الكتاب: أسس علم اللغة المؤلف: أحمد مختار عمر الناشر: عالم الكتب الطبعة: الطبعة الثامنة 1419هـ-1998م عدد الأجزاء: 1   [ترقيم الكتاب موافق للمطبوع وهو مذيل بالحواشي] ---------- أسس علم اللغة أحمد مختار عمر الكتاب: أسس علم اللغة المؤلف: أحمد مختار عمر الناشر: عالم الكتب الطبعة: الطبعة الثامنة 1419هـ-1998م عدد الأجزاء: 1   [ترقيم الكتاب موافق للمطبوع وهو مذيل بالحواشي] الفهرس : الصفحة الموضوع 23 مقدمة المترجم 29 مقدمة المؤلف القسم الأول: قضايا أساسية. 35 1- علم اللغة وفقه اللغة: موضوع فقه اللغة، موضوع علم اللغة، تعريفات اللغة، علم اللغة الوصفي، علم اللغة التاريخي، علم اللغة المقارن، علم اللغة التركيبي، علم اللغة الجغرافي. 38 2- اللغة، الكتابة، الإيماءات، الإشارات، الرموز، الصوت اللغوي، افتراضات حول نشأة الكلام الإنساني، مميزات الكلام على الكتابة، مميزات اللغة المكتوبة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 7 40 3- خصائص اللغة المتكلمة: اللغة والنشاط الإنساني، الخصائص المشتركة للغات، العلاقة بين الرمز ومدلوله، العملية الكلامية وجانباها العضوي والنفسي. 42 4- امتداد آفاق اللغة: اللغة وعلم الطبيعة، اللغة وعلم وظائف الأعضاء، اللغة وعلم الاجتماع، اللغة وعلم النفس، أهمية علم اللغة. 43 5- مستويات التحليل اللغوي: مستوي الأصوات، مستوي الصرف، مستوى النحو، مستوى المفردات: الاشتقاق، الدلالة، المعجم، الصلة بين المستويات المختلفة، التعلم الطبيعي لعملية اللغة. 45 6- علم الأصوات، علم الأصوات العام، علم الفونيمات: إمكانيات الجهاز النطقي لم يتم حصرها، أصوات العلة وأشباه العلة والسواكن، تعريف علم الأصوات، علم الأصوات التاريخي، علم الأصوات النطقي، علم الأصوات الأكوستيكي، علم الأصوات التجريبي، علم الأصوات بعد الإنتاجي، علم الأصوات الإنتاجي، علم الأصوات الوظائفي، الفون، الفونيم، موضوع علم الأصوات. 51 7- الكتابة الصوتية والكتابة الفونيمية: الأبجدية الصوتية الدولية، الأبجدية الفونيمية، الفرق بين الأبجديتين ومميزات كل. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 8 52 8- التركيب القواعدي: صرف ونحو: معنى كلمة قواعد، الأصل اليوناني لكلمة grammar تفضيل مصطلح التراكيب على القواعد، موضوع علم النحو، موضوع علم الصرف، المصطلح مورفيم، أنواع المورفيم، امتزاج النحو بالصرف، الموقعية. 55 9- المفردات: علما الدلالة وتاريخ الكلمات: اللغة لا تكتسب في شكل كلمات مفردة، علم المفردات يتناول علم المعنى وعلم تاريخ الكلمات، أهمية النوعين لعالم اللغة التاريخي وعالم اللغة الوصفي. 55 10- تصنيف اللغات: الطريقتان الرئيسيتان لتصنيف اللغات، طريقة ثالثة غير علمية تعتمد على المعيار الجغرافي، التصنيف على أساس القرابات اللغوية، التصنيف التشكيلي، اللغات التصريفية، اللغات اللاصقة، اللغات المفردة، اللغات المركبة، اللغات المنتسبة إلى عائلة واحد لا تخضع لطريقة تشكيلية واحدة. 58 11- علم اللغة المقارن، إعادة التركيب اللغوي: علم اللغة المقارن بمفهوم القرن التاسع عشر، محاولات لوضع اللغات الأمهات، إمكانية امتزاج المنهج التاريخي المقارن بالوصفي. 60 12- الكتابة: فائدة الكتابة لعالم اللغة، ضرر الكتابة بالنسبة لعالم اللغة، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 9 طريقتا الكتابة الرئيسيتان: الكتابة التصويرية، والكتابة الأبجدية المقطعية، اللغة المتكلمة عرضة للتطور أكثر من المكتوبة، اللغة المكتوبة تساعد على تحسين وسائل الاتصال، لغة الكلام الأدبية. 63/ 13- توزيع اللغات وعلم اللغة الجغرافي: معرفة اللغات وتوزيعها على الكرة الأرضية، التعرف اللغوي، موضوع علم اللغة الجغرافي، اللغات المحلية، اللغات الوطنية، اللغات الاستعمارية، اللغات الأولية والثانوية، ثنائية اللغة أو تعددها، الإحلال اللغوي، أنواع أخرى من اللغات، المركز الاجتماعي أو التربوي للغة، معامل القراءة والكتابة، المعامل الوطني، المعامل الديني، تعايش لغتين في منطقة واحدة. 65/ 14- الموقع وعدد المتكلمين وتوزيع اللغات في الوقت الحاضر: عدد لغات العالم، التفاوت بينها من عدة جوانب. 66/ 15- لغات المناطق وأهميتها النسبية: أمثلة من الحديث، أمثلة من القديم ومن العصور الوسطى. 67/ 16- اللغة الأدبية، اللغة الوطنية، اللهجات، اللغة الدارجة، العامية: الفاصل بين اللغة واللهجة، المستويات الاجتماعية والتعليمية المتنوعة للغة الواحدة، قد يكون الأبلغ استعمال اللغة الأكثر محلية، اللغة الوطنية، اللغة الأدبية، الصورة المحلية غير المكتوبة، خصائص المتكلم الفرد، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 10 الخط الافتراضي الفاصل بين الصور الكلامية الفردية، اللغات الطبقية، اللغات الخاصة بالمهن والحرف، الصورة الدارجة للغة، اللغة المبتذلة، العامية. 71/ 17- الصورة اللغوية المتغيرة: الاتجاه الطارد من المركز، الاتجاه الجاذب نحو المركز، التفاوت في القيمة الذاتية بين اللغات قديما وحديثا، عوامل تقدم اللغة أو تقهقرها, تنبؤات للمستقبل. القسم الثاني: علم اللغة الوصفي؛ اصطلاحات أساسية. 77/ 18- علم الأصوات: أعضاء النطق، كيفية حدوث الصوت الإنساني، العلل والسواكن، أوضاع الشفتين مع نطق العلل، العلل الأمامية والوسطى والخلفية، صوت العلة المزدوج، العلة المثلثة، الفرق بين العلة المزدوجة وتمثيل الصوت برمزين، الأصوات الانفجارية، والاحتكاكية، والمركبة، وأصوات الصفير، والأصوات المائعة، الجهر والهمس، مخارج الأصوات. 78/ 19- علم الفونيم: موضوعه، الفونيم والفون، مصطلح التنوعات الموقعية أو الألوفون، اختبار الصوت لمعرفة أهو فونيم أم فون، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 11 ظاهرة التحييد للفونيمات، إعادة التوزيع الفونيمي للغات، مصطلح الحشو. 92/ 20- الفونيمات الثانوية: النبر، التنغيم، المفصل: الفونيمات التركيبية، الفونيمات الإضافية، أو الثانوية: النبر، التنغين، المفصل، معنى النبر، معنى التنغيم، معنى المفصل، درجات النبر، درجة الصوت، درجات الصوت في الإنجليزية، أثر الوقفة في المفصل في اختلاف الدلالة، وفي تطورها، المقطع، ارتباط التقسيم المقطعي بالمفصل، النماذج المقطعية، التنوعات الحرة، التجمعات الصوتية، إمكانية افتراض النظام الفونيمي والتجمعات الصوتية. 99/ 21- أنواع الكلمة عند اليونانيين، محاولات النحو الوصفي لوضع نظام جديد للتقعيد، المورفيم والمورف، تعريفات المورفيم، المورفيم الحر والمورفيم المتصل، المحدثون يقيمون تقسيمهم للكلمات على أساس الوظيفة والصيغة، مقارنة بين طريقي القدماء والمحدثين، الألومورف، التغير الصفرى. 106/ 22- المورفونيم: الألومورفات قد تكون مشروطة بشروط صوتية، التغيير المورفونيمي يؤثر على المورفيم الحر والمورفيم المتصل، الصيغة الأساسية والصور النوعية، الظواهر الصوتية النحوية. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 12 108/ 23- التركيب النحوي، علم القواعد: عيوب المصطلحات الوصفية، بعض المصطلحات الوصفية الجديدة، المكون المباشر، التحويل، الكلمة الأساسية، الكلمة الوظيفية، اختلاف اللغات في استعمال الكلمات الوظيفية. 112/ 24- تعريف المفردات، تعريف الكلمة، تعريف الجملة، الصيغة النحوية الكاملة وغير الكاملة، المصطلح أو التعبير، اللغة والكلام. القسم الثالث: علم اللغة الوصفي؛ منهج البحث. 119/ 25- التحليل الفونيمي والمورفيمي: اعتماد علم اللغة الوصفي على المادة المتكلمة المكتوبة، المحاولات المبكرة لتطبيق المنهج الوصفي، الراوي اللغوي، الظروف البيئية والظروف الفلولوجية، طريقة جمع المادة وفحصها ومقارنتها، فصل الفونيمات من الألوفونات، الثنائيات الصغرى، بعض لمزالق في التحليل الفونيمي: المبالغة أو التقليل في تقدير الاختلافات الصوتية، الخطأ في التجزيء، الخلط في النغمات الصوتية ذات القيمة الفونيمية، استخدام أجهزة التسجيل، الكتابة الصوتية والكتابة الفونيمية، التحليل المورفيمي، كيفية التفريق بين الجزء: 1 ¦ الصفحة: 13 المورفيم والمرف، الصيغة الأساسية والبدائل، التحليل المروفيمي يتأثر بالعوامل المورفونيمة، وضع قواعد النحو، بيان أنواع الصيغ للغة المراد تحليلها وقواعد تبدلها، بيان الرصيد العام للمورفيمات. 129/ 26- بناء النحو الوصفي: النحو الوصفي ليس نحوًا مدرسيًا، النحو الوصفي يقدم قائمة بالفونيمات والألوفونات والفونيمات فوق التركيبية، استفادة مدرس اللغة من نتائج النحو الوصفي، التحليل الفونيمي يتناول الأصوات لا الحروف الهجائية، الكتابة الفونيمية والكتابة الصوتية، ضرورة المقارنة من وقت لآخر. 131/ 27- إعداد الأطلس اللغوي: أسبقية الأطلس اللغوي في الوجود على معظم الإنجازات الوصفية الحديثة، كيف ظهر الأطلس اللغوي، أهمية الأطلس اللغوي، كيفية عمل الأطلس اللغوي، عيوب الأطلس اللغوي، الجغرافيا اللغوية غير علم اللغة الجغرافي. القسم الرابع: علم اللغة التاريخي؛ اصطلاحات أساسية. 137/ 28- نقاط اتصال مع علمي اللغة الوصفي والجغرافي: أوجه الاختلاف بين علم اللغة الوصفي والتاريخي، كثير الجزء: 1 ¦ الصفحة: 14 من المصطلحات يدخل في ميادين اللغة الثلاثة، اللغة المعيارية، اللهجات وأنواعها، وحدة الأصل، الطبقة السفلى، الطبقة العليا، الطبقة الإضافية، إعادة التركيب، القانون الصوتي، القياس، التيسير، علم النقوش، علم الوثائق. 142/ 29- التغير الفونولوجي والقياسي: التغيرات الفونيمية، كمية العلة وكيفيتها، الظواهر المتعلقة بتشكيل الصوت، الموقعية بين علتين، ازدواجية العلة، التغوير، الإبدال العلي، الإبدال الشفوي، الإجهار، سلب الشفوية، الإهماس، الأنفية، الإعلال، أمامية العلة الخلفية، المماثلة، المخالفة، الترخيم الوسطى، حذف المقطع، إسقاط العلة أو زيادتها، زيادة الساكن أو العلة، الإبدال، القلب، اجتماع صوتي علة، اصطلاحات تتعلق بالمقطع، إبدال السواكن والعلل، مصطلحات تتعلق بالنبر. 151/30- التغير الصرفي والنحوي: اللغة التركيبية واللغة التحليلية، التحول من نمط إلى نمط، أي نمط أقدم وإلى أي نمط تتجه اللغات، الإعراب، الاشتقاق. 154/31- التغير المعجمي، الاشتقاق، التركيب، الوضع، الافتراض: نمط المفردات، هجر الكلمات، طرق خلق الكلمات, الجزء: 1 ¦ الصفحة: 15 الاشتقاق والتركيب والاقتطاع العجزي والتقصير والوضع والتغيير الوظيفي والافتراض، تغيير الدلالة، الكلمات ذات الأصل الواحد، الكلمات المشتقة من كلمة واحدة، الاشتقاق الجمعي، المبالغة في التصويب. القسم الخامس: علم اللغة التاريخي؛ منهج البحث. 161/ 32- المادة اللغوية المدونة: أسبقية علم اللغة الوصفي، تعاون الفرعين التاريخي والوصفي منذ القديم، احتلال علم اللغة التاريخي مكانة بارزة منذ نهاية القرن الثامن عشر، أشكال المادة المكتوبة، الكتابة التصويرية والكتابة المقطعية، أضرار استعمال الصيغ المكتوبة كشواهد، فك الرموز الكتابية، النقوش والوثائق، مدى كشف الكتابة عن اللغة المتكلمة. 168/ 33- المنهج المقارن: متى شاع، كشف درجة الصلة بين اللغات والتوصل إلى اللغات الأمهات، فيم تشترك اللغات المظنون انتماؤها إلى أسرة واحدة، جداول التقابلات الفونيمية، الدراسة المقارنة تكشف عن أوجه الشبه والاختلاف بين مجموعات اللغات، العائلات اللغوية. 172/ 34- التصنيف العائلي، اللغات الهندية الأوربية وغير الهندية الأوربية: تصنيف اللغات على أسس تاريخية، المجموعة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 16 الهندية الأوربية، تقسيمات فرعية داخل المجموعة الواحدة، الاهتمام بالمجموعة الهندية الأوربية دون غيرها، المجموعة الحامية السامية، عائلات لغوية أخرى، ما تزال الجهود التاريخية ضخمة. 177/ 35- منهج لإعادة البناء الداخلي للغة: استخدام الدراسة المقارنة، إعادة البناء الداخلي يكشف عن بعض النقاط الغامضة. 178/ 36- تاريخ اللغات والإحصاء المعجمي: تباعد اللغات القريبة، استخدام الإحصاءات الحسابية، مشكلات هذا المنهج، المعاملات العددية. القسم السادس: علم اللغة الجغرافي؛ اصطلاحات ومصاعب رئيسية. 183/ 37- وظيفة علم اللغة الجغرافي: دراسة لغات العالم وعلاقاتها وتوزيعها وبيان أهمية كل، إهمال هذه الدراسة في الفرعين الوصفي والتاريخي، علم اللغة الجغرافي نادرا ما يعالج في منهج دراسي عادي، أهمية علم اللغة الجغرافي في العصر الحديث، بعض معلومات يزودنا بها علم اللغة الجغرافي، المصطلحات المتعلقة باللغة واللهجة، التوزيع اللغوي، ثنائية اللغة وثلاثيتها، معامل القراءة والكتابة، اللغات الصناعية، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 17 اللغات المعدلة والمبسطة، التعرف اللغوي، مصطلحات يشترك فيها علم اللغة الجغرافي مع الوصفي أو التاريخي, المناطق اللغوية، التمثيل الصوتي، كتابة لغة بحروف لغة أخرى. 196/ 38- اللغات والمتكلمون، البلاد واللغات: توزيع اللغات على أنحاء العالم، عامل ثنائية اللغة أو تعددها، إحصاءات المتكلمين باللغات، صعوبات، طريقتان للإحصاء اللغوي، عامل الثقافة. 200/ 39- اللغات المساعدة والبديلة: حاجتنا إلى إحصاءات دقيقة، الوضع السياسي والوضع اللغوي، اللغات العالمية المستخدمة كلغات مساعدة. 202/ 40- أنظمة الكتابة والتعرف اللغوي: الاهتمام بالجانب المكتوب، نظم الكتابة المعروفة في أنحاء العالم، التعرف على هذه النظم، مهارات التعرف اللغوي. 206/ 41- عوامل مساعدة: الثقافة، المنحنى الثقافي، الدين، التأثير التاريخي: الصلة بين اللغة والثقافة، اللغة جزء من الوعي الثقافي، أهمية العامل اللغوي للحضارات المتقدمة، عامل الدين، التاريخ الماضي، لفروع علم اللغة نظرات مختلفة إلى اللغات. 210/ 42- اللهجات والتنوعات المحلية، اللغات الطبقية: الخلافات اللهجية والخلافات الأسلوبية، الخط الفاصل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 18 بين اللغة واللهجة، العامل التعليمي والانقسام اللهجي، العامل الطبقي، اختلاف النظرة إلى اللغات واللهجات، الصيغ اللهجية تؤدي إلى تعطيل تيار التفاهم، الالتزام اللغوي. القسم السابع: علم اللغة الجغرافي؛ منهج البحث. 217/ 43- تعداد السكان وإحصاءات القراءة والكتابة: ما توضحه هذه الإحصاءات وما تعجز عن توضيحه، إحصاءات الأمية والتعلم، معرفة القوة الإنتاجية للأمة، درجة التعلم القومي والإنتاج الثقافي. 220/ 44- التقارير التعليمية: معرفة اللغات الأجنبية في كل قطر والنسب المئوية من السكان ومدى الجدية في التعلم، البيانات حتى الآن غير دقيقة، جمعية اللغات الحديثة، ميدان الإحصاء اللغوي أوضح ميدان للتخصص بالنسبة لعالم اللغة الجغرافي. 221/ 45- دراسات للمناطق ولغاتها. القسم الثامن: تاريخ موجز لعلم اللغة. 225/ 46- العصور القديمة والوسطى: القدماء، فلاسفة اليونان، النحاة الهنود، النحاة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 19 اليونانيون وجهودهم، الآراء القديمة معيارية أكثر منها وصفية وتعليل ذلك، تفسخ المستويات المعيارية بسقوط إدراك التغيرات اللغوية، عيوب دراسات هذه الفترة. 230 47- من النهضة العلمية حتى عام 1800م: دانتي واللغة الإيطالية، تقديم نحو عالمي، الشك في قيمة النحو العالمي مؤخرا، عيوب الدرس في هذه الفترة، منجزات هذه الفترة. 232/48- القرن التاسع عشر: المنهج المقارن، علم اللغة الوصفي، الخلاف بين النحويين المحدثين واللغويين المحدثين، مساوئ هذا الخلاف وفوائده. 235/ 49- القرن العشرون: تحول ميزان القوى نحو علم اللغة الوصفي، اتجاه بعض هذه الدراسات إلى اللغات المجهولة، الجهود الأمريكية والجهود الأوربية، استمرار البحث التاريخي. 237/ 50- نظرة إلى الأمام: التنبؤ بمستقبل زاهر، علم اللغة الوصفي يجب أن يشكل الأساس للدراسات اللغوية، منجزات علم اللغة الوصفي، معوقات على الطريق، وجوب البعد عن التعقيدات، الحقل الوصفي ما يزال بكرا، الأطالس اللغوية، مشاكل لا حصر لها تحتاج إلى جهود عالم اللغة التاريخي وعالم اللغة الجغرافي، التعاون بين فروع علم اللغة دون خلط بينهما. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 20 ملاحق ص 247 1- "الأبجدية الصوتية الدولية". 2- "من هو عالم اللغة". 248 مؤهلات عالم اللغة وقدراته، ثقافته، مجالاته. 3- "اقتراحات قليلة". 253 علم اللغة الوصفي، علم اللغة التاريخي، علم اللغة الجغرافي. 273 4- "قائمة بالمصطلحات". 286 5- "قائمة اللهجات واللغات والعائلات اللغوية". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 21 المقدمات مقدمة المترجم ... مقدمة المترجم: يعد "ماريوباي" من أعلام اللغويين المعاصرين، كما أنه يعد من أشهر من نادوا بتبسيط علم اللغة، والبعد به عن التعقيدات، ونظريات الرياضة إلى تضره أكثر مما تنفعه، ولم يكتف ماريوباي بالدعوة إلى هذه الفكرة والترويج لها، بل طبقها في كثير من كتبه حتى صارت طابعًا مميزا له، وأصبح اسم ماريوباي يعني البساطة والوضوح، وإن لم يكن ذلك على حساب الدقة أو العمق المطلوبين، وبذلك جذب ماريوباي إلى ميدان علم اللغة فئات من القراء كانت بعيدة عنه، ووفق في تقريب هذه المادة إلى المتخصصين وغير المتخصصين على السواء. والمؤلف في مقدمة كتابه هذا يقول: "وغايتي من هذا العمل المختصر -إلى حد ما -أن أقدم الحقائق الأساسية لعلم اللغة في لغة يمكن أن يفهمها كل الناس"، كما أنه يحمل في أماكن متعددة من كتابه على أولئك الذين عقّدوا من أبحاث علم اللغة وطبقوا عليها مناهج لا تصلح لها، مما كان مثار شكوى وضجر من الدارسين والمتخصصين، يقول: "إن علماء اللغة الوصفيين يجب أن يدركوا أن التعقيدات غير الضرورية التي يخضعون لها علمهم لا تساعد على انتشار منهجهم أو جعله مرغوبا فيه، وكثيرا ما سمعنا شكاوي من دارسي علم اللغة أنهم لا يفهمون أي شيء منه. ولا يمكن نسبة كل هذه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 23 الشكاوي إلى التقصير في الإعداد، أو إلى نقص الاستعداد". ويقول في أحد ملاحق الكتاب الذي يحمل عنوان "اقتراحات قليلة", يقول: "وهناك اتجاه ظهر لبعض الوقت في علم اللغة الوصفي وهو الميل نحو الإبهام والغموض. وإن النزول بعلم اللغة الوصفي إلى مستوى القضايا والنظريات الرياضية, فيما سمي بالتحليل شبه الرياضي للغة لا يحقق أي منفعة لا لعلم اللغة ولا للرياضة، إن موضوع علم اللغة هو اللغة، وإذا عجز علم اللغة عن أن يجعل نفسه واضحًا ومفيدًا في أبحاثه وموضوعاته التي يتناولها من غير الاستعانة بعلم لا توجد بينهما علاقة واضحة، فقد فشل في أداء مهمته". وعلى الرغم من أن المؤلف إيطالي الأصل والمولد فقد كانت لغته الإنجليزية التي كتب بها مؤلفاته واضحة معبرة دقيقة كما لاحظ ذلك جورج برناردشو حينما أرسل له الناشر الأمريكي بعض فصول من أحد كتبه. وقد كان رأي برناردشو: "بعد أن ألقيت نظرة على هذه الفصول أستطيع أن أحكم بأن الكتاب ممتع سهل القراءة، ومع أن المؤلف إيطالي فإن لغته وتعبيراته أدق وأعمق بكثير مما يستطيع أن يفعله معظم الكتاب الإنجليز أنفسهم". وليست هذه هي مؤهلات ماريوباي فحسب، فقارئ كتبه يصاحبه دائما إحساس بالدهشة والعجب من كثرة اللغات التي يجيدها ويعرفها، مما فتح أمامه طريق الدراسات المقارنة، ومكنه من ضرب الأمثلة من شتى اللغات. ولهذا لم يخف برناردشو إعجابه وتقديره لذاكرة المؤلف الفذة وذلك في قوله: "إن ذاكرة ماريوباي الاستثنائية وغزارة معلوماته تذكرني بإسحاق نيوتن". وقد مكنت هذه الموهبة المؤلف من أن يطرق باب "علم اللغة الجغرافي" بشجاعة وثقة، وأن يؤلف عدة كتب تتناول لغات العالم بالدرس والعرض والفحص والمقارنة، ومن أشهر هذه الكتب: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 24 1- The world's Chief Languages. 2- The Story of Language. 3- Taking Your Way Around the World. 4- The Story of English. 5- The Families of Words. 6- Language for Everybody. والكتاب الذي اخترته للترجمة يحمل اسم "Invitation to Linguistics" وقد اخترت له عنوانًا عربيًا هو "أسس علم اللغة" أخذا من وصف المؤلف لهذا الكتاب بأنه "A basic intioduction to the Science og Language". وقد تناول المؤلف في هذا الكتاب مباحث علم اللغة تحت فروع ثلاثة هي: الوصفي، والتاريخي، والجغرافي، وأعطى الفرع الأخير مزيدا من العناية نظرًا لجدته وحداثته، وحتى يحتل مكانته اللائقة مع أخويه الكبيرين, ولم يعتبر المؤلف من بين فروع علم اللغة ما يعرف باسم علم اللغة المقارن، بل وزع مباحثه إما في القسم التمهيدي بالكتاب، أو في الأقسام الخاصة بعلم اللغة التاريخي. والمؤلف ليس غريبًا على القارئ العربي، فقد ترجم له الدكتور صلاح العربي كتابه "لغات البشر" وعرف به في إنجاز على أنه واحد من أعظم الحجج المعاصرة في اللغة، ونوه بالمناصب التي شغلها وكان من أهمها اشتغاله مدرسا لمادة فقه اللغة في جامعة كولومبيا "كان الأولى أن يقول أستاذا لفقه اللغات الرومانسية بجامعة كولومبيا". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 25 وإلى جانب مؤلفات ماريوباي الغزيرة في علم اللغة فقد أسهم في تأصيل مصطلحات هذا العلم وتجلية غامضها عن طريق عملين شهيرين، أحدهما بالاشتراك، والآخر بالانفراد. أما الأول فهو: Dictionary of Linguistics وأما الثاني فهو: Glossary of Linguistic Terminology وقد حاولت في هذه الترجمة أن ألتزم -ما وسعني الجهد- الدقة، وألا أتدخل في عبارة المؤلف أو أمثلته بالحذف أو التغيير، وإن كنت قد أعطيت نفسي بعض الحرية في حواشي الكتاب فتصرفت في بعضها تصرفًا قليلا. كما تصرفت -بالحذف فقط- في ملاحق الكتاب فأبقيت بعضا وتركت بعضا, فقد اكتفيت منها بثلاثة ملاحق وتركت ما عداها لأسباب تخص كلًا منها. فمما تركته لأنه لا يهم القارئ العربي جدول فونيمي صوتي لست لغات عظمى هي الإنجليزية والفرنسية والألمانية والإسبانية والإيطالية والروسية، ومما تركته لأنه أصبح متخلفًا إحصاءاته بعدد المتكلمين بكل لغة من اللغات الرئيسية الموجودة في العالم، فقد أقام إحصاءاته على تقديرات الأمم المتحدة عام 1960، وقد تغيرت التقديرات الآن بشكل ملحوظ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 26 وقد زودت الكتاب بقوائم المصطلحات التي وردت في خلال معالجة المادة اللغوية فذكرت المصطلح الإنجليزي "أو الأجنبي" ومقابله العربى، وذكرت أمام كل مصطلح مكان أو أماكن وروده في مباحث الكتاب، وبأخرى للهجات واللغات والعائلات اللغوية. والله ولي التوفيق. المترجم أحمد مختار عمر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 27 مقدمة المؤلف : إن علم اللغة -الذي هو الدراسة العلمية للغة واللغات- قد أصبح علمًا رائجا ليس فقط في الكليات والجامعات، وإنما كذلك في الدوائر الحكومية، بل وحتى بين المتعلمين العاديين. وهناك شعور -قد يكون خاطئا أو مبالغا فيه- بأننا الآن في عالمنا الممتد، المتفتح الذهن، لم يعد يكفينا الإلمام ببعض اللغات إلمامًا منفصلا، وبخاصة في بعض الحرف والوظائف، إن ما هو مطلوب الآن لم يعد أقل من معرفة واسع متناسقة بحركة سير اللغات وفاعليتها، وكيفية أدائها لوظائفها، وماذا يجب أن يفعل أو لا يفعل لأي لغة لإرساء دعائمها كوسيلة اتصال، والذي يمدك بهذه المعلومات هو عالم اللغة الوصفي. كذلك مما يهم المرء أن يعرفه العلاقات بين اللغات المختلفة، وكيفية تجمع اللغات في عائلات وفروع، وتاريخ تطورها، ومرورها، بمراحل في الماضي حتى وصلت إلى حالتها الحاضرة، وهنا يأتي علم اللغة التاريخي ليشبع هذه الرغبة، ويقدم للمرء ما يريد. وهناك -أخيرا- تساؤلات كثيرة حول مراكز لغات العالم اليوم كم لغة تبلغ هذه اللغات؟ أي نوع من البشر يتكلم كل لغة منها؟ أين يتكلم كل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 29 منها؟ في أي غرض ثقافي أو عملي يمكن استعمالها سواء من جانب الأفراد أو الجماعات؟ وهنا يبرز دور المتخصص في علم اللغة الجغرافي، ذلك الفرع الذي يعد أحدث فروع علم اللغة وأصغرها سنًا. ويجب أن يكون واضحا منذ البداية أنه لا واحد من هذه الفروع الثلاثة لعلم اللغة يتناول بالتحديد طريقة تعليم أو تعلم أي لغة على انفراد. فهذه المهمة -منذ أمد بعيد- يقوم بها معلم اللغة الذي يعطي اهتماما للغته المعينة، ويتخصص في طرق تدريسها، ولكن معلم اللغة -شأنه في ذلك شأن الرجل العادي- يمكنه أن يستفيد من المعلومات اللغوية العامة التي يقدمها له علماء اللغة في الفروع الثلاثة السابق ذكرها، ويمكن أن نتصور لهذه الاستفادة واحدا أو أكثر من أشكال ثلاثة هي: أ- وضع لغته المعينة تحت ضوء المبادئ العامة التي تتدخل وتتحكم في حركة اللغة. ب- الكشف عن أطوارها التاريخية، حتى يمكنه أن يجيب على الاستفسارات المتنوعة بكيف ومتى ولماذا. جـ- وأخيرا وضع لغته في مكانها بين لغات العالم، والكشف عن دورها العملي الذي يمكن أن تقوم به. ومن أجل هذا وذاك لم يعد مستغربًا أن يتزايد اهتمام مدرس اللغة المتخصص بأبحاث علم اللغة، وأن يلقى هذا العلم اهتماما مطردا من كلياتنا وجامعاتنا، بل وحتى من مدارسنا الثانوية، كذلك ليس مما يثير الدهشة الآن أن تكون أبحاث علم اللغة ونتائجه موضع اهتمام من عدة مصادر حكومية وغير حكومية، وأن يتجه الجميع إلى البحث بمعدلات واسعة، بعد أن كادت المسافات تطوى بين أجزاء العالم. وليس هذا فحسب، بل إن هناك ميلًا من بعض الوكالات والأوساط الحكومية إلى أن تشترط في موظفيها -من الرجال الجزء: 1 ¦ الصفحة: 30 والنساء- ليس فقط أن يتقوا بعض اللغات الأجنبية بل أن يلموا كذلك بالمبادئ الأساسية لعلم اللغة، وأخيرا، ليس مما يثير الدهشة أن يلقى علم اللغة اهتمام المثقفين والمتعلمين من غير المتخصصين في الدرس اللغوي بعد أن لفت نظرهم احتلال اللغة واللغات مكانا بارزا في الأخبار اليومية، وترفع أدائها دورا أكبر في عالم الغد، حيث تتقدم وسائل الاتصال، وتتوثق العلاقات الدولية، سواء على مستوى الأعمال الحرة أو الدبلوماسية. وغايتي من هذا العمل المختصر -إلى حد ما- أن أقدم الحقائق الأساسية لعلم اللغة في لغة يمكن أن يفهمها كل الناس، وأعني بالحقائق الأساسية تلك الأحكام التي يمكن إثباتها وإقامة الدليل عليها بسهولة، والتي تعد محل اتفاق بين جميع اللغويين، ولا تتضمن هذه الحقائق إلا ما يعد مقدمة للمبتدئين تفتح أمامهم نافذة لينطلقوا منها إلى مجالات هذا العلم الواسعة، أما التفصيلات، ونقاط الخلاف الرئيسية فيمكن الإطلاع عليها في بعض المراجع المتقدمة. وهناك معلومات إضافية أكثر ميلا إلى التخصص تحتوي عليها الملاحق التي ذيلت بها الكتاب. وسوف يستفيد بهذه الملاحق هذا النوع من القراء الذي يريد أن يستكشف آفاقا أكثر تعقيدا، أو يقف على أنواع معينة من المعلومات ذات الصلة الوثيقة بأبحاث علم اللغة، أما القارئ الأكثر طموحا الذي يريد أن يغطي جوانب العلم المختلفة فقد أعددت له قائمة منتقاة من المراجع راعيت فيها أن تمثل الاتجاهات المختلفة وتعكس الآراء المتعارضة. إن الجدل في مجالات العلوم ليس أمرا طبيعيا عاديا فحسب، بل هو أمر مرغوب فيه. قد تكون الحقيقة الموضوعية شيئا واحدا، ولكن جوانبها المختلفة تسمح بتفسيرات متنوعة تكون محل خلاف، وما جاء من وجوه نقد للمدارس والمناهج اللغوية في ملاحق الكتاب لا يمثل إلا رأيًا شخصيا، ونظرة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 31 ذاتية للمؤلف. ولكنها نظرة مخلصة مبنية على خبرة طويلة في هذا الميدان، ولم أهدف من هذا النقد إلى الهدم بل البناء، وأهم من هذا أن أنبه إلى أن هذا النقد لا يصح فهمه على أنه تشكيك في قيمة المبادئ الأساسية لعلم اللغة التي سبق عرضها في صلب الكتاب، فهي مبادئ مقبولة ومسلمة لدى الكثرة الكثيرة من علماء اللغة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 32 القسم الأول: قضايا أساسية علم اللغة وفقه اللغة ... 1- علم اللغة وفقه اللغة: إن موضوع فقه اللغة Philology لا يختص بدراسة اللغات فقط. ولكن يجمع إلى ذلك دراسات تشمل الثقافة والتاريخ والتقاليد والنتاج الأدبي للغات موضوع الدراسة، أما علم اللغة Linguistics فيركز على اللغة نفسها ولكن مع إشارات عابرة -أحيانا- إلى قيم ثقافية وتاريخية، ويولي علم اللغة معظم اهتمامه للغة المتكلمة، وإن كان يوجه كذلك للغة المكتوبة شيئًا من الاهتمام. إن علم اللغة هو دراسة اللغة، والمعنى الاشتقاقي للغة هو أنها "تلك التي تتعلق باللسان الإنساني"، وهناك تعريفات أوسع للغة بأنها "تلك التي تحمل معنى"، أو "كل شيء له معنى مفيد"، أو "كل شيء ينقل المعنى من عقل إنساني لآخر"، وفي هذه التعريفات الواسعة لا تقتصر اللغة على صورتها المتكلمة فقط، وإنما تحوي إلى جانب ذلك الإشارات، والإيماءات، وتعبيرات الوجه، والرموز من أي نوع، مثل إشارات المرور، والأسهم، وحتى الصور والرسوم، وكذلك دقات الطبول الخاصة في أدغال إفريقية، وإطلاق الدخان بطريقة معينة بين الهنود الأمريكيين، كل هذه الأشكال للنواقل المعبرة تلقى اهتمام عالم المعنى الذي يهتم بكل رمز له معنى مفيد، بغض النظر عن أصله وطبيعته ودلالته، ولكن اللغوي لا يلقي بالا إليها إلا بدرجة محدودة. وإن علم اللغة الحديث ليقسم الآن إلى قسمين رئيسيين هما: علم اللغة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 35 الوصفي descriptive linguistics وعلم اللغة التاريخي historical linguistics. فعلم اللغة الوصفي -كما يدل الاسم- يصف اللغة، ويفحص ظواهرها ومظاهرها "على سبيل المثال الأصوات أو التركيب الخاص بلغة معينة في فترة تاريخية معينة". أما علم اللغة التاريخي فيتتبع تطور اللغة وتغيرها على مر الزمن "على سبيل المثال تطور اللغة اللاتينية إلى اللغات الرومانسية، أو الأنجلوسكسونية إلى الإنجليزية الحديثة" وهناك مصطلح يستعمل مرادفا لعلم اللغة التاريخي وهو diachronic linguistics "مكون من dia بمعنى "عبَرْ" وchronic بمعنى "زمن""، ومصطلح آخر يرادف علم اللغة الوصفي وهو Synchronic linguistics "مكون من Syn بمعنى "في" وchronic بمعنى "زمن""، ويعني دراسة اللغة كما تبدو في نقطة معينة من الزمن. ويوجد كذلك ما يعرف بعلم اللغة المقارن Comparative linguistics ويتعلق بمقارنة التركيبات الخاصة بلغتين أو أكثر "على سبيل المثال الإنجليزية والألمانية والهولندية والسويدية" غالبا بهدف التوصل إلى أصولها المشتركة، وهذا يعني أن علم اللغة المقارن -من هذه الزاوية- أقرب إلى علم اللغة التاريخي. ولكن من الممكن كذلك أن يقارن المرء بين لغتين حديثتين، من غير إشارة إلى تطوراتهما أو أصولهما التاريخية، وذلك بقصد الوصول إلى مواطن الشبه والاختلاف بينهما في صورتهما الحاضرة. وهناك اصطلاح يكثر استعماله مرادفا لعلم اللغة الوصفي، وهو علم اللغة التركيبي Structural linguistics، الذي هدفه الرئيسي، وصف تركيب اللغة، وقد يستعمل هذا الاصطلاح في معنى أضيق ليشير إلى أعمال مدرسة لغوية معينة من مدارس علم اللغة الوصفي، تؤمن بأن أي تغير في اللغة لا يحدث خبط عشواء، أو بصورة فردية، ولكن يؤثر في نظام اللغة وإطارها العام، مع وجود خيط معين يربط التغيرات بعضها ببعض. وهناك كذلك ما يعرف بعلم اللغة الجغرافي Geolinguistics الذي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 36 يعتبر حديث الوجود إلى حد ما، وهو الآن يشق طريقه إلى الإمام نتيجة لاتساع دائرته العملية، إن وظيفته أن يصف بطريقة علمية وموضوعية توزيع اللغات في مناطق العالم المختلفة ليوضح أهميتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والاستراتيجية والثقافية، وأن يدرس طرق تفاعل اللغات بعضها مع بعض، وكيفية تأثير العامل اللغوي على تطور الثقافة والفكر الوطنيين، وكمثال واحد، ربما يكفي أن نشير إلى توزيع اللغات السلافية وغير السلافية في جمهوريات الاتحاد السوفيتي وأهميتها النسبية، ودور اللغة الروسية باعتبارها اللغة المتسلطة، أو اللغة المشتركة. وإن علم اللغة الجغرافي ليتناول إلى جانب النتاج الحديث حاصل العوامل والأحداث التاريخية، ومن أجل هذا فهو وثيق الصلة بعلم اللغة التاريخي، ومظاهر تطبيقه الحديثة تبدو -إلى حد كبير- وصفية جغرافية اجتماعية. إن أي لغة تملك عددا معينا من المتكلمين قل أو كثر, تتوزع في مناطق مختلفة من العالم ضاقت أو اتسعت إنها تستعمل في مجال الإنتاج وتوسيق البضائع وخلق القيم الثقافية، وهي تحمل -إلى جانب ذلك- نفوذًا سياسيًا وعسكريا في مناطق معينة، هذه العوامل تبرز القيمة العملية للغة، وتجعل منها موضوعًا واسعًا للدراسة، وهناك مجالات أخرى ثانوية لهذا الفرع، مثل دراسة استعمال اللغة في الطقوس، أو لأغراض دينية أخرى، ودراسة حالات فرضها على البلاد المستعمرة، أو التي كانت مستعمرة، وإمكان تغلبها على اللغات الأصلية، أو إحلالها محلها في مناطق متاخمة. حقا إن كل هذه العوامل متغير ومؤقت ولا يوصف بالدوام، ولكن اللغة نفسها، ظاهرة متغيرة ومؤقتة، وخاضعة لقوانين التطور، من الممكن إذن أن يوصف علم اللغة الجغرافي بأنه التطبيق العملي الحديث لعلم اللغة، تماما كما تعتبر الهندسة تطبيقا عمليا لقوانين علم الطبيعة، وكما يعتبر الطب والجراحة تطبيقا عمليا لعلم وظائف الأعضاء، وعلم التشريح. وبينما نجد علمي اللغة التاريخي والوصفي لا يظفران بغير اهتمام اللغوي المتخصص، يظفر علم اللغة الجغرافي باهتمام أي إنسان تتاح له أي فرصة للذهاب إلى خارج بلده، أو لإقامة اتصالات أجنبية، أو تشغله الحالة الدولية بوجه عام. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 37 2- اللغة, الكتابة, الإيماءات, الإشارات, الرموز: إذا نحن قبلنا التعريف الاشتقاقي الضيق للغة بأنها "تلك التي تتعلق باللسان الإنساني" إننا يجب أن نظل دائما على ذكر بتعريفنا إن جهاز النطق الإنساني "اللسان يعتبر فقط أهم عضو من أعضائه" قادر على إنتاج أصوات وأنواع من الضجيج تبعد عن اللغة بقدر ما تبعد عنها أصوات آلة متحركة، ليكون الصوت لغويا -بالمعنى العام- فإن الأصوات الصادرة عن الجهاز النطقي يجب أن تكون ذات معنى، وتنقل رسالة محددة معينة من عقل إنسان إلى آخر. وربما ذهب المرء بشروطه أبعد من هذا وقال إنه لا بد في مثل هذه الأصوات أن تكون من النوع الذي يمكن كذلك أن يغطي المواقف غير الفورية، إن نباح كلب ربما حذرك من خطر محدق عاجل، ولكن حينما أستعمل الكلام في إصدار تحذير من خطر يترقبك خلف تل أو ينتظرك في الغد فإني أستعمل اللغة الإنسانية في مجالها الواسع العريض، وأميزها عن مجرد الضجيج الذي يصدر عن حيوان كرد فعل لمثير مباشر. لا أحد يعرف متي أو أين أو على أي صورة ابتدأ الكلام الإنساني، على الرغم من وجود افتراضات كثيرة في الموضوع1 إننا نعرف جيدا أنه لا يوجد   1 بعض هذه الافتراضات مشوبة بالخيال إن لم يكن محض خيال، فما يسمى بنظرية bow-wow مثلا يفترض أن اللغة نشأت أولا محاكاة لأصوات سمعت في الطبيعة (نباح كلب حوكي كـ bow-wow وسقوط شجر حوكي كـ Crash". أما نظرية pooh-pooh فتزعم أن اللغة ترجع إلى صرخات دهشة أو صيحات انفعال، أو غيرهما مما يعبر عن التأثير المفاجئ من ألم أو خوف = الجزء: 1 ¦ الصفحة: 38 على سطح الأرض أي جماعة إنسانية -مهما قل حظها من الحضارة والمدنية- بدون لغة تتفاهم وتتبادل الأفكار بها. إن الكلام يمكن أن يتم بينما يباشر الإنسان عملا آخر يدويا، ويمكن أن يحدث في الظلام، ولست في حاجة إلى ضوء لتباشر عملية الحديث مع شخص آخر، ولعل هذا هو السبب الذي حدا بأجدادنا القدماء أن يفضلوا الحديث على غيره من طرق التفاهم، مثل الإيماءات التي ربما كانت أسبق وجودًا من الكلام، ومثل التعبير بالصور الذي ربما كان متأخرا في الوجود وأدى إلى اختراع الكتابة. وحتى عصر قريب جدًا كانت اللغة المكتوبة تتمتع بميزتين لا توجدان في اللغة المتكلمة. إنها كانت باقية بينما كانت المنطوقة زائلة، وكان من الممكن نقلها عبر مسافات بعيدة على عكس المنطوقة، أما الآن، فإن التسجيلات والأشرطة وغيرها من الأشكال "الأحاديث المحفوظة" تحقق للغة المنطوقة ميزة الاستمرار والانتقال إلى آماد بعيدة، حتى إن من العلماء من يتساءل الآن ما إذا كان الوقت لم يحن بعد لأن تختفي لغة الكتابة وتحل محلها لغة الحديث، ولكن ليس هناك حتى الآن أي علامة على احتمال حدوث ذلك قريبا وإن معرفة القراءة والكتابة لتنتشر الآن بين أبناء الدول المختلفة في نفس الوقت الذي تتضاعف فيه استعمالات اللغة المكتوبة.   = أو فرح. وإذا كان هذا يسرى على كلمة مثل Ouch فإنه لا يبين لماذا يفضل المتكلمون بلغات أخرى كلمات مثل ay أو au حينما يهاجمهم الألم فجأة أما نظرية Yo-he-ho فتدعي أن اللغة بدأت كسلسلة من التقيضات العضلية أو الأزيز الداخلي نتيجة إجهاد عضلي "مثل كلمة ey ukhnem المستعملة بين مراكبية الـVolga أما نظرية Singsong فتدعي أن الكلام نشأ أولا تمثيلا لتعبيرات سارة بدائية غير لغوية، كما يحدث من طفل صغير حينما ينطق ببعض ألحان ألفها بنفسه، وهناك نظريات أخرى كثيرة غير ذلك. "ولمزيد من التفصيلات ينصح بالرجوع إلى فصل "نشأة اللغة وطبيعتها" في كتاب "لغات البشر" للمؤلف ص17 وما بعدها" "المترجم". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 39 ولكن الحقيقة الباقية حتى الآن أن لغة الحديث هي أهم وسائل الاتصال الإنساني وأوسعها انتشارا ومتوسط ما ينتجه الإنسان من حديث أكبر بكثير مما ينتجه من كلام مكتوب وإيماءات وإشارات ولهذا فإنه من السائغ للغوي Linguist -على عكس دارس فقه اللغة philologist- أن يهتم أولا باللغة المنطوقة، ثم ثانيًا باللغة المكتوبة "باعتبارها -إلى حد كبير أو صغير- تمثيلا صادقا للغة المنطوقة"، وأخيرا -بدرجة ضئيلة إن وجد اهتمام ألبتة- بنظم الاتصال الأخرى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 40 3- خصائص اللغة المتكلمة : إن اللغة المتكلمة لتمتد إلى كل مجالات الحياة البشرية بدون استثناء أو تمييز. كل الناس تتفاهم أساسًا عن طريق الأصوات الكلامية، وهذا يعني أن اللغة جامعة، بمعنى أنها توجه وتصاحب كل نشاط إنساني يشترك فيه اثنان أو أكثر. واللغة -لكونها نظامًا من النوافل ذات المعنى وتستلزم اثنين فأكثر "حتى عندما تتكلم إلى نفسك فأنت تجرد من شخصك فردا متكلما وآخر سامعا"- تعتمد على الاصطلاح والاتفاق الجماعي السابق، بين أعضاء الجماعة اللغوية، على المعنى أو المعاني المعينة التي تستدعيها أصوات خاصة وإذا تحدثنا موضوعيا، فإن اللغة التي لا تفهمها لا تزال لغة في الواقع، ولكن من وجهة النظر الذاتية "ولأسباب عملية" لا تعتبر لغة وإنما مجموعة من الأصوات العشوائية فقط, كعملة مشتركة قابلة للتداول بين اثنين على الأقل تصبح لغة بالمعنى الذاتي والنفعي لكلمة لغة. وعلى الرغم من تعدد اللغات وتنوعها، فكلها تحمل خصائص مشتركة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 40 أولاها وأهمها أن كل اللغات تتكون من أصوات تصدرها أعضاء النطق الإنسانية، هذه الأصوات -لتصبح ذات معنى- يجب أن توضع في شكل تتابعي محدد معين، مكونة" كلمات أو مجموعة من الكلمات هذه الكلمات أو مجموعاتها يجب أن تكون محل اتفاق أعضاء المجموعة اللغوية باعتبارها قيمًا رمزية تستحضر -ولو على وجه التقريب- في ذهنهم أفكارًا معينة. وإنه لواضح بدرجة كافية أن القيمة التي يدل عليها الرمز تتم بطريق التحكم والفرض، وأنه ليس هناك أي رابطة فطرية بين اللفظ ومدلوله، ولو صح الافتراض القائل بوجود علاقة فطرية بينهما لكان حتمًا أن يتكلم الناس لغة واحدة. ولكن الأمر على غير ذلك، فكلمة dog في الإنجليزية يقابلها chien الفرنسية، وperro الإسبانية، وinu اليابانية اللغة المتكلمة إذن تعتمد على الاصطلاح والاتفاق الجماعي مهما قل عدد أفراد الجماعة اللغوية، وهذا يضع اللغة حتما في قائمة الرموز مثل عملة النقد الورقية التي ترمز إلى قيمة شرائية معينة، وتعتمد في قيمتها على العرف والاتفاق بين أفراد المجتمع، لا على قيمتها الذاتية. عملية الكلام -إذن- تتكون من جانبين عضوي ونفسي، وحركة الكلام تبدأ من الرباط النفسي أو العقلي الذي سبق الاتفاق عليه في عقول المتكلمين بين دلالة معينة ومجموعة من الأصوات، ترمز إليها، ولكن سرعان ما تنتقل إلى العملية العضوية عن طريق إشارات عصبية يرسلها العقل إلى الجهاز النطقي لإنتاج الصوت المطلوب. وفي الحال تبدأ مهمة الجهاز النطقي الذي يصدر أصواتا متتابعة مسموعة تنتقل عن طريق موجات صوتية إلى أذن السامع، وأذن السامع بدورها توصل الرمز الصوتي الذي استقبلته إلى العقل، الذي يعطي هذه الرموز قيمتها، ويترجم الرسالة على ضوء ما اختزن فيه سابقا من علاقة بين الرمز الصوتي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 41 ومدلوله، سواء اتفق الفهم تماما مع ما في ذهن المتكلم أم لا. إن سر العملية الكلامية كلها يكمن في تلك الصلة القائمة في عقول اثنين بين الرمز والمدلول وما عدا ذلك -من العملية الكلامية- عضوي طبيعي ميكانيكي. أما كيف تم في البداية عقد الارتباط بين الرمز ومدلوله -حتى في أبسط صوره حيث تم في عقل إنسان فرد- فإنه لا يزال لغزًا من الألغاز، على الرغم مما سبق أن رأيناه من محاولات كثيرة, وسر آخر هو كيف امتد -في القديم- هذا الارتباط من عضو في الجماعة اللغوية إلى آخر، وكيف أصبح ملكًا عاما بين الناس، وإن كان يمكننا الآن أن نرصد حركة العملية الكلامية. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 42 امتداد آفاق اللغة ... 4- امتداد آفات اللغة: للغة ارتباط وثيق بعلوم الطبيعة، فإن أصوات لغة الكلام تنتج وتستقبل عن طريق أجهزة الجسم الإنساني، وتركيب هذه الأجهزة ووظائفها "أجهزة مثل الرئتين والقصبة الهوائية والفم واللسان والأنف والأذنين ... إلخ" جزء من علم وظائف الأعضاء، كذلك فإن انتقال الصوت على شكل موجات صوتية عبر الهواء يدخل في اختصاص علم الطبيعة، وبخاصة ذلك الفرع المعروف بعلم الصوت. ولكن اللغة -من ناحية أخرى- لها علاقة وثيقة بعلم الإنسان, وعلم الاجتماع، باعتبارها نتاج علاقة اجتماعية، ووسيلة نقل الثقافة التي تعتبر من وجهة نظر علم الإنسان مجموعة تقاليد الشعب وأوجه استعمالاته للغته. وبالنظر إلى وظيفة اللغة كتعبير عن الفكر، يمكن اعتبار اللغة جزءا من علم النفس، كذلك تطرق اللغة كل أبواب النشاط الإنساني المشترك من عقيدة وحرب وسياسة وقانون وترفيه. واللغة -إلى جانب ذلك- تعمل كأداة للفكر الراقي، فالخطابة والأدب والشعر والفلسفة والعلوم، كل أولئك لا بد أن تتناول عن طريق اللغة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 42 ومن أجل هذا فإن علم اللغة يعتبر نوعا من الدراسة التي لا يمكن بالضبط أن تعد من علوم الطبيعة، أو الاجتماع، أو فرعا من فروع العلوم الإنسانية، إنه يحتل مكانًا ملموسًا بين هذه الأقسام الثلاثة للمعرفة الإنسانية، إن اللغة أداة ذات أهمية بالغة في الحضارة الإنسانية، إنها شيء لا غنى عنه، وأيضا فاللغة ملك مشاع لكل طبقات المجتمع من أعلاها إلى أدناها، ليس كل الناس يكتبون، وقليل منهم نسبيا من يهتمون بصناعة الأدب، ولكن كل الناس يتكلمون. وهذا كله يجعل علم اللغة "الدراسة المقصودة للغة" موضوعا ذا أهمية كبيرة، وإن كانت عملية استخدام اللغة نفسها تعتبر أساسا عملية غير واعية، وتأخذ في طبيعتها صورة الأفعال اللاإرادية أو المنعكسة منذ اللحظة التي يكتسب فيها الإنسان اللغة، ويتمكن منها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 43 5- مستويات التحليل اللغوي : إن دراسة اللغة -على ما جرى عليه العرف- سواء كان المنهج وصفيا أو تاريخيا، وتندرج في أربعة مستويات، وإن كانت الحدود بينها غير واضحة تماما كما قد نحب أن يكون. هذه المستويات هي: 1- مستوى الأصوات phonology، ويدرس أصوات اللغة، ويشمل كلا النوعين المعروفين باسم علم الأصوات العام phonetics وعلم الفونيمات phonemics. وسوف نحدد المراد بهذين المصطلحين فيما بعد. 2- مستوى الصرف Morphology، أو مستوى دراسة الصيغ اللغوية وبخاصة تلك التغييرات التي تعتري صيغ الكلمات فتحدث معنى جديدًا، مثل اللواحق التصريفية inflectional endings "على سبيل المثال S التي تضاف إليه Cat فتصيرها جمعا"، والسوابق prefixes "مثل re قبل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 43 tell لتعطيها معنى يخبر مرة ثانية"، والتغيرات الداخلية internal changes "مثل تغيير حرف العلة في sing إلى sang لإفادة الماضي". 3- مستوى النحو Syntax, الذي يختص بتنظيم الكلمات في جمل أو مجموعات كلامية "مثل نظام الجملة: ضرب موسى عيسى، التي تفيد عن طريق وضع الكلمات في نظام معين أن موسى هو الضارب وعيسى هو المضروب"1. 4- مستوى المفردات Vocabulary. الذي يختص بدراسة الكلمات المنفردة، ومعرفة أصولها، وتطورها التاريخي، ومعناها الحاضر، وكيفية استعمالها، ويدخل تحت دراسة المفردات فرع يسمى بالاشتقاق Etymology وهو يختص بدراسة تاريخ الكلمات، وفرع آخر يسمى الدلالة Semantics ويختص بدراسة معاني الكلمات وهناك فرع يسمى المعجم Lexicography وهو فن عمل المعجمات اللغوية، ويستمد وجوده من علم دراسة تاريخ الكلمات وعلم الدلالة، يضاف إلى ذلك اهتمامه ببيان كيفية نطق الكلمة، ومكان النبر فيها، وطريقة هجائها، وكيفية استعمالها في لغة العصر الحديث. وإن الحدود بين هذه المستويات الأربعة غير واضحة تمامًا ومتشابكة، فأصوات اللغة مثلا تتأثر كثيرًا بالصيغ، والعكس كذلك صحيح، والصوت والصيغة كلاهما يتأثران -غالبًا- بالمعنى، كذلك يوجد تبادل مطرد بين الصرف والنحو، كما هو الحال بالنسبة لبعض اللغات حين تستعمل واحدًا منهما وتستغني عن الآخر2.   1 المثال الذي ضربه المؤلف هو "John hit George" "المترجم". 2 في اللاتينية والروسية -على سبيل المثال- تعد النهايات الصرفية على درجة كبيرة من الأهمية ويعد علم النحو قليل الأهمية، وفي اللغة الصينية لا وجود لعلم الصرف، ويقوم علم النحو وحده بوظيفة إعطاء المعنى للجملة أو العبارة. "وسيأتي تمثيل المؤلف بالجملة الصينية: "هو ضرب أنا" حيث لا يوجد اختلاف في شكل الضمير باختلاف موقعه الإعرابي". "المترجم". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 44 ولهذا فإن الصرف والنحو كثيرًا ما يجمعان تحت اسم واحد هو التركيب القواعدي Grammatical Structure. وإذا نظرنا من زاوية اكتساب اللغة نجد أن أولئك الذين يتعلمون لغتهم الأم يكتسبون النماذج الصوتية وقواعد اللغة الأساسية في وقت مبكر، وهم من ثم يستعملونها بصورة مشتركة، مع اختلافات بسيطة ترجع إلى الموقع الجغرافي "لهجات محلية"، وطبقة المتكلم الاجتماعية، ونوع تعليمه ولكن نفس الشيء لا يمكن أن يقال بالنسبة لمفردات اللغة التي تعكس اختلافات هائلة بين المتكلمين في مجتمع لغوي واحد، إلى جانب ذلك هناك قدر أساسي مشترك من المفردات يستعمله أبناء اللغة الواحدة بوجه عام. وإن التعليم الطبيعي لعملية اللغة يأتي عن طريق التكرار، والمحاكاة، وخصوصًا فيما يمس الأصوات وصور التنغيم وقواعد اللغة الأساسية، وإن دراسة اللغة عن طريق قواعد النحو قد وصفت -ببراعة- بأنها حيلة لاستنفاذ الوقت، حيث تستغل قدرة الشخص العقلية على التعميم والتجريد، بدلا من اللجوء إلى التكرار والتقليد اللانهائيين، كما هو الحال حيث يكتسب الشخص لغته الأم في مرحلة الطفولة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 45 6- علم الأصوات, علم الأصوات العام, علم الفونيمات: إن عدد الأصوات التي يمكن لجهاز النطق الإنساني أن ينتجها لم يمكن حصرها أو تقديرها على وجه الدقة حتى الآن، وهذا يرجع إلى أن أقل انحراف في المخرج point of articulation يمكن أن يعطي نتائج مختلفة تدركها الأجهزة الحساسة مثل السبكتروجراف أو مسجل تردد الموجات الصوتية، إن لم تدركها الأذن، وأيضًا فإن كثيرًا من الأصوات الإنسانية التي لا تعد أصواتًا كلامية في بعض اللغات تعد -بكل تأكيد- أصواتًا كلامية في بعضها الآخر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 45 وعلى سبيل المثال فإن الصوت الذي نحدثه حينما نريد إطفاء عود الكبريت، أو صوت التقبيل، أو صوت استدعاء فرس أو نحوها, كل أولئك يشكل جزءًا من معدات الأصوات الكلامية في لغات مثل اليابانية أو الهوتنتوتية Hottentot "في جنوب إفريقية" وقد درج اللغويون على تقسيم أصوات الكلام -في شيء من التحكم- إلى أصوات علة Vowels وأشباه العلة Semivowels وسواكن1 Consonants في أقسام وأوصاف أخرى مثل: انفجاري plosive، واحتكاكي Fricative وجانبي Lateral وأنفي Nasal ومجهور Voiced ومهموس Unvoiced ... إلخ "انظر المبحث رقم 18؛ علم الأصوات". وقد سبق تعريفنا لعلم الأصوات phonology بأنه دراسة أصوات اللغة، ولكن بعض اللغويين يطلقونه ويريدون به دراسة التغيرات والتحولات التي تحدث في أصوات اللغة نتيجة تطورها "ولكن هذه الدراسة للتغيرات التاريخية في الأصوات يمكن أن يطلق عليها كذلك اسم علم الأصوات التاريخي historical phonetics أو diachronic phonetics وهناك فريق ثالث يعتبر المصطلحين: phonology وphonetics مترادفين. وإذا نحن قبلنا تعريف الفونولوجي phonology على أنه الدراسة التاريخية لأصوات اللغة فلأن علم الأصوات العام phonetics ينبغي أن يعرف على أنه العلم الذي يدرس ويحلل ويصنف الأصوات الكلامية من غير إشارة إلى تطورها التاريخي، وإنما فقط بالإشارة إلى كيفية إنتاجها وانتقالها واستقبالها، وعلم   1 من آثار فوضى المصطلحات عدم اتفاق اللغويين العرب حتى الآن على مصطلحين محددين يقابلان المصطلحين consonant وقد استعملوا في مقابل الأول الكلمات "ولا أقول المصطلحات حيث لا اصطلاح" علة, لين, صائت, طليق، كما استعملوا في مقابل الثاني الكلمات: صحيح, ساكن, صامت, حبيس. راجع: الوجيز في فقه اللغة لمحمد الأفطاكي ط سنة 1969 ص146. "المترجم". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 46 الأصوات العام بهذا المعنى الأخير فرع من فروع علم اللغة الوصفي، وله أقسام عدة "مثل علم الأصوات النطقي articulatory phonetics، والفزيائي أو الأكوستيكي أو السمعي1 acoustic phonctics والتجريبي experimental phonctics وما بعد الإنتاجي2 genemmic phonetics والإنتاجي3 genetic phonctics والوظائفي physiological phonetics، وإن كان هناك نوعان فقط منها يمكن معالجتها هنا. وإننا في مجال الإصلاح نختار هنا موقفا وسطا بين موقفين يقيد أحدهما الـphonology بالدراسة التاريخية للتغيرات الصوتية، والـ phonetics بوصف الأصوات عند نقطة معينة من الزمن، أما الآخر فيستعمل المصطلحين مترادفين مع إتباعهما بكلمة التاريخي أو الوصفي على حسب الحالة. وإن الوحدة الأساسية أو المادة الخام لعلم الأصوات العام phonetics هي الصوت المفرد phone الذي يعرف بأنه أي صوت لغوي مفرد بسيط يمكن تسجيله بالآلات الحساسة في المعمل، وعلم الأصوات النطقي يقوم أساسًا على تحديد مخارج الأصوات وبيان الصفات الصوتية التي تشكل الصوت. إنه يعطينا وصفًا موضوعيا لهذه الأصوات وكيفية إنتاجها، ويصنفها تصنيفًا ضيقا أو واسعا "على سبيل المثال كيف ينتج الصوت p في Pit الإنجليزية، وكيف يختلف ذلك الصوت عن F في fit", وهذا التصنيف قد تكلفت به الأبجدية الصوتية الدولية lnternational phonetic Alphabet التي تشتمل -من الوجهة النظرية   1 المصطلحان الأولان اختيار الدكتور بشر في كتابه: علم اللغة العام, القسم الثاني: الأصوات ص19، والثالث اختيار الدكتور السعران في كتابه: علم اللغة ص381، وقد شرحه بقوله: ما يتعلق بالصوت من حيث انتقال موجاته في الهواء إلى أذن السامع وأثره السمعي. وانظر ماريوباي في كتابه: Glossary of Linguistic Terminology ص4، 5 حيث أتى بتفسيرين لهذا المصطلح "المترجم". 2 أي دراسة أصوات الكلام بعد إنتاجها، راجع ماريوباي المرجع السابق ص102 "المترجم". 3 أي دراسة إنتاج أصوات الكلام. المرجع السابق ص103. "المترجم". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 47 على الأقل- على التنوعات الأساسية الممكنة لأصوات الكلام، وتصنفها على حسب المخارج الصوتية المستعملة مع كل منها، والأوضاع التي تتعرض لها هذه المخارج. ولكن هناك طريقا آخر لتصنيف الأصوات الخاصة بلغة ما، علاوة على التصنيف الموضوعي الميكانيكي للأصوات الكلامية لكل اللغات، وإن علم الأصوات الأكوستيكي يعالج أصوات الكلام كما تسقبلها أذن السامع، أما علم الفونيمات فهو علم حديث بالنسبة لعلم الأصوات العام، ووظيفته وصف أصوات لغة معنية وتصنيفها على أساس من إحساس المتكلمين باللغة، واعتبارهم عددًا من الأصوات صوتًا واحدا أو أصواتا متعددة منفصلة، "على سبيل المثال ماذا يجعل الرجل الإنجليزي يقبل p في pit وSpit وsip كصوت واحد على الرغم من اختلافها في السمع، وماذا يجعله يرفض تطابق الصوتين p في pit وf في fit?", هنا يتدخل عامل المعنى، ودعنا الآن نفحص هذه الأمثلة المتقابلة في شيء من الدقة: موضوعيا، ومن وجهة نظر علم الأصوات النطقي، الأصوات الثلاثة المسماة p في pit وspit وsip "الأخير كما ينطق عادة في أمريكا مع قفل نهائي للشفتين في عبارة مثل Take a sip" تعتبر أصوتا ثلاثة متميزة منفصلة يسمى كل منها فونا phone "على الرغم من أنها متقاربة جدا"، ولكن من الصعب أن تقنع الرجل الأمريكي العادي بذلك لسبب واحد، هو أنها جميعا تمثل على الورق بشكل واحد P. ولكن ما هو أهم من ذلك أن تلك الأصوات الثلاثة لا تقع أبدا بعضها في مكان البعض الآخر، وفوق كل هذا إن أيًا من هذه الأصوات الثلاثة لا يعار لموضع يؤدي فيه إلى معنى خاطئ، الصوت القوي نطقا p في pit الذي تتلوه نفخة هوائية مسموعة لا يقع إلا في أول كلمة، أو مع مجموعة نفسية، والصوت الرقيق غير المتلو بدفعة هوائية في Spit يقع باستمرار بعد s سواء كانت الـ S في أول الكلمة "وهو الغالب"، أو في موقع آخر، أما الصوت المكتوم في sip الذي لا تنفتح الشفتان من أجله، والذي لا يحدث معه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 48 مطلقا أن تنفتح الشفتان، فيقع عادة في آخر الكلمة أو مجموعة الكلمات، هذه الأصوات اللغوية الثلاثية -من وجهة نظر اللغة الإنجليزية- يقال إنها ذات توزيع تكاملي complementary distribution إنها تمثل ثلاثة تنوعات موضعية positional variants لما يعد في عرف المتكلم الإنجليزي ووعيه شيئًا واحد، إن الرجل الإنجليزي على الرغم من نطقه لها باستمرار لا يفطن للفرق بينها، ولكن -وهذا دليل قاطع- إذا حدث لأمر ما أن استعمل متكلم أحد الأصوات مكان الآخر "كما إذا كان المتكلم مريضا ونطق pit بقوة أقل من المعدل، وكان في الحقيقة ناطقا لـ P الموجودة في spit، أو كان قوي الانفعال ونطق spit مستعملا الـp القوية الموجودة في pit " لا سوء فهم ينجم عن ذلك بخلاف ما إذا أحل صوت k مثلا محل وحد من هذه الأصوات الثلاثة. معنى هذا أنه يوجد -في فهم الأمريكي المتكلم بالإنجليزية- p واحدة، أو كما يقال اصطلاحا "فونيم" واحد هو P بثلاثة أصواتا منفصلة، أو كما يقال في الاصطلاح ثلاثة "فونات"، ذات مواقع متنوعة. "الفونيم" إذن يمكن أن يعرف على أنه مجموعة أو تنوع أو ضرب يضم أصواتا وثيقة الصلة "فونات" ينظر إليها المتكلمون على أنها تمثل وحدة واحدة، بغض النظر عن تنوعاتها الموضعية. ولكن الصورة قد تتغير تماما إذا نحن حاولنا أن نستعمل p الموجودة في Pit وفي spit بالتبادل في لغات أخرى مثل الصينية والهندية، هناك من الممكن أن يقع كل من الصوتين "الفونين" في موقع الآخر أو محيطه، وقد يتغير معنى الكلمة إذا وضع أحدهما موضع الآخر، وبناء على هذا يمكن أن يقال إن p في spit وpit يمثلان "بالإضافة إلى الصوت المكتوم في sip" فونيمًا واحدا في اللغة الإنجليزية وفونيمين في اللغة الصينية1. ومن وجهة نظر اللغة الإنجليزية الصوتان   1 في الصينية P'u "المشتملة على الـ p في Pit" معناها "متجر"، ولكن pu "المشتملة على p في spit معناها "جزء". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 49 "أو الثلاثة" الداخلان تحت p يطلق عليها allophones "ومعناها الحر في أصوات أخرى، ومعناها الدقيق أصوات تقع في مواقع أخرى أو محيطات أخرى" أي أصوات ترتبط بالفونيم الأساسي الواحد. ولنعكس الصورة؛ دعنا نمثل بالكمتين leave وlive اللتين تشتملان على صوتي علة متماثلين، ومع ذلك يعدان في الإنجليزية فونيمين مختلفين، إن سائر حروف الكلمتين متماثلة، واختلاف حرفي العلة في كلتا الكلمتين هو السبب في هذا الفرق الجوهري بينهما في المعنى، ولكن المتكلم بالإسبانية من ناحية أخرى قد يستعمل كلا الصوتين بالتبادل في كلمة مثل vivo "أعيش" دون أن يتغير المعنى، الصوت الأول من الممكن أن يقع في الإسبانية حين تلقى الكلمة بمهل وضغط على الحروف، والثاني حين تلقى الكلمة بسرعة وعدم اكتراث. وعليه فإن هذين الصورتين "أو الفونين" المختلفين موضوعيا يشكلان فونيمين مختلفين في الإنجليزية في حين أنهما في الإسبانية تنوعان "ليسا من التنوعات الموضعية وإنما التنوعات الحرة1 free variants". موضوع علم الأصوات إذن هو أصوات اللغة المدركة "الفونات" التي هي حقائق عامة ويمكن قياسها بدقة بالآلات الميكانيكية. وموضوع علم الفونيمات هو الأصوات أو المجموعات الصوتية المتقاربة التي يدرك علاقتها شعور الجماعة التي تتكلم لغة معينة، والاختيار الموضوعي للفونيمات هو "المغايرة"، أو الاختلاف في المعنى الذي يظهر أو لا يظهر عندما يحل صوت محل آخر، مع بقاء سائر حروف الكلمة كما هي، استعمل الصوت p الموجود في pit في الكلمة Spit ستجد المعنى هو هو، ولكن استعمل k لتصير الكلمة Kit تجد المعنى قد تغير ولهذا فالتنوعان الصوتيان لـp يعدان في اللغة الإنجليزية فونيما واحدا، ولكن P وk يعدان فيها فونيمين مختلفين.   1 انظر المبحث رقم 20 في القسم الثاني من هذا الكتاب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 50 7- الكتابة الصوتية والكتابة الفونيمية : حيث إن المادة اللغوية تظهر غالبا في شكل مكتوب، وجد اللغويون أن من الأفضل استعمال طريقتين كتابيتين لتمثيل أصوات اللغة بشكل يخلصهم من العيوب والتناقضات الموجودة في طرق الكتابة الاصطلاحية، أحد النظامين الهجائيين صوتي، ويستعمل الأبجدية الصوتية الدولية International phonetic alphabet التي توضع رموزها بين قوسين معقوفين هكذا [] ، وتعتبر -من الناحية النظرية على الأقل- ممثلة لأصوات الكلام الموضوعية، إنها يمكن أن تستعمل في كتابة أي لغة من اللغات، وإن كانت بعض رموزها -بدون شك- تستعمل في كتابة بعض اللغات دون بعضها الآخر. أما الأبجدية الثانية ففونيمية، وهي -في جزئها الأكبر- تستعمل الأبجدية الاصطلاحية الرومانية، وأحيانا تستعمل الأبحدية الصوتية الدولية حين يكون ذلك مطلوبا، والرموز الفونيمية توضع عادة بين خطين مائلين هكذا / /، وكل لغة تفضل نظامها الكتابي الخاص الذي قد لا يصلح للغة أخرى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 51 وإن الكتابة الفونيمية أكثر اقتصادا للوقت وعدد الرموز، ولكنها من ناحية أخرى تختص بلغة واحدة، وتقتضي معرفة كاملة بالتركيب الفونيمي لتلك اللغة، أما الكتابة الصوتية فأكثر تعقيدا، ولكنها أدق، وذات تطبيق عالمي. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 52 8- التركيب القواعدي؛ صرف ونحو: الكلمة قواعد grammar اصطلاح تقليدي يستعمل ليشمل ما يمكن أن يوصف بأنه قوانين المرور، أو نظام السلوك للغة، ومن الناحية الاشتقاقية ترجع الكلمة grammar إلى أصل يوناني قديم يدل على معنى الكتابة، وحيث إن الكتابة عند اللغوي مظهر ثانوي للغة، والكلام مظهر أساسي يفضل بعض اللغويين المحدثين استعمال كلمة "التركيب" structure التي يدل اشتقاقها التاريخي على طريقة بناء الشيء وإقامته. وبينما يعد من المسلمات أن كل اللغات -بدون استثناء- تتكون أساسًا من أصوات لغوية، وأن هذه الأصوات -في معظم اللغات- تتجمع في شكل كلمات "في بعض اللغات من الصعب التفريق بين الكلمة والمجموعة الكلامية أو الجملة"؛ فإنه من النادر جدا أن تجد الكلمات منفصلة في الاستعمال اللغوي فمن ناحية تتجمع الكلمات عادة في شكل مجموعات، وحنيئذ فطريقة تنظيم هذه الكلمات تصبح مهمة، وربما متحكمة في المعنى كله "ضرب موسى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 52 عيسى، وضرب عيسى موسى1 على سبيل المثال يختلف معناهما إلى حد كبير على الرغم من اتحاد الكلمات الثلاث المستعملة"، ومن ناحية أخرى غالبا ما تتعرض الكلمات نفسها لتغييرات معينة في الصيغة تؤدي إلى تغيير في المعنى "أرى الكلب, رأيت الكلب" فالتغييرات الحادثة هنا داخل الكلمات نفسها تشكل موضوع علم الصرف morphology الذي يختص بدراسة الصيغ. وتنظيم الكلمات في نسق معين يشكل موضوع علم النحو syntax. وإن الصرف والنحو ليكونان ما يسمى بعلم القواعد grammar أو التركيب structure, أو قوانين المرور التي لا يمكن أن تنتهك تجنبًا للوقوع في ورطة تعوق تيار المعاني، المتدفق الذي يربط متكلما بآخر، وتوفق التفاهم الذي هو الهدف الأساسي أو الوحيد للغة. والموضوع الأساسي، أو موضوع الدراسة في علم الصرف هو دور السوابق واللواحق والتغييرات الداخلية التي تؤدي إلى تغيير المعنى الأساسي للكلمة "مثل tell وretell وforetell ومثل dog وdog's وdogs، ومثل walk وwalked وwalking, ومثل see وsaw وseen، ومثل write وwrote وwritten". وإن علم اللغة الوصفي الحديث ليفضل مصطلح "مورفيم" morpheme على المصطلحات التقليدية مثل النهايات التصريفية، والجذر، والأصل، ويعرف المورفيم على أنه أصغر وحدة ذات معنى فبينما النحو التقليدي قد يصف dogs أنها تشتمل على أصل هو dog ونهاية تصريفية تفيد الجمع هي s، يصف علم اللغة التركيبي الحديث dog، وs كليهما على أنهما مورفيمان، أو وحدتان ذواتا معنى، تحمل إحداهما المعنى الأساسي للكلمة، وتحمل الثانية فكرة الجمعية الإضافية، وعلى كل حال فالتفرقة بين اللفظين، ربما تتم عن طريق تسمية.   1 أمثلة المؤلف هي John hit George وGeorge hit John "المترجم" الجزء: 1 ¦ الصفحة: 53 الأول باسم المورفيم الحر free morpheme "أي الذي يمكن أن يستعمل بمفرده" والثاني "s" باسم المورفيم المتصل bound morpheme "أي الذي لا يستعمل منفردا، وإنما متصلا بمورفيم آخر". أما علم النحو syntax الذي هو تنظيم الكلمات في شكل مجموعات أو جمل، فقد يتسع مدلوله في بعض الأحيان على أيدي النحاة التقليديين ليشمل سمات وخصائص تتعلق بالأسلوب الأدبي، وليس لها في الواقع أي اتصال، أو لها اتصال بسيط بالنماذج الأساسية للغة المتكلمة، وفي لغات معينة "الصينية على سبيل المثال" يحتل علم النحو مكانًا هامًا نظرًا لعدم وجود علم الصرف، وفي لغات أخرى "مثل اللاتينية" يلعب النحو دورًا ثانويا بسيطا، حيث إن المعدات الصرفية، المتمثلة في النهايات التصريفية توجه اهتماما إلى معظم المشاكل المتعلقة بالتغيرات التي تؤثر في المعنى، وفي معظم اللغات الغربية الحديثة يوجد مزيج من كلام الفرعين، وهو مزيج غير محتاج إليه في بعض الأحيان، وفي الجملة كلا الفرعين، وهو مزيج غير محتاج إليه في بعض الأحيان، وفي الجملة الإنجليزية John hit George، إنه فقط النظام النحوي الذي يدل السامع على الضارب وعلى المضروب، وفي He hit me نجد دليلين اثنين، "He وليس him" على الفاعلية. وفي نفس الوقت "me" جاءت في الوضع المعتاد المخصص للمفعول، ودلت على المفعولية كذلك بصيغتها "me وليست I". وإذا أدخلنا في الاعتبار لغات أخرى، وأردنا المقارنة نجد أنه في الصينية ليس من الممكن إلا أن تقول "He hit I" بدون تغيير الضمير لاختلاف محله، وحينئذ فموقعية الضمير وحدها تتابعا في الجملة مثل هذا "Me hit he" وحتى "Hit he me" أو "Hit me he"، وكذلك في حالات تغيير الضمائر إلى أسماء ظاهرة اعتمادا على ما تحتويه الأسماء من نهايات معينة تشير إلى الفاعل والمفعول1.   1 من الممكن التمثيل كذلك باللغة العربية التي يمكن فيها تقديم المفعول على الفعل أو الفاعل، سواء كان المفعول ضميرا أو اسما ظاهرا. "المترجم". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 54 9- المفردات؛ علما الدلالة وتاريخ الكلمات: ينكر بعض اللغويين أن تكون اللغة تكتسب في شكل كلمات مفردة، أو أن يكون المتكلم على وعي بالكلمات مفردة حين يتكلم، إن هؤلاء يفضلون أن يتحدثوا عن العملية اللغوية على أنها تبنى على جمل أو مجموعات كلامية، وهناك شك حول صدق هذه النظرية. وعلى أي حال، سواء كانت صحيحة أو لا، فإن الكلمة المفردة قد قبلها علماء اللغة على أنها موضوع من الموضوعات الرئيسية لعلم اللغة، وعلى أنها محل اهتمام ما يعرف بعلم المفرادات vocabulary. وكما يتضح من معاجمنا الضخمة، فإن أهم المشاكل المرتبطة بالمفردات هي ما يتصل بالدلالة المفردة لكل كلمة semantics، وتاريخ الكلمات وتطورها etymology. وكلا الموضوعين، وخصوصا ثانيهما يمثل مكانة هامة لدى عالم اللغة التاريخي لا الوصفي، وعلى كل حال فإنه من الممكن تماما دراسة الدلالة بطريقة وصفية محضة تركز على المعنى أو المعاني التي تدل عليها الكلمة اليوم "أو عند أي لحظة زمنية معينة" من غير إشارة إلى كيفية اكتساب الكلمة لمعناها هذا بمرور الوقت. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 55 10- تصنيف اللغات : حتى الآن، ناقشنا موضوعات تمس اللغة بوجه عام، وتتعلق باللغات جميعها قديمها وحديثها، وهذه المناقشة قد خصصت لموضوعات من علم اللغة العام أو الوصفي أو التركيبي، ولكن حينما نأتي لتصنيف اللغات نكتشف أن هناك طريقتين رئيسيتين للتصنيف، هما: القرابة اللغوية أو الرجوع إلى الأصل، والطريقة التشكيلية أو التصنيف على أساس وسائل بناء الكلمات وتوليدها، أما الطريقة الأولى فتعد في معظمها تاريخية، وأما الثانية فوصفية، وهناك طريقة ثالثة غير علمية تعتمد على المعيار الجغرافي "اللغات الأوربية, اللغات الإفريقية لخ". وهذه الطريقة ما تزال مستعملة في المجالات التي يصعب فيها تطبيق أحد المنهجين السابقين، حينما تكون معلوماتنا "أو حينما كانت حتى عهد قريب جدا" غير كافية. ولهذا فنحن ما نزال نتكلم عن اللغات الأسترالية الوطنية أو غيرها، "واضعين تحت المنطقة الجغرافية ما قد يمكن تصنيفه إلى أنواع متعددة لو طبقنا أحد المنهجين الأولين، والتصنيف الجغرافي -على أي الحالات- ربما يكون جديرًا بالاستعمال لأغراض لغوية جغرافية. أما التصنيف على أساس القرابات اللغوية genetic classification، فيتطلب ولا شك دراسة تاريخية لربط اللغات بأصل معروف أو تخميني. اللغات الرومانسية مثلا مصطلح يستعمل ليغطي كل اللغات التي ترجع إلى أصل لاتيني. ولكن اللاتينية نفسها تعتبر عضوا في عائلة أكبر تسمى اللغات الهندية الأوربية وإن التقسيمات الواسعة إلى عائلات لغوية كبيرة مثل الهندية الأوربية، والحامية السامية، والطوراني لتتضمن لغات يبدو رجوعها في القديم إلى أصل واحد، فهي لذلك رغم بعد ذلك الأصل وعدم توافر وسائل الإثبات أحيانا تقسيمات واضحة إلى حد كبير، أو على الأقل محتملة الصحة. وأما التصنيف التشكيلي typological classification الذي ربما يكون أو لا يكون قد بني على عوامل تاريخية, فيهتم أولا بالتركيب الحديث للغة، ولذا فهو في جزئه الأعظم وصفي. أما الأنواع العامة للغات فهي كما يلي: 1- اللغات التصريفية inflectlonal وهي التي تدل على العلاقات النحوية عن طريق السوابق واللواحق والتغييرات الداخلية في بنية الكلمة وإذا استعملنا مصطلحات أكثر تحديدا، نقول عن طريق الجمع بين مورفيمات حرة ومتصلة على سبيل المثال: الكلمات الإنجليزية walk وwalk-s وwalk-ing وفي لغات مثل اللاتينية أو الروسية يقل بشكل ملحوظ عدد المورفيمات الحرة، حيث إن الأسماء والصفات والأفعال لا يمكن -بوجه عام- الجزء: 1 ¦ الصفحة: 56 4- اللغات المركبة polysynthetic "أو incorporating"، وهي التي تركب أعدادا من المورفيمات المتصلة في شكل عبارة واحدة، بحيث تكون الوحدة هي المجموعة الكلامية أو الجملة لا الكلمة، ومثال ذلك: العبارة: g-nagla-sl-i-zak-s التي تعني: أنا أبحث عن قرية: فالرمز "g" معناه "أنا" و"nagla" تفيد معنى "مقيم" و"sl" أداة تعطي "nagla" صفة الأسمية ليصبح معناها معها "قرية". أما "i" فهي سابقة فعلية تدل على أن "zak" فعل. أما "zak" فمعناها "أبحث عن" و"s" تدل على الاستمرار. ولا أحد من هذه الواحدات يمكن أن يعطي معنى محددا لو استعمل بمفرده. وإن اللغات التي ينظر إليها باعتبارها تنتمي إلى عائلة لغوية واحدة لتعيد توزيع نفسها إذا صنفت بالطريقة التشكيلية، فداخل اللغات التي تنتمي إلى العائلة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 57 الهندية الأوربية، والتي كانت في أصلها تصريفية إلى حد كبير، نجد اللغتين الإنجليزية، والأفريكانية تميلان إلى نوع اللغات المفردة نظرا لتوسعهما في إسقاط اللواحق، واستعمالها للأصول المجردة -ذات المقطع الواحد غالبا- التي يدل على معناها عادة بنظام الجملة. وإلى جانب ذلك نجد في نفسي العائلة، اللغة الهندية التي تقرب من نوع اللغات اللاصقة، تاركة نظام النهايات التصريفية الموجود في اللغة السنسكريتية، ونجد الفرنسية، في بعض صيغها المتكلمة، تميل إلى نوع اللغات المركبة. أما توزيع اللغات ودراسة جغرافيتها فموضوع -في عمومه- وصفي، حيث يعالج الجانب الجغرافي للغة، ولكنه مع ذلك يمكن أن يحوي ملامح تاريخية، إذا ما أخذ في الاعتبار مقارنة امتداد اللغة وأهميتها في لحظة معينة من الزمن بها في لحظة متقدمة، ولقد كانت أمريكا الشمالية -على سبيل المثال- مغطاة تماما بلغات أمريكية هندية ولغات الإسكيمو خلال القرن الرابع عشر، ولكنها الآن مغطاة بالإنجليزية، والإسبانية والفرنسية، إلى جانب اللغات الأصلية المحصورة بين بعض الأقليات والمجموعات المحلية المنعزلة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 58 11- علم اللغة المقارن؛ إعادة التركيب اللغوي: كان علم اللغة المقارن comparative linguistics بمفهوم القرن التاسع عشر يعني تماما علم اللغة التاريخي. إنه يحوي أساسًا منهجًا للبحث بواسطته توضح مجموعة من اللغات -عادة في أشكالها المؤكدة القديمة- بعضها بجانب بعض بقصد الوصول إلى الروابط والعلاقات بينها. وبالوصول إلى ذلك يمكن فرض صورة اللغة الأم التي تفرعت منها هذه اللغات، والتي لم تصلنا مادتها فعلا. والفضل كل الفضل يرجع إلى هذا المنهج في تقسيم اللغات إلى عائلات، إن المقارنة بين صيغ لغات قديمة مثل السنسكريتية واليونانية القديمة واللاتينية والأيرلندية القديمة والسلافية القديمة والقوطية تؤكد بشيء لا يقبل الجدل أن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 58 كل هذه اللغات قد انشعبت عن لغة غير مكتوبة امتدت فروعها من شمالي الهند إلى أيسلندة، وشملت معظم أوربا وأقساما كبيرة من جنوب غربي آسيا، وقد أدى هذا إلى اختيار اسم اللغات الهندية والأوربية لهذه العائلة، وقد مكن هذا المنهج المقارن اللغويين -من جهة- من إعادة خلق تلك اللغة الأم، على الأقل على سبيل المحاولة، كما مكنهم -من جهة أخرى- من أن يقرروا مع شيء من الثقة أن اللغات الحديثة مثل الإنجليزية والألمانية والأسكندنافية والرومانسية والسلافية وكذلك اللتوانية واليونانية والألبانية والأرمينية والفارسية ومعظم اللغات الموجودة الآن في شمال الهند وباكستان كل أولئك ترجع إلى لغة أم واحدة. ومقارنة اللغات -على كل حال- يمكن القيام بها الآن بطريقة وصفية بالنسبة للغات العالم الحديثة بقصد الوصول إلى مواطن الاتفاق والاختلاف في نماذجها الصوتية وتراكيبها النحوية ورصيدها اللغوي من المفردات، ولعله من الحق أن يقال إن علم اللغة المقارن في صورته المبسطة يدخل في دراسة كل اللغات الأجنبية وتدريسها، ما لم تتجنب هذه المقارنة بطريقة مباشرة عمدية، من غير أن يؤخذ في الاعتبار لغة المتكلم نفسه، أو يشار إليها ألبتة، "وحتى هنا فمن المستحيل أن تمنع المتعلم من عقد هذه المقارنة في عقله بين صيغ اللغة التي يتكلمها ويعرفها، وما يقابلها في اللغة التي يريد اكتسابها وتعلمها". وإن منهج البحث التاريخي المقارن ربما امتزج بالمنهج الوصفي حين يأخذ الدارس لغة ما في فترتين زمنيتين معالجًا كلا منهما أولا معالجة وصفية "وذلك باستخلاص النماذج الصوتية والتراكيب النحوية والرصيد اللغوي لكل مرحلة من مراحل اللغة"، وأخيرًا يقارن الاثنتين ليصل من ذلك إلى التغيرات التي طرأت على الظواهر التي يهتم بدراستها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 59 12- الكتابة : إن الصورة المكتوبة للغة، التي كانت، ولا تزال، وستظل ذات أهمية ضخمة للجنس البشري في نقل المعاني من مكان إلى مكان عبر السنين "على الرغم من تضاؤل قيمتها نسبيا أما وسائل القرن العشرين المختلفة في تسجيل أصوات الكلام المنطوق" لتعد من وجهة نظر علم اللغة مفيدة ومضمرة في وقت واحد. إنها مفيدة بمقدار ما أمدتنا به من مادة لتلك اللغات التي اختفت من عالم الوجود، وهي مضرة لأنها ليست دائما أمينة في إعطاء الصورة المنطوقة كما هي، بل ربما كانت خادعة ومضللة، وليس هناك مثال في هذا المقام أدل على التعبير عما نعنيه من طريقة الهجاء الحديثة للغة الإنجليزية التي تعطي صورة جزئية، وكثيرا ما تكون مضللة، لطريقة النطق اليوم. وللكتابة طريقتان رئيسيتان: الطريقة التي تعبر عن الفكرة بصورة أو رمز وتسمى Pictographic-ideographic أو logographic "وذلك مثل اللغة الصينية" حيث لا توجد أي رابطة بين الأصوات المنطوقة والرموز المكتوبة، لأن تلك الرموز تشير مباشرة إلى الصورة الذهنية1، أما الطريقة الثانية فتعرف بالطريقة الأبجدية المقطعية syllabic-alphabetic حيث تمثل الرموز المكتوبة أصوات اللغة المنطوقة. فكأن تلك الرموز يعد كل منها رمزا لرمز. "اللغة المتكلمة نفسها تعد سلسلة من الرموز التحكمية لصورة ذهنية2".   1 في اللغة الصينية، الكلمة المنطوقة لتدل على الفرس، نعبر عنها كتابيا برمز كان أصلا صورة حقيقية الفرس، وهذا يسمى pictogram والكلمة التي تدل على الشرق يعبر عنها كتابيا بواسطة صورة الشمس تشرق فوق شجرة، وهذا يسمى ideogram. 2 في نظام الكتاب للغة الأمهرية الحبشية يمثل كل رمز تركيبا مقطعيا يتكون عادة من ساكن + علة "مثل با، بي, بو" وهذا يعرف باسم الكتابة المقطعية syllabic script أما النظام الأبجدي العادي، فكل رمز فيه يمثل صوتا متكلما مفردا "في الإنجليزية مثل ba=a+b وso=o+s". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 60 وهذا رسم يبين طريقتي الكتابة الرئيسيتين: والحقيقة القائلة: إن اللغة المتكلمة عرضة للتطور بسرعة في حين أن المكتوبة تميل إلى الجمود والتمسك بالتقاليد تفسد العلاقة الم ثالية بين الرموز الكتابية والأصوات المنطوقة، وهذا يعني أننا في دراستنا اللغوية -سواء كانت وصفية أو تاريخية- يجب أن نأخذ الحيطة في قبول اللغة المكتوبة -انخداعا بقيمتها الظاهرية- على أنها أشرف وأرقى من اللغة المنطوقة، إن الثقة في النصوص المكتوبة يجب أن تقرر دائما في حذر، وليس معنى هذا أنها يجب أن تستبعد أو تطرح جانبا من ميدان دراستنا، فهذا غير مقبول وبخاصة في الدراسة التاريخية، حيث لا يوجد لدينا من المادة الموثوق بها سوى هذه النصوص المكتوبة رغم نقصها، ولكن في مجال علم اللغة الوصفي أو التزامني، فإن وجود متكلمين باللغة على قيد الحياة، وسهولة تسجيل كلامهم قد قلل من الاعتماد على النصوص المكتوبة. ولكن يجب أن يؤخذ في الاعتبار في الصيغة المكتوبة للغة -وخصوصا إذا كانت اللغة واسعة الانتشار- تقوم بدور هام في تعطيل تيار التغير الذي يلحق لغة الكلام بسرعة إن لغة الكلام إذا تركت وشأنها تكون عرضة لتغيرات طبيعية فطرية تبعدها عن المركز تعبر عن نفسها بسرعة خلال الزمن وتظهر في شكل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 61 لهجات عبر الزمان1. وكلا العاملين "التطور الفطري والانقسام إلى لهجات" يعوق تحقق الغاية العملية للغات وهي الاتصال وإن الصيغة المكتوبة بفرضها مستوى معينًا من الصواب -مهما كان تعسفيًا- تعطل حركة هذين العاملين وتعوق فعاليتهما، إنها تحرك قوى مركزية جاذبة -ولو صناعية- تعادل القوى المركزية الطاردة الموجودة في اللغة. اللغة المكتوبة إذن تساعد على تحسين وسائل الاتصال -حتى في مجالات التفاهم الشفوي- بين أعضاء الجماعة اللغوية الواحدة "إن فائدتها -على الأقل- تتمثل في إضفاء روح اللغة الأدبية المشتركة -التي تتمتع باهتمام الدارسين- على اللغة المتكلمة ليسهل التفاهم بها، وإلا فإنه من المشكوك فيه أن يتمكن رجلان فرنسيان أحدهما من الشمال والآخر من الجنوب من أن يتفاهما بسهولة وفي الصين حيث نعد لغتها المكتوبة معقدة، تتقطع الصلة بينها وبين لغة الكلام بشكل عاق تفاهم الصينيين من ذوي اللهجات المختلفة بعضهم مع بعض. وإنه من المحتمل -في المستقبل القريب- أن يزيد نفوذ الاتجاه المحافظ المعياري الذي تمثله الصورة المكتوبة للغة، والذي أخذ في الظهور منذ عهد قريب عن طريق الوسائل الفعالة المنتشرة للاتصال الشفوي، مثل أجهزة الراديو والتليفزيون والأفلام الناطقة، ولهذا فإنه في معظم البلاد المتحضرة قد ظهرت للغة الكلام صورة أدبية إلى حد ما، أو هي في طريق الظهور.   1 اللغة اللاتينية التي كانت تتكلم أصلا في "روما" والأماكن المتاخمة لها تغيرت على أرض وطنها وتحولت أخيرا إلى لهجة روما الحديثة الإيطالية. وكذلك بعد انتشارها في معظم أجزاء الجنوب الغربي الأوربي انقسمت إلى الغالية والأيبيرية وغير ذلك من لهجات لاتينية عامية، هذه اللهجات تطورت فيما بعد وصارت لغات فرنسية وإسبانية وبرتغالية ... إلخ وهذه بدورها انقسمت إلى لهجات مختلفة، وإن إنجليزية القرن السابع عشر بلهجاتها المتعددة لم تتطور فقط إلى لهجات القرن العشرين المختلفة على أرضها وحدها، وإنما أفسحت الطريق كذلك لأشكال من الإنجليزية الأمريكية انقسمت بدورها إلى لهجات إقليمية. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 62 13- توزيع اللغات وعلم اللغة الجغرافي : من أهم الدراسات التطبيقية العلمية لعلم اللغة معرفة اللغات الإنسانية -ولو الرئيسي منها- وتوزيعها على أجزاء الكرة الأرضية، والعلم بعدد المتكلمين بكل منها، ونوع من يتكلمون بها، وفي أي نمط من الحياة يمكن أن تستعمل، وكيف -إذا تيسر ذلك- يمكن أن تتراجع لغة أمام لغة أخرى، وبخاصة ما كان منها مشهورا، وراء هذه المعلومات ذات الطابع العام -التي تجمع بين الدراسة الجغرافية واللغوية- يمكن السؤال الخاص بالتعرف اللغوي language identification وهذا يتطلب معرفة أولية بأشكال اللغات في صورتها المكتوبة، وكذلك بمعالمها الصوتية الأساسية في صورتها المتكلمة، حتى يمكن تمييز كل منها عن الأخرى بواسطة التعرف المسبق. وإن معلومات تفصيلية -إلى حد ما- من هذا النوع تمثل جزءا من أسلحة المتخصصين اللغويين وخبراتهم. وعلاوة على ذلك فإن الحقائق المؤكدة الخاصة بتوزيع اللغات في العالم والأهمية النسبية للغات الرئيسية منها، يجب، بل ويمكن أن يجعل معروفا لكل الأفراد المثقفين أو المتعلمين حتى من لم يتخصص منهم في الدراسات اللغوية، وهذا القدر من المعلومات، الذي يعد ذا أهمية عملية كبيرة لغير المتخصصين، أكثر من أهميته للغويين الوصفيين أو التاريخيين، يمكن أن ترد أبحاثه -ولو من الناحية الظاهرة على الأقل- إلى كلا النظامين الرئيسيين في الدراسة اللغوية "النظام الوصفي والنظام التاريخي" علم اللغة الوصفي يهتم أساسا بالحقائق التركيبية المشتركة في مجموع اللغة أو اللغات. وفي إيضاحه للأسس اللغوية العامة ينزل في بعض الأحيان -وبقصد التمثيل- إلى اللغة المفردة. وحينما يصف لغة ما بشيء من التفصيل، يعزل هذه اللغة عادة ليتمكن من التركيز على بعض الحقائق الخاصة بها، ووضعها جنبا إلى جنب مع الأسس العامة للغة، أما الدراسة اللغوية التاريخية فتركز -من الناحية الأخرى- على تطور اللغة أو اللغات عبر السنين والصور العادية للمقارنة التي تلجأ إليها، تأخذ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 63 شكل دراسة لمرحلتين أو أكثر من مراحل لغة واحدة، أو لغتين كانتا في الأصل لغة واحدة، ولا توجه اهتماما كبيرا لمقارنة لغات حديثة في صورتها الحالية. وعلم اللغة الجغرافي Geolinguistics يغطي -بشيء من التفصيل- الوضع الحالي للغات العالم، عاقدا المقارنة بينها على ضوء العوامل الموضوعية الحديثة مثل عدد المتكلمين، والتوزيع الجغرافي، واحتمالات الاستفادة منها، وأهميتها التجاربة والعلمية والسياسية والاستراتيجية والثقافية في إطار عالمنا الذي نعيش فيه. ومن بين أبحاثه دراسة عوامل مثل: اللغات المحلية area languages ومجالات النفوذ اللغوي، واللغات الوطنية indigenous, والاستعمارية colonial أو superimposed، مع تتبع نفوذ الأخيرة على الأولى حتى بعد زوال الاستعمار. وكذلك دراسة موضوع اللغات الأولية primary والثانوية secondary في منطقة معينة، وما يترتب على ذلك من ثنائية اللغة bilingualism، أو تعددها multilingualism. ويعطي اهتماما أيضا لموضوع إحلال لغة محل أخرى substitution وموضوع اللغات الناشئة من الهجرة أو التجنس، ومن مباحثه كذلك موضوع انتشار اللغات التي تكونت بطريق الانتخاب المتعمد من مجموعة من اللهجات الإقليمة ثم حلت محلها koines، وغير ذلك من اللغات ذات العلاقات المشتركة مع غيرها "مثل تلك اللغات التي توضع للتفاهم بين الأقاليم المتجاورة بنحو مبسط وكلمات مختلطة pidgins أو تلك اللغات التي تتولد عن لغة وتتميز ببساطة تركيبها creoles, أو تلك اللغة التي يتعمد تغيرها من ناحية الهجاء أو النطق أو القواعد النحوية بقصد تيسيرها على المتعلمين modified language كذلك يعطي اهتماما للمركز الاجتماعي أو التربوي "لغة رسمية official language، لغة وطنية national language، لغة أدبية literary language لهجة dialect, لهجة شائعة بين أفراد الطبقة الدنيا في المجتمع patois، لغة طبقية class language مجموعة من الكلمات أو التعبيرات أو المصطلحات الجزء: 1 ¦ الصفحة: 64 الخاصة بمهنة أو جماعة معينة jargon، لهجة عامية siang". ويهتم إلى جانب هذا كله بمعامل معرفة القراءة والكتابة literacy coefficient الذي يوضح مجالات اللغة المكتوبة، وبالمعاملين الوطني nationalistic coefficient والديني liturgical اللذين يؤثران في حياة لغة ما، ومدى فاعليتها. وأخيرا يعطي اهتماما لمشكلة التعايش السلمي بين لغتين "أو أكثر" في مكان واحد، symbiosis أو احتكاكهما وتبادل التأثير والتأثر بينهما "لإيضاح بعض هذه المصطلحات ارجع إلى المبحث رقم 37 المعنون: وظيفة علم اللغة الجغرافي". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 65 14- الموقع وعدد المتكلمين وتوزيع اللغات في الوقت الحاضر : يوجد في العالم الآن نحو ثلاثة آلاف لغة متكلمة، بخلاف اللهجات، وكل لغة من هذه اللغات لها جمهورها الخاص من المتكلمين الذين يتفاهمون بها، ويتخذونها وسيلتهم العادية لاتصالاتهم الشفوية، وتعد كل لغة من هذه اللغات صاحبة السيادة في منطقتها الخاصة، ولا بد أن تؤخذ بعين الاعتبار. وهناك تفاوت كبير بين هذه اللغات، سواء في عدد المتكلمين أو في المساحات التي تسود فيها. فمعظم هذه الآلاف الثلاثة من اللغات يتكلم بها قلة قليلة من الناس يتراوحون ما بين بضع مئات إلى ما دون المليون، وتتراوح مناطق اللغات من قرية منعزلة إلى عدة مئات من الأميال المربعة. أما عدد لغات العالم التي تملك جمهورا يبلغ المليون فصاعدا فلا تتجاوز المائة بكثير وحتى من بين هذه المائة التي تحتل مكان الصدارة من الناحية العددية يوجد تفاوت كبير؛ فهناك فقط 13 لغة يتكلم بها أكثر من50 مليون نسمة. وبين اللغات الثلاث عشر، وحتى بين المائة، تفاوت كبير في المساحات ومناطق التوزيع، فبعض هذه اللغات يمثل اللغة الرسمية في مساحات شاسعة من العالم, وبعض آخر منحصر في منطقة جد صغيرة. وبعضها يتكلم في مناطق غير الجزء: 1 ¦ الصفحة: 65 متلاصقة، وبعضها الآخر يتركز في منطقة واحدة، وبعض اللغات مثل الإنجليزية والفرنسية والألمانية تتمتع بمعاملات عالية في مستوى الإنتاج والتجارة والنتاج العلمي والأدبي، وبعض آخر يستعمل بين جماعة من الناس يمكن أن توصف بالتخلف حيث يهبط فيها مستوى الإنتاج، ويقل حجم التجارة، وينعدم -أو يكاد- إنتاجها العلمي والعقلي، -هذه هي الحال مع معظم اللغات الهندية الأمريكية في الولايات المتحدة الأمريكية، ومع اللغات الوطنية في أستراليا. بعض هذه اللغات تستخدمها مجموعات بشرية ذات مكانة سياسية وعسكرية ممتازة "مثل الإنجليزية والروسية"، وبعضها يعاني في تفاهة مركزه السياسي والعسكري "مثل لغة هاواييني وبعض لغات نيوزلندة", ولكن بعضا من لغات القسم الثاني تستعمل في مناطق ذات مركز سياسي واستراتيجي هام، على الرغم من ضآلة قيمة المتكلمين بها "مثل الفيتنامية، والسواحيلية في شرقي إفريقية". وإن الدراسة التفصيلية الموضوعية العلمية لكل هذه العوامل لتشكل المجال الحقيقي لعلم اللغة الجغرافي، وعلى ضوء ما هو معروف عن مجالات علم اللغة بفرعيه الرئيسيين الوصفي والتاريخي، وميادين بحث كل منهما، فإنه من غير المتوقع أن يتمكن أي من هذين الفرعين من معالجة الموضوعات السابقة على وجهها الأكمل، أو يدعي لنفسه المقدرة على فعل ذلك. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 66 15- لغات المناطق وأهميتها النسبية : بعض اللغات -لأسباب تاريخية سابقة- قد فرضت نفسها كلغات عامة للتفاهم في مناطق تتجاوز منطقتها الأساسية التي تعتبر فيها لغة وطنية، وربما أصبحت مكانتها كبيرة في تلك المناطق الجديدة، ومثال ذلك الألمانية في وسط أوربا، والفرنسية في الشمال الإفريقي والإنجليزية في الهند، وتتفاوت درجة أهمية تلك اللغات وفائدتها في أداء وظيفتها تفاوتًا كبيرا. وفي القديم، كانت اليونانية واللاتينية تستعملان كلغات مناطق على طول حوض البحر المتوسط وغربي أوربا، وقد ثبتت اللغة اللاتينية في النهاية دعائمها كلغة متكلمة عامة في مناطق واسعة كان أصحابها يتكلمون في الأصل لغات أخرى. وفي العصور الوسطى كان استعمال اللاتينية لغة العلم والدين يشمل أوربا الغربية كلها، أما الآن فإن الإنجليزية تستعمل كلغة بديلة في مناطق واسعة مثل الهند وباكستان اللتين كانتا يومًا ما ضمن المستعمرات البريطانية، وكذلك اللغة الفرنسية التي تستعمل بطريقة مماثلة في حوالي نصف إفريقية، كذلك فإن الروسية هي لغة التفاهم العامة في أقاليم الاتحاد السوفيتي في آسيا التي لا تعد الروسية لغتها الأساسية. هذا الانتشار لبعض اللغات ليغطي -بصورة أو بأخرى- مناطق واسعة لم تكن تتكلمها من قبل يعطي أهمية لما سميناه بلغات المناطق area languages. وفي بعض الحالات من الممكن التكهن -على أساس دراسة العوامل والظواهر الموجودة- أن لغة معينة سوف تتمكن في النهاية من فرض نفسها في منطقة معينة، وتحل محل لغات أخرى ما تزال مستعملة حتى الآن في هذه المناطق. وفي حالات أخرى من الممكن التنبؤ -على نفس الأساس- بأن لغة منطقة معينة سوف تتقهقر، وفي النهاية تختفي من أجزاء معينة في المنطقة المستعملة فيها الآن، وعلى هذا فإن السواحيلية من الممكن أن تحل محل الإنجليزية في شرقي إفريقية، وإن الهولاندية آخذة في الاختفاء بالفعل من إندونيسيا. ولكن هذه التقديرات اللغوية للاحتمالات المستقبلة، مع تطبيقاتها الواسعة المدى تحتاج إلى دراسة متخصصة ولا شك. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 67 16- اللغة الأدبية, اللغة الوطنية, اللهجات, اللغة الدارجة, العامية: كل الدارسين لعلم اللغة دراسة وصفية أو تاريخية يجتهدون ليضعوا حدًا فاصلا بين اللغات واللهجات، وبين المستويات الاجتماعية والتعليمية المتنوعة للغة الواحدة المعينة، ولكنهم نادرًا ما يتبعون طريقا واقعيا في الإشارة إلى تلك الظواهر اللغوية، أو محاولة تفسيرها في ضوء أهميتها العملية، سواء للمجتمع أو للأفراد، وهذا راجع -في الأعم الأغلب- إلى سوء تقديرهم لما يشكل اتجاها علميا، وانحرافهم في اختيار الحقائق التي يمكن أن تعتبر أحكاما ذات قيمة. إنه ليس حكمًا ذا قيمة أن تصف لغة ما بأنها تحتل مكانا عمليا عظيما أكثر من غيرها إذا أخذت في الاعتبار العوامل الموضوعية المحققة مثل عدد السكان، ومناطقهم السكنية وإنتاجيتهم، وليس حكما ذا قيمة كذلك أن تدعي أن لغة ما -في الوقت الحاضر- تفوق غيرها ثقافيا إذا كانت ثمرات الثقافة تتحقق بصورة واضحة في شكل نتاج عقلي وأدبي وعلمي، وأخيرا، فليس حكما ذا قيمة أن تدعي أن شكلا معينا من أشكال اللغة تسعمله الجماعة كلها، يجري على ألسنة الطبقة المثقفة, أن تدعي أنه أفضل من شكل آخر يتصف بالمحلية، ويستعمل بين طائفة من الأميين أو أنصاف الأميين. ومن الطبيعي تحت ظروف معينة أن يكون الأبلغ استعمال اللغة الأكبر محلية أو الأقل ثقافة فبعثة تبشيرية إلى أدغال الأمازون نجد من الأفضل لها أن تستعمل لغة هندية قليلة الأهمية لا أن تستعمل لغة يستخدمها مئات الملايين من الأوربيين، وضابط البوليس في تعقبه للمجرمين يجد لغتهم الخاصة أنفع له من لغة المحامين والأطباء والأساتذة، ولكن هذه حالات استثنائية ويجب أن تعرض كما هي. وإن وجود دعائم التوحد بشكل واسع وقوي بين جماعة ما ليبرز ما يسمى باللغة الوطنية national language وهذه اللغات الوطنية كانت في الأصل ظواهر صناعية تتكون في معظم الأحيان إما من لهجة معينة اختيرت لتقوم بوظيفة عامة، وإما من مجموعة من اللهجات طفت على السطح، أو حدث توفيق بينها كحل وسط. ويحدث هذا عادة استجابة لحاجة ملحة في التفاهم العام، وخصوصا لتيسير التبادل التجاري بين الأقاليم المتعددة، إن اللغة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 68 الوطنية هي الصورة الكلامية التي تحظى بتأييد الحكومة، وتدرس -نظريًا على الأقل- في مدراس الدولة. وكثيرًا -ولكن ليس دائمًا- ما تتطابق اللغة الوطنية مع اللغة الأدبية literary language التي تؤدي بها معظم الأعمال الكتابية، وقد كان هذا هو الحال مع اللغة الفلورنتية التوسكانية Florentine Tuscan في إيطاليا، وإن تم ذلك بعد إدخال تعديلات كبيرة والاستفادة من اللهجات الأخرى، وغالبًا ما يكون للهجة شكل أدبي ونتاج أدبي، وربما -من أجل ذلك- وصفت بأنها لغة أدبية، هكذا كان الحال مع اللهجة البيكاردية picard في العصور الوسطى بفرنسا، ومع لهجة نابولي الحديثة modern Neapolitan، ولكن ظهور اللغة الوطنية -على أي حال- يثبط الهمم في استعمال اللهجات للتعبير عن الإحساسات الأدبية. اللهجات إذن تعتبر شكلا محليًا للكلام يستعمل في محيط واسع. وإن كان من الممكن أن تصنف اللهجات إلى وحدات كبيرة على أساس من سماتها العامة، فإن البحث الدقيق قد أثبت أن مثل هذا التصنيف -على الرغم من فائدته- يعد من صنع الخيال إلى درجة كبيرة. لا يوجد -من الناحية الموضوعية- شيء كهذا في الولايات المتحدة الأمريكية مثلا؛ فلا يوجد ما يمكن أن يسمى لهجة جنوبية، أو لهجة غربية وسطى، أو لهجة نيو إنجلاند، ولكن توجد سلسلة من الخصائص المحلية غير المتناهية مع بعض ملامح مشتركة من ناحية وملامح متباينة -من إقليم إلى إقليم- من ناحية أخرى. وعلى أساس من الحقيقة المطلقة، فإن كل مدينة أو بلدة أو قرية لها لهجتها الخاصة. وقد وضع الفرنسيون لهذه الصورة الكلامية المحلية غير المكتوبة اسم patois. ولو ذهبنا بالتحليل أبعد من ذلك لأمكننا أن نقول إن كل شخص على حدة له خصائصه النطقية المختلفة التي تميزه عن غيره، حتى ما بين أعضاء أسرته القريبين، والتي تسمح لأصدقائه ومعارفه بأن يميزوه في حالة عدم رؤيته عن طريق صوته. هذه الصورة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 69 الفردية للكلام تسمى العادات الكلامية idiolects. ومن ناحية أخرى فإن الحدود المميزة للصور الكلامية الفردية المتنوعة ربما تمثل بخطوط افتراضية تسمى الخطوط الفاصلة isoglosses وهناك -على سبيل المثال- خط افتراضي واضح محدد يمتد من الجنوب الغربي إلى الشمال الشرقي يخترق معظم الأراضي الألمانية، وعلى أحد جانبي هذا الخط يقول المتكلمون: dat وعلى الجانب الآخر يقولون: das. وإذا كان هذا الخط الافتراضي لا يتطابق دائما مع الواقع فإنه غالبا ما ينظم الظواهر في شكل حزم أو مجموعات، مع اختلافات بسيطة نسبيا، وإذا أخذ المرء المتوسط أو المعدل أو مجموعات مع اختلافات بسيطة نسبيا، وإذا أخذ المرء المتوسط أو المعدل لهذه الخطوط الفاصلة فإنه يمكنه أن يحدد خطأ مفردا يفصل منطقة لهجة رئيسية عن غيرها. وهذا هو أساس الطريقة العلمية لتصنيف اللهجات الرئيسية في لغة معينة. ومن الناحية العملية، لكل لغة مستويات مختلفة على أساس الطبقة الاجتماعية أو التعليمة، وناتج هذا يمكن أن يسمى اللغات الطبقية class languages. فحينما يستعمل المتعلمون في مجتمع ما طريقة كلامية خاصة نجد طبقة أنصاف المتعلمين يستعملون طريقة أخرى. وقد أدى هذا إلى ظهور المصطلح الإنجليزي المستخدم في بريطانيا وهو: لغة الجامعيين "U"language. ولغة غير الجامعيين "non-U"language "فكلمات مثل lidy وbob يتجنبها الإنجليزي الجامعي عادة" وإلى جانب ذلك فهناك بعض المهن، والأعمال التي تستعمل نوعا معينا من المفردات والمصطلحات وهذا يختص باسم jargon. أما الصورة الدارجة للغة colloquial فهي التي تستعمل في مجالات الأحاديث غير الجادة، حتى من رجال مثقفين، ونادرا ما تستعمل في الأحاديث أو الكتابات الرسمية "وذلك مثل: l've got five dollars". وقد تهبط اللغة الدارجة إلى درجة أكبر فتدخل تحت ما تسميه المعاجم القديمة باللغة المبتذلة vulgarisms "مثل I ain't seen him أو العامية slang مثل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 70 He packs a gat". التي ربما كانت لها صفة المحلية، ولكنها في الغالب تتصف بالعمومية. هذه الطبقات الاجتماعية أو الثقافية للغة هامة، جدا من وجهة نظر علم اللغة الجغرافي، لأنه تبلور الصورة العامة للتنوعات اللغوية المستعملة على ظهر الكرة الأرضية. وإن الفروق الطبقية في اللغة -التي تحدثنا عنها سابقا- تعد أكثر فعالية في اللغات الثقافية الكبيرة الهامة، منها في اللغات الأقل متكلمين وثقافة، ومع ذلك ففي بعض الحالات يمكن للنوع الأخير من اللغات أن يمثل ما يعد من الناحية، العملية طبقات اجتماعية، عن طريق استعمال مجموعة من الناس لبعض الصيغ المنبوذة لدى مجموعة أخرى من المتكلمين بنفس اللغة، وفي بعض القبائل الهندية الأمريكية -على سبيل المثال- تتكلم المرأة لغة تختلف إلى حد كبير عن لغة الرجل. وسترد معلومات أوفى عن بعض المصطلحات السابق الإشارة إليها، من وجهة نظر علم اللغة التاريخي في المبحث رقم 28 وعنوانه: نقاط اتصال مع علم اللغة الوصفي وعلم اللغة الجغرافي. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 71 17- الصورة اللغوية المتغيرة : إن الاتجاه الطبيعي للغة، وبخاصة في صورتها الدارجة أو المتكلمة، هو اتجاه يبعدها عن المركز، أو ما يمكن أن يسمى اتجاها طرد بمركزيا centrifugal. فاللغة تميل إلى التغير، سواء خلال الزمان أو عبر المكان، إلى الحد الذي لا توقف تياره العوامل الجاذبة نحو المركز أو التي يمكن أن تسمى بالجذبيمركزية centripetal. هذه الخاصية العالمية للغة هامة لعالم اللغة التاريخي حيث إنها تشكل الأساس في كل تغير لغوي، وهي هامة لعالم اللغة الوصفي لأنها تكون الأساس للاختلافات اللهجية أو الطبقية التي يصادفها الباحث الجزء: 1 ¦ الصفحة: 71 في اللغة موضوع دراسته ووصفه وتحليله. وهي هامة لعالم اللغة الجغرافي، ليس فقط بسبب أنها تعطيه صورة -أقرب إلى الدقة- للغات العالم، وتبين له أهمية بعضها بالنسبة للبعض الآخر، ولكن أيضا لأنها تمده بالأسس التي يبنى عليها تنبؤاته فيما يتعلق بمستقبل اللغات في العالم. ومن الحقائق العامة أنه وجدت -في الماضي- لغات معينة كانت يوما ما هامة ومنتشرة, ثم اختفت من الوجود نهائيا وبادت معالمها، اللهم إلا من بعض نصوص كتابية وكلمات قليلة افترضتها لغات كانت أكثر حظًا، وهي تلك التي عاشت وازدهرت، وهناك لغات أخرى أظهرت قوة جبارة في التوسع والامتصاص واستمالة أعداد هائلة من المتكلمين الجدد الذين لم يسبق استعمالهم لها. وقد كانت اللغة اللاتينية من ذلك النوع الذي جذب عددا من المتكلمين بلغات مثل الإترورية Etruscan والأسكانية Oscan والأمبرية Umbrian والأيبيرية Iberian والغالية Gaulish وألسنة أخرى كثيرة ضاعت معالمها وقد عاشت اللاتينية ونجحت، وظلت تنبض فيها الحياة حتى عصرنا الحاضر في شكل اللغات الرومانسية التي هي في الواقع سليلة اللاتينية، وهي هي مع بعض خلافات حدثت بمرور الزمن. ولو انتقلنا إلى لغات حديثة زمنيًا لشاهدنا ازديادا في قوة الشخصية وعدد المتكلمين بالنسبة للغات كالإنجليزية والفرنسية والإسبانية والروسية، فكل منها قد اكتسب متكلمين جددا عن طريق الامتصاص من ناحية، والنمو الطبيعي من ناحية أخرى، ونحن في بعض الأحيان نصطدم بلغات مثل اللغة الصينية التي يرجع التزايد العددي لمتكلميها إلى سبب واحد، وهو النمو السكاني الداخلي. وإنه من بين وظائف عالم اللغة الجغرافي أن يدرس العوامل التي تؤدي إلى تقدم لغة أو تقهقرها، وأن يعكس صورة اللغة المستقبلة من خلال حاضرها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 72 ولكن الوظيفة الأخيرة جد صعبة، وذلك بسبب تعدد وتنوع العوامل التاريخية التي تدخل في تكوين تلك الصورة، وهذه العوامل قد تكون ذات طبيعة عسكرية أو سياسية أو اقتصادية أو دينية أو ثقافية. فاللغة اللاتينية مثلا قد انتشرت نتيجة لغزو عسكري، وحنكة سياسية، ومهارة إدارية، ولكن بقاءها مؤخرا في مساحات واسعة كان مرده -في الأعم الأغلب- إلى عوامل دينية، حيث كانت اللغة اللاتينية قد أصبحت اللغة الرسمية للكنيسة المسيحية الغربية، وامتداد اللغة العربية كانت نتيجة لعالم الغزو العسكري المصحوب بالتوسع الديني، وقد أصبحت القشتالية Castilian هي اللهجة الغالبة في شبه الجزيرة الإسبانية نتيجة للدور العسكري الذي لعبه المتكلمون بها بعد إعادة فتحها على يد المور Moors. وإن التوسع اللاحق للقشتالية إلى مسافات بعيدة من العالم الجديد كان يرجع إلى الجهود الاستعمارية التي امتزجت بعوامل عسكرية ودينية واقتصادية، وقد حدث شيء مماثل بالنسبة للغة الإنجليزية، بالإضافة إلى الفعالية الكبيرة لعامل الامتصاص لمجموعة ضخمة من المهاجرين وأعقابهم، الذين كانوا يتكلمون عادة لغة أخرى غير الإنجليزية، وإن لهجة شمال فرنسا Francien بعد انتصارها في العصور الوسطى على لهجات أخرى أدبية مماثلة، نظرا لما تصادف من أنها اللهجة المحلية لباريس حيث البلاط الملكي، استطاعت مؤخرًا أن تفرض نفسها على مساحات واسعة من الأرض نتيجة قوة عسكرية واستعمارية من ناحية، وما تتمتع به من إغراء ثقافي من ناحية أخرى. واستنتاجا من دروس الماضي ينبغي على عالم اللغة الجغرافي أن يقاوم أي زعم بأن المركز النسبي الحالي للغات العالم اليوم سوف يستمر، إن الصورة التي يجب أن تكون مائلة أمامه هي أن اللغة سريعة التطور، ولربما لم تكن هذه الصورة في أي يوم مضى أصدق منها الآن. وبينما يجب على اللغوي أن يصف موضوعيا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 73 صورة لغات العالم كما تظهر الآن، وربما يعطي تنبؤات متحفظة عن المستقبل. يجب أن يكون مستعدا للتغيرات المفاجئة وربما المروعة، وقد شاهدنا فعلا تغيرات متعددة من هذا القبيل خلال القرن الحالي1.   1 من بين هذه التغييرات تدهور منزلة اللغة الفرنسية والألمانية -ربما لفترة مؤقتة- خلال الحربين العالميتين الأولى والثانية، وارتفاع منزلة اللغة الإسبانية بعد الحرب العالمية الأولى، واللغات الصينية والعربية بعد الحرب العالمية الثانية، ومن الممكن كذلك الإشارة إلى ازدياد مكانة بعض اللغات الناشئة حديثا، والتي تعتبر لغات اصطناعية إلى حد ما، مثل اللغة الأندونيسية التي هي الآن اللغة الرسمية لدولة يبلغ تعدادها حوالي مائة مليون ومثل هذا ينطبق على اللغات الهندية والأردنية والتاغالوغية "Tagalog" التي صارت اللغات الرسمية للهند والباكستان والفليبين "على التوالي"، ولكن ليس بدون مقاومة من متكلمين بلغات أخرى في هذه المناطق. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 74 القسم الثاني: علم اللغة الوصفي "اصطلاحات أساسية" 18- علم الأصوات : يتم إنتاج الأصوات اللغوية المنفردة "تسمى أيضًا فونات Phones" "انظر المبحث رقم6" بواسطة أعضاء النطق الإنسانية. فالرئتان Iungs تقومان بوظيفة المنفاخ الذي يوفر التيار الهوائي الذي يعتبر المادة الخام لإنتاج الأصوات اللغوية، هذا التيار الهوائي يتجه إلى أعلى خلال القصبة الهوائية wind pipe ويواجه تضاريس مختلفة من التقبضات والانسدادات، وبمجرد أن يغادر الهواء الأوتار الصوتية vocal cords والحنجرة larynx يمكن له أن يتجه إما إلى الفم أو إلى الأنف اللذين يقومان بوظيفة حجرتي رنين resonating chamber. والأوتار الصوتية التي يمكن تحسسها بملس تفاحة آدم Adam's apple يمكن أن يغلق نهائيا وأن تتذبذب وأن تفتح نهائيا، فإذا أغلقت الأوتار الصوتية تماما تم أطلقت ينتج ما يسمى بالهمزة glottat stop، أو بداية تيار النفس الذي يمكن سماعه في تجمع ألماني مثل die Eier "وأحيانا في اللغة الإنجليزية حين النطق بكلمة "co-operate" حين الانتقال من "O" الأولى إلى الثانية. وقد توجد في نطق لهجي لكلمة مثل "bottle" حينما ينطق حرف الـ"T" كأنه همزة، ويكون الناتج صوتا مثل: "bo'le". فإذا توجه تيار الهواء إلى الفم تنتج الأصوات الفموية oral sounds, وإذا توجه إلى الأنف نتجت الأصوات الأنفية nasal sounds وحتى من قبل أن يصل تيار الهواء إلى الفم أو الأنف من الممكن إنتاج بعض الأصوات اللغوية داخل التجويف الحلقي. وإن مثل هذه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 77 الأوسط فيقابل نقطة الالتقاء بين الطبق وما يسمى بالغار أو وسط الحنك الصلب hard palate. أما مقدمه فيقابل الغار، وأما طرفه فعادة ما يقابل الأسنان السفلي أو العليا. والشفتان تليان اللسان في القدرة على التحرك من بين أعضاء النطق، ويوجد كذلك اللهاة uyula التي يمكن أن تتذبذب بجريان النفس وينتج ما يعرف بالراء اللهوية الفرنسية "يمكن توضيح حركة اللهاة أيضًا بحركتها عند النحنحة الخفيفة". أما الأسنان، وسقف الحلق، والتجويف الأنفي فغير قابلة للحركة. وإنها لحقيقة هامة تلك التي يقررها علم وظائف الأعضاء من أن تلك الأجزاء المسماة بأعضاء النطق ليست وظيفتها الأولى النطق، وأنها تؤدي وظائف أخرى أساسية في بقاء الكائن الحي مثل التنفس والأكل. وعند إنتاج أصوات العلة ينفتح الفراغ الفموي بوجه عام، ويكون حرا، من العقبات بالقياس إليه عند إنتاج الأصوات الساكنة، ولكن -مع ذلك- يوجد شيء من الانقباض نتيجة وضع اللسان والشفتين، إن اللسان يمكن أن يرتفع من مقدمه، أو وسطه، أو جزئه الخلفي؛ والشفتين يمكن أن تنفتحا إلى أقصى أو أقل حد، وكذلك يمكن أن تستديرا "كما في وضع القبلة" أو تمتدا إلى الأمام. ومعنى هذا أن صوت العلة ربما وصف بأنه أمامي front، أو وسطي middle, أو central، أو خلفي back، تبعًا للجزء المرتفع من اللسان "الكسرة أمامية، والحركة في hat وسطية، والضمة خلفية" وصوت العلة كذلك يمكن أن يوصف بأنه عال high أو متوسط mid أو منخفض low على أساس مدى ارتفاع اللسان إلى أعلى، أو يوصف بأنه مفتوح open، أو نصف مفتوح half open أو ضيف close على أساسي درجة انفتاح الشفتين1.   1 من الممكن -إلى حد كبير- أن يقال: إن المصطلحات: مقفول وعال، ونصف مفتوح ومتوسط، ومفتوح ومنخفض من الممكن استعمال كل زوجين منها كمترادفين في هذا المقام. إن ارتفاع اللسان يصاحب غالبا -وبطريقة أوتوماتيكية- بقفل الشفتين, وانخفاض اللسان بفتح الشفتين. ولهذا فإن "i" في machine عالية ومقفولة، و"e" في met متوسطة ونصف مفتوحة، و"a" في fatber منخفضة ومفتوحة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 79 وصوت العلة أخيرًا يمكن أن يوصف بأنه مستدير rounded، أو نصف مستدير half rounded، أو منبسط spread - على حسب وضع الشفتين (حرف الـ U في rule مستدير، وaw في awful نصف مستدير وa في hat غير مستدير، أو منبسط". وعلى هذا يمكننا الآن أن نصف صوت العلة في machine كصوت أمامي منبسط عال "ضيق"، والصوت الفرنسي u في lune بأنه أمامي عال "ضيق" ولكنه مستدير ليس منبسطًا. أما u الإنجليزية في rule فهي خلفية مستديرة عالية "ضيقة". وأما a في father فهي متوسطة منبسطة منخفضة "مفتوحة". ولعل مما ينبغي ملاحظته أن بعضًا من هذه الإمكانيات الناتجة عن اجتماع ثلاث صفات متعددة لصوت العلة توجد في بعض اللغات، دون بعض "لا يوجد في الإنجليزية مثلا U أمامية عالية مستديرة مثل الفرنسية" ولكن من المهم أن نشير إلى أن النطق الصحيح لأي صوت غير مألوف لدى المتكلم يمكن إلى حد ما أن يتوصل إليه عن طريق وصفه الدقيق بثلاث كلمات موضحة من مثل تلك التي استعملناها فيما سبق بقصد توجيه المتكلم إلى مخرجه الدقيق حين إنتاجه. وهذه إحدى فوائد المصطلحات اللغوية العلمية الدقيقة. ومن الناحية الصوتية فإن حرف العلة يتكون من صوت مفرد لا يصحبه تغيير في وضع الأعضاء النطقية، ولكن إذا تغير وضع الأعضاء النطقية خلال إنتاج الصوت، كما يحدث في الكلمات الإنجليزية sigh أو bone فإن الناتج يكون صوت علة مزدوجًا diphthng. ومن الممكن تعريفه بأنه تتابع مباشر لصوتي علة يوجدان في مقطع واحد فقط "من الممكن أن يعرف بأنه صوتا علة ينطقان في فترة زمنية لا تكفي إلا لنطق صوت واحد، وهذا التعريف وإن كان أقل علمية أكثر وضوحًا وتفهما" وهناك إلى جانب ذلك احتمال الجزء: 1 ¦ الصفحة: 80 توالي ثلاثة أصوات علة في مقطع واحد مكونة ما يعرف بصوت العلة المثلث triphthong. كما في الكلمة الإنجليزية way أو waw والإسبانية buey والإيطالية soui حيث توجد ثلاثة أصوات علة مجتمعة في مقطع واحد. وفي صوت العلة المزدوج أو المثلث لا بد أن يحتل واحد من الاثنين أو الثلاثة مكانًا بارزًا فيكون أطول زمنيًا، وأكثر وضوحًا، ويتحمل النبر، ولهذا فإن الأصوات الأخرى في المجموعة يسمى كل منها نصف علة semivowel، أو نصف ساكن semiconsonant أو انحداري glide وإن الصوتين الإنجليزيين المرموز إليهما W وy -وبخاصة الأول منهما- يعاملان بوجه عام على أنهما نصفا علة. وإذا كان صوت العلة الأكثر بروزًا تاليًا لنصف العلة نتج صوت علة مزدوج صاعد rising diphthong "وذلك كما في "wa" الموجودة في was أو "ye" في yes" وإذا كان العكس نتج ما يعرف بعلة مزدوج هابط falling diphthong "مثل "ow" في blow أو now ومثل "oy" في boy". وهنا يجب أن نلفت النظر إلى ضرورة اليقظة وعدم الخلط بين ما سميناه علة مزدوجة diphthong "الذي هو وحدة نطقية" وبين تمثيل صوت واحد برمزين كتابيين "وهو وحدة كتابية" وهو ما يعرف باسم digraph وذلك مثل th في اللغة الإنجليزية في نحو this، أو ph في نحو philadelphis, أو sh في نحو shirt، أو ea في نحو beat1. وإن طريقة الهجاء الإنجليزية التقليدية غير المرضية أدت إلى تمثيل كثير من الأصوات المفردة monophthongs برمزين كتابيين، وكذلك إلى العكس، ونعني به تمثيل كثير من الأصوات المزدوجة برموز مفردة "الكلمتان bone و fate مثالان   1 ea في beat فسرها بعض الأصواتيين الأمريكيين على أنها صوت علة مزدوج مكون من i التي في it متلوة بـ y الانحدارية. ولكن بعضا آخر يتفق مع الأصواتيين الأنجليز في أنها صوت علة طويل. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 81 توضيحيان؛ فإن "o" في bone تتكون صوتيا من w+o، و"a" في fate تتكون من y+e. هذا التحليل يعترف به معظم الأصواتيين الإنجليز، ولكن الأمريكيين -بوجه عام- ينكرون هذه الازدواجية, وهم -فيما يبدو- قد وقعوا تحت تأثير الهجاء التقليدي للكلمتين". أما الصوت الساكن فهو ذلك الصوت الذي ينطق مع صوت آخر "عادة صوت علة " وهو غالبًا ما يحتل في المقطع قمة الرنين peak of sonority، ويتطلب الصوت الساكن إما إغلاقًا كاملا للمخرج "إيقاف تيار النفس ثم إطلاقه", أو درجة كبيرة من الشدة أو الاحتكاكية أكثر مما يحدث مع صوت العلة.   1 مقدم اللسان مع طرف اللثة العليا في الإنجليزية عادة، وطرف اللسان مع مؤخر الأسنان العليا أو السفلى في لغات أخرى كالفرنسية والإيطالية. