الإمارة فى الربض بين باب الطعام وبين باب فارس خارج المدينة، والحبس فى المدينة عند المسجد الجامع، وهناك أيضا دار إمارة على ظهر المسجد الجامع وعند الحبس، ولكنها نقلت إلى الربض، وهناك بين باب الطعام وبين باب فارس قصر ليعقوب بن الليث وقصر لعمرو بن الليث، ودار الإمارة الجزء: النص ¦ الصفحة: 139 فى دار يعقوب بن الليث، وداخل المدينة بين باب كركويه وباب نيشك بنيّة عظيمة تسمى أراك «1» ، كانت خزانة بناها عمرو بن الليث، وأسواق المدينة الداخلة حوالى المسجد الجامع، وهى أسواق على غاية العمارة، وأسواق الربض أسواق عامرة أيضا، منها سوق يسمى سوق عمرو، بناه عمرو بن الليث وقفه على المسجد الجامع والبيمارستان والمسجد الحرام، وغلة هذه السوق فى كل يوم نحو ألف درهم، وفى المدينة الداخلة أنهار، منها نهر يدخل من الباب العتيق، والثانى من الباب الجديد، والثالث يدخل من باب الطعام، ومقدار هذه الأنهار إذا جمعت ما يدير الرحى، وعند المسجد الجامع حوضان عظيمان، يدخلها الماء الجارى ويخرج ويتفرّق «2» فى بيوت الناس وسراديبهم، ومعظم دور المدينة والربض فيها ماء جار وبساتين، وفى ربضها أنهار تأخذ منها هذه الأنهار التى تدخل المدينة، والسوق ممتد من باب فارس من المدينة إلى باب مينا متصل «3» نحو نصف فرسخ. وأرضها سبخة ورمال، وهى حارة بها نخيل ولا يقع بها ثلوج، وهى أرض سهلة لا يرى فيها جبل، وأقرب جبالها بناحية فره، وتشتد رياحهم وتدوم، حتى إنهم قد نصبوا عليها طواحين «4» يديرها الهواء، وتنتقل رمالهم من مكان إلى مكان، فلولا أنهم يحتالون فيها لطمّت على القرى والمدن بها، وبلغنى أنّهم إذا أحبوا نقل الرمل من مكان إلى مكان، من غير أن يقع على الأراضى التى إلى جانب الرمل، جمعوا حول الرمل، مثل الحائط من خشب وشوك وغيرهما بقدر ما يعلو على ذلك الرمل، وفتحوا فى أسفله بابا فتدخله الريح وتطير أعلى الرمل مثل الزوبعة، فيرتفع حتى يقع على مدّ البصر حيث لا يضرهم، ويقال إن المدينة القديمة فى أيام العجم كانت فيما بين كرمان وسجستان، إذا جزت دارك بحذاء راسك عن يسار الذاهب من سجستان إلى كرمان على ثلاث مراحل، وأبنيتها وبعض بيوتها قائمة إلى هذه الغاية، واسم هذه المدينة رام شهرستان، ويقال إن نهر سجستان كان يجرى عليها فانقطع، فانقلع عليها بثق كان سكر من هندمند، وانخفض الماء عنه ومال فتعطلت، وتحوّل الناس عنها وبنوا زرنج. وأما أنهارها فإنّ أعظم نهر «5» لها هندمند «6» ، ويخرج من ظهر بلد الغور، حتى يخرج على حدّ رخّج وبلدى الدّاور، ثم يجرى «7» على بست حتى ينتهى إلى سجستان، ثم يقع فى بحيرة زره، وزره هذه بحيرة يتسع الماء فيها وينقص على قدر زيادة الماء ونقصانه، وطولها نحو ثلاثين فرسخا من ناحية كرين «8» ، على طريق قهستان إلى قنطرة كرمان على طريق فارس، وعرضها مقدار مرحلة، وهى عذبة الماء، ويرتفع منها سمك كثير وقصب «9» ، وحواليها كلها قرى، إلا الوجه الذي يلى المفازة، ونهر هندمند هو نهر واحد «10» من بست إلى أن ينتهى الجزء: النص ¦ الصفحة: 140 إلى مرحلة من سجستان، ويتشعب منه مقاسم الماء، فأول نهر ينبثق منه نهر الطعام، فيأخذ على الرساتيق حتى ينتهى إلى حدّ نيشك، ثم يأخذ منه نهر باشتروذ «1» فيسقى رساتيق كثيرة، ثم يأخذ منه نهر يسمى سناروذ فيجرى على فرسخ من سجستان، وهو النهر الذي تجرى فيه السفن من بست إلى سجستان إذا امتد الماء، ولا تجرى إليهم السفن إلا فى زيادة الماء، وأنهار مدينة سجستان كلها من سناروذ، ثم ينحدر فيأخذ منه نهر شعبه فيسقى مقدار ثلاثين قرية، ثم يأخذ منه نهر يسمى مبلى، فيسقى «2» رساتيق كثيرة، ثم يأخذ منه زالق فيسقى رساتيق كثيرة، وما يبقى من هذا النهر يجرى فى نهر يسمى كزك «2» ، وقد سكر هناك سكر يمنع الماء أن يجرى إلى بحيرة زره، حتى «3» يجيء المدّ، فإذا جاءت أيام المد زال السكر، ووقع فضل هذا النهر إلى بحيرة زره «3» ، وعلى نهر هند مند على باب بست جسر من السفن، كما يكون على أنهار العراق، ويقع فى بحيرة زره الفاضل من وادى فره وغيره من تلك «4» النواحى. ومن أنهار سجستان نهر فره يخرج من قرب الغور حتى يسقى تلك النواحى، وتقع فضلته فى بحيرة زره؛ ونهر نيشك يخرج من قرب الغور فيسقى تلك النواحى، وقلّ ما يفضل منه لبحيرة زره. وسجستان خصبة كثيرة الطعام والتمور «5» والأعناب، وأهلها ظاهر واليسار «6» ، ويرتفع من مفازة سجستان فيما بينها وبين مكران غلة عظيمة من الحلتيت «7» ، حتى إنه قد غلب على طعامهم، ويجعلونه فى عامة أطعمتهم. وبالس اسم الناحية ومدينتها سيوى، غير أن الوالى مقيم بالقصر، واسفنجاى أكبر من القصر، ورخّج اسم الإقليم ومدينتها بنجواى، ولها من المدن كهك، ورخّج إقليم بين بلدى الدّاور وبين بالس، وعامتها صواف «8» ، يرتفع لبيت المال منها مال عظيم، ويتسع أهل تلك النواحى بغلاتها، وهى على غاية الخصب والسعة؛ وبلاد الدّاور إقليم خصب وهو ثغر للغور، وبغنين وخلج وبشلنك وخاش وليس عليها سور ولها قلعة، وبلد الدّاور اسم الإقليم ومدينتها تلّ، ولها من المدن درغش، وهما على مجرى هندمند على الشط، غير أن بغنين وخلج وكابل والغور وهذه النواحى- بعض هؤلاء قد أسلموا، وبعضهم مسالمون، وهى من الصرود؛ والخلج صنف من الأتراك، وقعوا فى قديم الأيام إلى الأرض التى بين الهند ونواحى سجستان فى ظهر الغور، وهم أصحاب نعم، على خلق الأتراك وزيهم ولسانهم. وأما بست فإنها مدينة ليس فى أعمال سجستان بعد زرنج أكبر منها، إلا أنها وبيّة، وزيهم زى أهل «9» العراق، يرجعون إلى مروّة ويسار، وبها متاجر إلى بلد الهند والسند، وبها نخيل وأعناب، الجزء: النص ¦ الصفحة: 141 وهى خصبة جدا. وأما القرنين فإنها مدينة صغيرة لها قرى ورساتيق، وهى على مرحلة من سجستان عن يسار الذاهب إلى بست، على فرسخين من سروزن، منها الصفّارون الذين تغلبوا على فارس وكرمان وخراسان وسجستان، وكانوا أربعة أخوة- يعقوب وعمرو وطاهر وعلى بنو الليث، فأما طاهر فإنه قتل بباب بست، وأما يعقوب فإنه مات بجنديسابور بعد رجوعه من بغداد وقبره هناك، وأما عمرو بن الليث فإنه قتل ببغداد وقبره هناك، وأما على بن الليث فكان استأمن إلى رافع بجرجان، ومات بدهستان وقبره هناك، ويعقوب كان أكبرهم «1» وكان غلاما لبعض الصفّارين، وأما عمرو فإنه كان مكاريا، وبلغنى أنه كان فى بعض أيامه بنّاء، وكان على بن الليث أصغرهم سنا، وكان السبب فى خروجهم وارتفاع أمرهم أن خالا لهم يسمى كثير بن رقّاق، كان قد تجمّع إليه جمع فى وجوه الخوارج، فحوصر فى قلعة تسمى قفيل، وتخلّص هؤلاء ووقعوا إلى أرض بست، وكان بتلك الناحية رجل عنده جمع كثير، يظهرون الحسبة فى الغزو وقتال الخوارج يسمى درهم بن نصر، فصار هؤلاء الأخوة فى جملة أصحابه فقصدوا سجستان، والوالى بها إبراهيم بن الحسين من قبل الطاهرية وكان فى ضعف، فنزل على باب المدينة، وكان درهم بن نصر هذا يظهر أنه من المطّوعة، وأنه قاصد لقتال الشراة محتسبا، فاستمال العامة حتى مالوا إليه، ودخل المدينة وخرج منها واليها إلى بعض النواحى فتمكّنوا من البلد، وقاتلوا الشراة، وكان للشراة رئيس يعرف بعمّار بن ياسر، فانتدب لقتاله يعقوب، فقاتله وقتل عمارا، وكان لا يحزبهم أمر شديد إلا انتدب له يعقوب، فكان يرتفع ذلك الأمر له على ما يحبه، فاستمال أصحاب درهم بن نصر إليه «2» حتى قلّدوه الرياسة، وصار الأمر له، وكان درهم بن نصر بعد ذلك من جملة أصحابه، وما زال محسنا إلى درهم بن نصر حتى استأذنه فى الحج، وأقام ببغداد مدة ثم رجع رسولا من أمير المؤمنين إليهم فقتله. واستفحل أمرهم بعد ذلك حتى استولوا على سجستان «3» وما يتصل بها من أطراف السند والهند، ومهدّوا تلك الثغور، وأسلم على يدى يعقوب خلق منهم، ثم استولى بعد ذلك على كرمان وفارس وخوزستان وبعض العراق وعلى خراسان «3» . وأما الطاق فإنها مدينة على مرحلة من زرنج، تكون على ظهر الجائى من سجستان إلى خراسان، وهى مدينة صغيرة ولها رستاق «4» ، وبها أعناب كثيرة يتسع بها أهل سجستان وخواش هى من قرنين على مرحلة عن يسار الذاهب إلى بست، وبينها وبين الطريق نحو نصف فرسخ، وهى أكبر من قرنين، وبها نخيل وأشجار، وبها وبالقرنين مياه جارية وقنى، وأما فره فإنها مدينة أكبر من هذه المدن، ولها رستاق يشتمل على نحو من ستين قرية، وبها نخيل وفواكه وزروع، وعليها نهر فره وأبنيتها «5» طين، وهى فى أرض سهلة. وجزه متصلة الجزء: النص ¦ الصفحة: 142 بعمل فره، عن يمين الذاهب من سجستان إلى خراسان، على نحو من مرحلة، وهى مدينة صغيرة نحو القرنين، ولها قرى ورستاق «1» وهى خصبة، وماؤها من القنىّ «2» ، وأبنيتهم من طين. وسروان مدينة صغيرة نحو القرنين، إلا أنها أعمر من القرنين، وبها فواكه كثيرة ونخيل وأعناب، وهى من بست على نحو مرحلتين؛ إحدى المنزلتين تسمى فيروزقند، والأخرى هى سروان على طريق بلدى الدّوار. وصالقان من بست على مرحلة؛ وبها فواكه ونخيل وزروع، وأكثر أهلها حاكة، وماؤهم من أنهار، وبناؤهم من طين، وهى نحو القرنين فى الكبر. وروذان هى أصغر من القرنين، وهى بقرب فيروزقند عن يمين الذاهب إلى رخّج، وأكثر غلاتها الملح؛ ولهم مع ذلك زروع وفواكه ومياه جارية. وأما المسافات بها فإن الطريق من سجستان إلى هراة أوّل مرحلة تسمى كركوية على 3 فراسخ، ومنها إلى بشتر 4 فراسخ، ويعبر على قنطرة يجرى فيها ما فضل من مياه هندمند؛ ومن بشتر إلى جوين مرحلة؛ ومن جوين إلى بست مرحلة، ومن بست إلى كنجر مرحلة، ومن كنجر إلى سرشك مرحلة، ومن سرشك إلى قنطرة وادى فره مرحلة، ومن قنطرة الوادى إلى فره مرحلة، ومن فره إلى دره مرحلة، ومن دره إلى كوستان- وهى آخر عمل سجستان، ومن كوستان إلى خاستان «3» - وهى من الأسفزار مرحلة، ومن خاستان إلى قناة سرى مرحلة، ومن قناة سرى إلى الجبل الأسود مرحلة، ومن الجبل الأسود إلى جامان مرحلة، ومن جامان إلى هراة مرحلة. وأما الطريق من سجستان إلى بست فأول مرحلة إلى زانبوق، ومن زانبوق إلى سروزن- قرية عامرة سلطانية- مرحلة، ومن سروزن إلى حرورى- قرية عامرة سلطانية، وبينهما نهر نيشك وعليها قنطرة معقودة من آجر- مرحلة، ومن حرورى إلى دهك، والمنزل رباط من حدّ دهك ومن هذا الرباط المفازة، فمنزل منها رباط يسمى آب شور، ومن آب شور إلى رباط كرودين، ومن رباط كرودين إلى رباط قهستان «4» ، ومن رباط قهستان إلى رباط عبد الله، ومن رباط عبد الله إلى بست، ومن رباط دهك إلى فرسخ من بست كلها مفازة. وأما الطريق من بست إلى غزنة: فإنّ من بست إلى رباط فيروزقند منزل، ومنه إلى رباط ميغون منزل، ومنه إلى رباط كبير «5» منزل، ثم إلى مدينة الرخّج المسماة بنجواى منزل، ومنها إلى تكين «6» أباذ منزل، ثم إلى خرسانه «7» منزل، ثم إلى رباط سراب منزل، ثم إلى الأوقل «8» - وهو رباط- منزل، ثم إلى رباط الجزء: النص ¦ الصفحة: 143 جنكل «1» أباذ منزل؛ ثم إلى قرية غرم منزل، ثم إلى قرية خاست منزل، ثم إلى قرية جومة منزل، ثم إلى خابسار «2» منزل، وهو أول حدّ غزنة، ثم إلى قرية خشباجى، ثم إلى رباط هزار منزل، وهى قرية عامرة، ثم إلى غزنة منزل. ومن سجستان إلى بالس طريق على المفازة تأخذ من مدينة الرخّج المسماة بنجواى إلى رباط الحجرية منزل، ثم إلى رباط جنكى منزل، ثم إلى رباط بر منزل، ثم إلى رباط اسفنجاى منزل. وأما الطريق من سجستان إلى كرمان وفارس فإن أول منزل «3» من سجستان خاوران، والثانى رباط يسمى دارك، ومن دارك إلى برين منزل، ومنه إلى كاونيشك منزل، وهما رباطان، ثم إلى رباط الناسى منزل «4» ، ثم إلى رباط القاضى منزل، ثم إلى رباط كرامخان «5» منزل، ثم إلى سنيج منزل، وسنيج مدينة من كرمان. وحدّ سجستان إذا جزت كاونيشك بينها وبين كندر رباط بناه عمرو، وهذا المكان يعرف بقنطرة كرمان، وليس هناك قنطرة، ولكن تسمى كذلك. وسائر المسافات بسجستان: من سجستان إلى جزه 3 مراحل، وهى بين فره «6» والقرنين، وبينها وبين فره أيضا مرحلتان، وبين نه وفره نحو مرحلة راجحة، وهى بحذائها مما يلى المفازة، وبين كش وبين سجستان 30 فرسخا فيما يل حدّ كرمان، والطاق على طريق كش على 5 فراسخ، وخواش على نحو فرسخ من طريق بست، وبينه وبين القرنين منزل، ومن بست إلى سروان مرحلتان على طريق بلد الدّاور، ثم تعبر هندمند على مرحلة من سروان فتدخل تلّ، وتمضى مرحلة إلى درغش على شط هندمند، كلاهما من جهة واحدة، ومن تلّ إلى بغنين يوم فى قبلىّ تلّ، وبشلنك فى جنوبىّ بغنين، وبنجواى على ظهر غزنة، وبينها وبين كهك مقدار فرسخ عن غربى بنجواى، ومن بنجواى إلى إسفنجاى 3 مراحل، والقصر بحذائها وبينهما فرسخ، ومن اسفنجاى إلى سيوى مرحلتان. الجزء: النص ¦ الصفحة: 144 ذكر خراسان وأما خراسان «1» فإنها تشتمل على كور، وهو اسم الإقليم، والذي يحيط بها من شرقيّها نواحى سجستان وبلد الهند، لأنّا ضممنا إلى سجستان ما يتصل بها من ظهر الغور كله إلى الهند، وجعلنا ديار خلج فى حدود كابل ووخّان فى ظهر الختّل كله وغير ذلك من نواحى بلد الهند، وغربيّها مفازة الغزيّة ونواحى جرجان، وشماليّها ما وراء النهر وشىء من بلد الترك يسير على ظهر الختّل، وجنوبيّها مفازة فارس وقومس، وضممنا قومس إلى نواحى جبال الديلم مع جرجان وطبرستان والرىّ وقزوين وما يتصل بها، وجعلنا ذلك كله إقليما واحدا، وضممنا الختّل إلى ما وراء النهر، لأنها بين نهر وخشاب وجرياب، وضممنا خوارزم إلى ما وراء النهر لأن مدينتها وراء «2» النهر، وهى أقرب إلى بخارى منها إلى مدن خراسان؛ وبخراسان فيما يلى المشرق زنقة، فيما بين مفازة فارس وبين هراة والغور إلى غزنة، ولها زنقة فى المغرب من «3» حدّ قومس إلى أن يتصل بنواحى فراوة، فتقصر هاتان الزنقتان عن تربيع سائر خراسان، وفيها من حدّ جرجان وبحر الخزر إلى خوارزم تقويس على العمارة. وأما كور خراسان التى تجمع على الأعمال وتفرق فإن أعظمها نيسابور ومرو وهراة وبلخ، وبخراسان كور دونها فى الكبر «4» ، فمنها قوهستان وطوس ونسا وأبيورد وسرخس وأسفزار وبوشنج وباذغيس وگنج رستاق ومرو روذ وجوزجان وغرج الشّار والباميان وطخارستان وزمّ وآمل؛ وأما خوارزم فإنا نذكرها فيما وراء النهر، لأن مدينتها وراء النهر «5» ، وهى إلى مدن ما وراء النهر على السمت أقرب منها إلى مدن خراسان، ولنيسابور كور لم نفردها لأنها مجموعة إليها فى الأعمال، سنذكرها فى صفة نيسابور، وأفردنا طخارستان عن بلخ وإن كانت مجموعة إليها، لأنها مفردة فى الذكر والدواوين فيقال بلخ وطخارستان، وليس فى تفريقنا هذه الكور وجمعها درك أكبر من استيعابها، وتأليفها فى الصور، ومعرفة مكان كلّ شىء منها فى صورة خراسان. فأمّا نيسابور فهى أبر شهر، وهى مدينة فى أرض سهلة، أبنيتها طين، وهى مفترشة البناء، ومقدار عرصتها «6» نحو فرسخ فى فرسخ، ولها مدينة وقهندز «7» وربض، وقهندزها ومدينتها عامرتان، ومسجد جامعها فى الربض الجزء: النص ¦ الصفحة: 145 بمكان يعرف بالمعسكر، ودار الإمارة بمكان يعرف بميدان الحسين «1» ، والحبس عند دار الإمارة وبين الحبس ودار الإمارة وبين المسجد الجامع نحو فرسخ، ودار الإمارة من بناء عمرو بن الليث، وللقهندز بابان، وللمدينة أربعة أبواب: أحدهما يعرف بباب رأس القنطرة، والثانى بباب سكة معقل، والثالث بباب القهندز، والرابع بباب قنطرة تكين «2» ، وقهندزها خارج عن مدينتها، ويحيط بالمدينة والقهندز جميعا الربض، وللربض أبواب، فأما الباب الذي يخرج منه إلى العراق وجرجان فإنه يعرف بباب القباب، والباب الذي يخرج منه إلى بلخ وما وراء النهر فإنه يعرف بباب جنك، والباب الذي يخرج منه إلى فارس وقوهستان فإنه يعرف بباب أحوص آباذ، والباب الذي يخرج منه إلى طوس ونسا عدة أبواب: فمنها باب سوخته، وباب يعرف بسر شيرين وغيرهما؛ وأما أسواقها فإنها خارجة من المدينة والقهندز فى الربض، وأعظم «3» أسواقها سوقان: إحداهما تعرف بالمربّعة الكبيرة والأخرى بالمربّعة الصغيرة، وإذا أخذت من المربّعة الكبيرة نحو المشرق فالسوق يمتد إلى أن تجاوز المسجد الجامع، وإذا أخذت من المربّعة نحو المغرب فالسوق يمتد إلى أن تجاوز المربّعة «4» الصغيرة، وإذا أخذت من المربعة نحو الجنوب فالسوق ممتدة إلى قرب مقابر الحسين «5» ، ويمتد السومن المربعة فى شماليتها حتى ينتهى إلى راس القنطرة، والمربعة الصغيرة بقرب ميدان الحسين جنب دار الإمارة، وأكثر مياهها قنىّ تخرج تحت مساكنهم وتظهر خارج البلد فى ضياعهم، ولها قنىّ تظهر فى البلد، وتجرى فى دورهم وبساتينهم داخل البلد وخارجا عنه، ولهم نهر كبير يعرف بوادى سغاور «6» ، يسقى منه بعض البلد «7» ورساتيق كثيرة، وعلى هذا الوادى قوّام، وليس لهم فى البلد نهر أعظم منه، وليس بخراسان مدينة أصح هواء ولا أكبر من نيسابور، ويرتفع منها من أصناف ثياب القطن والابريسم ما ينقل إلى سائر بلدان الإسلام وبعض بلاد الشرك لكثرتها وجودتها؛ ولنيسابور حدود واسعة ورساتيق عامرة، ولها مدن منها البوزجان «8» ومالن المعروف بكواخرز وجايمند وسلومك وسنكان وزوزن وكندر وترشيز وخان روان «9» وأزاذوار وخسرو كرد وبهمنا باذ ومزنيان وسابزوار «10» وديواره ومهرجان واسفرائين وخوجان ورزيلة؛ وإن جمعنا طوس إلى نيسابور فمن مدنها: الرّاذكان والطّابران وبزديغرة «11» والنّوقان، التى بها قبر الجزء: النص ¦ الصفحة: 146 على بن موسى الرضا عليه السلام وقبر هارون الرشيد، ومنها يرتفع البرام «1» ؛ وقبر الرضا من المدينة على نحو ربع فرسخ بقرية يقال لها سناباذ، وفى جبال نيسابور وطوس يكون الفيروزج، وكانت دار الامارة بخراسان بمرو وبلخ إلى أيام الطاهريّة، فنقلوها إلى نيسابور فعمرت وكبرت وكثر مالها من توطّنهم إياها «2» . وأما مرو فانها تعرف بمرو الشاهجان، وهى قديمة البناء، يقال إن قهندزها من بناء طهمورث، وأن المدينة القديمة من بناء ذى القرنين، وهي فى أرض مستوية بعيدة عن الجبال، لا يرى منها جبل وليس فى شىء من حدودها جبل، وأرضها سبخة كثيرة الرمال، وأبنيتها طين، وفيها ثلاثة مساجد للجمعات «3» ، أما أول مسجد أقيمت فيه الجمعة فمسجد بنى من داخل المدينة فى أول الإسلام، فلما كثر الإسلام بنى المسجد المعروف بالمسجد العنيق على باب المدينة، ويصلى فيه أهل الحديث، وتركت الجمعات «4» فى المسجد الأول، ويعرف بمسجد بنى ماهان، ثم بنى بعد ذلك المسجد الذي على ماجان، ويذكر أن ذلك المسجد والسوق ودار الامارة من بناء أبى مسلم، ودار الامارة على ظهر هذا المسجد، وفى هذه الدار قبّة بناها أبو مسلم كان يجلس فيها، وإلى هذه الغاية يجلس فى هذه القبّة أمراء مرو، وهى قبة من آجر، وسعة هذه القبة خمسون ذراعا فى خمسين ذراعا مسطّحة الظهر، وفى القباب من داخل نصبة السطح «5» ، وللقبة أربعة أبواب كلّ باب إلى إيوان، سمك كلّ إيوان .... «6» ، وبين يدى كلّ إيوان صحن مربع، والقهندز فى الكبر مثل مدينة إلا أنه خراب، وهو مرتفع، وعلى ارتفاعه قد سيقت إليه قناة ماء جار إلى يومنا هذا، وربما زرع عليه مباطخ ومباقل وغير ذلك؛ وأما أسوقها فإنها فى القديم كانت على باب المدينة حيث «7» المسجد العتيق، فانتقلت فى أيام أبى مسلم إلى ماجان، وأسواقها من أنظف أسواق الأمصار، ومصلى العيد فى محلّة راس الميدان فى مربّعة أبى الجهم «8» ، ويطوف «9» بهذا المصلى من جميع وجهاته البنيان والعمارات، وهو بين نهر هرمز فرّه وماجان؛ وأرباع البلد معروفة الحدود، ولأرباعه أنهار معروفة فمنها نهر هرمز فرّه، وهو نهر عليه أبنية كثيرة من البلد، وهو مما يلى سرخس فى أول ما يدخل الداخل من سرخس، وهي أبنية كثيرة كان الحسين بن طاهر بنى فيها تلك الأبنية، وأراد أن ينقل إليها السوق ودار الإمارة، الجزء: النص ¦ الصفحة: 147 ومن هذا النهر شرب محلّة راس الشّاباى «1» ، الذي فيه دور الشيخ الجليل أبى الفضل محمد بن عبيد الله «2» ، ومنها نهر يعرف بالماجان وعليه دار الإمارة والأسواق «3» والمسجد الجامع المحدث والحبس، وعلى هذا النهر دار آل أبى النجم مولى آل أبى معيط، وهي الدار التى فيها القبّة التى صبغ فيها سواد دعوة بنى العباس، والقبة باقية إلى اليوم «4» ، ومنها نهر يعرف بالرّزيق ومجراه على باب المدينة، ومن هذا النهر يشرب أهل المدينة بسياق من هذا النهر إلى حياض فيها، وعلى هذا النهر المسجد العتيق، ومن أسفل هذا النهر قصور آل خالد بن أحمد ابن حمّاد، الذي كان على إمارة بخارى، ومنها نهر يعرف بأسعدى الخراسانى، وعليه شرب محلّة باب سنجان وبنى ماهان وغيرها، وعلى هذا النهر كانت دور مرزبان «5» مرو، فهذه أنهار مرو التى عليها محالّ البلد وأبنيتها، وعلى هذه الأبنية سور يحيط بها وبهذه الأربعة أنهار، ويحيط بهذه المدينة ورساتيقها سور آخر، يشتمل على جميع رساتيقها يعرق بالراى، وترى آثار هذا السور إلى هذه الغاية، وللمدينة الداخلة أربعة أبواب: فمنها باب يعرف بباب المدينة مما يلى المسجد الجامع، وباب يسمى باب سنجان، وباب يسمى باب بالين، وباب درمشكان ومن هذا الباب يخرج إلى ما وراء النهر، وعلى هذا الباب كان «6» مسكن المأمون ومضربه، أيام مقامه بمرو إلى أن انتهت الخلافة إليه. ولمرو نهر عظيم تتشعب هذه الأنهار كلها وأنهار الرساتيق منه، ومبتدؤه من وراء الباميان ويعرف هذا النهر بمرغاب «7» وتفسيره مرو آب «8» أى ماء مرو، ومن الناس من يزعم «9» أن النهر منسوب إلى مكان يخرج منه الماء يسمى مرغاب، ومنهم من يقول تفسير مرغ أجمة «10» ، ومجرى هذا النهر على مروروذ وعليه ضياعهم، وأول حدّ هذا النهر من عمل مرو كوكين بين خوزان والقرينين، فخوزان من مرو الروذ والقرينين من مرو، ومقاسم هذا الماء من زرق- قرية بها مقسم ماء مرو «11» ، وقد جعل لكل محلّة وسكّة من هذا النهر نهر صغير، عليه ألواح خشب فيها ثقب «12» يتساوى بها الناس فى تناول حصصهم من الماء، فإن زاد أخذ كل شرب نصيبه من الزيادة، وكذلك إذا نقص «13» ، ويتولى هذا الماء أمير على حدة، وهو أجلّ من والى المعونة، بلغنى أنه يرتزق على هذا الماء الجزء: النص ¦ الصفحة: 148 زيادة على عشرة آلاف رجل، لكلّ واحد منهم على هذا الماء عمل. وكانت مرو معسكر الإسلام فى أوّل الإسلام، وفيها استقامت مملكة فارس للمسلمين، لأن يزدجرد ملك الفرس قتل بها فى طاحونة زرق، ومنها ظهرت دعوة «1» بنى العباس، وفى دار آل أبى النجم المعيطى صبغ أول سواد لبس المسوّدة، وفيها جاءت المأمون الخلافة وظهر على أخيه محمد بن زبيدة، ومنها عامة قواد الخلافة وكتّابها بالعراق وولاة خراسان، ومنها أئمة من الفقهاء وأهل الأدب معروفون، ولولا أنّا بنينا كتابنا على التجوّز «2» - وأنّ الذي تركنا شرحه هو معروف فى الأخبار والكتب المؤلفة- لشرحنا من طبقات الناس وسائر ما أجملنا ذكره؛ وفى أيام العجم كانوا مقدّمين من بين نواحى أبرشهر فى الطبع والتأدّب، حتى كان طبيبهم المعروف ببرزويه مقدما على سائر أطباء العجم، وملهيهم المعروف بالباربد مقدما على سائر من صاغ الألحان وتعاطى الملاهى، ثم هى من أطيب بلاد خراسان أطعمة؛ أما خبزهم فليس بخراسان أنظف خبزا وألذ طعما منه، حتى إنّ اليابس من فواكهها من الزبيب وغير ذلك يفضّل على سائر الأماكن، وإنما يذكر من هراة الكثرة، وأنه يكثر فى الآفاق، فأما الطعم والجودة فإن المروزىّ يفضله، ومن صحة فواكههم أن البطيخ يقدّد ويحمل إلى الآفاق «3» ، ولم أعلم هذا يمكن ببلد غيره. وبلدهم من النظافة وحسن الترصيف وتقسيم الأبنية والمحالّ فى خلال الأنهار والغروس وتمييز أهل كل سوق من غيره بحيث يفضل سائر مدن خراسان فى حسنه؛ وفى مفازتهم يكون الأشترغاز الذي يحمل إلى سائر الدنيا، ويرتفع من مرو الابريسم والقزّ الكثير، وبلغنى أن أصل الابريسم بجرجان وطبرستان إنما نقل فى القديم من مرو «4» ، وربما حمل من بزر دود القز منها إلى طبرستان، ومنها يرتفع القطن الذي ينسب إليه القطن اللّين والثياب التى تجهّز إلى الآفاق؛ ولها منابر قديمة وحديثة «5» ، فبمرو منبران، وبكشميهن منبر، وبهرمزفرّه منبر، وبسنج منبر، وبجيرنج منبر، وبالدّندانقان منبر، وبالقرنين منبر، وبباشان منبر، وبخرق منبر، وبالسّوسقان منبر، فهذه منابر مرو التى أعرفها «6» . أما هراة فإنها اسم المدينة ولها أعمال، ومن مدنها مالن وخيسار واستربيان وأوفه وماراباذ وباشان وكروخ وخشت. وبأسفزار أدرسكر وكواران وكوشك «7» وكواشان «8» ، وأسفزار اسم للكورة لا اسم مدينة، ومدنها هذه الأربعة التى ذكرناها. وأما هراة فإنها مدينة عليها حصن «9» وثيق، وحواليها ماء، وداخلها مدينة عامرة، ولها ربض، وفى مدينتها قهندز «10» ، والمسجد الجامع فى مدينتها، ودار الإمارة خارج الحصن بمكان يعرف الجزء: النص ¦ الصفحة: 149 بخراسان آباذ، منقطع عن المدينة بينه وبين المدينة أقل من ثلث «1» فرسخ على طريق بوشنج «2» على غربى هراة، وبناؤها من طين، وهى مقدار نصف فرسخ فى نحوه، ولمدينتها الداخلة أربعة أبواب: الباب الذي يخرج منه إلى بلخ مما يلى الشمال يسمى باب سراى، والباب الثانى الذي يخرج منه إلى نيسابور غربى يسمى باب زياد «3» ، والباب الثالث الذي يخرج منه إلى سجستان جنوبىّ يسمى باب فيروزاباذ، والباب الذي يخرج منه إلى الغور شرقىّ يسمى باب خشك، وأبوابها من خشب غير باب سراى فإنه حديد، وعلى كل باب سوق يستقل بما يحتف من المحال «4» ، وفى داخل المدينة والربض مياه جارية، وللحصن أربعة أبواب، بحذاء كل باب من أبواب المدينة باب لهذا الحصن، ويسمى باسم ذلك الباب، وخارج الحصن جدار يطوف بالحصن كلّه أطول من قامة، وبينهما مقدار ثلاثين خطوة، والمسجد الجامع من المدينة فى وسطها، وحواليه «5» أسواق، والسجن على ظهر قبلة المسجد الجامع، وليس بخواسان وما وراء النهر وسجستان والجبال مسجد أعمر بالناس على دوام الأيام من مسجد هراة ثم مسجد بلخ ثم مسجد سجستان، فإنّ بهذه المساجد حلق الفقهاء، والناس يتزاحمون على رسم «6» الشام والثغور، وسائر المساجد بهذه الأماكن إنما ينتابها الناس فى الجمعات. وهراة مطرح الحمولات من فارس إلى خراسان، وهى فرضة لخراسان وسجستان وفارس، والجبل من هراة على فرسخين «7» على طريق بلخ، ومحتطبهم من مفازة بينها وبين اسفزار، وليس بهذا الجبل محتطب ولا مرعى، وإنما يرتفقون «8» منه بالحجارة للأرحية والفرش وغير ذلك، وعلى رأس هذا الجبل بيت نار يسمى سرشك وهو معمور، وبينه «9» وبين المدينة كنيسه للنصارى، وليس بينهما «10» وبين المدينة مياه ولا بساتين، إلا نهر «11» المدينة على باب المدينة، يعبر بالقنطرة ثم لا يكون بعدها «12» ماء ولا خضرة، وعلى سائر الأبواب مياه وبساتين، أعمرها باب فيروزاباذ، ومخرج مائهم من قرب رباط كروان؛ فإذا خرج عن الغور إلى هراة ينشعب منه أنهار؛ فمنها نهر يسمى برخوى يسقى رستاق سنداسنك، ونهر يسمى بارست يسقى رستاق كواشان «13» وسياوشان ومالن وتيزان وروامز؛ ونهر أذربيجان يسقى رستاق سوسان؛ ونهر يسمى سكوكان يسقى رستاق سله، ونهر يسمى كراغ يسقى رستاق كوكان؛ ونهر يسمى غوسمان يسقى رستاق كرك، ونهر يسمى كنك يسقى رستاق غوبان وكربكرد، الجزء: النص ¦ الصفحة: 150 ونهر يسمى فغر يسقى رستاق بغاوردان وفيرد؛ ونهر يسمى آنجير يسقى مدينة هراة، والبساتين متصلة على طريق سجستان مقدار مرحلة. وأكبر مدينة بهراة بعد هراة كروخ وأوفه، ويرتفع من كروخ الكشمش «1» الذي يجلب إلى الآفاق، والزبيب الطائفى الذي يحمل إلى الآفاق، معظمه يرتفع من مالن، وكروخ مدينة صغيرة وأهلها شراة، والمسجد الجامع بمحلة منها تسمى سبيدان، وبناؤها طين، وهى فى شعب بين جبال، وحدّها مقدار عشرين فرسخا، كلّها مشتبكة البساتين والمياه والأشجار والقرى العامرة؛ وأوفه أهل جماعة وهى نحو كروخ، ولها بساتين ومياه وبناؤها من طين؛ ومالن أصغر من كروخ، وهى مشتبكة البساتين والمياه والكروم عامرة جدا؛ وخيسار قليلة الأشجار والمياه «2» ، وهى أصغر من مالن، وأهلها أهل جماعة «3» ؛ واستربيان أهلها خوارج وهى أصغر من مالن، ولها مياه وبساتينهم قليلة، والغالب عليهم الزرع دون الكروم وهى فى الجبال؛ وماراباذ كثيرة البساتين والمياه، وهى مدينة أصغر من مالن، ويرتفع منها أرز كثير يجلب إلى النواحى؛ وباشان مدينة أصغر من مالن، ولهم زرع، وهى قليلة البساتين على كثرة مياهها. وبأسفزار أربع من المدن وأكبرها كواشان، وهى مدينة أصغر من كروخ، ولها ماء وبساتين كثيرة، وأهلها أهل جماعة «4» ، وكواران وكوشك وادرسكر هى متقاربة فى الكبر، ولها مياه وبساتين «5» ، وأسفزار «6» مقدارها ثلاث مراحل فى مرحلة، وهى كلها عامرة وليس فى ظهرانيّها مفازة، وبأسفزار شعب يسمى كاشكان، وفيها قرى عامرة كلهم شراة، فأما مدن أسفزار فإن أهلها أهل جماعة. وأما بوشنج فإن بها من المدن خركرد وفركرد «7» وكوسوى وكره، وأكبرها بوشنج، وهى مدينة نحو النصف من هراة، وهي وهراة فى مستو، ومن بوشنج إلى الجبل نحو فرسخين، وهو هذا الجبل الذي من هراة إليه فرسخان «8» ، وبناؤهم من جنس بناء هراة، ولهم مياه وأشجار كثيرة؛ وبها من أشجار العرعر ما ليس بجميع خراسان فى بلد، ويحمل هذا الخشب إلى سائر النواحى، وماؤهم من نهر هراة، وهو النهر الذي يخرج إلى سرخس، غير أنّه ينقطع الماء دون سرخس، ولا يستعمل إلا فى بعض السنة، ولبوشنج سور وخندق وثلاثة أبواب «9» : باب يسمى باب علىّ إلى نيسابور، وباب هراة إلى هراة، وباب قوهستان إلى قوهستان، وأكبر المدن بها بعد بوشنج كوسوى، وهى مدينة لها ماء وبساتين قليلة، وهى نحو الثلث من بوشنج، وبناؤهم من طين. وخركرد لها ماء وبساتين كثيرة، وهى أصغر من كوسوى، وفركرد أصغر من خركرد، ولها ماء جار، الجزء: النص ¦ الصفحة: 151 وهم أصحاب سوائم، وليس لهم بساتين كثيرة، ولهم ماء جار قليل؛ وكره لها بساتين ومياه كثيرة، وهى نحو من فركرد فى الكبر. وأما باذغيس فإن بها من مدنها جبل الفضة وكوفا وكوغناباذ وبشت وجاذوى وكابرون وكالوون ودهستان، والسلطان يكون مقامه بكوغناباذ، وأعمرها وأكبرها دهستان، وتكون نحو النصف من بوشنج، وبناؤها من طين، ولهم أسراب كثيرة فى الأرض، وهى على جبل، ولهم ماء جار قليل، وليست لهم بساتين ولا كروم وإنما هى مباخس؛ وكذلك كوفا وجبل الفضة، وكوفا أكبر من جبل الفضة، وجبل الفضة على جبل كان فيه معدن الفضة، وتعطّل لفناء الحطب «1» ، وأما كوفا فإنها فى صحراء، وبكوغناباذ وبشت وجاذوى بساتين ومياه، ولهم مباخس كثيرة، وكالوون وكابرون ليس لهم بساتين ولا مياه جارية، وإنما مياههم من الأمطار والآبار، وهم أصحاب زروع مباخس وأصحاب أغنام. وجبل الفضة على طريق سرخس من هراة، وباذغيس أهل جماعة، إلا خجستان- قرية أحمد بن عبد الله- فإن أهلها شراة «2» وأما گنج رستاق فإن مدينتها ببن «3» ، ولها كيف وبغشور، والسلطان منها بببن، وهى أكبر هذه المدن، وببن أكبر من بوشنج، وبغشور نحو بوشنج فى الكبر، وكيف نحو نصف بغشور، وببن وكيف لهما مياه كثيرة جارية وبساتين وكروم، وبناؤهما من طين، وأما بغشور فإنها فى مفازة، وهى عذى «4» وزروعهم كلها مباخس، وماؤهم من الآبار، وهم أصحاب زروع، وهى مدينة صحيحة التربة والهواء، وهذه المدن كلها على طريق مروروذ. ومروروذ بها من المدن قصر أحنف ودزه ومروروذ، وأكبرها مروروذ، وهى أصغر من بوشنج، ولها نهر كبير وهذا النهر الجارى إلى مرو «5» ، ولهم عليه بساتين وكروم كثيرة، وهى طيبة التربة والهواء؛ وقصر أحنف على مرحلة منها على طريق بلخ، ودزه على طريق أنبار «6» على أربعة فراسخ، وقصر أحنف لها ماء جار ولها بساتين وكروم وفواكه حسنة، ودزه «7» يشق نهر مروروذ وسطها، وهى نصفان وبينهما قنطرة، ولها بساتين وكروم وفواكه حسنة «7» ، ومن مروروذ إلى النهر غلوة، والطّالقان مدينة نحو من مروروذ فى الكبر، ولها مياه جارية وبساتين قليلة، وبناؤها وبناء مروروذ من طين، وهى أصح هواء من مروروذ، ومن مروروذ إلى الجبل ثلاثة الجزء: النص ¦ الصفحة: 152 فراسخ مما يلى المغرب، ومن جانب الجبل منه على فرسخين مما يلى المشرق، والطالقان فى الجبل ولها رساتيق فى الجبل؛ والفارياب مدينة أصغر من الطالقان، إلا أنّها أكثر بساتين ومياها من الطالقان، وبناؤها من طين. والجوزجان اسم للناحية، ومدينتها اليهوديّة وشبورقان- وأنخذ رستاق ومدينتها أشترج- وكنددرم «1» وأنبار وسان، وأكبرها أنبار وبها مقام السلطان «2» ، وهى مدينة على الجبل وهى أكبر من مروروذ، ولها مياه وكروم وبساتين كثيرة، وبناؤها طين، وسان «3» مدينة صغيرة لها مياه وبساتين، والغالب على ثمارها الجوز وهى فى الجبل، واليهوديّة أكبر من سان، ولها مياه وبساتين وهى فى الجبل «3» ؛ وكنددرم فى الجبل وهى مدينة كثيرة الكروم والجوز ولها مياه كثيرة؛ وشبورقان «4» لها ماء جار، والغالب عليهم الزروع وبساتينهم قليلة، وهى أكبر من كنددرم ومن سان، وهى نحو من اليهوديّة فى الكبر؛ وأشترج «5» - مدينة أنخذ- مدينة صغيرة فى مفازة، لها سبع قرى وبيوت للأكراد- أصحاب أغنام وإبل- منها شعر ومدر «6» ، ويرتفع من ناحية الجوزجان الجلود التى تحمل إلى سائر خراسان. وهى فى غاية الخصب «7» . فمن شبورقان إلى أنبار مرحلة فى ناحية الجنوب، ومن شبورقان إلى اليهودية يحتاج أن يرجع إلى فارياب مرحلتين، ثم منها إلى اليهودية مرحلة؛ ومن شبورقان إلى أتخذ مرحلتان فى الشمال، ومن شبورقان إلى كنددرم أربع مراحل، ثلاث مراحل إلى اليهودية ومرحلة إليها. وغرج الشار «8» لها مدينتان، إحداهما تسمى نشين والأخرى سورمين، وهما متقاربتان فى الكبر، وليس بهما مقام للسلطان، والشار «9» الذي تنسب إليه المملكة مقيم بقرية فى الجبل تسمى بلكيان، وهاتان المدينتان لهما مياه وبساتين، ويرتفع من نشين أرز كثير يحمل إلى البلدان، ويرتفع من سورمين زبيب كثير يحمل إلى النواحى «10» ، وبين نشين وبين دزه مروروذ مرحلة فى المطلع، وهى من نهر مروروذ على غلوة عن شرقيّة، ومن نشين إلى سورمين مرحلة مما يلى الجنوب، وهى فى الجبل. وأما الغور فإنها دار كفر، وإنما ذكرناه فى الإسلام لأن به مسلمين، وهى جبال عامرة ذات عيون وبساتين وأنهار، وهى خصيبة منيعة، وفى أوائلهم مما يلى المشرق «11» قوم يظهرون الإسلام وليسوا بالمسلمين، ويحتف بالغور عمل «12» هراة إلى فره، ومن فره إلى بلدى داور، ومن بلدى داور إلى رباط كروان من عمل الجزء: النص ¦ الصفحة: 153 ابن فريغون، ومن رباط كروان إلى غرج الشار «1» ومنها إلى هراة، فهذا الذي يطوف بالغور كلها مسلمون، وإنما ذكرناها لأنها فى وسط الإسلام. وأما سرخس فإنها مدينة بين نيسابور ومرو، وهى فى أرض سهلة، وليس لها ماء جار إلا نهر يجرى فى بعض السنة ولا يدوم ماؤه، وهو فضل مياه هراة، وزروعهم مباخس، وهى مدينة على نحو النصف من مرو، وهى عامرة صحيحة التربة، والغالب على نواحيها المراعى، وهى قليلة القرى، ومعظم أملاكهم الجمال، وهى مطرح لحمولات ما يحيط بها من مدن خراسان، وماؤهم آبار، وأرحيتهم على الدواب «2» ، وأبنيتها طين. وأما نسا فإنه اسم المدينة، وهى خصبة كثيرة المياه والبساتين، وهى فى الكبر نحو سرخس، ولهم مياه جارية فى دورهم، وسككهم نزهة جدا، ولها رساتيق واسعة خصبة، وهى فى أضعاف الجبال. وفراوة ثغر فى البرية فى وجه الغزيّة «3» ، وهى منقطعة عن القرى وفيها منبر، يقيم بها المرابطون وهم عدد يسير، إلا أنهم يرجعون إلى عدة وافرة ينتابها الناس، وهى رباط اسمها فراوة ليس بها قرية، ولا تتصل بها عمارة، ولهم عين ماء تجرى للشرب فى وسط القرية، وليست لهم بساتين ولا زروع إلا مباقل على هذا الماء، وأهلها دون ألف رجل. وقوهستان من خراسان على مفازة فارس، وليست بها مدينة بهذا الاسم، وقصبتها قاين «4» ، ولها من المدن ينابذ والطّبسين وتعرف بكرى وخور وطبس ويعرف بطبس مسينان، فأما قاين فهى من الكبر نحو سرخس، وبناؤهم من طين، ولها قهندز وعليه خندق، والمسجد الجامع ودار الإمارة فى القهندز، وماؤهم من القنىّ، وبساتينهم قليلة، وقراها متفرّقة، وهى من الصرود. وأما الطبسين «5» فإنها مدينة أصغر من قاين، وهى «6» من الجروم، وبها نخيل وعليها حصن، ولا قلعة لها «7» ؛ وبناؤها طين، وماؤها من القنىّ، ونخيلها أكثر من بساتين قاين. وأما خور فإنها أصغر من الطبسين «8» ، وهى بقرب خوست، وليس بخوست منبر، وإنما المنبر بخور، وبناؤها من طين، وليس لها حصن ولا قلعة «9» ، ولها بساتين قليلة، وماؤهم من القنىّ، وبها ضيق فى الماء، وأهلها أهل سوائم، وهى على طرف المفازة، وليس لهم بساتين. وأما ينابذ فإنها أكبر من خور، وبناؤها من طين، ولها قرى ورساتيق، وماؤها من قنىّ. والطّبس أكبر من ينابذ، وماؤها من القنىّ، وبناؤها طين، ولها حصن خراب الجزء: النص ¦ الصفحة: 154 وليس لها قلعة «1» ، والنخيل بقوهستان بالطبسين، وسائر ما ذكرناه من الصرود وهذه المدن والقرى التى بقوهستان هى متباعدة، فى أعراضها مفاوز، وليست العمارة بقوهستان مشتبكة اشتباكها بسائر نواحى خراسان، وفى أضعاف هذه المدن مفاوز يسكنها الأكراد وأصحاب السوائم من الإبل والغنم؛ وفى حدّ قاين منها على يومين مما يلى نيسابور هذا الطين المحاحى «2» (النجاحى؟) الذي يحمل إلى الآفاق للأكل؛ وليس بقوهستان- فيما علمته- نهر جار إلا القنىّ والآبار، ويرتفع منها شىء من الكرابيس يحمل إلى الآفاق ومسوح ونخاخ «3» ، وليس بها أمتعة مرتفعة. وأما بلخ فإن الذي يتصل بها: طخيرستان والختّل وبنجهير وبذخشان وعمل باميان وما يتصل بها. فأما مدن طخيرستان فإنها: خلم وسمنجان وبغلان وسكلكند وورواليز وآرهن وراون والطّايقان وسكيمشت «4» ورؤب وسراى عاصم وخست اندراب ومذروكاه. وأما الختل فإن مدنها: هلاورد ولاوكند- وهما مدينتا الوخش- وكاربنك وتمليات وهلبك وسكندرة ومنك وأنديجاراغ وفارغر ورستاق «5» بنك. وقد جعلت الختّل فى ما وراء النهر. وأما عمل الباميان وما يتصل بها فإن مدنها: الباميان «6» وبسغورقند وسكاوند «7» وكابل ولجرا وفروان وغزنة؛ وبنجهير هى مدينة واحدة تسمى بنجهير، وبذخشان إقليم له رساتيق، ومدينتها بذخشان، وهى مملكة أبى الفتح. فأما بلخ فإنها مدينة فى مستو، وبينها وبين أقرب الجبال إليها نحو أربعة فراسخ ويسمى جبل كو، وعليها سور ولها ربض، والمسجد الجامع فى المدينة فى وسطها، وأسواقها حوالى المسجد الجامع، ومسجدها معمور بالناس على دوام الأيام كلها، وهى نحو من نصف فرسخ فى مثله؛ وبناؤها الطين، ولها أبواب منها: باب النّوبهار وباب رحبة وباب الحديد وباب الهندوان وباب اليهود وباب شست بند وباب يحيى، ولها نهر يسمى دهاس يجرى الجزء: النص ¦ الصفحة: 155 فى ربضها على باب النوبهار، وهو نهر يدير عشرة أرحية، ويسقى رساتيق إلى سياه جرد، ويحفّ بأبوابها كلها البساتين والكروم، وليس على سور المدينة خندق، والسور من طين. وأما طخيرستان فإن أكبر مدينة بها الطايقان «1» ، وهى مدينة فى مستو، وبينها وبين الجبل غلوة، ولها نهر كبير وبساتين وكروم، ومقدار الطايقان نحو الثلث من بلخ، ثم يليها فى الكبر ورواليز، ويلى ورواليز فى الكبر أندرابة «2» ، وهى مدينة فى شعب جبال، وبها تجمع الفضة التى تقع من جاربايه. وبنجهير بها نهران، أحدهما يسمى نهر أندراب والآخر نهر كاسان، ولها كروم وأشجار كثيرة، وجميع ما بقى من مدن طخيرستان متقارب فى الكبر، وهي كلها دون الطايقان وورواليز وأندرابة، وهى ذات أنهار وأشجار وزروع كثيرة عامرة خصبة. وأما مدن الختّل فإنها كلها ذوات أنهار وأشجار، وهي على غاية الخصب، وكلها فى مستوى إلا سكندرة فإنها فى جبال، على أن الختّل كلها جبال إلا الوخش، وأكبر مدينة بالختّل منك يليها هلبك، والسلطان بهلبك، والختّل بين نهر وخشاب وبين نهر بذخشان ويسمى جرياب، وفى أضعافها أنهار كثيرة، تجتمع كلها قبل التّرمذ بقرب القواذيان فتصير كلها جيحون. ومنك تكون نحوا من أندرابة، وهلبك أصغر منها، وأبنية هذه المدن من طين، وسور منك من جصّ وحجارة، يليها من دور الكفر وخّان وكرّان؛ وبذخشان مدينة أصغر من منك، ولها رستاق كبير عامر جدا خصب «3» ، وبها كروم وأنهار، وهى على نهر جرياب من غربيّه، ويكون بالختّل دوابّ كثيرة تجلب إلى الآفاق، ويرتفع من بذخشان «4» البجاذى واللازورد، ولها معادن فى الجبال تخرج منها، ويقع إليها مسك من طريق وخّان من تبّت. وأما بنجهير فإنها مدينة على جبل، تشتمل على نحو عشرة آلاف رجل، والغالب على أهلها العيث والفساد، ولهم نهر وبساتين وليست لهم مزارع، وأما جاربايه فإنها أصغر من بنجهير، وكلاهما معدن الفضة، ومقام أهلها على تلك المعادن، وليس بجاربايه بساتين ولا زروع، ويشق وسط المدينة نهر بنجهير، وهو نهر بنجهير وجاربايه جميعا، وينتهى إلى فروان حتى يقع فى أرض الهند. وأما عمل الباميان فإن أكبر مدنها الباميان، وتكون نحوا من نصف بلخ، وتنسب تلك المملكة إلى شيرباميان، وليس لها سور «5» ، وهي على جبل، ويجرى بين مدنها نهر كبير يقع إلى غرجستان، وفواكههم تجلب «6» إليهم، وليس بها بساتين، وليس بنواحى الباميان مدينة على جبل سوى الباميان، وكلها ذوات أنهار وأشجار وثمار، إلا غزنة فإنها لا بساتين لها ولا نهر، وليس فى هذه المدن التى فى نواحى بلخ أكثر مالا وتجارة الجزء: النص ¦ الصفحة: 156 من غزنة، فإنّها فرضة الهند. وكابل لها قهندز موصوف بالتحصن «1» ، وإليها طريق واحد، وفيها المسلمون، ولها ربض به الكفار من الهنود، ويزعمون أنّ الشاه لا يستحق الملك إلا بأن يعقد له الملك بكابل- وإن كان منها على بعد، ولا يستحقه حتى يصل «2» إليها فيعقد الشاهيّة له هناك، وهى فرضة الهند أيضا. ويرتفع من بلخ النوق من البخاتى المقدّمة على سائر البخت بالنواحى، وبها الأترجّ والنيلوفر وقصب السكر وما لا يكون «3» إلا بالبلدان الحارة، إلا أنه لا نخيل بها، ويقع فيها وفى نواحيها الثلوج. ولجرا «4» وسكاوند وكابل جروم حارّة غير أنه لا نخيل بها. وأما الغور فإنها جبال يحيط بها من كل جانب دار الإسلام، وأهلها كفار إلا نفرا يسيرا مسلمين، وهي جبال منيعة، ولسانهم غير لسان أهل خراسان، وجبالهم خصبة كثيرة الزروع والمواشى والمراعى، وأدخلناها فى جملة خراسان لأن ثلاثة من حدودها تحيط بها خراسان، وحدّ لها يلى نواحى سجستان، وأكثر رقيق الغور يقع إلى هراة وسجستان ونواحيها، وتمتد من ظهر الغور جبال فى حدّ خراسان على حدود الباميان إلى البنجهير حتى تدخل بلاد وخّان، وتفترق فى ما وراء النهر إلى داخل الترك على حدود إيلاق والشاش إلى قرب خرخيز، وفى هذا الجبل من أوله إلى آخره معادن الفضة والذهب، وأغزرها «5» ما قرب من بلاد خرخيز، حتى ينتهى إلى ما وراء النهر من فرغانة والشاش، وأغزر هذه المعادن فى دار الإسلام فى ناحية بنجهير وما والاها. وأما سواحل جيحون وخوارزم فإنا نذكرها فى صفة ما وراء النهر. وآمل وزمّ هما مدينتان متقاربتان فى الكبر على شط جيحون، ولهما ماء جار وبساتين وزروع؛ وآمل مجمع طرق خراسان إلى ما وراء النهر، وخوارزم على الساحل، وزمّ «6» دون آمل فى العمارة، إلا أنّ بها معبر ما وراء النهر إلى خراسان «6» ، ويحيط بهما جميعا مفازة تصل من حدود بلخ إلى بحر خوارزم، والغالب على هذه المفازة الرمال، وليس بها عيون ولا أنهار إلا آبار ومراع، إلى أن ينتهى إلى طريق مرو إلى آمل، ثم يصير بينها وبين خوارزم وبلاد الغزية مفاوز، تقل «7» آبارها والسوائم بها، وأكثر السوائم بخراسان من الإبل بناحية سرخس وبلخ، فأما الغنم فإن أكثرها يجلب إليهم من بلاد الغزية «7» ومن الغور والخلج. وبخراسان من الدواب والرقيق والأطعمة والملبوس وسائر «8» ما يحتاج الناس «8» إليه ما يسعهم، فأنفس الدّواب ما يرتفع «9» الجزء: النص ¦ الصفحة: 157 من نواحى بلخ، وأنفس الرقيق ما يرتفع من بلاد الترك إليهم، وأنفس ثياب القطن والإبريسم ما يقع «1» من نيسابور ومرو، وأطيب البز «2» ما يرتفع من مرو، وخير لجمان الغنم ما يجلب من بلاد الغزّية؛ وأعذب المياه وأخفها ماء جيحون، وأيسر أهل خراسان أهل نيسابور، وأنجب أهل خراسان أهل بلخ ومرو فى الفقه والدين والنظر والكلام «3» . وأزكى أرض خراسان السقى نيسابور، والأعذاء ما بين هراة ومرو الروذ، وليس بخراسان جروم إلا ما كان بناحية قوهستان فيما يلى فارس وكرمان، وأشد خراسان بردا وثلوجا الباميان وخوارزم «4» ، إلا أنّا جعلنا خوارزم من وراء النهر. وأما المسافات بخراسان «5» : فمن نيسابور إلى آخر حدّها مما يلى قومس إلى قرية الأكراد بقرب أسداباذ 7 أيام «6» ، ومن قرية الأكراد إلى الدّامغان 5 منازل، ومن نيسابور إلى سرخس 6 مراحل، ومن سرخس إلى مرو 5 مراحل، ومن مرو إلى آمل على شط نهر جيحون 6 مراحل، فمن أول عمل نيسابور مما يلى قومس إلى وادى جيحون على السمت 23 مرحلة. ومن نيسابور إلى اسفرائين وهو آخر عمل نيسابور 5 مراحل ومن نيسابور إلى بوزجان 4 مراحل. ومن بوزجان إلى بوشنج 4 مراحل، ومن بوشنج إلى هراة مرحلة، ومن هراة إلى اسفزار 3 مراحل. ومن اسفزار إلى دره «7» وهى آخر عمل هراة مرحلتان، ومن دره إلى سجستان 7 أيام، فمن اسفرائين إلى دره 19 مرحلة. ومن نيسابور إلى طوس 3 مراحل، ومن نيسابور إلى نسا 6 مراحل، ومن نسا إلى فراوة 4 مراحل، ومن نيسابور إلى قاين قصبة قوهستان نحو 9 مراحل «8» ، ومن قاين إلى هراة نحو 8 مراحل، ومن مرو إلى مرو الروذ 6 مراحل، ومن مرو إلى هراة 12 مرحلة، ومن مرو إلى أبيورد 6 مراحل، ومنها إلى نسا 4 مراحل. وقد ذكرنا ما بين مرو وآمل وما بين مرو وسرخس. ومن هراة إلى مرو الروذ وهو طريق بلخ 6 مراحل، ومن هراة إلى سرخس 5 مراحل. وقد ذكرنا الطريق من هراة إلى نيسابور، وإلى آخر حدّها مما يلى سجستان وإلى قصبة قوهستان. والطريق من بلخ إلى مرو الروذ 12 يوما ومن بلخ إلى شط الوادى- طريق الترمذ- يومان، ومن بلخ إلى اندرابه 9 مراحل، ومن بلخ إلى الباميان 10 مراحل، ومن الباميان إلى غزنه نحو 8 مراحل، ومن بلخ إلى بذخشان نحو 13 مرحلة. ومن بلخ إلى شط الوادى- على طريق الختّل بمكان يعرف بميلة- 3 مراحل. الجزء: النص ¦ الصفحة: 158 وأما عرض خراسان من بذخشان على شط وادى جيحون إلى بحيرة خوارزم: فمن بذخشان إلى الترمذ على سمت النهر نحو 13 مرحلة، ومن الترمذ إلى زمّ 5 مراحل، ومن زمّ إلى آمل 4 مراحل «1» ؛ ومن آمل إلى مدينة خوارزم 12 مرحلة «2» ، ومن مدينة خوارزم إلى بحيرة خوارزم 6 مراحل «3» . قد ذكرنا المسافات التى بين المدن المشهورة بخراسان، وسنذكر لكل مدينة مشهورة جوامع من المسافات بين المدن التى فى عملها. فأما نيسابور فإن منها إلى بوزجان 4 مراحل، ومن بوزجان عن يسار الجائى من هراة إلى نيسابور على مرحلة إلى مالن «4» ، وتعرف بمالن كواخرز وليست بمالن هراة، ومن مالن إلى جايمند مرحلة، ومن جايمند إلى سنكان يوم، ومن سنكان إلى ينابذ يومان، ومن ينابذ إلى قاين يومان، وسلومك إذا عدلت عن يسار سنكان على يومين، ومن سلومك إلى زوزن يوم، ومن زوزن إلى قاين 3 أيام. ومن نيسابور إلى ترشيز 4 مراحل، ومن ترشيز إلى كندر يوم، ومن كندر إلى ينابذ يومان، ومن ينابذ إلى قاين يومان. ومن نيسابور إلى خسروجرد 4 مراحل، وسابزوار قبل خسروجرد بنحو فرسخين «5» ، ومن خسروجرد إلى بهمناباذ مرحلة كبيرة، ومن بهمناباذ إلى مزنيان على طريق قومس نحو فرسخ. ومن نيسابور إلى خان روان «6» مرحلة، ومن خان روان إلى مهرجان يومان، ومن مهرجان إلى اسفرائين يومان؛ وإذا خرجت من بهمناباذ إلى مهرجان فإلى أزاذوار يوم «7» ، ومن أزاذوار إلى ديواره يوم. ومن ديواره إلى مهرجان يومان. وأما مسافات مدن مرو فإنّ من مرو إلى كشميهن منزل، وهرمز فرّه بحذاء كشميهن على مقدار فرسخ عن يسارها؛ وعليها طريق مفازة سيفانة التى تؤدى إلى خوارزم وباشان، قبل هرمز فرّه بفرسخ على طريقها، وسنج على مرحلة من المدينة بين «8» طريق سرخس وطريق مرو، وجيرنج على ستة فراسخ من المدينة قبل زرق بفرسخ على الوادى، ومرو رم على هذا الطريق على أربعة فراسخ من مرو على الوادى؛ والدّندانقان على مرحلة «9» من مرو على طريق سرخس؛ والقرينين على أربع مراحل من مرو على وادى مرو، وخرق على نحو ثلاثة فراسخ من المدينة بين طريق سرخس وأبيورد وسوسقان على نسق خرق إلا أنّها أبعد منها بنحو فرسخ. وأما مسافات مدن هراة وما يتصل بها من بوشنج وباذغيس وكنج رستاق: فإن من هراة إلى أسفزار الجزء: النص ¦ الصفحة: 159 3 مراحل، ومدن أسفزار هى أربع قد سمّيناها، وهى كلها فى أقل من مرحلة، وبين هراة ومالن هراة نصف «1» يوم، وبين هراة وكروخ 3 أيام، وبين هراة وبوشنج يوم، وبين بوشنج وكره 4 فراسخ عن يسار الذاهب إلى نيسابور، وبينها وبين الطريق نحو فرسخين، ومن بوشنج إلى فركرده يومان، ومن فردكرده إلى خركرده يومان، ومن خركرده إلى زوزن يوم، ومن هراة إلى باشان هواة مرحلة، ومن باشان إلى خيسار مرحلة خفيفة «2» ، ومن خيسار إلى استربيان مرحلة، ومن استربيان إلى ماراباذ مرحلة خفيفة، ومن ماراباذ إلى أوفه مرحلة خفيفة «3» ، ومن أوفه إلى خشت يومان، ويدخل من خشت فى حدّ الغور. ومن هراة إلى ببنه «4» مرحلتان، ومن ببنه إلى كيف مرحلة، ومن كيف إلى بغشور يوم «5» . وأما مسافات مدن بلخ: فمن بلخ إلى خلم يومان، ومن خلم إلى ورواليز يومان، ومن ورواليز إلى الطايقان يومان، ومن الطايقان إلى بذخشان 7 أيام؛ ومن خلم إلى سمنجان يومان، ومن سمنجان إلى أندرابه 5 أيام، ومن أندرابه إلى جاربايه 3 مراحل، ومن جاربايه إلى بنجهير يوم، ومن عسكر «6» بنجهير إلى فروان مرحلتان، ومن بلخ إلى بغلان 6 مراحل، منها إلى سمنجان 4 مراحل، وإلى بغلان مرحلتان. ومن بلخ إلى مذر 6 مراحل، ومن مذر إلى گه «7» منزل، ومن كه إلى الباميان 3 مراحل، ومن بلخ أشبورقان 3 مراحل، ومن اشبورقان إلى الفارياب 3 مراحل، ومن الفارياب إلى الطايقان 3 مراحل، من الطايقان إلى مروروذ «8» 3 مراحل. والمسافة بين مدن قوهستان: فمن قاين إلى زوزن 3 مراحل، ومن قاين إلى طبس مسينان يومان، ومن قاين إلى خور يوم، ومن خور إلى خوست فرسخان، ومن قاين إلى الطبسين 3 مراحل «9» . فهذه جمل مسافات خراسان. الجزء: النص ¦ الصفحة: 160 ما وراء النهر وأما ما وراء النهر فيحيط به من شرقيّة: فامر وراشت، وما يتاخم الختّل من أرض الهند خط مستقيم، وغربيّه بلاد الغزيّة والخزلجيّة من حدّ طراز، ممتدا على التقويس حتى ينتهى إلى فاراب وبيسكند وسغد سمرقند ونواحى بخارى إلى خوارزم، حتى ينتهى إلى بحيرتها، وشماليّه الترك الخزلجية من أقصى بلد فرغانة إلى الطّراز على خط مستقيم «1» ، وجنوبيّه نهر جيحون من لدن بذخشان إلى بحيرة خوارزم على خط مستقيم؛ وجعلنا خوارزم والختّل فى ما وراء النهر لأن الختّل بين نهر جرياب ووخشاب، وعمود جيحون جرياب، وما دونه من وراء النهر. وخوارزم مدينتها وراء النهر «2» ، وهى إلى مدن ما وراء النهر أقرب منها إلى مدن خراسان. ما وراء النهر من أخصب أقاليم الإسلام وأنزهها وأكثرها خيرا، وأهلها يرجعون إلى رغبة فى الخير، واستجابة لمن دعاهم إليه، مع قلة غائلة وسلامة ناحية، وسماحة بما ملكت أيديهم، مع شدة شوكة ومنعة وبأس وعدّة وآلة وكراع وسلاح؛ فأما الخصب بها فإنه ليس من إقليم ذكرناه إلا يقحط أهله مرارا قبل أن يقحط ما وراء النهر، ثم إن أصيبوا ببرد أو جراد أو آفة تأنى على زروعهم ففى فضل ما يسلم فى عرض بلادهم ما يقوم بأودهم، حتى يستغنوا عن نقل شىء إليهم من غير بلادهم، وليس بما وراء النهر مكان يخلو من مدن أو قرى أو مباخس أو مراع لسائمة «3» ، وليس شىء لا بد للناس منه إلا وعندهم منه ما يقيم أودهم ويفضل عنهم لغيرهم؛ فأما أطعمتهم فمن السعة والكثرة على ما ذكرناه «4» ؛ وأما مياههم فإنها أعذب المياه وأخفها، وقد عمّت المياه العذبة جبالها وضواحيها ومدنها؛ وأما الدواب ففيها من النتاج ما فيه كفاية «5» لهم مع كثرة ارتباطهم لها، وكذلك البغال والحمير والإبل؛ وأما لحومهم فإن بها من النتاج ما يجلبونه من الغزيّة والخزلجيّة، وما يتصل بهم من حواليها ما يفضل عن كفايتهم؛ أما الملبوس ففيها «6» من ثياب القطن ما يفضل عنهم، حتى ينقل عنهم إلى الآفاق، ولهم الفراء والصوف والأوبار، «7» وببلادهم من معادن الحديد ما يفضل عن حاجتهم فى الأسلحة والأدوات، وبها معدن «8» الفضة والذهب والزيبق، الجزء: النص ¦ الصفحة: 161 الذي لا يقاربه «1» فى الغزارة والكثرة معدن فى سائر بلدان الإسلام «2» إلا بنجهير فى الفضّة، وأما الزيبق والذهب «3» وسائر ما يكون فى المعادن فأغزرها ما يرتفع مما وراء النهر، وليس فى شىء من بلدان الإسلام النوشاذر والكاغذ إلا فى ما وراء النهر؛ أما فواكههم فإنك إذا تبطّنت السغد وأشر وسنة وفرغانه والشاش رأيت من كثرتها ما يزيد على سائر الآفاق، حتى يرعاها لكثرتها دوابّهم؛ وأما الرقيق فإنه يقع إليهم من الأتراك المحيطة بهم ما يفضل عن كفايتهم، وينقل إلى الآفاق من بلادهم، وهو خير رقيق يحيط بالمشرق كله؛ وبها من المسك الذي يجلب إليهم من تبّت وخرخيز ما ينقل إلى سائر الأمصار منها؛ ويرتفع من الصّغانيان إلى واشجرد من الزعفران ما ينتقل إلى الآفاق، وكذلك الأوبار من السمّور والسّنجاب والثعالب وغيرها، مما يحمل إلى أقصى الغرب «4» ، مع طرائف من الحديد والختوّ «5» والبزاة، وغير ذلك مما يحتاج إليه الملوك. وأما سماحتهم فإن الناس فى أكثر ما وراء النهر كأنهم فى دار واحدة، ما ينزل أحد بأحد إلا كأنّه رجل دخل دار نفسه، لا يجد المضيّف من طارق فى نفسه كراهة، بل يستفرغ مجهوده فى إقامة أوده، من غير معرفة تقدمت ولا توقّع مكافأة، بل اعتقادا للسماحة فى أموالهم، وهمة كل امرئ منهم على قدره فيما ملكت يده، من القيام على نفسه ومن يطرقه، وبحسبك أنك لا تجد فيهم صاحب ضيعة إلا كانت همته ابتناء قصر فسيح ومنزل للأضياف، فتراه عامة دهره متأنّقا فى إعداد ما يصلح لمن طرقه «6» ، فإذا حلّ «7» بينهم طارق تنافسوا فيه وتنازعوه، فليس أحد يتصرف بما وراء النهر فى مكان به ناس يخاف الضياع فى ليل أو نهار، فهم فيما بينهم يتبارون فى مثل هذا حتى يجحف ذلك «8» بأموالهم ويقدح فى أملاكهم، كما يتبارى سائر الناس فى الجمع، ويتباهون بالملك والمكائرة فى المال، ولقد شهدت منزلا بالسغد ضربت «9» الأوتاد على باب داره، فبلغنى أن بابها لم يردّ منذ مائة سنة وأكثر «10» لا يمنع من نزولها طارق، وربما نزل بالليل بغتة من غير استعداد المائة والمائتان والأكثر بدوابّهم وحشمهم، فيجدون من علف دوابهم وطعامهم ودثارهم ما يعمّهم، من غير أن يتكلّف صاحب المنزل أمرا لذلك لدوام ذلك منهم، قد أقيم على كل عمل من يستقل به، وأعدّ ما يحتاج إليه على دوام الأوقات، بحيث لا يحتاج معه إلى تجديد أمر عند طروقهم، وصاحب المنزل من البشاشة والإقبال والمساواة لأضيافه، بحيث يعلم كل من شاهده سروره بذلك وسماحته، ولم أر مثل هذا ولم أسمع به «11» فى شىء من بلدان الإسلام لرعيّة، ومع ذلك فإنك لا تجد فى بلدان الإسلام أهل الثروة إلا والغالب على أكثرهم صرف نفقاتهم، إلى خاصّ أنفسهم الجزء: النص ¦ الصفحة: 162 فى الملاهى وما لا يرضاه الله، وإلى المنافسات فيما بينهم فى الأشياء المذمومة إلا القليل، وترى الغالب على أهل الأموال بما وراء النهر صرف نفقاتهم إلى الرباطات وعمارة الطرق والوقوف على سبيل الجهاد ووجوه الخير إلا القليل منهم، وليس من بلد ولا منهل «1» ولا مفازة مطروقة ولا قرية آهلة إلا بها من الرباطات ما يفضل عن نزول من طرقه، وبلغنى أن بما وراء النهر زيادة على عشرة آلاف رباط، فى كثير منها إذا نزل النازل أقيم علف دابّته وطعام نفسه إن احتاج إلى ذلك، وقلّ ما رأيت خانا أو طرف سكة أو محلّة أو مجمع ناس فى الحائط بسمرقند يخلو «2» من ماء جمد مسبّل، ولقد أخبرنى من يرجع إلى خبره أن بسمرقند «2» فى المدينة وحائطها فيما يشتمل عليه السور الخارج زيادة على ألفى مكان، يسقى فيها ماء الجمد مسبّلا، من بين سقاية مبنيّة وجباب منصوبة. وأما بأسهم وشوكتهم فإنه ليس فى الإسلام ناحية أكبر حظا فى الجهاد منهم؛ وذلك أن جميع حدود ما وراء النهر إلى دار «3» الحرب. أما من خوارزم إلى ناحية إسبيجاب فهم الترك الغزية، ومن إسبيجاب إلى أقصى فرغانة الترك الخزلجيّة، ثم يطوف بحدود ما وراء النهر من السنديّة «4» وبلد الهند من ظهر «5» الختّل إلى حدّ الترك فى ظهر فرغانة، فهم القاهرون لأهل هذه النواحى، ومستفيض أنه ليس فى الإسلام دار حرب هم أشد شوكة من الترك، فهم ثغر المسلمين فى وجه الترك، يمنعونهم من دار الإسلام، وجميع ما وراء النهر ثغر؛ يبلغهم نفير العدو، ولقد أخبرنى من كان مع نصر بن أحمد رحمه الله فى غزاة شاوغر، أنهم كانوا يحزرون ثلاثمائة ألف، وأن أربعة آلاف رجل انقطعوا عن العسكر «6» ، فضلّوا أياما قبل أن يتهيأ لهم الرجوع، وما كان منهم من غير أهل «7» ما وراء النهر كثير عدد يعرفون بأعيانهم؛ وبلغنى أن المعتصم كتب إلى عبد الله بن طاهر