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 82 الأصوات الأسنانية الخالصة توجد في لغات كثيرة فقد استعيض عنها في الإنجليزية بأصوات مخرجها من منابت الأسنان alveolars "الانحباس بين مقدم اللسان وحافة اللثة العليا أو منبت الأسنان alvoli" وبعد هذا الانتقال البسيط في المخرج هو المسبب للفرق الصوتي بين t وd في كل من الإنجليزية والفرنسية. أما الصنف الثاني في السواكن فيشمل الأصوات الاحتكاكية fricatives أو spirants "الأول معناه أنها تقترن باحتكاك بجانبي المخرج، أما الثاني فمعناه أنها تلفظ مع النفس وليست انفجارية" وهنا ليس عندنا انحباس للهواء وغلق كلي للمخرج، وإنما تضييق، أو غلق جزئي يسمح بمرور الهواء. وينطق اليابانيون صوت الفاء بطريقة تجعلها شفوية صرفة مهموسة احتكاكية عن طريق إرسال الهواء من بين الشفتين شبه المفتوحتين، كما يحدث حينما الجزء: 1 ¦ الصفحة: 83 أما الصوت الطبقي الاحتكاكي فينتج عن طريق رفع مؤخر اللسان حتى يكاد يلمس الطبق، وهذا الصوت غير موجود في الإنجليزية، ولكن نوعه المهموس موجود في الكلمة الإسكتلندية loch وفي الألمانية ach وفي نطق اسم الملحن الموسيقي bach. وبالنسبة للأصوات الأسنانية الاحتكاكية تملك الإنجليزية الصوتين الممثلين في الكتابة بالرمزين th "مثل thing وthis حيث يعد أولهما مهموسًا وثانيهما مجهورا، ولكن الهجاء الإنجليزي لا يلقي بالا إلى هذا الفرق". وهنا نضع طرف اللسان على حافة مؤخر الأسنان، أو بين الأسنان, السفلى والعليا، ونسمح لتيار الهواء أن يمر ببطء. ولدينا زوجان آخران من المجموعة الاحتكاكية يخرجان من الغار palatal وينتجان برفع وسط اللسان أو مقدمه حتى ليكاد يلمس الغار، فينتج الصوتان الممثلان في الإنجليزية بـ sh "مهموس" كما في shoot وs "مجهور" كما في measure. أما الأصوات المركبة affricates فهي أصوات لا تنتج عن طريق تغيير   1 من المفيد في هذا المقام أن يستمع الشخص إلى النطق الإسباني لكلمة pagar, ويقارنه بالنطق الإيطالي لكلمة pagare. الصوت الإسباني في هذه الكلمة احتكاكي، أما الإيطال فانفجاري. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 84 المخرج وإنما تعديل طريقة النطق، فإذا حدث أن كان الانغلاق المتلو بانطلاق، الموجود في نطق الـ"t" حدث أن كان متبوعا بالصوت الاستمراري الاحتكاكي فإن النتيجة ستكون ch الموجودة في church. ونفس الشيء يحدث مع الـ d إذا اتبعت بالصوت الاحتكاكي المجهور "s" في measure حيث يكون الناتج صوت الـ"J" الموجود في jet. ومن الممكن بنفس الطريقة إنتاج أصوات مركبة مثل ts و dz, اللذين تمثلهما بعض الأبجديات "وبخاصة الألمانية والإيطالية" برمز واحد هو1 z, وذلك عن طريق الجمع بين أسناني انفجاري وصفيري sibilant ضيق "احتكاكي" spirant من غير تعديل في مخرج الصوت. ولعل من المهم هنا أن نشير إلى أن عددا كبيرا من علماء الأصوات يرفضون الاعتراف بالطبيعة المركبة للأصوات المرموز إليها في الإنجليزية بـch أو j ويفضلون أن ينظروا إليها باعتبارها المقابل الانفجاري للغاري الاحتكاكي المرموز إليه في الإنجليزية بـsh وS في measure. ويوصف الصوتان س، ز غالبا بأنهما صفيريان sibilants "لما يصحبهما من صفير أو أزيز" وهما في الحقيقة صوتان من النوع الاحتكاكي. وطريقة إنتاجهما تكون بوضع طرف اللسان قريبا من مقدم اللثة، والسماح للهواء بالمرور خلال الفتحة المتكونة بينه وبين الأسنان العليا، وتتوقف على قدر ارتداد طرف اللسان إلى الوراء إمكانية إنتاج هذا النوع من الـs الذي يظهر في شكل صفير قوي spical والذي يوجد في بعض اللهجات الإسبانية وفي اليونانية، وكذلك إنتاج الـs الإنجليزية اللثوية alveolar أو الـs الفرنسية الأسنانية وتذبذب الأوتار الصوتية بالإضافة إلى ما سبق ينتج لنا الصوت Z الإنجليزي.   1 في الإيطالية يكتب الحرف مكررا غالبا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 85 للهواء بالصعود إلى الأنف فإن الناتج يكون ما يسمى بالأصوات الأنفية nasal الممثلة في م, ن, ny, ng الموجودة في1 canyon. هذه الأصوات يمكن أن توصف بأنها شفوية أنفية، وأسنانية "أو لثوية" أنفية، وغارية أنفية. وفي كل الأحوال تتذبذب الأوتار الصوتية، ولذا فإن كل الأصوات الأنفية تعد مجهورة. أما اللام والراء فيوصفان بأنها صوتان مائعان liquids, ولكن على ضوء ما بينهما من اختلاف ربما كان من الأحسن أن توصف اللام بأنها جانبية lateral "يغلق اللسان مقدم الفم، ولكنه يهبط من الجانبين ليسمح للهواء بالمرور بينهما وبين سقف الحنك". وإذا كانت نقطة الانغلاق "الناتجة عن رفع اللسان" متقدمة جدا في الفم نتج ما يمكن أن يسمى اللام المائعة الموجودة في2 million. وإذا تأخرت إلى وسط الفم نتجت اللام في love, lamb. وإذا تأخرت أكثر نحو الخلف نتجت اللام في milk. وعلى هذا يمكن أن ننتج صوتًا جانبيًا أماميًا أو متوسطًا أو خلفيا، وكل هذه الأصوات تصحبها ذبذبة في الأوتار الصوتية فهي مجهورة في الإنجليزية وكثير من اللغات3. أما الراء فهي في معظم اللغات مكررة أو ترددية trill أو flap يتم نطقها في مقدمة اللسان، مع حدوث ذبذبة في الأوتار الصوتية "يطلق عليها أحيانا اسم المهتزة vibrant لأن إنتاجها يصاحبه دائما ذبذبة في الأوتار الصوتية أو اللسان أو اللهاة". والصوت الممثل كتابة في الفرنسية بـr مجهور نتيجة ذبذبة اللهاة معه.   1 أو gn الفرنسية أو الإيطالية أو n الإسبانية. 2 في الإسبانية ll وفي الإيطالية gl. 3 في لغة ويلز يوجد لام مهموسة تمثل في الكتابة بـ ll كما في Llanfair, Lloyd وغيرها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 86 وفي الإنجليزية الأمريكية يتم إنتاجه غالبا بتقعير اللسان، والسماح لتيار الهواء بالمرور على امتداد حوافه. هذه التنوعات الثلاثة لصوت تمثله الأبجديات الإملائية في كل اللغات برمز واحد أوضح مثال على وجوب عدم الثقة في نظام الكتابة العادي لتمثيل الصوت المنطوق، وتعبر عن هذا إحدى الحكم المشهورة التي تقول: "العين عدوة الأذن". ولو أن أمريكيا أراد أن يتعلم الفرنسية عن طريق الصورة المكتوبة، فإنه -ولا شك- سينطق ما يراه ممثلا على شكل r تماما بنفس قيمته في الإنجليزية الأمريكية. أما الصوت الممثل في الإنجليزية على شكل h فهو ببساطة يتكون عن طريق اندفاع مهموس لتيار الهواء في الفم بدون حواجز أو احتكاكات "يوجد -على كل حال- احتكاك خفيف في فتحة المزمار glottis ولذا يمكن أن يسمى مزماريا glottal وإذا صاحبته ذبذبة في الأوتار الصوتية فإننا نحصل على الصوت العربي غ gh. هذا البيان الموجز والأولى لكيفية إنتاج الأصوات اللغوية بعيد كل البعد عن محاولة استقصاء الاحتمالات الممكنة التي تبدو في الأبجدية الصوتية العالمية، التي هي نفسها بعيدة عن التمام، ولا توجد لغة في العالم تستعمل أكثر من 60 صوتا من مئات الإمكانيات الصوتية التي يمكن للجهاز النطقي للإنسان أن ينتجها, بل إن بعض اللغات مثل الهاولينية تستعمل فقط حوالي اثني عشر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 87 19- علم الفونيم : إن كل ما ناقشناه في الفصل السابق يختص بميدان الأصوات المنطوقة: articulatory phonetics أو علم الأصوات البسيط الخالص "انظر المبحث رقم6". فإذا انتقلنا إلى الجوانب الفونيمية للأصوات اللغوية فإننا ربما نعرف علم الفونيم phonemics مرة أخرى على أنه العلم الذي يعالج الخصائص الصوتية الوثيقة الصلة بلغة معينة من وجهة نظر إحساس المتكلمين، وهنا نجد أمامنا غالبا مجاميع من الأصوات المتشابهة "فونيمات". وإذا كان من الممكن أن يشتمل الفونيم على صوت واحد: فون phone "أو صوت موضوعي" فهو في الكثير الأعم يشتمل على مجموعة من الفونات المتشابهة، أو التنوعات الصوتية phonetic variants، التي يتوقف استعمال كل منها أساسًا على موقعه في الكلمة "أولا, وسطًا, آخرًا ... إلخ" وعلى الأصوات المجاورة له "قبل علة, قبل ساكن, بين علتين, ملاصق لصوت مجهور أو مهوس ... إلخ" وقد سبق أن رأينا أن ما يمثل في الكتابة بالرمز P كما في Pit وsip إنما يحوي في الحقيقة ثلاثة فونات مختلفة وإن كانت متشابهة ومتقاربة، ولكننا رأينا كذلك أن هذه التشكيلات تصدر عن المتكلم بلغته بدون وعي، ودون أن يفطن إلى الفروق بينها في العادة، اللهم إلا إذا نبه إليها. وعلى الرغم من أن P في Pit وspit وsip تمثل ثلاثة أصوات موضوعية متخالفة أو ثلاثة فونات فهي تمثل فونيمًا واحدا في الوعي العادي للمتكلم الأمريكي. هذه الفونات الثلاثة حينئذ تسمى تنوعات موقعية Positional variants، أو ألوفونات allophones لنفس الفونيم، هذا يدوره يعني أن الفونيم لا يمكن أن يحدد بالنسبة لفونات أو الأصوات لغة على سبيل الإطلاق إنه أقرب إلى أن يكون شيئًا تجريديًا أو نظريًا لا يتحقق وجوده الموضوعي في الخارج، وإنما يوجد في شكل واحد من ألوفوناته. وعدم تحقق الفونيم موضوعيًا لا في فرد من أفراده يطلق عليه فنيًا مصطلح تحقق الفونيم actualization أو realization. وإن الفونيم أو الوحدة الذهنية p في الإنجليزية الأمريكية يمكن أن يتحقق وجودها الموضوعي فقط عن طريق الفونات في pit وsipt وsip ولكن هذه تسمى فونات لا فونيمات. ومن الأمور الواضحة المسلم بها أن فونات الفونيم الواحد يجب أن تتقاسم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 88 بعض الشبه الصوتي مثل المخرج وكيفية النطق، وعلى هذا فإنه من المستبعد جدا وإن لم يكن مستحيلا في الجملة من لغة بعينها يمكن أن تستعمل P في pit وt في tit وk في kit كفونات لفونيم واحد1. وإن نظرية التشابه الصوتي العام للألوفونات allophones المتفرعة عن فونيم واحد لها -في العادة- اعتبار كبير في الأنظمة الهجائية للغات ففي الإنجليزية الأمريكية الفونات الثلاثة لـp الموجودة في sip, spit, pit تمثل كلها برمز كتابي واحد، ولكننا لا يمكننا دائمًا أن نستمد العون من النظام الهجائي، وبخاصة للغتين الإنجليزية والفرنسية. وموضوع ما إذا كان صوتان معينان يمثلان فونيمين مختلفين أو فونين لفونيم واحد يعتمد على ما رأينا من قبل "المبحث رقم 6" على نظام كل لغة على حدة، والاختيار المتبع في حالة كهذه أن يجرب الصوتان بأن يوضع كل منهما مكان الآخر في كلمة ما، مع الاحتفاظ بباقي حروفها، فإذا حدث ووجد اختلاف في المعنى فهما فونيمان، وإذا لم يحدث أي اختلاف في المعنى نتيجة   1 لاحظ مع هذا أنه من الممكن أن يغزو فونيم منطقة فونيم آخر فيتكلم فيها. في الألمانية -على سبيل المثال- ما يعتبر تاريخيا وهجائيا d يحاكي -إذا وقع آخرا- الصوت t في كلمات مثل "bath="bad هذه الظاهرة تدعي التحييد أو التعادلية neutralization بين فونين مختلفين في العادة ولكن تعادلا كهذا لا يحدث إلا في موقع معين ولهذا فإن الألمانية تفرق بحرص في الموقع الأمامي والتوسطي بين t, d مدمجة إياهما، أو معادلة بينهما في الآخر فقط. ولد صيغ مصطلح خاص ليشمل هذه الظاهرة وهو الفونيم الرئيسي archiphoneme. والفونيم الرئيسي يتضمن كأعضاء فونيمين "أو أكثر" يتداخلان في موقع معين ليصيرا صوتا واحدا بالإضافة إلى فوناتهما العادية. وعلى هذا ففي الحالة الخاصة التي سبقت الإشارة إليها من الممكن أن يقال إن اللغة الألمانية تحتوي على فونيم رئيسي t, d الذين يظلان متميزين في العادة حتى يقع لبس في المعنى لو استعمل أحدهما مكان الآخر، ولكنهما يتعادلان أو يندمجان في الموقعية المتطرفة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 89 هذا التغيير فهما فونان لفونيم واحد1. وعلى هذا، فإذا نحن غيرنا P الموجودة في pit إلى b وقلنا bit فسينتج معنى آخر مغاير، ولذا فهما في الإنجليزية فونيمان لا فونان لفونيم واحد2. ولكن إذا حدث تبادل بين الـp في pit والأخرى في spit فسنجد الكلمة -على الرغم من ذلك- ما تزال محتفظة بمعناها لدى السامع، ولذا فهما فونان لفونيم واحد. ولكن في الكلام العادي -الذي لا يتعمد هذا التبادل لغرض تجريبي- لا يمكن للمرء أن يبادل بين هذين الفونين على الإطلاق. إنه سيستعمل كلا منهما -بدون شعور- في موضعه الصحيح. إنهما يعتبران أن داخل توزيع تكاملي complementary distribution لا يعتدي فيه أي منهما -في العادة- على اختصاصات الآخر. وبالنظرة الشاملة يتبين أن الفونات تغطي كل الاحتمالات الموقعية الممكنة، وبعبارة أخرى كل أشكال الفونيم المتحققة في الواقع، وفي هذا يقول R. Fowkes في تعبيره المشهور: "إن الفونيم صورة ذهنية يكد المتكلم في الوصول إليها، أما الصوت allophon فهو الإنجاز الذي يحققه" تحت أي ظرف معين، وفي أي محيط محدد. وإن المتكلمين ليفطنون بسرعة إلى كل الاختلافات الفونيمية، ولكنهم ربما لا يكونون على علم بالاختلافات الصوتية، وذلك سببه أن تغيير الفونيم يصحبه تغيير المعنى مما يثير انتباه السامع، في حين أن تغيير الصوت لا يصحبه ذلك. وعلى هذا فإذا نطق الرجل الإسباني الـp في pit كما ينطقها في spit تأثرًا بنطقه الخاص في لغته، فلا أحد سيلقي بالا إليه. ولكنه إذا استعمل live   1 يستخدم في هذا المقام مصطلح minmal pair وهو مصطلح يطلق على كل كلمتين تتفقان في جميع الأصوات ما عدا واحدا، فإذا اختلف معنى الكلمتين وأمكن حلول أحد الصوتين محل الآخر كان الصوتان فونيمين وإلا كانا فونين ... "المترجم". 2 ليس هذا في اللغة العربية. فإذا نطقنا كلمة ابتسام بهمس الباء أو بجهرها فإن المعنى لن يتميز ولذا فالصوتان فونان لفونيم واحد ... "المترجم". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 90 بدلا من leave أو العكس فهو ولا شك سيخلق موقفًا يوقع السامع في لبس. وباستثناء الحالات التي سبقت الإشارة إليها عن التحييد، فإن كل فونيم يظل عادة بمنأى عن منطقة الآخر، وإذا لم يتبع ذلك فإن النتيجة الحتمية أعداد لا نهاية لها من الخلط وغموض المعنى، مما يؤدي إلى فشل اللغة في هدفها الأساسي وغايتها الأولية وهي التفاهم والاتصال. ومن الناحية التاريخية يوجد -على أي حال- عديد من الحالات التي تم فيها اندماج صوتين، مما أدى إلى إعادة التوزيع الفونيمي، وحتى من الناحية الوصفية، وبالنظر إلى فترة زمنية واحدة يتم هذا، ففي أمريكا يميل بعض المتكلمين إلى نطق الـt والـd الواقعين بين علتين في wetting وwedding بين بين، فيلتقيان في نقطة يصعب على السامع من الاضطراب، ويساعد على توصيل الرسالة بصورة صحيحة ليمكن ترجمتها على الرغم من صورتها الصوتية المبهمة، والانحراف العارض على نطقها، ومثل هذا يحدث كثيرًا خلال المكالمات التليفونية لأن ما يحدث في الغالب هو وصول50% فقط من المحتوى الصوتي، ولكن يحدث تعويض عن طريق معرفة السامع بالمحتوى الدلالي، وعن طريق استنتاجه شبه الطبيعي المؤسس على خبراته وعاداته السابقة، ويلاحظ في مثل هذه الحالة أنه إذا ورد ذكر كلمة غير مشهورة كاسم أسرة مثلا، فإن الحديث يتوقف طلبا لنطق الاسم بوضوح أو تهجيه. وإن السامع -على ضوء معرفته العامة بالسياق، وسابق خبرته بموضوع الحديث- لا يحتاج لاستمرار المحادثة إلى تمييز كل الأصوات المعروضة المقدمة فيها الرسالة، وإنما ربما يحتاج فقط إلى نصفها، وقد وضع خبراء الاتصال مصطلحًا هو الحشو redundancy ليطلق على حالة الاتصال حينما تظهر وحدات فونيمية في الرسالة أكثر من القدر الفعلي المحتاج إليه للفهم. ومحصل قوة هذا العامل تقل بدرجة ملحوظة إذا كان السامع حديث عهد باللغة التي يتحدث بها، أو على غير سابق خبرة بموضوع الحديث. وهو تحت هذه العوامل يرهف أذنيه ليلتقط كل وحدة صوتية ممكنة، ويحاول على قدر مهارته أن يستفيد من الإشارات واللمحات التي تصاحب الحديث. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 91 الفونيمات الثانوية النبر- التغنيم- المفصل ... 20- الفونيمات الثانوية؛ النبر, التنغيم, المفصل: إن الملامح التي تدخل تحت الجانب الأكوستيكي1 لا الجانب الإنتاجي للأصوات هي: درجة الصوت pitch وعلوه loudness وكيفية تنغيمه timbre. أما الأول فيعتمد على نسبة تردد الموجات الصوتية frequency of sound waves، وأما الثاني فعلى سعتها amplitude وأما الثالث فعلى تركيب النغمة الأساسية fundamental tone مع النغمات التوافقية overtones المرتبطة بها. "إن كيفية تنغيم الصوت هي التي تعيننا على تمييز أصوات الأشخاص". إن أصوات العلة، والأصوات الساكنة تكون ما يسمى بجزيئات الكلام speech segments ولهذا توصف بالتالي بأنها فونيمات جزئية أو تركيبية2 segmental phonemes. يوجد إلى جانب ذلك ملامح صوتية إضافية تؤثر على الأصوات الكلامية أو مجموعاتها، وهذه يطلق عليها أسماء الفونيمات الإضافية أو الثانوية secondery أو supra segmental ومن أهم أنواعها النبر stress" accent"، والتنغيم intonation والمفصل juncture.   1 شرح المؤلف في كتابه Glossary of Linguistic Terminology هذا المصطلح بقوله: إنه دراسة الجانب الصوتي للكلام كما تستقبله أذن السامع، والموجات الصوتية التي تصحبه "مادة acoustic phonetics" "المترجم". 2 الكلام عبارة عن سلسلة كلامية، أو مجرى مستمر خلال زمن معين، وبناء على هذا يمكن أن يجزأ المجرى إلى فونيمان أو ألوفونان منفصلة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 92 والنبر معناه أن مقطعًا من بين مقاطع متتابعة يعطي مزيدًا من الضغط أو العلو "نبر علوي stress accent" أو يعطي زيادة أو نقص في نسبة التردد "نبر يقوم على درجة للصوت pitch accent". أما التنغيم فهو عبارة عن تتابع النغمات الموسيقية أو الإيقاعات في حدث كلامي معين، وأما المفصل فهو عبارة عن نقطة الاتصال أو عدم الاتصال "سكتة كلامية pause of silence" بين مقاطع الحدث الكلامي الواحد هذه الوحدات الفونيمية الثلاثة قد تكون في بعض الأحيان مهمة للمعنى تمامًا كأهمية الواحدت الصوتية "العلل والسواكن" في الحدث الكلامي. وبالنظر إلى النبر على سبيل المثال نجده غير مؤثر ألبتة في تغيير المعنى في بعض الحالات، كما إذا نطقت كلمة police بوضع النبر على المقطع الثاني كالمعتاد، أو بوضعه على المقطع الأول كما ينطقها بعضهم، ولكن الفرق الدلالي يبدو في كلمات مثل presént, présent وكذلك مثل permit, pérmit وكذلك مثل black bird, blackbird. وفي الإنجليزية -كما هو معروف- أربع درجات من النبر هي أولي Primary، وثانوي secondary, وثالثي tertiary, وضعيف weak. ولتوضيح هذه الأنواع نمثل بالكلمات merger, given, weather التي تتحمل نبرًا أوليًا على المقطع الأول، وضعيفًا على الأخير، والكلمات windfall, Baseball التي تتحمل نبرًا أوليا على المقطع الأول، وثالثيا على المقطع الأخير. والكلمات Artifact وgenerate التي تتحمل نبرًا أوليًا على المقطع الأول، وثالثيا على الأخير، وضعيفا -أو لا يوجد نبر بالمرة- على المقطع المتوسط. ويظهر النبر الثانوي عادة في مجموعات الكلمات مثل fine man, red house, حيث يقع النبر الأولي على الكلمة الثانية، والنبر الثانوي على الكلمة الأولى، وفي الكتابة الفونيمية الضيقة تمثل هذه الدرجات إما الجزء: 1 ¦ الصفحة: 93 بأرقام 1، 2، 3، 4، أو بوضع علامة فوق الحرف المنبور هكذا:1 è, ê, é, é "اقرأ من اليمين إلى اليسار". وبينما يعتبر موضوع النبر في معظم الأحيان مرتبطًا بقوة الصوت أو علوه ترتبط درجة الصوت بالنغمات الموسيقية. في الصينية مثلا تعد درجة الصوت أو نغمته جزءًا متأصلا من الكلمة، وقيمته الفونيمية تعادل تمامًا قيمة أصوات العلل، أو الأصوات السواكن، في هذه اللغة، يمكن أن تنطق kan shu بألحان متعددة فتعني مرة "اقرأ كتابًا" ومرة "اقطع خشبًا" و"كذلك Fu تنطق بأربعة ألحان مختلفة فتعني مرة "رجل" ومرة "حظًا سعيدًا" ومرة "مقر الوالي" ومرة "غني" وفي اللغة السويدية تستعمل نغمة نازلة إلى جانب نغمة مركبة. فكلمة مثل anden مع النغمة البسيطة النازلة تعني "البط" ومع النغمة المركبة تعني "النفس" أو "الروح". ومن الدارسين من يدعي أن توقيعات الطبول المعينة عند الإفريقيين إنما هي محاكاة لنغمات الكلمات في اللغة المحلية. وفي اللغة الإنجليزية نادرا تعد درجة الصوت أو التنغيم وحدات فونيمية، وغالبا ما يظهر أثرهما في العبارة أو الجملة، لا في الكلمة المنفردة، ولكن بمساعدة الموقف ربما سبب التنغيم اختلافا في المعنى يمكن أن يوصف بأنه فونيمي، وهناك مثال بين لاقى رواجا بين اللغويين، وهو يمثل هذه الظاهرة، خير تمثيل وذلك قولك: what are we having for dinner mother مع نطق الكلمة الأخيرة وتنغيمها إما كصيغة خطاب، أو كاحتمال فرضي كما لو كان يسأل عما سوف يحتويه طعام الغذاء وهناك نماذج أخرى بقصد المزاح مثل: what is coming up the street? what are you reading.shakespeare بتنغيمها كما لو كان الشاعر هو المخاطب. وإنه ليقال: إن في الإنجليزية أربع درجات للصوت: منخفض low, ومتوسط mid, وعال high، وعال جدا extra high. وتمثيل درجات   1 لاحظ الفرق بين green house, greenhouse. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 94 الصوت معقد نوعًا بسبب اختلاف المتكلمين في استعمالهم لهذه الدرجات وحتى الكلمات ذات المقطع الواحد تتعرض لتغيرات في درجة الصوت، من بدايتها إلى نهايتها ومن الممكن استعمال كلمة "go" مرة في جملة محادية غير انفعالية مثل: I am going to go there tomorrow واستعمالها مرة ثانية في سؤال عادي من نوع Go there? ويمكن استعمالها في مقام الإنكار وعدم التصديق! Go there وأخيرا تستعمل كفعل أمر! Go. إن go الأولى من الممكن أن يقال عنها إنها تستعمل نغمة متوسطة عادية على امتداد طولها، أما الثانية فتستعمل نغمة عالية، وأما الثالثة فتبدأ منخفضة وتنتهي عالية، أما الرابعة فتبدأ عالية وتنتهي منخفضة. ولكن -كما قلنا- يوجد تنوع كبير بين الأفراد في ذلك، ومن الأسلم ألا يحاول المرء وضع قانون صارم يحدد طريقة النطق، ومن ناحية أخرى، فإن كل لغة لها -بالنسبة لكل مجموعة من الكلمات أو الجمل- نماذج للتنغيم intonation متميزة تماما إلى الحد الذي يمكن الشخص من أن يتعرف على اللغة المتكلمة أمامه حتى إذا لم يميز فعلا واحدة من كلماتها. أما المفصل juncture -ويسمى أيضا الانتقال transition- فهو عبارة عن سكتة خفيفة بين كلمات أو مقاطع في حدث كلامي بقصد الدلالة على مكان انتهاء لفظ ما أو مقطع ما وبداية آخر، ولكن بعض الكتاب يدعي أن اختلاف الدلالة لا يتكون من الوقفة، بقدر ما يتكون من إعطاء قيم مختلفة للسواكن والعلل، وكذلك مخالفة التنغيم، إن الانتقال الحاد بين night وrate في night rate "يسمى عادة مفصل مفتوح open juncture, ويوضح في الكتابة عن طريق علامة زائد" يقابل الانتقال الخفي muddy transition بين r, t في nitrate "يسمى كذلك مفصل ضيق close juncture ويعبر عنه في الكتابة عن طريق علامة ناقص". وقد أدى الخلط في الماضي في أماكن الفصل إلى تغيرات تاريخية مثل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 95 an ewt التي تطورت إلى a newt، ومثل a napron التي تطورت إلى an apron. وحتى في عصرنا الحاضر نجد الفصل هو الذي يساعدنا على أن نميز بين an icebox وa nice box وبين light housekeeper وlighthouse keeper. بالإضافة إلى التنغيم والسياق. وحتى في الحالات التي لا يلعب فيها المفصل "وكذلك النبر والتنغيم" دورا فونيميا، فإنه يؤدي دورا ملحوظا في التفريق بين نطق الأجانب، ونطق أبناء اللغة. والمقطع syllable عبارة عن قمة إسماع peak of sonority, غالبا ما تكون صوت علة1، مضافا إليها أصوات أخرى عادة -ولكن ليس حتما- تسبق القمة، أو تلحقها، أو تسبقها وتلحقها، ففي ah قمة الإسماع -كما هو واضح- هي a، وفي it هي i، وفي do هي o, وفي get هي e. وإن التقسيم المقطعي syllabic division ليرتبط ارتباطًا وثيقا بالمفصل، حيث إنه توجد عادة وقفة غير محسوسة غالبا بين المقطعين وهذه الوقفة قد تعادل أحيانا المفصل المفتوح "الانتقال الحاد". وتميل اللغات إلى اتخاذ نماذج مقطعية معينة توصف أحيانا بأنها نماذج مقبولة canonical forms "على الرغم من أن النماذج المقبولة تتضمن أحيانا عوامل أخرى غير التقسيم المقطعي". وفي اللغة الإنجليزية يشيع المقطع س ع س أو ع س "مثل al, er, gen والمقطع يسمى مقفولا closed حينما ينتهي بساكن، ومفتوحا open حينما ينتهي بعلة"، وفي لغات أخرى مثل الإسبانية والإيطالية واليابانية والإندونيسية يفضل النموذج س ع "كما في   1 بينما تكون قمة الإسماع عادة صوت علة، توجد لغات كثيرة يمكن فيها للام والراء والميم والنون، وحتى السين والزاي، أن تقطع قمة إسماع مكان العلة، وتكون محور المقطع. ففي التشيكية كلمات مثل: pin, krst, حيث تقوم الراء واللام بدور قمة الإسماع مؤدية وظيفة العلل. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 96 ge-ne-ra-le بدلا من ge-ne-ral"، وهذا يؤدي إلى اختلاف أساسي في المفصل، واختلاف في تلوين صوت العلة، حيث إن العلة في مركزها الحر Free position في نهاية المقطع تنال حظًا أكبر من البروز والرنين الصوتي والاستمرار، مما لو كانت في موضع مقيد checked position "أي متبوعة بصوت ساكن في نفس المقطع". وهذا الاختلاف في النظام المقطعي للغات -على الرغم من النظرة إليه على أنه نادرا ما يكون فونيميا، بمعنى أن يؤدي إلى تغيير المعنى- أساسي لاكتساب طريقة النطق المطابقة لنطق أصحاب اللغة1. وأحسن طريقة للتعود على النطق الصحيح للنغمات الصوتية وللوقفات الموجودة في لغة أجنبية هي نطق الكلمات أو مجموعة، ببطء مقطعا مقطعا، مع الوقفات الصحيحة بين كل مقطع ومقطع. وبالتدريج يزيد المرء من سرعة نطقه للحدث الكلامي حتى يصل إلى السرعة العادية. وهناك سمتان إضافيتان في اللغات تتقاسمان طبيعة صوتية وفونيمية وهما التنوعات الحرة Free variations، والتجمعات الصوتية sound combinations المسموح بتكوينها في لغة معينة. أما التنوعات الحرة فتعني السماح -على قدم المساواة- بنطقين اثنين كما يحدث في كلمات مثل either التي تنطق كأنها تشتمل على العلة ee في feet أو العلة i في sigh. وكلمة tomato التي تنطق كأنها تشتمل على الساكن th في thing أو this. وهناك احتمال قوي أن كل كلمة حينما تنطق بنطقين فكل نطق يمثل طبقة اجتماعية أو لهجة محلية ربما يكون أصلها التاريخي قد نسي بمرور الزمن. ولكن محاولة الرجوع إلى الوراء لاكتشاف أصول الكلمات إنما هو في الحقيقة من عمل علم اللغة التاريخي لا الوصفي،   1 إذا نطق ناطق مثلا الكلمة الإسبانية ge-ne-ral تبعًا للتقسيم اللفظي الإنجليزي للكلمة ge-ne-ral فإنه سوف يفهم، ولكنه سينظر إليه على أنه أجنبي. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 97 فإن الأخير يسجل ببساطة الحقيقة المتعلقة بتعايش نطقين، ويمضي قدمًا لوصف كل منهما ولا يتعدى ذلك. أما التجمعات الصوتية وبخاصة تجمعات السواكن consonant clusters، والمواقع التي يمكن أن تقع فيها، فتختلف من لغة إلى أخرى. اللغة الإنجليزية مثلا تسمح بتجمع نهائي للسواكن مثل ذلك الموجود في pests, desks, في حين أن لغات أخرى كثيرة ربما لا تتسامح في مثل ذلك. ولكن الإنجليزية ترفض تجمعات أولية مثل nr التي توجد في الروسية، أو sdr "تنطق zdr" التي تقع في الإيطالية. وحيث إن هذه التجمعات مسموح بها في الإنجليزية في موقعيات غير تلك في الكلمة، أو في الكلمات المتتابعة "مثل unravel وhisdrawl" فإن المتعلم الإنجليزي ينصح بأن ينطق الكلمة الإنجليزية أو الكلمات المتتابعة مسقطًا الصوت أو الأصوات التي تسبق التجمع الصوتي المطلوب نطقه. ولعل مما يجب ملاحظته أن النظام الفونيمي لأي لغة، والتجمعات الصوتية المسموح بها فيها، رغم أنها أشياء قد تكونت بالفعل، ليس هناك ما يمنع من اقتراض لغة "ربما كانت كلمة استخدام أنسب هنا" فونيمات لغة أخرى، أو تجمعاتها الصوتية المسموح بها حين اقتراضها بعض كلمات منها، وحينئذ تحدث عملية تجنيس naturalization لهذه الأصوات أو التجمعات الأجنبية. اللغة الإنجليزية مثلا لا تملك الصوت الطبقي المهموس الاحتكاكي ach الموجود في اللغة الألمانية، ولكن ذلك لم يمنع كثيرًا من الناس من نطق اسم Bach نطقًا صحيحًا. وهناك تجمعان صوتيان ممنوعان في الإنجليزية في الموقع الأولي بالنسبة للكلمات الأصلية وهي ts وshm، ومع ذلك فاسم الذباب المعروف testse، وكذلك الكلمة schmo المقترضة من الييدية yiddish، والعالم الألماني schmidt كل هذه الكلمات ينطقها المثقفون الإنجليز، وحتى غير المثقفين منهم نطقًا صحيحًا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 98 هذه النماذج التي قدمناها لا تخرج عن أن تكون نظرة عامة للقضايا التي عرضناها والتي يسلم بها على المستوى العالمي، وليس هناك أي صوت أو تجمع صوتي في أي لغة لا يمكن أن يكتب المتكلم الأجنبي نطقه الصحيح بشرط توفير القدر الضروري من الوقت، ووجود الانتباه الكافي، وبذل الجهد المطلوب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 99 21- علم المورفيم : إن التصورات التقليدية لعلم القواعد النحوية قد أقيمت -أساسًا- على ذلك النظام الذي بدعه النحاة اليونان حين وصفوا لغتهم الخاصة التي تعتبر من اللغات الإعرابية إلى حد كبير. وتتضمن الأقسام التي وضعها النحاة اليونان لأنواع الكلمة أشياء مثل العدد، والجنس "التذكير والتأنيث" والحالات التي تتعاور على الكلمة سواء كانت اسمًا أو صفة أو ضميرًا. كذلك تتضمن الفعل من حيث الزمن والصيغة والبناء للمعلوم أو المجهول، ومن حيث إسناده إلى عدد ما من الأفراد أو شخص من الأشخاص. وإن تركيب كثير من اللغات الهندية الأوربية القديمة مثل السنسكريتية واليونانية واللاتينية، وعدد لا بأس به من اللغات الحديثة مثل السلافية slavic واللتوانية lithuanian -إلى حد كبير- ومثل الألمانية -إلى درجة أقل- يسمح بتصنيف أقسام الكلام parts of speech تصنيفا علميا خالصا إلى: أسماء، صفات، ضمائر، أفعال، ظروف، أدوات, حرف جر, روابط, حروف نداء, وهو تقسيم لا يتبع معنى الكلمة، ولكن وظيفتها وسلوكها وصيغتها. إن الاسم له صيغه الخاصة ووظيفته المعينة التي تميزه بوضوح عن الصفة، وكلاهما بدوره متميز عن الفعل. هذه الحدود الحاسمة بين أنواع الكلام ترجع -لدرجة كبيرة- إلى قابلية أواخر الكلمات لأنواع معينة من التصرفات، وللتغيرات الداخلية التي يتميز كل قسم من أقسام الكلام بنوع خاص منها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 99 ولم يكتشف أن نظام التقعيد للغات الهندية الأوربية القديمة ليس عالميًا، وأنه لا يسري على كل اللغات بلا تمييز، إلا بعد أن طبق على لغات من عائلات مختلفة, مثل الصينية، واللغات الهندية الأمريكية، أو حتى على لغات من نفس العائلة الهندية الأوربية ولكنها ابتعدت عن أصلها الأول مثل اللغة الإنجليزية. وقد حاول علم اللغة الوصفي، وما زال يحاول، "وإن لم تكن كل محاولاته تتم بنجاح حتى الآن" وضع نظام جديد لتقعيد القواعد، وتصنيف الأنواع النحوية التي ربما تشمل اللغات جميعها، أو على الأقل تعطي نتائج مرضية في وصف معظم اللغات التي تدخل تحت كل نوع من الأنواع الأربعة التي سبق الحديث عنها "المبحث رقم10" وهي اللغات التصريفية واللاصقة والمفردة والمركبة. وإن مصطلح المورفيم كما عرف سابقًا بأنه أصغر وحدة ذات معنى "المبحث رقم8" وكما قسم إلى مورفيم حر ومورفيم متصل بناء على استعماله منفردًا أو متصلا يعتبر واحدًا من ملامح النظام الجديد للتقعيد. ولكن قبل الدخول في تفصيلات عن المورفيم يستحسن أن ننبه إلى أنه في مقابل ما يسمى بالفون بالنسبة للفونيم توجد وحدة أساسية أو مادة خام هي المورف بالنسبة للمورفيم، وقد عرف المورف بأنه سلسلة من الفونيمات الممكن النطق بها، والتي ربما أدت وظيفة مورفيم في نظام لغة معينة. وهذا يعني أنه بالنظر إلى اللغة الإنجليزية مثلًا، فإن سلسلة الفونيمات sab أو lund ربما كانت مورفات، وإن لم تكن مورفيمات في الواقع لأنها لا تحمل معنى في اللغة الإنجليزية. ولكن هذه السلاسل الفونيمية في نفس الوقت تصلح أن تكون مورفيمًا إنجليزيًا، لأنها تناسب النظام الفونيمي للغة الإنجليزية، وتبدو إنجليزية في شكلها، ولكن تتابعًا صوتيًا مثل shmorpt من ناحية أخرى لا يمكن أن يقوم بدور المورفيم في الإنجليزية، اللهم إلا إذا وقع ضمن الكلمات المقترضة1.   1 هذا التعريف له مزية إضافية حيث يكشف عن أن اللغات ما تزال بعيدة عن استخدام كل إمكانياتها في التجمعات الصوتية للفونيمات، وما زال هناك فراغ كبير متروك للغات لتتسع وتنمو. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 100 وقد سبق تعريفنا للمورفيم بأنه أصغر وحدة ذات معنى، وربما كان من الممكن كذلك، أن يوصف بأنه سلسلة من الفونيمات ذات المعنى التي لا يمكن تقسيمها بدون تضييع المعنى أو تغييره، إذا نحن أخذنا تتابعًا مثل posta نجد من الممكن تقسيمه إلى مورفيمين هما: s+post؛ "s هنا تؤدي معنى الجمعية الإضافي". ومن الواضح أنه من غير الممكن بعد ذلك القيام بعمل أي تقسيمات أخرى لأحدهما: إذا حاولنا st+po فإننا يمكن أن نعطي الجزء الأول معنى لأنه يحمل اسم نهر في إيطاليا، ولكنه معنى مغاير. ومع ذلك فلا يمكن أن نجد معنى للجزء الثاني. وإذا نحن حاولنا أن نقسم الكلمة إلى ost+p لا نجد للجزء الأول نظيرًا في الاستعمال، ونجد الثاني يمكن أن يستخدم جزءًا من صيغة مركبة كبادئة بمعنى عظم bone. ولكن مرة أخرى، لقد تغير المعنى. أما القسمان t+pos فيعطيان صيغتين غير مستعملتين. وعلى هذا فكلمة post يجب أن يحتفظ بها سليمة. إنها تحمل معنى معينًا، وينطبق عليها تعريف المورفيم. والمورفيم ليس دائمًا مقطعًا واحدًا، أو حتى مقطعًا كاملا. فإن مورفيم الـs الدال على الجمعية يعد فونيمًا، ولكنه ليس مقطعًا. ولكن في كلمات مثل Monongahela، أو crocodile نجد عندنا مورفيمات يتكون كل منها من عدة مقاطع. وإن التتابع الفونيمي الواحد ربما شكل مورفيمات متعددة، فالكلمة post -على سبيل المثال- لها كثير من القيم المورفيمية كما في to post a notice وto establish a post وpost office. وبينما لا يتعرف على الفونيمات إلا من خلال فوناتها، نجد المورفيمات عادة ثابتة ودائمة. والنظر إلى المورفيمات الحرة free morphemes أو المتصلة bound morphemes نجد بعض اللغويين المحدثين يفضلون استعمال المصطلح format للمورفيم الحر، مخصصين المصطلح مورفيم للنوع المتصل فقط، أو الذي يمكن أن يوصف بأنه يدل على فكرة إضافية. إذا نحن نظرنا إلى المصطلحات النحوية التقليدية الجزء: 1 ¦ الصفحة: 101 نجد أن المورفيم الحر يعادل -على وجه التقريب- ما يعرف بالأصل أو الجذر root أو stem، بينما يقابل المورفيم المتصل ما يعرف بالنهاية التصريفية أو التغيير الداخلي. والسبب في تفضيل المصطلحين: formant وmorpheme على مورفيم حر ومورفيم متصل، أنه بينما يناسب المصطلحان الأخيران ذلك النوع من اللغات التي يستعمل الجذور المجردة ككلمات منفصلة "مثل الكلمة الإنجليزية mail التي يمكن استعمالها منفصلة، وأن يوصل بها مورفيم متصل مثل ing, s, ed", فإنهما لا يناسبان كثيرًا لغات مثل اللاتينية واليونانية والروسية التي لا تستعمل الجذر مجردًا إلا نادرًا في التصنيف القديم أو البلومفيلدي يمكن أن توصف الكلمة الإنجليزية mail بأنها مورفيم حر، حيث إنها يمكن أن تستخدم بنفسها، في حين توصف ing بأنها مورفيم متصل. ولكن كلمات لاتينية مثل1 "-mur" و"-us" من الضروري اعتبارها من نوع المورفيم المتصل ما دامت كل منها لا يمكن استعمالها مستقلة، ومن ناحية أخرى إذا نحن استعملنا formant في كلتا الكلمتين mail الإنجليزية وmur اللاتينية، وخصصنا المصطلح مورفيم لمثل ing الإنجليزية وus اللاتينية فإننا نكسب فائدة أخرى، وهي شمول المصطلحين الجديدين للفكرة القديمة عن "جذر" يشكل المعنى الأساسي و"لاحقة" تعطي المعنى الثانوي "مورفيم في معناه المقيد" وتعدل من المعنى الأساسي للكلمة أو تبين كيفية استعمالها. وفيما يخص أنواع الكلام -كما ذكرها علماء اللغة التقليديون- ما يزال علماء اللغة المحدثون يعرفون بها، ولكنهم يقيمون تقسيمهم للكلمات على أساس مجموع الوظيفة والصيغة، لا على أساس المعنى أو التاريخ الاشتقاقي. وهذا يعني أنهم واصفون أكثر منهم معرفين. الاسم noun في اللغة الإنجليزية   1 في اللاتينية "-mur" تعتبر الجذر لكلمة حائط ولكنها لا يمكن استعمالها مستقلة ويجب استعمالها مع لواحق مثل "us-" أو "i-" أو"o-" أو "um-" إلخ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 102 -على سبيل المثال- قد يعرف على الطريقة التقليدية على أنه "اسم name الشخص أو المكان أو الشيء"، ولكن بالطريقة التقعيدية الوصفية يوصف بأنه كلمة يمكن أن تستعمل في وظائف أو مواقع محددة خاصة، وتتخذ صيغًا معينة. فالاسم من الممكن أن يقع فاعلا أو مفعولا لفعل، أو يقع بعد حرف جر "الـ ... يذهب إلى البيت, أرى الـ ... , سأذهب بـ ... " كذلك الاسم يتحمل إضافات معينة لإفادة الجمعية مثل s أو es ويفيد معنى الملكية بإضافة s إليه "this is the ... ' s book, the ... s go, the ... goes" والفعل الإنجليزي من ملامحه الخاصة أنه يبنى بإضافة s إذا كان للغائب المفرد، ويضاف إليه ing لتكوين اسم الفاعل present participle. أما بناء ماضيه واسم مفعوله past participle فيكون بإضافة d أو ed أو t أو بتغيير داخلي. أما الصفة adjective فتقع دائمًا قبل الاسم أو بعد فعل الكينونة "the man is ... , the ... man" وكذلك تفيد التفضيل بدرجتيه بإضافة er أو est أو يسبقها بكلمة more أو most. ولكن لا تتصرف غير ذلك. وإذا كانت الأمثلة السابقة قد وضعت في شكل مبسط إلى أقصى حد فإنها -ولا شك- قادرة على أن تعطينا فكرة لا بأس بها عن الأسس الوصفية الجديدة لتصنيف أنواع الكلام. هذه الطريقة التركيبية الجديدة لتصنيف الكلام قد أقيمت أساسًا على الصيغة والوظيفة، ولا تلقي بالا إلى المعنى الخاص بكل كلمة على حدة. ولكنه ما يزال محل جدل ونقاش اعتبار أو عدم اعتبار هذه الطريقة الحديثة تحسينًا للطريقة القديمة التي تقوم أساسًا على المعنى، وخصوصًا في تطبيقها على اللغات الغربية، وإن كان الظاهر أن الطريقة الحديثة أكثر طواعية للتطبيق من القديمة، مع قبولها للتعديلات الملائمة لتناسب لغات أخرى غير هندية أوربية. وتمامًا كما وجدنا في علم الأصوات phonalogy أن للفونيم عدة فونات أو ألوفونات "أصوات موضوعية يقع كل منها في مواقع مختلفة يكمل بعضها الجزء: 1 ¦ الصفحة: 103 بعضًا، ومقبولة من جمهور المتكلمين كأشكال مسموع بها" كذلك في المورفيمات يوجد ما يسمى ألومورفات allomorphs أو الصيغ المتنوعة variant forms التي تستعمل في ظروف مختلفة لتعطي المعنى المعين. وإذا تبعنا الطريقة التقليدية ونظرنا إلى ظواهر اللغة المكتوبة أمكننا أن نقول: إن الأسماء الإنجليزية تشكل جموعها عادة عن طريق إضافة s وأحيانًا قليلة عن طريق إضافة "ox, oxen" en، أو بتغيير نوع العلة في المفرد "man, men", أو بدون تغيير ظاهر أو مسموع "sheep, sheep". ولكننا لو استعملنا التقسيم المورفيمي الاصطلاحي وأخذنا في الاعتبار فقط اللغة المتكلمة أمكن للمرء أن يقول: إن "s-" و"z-" و"iz-" عبارة عن التنوعات المنطوقة لمعظم نهايات الجمع "boys, sizes, books, legs" وهي كلها ألومورفات allomorphs تقع في مواقع مختلفة، ولا تتعاور على الموقع الواحد "s حينما ينتهي الاسم بصوت ساكن مهموس مثل books وz حينما ينتهي الاسم بصوت ساكن مجهور، أو علة، أو نصف علة، كما في boys, ladies, legs. أما iz فحينما ينتهي الاسم بـ S أو Z كما في sizes, glasses" أما en في oxen وتغيير صوت العلة في geese وgoose وكذلك في foot وfeet، والتغيير الصفري1 zero change الموجود في sheep وdeer فتعتبر كلها ألومورفات استثنائية لمورفيم واحد عام يدل على الجمعية. وهذه الصور الاستثنائية تقع فقط في حالات تخص أسماء معينة من السهل حصرها وتصنيفها، وحيث إن منهج البحث، والمصطلحات الحديثة المستعملة في الوصف المورفيمي كلها وصفية محضة، فإنه يجب تجنب كل الإشارات التاريخية المتعلقة بسبب اختلاف   1 المصطلح zero change يستعمل عندما لا يكون هناك تغيير مربي في الصيغة من المفرد للجمع مثل: two sheep, one sheep، أو من المضارع للماضي مثل put مع ضمير المتكلم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 104 بعض الأسماء في سلوكها عن الأخرى، الوصفيون عادة يقصرون أنفسهم على وصف الظاهرة اللغوية على ما هي عليه في مرحلتها الحديثة. والفعل الإنجليزي مقسم بالطريقة التقليدية إلى نوعين: ضعيف weak وقوي strong. في الصيغة المكتوبة يشكل ماضي الأفعال الضعيفة وتصريفها الثالث عن طريق إضافة d أو ed "كما في work وworked وكذلك love وloved". أما الفعل القوي فيشكل ماضيه وتصريفه الثالث عادة عن طريق تغيير حرف العلة "كما في sung, sang, sing" أو عن طريق بعض إضافات ربما كانت في الآخر أو في غيره "مثل spoken, spoke, speak ومثل brought, brought, bring". فإذا أردنا أن نطبق على الفعل تصورنا للمورفيم والألومورف أمكننا أن نقول إن النهايات المكتوبة d أو ed المضافة إلى الأفعال الضعيفة "والتي تنطق عادة كما لو كانت t أو d أو id كما في wrapped التي تنطق wrapt وlighted وloved" هذه النهايات تنحل إلى ألومورفات للمورفيم السابق الإشارة إليه الدال على الماضوية، مع تنوعات موقعية هي "t" بعد الساكن المهموس و"d" بعد الساكن المجهور أو العلة، و"id" بعد ما ينطق t أو d. أما صيغ الماضي التي تشكل من طريق التغيير الداخلي للعلة "sang, sing وwrote, write" فتوصف حينئذ وتصنف على أنها ألومورفات إضافية للمورفيم الماضوي السابق ذكره، ولا حظ كذلك الألومورف الصفري zero allomorph في أفعال مثل hurt وPut وbet. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 105 22- المورفوفونيم : إن الألومورفات قد تكون صرفية أو نحوية محضة كما في "en" الموجودة في oxen والتي لا تعتمد على أعلى عامل صوتي1 phonological. ولكنها -من ناحية أخرى- ربما تكون مشروطة بشروط صوتية تشكيلية، كما لو استعملنا "S" بعد ساكن مهموس، و"Z" بعد ساكن مجهور أو علة. وتحت ظروف كهذه يوصف التغير بأنه مورفوفونيمي morphophonemic بمعنى أنه يتضمن عاملا صرفيا morphological مشروطا بعامل صوتي تشكيلي phonological. وإن التغيير المورفوفونيمي يؤثر أحيانا على المورفيم الحر، كما يؤثر على المورفيم المتصل "كما يحدث في كلمة knife التي تجمع على knives وpath التي تجمع على paths وhouse التي تجمع على houses بتغير الساكن المهموس الأخير إلى مقابله المجهور بينما اللاحقة نفسها تأخذ شكل صورة المجهورة z- أو iz-" وليس هناك أدنى شك في أن "-kniv" الموجودة في knives تعتبر ألومورفا للكلمة knife يقع في محيط معين فقط وهو -في هذه الحالة- صيغة الجمع "لاحظ أن هذا الألومورف لا يظهر في حالة الملكية المفردة مثل the knife's edge". وفي نفس الوقت يجب النظر إلى الصورة "-kniv" على أنها مورفيم متصل لا مورفيم حر على قدم المساواة مع الكلمة اللاتينية mur حيث إنها لا يمكن أن تستعمل قائمة بنفسها.   1 التغيير في صوت العلة من foot إلى feet ومن man إلى men يعتبر كذلك من التغيير الصرفي المحض، ولكنه يندرج تحت المصطلح الإبدال replacement، ومعناه تغيير أحد فونيمات الكلمة للحصول على صيغة نحوية مختلفة وعلى هذا فالكلمة feet تمثل صيغة إبدالية حلت محل اللاحقة العادية "S" أما التغيير الشامل suppletion فهو تغيير في شكل الأصل كما في went ماضي go وwas ماضي to bo وworse التي هي صيغة التفضيل لكلمة bad. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 106 وإذا أخذنا مثالا آخر فإننا نجد الكلمات "-duke" من dukedom و"-duch" من duchy، و"duc" من ducal يمكن اعتبارها ألومورفات لمورفيم واحد formant. ولكن إذا فضلنا المصطلحين مورفيم حر ومورفيم متصل فحينئذ نجد كلمة duke مورفيما حرا، و"-duch"، و"-duc" ألومورفيمات متصلة. وفي كل الحالات التي توجد فيها ألومورفات سواء كانت صرفية محضة أو صرفية فونيمية morpho phonemic من المستحسن أن تختار واحدة منها وتعتبر الصيغة الأساسية base form وتعد الأخريات صورا نوعية لها. فإذا نحن وصفنا السابقة الدالة على النفي "-in" الموجودة في indecent على أنها الصيغة الأساسية للمورفيم النافي، فحينئذ ينظر إلى الصورة "-im" الموجودة في impossible على أنها صورة تنوعية، وكذلك "-ing" المسموعة غالبا في incapable أو ingratitude. وإن الظواهر الصرفية الفونيمية لا تقع فقط في الكلمات المنفردة، ولكن كذلك في مجموعات الكلمات ذات المدلول النحوي. ومثل هذه الظواهر يطلق عليه في العرف الاصطلاحي اسم مشتق من علمي الأصوات التشكيلي والنحو وهو1 syntactic phonology. وهناك مصطلح آخر هو sandhi المستعار من قواعد اللغة السنسكريتية والذي يستعمل بدلا منه في بعض الأحيان2.   1 هذه الظاهرة تؤثر على النطق ولذا فهي صوتية تشكيلية، ولكن من ناحية أخرى فهي لا تقع إلا في تتابع معين من الكلمات، ولذا فهي نحوية. 2 من بين الأنواع المشهور للظاهرة النحوية التشكيلية ما يسمى بالتسهيل liaison أو الاتصال linking في النحو الفرنسي ففي الفرنسية مثلا لا تنطق الـ"s" في les livres فهي صامتة لوقوعها قبل ساكن, بخلافها في les oncles التي لا توصل فيها الـ"s" فقط بالعلة التالية، بل تنطق على أنها "z" لوقوعها بين علتين. أما مثال الإنجليزية فيمكن أن يؤخذ من الصيغ المختصرة مثل. I.htm'm, we're, it's التي صيغها المورفيمية المستقلة أو الأساسية هي is, are, am وفي الإسبانية توجد كلمة vaca حيث تنطق الـ"v" كالباء "شفوية ثنائية انفجارية" في مقابل la vaca, التي بتأثير الوقوع بين علتين تنطق فيها الـ"v" على أنها شفوية ثنائية احتكاكية. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 107 23- التركيب النحوي؛ علم القواعد: إن المصطلحات النحوية التي يستخدمها اللغويون الوصفيون ما تزال مشوشة وغير موحدة في الاستعمال حتى الآن، ثم إنها تكشف عن اتجاه لجعل تطبيقها عالميا "صالحة لكل أنواع اللغات"، وعن ميل إلى استعمال مصطلحات تقليدية "مثل: subject وpredicate" إلى جانب مصطلحات جديدة مثل: immediate constituents "المكونات المباشرة" وendocentric "الجملة الناقصة" أو exocentric structure "الجملة التامة". والمصطلح exocentric structure يعني ما كان يسمى عادة في المصطلح القديم بالجمل التامة مثل: أنا هنا, ضربته، بينما يختص endoentric structure بمجموعة الكلمات التي تقوم بوظيفة الاسم "مثل: the big red book"، أو الفعل مثل: should have been seen"، أو الصفة "مثل: up, to, date"، أو الظرف "مثل: in a moment". أما المصطلح construction فيستعمل تارة ليدل على مجموعة من الكلمات أو المورفيمات تجمعها رابطة مباشرة مثل: الرجل العجوز الذي يعيش هناك، وتارة ليدل على نموذج لبناء أشكال مركبة من وحدات بنائية معينة مأخوذ بدوره من مكونات مباشرة immediate constituents لأنواع معينة من الصيغ form-classes. وهذا يستدعي أن نعرف المراد بالمصطلح form-class "أو constituent class" وكذلك المراد بالمصطلح immediate constituents. نريد بـform-class أو constituent class الكلمات أو مجموعات الكلمات التي لها نفس الحق في الاستعمال ويعني ذلك أنها يمكن أن تقع في نفس الشكل التركيبي، وربما حصل التبادل بينها، ولكن بشرط استمرار دلالتها على معنى، إن مجموعة من الكلمات مثل: "الرجل الذي يعيش هناك" والكلمة المفردة "الساكن" يمكن اعتبارهما منتسبتين الجزء: 1 ¦ الصفحة: 108 لوحدة بنائية معينة، حيث من الممكن تعاورهما في نفس المكان داخل تركيب معين، وكذلك يمكن أن يقال بالنسبة لمجموعة الكلمات: "في منزل ابنه" بالنظر إلى كلمة "هناك"1. أما الكلمة2 constituent فتعرف بأنها أي كلمة تأخذ مكانا لها في تركيب أكبر، والمصطلح immediate constituent يطلق على واحدة من كلمتين أو أكثر يتكون منها جميعا تركيب ما. في جملة مثل: منازل هذا الرجل لونها أبيض، المكونات المباشرة immediate constituent هي: منازل هذا الرجل + لونها أبيض "يمكن أن يقال بشيء من التجاوز إن الأول يقابل ما يسمى تقليديا بالمسند إليه subject وتوابعه، والثاني ما يسمى بالمسند predicate وتوابعه". وإذا حاولت أن تفصل "هذا الرجل لونها" من العبارة السابقة وتعتبرها مكونا مباشرًا كان خطأ رغم "ورود الكلمات في نفس التتابع السابق. وفي تركيب مثل: hothouse flowers ترتبط كلمة house بكلمة hot. ولكن في مثل: hot housewarming ترتبط الكلمة house بكلمة: warming. والمكون المباشر قد يكون مركبا من وحدات متصلة أو منفصلة ففي مثل "the man did come" تعد الكلمتان did com مكونا مباشرا متصلا للتعبير الفعلي, ولكن في did the man come? هما ما يزالان مكونا مباشرا للتعبير الفعلي ولكنهما منفصلان. وهناك مصطلح آخر وهو التحويل transformation ويعني   1 المصطلحات التقليدية تصف المثال الأول بأنه اسم noun أو أي شيء يمكن أن يقوم بدور الاسم وتوابعه، في حين أن المثال الثاني ربما وصف بأنه ظرف adverb. 2 تسمى كذلك: component. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 109 من الناحية التركيبية تغيير إحدى جملتين داخل مجموع واحد إلى الأخرى. وربما شمل التحويل كذلك تغيير الجملة من الإثبات إلى نفي أو استفهام، مثل: الرجل قادم, الرجل ليس قادما, هل الرجل قادم؟ وواحدة من هذه الأنواع التركيبية "عادة الجملة المثبتة" تعد الأصل أو الأساس input وبتحويلها يتم إنتاج أنواع أخرى "نفي أو استفهام" يطلق عليها اسم الفرع أو النتاج output. وهناك قوانين تحكم أخذ أنواع النتاج من الأصل، وهذه القوانين غالبا ما تتنوع بحسب نوع اللغة والظروف المحيطة، ففي الإنجليزية مثلا لكي تأخذ النتاج المنفي من مصدر الطاقة أو الأصل the man is coming: input لا بد أن تضيف not إلى is. ولكن لتأخذه من: the man walked away يجب أن تأتي بـdid وتضيف not، ثم تغير walked إلى: the man did". "not walk away. وفي الفرنسية لكي تنفي: L'home est ici الرجل هنا". لنا طريقان فإما أن نضع قبلها est-ce que فتصير Est-co que l'homme est ici, أو نكرر المسند إليه بعد الفعل في صورة ضمير فتصير L'homme, est-il ici? وإذا نحن في النهاية حصلنا على القوانين التي تحكم أي تغيير من الإثبات إلى النفي أو الاستفهام أو أي نوع نريده من الجمل فقد حصلنا على تحويل كامل. أما المصطلح الأساس head أو الكلمة الأساسية head word فيستعمل غالبا في علم اللغة الوصفي ليعني أهم كلمة في التركيب. ففي جملة مثل: "البيوت الجديدة التي تبنى الآن ... "، الكلمة "بيوت" هي الأساس، وسائر الكلمات صفات attributes. وهناك اصطلاح آخر هو الكلمات الوظيفية function words ويستعمل بكثرة ليشير إلى الكلمات الصغيرة مثل "ال" و"بعض" وعلامة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 110 التنكير "a" في الإنجليزية1، والتي تقوم بدور العلامات المميزة في الجملة، وكثيرا ما تحذف من العناوين، ولكن إسقاطها من ناحية أخرى قد يسبب خلطا. فلو قلنا مثلا the water is pure فوجود علامة التعريف يحدد أن المراد قدر معين من الماء بعينه، وحذفها يدل على أن المراد التعميم. ومن الواضح الذي لا يحتاج إلى دليل أن اللغات تختلف فيما بينها في استعمال أو عدم استعمال تلك الكلمات الوظيفية، فلا يوجد في الروسية واللاتينية مثلا علامة تعريف أو علامة تنكير، ولذا فمن المستحيل أن توجد تفريقًا كهذا الذي سبقت الإشارة إليه في الإنجليزية، اللهم إلا بالإسهاب، أو تغيير التركيب. وفي اللغة الإنجليزية نظام ثنائي يميز بين ما هو قريب، وما هو بعيد، فيستعمل للأول this وللثاني that ولكن الإسبانية تشتمل على نظام ذي ثلاث شعب، فهناك لفظ لما هو قريب للمتكلم، وهناك لفظ لما هو قريب للمخاطب، وهناك لفظ لما هو بعيد عنهما، وما يقال من أن الإنجليزية في فترة سابقة كانت تحوي نفس النظام الثلاثي متمثلا في this, that, yon، فإنما يخص علم اللغة التاريخي لا الوصفي، أما اللغة الفرنسية فعلى العكس من ذلك لا تفرق عادة بين ما هو قريب وما هو بعيد فتستعمل لهما صيغة واحدة2. وبعض اللغات الهندية الأميركية لها نظام ذو خمس أو ست شعب، للتفريق بين ما هو غير مرئي، وما هو في الماضي ولا أثر له ... إلخ. وإن ميزات التقسيمات الاصطلاحية الحديثة على أختها التقليدية ليست جميعا واضحة، ولكن من الممكن أن يقال إنها أكثر قابلية للتطبيق على لغات ذات أنماط مختلفة.   1 زاد المؤلف الأمر وضوحا في معجمه Glossary of Linguistic Terminology فذكر أن هذا المصطلح يطلق على الكلمة غير المنبورة في الجملة، والتي تؤدي أساسًا معنى نحويا لا معجميا، وذلك مثل حروف الإضافة، والأفعال المساعدة، والروابط، والظروف، والأدوات، وبعض الضمائر "انظر مادة: Function word". "المترجم". 2 اللفظ ce livre قد يعني هذا الكتاب أو ذلك الكتاب. ولذلك يلجأ المتكلم الفرنسي إلى نوع من التفريق حين يرى حاجة إلى ذلك عن طريق إضافة "ci-" أو "la-" إلى livre ولكن استعمال ذلك في المجال العملي قليل جدا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 111 24- المفردات : إن عالم اللغة الوصفي يهتم بمفردات اللغة من جانبها الوظيفي، لا من جانبها الاشتقاقي التاريخي، ولا من جانبها الدلالي، فكلا النوعين الأخيرين يقع في منطقة اهتمام عالم اللغة التاريخي، ومن ثم فإننا نجد أن تصور معنى الكلمة -من وجهة نظر علم اللغة الوصفي- يرتبط ارتباطًا وثيقًا بما سميناه من قبل بالمورفيم. فمفردات أي لغة lexicology تعرف إذن بأنها "مجموع رصيد المورفيمات وتجمعاتها1". ومن وجهة نظر علم اللغة التركيبي تعرف الكلمة word بأنها "وحدة في جملة تحدد معالم كل منها بإمكانية الوقوف عندها" "ليس من الضرورى أن يتم الوقوف فعلا" ففي جملة مثل the houses are being built من الممكن نظريا الوقوف بعد built, being, are, houses, the ولكن وقوفًا بين "hous" و"es-"، أو بين "-be" و"ing-" ربما يعطي الحدث الكلامي شيئًا من اللامنطقية. والجملة نفسها تعرف بأنها "تتابع من الكلمات والمورفيمات التنغيمية"2.   1 من المستحيل أن يتجنب عالم اللغة التركيبي علم المعنى كلية في دراسته للمفردات، لأن مفهوم المورفيم، يرتبط ارتباطًا وثيقا بموضوع المعنى، ولكن أي إشارة إلى معنى تاريخي، أو تحول في الدلالة، وبيان أسباب ذلك, كل أولئك يبعد عن مجال علم اللغة الوصفي الخالص. 2 شرح المؤلف مصطلح المروفيمات التنغيمية intonation morphemes بأنه نموذج تنغيمي معين يمكن أن يحول الجملة إلى سؤال أو تعجب، دون تغييرات تركيبية، انظر: معجمه السابق الإشارة إليه، مادة: intonation formant "المترجم". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 112 وهذا يجعل التعريفين دوريين إلى حد ما، لأن الجملة تدخل في تعريف الكلمة، والكلمة تدخل في تعريف الجملة، ولنضرب مثلا لكلا التعريفين، دعنا نأخذ الجملة: هل تريد هذا الكتاب؟ من الممكن نظريًا أن نقف عقب كل كلمة على الرغم من عدم حدوث ذلك غالبًا في الحديث العادي، ويشكل الجملة مجموع الوحدات التي يصح أن تقف بينها "الكلمات" بالإضافة إلى درجة الصوت، والتنغيم والمفصل، ونحو ذلك مما يدخل في إيضاح المعنى. وبينما يختلف مفهوم الكلمة في علم اللغة التركيبي عنه في المصطلح التقليدي نجده يمتار كذلك بصلاحيته للتطبيق على لغات أكثر من المفهوم القديم، ونحب -من غير الدخول في تفصيلات تخص اللغات المركبة أو التصريفية- أن نلفت النظر إلى الاختلاف بين العبارة الإنجليزية by giving him two of them ومرادفتها الإيطالية dandogliene due حيث نجد خمس كلمات إنجليزية عبر عنها بكلمة واحدة في الإيطالية. من وجهة نظر الدراسات اللغوية التقليدية ربما كان صعبًا إلى حد ما أن تحكم ما إذا كانت dandogliene كلمة واحدة "كما قد يدل الهجاء" أو مركبة من ثلاث كلمات منفصلة هي ne+glie+dando "كما قد يدل المعنى" ولكن من وجهة نظر علم اللغة التركيبي تعتبر الصيغة الإيطالية كلمة واحدة ما دام من غير الممكن إيجاد سكتات طبيعية بين أجزائها الثلاثة. وقد عمل تمييز بين الكلمة التي تعد صيغة نحوية كاملة lexeme والكلمة التي ليست كذلك. كلمة want في I want some water تعتبر صيغة هي جزء من wants ليست صيغة نحوية كاملة بنفسها حتى ولو أنها تتطابق في شكلها مع want الأولى. ولنضع العبارة في صورة أخرى فنقول إن want الأولى مورفيم حر وصيغة نحوية كاملة، أما الثانية "-want" فهي مورفيم حر "حيث من الممكن استعمالها منفصلة في مواقف مختلفة" ولكنها ليست الجزء: 1 ¦ الصفحة: 113 صيغة نحوية كاملة في ذلك المثال بعينه، ومعنى هذا أن مركز الصيغة النحوية الكاملة يعتمد على استعمال الكلمة المعين في الجملة المعينة، بينما مركز المورفيم الحر يتوقف على وضع الكلمة مستقلة، ولا يتأثر بوضعها في تعبير معين. أما حرف الـs في wants فهو -بالطبع- مورفيم متصل، لا يمكن تحت أي ظرف أن يصبح صيغة نحوية كاملة. وقد سمح لعلم المعنى أن يتدخل في دراسات علم اللغة الوصفية فيما يسمى بالمصطلح أو التعبير idiom الذي يعرف بأنه كلمة أو مجموعة من الكلمات تأخذ معنى معينًا ليس طبيعيًا، ولا مدلولا عليه من أجزاء التركيب نفسها. إذا قلت مثلا: white paper تجد لها معنى سياسيًا معينًا لا يظهر في إحدى الكلمتين منفردة، وهي لهذا تعد مصطلحًا إذا استعملت في هذا المعنى السياسي. ولكن إذا استعملتهما في معناهما العادي مثل: Let me have a sheet of white paper فليس هناك شيء اصطلاحي في ذلك، والتعبير look out قد يستعمل في معنى اصطلاحي حين يعني حريصًا، ولكنه قد يعني مدلوله العادي حين يكون: Look out of the window وحينئذ لا يكون اصطلاحيًا والتعبير الاصطلاحي عادة يجب أن يعالج ككل حيث إنه ليس في مورفيماته المنفصلة ما يدل على المعنى الجديد الذي يدل عليه التعبير ككل. والتعبيرات الاصطلاحية عادة تختلف من لغة إلى لغة كما يتضح من المثال الآتي: يحكى أن رجلا فرنسيًا كان يركب قطارًا وبجانبه، رجل أمريكي وقد حدث أن كان الفرنسي مطلا برأسه من النافذة وكان القطار مقدمًا على نفق، فأراد الأمريكي تنبيه رفيقه فقال: look out ولكن الفرنسي لم يفهم فجذبه الأمريكي إلى الداخل من ياقة معطفه، وحينئذ أدرك مراده فشكره ثم قال متعجبًا: ولكن لماذا قلت لي: Look out بينما أنت تريد أن تقول لي: Look in؟ وكثير من اللواحق العادية التي تدل على معنى معين، حين توضع في تركيبها المستعملة فيه "مثل ish- الموجودة في كلمات Yellowish, "spanish الجزء: 1 ¦ الصفحة: 114 تعطي معنى اصطلاحيًا حينما توضع في تركيب جديد غير مألوف "مثل قول الشبان المراهقين: I.htm'll meet you five, thirty ish". وقريب في طبيعته من التعبير الاصطلاحي هذه الاستعمالات أو الصيغ الموجودة في لغة ما، ولا يوجد لها مقابل دقيق في لغة أخرى، ومثال ذلك كلمة Geschwister الألمانية التي تشمل الأخ والأخت، وكذلك كلمة parent الإنجليزية التي تعني أحد الوالدين بينما الكلمة الألمانية المقابلة وهي Eltern لا تستعمل إلا مع الجمع فقط. والكلمة الإسبانية padre يمكن أن تعني وهي مفردة "أب"، ولكن وهي جمع قد تعني "آباء"، وقد تعني الوالدين. وأخيرًا يجدر الإشارة إلى مصطلحين اثنين ذاعا على يد دي سوسير De Saussure ويستحسن ألا يترجما، وأن يتركا في صيغتهما الفرنسية وهما parole, Iangue, وإن كانا أحيانًَا يترجمان إلى لغة Language وكلام speech. اللغة langue هي ذلك المظهر الرسمي الموروث للتراث اللغوي، ذو النظام النحوي المتجانس المستعمل بين كل أفراد المجتمع، أما الكلام parole فهو الاستعمال الفردي للغة بقصد توصيل رسالة ما. فاللغة إذن مستقلة عن الأفراد المتكلمين، وتحيا كشيء مجرد صالح للاستعمال بين الأفراد، وهذا خاص بالمتكلم، ويطلق على ما يمكن أن يسمى استعمال ديجول الشخصي للغة الفرنسية. ومن الواضح بقدر كاف أن اللغة -باعتبارها شيئًا مجردًا- لا يتحقق وجودها الفعلي إلا عن طرق الكلام. ومن الممكن أن يعقد الشخص شبهًا بين اللغة والفونيم "كلاهما صورة مجردة" وبين الكلام والألوفون "كلاهما شيء حقيقي واقعي". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 115 القسم الثالث: علم اللغة الوصفي "منهج البحث" 25- التحليل الفونيمي والمورفيمي 1: إن الاهتمام الأول لعالم اللغة الوصفي ينصب على الأصوات وعلى الصيغ النحوية للغة المتكلمة، ولذا فإن منهج بحثه يتجنب عادة الاعتماد على المادة المكتوبة من ناحية، واقتفاء أثر القواعد النحوية التقليدية القديمة من ناحية أخرى، وذلك لأن الدراسة الأخيرة قد أسست جزئيًا على لغات قديمة بطل استعمالها، كما أن أصحاب هذه الدراسة يأخذون الصورة المكتوبة للغة على أنها أساس البحث ويردون إليها كل ظواهر اللغة المتكلمة. ويندر أن تجد أيا منهم في تناوله للجزئيات يؤسس نتائجه على الملاحظة العلمية أو الاستقراء. أما منهج البحث التحليلي لعلماء اللغة الوصفيين فقد تطور على وجه الأخص نتيجة ارتباطه بدراسة ما يسمى بلغات الشعوب المتخلفة التي لم تعرف الكتابة بعد، حيث لا توجد أي صيغة مكتوبة للغة، وليس هناك محاولات مسبقة لوصف نحوي، ولا وسيلة للحصول على اللغة في أي صورة أخرى غير صورتها المنطوقة. وقد بدأ المنهج الوصفي بدراسة ساذجة قام بها رجال غير متخصصين في   1 هناك تفصيلات مفيدة لهذا الموضوع في كتاب Hockett المسمى: A Course in Modern Linguistlcs صفحات 102, 111, 274, 276. كذلك في كتاب Glesson المسمى lntroduction to Descriptive Linguistics صفحات 271, 311, و65, 91. ولذا ينصح القارئ بالرجوع إليها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 119 دراسة اللغات كان كل همهم اكتساب اللغات الأجنبية عن طريق الأذن بسماعها من أصحابها. وهناك محاولات أخرى في هذا الاتجاه الوصفي تمت على يد بعض المبشرين الأولين وضعوا قوانين للغات تلك الشعوب التي اتصلوا بها، ولكن تقنينهم كان أشبه بالتقعيد البدائي، واهتمامهم بالمفردات كان منصبًا على الجزء الذي يخدم الأغراض الدينية، ويساعد على ترجمة الكتاب المقدس. ولكن هذه المحاولات المبكرة -مع الأسف- قد فقدت قيمتها نظرًا لسيطرة الاتجاه الفلسفي عليها، وهو اتجاه كان شائعًا حينئذ، بالإضافة إلى ما كان سائدا بين اللغويين من وجوب صب اللغات كلها في قوالب عالمية موحدة مصبوبة على نمط اللغتين اللاتينية واليونانية، بدلا من محاولة التقعيد لكل لغة بحسب ظروفها الخاصة. وإن الإسهام الكبير الذي قدمه اللغوي الحديث لوصف اللغة يتمثل في معرفته بالأسس الفونيمية والمورفيمية التي تسمح بوصف تفصيلي دقيق إلى حد كبير، لا يقارن بما يمكن أن يحققه منهج يقوم على الأذن غير المدربة أو الاستنتاجات العشوائية. وإن مجال بحث عالم اللغة الوصفي يتمثل حقيقة في حقل اللغات الحية، حيث يمكن تزويد الباحث بأحد ابناء اللغة الذين يتكلمون بها، وهو الذي يعرف فنيا باسم الراوي اللغوي Informant. ودرجة الثقافة المطلوبة في الراوي اللغوي أمر نسبي، ففي حالة اللغات المستعملة في مجتمعات متخلفة لا معنى مطلقا لإثارة مثل هذا السؤال، ولكن بالنسبة للغات مجتمعات متحضرة، فهؤلاء الرواة يمكن أن ينتقوا من بين من يحسنون تمثيل المستوى اللغوي، المراد تحليله وتقعيده، فإذا أراد أحد أن يصف اللغة الفرنسية كلغة يتكلمها أكثر الناس ثقافة في فرنسا فيجب أن ينتقي الراوي من بين الطبقات العالية الثقافة، مثل أساتذة الجامعة، والمحامين، والأطباء، وموظفي الحكومة وإذا أريد وصف لغة الأحياء القذرة في باريس وتحليلها، فإن الأوباش والمومسات يمثلون هذه اللغة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 120 أحسن تمثيل وإذا أريد شيء بين بين أمكن الرجوع إلى طبقة الخبازين والجزارين والخدم، وفي كل هذه الحالات حين يتيسر الحصول على راو يمثل اللغة الحية يجد الباحث نفسه مزودا بما يسمى بالظروف البيئية field conditions وهي على طرفي نقيض مع ما يسمى بالظروف الفلولوجية philological conditions التي تميز العمل الذي يقوم به علماء اللغة التاريخيون الذين يتخذون مادتهم الأساسية من الوثائق والنقوش وغيرها من المادة غير الحية. والخطة المزدوجة التي تجمع بين جمع المادة ثم فحصها ومقارنتها تبدأ على شكل أسئلة صيغت خصيصيا ليمكن عن طريق توجيهها للراوي أن تكشف عن كيفية التعبير عن أشياء معينة في لغته، وعادة ما يتدرج الباحث من الكلمات القصيرة السهلة إلى التعبيرات الطويلة والجمل الكاملة أما الإجابات فيجب أن تكتب بالرموز الصوتية وكلما سجلت تفصيلات أكثر كان أفضل، وربما استخدم جهاز التسجيل أو الأسطوانة أو كلاهما إلى جانب ذلك. وفي اللحظة التي يتجمع فيا لدى اللغوي المادة الكافية يبدأ عمله التصنيفي والاستنتاجي، وعلى أساس من خبرته العلمية الخاصة في الفونيمات يقرر أي الأصوات المتقابلة أو المتضادة تناسب موقعية معينة وأيها لا يناسب، وحينئذ يجب عليه أن يفصل الفونيمات الحقيقية للغة من الألوفونات، وخلال ذلك الوقت يجب أن تتكون عنده صورة كاملة من التركيب الفونيمي للغة وعن الألوفانات التي تكون كل فونيم، مع صورة واضحة عن الظروف المعينة التي بتحققها يقع الألوفون المعين. ولنوضح ذلك بالمثال نقول: لو فرضنا أن اللغة الإنجليزية الأمريكية تعتبر لغة غير معروفة وغير مكتوبة، فلكي تكون موضوعًا لخطة فونيمية تحليلية ينبغي على اللغوي أن يحصر الفونيمات عن طريق ما يعرف فنيًا باسم الثنائيات الصغرى minmal pairs وذلك بأن يمتحن كل كلمتين تتفقان تمامًا في كل الأصوات ماعدا واحدًا منها مثل sit وfit، أو set وsit، أو sip الجزء: 1 ¦ الصفحة: 121 وsit. فإذا استلزم التغيير الصوتي تغييرًا في المعنى يعلم حينئذ أنهما فونيمان مختلفان، ويصنفهما كذلك في نظامه الصوتي. إن السبب في اختلاف المعنى بين sit وfit مع اشتراك جميع الأصوات ماعدا واحدًا هو -ولا شك- راجع إلى الصوت المختلف وعلى هذا يجب في الإنجليزية الأمريكية اعتبار /s/ و/p/ فونيمين مختلفين. ومن ناحية أخرى قد يلاحظ الباحث اختلافا بسيطًا بين الـp في sip وpit وspit وربما أخذه الشك أول الأمر حول ما إذا كانت هذه الباءات الثلاث تشكل فونيمات مختلفة في اللغة أو لا. ولكن بعد أن تتجمع عنده أمثلة كثيرة سيستنتج من مقارنتها أن هذه الأصوات تقع في أماكن متغايرة ويستحيل أن تتبادل موقعيتها، أو تتعاور على المكان الواحد، ولذا فهو يصل في النهاية إلى أنه ألوفونات لفونيم واحد، ومعنى هذا أن نظامه النهائي لفونيمات اللغة سيشتمل على فونيم واحد هو /p/ مع ثلاثة ألوفونات محتملة تقع تحت ظروف معينة. وإذا كانت اللغة المجهولة المراد تحليلها هي الإيطالية فإن الباحث قد يتساءل أولا ما إذا كان الاختلاف الصوتي بين eco وecco أو بين cade وcadde، أو بين ala وalla له طبيعة فونيمية أو أنه اختلاف نطقي راجع إلى الهوى الفردي، ولكن بمجرد أن يعرف أن eco تعني echo الإنجليزية. بينما ecco تعني here is، وأن cade تعني he falls بينما cadde تعني he fell، وأن ala تعني wing بينما alla تعني to the فسيصل إلى النتيجة أنه في اللغة الإيطالية كل ساكن طويل أو منبور "وهو الذي يمثل في الكتابة الإيطالية عن طريق تكرير الحرف" يشكل فونيمًا يختلف عن مقابله القصير أو غير المنبور، ومعنى هذا أن نظامه الفونيمي للغة الإيطالية يجب أن يعترف بوجود فونيمين لكل صوت ساكن، أحدهما وهو مفرد، وثانيهما وهو مضعف. كل هذه الخطوات تبدو بسيطة إلى حد كبير أكثر مما هي عليه في الواقع. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 122   1 توجد هذه الظاهرة في بعض اللغات المغمورة كذلك توجد في بعض التطورات التاريخية، كما حدث للاتينية حينما تحولت إلى الرومانية، ولكن يجب أن نذكر أن علم اللغة الوصفي لا يعالج التطورات التاريخية، وإنما يصف حالة لغة معينة في وقت معين. 2 الرمز ? موجود في الرموز الصوتية الدولية ليدل على الصوت "ng" الموجود في "sing". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 123 المبالغة في تقدير اختلافات صوتية موجودة ovre-differentiation والتقليل في تقدير هذه الاختلافات under-differentiation، وكلاهما يحدث بسبب وقوع المحلل اللغوي تحت تأثير عاداته اللغوية الخاصة. وإن محللا يتكلم اللغة الإنجليزية ربما غررت به طبيعته وجعلته يخلط الـ"k" والـ"q" العربيتين، ويضعهما تحت فونيم واحد مماثل للأصوات الطبقية الإنجليزية الموجودة في1 kin وCool. ولكن الاختلاف الدلالي بين كلمتي: كلب وقلب العربيتين كاف لإثبات خطئه، ومن ناحية أخرى فإن المحلل العربي ربما ظن خطأ وجود خلاف فونيمي بين الألوفونين الإنجليزيين "للصوت المهموس الطبقي الانفجاري" اللذين يقع أحدهما قبل العلة الأمامية، والآخر قبل العلة الخلفية "kill وcool" فيتصور خطأ أنهما فونيمان اثنان إلى أن يلاحظ اختفاء الأساس في التقسيم الفونيمي وهو تغير المعنى مع تغيير الفونيم، ويعجز عن العثور على أي ثنائيات صغرى.   1 يوجد خلاف بين الصوتين في الموقعية, فهما في الإنجليزية ألوفونان لفونيم وحد هو k, الأول منهما يقع قبل العلة الأمامية، والثاني منهما قبل العلة الخلفية. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 124 وإن التحليل الفونيمي كثيرا ما يصيبه الاضطراب نتيجة لتعدد الصور النطقية، كما يبدو في كلمة with التي ينطقها بعضهم مجهورة /o/ وبعضهم مهوسة /e/. وبالنسبة لبعض اللغات توجد صعوبة أخرى، وهي التمييز بين النغمات الصوتية التي تعد ذات قيمة فونيمية كاملة، في مقابل الأخرى ذات القيم الثانوية الإضافية، وهنا يقترح Gleason القيام باختبارين مفيدين، أولهما اختبار الرتابة monotony test حيث ينطق بمجموعة من الكلمات ذات اللحن المشترك الواحدة بعد الأخرى لتنتج وحدات رتيبة مكررة، فإذا أدرجت كلمة ذات لحن مختلف داخل السلسلة انكسرت الرتابة الموسيقية1. أما الآخر فهو بناء إطارات أو أشكال نغمية عن طريق وضع الكلمات متلاصقة مع سلسلة من كلمات أخرى -مثل الأعداد- تعرف نغماتها1.   1 في دراسة Glesson اللغة Ewe الموجودة في غرب إفريقية، والتي لها ثلاث نغمات عالية ومتوسطة ومنخفضة، عمل اختبار عن طريقه وضعت كلمات متنوعة مكونة من مقطع واحد وضعت متتابعة وطلب من أحد أبناء اللغة أن ينطلق بها. فإذا حدث وكانت الكلمات ذات نغمة، واحدة فتكون النتيجة مجموعة من النغمات الرتيبة الموحدة، فإذا كانت نغمة كلمة ما غير مؤكدة فإنه كان يقوم بوضعها في تتابع معين، فإذا اتفقت نغمتها مع الأخريات المعروف لحنها فإنها تنسب إلى هذه المجموعة النغمية. أما إذا كانت النتيجة كسر الرتابة فإنه يجرب وضع هذه الكلمة في مجموعة نغمية أخرى، وهكذا حتى تتناسب مع واحدة منها. 2 فالاسم الذي يشك في نغمته يمكن أن يقرن بالأعداد من 1إلى 6 واحدا بعد الآخر. هذه الأعداد معروفة نغماتها، فإذا كانت نغمة الكلمة صاعدة أو هابطة أو في نفس المستوى مع أي من الأعداد صار من الميسور ردها إلى ما يناسبها من المجموعات النغمية. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 125 وإن التوسع في استخدام أجهزة التسجيل في مجال العمل الفونيمي قد قلل -إلى حد كبير- من متاعب المحلل اللغوي، حيث إنه يسمح بالتسجيل الموضوعي للأصوات الفعلية المنطوقة، ويكمل النقص في استخدام الرموز المكتوبة، الذي يتأثر عادة بعوامل ذاتية ناتجة عن سماع المحلل وثقافته. ولكن حتى الأصوات المسجلة يجب في النهاية أن يقوم المحلل بترجمتها وتفسيرها معتمدا على أذنه وفهمه، ولهذا فإن قيمتها الرئيسية تعود إليه أخيرا. وعند هذه النقطة يجب أن الكتابة الصوتية تمثيل موضوعي للأصوات، فإن الكتابة الفونيمية تؤسس على إحساس المتكلم بالفروق الصوتية، والتفريق الذي يرى وجوده بنفسه. وهذا يعني أن ما يعد رموزا كتابية مرضية لنوع من اللغات مثل الإنجليزية لا يلزم بالضرورة أن يكون دقيقا مائة في مائة بالنسبة للغة أو لهجة أخرى. إن صوت العلة الموجود في lot و not و pot هو -موضوعيا وصوتيا- "a" في فم المتكلم الأمريكي في الجملة، ولكنه "?" أو "C" في فم المتكلم الإنجليزي. وهذا بدوره يعني أن الكتابة الفونيمية للغوي ربما لا تتفق مع كتابة لغوي آخر، فكل منهم يميل إلى أن يستعمل ويكتب الصورة الصوتية للهجته الخاصة، وعلى سبيل المثال فإن حرف العلة في leave وfeet يختلف تقديره وكتابته بالنسبة إلى الرجل الإنجليزي عنه بالنسبة للرجل الأمريكي فالإنجليزي يمثله بالرمز ":i" "علة طويلة خالصة", ولكن الأمريكي يمثله بالرمز "ij" "علة قصيرة خالصة متبوعة بـY انحدارية glide" ولهذا فإن معظم من يمثلون الصوت بالرموز الكتابية يلفتون نظر قرائهم إلى هذا النوع الذي لا مفر عنه من الإقحام لخصائص لغتهم في مجال التمثيل الكتابي. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 126 وإن عملية التحليل المورفيمي لتطابق تماما تلك التي وصفناها فيما سبق، ماعدا أن التحليل هنا ينصب على المورفات أو أصغر الوحدات ذات المعاني التي ينبغي أن تحلل إلى مورفيمات وألومورفات، وفي المجال التطبيقي يتصاحب عادة التحليلان الفونيمي والمورفيمي ولا يتتابعان، ولكن مع تسجيل ملاحظات المحلل اللغوي منفصلة، ثم يتصاحب التحليلان وبخاصة حين يتقدم سير البحث. وهنا نقول مرة ثانية إنه إذا كان هناك تقابل أكيد في المعنى أمكن الباحث أن يعدهما مورفيمين منفصلين، ولكن إذا كان المورفان يحملان نفس المعنى ويستعملان في موقعيتين مختلفتين فيجب اعتبارهما ألومورفات لمورفيم واحد. فـ"ing-" الموجودة في working في مقابل "ed-" في worked كل منهما يحمل معنى خاصا مختلفا، ولهذا مورفيمان. أما "t-" المنطوقة التي تظهر في worked و"d-" التي تظهر في filled، وتغير العلة الموجودة في found, find وحتى التغيير الصفري zero change من صيغة الماضي إلى صيغة المضارع في put, put، كل أولئك يحمل معنى واحد، وهو الماضوية، ولهذا يمكن اعتبارها كلها ألومورفات لمورفيم واحد، وهو الدلالة على الماضي. وهنا يقترح Gleason بحق أن يتخذ أحد الألومورفات كصيغة أساسية basem, form، ويعتبر الباقي بدائل replacices فإذا أردنا اختيار صيغة أساسية بناء على درجة تكرار الوقوع نجد أن d في filled وdallied, toyed هي الصيغة الأساسية للمورفيم الدال على الماضوية، وعلى هذا نعتبر "t" في worked وstopped و"id" في ended، وتغير العلة في found والتغير الصفري في put كل أولئك ألومورفات بديلة، "انظر المبحث رقم22". وجمع أنواع العوامل المورفونونيمية، وبخاصة ما يعرف بالمماثلة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 127 يجرها نحو الطبق تحت تأثير الساكن الطبقي التالي، وتصير "im" منطوقة وحتى مكتوبة في impossible بتلوينها بالصبغة الشفوية تحت تأثير الصوت الشفوي p" وآخر خطوة في التحليل اللغوي هي وضع قواعد النحو، والإعداد لتصنيف مفردات اللغة على أساس من المبادئ الوصفية وطرق البحث التي سبق شرحها. فمن الناحية النحوية -على سبيل المثال- يجب على المحلل أن يقوم بيان أنواع الصيغ للغة التي يحللها، وقواعد تبديل الصيغة لتشكيل أنظمة جديدة كنظام النفي أو الاستفهام في الجملة، وكذلك المعالم الخاصة الموروثة في اللغة موضوع البحث، "انظر المبحث رقم 23". ومن وجهة نظر علم المفردات اللغوية فإن المحلل ينبغي أن يزودنا بقائمة للرصيد العام للمورفيمات في اللغة موضوع البحث -مصحوبة بإمكانيات تجمعاتها- مع تعيين الصيغ النحوية الكاملة lexemes كلما أمكن، وكذلك التعبيرات الاصطلاحية idioms وما يستخدمه اللغة من السوابق واللواحق، "انظر المبحث رقم 24". وآخر نتاج لمجهود المحلل اللغوي سوف يكون النحو الوصفي للغة موضوع البحث، كما سنتحدث في المبحث التالي. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 128 26- بناء نحو وصفي : حينما ينتهي الباحث اللغوي من التحليل الفونيمي والمورفيمي للغة موضوع البحث ومن استخلاص الملامح النحوية الخاصة بها يجد بها تحت يديه نحوًا وصفيا لهذه اللغة، وهنا يجب التنبيه إلى أن النحو الوصفي لا يراد به هنا هذا النوع من النحو المدرسي الذي يعد للاستعمال العادي، وإن كان نحوًا يمكن اتخاذه أساسًا لبناء نحو مدرسي تطبيقي بأسلوب علمي. إن النحو الوصفي سوف يقدم قائمة دقيقة بالفونيمات الموجودة في اللغة مع ذكر ألوفوناتها, وبيان الظروف والملابسات التي بتأثيرها تظهر هذه الألوفونات، وهو سوف يقدم كذلك وصفًا للفونيمات فوق التركيبية الموجودة في اللغة "التنغيم, النبر, المفصل) . وعلى أساس من هذه البيانات العلمية الدقيقة يصبح من الممكن أن توضح في شكل دروس سلسلة من التمرينات النطقية، تلك اللغة، مع التركيز على هذه الملامح الخاصة التي قد تسبب بعض المتاعب لأولئك المتعلمين الذين يدرسون اللغة من خلال تصورهم للغة أخرى، ومن الممكن في هذه الحالة وضع الملامح الفونيمية لكلتا اللغتين في خطين متوازيين حتى تسهل المقارنة ويمكن بناء على هذا مس الظواهر المشتركة بينهما مسًا خفيفًا، والتركيز على تلك النقاط محل الخلاف، فإذا أراد إسباني تعلم اللغة الإنجليزية فإنه لا بد -على سبيل المثال- من تدريبه على أن يميز فونيميًا بين صوتي العلة في leave وlive حتى يتمكن من التغلب على تلك الصعوبة الناتجة عن ميله الطبيعي لخلط الصوتين واعتبارهما فونيمًا واحدًا، ومن الجانب الآخر فإن الإنجليزي إذا أراد دراسة الصينية فإنه ينبغي حين تدربه التركيز على الفرق الفونيمي في اللغة الصينية بين p الموجودة في pit وتلك الموجودة في spit وهو ما يعد في نظره فونيمًا واحدًا، والمتعلم للغة الإيطالية يمكن أن يزود بتدريبات واسعة للتفريق الفونيمي بين الساكن المفرد والساكن المضعف الجزء: 1 ¦ الصفحة: 129 وكل هذه التفريقات ستظهر -ولا شك- في النحو التطبيقي المؤسس على النحو الوصفي، لا في النحو الوصفي نفسه. وإن مادة القواعد -سواء كانت صرفية أو نحوية- تقدم في المنهج الوصفي بنفس الطريقة، وهنا نقول -مرة أخرى- إن المقارنة من وقت لآخر بين الجزء: 1 ¦ الصفحة: 130 نظام المورفيمات في كلتا اللغتين، ربما كان ضروريا ومن الفوائد التي يقدمها المنهج الوصفي في دراسة القواعد إقناع المتكلم للغة الأجنبية بخطأ ما قد يبدو له من سهول لغته بالنسبة للغات الأخرى، أن المتكلم الإنجليزي الذي يظن أن كل ما يتطلبه الجمع في الإنجليزية هو إضافة S أو es إلى المفرد ستبدو عليه الدهشة غالبًا إذا عرف أنه في لغته المتكلمة توجد ألومورفات عدة تندرج تحت مورفيم الجمع في اللغة الإنجليزية مثل "/s-/، و/z-/، و/iz-/، وتغيير العلة وإضافة en، والتغيير الصفري" بالإضافة إلى ما قدم يحدث من تغيير مورفوفونيمي لأصل المورفيم كما في kinfe التي تجمع على knives وhouse التي تجمع على houses وإنه ليدهش كذلك حين يلاحظ أنه بينا لا يوجد في الأفعال الإنجليزية كثير من النهايات التصريفية، فإنها في الغالب تتضمن مجموعات متشابكة من المورفيمات الحرة العديدة المنبتة الصلة مثل: "must, should, would, will, had, has, did, does, do". وهذا النحو من المقارنة -على أي الحالات- لا يبدو استخدامه ضروريًا في النحو الوصفي الذي يوضع لسد حاجة المتخصصين الذين هم بالفعل على معرفة بالمشاكل والمزالق. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 131 27- إعداد الأطلس اللغوي : كان إعداد الأطالس اللغوية أسبق في الوجود من معظم الإنجازات الوصفية الحديثة، وهو يعتمد -إلى حد كبير- على مفردات اللغة التي تعد في نظر الوصفيين في الدرجة الثانية من الأهمية، ولكنه -مع ذلك- اتبع منهجًا يمكن أن يوصف على الأقل بأنه وصفي، وبأنه خير مثل للعمل اللغوي تحت ظروف البيئة المعينة، وعلى الرغم من أن هذا العمل قد بدأ أساسًا على يد اللغويين التاريخيين لأغراض تاريخية في معظمها فإنه قد وضع الأساس لنموذج الدراسة الوصفية العملية في مجال البحث اللغوي. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 131 إن الأطلس اللغوي قد أعد أساسًا ليكون مرشدا إلى اللهجات الحية للغة ما، وكان ظهوره مدينًا -إلى حد كبير- للجدل والمناقشة بين النحاة واللغويين المحدثين في القرن التاسع عشر "انظر المبحث رقم 48" وفي محاولتهم لإثبات التنوع اللانهائي للغة، وعدم خضوع اللغة لمعايير محددة في تغيراتها الصوتية أشار اللغويون المحدثون إلى تعدد اللهجات المحلية لبلاد مثل فرنسا وإيطاليا، وأخذوا على عاتقهم مهمة إثبات فكرتهم عن طريق عمل خرائط لهذه اللهجات ولكن حين قيل كل شيء وتم تنفيذه لم يصل اللغويون إلى إثبات أو نفي ما تعلق بموضوع خصامهم الأساسي، لأن كل لهجة يمكن -بل ينبغي- أن تعرض -من الناحية اللغوية- باعتبارها لغة مستقلة قائمة بذاتها، خاضعة لقوانينها الصوتية التي تخصها، لا القوانين الصوتية التي تحكم اللغة الوطنية، ككل. ومنذ اللحظة الأولى أصبحت تلك الأطالس اللغوية أداة قوية في يد علم اللغة الوصفي يستخدمها لمصلحته. لقد ألقت ضوءا على الصيغ الحية للغة أي بلد، بالإضافة إلى ما تحويه من خصائص لهجية متنوعة، وقد ساعد هذا كثيرا علماء اللغة التاريخيين، وبخاصة عند تحديد معالم التغير التي تمت في الماضي حينما تكون الشواهد المطلوبة مفقودة أو غير كافية، وهذه الأطالس -إلى جانب ذلك- تمد علماء اللغة الجغرافيين بمعلومات مفيدة عن مراكز اللغات في العالم، وما يستعمل منها، وما يعتري أيًا منها من تغيير أو استبدال في مناطق معينة، وإن اهتمام علماء الأطالس اللغوية بدراسة الظواهر اللغوية الحديثة المتكلمة، واستخدامهم للتكنيك العملي الذي ينتقل إلى حقل التجربة يجعلهم أقرب إلى المجال الوصفي للغة دون التاريخي أو الجغرافي. ويرسل جامعو المادة اللغوية المطلوبة إلى الأمكان المحلية التي يقع عليها الاختيار من إقليم ما -رسمت حدوده- لعمل خرائط له، مع الاستعانة براو يمثل المتكلمين المحليين. والغرض من هذا السير في الطريق السليم للتزود بمجموعات الكلمات أو العبارات أو الجمل -أو حتى مدلولاتها- التي سبق إعداد مقابلاتها "كلما كان الراوي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 132 اللغوي أقل ثقافة كان أفضل، لأن المتعلمين أو الأكثر تعلمًا في المنطقة تتأثر لغتهم بمعلوماتهم واحترامهم للغة الأدبية الوطنية". وفي حالة المسميات الممكن تصويرها تستخدم الصور حتى لا يقع الراوي اللغوي تحت تأثير صيغة الكلمة الموجودة في السؤال، وبعد ذلك، فإن المادة التي ينطقها الراوي اللغوي إما أن تكتب بالطريقة الصوتية، أو تسجل على جهاز تسجيل، أو تستخدم الطريقتان معًا. وفي مرحلة المقابلة والمعارضة فإن كل كلمة أو عبارة أو اصطلاح يوضع على خريطة مستقلة كبيرة للمنطقة، ويحتوي الأطلس اللغوي لفرنسا -على سبيل المثال- على خريطة منفصلة كبيرة لكلمة "حصان" كما تستعمل -في لغة الكلام- في حوالي خمسمائة منطقة فرنسية مختلفة، وهناك خريطة ثانية للكلب وثالثة للقط وهكذا، والمحصل النهائي لهذه الخرائط يعطينا مجموعات من الخطوط المتقاطعة التي تمثل كل منها واحدة من الخمسمائة لهجة محلية ليس فقط فيما يتعلق بالمفردات، ولكن أيضًا فيما يخص مجموعات الكلمات التي تخدم الغرض النحوي، وبهذا يصبح من الممكن تماما استخلاص نحو وصفي لكل لهجة من تلك اللهجات المحلية باتباع أسس التحليل الفونيمية والصوتية السابق الإشارة إليها. والأطلس اللغوي يصبح بعد إتمامه مرجعًا للغوي، حيث يزوده بالمعلومات التي يريدها بدلا من الخروج بنفسه، ومحاولة الذهاب إلى الحقل اللغوي في المنطقة موضوع اهتمامه، وإن كان نزول اللغوي المباشر إلى الحقل اللغوي قد يصبح ضروريًا مع وجود الأطلس اللغوي حينما تواجهه مشاكل خاصة. وهناك واحد من أهم العيوب التي تقلل من قيمة الأطلس اللغوي، وهو أنه لا يثبت على مر الزمن مادامت اللهجات المحلية تتغير ربما بدرجة أسرع من اللغة الوطنية، ولهذا فإنه في بعض الأحيان يعاد إجراء عملية المسح اللغوي بعد مرور سنوات عدة، ويصبح من الممكن حينئذ عمل مقارنة بين نتائج الأطلسين وتكوين صورة شبه تاريخية عن التغيرات المتشابكة في كلام مجتمع معين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 133 ويطلق مصطلح الجغرافيا اللغوية linguistic geography على الدراسات اللهجية المؤسسة على الأطلس اللغوي، وهذا اسم غير موفق، حيث جعل معظم الناس غير المتخصصين يظنون أنه يعني، توزيع اللغات في العالم، أو ما سميناه بعلم اللغة الجغرافي geolinguistics. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 134 القسم الرابع: علم اللغة التاريخي "إصطلاحات أساسية" نقاط إتصال مع علمي اللغة الوصفي والجغرافي ... 28- نقاط اتصال مع علمي اللغة الوصفي والجغرافي: إن علم اللغة الوصفي يمكن أن يوصف بأنه علم ساكن static، ففيه توصف اللغة بوجه عام على الصورة التي توجد عليها في نقطة زمنية معينة ليس ضروريًا أن تكون في الزمن الحاضر. أما علم اللغة التاريخي فهو علم يتميز بفاعلية مستمرة dynamic فهو يدرس اللغة من خلال تغيراتها المختلفة، وتغير اللغة عبر الزمان والمكان خاصة فطرية في داخل اللغة، وفي كل اللغات، كما أن التغير يحدث في كل الاتجاهات "النمادج الصوتية، والتراكيب الصرفية والنحوية والمفردات" ولكن ليس على مستوى واحد، ولا طبقًا لنظام معين ثابت، هذه التغيرات اللغوية تعتمد على مجموعة من العوامل التاريخية، وبينما يمكن دراسة هذه التغيرات دراسة وصفية هي محض تعريف بأشكال التغيرات الحادثة، فإنه لا يمكن عزلها عن الأحداث التاريخية التي تصاحب وجودها. وبينما الوظيفة الأولى لعلم اللغة الوصفي هي أن يصف، ولعلم اللغة التاريخي هي أن يعرض التغيرات اللغوية، فمن الصعب، كثيرًا الفصل بين النوعين في مجال التطبيق العلمي. وذلك لأن كل المصطلحات التي استعملت تحت العنوان الوصفي قابلة من الناحية العملية للاستعمال كذلك مع الفرع التاريخي وإن مدلولات المصطلحات: اللغة المعيارية standard language، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 137 واللهجة dialect, ولهجة الطبقات الدنيا غير المكتوبة patois، واللغة الخاصة jargon، والعامية slang كلها يدخل في ميدان الدراستين الوصفية والتاريخية، وكذلك في ميدان علم اللغة الجغرافي "انظر المبحثين رقم 16، 42". إن اللغة المعيارية standard language هي ذلك المستوى الكلامي الذي له صفة رسمية، والذي يستعمله المتعلمون تعليمًا راقيًا "مثل لغة الملك أو الملكة في بريطانيا، وتسمى كذلك باسم receiced standard" وغالبًا ما تكون اللغة المعيارية في أول الأمر لهجة محلية تنال شيئًا من التمجيد أو التقدير ويعترف بها كلغة رسمية لسبب من الأسباب، كأن تكون لهجة منطقة من البلد اتخذت مقرا للحكم "مثل الفرنسية الباريسية"، أو لهجة مجموعة من الناس أصبح لهم سيطرة عسكرية "مثل القشتالية الإسبانية"، أو لهجة منطقة لها زعامة أدبية "مثل التموسكانية في إيطاليا". أما اللهجات dialects فتعتبر مستويات محلية للكلام تبعد إلى درجة كبيرة أو صغيرة عن المستوى المعياري، ولكنها يمكن التعريف عليها "أحيانا بالرجوع إلى الأصول التاريخية" باعتبارها تكون معه كلًا موحدًا، أما المصطلح patois فيشير إلى هذا النوع من اللهجات الذي يتصف بالمحلية إلى درجة كبيرة، كأن تكون لهجة قرية واحدة، ولا يظهر هذا النوع من اللهجات في شكل كتابي، بينما تبدو اللهجات dialects في صورة مكتوبة ويظهر لها أدب مزدهر له جذوره البعيدة، وأما المصطلح jargon فيطلق على الكلمات الاصطلاحية الخاصة بطبقة معينة أو حرفة. أما المصطلح slang فيطلق على المستوى الكلامي غير الرفيع الذي تستعمله الطبقات التي يقل مستوى تعليمها وقد تكون واسعة الانتشار، أو حتى على مستوى الوطن كله، ويمكن للمرء، أن يميز بين درجات من الـslang بمصطلحات مثل العاميات colloqualisms والابتذاليات vulgarisms، والكلام دون المعياري subsandard speech. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 138 والمبرر لذكر هذه الأنواع تحت المبحث التاريخي ذو شقين: أحدهما أنها أكثر استخدامًا على أيدي اللغويين التاريخيين منها على أيدي اللغويين الوصفيين، وثانيهما أن بعض الوصفيين يرفضون من الناحية العملية أن يتعرفوا بوجود هذه الأنواع منفصلة، ويعرفون اللغة بأنها أي مستوى كلامي حتي، رفيعًا كان أو وضيعا. والمصطلحات الآتية تستعمل على وجه الخصوص في الميدان التاريخي: أما المصطلح الأول فهو "وحدة الأصل" monogenesis، وهو يشير إلى النظرية التي تزعم أن اللغات كلها ترجع إلى أصل واحد مشترك. والمصطلح الثاني هو "الطبقة السفلى" substratum، ويطلق على الصيغة الكلامية المبكرة التي كانت تستعمل بواسطة السكان الأصليين في منطقة ما، فحين تتعرض هذه المنطقة للغزو الخارجي تختلط لغتها بلغة الغزاة، ونتيجة لذلك تأخذ الأخيرة شكلا جديدًا كما يحدث حينما يتكلم الإنسان ببعض كلمات من الأيبيرية أو الغالية -اللتين تعدان طبقة سفلى- حين حديثه باللغة اللاتينية التي جلبها الرومانيون إلى إسبانيا وفرنسا. أما مصطلح "الطبقة العليا" superstratum فهو مصطلح وثيق، الصلة بالسابق ويطلق على لغة الغزاة الوافدين التي تدع اللغة الأصلية على قيد الحياة ولكن بعد التأثير عليها وإعطائها شكلا جديدًا، كما حدث للفرنكيين واللومبارديين حينما تخلوا عن لغاتهم الألمانية، واختاروا لاتينية الإمبراطورية الرومانية، ولكن بعد ترك آثار عليها من كلمات، وربما خصائص فونولوجية، أو حتى أصواتية مما أدى فيما بعد إلى ظهور اللغتين الفرنسية والإيطالية. وهناك مصطلح يستعمل ليشمل النوعين السابقين وهو "الطبقة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 139 الإضافية"1، adstratum. ومن المصطلحات المستعملة إعادة التركيب reconstruction وهي محاولة بناء أصل نظري كلامي للغات الهندية والأوربية عن طريق دراسات مقارنة تاريخية للسلائل المؤكدة، ومن الممكن أن يستعمل المصطلح كذلك لأي لغات غير مدونة يعتقد وجودها في الزمن الماضي، كما يستعمل في تركيب صيغ غير مؤكدة للغات معروفة مثل اللاتينية أو القوطية، ومثال ذلك sagja* أو sagwja* الأصل الجرماني الافتراضي لكلمة say الإنجليزية، وعادة ما توضع علامة نجمة قبل الأشكال المعاد تركيبها في ميدان علم اللغة. ومن المصطلحات المستعملة "القانون الصوتي" sound law، وهو يستعمل مع النظرية القائلة بأنه إذا حدث لأي تغير صوتي أن صار فعالا في منطقة معينة وزمن معين، فإنه يتوقع له أن يكون تأثيره عامًا، إلا إذا تدخلت عوامل أخرى أجنبية2. أما المعارضون لهذه النظرية فيؤسسون اعتراضهم على وجود تطورات متباينة في كلمات كان يجب على أساس هذه النظرية أن تكون متماثلة وهم لذلك يفضلون استعمال المصطلح "التغير الصوتي" sound change. ولكن المنادين بالنظرية الأولى، يردون قائلين بأنه في مثل هذه الأحوال هناك عوامل معينة أدت إلى هذا التباين مثل التأثيرات التعليمية، أو الافتراض الأجنبي أو اللهجي، أو القياس.   1 قد يستعمل المصطلح language in contact -الذي روج له weinreich- في بعض الأحيان مرادفا للمصطلح adstratum وعلى كل حال فإن المصطلح الأول يستعمل عادة للتعبير عن تعايش لغتين جنبا إلى جنب، واحتكاكهما، مع استمرار بقائهما لغتين مستقلتين حتى إذا كان لكل منها تأثير على الأخرى أما المصطلحات superstratum, substratum, adstratum فتتناول اللغات التي اختفت إحداها، حتى لو تركت آثارًا لها على اللغة الأخرى الباقية. 2 على سبيل المثال: الحرف الابتدائي p في اللغات الهندية الأوربية يظهر في السنسكريتية واليونانية واللاتينية في شكل P بينما يظهر في الجرمانية في شكل f. قارن اللاتينية pes وpiscls وpater بالإنجليزية foot وfish وfather. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 140 كذلك يستعمل مصطلح "القياس" analogy ويراد به الميل العارض -الذي لا يمكن التنبؤ بحدوثه -من كلمة أو صيغة إلى الخروج عن مدارها الطبيعي في التطور والدخول في طبيعة كلمة أو صيغة أخرى لوجود مشابهة حقيقة أو متوهمة بينهما "مثال ذلك ماضي help الذي كان في يوم ما holp ولكن تحت تأثير الحقيقة أن معظم الأفعال تشكل ماضياتها بإضافة الأصوات e أو d أو ed، لا عن طريق التغير الداخلي لصوت العلة وجد الفعل helped ودخل الاستعمال". أما المصطلح "التيسير" simplification فيستعمل غالبًا، وربما على سبيل الخطأ، في مجال الحديث عن التغير في لغة معينة، حينما تحذف النهايات الإعرابية، وتقوم الكلمات الإضافية، أو أي وسائل أخرى بأداء وظيفتها "مثل اختفاء نظام الحالات الإعرابية الموجود في اللغة اللاتينية، وإحلال موقعية الكلمة في الجملة وحروف الجر محله في اللغات الرومانسية، وقد حدثت نفس الظاهرة عند الانتقال من الأنجلوسكسونية إلى الإنجليزية الحديثة"1. وهناك فرعان من الدراسة يتعلق كل منهما بالصيغة المكتوبة للغة، كما تظهر في المكتوبات في وقت لم يكن فيه لغة منطوقة مسجلة وهذان الفرعان هما: علم النقوش epigraphy، وهو يتعلق بدراسة النقوش وتفسيرها، وعلم الوثائق paleography، وهو يتعلق بدراسة الوثائق العتيقة والوسيطة المكتوبة على أوراق البردي والرقاق ونحوها.   1 وهنا يبرز سؤال حقيقي، وهو ما إذا كان التركيب النحوي مثل I shall love أسهل من مقابله اللاتيني amabo وما إذا كان the book of the boy أسهل من the boy.htm's book. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 141 التغير الفونولوجي والقياسي ... 29- التغير الفونولوجي والقياس: إن كلا من علم الأصوات وعلم الفونيمات إنما يتناول -في المحل الأول- وصف الأصوات أو الفونيمات الموجودة في لغة حية يتكلمها متكلمون أحياء، وهناك مصطلحات تتعلق بالتحولات التاريخية التي نمت في الماضي سواء كانت صوتية أو فونيمية، وإن كانت هذه المصطلحات لا تستعمل في الميدان الوصفي إلا قليلا. وفي مجال التحول التاريخي للغة ليس من الممكن كلية -وإن كان محتملا- أن يغير النموذج الفونيمي أحيانا بقوة, وما تزال قضية ما إذا كانت التغيرات تحدث تدريجيا، وأنه لا علاقة وثيقة لكل واحد منها بالآخر، أو أنها -كما يحلو لبعض اللغويين التركيبيين أن يقول- تحدث لتحقيق نوع من الانسجام في الكلام ككل وللمحافظة على شيء من التماثل والتناسق ما تزال هذه القضية مفتوحة للمناقشة. وسوف يلاحظ من مجرد النظر للهجاء الإنجليزي أن فونيمات معينة كانت موجودة يوما ما في اللغة "مثل الصوت الطبقي الاحتكاكي gh الممثل في night" ثم اختفت، وتدل هذه النظرة كذلك على أن قوانين التجمعات الصوتية المسموح بها قد تغيرت "فجاء مثل gnaw, know يدل على أن التحكم الإنجليزي في يوم ما كان يسمح بتجمع صوتي مثل -kn أو -gn في الموقع الأمامي، وهو ما لا يمكن للإنجليزي الحديث أن ينطق به بسهولة". وبعض مصطلحات علم اللغة الوصفي تلعب دورها في مجال علم اللغة التاريخي، ولكن في مجال الحديث عن تغير النماذج الصوتية أو الأشكال النحوية ومن المصطلحات الوصفية التي تستحق الذكر هنا والتي تتحكم في طبيعة التغيير المعين ما يسمى بـ "كمية العلة" vowel quantity "التمييز بين العلة الطويلة والقصيرة" و"كيفية العلة" vowel quality "درجة الانفتاح أو الغلق للعلة, انظر المبحث رقم 18". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 142 أما الظواهر المتعلقة بتشكيل الصوت "مثل الانتقال من تسلط اللحن إلى تسلط النبر، أو انتقال النبر من مقطع إلى مقطع آخر في الكلمة" فتعد ذات أهمية كبيرة في الدراسات اللغوية التاريخية، ولدينا من الأسباب ما يكفي للاعتقاد -على سبيل المثال- أن كثيرًا من التحولات من اللغات اللاتينية إلى الرومانسية "مثل تغير صوت العلة المنبور في الكلمة tenet التي صارت في الفرنسية tient وفي الإيطالية والإسبانية tiene" مردها أساسًا إلى تكثيف وحدة النبر في الكلام. ومن المصطلحات المستعملة ما يأتي: الموقعية بين علتين intervocalic position، ويستعمل حين يقع الصوت الساكن، وبخاصة الانفجاري، بين علتين، ويقابله موقعية الساكن في أول الكلمة inital أو في آخرها final، أو في موقعية متوسطة ولكن ليس بين علتين protected medial position "الأخير كما إذا سبق الـt بساكن آخر", وغالبا ما تؤدي الموقعية بين علتين إلى تطور معين "لاحظ التطور المختلف للتاء اللاتينية الواقعة بين علتين في كلمة amata التي صارت في الفرنسية aimée، وقارنه بكلمات لاتينية لم تقع تاؤها بين علتين مثل: terra وtenet وporta التي صارت في الفرنسية terre، وtient، وporte". وكثير من المصطلحات المستعملة كأسماء في علم الفونولوجي الوصفي توضح في صورة فعل في علم الفونولوجي التاريخي وحينئذ يشتق منها أسماء مجردة جديدة مثل diphtong التي تصير فعلا diphthongize، ويشتق منها الاسم diphthongization. أما المصطلح ازدواجية العلة diphthongization فمعناه تحويل صوت العلة البسيط monophthong إلى علة مزدوج "tenet اللاتينية صارت tient وtiene في اللغات الرومانسية". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 143 والتغوير palatalization يعني نقل مخرج الصوت إلى منطقة الحنك الصلب أو الغار "مثل الكلمة اللاتينية centum التي تنطق بصوت طبقي "حنكي لين" مثل k ولكنها انتقلت إلى الإيطالية cento بصوت غاري يماثل ما في church. أما الإبدال العلي vocalization فمعناه إبدال الساكن الأصلي عادة لام" صوت علة "في اللاتينية alba تحرك مخرجها إلى الوراء شيئا فشيئا إلى أن صار u في الكلمة الفرنسية aube وقد نطق أولا مثل w ثم أدمج مؤخرا مع صوت الـa السابق فنتج الصوت الضيق الحديث o"1". أما المصطلح الإبدال الشفوي labilization فمعناه تحويل الصوت الطبقي المشوب بالشفوية "qu-gu" إلى شفوي محض "p-b" بإسقاط العنصر الطبقي "اللاتينية: lingua aqua التي صارت في اللغة الرومانية: limba apa" والإجهار sonorization أو voicing معناه تحويل الصوت الساكن المهموس إلى قسيمه المجهور amata اللاتينية المشتملة على صوت التاء المهموسة الأسنانية الانفجارية صارت في الإسبانية amada مشتملة على d نطق أولا كصوت مجهور أسناني انفجاري، ثم أخيرًا كصوت مجهور أسناني احتكاكي أمال الخطوة الحتمية الأخيرة في هذه العملية فهي اختفاء الصوت الساكن بعد انتقال الكلمة من الفرنسية القديمة amede إلى الفرنسية الحديثة aimée". وهناك عمليات أخرى عكس السابقة يعبر عنها بإضافة "de" أو "un" للمصطلحات السابقة ويمثل سلب الشفوية delabialization الكلمة اللاتينية quinque، التى صارت في الإيطالية cinque، وبعد أن فقدت الكلمة شفويتها أعطيت التغوير.   1 يمثل لذلك من اللغة العربية بصوت العين في أعداد مثل ثلاثة عشر وأربعة عشر. الذي تحول إلى ألف مد في بعض العاميات العربية فأصبح يقال تلاتاشر ... وأربعتاشر ... المترجم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 144 فهنا نلاحظ أن الصوت الطبقي الشفوي qu فقد أولا شفويته ليصير kinque فأصبح الصوت الطبقي k واقعا تحت تأثير العلة "i" الأمامية فجذبت مخرجه إلى الأمام حيث الغار، لتضييق المسافة بين مخرجي الصوتين. أما مثال الإهماس unvoicing في الموقع الأخير فيبدو في الكلمة اللاتينية grandem التي صارت في الفرنسية القديمة grant، بتحويل الدال المجهورة إلى تاء، وهو تحويل ما يزال يسمع حتى الآن في تجمعات مثل grand homme. ومثال آخر الكلمة اللاتينية novem التي صارت في الفرنسية neuf. أما الأنفية nasalization فمعناها نقل رنين الصوت العلة إلى التجويف الأنفي حين يتلى بساكن أنفي، وإن كان الساكن نفسه يختفي في العادة. ومثال ذلك الكلمة اللاتينية grandem التي صارت في الفرنسية القديمة grant، وفي الفرنسية الحديثة grand. وعكس الأنفية سلب الأنفية denasalization الذي يمكن التمثيل له بالكلمة الفرنسية bonne التي كانت تنطق أول الأمر مع "o" أنفية بعدها "n" ثم فقد صوت العلة القيمة الأنفية. أما تدوير العلة rounding فربما يحدث كما في "u" اللاتينية الموجودة في luna "صوتيا ":u"" التي تحولت إلى "u" الفرنسية lune "صوتيا "y". وأما تبسيط الصوت simplification فيعني تحويل الصوت الساكن المضعف إلى صوت بسيط "مثل اللاتينية: communem التي صارت في الإيطالية comune". وعكسه تضعيف الصوت gemination، ويعني مضاعفة الصوت المفرد الساكن "كما في اللاتينية pubicum، التي صارت في الإيطالية pubblico؛ أو اللاتينة aqua التي صارت في الإيطالية acqua" وقد تحدث كلتا الظاهرتين في لغة واحدة وإن كان المعتاد أن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 145 تأخذ اللغة اتجاهًا واحدا. "الإسبانية مثلا تتجه إلى تبسيط كل السواكن اللاتينية المضعفة" وينبغي أن نذكر القارئ هنا بأن اصطلاح: الساكن المضعف double consonant هو اصطلاح مضلل حقا؛ لأنه قد استعير من طريقة الكتابة ففي النطق يمد الصوت الساكن بتطويل مدة النطق به إذا كان هذا المد ممكنا، ويكون هذا ممكنا إذا لم يكن الصوت الساكن انفجاريا. وبما أن الانفجاري لا يمكن مده عند نقطة مخرجه، فإن ما يسمى تطويلا بالنسبة له يكون عن طريق إطالة مدة قفل الطريق أمام الصوت قبل تفجيره. وهذا يحدث في اللغات التي تشتمل على أصوات ساكنة مضعفة حقيقة مثل الإيطالية واليابانية، ففي لغات كهذه يكون الفرق بين الساكن البسيط والساكن المضعف فرقًا فونيميًا يؤدي إلى تغير المعنى "فكلمة eco الإيطالية تعني "صدي" أما ecco فتعني "هنا" وكلمة cade تعني "يسقط" أما cadde فتعني "سقط". فإذا أردنا رسم صورة كاملة للفونيمات الإيطالية يجب أن يعد كل صوت مضعف فونيمًا مستقلا عن مقابلة البسيط. أما في الإنجليزية فإن تكرار السواكن في الهجاء أمر يتعلق بالهجاء، أو بتاريخ الكلمة تعلقا صرفا، ولا يؤدي إلى أي فرق صوتي أو فونيمي "abbot, redden" قد تنطقان نطقا واحدا سواء كتبتا بساكن واحد أو ساكنين اثنين حتى في الكلمات المركبة كما في: unnamed توجد سكتة أو وقفة بسيطة جدا بين صوتي النون المنطوقين لتفصل كلًا منهما عن الآخر". وهناك اصطلاحات أخرى تستعمل باستمرار في علم اللغة التاريخي مثل: 1- الإعلال ablaut "أو spophony" ومعناه التغييرات التي تعتبر صوت العلة تبعًا لموقع التنغيم في اللغة الأم، أم لموقع النبر في فترة متأخرة. "الكلمتان الإنجليزية sung, sang, sing تمثل هذه الظاهرة، وتعكس أحوالا في اللغة الأم، حينما كان النبر يقع على الجذر أو على المقاطع السابقة، اللاحقة، الأمر الذي فقد مؤخرا". ومثال حديث لهذه الظاهرة، الفعل الإسباني ذو التغير الأساسي dromir، حيث احتفظت الـ"o" بوجودها في أي مكان الجزء: 1 ¦ الصفحة: 146 تقع فيه غير منبورة، ولكنها تنقلب إلى ue حينما تنبر كما في duermo. 3- المماثلة assimilation، ومعناها جعل الصوتين غير المتماثلين متماثلين، مثال ذلك nd الهندية الأوربية الموجودة في الكلمة اللاتينية spondeo فقد تغيرت في الجرمانية إلى nn، "وكذلك الكلمة الأنجلوسكسونية spannan التي هي في الأنجليزية span، وفي الألمانية spannen. وكلمة London التي ينطقها اللندنيون كما لو كانت: lunnon. وفي الأمريكية المبتذلة تنطق كلمة wonderful كما لو كانت: wunnerful". 4- المخالفة dissimilation وهي عكس السابقة، أي جعل الصوتين المتماثلين غير متماثلين مثال ذلك الكلمة اللاتينية peregrinum التي تغيرت في تتابع سريع إلى الفرنسية pelerin بلام وراء، بدلا من راءين. 5- الترخيم الوسطي syncopation ومعناه اختفاء صوت العلة غير المنبور عادة، بسبب تشديد النبر في مكان آخر في الكلمة، وتمدنا اللاتينية بالمثال الآتي calidus مع caldus وكذلك domius مع domnus فالكلمة الثانية في كل زوجين قد أصابها الترخيم الوسطي ومثاله من الإنجليزية الجزء: 1 ¦ الصفحة: 147 الحديثة، النطق int'resting بدلا من1 interesting. 6- حذف المقطع haplology ومعناه اختفاء مقطع كامل غير منبور للسبب السابق، مثال ذلك الكلمة اللاتينية civitatem، التي هي في الفرنسية cite، وفي الإيطالية citta. ومثاله في الإنجليزية till من untill. 7- إسقاط العلة الأولى spheresis ومعناه اختفاء العلة الواقعة في أول الكلمة كما في mid من amid. 8- زيادة علة أولى prothesis "أو prosthetis" ومعناه وضع صوت علة كسابقة في أول الكلمة، عادة قبل مجموعة من السواكن أولها صوت s. مثال ذلك الكلمة اللاتينية specialem، التي صارت في الإسبانية especial، وstella التي صارت estrella وscutum التي صارت escudo. 9- زيادة الساكن epenthesis ومعناه وضع صوت إضافي خلال كلمة عادة بقصد تسهيل النطق، ومثال ذلك الكلمة اللاتينية camera التي لحقها ترخيم وسطي في الفرنسية وصارت chamre وحينئذ جيء بحرف "b" وأدخل في الكلمة لتسهيل الانتقال من "m" إلى "r" وكانت النتيجة وجود الكلمة chambre. 10- زيادة العلة anaptyxis، ومعناه وضع علة إضافية خلال الكلمة، مثال ذلك أن الفرنسية افترضت الكلمة الإسكندنافية knif، ولكنها وجدت من اللائق أن تضيف علة في وسط الكلمة بين الـ"k" والـ"n" وكانت النتيجة ظهور الكلمة canif. 11- زيادة علة نهائية paragoge. ومعناه إضافة صوت علة في   1 مثاله من العامية القاهرية نطق ضاربني: ضربني، "بكسر الراء" نتيجة لانتقال النبر من المقطع الأول إلى المقطع الثاني. "المترجم". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 148 آخر الكلمة، مثال ذلك الكلمة اللاتينية amant التي صارت في الإيطالية aman، ولكن الإيطاليين رأوا أن يضيفوا "o" في آخر الكلمة نظرًا لتفضيلهم الانتهاء بصوت علة، وكانت النتيجة ظهور الكلمة amano. 12- الإبدال الشائع rhotacism. وهو يستعمل عادة ليدل على إبدال صوت ما، غالبًا ما يكون "L" أو "s" إلى "r" فالكلمة الأصلية blanco صارت branco في البرتغالية، وفي الجرمانية القديمة وجدت الكلمة auso التي استخدمت في القوطية، ثم أخذت في الإنجليزية أخيرًا صورة ear، وفي الألمانية صورة ohr. 13- الإبدال النادر lambdacism. وهو التغيير غير الشائع لصوت ما "عادة "r" إلى "L"، ففي التوسكانية وجدت الكلمة Polta التي هي في الإيطالية porta. 14- القلب metathesis. ومعناه تغيير مواقع الحروف في داخل الكلمة، مثل الكلمة الفرنسية moustique من الإسبانية mosquito. 15- وهناك مصطلح آخر هو yod، وهو مصطلح مأخوذ من اسم حرف في الأبجدية العبرية، يطلق على نصف صوت العلة y "انحداري مجهور" وبينما لا يوجد المصطلح الإبدال اليائي yodization في المعاجم أو الكتابات اللغوية الإنجليزية "المصطلح مستعمل في الفرنسية" فمن الممكن صياغته ليشير إلى عملية تحويل أول صوتي العلة المجتمعين hiatus "انظر المصطلح التالي" إلي ياء yod، مما يؤدي إلى جر الصوت الساكن السابق مباشرة نحو الغار، مثال ذلك الكلمة اللاتينية vinea التي تنطق بثلاثة مقاطع بإعطاء العلة "e" قيمة كاملة قبل العلة "hiatus" "a"، ثم يحول العلة "e" إلى "vinya" "y" فتصبح الكلمة ذات مقطعين اثنين فقط، وأخيرًا ظهرت الكلمة في الفرنسية في شكل vigne، وفي الإيطالية vigna وفي الإسبانية vina. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 149 18- إبدال السواكن consonant shift "أو sound shift أو Lautverschiebung" وهو مصطلح يستخدم في فقه اللغة الجرماني ليشير إلى حلقتين متتابعتين في الإبدال، مثال ذلك: هناك جذر مفترض لكلمة هندية أوربية d-nt* "في اللاتينية dentem، وفي اليونانية -odont وفي السنسكريتية denta" صار أولا t-nth "في الأنجلوسكسونية tonth وفي الإنجليزية المتأخرة tooth" ثم تغير ثانيا إلى صورة تظهر في الألمانية، وأخذت شكل z-nd التي كانت الألمانية القديمة zand ثم صارت أخيرًا في الألمانية الحديثة zahn. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 150 19- إبدال العلل vowel shift ويستعمل غالبا للدلالة على سلسلة التغيرات في العلل الطويلة في اللغة الإنجليزية، التي بدأت حوالي عصر تشوسر وانتهت في العصر الإليزابيثي1. 20- وهناك مصطلحات ثلاثة تتعلق بموضع النبر، فإاذ كان على المقطع الأخير سمي نبر المقطع الأخير oxytone، وإذا كان على ما قبله سمي نبر المقطع قبل الأخير parozytone، وإذا كان على ما قبله سمي نبر المقطع الثالث من الآخر: proparoxytone.   1 هذا التغيير في أصوات العلة الطويلة الأصلية في اللغة الإنجليزية، التي كانت أولا أصوات علة خالصة، أدى في النهاية إلى إيجاد العلة المزدوجة diphtong, التي كثيرا ما يطلق عليها حتى الآن اسم أصوات العلة الطويلة، ومثال ذلك الكلمة الإنجليزية، القديمة hus التي كانت تنطق مثل hoos، فقد صارت في الإنجليزية الحديثة house، وتكتب صوتيا/haws/ وكذلك الكلمة القديمة stan التي تحتوي على صوت العلة الطويل a المشابه لنظيره الموجود في father فقد تحولت إلى stone التي تكتب صوتيا /stown/ وغير ذلك، ولا بد أن الكلمة قد مرت بمراحل متوسطة قبل أن تصل إلى صورتها النطقية الحديثة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 151 30- التغير الصرفي والنحوي : تسمى اللغة تركيبية synthetic إذا كانت تجمع معاني عدة داخل كلمة واحدة، أو مجموعة من الكلمات، وتسمى تحليلية analytical إذا كانت تعبر عن المعاني المنفصلة بكلمات يمكن أن تستعمل مستقلة "مورفيمات حرة, انظر المبحث رقم 8" ومن الممكن أن يمثل للنظام التركيبي بالكلمة الإنجليزية impossible، والكلمة الإسبانية esperaré، وأن يمثل النظام التحليلي بجملة: I shall wait. ويمثل النموذج المتطرف للغات التحليلية، تلك اللغات المفردة من المجموعة الصينية، كما يمثل النموذج المتطرف للغات التركيبية، اللغات المركبة التي تتمثل في بعض اللغات الهندية الجزء: 1 ¦ الصفحة: 151 الأمريكية، أما اللغات التصريفية واللغات اللاصقة فتمثل مكانا وسطا بين الطرفين. وإنه لمن الممكن تمامًا لأي لغة أن تغير قالبها خلال تاريخها، وتنتقل من النظام التركيبي إلى النظام التحليلي أو العكس. ويعد التغير الأول أكثر شيوعًا من الثاني، على الأقل بالنسبة للغات التي تعرف عن تاريخها معلومات أكثر. واللغة الإنجليزية -على سبيل المثال- قد بدأت أولا في صورة لغة تركيبية تصريفية هي الأنجلوسكسونية، ولكنها -على مر التاريخ- أسقطت كثيرًا من نهاياتها التصريفية مستخدمة بدلا منها كلمات مساعدة أو حروفًا، أو مستغلة ترتيب الكلمات في الجملة ... إلخ، ويعكس الانتقال من اللاتينية إلى الرومانسية سمات مماثلة وخصوصا فيما يتعلق ببنية الأسماء، والانتقال من السنسكريتية إلى الهندية قد صحبه تغيير في النظام التصريفي المتطرف إلى نظام لصقي بدرجة كبيرة، ومن الناحية الوصفية، من الممكن للشخص أن يقول إن النظام المفرد فوق التحليلي superanalytical يعكس زيادة الثقل في جانب المورفيمات الحرة، في حين النظام فوق التركيبي supersynthetic أو التركيبي المتعدد polysynthetic يبين زيادة الثقل في جانب المورفيمات المتصلة1. وإن الحركة الآلية للتحول من الصفة التركيبية إلى التحليلية تستدعي عادة إسقاط النهايات، وتؤدي إلى تداخل النظامين: الإعرابي declensional والاشتقاقي conjugational اللذين كانا منفصلين من قبل، وما زال محل نقاش وجدال، ما إذا كان إسقاط النهايات يحدث نتيجة الرغبة الباطنة للمتكلمين في تيسير لغتهم، أو أن ذلك متصل بزيادة النبر على أجزاء أخرى من الكلمة مما يؤدي إلى إضعاف هذه النهايات والتقليل من قيمتها.   1 مثال ذلك I shall go في الإنجليزية، حيث يعد كل واحد من المورفيمات حرا، بخلاف مقابله في اللاتينية وهو i-b-o حيث تعد جميع مورفيماته متصلة "انظر المبحث رقم 8". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 152 الصوتية، وفي النهاية إلى اختفائها. وإلى جانب ذلك هناك السؤال الحائر الذي لا يمكن الإجابة عنه وهو ما يتعلق بأصل الكلام، وهل كانت كل اللغات أساسًا تحتوي على كلمات منفصلة "مورفيمات حرة" ثم انضمت مؤخرا بعضها إلى بعض مركبة كلمات أطول عن طرق المورفيمات المتصلة، ثم بمرور الزمن تنوسيت هذه الوحدات المستقلة ونظر للكلمة على أنها بسيطة، وإن قليلا من متكلمي الفرنسية الآن الذين ينطقون الكلمة aujourd.htm'hui من هو على وعي بالحقيقة أن تلك الكلمة كانت أساسا ad illum diem de hoc die، ثم تدرجت عن طريق تغييرات افتراضية -محتملة الحدوث على الأقل- في عصر ما قبل التاريخ من النظام التحليلي إلى النظام التركيبي. وبدون تناول للمصطلحات التقليدية النحوية المستعملة في اللغات الهندية الأوربية ذات الطابع التصريفي "معظم هذه المصطلحات يمكن معرفته عن طريق كتب كثيرة كتبت عن النحو اللاتيني" ربما كان من المفيد أن نشير إلى مصطلحين اثنين هما الإعراب declension والاشتقاق conjugation. أما المصطلح الأول فيشير إلى التغيرات التي تظهر في الأسماء والصفات والضمائر للغات الهندية الأوربية حينما تأخذ صورة الكلمة شكلا معينا على ضوء وظيفتها في مجموعة الكلمات، وعلى حسب عوامل أخرى ثانوية مثل العدد والجنس. أما المصطلح الثاني فيشير إلى نظام من التغييرات المتماثلة التي تلحق الفعل طبقا لعوامل الشخص والعدد والجنس والزمن والبناء للمعلوم أو المجهول. ويطلق على النموذج الواحد لأي من النوعين السابقين اسم المثال paradigm، وبه توضح جميع الصور الممكنة للتغيرات التي تلحق الكلمة "مثل: boys', boys, boy's, boy. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 153 31- التغير المعجمي؛ الاشتقاق, التركيب, الوضع, الافتراض: هناك ميل طبيعي لمفردات اللغة نحو النمو والتكاثر، نتيجة لنمو النشاط الإنساني بمرور الزمن وتكاثره. فهناك أشياء كثيرة تجد، وأحوال تنشأ، وأفعال تستحدث، ومعان تتولد، وكلها تتطلب لأنفسها ألفاظا وأسماء لكي تظهر، ويتم الحصول على هذه الكلمات من عدة طرق مختلفة. وهناك إلى جانب ذلك -وإن كان بدرجة أقل- احتمال هجر الكلمات، كما يحدث حين يختفي من الوجود شيء ما، أو معنى معين، أو فعل على وجه التحديد، فمن المحتمل حينئذ أن يحدث هجر obsolescence للكلمة إلى أن تختفي من الوجود نهائيا، وتبقى فقط في المعاجم تحت اسم، "المهمل" archaism وقد حدث هذا بالنسبة للغة الإنجليزية الوسيطة مثل hight, yclept وهناك كلمات كثيرة أنجلوسكسونية قد اختفت حتى من المعجم كالكلمات الإليزابيثية مثل begeck، ويمكن -مع هذا- للمرء أن يؤكد بمنتهى الطمأنينة أنه في مقابل كل كلمة تختفي يظهر على الأفق عشر كلمات جديدة. ويتم خلق الكلمات الجديدة بطرق متعددة مختلفة مثل: 1- الاشتقاق derivation. ومعناه أخذ كلمة جديدة من أصل موجود "مورفيم حر formant أو free morphome" بعد إضافة سوابق ولواحق "مورفيمات متصلة bound morphemes" عليه. ومن أمثلة ذلك: children من child وbefog من fog. والكلمات الجديدة المأخوذة بهذه الكيفية تسمى مشتقات derivatives من الكلمات الأصلية، ويقوم الاشتقاق بدور كبير في إحداث ما يسمى بصيغ الزيادة augmentatives والتصغير diminutives، وانحطاط المعنى pejoratives, الجزء: 1 ¦ الصفحة: 154 وهي أنواع شائعة في بعض اللغات "مثل كلمة hombron الإسبانية -رجل ضخم، من hombre، وكلمة libraccio - كتاب رديء من libro، وكلمة lambkin الإنجليزية من lamb". 2- التركيب composition. ويكون عن طريق وضع جذرين "مورفيمين حرين" جنبا إلى جنب مثل railroad المأخوذة من الكلمتين rail وroad، وbreakfast المركبة من break وfast، والكلمة الإيطالية Ferrovia المأخوذة من ferro وVia. وهنا يكون الناتج كلمات مركبة compound words. 3- الاقتطاع العجزي back-formation ومعناه أن تبني كلمة من أخرى عن طريق اقتطاع لاحقتها الحقيقية أو المفترضة، ومثال ذلك. peddle "يتجول للبيع" المأخوذة من peddler "بائع جوال"، وكلمة buttle المأخوذة من butler، والكلمة الفرنسية cri المأخوذة من crier. وهذا التغيير يؤدي إلى الانتقال من نوع من أنواع الكلام إلى نوع آخر "من اسم إلى فعل، أو من فعل إلى اسم ... إلخ" ويمكن للشخص -باستخدام خياله- أن يشتق الفعل to rambunct من الصفة rambunctious. 4- التقصير shortening ومعناه اقتطاع جزء من الكلمة مثل mike بدلا من microphone وغالبا ما يحدث خلق لمعنى جديد "مثل Miss المأخوذ من Mistress وcab المأخوذ من cabriolet، وmend المأخوذة من amend. وقريب من هذا استعمال الحروف الأولى من الكلمات باستمرار بدل الكلمات نفسها abbreviations. مثال ذلك.M.C أو emcee, التي تعني master of ceremonies، وC.B.'S أو Seebees التي تعني construction battalions، وAnzac التي تعني Australia New Zealand Army Corps. 5- الوضع coinage. ومعناه خلق كلمة من الهواء والتكلم بها. ويتم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 155 ذلك عادة على يد بعض الأشخاص المشهورين الذين يصادف ابتكارهم قبولا، وأحيانا يكون الوضع في الحقيقة مجرد لكلمتين موجودتين في الاستعمال الفعلي مثل smog "من smoke و fog"، ومثل motel "من motor وhotel" وقد أطلق على مثل هذا النوع من الكلمات اسم portmanteau words ويدخل تحت هذا غالبا وضع كلمات تعد انعكاسا echoic أو تقليدا لأشياء أو أصوات في الطبيعة onomatopoetic مثل كلمات fizz، وtick-tack، وbuzz، وmeow. 6- التغيير الوظيفي functional change، وهي طريقة تستعمل بكثرة في الإنجليزية مثل الكلمة contact التي تستعمل أيضا كفعل، ولكن يقل استعمال هذه الطريق في لغات أخرى حيث تتميز فيها أنواع الكلام عن طريق الصيغة، وهذه الطريقة تنمي المفردات في طريقة استعمالها، ولا تزيد في عدد الكلمات أو الرصيد اللغوي، وهنا نجد كلمة موجودة بالفعل مستعملة في وظيفة نحوية معينة تكتسب -من غير تغيير الصيغة- وظيفة نوع آخر من أنواع الكلام. وإن الوظائف المتعددة -على أي الحالات- تظل متمايزة عن طريق سلوك الكلمة. فكلمة mail مثلا حيث تستعمل اسمًا تكون قابلة لإضافة s دلالة على الجمعية إليها، وحين تستعمل فعلا تكون قابلة لإضافة "s" أو "ed" أو "ing" وحين تستعمل صفة مثل كلمة mailbox تأخذ شكلا واحدا. 7- وآخر الطرق، وإن كان يعد أعظم مصدر لنمو اللغة هو الافتراض borrowing من لغات أخرى، وهناك لغات تأخذ ألفاظا كثيرة من جاراتها، ولغات، تأخذ بدرجة أقل، وإن كان الكل يأخذ شيئا ما، وإن مفردات اللغة الإنجليزية تشتمل على أقل من 25% من الكلمات الأنجلوسكسونية الأصلية، وأكثر من 75% من الكلمات المفترضة من اللغات الإسكندنافية "عن طريق الدنيمركية", والفرنسية "عن طريق النورمنديين" واللاتينية واليونانية الجزء: 1 ¦ الصفحة: 156 "التي بدأت تتسرب إلى اللسان الأنجلوسكسوني حتى قبل أن تصل إلى الشاطئ البريطاني، والتي ما تزال تتسرب إلى اللغة الإنجليزية طوال عصورها حتى يومنا الحاضر". كذلك اقترضت الإنجليزية من لغات أخرى كثيرة، أوربية، وآسيوية، وإفريقية، وهندية، وأمريكية، وغيرها من اللغات التي اتصل بها المتكلمون الإنجليز. وعند افتراض هناك طريقان ممكنان، فإما أن تأخذ اللغة المقترضة الكلمة وتخضعها لقوانينها الصيغية والصوتية، كما حدث للكلمة الفرنسية القديمة verai التي تحولت إلى very وفي تلك الحالة يكون عندنا كلمة مقترضة loan word. وإما أن تترجم اللغة المقترضة وحدات الكلمة المقترضة ترجمة حرفية إلى كلمة وطنية، وفي تلك الحال يكون عندنا ترجمة مقترضة Loan translation والكلمة الإنجليزية، expression مأخوذة من الكلمة اللاتينية expresio فهي لذلك كلمة مقترضة. أما الكلمة الألمانية Ausdruck فمأخوذة من كلمة لاتينية مطابقة لها، فهي لذلك ترجمة مقترضة. وقد يتم الاقتراض بمزج كلمتين من أصلين مختلفين، وجعلهما كلمة واحدة، وهذا يسمى بالتداخل contamination، أو المزج blending. ومثال ذلك ما حدث حينما امتزجت الكلمة الجرمانية hoch باللاتينية altum "كلا اللفظين معناه: عال" لتتكون الكلمة الفرنسية القديمة halt التي أصبحت فيما بعد haut. أما عملية تغيير الدلالة semantic change فمن الممكن أن تغني المفردات إلى اللحظة التي يظل المعنيان القديم والحديث مستعملين فيها جنبا إلى جنب. ومثل هذا حدث لكلمة Liberal حيث كانت تعني في القديم: ناشد الحرية من حكومة متطرفة. ثم تطورت فيما بعد إلى معنى آخر هو: المؤيد لفرض الحكومة سيطرة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 157 أكثر على المسائل الخاصة. وكثيرا ما يصاب اللفظ، بما يعرف بانحطاط الدلالة فينحدر إلى معنى أقل، كما في الكلمة silly التي كانت تعني أصلا soulful "عميق العاطفة"، ثم صارت بالتدريج تعني foolish "أحمق"، عن طريق تغيير المعنى، وانحطاط المعنى يسمى اصطلاحا pejoration وعكسه ارتفاع المعنى enhancement أو amelioration كما حدث مع الكلمة nice التي كانت تعني أصلا "جاهل" أو "أحمق" ثم اكتسبت معنى رفيعا. وهناك مجموعة من المصطلحات الأخرى تتصل بموضوع تغير الكلمات وهي: 1- الكلمات ذات الأصل الواحد cognates ونعني به أن توجد كلمتان -أو أكثر- في لغتين مختلفتين، ترجعان إلى أصل واحد، وإن لم يكن ضروريا أن تتفقا في المعنى في الوقت الحاضر، مثال ذلك الكلمة الإنجليزية rent "إيجار" والفرنسية rente "دخل أو إيراد"، وكذلك الكلمة الإنجليزية knight في معناها المعروف والكلمة الألمانية knecht، بمعنى القن أو عبد الأرض. 2- الكلمات المشتقة من كلمة واحدة doublets ومعناه أن توجد كلمتان -أو أكثر- يرجع اشتقاقهما إلى كلمة واحدة، ويعكسان مراحل مختلفة من التطور العام popular development، أو التطور العلمي Iearned development. أما التطور العام فيعني أن الكلمة كانت مستعملة في اللغة المتكلمة منذ أول أمرها،، وتحملته كل التحويلات الصوتية المعتادة في تلك اللغة، وأما التطور العلمي فيعني أن الكلمة قد أخذت من أصل كلاسيكي لغرض علمي أو أدبي ثم أخضعت لطبيعة اللغة المقترضة، مع أقل قدر ممكن من التغيير، وهناك كلمات، توصف بأنها نصف علمية Semilearned لأنها خضعت لتطور محصور، فالكلمة اللاتينية spiritum الجزء: 1 ¦ الصفحة: 158 في طريقها إلى الكلمة الفرنسية العادية لا بد أن تكون قد ظهرت في شكل éprit أو épri ككلمة علمية كاملة، ويجب أن تكون قد أخذت شكل spirite ثم أخذت صورتها الأخيرة في الفرنسية الحديثة esprit، وهذا يدل على أن الكلمة قد مرت بتحولات مألوفة حتى تجمدت في القرن الرابع عشر. 3- الاشتقاق الجمعي أو الشعبي popular "or folk" etymology ويعني الخطة التي عن طريقها يخلق عقل الجماعة علاقة مزيفة -وإن كانت مستحسنة- كما حدث في اللغة الإنجليزية التي اقترضت الكلمة الفرنسية écrevisse ولكنها حولتها إلى crayfish "جراد البحر"، وحتى إلى crawfish. وكلمة surloin تعني: فوق الخاصرة، قد تحولت إلى sirloin على أساس تصور زائف تمامًا أن الملك أحبها جدًا لدرجة أنه رفعها إلى مرتبة النبلاء. 4- وهناك مصطلح المبالغة في التصويب over correction ويعني العملية العقلية التي تؤدي ببعض الناس إلى أن يقولوا: between you and I لأنهم على وعي إدراكي بالتعبير It.htm's me أو أن يقولوا: He spoke with you and I لأنهم يخافون من النقد الموجه للعبارة: You and me never went there. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 159 القسم الخامس: علم اللغة التاريخي "منهج البحث" 32- المادة اللغوية المدونة : من الصعب أن يثبت الباحث أن سبق زمني لأي من علم اللغة الوصفي والتاريخي على الآخر، ولكن علم اللغة الوصفي، باهتمامه بطبيعة اللغة ومشكلاتها بوجه عام ربما قيل بوجود جذوره في تلك التأملات الفلسفية التي تهتم بطبيعة اللغة، والتي أثارها الفلاسفة الإغريق، وفيما يخص الجانب الآخر من البحث وهو وصف لغات مستقلة، فإن علم اللغة الوصفي يرجع إلى الوراء في شكل تلك الجهود المبكرة التي تمت على أيدي النحويين الصينيين والهنود والإغريق ولكن الفلاسفة -بالإضافة إلى فلسفتهم لطبيعة اللغة- قد تفكروا أيضًا في أصلها. وهو نوع من النشاط ربما عد بداية التفكير في علم اللغة التاريخي. وفي القديم -كما في العصور الوسطى- كان فرعا علم اللغة -إذا نحن استعملنا المصطلح الحديث- يعيشان جنبًا إلى جنب، ففي مجال علم اللغة الوصفي يمكن أن يوضع علم النحو، والكتيبات الصغيرة لإرشاد الرحالة والمسافرين إلى بلاد أجنبية، والأحكام التي تتعلق بعمومية النحو، والتصورات النحوية، وفي الجانب التاريخي تدخل تلك الأساطير حول أصل اللغات وتطورها، والمحاولات الأولى لتصنيف اللغات إلى عائلات ولسنا في حاجة إلى أن نقول إن ما تم في تلك العصور السحيقة لم يكن يتسم بالدقة والتحري، ولم يكن يتبع أي منهج يمكن أن يوصف بالعلمية. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 163 وحينما غزت التقاليد العلمية من ملاحظة واستنتاج ميدان علم اللغة أخيرًا قرب نهاية القرن الثامن عشر أصبح للجانب التاريخي للغة اليد العليا على وجه السرعة وقد بدا أن من الخير لعلم اللغة التاريخي أن يتجه وجهة واقعية فيهتم -إلى حد ما- بفحص نمو اللغة وتطورها على أساس من الوثائق الثابتة تاريخيًا بدلا من أن يشغل نفسه بالأسس والنظريات التي ربما تعم اللغات بأسرها. وكذلك فإن ذلك القدر من علم اللغة الوصفي الذي أخذ صورة عملية في ذلك الوقت "لم يكن المصطلح علم اللغة الوصفي قد ظهر بعد" قد وجه اهتمامه إلى العناية بالقواعد النحوية والمعاجم ذات الطابع الإرشادي المعياري الواضح. وكان التركيز على الجانب المكتوب للغة هو السائد في كل مكان، أما اللغة المتكلمة فقد صورت على أنها شيء متغير خداع، وأن الجزء الثابت منها الذي يستحق الدراسة هو ذلك الموجود في اللغة المكتوبة، ولهذا فليس محل دهشة إذن أن تكون الخطوات الأصلية في علم اللغة قد تناولت بالبحث فقط الجانبين التاريخي والمكتوب للغة، وإن المنهجين الدراسيين في علم اللغة التاريخي ونعني بهما المنهج المقارن، ومنهج إعادة تركيب اللغة قد أسسا كلية على ما وجد من وثائق مكتوبة، ومن حيث طبيعة البحث، فإن علم اللغة التاريخي لا بد أن يعتمد على المادة المكتوبة بقدر ما يعتمد علم اللغة الوصفي على المادة الكلامية لمتكلمين أحياء. وقد ظهرت المادة المكتوبة في عدة أشكال، فوجدت في النقوش المحفورة على الحجارة، والصخور، وجوانب الجبال، ووجدت في الألواح الطينية المحفور عليها بأدوات مدببة رفيعة، وفي ألواح الشمع المنقوشة بإبر خاصة، وهناك أيضًا وثائق مسجلة على أوراق من البردي والرقائق وعلى أوراق الكتابة العادية المكتوبة. إما بفرشاة، أو بريشة طائر، أو بمداد قلم، أو بقلم رصاص، ويوجد كذلك قدر قليل مكتوب على الآلة الكاتبة أو مطبوع، وكل هذه قد قامت بمهمة التسجيل للأفكار الإنسانية، ولكن مع فارق أساسي. فبينما بعض السجلات المكتوبة -التي هي في أساسها كتابات تصويرية- الجزء: 1 ¦ الصفحة: 164 تتجنب اللغة المتكلمة، وتحاول أن تمثل الأفكار والتجارب مباشرة، نجد بعضًا آخر يستعمل الكتابة كوسيط بين الطرفين، وإن الكتابة التصويرية pictographic-ideographic أو Logographic كما تبدو في الصينية الحديثة, تظهر -من النظرة الأولى- ولا صلة بينها وبين اللغة المتكلمة، ما دامت الرموز المكتوبة لا يبدو أنها تعنى بتمثيل أصوات اللغة، ولكن هذه الرموز -مع ذلك- تمثل الكلمات المنطوقة في ترتيبها الذي ترد فيه عادة أثناء الكلام، ومعنى هذا أن بعض المعلومات التي تتعلق باللسان المنطوق -على الرغم من أنها تتعلق بتركيب الجملة فقط- يدل عليها بالكتابة التصويرية وبمجرد أن نعد ترجمة لسلسلة من الرموز الصينية كلمة مقابل كلمة نستطيع أن نعرف النظام الذي تتبعه اللغة الصينية في ترتيب مفرداتها أثناء الكلام. أما الأبجدية المقطعية الشائعة في كثير من لغات العالم فتذهب خطوات أبعد من هذا إنها تحاول أن تمثل -على اختلاف في درجة الإتقان- الأصوات المتكلمة للغة، وأن تحمل معلومات لا تتعلق بكيفية ترتيب الكلمات، ولكن بكيفية نطقها. وقد سبق بالفعل "المبحث رقم 12" بيان الأضرار المتولدة عن استعمال الصيغ المكتوبة كشواهد على اللغة المتكلمة الموجودة، وإن عالم اللغة التاريخي -أثناء استعماله المادة المكتوبة الموضوعة تحت تصرفه- يجب على الدوام أن يتخذ الحيطة في قبول حجيتها التي تعد ذات قيمة سطحية، ومن ناحية أخرى من الممكن للباحث أن يغلب جانب الشك إلى حد كبير، وفي حالة أي كتابة بنيت على أساس مقطعي أو هجائي يمكننا -ونحن مطمئنون- أن نزعم أنه كانت توجد أصلا- مع الأخذ في الاعتبار جانب التسامح في الحكم نظرًا لجهل واضع النظام بالأسس الفونيمية الحديثة- الرغبة الصادقة في تمثيل الأصوات الفعلية المتكلمة، سواء عن طريق الرمز لكل صوت، أو الرمز الجزء: 1 ¦ الصفحة: 165 لكل مقطع، ومن واجب عالم اللغة التاريخي أن يحاول الكشف عما إذا كان الأخير قد تغير، بينما بقي الأول ثابتًا، ولأي مدى افترق النظامان في النهاية. إن الأساليب شبه العلمية التي تستخدم في تحليل الرموز، وتهتم بفك ما انغلق من مبهمات الخطوط غير المعروفة، سواء كانت تصويرية أو مقطعية أو صوتية، وإعادة كتابتها، لتعد فرعا قائمًا بذاته1. وبمجرد أن تتم إعادة الكتابة تبدأ محاولة تفسير تلك الرموز من ناحية المعنى، وأخيرا يأتي ربط النص المكتوب بالعادات الكلامية المحتملة لأعضاء هذه الجماعة. وإن المشاكل المتعلقة بتلك الرموز تتفاوت -إلى درجة كبيرة- من لغة إلى لغة، وتختلف خطة العمل تبعًا لذلك، وربما كان من الأحسن أن نشير إلى بعض الأمثلة المعروفة لتوضيح ذلك، في حالة حجر رشيد Rosetta Stone الذي أمدنا بمفتاح اللغة المصرية القديمة، وجد الفاحصون أنفسهم منذ البداية أمام نصوص ثلاثة متماثلة كتب أحدهما بالرموز الهيروغليفية المصرية "التي تنقش عادة على الحجارة" وثانيها صورة أخرى أكثر استعمالا لنفس الرموز تظهر عادة على أوراق البردي، وأما الثالثة فكانت بالإغريقية، وبما أن الإغريقية كانت معروفة بالفعل فقد كان الأمر أمر وقت فقط حتى تم اكتشاف غامض اللغة المصرية القديمة "أخذ ذلك فعلا أكثر من 20 سنة" وقد كانت أول خطوة في حل تلك الرموز هي فصل تلك الرموز، الدالة على الأسماء الملكية المعروفة فعلا بعد اكتشافها في الآثار الفرعونية، ثم إعادة كتابتها بمساعدة مقابلاتها الإغريقية. وإن اللغة الإترورية Etruscan المكتوبة بحروف هجائية يسهل فك رموزها والتي كانت الأصل المباشر للغات الرومانية -لم يتوصل بعد إلى حل   1 هناك عملان رائعان يمثلان أفضل الأساليب المتبعة في فك رموز اللغات غير المعروفة، وهما: 1- Extinct Languages تأليف J.Friedrick "لندن 1957". 2- Lost Languages تأليف P.E. Cleator "نيويورك 1959". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 166 مغاليقها تمامًا، نظرًا لعدم وجود نقوش مزدوجة اللغة بدرجة كافية، ومهما أمكن للعلماء الذين يعيدون تركيب اللغة داخلها أن يقولوا فإن حروفها الهجائية تعين -إلى حد ما- في معرفة ما تعنيه كلماتها. وحينما نأتي إلى وثائق متأخرة مثل النقوش الرومانية، ووثائق اللاتينية المبتذلة، المعروفة التاريخ، والمكتوبة على الرقائق تأخذ المشكلة شكلا آخر. وهنا من السهل بدرجة كافية في العادة أن تفك الرمز الهجائي وأن تحدد المعنى، أما المشكلة الرئيسية فهي إلى أي مدى تعكس النقوش أو الوثائق اللغة المتكلمة لتلك الفترة، هل ذلك القدر الكبير من الشواهد النقشية والوثائقية يعطينا صورة صادقة عن تطور اللاتينية تجاه اللغات الرومانية ويبين مراحل تحويلها إليها؟ وهنا فإن حجية الوثائق يجب أن تفحص على ضوء ما نعرفه من نقطة للبداية ونقطة للنهاية بالنسبة لكل كلمة أو صيغة، وعلى ضوء معلوماتنا المتفرقة عن الفترة المتوسطة بينهما. إن واحدًا من الأعمال الرائعة لعلم اللغة -وبخاصة فيما يتعلق بالجانب التاريخي- يكمن في مشابهته لعمل الشرطة السرية المتمثل في التقاط المفاتيح واستعمالها، وربط الجزئيات بعضها ببعض، وفي علم اللغة قد يظل السر غير مكتشف تمامًا، كما يحدث في تحقيقات الجرائم، ولكن هناك قواعد لاستخدام الشواهد، وهناك مناهج تتعلق بكيفية استعمال المفاتيح كما سيتضح فيما بعد. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 167 33- المنهج المقارن : حينما تنقصنا الشواهد الكاملة يوجد هناك منهج آخر، يمكن اتباعه، وهو منهج كان رائجًا في أواخر القرن الثامن عشر، وأوائل القرن التاسع عشر على أيدي علماء اللغة التاريخيين العظماء "مثل Jones، وBopp، وRask والإخوة Grimm". ويتضمن المنهج المقارن أساسًا وضع الصيغ المبكرة المؤكدة، المأخوذة من لغات يشك وجود صلة بينها جنبًا إلى جنب ليمكن إصدار حكم فيها بعد الفحص والمقارنة، ومن هذه المقارنة يمكن استنتاج شيئين: أولا: درجة الصلة بين عدة لغات وضعت تحت الفحص، إذا كان هناك أي صلة. وثانيًا: الشكل الذي يبدو أقرب صلة إلى اللغة الأم التي وجدت في الماضي والتي تعد الأصل المشترك لهذه اللغات، ومنها انشعبت جميعها. ولعل الباحث يكون آمنًا حين يقرر انتماء لغات متعددة إلى أصل مشترك إذا وجد بينها تماثلا كافيًا في تركيباتها النحوية ومفرداتها الأساسية، وإذا لاحظ ازدياد قربها بعضها من بعض كلما اتجهنا إلى الوراء. وإن الصورة لتبدو شيئًا كهذا: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 168   1 ذكر المؤلف في معجمه Glossary of Linguistic Terminology أن مصطلح Centum يطلق على اللغات الأوربية التي لم تتحول أصواتها الوقفية الطبقية مثل k وg إلى غارية أو لثوية في حين أن المصطلح Satem يطلق على اللغات التي تحولت بعض أصواتها الوقفية الطبقية إلى احتكاكية أو غارية أو لثوية "انظر 36 و239" وانظر: Webster's Third New Intemational Dictionary. "المترجم". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 169 وإذا نحن وضعنا -جنبا إلى جنب- كما فعل علماء اللغة التاريخيون في أوائل القرن التاسع عشر صيغًا من لغات قديمة تشكل مجموعة تظن قرابتها النسبية "السنسكريتية واليونانية واللاتينية والقوطية والسلافية القديمة والكلتية القديمة" يتضح في الحال حقيقة هامة، وهي أن تلك اللغات تشترك جميعًا في شيئين اثنين: أحدهما التراكيب النحوية الأساسية، وثانيهما المفردات البدائية، وشيء ثالث يتضح بعد الدراسة المقارنة لعديد من الكلمات التي تحتوي على فونيمات معينة؛ وهو أنه يوجد بين هذه اللغات تقابل فونولوجي فحين نجد بعضها يشتمل على صوت الـ"p" في أول الكلمة، نجد بعضها الآخر يضع مكانه صوت الـ"f" وبعضًا آخر صوت الـ"h" وأحيانا لا نجد لهذا الصوت مقابلا في بعض آخر. وقد سمح هذا -ولا شك- للغويين التاريخيين بأن يتوصلوا إلى عمل جداول توضح التقابلات الفونولوجية بين اللغات، وأن يتنبئوا -مع قدر كبير من الثقة- بأنه إذا ظهر صوت "p" في أول الكلمة في لفظ في السنسكريتية واليونانية واللاتينية، والسلافية فسيظهر في شكل "F" في الجرمانية، وفي شكل "h" في الأرمينية، وسيسقط تمامًا في اللغة الكلتية، وبالإضافة إلى قيمة هذه الجداول باعتبارها دليلا على وجود علاقات قوية بين هذه اللغات التي أطلق عليها فيما بعد اسم lndo-European فإنها تساعد كذلك على إعطاء بعض التنبؤات عن الصورة التي كانت عليها اللغة الأم، فبعد أخذ عينات مختلفة من التركيبات النحوية، وخصوصًا المتطابق منها، وعينات من المفردات اللغوية، وأخرى من الفونيمات التي تأخذ دورًا بارزًا في الكلمات المتقابلة في مختلف اللغات يمكن للباحثين أن يعيدوا تركيب اللغة الأم، ولو بصورة تقريبية على الأقل، بمظاهرها وصيغها وهي لغة لم يصل إلينا منها أي تسجيلات مكتوبة ومن الممكن حينئذ أن يقال إن المقارنة ربما تؤدي إلى إعادة بناء لغة ما، وهو -في حد ذاته- شيء له طريقته الفنية ومنهجه الخاص. وكما تؤدي الدراسة المقارنة إلى اكتشاف علاقات وطيدة بين مجموعة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 170 من اللغات فإنها تؤدي إلى استبعاد عدد آخر عن المجموعة، فهي تقرر أن الإنجليزية، والألمانية، والإسكندنافية، واللغات الرومانسية، والسلافية، واللغات الفارسية، والهندية الشمالية، واليونانية، والألبانية، والأرمينية، ولغات أخرى معينة تعرضت لانقراض منذ آماد بعيدة كلها تقع تحت المجموعة الهندية الأوربية، ولكنها -في نفس الوقت- تقصي عن المجموعة لغات أخرى مثل الهنغارية، والفنلندية، والتركية والعربية، والعبرية، والصينية، واليابانية، وعددا آخر من اللغات، ولكن كثيرا من هذه اللغات نفسها يبدو مكونا لعائلات لغوية منفصلة يمكن تطبيق القوانين المقارنة عليها، وإلى جانب العائلة الهندية الأوربية، توجد عائلات أخرى مثل العائلة الحامية السامية "المصرية القديمة, القبطية, البربرية الحديثة بالنسبة للفرع الحامي، والأكادية القديمة, الفينيقية, العبرية الحديثة, العربية, الأمهرية بالنسبة للفرع السامي" ومثل العائلة الأورالية الألطائية Ural-Altaic، وتشتمل على الهنغارية والفنلندية والإستونية بالنسبة للفرع الأورالي، والتركية والمنغولية والأوزيكية والمنشورية بالنسبة للفرع الألطائي. وعن هذا الطريق أصبح ممكنا من الناحية التاريخية تصنيف كثير من لغات العالم الهامة قديمها وحديثها، إلى عائلات. وهناك بعض اللغات التي استعصت على الدراسة المقارنة، وخصوصا تلك اللغات التي يتكلمها أناس متخلفون، والتي ليس لها صورة مكتوبة أو تقاليد تاريخية ولكن حتى مع هذه اللغات فإن الجهود الكبيرة التي استعملت المنهج اللغوي الوصفي مكنت المتخصصين أخيرا من تحقيق انتصارات باهرة في ناحيتي تصنيف اللغات وإعادة بنائها لدرجة أن معلوماتنا الحديثة عن تصنيف اللغات الهندية الأمريكية، أو لغات الإفريقيين الزنوج، ومعلوماتنا التاريخية عنها تعد معلومات خصبة غنية ما كان من الممكن تقدير الوصول إليها منذ قرن مضى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 171 34- التصنيف العائلي: اللغات الهندية الأوربية وغير الهندية الأوربية إن أهم ما نتج عن المنهج المقارن هو تصنيف اللغات وربطها بسلسلة نسبية على أسس تاريخية، إنه المنهج المقارن الذي سمح للغويين التاريخيين أن يصرحوا -في شيء كبير من الثقة- أن لغات مثل الأرمينية والحثية يجب أن تدرج ضمن اللغات الهندية الأوربية، على الرغم من التغير الكبير الذي لحقها، والاختلاط الذي تعرضنا له، وإنه كذلك المنهج المقارن الذي سمح للغوي الحديث أن يؤكد أن اللغة الإنجليزية واحدة من اللغات الهندية والأوربية من الفرع الجرماني، وليس -كما يعتقد كثير من المتعلمين غير المتخصصين- أنها خليط من الجرمانية والرومانسية. ولعل أول ثمرة من ثمرات البحث المقارن كانت السماح بعزل اللغات المنتمية إلى العائلة الهندية الأوربية، عن غيرها من اللغات التي ظهر فيما بعد أنها تشكل بذاتها عائلات لغوية أخرى، وبالنسبة للغات الهندية الأوربية فقد سمحت المماثلة بينها في بعض الظواهر التركيبية النحوية الأساسية، والمفردات الضرورية, ونظام التقابلات الصوتية المطردة سمحت بخلق إحساس بقرابتها. ولكن ظهر من ناحية أخرى -وعن طريق الملاحظة- أن اللغات الشمالية الباقية حتى العصر الحاضر "الكلتية، والجرمانية، والإيطاليقية، واليونانية، والألبانية، والبلطية السلافية، والأرمينية، والهندية والإيرانية" تشكل فيما بينها مجموعتين اثنتين رئيسيتين على أساس الاختلاف الصوتي المعين بينها. فاللغات الكلتية والجرمانية والإيطاليقية، وبوجه عام اليونانية والألبانية توجد فيها -تحت ظروف معينة- أصوات طبقية، وينضم إليها في ذلك اللغة الطخارية المنقرضة، في حين أننا نجد اللغات البلطية السلافية، والأرمينية، والهندية والإيرانية تشتمل على حروف صفيرية في نفس المواقع. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 172 وقد أدى هذا إلى تصنيف ثان لتلك العائلة الهندية الأوربية إلى مجموعتين هما Satcm Languages، وCentum Languages، مع الزعم بأنه في عصر ما قبل التاريخ وجد قسمان من المتكلمين الأصليين للغات الهندية الأوربية يمثل أحدهما الجزء الشرقي، والآخر الجزء الغربي. ومع أن هذه النظرية قد عدلت مؤخرا حينما اكتشف أن اللغة الطخارية التي تعتبر جغرافيا من اللغات الهندية الأوربية الشرقية ترتبط بالمجموعة اللغوية المسماة Centum فإنها ما تزال صالحة للاستعمال، لأنها -على الأقل- تمدنا بأساس معقول ومناسب للتصنيف اللغوي. وقد كان التوصل إلى بعض المشابه -عن طريق المقارنة- بين مجموعتين أو مجموعات من اللغات، واكتشاف اشتراكها -دون غيرها- في بعض السمات سببًا في ظهور نظريات أخرى، وعلى سبيل المثال توجد نظرية تقول بأصل موحد للمجموعتين الإيطاليقية والكلتية يمتد إلى ما وراء فترة انفصال اللغات الغربية، وقد أسست هذه النظرية على ما لوحظ من أن كلتا المجموعتين تنقسم إلى قسمين فرعيين يمكن أن يسمى أحدهما مجموعة p والآخر مجموعة1 q. وهناك ظواهر مماثلة ساعدت على تكوين نظريات تقول بوحدة اللغات الجرمانية السلافية في وقت ما، وحتى على القول بوجود انقسام في المجموعة الإيطاليقية مع الأسكانية والأمبرية التي تبدو فيها خصائص مشتركة مع الجرمانية، وقد يؤدي هذا باللاتينية والفالسكانية إلى أن تشكل بنفسها مجموعة الإيطاليقية مع احتمال إضافة الصقلية القديمة. ولكن النتائج الحاسمة في الموضوع تبدو مفتقرة إلى البرهان، في حدود الشواهد التي في أيدينا، رغم أن هذه النظريات تشكل موضوعات هامة للمناقشة.   1 في المجموعة الإيطالية تملك اللاتينية quis وquinque ولكن الأسكانية تملك في مقابلهما pis وpumpe "بمعنى من وخمسة". وفي المجموعة الكلتية تملك الأيرلندية cuig وceathair ولكن الويلزية تملك في مقابلهما pump وpedwar "بمعنى خمسة وأربعة". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 173 وفي فترة متأخرة كان للطريقة المقارنة الفضل الكبير في نسبة الخط المينوي Minoan المسمى Linear B inscriptions إلى العائلة الإفريقية مع افتراض أنها تمثل صورا مبكرة للنقوش الإغريقية "حوالي 1400 ق. م" أكثر قدما من قصائد هوميروس "800 ق. م" التي كان ينظر إليها حتى ذلك الوقت باعتبارها أقدم أمثلة مسجلة للإغريقية، وإن الاكتشافات الحديثة التي تتم من وقت لآخر تخضع هي الأخرى للدراسة المقارنة، وتتكون نظريات جديدة على أساس نتائج هذه المقارنات، ومن الملاحظ أنه في بعض الأحيان تؤيد الشواهد الجديدة نظرية قديمة لم تكن مؤكدة "كما حدث في دراسة العالم Kurilowicz للأصوات الحنجرية للغة الحثية التي أيدت نظرية Do Saussure القديمة أن كل الجذور الهندية الأوربية تفضل القالب: ساكن, علة, ساكن" ولكن في بعض الأحيان تختلف الشواهد الجديدة مع النظرية القديمة. ومن بين كل العائلات اللغوية تعد اللغات الهندية الأوربية هي المجموعة الوحيدة التي لاقت عناية كبيرة حتى الآن، وعليها أسست نظريات، ومنها استخلصت نتائج تعتبر أكثرها دقة وصوابا، ويرجع ذلك لسببين هامين: أحدهما تيسر المادة المبكرة المسجلة التي سمحت بعمل مقارنات شاملة، أما الثاني فهو طبيعة الاهتمام الذي حف بتلك اللغات نظرا للكثرة الكثيرة من المتكلمين بها "حوالي نصف سكان العالم يتكلمون لغات من أصل هندي أوربي"، وللدور الكبير الذي لعبه المتكلمون بها في ميدان الحضارة العالمية. ويليها في درجة العناية، ويقاربها في مدى قدم النصوص المسجلة "في الحقيقة ترجع هذه المسجلات اللغوية إلى فترة زمنية أسبق من اللغات الهندية الأوربية"، وفي الأثر الذي لعبته في الحضارة الإنسانية "ولكن ليس في عدد المتكلمين" اللغات الحامية السامية Hamito-Semitic "بالإضافة إلى فرع ثالث هو الكوشية المتكلمة في أثيوبيا والأماكن المجاورة"، وتتمثل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 174 اللغات الحامية في المصرية القديمة والقبطية الحديثة والبربرية "من بين اللهجات البربرية المستعملة الآن اللهجة الطوارقية ولهجة الشلحا وكلتاهما موجودة في الشمال الإفريقي، وكذلك لهجة جزر الكناري التي بادت الآن" ومن المعتقد أنه في وقت ما كانت اللغات الحامية تغطي كل إفريقيا الشمالية، وكانت تتكلم في كل من ليبيا ونوميديا، إلى أن حل محلها جزئيا لغات سامية وفدت أولا على أيدي الفينيقيين "فينيقيي قرطاجة القديمة" ومؤخرا على أيد العرب. أما الفرع السامي لهذه العائلة فله أعضاء قديمة متميزة مثل الأكادية "لسان البابليين والآشوريين" والفينيقية "بفرعها القرطاجي أو البونيقي" والعبرية "وكذلك اللغات المتصلة بمناطق الكتاب المقدس مثل الآرامية والسريانية والمؤابية" العربية والأمهرية والتيجرية المتكلمة في أثيوبيا والمصدرة في الغالب من الجنوب العربي وهنا مرة أخرى بسبب كثرة المواد التاريخية المسجلة فإن الدراسة المقارنة قد توصلت إلى تصنيف دقيق لتلك اللغات، ووصف لها. وإن فقه اللغة الحامي السامي بدافع من الاهتمام التاريخي العام قد أصبح من الناحية العلمية على قدم المساواة في الأهمية مع اللغات الهندية الأوربية. أما بالنسبة للعائلات اللغوية الأخرى فإن الدراسات التاريخية أكثر صعوبة، هناك فقط العائلة الصينية التبتية التي لها تاريخ قديم، وحضارة عريقة تعد على قدم المساواة -على الأقل- مع اللغات الهندية الأوربية، والحامية السامية. ولكن بالنسبة لهذه العائلة يوجد عيب كبير قلل من إمكانية الدراسة التاريخية أو العقلية ولكن الآن -وباستخدام البراعة والمهارة الاستنباطية- أمكن للباحثين أن يصلوا إلى بعض النتائج الهامة، مثل إعادة تركيب الصينية القديمة، واللغات اللصيقة بها مثل التايلاندية، والبورمية، والتبتية، وذلك من خلال معاجم القافية -إلى حد كبير- والألفاظ المقترضة منها في اليابانية والكوربة، وهناك الجزء: 1 ¦ الصفحة: 175 شيء مماثل كان يجب التوصل إليه بالنسبة للفرع الياباني الكوري، ولكن النتائج حتى الآن تافهة، أما اللغات الأورالية والألطائية فتعد مسجلاتها اللغوية متأخرة، نوعًا، كما هو بالنسبة للغات القوقازية ولغات إندونيسيا والفليبين ومدغشقر وساموا ونيوزلاندة وهاواي، أما بالنسبة للعائلة الدرافيدية الموجودة في جنوبي الهند فما تزال الشواهد غامضة وفي حال اللغات الهندية الأمريكية يعتبر الوصول إلى مادة مكتوبة مسجلة أمرا لا أمل فيه، وكذلك الحال بالنسبة لزنوج إفريقية ولغات المواطنين الأستراليين الأصليين واللغات البابوانية، وإلى جانب هذه الندرة في المادة المسجلة يجب أن نضيف عاملا آخر وهو نقص الإحساس بالأهمية الذي ظل مسيطرًا حتى الآن على دراسة تلك اللغات التي قامت بدور صغير أو لم تقم بأي دور في الحضارة الأوربية التي كان -وما يزال- يعتقد، سواء كان ذلك حقًا أو باطلا، أنها الحضارة العليا. وعلى الرغم من أسبقية علم اللغة التاريخي في ميدان البحث اللغوي, ومن التقدم المطرد الذي أمكن تحقيقه خلال القرنين الماضيين فما زالت هناك جهود ضخمة يمكن بذلها حتى بالنسبة لتلك اللغات التي لاقت اهتمامًا كبيرًا. فإن هناك اكتشافات جديدة لكتابات مسجلة ما تزال يتوصل إليها، ويجب كلما اكتشفت شيء من ذلك أن يعاد النظر في النتائج المقارنة السابقة، التي كان بعضها فرضيا، ويدخل عليها من التعديلات ما هو ضروري بعد الاستفادة من تلك الشواهد الجديدة، وحينما يكون الحصول على مادة مكتوبة -بالنسبة للغات القديمة- غير متيسر يتجه البحث المقارن إلى اللغات الحية، ويأخذ قيمة كبيرة وهنا نجد المنهجين التاريخي والوصفي يدخلان في شكل انسجامي تعاوني مثمر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 176 35- منهج لإعادة البناء الداخلي للغة : يحاول اللغوي "إعادة البناء الداخلي" للغة عن طريق الدراسة المقارنة حينما يجد إلى ذلك سبيل، ولكنه في حالات أخرى يقوم، بمحاولته دون ما مقارنة، ففي دراسة اللغة الإترورية -على سبيل المثال- أمكن اللغوي من غير الإفادة من ازدواجية اللغة -كما في حجر رشيد- أو دون الاستعانة بلغة أخرى مشابهة أمكنه الاهتداء، بدرجة ما من اليقين، إلى حقائق لغوية عن اللغة الإترورية نفسها وكيفية استعمالها للكلمات، وما يستخدم من هذه الكلمات كأسماء، وما يستخدم كأفعال أو صفات، وحتى أمكنه الوصول إلى نتائج تتعلق بالنظام الإعرابي، والنهايات التصريفية، وأواخر الأفعال، ولكن هذه المحاولات لا تكفي لإلقاء الضوء على اللغة، كما يحدث لو كانت معاني الكلمات معروفة أيضًا، وإن كانت تمثل بداية على الأقل. وفي بعض الأحيان تستخدم إعادة البناء الداخلي، والتاريخ الداخلي للغة بطريقة بارعة للكشف حتى عن بعض النقاط الغامضة في بعض اللغات المعروفة لنا جيدًا، إن كمية الصوت "e" اللاتيني في Lectus وفي téctus لا تدل عليها الطريقة الكتابية للهجاء الروماني التي نادرًا ما تبين طول العلة، كما لا تدل عليها طريقة تقطيع الشعر اللاتيني التي عادة ما تحل مشاكلنا حول هذه النقطة إن التقطيع الشعري اللاتيني يتبع الكمية، ولكنها كمية المقطع لا العلة هي التي تؤثر "يكون المقطع طويلا إذا احتوى على علة طويلة، ولكنه يكون طويلا كذلك إذا احتوى على علة قصيرة متبوعة بساكن أو أكثر في نفس المقطع". وإن التطور الرومانسي -على كل حال- يبين أن lit الفرنسية وletto الإيطالية تشتمل على "e" المفتوحة، وهذا الناتج يتحصل عليه عادة إذا كانت على "e" قصيرة في اللاتينية، ولكن toit الفرنسية وtotto الإيطالية تشتمل على "e" المغلقة، وهذا الناتج يتحصل عليه عادة إذا كانت "e" طويلة في اللاتينية، فنحن إذن قادرون بكل ثقة أن ندعي أن lectus اللاتينية تحتوي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 177 على "e" القصيرة وأن téctus تحتوي على "e" الطويلة، وربما كان من الممكن تأكيد هذه النتجية عن طريق مقارنة الكلمات اللاتينية بكلمات مقاربة في لغات أخرى في نفس عائلة اللغات الهندية الأوربية، ولكن ذلك ربما جرنا إلى دراسات مقارنة لسنا في حاجة إليها، إذ يمكن حل مشكلتنا عن طريق الدليل الداخلي وحده في اللاتينية وسلالاتها. وقد استعمل دي سوسير إعادة التركيب اللغوي عند إثبات وجود صوت ساكن ثان مضمحل للجذور اللاتينية التي تحتوي -بصورة استثنائية- على ساكن واحد "النموذج العادي للجذر اللاتيني هو ساكن, علة, ساكن"، وقد وجدت مؤخرًا، بعد اكتشاف اللغة الحثية، "عضو بائد من العائلة الهندية الأوربية" صورة منعكسة لهذا الساكن المضمحل مؤكدة صحة الفرض القديم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 178 36- تاريخ اللغات والإحصاء المعجمي : وهنا لدينا نظام منهجي يهدف إلى أن يدلنا عند أي فترة تاريخية تباعدت لغتان قريبتان، وذلك عن طريق أخذ عينات مختلفة من مفرداتها كما تظهر الآن وعمل تخطيط يبين مقدار الكلمات التي ما تزال مشتركة بينهما، مع تطابق المعنى أو اختلافه، والكلمات المختلفة وبعد هذا -مع الاستعانة بعمليات إحصائية حسابية معقدة نوعًا- يمكن الوصول إلى تحديد الطول الزمني الذي استغرقته هذه اللغات حتى وقع بينها الاختلاف. ولكن مشكلة هذا المنهج أنه ذاتي إلى حد كبير وغير دقيق، ومنذ البداية واجهنا السؤال الحائر: ماذا يمكن أن تمثل كمية معقولة من العينات الكلامية؟ ومن سيكون الحكم في اختيار أنواع معينة من الكلام واستبعاد أنواع أخرى؟ وشيء ثان هو: أي أساس نملكه حتى نزعم أن الاختلافات الحادثة فعلا تتفق في وقتها مع الزمن الذي نقدره؟ اللهم إلا إذا أمكننا أن نأخذ نفس المفردات، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 178 ونعقد مقارنات بينها على طول التاريخ الطويل للغتين وإن معاني الكلمات تتغير دائما، بشكل ملحوظ، فإذا حدث وظلت الكلمة حية في اللغتين فأي درجة من التغير الدلالي سوف نقبلها، باعتبارها تشكل اختلافًا كافيًا يسمح لنا أن نقول إن الكلمتين لم تعودا بعد متقاربتين، ويجب أن توضعها في عمود السوالب لا في عمود الموجبات، أضف إلى ذلك أن جامعي الإحصاءات المعجمية عادة ما يكشفون عن جهل مؤسف باللغات التي يعالجونها، وبتطورها التاريخي، وحتى بمركزها الحاضر. ولم تؤخذ في الاعتبار -من الناحيتين المادية والمنهجية- مرحلة الحضارة التي أمكن اجتيازها وقت انفصال اللغتين، وأنه من الشائع على الألسن -على سبيل المثال- أن يوجد اتفاق بعيد المدى في معاني الكلمات بين اللغات الرومانسية أكثر منه بين اللغات الجرمانية، وقائل هذا يعلله بأنه يعود إلى أن اللغات الرمانسية تلتقي في تمثيلها لقدر مشترك من الحضارة الرومانية، بينما الجرمانية قد انفصلت لغاتها، في وقت كانت ما تزال فيه في درجة متأخرة، ونتيجة لهذا فإن كلمة pedicure أو بعض الصيغ الأخرى المماثلة ستكون مشتركة بين اللغات الرومانسية كلها، بينما كلمة Fusspflege الألمانية لا تحمل معنى عند المتكلم الإنجليزي، على الرغم من أنه يملك في لغته المقابل الاشتقاقي للعناصر الألمانية وهي foot وply. وهناك مجال لإعطاء هذه الدراسة طابعًا علميًا، ولكن هذا قد يستدعي دراسة مقارنة تفصيلية لكل الملامح الموجودة في لغتين أو أكثر، سواء كانت صوتية أو صرفية أو نحوية أو معجمية، فإذا طبق هذا المنهج الدقيق فإننا سنجد أمامنا -كمعاملات عددية numerical coefficients- درجات الاختلاف التي أدت إلى انشعاب لغة من أخرى، وبذلك نكون قادرين على أن نحكم -مثلا- بأن اختلاف اللغة السردينية عن اللاتينية القديمة أقل بكثير من اختلاف اللغة الرومانية عنها، إننا قد نعرف بالضبط -باستخدام الطريقة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 179 العددية- درجة اختلاف كل واحدة من اللغتين عن اللغة الأم، وربما أمكننا أن نصل كذلك إلى معرفة درجة العلاقة الحاضرة بين الفرعين اللغويين الحديثين. وهذه النسب المئوية قد يمكن حينئذ تشغيلها بمساعدة حقائق تاريخية معروفة لترتيب الأحداث تاريخيًا، ولكن ما دامت الوسيلة التطبيقية المتبعة الآن -كما كان الحال في الماضي- طريقة تتعرض الإصابة والخطأ، لأنها تعتمد أكثر ما تعتمد على واحد أو أكثر من الظواهر التي حدث وأثارت مخيلة اللغوي، بينما تغفل في الواقع كل العوامل الأخرى -فستظل لا تخدم أي غرض، ولا توصل إلى نتيجة سوى إثارة الجدل والنقاش. وإن التاريخ اللغوي، والإحصاء المعجمي ليعدان فحسب آخر مظهر للمناهج غير العلمية في أساسها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 180 القسم السادس: علم اللغة الجغرافي "اصطلاحات ومصاعب رئيسية" . 37- وظيفة علم اللغة الجغرافي : إن علم اللغة الوصفي يختص أساسًا بدراسة اللغة من الناحية التجريدية، ويوصف لغات معينة من النواحي الفونيمية والصرفية والنحوية والمجمية، أما علم اللغة التاريخي فيعالج تطور اللغة أو اللغات، وإعادة بناء اللغات الأم المفترضة على أساس الدراسة المقارنة للملامح الموجودة في اللغات المتفرعة عنها. ولا واحد من هذين الفرعين التقليديين، يعد من وظيفته الأساسية دراسة لغات العالم اليوم، وعلاقاتها الجغرافية، وتوزيعها على خريطة العالم، وبيان أهمية كل من النواحي السياسية والاقتصادية والثقافية. وقد نالت هذه المشكلات شيئًا ضئيلا من الاهتمام حين عولجت في بعض الكتيبات الحديثة خلال تناولها لبعض المسائل اللغوية التاريخية أو الوصفية. صفحات قليلة -لا تتجاوز فصلا واحدًا في العادة- قد خصصت لبيان عدد المتكلمين اليوم بكل لغة، ولدراسة توزيع اللغات في العالم، وأحيانًا ما تجد المعلومات عن هذا الموضوع موزعة في فصول متعددة من الكتاب، كأنها شيء عرضي أو ثانوي بالنسبة لتركيب اللغة نفسها، أو لتطورها التاريخي، ونادرًا -إن لم يكن معدومًا- ما يشار إلى تلك الملامح والسمات ذات الأهمية العلمية العظمي، ليس فقط بالنسبة للغويين المتخصصين، ولكن أيضًا بالنسبة للشخص. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 183 المتعلم العادي1. وإن موضوع علم اللغة الجغرافي الذي يشمل لغات العالم بأسرها نادرًا، إن لم يكن معدومًا ما يعالج في منهج دراسي عادي في مرحلة الدراسة العالية أو الجامعية، التي تتناول اللغات معزولا بعضها عن بعض، ولا تلي بالا إلى غير القواعد النحوية، والقضايا الأدبية، ومن أجل هذا فإن الشخص المتعلم العادي كثيرا ما يخرج من دراسته العالية إما بتصور خاطئ أو مبالغ فيه عن أهمية لغة أو أكثر من اللغات الأجنبية التي درسها، وإما بجهل فاضح بالدور الذي تلعبه لغات أخرى متنوعة في عالمنا اليوم. وربما كان هذا مقبولا فيما مضي حين كانت الجنسيات المختلفة -وخصوصًا الغربية منها- تعيش حياة منعزلة نوعًا عن غيرها، أما الآن ونحن في أواخر القرن العشرين فلا يمكن قبول هذا بعد أن تقدمت وسائل الاتصال   1 إذا أخذنا سبعة من الكتب في الحقلين الوصفي والتاريخي كنموذج لهذا الإهمال نجد النسبة لما يمكن أن يعتبر -ولو لقدر بسيط من علم اللغة الجغرافي- كالآتي: أ- كتاب Bloomfield المسمى Language نجد فيه الصفحات: 57-73، 281-296، أي 31 صفحة من 564 صفحة. ب- كتاب L.H. Cray المسمى Foundation of Language لا نجد فيه شيئا، أو من ص295-418 بشيء من التجوز، أي 123 صفحة من 530 صفحة. جـ- كتاب Sturtevant المسمى An Introduction to Linguisic لا نجد فيه شيئا مع أنه يبلغ 173 صفحة. د- كتاب Hockett المسمى Course in Modern Linguistics نجد فيه الصفحات 539-549, 587-598، أي 22 صفحة من 621 صفحة. هـ- كتاب Gleasson المسمى Introduction to Descriptive Linguistcs نجد فيه الصفحات من 408-438, 457-479، أي 54 صفحة من صفحة 503. و كتاب Lehmann المسمى Historical Linguistics من صفحة 17-50 أي 22 صفحة من 295 صفحة. ز- كتاب Hughes المسمى The Science of Language من صفحة 73-144 أي 71 صفحة من 305 صفحة. ولا يتفق مع منهجنا في علم اللغة الجغرافي سوى أول هذه الكتب وآخرها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 184 والالتقاء، وقربت المسافات إلى أقصى مدى ممكن، وحصل تبادل في الثقافة ووسائل التجارة، وأصبح أي اضطراب سياسي في مكان ما لا يؤثر فقط على بلد واحد أو منطقة واحدة، وإنما ينعكس في مناطق بعيدة من العالم. إنه ليس مقبولا أو مستساغا الآن أن يعتقد شخص مثقف أن اللغة الإسبانية هي المتكلمة في البرازيل1, وأن يتحير أمام صحيفة معروضة في محل لبيع الصحف أهي مكتوبة بالروسية أم البولندية2, وهناك حاجة ملحة الآن لوضع تعليمات يمكن أن تمد دارسي اللغات بمعلومات أقل ما تحويه، تعريفهم باللغات الرئيسية في العالم، ومكانها على الخريطة، ومن المتكلمون بها، وما عددهم، وما قيمتهم من الناحية السياسية والاقتصادية والثقافية، ومن غير أي جهد لتحويل الدارس إلى متكلم باللغات الرئيسية -الأمر الذي يعد مستحيلا بشكل واضح- فإن هذا النوع من الدراسة سوف يزوده على الأقل بالسمات الهامة لتلك اللغات من ناحيتيها المتكلمة والمكتوبة، بقصد التعرف على كل، إن لم يكن هناك قصد آخر. هذا النوع من المعلومات -ذو الطابع العملي بدرجة كبيرة- يشكل الأساس لعلم اللغة الجغرافي في معناه العام الأولي. إنه لمن الأهمية بمكان للمتعلم الجامعي -على الأقل- أن يعرف أن البرتغالية تتكلم في البرازيل، وأن الصينية -بلهجاتها المتعددة- تملك أكثر من 600 مليون متكلم، وأن الألمانية والروسية -أكثر من الإنجليزية والفرنسية- يمكن أن تستعملا الآن كلغات بديلة في المجر، وفي تشيكوسلوفاكيا، تمامًا كما هو هام أن يعرف الفرق بين الصوت والفونيم، أو يعرف أن اللغة الرومانية متفرعة عن اللاتينية، وأن اللاتينية متفرعة بدورها عن الأسرة الهندية الأوربية، أما في معناه العلمي المعقد فإن علم اللغة   1 اللغة المتكلمة هي البرتغالية لا الإسبانية. 2 مثل المؤلف هذا السؤال من شخص مثقف ثقافة عالية جدا، يعرف من اللغات اللاتينية واليونانية والفرنسية والألمانية والإيطالية. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 185 الجغرافي يتناول -في تفصيل- لغات المناطق المتنوعة على وجه الأرض، وكيف يمكن الاستفادة منها، أو إحلال غيرها محلها، وماذا تمثل من وجهة النظر العملية للرجل العسكري، والموظف الحكومي، والباحث العلمي، والفني والمبشر، وقوات الأمن الدولية، ولسرعة تحركات هذه الطبقات ونحوها فإنه لا يكفي أن يعرف الفرد منهم معلومات سريعة عن لغات منطقة معينة1. إنهم يجب أن يلقنوا بعض معلومات عن لغات مناطق أخرى، ربما تعرضوا للانتقال المفاجئ إليها، وأهم من هذا ضرورة إعداد دراسات مفصلة، وعمل إحصاءات عن اللغات، والأمية، والمركز التعليمي لمناطق العالم المختلفة، وكذلك إعداد علماء لغة جغرافيين مدربين يمكنهم أن يسايروا التطورات السريعة المتوقعة في هذا الحقل، وهذه المعلومات أكثر فنية مما قد يبدو للنظرة السطحية، ولا يمكن أن تكتسب بين يوم وليلة، وهذه الدراسة ليست تابعة، إلا من بعض جوانب غير مباشرة لعلم اللغة التاريخي، أو الوصفي، ولكنها تشكل حفلا خاصا بنفسها. وبينما نجد بعض مصطلحات علم اللغة الجغرافي تتفق مع مصطلحات علم اللغة الوصفي أو التاريخي، فهناك مصطلحات كثيرة نادرًا ما تستعمل في الأعمال اللغوية التقليدية. مصطلح اللغة الأهلية أو البلدية indigenous language يطلق على اللسان المتكلم الشائع الاستعمال في منطقة معينة مثل البنجالي في الجزء الشمالي الشرقي من الهند، والجزء الشرقي من باكستان، إنها ربما تتطابق أو لا تتطابق مع اللغة الوطنية national language أو الرسمية official language.   1 ضابط في الجيش وثيق الصلة بالمؤلف عين في المملكة العربية السعودية، وأخبر بضرورة تعلمه اللغة العربية في مدرسة اللغات تابعة للجيش الأمريكي، وقبل مضي شهرين على هذا الأمر ألغي الأمر السابق وصدر الأمر بإرساله إلى كوريا، وقد أمر من أجل ذلك بترك تعلم اللغة العربية، والالتحاق بفصول اللغة الكورية. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 186 اللغة الأولى هي اللغة الشائعة الاستعمال بين جميع أفراد الأمة، مثل اللغة الإنجليزية في الولايات المتحدة، الأمريكية، أو التي تحاول الحكومة الوطنية أن تجعلها كذلك، مثل اللغة الهندية في الهند، أو التانحالوغية في الفليبين، إذ كل منهما في الحقيقة لغة لفريق من المواطنين، ولكن تحاول الحكومة أن تفرضها على سائر أفراد الشعب، إنها ربما كانت أيضًا لغة لا تجد إلا تأييدًا حكوميًا قليلا ولا يحتاج إليها في الوثائق الرسمية أو النقوش وذلك مثل اللغة الرومانشية في سويسرا. أما اللغة الرسمية فهي تلك التي تستعمل في الوثائق الرسمية، وفي المقابلات على المستوى الحكومي "الألمانية والفرنسية والإيطالية تعد لغات رسمية في سويسرا، والفرنسية والفلمنكية في بلجيكا، والإنجليزية، والأفريكانية في جنوب إفريقية، والفرنسية والإنجليزية في كندا" واللغة الرسمية ليست بالضرورة اللغة الأهلية للمنطقة بأسرها، بل ربما لم تكن لغة أهلية على الإطلاق "مثل الإنجليزية في بورتوريكو التي تعد رسمية هناك مع الإسبانية". وصورة اللغة الرسمية والوطنية دائمة التغير في حين أن اللغة الأهلية -على الرغم من تعرضها لتغيرات طويلة الأجل -أكثر استقرارا بدرجة ملموسة. فالأردية في شرق باكستان -على سبيل المثال- كانت اللغة الرسمية الثابتة، ولكن البنجالية هي اللغة الأهلية "الأردية هي اللغة الأهلية في غرب باكستان"، ونتيجة لفتن أهلية أصبحت البنجالية لغة رسمية بالاشتراك مع الأردية. وقد خلق استعمار القرون الماضية ما يسمى باللغات الاستعمارية colonial languages، أو colonizing languages، أو لغات الاستعمار languages of colonization التي تطلق على اللغات الرسمية الأساسية في المناطق المحتلة بقوات استعمارية. وبهذا المعنى أصبحت الإنجليزية اللغة الاستعمارية والرسمية في الهند فارضة نفسها على اللغات الأهلية المتعددة وتظل اللغة الاستعمارية المفروضة superimposed حية حتى بعد اختفاء القوة الاستعمارية وكثيرا ما تظل لغة رسمية، أو واحدة من اللغات الرسمية للبلد الحديث الاستقلال ومن أمثلة ذلك اللغة الإنجليزية في نيجيريا، وغانا، واللغة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 187 الفرنسية في الأمم الجديدة التي خرجت عن الوصاية الفرنسية في أفريقيا. وهناك نوع أكثر غموضًا وخفاء حيث تفرض اللغة كلغة منطقة area "or regional" language كما فعلت الروسية في شرقي أروبا، وكما فعلت الفرنسية أو الإنجليزية في مناطق متنوعة من العالم، حيث لا يعد أي منها لغات أهلية أو رسمية، وفي هذه المناطق تميل اللغة الأهلية إلى أن تكون لغة تابعة satellite language وتتعرض لكل أنواع التأثير من اللغة السائدة حيث تفترض منها كلمات وتعبيرات وتركيبات، ولكن مع احتفاظها باستقلالها ومركزها كلغة منفصلة. وهذا يوجد غالبًا ما يسمى بمنطقة النفوذ اللغوي linguistic sphere of influence حيث يكون لسان المجموعة الغالبة متكلما ومفهومًا بشكل واسع، ويؤثر في مجموعة اللغات التابعة. وفي بعض الأوقات تصبح لغة المستمر لغة رسمية، وربما أيضًا وطنية وأهلية عن طريق ما يعرف بالإحلال اللغوي linguisic replacement وقد حدث هذا بالنسبة للغة الإنجليزية في أمريكا الشمالية، وأستراليا ونيوزلاندة، وبالنسبة للغة الفرنسية في الأقاليم الكندية بمنطقة كوبيك، وبالنسبة للإسبانية، والبرتغالية جنوب ريوجراند، وحينئذ فإن اللغات الأهلية الأصلية، ربما تميل إلى الاختفاء وربما عاشت في حالة وجود سلمي أو تكاملي مع اللغات الجديدة، مثل لغة Quichua في بيرو وAymara في بوليفيا، Tupi-Guarani في باراجواي، ونادرًا ما يحدث أن تندمج اللغتان في لغة واحدة على أساس متعادل، وإن كان المعتاد حدوث اقتراض شامل للكلمات والصيغ من كلام الجانبين، وربما ينتج عن ذلك خلق لغة مشتركة مبسطة أو مهجنة pldgin أو creole language حيث تسيطر اللغة المتولدة، ولكن مع خضوع ملحوظ للعادات الكلامية للسكان الأصليين، وربما كانت عملية التوصيل إلى لغة مشتركة مبسطة، أو لغة مهجنة تسير ببطء شديد، كما حدث مع لغة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 188 الأفريكانيين في جنوب إفريقيا، التي ما تزال أساسا الهولندية، وربما كانت العملية ملحوظة التقدم، كما في اللغة الإنجليزية الميلانيزية المبسطة، أو الفرنسية الهاييتية المهجنة، وربما يصيب اللغة المهجنة نوع من عدم الاستقرار، فتصبح لغة وطنية، ولغة رسمية، كما هو الحال بالنسبة للغة الأفريكانية والمالطية "أساسًا عربية ولكن مع تأثيرات إيطالية كبيرة" وربما كان أدخل في عدم الاستقرار اللغة المخلطة للمهاجرين أو المجنسين، الجدد، التي تميل عادة إلى الاختفاء بعد جيل أو جيلين، مثل الإيطالية، والييدية وغيرها من لهجات المهاجرين immigrant dialects في الولايات المتحدة الأمريكية، وفي هذه الأنواع يتم عادة خلق صيغتين كلاميتين منفصلتين، ولكن غير ثابتتين إلى حد كبير، أولاهما لغة المهاجرين الأصلية المحرفة، عن طريق إضافة أعداد هائلة من الكلمات والتعبيرات المأخوذة من لغة البلد المستضيف، ولكن مع الاحتفاظ بنماذجها الفونيمية الأصلية، وتطويع الكمات والتعبيرات المقترضة لنظامها الصوتي، أما ثانيهما فلهجة المهاجرين التي يساء فيها نطق لغة البلد المستضيف، وربما يساء استخدامها بوجه عام، ويتم الاستعياب والامتصاص absorption حينما يتأتى للجيل الثاني أن يتمكن من لغة البلد المستضيف، ويستخدمها كلغة أهلية أو بلدية، ولكن الامتصاص قد ينتج آثاره أيضًا حينما ينتقل السكان الأصليون إلى لغة الاستعمار، كما حدث مع أناس كثيرين من أصل هندي في أقطار مثل المكسيك والبرازيل الذين لا يتحدثون الآن سوى الإسبانية والبرتغالية، كذلك ربما يعمل الامتصاص عمله بطريقة عكسية، كما حدث مع القوط أو الفرنكيين المتكلمين بالجرمانية حينما دخلوا الإمبراطورية الرومانية، فتحولوا إلى متكلمين باللغة اللاتينية العامية والرومانسية القديمة، ولكن مع مساهمتهم الفعالة في تنمية المادة اللغوية الرومانسية، والنورمانديون المتكلمون بالفرنسية قد امتصوا بنفس الطريقة داخل المجموعة المتكلمة باللغة الإنجليزية في القرون التي تلت الغزو النورماندي، على الرغم من أنهم تركوا آثارهم الملحوظة في الطور الذي لحق اللغة الإنجليزية بعد ذلك. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 189 أما مصطلح اللغة المقدسة liturgical tongue فيستعمل عادة في الطقوس الدينية مثل اللغة اللاتينية في المناطق الكاثوليكية الرومانية، ومثل هذه اللغة تؤثر بعمق في اللغة المتكلمة بهذه المنطقة، حيث يظهر مفعولها في شكل كلمات وصيغ وتعبيرات كثيرة، واللغة العربية باعتبارها لغة القرآن المقدسة تتكلم وتفهم على شكل واسع في البلاد المسلمة التي لا تتكلم اللغة العربية مثل إيران وباكستان. وكثيرا ما تبرز لغة ما نتيجة لقيمتها الثقافية، وبهذا نجدها تدرس وتستعمل في بلاد لا تتخدها لغة بلدية، وإن مكانة اللغة الفرنسية لمعروفة جيدا باعتبارها لغة دبلوماسية، ولغة ذات ثقافة عامة في معظم أنحاء العالم، وعلى امتداد فترات طويلة تبلغ قرونا عديدة، وعلى الرغم من أن نفوذها ربما كان لبعض الوقت راجعا إلى نفوذها السياسي أو العسكري فإن مكانتها اليوم ثقافية محضة. واللغة الفارسية مثل الفرنسية -في كثير من البلاد الإسلامية- حيث تتخذ لغة ثقافية Cultural language وغالبا، ما تمتزج الصفات المقدسة والثقافية لدرجة يصعب معها تخليصهما بعضهما من بعض، وقد بدأت اللغة اللاتينية كلغة مفروضة نتيجة الاستعمار، ثم أصبحت لغة أهلية في الجزء الغربي من الإمبراطورية الرومانية، واستمرت لغة مقدسة وثقافية مدة طويلة بعد سقوط الإمبراطورية، وما تزال حتى الآن تستعمل بهاتين الصفتين. واللغة الوسط Koine or compromise language هي تلك الصيغة التي تحوي ملامح من لهجات عدة متصلة، والتي تبرز في النهاية كلغة بلدية ورسمية. وإن اللهجات اليونانية القديمة قد تبلورت عن لغة وسط استعملت في الفترة اليونانية الكلاسيكية المتأخرة، وخلال آلاف السنين في الإمبراطورية البيزنطية. وإن اللغة النموذجية الأدبية الإيطالية قد انبثقت عن نفس الطريق، وربما وصف كذلك بأنها لغة وسط، ومثل هذا قد يصدق على لغة الباهاسا في الجزء: 1 ¦ الصفحة: 190 إندونيسيا، التي تعد الآن لغاة رسمية للجمهورية الإندونيسية، حالة محل لغة أقدم كانت تستعمل بصفة غير رسمية في مسائل التجارة، وهي لغة الملايو "وكانت أحيانا ما تسمى بلغة السوق الملايي". ومفهوم المصطلحات: اللغة الأساسية primary، والثانوية Secondary والمساعدة auxiliary، والبديلة Substitute ضرورية في علم اللغة الجغرافي التطبيقي، إن اللغة الأساسية لبلد إنما هي في العادة لغتها البلدية والوطنية والرسمية، إنها اللغة التي تتمتع باعتراف الحكومة، والتي تستعمل في الوثائق والاتصال، إلى جانب تعليمها في المدارس، ولكن غالبا ما توجد لغة ثانوية يعرفها جمهور كبير من السكان، وتستعمل في مجالات كثيرة، ومثال ذلك اللغة الألمانية، في المجر، وتشيكوسلوفاكيا وشمال يوغوسلافيا: أما اللغة المساعدة أو البديلة، فهي تلك التي قد تستعمل في مجالات خاصة، وحتى في الأوساط الرسمية، ومثال ذلك في اللغة الفرنسية، في شمالي إفريقية العربية التي كانت خاضعة للاستعمار الفرنسي "الجزائر وتونس ومراكش". أما المصطلح التوزيع اللغوي linguistic distribution فيستخدم حين الحديث عن طريق انتشار اللغة في مناطق مختلفة من العالم. الإنجليزية والفرنسية لغتان من أوسع اللغات انتشارا، والإسبانية والبرتغالية والعربية والألمانية على درجة أقل من الانتشار أما الروسية -التي كانت في يوم ما مقصورة على الاتحاد السوفيتي- فإنها تحاول الآن بعزم وتصميم أن توسع مجال انتشارها في أوربا الشرقية، أما الإيطالية والصينية والهندستانية والبنغالية والإندونيسية واليابانية فإنها لغات مقيدة إلى حد كبير بمناطقها المحلية. واللغة حينما تغادر موطنها الأصلي تكون قابلة للتعرض لعوامل الانتشار، والتوسع diffusion، أو لعوامل التبدد والانحلال dispersion. وهذا ينطبق مثلا على اللغة الإيطالية التي اكتسبت الانتشار والتوسع على أيدي المهاجرين إلى مختلف العالم، ولكنها في نفس الوقت خضعت لعامل التبدد والانحلال الجزء: 1 ¦ الصفحة: 191 حيث تلاشت بعد الجيل الثاني أو الثالث من على ألسنة المتكلمين بها من المهاجرين. أما المصطلحات: ثنائية اللغة bilingualism، أو ثلاثية اللغة trilingualism أو تعدد اللغة multilingualism فهي مصطلحات تصف حالات معينة حينما يتكلم فرد أو مجموعة ما لغتين أو أكثر على درجة واحدة تقريبا. وإن ثنائية اللغة من السهل تحقيقها حينما تكون اللغتان مستعملتين جنبًا إلى جنب منذ الطفولة المبكرة، وبشرط أن تستمرا إلى فترة متأخرة، وما يقال من أن ثنائية اللغة أو ثلاثيتها تلحق الضرر بالتطور النفسي للفرد فدعوى لا دليل عليها. كذلك لا دليل على الدعوى الآخرى أن الثنائية تعوق التمكن من إحدى اللغتين أو كلتيهما، إن التمكن من أي لغة يتوقف على الفرد، وليس على عدد اللغات المراد تعلمها فالشخص الذي يتكلم بطريقة ناقصة سوف يتكلم لغة واحدة بنفس الطريقة الناقصة. أما المصطلح: معامل القراءة والكتابة literacy coefficient، فيستخدم بالنسبة لكل لغة على حدة، على أساس مئوي يبين نسبة المتكلمين باللغة الذين يعرفون القراءة والكتابة، والذين بالتالي يستطيعون مباشرة الاتصال عن طريق الصيغة المكتوبة. وأما المصطلح معامل القومية nationalism coefficient فيشير إلى عامل تقل الصفة الموضوعية فيه، وهو عامل المشيئة الصادرة عن المتكلمين بلغة ما بالإبقاء على حياة لغتهم، وهو عامل غالبا ما تختلط فيه عوامل الدين والجنس وعوامل أخرى1. وهناك مجموعة أخرى من المصطلحات تختص بميدان اللغات الصناعية   1 لاحظ مثلا أن العامل الديني كان ملاحظا في الاحتفاظ باللغة العبرية، واتخاذها لغة رسمية في دولة إسرائيل، إلى جانب عامل "الرغبة في الحياة" وتبدو فاعلية هذين العاملين كذلك بالنسبة للغة الكلتية في أيرلندا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 192 المؤلفة للاستعمال العالمي، مثل الإسبرانتو، والإنترلينجوا. وهذه اللغات كثيرا ما توصف بأنها مركبة constructed، أو صناعية artifical "إشارة إلى أنها من صنع عقل إنساني فردي، وليست نتيجة نمو طبيعي عفوي"، أو دولية international، أو عالمية universal "للإشارة إلى وظيفتها المرجوة"، أو مساعدة1 auxiliary "للإشارة إلى أنها لم يقصد بها أن تحل محل لغة موجودة بالفعل وإنما تساعدها فقط"، أو لغة وسيطة interlanguage "للإشارة إلى وظيفتها كوسيلة بين المتكلمين بلغات طبيعية مختلفة" ومن بين المصطلحات المستخدمة كذلك مصطلح اللغة المعدلة modified language "مثل Latino Sine Flexione التي تستخدم اللغة اللاتينية في مفرداتها العادية، ونظام جملها، ولكن مع التخلص من النهايات التصريفية، وعلامات الإعراب المعقدة، ومع توحيد مقاييسها لخدمة أغراض عالمية". كذلك يستخدم المصطلح اللغة الأساسية basic language "مثل الإنجليزية الأساسية التي حوول فيها تقليل عدد المفردات عن طريق الاستعانة بالعبارات المفسرة المرادفة واستخدام التجمعات الكلامية". أما مصطلح اللغة الأولية priori Language فيشير إلى اللغة التي وضعت من غير إشارة، ومن غير مماثلة لأي لغة موجودة بالفعل، وذلك مثل لغة Ro أو لغة Suma. ومصطلح اللغة التابعة posteriori Language يطلق على تلك التي كونت عن طريق مزج وحدات من لغات مختلفة حية بالفعل، وذلك مثل الإسبرانتو والإنترلنجوا. أما المصطلح يصوت phonetize فيعني المحاولة لجعل الطريقة الكتابية للغة ما صوتية "مثل: تهذيب الهجاء الإنجليزي English Speling Reform". وهو لهذا لا يقف على قدم المساواة مع المصطلحات   1 لا تخلط بين هذا المصطلح وسميه الذي استعمل مؤخرا في سياق مغاير. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 193 السابقة التي تمس تشكيل اللغات، إذ هو لا يعدو محاولة التغيير للصيغة المكتوبة فقط. وهناك مصطلح آخر، هو التعريف اللغوي language identification وهو يتعلق بالصيغة المكتوبة أو المنطوقة للغة، أو بهما كليهما، وهو جزء من علم اللغة الجغرافي مكمل لعلم الأنماط التركيبي، وللتصنيف اللغوي على أساس القرابة التاريخية، والهدف هنا في معظمه هدف عملي، وهو القدرة على أن تدل من أصوات لغة منطوقة أو مظهر لغة مكتوبة، على نوع اللغة التي تواجهها، ومن نواح كثير يعد هذا العلم المسمى بالتعرف اللغوي مشابها لدرجة كبيرة لقولك "من أين أنت؟ "، إنه أسلوب فني للعمل، عن طريق يمكن تحديد المنطقة اللغوية الصغيرة التي ينتمي إليها المتكلم، والتي قد تصل إلى نصف قطر قدره عشرة أميال من مسقط رأسه، وذلك عن طريق خصائصه الكلامية المتميزة والقدرة على تمييز اللغات التي يواجهها الإنسان -عن طريق صيغتها المتكلمة أو المكتوبة- قد تكون على قدر كبير من الأهمية حتى إذا لم يكن الشخص متكلما أو فاهما لتلك اللغات1. أما المصطلحات التي يشترك فيها علم اللغة الجغرافي مع التاريخي أو الوصفي فمنها language in contact الذي يشير إلى وجود لغتين أو أكثر مستعملتين في مناطق متلاصقة، وتؤثر كل منهما على الأخرى بطريقة مستمرة في تطورها على الرغم من احتمال كونهما غير مرتبطتين أصلا من ناحية القرابة اللغوية، أو أنماط البناء والتركيب، وعلى سبيل المثال فإن الرومانية والبلغارية والألبانية كلها تنتمي إلى الفرع البلقاني، ولكنها تنتمي إلى ثلاث مجموعات مختلفة من الفصيلة الهندية الأوربية، ويبدو أنها جميعا قد طورت بشكل موحد خاصية   1 للمؤلف مقالة في مجلة البوليس الأمريكي "سبتمبر, أكتوبر 1959" بعنوان "ماذا قال؟ " وهي تعالج موضوع إمكانية التعرف على المجرم، وتحديد منطقته عن طريق دراسة ملامحه الكلامية. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 194 تأخير أداة التعريف. أما مصطلح المنطقة المركزية focal area، أو مصطلح مركز الهيبة اللغوية linguistige prestige centre فيشير إلى المنطقة اللغوية ذات المركز المتميز، والتي يخرج منها الابتكار اللغوي وينتشر خارجًا1. أما مصطلحا الانتقال transition والمناطق ذات الدرجات graded areas فيستعملان حيث توجد منطقة تخضع لنفوذ لغوي من منطقتي إشعاع لغوي مختلفتين، أو حيث تلتقي خصائص محافظة وتحررية في منطقة واحدة. أما المصطلح، المناطق الأثرية relic areas فيشير إلى المناطق المحافظة التي تقاوم التجديد والابتداع. أما المصطلح، الانقسام اللهجي dialectalization فيعني الاتجاه الطردي المركزي الطبعي للغة نحو الانقسام إلى لهجات، ويصاحبه اتجاه آخر نحو التجمع dedialectalization نتيجة لنفوذ العوامل الجذبية المركزية، المتمثلة في مركز الحكم، أو سهولة وسائل الاتصال والانتقال، أو التعليم، أو الشعور القومي، أو التقاليد الأدبية، أما المصطلح الانقسام الطبقي social stratification فيعني ميل الكلام المحلي إلى الانقسام إلى لغات طبقية class languages على أساس الفروق الاقتصادية أو التعليمية2. أما المصطلح اللغة الدارجة vernacular أو umgangssprache فيتناول اللغة التي تتمتع بصفة التفاهم المشترك، أو اللغة العامة التي يستعملها   1 في العصور الوسطى فرضت باريس -باعتبارها مركز الحكم- لهجتها على مناطق واسعة، إلى أن صارت اللهجة الباريسية فيه اللغة النموذجية، واليوم نجد أن نيويورك بما تملك من إرسال إذاعي أن تليفزيوني، وهوليوود بما تحتل من مركز مرموق في صناعة السينما هما مركز الإشعاع الخارجي ومنطقتا "الابتكار" الذي يتبعه سائر أنحاء الولايات المتحدة الأمريكية، وعلى هذا فإن طريقة نطقهما, ونحوهما، ومفرداتهما يقلدها كل المشاهدين والمستمعين، وبخاصة الشبان منهم, مهما كانت منطقتهم السكنية أو ثقافتهم، وقد حدث مثل هذا في إيطاليا حيث تغلبت لهجة روما على سائر اللهجات باعتبارها لهجة العاصمة. 2 مثال ذلك ما يحدث من اثنين ينتميان إلى منطقة محلية واحدة، ولكنهما يختلفان ثقافيا فيبدو لكل منهما خصائص كلامية متميزة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 195 إلى درجة كبيرة أو صغيرة كل المنتمين إلى شتي الطبقات الاجتماعية1.والمصطلح التسجيل أو التمثيل الصوتي transcription الذي سبق أن صادفناه في علم اللغة الوصفي في صورتيه الصوتية والفونيمية، له في علم اللغة الجغرافي تطبيق ثالث، وهو تحويل صيغة كتابية من طريقة كتابة معينة إلى طريقة أخرى، مع أو بدون تعديل، لإبراز الخصائص الصوتية أو الفونيمية، وللتمثيل الصوتي استعمالاته المفيدة مثل المساعدة على التحصيل السريع لطريقة النطق لتلك اللغات ذات النظام الكتابي المعقد مثل الصينية واليابانية، وإن التسجيل عن طريق استخدام رموز من أبجدية ما مقابل رموز من أبجدية أخرى "مثل كتابة اليونانية أو السيريلية بحروف لاتينية" يختص باسم كتابة لغة بحروف لغة أخرى transliteration2.   1 من السهل هنا أن نعرف ولكن من الصعب أن نمثل، ويرجع ذلك إلى العامل الذي سبق ذكره، والخاص بالتقسيم الطبقي تبعا للثقافة أو الطبقة الاجتماعية، وفي أي موقع ترد كلمة "الاستعمال" يبرز السؤال الهام "استعمال من؟ ". وربما كان حلا وسطا أن نجيب: الاستعمال اللغوي الوارد في نشرات الأخبار العادية، في الراديو والتلفزيون، بالإضافة إلى بعض الكلمات العامية الواردة في الإعلانات والمعاملات التجارية. 2 كما نكتب كلمة خروشوف ممثلة بالحروف اللاتينية Khrushchev بدلا من تمثيلها بالحروف السيريلية الروسية هكذا XpymeB. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 196 38- اللغات والمتكلمون؛ البلاد واللغات: من الموضوعات التي تعد أساسية في مفهوم علم اللغة الجغرافي بيان توزيع اللغات المتكلمة في جميع أنحاء العالم، وأنواع المتكلمين بها، ويعد أساسيًا بنفس الدرجة كذلك بيان اللغات المتكلمة في كل قطر أو وحدة سياسية على حدة. وهذا يعني في الواقع وجود دراستين إحصائيتين تقوم كل منهما بدور الجزء: 1 ¦ الصفحة: 196 المراجعة والضبط للأخرى. إحداهما للغات وتوزيعها على المناطق والوحدات السياسية وأعداد المتكلمين بها، والأخرى للدول لبيان اللغات المستعملة في كل منطقة قومية على حدة، وعدد المتكلمين بكل لغة1. وإن عامل ثنائية اللغة أو ثلاثيتها ليعقد الصورة بالإضافة إلى أنه عامل ليس له صفة الثبوت والاستقرار نتيجة لعدم ثبوت الملامح السكانية، مما يستدعي عمل تعديلات إحصائية مستمرة والطريقة التي تبدو أكثر عملية هي تكرار عد أصحاب اللغات الثنائية أو الثلاثية الحقيقيين، "نعني بالحقيقيين الذي يملكون اللغتين على درجة واحدة تقريبًا ويستخدمون كلا بطلاقة تضعها في مستوى اللغة القومية". وهذا يعني أن المواطن المقيم في الجزء الآسيوي من الاتحاد السوفيتي الذي يتكلم الأوزبكية، والذي تعلم الروسية إلى درجة عالية جدا سوف يعد مرتين في الإحصاء اللغوي، مرة بين متكلمي اللغة الأوزبكية، ومرة بين متكلمي اللغة الروسية، ومعنى هذا أنه ليس من الضروري أن يتطابق عدديا الإحصاء السكاني مع الإحصاء اللغوي، وإن كان في كثير من الحالات يبدو الإحصاءان متقاربين، وهناك سؤال دقيق يتعلق بكيفية عد المتكلمين بلغة ليست أهلية أو بلدية "على سبيل المثال متحدث بالإنجليزية الأمريكية درس الفرنسية لعدة سنوات في المدارس الثانوية والكليات الجامعية وأصبح يتقنها ويستعملها بدرجة عالية من الجودة، وإن لم يكن بطلاقة المتكلم بلغته الأم".   1 لتبسيط الموضوع جدا نقول إن الإسبانية تعد لغة وطنية ورسمية في إسبانيا وفي المستعمرات الإسبانية في المكسيك وبعض أجزاء من وسط وجنوبي أمريكا وغيرها، مع مجموع سكان يزيد على 150 مليونا، وهي لدرجة ما موجودة كذلك في مناطق أخرى مثل الفيلبين، وجنوب غربي الولايات المتحدة، ومنطقة مدينة نيويورك أما إسبانيا نفسها فمجموع سكانها فوق الـ30 مليونا يتكلمون جميعا الإسبانية ومع ذلك نجد اللغة القومية لأكثر من 6 مليون نوعا من الـCatalan-Valencian, ونجد حوالي 3 مليون يتكلمون نوعا من الـGalician-portuguese، وحوالي مليون يتكلمون Basque ويوجد أكثر من نصف مليون يمكن أن يوصلوا بالفرنسية، وحوالي 150 ألفا بالإنجليزية. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 197 وهنا يبدو أن وضع مستوى حاسم للتصينف يعد أمرًا تحكميا، ولا بد من اللجوء إلى مستوى تخميني تقريبي، وسوف يأتي مزيد من المناقشة لهذه النقطة فيما بعد. "انظر المبحث رقم 44 التقارير التعليمية". وفي أي محاولة لعد المتكلمين بلغة معينة فإن عالم اللغة الجغرافي يتخطي الحدود الدولية، وحتى المحيطات، وهو أيضًا يتخطى حدود اللهجات، فيما عدا تلك اللهجات التي لها طبيعة خاصة تجعلها تشكل في الواقع لغات منفصلة مع إمكانية التفاهم البسيط أو عدم إمكانية التفاهم تمامًا بين المتكلمين بكل لهجة مع الآخرين. "ومن أمثلة ذلك لهجات اللغة الصينية التي كثيرا ما يفشل المتكلمون طريقة واحدة للكتابة" ولغة مثل الإسبانية -على الرغم مما بين لهجاتها من فروق محسوسة- يمكن أن تسعمل كلغة مشتركة للتفاهم في كل الأقطار التي تستخدمها كلغة رسمية ومن أجل هذا يحق لنا حين نتحدث عن مجموعة المتكلمين باللغة الإسبانية، أن نضع جنبًا إلى جنب مواطني إسبانيا "بغض النظر عن المناطق التي تتكلم إلى جانب الإسبانية لهجات محلية كما سبق أن أشرنا", والمكسيك، وأمريكا الوسطى، وبعض القوميات في كوبا، وبورتوريكو، وجمهورية الدومينيكان، ومعظم مواطني أمريكا الجنوبية خارج البرازيل، وجايانا, على الرغم من وجود لغات أمريكية هندية كثيرة في بعض المناطق إلى جانبها، وربما وجودها منفردة في المناطق التي يعيش فيها ملايين لا يتكلمون سوى الهندية الأمريكية. وطبقًا لهذا المنهج نضع قائمة باللغات -شاملة بقدر الإمكان- مع السعي لجعلها متضمنة لكل لغات العالم الرئيسية، وغير الرئيسية على الكرة الأرضية، وكل لغة تقرن بتقرير يصف المناطق الجغرافية التي تتكلم فيها اللغة، وتعداد السكان، مع بيان اللغة بالنسبة لهم، أهي لغتهم الأم؟ أم لغة استعمارية؟ أم نصف استعمارية؟ "مثل أبناء غانا أو نيجيريا أو الهند أو باكستان الذين الجزء: 1 ¦ الصفحة: 198 يتكلمون اللغة الإنجليزية بطلاقة" أم لغة ثقافة؟ "مثل الفرنسي أو الألماني أو السويدي الذي اكتسب الإنجليزية في حياته الدراسية، أو في رحلاته وأصبح متمكنا منها، وإن لم يكن من الضروري أن يكون مستواه معادلا لمستوى المتكلم بلغته الأم". وبينما يعد من الأمور السهلة نسبيًا أن نصف المناطق التي تظهر فيها لغة ما أو تذكر عدد المواطنين الذين يتكلمون اللغة بوصفها لغتهم الأصلية، تأتي الصعوبات والمشكلات حيث نريد أن نحصي عدد السكان الذين تعتبر اللغة بالنسبة لهم لغة استعمارية أو ثقافية، وهنا يطلق الإحصاء جهودًا مضنية وعملا متواصلا ولا تنتهي متاعب اللغوي بفحص مادته في هذا السبيل، والوصول إلى نتائج معينة، فإن نتائجه تحتاج إلى تعديل متواصل، ولهذا يقترح دائما إعادة النظر في مثل هذه النتائج مرة كل عشر سنوات، مع كل إعادة لتعداد السكان. أما الطريقة الأخرى للبحث، والتي تعد نوعا من المراجعة والضبط للطريقة التي تحدثنا عنها آنفا، فهي طريقة تتناول قطر إثر قطر، والمشكلة هنا هي محاولة معرفة اللغات التي تتكلم في كل قطر، ومراكز المتكلمين بها، وعدد المواطنين الذين يتكلمونها، والصورة التي يتكلمونها عليها، والظروف المحيطة بها، ولتأخذ على سبيل المثال قطرا مثل إسبانيا، فأول ما نبدأ به هو الإحصاء الشامل لعدد سكانها وبعد ذلك نحصي عدد المتكلمين بكل لغة على حدة مثل الإسبانية، والـcatalan والـBasque، والـGalician، والتي سيزيد عدد المتكلمين بها جميعا -نتيجة لعامل الثنائية اللغوية- عن عدد السكان، أخيرا يتناول الإحصاء تعداد السكان الإسبان الذين اكتسبوا مستوى مفعولا من لغات أخرى مثل الفرنسية والإنجليزية والألمانية. وإن الجمع بين الطريقتين سوف يؤدي إلى نتائج ومعلومات علمية مؤكدة بقدر الإمكان، ولكنها عرضة للتغيير نتيجة لتغيير الملامح السكانية، ويمكن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 199 الاستعانة في عمل هذه التغييرات بجهات كثيرة كالدوائر الحكومية والعلمية والدينية التي يمكن أن تمد الباحث بملخصات مركزة مفيدة. إن هذا النوع من الخلاصات الإحصائية ربما أعطى صورة دقيقة لعدد المتكلمين وللتوزيع اللغوي، أما الحقائق المتعلقة بالتطورات الصناعية والاقتصادية لكل قطر فهي موضوعات أكثر ارتباطا بالمجالات غير اللغوية ولكنها مع ذلك تستطيع إذا اقترنت بالحقائق اللغوية أن تعطي صورة للأهمية الجغرافية لكل لغة، وهذه المعلومات المقترنة قد تبقي موضوعية وأقرب إلى الحقائق على الرغم من أن أهمية كل عامل من العوامل الثلاثة "السكان المتكلمون, توزيع السكان, العوامل السياسية والاقتصادية". ربما كانت في بعض الأحيان فرضية أو تحكمية، وربما كان أكثر العوامل ذاتية، هو عامل الثقافة، وإن كان من الممكن باتباع مقاييس موضوعية للتقنين الوصول إلى حقائق موضوعية. ومن ضمن النقاط الهامة في العامل الثقافي موضوع القراءة والكتابة بالنسبة للمتكلمين بلغة ما، وهي نقطة يمكن أن تكون موضوعية تماما، وأما موضوع النتاج العلمي والفلسفي والأدبي، فهناك على الأقل احتمال الوصول إلى بعض الأنواع من المقاييس الموضوعية المتمثلة في عدد الكتب والدوريات التي طبعت في كل حقل. 39- اللغات المساعدة والبديلة: من أهم وظائف علم اللغة الجغرافي معرفة اللغات التي يمكن أن تستعمل في مناطق مختلفة من العالم كلغات بديلة عن اللغات الأهلية، وكذلك التأكيد من وجود نسبة معينة من السكان في كل منطقة تفعل ذلك. وحيث إن هذه اللغات تتفاوت في حجم مناطق النفوذ، وتختلف في كيفية الاستعمال باختلاف الأقطار فإننا نحتاج إلى الإحصاءات الدقيقة في مثل هذه البحوث. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 200 39- اللغات المساعدة والبديلة : من أهم وظائف علم اللغة الجغرافي معرفة اللغات التي يمكن أن تستعمل في مناطق مختلفة من العالم كلغات بديلة عن اللغات الأهلية، وكذلك التأكيد من وجود نسبة معينة من السكان في كل منطقة تفعل ذلك. وحيث إن هذه اللغات تتفاوت في حجم مناطق النفوذ، وتختلف في كيفية الاستعمال باختلاف الأقطار فإننا نحتاج إلى الإحصاءات الدقيقة في مثل هذه البحوث. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 200 وعلى سبيل المثال فإن مما يدخل في اهتمام علم اللغة الجغرافي صلاحية استعمال اللغة الإنجليزية كلغة بديلة ومساعدة في كل المناطق التي خضعت في وقت ما للنفوذ الإنجليزي أو الأمريكي، واللغة الفرنسية في المناطق الواسعة التي تغطي غربي وشمالي إفريقية وجنوب شرق آسيا، وكذلك الحال بالنسبة للغة الهولندية، في إندونيسيا، ولكن أبعد من هذا قد توجد انعكاسات لغوية لاستعمار قديم نسبيا ربما يرجع إلى الوراء حتى وقت الحرب الأمريكية الإسبانية أو الحرب العالمية الأولى، فالإسبانية ما تزال منتشرة إلى درجة كبيرة في الفلبين، والألمانية ما تزال تسمع أحيانا في تانجانيقا وفي جنوب غربي إفريقية وفي مناطق مختلفة من المحيط الهادي. وهذا راجع إلى أن الوضع السياسي يتغير أسرع بكثير من الوضع اللغوي، وعلى الرغم من الجهود الرسمية التي تتخذ في ذلك فإن التغيير اللغوي يستغرق وقتا طويلا إلى أن تتغير العادات الكلامية للسكان، أو حتى للنخبة المثقفة منهم فقط. إن الأفراد الذين ينشئون على تقاليد ثقافية معينة، مثل الهنود الذين يتعلمون في بريطانيا، والإفريقيين الذين يتربون في فرنسا أو بلجيكا يجدون صعوبة في تغيير اتجاهاتهم الفكرية المرتبطة بثقافة الشعب السابق الإشارة إليه. وأكثر من هذا فإنه في حالات كثيرة يبذل جهد قليل، أو لا يبذل أي جهد على الإطلاق لتغيير التقاليد والروابط الثقافية، ويبدو عاديا أن تدرس الإنجليزية في غانا ونيجيريا والهند وباكستان بصورة أوسع مما كان عليه الأمر أثناء الاحتلال الإنجليزي. ومثل هذا يقال عن اللغة الفرنسية في بلاد الاتحاد الفرنسي الجديد التي تدرس الفرنسية أكثر من قبل ومثال واحد استثنائي هو إندونسيا حيث تبذل الحكومة جهودا جبارة للتخلص من التقاليد الثقافية الهولندية وهناك شواهد أخرى على أن الأقطار الشيوعية -التي كانت تخضع للنفوذ الثقافي واللغوي الألماني- تبذل الآن بعض محاولات للحد من هذا النفوذ. والظاهرة الغريبة المتعلقة بالنفوذ طويل المدى للغات الاستعمارية تبدو بين الجزء: 1 ¦ الصفحة: 201 المتكلمين باللغة الإسبانية في الفليبين "يعد النفوذ الإنجليزي في هذه الجزر شيئا حديثا جدا" كما أنها تبدو في ظهور بعض الكلمات الألمانية في إنجليزية المناطق التي كانت خاضعة فيما مضى للاستعمار الألماني. وتبدو -على المدى الطويل- إمكانية إزالة هذا النفوذ في النهاية، كما أن هناك احتمالا آخر قد يتم حدوثه في أي وقت من الزمن، وهو خاص باستعادة اللغات الهندية والأردية مكانها في الهند وباكستان والفليبين على حساب اللغة الإنجليزية التي كانت متمكنة في هذه البلاد. ولكن لا تبدو مثل هذه النهاية قريبة الوقوع بالنسبة للغات ذات الماضي الاستعماري التي تتميز بعنصر الهيبة, وعامل القيمة العملية، سواء في وطن الشخص أو خارجه، مما يجعل دراسة مثل هذه اللغة أمرا أساسيا بالنسبة لأولئك الذين يطمحون أن يكونوا متعلمين أو مثقفين. إن المرتبة المساعدة التي تحتلها لغات عالمية كثيرة في أقطار متعددة يجب أن تدرس بعناية، وبطريقة فردية بالنسبة لكل منطقة، لأن هذه المرتبة لا تتم بصورة واحدة في جميع المناطق. كذلك من الضروري وضع تنبؤات بعيدة المدى بالنسبة للمستقبل مؤسسة على الاتجاهات الملحوظة، ولكن مع الأخذ في الاعتبار أن مثل هذه الاستنباطات أو التنبؤات عرضة للتعديل الكبير على أساس التغييرات السياسية المفاجئة غير المرئية. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 202 40- أنظمة الكتابة والتعرف اللغوي : إن الأهمية النسبية للجانب المتكلم أو المكتوب لأي لغة تختلف من لغة إلى لغة ومن مكان إلى مكان، وإذا بدأنا من الجانب المنخفض من الميزان مع لغات لأناس متخلفين أو بدائيين لم يتخذوا لأنفسهم بعد نظاما كتابيا فسنجد أنفسنا متجهين صعدا على طول الطريق حتى نصل إلى اللغات الكبرى للحضارة الغربية التي تتمتع صيغها المكتوبة بقيمة مساوية لما تتمتع به صيغها المتكلمة. وبين الطرفين المتقابلين نجد بلادا تعاني نسبة عالية من الأمية، وفي مثل هذه البلاد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 202 تتضاءل نسبيا أهمية الصيغة المكتوبة. إن الزائر المتجول لبعض القرى الصينية النائية لا يجد سبيلا إلى استعمال اللغة المكتوبة، لأن السكان لا يعرفون طريقة الكتابة والقراءة، حتى يعرفوا هذا النظام المعقد للرموز الكتابية الصينية. وفي مثل هذه الظروف يكون العلم بعد قليل من الكلمات والتعبيرات المستعملة في اللغة المتكلمة أهم وأكثر فائدة بكثير من دراسة متخصصة للغة المكتوبة. وتأتي بعد ذلك الخطوط الكتابية التي تشبه الأبجدية الرومانية مثل الأيرلندية واليونانية والسيريلية. وهنا يصبح الموضوع أكثر تعقدا لمن أراد أن يكون لنفسه القدرة على قراءة هذا النوع من اللغات، وإن كان المجهود المطلوب بذله للتعرف على هذه الخطوط ليس مجهودا خارقا أو معجزا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 203 وأخيرا تأتي اللغات التي تستعمل نظما أخرى كتابية صوتية أو مقطعية تختلف تماما عن النظم الأوربية. ولا يبعد أن يجد الباحث سمات مشتركة بين هذا النوع من اللغات. وإن الأبجدية المستعملة في الأرمينية والجورجية أو العربية والعبرية مثلا، ومجموعة النظم الكتابية الساذجة التي تجمع بين النظامين المقطعي والصوتي، والتي تميز الخطوط الأمهرية ومعظم اللغات الهندية لمؤسسة على الـDevanagari المشتق من السنسكريتية القديمة. أما الخط الـKanas الياباني فمعقد وصعب التعلم من الناحية العملية، ولكن ليس صعبا جدا أن يتعلم لمجرد التعرف اللغوي. وأخيرا يأتي أعقد نظام هجائي وهو ذلك الذي يستخدم الطريقة التي تعبر عن الفكر بصورة أو رمز مثل اللغات الصينية واليابانية. فالربط في مثل هذه اللغات ليس بين الرمز والصوت، ولكن بين الرمز والصورة الذهنية. واكتساب مثل هذه الأشكال للاستعمال الفعلي يعد في الواقع أمرا بعيد المنال، وربما مهمة يفنى العمر في تحصيلها، ولكن التعرف عليها ليس صعبا كل الصعوبة، أو معقدا غاية التعقد. وإنه لجزء من وظيفة عالم اللغة الجغرافي أن يعود نفسه على إلف النظم الكتابية الرئيسية في العالم بقصد التعرف. وإذا استطاع أن يضيف إلى هذه المهارة القدرة على القراءة والترجمة فقد حقق هدفا أبعد. وعلى أي حال فمهارة التعرف والتمييز للغات للعالم الرئيسية في صيغها المكتوبة شيء لا يستطيع عالم اللغة الجغرافي أن يستغني عنه، ولا بد لمن يريد التخصص في أي فرع من فروع علم اللغة أن يدرس برنامجا في نظم الكتابة، وبوجه خاص لمن يريد التخصص في علم اللغة الجغرافي. ولدرجة محدودة، واعتمادا على القدرات الصوتية لأذن بعض الأفراد، توجد كذلك فرصة ممكنة للتدرب على تمييز اللغات الرئيسية في صيغها المنطوقة ما دامت كل لغة لها نظمها الصوتية والفونيمية المتميزة، وإن معلومات أولية في كيفية التعرف على النماذج الصوتية لعدد من اللغات الرئيسية يجب أن يشكل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 204 جزءا من أسلحة العالم اللغوي، وبخاصة عالم اللغة الجغرافي، مع اهتمام خاص باللغات المتعلقة بمنطقة معينة طبقا للاهتمامات الخاصة لكل لغوي ولغرضه المحدد1. إن التطبيقات العملية لمهارة التعرف اللغوي لكثيرة. فإلى جانب قيمتها الواضحة في أوقات الحروب الساخنة أو الباردة "الرقابة, المخابرات العسكرية, الجنود في ميدان القتال الذين لا بد أن يتعاونوا مع أو يحاربوا قوات تتكلم لغات أخرى" فهناك فوائد أخرى تتمثل في تقديم الترجمان المناسب لشخص أو المترجم الكفء لوثيقة، مما يستدعي معرفة سابقة باللغة التي يتحدث بها الشخص، أو اللغة التي كتبت بها الوثيقة، كما تتمثل في مد يد العون لأمناء المكتبات حين يواجهون بمطبوعات بلغات متعددة, وهناك إلى جانب ذلك ميزة معرفة جنسية أو ثقافة الشخص الذي تبدأ في عقد صلات اجتماعية أو تجارية معه، وميزة تجنيبك استخدام عبارات غير لائقة ربما وقعت فيها. والتعرف اللغوي في صيغته المكتوبة أو المنطوقة كثيرا ما يقدم خدمات قيمة في مجال اكتشاف الجريمة أو منعها. "انظر هوامش المبحث رقم 37".   1 أتم دراسة للنظم المتعلقة بالتعرف اللغوي على أساس لغوي جغرافي -وهي التي تقابل الدراسة الوصفية للغات المنفردة- تظهر في كتابين للمؤلف نفسه، بعنوان: World.htm's Chief languages "الطبعة الخامسة, لندن سنة 1961" وLanguage for Everybody. "نيويورك 1956و1958". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 205 41- عوامل مساعدة؛ الثقافة, المنحنى الثقافي, الدين, التأثير التاريخي: في حين ترتبط هذه الموضوعات -إلى حد ما- بمجالات علم اللغة الوصفي والتاريخي، فهي أيضا موضوعات وثيقة الصلة بعلم اللغة الجغرافي، ما دامت تنعكس على المركز الحالي للغات العالم. إن الصلة بين اللغة وثقافة الجماعة "التي تعد اللغة جزءا منها" لتعد من الموضوعات الهامة لعالم الأنثروبولوجيا. وكلمة ثقافة Culture ذاتها كلمة مضللة، لأن لها معنيين محتملين. فهي عند عالم الأجناس البشرية تعني الحصيلة الكلية للتقاليد والعادات، والأعراف، وطرق الحياة لأي طائفة اجتماعية سواء كانت متقدمة لدرجة عالية أو متأخرة, ومعنى هذا أن كل الجماعات عند عالم الأجناس البشرية -مهما صغرت أو كانت بدائية- لها ثقافة، وكل الثقافات على درجة واحدة من المساواة. أما كلمة ثقافة في مدلولها التقليدي فترتبط بالممارسة المتقدمة للحضارة التي عادة ما تعبر عن نفسها عن طريق اللغة المكتوبة وتشمل أشياء مثل الأدب والشعر والفلسفة والعلم والحصيلة الفكرية والمستويات المرتفعة للحياة والاتصال وحفظ الصحة. وهذا التباين الدلالي بين المعنيين قد أدى إلى سوء فهم متكرر، وربما كان علاج هذه الحالة في وضع كلمة أخرى لأحد هذين المعنيين. إن ثقافة أي أمة أو جماعة ترتبط ارتباطا وثيقا بنمط لغتها ما دامت الأخيرة تعكس عادة نشاطات هذه الطائفة. وإن مدرسة العالم الأمريكي Whorf فيما وراء علم اللغة metalinguistics لتذهب أبعد من هذا وتزعم أن نمط الجزء: 1 ¦ الصفحة: 206 اللغة المتكلمة يفرض تأثيره المباشر على هذه النشاطات، وإن كان هذا الزعم ما يزال محل خلاف كبير1. ومهما يكن من شيء فلا شك أن اللغة تشكل جزءا من الوعي الثقافي للجماعة، وهي تعد واحدة من أقدم المظاهر لهذا الوعي. وإن التمييز بين جماعة وأخرى ليؤسس غالبا -على الأقل من الناحية الظاهرية- على اللغة. إذا كنت تتكلم لغتي فأنت تنتسب إلى مجموعتي، أما إذا اختلفت لغتك عن لغتي فأنت تنتمي إلى جماعة أخرى غير جماعتي، ونحن نتصرف على هذا الأساس, ومن ثم فاللغة في الغالب مفتاح لسلوك الجماعة، وتسمح بالتنبؤ بمشكلة رد فعل الجماعة تجاه المواقف المتنوعة. وإن عالم اللغة الجغرافي ليتعلم منذ البداية أن تجاهل العامل اللغوي في أي صورة من صور العلاقات الثقافية المتبادلة يعد خطأ كبيرا، وأن هناك شيئا واحدا لا بد أن يأخذه في اعتباره فوق كل الأشياء -إلى جانب المعتقدات الدينية- وهو لغة الجماعة التي يدرسها. وحينما ننتقل من الحضارات المتخلفة إلى الحضارات المتقدمة يصبح العامل اللغوي في الثقافة أكثر أهمية، ما دامت اللغة -وبخاصة في صورتها المكتوبة- تقوم بدور الأداة أو الواسطة للثقافة، بمعنييها الأنثروبولوجي والتقليدي. وعند هذه النقطة لا بد أن يؤخذ في الاعتبار، ليس فقط اللغة أو الثقافة الأولى للجماعة التي ندرسها، ولكن أيضا العوامل اللغوية الثقافية من الدرجة الثانية أو الثالثة، وإن من الأمم ما يتمتع بحضارة عالية، وينعم بثقافة خصبة خاصة به، ومع ذلك يتعرض للوقوع تحت تأثير تيار ثقافي أجنبي. ومن ذلك ما عرف عن كثير من الأمم الأوربية خلال القرون السابع عشر والثامن عشر والتاسع عشر، من أنها كانت واقعة تحت تأثير التيار الثقافي الفرنسي. وقد   1 انظر Whorf في كتابه Language, Thought and Reality المطبوع في لندن عام 1956 بتحقيق: J.B. Carroll. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 207 انعكس هذا بسرعة في تغيير كثير من تقاليدها ومظاهرها حتى تتفق مع الثقافة التي أعجبوا بها. ومن الناحية اللغوية فإن هذا التيار الثقافي يبدو أثره في استعمال اللغة ذات الثقافة الرفيعة، وفي دراستها، وهذا بدوره يؤدي إلى خلق ما يمكن أن يسمى باللغة الثانية للأمة موضوع الدراسة. وإنه ليقال إن اللغة الفرنسية يتكلمها -على سبيل المثال- ليس أقل من مليون إيطالي، أو بعبارة أخرى شخص بين كل خمسة وعشرين، وهذا المركز يختلف في أسبابه -ولكن ليس في تأثيراته- عن الآخر الناشيء في قطر كان مستعمرا مثل الهند حيث تتحدث نسبة كبيرة من السكان اللغة الإنجليزية. وبالمعنى الذي شرح فيما سبق أصبحت اللغة الإنجليزية مؤخرا لغة ثقافية ناشرة نفوذها ليس فقط في الأقطار المستعمرة في الأصل، ولكن أيضا في أقطار لم يربطها رابط استعماري بها قط مثل تركيا والاتحاد السوفيتي، حيث لم يكن بهما مطلقا أي نوع من الاستعمار الإنجليزي أو الأمريكي. إن العامل الديني لا بد أيضا أن يؤخذ في الاعتبار في أبحاث علم اللغة الجغرافي، فالنفوذ اللغوي البادي في اللغات الدينية مثل اللاتينية في البلاد الكاثوليكية الرومانية، والعربية في البلاد الإسلامية التي تتحدث اللغة العربية لا يمكن أن يتجاهله عالم اللغة الجغرافي. وهذا النفوذ اللغوي الديني يعني عادة أن اللغة التي يرتبط المتكلمون بها بعقيدة معينة سوف تأخذ كلمات وترجمات مفترضة من اللغة المقدسة، وأن بعضا من أبناء اللغة -قل أو أكثر, وإن كان في العادة يضم كل رجال الدين- سوف يستعملون -بصورة أو أخرى- اللغة المقدسة كلغة متكلمة. وربما كانت إيطاليا من أجل ذلك توصف بأنها دولة لغتها الثانية الفرنسية، ولغتها اللاتينية. وقد لا يستحق التنبيه منا أن ننص على أن التاريخ الماضي يحمل نفوذا هائلا على الحالة اللغوية للدول الحديثة. وحتى الآن نجد أن هذا العامل كثيرا ما أهمل، أو بولغ في قيمته. وهناك أسباب تاريخية عميقة تكشف عن السبب في اختيار دولة إسرائيل الجديدة اللغة العربية بدلا من البيدية كلغة قومية ورسمية، وعن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 208 السبب في أن الأيرلنديين يشعرون بأهمية اتخاذ الغيلية Gaelic كلغة وطنية في حين أن الأسكتلنديين لا يحملون نفس الشعور. وإن المعرفة بتاريخ الأمة الماضي سوف يعطي -غالبا- فهما ثاقبا للحقائق والاتجاهات اللغوية في الحاضر والمستقبل. وربما كان من المرغوب فيه أن نؤكد مرة ثانية أن علوم اللغة الوصفية والتاريخية والجغرافية، ولو أنها متصلة ومترابطة، فإن لكل منهما نظرته الخاصة إلى اللغات. فبالنسبة لعالم اللغة الوصفي كل اللغات على قدم المساواة لأنها -من وجهة نظر علم اللغة الوصفي- من الناحية الفعلية متساوية، وتتقاسم نفس الخصائص الأساسية "تركيبات صوتية وفونيمية, نظام نحوي, مفردات لغوية مستعملة". أما بالنسبة لعالم اللغة التاريخي فاللغات تتفاوت في أهميتها تبعا لمدى انتشارها وسهولة معرفة تاريخها الماضي. وإن لغة مثل اليونانية القديمة -بما تملكه من نصوص مسجلة مبكرة، وبما تتمتع به من وضوح تطورها التاريخي المبني على الوثائق- لا يمكن أن توضع على قدم المساواة مع لغة مثل الـMenomini التي لا تملك أي تاريخ مسجل. إن اليونانية بالنسبة لعالم اللغة التاريخي على الرغم من ضآلة حجم المتكلمين بها اليوم، واختفاء نفوذها الحديث، لتعد أهم بكثير من اللغة الإندونيسية وحتى الروسية. وعالم اللغة الجغرافي لا بد أن ينظر إلى اللغات من زاوية أهميتها النسبية في عالمي اليوم والمستقبل القريب. وإنه لمن اللغو أن نتوقع من اللغوي الجغرافي أن يعامل لغات مثل Hopi وZuni على قدم المساواة مع لغة مثل الفرنسية والإسبانية، تتمتع بجمهور كبير، وبرقعة أرضية واسعة وبمكانة سياسية واقتصادية مرموقة. وليس هذا نوعا من التقييم للغات، أو حكما ذاتيا بعيدا عن الموضوعية الجزء: 1 ¦ الصفحة: 209 اللغوية، أو محاولة لتفضيل بعض اللغات على بعض، وإنما هو بكل بساطة النظر إلى اللغات من زوايا مختلفة، ومن أبعاد متفاوتة، وأيضا لأغراض مختلفة، وحين تتضح هذه الفكرة في الأذهان سوف يتلاشى كثير من الخلافات والمنازعات التي تثور اليوم بين اللغويين ذوي الاتجاهات المختلفة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 210 42- اللهجات والتنوعات المحلية؛ اللغات الطبقية: تعد الاختلافات اللهجية شيئا طبيعيا بالنسبة لكل الجماعات اللغوية، ربما فيما عدا الجماعات المتناهية في الصغر. وحتى في هذه الحالة من الممكن التعرف على بعض الخلافات الأسلوبية1 Idiolectic بين المتكلمين. وهذا راجع إلى الميل الطبيعي للغة نحو البعد عن المركز، إلا إذا اتخذت خطوات إيجابية مضادة. واللغة لو تركت وشأنها سوف تنقسم سواء عبر الزمان أو المكان. والتغير الذي يحدث عبر الزمان يرتبط أساسا بمباحث علم اللغة التاريخي. أما ذلك الذي يحدث عبر المكان فيهتم به علماء اللغة بأنواعهم الثلاثة. وإن عالم اللغة الوصفي يجب أن يخضع لتحليله الخلافات اللهجية، لتكون صورته التي يقدمها عن اللغة صورة كاملة. أما عالم اللغة التاريخي فيجب أن يأخذ في اعتباره الخلافات اللهجية كما تتضح في الماضي، وكما تؤثر في تطور اللغة موضوع دراسته. أما عالم اللغة الجغرافي فيجب أن ينظر إلى هذه الخلافات في ضوء لغة اليوم، ومدى تأثيرها على صورة الكرة الأرضية. وإذا ما تطورت الخلافات المحلية في الكلام حتى وصلت إلى نقطة أصبح معها التفاهم المشترك   1 كلمة Idiolect تعنى العادات الكلامية للمتكلم الفرد، ومثال ذلك اللغة الإنجليزية كما أتكلمها أنا. وهذا المصطلح مرادف تقريبا لمصطلح دي سوسير "كلام" Parole "انظر المبحث رقم 24". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 210 أمرا صعبا أو مستحيلا أصبح مركز اللغة باعتبارها أداة اتصال في خطر أو عجز كبير. وإلى جانب هذا فإن دراسة اللهجات المعنية تصبح أمرا أساسيا إذا أراد الشخص أن يعرف أيها أكثر نفوذا في الاتصال داخل المنطقة موضوع دراسته. وإن الخط الفاصل بين اللغة واللهجة يصعب في غالب الأحيان تتبعه ورسمه. التفاهم المشترك يعرض فقط جزءا من الإجابة، إذ أنه من المشاهد أن الاتصال بين أبناء مجموعتين يتكلمون لغتين مشتركتين، رسميتين ذواتي أصل واحد "مثل الإيطالية والإسبانية" قد يكون أسهل منه بين أبناء لهجتين تنتسبان إلى لغة رسمية واحدة "مثل الـPiedmontese والصقلية، ومثل الـAsturian وبعض الأشكال الإندونيسية". وهذا يرجع -جزئيا- إلى عوامل التعليم والأمية، ولكنه يرجع غالبا إلى تطور صرف. وإن عمل عالم اللغة الجغرافي لا ينتهي بمجرد تخطيط للغات ومناطقها وعدد المتكلمين بكل، حتى يتناول أيضا اللهجات الرئيسية لكل لغة وقيمة كل. وإن وقوف الانقسام اللهجي عقبة في طريق التفاهم اللغوي ليتفاوت أمره من لغة إلى لغة. والعامل التعليمي يؤدي إلى انقسامات اجتماعية لغوية في داخل المنطقة الواحدة. وبوجه عام فإن هذا الانقسام يمس -بصورة أولية- هذه المستويات من اللغة التي تسمح بالتحولات الواسعة "المفردات والنحو" في حين أنه يؤثر تأثيرا صغيرا نسبيا -وإن بدا ذلك مثيرا- على الجانبين الفونولوجي والصرفي. وهذا يرجع إلى أنه في العادة ما يتقاسم كل المتكلمين باللغة -في منطقة واحدة- النماذج الصوتية والصرفية الأساسية. وحتى حين تحدث خلافات في هذا الخصوص فإنها نادرا ما تعوق التفاهم، على الرغم من ظهورها وبروزها. وذلك مثل ما يبدو من بعض أهالي نيويورك من ذوي الطبقات الدنيا من تغيير الـth إلى t أو d، وغيرها من التغييرات التي يتجنبها الرجل المثقف المنتمي إلى نفس المنطقة الجغرافية. ومثل هذا ينطبق على بعض اللندنيين من ذوي اللهجات الخاصة Cockney الذين ينطقون lidy بدلا من lady وغيره مما يأنف الرجل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 211 المثقف اللندني عن استعماله. أما اللغة الطبقية التي تعني أن كلام طبقة اجتماعية يختلف تماما أو تقريبا عن طبقة اجتماعية أخرى في نفس المنطقة فهذا شيء نادر الحدوث، وإن كان يحدث أحيانا وبخاصة في المناطق المختلفة. وإن سكنى أصحاب الطبقات المختلفة -عادة- في دائرة واحدة، ومنطقة سكنية واحدة، وحتمية التفاهم والاتصال بينهم هو العامل الأساسي في أن أبناء الطبقات الاجتماعية يمكنهم أن يتفاهموا بعضهم مع بعض بلهجاتهم الخاصة. وأي مكان يوجد فيه مستوى رسمي نموذجي وطني، تميل فيه عادة لغة القسم المتعلم من السكان إلى الاقتراب منه، أو مطابقته "مرة ثانية مع بعض الاستثناءات الظاهرة، وهذا يعطي لغة القسم المتعلم من السكان ميزة العمومية في المنطقة ما دامت لغة الطبقة الدنيا تستسلم بصورة سهلة للاتجاهات اللهجية المحية. وإن عالم اللغة الجغرافي لا بد أن يأخذ في اعتباره المستويين الاجتماعي والثقافي للكلام، وبخاصة حينما يصبحان مهمين من وجهة نظر الاتصال والتفاهم. وفي نفس الوقت، وفي حالة اللغات ذوات المجموعات المتكلمة الكبيرة، والتي تملك مستوى عاليا من الحضارة، وقدرا رفيعا من الثقافة، قد يبدو مفيدا للباحث أن يوجه اهتمامه، ويشحذ انتباهه، خاصة بالنسبة للمستوى القومي الذي يتمتع بامتيازات عدة. فهو أولا يتطابق مع اللغة الرسمية والكتابية، وهو ثانيا يتمتع باتساع منطقة نفوذه، ولا يتحدد بمنطقة محلية، وهو ثالثا يحمل في طياته كثيرا من الخصائص اللهجية حتى بالنسبة للمتكلمين باللهجات المحلية أو الطبقية أكثر من معظم سائر التنوعات المحلية واللهجات الطبقية في المنطقة. وإنه لتوجد في أقطار كثيرة أماكن تتقاسم لغويا بين الطبقية والمحلية، مثل إيطاليا. ولكن لو أنك تكلمت هناك باللغة النموذجية القومية، فإنك سوف تفهم بوجه عام، وإن لم يأتك الرد دائما بنفس الطريقة. وأكثر من هذا فإن هناك الآن اتجاها الجزء: 1 ¦ الصفحة: 212 حديثا للغة نحو التوحيد والتجميع خارج المستوى المحلي أو الطبقي، وذلك بمساعدة الراديو والتليفزيون والأفلام الناطقة التي تنال لغتها إعجابا وقبولا، وبخاصة بين الأجيال الناشئة. وإن بعض اللغويين يؤمنون بأن "اللغة هي ما يتحدثه الناس وليس كما يظن بعضهم هي ما ينبغي أن يتحدثه الناس". وهذا من وجهة نظرهم يشمل اللهجات المحلية والعامية والصيغ غير النموذجية بوجه عام، ويجعلها كلها على قدم المساواة مع اللغة النموذجية. وأي إنسان يختلف مع وجهة النظر المتطرفة هذه يتهم بالأرستقراطية وتقييم الأشياء بناء على ذوقه الخاص. إنه من الممكن قبول القول بأن الصيغ العامية واللهجية وغير النموذجية كلها صيغ حية ومستعملة. ومن الممكن أيضا قبول القول بأن كثيرا من هذه الصيغ كان في الماضي داخلا ضمن اللغة النموذجية، ومنظورا إليه نظرة احترام وتقدير وإن التقليل من قيمة أي من هذه الصيغ، والنظر إليها على أنها أقل من الناحية الأدبية والجمالية ليعد شيئا فرديا، كما أنه يعد تفضيلا ذاتيا, ومع هذا فإنه يجب أن يظل واضحا أن بقاء مثل هذه الصيغ اللهجية غير النموذجية من الكلام يؤدي إلى تعطيل تيار التفاهم، الذي يعد قبل كل شيء الهدف الأساسي للغة. وإن الالتزام اللغوي لا يختلف عن أي نوع آخر من أنواع الالتزام الاجتماعي. فإذا كان مرغوبا أن تملك نظاما موحدا للمرور حتى لا يصاب السائقون في مناطق غير مناطقهم بالاضطراب، ولا يقعوا في حوادث تصادم فإن من المرغوب فيه على قدم المساواة في المناطق المتحدة سياسيا أن توجد بعض المقاييس التي تؤدي إلى الوحدة اللغوية، وتقلل من سوء التفاهم، ونقص وسائل الاتصال. وهؤلاء اللغويون الذين ينادون بمبدأ "دع لغتك وشأنها", واستعمل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 213 أي صيغة لغوية تعجبك إنما يسيئون إلى اللغة, ويقضون على أهم أغراضها وهؤلاء يعترفون ضمنيا بخطئهم في هذا الرأي حين يبالغون في كتاباتهم في الحرص على أن يتجنبوا المحلية والعامية والابتذال، وحتى الأساليب الدارجة، ويتوخوا لغة صحيحة أنيقة قد تنحرف بهم نحو التكلف والتقعر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 214 القسم السابع: علم اللغة الجغرافي؛ "منهج البحث". 43- التعداد السكاني وإحصاءات القراءة والكتابة : من الموضوعات الأساسية لعالم اللغة الجغرافي بيان عدد المتكلمين بكل لغة من اللغات وتوزيعها الجغرافي، ولحد ما وصفها. ومن هنا فإن عالم اللغة الجغرافي يمكن أن يسير خطوة إلى الأمام فيربط اللغات بالعوامل الاقتصادية والسياسة وغيرها، ويكون تقديرات لمدى الأهمية الفعلية لكل لغة واستعمالاتها التي يمكن أن توضع فيها. ومعنى هذا أن الأداة الأساسية والهامة في يد عالم اللغة الجغرافي هي الإحصاءات السكانية واللغوية. وإن الإحصاءات السكانية للدول جميعها غالبا ما تكون في متناول الأيدي وإن كان بعضها لا يوثق به كثيرا. وإن الدول التي ضربت في الحضارة الحديثة بسهم وافر لفترة زمنية معقولة عادة ما تنشر تعدادات دورية دقيقة للسكان، وتعدلها من فترة إلى فترة على حسب ما يحدث من تغيرات. وعلى أي الحالات فإن هذه الإحصاءات السكانية المعروفة لنا تسمح لنا بأن نقدر التقدم أو التأخر الرقمي للغة معينة. ونحن -على سبيل المثال- نستطيع أن نحصي الأعداد السكانية لكل الأقطار التي تتحدث اللغة الإسبانية كلغة رسمية وطنية، وأن نقول إن هذه الأعداد تمثل -بوجه التقريب- عدد المتكلمين باللغة الإسبانية في جميع أنحاء العالم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 217 أما ما تعجز عن إيضاحه الإحصاءات السكانية فهو بيان الفروق اللغوية الدقيقة، وإعطاء أحكام تمس بعض القضايا الثانوية، مثل عامل التعدد اللغوي الذي كثيرا ما يلون صور الكلام الوطنية، ومثل اللغات المساعدة والثانوية والثالثية في البلد، ولغات الأقليات التي عادة ما تشير إلى ثنائية اللغة ولكن -أحيانا- تمثل عملية طرح أو إسقاط واجبة الإجراء من إحصاءات اللغة الوطنية. وإن مثل هذه المعلومات القيمة التي يهتم بها عالم اللغة الجغرافي قد تقدم له في صورة تقديرات تقريبية مع إحصاءات السكان. وهذا يسمح لنا بأن نعرف على سبيل المثال أنه يوجد في بريطانيا عدد معين من المتكلمين باللغة الويلزية، وأن نسبة معينة منهم ثنائية اللغة "يتكلمون اللغتين الإنجليزية والويلزية" ونسبة أخرى صغيرة تتحدث باللغة الويلزية فقط. وفي معظم البلاد لا تمثل هذه المعلومات أكثر من تقديرات أو تخمينات تعليمية. ويحتاج عالم اللغة الجغرافي إلى مزيد من الدقة إذا هو أراد أن تكون في متناول يده صورة لأحوال اللغات المستعملة في العالم. وإن الوسائل المحسنة التي تستعمل الآن في عمل التعدادات السكانية، بالإضافة إلى الدقة التي تلتزمها كثير من البلاد الآن في إحصاءاتها السكانية لتجعل عالم اللغة الجغرافي يطمع من القائمين على مسائل التعداد أن يضيفوا مباحث تتناول اللغات التي يتكلمها الأفراد ويفهمونها. ويأتي بعد ذلك في الأهمية بالنسبة للأرقام السكانية نفسها إحصاءات الأمية والتعلم. وهنا -مرة أخرى- فإن الإحصاءات المقدمة لنا إجمالية جدا بالإضافة إلى ما تتصف به من جزافية وتخمين. ولكن ربما يخفف من ذلك أن مثل هذه الأرقام من حسن الحظ دائمة التغير والتحول نحو الأفضل بطريقة تثير الانتباه غالبا. ومع هذا فإننا ما زلنا في حاجة إلى مزيد من الدقة. وإن نسبة معرفة القراءة والكتابة تعد مدخلا لكثير من الأشياء. إنها توضح كم من السكان الموجودين في دولة ما يمكن أن يوصل إليهم عن طريق اللغة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 218 المكتوبة، وإلى أي مدى يمكن تعليم لغة ثانية أو ثالثة لجزء كبير من السكان. وهي أيضا مفتاح لمعرفة القوة الإنتاجية للأمة سواء من الناحية المادية أو العقلية وفي العالم الحديث اليوم من النادر -إن لم يكن من المستحيل- أن نجد شعبا تشيع فيه الأمية يحقق درجة من الإنتاجية، أو مستوى عاليا من الحياة. وإن الحملات التي توجهها الدول الآن لمحو الأمية يجب أن تقترن بما يمكن أن يسمى بالتقارير المنقحة التي تنشر دوريا، وتؤسس على إحصاءات دقيقة. وهناك دليل هام بين درجة التعليم القومي، والإنتاج الثقافي يتمثل فيما تخرجه المطبعة من صحف ومجلات وكتب وغيرها من المواد المطبوعة، وإن إحصاء لمثل هذه الوسائط اللغوية المكتوبة لكل قطر على حدة ربما يسمح بإضافات ملحوظة إلى فهمنا للصورة اللغوية الجغرافية. وما دام الراديو والتليفزيون والأفلام الناطقة تقوم بدور هام في الاتصال بعد أن شاع استعمالها لدرجة جعلتها تطغى على الوسائل اللغوية المكتوبة1, فإن المعلومات عن محطات الراديو والتليفزيون، وعن أجهزة الراديو والتليفزيون بالنسبة لتعداد السكان، ونسبة المترددين على الأفلام الناطقة, كل هذا يكمل الصورة لدى عالم اللغة الجغرافية. وإذا كانت أرقام إحصائية كهذه قد تساعد -بالإضافة إلى هذا- على الكشف عن تأخر المستوى اللغوي الذي تقدم فيه هذه النشاطات الموجودة في كل منطقة، فإن هذا -في ذاته- يعد فائدة وميزة أخرى.   1 إن الزائر للمدن الصينية غالبا ما يعجب لدوي أصوات الراديو في كل الأماكن العامة، وهو ربما يعزو ذلك إلى الرغبة في إذاعة الدعاية السياسية. وعلى الرغم من أن هذا قد يكون -جزئيا- صحيحا فإن هناك عاملا آخر هو انتشار الأمية، وقلة الاستعداد لقراءة الرموز المكتوبة التي تجعل النشرات الإذاعية شيئا ضروريا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 219 44- التقارير التعليمية : إن السؤال الذي يسأل دائما هو كم من الناس في بلد معين قد درسوا لغة ثانية لدرجة الإتقان؟ والإجابة تأتي دائما بشكل واحد في صورة تقدير جزافي أو تخمين عشوائي. ولهذا فإن من اهتمامات علم اللغة الجغرافي أن يعرف -بدرجة ما من الدقة على الأقل- ليس فقط اللغات الأجنبية التي تدرس في كل قطر من أقطار الأرض، ولكن أيضا النسب المئوية من السكان، ومدى الجدية في التعلم، ودرجة الاستمرار، ومقدار الإتقان. وهنا تجد الأرقام التي بين أيدينا مضللة. ولربما كان صحيحا أن نقول: إن نسبة 20% من طلبة مدارسنا الثانوية وكلياتنا قد درسوا أو يدرسون لغة أجنبية، أو أن نتحدث عن خيبة الأمل حين نعرف عدد اللغات الأساسية التي تدرس عندنا، أو أن نحاول وضع أرقام وبيانات بناء على إحصاءات المدارس الدقيقة لعدد المترددين عليها من دارسي اللغات الأجنبية. ولكن هذا النوع من البيانات لا يكشف عن الفروق بين مستويات التعليم في البلاد المختلفة، ولا بين أوجه المفارقة بين بلادنا وهذه البلاد، التي تتسم برامج تعليم اللغات الأجنبية فيها بالطول والصعوبة. كذلك يعجز مثل هذا النوع من البيانات عن أن يأخذ في اعتباره الأرقام المتعلقة بالتعليم الخاص مثل مدارس Berlitz للغات، وتلك المعلقة بالدروس الخصوصية في المنزل، أو بالتعليم عن طريق التسجيلات، أو غير ذلك من الطرق. وهنا مرة ثانية يكون تضمين تعداد السكان بعض الأسئلة الخاصة بالقدرات اللغوية ذا فائدة عظيمة. وحتى إذا كانت الدقة المطلقة مستحيلة التحقيق فإنه يمكن على الأقل أخذ نماذج وافية للمجموع العام للسكان، وعينات تساعد على التنبؤ بالنتائج، وهو ما يعرف بطريقة Gallup poll. وربما كان مهما كذلك لعالم اللغة الجغرافي أن يعرف -إن وجد- الهدف أو الأهداف التي يرمي إليها أي برنامج لغوي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 220 ونحن في هذا الباب مدينون لدرجة كبيرة في كثير من الإحصاءات والبيانات لجمعية اللغات الحديثة Modern language Association التي أمدتنا بإحصاءات شاملة، وبيانات تتصل بأعمالها الخاصة بالدعاية لتعلم اللغات الأجنبية. ولكن مصادر هذه الجمعية محدودة، ويجب أن تدعم بعمل حكومي رسمي من هذا النوع الذي يوجد دائما حينما نكون في حالة حرب، وتصبح أمثال هذه المعلومات ذات أهمية استراتيجية. إنه ميدان واحد للتخصص بالنسبة لعالم اللغة الجغرافي يمكن أن يكون واضحا أمامنا جيدا، وهو ميدان الإحصاءات المتعلقة باللغة، وجمع الحقائق اللغوية، وتصنيفها، وتهذيبها، من الناحية الجغرافية، مع استخدام المناهج الإحصائية الدقيقة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 221 45- دراسات للمناطق ولغاتها : لقد تم حتى الآن القيام بقدر لا بأس به من الدراسات التي تشمل المناطق ولغاتها، وإن كان معظم هذه الدراسات قد تعرض للمناطق اللغوية كل على حدة، دون أن يتناول العالم بأسره. وعلى هذا فدراسة المنطقة اللغوية ليست أفضل مثال لعلم اللغة الجغرافي الوليد. إذ في هذه الدراسة تختار منطقة معينة من الكرة الأرضية، وتدرس تفصيلا، مع ربط لغات هذه المنطقة بالعوامل الأخرى التي تؤثر فيها مثل الجغرافيا والتاريخ والسياسة والإنتاج والاقتصاد والنشاط الثقافي، وحتى الفن والموسيقا والأدب وما ينبثق عن هذا يشكل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 221 وعيا عاما لغويا جغرافيا يتعلق بمنطقة معينة. ولكنه ما يزال في حاجة إلى نوع من التوازن، واهتمام ببيان الحصة التي يملكها كل مكان على حدة. ومع ذلك فهذه الدراسة أفضل بكثير -حتى الآن- من دراسة لغة ما أو القيام بأي دراسة لغوية في فراغ. وبينما تكون -غالبا- مناهج الدراسة الشاملة للغات موضع اهتمام كبير للقوات العسكرية فإن دراسات المناطق ولغاتها تترك غالبا للمعاهد الخاصة. ويعتقد -وهو اعتقاد سليم إلى حد كبير- أن اهتمام الحكومات بدراسة المكان ولغته ويزداد في البلاد التي يهمها أن تحدث تغييرات سياسية في أماكن من العالم. وهذا يجب أن يحركنا لنضاعف جهودنا مرة أخرى بقصد حماية أنفسنا من الآخرين، إن لم يكن لغرض آخر. وعلى كل حال فدراسة المكان واللغة لا ينبغي أن تأخذ صورة تفصيلية بالنسبة لرجل الحرب أو السياسة، ولكن يجب أن تتجه نحو المصالح التجارية والاقتصادية، ونحو الروابط الثقافية. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 222 القسم الثامن: تاريح موجز لعلم اللغة العصور القديمة والوسطى ... القسم الثامن: تاريخ موجز لعلم اللغة العصور القديمة والوسطى: لقد كان القدماء -حتى في عصور التوراة- على وعي باللغة ومشكلاتها، كما هو ثابت من الفصل الخاص ببرج بابل الوارد في سفر التكوين، وهناك نجد الكاتب المجهول يعكس أمنيته على الماضي حين تخيل أن البشرية كانت في وقت من أوقات سعادتها القديمة تتفاهم بلغة واحدة وكلام واحد. ولكن الإنسان نتيجة لكبريائه الحمقاء، وتحديه للإله فقد هذه القدرة الذهبية التي كانت تمكنه من الفهم الكامل، والمشاركة مع غيره في العمل. وهذا ما توقف واختفى داخل حالة وصفت بأنها مؤسفة، وهي تعدد اللغات، ويعد ذا أهمية خاصة للغوي هذا الاعتراف بالدور الهام الذي تلعبه اللغة، والتفاهم اللغوي في العلاقات الاجتماعية. ومن الأمثلة القديمة للاهتمامات اللغوية البدائية استخدام المترجمين في بلاط الفراعنة, والنقوش القديمة المكتوبة بلغتين أو ثلاث المحفورة على الحجارة في المناطق التي كانت تستخدم أكثر من لغة، وحتى كذلك معجم الأنواع المزدوج اللغة الموضوع باللغتين السومارية والأكادية. وأما الاهتمام المقصود باللغة ومشاكلها فيبدأ مع فلاسفة اليونان القدماء والنحاة السنسكريتيين, وفي حين ناقش الأولون أصل اللغة وطبيعتها حاول الآخرون أن يقننوا لغتهم، ويضعوا لها القواعد الخاصة بها. وإن المنهج الذي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 225 وضعه Paninl للنحو السنسكريتي "300 ق م، ولكنه يحوي إشارات إلى أعمال سابقة" ليعد غاية في الدقة والإيجاز، ولكننا لا ندري ما إذا كان هذا العمل في مجموعه يعد وصفيا descriptive، أو معياريا Prescriptive. وتعد المناقشات التي أثارها الفلاسفة الإغريق ذات أهمية خاصة، لأنها مهدت الطريق لمناقشات أخرى تالية, هل اللغة شيء فوق الطبيعة تلقاها الإنسان من ربه؟ هل هناك علاقة فطرية بين الدال والمدلول؟ هل اللغة تتوقف على العرف والاتفاق بين المتكلمين على أنهم سوف يستعملون رمزا لغويا معينا في مقابل قيمة دلالية معينة شائعة ومتماثلة -قليلا أو كثيرا- بين أطراف التفاهم؟ من وجهة نظر القرن العشرين، واستنادا إلى ما ساقه دي سوسير من تفسيرات واضحة لا نتردد الآن في أن نعطي رأينا، ولكن في عهد أفلاطون وكراتيلس كان ما يزال هناك قدر من الشك والنقاش. والذي يبدو أن النحاة اليونانيين قد شقوا في النهاية طريقهم مستقلين عن الهنود، وتوصلوا إلى وضع نظام نحوي يناسب لغتهم وغيرها من اللغات الشبيهة بها في التركيب، اللغات التي لها أنواع نحوية متميزة تعبر عن الجنس والعدد والحالة والشخص والزمن والصيغة الفعلية، وتعد تراكيبها جزءا لا يتجزأ منها، ويمكن التعرف عليها بملاحظة الصيغ، أو بملاحظة المعاني والوظائف، اللغات التي تقع كلماتها في مواقع متميزة بحيث يمكن ببساطة أن توصف بأنها اسم أو صفة أو فعل ... إلخ، وليس عن طريق الإشارة إلى سلوك الكلمات في الجملة فقط، ولكن أيضا عن طريق الإشارة إلى طرق تركيبها، وطرق تشكيل نهاياتها، وتغييراتها الداخلية التي يختص كل منها بنوع معين من أنواع الكلام. وقد كان هذا هو بداية النحو العالمي الذي استمر مسيطرا على الحقل اللغوي حتى القرن الثامن عشر وما بعده. وهناك عدة أشياء يجب لفت النظر إليها خاصة بالقواعد النحوية التي وضعها الإغريق. منها أن الوصف الدقيق الذي انتبهوا إليه لم يتم بين يوم وليلة، وإنما الجزء: 1 ¦ الصفحة: 226 استغرق قرونا حتى تم وضعه. وقد بني على بعض فروض وهمية، ومقدمات خاطئة عند التصنيف, وربما كان هذا التصريح مثيرا للعجب، لأن قيمة النحو اليوناني بالنسبة للغويين المحدثين تعد شيئا لا يحتاج إلى بينة. ولعل السبب الوحيد الذي أدى إلى تخلف النحو الإغريقي وعدم إحكام قواعده أن النحاة الإغريق كانوا مرتبطين بأسس ومبادئ منطقية وفلسفية كثيرا ما اعترضت طريقهم نحو الملاحظة العلمية، وقادتهم إلى استعمال المنهج الاستدلالي الاستقرائي. وبمجرد أن وضعت التركيبات والأنواع النحوية قدر لها أن تشيع وتبقى وتستمر. لقد توارثها الخلف عن السلف، وأصبحت تطبق ليس فقط على المجموعة الرومانسية، ولكن أيضا على لغات من مجموعات أخرى مثل العبرية والعربية. ومن حسن الحظ أن اللغات السامية لا تختلف كثيرا جدا في تركيبها عن اللغات الهندية. وبذا أمكن لهذا النقل أن يتم بشيء من السهولة واليسر. وكثيرا ما أخذ على الآراء النحوية القديمة أنها كانت معيارية أكثر منها وصفية، بمعنى أن النحاة الأقدمين تناولوا التركيب اللغوي كما ينبغي أن يكون لا كما هو كائن بالفعل. وقد نسي هؤلاء الناقدون أن القواعد النحوية -مثل نظم الكتابة- كانت في البداية انعكاسات دقيقة لحالة موجودة بالفعل، ولكن أوضاع اللغة تتغير دون أن تجاريها القواعد النحوية والنظم الكتابية مما يؤدي في النهاية إلى تحكيم بقايا من مرحلة قديمة منتهية من مراحل اللغة. وهناك دلائل كثيرة -وبخاصة من اللغة اللاتينية- على أن تغير اللغة قد صاحبه جمود في القواعد النحوية, وهناك أيضا دلائل كثيرة على أن أكثر الناس تعليما وثقافة كانوا على وعي تام بالتغييرات اللغوية التي حدثت1 أو التي تحدث للغتهم،   1 يكفي أن نقتبس المثالين الآتيين وهما: 1- تصريح القديس Jerome بأن "اللغة اللاتينية نفسها تتغير يوميا سواء من مكان إلى مكان، أو من وقت لوقت". 2- إشارة القديس Augustine إلى أنه "أفضل أن ينالنا توبيخ النحاة من أن يعجز عن فهمنا عامة الناس". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 227 ومع هذا كان هناك اتجاه نحو اعتبار النماذج القديمة بمثابة المثل اللغوية، والنظر إلى النماذج الحديثة التي طرأت على أساليب الكلام على أنها انحراف وابتذال يجب مقاومته والتقريع عليه. وفي نفس الوقت ربما كان صحيحا القول بأنا نبالغ في فهم المغزى والمناسبة التي توجه منها مثل هذه اللائمات، فهي قد قيلت لتطبق فقط على اللغة المكتوبة وعلى الأداء الأدبي البلاغي، لا على الكلام اليومي العادي. وقد أدى سقوط الإمبراطورية الرومانية الغربية إلى تفسخ للمستويات المعيارية مصحوبة بتغيرات واسعة في اللغة المتكلمة. وقد اعترف بهذه التغييرات أخيرا حينما أخذت اللغات الرومانسية الجديدة أشكالا مكتوبة في وقت ازداد فيه الإحساس اللغوي. وبينما كان هناك فيما سبق خط فاصل بين اللاتينية "الصواب" والأخرى "الخطأ" أصبحت اللاتينية نفسها الآن -بعد أن صارت لغة شبه متكلفة وإن كانت ما تزال لغة حية يستعملها الدارسون ورجال الدين- توازن باللغات المحلية، واللهجات المستعملة بين الفلاحين وطرق التعبير الرومانية، أو المبتذلة التي انبثقت عن الطبقات الوسطى. ولكن خطوات الاعتراف بهذه الألسنة الجديدة ومساواتها بغيرها كانت بطيئة. ولم يتم حتى حوالي عام 1000م ظهور نحو لغوي مزدوج للغتين اللاتينية والأنجلوسكسونية. وقد كان تقعيد القواعد التي ترتبط باللغات الرومانسية أبطأ من هذا لدرجة أن دانتي كان ما يزال يصف لغته عام 1305 بأنها لاتينية من غير قواعد نحوية. وخلال كل هذه الفترات التي ندرسها، وذلك من فجر التاريخ حتى فجر النهضة كانت اللغات في استعمال كتابي وكلامي ثابت. ومع هذا يمكن أن ندعي وجود إدراك للتغيرات اللغوية حينذاك، وإن كنا لا نملك دليلا مباشرا لهذا الإدراك، فقد كانت الإشارات المباشرة لاختلافات كهذه، وللصعوبات المتولدة عنها -من جانب آخر- إلى حد ما طفيفة، وفي أعمال تقابل أعمالنا الأدبية الحديثة "مثل الإلياذة والأوديسة على سبيل المثال" كانت الجزء: 1 ¦ الصفحة: 228 الشخصيات ذوات الثقافات اللغوية المختلفة تتحادث بحرية، وبغير ما حاجة ظاهرة إلى تدخل مترجم. وهذا التقليل من العامل اللغوي -الذي يتضمن لا مبالاة أخطر حتى من الجهل- وجد في صورة مماثلة في العصر الحديث, وذلك في الأفلام المبكرة لهوليود, ولم يأت التصويب والنظرة الواقعية إلا في فترة متأخرة، نتيجة لنضج التفكير. وإن الوعي اللغوي -بمعناه الاصطلاحي الحديث- المؤسس على الملاحظة والتحليل والتركيب والتعميم لمما يفتقده المرء في مثل تلك الدراسات. وكثير من النتائج الأساسية الصحيحة التي توصل إليها النحاة الأقدمون كانت من آثار الصدفة أكثر منها من آثار المنهج, وبين عامي 400 و1000م كان هناك قدر قليل دال على وعي لغوي، ربما اعترف به اللغوي الحديث كشيء جدير بالتقدير بالإضافة إلى ما تم من ترجمات للكتاب المقدس، وأدعية الحجاج, وإن كان كلاهما يغلب عليه الطابع المنفعي. وفوق كل هذا فإن هناك قليلا من الشواهد في عصر ما قبل النهضة تدل على الاهتداء إلى تصنيف اللغات، واكتشاف قراباتها والعلائق بينها, وقد كان اليونانيون -الذين كانوا على وعي فقط بلغتهم- يجمعون كل المتكلمين باللغات الأخرى، ويحكمون عليهم بصفات محتقرة كالعجمة أو البربرية أو التخليط. ولم يترك الرومانيون -الذين كانوا يظهرون احتراما للغة أجنبية واحدة فقط وهي اليونانية- لم يتركوا لنا إشارات ذات قيمة تتعلق بلغات مثل الـGoulish, والـIberian, والـEtruscan, والـPunic. وقد وقع Varro النحوي الروماني الوحيد الذي خاطر فتحدث بطريق التخمين عن وجود علاقة بين اليونانية واللاتينية، وقع في نتائج خاطئة. الصورة إذن من الجانب اللغوي التاريخي ليست مشجعة تماما. أما بالنسبة لعلماء اللغة الوصفيين فقد كان وصفهم أفضل قليلا بالنظر إلى دراساتهم الوصفية. للغات السنسكريتية واليونانية واللاتينية التي كانت دقيقة إلى حد كبير، ولو أنها كانت تعالج لغات كانت قد وصلت حينئذ إلى درجة من العقم والجمود. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 229 من النهضة العلمية حتى عام 1800 : نقطة البدء في نظرنا هي وصف دانتي للغة الإيطالية المثالية في كتاب أصدره عام 1305 بعنوان De Vulgari Eloquentia، وقد قرن بدراسة صائبة عن توالد اللغات، وعن أصل اللغات الإيطالية والفرنسية والبروفنسالية، والعلاقة بينها، وبتصنيف دقيق في جملته للهجات الإيطالية. ثم أخذت النهضة تشق طريقها، ولكن ببطء وبطريقة غائمة نحو الآراء اللغوية الحديثة. وقد كان الإسهام الأساسي الذي قدمته العصور الوسطى لعلم اللغة هو محاولة تقديم نحو عالمي صالح للتطبيق -مع إدخال تعديلات مناسبة- على كل اللغات, وقد كان هذا -من أحد الوجوه- إحياء لفكرة قديمة سيطرت على عقول الأوائل، وهي اعتبار لغاتهم فقط هي اللغات الوحيدة التي تستحق الدراسة والتوسع لتصبح لغات عالمية. والتغير الذي قدمه علم اللغة الوسيط هو أنه اعترف بلغات أخرى بالإضافة إلى اللاتينية واليونانية، حتى ولو كانت تلك اللغات تحتل مكانة ثانوية, وظل هذا التصور للنحو العالمي يحتل عالم اللغة فترة طويلة بعد اكتشاف لغات أخرى تختلف جذريا في التركيب عن اللغات الكلاسيكية، وإن كان اكتشاف هذه اللغات قد بدأ يلقي ظلالا من الشك على قيمته. ولربما كنا على صواب إذا قلنا: إن النحو العالمي ما يزال بروحه -إلى حد ما- يسيطر على عقلية اللغويين المعاصرين، لأن من بين الأهداف التي يهتم بالوصول إليها علم اللغة الوصفي -كما صرح بذلك دي سوسير نفسه- تحقيق مبادئ قابلة للتطبيق عالميا على كل اللغات "ولاحظ كذلك محاولة Whorf لعمل نحو جديد عالمي مبني على أساس علمي بحت". والفروق الأساسية بين النظرة الوسيطة والنظرة الحديثة تكمن في العناية بالعناصر اللغوية المختلفة، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 230 والاهتمام بنوع معين من اللغات دون الأنواع الأخرى, ولكن علماء اللغة الوسيطين يمكن أن يلتمس لهم العذر فيما وقعوا فيه من أخطاء منهجية، على ضوء ما نعرفه عنهم من جهل بجميع اللغات التي لا تتصل بالمجموعة الهندية الأوربية، أو بمجموعة شبيهة من الناحية التركيبية، مثل المجموعة السامية التي تتضمن ضمن ما تتضمن اللغتين العربية والعبرية، وهما لغتان كانتا معروفتين إلى حد معقول لدى علماء أوروبا في العصر الوسيط. ولكن باتساع المجال الأوربي أولا نتيجة للحروب الصليبية، وثانيا بسبب الرحلات والاكتشافات والريادات الجغرافية، أخذت النافذة تتسع لتطل على لغات أخرى جديدة غريبة، شرقية قصية، وإفريقية، وهندية أمريكية، وهي لغات لا يصلح لها تطبيق المعايير النحوية القديمة الشائعة إلا بالإكراه، كما يكره وتد مربع ليدخل في ثقب مستدير. وإنه لمن الصعب أن نحدد بالدقة متى بدأ الشعور- خلال عصر النهضة- يتسرب إلى عقول العلماء بأن هذه اللغات المكتشفة حديثا لا تتفق قواعدها وأسسها مع نظرية النحو العالمي، على الأقل بالطريقة التي وصلتنا. وعلى كل حال فقد بدأت محاولات كثيرة لوضع نحو وصفي لبعض اللغات الحديثة والقديمة على السواء, وبدأت تظهر مناقشات وخلافات كان يشوهها في الغالب جهل العلماء بالحقائق المتعلقة بتصنيف اللغات وقراباتها اللغوية, وبدأت كذلك مناقشات تتعلق بمستوى الصواب اللغوي، وبمشكلة انقسام اللغة إلى لهجات، ومشكلة اللهجات الطبقية. وإنه لمن الأهمية بمكان أن نقول: إن البحث والدرس وإن ظلا يعانيان من اضطراب المنهج وخطأ المقدمات فقد حققا في هذه الفترة تقدما ملموسا سار في عدة اتجاهات, لقد كان عقل عصر النهضة عقلا فاحصا, لقد أراد أن يعيش التجربة ويقيم الدليل، ويعرف كل شيء، ويبعد -بقدر الإمكان- عن عقلية العصر الوسيط التي كانت تتسم بالغيبية المطلقة، وتخلع صفة الأزلية الجزء: 1 ¦ الصفحة: 231 على الأشياء المؤثرة في الحياة، وترى أن ما يقع في هذا العالم إنما يقع بمحض الصدفة. وقد حمل هذا الاتجاه -الذي امتد حتى نهاية القرن الثامن عشر- ثمارا كثيرة، وإن لم تكن جميعها ذات قيمة كبيرة، وبمجيء عام 1800 كانت كثير من الأسس اللغوية قد وضعت، وإن ظل هناك عيب واضح في البحث، وهو عدم التزامه منهجا سليما مستقرا يعطي ضمانات علمية دقيقة, وقد تم عمليا وصف كل اللغات المعروفة تقريبا بطريقة أو بأخرى. وإن أكره بعضها ليخضع للقالب الهندي الأوربي, وتم تقدم كبير في موضوع تصنيف اللغات، وإن وجدت بعض الآراء الخاطئة التي كانت تحتاج إلى تقويم، وبعض الاتجاهات غير العلمية التي أقيمت على التخمين والافتراض، أو على الجهد الفردي الذي يطرق بدون خبرة مجال اللغة, وقد جمعت في تلك الفترة شواهد كتابية كثيرة يمكن، أن تخدم الدراسة التاريخية اللغوية، وتساعد في رصد أطوار اللغات، وبعض النظريات الحديثة، مثل الصواب والخطأ في اللغة، ومثل الانقسامات اللهجية، ومثل المستوى الأدبي للغة قد طرحت على بساط البحث والمناقشة, وفوق كل هذا فقد ارتفع الوعي اللغوي، ووجدت اهتمامات لغوية كثيرة, وكل ما بقي في حاجة إلى معالجة هو اختفاء المنهج العلمي المستقر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 232 القرن التاسع عشر : حتى من قبل نهاية القرن الثامن عشر كان السير وليم جونز William Jones قد قدم لعالم الدراسات اللغوية آراءه عن العلاقة القوية بين السنسكريتية والفارسية القديمة، وبين اللاتينية واليونانية والجرمانية والكلتية, وقد كانت هذه الدراسة بمثابة الدليل أو الريادة للمنهج المقارن الذي أخذ يحتل عالم الدراسات اللغوية طوال المائة العام التالية أو أكثر. ولم يكن جونز نفسه هو الذي وضع منهج البحث، وإن كان هو الذي اقترحه, ولكن تبعه مباشرة علماء مثل شليجل Schlegel، ورسك Rask, وبوب Bopp، وجريم Grimm، وفرنر Verner. وقد كان المنهج -في أساسه- بسيطا. احصل على أقدم الأشكال الثابتة، وعلى أقدم الكلمات لكل فرع من فروع اللغات الهندية الأوربية، ثم ضعها بعضها بجانب بعض، وصف ما بينها من مشابهات واختلافات ثم حاول أن تركب -عن طريق استخلاص الأشياء المشتركة الغالبة- الصيغة المحتملة للغة الأم. ولم يكن بالطبع يقدر لهذا المنهج أن يقبل، إلا بعد إثبات العلاقة بين اللاتينية واليونانية، والسنسكريتية والسلافية القديمة، والكلتية القديمة ... إلخ، وانتمائها جميعا لعائلة واحدة وتفرعها من أصل واحد، أو لغة مشتركة. ولا بد لنا أن نعترف بفضل الريادة، وتقديم الأسس الدقيقة المقبولة لهذه النظرية للسير وليم جونز، على الرغم من اعترافنا بأن معظم الشواهد والتطبيقات قد تمت على يد كتاب متأخرين, وقد امتدت آفاق علم اللغة المقارن فيما بعد لتشمل فروعا مستقلة للغات الهندية الأوربية "على سبيل المثال اللغات الرومانسية المتفرعة عن أصل لاتيني مشترك"، وحتى لتشمل مجموعات من اللغات لا تبدو لها صلة بالمجموعة الهندية الأوربية، وإن كانت تبدو مرتبطة بعضها مع بعض، مثل الأكادية، والعبرية، والعربية، والآرامية، وغيرها من المجموعة السامية. وكان نتاج هذه الدراسة علم اللغة المقارن، أو كما كان يسمى في ذلك الوقت الفلولوجي المقارن "أطلق عليه هذا الوصف لأن أقدم النماذج والكلمات والصيغ والتركيبات الثابتة قد انحدرت كلها من وثائق لغوية مكتوبة". وفي خلال هذا القرن لم يظهر إلا قليل جدا مما عرف فيما بعد باسم علم اللغة الوصفي، فقد كان هناك من يزعم في ذلك الوقت -بطريقة ضمنية- أن الاهتمامات التاريخية لها الشأن الأعظم. وقد مهدت الدراسات اللغوية المقارنة السبيل إلى استبعاد البقية الباقية من الاعتقاد التقليدي الذي كان سائدا، وهو الذي يزعم أن كل اللغات قد انحدرت من أصل لغوي مشترك, وعلى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 233 هذا فإن فكرة وضع أسس تقبل التطبيق على كل اللغات قد فشلت في أن تفرض نفسها, وحتى هذه الفترة لم يكن قد قدر لعلم اللغة الجغرافي أن يعرف, وحتى نهاية هذا القرن، وربما بعد ذلك أيضا، كان هناك اعتقاد سائد بأن اللغات التي تستحق الدراسة من أجل ما تحققه من فائدة عملية، هي تلك اللغات العظمى التي حملت الحضارة الأوربية، والتي صارت كذلك لغات استعمارية عظمى، ولم يكن محض صدفة أن اللغات الصناعية التي حوول تركيبها خلال هذه الفترة بما فيها الإسبرانتو لم تعط تمثيلا متساويا للغات ذات القيمة العالمية، فقد حضرت نفسها في اللغات ذات الأصل الجرماني، أو اللاتيني أو الروماني أو اليوناني، مع إشارات سريعة إلى اللغات السلافية1. وقد عكر من صفو الوحدة المتآلفة للفكر اللغوي في القرن التاسع عشر الخلاف الحاد الذي ثار بين مؤيدي نظرية الاطراد الملتزم للتغييرات الصوتية "النحويون المحدثون Neo grammarians"، ومؤيدي النظرية القائلة بأن التغير اللغوي شيء يرجع إلى الهوى الشخصي في العادة "اللغويون المحدثون Neo linguists". وقد تبلور هذا الخلاف عن حل وسط يقول: إنه يوجد اطراد في التغير الصوتي، بشرط ألا تتدخل عوامل أخرى مثل القياس والافتراض اللهجي أو الثقافي في طريق ما يسمى بالقوانين الصوتية Sound laws. وعلى الرغم من الصورة الكريهة التي ظهر فيها هذا الجدل، فقد كان النتاج ذا قيمة كبيرة، حيث تركز الاهتمام على الصيغ اللهجية، وعلى أنواع من الكلام لم يكن ينظر إليها حتى تلك اللحظة إلا على أنها لغات تافهة لا تستحق الدراسة, وحيث إن اللهجات لم تكن -من جميع جوانبها- مسجلة في خلال تطورها التاريخي، فقد أدى هذا إلى توجيه الاهتمام إلى اللغات الحية   1 لاحظ -على أي حال- محاولة Monsignor Schleyer تأليف لغة سماها Vola Puk للتيسير على المتكلمين باللغة الصينية, وقد راعى في هذه اللغة تقليل استعمال الرمز r في النظام الصوتي لهذه اللغة، لأن الصينيين لا يمكنهم نطقه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 234 ولهجاتها المتشعبة. ونتج عن هذا اهتمام بدراسة الجوانب المختلفة لهذه اللغات الحديثة عن طريق الملاحظة المباشرة، مما أدى إلى وجود فرع هام من فروع علم اللغة، وهو علم اللغة الوصفي الذي يعطي اهتماما كبيرا للغات المتكلمة، ويقلل من الاهتمام بالشواهد المكتوبة. كما أن الأسس اللغوية القابلة للتطبيق على حركة اللغات قد بدأت تتطور. وحتى الآن -وعلى الرغم من ظهور أول أطلس لغوي في العشر السنوات الأولى للقرن العشرين- فإن الأسس الدقيقة لعلم اللغة الوصفي باعتباره فرعا مستقلا من فروع علم اللغة كان يجب أن تنتظر حتى يظهر كتاب دي سوسير الذي نشر عام 1916 بعد موته تحت عنوان Course in General Linguistics قد رسم هذا الكتاب بوضوح ودقة الحدود الفاصلة بين فرعي علم اللغة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 235 القرن العشرون : إن القرون -كبدايات أو نهايات زمنية- لا تتطابق دائما مع نقط التحول في التاريخ, ومن الناحية العملية، وفي كل الاتجاهات سواء كانت اجتماعية أو اقتصادية أو ثقافية، فإن القرن التاسع عشر يمتد إلى ما بعد عام 1900 حتى نشوب الحرب العالمية الأولى التي غيرت وجه التاريخ، ولم يصبح العالم بعدها كما كان قبلها, وقد استمر علم اللغة التاريخي بالطبع بعد نشر كتاب دي سوسير وما يزال مستمرا حتى الآن، ولكن تلاه في الوجود، وتبعه في كل خطوة يخطوها شريكه الناشئ ذو السمعة المدوية، وهو علم اللغة الوصفي، ومنذ تلك اللحظة أخذ ميزان القوى يختل متحولا من البحث المقارن في تاريخ -وكذلك ما قبل تاريخ- اللغات الهندية الأوربية أولا, ومن أجل هذا كانت بغض النظر عن كونها منتمية إلى المجموعة الهندية الأوربية أولا، ومن أجل هذا كانت بعض اللغات المدروسة مجهولة، وإن كانت تصور سلسلة العمليات المتعاقبة الموجودة في كل اللغات. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 235 وفي أمريكا بوجه خاص اتجهت الدراسات الوصفية نحو اللغات المجهولة من المجموعة الهندية الأمريكية، مع اهتمام كبير بالنزول إلى حقل التجربة مساو لاهتمام الباحثين الأوربيين في مجال اللهجات، وتطوير منهج عملي لدراسة اللغات غير المكتوبة التي لا تعرف ظروفها التاريخية, ورواد هذا الحقل علماء مثل بوس Boas, وسابير Sapir، وبلومفيلد Bloomfield, وقد استمر عملهم حتى اليوم بجهود تلاميذهم، وإخلاص مريديهم, أما امتداد هذا الفرع الوصفي على أيدي الأوربيين فقد أخذ شكلا نظريا، وإلى حد ما فلسفيا على يد Jespersen الذي حاول أن يضع الأسس التي تحكم تقدم اللغة، كأن تتطور من مرحلة التركيب إلى مرحلة التحليل, وفي تشيكوسلوفاكيا طورت مدرسة براغ اللغوية منهجها التركيبي شبه المتناسق الأجزاء, وفي كوبنهاجن عملت مدرستها اللغوية على محاولة التعبير عن اللغة والتطور اللغوي بسلسلة من المعادلات شبه الرياضية, وقد ركزت المدرسة السوفيتية برياسة N.y. Marr على اللغة باعتبارها مرتبطة بالطبقة الاجتماعية، ومظهرا من مظاهرها. وإن علم اللغة التاريخي -على الرغم من انتزاعه من فوق عرشه الذي كان يحتله خلال القرن التاسع عشر- لم يمت أو يتوقف خلال القرن العشرين, وقد بذلت محاولات كثيرة في الأعوام الأخيرة في أوربا وأمريكا كليهما, وقد تناول البحث مجموعات لغوية مختلفة، وظهر في أوربا علماء مهتمون بالدراسات الهندية الأوربية مثل Meillet, وHrozny وKurilowicz، وPokorny، وBenveniste، وآخرون مهتمون بالدراسات الرومانية مثل Rohifs، وMenendez-Pidal، وBourciez، وBrunot، وVon Wartburg، وEntwistle، وCintra، وDevoto، وPaiva Boleo، وMonteverdi، وMigliorini، وغيرهم ممن حملوا رسالة من سبقوهم إلى أعلى مستوى, وفي أمريكا ظهرت أعمال بالغة القيمة لعلماء مثل Conway، وWhatmough، وStrtevant، وKent، وBolling، وBuck, وفي الأعوام الأخيرة بذلت محاولات الجزء: 1 ¦ الصفحة: 236 لربط المنهج التاريخي بالمنهج الوصفي على يد علماء مثل Martinet, وHoenigswald، وكذلك محاولات لإعادة كتابة التاريخ اللغوي على أساس من المقارنة الإحصائية لأوجه الخلاف والشبه بين المفردات Glotto chronological، وحتى مجالات الدراسة المبنية على فكرة الأصل الواحد monogenesis لم يصبها الإهمال. وبينما نجد الأبحاث التاريخية ما تزال هي السائدة في أوربا نجد الدراسة الوصفية سائدة في أمريكا. أما علم اللغة الجغرافي فإنه ما يزال في دور التكون أو التبرعم, ولا يوجد الآن سوى قدر ضئيل من الشك حول الاعتراف الكامل في المستقبل القريب باعتباره فرعا ثالثا من فروع علم اللغة، وذلك حينما تظهر فائدته العملية، ويتضح استحقاقه لأن يحيا حياة منفصلة عن طريق الشواهد الكثيرة التي يقدمها، وبسبب الاهتمام الدولي به رسميا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 237 نظرة إلى الأمام : إن التنبؤات البعيدة المدى تكون دائما محفوفة بالمخاطر، لأن الأحداث كثيرا ما تنحرف بوقائع التاريخ إلى قنوات جديدة وغير متوقعة، وعلم اللغة ليس استثناء من هذه القاعدة, وإن أمثال التنبؤات التي قدمت هنا قد عرضت مع إيماننا بأن العوامل غير المنظورة دائما ما تتسلط على أحداث المستقبل. وعلى ضوء الاتجاهات المعاصرة يبدو ممكنا أن نتنبأ بمستقبل زاهر لدراسة اللغات في الولايات المتحدة، إحدى البلاد القليلة التي كانت هذه الدراسة بها حتى وقت غير طويل نوعا من المخاطرة, وما دامت اللغة تشكل موضوع علم اللغة، فإن هذا يعنى أيضا تقدما ملحوظا في دراسة اللغات، كما هو الحال دائما في الأقطار الأخرى التي لم تعرف علم اللغة كعلم مستقل. وفي الوقت الحاضر ما يزال علم اللغة الوصفي في أول الطريق, وحينما الجزء: 1 ¦ الصفحة: 237 يستخدم الناس كلمة علم اللغة من غير إضافة صفة كاشفة، فإنهم يعنون غالبا علم اللغة الوصفي أو التركيبي. وإن علم اللغة الوصفي ليشكل، بل ويجب أن يشكل الأساس للدراسات اللغوية، وإن كانت هناك خطورة إعطائه أهمية أكثر من اللازم. وإن الإسهام الكبير الذي قدمه علم اللغة الوصفي ليتمثل أساسا في النواحي الصوتية والفونيمية التي تعد أكثر فروع اللغة موضوعية، وأقربها إلى المناهج العلمية، والمقاييس الدقيقة. أما في مجال الصرف والنحو فهناك قدر كبير من الشك حول ما إذا كان في مقدور المنهج الوصفي ومصطلحاته تقديم مزايا أكبر من تلك التي قدمها سابقه المنهج التاريخي, وحينما نأتي إلى مجال المفردات نجد علماء اللغة الوصفيين يخلون الطريق لزملائهم التاريخيين، وهو ما ينطبق كذلك على مجال الدراسة الاشتقاقية. أما فيما يخص علم المعنى فإن المفردات تذهب لتنضم للمورفيمات وللنحو لتشكل جميعا الدستور الذي يميز الاستعمالات الصحيحة من الخاطئة. وربما كانت غلبة الدراسة النظرية -من ناحية- والتعصب لفرع واحد من فروع العلم أثناء دراسة المشاكل اللغوية -من ناحية أخرى- هما التهديد الصريح لعنصر الانسجام في عالم الدراسات اللغوية، مما يوشك أن يعوق تقدم هذه الدراسات, ومن وجهة النظر الوصفية البحتة فإن علماء اللغة الوصفيين على حق في اعتبارهم كل اللغة واللغات على قدر واحد من المساواة, ولكن هناك ثلاث وجهات نظر أخرى، لا بد من أخذها في الاعتبار، وكلها مبنية على الحقيقة والواقع، وهي قائمة على أساس العوامل التاريخية والجغرافية والاجتماعية, فمن وجهة نظر عالم اللغة التاريخي لا يمكن وضع اللغات كلها على قدم المساواة. فإن بعضها تحيط به أحداث تاريخية أهم من بعضها الآخر, ومن وجهة نظر علم اللغة الجغرافي يجب أن نأخذ في الاعتبار تفاوت اللغات من ناحية الأهمية العملية، وكذلك تفاوت أنماطها1.   1 لا يحتاج عالم اللغة الجغرافي -على سبيل المثال- إلى الاعتذار عن توجيه قدر كبير من اهتمامه الفرنسية والصينية والروسية أكثر من الـOjibwa, والـTibetan, والـFula, مثلا. كذلك فهو يستعمل حقه حينما يصف المجموعة الهندية الأوربية بأنها ذات أهمية عملية أكثر من لغات المواطنين الأستراليين الأصليين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 238 ومن وجهة النظر الاجتماعية كما هو من وجهة نظر الشخص العادي يوجد -في مقابل أنماط غير المثقفين في كل لغة نمط يتمتع بالمكانة والهيبة دون الأنماط اللغوية الأخرى، وهو ما يمكن أن يسمى بالنمط اللغوي للمثقفين. ونتيجة لذلك يظهر نفوذ بعض الأنماط اللغوية دون بعض حين يفاضل بينها في مجال الوظيفة والاختبار والمركز الاجتماعي. إن الشخص لا يمكن أن يغمض عينيه عن هذه الحقائق على أساس نظرية المساواة لأن هذه النظرية قد قامت على نظام مختلف. وبالإضافة إلى هذا فإن علماء اللغة الوصفيين يجب أن يدركوا أن التعقيدات غير الضرورية التي يخضعون لها عملهم لا تساعد على انتشار منهجهم، أو جعله مرغوبا فيه. وكثيرا ما سمعنا شكاوى من دارسي علم اللغة أنهم لا يفهمون أي شيء منه ولا يمكن نسبة كل هذه الشكاوى إلى التقصير في الإعداد، أو إلى نقص الاستعداد الذكائي. وإن هناك عبئا ثقيلا ملقى على كواهل أولئك الذين يريدون نشر أي علم وجعله قريبا إلى عامة المثقفين ليكسب أنصارا وأتباعا جددا، وهذا عن طريق استخدام مصطلحات متفق عليها، ومناهج مناسبة، والكف عن الاشتغال بالمسائل التافهة. ومن ناحية أخرى فإن حقل الدراسات اللغوية الوصفية المثمرة ما يزال بكرا حتى الآن. فما زالت هناك أعمال كثيرة تنتظر من يتقدم لإنجازها، وبخاصة في مجال الدراسة الوصفية للغات، كل على حدة، وفي مجال تنقية الوسائل المستعملة في البحث. وإنه عالم اللغة الوصفي ذلك الذي يهتم بالوسائل الآلية، والعون الميكانيكي من أجل تعليم اللغات ودراستها، وهذا يفتح أمامه مجالات واسعة مثمرة للبحث. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 239 وحتى الوقت الحاضر لا توجد إلا مناطق ضئيلة جدا هي التي وضع لها أطلس لغوي, ومن الملاحظ مثلا أننا ما زلنا في حاجة إلى أطلس لغوي شامل للعالم المتكلم باللغة الإسبانية، في البلاد المتكلمة باللغة الفرنسية، دون ارتباط بفرنسا مثل كويبك، وهايتي، والمستعمرات الفرنسية البلجيكية السابقة في إفريقيا، فهذا يتطلب جهودا جبارة من علم اللغة الوصفي. كذلك فإن تهذيب الأطالس الموجودة حاليا وتنقيحها في حاجة إلى جهد كبير, وهذا النوع من العمل الذي سيقوم به علماء اللغة الوصفيون بمناهج بحثهم الحديثة سوف يكون مساعدا عظيما للدراسة اللغوية التاريخية والجغرافية على السواء. وإن علم اللغة التاريخي -أكثر من الفرعين الآخرين- ليغري به إلى حد كبير عنصر الهواية لا المهنة, فإن ما نستخلصه من ماضي اللغة وتطورها التاريخي لا يمكن استخدامه في المجال التطبيقي العملي لتعلم اللغة وتعليمها، ولا هو -على الجانب الآخر- يمكن أن يدر ربحا ماديا على الباحث. كل ما يمكن أن يقال هو أن الدروس المستفادة من الماضي ربما أفادت في فهم ما يحدث الآن، أو ما سيحدث في المستقبل. ولكن هذا في حد ذاته يمكن أن يكون ذا قيمة عملية. وإن عالم اللغة التاريخي يجب أن يتعلم أن يكبت خياله، ويعتمد أكثر على الشواهد والحقائق. وهنا فإن لديه أشياء كثيرة يمكن أن يتعلمها من زميله عالم اللغة الوصفي. وإن فرع العلم الذي يبحثه إنما هو بالتأكيد جزء من الدراسات التاريخية العامة، ولهذا ينبغي أن يعرضه كما هو, وهناك احتمال لتضييق نطاق المنهج التاريخي الذي يستدعي تقدير الشاهد الممكن الحصول عليه تقديرا مناسبا وتقديم الدليل الإضافي, وحيث إن علم اللغة التاريخي -رغم أنه أقل الفروع عملية- ربما يكون أكثر من فروع علم اللغة جاذبية وأقواها نداء في مخيلة الرجل العادي، فإنه لن يكون مهددا في المستقبل بالاختفاء أو الزوال. ومن ناحية فقده -من الناحية الظاهرية على الأقل- للجوانب المعوقة لعلم اللغة الوصفي، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 240 فإنه يوجه نداءه وإغراءه للخيال العادي، كما يستدل على ذلك من الحقيقة أن هناك قليلا من المجلات الشائعة ما يخلو من جزء يتناول قوة الكلمة واشتقاقاتها. إن المشاكل التي ما تزال تنتظر الحل على يد علم اللغة التاريخي لا تدخل تحت حصر, وهذا يصدق حتى على تلك المناطق التي تمت عليها دراسات واسعة في الماضي مثل الهندية الأوربية والسامية. وإن العلاقات الاشتقاقية وتطور اللغات -وبخاصة تلك التي يندر الحصول على مادة لغوية مكتوبة لها، "أو حتى تلك التي تشتمل على مادة لغوية مكتوبة كثيرة"- ومشكلة وحدة الأصل، ومشكلة ترجمة وتفسير اللغات القديمة التي لم تحظ حتى الآن بعناية الدارسين كلها تقع أمام عين باحث اللغة التاريخي وتناديه بأن يبذل عناية أكبر. وهناك مهمة أخرى تحتاج بوجه خاص إلى مزيد من العناية العلمية، وهي مفردات اللغات الكبيرة، للوصول إلى النسبة المئوية المقترضة، وطبيعتها، ومصادرها، وليس هذا الإشباع حب الاستطلاع عند عالم اللغة مطلقا، ولكن عند عالم اللغة التاريخي. وإن الصلات بين علم اللغة التاريخي والتاريخ لفي حاجة إلى دعم قوي. كذلك فإن التطور اللغوي في حاجة إلى أن يوضع تاريخيا في مكانه الحقيقي. أما ميدان علم اللغة الجغرافي فهو أكثر الميادين خصبا، لأنه أقل الفروع حظا من عناية الباحثين، ونصيبا من العمل المنظم. وإن مباحث علم اللغة الجغرافي قد حكم عليها علماء اللغة المتخصصون بأنها فرع خادم للفرعين الآخرين بدلا من أن يعالجوها بطريقة أساسية مستقلة. ومن الناحية المادية فإن علم اللغة الجغرافي يقدم الوعود بأن يكون أكثر الفروع الثلاثة عطاء وهبة ولكنه إلى جانب ذلك يدعو أكثر من الفروع الأخرى إلى مزيد من العناية التي يجب أن يتفق عليها بين الجهات الرسمية، من حكومية وصناعية، تلك الجهات التي عجزت حتى الآن عن أن تتصور مدى أهمية هذا العلم في حل كثير من الجزء: 1 ¦ الصفحة: 241 المشاكل التي يعتبرونها أساسية. وهذا هو المجال الذي يمكن فيه لعلم اللغة أن يتقدم ويحقق كثيرا من نتائجه العملية, وكل اللغويين الذين يستحقون الإشارة إلى أسمائهم لا بد وأن يكونوا قد وصلوا الآن إلى نتيجة محققة، هي أن العلوم لا تحيا في فراغ، وأنه بينما يمكنك أن تخلق العلماء الباحثين لذات العلم، الذين لا يأبهون للجانب العملي أو التطبيقي، فإن التطبيق العملي للعلوم يحيا في كل ميدان، ولا يصح أن يمتهن أو يحتقر. ومن وقت لآخر تعلو نداءات لإعادة توحيد علم اللغة، وعبور الفجوة، التي أخذت تتطور وتتسع بالتدريج بين علم اللغة التاريخي والوصفي, وقد بذلت محاولات عدة لإدخال المناهج الوصفية ومصطلحات علم اللغة الوصفي على علم اللغة التاريخي1. وإنه مما لا شك فيه أنه لا بد أن يخلق نوع من الانسجام والتعاون بين فروع علم اللغة, كذلك مما لا شك فيه أنه لا بد أن توجد هدنة لوقف المعارك الفكرية الناشئة عن إصرار أتباع كل فرع على عرض المشاكل المتعلقة بالآخرين من خلال منظارهم هم. وعلى كل حال فليس هناك فائدة يمكن أن تتحقق -في رأي صاحب هذا الكتاب- عن طريق إدماج الفروع في فرع واحد، له منهج واحد، واصطلاحات واحدة، بعد أن أثبت دي سوسير أنها فروع متعددة، وميادين منفصلة, وإن كل فرع من فروع علم اللغة سواء الوصفي أو التاريخي أو الجغرافي له مشاكل الخاصة، وموضوعاته الخاصة، ومنهجه الخاص، واسمه الخاص, وقد انبثقت جميعا بعد تاريخ طويل من الأخذ والرد والخطأ والصواب, وهي الآن قد بدأت تستقر وتأخذ شكلا مناسبا لكل فرع.   1 انظر على وجه الخصوص: H.M. Hoenigswald في كتابه: Language change and Linguistic Reconstruction مطبعة جامعة شيكاغو 1960. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 242 وإن المحاولات التي بذلت لاتباع المناهج الوصفية لمعالجة مشاكل تاريخية صرفة قد أدت إلى تعقيد الحلول، وقادت إلى موقف احتاجت معه إلى عشر صفحات لتشرح ما هو مبين من قبل، في صفحة واحدة, وأي محاولة للرجوع بعلم اللغة الوصفي إلى نقطة وجوده في القرن التاسع عشر بمناهجه وحالته، لن تكلل بالنجاح، كذلك لن تكلل بالنجاح أي محاولة للتقليل من قيمة علم اللغة الجغرافي، أو القول بأنه لا حاجة إلى اعتباره علما منفصلا, وإن الفشل في تحقيق نتائج هامة لعلم اللغة الجغرافي على يد العلماء التاريخيين أولا، والعلماء الوصفيين ثانيا، ليعطي دليلا واضحا على ضرورة معالجة علم اللغة الجغرافي معالجة خاصة على يد خبراء متخصصين. ومن ناحية أخرى فإن الجانب الجغرافي من علم اللغة هو الذي أثار -خلال الحرب العالمية الثانية- اهتمام الحكومة، وأدى إلى إنشاء مكتب تحليل الوسائط Media Analysis Bureau ووضع المناهج الدراسية العملية لتعليم اللغات لأفراد القوات المسلحة. وقد كانت الحكومة مهتمة بالناحية العملية لا النظرية أو التاريخية للغة. لقد كانت تريد أن تعرف أي اللغات تستعمل في العالم، ومن وكم يتكلم بها، وكيف تستعمل، وكانت تريد أن تجهز تحت يديها أكبر عدد ممكن من الناس الذين يمكنهم أن يتكلموا ويفهموا اللغات، وعددا أصغر من الخبراء الذين يمكنهم أن يتعرفوا عليها, وكل هذا لم يكن لا تاريخيا ولا وصفيا، وإنما جغرافيا, وإن الفروع الثلاثة المتآخية سوف تحقق أحسن النتائج إذا سمح لها أن تسير جنبا إلى جنب كفروع منفصلة، لكن كشركاء متساوين تتقاسم اكتشافاتها، وتطبق على بعضها ما يمكن تطبيقه من مناهج بعضها الآخر ومصطلحاته وآرائه. وأي شيء وراء هذا سوف ينتهي إلى نوع من القسر وتضييع الجهد وعدم الكفاءة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 243 ملاحق مدخل ... الجزء: 1 ¦ الصفحة: 247 الملحق رقم2: من هو عالم اللغة؟ 1: عالم اللغة أو اللغوي هو المتخصص في علم اللغة، وهي الدراسة العلمية المنظمة لتراكيب اللغات ووظائفها. وعالم اللغة بهذا المعنى الفني يجب أن يميز عن عالم اللغة بالمعنى الدارج، وهو من يجيد عدة لغات, وقد أعطى Webster المعنيين في معجمه New International Dictionary وعالم اللغة لا بد أن يكون مؤهلا عن طريق الخبرة والتدريب للقيام بعمليات مثل: 1- إعداد وصف شامل للأصوات والصيغ والمفردات لأي لغة "بما في ذلك اللغات غير المكتوبة، والتي لم يسبق وصفها". 2- دراسة مقارنة للغتين أو أكثر، بقصد الوصول إلى ما بينها من علائق.   1 منقول من Linguistic Reporter الذي يصدره مركز الدراسات اللغوية التطبيقية, جمعية اللغات الحديثة الأمريكية, واشنطون, أبريل 1963. وكان هذا التقرير قد أعد في مارس 1962 بإشراف مركز الدراسات اللغوية التطبيقية، بطلب من عدة هيئات حكومية تحتاج أحيانا إلى تعيين موظفين لغويين, وعلى الرغم من أن التقرير لم تصادق عليه أي منظمة متخصصة في الحقل اللغوي فقد أعيد نشره في مجلة Language، وهي مجلة الجمعية الأمريكية اللغوية، في المجلد 38 رقم 4، أكتوبر, ديسمبر 1962، صفحات 463-464. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 248 3- معرفة طبيعة التنوعات اللهجية، وحدود كل داخل اللغة الواحدة. 4- دراسة تاريخ الأصوات والصيغ والمفردات لأي لغة. 5- تطوير المنهج العام لعلم اللغة. وبالإضافة إلى نشاطات كهذه، فإن عالم اللغة المؤهل لا بد أن يكون قادرا على أن يستفيد بمباحث علم اللغة في حل المشكلات اللغوية العملية، عن طريق القيام بعمليات كالآتية مع الاستعانة غالبا بخبراء في علوم أخرى: أ- القيام بتحليلات متقابلة للغتين لبيان أوجه التشابه والاختلاف بينهما بقصد الوصول إلى مادة تعليمية هدفها تيسير تعليم إحدى اللغتين لمن يتكلمون باللغة الأخرى. ب- إعداد كتب تعليمية لتدريس اللغة، قائمة على أساس من التحليل اللغوي. جـ- إعداد اختبارات للمتخصصين في دراسة اللغة، أو للكشف عن مدى اللياقة لأنواع معينين من متعلمي اللغة. د- تحليل النظام الكتابي للغة بقصد كشف مدى التطابق بينه وبين نطق الكلمة، أو قواعد اللغة, وكذلك القدرة على تركيب نظام كتابي للغات غير المكتوبة. هـ- إعداد المادة الخاصة بمحو الأمية في لغة معينة. و تحليل اللغة، وإعداد البرامج للترجمة الآلية من لغة إلى أخرى. ز- استخلاص السياسة الرسمية والتعليمية نحو اللغة، وتقييم هذه السياسة. وفي الأعوام الأخيرة زادت أعباء عالم اللغة الذي أصبح يدخل في اختصاصه موضوعات ترتبط بعلوم أخرى مثل الأنثروبولوجيا "التي ارتبط بها علم اللغة منذ مدة طويلة"، وعلم النفس، والرياضة، والمنطق، وعيوب النطق، وعلم الاجتماع. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 249 وقد ظهرت علوم لغوية مركبة مثل علم اللغة النفسي Psycholinguistics وعلم اللغة الاجتماعي Sociolinguistics، وعلم اللغة الرياضي Mathematical Linguistics. وأصبحت هذه العلوم محل تقدير واعتراف, كما أصبح هناك خبراء متخصصون -قلة ولكنهم يزيدون- في كل منها. ثقافة عالم اللغة: إن اللغوي الأمريكي عادة ما يبدأ تخصصه كطالب نظامي يدرس مناهج معينة في قسم الدراسات العليا بأحد المراكز الكبرى الجامعية للدراسات اللغوية التي تزيد على العشر, وطريقة الحصول على الدكتوراه في علم اللغة تختلف -إلى حد ما- من جامعة إلى جامعة، وإن كانت كل الجامعات تتطلب دراسة تمهيدية لعلم اللغة، والقيام بأبحاث صوتية وفونيمية، ودراسات تاريخية، ثم دراسة لغة معينة, ومعظم هذه الجامعات يتطلب دراسة في الصرف والنحو والمناهج، ومقارنات تتعلق باللغات الهندية الأوربية، ولغة على الأقل من غير العائلة الهندية الأوربية, ورسالة الدكتوراه عادة ما تكون دراسة تحقق المطالب من رقم 1 إلى رقم 4 السابق ذكرها, وهناك نوع آخر شائع من الرسائل، هو ذلك الذي يقوم بدراسة نحوية وصفية للغة هندية أمريكية مع تقديم النصوص والمفردات, والأغلبية العظمى لعلماء اللغة الأمريكيين -بالإضافة إلى حضورهم برنامجا للدراسة العليا في إحدى الجامعات الكبرى- لا بد أن يحضروا فترة دراسية أو أكثر في المعهد اللغوي Languistic institute، الذي تتبناه كل صيف الجمعية اللغوية في أمريكا Linguistic Society of America، أكبر المنظمات المتخصصة في هذا الحقل, وهذا المعهد الصيفي -الذي أخذ يعقد منذ عام 1948 في جامعة أو أخرى- تتجمع فيه أعداد كبيرة من الجزء: 1 ¦ الصفحة: 250 المشتغلين بالحقل اللغوي من كل أنحاء أمريكا، وعادة ما يحضره علماء بارزون من خارجها كذلك, وبعض اللغويين الأمريكيين قد تلقوا معظم تمرينهم خارج معاهد العلم المنتظمة مثل المنظمات التبشيرية، أو عن طريق برامج لغوية خاصة، أو حتى عن طريق دراستهم الذاتية, ولكن هذا النوع من الدراسة بدأ يقل. مجالات علم اللغة: يوجد عدد قليل -ولكن مهم وذو نفوذ- من اللغويين يعملون أساتذة في أقسام علم اللغة في الجامعات ويوجد عدد أكبر منهم يدرس في أقسام أخرى مثل اللغات الحديثة والأنثروبولوجيا، وأحيانا في أقسام علم النفس أو الكلام "Speech". وفي الأعوام الأخيرة زاد عدد علماء اللغة الذين يعملون في مراكز التعليم الخاصة باللغات الآسيوية والإفريقية، إما كأعضاء في هيئة التدريس، أو في معامل البحث، بالإضافة إلى اشتغالهم بإعداد كتب مدرسية ومعاجم. وهناك أعمال قليلة تمت -بتأييد حكومي عادة- بالنسبة لمشاريع للبحث ترتبط بهندسة الاتصال. وعدد من الوكالات الحكومية مثل" معهد الخدمة الخارجية" The Foreign Service institute، التابع لإدارة الدولة The Department ot state يستعين بعلماء اللغة ليشرفوا على برامج تدريب اللغة, ووكالات أخرى تتبع إدارة الداخلية The Depatment of Interior تستعين بعلماء اللغة ليقوموا بدراسات في اللغات الهندية الأمريكية، أو ليعملوا في ميادين متخصصة، كتلك التي تتعلق بأسماء الأماكن، بغرض رسم خرائط، أو لأغراض أخرى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 251 وعلماء اللغة يعملون كذلك في مراكز الترجمة الآلية، في أماكن متعددة في أمريكا، وبخاصة في برامج جامعية بإشراف الحكومة، وفي مؤسسات خاصة. ومجموعة كبيرة من علماء اللغة الأمريكيين يشتغلون إما بتعليم الإنجليزية كلغة أجنبية في أمريكا، أو في الخارج، أو في إعداد كتب مدرسية لتعليم اللغة الإنجليزية، أو في رسم الخطط لتعليم اللغة الإنجليزية, وبعضهم شغلوا مراكز في وكالة المعلومات الأمريكية U.S. Information Agency، أو في وكالات حكومية أخرى، وآخرون يعملون في حكومات أجنبية، أو جامعات أمريكية، أو منظمات أخرى خاصة. وعدد آخر لا بأس به من اللغويين يعملون مع المنظمات التبشيرية المرتبطة بالأعمال اللغوية، مثل ترجمة الكتاب المقدس، أو يشتركون في مشروعات محو الأمية، أو وضع أبجديات للغات غير المكتوبة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 252 المحلق رقم3 ... الملحق رقم 3: اقتراحات قليلة: علم اللغة الوصفي: تنحصر وظيفة علم اللغة التاريخي في أن يتتبع تطور اللغة واللغات من مرحلة تاريخية إلى مرحلة أخرى، ويصف المراحل المتداخلة والعمليات المرتبطة بها، وأن يكشف -إذا كان ممكنا- عن المراحل غير المعروفة التي مرت بها اللغة أو اللغات, ومن الواضح أنه لا توجد أي علاقة بين هذا وبين إجراءات تعلم لغة متكلمة حديثة. إننا يمكننا أن نتوصل إلى قدر كبير من المعلومات التاريخية والفلولوجية عن كيفية سير اللغة حتى وصلت إلى صورتها الحاضرة، وما نزال -في نفس الوقت- عاجزين عن أن نتكلمها أو نفهمها, وأقصى ما يمكن أن تقدمه لنا الدراسة التاريخية مجرد المساعدة في التعرف على المادة المكتوبة للغة المدروسة. أما وظيفة عالم اللغة الجغرافي فهي أن يقدم لغات العالم في صورة مرئية كاملة، وفي إطار من قيمتها الاقتصادية والسياسية الحاضرة وأن يصف أهميتها النسبية وفوائدها في المجالات المختلفة, ومرة أخرى تجد علم اللغة الجغرافي لا يقدم لنا سوى مساعدة ضئيلة في جانب تعلم نطق اللغة نفسها أو فهمها, فيما عدا المعلومات اللغوية الجغرافية المذيلة بنماذج وأمثلة عملية. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 253 أما وظيفة علم اللغة الوصفي فهي أساسا وضع الأسس والمعايير التي تقبل التطبيق على مادة اللغة كلها, وكذلك وصف اللغات كل على حدة بدقة. ومن الممكن أن نستخلص من هذه الدراسات الوصفية أسسا مفيدة، ومناهج تساعد في تعليم اللغة وتعلمها إذا أريد توجيه الأعمال الوصفية للنفع بدقة وذكاء, ولكن مهمة عالم اللغة تنتهي بمجرد أن يقدم لنا بكل دقة أعماله الوصفية, وفيما وراء ذلك، فإما أن يحول عالم اللغة الوصفي نفسه إلى معلم لغة "وهو غالبا غير مؤهل لذلك"، أو أن يترك الميدان لمعلم اللغة المؤهل. وإن مؤهلات معلم اللغة لمتعددة ومتنوعة, فلا بد أولا أن يكون على علم باللغة التي يدرسها، ويمكنه أن يتكلمها ويفهمها كلغته الوطنية، أو أقل قليلا, كذلك يجب أن يكون على قدر من المعرفة بلغة المتعلمين تمكنه من أن يقارن اللغتين لنفسه إن لم يكن لتلامذته، وأن يصل إلى أوجه الخلاف الأساسية بينهما ومناطق الصعوبة فيهما, وهو إلى جانب هذا لا بد أن يكون ذا أذن مدربة سريعة وصبر لا ينفد أثناء الشرح، وقدرة على وضع التمارين والتدريبات الكثيرة. وكل هذا يعني أن عالم اللغة -تاريخيا كان أو وصفيا أو جغرافيا- ليس بطبيعته ذا موهبة لتعليم اللغات المتكلمة، وإن كان يوجد بينهم من يحمل هذه الموهبة. إن معلم اللغة ليس في حاجة إلى أن يكون عالم لغة بأي معنى من المعاني الثلاثة، وعالم اللغة ليس في حاجة كذلك إلى أن يكون معلم لغة. ولكن معلم اللغة لا بد أن يكون مؤهلا لتلقي إرشادات عالم اللغة، وراغبا في تطبيقها على تدريس اللغة, ومهما كانت المعلومات التي يقدمها له عالم اللغة فهي مفيدة في وظيفته, ومن عالم اللغة التاريخي يتحصل معلم اللغة على معلومات ودراسات تصل اتصالا وثيقا بتاريخ الأدب والثقافة للمنطقة التي يدرس لغتها وبنظامها الكتابي, وعالم اللغة الجغرافي يمكن أن يدله على جوانب الأهمية في لغته، وسبب هذه الأمية، وما أقسامها وصلاتها، وما الأسباب التي تدعو إلى دراستها، وعالم اللغة الوصفي يمكن أن يقدم له معلومات ذات قيمة عظمى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 254 تمس واقع اللغة المتكلمة مساسا مباشرا، سواء في وضعها المستقل، أو مع مقارنتها بلغة المتعلمين. وهذا لا يمكن عمله إلا في حالة ما إذا قدمت المعلومات بصورة واضحة، وبلغة ظاهرة يمكن أن يفهمها معلم اللغة بسهولة, وأي استعمال للمصطلحات الفنية الخاصة سوف يفوت هذا الغرض, وهذه المعلومات لا بد أن تكون متعلقة بالأمور الهامة لا التافهة، فلا تحوي إلا النقاط الرئيسية الخاصة بالتركيب الصرفي والفونيمي للغة موضوع الدراسة، ونقاط الخلاف الأساسية مع لغة المتعلمين, ومن ناحية أخرى فإن النقاط ذات الأهمية الخاصة لا يصح أن تغفل وهي كثيرا ما تغفل نتيجة الرغبة في جعل اللغتين قابلتين للصب في قالب نحوي عالمي مثالي، أو للرغبة في وضعهما على نفس المستوى اللغوي الجغرافي نتيجة لفهم خاطئ لمعنى المثلية أو التعادلية equalitarianism. وفي حالة اللغة المنقسمة اجتماعيا أو ثقافيا فإن المعلومات التي يجب أن يقدمها عالم اللغة الجغرافي هي تلك المتعلقة باللغة المشتركة التي يتكلمها المتعلمون من الناس، لأن هذا المستوى من اللغة هو في العادة موضوع تدريس معلمي اللغة، وموضوع دراسة التلاميذ، فيما عدا حالات خاصة. وأهم من كل هذا أن يكون التحليل دقيقا، وليس مؤسسا على ملاحظات عابرة أو تعميمات سريعة. إن اللغات ظواهر معقدة جدا، وهي بعيدة كل البعد عن أن تملك التقنين المبالغ في تيسيره، كما يحاول بعض اللغويين الوصفيين أحيانا, وليس كافيا بأي حال من الأحوال أن تجمع أفرادا قليلين من أبناء اللغة الذين يتشابهون في لهجتهم لكي تصل في النهاية إلى وضع نحو وصفي للغة كبيرة ذات حضارة معاصرة، وإذا نحن فعلنا ذلك فإننا سنصل في النهاية إلى نحو وصفي لبعض اللهجات الفردية أو اللهجات العامة، ولكننا لن نصل لشيء يرضي حاجة معلم اللغة. وإذا توافرت الظروف الملائمة يمكن أن يتحقق تعاون مثالي بين عالم اللغة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 255 ومعلم اللغة، ولكن إذا سمح اللغوي لدراسته أن تعكس آراء نظرية قد يمكن أو لا يمكن تبريرها في واقع اللغة العام، وفي معناها الواسع، وفي فلسفة بنائها ولم تكن تقبل التطبيق إلا جزئيا على مواقف معينة، أو نوع من المادة اللغوية في متناول اليد فإن ذلك يسبب اضطرابا ومتاعب جمة. وهناك نقد حقيقي يوجه إلى الدراسة الوصفية للغة، وهو خاص بكثرة مصطلحاتها وتعددها بشكل ملحوظ, وهناك تفسير لهذا ولكنه لا يعد تبريرا يتمثل في محاولة علماء اللغة الشبان المتحمسين أن يسدوا حاجات هذا العلم الوليد على وجه السرعة, ومجاراة كل هذه المصطلحات الجديدة التي يستعملها علماء اللغة الوصفيون، والتي قد تصل إلى بضع مصطلحات للظاهرة الواحدة تحتم السعي لوضع -ليس فقط قائمة بالمصطلحات أو معجما لغويا- ولكن دائرة معارف كاملة. وقد بذلت محاولات سابقة لتأليف معاجم لمصطلحات علم اللغة مثل معجم Marouzeau، أو المعجم الذي وضعه مؤلف هذا الكاتب ولكن هذه المعاجم أصبحت بسرعة فائقة متخلفة في أقل من عشر سنوات وليس هذا بسبب تغيير في الفرع التاريخي أو الجغرافي، ولكن بسبب تغيير في الفرع الوصفي وحده, وهناك محاولة أخرى تمت أخيرا، ليس بقصد تعريف المصطلحات، ولكن ببساطة بقصد اقتباسها في سياقها الذي استعملها فيه الكاتب الذي وضعها, ولكن حتى هذه المحاولة ما تزال في حاجة إلى متابعة دائمة حتى اللحظة الحاضرة، بالإضافة إلى أنه يعيبها عدم غنائها من الناحية التعريفية, وهناك نداء ملح يستصرخ علماء اللغة الوصفيين أن يتفقوا على مصطلحات لعلمهم تتسم بالثبات والعمومية، لكي يصبح تناول المادة أمرا سهلا، وبخاصة للدارسين المبتدئين, ومما هو جدير بالذكر أن مؤلف هذا الكتاب قد لاحظ وجود خلاف في المصطلحات يصل إلى حد 75% بين عملين مكتوبين على يدي عالمين لغويين وصفيين مشهورين، كثيرا ما كانا يتقابلان وجها لوجه وعلى الرغم من تناولهما نفس الظواهر والعمليات اللغوية. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 256 وكثيرا ما يكتنف الغموض كتابات اللغويين في هذا الميدان, وهذا يرجع جزئيا إلى الكثرة الكثيرة من المصطلحات العلمية، وجزئيا إلى الطبيعة الثقيلة التي يتميز بها الفكر العلمي الأكاديمي, وإن الشعار "لا تعرف في كلمات ثلاث بسيطة، وفي عبارة قصيرة، ما يمكن أن تعرفه في عشر كلمات طويلة غير عادية " يبدو هو المتحكم في بعض المؤلفين. وفي هذا الخصوص فإن عالم اللغة الوصفي لا يعد وحده مذنبا في المجال التطبيقي، بل يشاركه علماء آخرون في حقول كثيرة، مثل علم النفس، والفلسفة، وعلم الاجتماع، والتربية، والإدارة. وما دام هذا الطابع أمرا فرديا فإنه من الصعب مواجهته أو معالجته بدواء عام شامل. وهناك اتجاه ظهر لبعض الوقت في علم اللغة الوصفي، وهو الميل نحو الإبهام والغموض, وإن النزول بعلم اللغة الوصفي إلى مستوى القضايا والنظريات الرياضية الذي بدأه Hjelmslev فيما سمي بالتحليل شبه الرياضي للغة glossematics1 لا يحقق أي منفعة لا لعلم اللغة ولا للرياضة. إن موضوع علم اللغة هو اللغة، وإذا عجز علم اللغة عن أن يجعل نفسه واضحا ومفيدا في أبحاثه وموضوعاته التي يتناولها من غير الاستعانة بعلم لا توجد بينهما علاقة واضحة فقد فشل في أداء مهمته, ومثل هذا يقال عن المبالغة في استعمال أبحاث الفلسفة أو علم النفس أو ما وراء علم اللغة، المبنية على مجرد مزاعم غير ثابتة. إن علم اللغة يجب أن يكون واقعيا، لا باحثا فيما وراء الطبيعة. وهناك اتجاه لغوي آخر نحو معالجة الجزئيات الدقيقة، ووصف نقاط ذات   1 شرح المؤلف هذا المصطلح في معجمه Glossary of linguistic Terminology بأنه تحليل شبه رياضي للغة مؤسس على التوزيع والعلاقات المتبادلة بين الجلوسيمات glossemes, وذكر أن هذا المصطلح قد وضعه Hjelmslev ومدرسة كوبنهاجن, ثم شرح المصطلح glosseme بقوله: إنه "أصغر وحدة ذات معنى"، أو أنه أصغر وحدة يمكن أن يصل إليها التحليل "اللغوي" أو "الوحدة التي لا تقبل التقسيم" أو "كل ما يحمل معنى" "ص106". "المترجم". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 257 أهمية ضئيلة، أو منفعة قليلة، في تفصيلات واسعة, وبينما هو ممكن -على وجه العموم- أن تضع نظاما عاما للتنغيم ودرجة الصوت والمفصل في لغة معينة فإنه ليس من الممكن أن تعالجها في بساطة بالغة، وبشكل يسمح بالقول بأنه: "يوجد في الإنجليزية الأمريكية أربع درجات للصوت، وهي تستعمل بشكل كذا وكذا"، لأنه توجد خلافات كثيرة بين المتكلمين الأفراد, وإن التفرقة بين Light housekeeper وLighthouse keepr ربما يثير الدهشة، ولكنه في نفس الوقت لا يقدم إلا معلومات ضئيلة صاقة, فاللغة تعتمد إلى حد كبير على السياق لتحقيق التفاهم، وهي تتضرر كثيرا بذكر التفصيلات والخصائص الدقيقة التي نادرا ما يلاحظها السامع. وبالإضافة إلى هذا، فإن هناك نفورا من تطبيق بعض الحقائق التي توصل إليها علماء اللغة الوصفيون والمقارنون على المشاكل العملية كتعليم اللغة. وإليكم أمثلة قليلة لذلك: 1- الأهمية الزائدة عن الحد التي أعطيت للتقسيم المقطعي "تقطيع الكلمة إلى أجزائها المقطعية، كجزء مما يسميه اللغويون الوصفيون المفصل Juncture " في معظم اللغات الغربية غير الإنجليزية. وإنه مما لا يمكن تأكيده بدرجة كافية أن أسرع طريق وأفعله لاكتساب طريقة نطق ابن اللغة في أي لغة مثل الإيطالية أو الإسبانية أو الفرنسية أو حتى الألمانية أو الروسية هو أن تقطع الكلمة إلى مقاطعها الحقيقية تبعا للنماذج المقطعية للغة" وهذا لا يتطابق دائما مع قواعد اللغة المكتوبة لتقسيم الكلمات حينما تقع في أواخر الأسطر، وأن تنطق كل مقطع على حدة، وبطريقة متميزة، ثم بعد ذلك وضع المقاطع بعضها بجانب بعض ونطقها بنفس السرعة التي تنطق بها في الكلام العادي. 2- التماثل أو التقارب بمحض الصدفة، أو حتى التطابق الكامل لمخرج الصوت Ppint of articulation -وربما مع تعديلات بسيطة- الجزء: 1 ¦ الصفحة: 258 بين فونيمات تمثلها لغتان مختلفتان برموز كتابية مختلفة مثل الأصوات الإنجليزية الانفجارية اللثوية، ومثل الراء المكررة في الإيطالية والإسبانية "تتلقى أذن الإيطالي الجملة الإنجليزية get out of her على أنها gherare hir". ويوجد غالبا تماثل في الصفة والمخرج بين الحركة الإنجليزية القصيرة i التي في it، وgit -مع إطالة خفيفة- وبين الصوت الروماني الضيق "e" الموجود في الكلمة الإيطالية Vedere، أو الإسبانية ver. 3- ما هو ثابت من أن لغة ما غالبا ما تنتج -استثناء أو مصادفة أو تحت ظروف طارئة- ما يعد فونيما أصليا أو عنقودا فونيميا Phoneme cluster مقررا في لغة أخرى, اللغة الإنجليزية ليس عندها تقابل فونيمي بين الصوت الساكن المفرد والمضعف مثل الذي يظهر في الإيطالية واليابانية والمجرية ولغات أخرى. ولكن حينما ينطق المتكلم الإنجليزية كلمة Wonderful كما لو كانت wunnerful، أو يصيح مفتش القطار في صوت جهوري Allab board يوجد الساكن المضعف بدون المفصل الموجود في مثل Unnamed. والإنجليزية لا تسمح بوجود العنقود الصوتي الأولى mch "الروسية 'mchat" ولكن كلمتين إنجليزيتين مثل: Cream cheese مع حذف crea سوف يمكن المتعلم من التدريب الكافي الذي يحتاجه. وإن عدم وضوح الرؤية بالإضافة إلى روح الديمقراطية الزائفة ليبدوان المسئولين عن اعتقاد بعض علماء اللغة الوصفيين أن كل اللغات تعد على قدم المساواة, ولربما كان ذلك صحيحا من الناحية التجريدية, ولكن عالم اللغة الجغرافي الذي يتناول الحقائق لا التجريدات يعلم أنه لا احتمال في المستقبل المرئي لوضع لغة Menomini أو Ojibwa مثلا على قدم المساواة مع الإنجليزية أو الروسية، فيما عدا في جانب واحد هو الناحية الوصفية. أما من الجزء: 1 ¦ الصفحة: 259 الناحية التاريخية أو الجغرافية فلا وجه للمقارنة مطلقا. ويوجه نفس النقد إلى الاعتقاد الخاطئ أن أي طراز داخل اللغة يعد حسنا كأي طراز آخر، مع ما يستتبعه ذلك من النصيحة القائلة "اترك لغتك وشأنها" ودع المقادير تجري في أعنتها, وقد ظهر ذلك بشكل واضح في الجدل الملتهب الذي ثار بعد ظهور Webster's third international dictionary الذي وضع طبقا للأسس الوصفية التي تغفل وجود فروق بين الاستعمال الجيد والصيغة النموذجية والصيغة الرديئة والعامية وحتى المبتذلة. إن الطبقية موجودة بين أشكال اللغة تماما كما هي موجودة بين اللغات. إن بعض اللغات تطاوعك أكثر من الأخرى، وتخدمك بصورة أفضل كوسيلة للاتصال الذي يعد أهم وظائف اللغة, ومع ذلك فلندرس بكل وسيلة ممكنة لهجات سكان الجبال، أو قطاع الطريق، سواء من وجهة النظر الوصفية الخالصة، أو لتحقيق أغراض خاصة. ولكن دعنا لا نعرض لدعوى أن كل أشكال اللغة من جميع النواحي تعادل اللغة المشتركة التي يتحدث بها كل المواطنين، مع بعض الاختلافات المحلية البسيطة. وينبع من نفس الخطأ الأيديولوجي ما يقال عن "المتكلم الوطني"، والاعتقاد بأنه لا يخطئ، وأن الصواب والخطأ أحكام تطلق على اللغة حين يستعملها الأجانب, ومن جهات كثيرة جدا -بعضها ذوقي ذاتي محض، وبعضها قائم على أساس من تيسير الاتصال- توجد حالات وحالات كثيرة تكون لهجة الأجنبي المثقف فيها أفضل من لهجة الوطني الأمي السمجة, وإن الأمريكيين الذين لا يجدون صعوبة في فهم Charles Boyer سوف يجدون صعوبة في فهم بعض المواطنين في مناطق أمريكية معينة, ولا يعني هذا أننا لا ينبغي أن نجاهد في تعلم وتعليم اللغة بطريقة نطق تقرب من النطق الوطني ما أمكن, ولكنه يعني ببساطة أن المرة الوحيدة التي يعتبر فيها نطق المتكلم الوطني الخالص نطقا بدائيا إنما ترتبط بأعمال المراقبة والتجسس. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 260 وبعض اللغويين الوصفيين يجدون صعبا على أنفسهم أن يخفوا نفاد صبرهم بالنسبة للصورة المكتوبة للغة, بل إن منهم أكثر من هذا من يزعمون أنه لا توجد لغة مكتوبة، وإنما يوجد تقابل بين الكلام -الذي يعد اللغة الحقيقية- وبين الكتابة, وإلى جانب الحقيقة أن اللغة المكتوبة تعد -عادة- جليلة الشأن بالنسبة لعالم اللغة التاريخي في دراسته الفلولوجية، فإن عالم اللغة الجغرافي يمكن كذلك أن يشير إلى الدور الكبير الذي لعبته اللغة المكتوبة في كل اللغات الحضارية، وإلى أن الحكومات في جميع أنحاء العالم قد وجدت أمرا ضروريا أن تحاول القضاء على الأمية بين أبنائها, وإذا كانت الكتابة ينظر إليها على أنها فقط رمز الكلام، فيجب ألا ننسى أن الكلام في ذاته يعد فقط رمزا للفكر، من غير النظر إلى مرتبته العليا أو السفلى، وإن انتقال الدلالة -التي هي الهدف الأساسي للغة- يمكن أن يتأثر بالكتابة تماما كما يتأثر بالكلام، كما هو ثابت من النظم الكتابية التي تعبر عن الفكرة بالصورة المكتوبة مباشرة متخطية اللغة المكتوبة. والمعاناة التي لا يمكن إخفاؤها بسهولة، التي يشكو منها كثير من علماء اللغة الوصفيين ضد زملائهم التاريخيين الذين يعد عملهم متعلقا بتواريخ أقدم منهم, وضد زملائهم الجغرافيين الذين يتناولون أمورا أكثر تعلقا بالتطبيقات العملية لعلم اللغة في الحاضر والمستقبل لتعد أمورا ذاتية، ومن المؤمل أن تختفي بمرور الوقت بناء على ما هو باد من إمكانية وجود توازن بين فروع علم اللغة الثلاثة في المستقبل القريب, وإن بعض علماء اللغة الوصفيين في الواقع ما يزالون في حاجة إلى أن نذكرهم أن اللغات كانت تتكلم وتتعلم وتعلم وتدرس وتناقش مدة طويلة قبل وجود Boas, وBloomfield وأن هناك مناهج أخرى للدرس اللغوي غير مناهجهم يمكن أن يتوصل إليها، وربما كانت في بعض الأحيان أرجح من مناهجهم. إن العلم ليعد علما فقط حينما يظل محتفظا بعقليته المتفتحة، وحينما يسمح بالمناقشة الحرة, وإلا فإنه ينتكس إلى مجرد قضايا أو أحكام تحكمية لا تستند إلى دليل أو برهان. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 261 علم اللغة التاريخي: لقد أسلم من سوء الخظ علم اللغة التاريخي نفسه منذ البداية إلى شطحات الخيال, وقد كان من السمات الواضحة لعلماء اللغة التاريخيين محاولتهم ربط التطور اللغوي بحادثة تاريخية أو أخرى, وإعطاؤهم صفة السببية والتأثير لظواهر ربما حدثت تلقائيا، أو بمحض الصدفة. والآن فإن الاتجاه المعاكس الذي يحاول فصل التطور اللغوي نهائيا عن حياة الناس متكلمي اللغة يعد هو الآخر اتجاها غير مرغوب فيه، إذ لا بد في كل الأمثلة من وجود علاقة التأثير أو السببية، بغض النظر عن نوعية هذا السبب أو المؤثر. وليست المشكلة في محاولة البحث عن الأسباب التي أدت إلى التغير اللغوي، وإنما في محاولة استخلاص الأسباب، ووضع اليد عليها قبل استيفاء الأمثلة والشواهد, وأسوأ من هذا الآن ذلك الاتجاه البادي من بعض اللغويين التاريخيين والمتمثل في محاولة تصفية الشواهد لتناسب أغراضهم، مع استبعاد الجزء الذي لا يماشي آراءهم المسبقة. وإعطاء اهتمام زائد لجزء آخر يماشي أحكامهم التي وضعوها قبل بدء البحث. وإلى هذا الاتجاه المتطرف الذي اتسم به تاريخيو القرن التاسع عشر، يرجع قدر كبير من رد الفعل في الاتجاه المقابل الذي تم عليه يد الممارسة اللغوية الحديثة لعلم اللغة الوصفي التركيبي، التي تعاون أفرادها في إرساء دعائم البحث الميكانيكي المنهجي الذي اعتمد أساسا على الملاحظة المباشرة. ولكن هذه المناهج أيضا من الممكن أن يتسرب إليها سوء الفهم، وخطأ المعالجة، كما تحدثنا من قبل. ومنذ اللحظة التي بدأ فيها البحث اللغوي يعتمد -وذلك مستهل القرن التاسع عشر- على المادة المسجلة والنقوش بدأ اللغويون يتجهون نحو الملاحظة ذات الطبيعة الشاملة, واهتم اللغويون كذلك بموضوع تطور اللغات، وبخاصة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 262 في مجال الأصوات "لم تكن نظرية الفونيم قد ظهرت بعد"، ولم يصدروا أحكامهم بطريقة عشوائية، ولكن تبعا للنموذج المطرد, ومن أمثلة ذلك نماذج التقابلات الصوتية لفروع المجموعة الهندية الأوربية التي تعد قطعية ومطردة, وهي تزعم القطعية والاطراد بنفس الدرجة في أي فرع من فروع هذه المجموعة تعرض لنفس الدراسة المقارنة، ويبدو من الحقائق المؤكدة القول بأنه إذا بدأ نوع من الكلمات في اللاتينية أو الإغريقية أو السنسكريتية أو السلافية بحرف p، فإن المجموعة الجرمانية تتخذ في مقابله حرف f، والمجموعة الأرمينية حرف h، وربما أسقطته المجموعة الكلتية إذا وقع في أول الكلمة ويبدو حقيقة مؤكدة بنفس الدرجة أن يقال: إنه إذا احتوت كلمة لاتينية على العنقود الصوتي "-ct-" فإن فرعه الفرنسي أو البرتغالي يحوله إلى "-it-" والإسباني إلى "-ch-"، والإيطالي إلى "-tt-"، والروماني إلى "-pt-", وهناك في الحقيقة بعض الاستثناءات، ولكنها يمكن أن يعلل لها بطريقة أو بأخرى, وقد قاد هذا بعض اللغويين التاريخيين إلى أن يضعوا نظرية "القانون الصوتي" Sound law، ويصلوا بها إلى حد القول بأنه في منطقة معينة، وفي فترة معينة، حين يظهر ابتكار أو تحديد، فإنه يؤثر على كل الكلمات المشتملة على الصوت محل الدراسة بدون استثناء، ومعنى هذا أن القوانين الصوتية قد أعطيت صفة الحتمية والإلزام تماما كما أعطيت نظريات نيوتن من قبل, ولكن عمومية هذه النظريات قد دحضت فيما بعد على يد Einstein وآخرين. وقد خلق هذا الاتجاه العنيد الصلب اتجاها لغويا مضادا، ولكن من تبنوه ومضوا في طريقه إلى نهايته كانوا قلة, وكان رأي هذه القلة نفي أي نفوذ أو سلطان للقوانين الصوتية، وادعاء "تحكم الفرد" باعتباره العامل الأساسي في التغيير اللغوي, وقد توصل بعضهم في النهاية إلى رأي وسط عن طريق تعديل "القانون الصوتي" ليشمل الاستثناءات المحتملة التي تأتي نتيجة الاقتراض الخارجي أو اللهجي أو الثقافي، أو من تأثير القياس، أو غير ذلك, بل إنه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 263 يجب أن يكون مفهوما أن القياس ليس كالاقتراض. الاقتراض حقيقي، وقابل للإثبات بوجه عام, أما القياس فبخلاف ذلك إلا في حالات قليلة معينة. وعلى أي حال فمن الممكن أن يقال إنه بينما يمد القياس المعتقدين في قوة القانون الصوتي بخط دفاعي هائل، لأنه يمكنهم من إزالة الاستثناءات من طريقهم فإن له في نفس الوقت عيوبه الخاصة به, إنه ينتهي بوضع قوانين صوتية إضافية أضيق وأضيق في مجال التطبيق حتى إنها في النهاية -في حالات كثيرة- تتطابق مع تحكم الفرد الذي ينادي به اللغويون الأكثر تفكرا، المعارضون للقانون الصوتي. وربما كان أقرب إلى القبول أن تحدد الاتجاهات الصوتية التي تخضع لها معظم صيغ اللغات الموصوفة، دون أن يدعى لها قوة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 264 القوانين الصارمة، مع الأخذ في الاعتبار إمكانية الشذوذ أو الانحراف الناتج عن تعدد الأسباب، ومن بينها القياس. ودعنا نعترف بأنه في كل تأثير يوجد مؤثر بدون شك، ولكن دعنا في نفس الوقت نعترف بأنه ليس من السهل دائما تحديد المؤثر. وقد قاد الاعتراف الراسخ بالقياس على أنه قوة مؤثرة في التغير اللغوي إلى عدد من الانحرافات في التطبيق, من ذلك مثلا عرض الأقيسة الغامضة، أو المشكوك فيها كحقيقة ثابتة في الكتب الدراسية وغيرها, ولا يوجد أي خطأ في تقديم الافتراضات، ولكنها يجب أن تؤخذ بحذر على أنها افتراضات إلى أن يقوم الدليل على صحتها. وإن طريقة بعضهم في استخلاص نتائج شاملة من شواهد غير كافية تبدو من وقت لآخر في أعمال اللغويين التاريخيين. فهناك مثلا نظرية الطبقات السفلى والطبقات العليا السلالية، التي تنسب التغيرات التي تحدث أثناء تطور لغة معينة ولتكن اللاتينية إلى الفرنسية، إما إلى عادات كلتية سابقة في نطق الأصوات، إو الى نفوذ متأخر للغزاة الجرمانيين, وإنه وإن كان من السهل جدا إثبات هذا النفوذ فيما يمس المفردات "الفرنسية تحتوي على كلمات كثيرة موروثة أصلا عن الغاليين وغيرهم، ومقدمة إليها بوجه خاص على أيدي الفرنكيين، في حين أن الإسبانية تحتوي على كلمات عربية وأيبيرية لا تظهر في لغات رومانسية أخرى"، فإن الدليل على أن هذا النفوذ يمتد إلى النماذج الصوتية للغة أمر مشكوك فيه، ولذا فهو موضع نزاع, ومع هذا فإننا نجد لغويين ذوي شهرة عالية يوسعون مجال نفوذ الطبقة السفلى ليشمل التطور الفونولوجي، وينظرون إلى ذلك على أنه حقيقة ثابتة، ويستخلصون منه عديدا من النتائج البعيدة التصديق، نتائج ليست ذات طبيعة لغوية فحسب، بل وحتى طبيعة تاريخية. ومن الأمور المشكوك فيها كذلك نظرية المناطق الجانبية Lateral areas التي تطورت بمرور الوقت على أيدي لغويين مشهورين أمثال Meillet الجزء: 1 ¦ الصفحة: 265 وBertoni. وهنا يفترض أن القسم المركزي للمنطقة اللغوية يقوم بدور مصدر الإشعاع للابتكار أو الابتداع، وأن الأجزاء النائية من المنطقة عادة ما تنجو من هذا النفوذ، وبالتالي فهي تكشف عن ملامح محافظة مشتركة في مناطق تفصلها مسافات بعيدة, فحيث نجد -على سبيل المثال- اللغتين الكلتية والهندية الإيرانية تتفقان في ملامح مشتركة لا تظهر في المناطق المتداخلة الهندية الأوربية، فإن هذا يعزى إلى النزعة المحافظة للمناطق الجانبية. وحينما نجد اللغتين إلى Hispanic, والـRumanian تظهران ملامح قليلة متماثلة ربما تكون قد حدثت بمحض الصدفة فإننا ننسى الجزء الأعظم من الظواهر الأخرى موضوع الاختلاف، ونصدر مع ذلك حكما بترابطهما شبه الغامض, وقد أقام اللغويون الرومانيون علاقة بين الإيطالية الجنوبية الوسطى، والرومانية، ليس على أساس سوى اشتراكهما في إسقاط الحرف اللاتيني النهائي "-s-"، و"يضاف إلى هذا نطق أصوات صامتة واقعة بين علتين، ولكن الأدلة على ذلك ضعيفة". أما كل الملامح الأخرى التي ترشح انضمام الإيطالية للغات الرومانسية الغربية، بينما تبعد الرومانية عن كليهما فإنه يتغافل عنها. وهذه الطريقة تتجاهل أغلبية الشواهد، وتركز على خاصة أو خصائص تخدم نظرية مسبقة، مما يؤدي في بعض الأحيان إلى خلق إحساس بأن علم اللغة التاريخي -على عكس علم اللغة الوصفي- يتصف إلى حد ما بأنه علم مليء بالأوهام. وهناك مثال آخر لهذه العقلية حديث الوقوع، وهو الاعتقاد في إمكانية إعادة تركيب التاريخ اللغوي على أسس لغوية تاريخية Glottochronology والاعتقاد في العمليات الإحصائية المعجمية Lexicostatistics التي سبق وصفها بوضوح1, والمبنية على شواهد غير كافية يلتقطها الباحث بسرعة, وشيء آخر يدخل فيما وراء علم اللغة matalinguistics، وقد غلفه في الظلام عالم ذكي -ولكنه لغويا غير مؤهل تأهيلا كافيا- وهو B.L. Whorf.   1 انظر المبحث رقم 36 "المترجم". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 266 ومن أهم ما ينادي به أن نمط اللغة المتكلمة يؤثر في عقلية المتكلمين بها، وفي سلوكهم، بل ويرغمهم على التفكير والتصرف في اتجاهات معينة, وفي رأينا أن هذا ربما يحدث جزئيا بمجرد أن تستقر اللغة، ولكن يجب ألا ننسى أن اللغة هي التي تطور أساسا لتناسب عقلية المتكلمين ونشاطاتهم، وليس العكس. إن علم اللغة التاريخي يمكن أن يكون موضوعا شائقا للدراسة، ويحقق في نفس الوقت مستوى علميا رفيعا, وهو يجب -على كل حال- أن يعدل منهجه الأساسي تعديلا ليس بالكبير، طبقا لما تقتضيه ضرورة تطبيق هذا المنهج ولتحقيق التواؤم مع القواعد المبنية على الشواهد الكافية، وكل المادة المناسبة يجب أن تجمع وتفحص بدقة وتقدم للدراسة, ولا يصح إهمال أي منها أو إسقاطه، لأنه يناسب نظرية أخرى للبحث, وحينما تكون الشواهد الموضوعة تحت اليد متعارضة، أو غير كافية لتكوين حكم قطعي -كما يحدث في كثير من الأحيان- فإنه يجب اللجوء إلى الافتراض الذي تسمح به المادة، ويظل الفرض محلا للتحقيق والفحص إلى وقت متأخر، حين تظهر شواهد جديدة يمكن الاعتماد عليها. علم اللغة الجغرافي: كثيرا ما ترتفع الأصوات بالشكوى من عجزنا عن أن نحشد ونعبئ العدد الذي نحتاج إليه من المتكلمين الأجانب، وفشلنا في أن نجذبهم إلى حقل عملنا، ونحولهم إلى وسطنا بطريقة نافعة "حوالي 20 مليونا منهم" لأغراض محلية، أو تعليمية لغوية, وفي حين يعد هذا النقد على حق من بعض النواحي، فإننا يجب أن نأخذ في الاعتبار أنه ليس كل المتكلمين الأجانب "بل ليس معظمهم أو قدر كبير منهم" مؤهلين لمساعدتنا في هذا الميدان، وتقديم تعليمات كهذه إلينا أو حتى لإعطائنا معلومات قيمة أو دقيقة تتعلق بمنطقتهم الخاصة ولغتهم, وفي حين أن هؤلاء الناس قد يمكن اتخاذهم رواة لغويين في ظروف مناسبة، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 267 ومع استخدام الفحوص والاختبارات المطلوبة، فإننا يجب أن نكون حذرين من حشد معلومات خاطئة لغوية أو غيرها تحت اسم تجميع المعلومات. وهناك نقد هام يتعلق بعلم اللغة الجغرافي، ويمس جانبا منه، وهو أن موضوع دراسته ومباحثه تتغير باستمرار، وتتعرض لأنواع كثيرة من الضغوط والتغييرات. ولكن نفس النقد يمكن أن يوجه أيضا إلى فروع علم اللغة الأخرى ربما فيما عدا الملامح الأساسية الكبرى في علم اللغة الوصفي. وحتى هذه الملامح ما تزال تتعرض للتعديلات الكثيرة الدائمة. إن طبيعة اللغة تجعلها في حركة دائمة، ولذا فدراستها متحركة كذلك لا جامدة، وعلى كل حال فمن الممكن تماما أن نركز على الجوانب الأكثر موضوعية واتصالا بالحقائق في علم اللغة الجغرافي، بالإضافة إلى صقل منهج بحثه، وإجراءات دراسته، لإخضاعها لمتطلبات العلم، وشروطه الأساسية. وإن المشكلة الحقيقية لعلم اللغة الجغرافي هي أنه لم يلق إلى الآن التأييد والعناية الكافيين, فحتى الآن نجد اهتمامات علمي اللغة الوصفي والتاريخي تنصب -إلى حد كبير- على تخصصاتهما لدرجة أنهما يعرضان الجانب اللغوي الجغرافي لعلم اللغة على أنه شيء له علاقة ضئيلة بهما. والحكومات والجهات المعنية التي كان يجب أن تعطيه اهتماماتها المباشرة قد فشلت حتى الآن في إبداء اهتمامها المطلوب. وقد يحسن أن يعاد القول إنه في خلال الحرب العالمية أنشأ "مكتب المعلومات الحربية" "O.W.I." Office of war Information قسما خاصا أسماه "مكتب تحليل الوسائط" كانت وظيفته الرئيسية جمع الحقائق والمعلومات عن اللغات المتكلمة في كل أنحاء العالم، وفهرستها لأعمال استراتيجية مباشرة. وقد كانت هذه الدراسة مقرونة بإحصاءات عن الأمية، وبيانات عن قرابات اللغات، وبالطبع عن تعداد السكان, وحتى من قبل نهاية الحرب كان هذا المكتب قد حل، وكانت معلوماته المجموعة قد تشتتت, ولم يبق الجزء: 1 ¦ الصفحة: 268 هنا وهناك إلا باحث لغوي أو آخر، كان على صلة بهذا المكتب حفظ أو طبع بعض هذه المادة المجموعة1. أما الأعمال الحرة التي تضع عادة برامج خاطفة في اللغات لأغراض وقتية أو قليلة الأهمية "مثل كيف تقول Have a cake بلغات متعددة، أو التأكد من أن اسم إنتاج جديد لا يرتبط بكلمات أخرى مسيئة أو مثيرة للضحك في أي من الأقطار التي سيباع فيها" فقد أخذت شكلا جادا فقط حينما أصبحت في حاجة إلى متخصصين في اللغات والمناطق، تلبية لحاجتها ومتطلباتها الخاصة. "وعلى سبيل المثال فإن Standard oil قد أعدت برنامجا في العربية والإسبانية والإندونيسية بطريقة مختصرة للفنيين الذين خصصوا للخدمة في مناطق لها فيها آبار بترول". ولكن معظم هذه النشاطات كان يتسم بطابع الارتجال والتنوع. إن ما يحتاج إليه في الحقيقة هو معهد لعلم اللغة الجغرافي يحظى بتأييد الجهات الحكومية والحرة على السواء بقصد الإشراف على البحث العلمي وتجميع الحقائق، وجمع المعلومات التي توضع تحت طلبهما كليهما، وطلب اللغويين كذلك، وبقصد تدريب الخبراء في المناطق واللغات -وحتى في علم اللغة الصرف- التي تتعلق بمناطق لا يقع الطلب كثيرا عليها، وليس لها فائدة تجارية مباشرة، كما هو الحال بالنسبة للمناطق واللغات التي تدرس في مناهج المدارس الثانوية العادية في الولايات المتحدة الأمريكية. وإنه لمن غير المعقول أن نتوقع من شخص موهوب في هذه النواحي أن يتخصص في لغة أو منطقة يوجد في طلبها أمل ضعيف، أو مشكوك فيه، في حين أنه يعلم أنه لو تخصص في الفرنسية أو الإسبانية أو الألمانية مثلا فهو   1 انظر: Duncan Macdougald, Jr. في كتابه المطبوع في فلادلفيا عام 1944 بعنوان: The Language and Press of Africa. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 269 يستطيع على أسوأ الفروض أن يحصل على وظيفة مدرس في أي مدرسة ثانوية محلية. وإن معهد علم اللغة الجغرافي يجب أن يكون معدا ماليا، ليس فقط لتدريب اختصاصييه على لغات ومناطق يقل الطلب عليها، ولكن أيضا ليجد لهم عملا مجزيا حين ينتهون من دراستهم، أو حتى الاحتفاظ بمرتباتهم على قدم المساواة مع مرتبات الباحثين، إذا لم يكن هناك عمل فوري يمكن إلحاقهم به. وحتى الآن فإن القوات المسلحة, ومكتب الخدمات الخارجية فقط هما اللذان حققا بعض القرب للمعهد اللغوي الجغرافي الذي نتصوره في مخيلتنا. ولكن برنامج القوات المسلحة يقوم على التخصص في لغة واحدة، ولا يعطي ضمانات بالتوظيف في أعمال فيما عدا ما يتعلق باحتياجات القوات المسلحة، وهي احتياجات بطبيعتها متغيرة ومتقلبة ولا يمكن الاعتماد عليها. ونتيجة لهذا ظهرت برامج خاطفة متتابعة، تعد قليلة القيمة بالنسبة للمنظمات ذات الأعمال الحرة، وكبيرة القيمة بالنسبة للحكومة، وبذلت جهود سريعة لمواجهة الاحتياجات التي تثور من وقت لآخر، دون اتباع خطة بعيدة المدى أو رسم مخطط لعدة سنوات مقدما كما يجب أن يكون. والآن تبدو الحاجة ملحة إلى أعداد كبيرة من علماء اللغة الجغرافيين، يعمل بعضهم كخبراء عالميين فيما يخص الصورة العامة للغات العالم، ويعمل بعض آخر كاختصاصيين في الإحصاءات والأرقام الخاصة باللغة، وبعض ثالث للتخصص في بعض المناطق واللغات, ومثل هذه التخصصات لا يمكن أن ترتجل ارتجالا، وإنما هي تتطلب إعدادا طويلا مجهدا، وتدريبا شاقا، بل إنها تحتاج إلى تأييد وعون للمتخصصين بعد إنهائهم تدريبهم من أي شخص يمكن أن يستفيد من مجهوداتهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 270 وإن إحدى ثمرات معهد علم اللغة الجغرافي سوف تتضح في جمع المعلومات التي لا شك ستكون محل ثقة الجميع، وتحت طلبهم، مع تعداد أو إحصاء لغوي شبيه بذلك الإحصاء الذي تم أثناء الحرب في مجال محدود وبصورة ناقصة على يد مكتب تحليل الوسائط التابع لمكتب المعلومات الحربية. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 271 قائمة بمصطلحات الكتاب : abbreviation اختصار "استخدام الحروف الأولى للكلمات" 155. ablaut إبدال "وانظر apophony" 146. accent نبر "وانظر stress" 92. accusative المفعولية 150. acoustic phoneties علم الأصوات السمعي "أو الفيزيائي أو الأكوستيكي" 47، 92. actualization تحقق الفونيم "وانظر Realization" 88. adam's apple تفاحة آدم 77. adjective صفحة 103. adsratum الطبقة الإضافية 140. adverb ظرف 109. affricate "صوت" مركب "وانظر composite" 84، 124. agglutinatve language لغة لاصقة 57، 58. allomorph ألومورف وانظر Variant form" 104, 127، 128. allophone ألوفون "أو صوت موقعي" 50، 88، 89، 90، 121، 123, 129. alveolar "صوت" لثوي 85. alveoli لثة "أو منبت الأسنان" 83. amelioration ارتفاع المعنى "وانظر enhancement" 158. amplitude سعة الموجة الصوتية 92. analogy قياس 141، 243، 265. analytical language لغة تحليلية 151. anaptyxis زيادة العلة 148. apheresis إسقاط العلة الأولى 148. apical صفيري قوي 85. apophony إبدال "وانظر ablaut" 146. archaism مهمل "من الكلمات" 154. archiphoneme فونيم رئيسي 89. area language لغة منطقة "أو لغة محلية", "وانظر Regional language" 64, 67، 188. articulatory phonetics علم الأصوات النطقي 47، 87. artifical language لغة صناعية "وانظر Constructed" 192، 193. assimilation مماثلة 123، 128. attribute صفة 110. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 273 augmentatives صيغ الزيادة 154. auxiliary language لغة مساعدة "أو بديلة" 191. auxiliary language لغة مساعدة "أو صناعية أو دولية أو مركبة أو عالمية" 193. back-for mation اقتطاع عجزي 155. back vowel علة خلفية 79. base from صيغة أساسية "بالنسبة للألومورفات" 107، 127. basic language لغة أساسية 193. bilingualism ثنائية اللغة 64، 192. blending مزج "أو تداخل", "وانظر contamination" 157. borrowing اقتراض 156، 234. bound morpheme مورفيم متصل 54، 56, 100، 101، 102، 154. bow-waw نظرية تفسر نشأة اللغة 38. canonical form نموذج مقبول 96. Central vowel علة وسطى "أو مركزية", "وانظر middle vowel" 79. Centrifugal اتجاه طرديمركزي 71. Centripetal اتجاه جذبيمركزي 71. Centum مجموعة اللغات الهندية الأوربية التي لم تتحول أصواتها الوقفية الطبقية الى غارية أو لثوية 169، 173. Checked Position موضع مقيد "بالنسبة للعلة" 97. Class language لغة طبقة 64، 70، 195. Close juncture مفصل ضيق 95. Close vowel علة ضيقة 79. Closed syllable مقطع مقفول 96. cognates كلمات ذات أصل واحد 158. coinage وضع 155. Colloqual language لغة دارجة "عامية"70. Colloqualism عامية 138. Calonial language لغة استعمارية "لغة الاستعمار" 64، 187. Colonizing language لغة الاستعمار 187. Common ancestor أصل مشترك 169. Comparative linguistics علم اللغة المقارن 36، 58، 59. Comparative philology فقه اللغة المقارن 233. Complemeutary distribution توزيع تكاملي 49، 52، 90. Component كلمة في تركيب أكبر "وانظر Constituent" 109. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 274 Composite sounds أصوات مركبة "وانظر Affricate" 124. Composition تركيب 155. Compound words كلمات مركبة 155. Compromise language لغة وسط 190. Conjugation اشتقاق 153. Conjsonant language لغة اشتقاقية 152. Consonant صوت ساكن "أو حبيس، أو صحيح، أو صامت" 46، 51، 78. Consonant clusters تجمعات السواكن 98. Consanant shift إبدال السواكن 150. Constituent كلمة في تركيب أكبر "وانظر Component" 109. Constituent class مجموعة الكلمات التي لها نفس الحق في الاستعمال "وانظر form-class" 108. Construction تركيب 108. Contamination تداخل "وانظر Blending" 157. Creole language لغة مبسطة أو مهجنة "وانظر pidgin" 64, 188. Cultural language لغة ثقافية 190. Culture ثقافة 206. Declension إعراب 153. Declensional Language لغة إعرابية 152. Dedialectalization تجمع اللهجات 195. Delabialization سلك الشفوية 144. Denasalization سلب الأنفية 145. Dental أسناني 82. Dento-labial أسناني شفوي 83. Derivation اشتقاق 154. Derivatives مشتقات 154. Desciptive linguistics علم اللغة الوصفي "وانظر Synchronic" 36، 38، 226، 233، 235-238، 240، 242، 243، 253، 254، 257، 268. Diachronic linguistics علم اللغة التاريخي "وانظر historical" 36. Diachronic phonetics علم الأصوات التاريخي 46. dialect لهجة "ذات صورة مكتوبة" 64، 68، 69، 138. Dialectalization انقسام لهجي 195. Diffusion انتشار وتوسع 191. Digraph تمثيل صوت واحد برمزين 81. Diminutives صيغ التصغير 154. Diphthong علة مزدوجة 80، 81، 143، 150، 151 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 275 Diphthongization Diphthongize راجع Diphthong. Dispersion تبدد وانحلال 191. Dissimilation مخالفة 128، 147. double consonant ساكن مضعف 146. Doublets كلمات مشتقة من كلمة واحدة 158. endocentric structure جملة ناقصة 108. enhancement ارتفاع المعنى "وانظر Amelioration" 158. epenthesis زيادة الساكن 148. epigrhph علم النقوش 141. etymology علم الاشتقاق 44، 55. exocentric structure جملة تامة 108. experimental phonetics علم الأصوات التجريبي 47. extra high pitch درجة عالية جدا 94. falling diphthong علة مزدوجة هابطة 81. field conditions ظروف بيئية 121. flap صوت ترددي "وانظر trill" 86. focal area منطقة مركزية 195. folk etymology اشتقاق جمعي "وانظر popular etymology" 159. formant مورفيم حر "وانظر free morpheme" 101, 102, 107, 154. form-class مجموعة الكلمات التي لها نفس الحق في الاستعمال 108. frequency of sound waves تردد الموجات الصوتية 92. free morpheme مورفيم حر "وانظر Formant" 54, 56, 57, 100, 101, 102, 113, 114, 154. free position مركز حر "بالنسبة للعلة" 97. free variations تنوعات حرة 50، 97. fricative صوت احتكاكي "وانظر spirant" 46، 83. front vowel علة أمامية 79. function word كلمة وظيفية "كلمة مساعدة" 101. functional chang تغيير وظيفي 156. functional tone نغمة أساسية 92. gemination تضعيف "الصوت" 145. genemmic phonetics علم الأصوات بعد الإنتاجي 47. genetic classification تصنيف اللغات على أساس القرابة 56 genetic phonetics علم الأصوات الإنتاجي 47. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 276 geolinguistics علم اللغة الجغرافي 36-38، 64، 134، 234، 227، 241، 243، 253، 267-271. glide انحدار "أو نصف علة", وانظر semiconsonart- somivowet " 81، 126. glossematics التحليل شبه الرياضي 257. glosseme جلوسيم 257. glottal مزماري 87. glottal stop الهمزة 77. glottochronology محاولة إعادة كتابة التاريخ اللغوي على أسس لغوية تاريخية إحصائية مقارنة 237، 266. graded areas مناطق متعددة الدرجات 195. grammar علم القواعد 52، 53. grammatical structure التركيب القواعدي 45. guttural طبقي "وانظر velar" 82. half rounded vowel علة نصف مفتوحة 79. half rounded vowel علة نصف مستديرة 80. hoplology حذف المقطع 148. hard palate الحنك الصلب "الغار, وسط الحنك" 79. head كلمة أساسية "وانظر head word" 110. head word كلمة أساسية "أهم كلمة في التركيب", "وانظر word" 110. hiatus اجتماع صوتي علة 149، 150. high pitch درجة عالية 94. high vowel علة عالية 79. historical linguistics علم اللغة التاريخي "وانظر diachronic" 36، 38، 235، 237، 240-242، 253 262، 267، 268. historical phonetics علم الأصوات التاريخي 46. ideogram رمز يدل على فكرة 60. idiolectic differences خلافات أسلوبية 210. idiolects عادات كلامية 70، 210. idiom تعبير "أو مصطلح أو تعبير اصطلاحي" 114، 138. immediate constituents مكونات مباشرة 108، 109. immigrant dialects لهجات المهاجرين 189. imparisyllabic مختلف المقاطع 150. incorporating languages اللغات المركبة "وانظر polysynthetic" 57. indigenous languages لغة أهلية "بلدية, وطنية" 64، 186. inflectional ending لاحقة تصريفية 43، 57، 58. inflectional languages اللغات التصريفية 56. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 277 informant راو لغوي 120، 121، 132، 133. input الأساس أو الأصل "جملة الإثبات بالنسبة للنفي أو الاستفهام" 110. interlanguage لغة وسيطة "صناعية, دولية, عالمية, مركبة" 193. internal change تغيير داخلي 44، 53، 56. internal open juncture مفصل داخلي مفتوح 150. international language لغة دولية 193. international phonetic alphabet الأبجدية الصوتية الدولية 47، 51. intervocalic position الموقعية بين علتين 143. intonation تنغيم 92، 95، 129. intonation morpheme مورفيم تنغيمي 112. isoglosses الخطوط الفاصلة بين الصور الكلامية المتنوعة 70، 133. isolating languages اللغات المفردة 57، 58. jargon لهجة حرفية "لهجة خاصة بطبقة معينة أو مهنة أو حرفة" 65، 70، 138. juncture مفصل "وانظر transition" 92، 95، 129، 258. koine لغة وسط "منتخبة قصدا من عدة لهجات", "وانظر compromise language" 64, 190. labial شفوي 82. labialization الإبدال الشفوي 144. labio-dental شفوي أسناني 83. lambdacism إبدال نادر 149. language identification التعرف اللغوي 63، 194. language in contact اللغة في مجال الاتصال "وانظر adstratum" 140, 194. language of colonization لغة الاستعمار "وانظر Colonizing" 187. langue لغة "اصطلاح دي سوسير" 115. larynx الحنجرة 77. lateral جانبي "صوت" 46، 86. lateral areas المناطق الجانبية "نظرية" 265. lautverschibung إبدال الأصوات "وانظر Sound shift" 150. learned development تطور علمي 158. lexeme صيغة نحوية كاملة 113، 128. lexicography علم المعجم 44. lexicology مفردات اللغة 112. lexicostatistics عمليات إحصائية معجمية 266. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 278 liaison تسهيل 107. linguist لغوي 40. linguistic atlas أطلس لغوي 131، 235، 240. linguistic geography الجغرافيا اللغوية 134. linguistic distribution التوزيع اللغوي 191. linguistic prestige centre مركز الهيبة اللغوية 195. linguistic replacement الإحلال اللغوي 188. linguistics علم اللغة 35، 37، 43. linguistic sphere of infuence منطقة النفوذ اللغوي 188. linking اتصال 107. liquid صوت مائع 86. literacy coefficient معامل القراءة والكتابة 65، 192. literary language لغة أدبية 64، 69. liturgical coefficient المعامل الديني 65. liturgical tongue لغة مقدسة "دينية" 190. loan translation ترجمة مفترضة 157. loan word كلمة مفترضة 157. logographic writing كتابة تصويرية 60، 165. loudness علو الصوت 92. low pitch درجة منخفضة 94. low vowel علة منخفضة 94. lungs الرئتان 77. mathematical linguistics علم اللغة الرياضي 250. metalinguistics ما وراء علم اللغة 206، 266. metaphony أمامية العلة الخلفية "وانظر umlaut" 147. metathesis قلب 149. middle vowel علة وسطى "وانظر central" 79. mid pitch درجة متوسطة 94. mid vowel علة متوسطة 79. minimal pairs ثنائيات صغرى 90، 121، 123. modified language لغة معدلة "من ناحية النطق أو الهجاء أو القواعد النحوية" 64، 193. monogenesis وحدة الأصل "الأصل الواحد" 139، 237. monophthong صوت مفرد "بسيط" 81، 143. monotony test اختبار الرتابة 125. morph مورف 100، 127. morpheme مورفيم 53، 100-102، 127، 128. morphological صرفي 106. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 279 morphology علم الصرف 43، 53. morphophonemic مورفوفونيمي 106، 107، 127. muddy transition انتقال خفي 95. multilingualism تعدد اللغات 64، 192. nasal أنفي 46، 77، 86. nasalization أنفية "تأنيف" 145. national language لغة وطنية "قومية" 64، 68، 69، 86. nationalism coefficient معامل القومية 192. nationalistic coefficient المعامل القومي "الوطني" 65. naturalization تجنيس "الأصوات" 98. neogrammarian النحويون المحدثون 234. neolinguists اللغويون المحدثون 234. neutralization التحييد "التعادلية" 89. noninative الفاعلية 150. non-"U" language لغة غير الجامعيين 70. numerical coefficients معاملات عددية 179. obsolescence هجر "للكلمات" 154. occlusives أصوات انسدادية "وانظر plosives & stops" 82. Official language لغة رسمية 64، 186. onomatopoetic كلمات تعد انعكاسا لأشياء أو أصوات طبيعية 156. open juncture مفصل مفتوح 95. open syllable مقطع مفتوح 96. open vowel علة مفتوحة 79. oral sounds أصوات فموية 77. output النتاج أو الفرع "الجملة المنفية أو الاستفهامية بالنسبة للإثباتية" 110. overcorrection المبالغة في التصويب 159. over-differentiation المبالغة في تقدير الاختلافات "الصوتية الموجودة" 124. overtone نغمة توافقية 192. oxytone نبر المقطع الأخير 151. palatal غاري 84. palatalization تغوير 144. paleography علم الوثائق 141. paradigm مثال "وزن" 153. paragoge زيادة علة نهائية 148. parisyllabic متساوي المقاطع 150. parole كلام "مصطلح دي سوسير" 115، 210. paroxytone نبر المقطع قبل الأخير 151. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 280 parts of speech أقسام الكلام 99. past participle اسم المفعول 103. patois لهجة الطبقة الدنيا "غير مكتوبة" 64، 69، 138. pause of silence سكتة كلامية 93. peak of sonority قمة الرنين "في المقطع" 82، 96. pejoration انحطاط المعنى 158. pejoratives صيغ انحطاط المعنى 154. philological conditions ظروف فلولوجية 121. philologist فلولوجي "لغوي" 40. philology فقه اللغة 35. phone الصوت المفرد 47، 48، 49، 50، 77، 88، 90، 100. phoneme فونيم "الوحدة الصوتية" 49، 50، 88، 90، 100، 121، 123، 129. phoneme cluster عنقود فونيمي 259. phonemics علم الفونيمات 43، 88. phonemic transcription الكتابة الفونيمية 126، 130. phonetics علم الأصوات العام 43، 46، 47. phonetic transcription الكتابة الصوتية 126، 130. phonetic variants تنوعات صوتية 88. phonetize بصوت "يجعل الطريقة الكتابية للغة ما صوتية" 193. phonological صوتي 106. phonology علم الأصوات 43، 46، 47، 103. physiologycal phonetics علم الأصوات الوظائفي 47. pictogram التعبير عن المراد بصورة "رمز تصويري" 60. pictographic idiographic writing الكتابة التصويرية 60، 61، 165. pidgin لغة مهجنة "لغة بنحو مبسط وكلمات مختلطة للتفاهم بين الأقاليم المتجاورة" 64، 188. pitch درجة الصوت 92. pitch accent نبر يقوم على درجة الصوت 93. plosives أصوات انفجارية "وانظر Stops & occlusives". point of articulation مخرج الصوت 45، 78، 258. polysynthetic تركيبي متعدد 152. polysynthetic اللغات المركبة "وانظر incorporating" 57, 58, 152. pooh-pooh نظرية تفسير نشأة اللغة 38. popular development تطور عام 158. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 281 popular etymology اشتقاق جمعي "وانظر folk etymology" 159. portmanteau words كلمات تكونت عن طريق مزج كلمتين موجودتين بالفعل 156. positional variants تنوعات موضعية "موقعية" "وانظر allophone" 49, 88. posteriori language لغة تابعة 193. predicate مسند "محمول" 108، 109. prefix سابقة 43، 53، 56، 101، 128. prescriptive معياري 226. present participle اسم الفاعل 103. primary accent نبر أولى 93. primary language لغة أولية 64، 191. priori language لغة أولية 193. proparoxytone نبر المقطع الثالث من الآخر 151. protected medial positon موقعية الساكن متوسطا ليس بين علتين 143. prothesis زيادة علة أولى 148. psycholinguisties علم اللغة النفسي 250. realization تحقق الفونيم "وانظر actualization" 88. received standard لغة معيارية "وانظر standard language" 138. reconstruction إعادة التركيب 140. redundancy حشو 91. regional language لغة منطقة "وانظر Area language" 188. relic areas مناطق أثرية 195. replacement إبدال 106. replacives بدائل 127. resonating chamber حجرة الرنين 77. rhotacism الإبدال الشائع 149. rising diphthong علة مزدوجة صاعدة 81. root حذر "وانظر stem" 102. rounded vowel علة مستديرة 80. rounding التدوير "للعلة" 145. sendhi "وانظر syntactic phonology" 107. satellite language لغة تابعة 188. satem مجموعة اللغات الهندية الأوربية التي تحولت بعض أصواتها الوقفية الطبقية إلى احتكاكية غارية أو لثوية 169، 173. Secondary accent نبر ثانوي 93. Secondary language لغة ثانوية 64، 191. Secondary phoneme "انظر suprasegmental" 92. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 282 segmental phoneme فونيم جزئي "أو تركيبي" 92. Segmentation تجزيء 124. semantic change تغيير دلالي 157. scmantics علم الدلالة 44، 55. semiconsonant "انظر semi vowel & glide" 81. semilearned نصف علمية "كلمات" 158. semivowel شبه علة "نصف علة", "وانظر glide" 46, 81. shortening تقصير 155. sibilant صوت صفيري 85. simplification تيسير 141. simplification تبسيط الصوت "تحويل المضعف إلى صوت بسيط" 145. singsong نظرية تفسير نشأة اللغة 39. slang لهجة عامية 65، 70، 138. sociolinguistics علم اللغة الاجتماعي 250. Social stratification الانقسام الطبقي 195. soft palate الطبق "الحنك اللين, أقصى الحنك الأعلى", "وانظر velum" 78. sonant مجهور "وانظر Voiced" 78. Sonorization إجهار "وانظر Voicing 144. sound change التغير الصوتي 140. sound combinations تجمعات صوتية 97. sound law القانون الصوتي 140، 234، 263، 264. sound shift إبدال الأصوات "وانظر consonant shift" 150. speech segments جزيئات الكلام 92. spirants أصوات احتكاكية "وانظر fricatives" 83, 85. spread vawel علة منبسطة 80. standard language لغة معيارية "لغة مشتركة" 137، 138. stem أصل "وانظر root" 102. stops أصوات وقفية "وانظر Occlusievs & plosives 82. stress نبر "وانظر Accent" 44, 92, 129. stress accent نبر علوي 193. strong verb فعل قوي 105. Structural linguistics علم اللغة التركيبي 36، 236، 238. Structure تركيب 52، 53. subject مسند إليه "موضوع" 108، 109. Substandard speech الكلام دون المعياري 138. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 283 substitution الإحلال "إحلال لغة محل أخرى" 64. substitute لغة بديلة 191. substratum الطبقة السفلى 139، 140، 265. suffix لاحقة 53، 56، 58، 128. superanalytical فوق التحليلي 152. superimposed languages اللغات الاستعمارية "وانظر colonial" 64, 187. superstratum الطبقة العليا 139، 140، 265. suppletion تغيير شامل 106 suprasegmental phonems فونيم إضافي "فوق التركيبي" 92، 129. surd مهموس "أو صامت" وانظر unvoiced" 78. Suspicious pairs أزواج مشتبهة 125. syllable مقطع 96. syllabic alphabet writing الكتابة الأبجدية المقطعية 60، 61. syllabic division تقسيم مقطعي 96. syllabic script الكتابة المقطعية 60. symbiosis تعايش لغتين في مكان واحد 65. synchronic linguistics علم اللغة الوصفي "وانظر descriptive" 36. syncopation الترخيم الوسطى 147. syntactic phonology علم الأصوات النحوي "وانظر smadhi" 107. syntax علم النحو 44، 53، 54. synthetic language لغة تركيبية 151. tertiary accent نبر ثالثي 93. timbre كيفية التنغيم 92. transcription تمثيل صوتي 196. transformation تحويل "إحدى جملتين داخل مجموعة واحدة إلى الأخرى" 109. transition انتقال "وانظر juncture" 95, 195. transliteration كتابة لغة بحروف لغة أخرى 196. trilingualism ثلاثية اللغة 192. trill صوت مكرر "وانظر flab" 86. triphthong علة مثلثة 81. typological classification التصنيف التشكيلي 56. "U" language لغة الجامعيين 70. umgangssprache language لغة دارجة "وانظر vernacular 195. umlaut أمامية العلة الخلفية "وانظر metaphony" 147. under-differentiation التقليل في تقدير اختلافات "صوتية موجودة" 124. universal language لغة عالمية "صناعية, دولية, مركبة" 193. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 284 unvoiced مهموس, صامت "وانظر surd" 46، 78. unvoicing الإهماس 145. uvula اللهاة 79. variant forms صيغ متنوعة "ألومورفات" 104. velar طبقي 82. velum "انظر soft palate" 78. venecular language لغة دارجة "وانظر umgangssprache" 195. vibrant صوت مهتز 86. vocabulary علم المفردات 44، 55. vocal cords الأوتار الصوتية 77. vocalization الإبدال العلي 144. voiced مجهور "وانظر Sonant" 46, 78. voicing إجهار "وانظر sonorization" 144. vowel علة "لين, صائت, طليق" 46، 78. vowel quality كيفية العلة 142. vowel quantity كمية العلة 151. vowel shift إبدال العلل 151. vulgarism تعبير مبتذل 70، 138. weak accent نبر ضعيف 93. week verb فعل ضعيف 105. wind pipe القصبة الهوائية 77. word كلمة 112. yodization الإبدال اليائي 149. yo-he-ho نظرية تفسير نشأة اللغة 39. zero allomorph الألومورف الصفري 105. zero change التغيير الصفري 104، 127، 131. * "نجمة" علامة الأصل الافتراضي 140، 147، 150. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 285 قائمة اللهجات واللغات والعائلات اللغوية 1: الآرامية 175، 233. الأترورية 72، 166، 177، 229. لغة أجبوا Ojibwa 239، 259. الأردية 74، 187، 202. الأرمينية 59، 169، 170، 172، 204، 263. الإسبانية 41، 50، 58، 62، 72، 74، 82، 84-86، 96، 107، 111، 115، 143، 144، 146، 148، 149، 151، 155، 185، 187-189، 191، 197-199، 201-203، 209، 211، 217، 240، 263، 265. الإسبرانتو 193، 234. الأسترالية 56، 66، 176. الأستورية 211. الأستونية 171. الأسكانية 72، 173. الأسكتلندية 84. الأسكندنافية 59، 148، 156، 171. لغات الإسكيمو 58. اللغات الإفريقية 55، 171، 174. الألمانية 36، 59، 66، 74، 84، 86، 89، 98، 99، 115، 124، 125، 139، 147، 149، 150، 157، 158، 171، 179، 185، 187، 191، 199، 201. الأمبرية 72، 173. اللغات الأمريكية الهندية 58، 66، 100، 111، 151، 171، 176، 198، 236-250، 251.   1 لم ندخل في الترتيب الهجائي كلمات "لغة" أو "لهجة" أو "مجموعة" كما لم ندخل أداة التعريف. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 286 الأمهرية 60، 171، 175، 204. انترلنجوا 193. الأنجلوسكسونية 36، 141، 147، 150، 152، 154، 156، 157 288. الإنجليزية 36، 41، 49، 50، 58، 62، 66، 67، 72، 73، 77، 80، 80-82، 84، 86، 88-90، 93، 94، 96، 98، 100، 102، 110، 111، 113، 115، 121، 124، 126، 128، 129، 140، 141، 146-152، 154-159، 171، 172، 185، 187-189، 191، 193، 197، 199، 201، 202، 208، 218، 252، 259. الإندونيسية: 74، 96، 176، 191، 209، 211. اللغات الأوربية 55. الأورالية, الألطائية 171، 175. الأوزبكية 171، 197. الأيبيرية 62، 72، 139، 229، 265. الإيرانية 172. الإيرلاندية 58، 173، 203. الأيطاليقية 169، 172، 173. الإيطالية 81، 82، 96، 98، 113، 122، 123، 128، 129، 139، 143-146، 148، 149، 155، 173، 177، 185، 187، 189-191، 211، 230، 259، 263، 264، 266. لغة أيمارا Aymara 188. لغة أيوي Ewe 125. البابوانية 176. لهجة باريس 195. الباهاسا 190. البربرية 171، 175. البرتغالية 62، 149، 185، 188، 189، 191، 263. البروفنسالية 230. البسكية 197، 199. البلطية, السلافية 169، 172. البلغارية 194. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 287 البنجالية 186، 187، 191. البورمية 175. البولندية 185، 203. البونيقية 175، 229. البيدمونتية 211. البيكاردية 69. التاغالوغية 74، 187. التايلاندية 175. التبتية 175، 239. التركية 171، 203. التوسكاتية 138، 149. التوبي جواراني Tupi- guarani 188. التيجرية 175. الجرمانية 140، 147، 149، 157، 169، 172، 173، 179، 189، 232، 234، 263. الجورجية 204. الجولش 229. المجموعة الحامية السامية 56، 171، 174، 175. الحثية 172، 174، 178. الدرافيدية 176. الدنمركية 156. لغة رو Ro 193. الروسية 37، 44، 56، 66، 67، 72، 98، 102، 111، 185، 188، 191، 197، 209، 239. لهجة روما 62، 195. اللغات الرومانسية 36، 56، 59، 72، 141، 143، 152، 171، 172، 177، 179، 189، 227، 228، 233، 234، 265. الرومانشية 187. الرومانية 123، 144، 166، 167، 179، 185، 194، 203، 259، 263، 266. الرومانية الغربية 266. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 288 لغة زوني zuni 209. اللغات السامية 227,231,227. لغة ساموا 176. السردينية 179. السريانية 175. السلافية 37، 58، 59، 99، 170، 171، 233، 263. السنسكريتية 58، 99، 140، 150، 152، 170، 232، 233، 263. السواحيلية 66، 67. لغة سوما 193. السومارية 225. السويدية 36. السيرلية 196، 203. الشلحا 175. الصقلية 173، 211. الصينية 44، 49، 54، 60، 72، 74، 94، 100، 129، 151، 165، 171، 175، 185، 191، 196، 198، 204، 234، 239. الصينية, التبتية 175. الطخارية 172، 173. الطوارقية 175. المجموعة الطورانية 56. العبرية 149، 171، 175، 192، 204، 208، 227، 231، 273. العربية 74، 124، 171، 175، 190، 191، 204، 208، 227، 231، 233، 265. الغالية 62، 72، 139، 199. الغالية, البرتغالية 197. اللغات الغربية 103. الغيلية 209. الفارسية 59، 171، 190، 232. الفالسكانية 173. الفرنسية 41، 51، 58، 62، 66، 67، 72، 74، 80، 82، 86، 87، 89، 107، 110، 111، 143، 145، 148، 149، 153، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 289 156-159 ، 177، 185، 187، 188-191، 197، 199، 201، 208، 209، 230، 239، 240، 263، 265. اللهجة الفرنسية 73، 138. الفلمنكية 187. الفلورنتية, التوسكانية 69. لغات الفليبين 176. الفنلندية 171، 203. لغة فولا Fula 239. لغة فولابوك volapuk 234. الفيتنامية 66. الفينيقية 171، 175. القبطية 171، 175. القشتالية 73، 138. القوطية 58، 140، 149، 170. القوقازية 176. الكاتالية 199. الكاتالية, الفولانسية 197. الكلتية 169، 170، 172، 173، 192، 232، 233، 263، 266. الكورية 175. لغة كوتشوا quichua 18. الكوشية 174. الكوكتي 211. اللاتينية 36، 44، 54، 56، 58، 62، 67، 72، 73، 99، 102، 111، 120، 123، 139-141، 143-145، 148-150، 152، 156-158، 167، 170، 173، 177-179، 185، 189، 190، 193، 208، 227، 230-234، 263-265. latino sine flexione 193. اللتوانية 59، 99. اللندنية 147. المؤابية 175. المالطية 189. المجرية 259. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 290 المصرية القديمة 166، 171، 175. لغة الملايو 191. المنشورية 171. المنغولية 171. لغة مينوميني 209، 259. لهجة نابولي الحديثة 69. لغات نيوزلاندة 66، 176. لغات هاواي 176. الهاوايينية 66، 87. اللغة الهسبانية Hispanic 266. الهندستانية 191. الهندية 49، 58، 68، 74، 152، 171، 172، 187، 202، 204. المجموعة الهندية الأوربية 56، 58، 59، 99، 100، 140، 150، 153، 170-175، 178، 185، 194، 227، 231، 233، 235، 241، 250، 263, 266. الهندية الإيرانية 169، 266. الهنغارية 171. لغة هوبي hopi 209. الهوتنتوتية 46. الهولندية 36، 67، 189، 201، 203. الويلزية 86، 173، 218. اليابانية 41، 46، 96، 146، 171، 175، 191، 196، 204، 259. اليابانية الكورية 176. اليونانية "الإغريقية" 58، 59، 67، 85، 99، 102، 120، 140، 150، 156، 169، 172، 174، 185، 190، 196، 203، 209، 229، 230، 232-234، 263. البيدية 98، 189، 208. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 291