كتابا عرض يتهدّده «8» فيه، وأنفذ الكتاب إلى نوح بن أسد، فكتب إليه «9» أن بما وراء النهر «9» ثلاثمائة ألف قرية، وليس من قرية إلا يخرج «10» منها فارس وراجل، لا يبين على أهلها فقدهم؛ وبلغنى أن بالشاش وفرغانة من الاستعداد ما لا يوصف مثله عن ثغر من الثغور، حتى إن الرجل الواحد من الرعية عنده من بين مائة دابة إلى خمسمائة «11» وليس بسلطان، وهم على بعد دارهم أوّل سابق إلى الحج، لا يدخل البادية قبلهم أحد، ولا يخرج منها بعدهم أحد، وهم مع ذلك أحسن الناس طاعة لكبرائهم، وألطفهم خدمة لعظمائهم وفيما بينهم، حتى دعا ذلك الخلفاء إلى أن استدعوا الجزء: النص ¦ الصفحة: 163 مما وراء النهر رجالا «1» ، وكانت الأتراك جيوشهم، لفضلهم على سائر الأجناس فى البأس والجرأة والشجاعة والإقدام؛ ودهاقين ما وراء النهر قوّادهم وحاشيتهم وخواصّ خدمهم- للطفهم فى الخدمة وحسن الطاعة والهيئة فى الملبس والزى السلطانىّ- فصاروا حاشية الخلافة وثقاتهم ورؤساء عساكرهم «2» ، مثل الفراغنة والأتراك الذين هم شحنة دار الخلافة، والأتراك الذين كانوا لبأسهم ونجدتهم غلبوا على الخلافة مثل الأفشين وآل أبى الساج- من أشروسنة، والإخشيد من سمرقند، والمرزبان بن تركسفى وعجيف بن عنبسة من السغد، والبخارا خذاه وغيرهم من أمراء الحضرة وقوادها وجيوشها؛ والملوك على هذا الإقليم وعلى سائر خراسان آل سامان، وهم من أولاد بهرام جوبين الذي سار «3» ذكره فى العجم بالبأس والنجدة، فلمثل هذه الأسباب ليس فى الإسلام ملك أمنع جانبا ولا أوفر عدة ولا أكمل أسبابا للملك منهم، لأنه ليس فى الإسلام جيش إلا وهم شذّاذ القبائل والبلدان والأطراف، إذا تفرقوا فى هزيمة وتمزّقوا فى حادثة لم يلتق منهم جمع بعد «4» غير جيش هؤلاء الملوك، فإن جيوشهم الأتراك المملوكون، ومن الأحرار من يعرف داره ومكانه، إذا قتل منهم قوم أو ماتوا ففى وفور عددهم ما يعاض «5» من بين ظهرانيهم مثلهم، وإن تفرقوا فى حادثة تراجعوا كلّهم إلى مكان واحد، فلا يقدح فيهم ما يقدح فى سائر عساكر الأطراف «6» ، ولا سبيل لهم إلى التفرّق فى العساكر والتنقّل فى الممالك، كما يكون عليه رسوم صعاليك العساكر وشحنة البلدان؛ ولقد خرج بارس غلام لإسماعيل بن أحمد رحمه الله فى فتنة عبد الله ابن المعتز، هاربا من أحمد بن إسماعيل رحمه الله، فخرج فى عدّة هالت الخلافة، وظهر أثرها بقدومه من العدد والآلة والكراع والسلاح، ولم يكن بحضرة «7» الخلافة جيش مثله، وإنما كان عبدا للسّمانيّة لم يتبين «8» على أهل خراسان فقده، وليس فى بلدان الإسلام ملوك قد أعرقوا فى الملك يتوارثونه بينهم «9» من أيام العجم مثلهم، وقد بيّنا أيام آل سامان فى صفة فارس لأنهم من الفرس، فبيّنا مكانهم من فارس وسبب وقوعهم إلى خراسان، وجوامع من سيرتهم «10» وأيامهم مما يغنى عن إعادته. وأما نزاهة ما وراء النهر فإنى لم أر- ولا بلغنى فى الإسلام- بلدا أحسن خارجا من بخارى، لأنك إذا علوت قلعتها «11» لم يقع بصرك من جميع النواحى إلا على خضرة، تتصل خضرتها بلون السماء، فكأنّ السماء بها مكتبة خضراء مكبوبة على بساط أخضر، تلوح القصور فيما بينها كالنوائر فيها، وأراضى ضياعهم مقوّمة بالاستواء الجزء: النص ¦ الصفحة: 164 كأنها المرآة، وليس بما وراء النهر وخراسان بلد أحسن قياما بالعمارة على ضياعهم من أهل بخارى، ولا أكثر عددا على قدرها فى المساحة «1» منهم، وذلك مخصوص بهذه البلدة، لأن الموصوف من متنزّهات الأرض سغد سمرقند ونهر الأبلة وغوطة دمشق، على أن سابور وجور من فارس لا تقصران عن غوطة دمشق ونهر الأبلة، ولكن الذّكر لهذه الأماكن، فأما غوطة دمشق فإنك إذا كنت بدمشق ترى بعينك على فرسخ وأقل جبالا قرعاء عن النبات والشجر، وأمكنة خالية عن العمارة والخضرة، وأكمل النزهة ما ملأ البصر وسدّ الأفق، وأما نهر الأبلة فليس بها ولا بنواحيها «2» مكان يستوقف النظر إلا نحو فرسخ منها، وليس بها مكان عال فيدرك البصر أكثر من فرسخ، ولا يستوى المكان المستتر الذي لا يرى منه إلا مقدار ما يرى من مكان ليس بمستتر بالنزهة «3» ، ومكان يستعطف البصر منه سعة فى العيان وسفرا فى المنظر؛ وأما سغد سمرقند فلا أعرف بها ولا بسمرقند «4» مكانا إذا علا الناظر فيه على شرف «5» ، إلا وقع بصره على جبال خالية من الشجر أو صحراء غبراء- وإن كان مزروعا «6» ، على «7» أن غبرة المزارع فى أضعاف خضرة النبات من الزينة، غير أن الأرض الغبراء المنتشرة عن تقويمها فى العمارة فى العيان تسلب بهجة الخضرة وتذهب بزينة الغبرة؛ ويحيط ببخارى وقراها ومزارعها سور قطره عشرة «8» فراسخ فى مثلها كلها عامرة. وأما سغد سمرقند فإنها أنزه الأماكن الثلاثة التى ذكرنا «9» ، لأنها من حدّ بخارى على وادى السّغد يمينا وشمالا تتصل إلى حدّ البتّم لا تنقطع، ومقدارها فى المسافة ثمانية أيام، مشتبكة الخضرة والبساتين، فهى ميادين وبساتين ورياض مشتبكة، قد حفّت بالأنهار الدائم جريها، والحياض فى صدور رياضها وميادينها، مخضرة «10» الأشجار والزروع، ممتدة على جانبى «11» واديها، ومن وراء الخضرة من جانبيها مزارع تحرسها، ومن وراء هذا المزارع مراعى سوائمها، والقلعة من كل مدينة وقرية بها تبصّ فى أضعاف خضرتها، كأنها ثوب ديباج أخضر، قد سيّرت بمجارى مياهها، وزيّنت بتبصيص قصورها، وهى أزكى بلاد الله وأحسنها أشجارا وثمارا، وفى عامة مساكنهم البساتين والحياض «12» والمياه الجارية، قلّ ما تخلو سكة أو دار من نهر جار. وبفرغانة والشاش «12» وأشروسنة وسائر ما وراء النهر من الأشجار الملتفّة والثمار الكثيرة والرياض المتصلة ما لا يوجد مثله فى سائر الأمصار، وبفرغانة- فى الجبال الممتدة بينها وبين بلاد الترك- من الأعناب والجوز والتفاح وسائر الفواكه مع الورد والبنفسج وأنواع من الرياحين، كل ذلك مباح الجزء: النص ¦ الصفحة: 165 لا مالك له ولا مانع دونه، وكذلك فى جبالهما وجبال ما وراء النهر من الفستق المباح ما ليس فى بلد غيره «1» ، وبأشروسنة ورد يتصل إلى آخر الخريف. ولما وراء النهر كور: أولها فيما يصاقب جيحون على معبر خراسان كورة بخارى، ويتصل بها سائر السغد المنسوب إلى سمرقند، وأشروسنة والشاش وفرغانة وكشّ ونسف والصّغانيان وأعمالها والختّل وما يمتد على نهر جيحون، من التّرمذ والقواذيان وأخسيسك وخوارزم، وأما فاراب وأسبيجاب إلى الطّراز وإيلاق فمجموع إلى الشاش، وأما خجندة فمضمومة إلى فرغانة، وجمعنا ما بين واشجرد والصغانيان إلى عمل الصغانيان، وجعلنا الختّل فيما وراء النهر، لأنها ما بين وخشاب وجرياب، وجعلنا خوارزم مما وراء النهر، لأن مدينتها وراء النهر، وهى إلى كور ما وراء النهر أقرب، فأما بخارى وكشّ ونسف فقد كان يجوز أن نجمعها كلها إلى السغد، ولكنّا فرّقناها ليكون أيسر فى التفضيل وأخف، وليس فى جمع هذه «2» الأطراف بعضها إلى بعض ولا فى تفريقها كبير درك غير الإبانة، عما فى أعراضها من المدن والأنهار، وموضوعات المدن فى صفاتها، فلا فرق بين الجمع فى ذلك والتفريق، إلا لسهولة العبارة عنها فى التفصيل «3» ، فنبدأ مما وراء النهر بجيحون فنذكره ونذكر ما عليه من الكور. فأما جيحون «4» فإنّ عموده نهر يعرف بجرياب «5» ، يخرج من بلاد وخّان فى حدود بذخشان، فتجتمع «6» إليه أنهار فى حدود الختّل والوخش فيصير منه هذا النهر العظيم، فمن هذه الأنهار نهر يلى جرياب يسمى بأخشوا، وهو نهر هلبك، ويليه نهر بربان، والثالث فارغر، والرابع نهر أنديجاراغ، والخامس نهر وخشاب وهو أعظم هذه الأنهار، فتجتمع هذه المياه قبل آرهن ثم يجتمع مع وخشاب قبل القواذيان، ثم يقع إليه بعد ذلك أنهار تخرج من البتمّ «7» ، فمنها أنهار بالصغانيان وأنهار بالقواذيان فتجتمع كلها «8» وتقع فى جيحون بقرب القواذيان؛ وأما وخشاب فيخرج من بلاد الترك حتى يظهر فى أرض الوخش، ويضيق «9» فى جبل هناك حتى يعبر على قنطرة، ولا يعلم ماء فى كثرته يضيق مثل ضيقه «10» فى هذا الموضع، وهذه القنطرة الحدّ بين الوخش «11» وبين واشجرد، ثم يجرى فى هذا الوادى فى حدود بلخ إلى الترمذ، ثم على كالف ثم إلى زمّ ثم إلى آمل حتى ينتهى إلى خوارزم الجزء: النص ¦ الصفحة: 166 ثم إلى بحيرتها، ولا ينتفع بماء هذا الوادى بالختّل والترمذ إلى ناحية زمّ أحد، فتعمر به زمّ وآمل وفربر، ثم ينتهى إلى خوارزم فيعمر خوارزم، وعامة نفعه لأهل خوارزم، فأول كورة على جيحون مما وراء النهر الختّل: والوخش، وهما كورتان غير أنهما مجموعتان فى عمل واحد، وهما ما بين نهر جرياب ووخشاب، فمن مدن الختّل: هلبك ومنك وتمليات وفارغر وكاربنج «1» وأنديجاراغ ورستاق بنك؛ ومدن الوخش: هلاورد ولاوكند، ومقام السلطان بهلبك «2» ، ومنك وهلاورد هما أكبر من هلبك، غير أنّ مقام السلطان بهلبك. والذي يتاخم الوخش والختّل ووخّان والسنديّة «3» وكرّان، وهى دور كفر يقع منها المسك والرقيق. وبوخّان معادن من الفضة غزيرة، وفى أودية الختّل ذهب يجمع فى السيول من بلاد وخّان، وبين وخّان «4» وتبّت قريب، وأرض الختّل ذات زروع كثيرة ومياه وثمار، وهى على غاية الخصب والسعة، وبها دواب ومواش كثيرة. [واشجرد والقواذيان والتّرمذ والصّغانيان] فإذا جزت الختّل والوخش إلى نواحى واشجرد والقواذيان والتّرمذ والصّغانيان وما فى أضعافها فإنها كور مفردة بالأعمال؛ وأما الترمذ فإنها مدينة على وادى جيحون لها قهندز «5» ومدينة وربض، ويحيط بالربض أيضا سور، ودار الإمارة فى القهندز، والحبس خارج القهندز فى المدينة فى السوق «6» ، والمسجد الجامع فى المدينة، والمصلى داخل السور «7» فى الربض، وأسواقها فى مدينتها، وأبنيتها طين، ومعظم سككها وأسواقها مفروشة «8» بالآجر، وهى عامرة آهلة؛ وفرضة تلك النواحى على جيحون؛ وأقرب الجبال إليها على نحو مرحلة؛ وماؤهم للشرب من جيحون ونهر يجرى من الصغانيان، وليس لضياعهم من جيحون شرب؛ وشرب ضياعهم من نهر الصغانيان، ولها من المدى صرمنجن وهاشم جرد؛ والقواذيان مدينة لها كورة، وهى «9» أصغر من الترمذ، ولها من المدن نودز، والواشجرد نحو الترمذ فى «9» الكبر، وشومان، أصغر منها، ويرتفع من واشجرد وشومان إلى قرب الصغانيان زعفران كثير، يحمل «10» إلى الآفاق ويرتفع من القواذيان الفوّة «11» ، والصغانيان مدينة أكبر من ترمذ، إلا أن الترمذ أكثر أهلا ومالا، وللصغانيان قلعة. وأما أخسيسك فهى بحذاء زمّ، وزم فى أرض خراسان إلا أنهما مجموعتان فى العمل، والمنبر بالزمّ، وهى مدينة خصبة صغيرة، والغالب على أطرافها السوائم من الإبل الجزء: النص ¦ الصفحة: 167 والغنم، وعلى ظهر كل واحدة منهما مفاوز وآبار ومراع. وأما فربر فهى مدينة من بخارى، وقد وصفناها فى جملة بخارى. وأما خوارزم «1» فإنه اسم الإقليم، وهو إقليم منقطع عن خراسان وعمّا وراء النهر، وتحيط به المفاوز من كل جانب، وحدّها متصل بحدّ الغزّية فيما يلى الشمال والمغرب، وجنوبيّه وشرقيّه خراسان وما وراء النهر «2» ، وهى فى آخر نهر جيحون، وليس بعدها على النهر عمارة إلى أن يقع فى بحيرة خوارزم، وهى على جانبى جيحون، ومدينتها فى الجانب الشمالى من جيحون، ولها فى الجانب الجنوبى مدينة كبيرة تسمى الجرجانيّة، وهي أكبر مدينة بخوارزم بعد قصبتها، وهى متجر الغزيّة، ومنها تخرج القوافل إلى جرجان والخزر وإلى خراسان. وقد كان فى التقدير أن نصوّر نصف خوارزم فى صورة خراسان، ونصفها فى صورة ما وراء النهر، غير أن الغرض فى هذا الكتاب معرفة صور هذه الأقاليم ومدنها، فاخترت أن تكون خوارزم مجموعة فى الصورة، وجعلتها فى صورة ما وراء النهر، فأبلغ بذلك غرضى من غير تكرار فى الصورتين «3» . وبخوارزم من المدن سوى القصبة درغان وهزار اسب وخيوه وخشميثن وأردخشميثن وسافردز «4» ونوزوار وكردران «5» خواش وكردر وقرية براتكين ومذمينية ومرداجقان والجرجانيّة. فأما قصبتها فإنها تسمى بالخوارزمية كاث، ولها قلعة «6» ليست بعامرة، وكانت لها مدينة فخرّبها النهر، وبنى الناس من وراء المدينة، وقد قارب النهر القلعة ويخاف على تهدمها، والمسجد الجامع على ظهر القلعة، ودار خوارزم شاه عند المسجد الجامع، والحبس عند القلعة «7» ، وفى وسط المدينة نهر جردوريشق المدينة، والسوق على جانبى «8» هذا النهر، وطولها نحو ثلث فرسخ فى نحوه، وأما أبوابها فقد تهدّم بعض المدينة وذهب أبواب ما تهدّم منها، والباقى قد بنى خلف ما تهدّم على الوادى، وأول حدّ خوارزم يسمى الطاهريّة مما يلى آمل، فتمتد هذه العمارة فى جنوبىّ جيحون، وليس فى شماليّه عمارة، إلى أن ينتهى إلى قرية تسمى غارابخشنه، ثم يكون من غارابخشنه إلى مدينة خوارزم عامرا من جانبى جيحون جميعا، وقبل غارابخشنه بستة فراسخ نهر يأخذ من جيحون فيه عمارة الرستاق إلى المدينة، ويسمى هذا النهر كاوخواره وتفسيره أكل البقر، وهو نهر الجزء: النص ¦ الصفحة: 168 عرضه نحو خمسة أبواع «1» ، وعمقه نحو قامتين فيحمل السفن، ويتشعّب من كاوخواره بعد أن يجرى خمسة فراسخ «2» نهر يسمى كريه يعمر به بعض الرساتيق، وليس للعمارة على شط جيحون من الطاهريّة إلى هزاراسب كبير عرض، يعرض بهزار اسب فيصير عرضه نحوا من مرحلة إلى مقابل المدينة، ثم لا يزال يضيق حتى يصير بالجرجانيّة نحو فرسخين، ثمّ ينتهى إلى قرية تسمى كيت «3» على خمسة فراسخ من كوجاغ، وهى قرية بقرب جبل، وليس فى العرض عمارة غيرها، ووراء هذا الجبل المفازة، ومن هزار اسب إلى سائر ما على غربىّ جيحون أنهار: منها نهر هزار اسب يأخذ من جيحون مما يلى آمل، وهو نحو نصف كاوخواره ويحتمل السفن، ثم على نحو فرسخين من هزار اسب نهر يعرف بكردران خواش، وهو أكبر من نهر هزار اسب، وبعده نهر خيوه وهو نهر أكبر من كردران خواش، وتجرى فيه السفن إلى خيوه، وبعده نهر مدرا وهو نهر أكبر من كاوخواره مرتين، تجرى فيه السفن إلى مدرا، وبين نهر مدرا ونهر خيوه نحو ميل، ومن نهر مدرا إلى نهر وداك تجرى فيه السفن إلى الجرجانيّة، وبين نهر وداك ونهر مدرا نحو ميل، ومن نهر وداك إلى مدينة خوارزم نحو فرسخين، وأسفل «4» المدينة من ناحية الجرجانيّة نهر يسمى بوه، فيجتمع ماء بوه وماء بوه وماء وداك فى حد قرية تعرف بأندراستان أسفل منها إلى ما يلى الجرجانية، ووداك أكبر من بوه، وتجرى فيهما السفن إلى الجرجانيّة على غلوة، ثم يكون هناك سكر يمنع السفن، ومن مجتمع هذين الماءين إلى الجرجانيّة نحو مرحلة، وبين نهر كاوخواره والمدينة اثنا عشر فرسخا، وعرض نهر خوارزم عند المدينة نحو فرسخين؛ ولكردر نهر يأخذ من أسفل مدينة خوارزم، على أربعة فراسخ من أربعة مواضع متقاربة، فيصير نهرا واحدا مثل بوه ووداك إذا اجتمعا «5» ؛ ويقال إن جيحون كان مجراه فى هذا الموضع، وإذا قلّ ماء جيحون يقلّ الماء فى هذا النهر، وبحذاء كيت فى المفازة بفرسخ من الجانب الشمالىّ المدينة التى تسمى مذمينية، وهى من جيحون على أربعة فراسخ إلا أنها من الجرجانية، وإنما صار هكذا لأن النهر تحوّل من كردر يقطع ما بين كيت ومذمينية، وليس على الشط بعد مذمينية عمارة؛ وبين جيحون وكردر رستاق مرداجقان «6» ، وبين مرداجقان وجيحون فرسخان، وهى بحذاء الجرجانيّة، ولكل قرية بين كردر والمدينة نهر يقع من جيحون، وجميع هذه الأنهار كلها من جيحون، ثم ينتهى جيحون إلى بحيرة خوارزم «7» ، بموضع فيه صيادون ليس به قرية ولا بناء، ويسمى هذا الموضوع خليجان، وعلى شط هذا البحر مما يلى خليجان أرض الغزّية، فإذا كان الصلح جاءوا من هذا الجانب إلى قرية براتكين، ومن الجانب الآخر إلى الجرجانيّة، وكلتاهما ثغران؛ وفى جيحون قبل أن يبلغ نهر «8» الجزء: النص ¦ الصفحة: 169 كاوخواره بنحو ثلاثة «1» فراسخ جبل يقطع جيحون وسطه قطعا، فيضيق النهر حتى يعود عرض الماء «2» إلى نحو من الثلث، ويسمى هذا الموضع أبو قشّة، وهو موضع يخاف على السفن منه من شدة جريه والهور الذي عند مخرجه، وبين الموضع الذي يقع فيه نهر جيحون إلى «3» الموضع الذي يقع فيه نهر الشاش من هذه البحيرة نحو أربعة أيام، ووادى جيحون ربما جمد فى الشتاء حتى يعبر عليه بالأثقال، ويبتدئ جموده من ناحية خوارزم حتى يعلو إلى حيث انتهى الجمد؛ وأبرد ما على جيحون من البقاع خوارزم، وعلى شط بحيرة خوارزم جبل جغراغز «4» ، يجمد عنده الماء حتى يبقى إلى الصيف، وهو أجمة قصباء، ودور هذه البحيرة- فيما بلغنى- نحو من مائة فرسخ، وماؤها مالح وليس لها مغيض ظاهر، ويقع فيها نهر جيحون ونهر الشاش وأنهار غيرهما، فلا يعذب ماؤها ولا يزيد على صغرها، ويشبه- والله أعلم- أن يكون بينها وبين بحر الخزر خروق، يتصل بها ماؤهما، وبين البحرين نحو من عشرين مرحلة على السمت. وخوارزم مدينة «5» خصبة كثيرة الطعام والفواكه، إلا أنها لا جوز بها، ويرتفع منها من ثياب القطن والصوف أمتعة كثيرة تنقل إلى الآفاق، وفى خواصّ أهلها يسار وقيام على أنفسهم بالمروة الظاهرة «6» ، وهم أكثر أهل خراسان انتشارا وسفرا، فليس بخراسان مدينة كبيرة إلا وبها من أهل خوارزم جمع كبير، ولسانهم لسان مفرد، وليس بخراسان بلد على لسانهم، وزيّهم القراطق والقلانس، وخلقهم لا يخفى فيما بين أهل خراسان، ولهم بأس على الغزيّة ومنعة، وليس ببلدهم معادن ذهب ولا فضة ولا شىء من جواهر الأرض، وعامّة يسارهم من متاجرة الترك واقتناء المواشى، ويقع إليهم أكثر رقيق الصقالبة والخزر «7» وما والاها مع «7» رقيق الأتراك، والأوبار من الفنك والسمّور والثعالب «8» والخزّ وغير ذلك من «8» أصناف الوبر. فهذا ما على جيحون من الكور، فنبدأ «9» مما وراء النهر «9» فى كورة بخارى، لأنها أول الكور وبها دار إمارة «10» خراسان، وهى مستقيمة على ترصيف كور ما وراء النهر، ثم يتبع ما يليها «11» على «12» الاتصال إن شاء الله «12» . الجزء: النص ¦ الصفحة: 170 أما بخارى واسمها نومجكت «1» ، فهى مدينة فى مستوى «2» ، وبناؤها خشب «2» ، مشتبك، ويحيط ببنائها قصور وبساتين وسكك وقرى تكون اثنى عشر فرسخا فى مثلها «3» ، ويحيط بجميع «4» ذلك سور يجمع هذه القصور والأبنية والقرى والقصبة، فلا يرى فى أضعاف ذلك كله مفازة ولا خراب، ومن دون هذا السور- على قصبة المدينة «5» وما يتصل بها من القصور والمساكن والمحالّ والبساتين التى تعدّ من «6» القصبة، ويسكنها من يكون فى جملة القصبة شتاء وصيفا- سور آخر قطره نحو فرسخ فى مثله «7» ، ولها مدينة داخل هذا السور، يحيط بها سور حصين، ولها قهندز «8» خارج المدينة يتصل بها مقدار مدينة صغيرة، وفيه قلعة أخرى، ومسكن ولاة خراسان من آل سامان فى هذا القهندز، ولها ربض، والمسجد الجامع على باب القهندز فى المدينة، وحبسها فى القلعة، وأسواقها فى ربضها. وليس بخراسان وما وراء النهر مدينة أشد «9» اشتباكا من بخارى، ولا أكثر أهلا على قدرها، ولهم فى الربض نهر السّغد يشق الربض وأسواقها، وهو آخر نهر السغد، فيفضى إلى طواحين وضياع ومزارع، ويسقط فاضله فى مجمع ماء يجاور «10» بيكند إلى قرب فربر يعرف بسام خواش «11» ، وأما المدينة فلها سبعة أبواب حديد: منها باب يعرف بباب المدينة، وباب يعرف بباب نور، وباب يعرف بباب حفره، وباب يعرف بباب الحديد، وباب يعرف بباب القهندز، وباب يعرف بباب بنى أسد وهو باب مهر، وباب يعرف بباب «12» بنى سعد، ولقلعتها «12» بابان: أحدهما الرّيكستان «13» ، والآخر باب الجامع يشرع إلى المسجد الجامع، وعلى «14» الربض دروب «14» ، فمنها درب يخرج منه إلى خراسان يعرف بدرب «15» الميدان، ويليه مما يلى المشرق درب يعرف بدرب ابراهيم (ويلى) هذا الدرب (درب) يعرف بدرب الرّيو «16» ، ويليه درب يعرف بالمردقشة «17» ، ويليه الجزء: النص ¦ الصفحة: 171 درب يعرف بدرب كلاباذ، وهذا الباب وباب المردقشة يخرج منهما إلى «1» نسف وبلخ، ويلى درب «1» كلاباذ درب يعرف بالنّوبهار، ويليه درب يسمى سمرقند يفضى إلى سمرقند وسائر «2» ما وراء النهر «2» ، ويليه درب» فغاسكون، ثم درب الراميثنيّة، ثم يليه درب حد شرون وهو طريق خوارزم؛ ثم يليه «4» باب غشج، وفى وسط الربض على أسواقها دروب «5» : فمنها باب الحديد، ويليه باب قنطرة حسّان، ويليه بابان عند مسجد ماج، ويليهما باب يعرف بباب رخنة، ويليه باب عند قصر أبى هشام الكنانىّ، ويليه باب عند قنطرة السويقة، ويليه باب فارجك، ويليه باب درولزجه، ويليه باب سكة مغان، ويليه درب سمرقند الداخل، وليس فى مدينتها ولا فى قهندزها ماء حار لارتفاعهما «6» ، ومياههم من النهر الأعظم، وينشعب من هذا النهر فى المدينة أنهار، منها: نهر يعرف بنهر فشيديزه يأخذ من نهر بخارى فى مكان يعرف بالورغ، يجرى فى درب المردقشة على جوبار أبى ابراهيم، حتى ينتهى إلى باب الشيخ الجليل أبى الفضل ويقع فى نهر نوكنده، وعلى هذا النهر نحو ألفى بستان وقصر سوى الأرضين، ومن فى «7» هذا النهر إلى مغيضه نحو من نصف فرسخ، ونهر يعرف بجويبار بكار يأخذ من هذا النهر فى وسط المدينة بموضع يعرف بمسجد احيد «8» ويغيض بنو كنده، وعلى هذا النهر شرب بعض الربض ونحو من ألف بستان وقصر سوى الأرضين، بجويبار القواريريّين، يأخذ من النهر فى المدينة بموضع يعرف بمسجد العارض، فيسقى بعض الرّبض؛ وهو أغزر وأعمّ للأراضى والبساتين من نهر بكار، ونهر يعرف بجوغشج يأخذ من النهر عند مسجد العارض، فيسقى بعض الربض حتى يخرج إلى نوكنده، وهو يعرف بجويبار العارض «9» ، ونهر يعرف «9» بنهر بيكند يأخذ من نهر المدينة «10» عند رأس سكة ختع، فيسقى بعض الربض ويغيض بنوكنده، ونهر نوكنده يأخذ من النهر عند دار حمدونة «11» ، وهو مغيض للمياه عليه شرب «11» بعض الربض ويفضى إلى المفازة، وليس عليه شرب ضياع، ويليه «12» نهر الطاحونة يأخذ من النهر «12» فى المدينة بموضع يعرف بالنّوبهار، وعليه شرب بعض «13» الربض ويدير أرحية «13» وينتهى إلى بيكند، ومنه شرب أهل بيكند، ونهر «14» يعرف بنهر كشنه يأخذ «14» من النهر فى المدينة عند النوبهار، وعليه شرب النوبهار من الربض فيفضى إلى قصور وضياع كثيرة وبساتين حتى يجاوز كشنه إلى ما يمرغ، ونهر يعرف بنهر رباح يأخذ الجزء: النص ¦ الصفحة: 172 من النهر بقرب الريكستان، فيسقى بعض الربض وينتهى إلى قصر رباح، فيسقى نحو ألف من البساتين والقصور سوى الأرضين، ونهر الريكستان يأخذ من النهر بقرب الريكستان، ومنه شرب أهل «1» الريكستان والقهندز «2» ودار الإمارة حتى ينتهى إلى قصر جلال ديزه، ونهر يأخذ من النهر فى المدينة بقرب «3» قنطرة حمدونة تحت الأرض إلى حياض بباب بنى أسد، وتقع فضلته فى فارقين القهندز، ونهر يعرف بنهر زغار كنده يأخذ من النهر بمكان يعرف بورغ، فيجرى على باب دروازجه وعليه سوق «4» دروازجه إلى باب سمرقند حتى ينتهى إلى سبيد ماشه ويجاوزه نحوا من فرسخ، وعليه قصور وبساتين وأراضى كثيرة. أما رساتيق بخارى فمنها الذر وفرغيدد وسخر ورستاق الطواويس وبورق وخرغانة السفلى وبومة ونجار جفر ورستاق كاخشتوان وانديار كندمان وسامجن مادون وسامجن ما وراء وفراور السفلى واروان وفراور العليا، فهذه الرساتيق داخل الحائط، وخارج «5» الحائط جزّه وشابخش ويسير رستاق- كرمينية- وخرغانة العليا ورامند وبيكند وفربر، ويتشعب من عمود نهر السغد فى حدّ بخارى خارجا عن القصبة من الحائط الخارج بناحية الطواويس إلى أن ينتهى إلى باب «6» المدينة أنهار كثيرة، تتفرق فى القرى والمزارع فى الحائط، وعليها عمارة قرى «7» بخارى «8» ، فمنها: نهر «8» يعرف بسافرى كام يأخذ من النهر، فيسقى القرى حتى ينتهى إلى وردانة، وعليه «9» شربهم «10» ، ونهر يعرف بخرغان روذ يأخذ من النهر، فيسقى القرى حتى ينتهى إلى راوس وعليه شربهم، ونهر يعرف بنجار جفر يأخذ من النهر، فيسقى القرى حتى ينتهى إلي خرميثن «11» وعليه شربهم، ونهر يعرف بنهر جرغ يأخذ من النهر، حتى ينتهى إلي الجرغ وعليه «12» شربهم «13» ، فيعود الفاضل «14» فى النهر، ونهر يعرف بنوكنده يأخذ من النهر، فيسقى القرى حتى ينتهى إلي فرانة وعليه «15» شربهم، ونهر يعرف بنهر فرخشه يأخذ من النهر، فيسقى القرى حتى ينتهى إلي فرخشه ومنه شربهم، ونهر يعرف بنهر كشنه يأخذ من النهر، فيسقى القرى حتى ينتهى إلي كشنه وعليه شربهم، ونهر يعرف بنهر الراميثنه يأخذ من النهر، فيسقى القرى حتى ينتهى إلى الراميثنة وعليه شربهم، ونهر فراور السفلى يأخذ من النهر فيسقى القرى حتى ينتهى إلي فاراب وعليه «16» شربهم، ومنها نهر يعرف بأروان يأخذ من النهر، فيسقى القرى حتى ينتهى إلي بانب الجزء: النص ¦ الصفحة: 173 وعليه شربهم، ونهر يعرف بفراور العليا يأخذ من النهر، فيسقى القرى حتى ينتهى إلي اوبوقار وعليه «1» شربهم، ونهر يعرف بنهر خامه يأخذ من النهر، فيسقى القرى حتى ينتهى إلي خامه وعليه شربهم، ونهر يعرف بتنكان يأخذ من النهر، فيسقى القرى حتى ينتهى إلي وركه «2» وعليه «3» شربهم، ونهر يعرف بنهر نوكنده يأخذ من النهر فيسقى القرى حتى ينتهى إلي نوباغ الأمير وعليه شربهم، وما فضل من ماء نهر السغد فإنه يجرى فى نهر يعرف بالذر، وهو النهر الذي يشق ربض بخارى، ومنه أنهار المدينة التى ذكرناها، وأكثر هذه الأنهار تحمل السفن كبرا وغزارة «4» ، وكلها تأخذ «4» من النهر داخل حائط» بخارى من حدّ الطواويس إلي أن تنتهى إلي المدينة. وأبنية «6» قرى بخارى كلها على «6» اشتباك البناء والتقدير فى المساكن وارتفاع أراضى الأبنية «7» ، وهى محصنة بالقلاع «7» بالأبنية المجموعة، وليس فى داخل هذا «8» الحائط جبل «9» ولا مفازة، وأقرب الجبال إليها جبل «9» وركه، ومنه حجارة بلدهم «10» للفرش والأبنية، ومنه طين الأوانى والنورة «10» والجص، ولهم خارج الحائط ملّاحات «11» ، ومحتطبهم من بساتينهم وما يحمل إليهم من المفاوز من «11» الغضا والطرفاء. وأراضى بخارى كلها قريبة إلي «12» الماء لأنها مغيض ماء السغد، ولذلك لا تنبت «12» الأشجار العالية «13» فيها مثل الجوز والدّلب والحوّر وما أشبهه، فإذا كان منه شجر فهو قصير غير نام، وفواكه بخارى أصح فواكه ما وراء النهر وألذها طعما؛ ومن عمارة بخارى أن الرجل ربما قام على الجريب الواحد من الأرض فيكون منه معاشه، ومن كثرة عددهم أنّ ما يرتفع من بلادهم يقصر عن كفايتهم، لوفور عددهم وتضاعفهم على ما يخرج من أراضيهم «14» ، فيحمل إليهم المير من الطعام وسائر ما يحتاجون إليه من سائر ما وراء النهر. والجبل الذي يتصل ذيله «15» بقرية وركه جبل يمتد إلي سمرقند، فيما بين كشّ وسمرقند حتى يتصل بجبال البتّم، عاطفا على أشروسنة فى عرض فرغانة، حتى يخرج على ناحية شلجى والطّراز، ثم يمتد- فيما أخبرنى به من سلك تلك السبل- إلي حدّ الصين؛ وهذه المعادن «16» التى بأشروسنة وفرغانة وايلاق وشلجى ولبان إلي أرض خرخيز كلها فى عمود هذا الجبل وما يتصل به من الجبال، والنوشاذر الذي فى عمل البتّم، والزاج والحديد والزيبق والنحاس والآنك والذهب الجزء: النص ¦ الصفحة: 174 والچراغ «1» سنك والنفط والقير ولزفت والفيروزج والنوشاذر الذي بفرغانة، والجبل الذي ذكرته بفرغانة أنّه تحترق حجارته مثل الفحم، والثمار المباحة التى وصفتها بفرغانة، كل ذلك فى هذا الجبل فى سنامه أو سفحه أو ما يتصل به، وفى هذا الجبل بناحية البتّم وجبال السّاودار بسمرقند مياه حر وبرد، غير أن فيها عيونا تجمد فى الصيف إذا اشتد الحرّ حتى تصير كالأعمدة وتنقطع، ويكون ماؤها فى الشتاء حارا، وتأوى إليها السوائم لدفء موضعها فى الشتاء. ولبخارى مدن داخل «2» حائطها «3» وخارجا عنه «4» ، فأما داخل حائطها فالطواويس، وهى أكبر «5» منبر بعد القصبة، وتومجكث «5» وزندنه ومغكان وخجادة، وخارج الحائط بيكند «6» وفربر وكرمينيه «6» وخديمنكن وخرغانكث ومذيا مجكث. فأما الطواويس فإنها مدينة لها سوق، ومجمع عظيم ينتابه الناس من أقطار ما وراء النهر فى «7» وقت معلوم «7» من السنة، ويرتفع منها من الثياب القطن ما ينقل إلي سائر المواضع، وهى مدينة «8» كثيرة البساتين «8» والماء الجارى خصبة، ولها قهندز «9» ومدينة ومسجد جامعها فى المدينة؛ وأما المدن التى داخل الحائط فهى متقاربة فى الكبر والعمارة، ولكل منها حصن «10» ؛ وأما كرمينية فهى أكبر من الطواويس وأعمر وأكثر عددا وأخصب؛ وخديمنكن من كرمينية، وبحذائها خرغانكث ومذيامجكث، وهى متقاربة فى الكبر والعمارة، ولكرمينية قرى كثيرة، وكذلك لكل منبر قرى ومزارع، إلا بيكند فإنها وحدها، غير أن بها من الرباطات ما لا أعلم فى بلدان «11» ما وراء النهر أكثر عددا منها، وبلغنى أن عددها نحو من ألف رباط؛ ولها سور حصين ومسجد جامع تؤنق فى بنائه وزخرف محرابه، فليس بما وراء النهر محراب أحسن زخرفا منه؛ وفربر مدينة قريبة من جيحون، ولها قرى وهى عامرة خصبة. وأما لسان بخارى فإنه لسان السغد إلا أنه يحرّف بعضه، ولهم لسان الدريّة، وأهلها يرجعون من الأدب إلي ما يفضلون به ما وراء النهر. ونقودهم الدرهم ولا يتعاملون بالدينار فيما بينهم وهى كالعرض، إلا أن لهم درهما يسمونه الغطريفىّ، وهى دراهم من حديد وصفر وآنك وغير ذلك من جواهر مختلفة قد ركّبت، فلا يجوز هذا الجزء: النص ¦ الصفحة: 175 الدرهم إلا فى عمل بخارى وحده، وسكّته تصوير وهو من ضرب الإسلام، وكذلك المسيّبيّة «1» ، والمحمّديّة من ضرب الإسلام. وأما زيّهم فالغالب عليهم الأقبية والقلانس على زىّ «2» أهل ما وراء النهر «2» ، ولهم داخل الحائط وخارجه أسواق «3» متصله معلومة فى أوقات من «4» الشهر دارّة، يجرى فيها «4» من الشراء والبيع للثياب والرقيق والمواشى وغير ذلك «5» مما يتسع به أهلها. ويرتفع «5» من بخارى ونواحيها من ثياب القطن ما ينقل إلى الآفاق «6» وكذلك البسط والمصليات وثياب من الصوف تستحسن «7» . ويتحدث أهل بخارى أن من بركة «8» القلعة أنه لم تخرج منها «9» جنازة وال قط، وما عقدت فيها «9» راية خرجت فهزمت، وهذا من الاتفاق العجيب إن صحّ، ويقال إن أصل أهل بخارى فى قديم الأيام ناقلة اصطخر، وسكن ولاة خراسان من «10» السامانية مدينة «11» بخارى، لأنها أقرب مدن ما وراء النهر إلى خراسان، فمن كان بها فخراسان أمامه وما وراء النهر وراءه «12» ، ولهم من حسن الطاعة وقلة الخلاف «13» على الولاة «14» ما يؤدى إلى اختيار المقام بينهم على سائر ما وراء النهر. وأوّل ولاة خراسان من آل سامان اسماعيل بن أحمد، جاءته ولاية خراسان وهو ببخارى فاستدام المقام بها، فبقيت الولاية بها فى أولاده، وقد كان ولاة ما وراء النهر يقيمون قبل ذلك إما بسمرقند وإما بالشاش وفرغانة فى وجوه الترك، وكان عمل ولاة بخارى يحزر مفردا من خراسان إلى أن زالت أيام آل طاهر «15» . وأما خجاده «16» فهى على يمين الذاهب من بخارى إلى بيكند على ثلاثة فراسخ، وبينها وبين الطريق نحو فرسخ. وأما مغكان فإنها من المدينة على خمسة فراسخ عن يمين طريق بيكند، وبينها وبين الطريق نحو ثلاثة فراسخ. وأما زندنة فإنها من المدينة على أربعة فراسخ، شمالىّ المدينة. وأما تومجكث فإنها على يسار الذاهب إلى الطواويس على أربعة فراسخ، وبينها وبين الطريق نحو نصف فرسخ، ومن كرمينية إلى خديمنكن فرسخ فيما يلى السغد، وبين خديمنكن «17» وطريق سمرقند غلوة عن «18» يسار الذاهب إلى سمرقند. ومذيامجكث وراء وادى السغد أعلى من خديمنكن بمقدار فرسخ. وخرغانكث بحذاء كرمينية «19» على فرسخ من وراء الوادى. الجزء: النص ¦ الصفحة: 176 ويتصل ببخارى من شرقيّها السغد، وأولها إذا جزت كرمينية «1» الدبّوسيّة ثمّ «1» ربنجن والكشانية «2» وإشتيخن وسمرقند «3» ، وكل هذا قلب السغد، على أن «3» من الناس من يزعم أن بخارى وكشّ ونسف «4» من السغد «4» ، ولكّنا أفردباها. وقصبة السغد «5» سمرقند، وهى مدينة «5» على جنوبىّ وادى السغد، مرتفعة عليّة، ولها قهندز «6» ومدينة وربض، فأما القهندز ففيه الحبس ودار الإمارة عامران، وأما المدينة فلها «7» سور «8» وأربعة أبواب: باب الصين فى جهة المشرق، وباب نوبهار فى جهة المغرب، وباب بخارى فى جهة الشمال، وباب كش «9» فى جهة الجنوب، ولها «10» أسواق ومساكن وماء جار يدخل إليها فى نهر من رصاص، وهو نهر قد بنيت له ومسنّاة عالية من حجارة، يجرى عليها الماء من الصفّارين حتى «11» يدخل من باب كشّ «12» ، ووجه هذا النهر رصاص كله، وذلك أن حوالى المدينة خندقا قد تسفّل، لأنه استعمل طينه فى سور المدينة، فبقى حواليها خندق عظيم، فاحتيج إلى مسنّاة فى هذا الخندق يجرى الماء عليها إلى المدينة «13» ، وهو نهر جاهلى فى وسط السوق بموضع يعرف برأس الطاق، وهو أعمر موضع بسمرقند، وعلى جنبات هذا النهر غلال «14» موقوفة على مرمّات هذا النهر، وعليه حفظة من المجوس عليهم حفظة «15» شتاء وصيفا، والمسجد الجامع فى المدينة بينه وبين القهندز «16» عرض الطريق، وفى المدينة مياه من هذا النهر وبساتين، وفيها «17» دار الإمارة «18» لآل سامان غير دار «19» الإمارة بالقهندز والمدينة من الربض على جانبه، قريب من وادى السغد الذي هو بين الربض والمدينة، وذلك أن سور الربض ممتد من وراء وادى السغد، من مكان يعرف بافشينه على باب «20» كوهك حتى يطوف بورسنين، ثم يطوف على باب فنك، وعلى باب ديودد ثم إلى باب فرخشيذ، ثم إلى باب غداود ثم يمتد إلى الوادى، والوادى للربض كالخندق مما يلى الشمال، ويكون قطر السور المحيط بربض سمرقند فرسخين، غير أن الربض شربه ومجمع أسواقه رأس الطاق 2» ، ثم تتصل به «22» الأسواق والسكك والمحال «22» ، وفى تضاعيف ذلك قصور وبساتين «23» ، الجزء: النص ¦ الصفحة: 177 فليس من سكة ولا دار إلا وفيها ماء جار إلا القليل، وقلّ دار تخلو من بستان، حتى إنّك إذا صعدت أعلى قهندزها لم تبد المدينة للنظر «1» ، لاستتارها بالبساتين والأشجار، وأكثر الأسواق والتجارات فى الربض إلا شيئا يسيرا فى المدينة، وهى فرضة ما وراء النهر ومجمع التجار، ومعظم جهاز ما وراء النهر يقع بسمرقند، ثم يتفرّق إلى سائر الكور، وكانت دار إمارة ما وراء النهر بها إلى أيام إسماعيل بن أحمد فنقلها إلى بخارى، ولسور ربضها «2» أبواب: منها باب غداود وباب إسبسك وباب سوخشين وباب افشينه وباب ورسنين وباب كوهك وباب ريودد باب فرخشيذ، ويزعم الناس أن تبّعا بنى مدينتها، وأن ذا القرنين أتمّ بعض بنائها، ورأيت على باب كشّ صفيحة من حديد قد كتب عليها كتابة زعم أهلها أنها بالحميريّة، وأنهم يتوارثون علم ذلك بأنه بناء تبّع، وكتب عليه أن من صنعاء إلى سمرقند ألف فرسخ، وأن كتابته من أيام تبّع، فوقعت فتنة بسمرقند فى أيام مقامى بها، وأحرق الباب وذهبت الكتابة، وأعاد ذلك الباب أبو المظفّر محمد بن لقمان بن نصر بن أحمد بن أسد كما كان من حديد من غير تلك الكتابة، وتربة سمرقند من أصح تربة وأيبسها، ولولا كثرة البخارات من المياه الجارية فى سككهم ودورهم وكثرة أشجار الخلّاف بينهم لأضرّ بهم فرط يبسها، وبناؤها طين وخشب، وأهلها يرجعون إلى جمال بارع ورزانة، وهم من الإفراط فى إظهار المروّة وتكلّف القيام على أنفسهم ما يزيدون على سائر بلاد خراسان، حتى يجحف ذلك بأموالهم. وبسمرقند مجمع رقيق ما وراء النهر، وخير الرقيق بما وراء النهر تربية سمرقند، وبينها وبين أقرب الجبال «3» نحو مرحلة خفيفة، إلا أنه يتصل بها جبل صغير يعرف بكوهك، يمتد طرفه إلى سور سمرقند، وهو مقدار نصف ميل فى الطول، ومنه أحجار بلدهم، والطين المستعمل فى الأوانى والنورة والزجاج وغير ذلك، وبلغنى أن به «4» ذهبا وفضة غير أنه لا يتسوّغ العمل فيه. والبلد كله طرقه ومحالّه وسككه إلا قليلا مفترش بالحجارة، ومياههم من وادى السغد، وهذا الوادى مبدؤه من جبال البتّم على ظهر الصغانيان، وله مجمع ماء يعرف بجن «5» مثل بحيرة حواليها قرى، وتعرف الناحية ببرغر «6» ، فينصب منها بين جبال حتى ينتهى إلى بنجيكث «7» ، ثم ينتهى إلى مكان يعرف بورغسر «8» وتفسيره راس السكر، ومنه تتشعب أنهار سمرقند، ورساتيق تتصل بها من غربىّ الوادى من جانب سمرقند. فأما أنهار الجانب الشرقىّ على الوادى فإنها الجزء: النص ¦ الصفحة: 178 تأخذ بحذاء ورغسر بمكان يعرف بغوبار، وذلك أن بهذا المكان تنفسح الجبال وتظهر الأراضى، التى يمكن فيها الزرع وجرى الأنهار، فتأخذ من ورغسر أنهار: منها نهر برش ونهر بارمش ونهر بشمين، فأما نهر برش فإنه يمتد على ظهر سمرقند، فمنه أنهار المدينة والحائط والقرى التى تتصل بها من مبتدئه إلى منتهاه، وأما نهر بارمش فإنه يلى هذا النهر من ناحية الجنوب، وعليه القرى من أوّله إلى آخره نحو مرحلة، وأما نهر بشمين فإنه من بارمش مما يلى الجنوب، ويسقى من أوّله إلى آخره قرى كثيرة، غير أن انقطاعه دون انقطاع هذين النهرين، وأكبر هذه الأنهار برش ثم بارمش، وهما يحتملان السفن، وينشعب من هذه الأنهار أنهار يكثر إحصاؤها، حتى يعمر بها من القرى والمزارع من ورغسر إلى آخره رستاق يعرف بالدّرغم «1» ، على عشرة فراسخ فى الطول، وعرضه نحو أربعة فراسخ إلى نحو فرسخ، وهذه الرساتيق كلها تعرف بورغسر وما يمرغ وسنجرفغن والدرغم، وأما الأنهار التى تأخذ من غوبار فإنها: نهر اشتيخن والسناواب ونهر بوزماجز «2» ، وينشعب من وادى السغد أنهار كثيرة على امتداده بحذاء كل بلدة وكل رستاق، فمنها أنهار: ربنجن وأنهار الدبوسية وأنهار كرمينية حتى ينتهى إلى بخارى «3» ، ويكثر عدد الأنهار برستاق سمرقند لكثرة عدد قراها وتعدّدها، وربما كان للقرية الواحدة منها نهران وثلاثة، ويكثر فى المدينة انشعاب الأنهار الصغار بحسب عدد الدور والبرك والبساتين والقصور، ومن أطلّ من شرف على وادى السغد لم ير إلا خضرة ممتدة لا يتخللها إلا قصر أو قلعة، وبورغسر كروم وضياع وبساتين قد أزيل عنها الخراج، وجعل «4» الجزء: النص ¦ الصفحة: 179 على أهلها عوض الخراج اصلاح سكور ذلك الماء وإحكام بثوقه، وامتداد الوادى فى الصيف يكون من ثلوج جبال البتّم واشروسنة وسمرقند. وأما رساتيق سمرقند فإن أولها بنجيكث ومدينتها بنجيكث، ثم تليها ورغسر ومدينتها ورغسر، ويلى بنجيكث جبال السّاودار وليس بها منبر، وبين الساودار وورغسر فيما يلى سمرقند رستاق ما يمرغ وسنجر فغن وليس بهما منبر، غير أن بما يمرغ مكانا يعرف بالرّيودد، كان بها مقام الإخشيذ ملك سمرقند، وهى قرية فيها قصور الإخشيذيّة؛ وسنجر فغن وورغسر كانا من ما يمرغ فأفردا عنها، ويتصل برستاق ما يمرغ رستاق الدّرغم وليس به منبر، ويتصل برستاق الدرغم رستاق أبغر وليس به منبر «1» ؛ والساودار هو الجبل الذي عن جنوبىّ سمرقند، وليس بنواحى سمرقند رستاق أصح هواء ولا زرعا وفواكه منه، وأهلها أصح الناس ألوانا وأبدانا، وطوله «2» زيادة على عشرة فراسخ «3» ؛ وبالساودار عمر للنصارى «4» يعرف بوزكرد، ورستاق الدرغم أزكى هذه الرساتيق فى الزروع، ويفضل من أعنابها ما يحمل إلى غيرها من الرساتيق «5» ؛ وأما أبغر «6» فإنها مباخس، غير أنّ قراها أكثر عددا من رساتيق سمرقند وأراضيها منجبة «7» ، وبلغنى أنّ القفيز البذر يريع بها مائة قفيز وبها مراع كثيرة «8» ، فهذه رساتيق سمرقند عن جنوبى الوادى؛ فأما شماليّه فإنّ أعلاها ياركث، وهى متاخمة لأشروسنة وليس بها منبر، وماؤها ليس من ماء السغد، وإنما هى عيون، والمباخس بها كثيرة، ومراعيها واسعة خصبة «9» ؛ ورستاق بورنمذ مما يلى أشروسنة وليس به منبر، وقراه يسيرة «10» ، ويتصل بياركث رستاق بوزماجز «11» مما يلى الجزء: النص ¦ الصفحة: 180 سمرقند، ومدينته باركث «1» ، ويتصل «2» بها رستاق كبوذنجكث، وهو رستاق مشتبك القرى والأشجار، ومدينته كبوذنجكث، وعلى ظهر هذا الرستاق رستاق وذار، ومدينته وذار، وهو رستاق خصب كثير الزروع، له سهل وجبل «3» وسقى ومزارع ومراع، ووذار وكثير من قرى هذه الرساتيق لقوم من بكر بن وائل يعرفون بالسباعيّة، كانت لهم بسمرقند ولايات، وكانت لهم بها دور ضيافات وأخلاق حسنة، ويتصل به رستاق المرزبان- وهو المرزبان بن تركسفى، الذي كان استدعى إلى العراق فى جملة دهاقين السغد «4» . ونقود سمرقند لدارهم الاسماعيلية والمكسّرة والدنانير، ولهم «5» دراهم تعرف بالمحمديّة، وتركّب من جواهر شتى من حديد ونحاس وفضة وغير ذلك» . واشتيخن مدينة مفردة فى العمل عن سمرقند، ذات «7» رساتيق وقرى كثيرة «8» البساتين والمتنزهات، ولها مدينة وقلعة «9» وربض وأنهار مطردة «10» ، ومن بعض قراها عجيف بن عنبسة «11» ، وأسواق اشتيخن هى التى استصفاها المعتصم، ثم أقطعها المعتمد محمد بن طاهر بن عبد الله بن طاهر؛ والكشانية أعمر مدن السغد مقاربة لاشتيخن فى الكبر، ولها قرى ورستاق دون اشتيخن فى المقدار «12» . والدبوسيّة وأربنجن من جنوبىّ الوادى على جادّة خراسان، وربنجن أكبر رستاقا من الدبوسيّة، وقلب مدن السغد الكشانية «13» . وكشّ «14» مدينة ما وراء النهر وهى مقدار ثلث فرسخ فى مثله، بناؤها من طين وخشب، وفواكهها كثيرة تدرك الجزء: النص ¦ الصفحة: 181 قبل غيرها لأنها من الجروم، ولها أربعة أبواب: باب «1» الحديد وباب عبيد الله وباب القصابين وباب المدينة الداخلة، وهى «2» مدينتان داخلة وخارجة، ولها نهران كبيران نهر القصارين ونهر أسرود «3» ، وهما يجريان على باب المدينة، وبها يسقط الترنجبين الذي يحمل إلى الآفاق. وأما نسف «4» فمدينة لها ربض وسور «5» ، وأربعة أبواب: باب النجارية وباب سمرقند وباب كش وباب غوبذين «6» ، ولنسف قرى كثيرة ونواح، ولها منبران سوى منبر المدينة، والغالب على قراها المباخس والخصب والسعة، ونهرها ينقطع فى بعض السنة، فيسقون بساتينهم ومباقلهم ومباطخهم بالآبار، حتى يعود الماء فى النهر. وأما أشروسنة فاسم الإقليم، كما أن السغد اسم الإقليم، وليس ثمّ «7» مدينة بهذا الاسم، والغالب عليها الجبال. حدود «8» أشروسنة: غربيّها حدود سمرقند، شماليّها الشاش وبعض فرغانة، جنوبيّها بعض حدود كشّ الجزء: النص ¦ الصفحة: 182 والصغانيان وشومان وواشجرد وراشت، شرقيّها بعض فرغانة. ومدنها: ارسيانيكث «1» وكركث «2» وغزق ووغكث «3» وساباط وزامين وديزك ونوجكث وخرقانة، ومدينتها التى يسكنها لولاة هى بونجكث «4» ، وبناؤها طين وخشب، وهى مدينة داخلها مدينة أخرى على كل منهما سور، وللمدينة الداخلة بابان «5» ، ويجرى فى المدينة الداخلة نهر كبير وعليه «6» فيها رحى «7» ، ويشتمل حائطها على دور وبساتين وقصور وكروم، وقطرها نحو فرسخ، وأبوابها أربعة: باب زامين وباب مرسمندة وباب نوجكث وباب كلهباذ «8» ، ولها ستة «9» أنهار «10» ، كلها من منبع واحد «11» ، هو من المدينة على أقل من نصف فرسخ، وتليها فى الكبر زامين، وهى على طريق فرغانة إلى السغد، وتسمى «12» المدينة سوسندة؛ وديزك «13» مدينة فى السهل «14» ، بها رباطات وخانات الجزء: النص ¦ الصفحة: 183 وماء ينبع من عين، وهى كثيرة النزه والبساتين والمياه، وليس بجميع أشروسنة نهر تجرى فيه سفينة ولا بها بحيرة «1» . والبتّم جبال شاهقة منيعة، وأكثرها تغلب عليها البرد» ، وبالبتّم حصون منيعة جدا، وفيه معدن الذهب والفضة والزاج والنوشاذر «3» ، وهو جبل فيه مثل الغار يبنى عليه بيت ويستوثق من أبوابه وكواه، فيرتفع من الغار بخار يشبه بالنهار الدخان وبالليل النار، فإذا تلبّد هذا البخار قلع منه وهو النوشاذر «4» ، ولا يتهيأ لأحد أن يدخله من شدة حرّه، إلا أن يلبس لبودا ويدخل بها كالمختلس، وهذا البخار يتنقّل من مكان إلى مكان فيحفر عليه حتى يظهر، فإذا «5» انقطع من مكان حفر عليه من مكان آخر فظهر منه. والبتّم جبال تسمى البتّم الأول والأوسط والداخل، وماء سمرقند والسغد وبخارى من البتّم الوسطى «6» . ومينك الموضع الذي قاتل فيه قتيبة بن مسلم، وحصار «7» الافشين هناك «8» . وأما الشاش وإيلاق فإنّ مقدار عرضهما مسيرة يومين فى ثلاثة «9» ، وهى كثيرة القرى العمارات والمنابر، وهى فى أرض سهلة كثيرة المراعى والرياض، وبالشاش وبإيلاق مدن كثيرة ذوات أبواب وأسوار وأرباض الجزء: النص ¦ الصفحة: 184 وقلاع وأسواق وأنهار تخترق بعض المدن؛ ومدن الشاش: بنكث «1» ودنفغانكث وجينانجكث ونجاكث وبناكت وخرشكت واشبينغو واردلانكت وخدينكت وكنكراك وكلشجك وغرجند وغناج وجبوزن ووردوك وكبرنه وغدرانك ونوجكث وغزك وأنوذكت وبغنكث وبركوش وخاتونكث وجيغوكث وفرنكث وكداك ونكالك «2» . فأما إيلاق فقصبتها «3» تعرف بتونكت، ولها من المنابر: سكاكت وبانجخاش ونوكث وبالايان واربيلخ ونموذلغ وتكّث وخمرك وبسكت وكهسيم ودخكث وخاش وخرجانكت «4» . والشاش وايلاق متصلتان لا فصل بينهما، وبإيلاق معدن ذهب وفضة «5» ، وأكبر مدن إيلاق نوكث وتونكت «6» ، وليس بما وراء النهر دار ضرب إلا بسمرقند وتونكت. وأما أسبيجاب فمدينة نحو الثلث من تونكت «7» ، الجزء: النص ¦ الصفحة: 185 وفى ربضها بساتين ومياه، وأبنيتها طين «1» ، ولها أسواق مشحونة، وهى خصبة كثيرة الغلّات والمنافع، وليس الجزء: النص ¦ الصفحة: 186 بما وراء النهر مدينة لا خراج عليها إلا إسبيجاب، وحولها مدن وقرى كثيرة. وأما خجنده فمتاخمة لفرغانة، وهى على غربىّ نهر الشاش، ليس فى عملها مدينة غير كند، ولها نهر عظيم يسافر فيه بالمتاجر والمير. وفرغانة اسم الإقليم وقصبتها أخسيكت، وهى مدينة على شط نهر الشاش يحيط بها سور، وخارجه ربض يحيط به سور آخر، وتليها فى الكبر مدينة قبا، وهى مدينة من أنزه تلك المدن، لها قلعة وربض وجامع وأسواق، ثم مدينة أوش وهى عامرة مسوّرة، بها قلعة ودار الإمارة، وهى ملاصقة للجبل الذي عليه مرقب مدينة الأحراس على الترك. وأوزكند آخر مدن فرغانة مما يلى دار الحرب، ولها سور وربض وقلعة ومياه جارية وبساتين، وليس بما وراء النهر أكبر من قرى فرغانة، ربما بلغت القرية مرحلة، لكثرة أهلها وانتشار مواشيهم ومزارعهم. ولفرغانة كور، لكل كورة منها عدة مدن، لكل مدينة منها رستاق فيه عدة قرى، منها: كورة كاسان وكورة جدغل وميان روذان، ومدينتها خيلام، وبها مولد الأمير أبى الحسن نصر بن أحمد فى دار خير بن أبى الخير، ويرتفع من فرغانة أكثر ما فى أيدى الناس من الذهب والفضة والزيبق، ويخرج من جبالها الچراغ سنك والفيروزج والحديد والصفر والذهب والآنك. وبأسبره جبل حجارة سود تحرق كما يحرق الفحم، تباع منه ثلاث أوقار بدرهم، ورماده يبيض الثياب. المسافات بما وراء النهر الطريق من وادى جيحون بفربر إلى فرغانة: من فربر إلى بيكند مرحلة كبيرة، ومن بيكند إلى بخارى مرحلة، من بخارى إلى الطواويس مرحلة، من الطواويس إلى كرمينية مرحلة، من كرمينية إلى الدبوسيّة مرحلة خفيفة، من الدبوسية إلى ربنجن مرحلة خفيفة، من ربنجن إلى زرمان مرحلة، من زرمان إلى سمرقند مرحلة، من سمرقند إلى باركث الجزء: النص ¦ الصفحة: 187 مرحلة، من باركث إلى رباط سعد مرحلة، وفى هذه المرحلة إذا صرت «1» برباط أبى أحمد مفرق طريق فرغانة والشاش، ومن رباط سعد إلى بورنمذ مرحلة، من بورنمذ إلى زامين مرحلة، من زامين إلى ساباط مرحلة، من ساباط إلى أركند مرحلة، من أركند إلى شاوكت مرحلة، من شاوكت إلى خجنده مرحلة، من خجنده إلى كند مرحلة، من كند إلى سوج مرحلة، من سوج إلى رشتان مرحلة، من رشتان إلى زندرامش مرحلة، من زندرامش إلى قبا مرحلة، من قبا إلى أوش مرحلة كبيرة، من أوش إلى أوز كند مرحلة كبيرة، هذا هو الطريق «2» القصد من فربر إلى أوزكند، وهى آخر ما وراء النهر. ومن أراد خجنده إلى اخسيكت قصبة فرغانة خرج من كند إلى سوج مرحلة، ومن سوج إلى خواكند مرحلة كبيرة، ومن خواكند إلى اخسيكت مرحلة، وهناك طريقان أحدهما فى المفازة والرمال سبعة فراسخ إلى باب اخسيكت، ثم تعبر نهر الشاش إلى اخسيكت، والآخر تعبر النهر إلى باب خمسة فراسخ، ومن باب إلى اخسيكت أربعة فراسخ، فجميع المسافة من فربر إلى أوزكند 23 مرحلة. وأما طريق الشاش إلى أقصى بلد الإسلام فإنك تخرج من باركث إلى قطوان ديزه مرحلة، وطريق الشاش وفرغانة واحد إلى رباط أبى أحمد، ثم تعدل عن يسارك إلى الشاش، إذا خرجت من رباط أبى أحمد فتنزل قطوان ديزه، وإن شئت نزلت خرقانة؛ ومنها إلى ديزك، ومنها إلى بئر الحسين، ثم بئر حميد، ثم وينكرد، ثم أستوركت، ثم تونكت، ثم إلى رباط بالقلاص يسمى انفرن، ثم إلى غزكرد قرية، ثم إلى اسبيجاب، ثم إلى بدخكت، ومن بدخكت إلى الطراز يومان، لا رباط بينهما ولا عمارة؛ ومن أراد طريق بناكت فإنّه ينزل من باركث رباط سعد ومنه إلى زامين، ومن زامين إلى خاوس، ومن خاوس إلى بناكث، ثم إلى استوركث، فذلك من وادى جيحون إلى الطراز اثنتان وعشرون مرحلة. الطريق من بخارى إلى بلخ: من بخارى إلى قراجون مرحلة، ثم إلى ميانكال مرحلة، ثم «3» إلى مايمرغ مرحلة كبيرة، ثم إلى نسف مرحلة، ثم «4» إلى سونج مرحلة، ومن سونج إلى الدادكى «5» - وهو «6» ديدجى- إلى كندك مرحلة، ومن «7» كندك إلى باب الحديد مرحلة، ومن باب الحديد إلى رباط رازيك مرحلة، ثم إلى هاشم جرد مرحلة، ثم إلى الترمذ مرحلة، ومن الترمذ تعبر إلى سياه جرد مرحلة، ومنها إلى بلخ مرحلة، وذلك من بخارى إلى بلخ ثلاث عشرة مرحلة. الجزء: النص ¦ الصفحة: 188 الطريق من سمرقند إلى بلخ: تخرج من سمرقند إلى كش يومين، ثم إلى كندك ثلاث مراحل، ويتصل طريق بخارى وسمرقند إلى بلخ. والطريق من بخارى إلى خوارزم: الطريق فى المفازة: تحرج من بخارى مرحلة إلى فرخشه عامرة، ثم تسير ثمانى مراحل كلها فى مفازة لا منزل بها ولا رباط ولا ساكن، إنما هو سير على المرعى فلذلك لم يكتب له منازل؛ فأما من أراد أن يعبر جيحون إلى آمل ويسير إلى خوارزم فإن من بخارى إلى فربر مرحلتين، ومن فربر تعبر الوادى إلى آمل، فتسير من آمل فى حدّ آمل إلى ويزه مرحلة، ومن ويزه إلى مردوس مرحلة، ومن مردوس إلى اسباس مرحلة، ومن اسباس إلى سيفانة مرحلة، ثم إلى الطاهريّة مرحلة «1» ، ثم إلى جكربند مرحلة، ثم إلى درغان مرحلة، ثم إلى سدور مرحلة، ثم إلى هزارسب مرحلة، ثم إلى مدينة خوارزم مرحلة، فذلك من بخارى إلي خوارزم على العمارة اثنتا عشرة مرحلة. هذه المسافات بين مشاهير المدن بما وراء النهر. والطريق إلى أشروسنة قد دخل فى طريق فرغانة، لأنّك إذا دخلت إلي خرقانة وزامين فهى من مدن أشروسنة. وسنذكر المسافات بين أقاليم ما وراء النهر فنبدأ من الختّل إلى خوارزم ثم بأقاليم ما وراء النهر. مسافات الختّل والصغانيان وما بينهما من معبر بذخشان على نهر جرياب إلي منك ست مراحل، ومن منك إلي قنطرة الحجر على وخشاب مرحلتان، فإذا نزلت على نهر وخشاب فإلى ليوكند مرحلتان، وتنزل على الماء أيضا إلي هلاورد مرحلة، وهلاورد وليوكند على شط وخشاب وهما مدينتا الوخش، ومن معبر آرهن إلى هلاورد مرحلتان، ومن المعبر إلى هلبك يومان، ومن هلبك إلي منك يومان، وكاربنج فوق معبر آرهن على نهر جرياب «2» بنحو من فرسخ، وتمليات من قنطرة الحجر على أربعة فراسخ فى طريق منك، ومن معبر بذخشان إلى رستاق بنك مرحلتان، ومن رستاق بنك تعبر نهر انديجاراغ ثم تدخلها، وبين رستاق بنك وانديجاراغ مرحلة، ومن انديجاراغ تعبر نهر فارغر، ثم تدخل فارغر بينهما يوم، ثم «3» تعبر برسان إلى هلبك فهذه مسافة ما بين الوخش والختّل. والطريق من الترمذ إلى الصّغانيان: من الترمذ إلى جرمنكان مرحلة، ثم إلي دارزنجى مرحلة، ثم إلى الصّغانيان مرحلتان. الجزء: النص ¦ الصفحة: 189 والطريق من الصغانيان إلى واشجرد: من الصغانيان إلى شومان مرحلتان، ثم إلى انديان يوم، ثم إلى واشجرد يوم، ومن الواشجرد إلى إيلاق يوم، ومن إيلاق إلى دربند يوم، ومن داربند إلى جاوكان يوم، ومن جاوكان إلى القلعة يومان، والقلعة من راشت؛ ومن الصغانيان إلى باسند مرحلتان، ومن الصغانيان إلى زينور مرحلة، ومن الصغانيان إلى بوراب مرحلة «1» ، ومن الصغانيان إلى ريكدشت ستة فراسخ، والطريق من بوراب يجاوزها بفرسخين، ثم يجاوز ريكدشت بثلاثة فراسخ على سمت الطريق إلى؟؟؟؟ بانعاب «2» . ومن الترمذ إلى القواذيان مرحلتان، ومن القواذيان إلى الصغانيان ثلاث مراحل، ومن واشجرد إلى قنطرة الحجارة يوم، فهذه مسافات ما بين الصغانيان إلى أقصى الختّل. مسافات خوارزم: من مدينة خوارزم إلى خيوه مرحلة، ومن خيوه إلى هزارسب مرحلة، ومن المدينة إلى الجرجانيّة ثلاث مراحل، منها إلى أردخشميثن مرحلة، ومن أردخشميثن إلى نوزوار مرحلة، ومنها إلى الجرجانيّة مرحلة، وبين هزارسب وكردران خواش ثلاثة فراسخ، ومن كردران خواش إلى خيوه خمسة فراسخ، ومن خيوه إلى سافردز خمسة فراسخ، ومن سافردز إلى المدينة ثلاثة «3» فراسخ، ومن المدينة إلى درجاش مرحلتان «4» ، ومن درجاش إلى كردر مرحلة، ومن كردر إلى قرية براتكين يومان، ومذمينية وقرية براتكين متقاربتان، غير أن الأقرب إلى جيحون مذمينية، ومن مذمينية إلى وادى جيحون أربعة فراسخ، وبين مرداجقان ونهر جيحون فرسخان، وهى بحذاء الجرجانيّة، وبين الجرجانيّة وجيحون فرسخ. وأما مسافات المدن ببخارى فإن من بومجكث- وهى قصبة بخارى- إلى بيكند مرحلة، ومن بومجكث إلى خجادة ثلاثة فراسخ- على يمين الذاهب من بخارى إلى بيكند، وبينها وبين الطريق نحو فرسخ؛ وأما مغكان فإنها من المدينة على خمسة فراسخ عن يمين طريق بيكند، وبينها وبين الطريق نحو لاثة فراسخ؛ وأما زندنة فإنّها من المدينة على أربعة فراسخ فى شماليّ المدينة؛ وأما بومجكث فإنّها على يسار الذاهب إلى الطواويس على أربعة فراسخ، وبينها وبين الطريق نحو نصف فرسخ، وبين كرمينية وخديمنكن فرسخ مما يلى السغد، وبين خديمنكن وطريق سمرقند غلوة على يسار الذاهب إلى سمرقند. ومذيامجكث وراء وادى السغد أعلى من خديمنكن مقدار فرسخ؛ وخرغانكث بحذاء كرمينية على فرسخ من وراء الوادى، وخرغانكث عند مذيامجكت. الجزء: النص ¦ الصفحة: 190 وأما مسافات مدن سمرقند والسغد فإنّ من سمرقند إلى باركث أربعة فراسخ، ومن سمرقند إلى ورغسر أربعة فراسخ، ومن ورغسر إلى بنجيكث خمسة فراسخ، فمن سمرقند إلى بنجيكث تسعة فراسخ، ومن سمرقند إلى وذار فرسخان، ومن سمرقند إلى كبوذنجكث فرسخان، ومن سمرقند إلى اشتيخن سبعة فراسخ على شمال سمرقند، ومن اشتيخن إلى الكشانية غربى اشتيخن خمسة فراسخ، ومن اشتيخن إلى زرمان فرسخ واحد، ومن الكشانية إلى ربنجن فرسخان. والمسافات بكشّ ونسف: فمن كشّ إلى نسف ثلاث مراحل مما يلى المغرب، ومن كشّ إلى الصغانيان ست مراحل، ومن كش إلى نوقد قريش خمسة فراسخ على طريق نسف، ومن كشّ إلى سونج فرسخان، يعدل إليها من نوقد قريش، واسكيفغن على فرسخ من سونج، وسونج أقرب إلى نسف من اسكيفغن، ومن نسف إلى كسبه أربعة فراسخ، على طريق لبخارى أسفل من الطريق التى ذكرنا، وبين نسف وبين بزده ستة فراسخ. فهذه مسافات مدن نسف وكش. وأما مسافات مدن أشروسنه فإن: من خرقانه إلى ديزك خمسة فراسخ، ومن خرقانه إلى زامين تسعة فراسخ ومن زامين إلى ساباط ثلاثة فراسخ، ومن زامين على طريق خاوس إلى كركث ثلاثة عشر فرسخا عن يسار الذاهب إلى فرغانة، وبين مدينة اشروسنة وساباط ثلاثة فراسخ فيما بين الجنوب والمشرق، وبين نوجكث وخرقانة فرسخان فيما بين المشرق والجنوب من خرقانة، وارسيانيكت على حدّ فرغانة من شرقىّ مدينة أشروسنة على تسعة فراسخ، وفغكث على ثلاثة فراسخ من المدينة فى طريق خجنده، ومن فغكث إلى غزق فرسخان، ومن غزق إلى خجنده ستة فراسخ. المسافات بين مدن الشاش وإيلاق وأسبيجاب وما يتصل بها: بناكث على نهر الشاش، ومنها إلى خرشكث فرسخ، ومن خرشكث إلى خدينكت فرسخ، ومنها إلى استوركث ثلاثة فراسخ، ومنها إلى دنفغانكت فرسخان، ومنها إلى زالثيكت فرسخ، ومنها إلى بنكث فرسخان، فهذه المدن على طريق بناكث إلى بنكث. وأما المدن التى على طريق تونكت- وتونكت قصبة إيلاق فإن: من تونكت إلى نوغكت فرسخا، ومنها إلى بالايان فرسخان، ومنها إلى بانجخاش فرسخان، ومنها إلى سكاكت فرسخ، ومنها إلى نوكث فرسخ. فأما ما بين نهر ترك ونهر إيلاق مما يلى المشرق عن طريق إيلاق فإنّ على ترك من بنكث: على فرسخين جيغوكث، وتليها على فرسخين فرنكث؛ وتليها على فرسخ بغونكث، وتليها على فرسخين أنوذكت وكداك وغدرانك وكبرنه وغزك ووردوك وجبوزن كلها متقاربة فى مقدار يوم أو نحوه. وما بين نهر ترك ونهر إيلاق من غربىّ طريق إيلاق فإنها اشبينغو وكلشجك وارد لانكت وبسكت وسامسيرك وخمرك وغنّاج كلها فى مقدار الجزء: النص ¦ الصفحة: 191 مرحلة فى نحوها. وأما ما بين بناكث ونوكث ونهر الشاش ونهر إيلاق فإنّها غرجند وخاش ودخكث وتكّث وكوه سيم فى مقدار يومين فى أقل من يوم. وأما ما بين نهر إيلاق ونهر الشاش عن غربى نوكث فإنّها: أربيلخ ونموذلغ فى مقدار خمسة فراسخ، وجينابحكث على طريق وينكرد إلى بنكث، وبينها وبين نهر الشاش فرسخان، ونجاكث على وادى الشاش، ويجتمع عندها بنهر ترك، وبينها وبين بناكث ثلاثة فراسخ، وكنكراك على نهر ترك بقرب خدينكت على فرسخ. فأمّا ما بين نهر ترك وحائط الشاش الذي من وراء القلاص: فخاتونكث على فرسخين من المدينة، وبركوش على ثلاثة فراسخ من خاتونكث على سمتها، ومنها إلى خركانكت أربعة فراسخ على سمت المشرق، ومن بنكث إلى اسبيجاب أربع مراحل، ومن اسبيجاب إلى أسبانيكت مرحلتان، ومن اسبانيكت إلى كدر- قصبة باراب- مرحلتان خفيفتان، ومن كدر إلى شاوغر مرحلة، ومن شاوغر إلى صبران مرحلة خفيفة، ووسيج على غربىّ النهر على الشط أسفل من كدر بفرسخين، وباراب عن شرقىّ الوادى، وبين كدر والنهر نصف فرسخ. الطريق من أخسيكت إلى شكت تسعة فراسخ- وهى أول ميان روذان، ومن وبين كدر والنهر نصف فرسخ. الطريق من أخسيكت إلى شكت تسعة فراسخ- وهى أول ميان روذان، ومن أخسيكت إلى سلات آخر ميان روذان نحو خمس مراحل، ومن أخسيكت إلى كاسان فى شماليّها خمسة فراسخ، ومن كاسان إلى اردلانكت منزلتان، ومن كاسان إلى نجم فى سمت الشمال يوم، ومن أخسيكت إلى حدّ كروان نحو سبعة فراسخ، إلى وانكت من أخسيكت نحو 7 فراسخ، وحدّها يتصل بإيلاق، وهى بين المغرب والشمال من اخسيكت، وكروان بينها وبين كاسان أربعة فراسخ، ومن أخسيكت إلى كروان نحو تسعة فراسخ، وباراب واخسيكت على شط نهر الشاش، وكند بينها وبين نهر الشاش زيادة على فرسخ، وكذلك بين وانكت والوادى زيادة على فرسخ، وبين خواكند والوادى خمسة فراسخ، ومن قبا إلى رشتان بينه وبين نهر الشاش كله نحو مرحلة، ومن قبا إلى اشتيقان ثلاثة فراسخ، ومن اشتيقان إلى الوادى سبعة فراسخ، وهى على طريق قبا إلى اخسيكت، ومن سوج إلى بامكاخش خمسة فراسخ، ومن بامكاخش إلى طماخس نحو من ميل، ومن بامكاخش إلى سوج خمسة فراسخ، ومن سوج إلى أوال على طريق أوجنه نحو عشرة فراسخ، ومن قبا إلى نقاد نحو المشرق نحو سبعة فراسخ، وحدودهما متصلتان، ومن أوش إلى مدوا فرسخان، ومن وانكت إلى خيلام ثلاثة فراسخ، ومن خيلام إلى سلات سبعة فراسخ، وسلات وبيسكند ليس بهما منبر، ولكهما ثغران فلذلك ذكرناهما. الجزء: النص ¦ الصفحة: 192 دراسة صور كتاب المسالك والممالك للاصطخرى الجزء: النص ¦ الصفحة: 193 مصورات الكتاب أقام الاصطخرى كتابه المسالك والممالك على أساس أن يكون موضوع الحديث عن الإقليم معتمدا على مصور يرسمه بادئ ذى بدء، يبين فيه ما يراد معرفته، حتى ترتسم فى خيال الناظر إليه فكرة واضحة عنه، رسم منهج كتابه فى قوله: (ولأن الغرض فى كتابى هذا تصوير هذه الأقاليم، التى لم يذكرها أحد علمته، وأما ذكر مدنها وجبالها وأنهارها وبحارها والمسافات وسائر ما أنا ذاكره فقد يوجد فى الأخبار، ولا يتعذر على من أراد تقصّى شىء من ذلك من أهل كل بلد، ولذلك تجوزنا فى ذكر المسافات والمدن وسائر ما نذكره، فاتخذت لجميع الأرض التى يشتمل عليها البحر المحيط الذي لا يسلك صورة، إذا نظر إليها ناظر علم مكان كل إقليم مما ذكرناه، واتصال بعضه ببعض، ومقدار كل إقليم من الأرض، حتى إذا رأى كل إقليم من ذلك مفصّلا علم موقعه من هذه الصورة، التى جمعت سائر الأقاليم، لما يستحقه كل إقليم فى صورته، من مقدار الطول والعرض والاستدارة والتربيع والتثليث، وسائر ما يكون عليه أشكال تلك الصورة فاكتفيت ببيان موقع كل إقليم ليعرف مكانه، ثم أفردت لكل إقليم من بلاد الإسلام صورة على حدة، بيّنت فيها شكل ذلك الإقليم، وما يقع فيه من المدن وسائر ما يحتاج إلى علمه، مما آتى على ذكره فى موضعه إن شاء الله تعالى. ففصّلت بلاد الإسلام عشرين إقليما، وابتدأت بديار العرب فجعلتها إقليما، لأن فيها الكعبة ومكة أم القرى، وهى واسطة هذه الأقاليم، ثم اتبعت ديار العرب ببحر فارس، لأنه يكتنف أكثر ديار العرب، ثم ذكرت المغرب حتى انتهيت إلى مصر فذكرتها، ثم ذكرت الشام، ثم بحر الروم، ثم الجزيرة، ثم العراق، ثم خوزستان، ثم فارس، ثم كرمان، ثم المنصورة وما يتصل بها من بلاد السند والهند والإسلام، ثم أذربيجان وما يتصل بها، ثم كور الجبال، ثم الديلم، ثم بحر الخزر، ثم المفازة التى بين فارس وخراسان، ثم سجستان وما يتصل بها، ثم خراسان، ثم ما وراء النهر) . وفى هذا القول- الذي يقدم به الإصطخرى خطة كتابه المسالك والممالك ومنهجه- يذكر لنا تفصيلا صور الأقاليم التى يتضمنها هذا الكتاب، وفق الترتيب المرسوم لكتابه، وهذه الصور كما رتبها الإصطخرى تسير واحدة تقفو الأخرى على النحو الآتى: الجزء: النص ¦ الصفحة: 195 (1) صورة الأرض والأقاليم. (2) صورة ديار العرب. (3) صورة بحر فارس. (4) صورة المغرب. (5) صورة مصر. (6) صورة الشام. (7) صورة بحر الروم. (8) صورة الجزيرة. (9) صورة العراق. (10) صورة خوزستان. (11) صورة فارس. (12) صورة كرمان. (13) صورة بلاد السند والهند. (14) صورة أرمينية وأذربيجان. (15) صورة الجبال. (16) صورة الديلم. (17) صورة بحر الخزر. (18) صورة المفازة التى بين فارس وخراسان. (19) صورة سجستان. (20) صورة خراسان. (21) صورة ما وراء النهر. هذا هو أساس الكتاب وتبويبه، ويلفت النظر منه أمران، أولهما جعله المصورات عمادا للحديث، والثانى طريقته فى الترتيب؛ أما الأول وهو جعل المصورات الجغرافية أساسا للحديث فى الموضوع فهو منهج علمى سليم، هدت إليه بصيرة نافذة، ويدل على أن علم الجغرافية الوصفية أخذ يرقى منذ القرن الرابع الهجرى، ويخرج نهائيا عن دائرة الأخبار وسردها، إلى دائرة تأسيس علم يقوم على قواعد مقررة، وعلى ذلك فإن ملامح هذا العلم أخذت تتغير عما كان عليه الأمر، حين كان يكتب فيه قدامة بن جعفر (266 هـ 880 م) واليعقوبى (278 هـ 891 م) وابن رسته (290 هـ/ 903 م) ، وابن الفقيه الهمذانى (290 هـ/ 903 م) ومن إليهم ممن كتب فى البلدان، أخذ علم الجغرافية عند العرب يستقل وتتقنن قواعده منذ القرن الرابع الهجرى، وتقوم على اعتبار المصورات الجغرافية أساسا أو وسيلة لا بد منها للبيان، كما هو الشأن عند أبى زيد البلخى والإصطخرى وابن حوقل وغيرهم، على أنّ هذه الخطوة الفذة فى تاريخ العلم لم تأت على يد الإصطخرى، وإنما جاءت بفضل تمهيد الذين سبقوه أمثال ابن خرداذبه (250 هـ/ 864 م) ومن جاء بعده ممن عنوا بالمصورات الجغرافية كأبى زيد البلخى، الذي سمى كتابه صور الأقاليم، ولكنّ هذه الحقيقة التاريخية ربما بدت مناقضة لما يقول الإصطخرى فى مقدمة كتابه المسالك والممالك (ولأن الغرض فى كتابى هذا تصوير الأقاليم التى لم يذكرها أحد علمته) ، وهذا التناقض يبدو فى قول المؤلف أنه أول من جاء بالمصورات الجغرافية لتبيان الأقاليم، ولكن هذا التناقض ظاهرى لا غير، ذلك لأن الإصطخرى جعل أساس الحديث عن الإقليم المصورة الجغرافية، أعنى أنه جمع بين منهج السلف فى ذكر الأخبار الجزء: النص ¦ الصفحة: 196 وبين منهج أبى زيد البلخى- الذي يبدو من عنوان كتابه- أنه جعل المصورات أهم شىء فيه، هذا المنهج الذي أقامه الإصطخرى بين القديم والجديد والتوفيق بينهما، على أساس أن تكون المصورة هى العمدة فى القول، هو ما يهدف إليه المؤلف، كما يتضح ذلك من ثنايا كتابه وممن اقتفى أثره مثل ابن حوقل، وعلى ذلك يمكن فهم عبارة الإصطخرى بأنه أول من جعل الحديث عن الأقاليم بيانا قائما على أساس المصورات الجغرافية، هذا بالإضافة إلى تقسيمه الأقاليم تقسيما يقوم على أساس جغرافى لا إدارى، وهو أمر- فيما يبدو حتى الآن- لم يسبق إليه. احتفل الإصطخرى احتفالا عظيما بمنهجه جعله يضع صورة الإقليم أول ورقة فى موضوع الإقليم، أو قل عنوانا له وحديثا تصويريا له؛ وكان هذا الصنيع من الإصطخرى دفعا لعلم الجغرافية عند العرب خطوة إلى الأمام، ويدلك على ما لهذا المنهج من تقدير أعجب المؤلفين فى هذا العلم أن ابن حوقل (367 هـ/ 978 م) الذي جاء بعده تأثر بمنهج الإصطخرى، ولم يقتصر على المصورات يذكر فيها المدن والجبال والأنهار وطرق المواصلات كسابقه، وإنما أضاف إلى ذلك بعض بيانات على المصورة نفسها، كما يتضح ذلك من صورته للمغرب مثلا. أما الأمر الثانى: وهو تبويبه لموضوعات الكتاب فقد جعل مكة المكرمة أو ديار العرب مفتاح الحديث عن الأقاليم، وهذا منهج أيضا لو فكرنا فيه على ضوء الواقع آنئذ رأيناه سليما، ذلك لأن العالم فى ذلك الوقت كان ينقسم إلى قسمين، قسم يعيش فى بلاد الإسلام، وقسم آخر يعيش على تخوم أو وراء هذه الأقاليم الإسلامية المترامية الأطراف، التى تمتد رقعتها من بحر الظلمات (المحيط الأطلسى) غربا إلى حدود الصين- باصطلاح القوم آنئذ- شرقا، والتى تتصل شمالا وجنوبا بأقوام مختلفة الأجناس والأديان واللسان، وهؤلاء الأقوام لم تكن لهم رابطة أو أساس يجمعهم أو يستظلون به، كما هو الشأن فى بلاد الإسلام، التى كان يجمعهم اللسان الواحد وهو العربى، أضف إلى ذلك أنها كانت مقر الحضارة والثقافة ودين الإسلام، ذلك الدين الذي كان له شأن عظيم فى مظاهر الحياة الاجتماعية، إلى حد أننا نرى حركات الإصلاح والحركات السياسية تقومان باسمه، ومن ثمّ فالإسلام إلى جانب أنه دين سماوى كان ظاهرة اجتماعية خطيرة الشأن، لها اعتبارها إلهام فى أوضاع الحياة فى مختلف مناحيها، ومن هنا كانت بلاد العرب مفتاح الحديث، لأن بها الأماكن المقدسة التى لها فى نفوس الناس قداسة، وفى قلوبهم شوق إليها وتطلع إلى معرفتها، وعلى ذلك فإنّ اتخاذ بلاد العرب بداية للحديث هو اختيار للوسيلة لتقبّل الناس بنفوس مطمئنّة، فإذا أضفنا إلى ذلك أن علم الجغرافية علم حديث أينعت ثمرته فى مجال العلوم الشرعية واللغوية والتاريخ اتضح لنا الهدف من اتخاذ بلاد العرب مفتاحا للحديث، ذلك لأن هذه العلوم كانت تتصل بالدين من قرب أو من بعد، وهذا الاتصال هو الذي مهّد لها أن يعلو شأنها وأن تنجح فى حياتها، وهو الأمر الذي أشار إليه المؤلف فى قوله (لأن فيها الكعبة ومكة أم القرى) ، وعلى أية حال لم يكن هناك خير من بلاد العرب التى تضم مكة والمدينة والتى يسعى إليها الحجيج من كافة الأقطار الإسلامية فى كل عام. الجزء: النص ¦ الصفحة: 197 إن تبويب الكتاب على هذا الوجه أمر يتفق والعقلية السائدة فى عصر المؤلف، ولكنّ الذي يؤخذ على الاصطخرى فى كتابه المسالك والممالك هو جعله المناسبة- عارضة كانت أو غير عارضة- طريقا يثب عليه للحديث عن موضوع آخر، وهذا العيب- وإن كان محدودا فى كتاب الاصطخرى- إلا أنه لا يخلى المؤلف من المؤاخذة، ذلك لأننا نراه يثب من الحديث عن بلاد العرب إلى الحديث عن بحر فارس، معلّلا هذه الوثبة بأن هذا البحر يكتنف أكثر ديار العرب، ولكن هذا التعليل هو فى حقيقة الأمر تغطية لاتخاذه المناسبة أساسا للحديث عن هذا الموضوع، وهذه خصلة نجدها شائعة فى الكتب العربية القديمة، ونقول إن هذا التعليل للتغطية لأن بحر فارس (أو المحيط الهندى بالمصطلح الحديث) يكتنف ديارا أهلها غير عرب مثل فارس والسند والهند وما سماه الجغرافيون العرب الصين، ومثل اكتناف بحر فارس لبلاد العرب مثل بحر القلزم (البحر الأحمر) فلم اختار المؤلف بحر فارس وترك بحر القلزم؟ ذلك أمر صمت عنه، بل لماذا- إذا كان التعليل صحيحا- لم يفرد لبحر القلزم حديثا وهو بحر يفرق بين قارتين؟ هذا العيب فى التأليف لا ينفرد به المؤلف وحده، بل هو شائع فى المؤلفات العربية القديمة فى مختلف العلوم وخاصة فى المؤلفات الأدبية، ولكن الذي يغفر للمؤلف زلّته أنه لم يمض فى هذه السبيل مضاء غيره من المؤلفين، ذلك لأنه ارتد إلى منطقه فى علم الجغرافية وأخذ يتحدث عن الأقاليم مرتبة من الغرب إلى الشرق، وأخذ يفصّلها وفق المنهج الذي رسمه لنفسه فى مقدمة كتابه المسالك والممالك. هذا الترتيب وذلك التبويب الذي أجمعت عليه كل المصادر التى عاونت دى جويه فى نشر كتاب الاصطخرى، نجدهما ملتزمين فى مخطوطة دار الكتب المصرية رقم 199 جغرافية، التى كانت فى حوزة العالم المصرى على باشا مبارك وأهديت لدار الكتب، والتى كانت أحد العمد الرئيسية فى عرضنا لكتاب الاصطخرى، باعتبار أنها مخطوطة لم تستخدم فى نشر الكتاب من قبل، يضاف إلى ذلك أن مخطوطة دار الكتب تلتزم نفس الطريق الذي تلتزم به المخطوطات الأخرى، فى وضع المصورات الجغرافية فى مطلع الحديث عن الإقليم، وهو الأساس الذي فرضه الاصطخرى على نفسه وهو يؤلف كتابه المسالك والممالك. ونحن إذا تجاوزنا هذا الشكل العام لتنظيم الكتاب وذهبنا إلى مصورات المخطوطات الأخرى المنسوبة للاصطخرى نجدها بوجه عام مشابهة لمصورات مخطوطة دار الكتب، لا نلحظ فيها اختلافا يدعو إلى الريبة أو الشك فى نسبة هذه المخطوطة للاصطخرى، ونقول بوجه عام لأن راسم مصورات مخطوطة دار الكتب يتميز عن غيره بآيتين، الأولى هى: الزخرفة والتلوين، والثانية هى: الذوق فى الرسم. فهذه الزخرفة لتجعل منظر الصورة جميلا طغى على تمام المشابهة، ونحن نقول هذا استنتاجا لأن الدقة فى النقل عن الاصطخرى لا يمكن أن نصل إليه من مخطوطة بعينها دون غيرها من المخطوطات الأخرى، ذلك لأن الأصل الذي وضعه الاصطخرى قد أبلاه الزمن، ولم يبق إلا هذه المصورات المنقولة، والمصورات مهما بدت متماثلة فلا بد من وجود اختلاف، الجزء: النص ¦ الصفحة: 198 مترتبا على اختلاف الأيدى والأذواق، ولنضرب على ذلك مثالا بخريطة العالم فى مخطوطتين اعتمد عليهما دى جويه فى نشر الكتاب، وهما المخطوطتان المصورتان والمحفوظتان بدار الكتب برقمى 256، 257 جغرافية، وهما اللذان رمزنا إليهما أثناء عرض النص بالحرفين ب ج، إذ نظرنا إلى الصورة فى المخطوطتين هاتين نظن لأول وهلة أن الصورتين متماثلتان، ولكن الذي يمعن النظر فيهما يجد بينهما اختلافا، وهذا الاختلاف يتبين فى وضع بحر الروم فى صورتى المخطوطتين للعالم، فالمخطوطة رقم 257 تضعه فى منتصف الدائرة تقريبا وإلى اليمين، أما المخطوطة رقم 256 فتضعه فى المنتصف وإنما إلى الشمال قليلا، وعلى ذلك فإن وضع بحر الروم فى الصورتين ليس فى مكان واحد، وإذا كان الأمر على هذا الوجه فمن الخير أن نعطى صورة واضحة عما بين المصورات فى المخطوطات الثلاث من اختلاف، على أن نرمز إلى مخطوطة دار الكتب برقمها 199 والأخيرتين برقم 256 257 وهما الرقمان المسجلتان بهما. ولكن قبل أن نمضى إلى هذه الخطوة يجب علينا أن نذكر أن مخطوطة دار الكتب رقم 199 ناقصة من أولها إلى الثلث الأول تقريبا من الحديث عن مصر، ومن ثمّ فالصورة التى تمثل العالم ومواضع الأقاليم فيه وصورة بلاد العرب وصورة بحر فارس وصورة المغرب وصورة مصر ضائعة، وعلى ذلك فإنا نذكر الاختلافات بدء من صورة الشام، وهى أول صورة تشترك فيها المخطوطات جميعا. فى صورة الشام نجد الرسم فى المخطوطات الثلاث قائما على شكل مستطيل، ولكن الاختلاف فى أمرين: فى رسم الجبال الممتدة من آسيا الصغرى إلى الشام، نجد الجبال فى 199 مرسومة على خط مائل ومستقيم، يبدأ من زاوية المستطيل السفلى من جانبه الأيمن إلى الزاوية العليا المقابلة من الجانب الأيسر، أى من نواحى طرسوس إلى بحر القلزم، أما فى 256، 257 فاتجاه الجبال مائل من بحر القلزم إلى قرب الإسكندرونة، ثم تأخذ خطا أفقيا نحو بلاد الروم، وهو اختلاف منشؤه الزخرفة وجمال الصورة أو الإهمال؛ أما الأمر الثانى فهو يستحق الذكر وهام، ذلك لأن فى 199 خطين متوازيين تسميهما نهر سيحان، أما فى 256، 257 فالخطان المتوازيان قصيران، يأخذان من طرف الجبال بالشام إلى نحو بحر الروم، وتسميهما العاصى، وإذا رجعنا إلى نص الاصطخرى نجده يقول (وجيحان يخرج من بلد الروم حتى ينتهى إلى المصّيصة ثم إلى رستاق يعرف بالملّون حتى يقع فى بحر الروم) ، وعلى ذلك فالمخطوطة رقم 199 هى التى تتفق مع الاصطخرى، فإذا لا حظنا أن الاصطخرى لم يتعرض فى حديثه عن الشام لنهر العاصى تبيّن لنا طبقا لخطته أنه لم يرسمه فى الصورة، ويترتب على ذلك أن 256، 257 رسمتا ما لم يرسم الاصطخرى، وأهملتا ما رسم. الجزء: النص ¦ الصفحة: 199 فى صورة بحر الروم ونجد الصورة فى المخطوطات الثلاث متشابهة، والاختلاف الوحيد الذي يستحق الذكر هو رسم نهاية الأنهار الثلاثة العاصى وجيحان وسيحان إلى بحر الروم، فهى فى 256، 257 متصلة على شكل رأسى بقاعدة الرسم، أما فى 199 فإنها متصلة بالرسم يميل إلى جهة اليمين، اثنان منهما بالقاعدة وهما العاصى وجيحان والثالث وهو سيحان بعيد عنها قليلا نحو بلاد الروم، وربما كان هذا تصرفا من الراسم إيثارا منه بمعلوماته عن هذه الأنهار الثلاثة، وعلى أية حال فالقاعدة الأساسية للرسم واحدة فى الجميع. فى صورة الجزيرة ليس هناك اختلاف بذى شأن بين صور المخطوطات الثلاث يستحق الذكر، وإنما يعنينا أن نصحح خطأ جاء بفهارس دار الكتب المصرية فى البيان المذكور عن المخطوطة رقم 257، فقد جاء فيه (والثامنة فى صفة البحر وما فيه) ، وواضح أن الصورة الثامنة ليست فى صفة البحر وما فيه، وإنما هى آخر جملة فى الفصل السابق وهو بحر الروم، لم يجد لها الناسخ فراغا يكتبها فيه فكتبها أعلى الصورة، فظنّ خطأ أنها عنوان الصورة، يؤيد هذا المخطوطتان 256، 199، ويزكيهما النص الذي نشره دى جويه، يضاف إلى ذلك أن الصورة خاصة بالجزيرة، وهى لا بحر فيها. فى صورتى العراق وخوزستان ليس هناك اختلاف بين صور المخطوطات الثلاث، وكلّ ما فى الأمر أن البصرة مرسومة فى صورة خوزستان على شكل قبة، لأنها كانت تعرف بقبّة الإسلام لعظمتها قبل ازدهار بغداد، التى اتخذت هذا اللقب فى عظمتها وسقط عن البصرة، يضاف إلى ذلك أن نهر خوزستان مرسوم إلى نهايته فى 256، 257 وغير كامل فى 199. فى صورة فارس والاختلاف بين صور المخطوطات الخاصة بفارس يتبيّن فى رسم الأنهار، فنهر شيرين مرسوم إلى أعلى متعرجا فى 199 ومقوس إلى أعلى فى 256، 257، أما نهر الشاذكان فهو مائل من منبعه إلى مصبّة فى البحر فى 199، وقوس مقعر فى 256، وقوس إلى أعلى فى 257، وكذلك نهر الخوبذان فهو مرسوم بميل من منبعه إلى مصبه فى البحر فى 199، وهو قوس إلى أعلى فى 256، 257. الجزء: النص ¦ الصفحة: 200 فى صورة كرمان والاختلاف فى صورة كرمان فى ساحل بحر فارس، فإنه قوس إلى أعلى فى 256، 257 أما فى 199 فاتجاه القوس إلى أسفل، وفى رسم جبال القفص والبلوص فإنها على شكل قوس، التجويف إلى أسفل أكبر منه فى 256، 257. وهناك اختلاف آخر فى كتابة عاصمة كرمان، فهى السيرجان فى 256، 257 وهو الأصح، وهى كرمان فى 199 وهو خطأ من الكاتب، أو ربما لم يستطع قراءة الكلمة فى الصورة التى ينقل عنها فكتبها كرمان، ذلك لأنه يذكر إلى جوارها بردسير، وهى التى اتخذت اسم كرمان فى عصر متأخر بعد زوال السيرجان «1» . فى صورة بلاد السند والاختلاف هنا فى وضع بلد الرور، فهى على السندروذ فى 199، وعلى أصل النهر قبل تفرعه فى 256، 257، وبالرجوع إلى نص الاصطخرى نجده يقول (ومدينة الرور تقارب الملتان فى الكبر، عليها سوران، وهى على شط نهر مهران) ويتبين من ذلك أن 199 تخطىء فى وضع المدينة، وأن وضعها المتفق مع نص الاصطخرى هو كما فى 256، 257. فى صورة أرمينية والران وأذربيجان والاختلاف هنا بين الصور الثلاث للمخطوطات الثلاث نجده فى نهر الرس، نجد نهر الرس فى 199 متصلا بنهر الكر قبل مصبهما فى بحر الخزر، ونجده غير متصل بنهر الكر فى 256، 257، والأصح اتصاله بنهر الكر كما هو واضح من نص الاصطخرى (وأما نهر الرس فإنه نهر عذب طيب يخرج من أرمينية حتى ينتهى إلى باب ورثان ثم ينتهى إلى خلف موقان وخلف مخرج نهر الكر فيقع فى البحر) . فى صورة الجبال والاختلاف الواضح الوحيد هنا هو أن 199 تثبت خط القوافل الممتد من همذان إلى شهرزور، وهذا الخط غير موجود فى 256، 257، وإذا رجعنا إلى نص الاصطخرى نجده يثبت هذا الخط فى بيانه عن المسافات (خطوط القوافل) . الجزء: النص ¦ الصفحة: 201 فى صورة الديلم ونواحيها وأوضح اختلاف نجده هنا هو فى موقع مدينة بسطام، تجعلها 257 ملاصقة لجبل الديلم، وتجعل 256 فاصلا صغيرا بينها وبين الجبل، أما 199 فتجعل الفاصل أكبر، ومن هذا يتضح أن المخطوطات الثلاث تختلف فى موضع المدينة، أو لعله إهمال من الراسمين ترتب عليه هذا الاختلاف. فى صور بحر الخزر نجد الاختلاف الواضح فى صور المخطوطات الثلاث فى مدينة سالوس، فإنها على البحر فى 199، 257، وبعيدة عنه قليلا فى 256، وإذا رجعنا إلى نص الإصطخرى نجده يحدد موضعها على البحر، وعلى ذلك فالمخطوطتان 199، 257 أدق هنا من 256. فى صورة مفازة خراسان أهم اختلاف فى صور المخطوطات الثلاث هو فى قاعدة الرسم، فهى خط مستقيم فى 256، 257، وعلى ذلك فالرسم على شكل مستطيل فيهما؛ أما فى 199 فالفاعدة مرسومة قوسا مجوفا، أضف إلى ذلك اختلافا يسيرا هو فى عنوان الصورة، فهو فى 256، 257 صورة المفازة التى ببن خراسان وفارس؛ وتزيد 257 إلى هذا العنوان أسفله عنوانا آخر هو مفازة سجستان ومكران وبلاد السند، أما العنوان فى 199 فهو صورة مفازة ما بين فارس وخراسان، وهذا اختلاف من النسّاخ ليس بذى أهمية. أما بعد فصور المخطوطات الثلاث 199، 256، 257 متشابهة، وليس بينها كما قلت اختلاف يبعث على الريبة ويدعو إلى الشك فى صحة نسبتها، على أن هناك ملاحظة عامة ينبغى ألا تفوتنا، وهى أن 199 تكثر من ذكر البلاد على الصورة أكثر مما تفعل 256، 257. وإذا قابلنا هذه الزيادة بنص الاصطخرى نجد أنّها تزيّد من الناسخ، وهذا لا يعيب الصورة أو يطعن فى نسبتها، ما دامت قائمة على نفس الأساس فى الرسم الذي قامت عليه الصور الأخرى، وهذه الكثرة ربما لا تلحظ إلا فى منطقتى الجيل والديلم، لظهورها بوضوح، ولكن الرجوع إلى نص الإصطخرى يدل على ذكره لكثير من البلاد التى أهملت ذكرها 256، 257، والخلاصة أنه إذا كان فى 199 تزيّد ففى 256، 257 تقصير فى استيفاء كثير من المصورات طبقا لما جاء بالنص. ننتقل بعد ذلك إلى الأطلس المشهور MOnumenta Cartographica نبحث بين طياته عن الصور المنسوبة للأصطخرى؛ فنجد المجلد الثالث فى جزئه الثانى يضم ستا وثلاثين صورة من ص 587 إلى 622، يستطاع ضم الصور المتماثلة معا فيتأتّى من ذلك أن: الجزء: النص ¦ الصفحة: 202 صورة العالم والإقليم تختص بالصور فى الصفحات 587؛ 600، 605، 606، 611، 616، 621 وصورة بحر فارس « « « «588، 591، 612 «المغرب « « « «589، 592، 597، 602، 608، 613، 622 «بحر الروم « « « «590، 594، 604، 610، 615، 620 «مصر « « « «593، 598، 603، 609، 614 «الشام «بصورة واحدة 599 «بلاد العرب « « «607 فهذه ثلاثون صورة ويبقى بعد ذلك ست صور هى كالآتى: صورتان للأقاليم الشرقية للعالم الإسلامى فى ص 595، ص 601، وأربع صور تصور جانبا من العالم الإسلامى لا إقليما بعينه، وهى فى ص 596، ص 617، ص 618، ص 619. والنظرة السطحية لهذا الإحصاء يتبين منه لأول وهلة أمران: الأول أنها ليست جميعا للأصطخرى، لأن الإصطخرى- كما قال لنا فى مقدمة كتابه- رسم صورة واحدة للعالم والأقاليم، وصورة واحدة لكل إقليم من أقاليم العالم الإسلامى على نحو ما ذكرنا؛ والثانى أن صور الأطلس لا تشتمل على جميع صور الأقاليم، بل هو اقتصر على صور سبعة أقاليم فحسب، بينما للأصطخرى إحدى وعشرون صورة للعالم والأقاليم. وإذا قمنا باحصاء آخر من زاوية أخرى وجدنا: أن للعالم وأقاليمه سبع صور، منها واحدة منسوبة للأصطخرى مؤرخة 589 هـ، وثلاثا لا تحمل اسم صاحبها ولا تاريخ رسمها، وإحداها بيّنت الحدود على الصورة باللغة الفارسية، وواحدة تحمل تاريخها وهو 867 هـ ولا تنسب لصاحبها، 2 واثنتين تنسب احداهما لناصر الدين الطوسى، الذي كتب بياناتها بالفارسية، والأخرى تنسب لابن خرداذبه. ولبحر فارس ثلاث، احداها تحمل اسم الإصطخرى مؤرخة 589 هـ، والثانية تحمل اسم أبى على الفارسى النهوى، والثالثة لا تحمل اسما ولا تاريخا، والبيانات فيها بالفارسية، ويلاحظ أن الصفحة المقابلة لهذه الصورة الأخيرة مكتوبة بالفارسية، إذ يظهر منها فى الصفحة المقابلة بقايا خمسة أسطر مكتوبة بالفارسية. وللمغرب سبع، واحدة تحمل اسم الاصطخرى مؤرخة 589 هـ، وثلاث لا تحمل اسما ولا تاريخا، اثنان منها عليهما البيانات بالفارسية، وإحداها يظهر من الصفحة المقابلة للصورة بقايا عشرة أسطر مكتوبة بالفارسية، وواحدة الجزء: النص ¦ الصفحة: 203 تحمل اسم أبى على الفارسى النهوى، وواحدة تحمل اسم أحمد بن الحسين الخوارزمى مؤرخة 686 هـ، وواحدة تحمل اسم ابن خرداذبه. ولبحر الروم ست، واحدة تحمل اسم الاصطخرى مؤرخة 589 هـ، تختلف فى الرسم عن المخطوطات التى تحدثنا عنها وهى 199، 256، 257، والاختلاف فى قاعدة الرسم، فالقاعدة فى جميع المخطوطات مدورة، أما فى صورة الأطلس هذه فالقاعدة ضلعا مثلث، أضف إلى ذلك أن بحر الروم فى صور المخطوطات مرسوم على هيئة خطين متوازيين يضمان البحر، أما فى صورة الأطلس فالخط مقوس، أما الصورة التى هى مشابهة فى الرسم لصور المخطوطات- وخاصة فى القاعدة- فهى تحمل اسم أبى على الفارسى النهوى، وليس عليها تاريخ، وواحدة لا تحمل اسم راسمها ولا التاريخ، وتتميز بأنها مشابهة لصور المخطوطات وإن خالفتها فى لغة البيانات، ذلك لأن حدود هذه الصورة مكتوبة بالفارسية، وواحدة لا تحمل اسم الراسم ولا التاريخ وتختلف فى الرسم عن صور المخطوطات التى ذكرناها، وهى ليست على صورة بحر الروم المألوفة لهذا العصر، وواحدة لا تحمل اسم الراسم ولا التاريخ، والرسم فيها على شكل رباعى خطاه الأيمن والأيسر يكاد يتوازيان، والأعلى والأسفل لا يتوازيان، وذلك فضلا عن أن البيانات بالصورة باللغة الفارسية، وأن الصفحة المقابلة لهذه الصورة مكتوبة بالفارسية، وأن رسمها يقرب من الرسم الحديث، وواحدة تحمل اسم ناصر الدين الطوسى وهى قريبة الشبه بصور المخطوطات 199، 256، 257. ولمصر خمس صور، اثنتان تحمل إحداهما اسم أبى على الفارسى النهوى، والأخرى اسم أحمد بن الحسين الخوارزمى مؤرخة 686 هـ، وواحدة لا تحمل اسم الراسم ولا التاريخ، ومكتوب تحتها (أما تنيس فالأمر فيها على ما صنفه صاحب الكتاب وأما دمياط فليست على ذلك اليوم ... ) ، واثنتان لا تحملان اسم الراسم ولا التاريخ والبيانات عليهما بالفارسية، وإحداهما تظهر صفحتها المقابلة وهى مكتوبة بالفارسية، كما يتضح مما بقى منها من بقايا ثلاثة عشر سطرا. وللشام صورة واحدة تحمل اسم أحمد بن الحسين الخوارزمى مؤرخه 686 هـ، تشتمل على الجانب الشرقى لبحر الروم، وهى مخالفة فى الرسم لصور المخطوطات التى ذكرناها. ولبلاد العرب صورة واحدة، لا تحمل اسم الراسم ولا التاريخ، ويتميز فيها بوضوح بحر القلزم، أما ساحل بلاد العرب الجنوبى فهو متصل بساحل فارس دون بيان الساحل الشرقى لبلاد العرب المطل على الخليج العربى. وللبلاد الإسلامية الشرقية صورتان، إحداهما تتضمن ديار العرب والشام والعراق والجبال ومفازة فارس الجزء: النص ¦ الصفحة: 204 وبلاد سجستان وبلد السند وكرمان وفارس وخوزستان، وهذه الصورة تحمل اسم أحمد بن الحسين الخوارزمى ومؤرخة 686 هـ، وصورة أخرى لا تحمل اسم الراسم ولا التاريخ. فإذا انتقلنا بعد ذلك إلى الصور الأخرى الباقية نجد صورة، الجانب الأيمن من الرسم فيها ساحل فارس والجانب الأيسر إفريقية، وتحمل اسم أحمد بن الحسين الخوارزمى مؤرخة 686 هـ. ونجد ثلاث صور لناصر الدين الطوسى لا تحمل تاريخا، الأولى الرسم فيها ساحل فارس وبلاد العرب وفى البحر سمكة كبيرة، وقف فى فمها رجل يرفع يديه إلى مستوى كتفيه تقريبا، كأنه يشكر الله على خروجه من من هذه السمكة، وعلى رسم البلاد العربية صورة رجل آخر، وكأنه يستمع إلى هذا الشكر فى خفاء من الرجل الواقف فى فم السمكة؛ ويظهر أن هذه الصورة تشير إلى قصة النبي الذي ابتلعه الحوت ثم خرج منه، والثانية لمصر، على الجانب الأيمن رسم طور سينا وفوق الجبل صورة موسى عليه السلام، وكتب أسفل الجبل (كوه حضرت موسى) ، وفى الجانب الأيسر رسم نخلة، ويبدو أن الرسم يهدف إلى الإشارة إلى قصة موسى عليه السلام، أما الصورة الآخرة فهى على شكل مستطيل أعلاه فى الوسط يقف صقر، ويتصل هذا المستطيل بمستطيل آخر قاعدته مقرسة من الجانبين، وقد كتب الراسم على الجانبين الأيمن والأيسر أسماء بلاد دون مراعاة لمواقعها فى أقاليمها أو ترتيب لوجودها على الأرض. من هذا العرض لصور الأطلس يتبين أنها لا تصلح جميعا مرجعا للفصل فى صحة نسبة صور كتاب المسالك والممالك للاصطخرى، وأنّ الاحتياط يفرض أن تكون أداة أو وسيلة لترجيح المرجح لا غير، وهذا النظر ليس مقصورا على الصور التى لا تحمل اسم الإصطخرى، بل على التى تحمل اسمه أيضا، ذلك لأنها مؤرخة سنة 589 هـ والمؤلف مات حوالى منتصف القرن الرابع، أى بينه وبين الراسم أكثر من قرنين، ومن ثمّ فإن مثل صور الأطلس المنسوبة للاصطخرى مثل غيرها من الصور التى توجد فى مخطوطات المسالك والممالك ويتضح من دراسة الصور المنسوبة للاصطخرى أنها جميعا تتشابه إلى حد كبير، ما عدا صورة بحر الروم التى فى الأطلس فإنها تختلف فى أساس الرسم عن غيرها. ومن الواضح أن صور الأطلس مفيدة فى التحقيق، وخاصة فى دراسة تطور فن رسم الخرائط عند العرب؟ محمد جابر الحسينى الجزء: النص ¦ الصفحة: 205 فهرس الموضوعات الموضوع صفحة المقدمة 15 ديار العرب حدود بلاد العرب 20 أقسامها 21 مكة 21 المدينة 23 اليمامة 23 البحرين 23 جدة 23 الطائف 24 الحجر 24 تبوك 24 مدين 24 الجحفة 24 فيد 24 خيبر 25 ينبع 25 ودّان 25 تيماء 25 مواطن القبائل 25 صفين 25 بادية الشام 26 تهامة 26 نجران 26 المذيخرة 26 شبام 26 عدن 26 حضر موت 26 مهرة 27 الشحر 27 عمان 27 صحار 27 الموضوع صفحة سبأ 27 الطرق 27 بحر فارس حدود بحر فارس 29 خليج السويس 29 بحر القلزم 29 مدينة القلزم 31 أيلة 31 مدين وعبادان 31 مهروبان 31 سينيز 31 جنابه 31 سيراف 31 حصن ابن عمارة 31 هرمز 31 الديبل 21 البجة 31 عيذاب 32 زيلع والنوبة 32 ديار المغرب حدود المغرب 33 حدود الأندلس 33 برقة 33 اطرابلس المغرب 33 المهدية 33 تونس 33 طبرقة 34 تنس 34 جزيرة بنى مزغنّا 34 ناكور 34 بصرة المغرب 34 الجزء: النص ¦ الصفحة: 207 الموضوع صفحة أزيلة 34 السوس الأقصى 34 طنجة 34 فاس 34 تاهرت 34 سجلماسة 34 سطيف 34 القيروان 34 زويلة 34 بلدان السودان 34 مشاهير مدن الأندلس قرطبة 35 شنترين 35 مالقة 35 جزيرة جبل طارق 35 وادى الحجارة 36 أرجدونة 36 غافق 36 قورية 36 ماردة 36 قلمرية 36 سمورة 36 أبيط 36 فريقا البربر- البتر والبرانس 36 ثروة كورة ألبيرة 36 زويلة 36 اختلاف لون البشرة 36 مذهب أهل المغرب 37 الجوارى 37 صادرات المغرب 37 طرق المغرب 37 ديار مصر حدود مصر 39 مساحة مصر 39 الموضوع الصفحة المدن المصرية الفسطاط 39 الفيوم 40 الإسكندرية 40 الصعيد والريف 40 الأهرام 41 تنيس ودمياط 41 الأشمونين 41 بوصير 42 أسوان 42 اسنا وأخميم 42 الفرما 42 عين شمس ومنف 42 تنور فرعون 42 مدن الحوف 42 عيذاب 42 البجة 42 ميزات مصر 42 أرض الشام حدود الشام 43 ثغور الشام 43 جبل اللكام (جبل لبنان) 43 فلسطين 43 الغور 43 مدن فلسطين الرملة 43 بيت المقدس ووصف المسجد 43 بيت لحم 44 نابلس 44 غزة 44 أذرج 44 روات 44 مدن الأردن طبرية 44 الغور 45 صور 45 الجزء: النص ¦ الصفحة: 208 الموضوع الصفحة مدن الشام دمشق ووصف المسجد 45 بعلبك 46 حمس 46 سليمة 46 حلب 46 قنسرين 46 معرّة النعمان 46 خناصرة 46 أنطاكيه 46 بالس 46 سنجة 46 سميساط وجسر منبج 46 ملطية 46 حصن منصور 47 الحدت ومرعش 47 زبطرة 47 الهارونيّة 47 اسكندرونة 47 بيّاس 47 التينات 47 الكنيسة 47 المثقب 47 عين زربة 47 المصيصة 47 نهر جيحان 47 أذنة 47 طرسوس 47 أولاس 47 رقيم 47 البحيرة الميّتة (البحر الميت) 47 زغر 47 ديار قوم لوط 47 معان 48 حوران والبثنيّة 48 بصرى وعمان 48 بفراس 48 الموضوع صفحة بيروت 48 طرق الشام 48 بحر الروم وصف بحر الروم (البحر الأبيض) 50 بعض ثغور بحر الروم 50 قلمية 50 المسلمون والروم 50 أنطاكية 50 خليج القسطنطينيه (بحر مرمرة) 50 اثيناس (أثينا) 51 رومية 51 كراسى الكنيسة المسيحية 51 صقلية 51 قبرس 51 اقريطش (كريد) 51 أرض الجزيرة حدود الجزيرة 52 طرق الجزيرة 52 مدن الجزيرة نصيبين 52 جبل ماردين 52 الموصل 53 بلد 53 سنجار 53 دارا 53 كفرتوثا 53 رأس عين 53 آمد 53 جزيرة ابن عمر 53 شمشاط 53 ملطية 53 الحديثة 53 السنّ 53 جبل بارما 53 الجزء: النص ¦ الصفحة: 209 الموضوع صفحة مدن ديار مضر 53 الرقة والرافقة 53 صفيّن 54 حرّان 54 الرها 54 جسر منبج وسميساط 54 قرقيسيا 54 رحبة مالك 54 هيت 54 الأنبار 54 عرب الجزيرة 54 الزابان 54 تكريت 54 عانة 54 حصن مسلمة 54 تل بنى سيار 55 باجروان 55 الدالية 55 الجودى 55 قرية ثمانين 55 سروج 55 العراق حدود العراق 56 طرق المواصلات 56 مدن العراق البصرة 56 لأبلة 57 مدن البصرة 57 عبّادان 57 البطائح 58 واسط 58 الكوفة 58 القادسية 58 الحيرة 58 قبر على 58 بغداد 58 صرصر 59 الموضوع صفحة كربلاء 60 سامرا 60 النهروان 60 المدائن 60 بابل 60 كوثى ربا 60 مدن على نهر دجلة 61 حلوان 61 الدسكرة 61 تكريت 61 خوزستان حدود خوزستان 62 كور خوزستان 62 أنهار خوزستان 62 مميزات المناطق 63 صفة أهل خوزستان 63 تستر 64 السوس 64 جبل آسك 64 عسكر مكرم 64 المصنوعات الحريريه ومراكزها 64 قرقوب 64 بصنى 64 رامهرمز 64 جنديسابور 65 نهر تيرى 65 جبى 65 الطيب 65 اللور 65 سنبيل 65 الزط والخابران 65 طرق المواصلات 65 بلاد فارس موقع فارس 67 كور فارس 67 الجزء: النص ¦ الصفحة: 210 الموضوع صفحة مناطق الأكراد بفارس 68 أنهار فارس 68 البحيرات 68 منطقة اصطخر وبلادها 68 منطقة أردشير خره وبلادها 69 الجزر فى أردشير خره 70 منطقة دار ابجرد وبلادها 70 منطقة سابور وبلادها 70 منطقة ارجان ومدنها 71 جماعات الأكراد 71 الحصون والقلاع 73 أشهر مراكز معابد النيران 74 وصف أنهار فارس 74 بحر فارس وتسميته 75 البحيرات ووصفها 75 وصف اصطخر ومدن المنطقة 76 دارابجرد 76 جور 76 شيراز 77 كارزين 77 كثه (حومة يزد) 77 أبرقوه 77 الروذان 77 هراة 77 كرد 77 السردن 77 البيضاء 77 وصف مدن منطقة سابور 78 سابور وكازرون 76، 78 خرة والنوبنجان 78 وصف مدن دارابجرد 78 وصف مدن أردشير خره 78 فسا 78 سيراف 78 مدن أرجان 78 أرجان 78 توّج 78 طرق المواصلات 79 وصف طبيعة فارس 82 الموضوع صفحة الخصائص الجسمية 83 اللغة 83 ملابس الطبقات 83 الأخلاق 83 مميزات سكان السواحل 83 العقائد والأديان 84 كبار الفرس 84 آل عمارة 85 آل الصفار 85 آل زهير المدينى 85 آل حنظلة بن تميم 85 آل سامان 86 زعماء الأكراد 87 أفذاذ الفرس 88 شذاذ فارس 90 الحلاج 90 الجنابى القرمطى 90 عجائب فارس 90 منتجات المدن الفارسية 92 الموازين والمكاييل 94 الضرائب 94 بلاد كرمان حدود كرمان 97 مدن كرمان 97 أشهر المعالم الطبيعية 97 الأخواش 98 البلوص 98 المدن الصحراوية 98 المنطقة الجبلية 98 نهر ديوروذ 98 هرمز 99 جيرفت 99 بمّ 99 السيرجان 99 المنطقة الزراعية 99 رويست 99 شهروا (سورو) 99 الجزء: النص ¦ الصفحة: 211 الموضوع الصفحة اللغة 99 المصنوعات 99 الطرق 100 بلاد السند مسكران والسند والهند 102 مدن طوران والبدهة 102 مدن السند 102 مدن الهند 102 المنصورة 103 الحالة الاقتصادية 103 الملتان وصنمها 103 الديبل 104 المدن على مهران 104 البدهة 104 طوران 105 مسكران ومدنها 105 الطرق 106 الأنهار والمياه 107 أرمينية والران وأذربيجان الحدود 108 مدن أذربيجان 108 أردبيل 108 المراغة 108 أرمية 108 الحالة الاقتصادية 108 برذعة 109 باب الأبواب 109 تفليس 110 دبيل 110 المصنوعات 110 الأنهار 111 البحيرات 111 تحديد مقاطعة الران 112 الموازين 112 الموضوع الصفحة المكاييل 112 جبال المنطقة 112 الطرق 113 الجبال الحدود 115 الطرق 115 مدن الجبال 116 همذان 117 الدينور 117 اصبهان 117 الكرج 117 بروجرد 118 نهاوند 118 روذراور 118 حلوان 118 الصيمرة والسيروان 118 شهرزور 118 قزوين 118 الطالقان 118 قمّ 118 طبيعه المنطقة 119 جبل دنباوند 119 جبل بيستون 119 جبال الخرمية 120 النقود 120 المحصولات 120 الديلم حدود الديلم 121 المناطق ووصفها 121 الجبال 121 الجبال 121 سهمار 121 فرّيم 122 أرم 122 سالوس 122 الجزء: النص ¦ الصفحة: 212 الموضوع الصفحة مدن قزوين والرى وقومس وطبرستان 122 الرى 122 الخوار 123 قرى الرى 123 قومس ومدنها 124 قزوين 124 مدن قزوين 124 طبرستان ومدنها 124 الحالة الاقتصادية 124 جرجان ومدنها 125 الحالة الاقتصادية 125 النقود والموازين 125 الطرق 126 بحر الخزر حدود بحر الخزر 128 وصف المنطقة 128 الخزر 129، 131 السرير 130 برطاس 131 الروس 122 البلغار 132 الطرق 132 مفازة خراسان الحدود 133 وصفها 133 مشاهير المدن على حوافها 134 أشهر الطرق 134 سجستان حدودها 139 مدنها 139 زرنج 139 طبيعة الأرض 140 الرياح وطواحين الهواء 140 الموضوع الصفحة بحيرة زره والأنهار التى تصب فيها 140 ثروة الإقليم 141 رخّج وبالس 141 مدن الإقليم 141، 142 منطقة زرنج 142 الطرق 143 خراسان الاقليم 145 مناطق خراسان 145 نيسابور ومنطقتها 145 مرو ومنطقتها 147 الأنهار 148 منتجات المنطقة 149 هراة ومنطقتها 149 بوشنج ومنطقتها 151 باذغيس ومنطقتها 152 كنج رستاق ومنطقتها 152 مروروذ ومدنها 152 الجوزجان ومنطقتها 153 غرج الشار ومنطقته 153 الغور ومنطقته 153، 157 سرخس ومنطقتها 154 قوهستان ومدنها 154 بلخ ومدنها 154 طخارستان (طخيرستان) ومنطقتها 156 مدن ومنطقة الختّل 155، 156 منطقة بنجهير 156 منطقة الباميان 156 وصف منطقة الغور 157 آمل وزمّ 157 الطرق 158 ما وراء النهر الحدود 161 الحالة الاقتصادية 161 مميزات ما وراء النهر 161 الجزء: النص ¦ الصفحة: 213 الموضوع الصفحة الأخلاق 162 الترك الغزيّة 163 جمال المنطقة 164 مناطق ما وراء النهر 166 نهر جيحون ومدنه 166 واشجرد والقواذيان والترمذ والصغانيان الترمذ ومدنها 167 القواذيان 167 نودز 167 واشجرد 167 شومان 167 الصغانيان 167 أخسيسك 167 خوارزم خوارزم ومدنها 168 كاث 168 الجرجانية 168 الموضوع الصفحة كيت 168 مذمينية 169 الأنهار بالمنطقة 168، 169 الحالة الاقتصادية 170 بخارى (نومجكث) 171 رساتيق بخارى 173 مدن بخارى 175، 176 النقود 175 مدن السغد 177 سمرقند 177 أنهار السغد 179 رساتيق سمرقند 180 أشروسنة 182 البتّم 184 الشاش وايلاق 184 مدن الشاش 185 الجزء: النص ¦ الصفحة: 214